15-08-18, 11:28 PM | #9593 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام
| الفصل الخامس والعشرون :- كنان ! رفع عينيه إليها مجفلا .. قبل أن يعبس قائلا بغضب :- ما الذي تفعلينه خارج السرير ؟؟ هجومه الغير متوقع ... ووجوده الغير منتظر أمام الباب .. أرغمها على أن تتراجع إلى الوراء دون أن تفكر مفسحة له الطريق عندما خطى نحوها .. بعد أن أغلق الباب خلفه ... بدأت تعود إلى صوابها وتصحو من ذهولها وهي تقول بحدة :- ما الذي تفعله هنا ؟؟؟ :- أ مازالت ركبتاك تؤلمانك ؟؟؟ أنت تعرجين ؟؟ أخذها على حين غرة مجددا عندما أمسك بمرفقها وهو يقول :- لنجلس أولا ... ثم تستطيعين تمزيقي بلسانك كما تشائين .. تركته يجرها إلى غرفة الجلوس بينما هي تقول خلفه بغضب :- أنا لست طفلة .. فلا تعاملني كواحدة .. دفعها بلطف كي تجلس فوق أول مقعد .. ثم نظر إليها من علو تعتلي عينيه نظرة غامضة وهو يقول :- صدقيني ... أنا أعرف جيدا أنك لست طفلة .. وجدت نفسها تتذكر لحظة قبلها فأشاحت بوجهها عله يغفل عن احمرار وجنتيها .. سألته باقتضاب :- لماذا أنت هنا ؟؟؟ من المفترض بك أن تكون في المستشفى برفقة عائلتك .. سمعته يتنفس بقوة .. قبل أن يتراجع مبتعدا عنها وهو يقول :- لم .. لم أستطع .. :- لماذا ؟؟؟ لأن بحر ستكون هناك ؟ رفعت رأسها نحوه لترى وجهه يشحب وهو يقول :- لا .... أعني .. أظنها كانت ستكون أكثر انشغالا من أن تدرك تواجدي هناك .. نظرت إليه مليا ... قبل أن تسأله بقلب منقبض :- هل تحبها ؟؟ اكتسى وجهه بالغموض وهو يقول :- لفترة .. ظننت هذا ... إلا أنني الآن أدرك بأنني توهمت مشاعري هذه نحوها إذ أنها كانت أول امرأة ترفضني ... القبضة التي كانت تعتصر قلبها ارتخت فجأة دون أن تعرف السبب .. إلا أن استرخائها المؤقت لم يستمر عندما أكمل بصوت مكتوم :- التوتر بيننا كلما التقينا .. عائد على الأرجح لأنها لن تسامحني كوني السبب في لقائها بلقمان .. كانت تدرك أن هناك شيء لا يخبرها به كنان .. إلا أنها لم ترغب بمعرفته .. تمتمت :- أنت لم تجب عن سؤالي ... لماذا لست هناك .. مع عائلتك ؟؟؟ زفر بقوة وهو يقول :- هل حقا تطرحين هذا السؤال ؟؟؟ لن يرغب أحدهم بوجودي هناك .. تذكرت هجوم ريان السابق عليه .. فقالت بهدوء :- أتخشى أن يدركوا بأنك تهتم حقا بلقمان .. وترغب فعلا بالاطمئنان عليه ؟؟؟ أم العكس ؟؟ نظر إليها مجفلا .. فتابعت :- أظنك تخشى أن يظنوا بأنك هناك فقط لأنك يجب أن تكون هناك .. أن ينظروا إليك وكأنهم يخبرونك بأنك لا تستحق أن تكون موجودا معهم .. للحظة ... كانت قادرة على رؤية شيء ينكسر في العينين السوداوين واللتين كانتا تبدوان دائما صبيانيتين .. في حين أنهما الآن كانتا بعيدتين تماما عن الصبيانية .. همس :- كيف ... كيف تفهمينني بهذا الشكل ؟؟ غمرها العجز وهي تطرح على نفسها التساؤل ذاته ... ليفاجئها عندما خطا نحوها من جديد ... ممسكا وجهها بين يديه ... رافعا إياه نحوه ... ابهامه يتحرك فوق شفتها السفلى المشقوقة برفق وكأنه يخشى أن يدميه مجددا ... كان عليها أن تذكر نفسها بصعوبة بأن هذا الرجل .. كما كان الشخص الذي أنقذها هذا المساء .. كان الرجل الذي سبق وأهانها بكل طريقة ممكنة .. كي تتمكن من التعاطي مع رقته المفاجئة ... أبعدت وجهها وهي تضرب يده قائلة بسخط :- ما الذي تفعله ؟؟ إن لمستني مجددا قتلتك .. أتسمعني أيها المنحرف ؟ تراجع خطوة وهو يقول يتمتم بصوت مغلق :- آسف ... أنا كنت قلقا عليك ... كل ما أردته هو أن أتأكد بأنك بخير ... لقد ظننتك حقا نائمة ولم أرغب بإزعاجك .. هه ... الحقير ... الآن هي غارقة حتى أذنيها بتأنيب الضمير لتهجمها عليه ... تمتمت :- أنا من يجدر بي الاعتذار عن فظاظتي ... أنت رغم كل شيء ... أنقذتني اليوم .. تمتم باقتضاب :- لقد كنت في الوقت والمكان المناسبين لا أكثر نظرت إليه مليا .. ثم قالت :- لا .... أنا لا أظن هذا صحيحا ... نظر إليها بتلك العينين اللتين رغم اختلاف اللون ذكرتاها كثيرا بريان .. إذ كانتا تحملان الهشاشة نفسها ... وتمتمت :- أنا لا أظن وجودك هناك كان محض صدفة .. تورد طفيف لون وجنتيه مؤكدا شكوكها .. فتنهدت قائلة :- ما الذي كنت تفعله هناك يا كنان ؟؟ قال بخشونة :- ربما عليك أن تكتفي بشكري وترك الأمر في حاله .. :- هل تظنني حقا سهلة المراس إلى هذا الحد ؟؟ أدار عينيه وهو يقول :- إطلاقا .. ثم تنهد وهو يجلس فوق مقعد مواجه لها ... تاركا مسافة آمنة بينهما .. مما جعل وردة تشعر بالغرابة لحوارهما المتحضر ... هي وكنان ... يتبادلان حوارا هادئا و ... وحميما بعض الشيء ... بدون أي شيء من الشجار ؟ تمتم محدقا بيديه :- ما كان علي أن أقبلك كما فعلت ذلك المساء .. أحست وردة بالحرارة تجتاحها من رأسها حتى قدميها وهي تتذكر مرغمة وللمرة الثانية خلال عشر دقائق قبلته تلك .. هتفت بغضب :- لا أرغب بالتحدث عن الأمر :- هذا سيء ... لأنني أرغب بالتحدث عنه وبشدة ... وردة ... صدقي أو لا ... أنا لا أتجول في كل مكان فارضا نفسي على الفتيات .. :- هه ... هل تحاول الادعاء بأنني أول فتاة تتحرش بها أيها المنحرف ؟؟ أشاح بوجهه وهو يقول باقتضاب :- لا .. إجابته أسكتتها .. إذ كانت بعيدة تماما عما توقعت أن يقوله ... بل هي أغضبتها إلى حد أغرتها بالنهوض والسير نحوه فوق ساقيها المجروحتين كي تصفعه على وجهه كما فعلت في تلك الليلة بالضبط .. إلا أن شيئا من المرارة في تعابيره ... أوقفها .. وجعلها تقول هامسة بدون أن تفكر :- بحر ! أخذ نفسا حادا وهو يقول :- أنا ... أنا لم أفرض نفسي عليها حقا ... أنا كنت أحاول إقناعها بالبقاء معي لا أكثر .. أنا ... أنا لا أدافع عن نفسي .. إلا أن ما حدث حينها .. كان حادثا .. شحب وجهه واتسعت عيناه وكأنه يتذكر شيئا بشعا .. بينما قال :- لقد فقدت توازنها وضربت رأسها ... وأنا ... أنا خفت .. وتركتها آنذاك ليتلقى لقمان اللوم على ما أصابها .. لقد ظننت بأنها قد ماتت .. ففقدت عقلي .. دلك عينيه بكفيه وهو يطلق ضحكة مريرة قائلا :- أترين الآن سبب عدم وجودي في المستشفى ؟؟؟ لقمان وبحر .. لن يسامحاني أبدا على ما فعلته .. لم تعرف وردة ما يفترض بها أن تقوله ... إلا أنها كانت تعرف بأنها لا تلومه كما يفترض بها أن تفعل .. تمتمت :- لماذا تخبرني بهذا ؟؟ هز كتفيه وهو يقول :- أنت بالفعل تعرفين كل الأشياء السيئة عني ... أنت تكرهينني مسبقا ... لا أظن من الممكن أن تكرهيني أكثر إن أخبرتك بالمزيد .. قالت بهدوء :- حسنا .. أكره أن أخبرك بهذا .. إلا أنني لا أكرهك إلى هذا الحد .. رمش بعينيه وهو ينظر إليها وكأنه لا يصدق ما قالته .. فتابعت :- لذا .. أكون ممتنة لو توقفت عن قول الأشياء السيئة عن نفسك ... أنت مدلل .. وقح .. وأنا لن أسامحك أبدا على إهانتك لي .. إلا أنك أنقذتني .. كما أننا .. قبل أيام .. اتفقنا على أن نكون أصدقاء .. أكره الاعتراف بهذا .. إلا أنني قضيت وقتا ممتعا حقا آنذاك .. قال بصوت أجش :- ألا تمانعين أن أكون صديقك ؟؟ هزت كتفيها قائلة :- ما دمت ستتوقف عن التحرش بي ومضايقتي .. لماذا أفعل ؟؟ أطلق ضحكة متقطعة وهو يقول :- حسنا ... أنا لا أعدك بشيء .. أعني ... عندما ترتدين فستانا خارقا كذلك الوردي ... وتحاولين استفزازي بمرافقة غيري من الرجال ... هناك حدود لما يستطيع شاب أحمق من آل طويل احتماله .. خفق قلبها بقوة وهي ترفع رأسها إليه .. تنظر إليه بعينيها الواسعتين وهي تحاول إدراك إن كان يقصد حقا ما كان يقوله من خلال كلماته .. هل يراها كنان حقا جميلة بطريقة ما ؟؟؟ هل كانت الغيرة وهو يراها برفقة عمر .. ما دفعه للتهور ذلك المساء ؟؟؟ لم يكن كنان قادرا على احتمال النظر إلى عينيها وهي تنظر إليه بهذه الطريقة ... كيف لم يدرك من قبل إلى أي حد كانت عيناها جميلتين ؟؟ أشاح بوجهه وهو يقول :- من الأفضل أن أذهب وأتركك ترتاحين .. هزت رأسها موافقة .. إذ كانت أحداث اليوم أكثر من كثيرة عليها ... :- سأعود لاحقا ... ربما عندما تشفى كدماتك .. لنخرج إلى مكان ما .. فنحتفل بصدقاتنا الجديدة .. ما رأيك ؟ لماذا تجد نفسها عاجزة عن الرفض ؟؟ عندما غادر تاركا إياها وحدها ... كانت وردة تشعر بأنها لم تكن قط طوال حياتها ... أكثر تشوشا مما كانت الآن .. يتبع . | |||||||||
15-08-18, 11:29 PM | #9594 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام
| ( فام فيم فوم فام ) أحست علياء بالصقيع يجتاح جسدها مرة واحدة .. لقد كانت قادرة على أن تشعر بمروره عبر خلاياها خلية خلية حتى جمدها مكانها تماما ... صقيع الذعر ... الخوف .. الإذلال ... الكراهية ... الرغبة في التقيؤ .. الحاجة للهرب ... للاختباء ( أشم رائحة لحم طري ) :- علياء ... هل تسمعينني؟ ... علياء .. لم تعرف كيف تمكنت من التحرك ... والالتصاق بالجدار ... تكاد تكون جزءا منه وهي تهمس .. صوتها يكاد لا يخرج من بين شفتيها :- أدهم ... هو ... هو هنا .. سمعته يتنفس بعنف .. قبل أن يهتف بصوت مرتجف :- اختبئي ... اهربي .. افعلي أي شيء .. إنما لا تسمحي له بالوصول إليك .. أنا قادم في الطريق ... وسأبلغ الشرطة على الفور ... بالكاد كانت قادرة على سماع صوته وهو يتحدث ... عبر هاتف آخر ! ... إلى شخص ما بينما قلبها يهدر بين أضلعها بصخب شديد ... لم تستطع أن ترى أو تفكر أبعد من تلك الذكرى التي كانت ما تزال حتى بعد مرور أكثر من عام .. حية داخل عقلها وكأنها تحدث للتو ... جسدها كان يختلج بعنف في رفض وارتياع وهو يتذكر الانتهاك الذي تعرض له .. الصوت عاد مجددا ... خافتا ... إنما مسموعا ... أبحا .. وكأن صاحبه يتعمد جعل صوته بعيدا عن التمييز :- أعرف أنك هنا .... أستطيع أن أشم رائحتك ... صوت ضعيف صدر عنها ... بينما تدفقت دموعها لتغسل وجنتيها ... تفكر بأن تعمدها ترك إنارة غرفة الجلوس مطفأة .. والاكتفاء بنور الأباجورة الصغيرة بينما هي تندب وحدتها وتفكر بلقمان .. كان ضربا من الصدفة الجيدة ... الرجل لا يعرف مكان وجودها في قلب المنزل الواسع ... كيف تراه دخل ؟؟ أتراه اقتحم إحدى نوافذ الطابق السفلي ؟؟؟ أم تراه كسر قفل باب الخدم ؟؟ لو أنه دخل من خلال الباب الأمامي لتمكنت من سماع ضجة مهما كانت مكتومة .. :- علياء .... أنت قوية .. أتستمعين إلي ؟؟؟ لا تسمحي له بأن يتمكن منك .. أرجوك ... دقائق أخرى ... دقائق أخرى بعد .. الشرطة في طريقها إليك ... وأنا أكاد أصل ... صوت أدهم من خلال سماعة الهاتف كان يبدو أشبه بالصراخ في قلب الهدوء الشديد الذي يكاد يصمها ... أغمضت عينيها بقوة تعتصر الدموع فيها وهي تدرك ما عليها فعله ... بأصابع مرتجفة ... أنهت المكالمة ... ورمت الهاتف جانبا ... تبدأ جذوة الغضب تشتعل داخلها لتكاد تطغي على خوفها .. لماذا هي ؟؟؟ لماذا اختارها هي ؟؟؟ ربما لم تكن علياء ملاكا خلال سنوات حياتها السابقة .. إلا أنها قطعا لم تستحق أن ينتهكها شخص كهذا الرجل الذي يظن بأنه قادر على اقتحام حياتها وتدمير كل شيء في أي وقت شاء .. الحقير ... الحقير القذر ... ذكرى لمساته الخشنة كانت تضفي نارا فوق نارها المشتعلة .. كانت تحرق روحها التي كانت في كل مرة تتجدد لتحترق من جديد لا أكثر .. ( فام فيم فوم فام ) كان صوته يقترب ... مما جعلها تنتفض بامتعاض وكراهية .. وهي تتحرك من مكانها .. كانت عالقة في الغرفة .. عارفة بأنها إن خرجت فإنها ستجد نفسها في مواجهته ... أمسكت أول شيء وجدته يداها لتدرك بأنه كان أحد قضبان الحياكة الخاصة بوالدتها ... في تلك اللحظة بالذات ... أحست بحركته ورائها ... فانتفضت ملتفتة نحوه وهي تخفي القضيب خلف ظهرها ... قلبها كان يخفق بعنف حتى خافت أن يتوقف فجأة عن العمل ... أنفاسها علقت في حنجرتها وهي تحدق متسعة العينين بالرجل الذي لم تنجح الإضاءة الخافتة في إظهار ملامحه .. كان ضخما ... يفوقها طولا بكثير ... كان يضع فوق رأسه قبعة بيسبول ظللت مقدمتها أعلى وجهه .. صدره المغطى بقميص قطني كان يعلو ويهبط وكأنه كان يجاهد لإخفاء حماسته ... مجرد التفكير بالسبب جعل الغثيان يعتريها مجددا ... كيف لها أن تقاتل رجلا يبدو واضحا أنه أقوى منها .. الذكريات تصفعها مجددا ... وكأن سوطا يهوي فوقها ويجلدها مرة بعد مرة .. كيف لها أن تقاتله ... وذكرى ما فعله بها يشل أطرافها .. ويوقف عقلها عن العمل .. عندما خطا نحوها تراجعت وهي تهتف بشيء من الهستيرية :- توقف ... لا تقترب ... إلا أنه لم يتوقف ... ظل يقترب وهو يقول بصوته الذي جعل قشعريرة تزحف فوق جلدها :- رائحتك ... كانت دائما جميلة .. لقد كانت تتمزق ... شيئا فشيئا كانت روحها تتمزق داخلها وهي تصرخ بألم :- ما الذي تريده ... ما الذي تريده مني ؟؟ كان يدور حولها الآن .. يتحرك ببطء بينما عيناه اللتان كانتا تبرقان تحت مقدمة القبعة تتفحصانها .. وكأنه يرى إن كان هناك أي اختلاف قد فاته خلال السنة الماضية ... الحقير ... الحقير .. هتفت به من بين أنفاسها :- إن ظننت بأنك ستتمكن من لمسي مجددا .. فأنت واهم .. سأقتلك ... سأقتلك قبل أن تتمكن من لمسي .. :- لقد كنت أراقبك ... خلال السنة الماضية ... لم أستطع رؤيتك كثيرا ... لقد كانت تستطيع إدراك الهوس في نبرة صوته .. هذا رجل ... لا يمكن للمنطق أن يتمكن منه ... :- كان علي أن أراك ... للمرة الأخيرة ...قبل أن أرحل .. لم يعد بإمكاني البقاء .. إذ سرعان ما سيصلوا إلي وقد أمسكوا بهم .. ما الذي يتحدث عنه ؟؟ أتراه مجنون حقا ؟؟ اتسعت عيناها عندما اقترب أكثر ... وهي تتمكن من تبين شيء من ملامحه .. همست ذاهلة :- أنا .... أنا أعرفك .. لم يقل شيئا .. بل واصل الاقتراب .. في حين كانت هي تتذكر موظف الأمن الضخم الذي كان يعمل لدى آمال قبل سنوات ... ضخم .. صامت .. إنما يراقب ما يحدث حوله دائما بعينين لا ترمشان ... لقد ظنت دائما بأنه عندما كان يلاحقها بنظراته كلما عبرت بوابة الشركة فإنه إنما يقوم بعمله .. لم تتخيل ... لم تتخيل أبدا .. تراجعت ... حتى التصقت بالجدار .. ترفع أخيرا قضيب الحياكة في وجهه .. تهدده بضعف مثير للشفقة :- سأقتلك إن اقتربت أكثر .. إلا أنه وبخطوة واحدة .. وبضربة يد خاطفة .. كان قد رمى القضيب من يدها وأمسك بها ... صرختها شقت سكون المكان سحبها ليكبل حركتها بيديه ... ويدفعها نحو أقرب أريكة خلال لحظة كان ذعرها قد تلاشى لتغمرها قوة لم تعرف مصدرها وهي تقاومه بكل شراسة ... يداها تضربانه .. وساقاها تركلان بجنون ... عندما صفعها هذه المرة ... بذلت جهدا خرافيا كي لا تفقد تركيزها أو قوتها .. أبدا .. أبدا لن تسمح له بالحصول عليها إلا ميتة .. أبدا لن تتوقف عن القتال كما فعلت في المرة السابقة... أخيرا عندما تمكنت أظافرها المدببة من الوصول إلى عينيه .. وانغرزت بدون تردد في عمقهما الغير متزن ... أطلق صرخة وحشية وهو يتراجع من فوقها فجأة ... يغطي عينيه بيديه بألم وصدمة .. تعثرت من فوق الأريكة .. وركضت بساقين لا تحملانها نحو الباب ... لتصرخ بذعر عندما عاد ليمسك بها وهو يزأر كحيوان مسعور .. رماها على الأرض وجثم فوقها ... يداه تبحثان بعشوائية عن عنقها ... لتجدانه في النهاية وتعتصرانه بأصابع رجل ما عاد لديه ما يخسره ... أطلقت صوتا متحشرجا وهي تحاول البحث عن شيء من الهواء بدون فائدة ... اسودت الرؤية أمام عينيها حتى ظنت أنها ستموت حتما ... حتى اختفى الضغط عن عنقها .. والثقل من فوقها فجأة .. سحبت نفسها زاحفة بعيدا بتلقائية ... متوقعة أن يعود ليسحبها من جديد .. إلا أنها رمشت بعينيها عندما لم يفعل .. وحدقت متسعة العينين بأدهم الذي كان ينهال ضربا في تلك اللحظة على الرجل الذي كان قد توقف عن الحركة تماما وهو يتلقى ضربات أدهم المجنونة .. همست باسمه ... وكأنها لا تصدق حقا أنه كان هناك :- أدهم ... عندما لم يبد عليه أنه قد سمعها ... احتشدت الدموع في عينيها وه يتترك فجأة كل الخوف و الألم الذين عاشتهما من قبل يتفجران من حيث كانت تكبتهما داخل قلبها .. وهي تهتف بصوت مختنق :- أدهم .. توقف فجأة وهو يلتفت نحوها مجفلا ... قبل أن يعود فينظر إلى ضحيته الساكنة ... ثم يتحرك نحوها ... قال بخشونة :- هل أنت بخير ؟؟ هل أذاك ؟؟ هل تأخرت في الوصول إليك يا علياء ؟؟ هزت رأسها وشهقة تفلت من بين شفتيها .. تبعها نشيج لم تعرف من أين جاء ... إذ لم تشعر إلا بنفسها محاطة بذراعي أدهم ... يضمها إليه بقوة ... يهمس لها بصوت مثقل بالعاطفة :- لا بأس ... لا بأس .. أنت آمنة الآن ... آمنة .. كان الأمر غريبا ... إذ أنها بدلا من الخوف الذي يصيبها به لمسه إياها .. كانت تشعر فعلا بالأمان بين يديه .. كما كانت دائما ... أسندت رأسها فوق صدره ... تستمع إلى صفارات الشرطة قادمة من بعيد .. تغمض عينيها سامحة لنفسها أخيرا بأن تنام .. فوق صدر الرجل الذي تحب .. يتبع .. | |||||||||
15-08-18, 11:30 PM | #9595 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام
| أجفلت بحر عندما فوجئت بنعمان الطويل يجلس فوق المقعد المجاور لها في صالة الانتظار حيث كانت العائلة كلها تنتظر خروج لقمان من غرفة العمليات ... آمال الطويل كانت تجلس إلى جانب ريان .. الذي كان يبذل جهده في تهدئتها دون فائدة على ما يبدو ... شمس كانت تقف في الزاوية .. تتحدث على الأرجح إلى الخالة نورا عبر هاتفها والتوتر يعتلي وجهها .. أكرم كان قد غادر قبل دقائق برفقة عمه وزوجة عمه عندما وصل خبر مفاجئ عن تعرض علياء للهجوم من قبل مجهول في منزل عائلتها .. هه ... علياء الطويل .. منذ متى لم تفكر بها بحر ؟؟؟ المرأة التي كان من المفترض بها أن تتزوج لقمان إلا أنها لسبب ما لم تفعل ... المرأة التي كرهت بحر منذ رأتها أول مرة وعاملتها دائما وكأنها تنتمي لفئة تقل قيمة عن البشر ... المرأة التي سبق لها وجاءت إلى متجر شمس حيث كانت تعمل .. وصفعتها بعد أن أهانتها دون أن تهتم لمن يراها وهي تفعل هذا ... هل أحست بحر بأي شيء من التعاطف عندما عرفت بأنها قد تعرضت للأذى ؟؟؟ لا ... إطلاقا .. إذ لماذا تشعر بالأسف على شخص لم يرحمها عندما كانت في أضعف حالاتها ؟؟ رفعت رأسها تنظر إلى ثروت الذي كان يقف مستندا إلى الجدار .. كان يبدو شاحبا ... وجهه مغطى بالكدمات .. يبدو مرهقا إلى حد جعلها تشك بالجهد العظيم الذي كان يبذله كي يظل واقفا .. وهل من عجب بعد كل ما تكبده من عناء في سبيل إنقاذ لقمان ؟؟؟ أن يعرض نفسه للخطر .. أن يسمح لأشخاص يعرف إلى أي حد هم خطرون باختطافه .. أشخاص قادمون من أظلم جزء من ماضيه .. لأجل استعادة لقمان .. كم من قوة يتطلب هذا من رجل عادي كي يقوم به ؟ كانت تظن بأن جلوس نعمان الطويل إلى جانبها محض صدفة لا أكثر قبل أن يبدأ الكلام فجأة قائلا بهدوء :- أتعلمين ؟؟؟ لقمان كان دائما قويا .. منذ كان طفلا صغيرا .. دائما يفضل الاعتماد على نفسه .. دائما أكثر عنادا من أن يسمح لأي مشكلة بأن تقهره أو تقف في طريقه .. أحب أحيانا بأن أنسب قوته هذه لجينات عائلة الطويل العريقة ... لا لحاجته إليها بما أنني كنت دائما أبا سيئا بحيث لم أكن قادرا على حمايته .. نظر إليها بعينيه السوداوين اللتين كانتا تشبهان عيني لقمان ... وقال :- لقد أخبرك بما لم يخبر به أحد من قبل .. عن سنوات اختفائه الخمسة .. هل سبق وأخبرك عن موت والدته ؟؟ هزت رأسها بتوتر فشحب وجهه .. وهو يقول بصوت باهت :- أظنك تعرفين طبعا دوري في الأمر .. صحيح ؟؟ وأنه أبدا لم يسامحني على هذا .. أن عشيقته من قتلها ... وأنه لم يستطع حماية زوجته .. نعم .. لقد كانت تعرف .. وكانت تعرف أيضا تأثير الأمر على لقمان .. عندما لم تقل شيئا .. ضحك بمرارة وهو يقول :- الثقة أمر حساس جدا بالنسبة للقمان .. أن يثق بك بحيث يخبرك بكل هذا .. يوضح لي كل شيء .. التغير الذي طرأ عليه .. انهياره عند رحيلك .. تمسكه بك .. أنت تعرفين بأنه قد سقط مريضا العام الماضي .. صحيح ؟؟ لماذا يخبرها بكل هذا .. ما الذي يريد أن يقوله لها بالضبط؟ رفع عينيه إلى حيث كانت آمال تجلس إلى جاني ريان .. وقال بهدوء :- أتعلمين ؟؟ تختلف ردود أفعال الناس في مواجهة الخسارة ... بعضهم .. عندما يخسرون شيئا .. فإنهم يتمسكون بشكل غير منطقي بكل ما تبقى لديهم .. فيحاربون لأجله بأيديهم وأسنانهم ... حتى لو أدى هذا إلى خسارتهم إياه في النهاية .. البعض الآخر .. عندما يخسرون ... فإنهم يحرصون على ألا يخسروا ما تبقى ... وذلك بأن يطلقوه بعيدا .. نظر إليها بطريقة ذات معنى وهو يقول :- أشخاص آخرون .... عندما يخسرون .. يحرصون على ألا يقتنوا أي شيء آخر .. خشية أن يخسروه أيضا .. لقمان ... كان من هذا النوع .. ربما هو عاملك معاملة سيئة في الماضي .. إلا أن الأمر كان خارجا عن إرادته .. لقد كان رافضا لك ... ولمشاعره اتجاهك .. في الآن ذاته .. كان يريدك في حياته .. شخص مثله .. بعد كل ما عرفه .. عندما يقع في ظرف كهذا .. فإن حكمته لابد وأن تخذله .. تمتمت بشيء من التشنج :- سيد نعمان .. أنا .. :- نادني عمي ... أنا لم أعد غريبا .. منذ الآن تستطيعين اعتباري كأب لك .. عل لقمان يفعل يوما .. وقد فشلت دائما في أن أكون الأب الذي احتاجه في حياته .. أربكها عرضه .. وأشعرها بالـ .... بالغرابة .. أن تحظى بأب ... هه ... الكلمة بحد ذاتها كانت تبدو بعيدة جدا وغريبة عندما أرادت تقليبها فوق لسانها ... :- أعرف بأنك على الأرجح تعجزين عن فهمه .. تتساءلين عما فعلته .. واستحق منه معاملة كهذه .. وأنت محقة تماما .. وأنا لا ألومك .. أتذكر ما فعله بك .. وأقول ... ربما تحمل نفسها في أي لحظة وترحل .. كما فعلت قبل عام من الآن دون أن تعود مجددا .. دون أن تهتم بما يحصل له .. دون أن أتمكن من أن ألومها .. إلا أنني أتساءل أحيانا ... إن كنت أحببته يوما ... بالقدر ذاته الذي أحبك فيه .. شحب وجهها ... واتسعت عيناها وهي تحدق به مصدومة بكلماته كما لو أنه صفعها ... قبل أن تتمكن من استيعابها والتفكير برد عليها ... ظهر الطبيب فجأة خارجا من الباب المؤدي إلى قسم العمليات ... ليتحرك الجميع مرة واحدة متجهين نحوه ... قال باسما :- السيد لقمان بخير ... العملية تمت بنجاح والحمد لله .. مما يجعل احتمال عودة ذراعه لحركتها الطبيعية كبيرا بإذن الله .. هتفت آمال بقلق :- أين هو الآن ؟؟ :- في جناحه ... لقد تم نقله إليها على الفور بعد خروجه من غرفة العمليات .. هو ما يزال تحت تأثير التخدير .. إلا أنه سيستيقظ قريبا .. قال نعمان بحزم :- أريد أن أراه .. تلاشت ابتسامته .. وهو يلتفت نحو ثروت الواجم إلى جواره .. وقال :- أنا آسف .. إلا أن السيد لقمان كان واضحا عندما رفض رؤية أي أحد .. وبما أنه منح السيد ثروت السلطة الكاملة فيما يتعلق بأمانه ... فإنه الشخص الوحيد المخول لإدارة أمر زيارة أقاربه له .. التفت نعمان الطويل نحو ثروت هاتفا بخشونة :- أتمنعني من رؤية ابني يا ثروت ؟؟ كانت بحر قادرة على رؤية الاختلاجة الضعيفة لعضلات ثروت عندما هاجمه نعمان الطويل .. والتي لم ينتبه لها أحد على الأرجح .. إلا أنه احتفظ بثبات ملامحه وهو يقول بهدوء :- أنا أنفذ رغبة لقمان لا أكثر .. :- لقمان في هذه الحالة ... لا يعرف ما يريد ... انظر إلى عيني وأخبرني إن كان ابتعاد لقمان عن عائلته وأحبائه في هذه الظروف ... هو الأفضل له .. أطبق ثروت فمه بقوة ... فاقترب منه نعمان .. يمسك كتفيه بقوة وهو يقول من بين أسنانه :- أتظن حقا بأن رجلا مر بما يمر به لقمان .. يحتاج حقا بأن يظل وحده ليصارع أشباحه دون وجود من يمسك بيده .. ويعيده مرة بعد مرة إلى الواقع ؟؟ أجفل ثروت وكأن .. وكأنه لم يفكر بالأمر بهذه الطريقة ... نقل بصره بين الجميع بتوتر .. قبل أن يقول :- حسنا ... أظن دخول أقرب اثنين من عائلته لرؤيته لن يسبب له أي إزعاج .. حتى يستعيد قوته على الأقل .. فيدرك ما يريد .. على الفور تحركت آمال الطويل إلى جانب نعمان .. ليصدمها بقوله :- أظنك لن تجد أقرب إليه من والده وزوجته .. كما أنني متأكد بأنه سيرغب برؤية بحر فور أن يستعيد قواه .. هز ثروت رأسه موافقا .. ونظراته تلين فوق بحر .. قبل أن يقول :- تعاليا معي .. كانت بحر قادرة على أن تشعر بالألم والصدمة .. والإحساس بالخيانة يفيض من آمال الطويل .. وهي ترى نعمان يقر ويوضح أهمية بحر في حياة لقمان .. والتي باتت تطغى على أهميتها هي .. لم تستطع أن تشعر بالشفقة على المرأة التي دمرت حياتها مرة ... ولم تفكر أبدا في أن تمنحها حقها في رؤية لقمان .. لقد كان قلبها يخفق بقوة بين أضلعها حتى خشيت أن يتوقف في مرحلة ما وثروت يقودهما إلى جناح لقمان ... كان جناحه في القسم المخصص للشخصيات المهمة ... بمدخل خاص ومصعد يصله فورا لقسم العمليات .. الجناح كان أشبه بجناح فندقي فاخر .. وقد وقف اثنين من رجال ثروت أمام الباب في تأهب تام لأي طارئ .. بحر كانت متوترة للغاية .. ولم تدرك بأنها كانت ترتجف حتى توقف نعمان منتظرا إياها أن تصبح جانبه قبل أن يدخلا غرفة لقمان قائلا بهدوء :- هو بخير يا بحر .... هو يحتاج إلى وجودك إلى جانبه .. فقط كي يشعر بأن شيئا لم يتغير ... بأن ما حدث .. قد انتهى .. وأنه يستطيع أن يمضي قدما دون أن يسمح للماضي بأن يعيقه مجددا .. كنت تعرف بأنه يحاول أن يهيئها لشيء قد لا ترغب بأن تراه أو تعرفه .. ثم فتح الباب ودخل برفقتها إلى الغرفة الفسيحة .. لم تتمكن بحر من رؤية أي شيء من الترف المحيط بها ... عيناها كانتا تحدقان في السرير الذي توسط الغرفة ... يعتليه جسد لقمان الساكن ... أحست بصدرها يضيق وهي تقترب ... تلتهم بنظراتها جسده الذي ظهر نصفه العلوي الغير مغطى بالملاءة الرقيقة .. ذراعه المصابة كانت مضمدة إلى جانبه ... اقتربت ... تحصي بلوعة الكدمات و الجروح التي توزعت في كل مكان ... كان هناك ضمادة فوق كتفه الأيمن .. وأخرى حول رأسه .. بينما رفعت يدها كي تكبح شهقة البكاء التي كادت تفلت منها ... سمعت نعمان يأخذ نفسا عنيفا وهو يقول بصوت أجش :- لقد رأيته عند وصوله .. وقد كان مغطى بالدماء والقذارة .. إلا أنني لم أدرك ... لم أستطع أن أرى .. هو لم يسمح لي .. اقترب منه ... ووقف إلى جواره ... يده تمتد لتلامس شعره في حنان أبوي حبس أنفاس بحر .. أن تدرك أن لقمان ... وهو رجل قوي ومتجبر على مشارف الأربعين ... ما هو إلا صغير هذا الرجل الذي ربما سيظل يراه كذلك مهما كبر ... :- لقد كان يبدو على هذه الحالة بالضبط عندما عاد في الثامنة عشرة من عمره بعد غياب خمس سنوات ... هه .. عشرون سنة مرت تقريبا ... وفي كل مرة ... أجد نفسي أفشل في حمايته .. اغرورقت عيناها بالدموع ... وهي تنظر إلى وجهه الشاحب ... إلى تقاطيعه المألوفة ... إلى الإرهاق في الهالات السوداء التي أحاطت بعينيه ... لقد أذاها كثيرا في الماضي .. ولكن .. هل تمنت قط أن يصيبه مكروه ؟؟ لا .... هنا ... عاد السؤال الذي كان يعود ليطرح نفسه عليها منذ عادت إلى الوطن ؟؟ لماذا عادت ؟؟؟ الإجابة كانت متمثلة في الرجل الملقى أمامها .... هي عادت لأنها أرادت أن يلاحقها من جديد ... لأنها أرادته أن يدفع الثمن غاليا على ما فعله بها ... هي عادت كي تنتقم منه ... كي تؤذيه بالطريقة نفسها التي أذاها بها .. هي عادت ..... لأنها تحبه ... أنين خافت صدر عنه جعلها تجفل ... رفعت عينيها لتجد الهشاشة نفسها في عيني أبيه وهو يراقب جفني لقمان يتحركان قبل أن يفتحهما مرة واحدة على اتساعهما لترى بحر شيئا لم تتخيل أبدا أن تراه يوما في عيني لقمان .. لقد كان الخوف .. راقبته وأنفاسه تتسارع وهو يميز والده ... ما تزال آثار التخدير واضحة في انعدام تركيزه وهو يردد :- أبي .. :- حمدا لله على سلامتك يا لقمان .. :- بحر .... أين بحر ؟؟ شيء تفجر مرة واحدة داخل بحر وهي تسمعه ينادي باسمها ... ركبتاها ارتعشتا حتى كادت تفقد قدرتها على الوقوف وهي تسمع والده يقول :- هي هنا ... إلى جانبك ... عندما أدار رأسه نحوها .. ضربتها العاطفة الفجة التي ارتسمت في العينين السوداوين ... في انعدام التحفظ التام في تصرفه وهو يمد ذراعه السليمة نحوها ... يده ترتجف .. وأصابعه تنتظر منها أن تمسك بها فلم تتردد في أخذها ... لم تفكر قبل أن ترفعها إلى شفتيها ... فتقبلها بشفتين مرتعشتين .. وهي تهمس :- أنا هنا .. لم يقل شيئا ... بل عاد ليغمض عينيه من جديد ... إنما ليس قبل أن تتمكن من رؤية السكينة فيهما ... تشبثت بأصابعه .. تهمس ودموعها تصب من عينيها فتسيل فوق وجنتيها بدون توقف :- أنا هنا .... ولن أغادر أبدا .. أبدا .. يتبع .. | |||||||||
15-08-18, 11:31 PM | #9596 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام
| لم تصدق جنى عينيها عندما رأت المكتبة مفتوحة أخيرا ... أيام كانت قد مرت منذ أغلقها ريان وتوقف عن الحضور ... أيام كانت تمر خلالها من أمامها لتشعر بالخيبة والحزن لعدم قدرتها على رؤيته .. كانت قد قرأت عبر صفحات التواصل الاجتماعي عن اختطاف واستعادة لقمان الطويل ... الخبر صدر فجأة وانتشر كالنار في الهشيم بعد أن كان طي الكتمان لأيام ... جنى كانت تعرف بأن ريان لن يترك شقيقه في ظروف كهذه ... ويفتح المكتبة التي تعرف يقينا بأنه لا يحتاج أصلا لفتحها كي يكسب رزقه ... إلا أنها لم تكن تستطيع منع نفسها من التفكير به .. بقلقه على أخيه .... بإحساسه المرهف وإصراره على أن يحمل هموم الآخرين فوق كاهله ... بقلبه الكبير ... بابتسامته الجميلة .. بعينيه الخضراوين اللتين لم تفارقان خيالها يوما ... من الغباء أن تنكر ما سبق لمريم أن أخبرتها به قبل أيام ... بأنها قد وقعت حقا في حب ريان الطويل .. ومن الغباء أيضا أن تنكر معرفتها بأن علاقتها به ... هي ضرب من ضروب الخيال بالنسبة إليها ... من وراء الواجهة الزجاجية ... كانت تراقبه وهو يتحدث مع أحد زبائنه ... يبدو مرهقا .. إنما كالعادة .. وسيم كأحد نجوم السينما ... ينتمي لعائلة تتحدث المدينة عن قوتها وثرائها .. لماذا قد ينظر شاب مثله إليها .. فتاة عادية ومغطاة بالنمش ... فتاة تفتقر إلى الثقة بالنفس إلى حد يدفعها لاختلاق الكذبة تلو الأخرى لاجتذاب اهتمام الآخرين .. راقبته وهو يضع الكتاب داخل كيس ورقي ويقدمه لزبونه مبتسما بترحيب ... ثم يرفع رأسه ليراها .. فتشرق عيناه الذابلتان بالبهجة بشكل جعل الألم يعتصر قلبها وهي تتحرك من مكانها مثقلة القدمين .. فتدفع باب المكتبة سامحة للزبون بأن يتجاوزها قبل أن تدخل .. اندفع ريان نحوها ... ليتوقف قبل أن يصل إليها ... وكأنه ...... خفق قلبها بشدة وهي تفكر بأنها ربما كانت تتخيل .. إلا أنه بدا حقا وكأنه يوشك على ... على احتضانها !! احمر وجهها وهي تقول :- صـ .... صباح الخير .. قال بدفء :- صباح الخير يا جنى ... نظرت حولها بارتباك وكأنها ... ويا للعجب .. لا تجد ما تقوله ... تمتمت :- لقد قلقت عليك عندما غبت خلال الأيام السابقة .. إلا أن معرفتي بنجاة أخيك أفرحتني .. حمدا لله على سلامته .. كيف هو الآن ؟؟ أرجو ألا يكون قد تعرض لأذى .. اتسعت ابتسامته .. دون أن تخفي إرهاقه وهو يقول :- شكرا لك ... هو بخير الآن ... مرهق .. ويعاني من بعض الإصابات بالتأكيد .. أضلع مكسورة و ذراع احتاجت لعملية كي تعود إلى مكانها الطبيعي .. وكدمات قليلة .. إلا أنه بخير .. بهتت ابتسامته ... لتسأله برفق :- هو ليس بخير تماما كما تقول .. صحيح ؟؟ أخمن أن أزمة كالتي عانى منها لابد وأن تترك ضررا نفسيا مهما كان أخوك قويا .. زفر وهو يجلس على حافة مكتبه قائلا :- هو لا يتحدث عن الأمر أبدا ... حسنا ... لقد تحدث إلى الشرطة عن التفاصيل .. إنما ليس إلينا .. هو يرفض أن نراه لأكثر من دقائق قليلة .. يتعلل دائما بالتعب .. والحاجة للراحة ... هو يبدو كما كان دائما .. قويا .. صلبا .. متماسكا .. إلا أن من يعرفه جيدا .. يعرف أن شيئا ما قد حدث خلال وجوده هناك .. شيئا مس ما لم يستطع أي شيء رآه في حياته من مسه .. تمتمت :- ما دمتم حوله .. وترفضون الامتثال لرغبته وتركه وشأنه .. هو سيتمكن من تخطي الأمر .. صدقني ... ليس هناك أسوأ من أن يتظاهر الأشخاص من حولك بأن ما غير حياتك كلها ودمرها .. لم يحدث إطلاقا .. ستشعر بأنك وحيد تماما ... وما من أسوأ من أن تضطر لمواجهة كوابيسك نفسها مرة بعد مرة دون أن يكون هناك من يقف إلى جانبك .. نظر إليها مليا .. ثم قال :- ماهو كابوسك يا جنى .... ما الذي تظاهر من حولك بأنه لم يحدث أبدا ؟؟ سؤاله أخذها على حين غرة .. إلا أن رنين هاتفه كان من أنقذها من اضطرارها للإجابة .. عبس عندما رأى اسم المتصل .. ثم رد قائلا :- أكرم ... هل من جديد ؟؟ رأت فمه يتوتر وهو يستمع إلى ما قاله الطرف الآخر .. قبل أن يكز على أسنانه قائلا :- هل فقد كنان عقله ؟؟؟ أنا لا أظن لقمان جاهزا الآن لأي كان الشيء الذي يرغب بأن يقوله له .. اسمع ... أنا سأكون هناك خلال دقائق ... أنهى المكالمة وهو يقول معتذرا من جنى :- آسف يا جنى ... سأضطر للذهاب الآن .. أكره أن أطلب منك الرحيل إلا أنني مضطر لإغلاق المكتبة .. :- إذن لا تطلب مني الرحيل ... اطلب مني أن أبقى مكانك هنا حتى تعود .. أستطيع الاهتمام بالمتجر لساعة أو ساعتين .. لا محاضرات أخرى لدي لما تبقى من اليوم .. تردد للحظة وهو ينظر إلى عينيها البنيتين الواسعتين .. اللهفة فيهما لمساعدته كانت لا تقاوم .. وهو ... هو حقا كان يرغب بأن يعود فيكمل حديثه معها .. تنهد قائلا :- حسنا ... سأحاول ألا أتأخر كثيرا .. ثم منحها ابتسامته التي كانت تفعل بقلبها الأعاجيب ... وقال :- شكرا لك يا جنى .. أدين لك بالكثير .. عندما غادر .. تساءلت جنى إن كانت تقوم بالفعل الصواب أم لا .. يتبع .. | |||||||||
15-08-18, 11:32 PM | #9597 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام
| :- أنت لم تأكل شيئا يذكر .. أشاح لقمان بوجهه وهو يقول باقتضاب :- لست جائعا .. عندما رأى وجه بحر بجمد فجأة وهي تحمل الصينية من فوق حجره بعيدا .. أمسك بمعصمها بيده السليمة قائلا بهدوء :- ربما آكل شيئا بعد دقائق .. هزت رأسها دون أن تقول شيئا وهي تضع الصينية فوق إحدى المناضد في الزاوية .. :- تعلمين بأنك لست مضطرة للبقاء هنا .. الطاقم الطبي أكثر من قادر على العناية بي .. هذا ما أدفع له لأجله .. على أي حال أنا لن أبقى في هذا المكان كثيرا .. هه ... كانت قد شهدت الجدال الذي دار بينه وبين طبيبه بينما كان والده موجودا .. الطبيب كان يصر على ضرورة بقائه في المستشفى .. في حين كان يؤكد لقمان بصرامة بأنه في حالة أكثر من مناسبة للعودة إلى البيت .. منذ استعاد شيئا من قوته ... كان لقمان يبدو أحيانا وكأن شيئا لم يحدث له إطلاقا .. وكأنه لم يكن تحت وطأة الاختطاف والتعذيب لأيام .. فور تلاشي تأثير المخدر عن جسده ... استعاد على الفور شخصيته السلطوية وهو يلقي الأوامر هنا وهناك ... حتى عندما سمح لأفراد عائلته بأن تزوره.. لم يسمح لأي شيء من العاطفة أن يظهر على ملامح وجهه الهادئة .. أجوبته على اسئلتهم حول ما مر به كانت ضبابية ومقتضبة .. وعندما جاءت الشرطة لأخذ أقواله .. لم يسمح بوجود أي منهم خلال الاستجواب .. تذكر بحر أنه ظل صامتا .. نظراته مظلمة لفترة طويلة بعد رحيل الشرطة ... كانت تعرف بأن خلف هذا الهدوء والتماسك .. كانت تكمن أعاصير جامحة لا تهدأ داخل عقله وروحه .. لقد بدا لها الأمر كما كان عندما قابلته أول مرة ... عندما كان يرفع حوله دائما أسوار تمنع الآخرين من رؤية حقيقته .. :- ثروت سيأخذك إلى البيت فور أن تطلبي منه .. هي لم تترك جانبه لحظة منذ أظهر لها وللجميع لحظة فتحه عينيه بأنه يريدها إلى جانبه ... هي تعرف بأنه رغم مكابرته ... ومحاولته إقناعها بالرحيل .. كان يرغب ببقائها .. الأمر بحد ذاته كان مؤلما .. أن تراقبه خلال ساعات الليل وهو يحدق ساهما بالفراغ .. عاجزا عن أن ينام ... عندما كانت ملامحه تجمد فور أن تخبره بغيابها لإحضار شيء ما .. أو عندما يصحو في الليل مجفلا وهو ينادي باسمها ... فلا يعود للنوم حتى تنتقل من سريرها الإضافي الذي وضع لأجلها ... فتجلس إلى جانبه .. يداها تحتضنان يده .. قالت بهدوء :- أعرف .. ثم تابعت ما كانت تقوم به دون أن تقول أي شيء إضافي ... فقال ببرود :- إن كان الواجب ما يبقيك ... فأنا لا أريدك هنا .. نظرت إليه .. ثم قالت بجفاف :- أخبرني بأنك تريدني أن أرحل دون ان تختبئ وراء أسبابك الواهية وسأفعل .. قبل أن يتمكن من الرد عليها ... طرق الباب ... ثم دفع ليدخل نعمان الطويل .. يبتسم بشحوب وهو يمشط ابنه الأكبر بسرعة متأكدا بأنه بخير .. ثم قال :- أنت تبدو أفضل .. قال لقمان بجفاف :- ومع هذا .... يعاملني طاقم هذا المستشفى وكأنني أنتظر الموت في أي لحظة .. رقت نظرات والده وهو يقول :- هم يرغبون بالاطمئنان عليك لا أكثر ... وهذا طبيعي بعد تخطيط قلبك الأخير .. أطبق لقمان فمه بقوة دون أن يقول شيئا ... في حين تكورت قبضتا بحر بشدة إلى جانبيها وهي تتذكر قلق طبيبه عندما لم يكن الفحص العام للقمان مطمئنا تماما .. قال لقمان باقتضاب :- ما الذي جاء بك يا أبي ؟؟ :- لقد غادرت منزل عمك لتوي .. هل ازداد وجه لقمان شحوبا ؟؟؟ أم تراها تتوهم ؟؟ قال والده بصوت خافت :- أنت تعرف ما أوشك على أن أخبرك به ... صحيح ؟؟ أشاح لقمان بوجهه وهو يقول باقتضاب :- لقد كان أكثر من سعيد بإخباري .. بحر كانت تعرف الشخص الذي كان لقمان يتحدث عنه ... إلا أنها ظلت تنقل بصرها بينهما بحيرة دون أن تفهم ما يدور بينهما بدون كلمات .. قبل أن يقول نعمان الطويل بصوت حمل مزيجا من الغضب والقهر :- الرجل الذي أمسكوا به يتهجم على منزل عمك محاولا الوصول على علياء .. اعترف بأنه يلاحقها منذ أشهر بأمر من الرجل الذي اختطفك ... لقد كان يعمل بالفعل لدى آمال منذ سنوات عندما جنده رئيس العصابة ... وعلياء .. أقرت بأنه تهجم عليها واغتصبها قبل سنة .. وأنها رفضت الاعتراف بالأمر خوفا من الفضيحة .. انتفضت بحر برفض تلقائي للكلمة البشعة .. عيناها واسعتان وهي تحدق في وجه نعمان الطويل المتوتر والشاحب ... علياء تعرضت للاغتصاب ؟؟ رباه ... بحر لم تحببها يوما .. ولم تسامحها أبدا على ما فعلته بها .. إلا أن بحر أبدا ما كانت لتتمنى لأي امرأة هذا المصير البشع .. وأن يكون الدافع هو الوصول إلى لقمان .. رباه .. لقد كانت المدينة بأسرها تظن بأنه ينوي الزواج بها في النهاية .. أصابع لقمان اشتدت حول الملاءة التي غطت ركبتيه وهو يقول :- أظن هذا يفسر كل شيء .. صحيح ؟؟ اعتزالها الجميع واختبائها بعيدا عن الأنظار .. لقد كانت تعاني منذ سنة .. تعاني بصمت الإذلال والقهر وبسببي أنا .. :- بحق الله يا لقمان .... من أين لك أن تعرف بأن رجلا لم تره منذ عشرين سنة سيظهر من العدم ويلاحقك محاولا إيذاء أفراد عائلتك ؟؟ :- أظنني متعب وأحتاج لبعض الراحة .. أطل التعاطف واليأس على وجه نعمان الطويل وهو ينظر إلى بحر وكأنه يطلب منها المساعدة ... قبل أن يتمتم :- حسنا ... سأمر على جمان وأطمئن عليها قبل أن أغادر .. سأعود لأراك لاحقا .. لم ينتظر من لقمان أن يقول شيئا ... بل فتح الباب وغادر بهدوء ... التفتت بحر نحو لقمان قائلة :- أتعرف ... لو أنها قالت شيئا عندما تهجم عليها الرجل في المرة الأولى .. لتمكن أحدهم من الوصول إليه ثم معرفة ما يخطط له الرجل الذي اختطفك .. لكانت وفرت عليك كل ما تعرضت له خلال الأيام السابقة .. نظر إليها غير مصدق .. قبل أن يصدر صوتا كالزئير وهو يقول :- هل تلومينها هي على ما حدث ؟؟ بعد كل ما تعرضت له ؟؟ :- توقف عن لوم نفسك .. لأتوقف عن لومها هي .. أنت كنت ستموت .. صوتها تهدج وهي تكرر :- ذلك الرجل كان يخطط لقتلك .. أتعرف ما الذي يعنيه هذا ؟؟ لم يقل شيئا ... فاقتربت منه .. تسمح له بأن يرى الكلمات تخرج من بين أسنانها وهي تقول .. عيناها الزرقاوان تبدوان كبحر هائج في قلب عاصفة مجنونة :- أنت .. لا تمتلك الحق في أن تموت قبل أن تدفع ثمن كل ما فعلته بي .. أتسمعني يا لقمان الطويل .. مما يعني أنك ستمتثل لأوامر الطبيب ... وستبقى في المستشفى حتى يسمح لك بالمغادرة بعد أن يتأكد بأنك بخير .. وستكون أكثر من حذر من الآن فصاعدا فلا تسمح لأي مكروه بأن يصيبك إلا إن كان على يدي أنا .. أتفهمني ؟؟ للحظات .. تلاقت نظراتهما بصمت .. قبل أن يلتوي فمه بابتسامة شاحبة و هو يقول :- أفهمك .. أفهمك جيدا .. :- توقف يا سيد كنان ... يجب أن أسأل السيد لقمان قبل أن ... فتح الباب فجأة ليظهر رجل الأمن الذي كان يحاول جاهدا منع كنان من دخول الغرفة دون فائدة .. إذ سرعان ما تمكن من دفعه متجاوزا إياه حتى وقف في منتصف الغرفة ... ناظرا في عيني لقمان مباشرة وهو يقول بجفاف :- أحتاج للتحدث إليك انتهى الفصل الخامس والعشرون بحمد الله قراءة ممتعة | |||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|