آخر 10 مشاركات
تحملت العنا لأجلك يا ولد العم ... الكاتبه : mnoo_gadee (الكاتـب : جرح الذات - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          90 -حبيب الأمس - جين سامرز -عبير دار الكتاب العربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          صمت الجياد (ج2 سلسلة عشق الجياد) للكاتبة الرائعة: مروة جمال *كاملة & روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قدرها ان يحبها شيطان (1) .. سلسلة زهرة الدم. (الكاتـب : Eveline - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-07-18, 03:22 AM   #51

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي


ليلة سعيدة... تم فتح الرواية بناء على طلب الكاتبة...



ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

قديم 07-07-18, 05:46 PM   #52

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحرمجدي مشاهدة المشاركة
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر أبوبكر مشاهدة المشاركة
تسلم الايادى فصل جميل وبداية المواجهة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر أبوبكر مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
فيه فصل جديد أم بعد رمضان باْذن الله
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة توين الحربي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
رووواية جميلة وبداية جميلة أيضا 🌷
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة توين الحربي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
فيه فصل جديد للرواية في رمضان ؟؟ 🤔 او بعد العيد ؟؟🤔
مرة متشووووووقة للتكملة الرووواية 🤗
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة apple pie مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعيده و متشوقه جدا لروايه جديده لك..... شمس الكبرياء لن تغرب من اجمل ما قرات



مساء الخير على الجميع

آسفة على التأخير

و بإذن الله هيكون فصل اليوم


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 07-07-18, 05:46 PM   #53

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti مشاهدة المشاركة
ليلة سعيدة... تم فتح الرواية بناء على طلب الكاتبة...
مشكورة على تلبية الطلب


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 07-07-18, 08:10 PM   #54

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع



حائرة فتحت عينيها، تكتشف ما الذي سلب النوم من مقلتيها ... تنازع سلطة النوم كما تنازع جدائل الشمس الذهبية التسلل من بين الستائر ... تقلبت لتتسطح على ظهرها فتختزل المسافة بين حاجبيها عابسة تستكشف محيطها الجديد ... الغرفة كانت بطالع تقليدي من الطين الأبيض ونوافذ مسيّجة بفولاذ من الطراز العريق صبغ باللون النيلي الباهت ليجابه بياض الغرفة فتحتل المدفئة ركن الغرفة وعلى حوافها نقوش باللون النيلي و أمامها مباشرة يتمركز كرسي كبير بخشب الصندل على شكل أريكة فيتدثر الخشب بأفرشة نيلية وتستقر على ظهره وسادة ذات قماش أبيض مطرز باللون النيلي. الركن الموازي للمدفئة تتمركز طاولة صغيرة للزينة من الخشب مطلية بالأبيض بتصميم جميل وتقنية صنع عالية ثم هناك السجادة بوسط الغرفة تتناسب كليا مع بياض الغرفة بألوانها المتباينة بين أبيض و نيلي و أزرق وعلى طرفها بجانب النافذة مباشرة صندوق ضخم من الجلد باللون النيلي والمزين بنقوش أمازيغية واضحة بلونها الأبيض ليكتمل جو الغرفة الهادئ بالسرير ذو أعمدة حديدية و مفارشه المنسوجة و المطرزة يدويا.
رفعت حاجبها تقديرا للذوق الذي جمع ما بين كل تقليدي أصلي و لفتات من العصري المميز وعادت لتجول بعينيها على الغرفة بعين مهندسة ديكور منحية بذلك ما حصل و متناسية لمن يعود المكان حيث هي.
نزلت من السرير وسارت لتطل من النافذة على عالم آخر لم تعتده قبلا ... أشجار تلمع أوراقها وقد انعكست أشعة الشمس على رذاذ الماء فوقها و أخرى شاهقة الارتفاع تخترق السحاب و تلك الزرقة اليانعة بعد المطر ... الأرض تمتد خضراء بكرم و بقع الماء تنتشر على الأرضية و حولها تلتف عدد من الدجاجات و الحمام و عدد آخر يسرح يلتقط زاده من الأرض.
جمال المكان جعلها تسارع لتغيير ملابسها و الخروج من الغرفة التي لم تغادرها منذ أوصلها يحيى لها و دقائق قليلة تلك التي أخذتها قبل أن تغادر غرفتها وقد ارتدت جينز و سترة صوفية طويلة باللون الأسود محررة شعرها فوق كتفيها فخرجت تكتشف البيت الذي كان عبارة عن بيت من طبق واحد يوحده لون الطين بممرات عديدة و تضم الكثير من الغرف ... كان عبارة عن منزل و يضم منازل متداخلة فيما بينها فتاهت بين الممرات لتجد نفسها بالمطبخ الذي يشغل مساحة كبيرة من المنزل .
دخلت وقد حامت عينيها بالمكان لتكتشف فراغه إلا من طفلة صغيرة تتخذ مكانها على فراش أرضي و تنثر كتبها المدرسية على الطاولة أمامها. اقتربت أكثر وقد جذبها الوجه العابس للفتاة لترفع الأخيرة رأسها بدورها تنظر لها بغرابة قبل أن تتساءل بفضول طفولي ارتسم على ملامحها الصغيرة المتوردة :
- من أنت ؟ هل أنت ضيفة العائلة ؟
أومأت "تيتريت" و السخرية تشد خطوط شفتيها و قد ابتسمت بوجه الطفلة فقالت :
- نعم أنا كذلك
فتقترب أكثر من الطفلة جالسة على ركبتيها و تسأل :
- وأنت ماذا تفعلين هنا؟
- إن أمي تعمل هنا
فتعود الطفلة للعبوس و هي تشير لما أمامها بحنق :
عبست "تيتريت" متأوهة بوجه الطفلة التي كانت مأخوذة بالنظر لها وهزت رأسها قائلة :
- و بما انه واجب مدرسي ضاعت الأفكار طبعا
أمسكت "تيتريت" القلم الذي كان بيد الفتاة فاقتربت أكثر و قالت :
- حسنا لنرى ... ما المطلوب بالضبط ؟
رفعت عينيها عن الورقة لتنظر للطفلة التي كانت تتأملها باستغراب وإعجاب واضح لتبتسم بوجهها و تعيد طرح السؤال فتجيبها الطفلة و قد علقت عينيها على ملامحها :
- هل تعلمت لغتنا؟ العم يحيى لديه أصدقاء أوروبيون لكنهم لا يتقنون التحدث بلغتنا أبدا ... مثلك.
ضحكت "تيتريت" و سؤال الصغيرة لم يفاجئها فقد طرح عليها كثيرا لتقول هازة كتفيها :
- أبي علمني ... و أنا أتحدث أكثر من لغة ( لترفع حاجبها بمرح و تتابع) و الآن لنعد لواجبك المدرسي ما المطلوب.
عادت الصغيرة للتذمر وقد تذكرت لتجيب :
- يجب أن نرسم مكانا مؤثرا ... هذا ما قالته الأستاذة ( فتتابع بحنق طفولي محبب) حتى أنني لا أفهم ما معنى كلمة مؤثر هذه.
ضحكت "تيتريت" باستمتاع وقد عدلت جلستها أمام الطفلة وأجابت :
- سنبسط الكلمة و نقول هل هناك مكانا يخلق داخلك ابتهاجا أو مكانا تشتاقين له كلما ابتعدت وكنت حزينة ( فتنظر حولها و تقترب فتهمس بصوت متلاعب ) أو هل هناك مكان حيث تهربين وتختفين فيه تجنبا للعقاب.
ضحكت الفتاة و لمعت عينيها بشقاوة وهمست بدورها :
- بجانب الشلال هناك يوجد كهف صغير مغطى بالماء اختبئ هناك كلما فعلت شيئا لا يعجب أمي.
بعثرت "تيتريت" شعر الصغيرة ضاحكة و قالت غامزة بطرف عينيها :
- لنرسم إذن الشلال لكن لن نكشف مخبئك السري.
فسارت على الورقة تنثر الخطوط مسترسلة في حديثها مع الصغيرة التي ما إن انتهت "تيتريت" حتى عرضت عليها الخروج لتريها المكان فتتمسكا بيد بعضهما والصغيرة لا تكف عن الحديث ووصف المكان. توقفت "تيتريت" فجأة وقد لمحت "شريفة" التي كانت تسير بين الأراضي مسرعة نحو المنزل لتترك الصغيرة تسرع نحو صديقاتها وتتوجه بدورها نحو "شريفة" تستوقفها.
هي استوقفت شريفة لكن نظرات المرأة أوقفت الكلمات بجوفها ... كانت نظراتها تائهة، مذعورة وعدم الثقة يومض بعينيها بشكل ارتجف له قلب "تيتريت" شفقة ... أعادت ترتيب الكلمات بعقلها مترددة و العطف يحتل قلبها نحو المرأة كلما زادت لمعة الشقاء بعينيها فتقول :
- كنت أريد الاعتذار منك إن كنت جرحتك أمس بردة فعلي ... صدقا أنا آسفة.
رفعت رأسها تنظر بوجه تيتريت لتتهرب بنظراتها فتتلعثم مجيبة :
- لا عليك ... أنت ... أنا ... أنت ... لست ملامة .... لقد تعودت على ردة ... فعل الناس ... تجاه الخبر.
وجدت "تيتريت" نفسها غير قادرة على بلع ريقها دون ألم حارق فالتزمت الصمت قصرا تجاهد لتحرير الكلمات فيقاطع هذا التوتر الثقيل صوتا نسائيا آخر مناديا باسم شريفة فتلتفت الاثنتان تواجهان امرأة بعمر "يحيى" بأواخر الثلاثينات ... الغضب المرتسم على ملامحها لم يخف جمالها الناضج و الهالات السوداء لم تضمر نضارة ملامحها لكنها كانت عنوانا لحزن دفين وتعب نفسي مزمن. رفعت عينيها تدرس ملامح المرأة التي قدمها يحيى كعمة لها ... عائشة ملاّك ... و التي كانت الآن تنتفض غضبا و شرارات الانفعال تُنفث من عينيها فتترجم كلمات :
- ماذا هناك "تيتريت" ؟
رفعت "تيتريت" حاجبها وقد استنبطت بين الكلمات الهجوم الخفي لعمتها فقالت وقد بدد ما حصل تلك العقدة التي عقدت الكلمات بجوفها :
- هل يجب أن يكون هناك شيء يا عمة لأتحدث مع زوجة شقيقي؟
لم تخفي السخرية بنبرتها و التي زادت ظلام عيني عمتها فتجيبها وقد اقتربت أكثر :
- "شريفة" ليست أهلا لتكون خصما لك يا ابنة جلال ... إنها ليست من آل ملاك لتحقني سم حقدك بها ....
قاطعت "تيتريت" دفاع عائشة ضاحكة بقوة أمام استغراب المرأتين لتتحدث :
- أرجوك يا عمة أ تسخرين مني أو منها أو من نفسك أو ممن بالضبط ؟ يكفي أن ينظر المرء لها بينكم ليعلم إلى ماذا أوصلتموها ؟ إن كان أحد يحتاج لهذه المحاضرة المهيبة التي كنت على وشك أن تلقيها بوجهي فهي أنتم آل ملاك ( فتتم وقد اقتربت لتفصل بينهما سنتمترات قليلة ) لكن لنقل أنني أعذر ظنك فأنت خير من تعرفين آل ملاك لكن لا تنسي أنا لا أحمل إلا اسمكم .... أنا لست منكم.
لتولي ظهرها لهما رافعة يدها مودعة و تهتف :
- إلى اللقاء يا "شريفة" سنتحدث لاحقا.
سارت بين خضرة الأرض تستنشق الهواء الطلق و النظرات خلفها تتبعها .. ترصدها مجفلة ... مصدومة ... كيف أن الشقراء لم تكن إلا ملاّك ... بإرادة آل ملاك و بعنفوانهم و حتى بقسوتهم ... هي منهم.
**********
- لقد شرحت لعائشة الموقف ... أقصد ما حصل صباحا
التفتت "تيتريت" للصوت المرتجف الذي همس من خلفها لتجد "شريفة" المضطربة تنتظر إجابتها بتوجس و توتر فتبتسم بسماحة لها محاولة تناسي معضلة تجمع الفطور الذي خرجت منه. لفت ذراعها حول كتفيها و غمزت يعينها بتسلية وقالت :
- انسي الأمر ... ما أريدك به أهم.
ارتسمت ابتسامة مترددة على شفتي المرأة المنهكة أمامها و هزت ٍاسها تنتظر طلب "تيتريت" الذي لم يتأخر :
- أريد التجول ... هذه المزرعة شاسعة ومتداخلة كبيتكم الأبيض هذا لذا فأنا أحتاج لمرشدة ... ما رأيك أن تكوني مرشدتي؟
إيماءة خجولة هي ما حصلت عليه "تيتريت" لتشبك ذراع بذراع "شريفة" وتتقدما نحو ممر أشارت إليه "شريفة" بحماس قائلة :
- من هنا ... أعتقد أنك ستحبين ما سترين.
مع أول خطواتها ارتفع رنين هاتفها المضيء باسم "مليكة" لتتوقف مجيبة تسمع كلمات شقيقتها وعينيها تلمع حنقا فتغلق الهاتف معتذرة من شريفة لتغادر بسرعة.
ساعة إلا ربع ما يفصل المزرعة عن المدينة حيث أعمال العائلة و حيث يقطن أباها صالح و عائلته ... ساعة إلا ربع كان التوتر ينهك أعصابها و الأسئلة تتفجر برأسها ... لم ترفض مساعدة "أسامة" و القلق حول ما حصل لتكون شقيقتها بمديرية الأمن يقتلها .... أخبرته عن اتصال شقيقتها و أنها تحتاجها بمديرية الأمن ليعرض مساعدته .... لا بل ليفرضها عليها و ها هي الآن تسارع الخطى بالممرات متتبعة خطواته حيث يمكن ان تكون شقيقتها.
توقفت وقد جذب اهتمامها صراخ داخل آخر مكتب بالرواق لتتوقف ممسكة ذراع "أسامة" فتقول زافرة بغيظ :
- من هنا
الصراخ الذي جال ليستقر بأذنها أحال توترها غضبا و خطواتها أكثر استقرارا وهي تدلف للمكتب لتواجه آخر مغامرات شقيقتها بينما "أسامة" الذي سار بمحاذاة "تيتريت" تجمدت خطواته بعتبة الباب و تصلبت حواسه وهو ينظر فاغر الفاه للجسم الصغير الذي يقفز بهيجان محاولا الوصول للشاب الواقف بالركن الآخر من المكتب بينما الضابط يصارع منع ذلك فتتحرر كلماتها مهددة الشاب الذي كان جسده ضعف حجم جسدها.
اتسعت عينيه وقد صدمه المشهد أمامه بعد أن كان متوقعا لجسدها النحيل متقوقعا على المقعد ... باكية وخائفة تنتظر مجيئهم ليفاجئ بكتلة النار أمامه .... لثوان تصلبت أطرافه ورفض جسده الحركة أو إبداء ردة فعل لينتفض صارخا أمام زيادة عنف الصهباء أمام كلمة أخرى من الشاب وتطويق الضابط لجسمها بالكامل للحيلولة دون وصولها إليه.
- كفـــى.
توقف الكل و توجهت العيون نحو جسد "أسامة" الضخم المتحفز الذي عبر بخطوات واسعة المسافة الصغيرة بين الباب و بينهم ليهتف بجمود جاف :
- ما الذي يحصل هنا؟
بانتهاء كلماته أمسك بمرفق "مليكة" الجامدة مزيحا إياها ومنحّيا جسدها عن طريقه ليقف بينها والضابط منتظرا إجابة على سؤاله والذي لم يتأخر طويلا وقد دلف صديق حسام العميد والذي اتصل به ما أن علم بحصول مشكلة.
**************






epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 07-07-18, 08:12 PM   #55

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

- اخرس
تسللت من بين أسنانه الكلمة بحدة وقد أغاظه الضحكات المرتفعة لصديقه. فحام بعينيه بسأم وحنق و الموقف يعاد أمامه مغيظا إياه ... ما كان يتوقع وصديقه يستفهم عن المشكل من الضابط أن تنفجر الصهباء من جديد والضابط يعيد رد الشاب عن اتهامها له بالتحرش بأنها من شجعته على ذلك لتنفث الشتائم حمما فتندفع منقضة بجنون على الشاب وتنهال عليه ضربا بحافظة أوراق رسم ضخمة مكيلة له الركلات بكل جنون أمام ذهوله وصديقه.
استحوذ عليه الذهول لثوان وقد عادت صدمته لتأسر أطرافه قبل أن يتحرر فيتقدم منتزعا ذلك الجسد الضئيل بقوة و حاملا إياها خارج المكتب نافضا إياها بقسوة دون أن يترك ذراعها ويهتف بها :
- ألن تتعلمي قط احترام من حولك؟ ألن تتعلمي التحكم بكلماتك و ردود أفعالك المتطرفة هاته.
بدورها ... قلصت المسافة بينهما مقتربة أكثر لتصيح وجسدها يرتجف غضبا :
- أنا لا احترم إلا من يستحق الاحترام و هذا الحيوان بالداخل لا يستحق الاحترام بل يستحق الضرب على القفا.
- وهل من اللائق الرد عليه بالضرب والشتائم .... هل شجار الشوارع هو ما سيحل المشكلة؟
تألق الإحباط بعينيها للحظات قبل أن يزيد توهج الغضب بهما فتصيح :
- التصرف اللائق مع أمثاله لن يحل المشكل أيضا و ما الشجار إلا لأنني لن أصمت وهو يتهمني بتشجيعه بعدما حاول لمسي.
كلماتها الأخيرة أعادت أسامة خطوة للخلف رافعا يديه في الهواء قبل أن يهزمهما ثقل الإحباط فيمسح بهما على ملامحه الحانقة مستسلما لإحباطه قبل أن تستوقفه كلماتها :
- ثم أنت ماذا تفعل هنا؟ أنا متيقنة تماما أنني خلالي حديثي مع شقيقتي ... أخبرتها حرفيا أن لا تجلب أي شخص معها وخاصة من آل ملاّك.
رفع حاجبيه بدهشة قبل أن تتحول لجمود مفزع وهو يقترب منها ليهمس بأذنها بنبرة هادئة لكنها مهددة :
- أنت ما اتصلت إلا بشخص من آل ملاك ... شقيقتك اسمها "تيتريت ملاّك" شئت أم أبيت و الآن ستجلسين هنا حتى أنهي المشكلة ... وإن خرجت ولم أجدك أو وجدتك خلفي بالغرفة ستعرفين حينئذ آل ملاّك جيدا.
أسدل جفنيه على ما حصل و عاد لحاضره وقد انتبه لنظرات صديقه الذي لم تبارح الفتاتين باستغراب لم يحاول إخفاءه ... تنهد قبل أن يضم قبضته على كتف صديقه ويعيد الإقرار الذي يظن أنه سيعيده كثيرا :
- قصي ... كف عن التحديق بشقيقتي .... ونعم إنها شقيقتي رغم أنها لا تبدو كذلك.
التفت نحوه قصي وقد علت ملامحه ابتسامة متسلية و أجابه :
- اعذرني أسامة ... لكن أجد صعوبة في تصديق أن الفتاتين ليستا أجنبيتين.
- أرجوك ... أنا كذلك أجد صعوبة في الاستيعاب ... لكن لنقل أننا مضطرين لذلك و لو بصعوبة.
جملة أسامة حملت من الحزم ما حملته من الحزن الذي لحظه صديقه ليربت على كتفه مستنبطا صعوبة الأمر على كلا الطرفين وقد أخبره أسامة بالقصة بشكل مختصر فيقول مؤزرا ... سارحا :
- لابأس ... سيتعود كل منكم على الوضع يكفي أن تكون هناك إرادة و رغبة لإصلاح الأمر.
لم يجبه أسامة بل رفع عينيه نحو شقيقته التي كانت تستمع للصهباء بانتباه لتستولي عليه أفكار و تأملات ... أفكار لا تلبث تومض بتساؤلات لا يعرف لها أجوبة ولا استطاع تكهنها .... تلك السنوات التي تفرق بينها و بينهم ستظل واقفة بالمنتصف لكل إصلاح ... سنوات كفيلة بزرع بذور الحقد فتصبح الآن متشعبة بروحها ... سنوات إن علا صوتها فسيعلو متهما إياهم بالحقارة و الخذلان ... منتصرا لها عليهم ... عليهم جميعا.
***********
- ألم يكن باستطاعتك الحضور بمفردك ؟ لا بل ما وجدت إلا شقيقك الغليظ هذا لتأتي به.
سألت بسخرية مركزة على جملتها الأخيرة مضيفة إلى السخرية تهكما واضحا لتقابلها "تيتريت" رافعة حاجبها بترفع متجاوزة الجواب عن السؤال فتبادر بدورها مستفسرة :
- ماذا بشأن العمل الآن ؟
تقلصت ملامحها مشكلة ابتسامة مستهزئة ... مغتاظة وقد تذكرت المقابلة التي كانت تعقد عليها آملا كبيرا و التي كانت متوجهة لها فتقول :
- كما ترين لم يعد هناك عمل بفضل ذاك .......
- حسنا حسنا .... لما لا آخذ رسوماتك ربما أستطيع ....
قاطعتها مليكة جازمة :
- لا ... شكرا لك.
لم تهتم مليكة لنظرات "تيتريت" المستغربة ... المتفحصة بل حامت بعينيها على الناس من حولهم. تحاول الغوص معهم و فيهم ... متأملة أن تركد تلك الأفكار وقد باتت تستولي على عقلها وأن تخمد هواجسها وقد صار يستعر لها غضبها ... شكوك و تخوفات تحتل المكان عندما تزيح ذلك الغضب قسرا ... يتناوبان بجنون مستدعيان الغضب من جديد ... بصعوبة باتت تستطيع التحمل .... ليست من هواة الصبر فهي تمارسه مجبرة ... لذا بدأ غضبها يتسلل وقد سألتها تيتريت :
- ماذا هناك مليكة؟ ماذا بك؟
فتجيب :
- أنا أيضا أريد جوابا لنفس سؤالك "تيتريت" لكنني أفشل كلما بحثت عن السبب.
أغمضت "تيتريت" عينيها لثوان دون أن تعلق ... وقد فهمت لما ترمي شقيقتها لذا فضلت الصمت، لكن صمتها أغاظ من كانت بجانبها لتلتفت لها وهي أكثر من تعرفها فيزيد تخوفها كلما اكتفت "تيتريت" بالسكون أمام أسئلتها .... ذلك التخوف الذي استكان بأعماقها مطلعا إياها عن آخر فصول الهدوء بحياتهم فتلتفت مواجهة "تيتريت" و تتابع :
- صمتك يثير أعصابي فيؤجج فضولي ويحفز التساؤلات بذهني ...
تتابع مخاطبة و قد أطلّ الغضب بلهجتها :
- أنا أكثر دراية بك "تيتريت" وأعرف أكثر مما تخبرينني به ... وحدسي ينبئني أننا على وشك زعزعة نظام حياتنا.
لم تهتم لملامح شقيقتها التي استحالت صخرية بل تابعت :
- أريد أن أسالك فقط ... هل هذا يستحق؟
لم تتلق إجابة كما توقعت لذا أومأت برأسها متفهمة فولت ظهرها لتيتريت ملوحة بيدها قائلة :
- سنرى ... سنرى.
قبل أن تبتعد خطوات كان أسامة قد اقترب ليسألها متوقعا مجيئها معهم ... لإيصالها:
- إلى أين؟
لم ترفع عينيها نحوه كما لم تخفف سيرها بل سارت رامية كلماتها بالهواء لتستقر بسمعه :
- لا شأن لك.
مراقبا إياها بغيظ وحنق متصاعدين تسير مبتعدة لتغرق بجسدها الضئيل بين أموج الأجساد ... تلك الصغيرة المتطفلة تغيظه، تثير غضبه وتفقده أعصابه بشكل يعجز عن فهمه. ليست مهتمة بإخفاء قرفها منهم، تصرح به بكل نظرة ترميها نحوه وكل كلمة تخطو فوق الرؤوس لتصل لمسامعه ... لا تعلم مدى ثقل تلك التجربة وخطاياها على أكتافهم ... وتسهو عن تداعيات التجربة من يقين وشك فصواب وخطأ.
زفر قهرا منها ومن ذاكرته التي تتشبث بها وكلماتها تشبث الجذور بتربتها ... لن يفصح عن كره نحوها لا يشعر به لكنه بكل تأكيد يكره ذلك الشعور الذي تخلفه رؤيتها. محاولا إخلاء رأسه، من هاته الأفكار دون النجاح بتجنب ذلك الشعور البغيض الذي يفلح دائما في إعادتها لذهنه، توجه بنظراته لشقيقته التي كانت ساهمة تنظر للمكان حيث اختفت "مليكة" ... متألمة والحيرة تنبع من بين لون عينيها الأزرق الباهت ... شاجنة واضطراب مشاعرها يكاد يهتف بالرحمة. سار حتى قابلها ليبتر تلك النظرة والتي اختفت ما إن استوعبت وقوفه أمامها لتمنح السبيل لذلك الجمود أن يخطو مغلفا وحاجبا "تيتريت" ... الفتاة التي كانت قبل أن تلتقيهم ... لا بل قبل أن يصادفوها ... فيطالبوا بها بعدما صار الأمر ليس من حقهم.
- شكرا لك ... سأعرف الطريق وحدي لا تتعب نفسك أكثر.
جذبته جملتها التي رمتها بوجهه بجمود قبل أن تسير مبتعدة وقبل أن يفيق من أفكاره وصدى كلماتها ليسارع الخطى خلفها يمنعها التقدم و يصرح :
- رافقيني إلى الشركة، هناك ما أريدك أن تريه وبعدها سنتحدث.
************
لم يستطع وضع ضجيج أفكاره بعيدا، يحاول تنحية تلك الضوضاء الصامتة التي أشغلته بها مبعدة إياه عن الأرقام أمامه ... استقام زافرا مبتعدا عن مكتبه، متجرعا ذكريات الأيام الماضية ليزيد ألمه وتوجسه وقد لاحت ذكرياته متوجة صمت شقيقته ... منذ زيارتهم لها وهي تواجههم بصمت يضمر الكثير ... تخذل توقعاته ... يخشى أفكارها ... توجعه نظراتها و تقتله سنوات عمرها التي تركوها تمر فتزيد ذنبهم وتنضب تلك الأيام مزهقة معها كل شعور جميل لهم داخلها .... موقن هو أن رصيدهم عندها قد فرغ منذ سنوات عمرها الأولى فشحنته بما تشحن به الأيام الفارغة منهم.
الآن وقد ركنتهم جانبا يأمل أن لا تكون السبل لها قد نفذت ... أمل ما تلبث أسواره القصيرة تتهدم وهو يقابل صمتها المكلل بالجمود والبرود. أغمض عينيه عن أفكاره وصوت إغلاق الباب يصل إلى مسامعه فظل على حاله منتظرا كلمات "سمية" التي أسأمته مرددة تساؤلات لم يكن يملك لها إجابة ليتفاجئ بصوت عمر البارد :
- ألم تسر الأمور كما خططت لها؟
التفت ينظر لابن عمه بذهن مازال شاردا بأفكار أبت أن تركد فتجبره رئته على أخذ نفس وقد ضاقت بذلك اللهب الخانق فيضيف ابن عمه بتصريح :
- أبي اخبرني بما جرى ( فيتابع بسخرية قاسية) أكنت تتوقع الكثير يا يحيى ... ربما دموع وأحضان و...
فيقاطعه يحيى :
- لم أكن لأشطح بفكري لذلك الحد ( فيكمل باستهزاء ) ربما كنت أتوقع ذلك الكره المتطاير عبر الكلمات وذاك البغض الرافض لنا (ثم بإقرار يتابع) أنا حائر في صمتها .... مرتاب من ذاك البرود الذي يحيطها .... أنا فقط أكره ( يرفع يده يتخلل الهواء أمامه بتوتر ) أكره أنني لا أفهمها ... أنني لا أعرف شقيقتي لأعرف ما يدور بخلدها.
ميل "عمر" رأسه مقرا و بمنطق رجل الأعمال تحدث :
- وهذا يكتسب ... لن تتوقع المعجزات يا "يحيى" ... ولا تشفق على نفسك وتتخبط في أفكار لا جدوى منها الآن ... الندم لن يكون له معنى إن لم يُنشئ بداخلك ذاك الدافع للتغيير ... إنها تحتاج لأرض صلبة لتقف عليها فتواجهكم وتعاتبكم وبعدها ستتعلم كيف ستتقبلكم.
- وإن لم تفعل؟
سؤال يحيى الساخر جعل عيني "عمر" تحتد وهي تنظر للأفق عبر نافذة المكتب فيجيب بحزم :
- ستجبرها بكل بساطة .
رفع يحيى حاجبه مبتسما بسخرية وأفكاره تكاد تجزم أن الإجبار لن يجدي نفعا معها لكنه التزم الصمت تاركا الإجابة للأيام، ثم مستدركا التفت لابن عمه واستفسر مقطبا :
- آه تذكرت ... كيف يعرف أباك "تيتريت" قبل الآن؟
قطب "عمر" بدوره قبل أن يرفع حاجبيه مستغربا ليحصل "يحيى" على رد لسؤاله فيتابع معيدا التقطيب لملامح ابن عمه :
- لا والأغرب أن شقيقتي متأكدة أنها رأته قبل الآن لكنها لا تتذكر أين؟ و أباك طبعا متعنت .. يرفض التحدث.
هز "عمر" رأسه متفهما وعلّق :
- إن رفض الحديث فهو لن يقول كلمة .... (فينظر بعيني ابن عمه ويقول ) إذن عليك بشقيقتك.
************
تململت بغير ارتياح وانتقلت عينيها على الأثاث بمكتب شقيقها متفحصة أناقة الاختيار قبل أن تعود موجهة عينيها نحو اللوحة التي كانت تعتلى الحائط خلف المكتب ... لوحة لمنظر طبيعي يمتزج فيه اللون الأبيض والأسود بجمالية جذابة فسار بعدها اللون الأحمر معلنا التمرد وقد لون أوراق الشجر الثابت على الأغصان فالمتطاير ثم الملتجئ للأرض باستسلام ... كان الأحمر على اللوحة يعلن بوضوح عن تمرد يُخرج اللوحة من الهدوء الذي يغلف الأطراف
دلف وقتها "أسامة" وقد لاحظ تحديقها في اللوحة بتمعن ليقول :
- هذه اللوحة دائما ما تحدث تأثيرا متباينا على الناس إلا أنني أول مرة أجد من ينظر إليها مبتسما.
أجابته ونظراتها مازلت مركزة على اللوحة :
- اللون الأحمر باللوحة مميز جدا ... يمنح الحياة للوحة ويجعل من لمحها مضطرا لإعادة نظراته نحوها ... يمنح الطبيعة ذاك الجموح و التمرد الذي سلبه اللون الأبيض و الأسود ... ثم اللوحات الناجحة هي من تجعل عينيك تتعلق بها لأكثر من مرة و منها من بمعانيها الخفية بداخلها تجعلك تتذكر شخصا أو حدثا ما وهاته اللوحة بالذات لا تذكرني إلا بشقيقتي ... مليكة.
انتقلت عيني "أسامة" و قد قطب نحو اللوحة متذكرا بغضب تلك الصهباء الجامحة والتي لا يبالغ إن هو تجاوز ليصفها بالحمقاء ليزيد عبوسه وقد اندثر سحر اللوحة وقد اقترنت في فكره بسليطة اللسان ذات الشعر الأحمر.
هز رأسه نافضا أفكاره و أعاد نظره لشقيقته وقد نحت بصرها بدورها عن اللوحة .. تنظر له فتبادر بملل لم تحاول إخفاؤه وقد اندثر كل شعور ولدته اللوحة :
- ماذا هناك يا أسامة ؟ لدي ما أفعله وأنت تعطلني.
رفع "أسامة" حاجبيه استغرابا و سأل :
- ماذا لديك لتفعليه "تيتريت"؟
غطى الجمود ملامحها أكثر ورفعت حاجبها الأيسر بتغطرس واضح وأجابت :
- لا شيء يهمك.
زفر وقد قلب عينيه في المكان محاولا التحكم بغضبه الذي يهدد بالانفجار قبل ان يعيد النظر إليها معلقا ببرود :
- لما لا تحاولين قطع نصف المسافة فنحن نعمل ما باستطاعتنا لتسهيل الأمر عليك ... فالأمر برمته صعب علينا كما هو صعب عليك.
ما عقبت على حديثه بالكلمات بل بابتسامة ساخرة اعتلت ملامحها المتهكمة فطفا الإحباط على السطح مؤججا غضبه فتلاشت الكلمات بينهما وارتفع التوتر وشحنت الأنفس بالضيق المحيط فتشاركت الأعين حوارا صامتا ... مثقلا لن تتحمل الكلمات ثقله .... هكذا استمر الحوار مع كل هوامشه من يأس وتصميم حتى فتح الباب لتنثر المعاني عن الحواشي متشتتة فتلتقط حواس يحيى التوتر الكامن في الجو والذي مازال حاضرا بقوة فيبادر منتقلا بنظراته بينهما :
- أتتجادلان ؟
رفعت "تيتريت" نظراتها نحوه وقالت بعدم اهتمام وقد التوت شفتيها بتهكم واضح :
- أبدا ... شقيقك يحاول إفهامي مدى صعوبة الوضع الجديد معللا ذلك بإيضاح الفرق بين الغربة والغرابة و من فيهن أكثر تأثيرا على الشخص.
أومأ "يحيى" مبتسما بسخرية وومضت عينيه بمرارة فاتتها بينما التقطتها عيني "أسامة" الذي كشر و تحرك نحو النافذة موليا ظهره نحوهما لتتابع هي وقد امتدت يدها تعبث بالأوراق :
- ما لا يفهمه آل ملاك أن الغرابة لا تخلق دائما ذلك الشعور بالخطر و الحذر ... في بعض الأحيان تكون منطلقا لاكتشافات مهمة ومؤثرة في الحياة .... بالأخير الغرابة محرك للحماس وحافز للمعرفة والتعرف لكن الغربة ما كانت إلا شعورا بالنقص والوحشة .... شعورا يطفح و يستولي على مشاعرك الأخرى مخدرا إياها .... الغربة لا تخلق تلك المشاعر المحركة بل تقتلها تجعل أيامك متشابهة ... جوفاء ... لكنها محفزة جدا للحنين ... وأنا لم أكن أعرف كيف أجيب أسامة أن الغربة التي شعرت بها بهذين اليومين لم أشعر بها وأنا بفرنسا بعيدة عن عائلتي.
لم تكن الكلمات أكثر وضوحا ليفهم الواقفين ما تعنيه ... كانت تطعن بقوة مستلذة بملامحهما المتجهمة وبأجسادهما المتجمدة بألم لم تفهمه كما لم تكن لتستوعبه الآن وهي تتعامل مع ألمها. كانت مع كل النشوة التي تغمر قلبها وهي تستلذ بالألم الزاحف لأعينهم منذ قابلتهم، تشعر بنفسها تضيع وقد أدمت أعماقها التي كانت تحتاج للمزيد ... ذلك التناقض يقتلها ... مع يقينها أنها بما تفعله ستخسر نفسها ربما إلا أن هناك بأعماقها تكمن حاجة لهذا تتوقد بشكل مفزع.
منعت حشرجة مشاعرها من البوح بالتضارب المهلك فأمسكت وتماسكت قبل أن تستفسر ببرود :
- حسنا؟
هز "يحيى" رأسه وكلمتها كسرت ذلك الجمود الذي كان قد شل حركته ليجيب ساخرا بدوره :
- عملية جدا.
على إثر هذه الكلمات علا صوت متهكم معلقا وقد دلف صاحبه حين لم ينتبه له أحدا :
- طبعا ستكون عملية جدا .... الجميع يتقلب بين عملي وطماع ما إن يتعلق الأمر بالنقود و الأملاك.
تألق اللون الأزرق البراق بعينيها وتيقظت حواسها قبل أن تلتفت له ... لشقيقها الثالث "أيمن ملاّك" الذي ينظر لها بتهكم لا يخلو من ذلك الحنق الذي لم يجهد نفسه لإخفائه ... سارت حتى صارت تقابله ... الأعين تحكي قصة غضب موجع وتحد ناسف. أهملت الأصوات التي ارتفعت باسمه ناهية بسخط فهمست بحقد تسرب لمسامع الجميع بالمكتب بشكل موجع :
- طبعا لمن هم مثلكم ... فالعلاقات بالنسبة لكم تقاس بكمية النقود التي تثقل أرصدتكم لكن حيث تربيت كان أبي دوما ما يصر على أن العلاقات أنبل من أن تتلطخ وتتدنس بنجاسة النقود ( فتضيف متهكمة بخشونة ) أنا أعذرك فلكل منا أولوياته ... و التربية تلعب دورا هاما في اختياراتنا الآن ... فأنا ترعرعت على مبدأ يختلف كليا على المبدأ التي ترعرعت عليه أنت.
اشتعال عيني شقيقها و تحفز حواسه أبهجها مما جعلها تلقائيا تبتسم بوجهه بتسلية لم تفقدها وهو يطعن بدوره بكلماته المرتفعة :
- أين تلقيت مبادئك هاته أ في حواري باريس بين المدمنين وتجار المخدرات و العاهرات ...
أنهى هجومه صرخة باسمه وارتطام جسده بالباب فتتنقل نظراته الغاضبة بين أشقائه اللذان يحملان نفس لمعة الغضب ... تعال الصراخ ودوت الأصوات لكن جملته تلك أصمت أذنيها و غيبتها عما يجري بينهم ... تشعر بارتجاف قلبها يعقبه ارتجاف ركبتيها و أطرافها ... ذكرياتها بغير رحمة عادت بها لتنغمس بتلك الألوان الصاخبة التي لا تكاد تخفي أجسادا شققها اللمس والنظر ... تنظر للأزقة الضيقة حيث ضاعت أرواحا بين مقتول وقاتل ومدمن وتاجر ... وشقق ضيقة يفوح منها عطر الرداءة والقرف ... حيث خسرت فتيات أجسادهن فلم يعد لهن تحكما به ... تلك الأزقة ... تلك الأزقة .... التي تحاصرها الآن بلونها الأزرق الغامق و الكتابات والنفايات المنتشرة بالأركان والحكايات التي تدونها تلك الأسوار المنتحبة عن طهر اغتصب و براءة مزقت وروح رحلت و صراخها ... أكان صراخها أم صياح أعماقها ... سمحت للرجفة أن تغزو جسدها وقد انقطعت أنفاسها ... حامت حول نفسها وظلال الأسوار تحيطها ... أنّت ... فصوتها اندثر ولسانها عقد ... تخبطت وأزاحت الأيدي من على جسدها ... تشعر بملوحة دموعها تخنقها و البرودة تكاد تسكن أطرافها ... زاد ارتجافها وزادت لمسات الأيادي عليها .... صرخت ... نعم صرخت ... أخيرا ... وبابتسامة مرتجفة أخضعت ارتجاف جسدها.. استسلمت للظلام.
*****************
بذلك الممر الأبيض العابق برائحة المعقمات والمطهرات تفوح رائحة القلق، الكل منعزل عن الآخر وقد أزاحهم القلق الذي اختلط بمشاعرهم إلى أركان الممر. الوجوه أغلقت على أفكارها و غابت ردود الفعل ... الكل ينتظر منشغلا بأفكاره. كان هناك فقط ذاك الجالس هناك أمام الغرفة حيث تختفي "تيتريت" يحدق بذلك الباب الذي أغلق عليها وفتح بذهنه هو نزالا متوحشا مع أفكاره ... ذلك التخبط بين توجس حارق وحيرة قاتلة و ألم موجع يقتات على أعصابه بتلذذ.
مهما فعل لم يوفي حق الفتاة التي نفيت من العائلة لأسباب أنانية واهية ... أوقات كالآن يكره عجزه هذا الذي جعله مربوطا بكرسي و الذي جعل أيامه منحصرة بين المستشفيات متنحيا عن حياتها.
الضجة بجانبه كانت ما استرعى انتباهه ليرفع عينيه ينظر لصهباء متفجرة الغضب التي قذفت كلماتها الغاضبة متجاوزة الطبيب الذي خرج توا من غرفة تيتريت قبل أن تدلف هي إليها برفقة والدتها المتوترة و التي لم تخلو ملامحها من الغضب.
أدار كرسيه المدولب مواجها الطبيب حيث التف حوله الكل وفي مقدمتهم أباها صالح الذي كان جامد الملامح غامضا ... لا يقرأ ... يومئ فقط في وجه الطبيب الذي ينفي أي عارض عضوي لديها متما كلماته غير منتبه أو متجاوزا لملامح الحيرة و التخوف الظاهر على محيى من حوله مخبرا إياهم أنه يظن أنه لم يكن سوى رد فعل عصبي عن صدمة قديمة.
علت علامات الاستفهام الوجوه سوى ذلك الوجه الجامد للأب صالح الذي ظلت ملامحه جامدة بغموض وهو ينسحب من أمامهم للغرفة حيث كانت تيتريت ترقد .... أحاط الصمت بالجميع فلقد كانت التساؤلات على الوجوه تقرع بالعقول أجراس الوجل.
دقائق كانت تلك التي أخذتها النفوس لتهدأ قبل ان يلج الجميع لغرفتها حيث كانت تستند لصدر والدها صالح ضاحكة من غيرة الصهباء الحانقة بينما كانت تتحدث بالهاتف لشقيقها الأصغر- ابن الأب صالح و الخالة النادية- الذي يتابع دراسته الجامعية بسنته الأولى بالعاصمة الاقتصادية. فور دخولهم اندثرت الابتسامات و تصلبت الملامح وتوترت الأجواء ... انتقلت هي بعينيها عليهم جميعا .. أشقائها الثلاثة ثم المسمى والدها وهناك أيضا عمها. انسحب والدها صالح من جانبها مرحبا بكلمات باردة بالوافدين ليأخذ الكرسي بجانب سريرها و يستلم للصمت كالآخرين ... ما كان المكان ليحتمل عبئ الصمت و ما يحمله و ثقل النظرات و ما توجهه فلذا بادر "يحيى" بكلمات لعلها تنشئ حوارا لكنه ما كان إلا تبادل كلمات فاتر.
توقفت الكلمات و اسم "تيتريت" ينساب من بين شفتي "أيمن" بتردد واضح ... تردد لم يغير الجمود الذي اكتست به ملامح وجه "تيتريت" حتى و"أيمن" يعتذر على ما قاله. اكتفت هي بتركيز نظراتها عليه لتستوقفه وقد عزم على التبرير، فرفعت يديها أمامه مقاطعة قبل أن تجيبه بنفس البرود والمرارة تلهب نبرتها :
- لا تعتذر و كذلك لا تبرر ما تفوهت به فأنت لم تقل سوى ما حصل تماما ... أنا كبرت بتلك الحواري
كان أب عمر متيقظا لكل كلمة تقال و لكل ردة فعل فلم يخفى عليه إجفال السيدة ناديا و النظرة المتبادلة بينها وزوجها الذي ظل جامدا غير مقروء الملامح قبل أن تزيح عينيها عن الجميع مغمضة إياهما.
كانت الغرفة بعد كلمات تيتريت محتقنة بتوتر أقفل الأفواه و سلب اللون من الوجوه و أثقل الجمل على الصدور لتضيف غير مشفقة بابتسامة منكسرة و تفاوتت نبرتها بين المجروحة و الجارحة :
- أنا اضطررت للعيش هناك و لن تعلموا أبدا ماهية العيش بتلك الحواري ...( لتضيف و رعشة شفتيها واضحة) و لا نتائجها على فتاة صغيرة.
لتأخذ أنفاسها بعد كلماتها فتقسو نظراتها أكثر و تتأمل بهم جميعا فترمي آخر كلماتها قسوة :
- لكنني طالما تساءلت هل كنتم تعرفون ذلك والشكر لأيمن فلقد كانت إجابته كافية جدا .... وبهذا أعلم الآن كيف يستطيع العيش من رمى بعرضه بين وحوش البشر ورذائلها.


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 07-07-18, 08:14 PM   #56

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

انتهى الفصل قراءة ممتعة


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 08-07-18, 02:45 AM   #57

عمر أبوبكر
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 129334
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 79
?  نُقآطِيْ » عمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond reputeعمر أبوبكر has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير
فصل جميل واعتقد ان هناك اسرار فى حياة تريت
سعيدة بعودة الرواية سلمت يداك


عمر أبوبكر غير متواجد حالياً  
قديم 14-07-18, 03:35 PM   #58

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر أبوبكر مشاهدة المشاركة
مساء الخير
فصل جميل واعتقد ان هناك اسرار فى حياة تريت
سعيدة بعودة الرواية سلمت يداك

مساء النور

تيتريت بحكم حياتها السابقة ستحتفظ لنفسها بوقائع تعتبر اسرار بالنسبة لعائلتها

شكرا لك على مساندتك الدائمة شكرا جزيلا


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 15-07-18, 12:04 AM   #59

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

عطر حواء
*************
الفصل الخامس :
و نظراتها تتجول بالسهول حولها تشعر بذاك الزحف من المشاعر المتشابكة و الغامضة التي تغمرها لتثير ذاك الخوف الذي طمرته منذ زمن ... لكنها تشعر به يزحف للسطح مما يضعف قوتها التي هي بأمس الحاجة لها. هبت الرياح من حولها وجعلت خصلات شعرها تعانق اللاشيء لتعود فتستقر على كتفيها فتعدل قبعتها ذات اللون الأسود على رأسها و تحكم التفاف معطفها الأسود على جسمها قبل أن تسلم كفيها لجيوبه و تعود تعانق الفضاء أمامها بعينيها ... مازال الشك يساورها بما اتخذته من قرارات وخاصة العودة لمزرعة "آل ملاك" فتفكر أنها أخطأت التقدير وأخطأت التخطيط وما كان عليها الاقتراب من الأساس ... حياتها دونهم كانت سلسلة ومرنة وهي الآن بينهم تشعر بخطر زلزلة ذاك السلام التي وصلت إليه وهي في حضن عائلة خالتها نادية.
هناك توجس لم تستطع التآلف معه منذ قررت العودة لمزرعة "آل ملاك" .. فيثر بأعماقها غربة تقتل .. ربما ما كان عليها العودة رغم إلحاحهم و اعتذاراتهم، ربما كان عليها فقط نسيان أمرهم جميعا والعودة لحياتها على ما كانت عليه. ألحت الذكريات عليها لتستلم لها معيدة الأحداث لما قبل أربعة أيام. يوم كانت الكلمات التي ألقتها بوجوههم كفتيل أوصل تلك الشرارة، التي كادت تهفو من إعلان العطر للذخيرة ... تتذكر جيدا ذلك الاهتياج في العيون والاستنكار الذي ظهر على الوجوه قبل أن تعلو الأصوات مستنكرة .. رافضة .. معترضة ومعارضة ... فغاضبة وساخطة... لم تهتم بل نظرت للعيون بقوة .. فهذا الطوفان خير سبيل للدفاع عن أنفسهم وهي لن تحرمهم إياه يكفي أنها تعلم وهم يعلمون فلا داعي للتصريح الواضح .. المفضوح... أدارت عينيها بين الجميع لتحط على أباها الصالح الذي كانت ابتسامة ساخرة هي ما قابلهم بها فقال وقد هدأت موجة الاستهجان العقيمة إلا من كلمات يرميها من يعتبر أباها البيولوجي :
- الأمر سيان ... إن كنتم تعلمون أم لا ... فإن كنتم كذلك فهي مصيبة وإن لم تكونوا فهي مصيبة أكبر فيكفي أنكم لم تكونوا حتى تهتمون بالسؤال عما تعيشه ابنتكم ...عرضكم .
كانت الكلمات التي ألجمت أشقائها والتي أججت غضب المدعو أباها ليصيح مرة أخرى :
- ألم تكن النقود التي تصل إلى حسابها مطلع كل شهر أكبر دليل على اهتمامنا بها ووسيلة أمن لتبتعد عن كل ما سيضر بها.
مازلت مرارة إجابته تشعر بها عالقة بحنجرتها رغم مرور أيام على ذلك كما مازال ذلك الصوت الواهن والمتحشرج لشقيقها أسامة وهو يسأل أباها "صالح" يرن بأذنها :
- ماذا جرى لها ؟
كانت تلك النظرة المصرة التي ومضت بعيني أباها صالح ما جعلها تسرع مجيبة :
- لاشيء ... ( لتلتفت إلى أباها صالح مترجية و الدموع تتلألأ بعينيها وأعادت ) لا شيء ...
لف الصمت الجميع، لكن الأسئلة كانت تشعر بها عالقة في الهواء بينهم ... هي لا تريدهم أن يعلموا عن حياتها أكثر مما يعلمون و أباها صالح كان مصرا على جعلهم يرووا نتيجة إهمالهم و تسيبهم ... عازما على جعلهم يرون كم كانت قريبة منهم في فترة ما لكنها في نفس الوقت كانت بعيدة .. بعيدة جدا ... على الأقل هذا ما صرح لها به بعد مغادرتهم إلا أنها تعلم أنه لم يستطع وهو يسمع جملة المدعو والدها إلا أن ينتقم لها منهم بإيلامهم أيضا ولو لفترة لكنه استجاب لرجائها الصامت ليوليهم ظهره بعد نظرة ساخرة نحوهم قائلا بنبرة جامدة :
- الكثير ... لكن لم يعد لكم الحق في السؤال ولا المعرفة...
كم هي ساخرة الحياة ... تتذكر وهي تنظر للجميع بالغرفة كيف أن من كان يجب أن يكونوا لها سندا هم أجهل الناس بما وقع لها و بما سارت عليه حياتها.
صوت مناد باسمها جذبها لتنزلق الذكريات و تتوارى الأفكار فتلتفت لتنظر لعيني "شريفة" التائهتين فتبادر الأخيرة بالسؤال بنبرة مترددة :
- كنت أبحث عنك ... كنت أريد الاطمئنان عليك ؟
نظرت تيتريت لها مطولا .. فتاة بعمرها أو أكبر بسنة أو سنتين، ذات بشرة سمراء باهتة ... شعرها كان كستنائيا غامقا استطاعت تمييز لونه من خصلات تتسلل خارج حجابها لكنها تملك عينين جذابتين ذات لون أسود براق ... عينين شفافتين تبرز كل مشاعرها الجريحة. أومأت أخيرا و قد لاحظت ارتباك المرأة أمامها فتبتسم بمودة حقيقية وتجيب :
- بخير ... أنا بخير.
لتبتسم "شريفة" بنفس التردد الذي لا يغادرها و تجاور تيتريت تنظران للجبال المكتسية بالثلوج ... دقائق تلك التي غلفهما الصمت لتقول شريفة بعدها دون أن تلتفت لتواجه "تتيريت" :
- لم أكن أتوقع أن تعودي للمزرعة بعدما حصل
عرفت ابتسامة ساخرة السبيل لملامح تيتريت فأجابت :
- صدقيني .... ولا أنا...
- لماذا عدت ؟
ضحت "تيتريت" و ردت :
- ألا تريدينني هنا؟
فتلتفت لها "شريفة" وقد غط الشجن ملامحها وعلت عينيها ومضة انكسار فتقول بنبرة تحمل من الترح ما جعل قلب "تيتريت" يخفق ألما لهاته المرأة أمامها :
- بل أنا أقدر الفرصة التي كانت لك للفرار ... للعودة لحياتك ... للحياة ... هنا بين هذه الجبال المرأة تقتل ألف مرة باليوم فتنتظر الموت ليرحمها.. لذا أجد نفسي أسأل لماذا عدت ؟
مع كلمتها الأخيرة حررت عينها عبرة وحيدة فتلتقطها أناملها المرتعشة و تعود للنظر للجبال ... تغرق الترح بعينيها ببياض الثلوج ... و لسان حالها لا ينفك يردد السؤال فتأتي كلمات "تيتريت" مجيبة بما لم يشفي فضول "شريفة" :
- كما يقال الفضول يقتل صاحبه ... ما كنت لأعود فعلا لولا فضول يتملكني ورجاء عمي الذي اقترح علي السكن بجزئه من البيت ... وأجد مبرراتي أيضا غير مقنعة لكنها حاجة في نفسي أريدها...
- لا طالما تمنينا أشياء حرمنا منها لكننا لو كنا نعلم ما تخفي و ما تضمر لما فكرنا بها ولا بذلنا جهدا لتحقيقها.
اكتفت "تيتريت" بابتسامة هازئة تختصر حالة الاثنتان ولم تعلق على تصريح "شريفة" محتفظة بأفكارها و نواياها لنفسها لتسأل "شريفة" :
- و ما الذي يبقيك أنت هنا ؟
هزت "شريفة" كتفيها وأجابت بسؤال آخر :
- وهل لي مكان آخر ؟
التفتت "تيتريت" تنظر لجانب وجهها قبل أن تسأل وعينيها مركزة عليها :
- ما الذي يجبرك على تحمل ما يفعله بك "يحيى"؟
لم تتغير ملامح "شريفة" لكنها زمت شفتيها ربما لتمنع الكلمات من التسلل أو ربما لتمنع ارتعاشهما فظلت تيتريت تتأمل ملامحها التي ظلت جامدة قبل أن ترتخي و تنفرج شفتيها أخيرا لتقول :
- وما الذي يفعله "يحيى" ؟
قلبت "تيتريت" عينيها باستهزاء قبل ان تسير خطوات لتقابل "شريفة" التي ظهر الانكسار بعينيها جليا و تجيبها :
- بل ما الذي لم يفعله ؟ يكفي أن أنظر لك لأدينه أنه الملام عن أحوالك ؟
فاجأتها شريفة بابتسامة حانية جعلت عيني "تيتريت" تتسعان وهي تنتظر كلماتها التي أذهلت "تيتريت" :
- لا تجعلي غضبك عليهم يعميك عن رؤية حقيقة غير الحقيقة الكامنة وراء الجدران .. يحيى لم يسئ لي يوما عن قصد .. ولأكون موضوعية أنا من أسيء له...
بغير استيعاب تنظر إليها "تيتريت" ... تنتظر أن تنتظم الكلمات بعقلها لم تتلقى المفهوم الصحيح ... لكن بالنظر لملامح المرأة أمامها و جملتها الأخيرة التي لا تنفك تعاد بذهنها تجزم أن "شريفة" تقصد تماما ما قالته فيتأجج الفضول داخلها مطالبا بحكاية امرأة من آل ملاك.
ضجيج هادر جذب انتباه المرأتين لتتجها عيني الاثنتين نحو دراجة نارية ضخمة يقودها شخص يتشح بالسواد فيتغضن جبين الاثنتين استغرابا والراكب يقف بجوارهما قبل أن يرفع الخوذة عن رأسه فيتضح ذاك الشعر الأصهب . هتفت "تيتريت" بذعر وهي تنقل نظرها بين "مليكة" و الدراجة :
- أيتها الحمقاء ماذا تفعلين فوق هذا الوحش؟
غمزت مليكة بعينيها وهي تترجل برشاقة قبل أن تقترب أكثر وتقول ضاحكة :
- يا ليت كل وحوش العالم تشبه هذا الوحش .
لتقترب أكثر من "شريفة" التي زاد ارتباكها فباد واضحا إلا أن مليكة ابتسمت بوجهها و قدمت يدها للمرأة قائلة بحبور مضحك :
- أهلا بك ... أنا مليكة ... شقيقة تلك الشقراء هناك ... مصممة مجوهرات ... مشهورة طبعا .. ربما كنت سمعت باسمي قبل الآن لأنني على يقين أن شقيقتي لم تذكرني قبلا.
رمشت "شريفة" بعينيها بتوتر قبل أن تعانق كفها كف "مليكة" التي تجاهلت ارتباك المرأة فهزت كفها بسلام حار قبل أن تقول :
- أرجوك لا تتوتري ... انا فعلا أشبه القتلة المأجورين بزيي هذا والدراجة النارية لكنني لست كذلك أو على الأقل لنقل حتى لو كان الأمر ذلك و جئت لأقتل أحدا فليس أنت فاسترخي عزيزتي أن بأمان معي .
ضحكت "تيتريت" و كلمات شقيقتها تزيد ذهول "شريفة" التي ألجم لسانها فتقول "تيتريت" :
- هذه شريفة زوجة "يحيى" وقد شلت حركة دخولك المثيرة ثم كلماتك الأكثر إثارة لسانها.
اتسعت عيني "مليكة" للحظة فقط قبل أن تومض عينيها ببريق خاص فتعود الابتسامة لوجهها أكثر حنوا فتقترب أكثر تنظر بعيني "شريفة" الصامتة بارتباك وذهول و تعلق :
- أقسم أنني لست فردا من عصابة ما ... لنقل فقط أنني العضو الأكثر جنونا بعائلة مكونة من المجانين.
فتبتسم أخيرا "شريفة" بارتباك لم يزل كليا وتهمس بتلعثم :
- أهلا بك ... سعيدة ... بمعرفتك.
- وأنا أسعد عزيزتي .
فتلتفت "مليكة" نحو "تيتريت" فتقول رافعة حاجبيها بغطرسة محببة :
- جئت لآخذك بجولة.
هزت "تيتريت" رأسها متراجعة خطوتين للخلف لتقول بنبرة رافضة مستنكرة :
- على هذا الوحش .... طبعا لا!! .
- هذا الوحش ... ثمنه ملايين الدراهم يا شقيقتي ... و الوحوش هم من يقطنون هاته المزرعة ( فتتوجه نحو شريفة المبهورة بالحوار و بعلاقة الشقيقتين و تضيف ) عذرا عزيزتي ... أنت لست مقصودة بالطبع ( ثم تتابع رافعة حاجبها ) و ليس هناك مجال للرفض فلقد استعرت الدراجة من صديق لي بعد جولة طويلة من الترجي و الاستعطاف...
حاولت "تيتريت" الاعتراض لتستوقفها "مليكة" رافعة يدها اليمنى قبل أن تتجه نحو الدراجة فتعود حاملة كيسا ضخما وتقول آمرة :
- ارتدي هذا و أنا بانتظارك.
********************
- صداقتك للأشجار والأزهار تثير غيرتي .
رفع رأسه للابن أخيه "يحيى" فابتسم بوجهه قائلا :
- لو لم أكن أعرفك لكنت صدقتك .
ضحك يحيى مقتربا من عمه وقال :
- لم أكن لأتذمر لولا أنك أخذت مؤخرا زهرة لا مثيل لها في الزهور.
هز رأسه العم "جلال" مستدركا ما يقوله "يحيى" فيبتسم و يجيبه :
- وهذا مكسب لي وخسارة لكم .
فقدت ملامح "يحيى" سيمات الاستمتاع فهمس بمرارة استشعرها عمه :
- ما عرفنا إلا الخسارة أمامها.
أومأ عمه معلقا :
- لن أجاملك وأقول لك العكس ... وطعم تلك الخسارة ستتذوقون مراراته كلما اجتر الحاضر حدث من ماضيها ... سيذكركم بما فعلتموه بها و بما لم تفعلوه ... الأمر الصعب أن هذه الخسارة من الخسارات التي تضعك أمام نفسك لترى نفسك على حقيقتها ... ماهيتك . ( فيتابع مستوقفا ابن شقيقه وقد هم بالإجابة) لكن الخسارة لا تعني الهزيمة ... يكفي فقط أن تكون شقيقا ... شقيقا فعليا ... لا تبدد الوقت في التفكير فيما ستفعله لتكسبها ولا في التدبير لحقوقها المادية ... "تيتريت" لا تحتاج لكل هذا بقدر ما تحتاج لشقيق تشعر به أنه سند لها و ما يعسر مهمتكم أنتم أشقائها أن لها فعلا عائلة ... شقيقة و شقيق عاشت معهم كل ما كان يجب أن تعيشه معكم.
مال "يحيى" بعينيه نحو الأشجار حوله يشعر بنفسه بدوامة لا يعرف لها مخرجا ...الوجوم حل على ملامحه يحكي حكاية تنازع مشاعره و ثقل همومه ... يشعر بثقل كل ما حصل على كتفيه ... تخبو نار عزيمته كلما جد التصادم بينهم ... يشعر بالهلع كلما فكر بماضيها المحجوب عنهم فيرفع أخيرا عينيه لعمه الذي ينظر له بشفقة أم لعله ينظر لأحولهم بتلك النظرة المشفقة و يسأل بهمس يخفي خلفه فزع كلما تذكر حالة الانهيار التي أصابتها بشركة "أسامة" :
- ألم تقل لك سبب ذاك الانهيار؟
- لم أسألها؟
ليتابع وقد رأى خيبة الأمل بعينيه و التي لم تخفي ارتياحا ضمنيا لمزيد من الوقت الذي كسبه قبل أن ينصت لما يشعر أنه سيكون مؤلما و مؤثرا :
- عندما تشعر أنها مستعدة لتحكي ستجدني منصتا لكنني لن أضغط عليها ... يكفي ما حصل ويحصل لها .. الضغط عليها أكثر سيكون السبب بهروبها...
*******************

لم تصدق "شريفة" عينيها و "تيتريت" تخرج لتنضم إليهم ... فقد غادرت بعد عودتهن للمزرعة هن الثلاثة لتغيير ملابسها كما طلبت منها شقيقتها إلا أن ما ارتدته "تيتريت" جعل عيني شريفة تتسعان بانبهار وفزع بينما هتفت "مليكة" مستحسنة لتقول :
- مازلت مبهرة بها ... احتفظت لك بها بسرية تامة...
ضحكت "تيتريت" التي كانت تختال ببذلة جلدية سوداء ... حيث كانت السترة تلتصق بحناياها فتكتمل فتنتها بسروال جلدي يرسم تفاصيل جسدها وحذاء بكعب عال يضيف للبذلة رونقا خاصا بخلاصة كانت لا تمثل إلا إغراء متوحشا لا يرحم...
ودعتا الاثنتان "شريفة" التي لم تتخلص من ذهولها وفزعها و سارتا بسرعة نحو بوابة المزرعة حيث كانت سيارة سوداء متوقفة حاجزة عنهما الخروج ... انتظرتا الاثنتان لوهلة قبل أن ينفتح باب الراكب فيترجل منه شاب داكن ذو ملامح قوية ... تنبأ بالغموض وشخصية قوية ... عيناه تماثل شعره سودا ... مخترقتان لهما بجرأة ... تدرسانهما و تتفحصانهما بدقة ... بتعجرف اقترب أكثر ليقف بجوارهما منتقلا بعينيه بين الاثنتين قبل أن تترجل "تيتريت" من على الدراجة حيث كانت خلف "مليكة" و ترفع الخوذة عن رأسها لتتحدث مع هذا الغريب المتعجرف ... بينما هو و ما إن انزلقت الخوذة بعيدا حتى ابتسم بسخرية و عينيه تعود لتتفحص ملامحها بجرأة قبل أن تنتقل على البذلة المحتضنة لجسمها فيعود ناظرا لعينيها وقد علا صوتها ساخرا :
- عار عليك وأنت بهاته الهيئة التي تبدو فيها محترما و بسنك هذا ان تتصرف كالمراهقين.
لم يبدو على الغريب تأثرا بكلمات "تيتريت" بل زادت ابتسامته الساخرة اتساعا ليتوجها بقوله الساخر :
- أنت لا تبدين كما بصور المجلات ... الآن تبدين كفتاة متمردة لم تتجاوز الخامسة عشر ... وأنا أنظر لصورك بالمجلة توقعتك فتاة ناضجة .
اتسعت "عيني" تيتريت" بينما رفعت "مليكة" الخوذة عن رأسها وقد استنفرت حواسها كلمات الغريب فتقترب من "تيتريت" التي أجابته و اعصابها بدأت تخونها :
- ما اعرفه أنني أكثر نضجا من شخص ربما يكون في أواخر الثلاثينات و مازال يتفحص جسد كل فتاة يمر بها!!
لم يتأثر الرجل أمامها بكلماتها بل رفع حاجبه بأنفة و التوت شفتيه استهزاء قبل أن تسير عينيه عليها مرة أخرى و يجيبها مقتربا أكثر فيهمس :
- هذا أن كان هناك ما يستحق النظر إليه ... لكن في هذه الحالة فأنا لم أرى إلا ما هو معروض وأنت تعرضين جسدك بتفاصيله .
بانتهاء جملته ابتسم لها هزا رأسه ساخرا و انصرف من أمامها عائدا لسيارته فتهتف هي بدورها و الغيظ يحرر كلماتها الساخطة :
- الوقاحة فعلا لا تستثني كل من يظهر متأنقا و يبدو محترما
ابتسم الغريب مستمتعا و أجابها :
- فعلا الوقاحة لا تستثني أحدا .... فيمكن أن تكون متدثرة تحت السلطة .. المظهر ..... لكن أيضا هناك من يشع وقاحة فيكفي فقط أن تحط نظراتك عليه لتكتشفي مدى وقاحته .
لتعود نظراته تتنقل عليها باستمتاع أغاظها فتقابله بنظراتها متحدية قبل أن تبتسم نفس ابتسامته و تجيبه :
- طبعا ... المهم في الأمر أن كلا منهما يعلم أنه وقح
كان غيظها يتضاعف و هي ترى الاستمتاع و التسلية لم تغادر وميض عينيه فيقول :
- حسنا لا تجعلينا نعري كل عيوب عائلتنا أمام الملأ ... وعودي بهدوء للمزرعة لأنك بكل بساطة لن تغادري المزرعة بهذا الشكل
اقتربت "تيتريت" من الغريب خطوات لتقول بهمس متحد :
- حقا ؟؟ و من تكون لتمنعني ؟؟
تفحصها لثوان ليشعر بذلك العناد الذي ولدته جملته لها ليقول بهدوء :
- "عمر" ابن عمك جلال .... وهذا يمنحني كل الحق لمنعك من الخروج بهذا الشكل
لم تملك "تيتريت" سوى الضحك أمام نظراته الغامضة فجيبه ضاحكة :
- أقسم أن ثقتكم هاته يا عائلة "ملاَك" تثير دهشتي .... إن كان مسمى الثقة يفي بالغرض .... فما جرأتكم هذه للأمر و منح نفسكم حقا ليس لكم لا يمكن أن يندرج تحت أي مسمى سوى الوقاحة .
التوت شفتي "عمر" بابتسامة غامضة ليقترب منها خطوة و يقول :
- وأنا لم أنكر ... لذلك لا تجعليني أعيدك للداخل على كتفي
ليتراجع خطوته التي تقدمها للخلف و ينظر مليا للفتاتين معا و يضيف :
- أو ترحيبا بك بعد طول غياب سأتنحى عن الموضوع تماما و سأدعك تخرجين كما تردين لكن ليس قبل أن أستأذن من أباك ( ليضيف وقد علت السخرية ملامحها ) أباك "صالح".
لم يستطع كبح ابتسامة الظافرة وهو يرى كيف اندثرت السخرية التي كانت تعتلي ملامحها و تومض بقوة بعينيها الزرقاوان لتتدثر تحت الجمود كما لم يفته ذاك التوتر الذي ارتعشت له حدقتي الصهباء ليعرف أنه أصابهما في مقتل و قبل أن يصدر أي رد فعل عنهما أتاهما صوت هامس غير واثق منديا باسم الشقراء الذي لم تغادر عينيها عينيه حتى أعاد الصوت النداء ... فتلتفت "تيتريت" لـ"شريفة" التي اقتربت و أتمت جملتها متلعثمة :
- العم جلال يريدك و قد أكد على حضورك
بهزة من رأسها أجابت "شريفة" التي ظلت واقفة تنتظرها فسارت "تيتريت" عائدة للبيت متجاهلة "عمر" وموجهة كلامها لـ"مليكة" :
- تعالي "مليكة" سنرى ماذا يريد العم جلال و سنذهب بعدها .
***********************


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
قديم 15-07-18, 12:06 AM   #60

epilobe
 
الصورة الرمزية epilobe

? العضوٌ??? » 141258
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 676
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » epilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond reputeepilobe has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتربت ببطء وهدوء تتفحص هذا الكهل الذي يولد بداخلها شعورا ما بالاطمئنان. متأكدة هي أنها رأته قبلا لكن ذاكرتها لا تسعفها بإيجاد الصور ... لم يتحدثا كثيرا لكنها تشعر أنه يفهمها ... لم تحكي له الكثير لكنها تدرك جيدا أنه يؤازرها .... حدسها لا ينفك يخبرها أنه يعرفها منذ زمن
تسلل صوته مقاطعا أفكارها :
- التقيت بعمر
كان تقريرا و لم يكن سؤالا لذا التزمت الصمت و انتظرت و لم تنتظر طويلا ليتابع :
- وطبعا لم يسمح لك بالخروج
فتجيبه متحدية :
- لكنني سأفعل!!
توقعت ثورة و رفضا و تقريعا ليفاجئها وقد تعالت ضحكاته ... فالتفت نحوها مشيرا لها بالاقتراب و تابع مستمتعا :
- أنا متأكد من ذلك وهو أيضا كان متأكدا لذا ابتزك بأبيك
زفرت "تيتريت" بضيق و حنق لتقول و قد جلست أمامه :
- ماذا تريدون بالضبط ؟
رفع نظراته نحو عينيها و يعيد سؤالها :
- بل ماذا تريدين أنت "تيتريت" ؟
لم تجبه و لم ينتظر إجابتها بل تابع بعد برهة من الصمت :
- القاعدة الأولى : لا تظهري نقطة ضعفك لـ"آل ملاَك" فإنهم يجيدون استخدامها و لا يتهاونون عن انتهاز الفرص
ابتسمت ساخرة و علقت بكلمة واحدة فقط :
- حقا ؟؟؟
فيتابع بتصميم :
- لا تتهاوني بهاته القاعدة وابتزاز ابني لك يؤيد كلماتي .... أنت أذكى من ذلك صغيرتي فلا تتصرفي بتهور و تخسري خطواتك الثابتة
كانت تنصت له بانتباه ... مركزة على كلماته لكنها كانت متفاجئة فموقف عمها هذا شتتها فلم تعلم بما تجيبه ليضيف وقد ارتسمت ابتسامة متعاطفة على محياه :
- حوري و شكلي حقدك و غضبك وحزنك لما سيؤول عليك بالنفع ... و لا تتفاجئي أنا في صفك لسبب بسيط وهو أنك صاحبة حق..
تلعثمت أمام كلماته كما امام نظرته المركزة عليها :
- أنا ... أنا ... كنت أريد ... بل أنا بحاجة ....
قاطعها العم :
- ليس عليك قول شيء .... أنا هنا من أجلك و لأجلك و إن كنت ستشاركينني أفكارك و مخاوفك و ربما ذكرياتك فأنا صديق جيد ( أنهى جملته غامزا بفكاهة )
ابتسمت بدورها بارتباك و ضياع ليتابع بجدية :
- اختاري معاركك بذكاء .... و كوني قوية فبين هاته الجبال لا يستمر الضعيف بل يطمر و يُنسى
أومأت له بشرود و عقلها لا ينفك يعيد كلماته محللا إياها فانسحبت تحت نظراته المتسامحة المصممة.
كان يؤجل هاته المحادثة معها لكن تسارع الأمور أجبره على ذلك ... يعلم أن بما قاله لها يزيد من ضياعها لكن يجب عليها أن تنتفض من بين أتربة الضياع التي تتناثر عليها ... عليها أن تثور لتكون...
بالنسبة لـ"تيتريت" وخلال انصرافها بعقل يعصف بالأفكار و الحوارات و الدوامات اصطدمت بذاك الجدار البشري الذي لف أصابعه على ذراعها يمنعها السقوط فترفع عينيها نحوه بضياع قبل أن يكتسيها الجمود و ترفع يديها تحطهما على صدره تدفعه عنها مزمجرة قبل أن تنصرف من أمامه مسرعة تحت نظراته المتسلية. بينما عمر فتابع سيره متجها نحو المكان المفضل لوالده ليجده وقد تركزت نظراته على اللاشيء ، غارق بأفكاره فلم ينتبه لعمر الذي اقترب منه وقد أخذ مكان الشقراء بقرب الحاج "جلال" و استطرد :
- كيف علمت ؟
انتبه الحاج "جلال" إلى ابنه الذي ناداه لينظر له مستفهما فيسأل الأب بدوره :
- متى أتيت ؟
رفع "عمر" حاجبه مبتسما ليجيب سؤال أبيه بسؤال :
- كيف علمت ؟
ارتسم الاستفهام على ملامح الأب و تساءل :
- ماذا ؟
تنهد "عمر" و قال :
- أبي أنت تعلم تماما عما أتحدث لكن لنتجاوز هذا و سأسألك مباشرة ... كيف علمت أنني أوقفت "تيتريت" ؟
قطب الأب و نظر لابنه لثوان قبل أن يجيبه :
- و كيف لي أن أعلم ؟
زفر "عمر" بإحباط و ثبت نظراته على أبيه لعله يستنبط شيئا مما يخفيه، فوالده أمسى أكثر غرابة منذ معرفتهم بتلك الشقراء خاصة وهو يعلم انه ربما التقاها قبلا لذا فهو بالتأكيد لا يسأل السؤال الصحيح خاصة و اباه لا يحبذ طريقة اللف و الدوران لذا فقد سأله مباشرة :
- ما الذي تنويه أبي بخصوص "تيتريت" ؟
لم يكن سريعا كفاية ليلتقط معنى تلك الومضة التي علت عيني أباه قبل ان تختفي فيبتسم مجيبا ابنه :
- حسنا بما أنك تجنبت طريقة التمويه التي تعرف انها لن تجدي معي نفعا و تقديرا لسرعتك في تصحيح الأمر سأجيبك .. لا أنوي سوى إخراج تلك الفتاة من بين أيديكم حية
تابع الأب و قد أظلمت عيني ابنه :
- هل يكفي هذا ليجيب على تساؤلاتك!!
ظل عمر يحدق بأبيه لفترة قبل أن يعتدل قائلا :
- لن يجرأ احد على إيذائها هنا بين عائلتها و أنت تعلم ذلك
ضحك الأب متهكما بوجه ابنه الجامد :
- و لأنني أعلم ... فأنا متوجس منكم..
ليتابع بمرارة :
- وما أعلمه جيدا أن لهاته العائلة أولوية وهي اسمها و بالأصل هذا كان السبب في ضمها إلينا أليس كذلك؟ لو ظلت "تيتريت" بالظل لما تذكرها أحد و لما أصررتم جميعا على إحضارها .
هز "عمر" كتفيه و قد نحى عينيه عن وجه أبه ينظر حوله بلامبالاة :
- ما كان يهمني الأمر أبي ؟ أشقائها من أصروا على عودتها لتعيش بينهم ثم ....
قطع حديثه ضحك الأب المرتفع ليرفع "عمر" عينيه نحوه ينظر للسخرية الواضحة قبل أن يقول بنبرة ساخرة :
- أنت ابني عمر و أنا أعرفك جيدا كما أعرف أنك تستطيع فعل الكثير لتبقي اسم العائلة نظيفا ... ( ليضيف بمرارة ) فأنا من ربيتك على ذلك منذ صغرك
لم يكن جواب عمر سوى :
- لذا فأنت لن تلومني على ذلك الآن
لم ينتظر الإجابة بل انحنى على أبيه مقبلا رأسه قبل أن ينصرف و عيني الحاج جلال تلاحقانه ليهمس وابتسامة تعتلي شفتيه :
- بل إنني أعتمد على ذلك بني .
*************************
زفرت بقوة وهي تقترب من "مليكة" المتململة على دراجتها لتواجهها صامتة فتبادر مليكة بدورها بتسلية :
- الذكي يا شقيقتي من ينسحب وقت الانسحاب و أنا ذكية بما يكفي لأعلم أن ذلك الداكن الذي هددنا بأبي سيفي بوعده دون شك و لذلك لما لا تعودين لما كنت تفعلينه بينما أنا أعود بالدارجة لصاحبها
ابتسمت تيتريت ساخرة و أجابت :
- و نستسلم بسهولة ؟
أدارت تيتريت مقلتيها بسأم لتجيب :
- لماذا تحورين الأمور ... هل كنت يوما من الصنف المستسلم لكنني أعرف كيف أختار معاركي جيدا و هاته المعركة يا شقيقتي لو استمررنا بها سنكون الخاسرتين ... فأنت خير من يعرف أبي..
متذكرة ... أومات "تيتريت" موافقة وكلمات شقيقتها لم تأت إلا مؤيدة لكلمات عمها المبطنة لذلك فقط تراجعت متفقة معها على موعد آخر قبل أن تنصرف لتغير ثيابها فترتمي بعدها بين أحضان الطبيعة ... مستمتعة بذلك التمازج الغامض بين صمتها المحير و سيمفونية ألحان من زقزقة الطيور إلى خرير الأشجار ثم حفيف الأشجار ... سارت وقد تناثرت أفكارها على الطريق آملة أن تعيش هدوءا داخليا كما هو محيطها ... لم تعد تذكر منذ متى شعرت بسكون أفكارها بل هي لم تعرف كيف يكون هذا الهدوء هي لم تعش إلا وضجيج أفكارها يرافقها .... كان طريقها خاليا من المارة لذا قد توجست خيفة و هي تسمع أنينا خافتا، التفتت من حولها تستكشف محيطها الذي ما فتئ وخلق الذعر بداخلها وهي تستنبط أنها في مكان مجهول بعيد عن المكان الذي اعتادت التجول فيه ... هزتها أنة أخرى و قد حملت الألم الذي رجف له قلب "تيتريت" لتجول بعينها بين الأشجار البعيدة .... أنة ثم أخرى ثم أخرى جعلت تحديد المصدر سهلا فاقتربت بخفة وهدوء لتصطدم بمشهد كثيرا ما كانت شاهدة على مثله بطفولتها ... لكن باختلاف الزمان والمكان و الشخص ... فالشخص أمامها اليوم لم تكن تلك.. بل كانت "عائشة" ... عمتها "عائشة".
************************
تذرف دموعا بعبق الوجع ونحيبها يعانق مسامع الشجر فمواويل الحزن فاضت وتنهمر وأغصان أحلامها أمامها تنكسر... أسندت نفسها أم الشجرة أسندتها فطويت ساقيها لتفترش الأرض وتحكي الحكاية التي دفنتها سابقا بالدجى بغرفتها الباردة المعبقة بعطر الشجن واليوم تغطي بها أذان الشجر... حتى العصافير توقفت تبكي تغريد الحزن بصوتها الرخيم فتشاركها الآمين وقد لهج لسانها بمناجاة رب العالمين فتشكو جرمهم لها فعذابها وانكسارها. العبرات غطت على صدى الوجع فأسندت ظهرها لحظن الشجرة وأرهفت سمعها لترانيم الطبيعة مستسلمة لغفوة الوصل بينهما.
أصابع حطت على كتفها لا تعلم أكانت لإيقاظها أم مؤازرتها فتعود واعية لما حولها قبل أن ترفع عينيها للواقفة أمامها بعيون جامدة ... صامتة ببرود . أسعفتها قدميها لتترك الأرض بسرعة تخفي ذلك الوهن والضعف أمام نظرات "تيتريت" المتفحصة.
وجدت أخيرا صوتها الذي خرج أجشا و سألت "تيتريت" :
- ماذا تفعلين هنا؟
لم تتوقف "تيتريت" عن تفحصها بدقة فأجابت :
- أتنزه
فتضيف :
- وماذا عنك ؟
التوت شفتي "عائشة" بمرارة لتقول و قد انحنت تنفض التراب و الحشائش الصغيرة عن جلبابها و بذلك تتجنب نظرات "تيتريت" :
- مثلك تماما ... لكنني تعبت ففضلت الاستراحة هنا قبل أن أعود
ارتفع فم "تيتريت" بابتسامة ساخرة فتجيب عمتها :
- طبعا ... التعب عليك واضح ... جدا..
لتضيف ضاحكة وقد لمحت عيني "عائشة" تحتدان وهي تعود بنظراتها نحو "تيتريت" :
- هل نعود ؟ أنا في الحقيقة تهت و أنا أتنزه و الطرقات هنا تتشابه لذلك إن كنت من اللطف يا عمتي فتوجهيني للطريق الصحيح .
ارتفع حاجب عائشة تحت نظرات "تيتريت" المتسلية قبل أن تتقدم "تيتريت" قائلة :
- لا أظن أن الطرقات ستختلط عليك يوما يا ابنة "آل ملاك"
بعد كلمات "عائشة" ارتفعت ضحكات "تيتريت" و تعالت لتقول و هي تجاور عمتها :
- أرجوك عفوك يا عائشة ... لكن كونك ابنة "آل ملاك" لم يمنع الطرقات من إن تختلط عليك فما الذي يجعلني استثناءا
لتجيبها "عائشة " بهدوء :
- لأنك مختلفة..
اندثرت الكلمات بعدها بينهما فغرقت كلاهما في أفكارهما الخاصة ...عائشة عادت فغاصت في ذكرياتها التي لم تعد تتركها إلا وتعود لتعيدها لذلك الترح الذي عاشته و ذاك الشجن الذي يتآكلها بينما "تيتريت" فقد أعادتها الحالة التي وجدت عليها عائشة لذكريات بعيدة ما كان السبب بها إلا هؤلاء .... "آل ملاك".
بوصولهما لبوابة المزرعة صادفتا شقيقها "يحيى" برفقة "عمر" اللذان كانا على ما يبدو غارقان في حديث طويل مع أحد العاملين.
انتبه لهما أولا "عمر" الذي قطب وهو يلاحظ التيه يرتسم ببراعة على ملامح القادمتين فيترك "يحيى" مع العامل ويتقدم من الاثنتين منبها إياهما مناديا باسم "عائشة" التي انتبهت له فرفعت وجهها نحوه مبتسمة بخفة بينما قطبت "تيتريت" وتجاوزته ... تابع عمر "تيتريت" بعينيه قبل أن يستوقفها نداء "يحيى" وعاد بنظراته لعائشة التي كانت تراقبه عابسة فتبادر :
- لا تصعب أمر بقائها هنا أكثر يا "عمر"
رفع "عمر" حاجبيه استغرابا ليجيبها قائلا :
- بالله عليك يا عائشة أنا لم أقترب من الفتاة و ما صادفتها منذ مجيئها إلا اليوم
فتعيد عائشة طلبها غير مهتمة بتبريره :
- "عمر" أرجوك ... أنت تعرف ما أعنيه ... فقط ابتعد عن طريقها...
دقق بملامحها وقد استرعى انتباهه نبرتها المرتجفة المترجية فانتبه أخيرا لعينيها الدامعتين ليقترب منحنيا قليلا ليواجه عينيها قائلا بحنو :
- ماذا هناك عزيزتي ... ماذا بك؟
تهربت بعينيها من محاصرة عينيه و أجابت بنبرة واهنة :
- لاشيء ... لاشيء .... لاشيء
إعادتها للكلمة نفسها ثلاث مرات بنفس النبرة لم يزد "عمر" إلا يقينا بحصول شيء ما وقبل أن يستفسر أكثر، كانت عائشة تضيف مبتعدة :
- يجب أن اذهب لقد تأخرت اليوم و أبي سيبدأ بالتساؤل عن مكاني
انسحبت تحت نظراته التي استحالت سوادا قاتما امتزج غضبا و شفقة ... لم يستسغ أحوال عمته عائشة منذ طلاقها بل قبل ذلك بكثير ... منذ زواجها الكارثي الذي أحالها لما هي عليه الآن و ما يزيد من غضبه أكثر هو رفضها لكل مساعدة يقدمها لها ... يخاف من انهيار وشيك ربما سيحطم المتبقي من قوتها و كينونتها ... عينيه استقرت عليها ثانية بتركيز ليلاحظ ذاك الانهزام الذي تعبر عنه مشيتها بكتفيها المنحنيتين و ظهرها الذي قوسته الأحزان و الهموم حتى يكاد يظن الناظر لها أنها تقارب الخمسين من العمر وهي لو تتجاوز السابعة و الثلاثون ... عمر عاشت خلاله حيوات عديدة عاشتها صاحبات الخمسين عاما و الستين.
على بعد أمتار منه توقف "يحيى" بجانب "تيتريت" التي ابتعدت عنهم بعد الحادث بقدر ما كانت بعيدة سابقا . يستجدي منها الكلمات فيسأل بفيض لعلها تجيبه بقدر كاف من الكلمات التي ستشبع فضوله و تستدعي الطريقة الصحيحة التي ستوصله إليها لكنها تحبط محاولاته وتكتفي بكلمة أو اثنتين فتخطر بباله فكرة أشعلت حماسه فيستطرد متسائلا :
- لما لا نخرج سويا ... نتعشى خارجا اليوم ؟
رفعت عينيها له تدرس اقتراحه ببعض من الاستغراب، تشعر بمحاولاته لدرأ تلك الجدران التي بنتها السنون بينهم .. تشعر بها صادقة لكنه يبقى من "آل ملاك" الذين لن تأمن جانبهم ، فتجيبه مقطبة :
- لماذا؟
رفع بدوره حاجبه مبتسما فيستفهم بتسلية :
- و لما لا ؟
رمقته بهدوء لثوان لتقول بنبرة هادئة لكنها حازمة :
- لما لا تقول ما تريد يا "يحيى" مباشرة ... فأنا إن علمت عنك شيئا فهو أنك لا تحب اللف و الدوران..
ارتفع جانب فمه بابتسامة متسلية فيجيب قائلا :
- أريدك بموضوع هام ...و أفضل مناقشته بعيدا عن المنزل
أومأت و قالت :
- حسنا ... سأغير ثيابي
فتسأل :
- هل سنذهب لمكان رسمي
لف ذراعه حول كتفيها غير آبه باعتراضها فيجيبها وقد توجها نحو البيت الكبير :
- إنه مكان تقليدي .. بل تقليدي جدا أملا في مفاجئتك يا صغيرة
****************************
تأملت نفسها بالمرآة، تنظر لملامحها التي بلا شك هي هوية لها لكنها تخفي الكثير من الصراعات داخلها .. تنظر لعينيها بلونهما الشفاف واللتان تخونانها مرات فيصيران نافذة لمشاعرها كما هما الآن ... فتظهر التيه الذي أصابها منذ كلمات "أيمن" ثم منظر عمتها "عائشة" ... ذاك التيه الذي يكون نتاجا لإعصار الذكريات.
أعادتها الذاكرة لذلك الممر المظلم الذي تفوح منه رائحة الرطوبة و العفونة ... كانت عينيها متركزة على ذاك القبس من النور المتسرب من تحت الباب المقابل لغرفتها الصغيرة و الذي يفصله عنها ذاك الممر ... كانت تتقدم بقدميها الحافيتين الصغيرتين و برودة الإسفلت تجمد أصابعها الصغيرة لترتجف وقد استبد البرد بجسدها الواهن ... أصوات مختنقة كانت ما طرد عنها النوم . تقدمت وقد زاد الصوت وضوحا فيتضح أخيرا ذاك الأنين المصحوب ببكاء وقد وقفت أمام الباب الموارب ... رفعت أصابعها المرتجفة تدفع الباب بهدوء ليتيح لها رؤية واضحة ... امرأة لم تتجاوز الثلاثين تتوسد الأرض شعرها الذهبي المشعث يخفي ملامحها الباهتة ... تلك الهالات حول عينيها واضحة لم تستطع خصلاتها المتناثرة إخفائها ... المرأة أمامها تئن و تبكي هامسة بكلمات غير مفهومة ... بخطوات مترددة اقتربت و بصوت مرتجف نادت :
- ماما ...( لتعيد النداء وقد اقتربت و المرأة أمامها لم تفقه لوجودها ) ماما ... ماما ..مـامـ
تذكر جيدا كيف توقفت الكلمات بجوفها وقد أرعبتها الألوان التي اختلطت على ملامح والدتها .. كما تلك اليد التي تطايرت لتمسك ساعدها فتهزها بعنف جعلها تشعر بغثيان ازداد حدة من الجوع لتنفضها أخيرا مما جعلها تعود للخلف خطوات قبل أن تتعثر ساقطة ليكون المؤلم بحق نصل الكلمات التي أدمتها وهي تنسل من بين شفتي والدتها :
- لا تناديني ماما ... لا تفعلي ... تلك الكلمة تثير ضجة بعقلي ... تجعلني أتذكر ...
أعادت رأسها مستندا على الحائط و نظرت لها لتتابع بابتسامة ميتة :
- لم تنفعي لشيء سوى لتكوني عبئا علي ... لا لشيء أبدا ... أبدا ...
تذكرت وقع الكلمات عليها ... تذكرت الغموض الذي أحاطها و الذي بدت عليه حينها حيث لم تستطع فهمها لكنها استوعبت بعد ذلك ما كانت تعنيه ... فاستوعبت مع معاني الكلمات قساوتها.
صوت مكتوم لاهتزاز هاتفها جعلها تنتفض من مكانها لتستدرك نفسها قبل أن تهطل دموعها التي أغرقت عينيها ... رمشت بعينيها لتبديد تلك العبرات وهزت رأسها لطمس تلك الصور بين عتمة الذكريات قبل أن تتوجه نحو هاتفها و تجيب يحيى الذي كان يستعجلها .
****************************
رفع عينيه عن الأوراق أمامه يستطلع المقتحم لمكتبه فتتسمر عينيه على ذاك الإعصار العذب الذي داهمه ... هي بدورها توقفت لاهثة وقد تفا جئت بهويته وتلك المفاجئة منحت له الوقت لملاحظة رونقها الخاص الذي لا يفارقها منذ نظر لها تتباهى بفستانها الأحمر أمام الكاميرات ... رغم أنها الآن تبدو مختلفة ... مختلفة جدا وقد تأنقت بجلباب أسود تقليدي صوفي يمتد على طول جسدها بأريحية حتى ما تحت ركبتيها بسنتيمترات قليلة لتمتد جوارب سوداء من تحته فينتهي مظهرها بحذاء عالي الرقبة يماثل الجلباب سوادا ... كانت مبهجة ببساطتها التي اكتملت بعقدة شعرها الذهبي الأنيقة فوق رأسها و الكحل الأسود الذي أبرز لون عينيها الأزرق الشفاف فيتربع على صدرها بإباء عقد أمازيغي يمزج بين اللونين الأحمر و الأسود.من قال أنها غربية الملامح ... من قال أنها بعيدة ... إنها فاتنة فتنة الأمازيغيات بملامحها بكل ما يحيطها من قسوة وعنفوان. أخرجه من هذيانه صوتها المرهف البارد وقد غلفت نبرتها بعض الاعتذار :
- آسفة كنت أظن أنا عمي لازال هنا..
كان مبهوتا من جموح أفكاره نحو ابنة عمه التي لم تتجاوز الشهر بينهم ليجيبها فورا بينما هي انسحبت ما إن أتمت جملتها ليعبس و قد استنتج متأخرا نيتها في الخروج من هيئتها ليستقيم مسرعا متتبعا خطواتها و قد استوقفها مناديا باسمها لتلتفت له مستفهمة فيسأل :
- هل أنت خارجة ؟
رفعت حاجبها ثم أشارت لهيئتها ببساطة قبل أن تقول :
-من الواضح .
- إلى أين ؟
ملامحها أظهرت استغرابها الرافض للسؤال و الذي التقطه ليتابع :
- أظن أن الوقت متأخر جدا للخروج والذهاب للمدينة فإن كنت تتذكرين نحن نبعد عن المدينة كيلومترات
لم تهتم بما تظنه تبريرا ، كما لم تهتم بملامحه الجدية الجليدية التي تبعث بداخلها خوفا غريبا لتجيب وقد همت بالانصراف فارة من حضوره :
- لا عليك يا ابن عمي .... لا تشغل بالك
ارتفع جانب فمه بسخرية قبل أن يضع يديه في جيوب سرواله و يقول بسلاسة وقد ولته ظهرها :
- تعلمين جيدا أنك لن تتجاوزي باب المزرعة إلا بإذني..
عادت خطواتها المنسحبة نحوه و قد ومضت عينيها ببريق حنق لتهمس بصلابة :
- اعذر جهلي يا ابن عمي لكنني لم أكن أعلم أنني الآن في قلعتك حبيسة و لا يحق لي التحرك إلا بإذنك..
لم تتأثر ملامحه من سخريته التي تحمل هجوما خفيا بل ظلت كما هي عليه ليجيبها بهدوء مغيظ :
- أنت لست حبيسة "تيتريت" لكن هناك قواعد تحكم هذه القلعة كما أشرت سابقا ومن بينها أنه لا خروج لنسائنا وحدهن وقد غابت الشمس واشتد الظلام
اقتربت أكثر منه لتهمس بصوت خافت لكنه يحمل الكثير من الغيظ لجمعها مع نسائهم :
- أنا لست من نسائكم لأنني لم أكن يوما منكم و لا أحبذ حتى الفكرة...
- "تيتريت" لما كل هذا التأخر ؟
************************
استنشق نشوة الاستمتاع بتلذذ .. فلقد غاب عنهم الاستمتاع لسنوات وضاع بين رتابة الأيام وركود الحياة فانغمسوا جميعا في ضجر الأعمال ونجاح الصفقات وتكديس الأموال حتى غاب عنهم معنى عيش الحياة ... كان في حاجة بل كانوا في حاجة لهذه المعركة لتلهمهم لتحيي فيهم التحدي لأشياء أخرى بعيدة عن الأعمال، ربما كانت تقويما لحياة سابقة و أخطاء جليلة إلا أنها شعلة ستبدد السكون .. ذاك السكون الذي استقر على حياتهم.
راقب ذاك الصراع الهادئ المحتدم بابتسامة متسلية ..وكان يتوق للمزيد لولا تدخل "يحيى" الذي جاء مستفهما عن تأخر "تيتريت" لينهي المشهد وقد بدأ، أخذها بعدما أهمد النقاش مستعجلا إياها للخروج فترافقه وقد لف كتفيها بذراعه تاركا ذاك العبوس الذي ارتسم على ملامح ابنه والذي راقب مكان انسحاب الاثنان لثوان قبل أن يلتفت بهدوء تاركا المكان دون أن يتركه هو عبوسه.
مدحرجا كرسيه المدولب، خرج من الرواق المظلم حيث كان يراقب الحوار ينظر للمكان حوله الذي شهد ميلاد معركة يأمل أن لا تكون عابثة بل أن تعود بالنصر للطرفين و لمن حولهم ... دحرج كرسيه نحو الباب لتستقبله ظلمة السماء و ظلال الأشجار وأراح رأسه على ظهر كرسيه حيث يستنشق نسيما مختلفا بالأنحاء ... نسيم الاختلاف الذي انتشر في الأركان .. كان أول النسمات الذي فاح من عطر تلك الشقراء ...عطر حواء...


epilobe غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم إني أسالك بأحب الأسماء إليك وأقربها عندك، أسالك ربنا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
أن ترفع الكروب والغموم والظلم عن أمة الإسلام، وعن إخوتنا في أرض الشام وسائر بلاد المسلمين ، اللهم عجِّل بنصرك الذي وعدت، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
عطر،حواء،عطر حواء، epilobe

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:38 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.