آخر 10 مشاركات
تحميل رواية بعد الغياب لـ أنفاس قطر بصيغة pdf_ txt _ Word (الكاتـب : جرح الذات - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          علي الجهة الأخري (مصورة) (الكاتـب : دعاء ابو الوفا - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          قلبك منفاي *مكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          جايكوب وايلد (118) للكاتبة: Sandra Marton {الجزء 1من الأخوة وايلد} *كاملة* (الكاتـب : Andalus - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-20, 10:21 PM   #41

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




بتوالي لتردف لمى بدهشة وهي ترى غرفة نوم صغيرة بطرفها دورة مياة وسقطوا جميعًا في مساحة صغيرة أشبه ب ( صالة ) :
هذه شقة مو مخزن!
بلعت وصال ريقها بصدمة وهي تشير إلى باب صغير يخرج على الشارع : مو هذا اللي يقول أبوي سلطان أنه كان حاطه تبع بيت سياف وضاع مفتاحه وسياف مايحتاجه ؟
لفت وهاد وهي تشعر بإن دماغها آمر بتعطيل كل وظائفها وقدراتها على التخمين والتفكير ، لتهمس بتساؤل محاولةً أن يسعفونها بإجابات :
ليش ابوي يكذب علينا ؟ وليش اساسًا مافكر يأجره او يعطينا نتوسع فيه او لسياف ؟ ليش أبوي مقفله ومخليه ؟ مين قاعد ينتظر ؟
أتاهم صوتًا عاليًا من غرفة النوم القريبة
دخلوا واصبحوا جميعا بغرفة وحدة بعد ان كانوا متوزعين كان الصوت صوت شذى
وهي تحمل بكفوفها بدلة مولود بفرحة وتتقدم الى اختها :
وصاااااال هذه بدلتي تذكرينها ؟
الصورة اللي اول مرة صورتني فيها امي كنت لابستها عقدت حاجبيها وِصال وهي تحاول ان تتذكر وبائت محاولاتها بالفشل
اخرجت شذى هاتفها من جيب بنطلونها الخلفي
وهي تحاول ان تبحث عن الصورة التقطتها حديثًا من اجل ألبوم تخرجها واختارت الصورة الاولى له
فتحتها وهي تمدها لها بفرحة تكاد ان تتورم ملامحها من فرط سرورها الذي تحمله
ضحكت وصال بحب لملامح شذى الصغيرة وهي تتذكرها عندما رأتها لتبتلع تلك الضحكة مجددًا وهي تنتبه لتفصيل ما!
أخذت الجوال من يد شذى وهي تكبر الشاشة وتشير بسبابتها الى الأرضية المفروشة بسِجاد بنقوش ملونة وبتساؤل :
خلفية صورتك نفس الفرشة!
سحبت لمى منها الجوال وهي تنظر إليها بتفحص مدهوشة!
ابتسمت وهاد بإرتياح لتردفها بضحكة سعيدة وهي تجد لكل تساؤلاتها جواب واضح وضوح الشمس :
واضح حاتم وقت انتدابه بمصر كان بوقت الاجازات يجي هنا لانه وقتها كان شذى نفس هذا العمر تقريبًا
هزت وصال راسها بشك :
بس ما اذكر المكان ابدًا ! ولا قد جابت امي ولا ابوي طاري
ضربتها شذى بطرف كفها بخفة على راسها :
من كبرك وقتها عشان تذكرين ؟
ضوقت فهدة عيناها بتفكير :
يمكن ماجابوا الطاري خافوا عمي سياف يزعل ان ابوي سلطان ماعطاه اياه يوسع بيته بدال ماهو فاضي وابوي سلطان وده بذي المساحة بما انه متزوج ثانية يمكن مخطط من زمان يعرس ويسكنها هنا وصرفها بأنه مخزن عشان ماينشبون له
اقتنع الجميع بسلسلة الإجابات التخمينية التي طرحوها وِهاد وفهدة او اقتنع البعض بالفعل والبعض اقتنع لتحرير أنفسهم من شعور الصدمة والإستغفال ان يكون جزءًا من منزلك مجهول بالنسبة لك! جزءًا يقطن فيه احدهم وانت تجهله شخصًا يأكل ويشرب ويسمع قهقهة ضحكاتك ويراك عائد من دوامك متضجرًا وانت لا تعلم. بشاعة الشعور ترغمك ان تتقبل الكذبات اقتنعوا جميعًا
الا تلك التي كانت تنظر بدهشة مصدومة
والدنيا لا تكاد ان تكف عن الدوران حتى تصلب طولها وهي تربط كل تلك الاحداث في مخيلتها !
/

\

/
فتح الباب وهو يسمي بالله ركدّ منبه جواله على الساعة السابعة صباحًا حتى يغتسل ويخرج من منزله الى المقهى التي ترتاده عادةً لعله يرأها وتقر عينيه حفظ اطباعها، فهي ابنة الصباح مهما كان العائق لو دمها لن تتخلى عن كوب قهوتها صباحًا. ذوقها رفيع في أختيار الاماكن لم تكن تبحث عن مقاهي الأثرياء في باريس! كانت تميز رائحة حمص القهوة، دقة ترشيح صانع القهوة بحبٌ او اداء عمل كل تلك التفاصيل تعلو قائمة إهتماماتها كانت طاولة القابعة في زاوية المقهى مكانها المفضل. بجانب النافذة الزجاجية يكشف لها طرقات باريس ، عازلًا للصوت أكثر تنظر بلا صوت ، ضوضاء مشاعرها السعيدة وقتها يكفيها تنهد بإبتسامة وهو يراها تقف بالطابور لوحدها، كعادتها الساعة الثامنة والربع من كل يوم تلتزم بالصف ومن ثم تبتسم في وجه المحاسبة برقة وتلقي التحية على كل طاقم العمل ، طلبها محفوظ ووقوفها لإحترام الزبائن الآخرين تستلم طلبها ويدها تحتضن كفوف العاملة الآخر لتشكرها وتثني على مظهرها رغم انها بكل يوم تشبه الأمس تجلس على كرسيها بنشاط وما ان تبدأ بتأمل الا ان تخمل وترّق ملامحها وتعوم في عالمٍ آخر يثير فضول جسار! قاطع العادة! تلك السلسلة المتتالية من الأفعال ، لم تعجبه مادام ليس جزءًا منها ! سوف اكون جزء من صباحك ياريناد! سوف افتح الباب لتكن عينيك عليه تنتظرين دخولي ، بدلًا من اركض بأزقة باريس ارجو الله ان تكونين بحاجة الى كوب قهوتك لفت ريناد بعد ان أخذت عصير البرتقال والفطيرة ، لتراه يقف امامها مازال النوم يركن في ملامحه ابتسمت :
صباح الخير!
انتبهت الى عيني كسار اين تنظر ، كان ينظر الى العصير التي تحمله دون ان يجيب رفعته وهي تضعه بجانب وجهها بضحكة :
مافيه قهوة اليوم بعد خذيت عصير!
ضحك كسار بهدوء وحشود القلق بداخله هدئت واستراحت :
ياعلّه بالعافية
مشت امامه الى مقعدها مثل مارسم لها خطتها الصباحية ، كان ينظر اليها وهو يتمنى ان ياخذ العصير من قبضته ويقبله شكرًا والله أن ما اسهرني الليلة خشية ان تمتنعي عن القهوة اتباعًا تعليمات لطبيبك وانا الذي وقتها سأكون بحاجةٍ لا يخمدها كوب قهوة! لا اتمتع بالبساطة التي تعلتيك، اني افتقرها لا يرضيني الا انثى باذخة مثلك! كريمًا الى حد البذخ في إكرام صُبحي بنعمٍ ، على هامتها أن ابدأه بِك ! كريمًا بحبك وان لم تدوني ملاحم العشق كما دونت مفاخر الرِجال هارون الرشيد وبخيلة انتي علي منذ ان اعتدت ان اقبل عليك وانا اضيف الى أذكار صباحي دعاء يرقيني
منذ ان اعتدت ان اقبل عليك وانا اضيف الى أذكار صباحي دعاء يرقيني قبل ان اُغلب امامك : " اللهم أنت عضدي ، وانت ناصري ، وبك أقاتل " أقاتل العادات والتقاليد بأني احببتك قبل ان تختارك والدتي زوجة او يشد ابي برِجال عائلتي الى ابيك نطلب يدك ، أقاتل شرقيتي بأن اتجرد من صحراويتي لترين في غزلي ربيعًا يناقض خريفي الذي يكسوني ، أقاتل ذلك الضَعف المتبختر الذي يعتري قلبي ليخر امامك طريحًا برجاء كلمة عذبة من تلك الشفتين التي المح بها طيف مقبرتي تحييه ، اقاتل اعترافي بإن ذلك الرجل الذي لمتيه مرارا وتكرارا بأنه ( بغيض ) سقط امامك متجردًا من صِفاته ، متنازلًا عن حدوده. رأى بك فتاته ولم تكن بك صفة وحدة كانت تلزمه ، استنكرتك حتى وقعت بك ! لاذعة ما الذك! قطعت بنات افكاره بتلويحة كفها امام عينيه التي كانت تنظر لها بشرودٍ ذهني ، بإبتسامة خجلة من نظراته التي لم تنقطع :
بنقعد ساكتين الى متى ؟
وضع كسار كفه تحت عظمة دقنه ليهمس وعيناه مازالت تستهدف عيناها :
الصمت في حِرم الجمال جمال
قاطعته وهي تلتقط مغزاه بأنه يقصدها في ( الجمال ) والحياء يكاد ان ينهمر من شدة ماتفجر في وجنتيها بمِراوغة حتى تستأنف الحديث فيها :
فعلًا ، باريس جميلة
قهقه كسار بدهشة منفعلة مما آثار إنتباه زوار المقهى الذين التفوا ينظرون اليه من ضحكاته ، خفض راسه بحرج بعد ان رأهم ينظرون له وهو يردف :
حتى اللي في باريس حلوين
لفت ريناد رأسها يمينًا تجاه النافذة بخجلٍ من كسار الذي تراه يجسد " ياحبة يابركة "
يأتي بمشاعره مندفعًا منذ ان اخبرها بها وقبلها كان مندفعًا بغلاضته معها. تشك بأنه يعرف الإعتدال يومًا. لتكسر عيناه التي لم تعتق عيناها من التأمل كتم ضحكته المتلذذة بشكلها الخجول، يحرجها لا يفيض ويتعرى بعِشقه امامها وانما ليرأها تكتم أنفاسها خجلًا والحمرة تكسوها وتسحب بأطراف معطفها لتحتمي بها اردف بنبرة متزنة ، لينخرط في حديثٍ جديد :
ما ادري وش انتي لاقية بباريس!
لفت عليه ريناد بجدية وهي تضع كفها تحت دقنها، بنفس حركته بعفوية :
وش اللي انت ما لقيته فيها ؟
رفع عيناه للأعلى بتفكير سريع، ليعيد عيناه الى موضع ريناد بتساؤل : وش اللي فيها ينحب ؟
تنهدت ريناد بشاعرية، وعلاقتها في باريس علاقة اشبه بعلاقة الوطن! احتضنتها هذه الأرض سنينٍ كِرام. اغرقتها حُبًا وفرحًا ( وماجزاء الاحسان الإ الإحسان ) ياباريس :
كل شيء في باريس يدعو للحب!
أخذت كوب قهوته التي وضعته النادلة قبل ثواني معدودة، لترفعه على سياق حديثها :
حتى القهوة المرة في باريس شديدة الحلاوة!
ابتسم بهدوء وهو يستشعر كمية العاطفة الهائجة في نبرتها : باريس خلتك شاعرة ؟
ضحكت ريناد ضحكةٍ قصيرة بانت آثرها في نبرتها لتكمل على نفس نمط حديثها معززة رأيه :
" في باريس كل شيء مُهيأ لأن يكون قصيدة "
همس بهدوء وعلى شفتيه طيف إبتسامة
وهو ينظر لكوب قهوته ، يكره ان يندفع بمشاعره! ولكن امامها لا يبالي بما يكره ويحب، هو مسير لا مخير عندما يكون معها :
نضجتي كثير عن أول مرة شفتك فيها!
رفعت رأسها بإستنكار من كأس عصيرها ، لتبتسم للطاري الغريب الذي اقتحم حديثهم :
ماتغيرت ! بس ماكنت تناظرني نفس ما أنا .. مأخذتك العزة بالأثم
رفع كسار حاجبه بجدية وهو يظن أنها تتفوهه هكذا حتى تنصف نفسها :
اسألك بالله اول ماعرفتك كنتي كذا ؟
ارتدت ملامحها المبتسمة، رداء الجدية الذي تحلى به كسار وهي تجيب إجابة شاملة كل اركان سؤاله :
أنا للحين نفس ما أنا، حساسة أكره حياة المسؤوليات والجدية وتطربني حياة الطيش وخياراتي دايمًا هي أن افضل صحبة الاصدقاء يوميًا على جمعة اهل نهاية كل أسبوع! ومع هذا كله نجاحي ومستقبلي ومبادئي فوق كل رأس! للحين ولين بكرة ولين اموت وانا بعيش بشخصية المراهقة بعيشها لانكم تسمونها كذا ولا بالحقيقة هي هذه شخصيتي! انا مانضجت زي ماتقول ، بس انا اعتزلت كل اللي كرهته فيني ياكسار لان الظروف ماتناسب اصحاب الغربة صاروا ماهم كفو وغدروا فيني! حياة الطيش تحتاج بال صافي، وانت سلبته بالمصيبة اللي طحنا فيها! ارمي علي كلمة تجرحني وابشر بشلالات دموع تروي نهر النيل! بس صدقني اذا انت تحب شخصيتي هذه، فترى حبك زوال لأن مجرد ماتهيئ لي الأسباب برجع زي ماكنت واذا كنت تحبني عشاني انا ريناد! فهذه ريناد موجودة دايمًا وابدًا
عقد كسار حاجبيه بإستنكار :
انتي تحسبيني كنت اكرهك ؟
ضحكت ريناد بسخرية :
هل تصرفاتك كانت تصرفات محب ؟
هز كسار رأسه بصدق بالنفي :
لا! ولكن بعد ماكنت اكرهك ، انا كنت أستنكرك!
قهقهت ريناد بسخرية، لتردف وهي ترتشف عصيرها بأستهتار :
هذا وانت ماتكرهني! انت تحسبني ما ادري انك مأخذ بطاقتي عشان تطلع سيارتي من الكراج وتصدم فيها ؟ مايخفاك انها موديل السنة! وداري اني في غربة، وموضوع ان سيارتي راحت تشليح بيلفت إنتباه اهلي بس مشكلتك ماكنت تدري ان ابوي ذعار! لو يوصله خبر ان سيارتي تشليح بطلع وبلقى بدال السيارة سيارتين، بس يكون بعلمك للحين ماطلبت من ابوي سيارة تدري ليه ؟ ما ابي ابوي يدفع ثمن غلطة اني وثقت بالشخص الخطأ اللي هو أنت! ومو بس خطأ ! الا جبان!
قاطعها كسار بغضب وهو يضرب بكفه الطاولة :
وعوضتك بدال السيارة بأوراق الاختبار ، وصار مستقبلك ثمنه السيارة
ضحكت ريناد والحقد يكاد يتفجر من عيناها من هذه السيرة :
انت مو بس الشخص الخطأ ! انت ايضًا الشخص الجبان، انت من أول ماوصلت باريس ونزلت مقهى عصابة الفلس. سمعتهم يسولفون فيني لأنهم يكرهوني وخذتك الحمية أن بنت ديرتك يحكي ويكيد لها الغريب، لين داومت ودريت أن بنت ديرتك أنا! تعاونت معهم وعطيتهم بطاقتي والله اعلم كم فعلة قذرة سووا بها وورطوني وبنفس الوقت اللي خليتهم يعدمون سيارتي تمويه عن سالفة سرقة بطاقتي، ضحكت عليهم بأنهم يكڤرون للسالفة بتسريب الاختبار وهنا بمخلص القصة نرى أنه بقدرة قادر تحولت الحمية الى دناءة! أمحق رجال
عض كسار بأسنانه على بعض بغضبٍ وهو يشعر بالإهانة من حديثها في أفعاله النجسة ضدها، افعاله الذي يشعر بالخزي امامها بسببها : ريناد مهما صار ثمني كلامك!
ضحكت ريناد وهي تعود إلى شرنقتها وتتحلى بالبرود :
انا ثمنت افعالي قبلها ، يوم افعالك تردت ياحفيد الخال انا اذكى منك وبلغت عن بطاقتي مفقودة عشان اتغدأ فيهم قبل يتعشون فيني لما طلعت من شرهم، انا طلعت منها مثل الشعرة من العجين يوم انت تدبست فيها انت تحسب يوم سخرت لك محامي من حب ؟ لا عشان اكسر شوكتهم! عشان اقلب الطاولة عليك عشان يدرون ان مافيك خير، خصوصًا انهم عرفوا محد بلغ عليهم غيرك وثانيًا تنقذك اللي انت متعاون معهم عليها ؟ اذا واحتمال كبير انك جاسوس من طرفي! انت يوم تظن اني ساذجة انا كنت اناظرك من فوق اضحك عليك انت تتوقع لما اطاوعك بأفعالك معهم من ضعف ولا من تضحية ؟ لا ! انا شريكة معك بذي المصيبة انا مهما بلغ فيني من السذاجة مبلغه، ترا دمي من دم ذعاري .. احدرني!
مسك كسار رأسه بصدمة وهو يستمع لكل حرف تتفوه بِه، قبل كلامها كان يظن انه هو بطل القصة وبعد كلامها اكتشف انه لعبة يحركونها الطرفين وماله اي دور سوا أسم يغطي افعال كل طرف عم الصمت دقائق طويلة إلى ان اصبحت جزء من الساعة، الدقائق اصبحت ثلث ساعة ليردف كسار بهدوء مسترسلًا بعفوية لا يدري ماداعيه، ولكن يشعر انه يجب أن تعرف ماذا يرى ريناد :
ما اكذب عليك لو اقول لك في حياتي في شرق وغرب في اسيا ولا اوروبا ماشفت بنت مثلك !
انا مصدوم انك كنتي تحت عيني من يومك تركضين في حوش ابوي سلطان ولا دريت عنك !
لا انتي ولا هيئتك ولا بيئتك ولا تصرفاتك ولا شيء فيك ينتمي لذاك الحوش اللي ضمنا كلنا!
قاطع حديثه بنفسه ليكمل بتبرير :
خلينا من حوشنا، لو قلنا شادن!
شادن تربت وعاشت وكلت من نفس صحنك قصت تذكرتها وتذكرتك واقلعت طائرتها وكرسيها طرف كرسيك! شلون مافيك اي ملامح اطباع منها ؟
قاطعتها بحدة، رافعةً حاجبها بإستحقار من نيته التي فهمتها :
لأني ريناد ببساطة!
انا شيء وهم كلهم شيء ثاني انا ماجيت للدنيا عشان اعيش بشخصية أحد، او جيت عشان اشبههم او كائن من كان يشكلني حسب معاييره هذه حياتي، وحقي، وحريتي.
بعيش بالشكل اللي اشوف فيه ريناد أنسانة بحق مو نسخة مطورة من شخص آخر
رفع كسار رأسه بهدوء والذهول مازال يغزو ملامحه، حتى ان نظراته باتت تائهه فيها :
ليش أحس اني توني اعرفك ؟ ليش قاعد اشوف فيك وجهه اجهل مشاويره ؟
وقفت ريناد وهي تخرج بطاقتها من محفظتها بإبتسامة لا مبالية رافعة كتفيها بـ معنى " لا ادري ":
يمكن لأن كنت متوقع امامك انسامة تتغذى على ضعفها، ويوم انكشفت لك ماورا الستائر .. مالقيت فيها اللي انت تبيه!
همست وهي تمر من جانبه :
ويمكن لأنك فعلًا توك تعرفني!
/

\

/
وقفت شادن امام باب منزلها وهي ترى انواره الى الآن مغلقة منذ أن خرجت منه مايعني ان سياف إلى الآن لم يعود منذ ان وصل خالته المنهارة من خبر طلاق أبنتها لمنزلها. تنفست بإرتياح بعد ان رفضوا لدن & ووهاد أن يأتوا معها، وفضلوا البقاء بجانب والدتهم الحزينة على قرار أبنها الذي اخفاه خيفة منها، وحال اختها التي لم تفهم ابدًا ان نصيب سياف & منال، مستحيل.
لم تشعر بأنها مستعدة للمواجهة وهي التي خالفت كلام سياف عندما طلب منها ان تلتزم الصمت وفجرت قنبلة الخبر امام الجميع فتحت الباب، والقت بمفاتيحها جانبًا كان الظلام يسود الأرجاء، والصمت القاتل يتجول بين الزوايا مدت يدها للخلف وهي ترخي سحاب فستانها قليلاً الذي يحكم إتزان انفاسها من - موديله - الذي يحكم عليه بأن يكون ضيقًا إلى ان يحكم حتى مشية ساقيها.
تنهدت وهي تتنفس بحرية مجددًا ويدها تسلل إلى ازرار الإضاءة حتى ترفع عليها شهقت بخوف
وهي ترى سياف مستقلي امامها على الكنبة، وذراعه يغطي عيونه وهو مازال بثوبه وشماغه مرمي بإهمال خلفه وعقاله بالأرض وضعت يدها على صدرها وهي تلتقط أنفاسها :
بسم الله
رفع سياف ذراعه، ليضوق عيناه بسخرية :
عفوًا لا يكون مستغربة وجودي في بيتي ؟
ضحكت بعفوية على ردة فعله على فعلها :
شفت البيت ظلام ، ماتوقعت بلقاك
همس وهو يعود إلى وضعه هادئًا :
عشان كذا للحين توك تجين ؟
غمضت عيناها بهدوء ، فهمت أن سياف فاهمها انها تتهرب تناولوا العشاء والجميع ذهب منذ زمن، وهي كانت تنتظر حتى يتسلل النوم إلى سياف او ينسحب إلى الإستراحة .. وأتت متأخرًا بعد ان انحدت أخذت شادن نفسًا عميق، لتردف :
أسف..
قاطعها سياف بحدة ، حتى أن كتفيه المسترخية .. برزت :
اش! فتحت
شادن عينها بصدمة من سياف الذي يسكتها قبل ان تلفظ إعتذارها !!
نهض سياف ثم استقام وهو جالس ورفع رأسه لشادن
التي ما زالت واقفة في محلها تنظر إليه والدهشة تعتليها
هز رأسه بإيجاب مؤكدًا كلامه للمرة الثانية ، بنبرة جادة :
ايه اوش!! لا تعتذرين! تعتذرين لي على وشو ؟ على كلام خالتي لك ؟ على الموقف اللي انحطيتي فيه ؟
همست شادن وهي تتنفس بإرتياح بعد مافهمت مقصد سياف، بأسف :
بس انت قلت لا تقولين وأمنتني عليه ياسياف! انا خنت امانتك وثقتك لما قلته لها
قاطعها سياف بإندفاع وهو يأشر بأصبعه بعفوية على مكان بيت اهله :
أنا كنت موجود من بداية كلامها، كنت جاي بأخذ أبرة ابوي وتجيبها لي وحدة من البنات وسمعتها !!
صرخ بحرقة وكلام خالته، وتعديها على شرف عمته ثم زوجته وبنته يذيب كل صبره / وحَلمه / وعقله :
وحدة تطعني بشرف اهلي ماتعتذرين لي عشانها!
وحدة تطعن بشرفك لا تخلينها تخليك تخافين تواجيهن زوجك ، ومن اليوم تتعذرين عشان ماتجين البيت !
وحدة تطعن بشرف امك لا تسمحين لها تحترمين خبر طلاق بنتها لأنها ماهي كفو حشيمة !
انا اتوقع كل اللي سمعته منها من الناس، من ألد اعدائي بس ما اتوقعه من خالتي!! خالتي تنقله لبيتي وهي تتفاخر فيه بدال ماتسد حلقهم
انهارت قوى إتزان جسده، وهو يسقط بقوة جالسًا ويهمس بخذلان بعد ان جمع كفيه سويًا وهو يضغط بها على بعض :
انا انكسر لي ظهر ، يوم دريت ان كلوا بلحمي ولحم أهلي هي وحدة شرعت له بيبان مجلسي!
انا انلوى لي ذراع يوم دريت اول من وقف يتشمت بحرمتي، الحرمة اللي بلعت السم وقلت هنيّ يابعد كل عين عشان ما اجرحها في بنتها انا فاقدٍ لي عزوة يوم دريت أن اول نكر كل شيء سويته، وفعلته، وحشمته هي خالتي اللي حلفت بيوم ما اذل بنتها وانا حي.. خليتها على ذمتي وقلت سوي اللي تبين وماجاك تراه في وجه سياف بن سلطان خله يجي يواجهني وماعليك منهم ولا تهز فيك كلمة ولا تتعداك وانتي في ظهري!
رفع رأسه لشادن ، وهو يضحك بسخرية :
ليش ماعضت الا اليد اللي أنمدت لها ؟
انا لو بعد سواياي معها، اذن الفجر وانا مابعد انتصفتها.. بس من كبر حظها طاحت برجال مايرضاها! يوم انها رضت عليه العيب والمهونة
مسحت شادن بطرف اصبعها الذي مازال طلاء الأظافر يزينه، وخاتم دبلتها وزينتها متعانقين في أسفله ؛ دمعةً طارفة لم تستطع كبتها وهي تسمع نبرة سياف الموجعة. كانت يتكلم بحرقة مؤلمة شعرت بلهيبها .. تعلم انه لا خيبة مثل خيبة الأهل! ولا اشد قربًا من قرابة الدم، فماذا تظن عندما هذا الدم الذي يسري بعروقك يؤذيك ؟ من ستأمن في الدنيا غدًا ؟ مدت قدمها اليسرى لتخلع فيها كعبها من قدمها اليمنى، وكررت نفس الحركة لقدمها الأخرى .. لتصبح حافية القدمين اقتربت من سياف لتجلس خلفها، مدت يدها الى كتفيه الثنتين لتسحبه إلى حضنها لم يمانع ولم يبدي أي مقاومة، بل أخذ كفيها المرتاحة على صدره ليمسكها بكفيه قريبًا من وجهه ليقبلها برقة. وضعت خدها على شعره لتغمض عيناها بهدوء ، لا تريد أن تتكلم او تواسيه، هي تعرف سياف. لا يتكلم حتى يجد حلًا، هو يتكلم حتى تسمعه فقط.
همست شادن بعد دقائق طويلة وهي تريد ان تقطع هذا الصمت القاتل والله اعلم من أي ساعة وسياف تأكل بعقله الأفكار والهواجيس، تريد ان تربت على ذلك الخوف الدفين وأن اخفاه عنها بعد ان أخذت كفيها من كفيه، ووضعتها على شعره تلعب بِه :
ترا خالتي ترف ماضايقها موضوع الطلاق، ولا عاتبت على موقفي تجاهها، حتى خالتي زعلانة مرة من كلامها. بس اكيد ودها وودنا كلنا كانت الأمور اهدئ من كذا .. بس لكل شيء ضريبة، بس الحمدلله الضريبة ماجت بزعل امك ولا غضبها
همس سياف بهدوء :
الحمدلله
ليردف بعد قليل وهو يرفع كفيه فوق قليلًا :
هاتي يدينك!
عقدت حاجبها بإستنكار، لتمد كفيها وتضعها في كفييه.
أخذها ووضعها مجددًا على صدره هامسًا :
حطيها على صدري
ليكمل وهو يحرك كفيها كأنه يمشي بها بطريقة دقيقة وكأنها تختار موقعًا وكأن صدره خريطة، همس وعيناه لم تتعدى كفيها التي تتجول على صدره : ‏
واختاري من الجروح اللي يناسب لك
رفع رأسه ، لتلتقي عيناه في عيناها ليهمس بجدية :
ترا كلها خذت مني حقك ، وان كان مايكفيك.. والله ماينسى حقك، بيجيني الأعظم ويرضيك
وضعت اصابعها على شفتيه لتمنعه ان يكمل كلامه، وهي مندهشة كيف وهو في بؤرة حزنه.. يفكر فيها بأنه من حقها!
ويفكر بأن كل ما اصابه لأجلها، ويترقب لنفسه الأعظم ، لتجيب بحدة :
وقص ياسياف على هالطاري!
ترا حقي ما أخذه بأنه يجيك أضعافه، انت تتعور وترا اتعور معك! انت تو تنجرح وانا اللي ابكي! الهم اللي صابك انشطر لنا اثنين، والله ياسياف اني متأكدة كل اللي جاني منك .. ماضرني لحالك وضرك بعد! خلاص انا تعبت والله تعبببببببببت من الدنيا الدنيا هذه قاعدة ادور فيها زاوية ارتاح انا ماجيتك احارب ياسيّاف! مافيني شدة حرب وهدنة وثأر .. اغلى احلامي احط رأسي على الوسادة وانا اضحك، السعادة هي اثمن طموحي!
ابتعد عن حضنها، اعتدل في جلسته ولكن مازال قريب منها وضع فكها في كفه وهو ينظر إلى شفتيها بجدية، قاطعًا نذرًا على نفسه :
يومٍ يمر وانا مزعلك فيه، عسى شمس بكرة بعده مايطلع عليّ! نذر رجال، وحبيب .. شفتيك ان ماضحكت بسببتي والله اني ما ابكيها
مد ذراعيه ليأخذها إلى حضنه، وهو يمرر كفيه على شعرها ليلعب به وهو يشوى بتأنيب الضمير ونبرتها وهي تقسم بالله انها تعبت، تحرقه! طفلة مازالت تنمو في ذراعيه، طفلةً لم تنتصف حتى العشرين .. ذاقت من الويل والضيم مايعادل الاربعين عامًا، يكفيها.
لا يريد ان يجور عليها هو والزمان كانت تنام على صدره، وهو يردد في باله :
" طيحي على صدري وحبيه منّيه ‏هذا مكان جروحي اللي .. تعوّر"
/

\

/
كأن رأسه ينام على ذراعيه الموضوعة في طرف سريرها الأبيض، ومن حولها كل تِلك الأجهزة ترعاها بداية من انبوب التغذية، وكمامة الاوكسجين لم ذياب يشعر بنفسه من فرط الإرهاق انه بدلًا من ان ينتبه لها. نام بجانبها جميعهم نائمون من فرط ماعانوا! جميعهم نائمون من تعب، مامن راحة جميعهم تكسو وجههم ذلك التعب الفرق الوحيد بينهم، أن ذياب نائم وهو يعلم انه سيصحى وغزل نائمة إلى أجل غير معلوم!
فتح نصف عيناه وهو مازال على وضعه، عندما سمع صوت الباب يفتح ولكن كان مستنكرًا فتحة الباب الهادئة، بعكس ماحفظه من طريقة دخول الممرضات المنعشة وهم يمارسون فحوصهم الصباحية للاطمنئان كان يسمع صوت عكاز .. ليفر إلى ذهنه تلقائيًا بأنه حده! هل يعقل خالتي ندى اخبرته ؟
رفع رأسه بقوة ، قوةً اخافت أفنان الداخلة لتشهق وهي تعود للوراء بخطوتين :
بسم الله!
ارتخت كتوف ذياب ، ليتنفس بإرتياح :
هذه انتي!
عقدت أفنان حاجبها بإستنكار :
كنت تنتظر أحد غيري ؟
أبتسم ذياب بضحكة على ردة فعلها :
ماعلمت ولا طلبت غيرك يكون بعلمك بس بس استغربت ، لأنك مارديتي لي خبر وبعد امس في بيت جدك بصراحة - كتم ضحكته وهو يتذكر شكلها عندما تركتها فهدة على الارض وهربت للداخل - ماتوقعت أني بشوفك نهائيًا
شعرت بأن الجو يشتد حرارة، وأن درجة الحرارة في وجنتيها فقط تجاوزت الاربعين درجة، رغم أن الجو في العناية شديدة البرودة!
لترفع أفنان سبابتها بتهديد :
شف لو لتقعد تتذكر اللي صار امس ، فعلًا عمرك ماراح تشوفني
زم ذياب شفتيه بطنازة وهو يضحك :
اوف قوية البنت ياولد!
ضحكت أفنان بإحراج، لتأخذ نفسًا عميقًا. وتحاول ان تسترجع كل الحديث اللي حفظته نفسها في السيارة لتواجه بِه ذياب
رفعت رأسها وعينيها تضيع بأي شيء ماعدا ذياب شعر ذياب بإحراجه، وقف وهو يأخذ غترته وعقاله بجدية :
عن أذنك ، انا بروح لمكتبي بغير ثوبي وبلبس سكرابي وبرجع أشيك على امي خذي راحتك .. ولو قالوا لك الممرضات شيء، قولي من طرف ذياب انا مكلمهم عنك
سألت أفنان بعفوية وهي تراه مستعد لها :
كنت متأكد اني بوافق ؟
أبتسم وعيناه بالأرض حتى مايحرجها :
كنت متفائل اكثر من الثقة، ولو نجي للثقة فأتوقع شهادتي فيك مجروحة .. اللي خلتني اختارك من بين الكل
مازال كلام ذياب كله، يستثير فضولها لتبدأ بطرح الاسئلة بدلًا عن المحادثات التقليدية التي تبدأ بالسلام والسؤال عن الحال :
وهذا اللي خلاني في معركة إتخاذ القرار!
وش معنى أنا ؟
بينما كان عندك اختك وخالتك التي تبيع عيونها وتشتري ساعة مقابل امك، وجدتك وأنت ماينقصك حتى تستأجر ممرضة ترعاها فوق رعاية المستشفى اللي كلنٍ يهتم أضعافه ان دروا انه من طرفك
ابتسم ذياب وهو ينظر الى اكمام ثوبه التي تجعدت من نومته :
تسمحين لي ابدل وارجع ؟
عادت خطوتين لليسار، لتقترب من السرير وتفسح له المجال من الباب بخجل :
أذنك معك
جلست على كرسي المرافق وهي تضع عكازها بجانبها وعيناها تتأمل غزل التي تلتقي فيها للمرة الأولى كانت في حالة مؤسفة، محزنة، مثيرة للرحمة والشفقة كانت تسمع دائمًا بجمال غزل وأسف النساء عندما يرؤون شادن ويكتشفون ان غزل ظل جمالها متفردًا ولم تكسب منه شيئًا عيناها المغلقة وهالاتها البنفسجية بشيء من السواد تحيطها وكدمات بمفترق انحاء وجهها بمختلف الألوان وشفتيها المتورمة ومزينة من النصف بجرحٍ يكاد يبرى رغم الدم المتحجر على ابوابه وشعرها منساب بحرية على المخدة سلب ثلاثة أرباع جمالها! انتفض جسد افنان بقشعريرة من منظر غزل التي أطالت النظر فيه منظرًا مرعب لا يليق بـ بني آدم ان يشوهه بهذه الطريقة بكيف بأنثى ؟ سقطت عيناها على ذراعها
الذي لم يخلو ايضًا من آثار التعنيف، سرعان ماتبادر إلى ذهنها :
معقولة ذياب مسوي فيها كذا ؟
وكل اللي قاعد يسويه الحين من تأنيب الضمير ؟
نفضت رأسها من تِلك الأفكار لم تريد ان تكرهه ذياب بسبب افتراضات بدون ان تتيقن انتفض جسدها مجددًا من شدة البرودة، فكرت بحال غزل المسكينة بلبس المستشفى الخفيف جدًا ويديها خارج المفرش امسكت ذراعها بلطف حتى لا تؤلمها رغم انها لم تشعر بِها ولكن شيئًا نفسيًا لن ترضى بِه لتدخلها تحت المفرش.
سقطت عيناها على اظافر غزل المنزوعة لتشهق افنان بصدمة بصوتٍ مرتفع، وكش جسدها من المنظر المريع لتركض إلى دورات المياه وتفرغ مافي كبدها من فطورها
سقطت على ركبتيها غير مباليه بعبائتها التي تلطخت بالماء الذي يغطي الأرضية بكت بحرقة خائفة من منظر غزل المريع!
ندمت على أنها وافقت بأن تقبل طلب ذياب بأن ترعى والدته وقت عمله، وتتعذر من ابيها بأنه عندها موعد عِلاج طبيعي ويستعد ذياب أن يزور لها مواعيد وهمية لتقنعهم
شعرت بالباب يفتح، وخطواته القريبة من دورات المياه المقابلة للباب ليناديها بإستنكار
وهو يرى عكازها مرمية على الأرض، وهي لا تمشي بدونها
وأفنان لا وجود لها :
أفنان أفناااااااااان !
سمع صوت شهيقها في دورات المياه، لتتسع عيناه بدهشة
وهو يضرب الباب بقوة :
افنان فيييك شيء ؟؟
لم تجيبه افنان، بأستثناء أن صوتها ارتفع اكثر من سؤاله كيف له ان يفعل بوالدته كذا ؟ وصوته يغرق بهذه الحنية ؟ كيف له ان ينافق هكذا!
انتفض ذياب بغضب قلق هي أمانة مادامت عنده


ضرب الباب بقوة :
افنان والله لو ماتطلعين لأكسره
لم يأتيه اي رد سوا شهقات أفنان الباكية
ليحاول مجددًا بحنية اقتحمت صوته رغمًا عنه :
تكفين يا افنان لو ماتبين تشوفيني والله لا اطلع
ولو تبين تروحين بيتكم مسموحة
بس ريحي قلبي يا بنت الناس وانطقي وش فيك ؟
صرخت أفنان بحرقة وصوت الحنية بصوته يعذبها
يعارك تِلك الأفكار السوداوية عنه، تقف سجينة نظرها ويدها لا تطول التشبث بما يخبرها قلبها، ودليلها أن شخصًا مثل ذياب لا يفعلها :
ليييييش سوييييت فيهاااا كذااااا يامجررررم ؟
أرتفع رأسه تلقائيًا، وتدريجيًا إلى امه المستلقية بسلامًا على السرير دون أن تشعر بتلك القلوب المنحورة همًا، ورحمة، على عتبتها. كل ماحولها يستنجد لتعيش .. من الأجهزة الملتفة، من رجاوي ذياب المغتربة اثنا عشر عامًا، من مافاضت بِه أعين أفنان.
استوعب ماتقصده أفنان بعد أن طال الصمت الذي لم يخلو من شهقاتها الباكية، لدقائق طويلة ليهمس ذياب بحرقة :
واللي مايخلي يدي سالمة أنها ماهي سواياي
صرخت أفنان والدم الفائر يكاد يفيض من رأسها، وهي تفتح الباب بقوة، كذباته المتتالية عليها بخصوص والدته أدفعتها بـ قوة تكمن في اظافرها لتقتلع لحم لسانه الكاذب :
محد يدري بوجودها غيرك وأنت قلت لي! ووصيتني محد يدري!
مين بيسوي فيها كذا غيرك ؟
أنت طلبت هالحرص كله عشان تخمد تأنيب الضمير بداخلك والله أعلم تخمد تأنيب ضميرك، او تبيها تصحى وتطلع من هنا وتنساها أعين الممرضات والدكاترة وتقدر تذبحها ولا من شاف ولا من درى
أتسعت عينان ذياب على كبرها لينظر إليها بدهشةٍ مصدومة، يرى حقدًا يفيض من عيناها وحمم لهيبية تقذفه من لسانها.. لو أنه طاغي هذا القرن مارأته بهذا الإتهامات
ليتمالك أعصابه وهو يلف برأسه عنها بهدوء :
مو من مصلحتك تعرفين - ليكمل كلامه بجدية - كثر الله خيرك يابنت الناس، معروفٍ ماعمري بنساه واورثه عيالي يردون حقه.. أذنك معك
ضحكت أفنان ببطئ من صدمتها من كلامه :
وبكل برود اروح بعد ماشفتها بهذه الحالة وعرفت وش وراك ؟
انا والله ما أتركها وهي بين يدك لحالك ويبقى ذنبي في رقبة قابيل وانا مامس يديني دم قتيل
مسك ذياب رأسه من هول ماتفوهت بِه أفنان، مازالت مصرة بأنه سيقتل أمه عندما قالت " قابيل " الذي سن سنة القتل، وذنب كل من يقتل على الأرض في رقبته
اقترب منها ووجهه أسود من تِلك الساعة السوداء التي تحاصر معصمه :
وش شفتي مني يخليك تظنين انه يطاوعني قلبي أذبح أمي ؟
انا اللي يدي مانمدت على أحد وانا ابو تسع سنين .. يومٍ كلن في سني طايش ويدينهم تطول بعض
تبيني وأنا بو تسع وعشرين يديني تنحر أمي ؟
أبتلعت أفنان ريقها بهمس، وهي تحاول أن تلتقط انفاسها التي تسارعت تزامنًا مع دقات قلبها. وتسترجع صوتها الذي بح من صراخها :
انت اللي قبل فترة حرضت اخوي علي
أنا اليوم رجليني ماتقوى توصل الكرسي وراك بسببك! وعشان أيش ؟
عشان شيء ماسويته، وغيري تبلاني
قاطعها ذياب بغضبٍ وحرقة وهو يشير بسبابته :
لا غلطانة، مو عشان شيء انتي ماسويتيه لا !
عشان هذه - أشار على امه - كان الكلام يمسها، واللي يمس أمي
أنهيه وانهي سلالته ولا يرجع لهم دم يعيش معي على أرض وحدة
وهم قد غلطوا على أمي
صرخت أفنان بقل حيلة وهي تضرب بكفوفها فخذها :
أجل مين ؟ ميييييين سوا فيها كذا !!
أعاد ذياب أنظاره إلى امه ليهمس بهدوء :
ماهو واحد ، ولكن منهم جدك سلطان
ماكنت ابي اقوله واشوه صورته في عين حفيدته
ولكن انتي اللي اصريتي تعرفين
مسكت أفنان رأسها بكفيها كثيرة عليها احداث اليوم جدًا، بداية من تفكيرها بصحة قرارها بقبول طلب ذياب إلى رؤيتها غزل إلى ظنونها بذياب إلى صدمتها في جدها.
حتى اقدامها المجبرة لم تعد تساعدها بإن تسند ثقل جسدها عليها، سحبت نفسها بقوة بطيئة إلى عكازاتها لتتشبث بها وتلتقط نفسًا عميقًا على المجهود الذي بذلته همست أفنان بصوتٍ مرهقٍ، متعب :
أنا أسفة اني ماكنت قد ثقتك ، بس ما اقدر
أقترب ذياب إلى سرير امه، جلس بجانبها وهو ينظر إليه
دون ان يعير افنان اي نظرة ليهمس :
أذنك معك ومسموحة، وكلامي للحين واحد
عمري مانسى لك معروفك .. وابسط حقوقك تنسحبين
وانا اللي اسف اني ضغطت عليك بشيء ما انتي ملزومة فيه
خرجت أفنان تجر عكازها، وأذيال الصدمة.
ليبقى ذياب حاله بمجرد ماسمع صوت الباب يغلق ادخل ذراعيه خلف ظهر امه ليرفعها ويضمها إلى صدره ويدفن وجهه في شعرها، هامسًا :
محدٍ يبيك على هذه الأرض غيري، انا لو رضيت بحقي أني اغضب عليك واعاتبك زيهم
مين بيبقى لك ؟ مالك غيري يايمه
تمردت دمعة من عيناه لتسقط بعد ان انجرفت من خده على شعرها
وهو يهمس برجاء :
انا ماتركتك يوم كلهم عافوك، لا تتركيني انتي وتعوفني العافية.
/

\

/
كانت تستمع إلى تعليمات الموظف الذي يوجهها إلى آلية منصب والدها، التي ستتولها بمجرد أن يغادر السعودية منهيًا بعودته للكويت ذلك النقض لوعده بإن لا يعود لها ابدًا
مسكت شادن رأسها بأطراف اصابعها وهي تغمض عيناها بقوة :
ممكن نأخذ بريك ونرجع بعد الظهر ؟
أرتخت كتوف الموظف المتحمس بأنجاز عمله، من خمول شادن التي لم تتعاون معه لإبقاء ذلك الشغف ليزفر بملل :
أنا بكون بمكتبي بخلص بعض الاوراق
تعرفينه إذا احتجتيني
هزت شادن رأسها بإيجاب لترميه على الطاولة بتنهيدة مرهقة بمجرد ماسمعت الباب يغلق دون أن تنتبه بأن الموظف خرج
ودخل عوضًا عنه والدها ابتسم خالد بأسف وهو يرأها، مسح بكفه على شعرها :
هذه اللي أقدر اوليها حلالي وتعبي بكرة ؟
رفعت شادن رأسها بإبتسامة صفراء كسولة وهي تتمسك بأطراف اصابعها كفوفه :
تكفى يبه هاليومين بالذات لا تشره علي!
امس مانمت ابدًا وقبل امس كنت تعبانة والله
غمض خالد عيناه وهو يأخذ نفسًا عميق ليزفره ويفتحها مجددًا ليردف بحنية :
شادن يبه اخذي اول نصيحة في حياتك العملية مني
مو الشغل اللي يتوقف لين تترتب أمور حياتك
أمور حياتك اللي لازم تتوقف عشان يمشي شغلك
انا دمجت مشروعك بشركتي بحيث يكون تحت راعيتها اللي كنتي ناويته واشتغلت على بدايته وبدأ ينمو لا تهدمين كل اللي بنيته لأنك فقط مو قدها!
وضعت شادن رأسها في حضن أبيها لتهمس بحسرة، وهي تتذكر عودة امها مجددًا تحاول أن تسلى امامهم
حتى لا يشعر أحدهم بأن تتوعك مجددًا بسبب امها ستكون قوية كما تمنت دومًا ان تفعل إن عادت امها تطلب الغفران :
مو بس بينهدم اللي بينته لا رحت
حتى انا بنهدم ولا ذياب ولا سياف ولا احد غيرك يبه يقدر يرممني
ضحك خالد وهو يجلس على ذراع كرسي مكتبها حتى تكون اقرب له في حضنه :
شدّي حيلج واقنعي ريلج تسكنون وياي في الكويت
همست شادن بتساؤل :
ليش معد لك خاطر بالسعودية ؟
تجاهل خالد سؤالها وهو يعلم انه لديها الإجابة والأعادة والتكرار ماهو الا تنبيشًا بالماضي والجروح
أكملت شادن على وتيرة الموضوع
وهي لم تشعر بتلك القيود التي تقيدها لتلزم الصمت، هي تتحدث عن الأمر دون أن تخشى شيئًا كأنها بحديثها كل مرة بدايةً عندما أخبرت سلطان بعودتها ووضعت خبرًا عند جلوي بأنها لا تعنيها ولم تعيرها إهتماما عندما رأتها بغرفة ذعار بالمستشفى لماذا هي معه
تريد أن ترى تلك النار الذي الكل يخشاها عند عودة غزل
فقط شادن هي الراغبة الوحيدة :
أنا حياتي تدمرت من بدايتها بسببها
ذياب تشوف بعيونه خسايره لا تعد ولا تحصى
وانت تقطع حلوف وتوفي نذور بأن تعاف الأرض اللي خلتك تعرفها
كلنا جبناء! منك يايبه إلى أنا. حتى واحنا تشيلنا نفس الأرض ماقدر واحد فينا يوقف في وجهها ويقول " ليه ؟"
دفع خالد بشادن عن حضنه وهو يهمس بصدمة :
" نفس الأرض ؟"
ضحكت شادن بسخرية
وهي تزف البشرى بدون أن تحسب العواقب، هي ترى أن عودة غزل يجب ان بنفس مقدار إنتشار الخبر عندما غادرت :
رجعت يايبه تخيل!
غمض خالد عيناه وهو يفتح أزرار ثوبه الأولى يريد أن يدخل إلى صدره أكبر قدر من الأوكسجين يريد أن يدخل بقدر مايجعله يستطيع أن يقول لشادن هيّا أخبريني أنها كذبة!
وأنها مزحة وضعت في حسبة موازيني كل شيء الا ان تعود!
إذا كنت أنا جبان، فهي كذلك هي المذنبة، هي المخطئة .. فما يعيدها؟
لا يعود المذنب إلى ساحة الإعدام
فتح عينه مجددًا وهو ينظر في عيني شادن، ينتظرها أن تفعل كل ماصلى بداخله من اجل ان تقوله ولكن كانت شادن تنظر إليه بصدق!
لا شيء يغير حقيقة - عودة غزل -!
خرج من مكتب شادن بخطوات سريعة، عجلة
وهو يصفق بالباب من خلفه بقوة
وقف خالد بعد الباب بخطوتين وهو يلهث من فرط مافرّ من وقع الخبر توفت والدته / جدة ذياب وشادن؛ وهي تختنق حزنًا، وهمًا، وكبدًا من فرط ماتوغل خالد في حزن غياب غزل! وهاهو الآن يشعر بمرارةٍ أقوى من مرارة رحيلها! وقتها .. ماذا سيحل بِك يا أمي ؟
هو أبتلع علقم خيانتها، وخنجر فِرارها ؛ الذي يقنع نفسه يومًا بعد يوم بأنه فرت من فرط خوفها من أهلها ان يخبرهم خالد لماذا حررها من وِثاق زواجهم، وانها لم تهرب إليه. ولكن شفرة عودتها الحاد لا يكاد يتدحرج من بلعومه ، رغم أن حدته وألمه فتكت بقلبه! رفع كفه إلى أزرار ثوبه يريد ان يحررها ويتنفس، ولكن ازراره مازالت مفتوحة ومازال الهواء يأخذ مجراه إلى انفه وفمه. ولكن هذا الهواء لا يكفي خالد لا يتسع لصدره الممتلئ بحرقة ومرارة غزل!
أخرج هاتفه من جيبه وهو يتصل بأول رقم وجده ليهمس بضيق :
أحجز لي أقرب رحلة للكويت
أجابه الطرف الثاني .. وهو يتصفح موقع الطيران الكويتي :
فيه رحلة بعد ساعتين ، ولكن إنتظار تصلح لك يا ابو ذياب ؟
رفع خالد ساعته وهو ينظر إليها ، هز رأسه بالنفي :
ماتصلح
أكمل الطرف الثاني الخيارات المتاحة :
هذه آخر رحلة لليوم وبكرة كلها نفذت المقاعد
وفيه رحلة بعد بكرة الصبح مقعد واحد
قاطعه خالد بإستعجال متوجهًا إلى مكتبه وهو يهم يإغلاق السماعة :
أحجزها
أغلق باب مكتبه بطريقةٍ أعنف من الذي اغلق فيها باب مكتب شادن ليمد كفيه إلى صدره وهو يشق بقوة بلوزته الداخلية من فرط ضيق تنفسه!
/

\

/
برودة قارصة في أرجاء تِلك الغرفة الواسعة، لا يحميه منها قميص من قماش قطني لا يكاد يتعدى ركبتيه ويطوق عنقه، صوت أجهزة عديدة حوله جديرة بإثارة الرعب في قلبه، وكأنها تعد عد تنازلي لساعات موته، كأن الإضاءة توجد بالتهريب من شدة خفوتها! قطع تِلك التفاصيل الذي يرأها بعينيٍ ضيقة ألم حاد/ يصحبه صداع أقتحم رأسه كسيخٍ يدخل من أذنه ليؤون بألم :
آه!
فتح عينه مجددًا وهو يشعر بشيء يحجب عنه ذلك النور الخافت ، ليجد ممرضتان وطبيب يقفان على رأسه وعيناهم على معدلاته الحيوية وبيد الممرضة ضوء لتفتح عيناه بلطف بأطراف اصابعها لترى به عيناه تحت أنظار الطبيب
ونّ مرة أخرى بألم وهو يغمض عيناه بقوة وأحداث عديدة تتداخل جميعها أمام عينه بدايةً من وجود رجلًا غريب مع أمراته غادة في غرفة دكتورة النساء والولادة، إلى عراكه مع الرجل الغريب، إلى اكتشافه انه عشيق زوجته، إلى تهديد
زوجته بأنه سيدخل تحت شاحنه إن لم تنطق بأسمه وصوت غادة
وهي تردد اسمه كاملًا على مسامعه تركي بن ماجد سلطان الجامح )
إلى الشاحنة وهي تصطدم بهم من اليمين، وقفز غادة إلى حضنه لتفتح باب وتسقط والسيارة تمشي مما آخر خروجه ودهست الشاحنة ؛ سيارته صوت الاصطدام، صرخات غادة، غضبه!
هذا آخر مايتذكره
صرخ بحرقة والدم يفور في رأسه مجددًا
وهو يتذكر سبب غضبه خيانة زوجته غادة وهو يفز من سريره !
صرخ الدكتور بأمر وهو يكتفه ويعيده إلى وضعية الاستلقاء :
مورفين !!
كانت تقف عند الباب على كرسي متحرك وخلفها ممرضتها وهي تسمع صرخته، أغلقت بكفيها أذنيها بخوف من أن يفتضح أمرها بين اهلها الذين يمرون عليهم واهله
لتهمس غادة بخوف وهي ترجف بقلق وعيناها على قدمها المكسورة، ولم يكن الشيء الوحيد المكسور فيها حتى حوضها لم يسلم من الكسر :
برجع سريري!
/

\

/

خرج ثنيان من مكتبه، وهو يغلقه ويضع المفتاح في جيب بدلته العسكرية بعد أن سلم زميله المناوب بعده. لم يخرج يده بمفاتيح سيارته إلا وهاتفه يرن ليخرجهم سويًا ملتقطًا واحدًا في كفه والآخر على أذنه بترحيب بعد ان رأى أسم المتصل :
حيّا الله أبو ذعااااار
دخل جلوي مكتبه وهو يخلع معطفه الطبي الأبيض بعد أن لطخه طفلًا مريض ببقايا فواكه فطوره في دورته على مرضاه الصباحية قبل أن يبدأ عمله :
حياك الله يا أبو عبدلله. عساني ما اعطلك ؟
ركب ثنيان سيارته وهو يتنهد بإرهاق بعد 12 ساعة متواصلة عمل :
يتعطل كل شيء عشانك تأمرنا آمر
وتوني مسلّم واحد من الشباب وطالع
أبتسم جلوي وهو يخرج الملف من درج مكتبه وهو يتأمل تِلك الأوراق التي ارهقتهم من شدة التفكير :
يسلم رأسك، فيك شدةّ تمرني المستشفى ؟
ودي أوريك أوراق مالي غيرك فيها
تنهد ثنيان وهو يمدد رقبته يمينًا ويسارًا من التعب :
والله الشدّة ودعتها وأنا صاحي 22 ساعة يا اخوي وكامل قواي العقلية مستنفزها
عندنا مهمات اليوم وتدريب لين عضينا الأرض
قاطعها جلوي وهو يهمّ بأغلاق السماعة :
جعله نوم العوافي يا ابو عبدلله، ما نتعبك لا صحصحت شف لي مكان اشوفك فيه وامرّك ابد
هز ثنيان رأسه بإيجاب :
وعدنا الليلة لا صحصحت إن شاء الله.
رمى جلوي جواله جانبًا وهو يتأمل اوراق ولادة شذى من جديد بتنهيدة :
شلون جيتي يابنت الناس !!
/

\

/
كانت واقفة بهدوء عند مكتبه وهي تنظر إليه يرتدي نظارته الطبية للقراءة ، كل شيء على طاولته يحث على حرصه وترتبيه الدقيق! حتى الاوراق كانوا في ترتيب مقاسٍ واحد، لا تخرج واحد عنهم بطرف كأنما كل شيء بهذه الغرفة يهابه مثلها.
همس فهد وهو يقرأ قضية موكله المفتوحة، ووجود وِهاد يشتته :
إذا خلصتي من حفظي تقدرين ترجعين مكتبك وتترك
ابتلعت وهاد ريقها بإحراج وهي تعود بخطوتين للخلف :
ماله دخل احفظك! بس انا انتظرك تخلص عشان أعرف وش اسوي.
من داومت وانا مو قاعدة استفيد شيء
ضحك فهد بسخرية من طاري الفائدة الخارج من فم إنسانة مثلها أثارت الحرقة في قلبها ، لترد بغضبٍ :
إذا انت مدرب فاشل او قدراتك ضعيفة
علمنا مانضيع ايامنا الثمينة معك
أغلق ملف القضية وهو يضحك بقهقهة، أخذ نفس عميق وهو يستغفر بضحكة :
استغفرلله! إذا ماتعرفين تكذبين ؛ لا تحرجين نفسك انتي بنفسك ماجيتي هنا الا وتدرين بقدراتي
ولكن خليني افيدك على الطاير وهذا من كرم رجال على فكرة!
طوالة اللسان الغير مهذبة هذه، تدرين لو تستخدمينها بالمحكمة وش يصير ؟
اكمل وهو يوسع عيناه في وجهها بغضب، ونبرة حادة :
ييييننققصصص !! بس مو مني!
من موكلك اللي أدرك أن لسانك سبب خسارته لقضيته !
وِهاد شخصيتك هذه لازم تتغير إذا عندك واحد بالمئة نية تكونين محامية!
وطول ما انتي كذا ماعندي استعداد اوليك ولا شيء غير أنك تنسقين مواعيدي في مكتب مغلق عليك، معك تليفون وبيدك جدول وقلم ترتبين مواعيدي فقط ما اقدر اواجه فيك أحد وانتي كذا !
ثارت وِهاد غضبًا وهي تفهم القصة!
كان يعاملها هكذا حتى يستفزها ويرى ردة فعله كل الذي يعمله متعمدًا حتى يرى ماذا تفعل! كان يريد إجابات حقيقة عوضًا عن مقابلات اسئلة تقليدية وإجابات مزيفة!
فهمتك يافهد، أخذت نفسًا عميقًا وهي تهز رأسها بهدوء مصطنع :
نصيحتك بعين الأعتبار لا بأس بأي شيء ممكن يطورني!
واستقبال المواعيد هذه إتصال مباشر مع الجمهور اكيد بيطورني بكرة لما ألتقي بالموكلين
خرجت من المكتب وهي تغلق الباب خلفها برقة
وهي تتمنى ان تغلقه بأعنف طريقة شهدتها البشرية حتى يسقط السقف على رأسه
ضحك فهد بقهقهة قوية مجددًا على ردة فعل وهاد الكاذبة تمامًا ومكشوفة له ليهمس وهو يهز رأسه بأسف :
متملقة
دخلت وهاد مكتبها الصغير المعزول، وكأنها فار تجارب يخشون أختلاطه بالأخرين جلست على الكرسي
وهي تضع رأسها على الطاولة الزجاجية لتبكي بهدوء صامت بدون ان تثير اي شهقة، او صوت!
قاطع بكائها صوت رنين الهاتف، رفعته وهي تمسح دموعها انتهى وقت الإفراغ، والآن وقت العمل بعد إجابة المتحدث الآلي واخباره بالمتصل انه يتصل بمكتب المحامي فهد الفهد .. أجابت وهاد :
اهلا وسهلا كيف اقدر اخدمك ؟
فركت المتصلة كفيها بتوتر :
ابي موعد لإستشارة قانونية بخصوص طلاق وحضانة بأقرب وقت ممكن واحتمال كبير توكيل !
هزت وهاد رأسها
وهي تقرأ الورقة التي كتب بها فهد كل الاسئلة التي تسألها المتصلين حفاظًا للوقت :
عزيزتي هل يعكر طلاقك قضايا آخرى
لأن المحامي لو كانت قضية طلاقك بسيطة ، يستقبلها. لو القضية معقدة هو ملتزم بقضايا آخرى ومايقدر حاليًا.
وممكن أعطيك رقم محامين آخرين بتوصيته
قاطعتها المتصلة بخوف من أن المحامي لا يستقبلها :
لا لا! قضيتي بسيطة فقط قضية طلاق وابي حضانة بنتي لي مع إثباتات ضد ابوها انه غير كفئ اخلاقيًا للحضانة
قاطعتها وهاد :
هذه التفاصيل للمحامي تقولينها إن شاء الله، انا ما اقدر افيدك هو كل يومين يستقبل من 6 المغرب إلى 9 العشاء استشارات قانونية، يناسبك بعد بكرة وبأسم مين ؟
أجابتها المتصلة بكل حماس وأمتنان :
طبعًا يناسبني بأسم أنفال
فتحت وِهاد عيناها بدهشة
وهي تنتبه للأسم مع الصوت الذي لم تعيره إهتمامًا لكثرة ماتستقبل إتصالات باليوم وتتشابه عليها الأصوات لتهمس :
أنفال!!
عقدت أنفال حاجبيها بإستنكار من دهشتها، وهي تدقق بصوتها لتنصدم وهي تميزه !
من خلف الهاتف لم يكن يشبه صوتها تمامًا لتبتلع ريقها بإندفاع :
الموضوع يظل بينا يا وهاد!
رجاء تاااام
قاطعتها وهاد بغضب :
عيب عليك! هذا جزء من خصوصية شغلي مستحيل يطلع
وأبشري علاقتي فيك علاقة موظف وموكل فقط.
تنهدت انفال وهي لا تستطيع أن تفر من هذا المحامي فقط لأن موظفته عمة زوجها خصوصًا بعد أن تأكدت ماخططت لأجله بين غادة و زوجها وتركي سار على أحسن مايرام أتى الآن وقت التعامل مع خدمة شادن، التي ارسلت لها رقم محامي ممتاز على كلامها أفادها بإستشارات قانونية بقضية طلاقها من سياف وخوفها أن يأخذ ابنته.
بعد أن طلبت منها انفال لتهمس بإستسلام :
إن شاء الله!
/

\

/
أغلق باب البيت وهو يتأفف من حرارة الجو التي عادت بعد أن حمل الشتاء حقائبه مغدرًا طقس الرياض، أدخل مفاتيحه في جيب بدلته بعد صدح صدى قرقعة مفاتيحه في المدخل لتعرف امه بقدومه لتهلـي بحب لقدوم بِكرها :
عيني ولا هلت! ياهلا ويامرحبا
ضحك ثنيان لتزاحم تلك البهجة لأمه والحب، ملامح التعب والإرهاق في محياه وهو ينحني ليقبل رأس أمه :
ماينعدم حسك يا أم ثنيان
قبلت والدته نورة كتفه عندما انحنى ليقبلها، لتهمس بعاطفية وهي تتخيل انها أيامًا معدودة ويغادرها أبنها إلى منزل ثاني ليست فيه، وامراة اخرى لم تكن بأختيارها، وتنحرم من هذه اللحظات اليومية التي تترقب المساء بشغفٍ من أجلها :
ياهناي لا قالوا أم ثنيان ياهناااااي!
لمى الجالسة بطرف الكنبة المجاورة لأمها، واضعة كفها تحت خدها وهي تنظر إليهم كأنما تنظر إلى مشهد من مسلسل بسخرية :
يحبك ربك ياثنيانوه اللي وهبّك هالحب كله من قلب امي ماجانا ربعه!
تأفف ثنيان بغرورٍ مصطنع :
الرازق بالسماء والحاسدين بالأرض
ليعتدل ويتزن في نبرته بجدية وهو يهمّ بالمغادرة :
أنا بنام للعشاء وقوموني على الصلاة
ناظرته لمى بطرف عين ونبرة السخرية مازالت تعتليها :
لا يكون مقصر المنبه معك بشيء ؟
رمى لمى بالمخدة الصغيرة التي خلف ظهر أمه :
طايل لسانك اليوم! مواصل لي يومين ومواعد جلوي يبيني ضروري لا تأخروني على الرجال وانا ما اضمن عمري اقوم
أنخطف لون لمى من طاري جلوي ومن سبب الزيارة!
تلك الأفكار المتدفقة في رأسها تدفعها على حافة من التصرفات المجنونة التي لم تتوقعها من نفسها، ومايدفعها للأنهيار أن الافكار حبيسة دماغها .. من الجنون مشاركتها، ومن المستحيل كتمانها.
أمالت رأسها جانبًا وهي ترى ثنيان من الدرج الذي دخل غرفته وأغلق الباب.
أخذت هاتفها وهي تصعد إلى غرفتها
لتدخل وتجلس قاطع حبل أفكاره صوت الماء الذي لم ينقطع منذ أن عادت من موعدها، ضربت الباب بقوة بخوف :
أفنان انتي صاحية ؟ قضت الموية
صرخت أفنان وهي تمسح عيونها الباكية بقوة :
مااااالك دخل
عقدت لمى حاجبيها بإستنكار وهي تهمس :
الصدر الوسيع نعمة
أخذت هاتفها وهي تأخذ نفسًا عميقًا لتتصل على جلوي انتظرت الرنة الأولى .. الثانية، لينقطع الأتصال فجاءة أعادت الاتصال مجددًا لتجد الهاتف مغلق! تنهدت بقلق وهي ترى الساعة كم تبقى على موعد جلوي بثنيان

/

\

/

عاد إلى منزله بعد ما أجزم وتيّقن من فشله الذريع بإن يستخدم عمله ذريعة أمام تفكيره المنشغل بعودتها.. العودة للخلوة مع أفكاره أهون عليه من أن يرؤونها في وجهه.
توقف وهو يرى عاملة من عاملات منزله، تقف أمامه ومن خلفها إضاءات وثريا مجلس الرجال، مُنارة وعاملتين تقدمان الضيافة أنقبض قلبه وهو يخشى بأن يسمع اسم الزائر من هرب من عمله، حتى لا يرؤونها فيه .. ويرأها تنفس بإرتياح وهي يسمع العاملة :
Sir! Youssef here
عقد حاجبيه بإستنكار وهو يحاول أن يتذكر من يدعى بهذا الأسم، دخل للمجلس ولا وجود لطاقة بِه للتفكير والتخمين
تنهد وهو يرى يوسف أبن سلطان يفز له ويتقدم ليقبل رأسه احترامًا لسنه هز خالد رأسه بشرود دون أن يظهر ردة فعل لمجاملته
رأى يوسف ملامح الامتضاض على خالد منه، ليفرك كفيه بتوتر وهو يدخل في صلب الموضوع :
يا أبو ذياب، جيتك رجالٍ لرجال والبيوت تندخل من اوسع بيبانها ماهو من الشبابيك
رفع خالد حاجبه بإستنكار للمقدمة وهو لا تربطه علاقة بيوسف نهائيًا ليكمل يوسف كلامه وما آتى لأجله متجاهلًا ملامح خالد، وهو واضعًا في باله جميع الأحتمالات :
جيتك بنفسي عشان ما احرجك!
ولكن اسألك بالله قبلها أن ماتردني بذنب غيري!
تراني بريئ براءة الذئب من يوسف من اللي صار بالماضي كله!
زفر خالد بغضبٍ من مقدمة يوسف المرهقة للأعصاب :
والرجال يدخل بموضوعه وهو واثق ما احنا بحاجة مقدمات يايوسف وش عندك ؟


ابتلع يوسف تِلك التنهيدة وهو يستشف من خالد الرفض قبل ان ينطق بِه :
انا رجالٍ مكون نفسي، ومافيني بأس ولا شر
وكل اللي يظنونه فيني
والله وبالله ماهو فيني
انما هذه كانت مرحلة نفسية في الطفولة مريت فيها خلت أمي وابوي مايتفهمون حالتي ويروحون فيني إلى دكتور غير الدكتور اللي محتاجة من قلة وعي! وإلى الآن يحسبونها مشكلة عضوية.. وهي نفسية وتجاوزتها واصحى مني مافيه
وأنا شخصيًا اقولها لك واول شخص على هالأرض اثق فيه واقول له انا من يمينك الى شمالك تتأكد اني بكامل قواي!
قاطعها خالد بلا مبالاه، وهو يرى أن يوسف يستنزف من وقته .. وجهده وهو رجلٍ فيه مايكفيه :
والله صرت طيب ولا صرت فيك بلاء
هالموضوع يهم شايبك وعجوزك مايهمني
قاطعه يوسف بجدية :
بس بيهمك أن قلت اني ناوي القرب منكم
وابي اختك صمود زوجةٍ على سنة الله ورسوله!
وإن تأكدت ماعندك مشكلة فيني انت شخصيًا، جيتك انا والاهل رسميًا نطلبها وبعدها الرأي لها وتشرح لها لانك انت اخوها الكبير وتثق فيك اني طيّب!
ليهمس بإنكسار :
ورجالٍ حالي حال غيري
قاطعه خالد بألمٍ مُلتاع وهو يصرخ في يوسف، كان يصرخ وهو يشعر بإن الصراخ حلًا آخر يفرغ من تلك الجحيم الناشئة بين ضلوع صدره، بين فروع مخه الذي لا ينفك بالتفكير بها :
في عمتك ضاعت سنيني وعافيتي
وبنتي في اخوك سلبوها طفولتها، وحياتها وابتلت!
والحين جاي انت تكمل على اختي وانت مافيك طب ؟ وش مسلطكم الله علينا انتم من بلاء ؟
انا لو بيدي انقيّ الدم اللي يجمع بيني وبينك والبلاء ان الدم اللي جمعنا في قطعة من قلبي!
تجي انت وتبي يجمعنا دمٍ جديد
دمكم مافيه بركة ومسموم، دمكم لعنة ابليس ياعياله اعتقونا من شركم
فتح يوسف عيناه بدهشةٍ وهو ينظر إلى ردة فعل خالد المبالغ فيها بالنسبة له، لم يكن يتوقع ردة فعله بهذه الشراسة رغم انه توقع الرفض من خالد ولم يلومه ولن يلومه
كانت لا تكون صدمته أكبر لو قبل بكل بساطة
اخذ نفسًا عميقًا وهو يستجمع قواه :
سألتك بالله وتراني حلفتك يا ابو ذياب! لا تأخذني بذنب غيري
ومستعد احلف لك بأغلظ الإيمان، ان تشوف العوض من دمنا بأختك!
انا جايك شاااريها يا ابو ذياب - ليكمل بضعف - والله شااااريها !
صرخ فيه خالد وهو يتحدث بلا وعي، يتحدث من لوعة مايشعر بِه :
لو انك ماشريتها، واخترتها حالها حال غيرها كان اهون!
انتم حبكم لكم ومنكم ؛ عقوبة! حبّ سياف شادن بس وش جاها ؟ الويل والضيم
انا شريت عمتك بماااي عيني مشتريها وش استفدت منها ؟ ضيّعت عمر عيالي وطعنتني
مابقى لي الا اختي وآخر شيء افكر بِه ان اثمن املاكي اوهبها لكم يا آل جامح !!
خالد الذي خرج من الباب الذي على يساره ويفتح على داخل البيت جعل يوسف يفهم بأنه " توكل من دون مطرود " وقف يوسف وهو يهم بالخروج يجر خلفه أذيال الخيبة والحسرة، معاقبًا بذنب غيره
لم يرد بحياته شيئًا .. فقط اراد صمود
لم يرد جاهًا ولا شهادة ولا حبًا ولا منصبًا .. اختلفت كل موازينه عندما رأها
لم يكن للأحلام معنى في حياته.. إلى ان اصبحت هي حديث نفسه
عاش خاليًا، إلى أن ان اتت وقرّت عينه.
اتى وهو يتوقع أن يرفض بذنبه
ونسى بأن بين السليمان والجامح ذنبًا وثأرًا عظيم
لن تذهب بذنبه ضحايًا جديدة.
بدأ بـ خالد & وغزل
وأنتهى بـ سياف & وشادن
ومُحال أن يهدم ذلك الصرح المنيع بقصةٍ جديدة من يوسف & وصمود
كان يؤمن بأن استطاع إقناع خالد، امر اهله سهلًا
ولكن الموضوع سدّ من بدايته عندما رفضه خالد رفضًا قاطعًا.
شُل تفكيره .. و الساعة كُسرت xxxxبها، ودورة الليل والنهار عَزفت عن تعاقبها. كل تلك الظواهر الطبيعية أعرضت عن طبيعتها في أعين العاشق الذي أغلقت بيبان مدينة العشاق حين حضرة إستقباله.. مدينة العشاق تلك التي لا تسمح بدخولك وحيدًا
حدث كل ذلك في حين تلك اللحظة الذي خرج فيها يوسف من مجلس خالد، ووجدها واقفة تنظر إليه بدهشةٍ مصدومة كمن حضر المشهد كاملًا
استعد يوسف لجميع الأحتمالات، الا ان يرأها !
هو المتحدث الطلق من خلف شاشة هاتفها، وهو الابكم امام عيناها
تنهمر عليه أبجديات العالم خلف الشاشة، وتسلب منه مجددا عندما تسلهم بعيناها امامه.
همس يوسف وهو يستشف من ملامحها بأنها سمعت كل شيء، وباتت الأوراق مكشوفة
هاه انا عاشقًا مرفوض :
للموت وانا ورا خالد ورضاه عليّ حليلٍ لك.. لكن أنتي ؟
رأى بعيناها تساؤلها من سؤاله عنها ليكمل :
انتي راضية فيني ؟
انا لا وصلتك بعد " مشاوير الطريق المظلم المهجور " بلقاك راضية يسبق اسمك حرم يوسف بن سلطان ؟ راضية بكرة يقولون عيالك دمهم جامحي ؟
همست صمود والدهشة تكبل حنجرتها، تخرج الحروف بصعوبة.. كمن يجرها الموقف ولا تنساب :
ليش كذبت على الكل ؟ شلون الكل صدقك!
رفعت رأسها لتلقي اعينهم مجددًا، فتنفرطْ دمعة من تلك الافكار الاخيرة بحياتها الذي كان محورها يوسف وأنهدمت بحقيقته وكلام خالد :
أنت اللي كنت مناشبني بعمري صح ؟ على كل صورة اشاركها، او كل اتصال مع شادن اسويه ؟
هز يوسف رأسه بإيجاب وهو ينظر خلفه :
الوقت مايساعدني اجاوبك، الوقت يسمح لي أعرف إجاباتك بس
ولكن طالبك تروي! قبل يغلب مواقفي معك ؛ سوء ظنك
ترا ماني كل يوم احب، انا واحدٍ من يمينك ليسارك تشكلينه! ماعرف قبلك ولا بعدك ويتعلم يحب معك!
عمّ الصمت لدقائق طويلة. صمود تنظر إلى الفراغ وهي تشتم الدقيقة اللي فكرت تلحق بأخيها منزله بعد ان خرج بمنتصف العمل، بعكس عادته. العودة التي خلتها تسقط في لسانه
ويوسف يفرك بكفيه متوترًا
همست صمود وعيناها مازالت بالأرض بعد أن تحسست صدقًا اتى به من باب بيت اخوها، وحبًا عفيف شريف، كذب عقدين من عمره وصدق باللحظة الوحيدة التي طلبها زوجة له، والأرواح جنودًا مجندة.. ماتعارف منها تألف
وهي من قبل أن يقرع يوسف بابها.. قرع باب أفكارها في لحظة لقائهما الأول عندما ذهبت بغنى لمنزلهم، وفي زواج شذى، وفي عزيمة أهله لشذى والآن يقف امامها :
بس خالد ماراح يوافق!
زفر يوسف نفسًا عميقًا .. زفر معها كل ذلك القلق، والخوف، ليجيب بإبتسامة كادت ان تأتي بآجل صمود ليكمل ذلك البيت من قصيدة مساعد، الذي استعاره ليبين لصمود ماذا سيعاني في سبيل إقناع خالد بعد ردة فعله العنيفة، الشرسة :
" وكّل الله.. لا تحسبيني بليد شعور لو أنت المستحيل الصعب ما ابدي لك معاذيري "
خالد مسؤوليتي ماهو مسؤوليتك!
اتركيه عليّ.. قريب وبيجي بنفسه لك يقنعك توافقين بعد مو بس يعطيك خبر!
/

\

/
عاد إلى مكتبه وهو يرمي بنفسه بإرهاق على كرسيه. أغلق عيناه وهو يحاول أن يرطبها بعد ان جفت من ضغط التركيز، لدرجة أنه تمر دقايق طويلة دون ان يرمش.. من فرط تركيزه المتواصل بداخل غرفة العلميات بهذه الطريقة البسيطة.
اخذ نفس عميق وهو يأخذ جواله من الدرج ويفتحه
وهو معتاد بأن يغلقه قبل ان يدخل إلى اي عملية.. حتى إذا حدث امر ضروري يعرفون بأنه بداخل عملية، فيتصلون على المستشفى ليصلونهم بجلوي من داخل غرفة العمليات.
وجد إتصال من رقم غريب، يردفه رسالة نصية :
" تواصل معي، قبل تشوف ثنيان "
رفع حاجبه بدهشة وهو يرى صاحب الرقم المجهول الذي يعرف بموعده بثنيان، وهو لم يخبر أحدًا !
اتصل به مباشرة.. ليجيب الطرف الآخر بسرعة :
السلام عليكم
عقد جلوي حاجبيه بإستنكار وهو يسمع صوت انثى! ليرد السلام وهو ينتظر أن تعرف بنفسها
أخذت لمى نفسًا عميقًا وهي تتمنى أن يكون جلوي كفئًا لثقتها ولا ينقلب الموضوع ضدها :
أنا لمى اخت ثنيان
تعمدت اكلمك قبل تشوف ثنيان بحيث لو أنك بتتكلم بموضوع أوراق شذى ؛ ماتتسرع !
قاطعها جلوي بأستنكار :
وانتي وش عرفك بالأوراق ؟
تنهدت لمى بضيقٍ وهي تجيب بعفوية :
هذه الاوراق من يوم طحتوا فيها وهي جايبة لنا البلاوي!
بدايتها بيتنا وبيت ابوي سلطان انقلب فوق وتحت بسببها وتزعزت علاقة ثنيان بسياف بسببها
مين باقي مايدري عنها ؟ الفرق اني اعرف وش محتوى هالأوراق
ثنيان قد ترك جواله يشحن عندي وشفتك بالصدفة مرسل له صور الأوراق
قاطعها جلوي وهو يشعر بإنها تضيع وقتها :
ولكن يالمى ترا ثنيان شافها بس مارد عليّ
يعني انت مررررة متأخرة بحرصك اللي ماله مبرر بالنهاية هذه أوراق شهادات ولادة، مافيها شيء قاطعته لمى :
مارد لاني اللي شفتها وحذفتها من جواله وثنيان للحين مايدري!
وحرصي لأن..
سكتت لمى وهي تشعر بأن ليس من حقها ان تتكلم بلسان مشاعر ثنيان!
تنهد جلوي المرهق، وكأن ماينقصه لمى :
والله العظيم مدري وش هدف إتصالك
الا بالعكس ضيعتيني زيادة
الموضوع كله فضول مني ومن ثنيان، لا اكثر ولا اقل
قاطعته لمى بخجلٍ بعد ماشعرت بأنها لم تفهمه شيء وضيعت وقته :
ثنيان قبل ماترسل الصور بيومين كان مكلمني بخصوص شذى!
كان مستنكر أنه عجز يحس تجاهها بشيء
حاول يقنع نفسه، وحاول يستشف من اصحابه المتزوجين مشاعرهم ويجبر نفسه عليها بس ماحس فيها
اقنعته انه طبيعي في بداية علاقتهم، طبيعي مشاعرهم خالية
بس ثنيان قال انه مايحس تجاه شذى بأي شيء سوا المشاعر اللي يحس فيها تجاهي انا وافنان!
فتح جلوي عيناه بدهشة وهو يحاول أن يفهم من لمى مقصدها الذي خجلت بأن تصرح به خدشًا لحياءها :
يعني مايشوف شذى اكثر من اخت ولا يقدر فيها كزوجته ؟
تنهدت لمى بضيقٍ وهي تذكر ثنيان :
ايه، يقول شعوري تجاهها شعور جدًا عادي واقل من عادي
شعور يغلبه العطف، لصغر سنها. وشعور فطري بأنه ينبسط معها بس مايحس باي شيء تجاهها
وقال لو استمر هذا الشعور معه مستحيل يتمم زواجهم!
قاطعها جلوي بصدمة :
نعم!!
أردفت لمى بعفوية وهي تغمض عيناها بتعب من فرط التفكير :
وهذه المصيبة! ما أبي لا اخوي ولا بنت عمي تتدمر حياتهم!
اخوي ماهو ناقص عشان تجي تفتح في رأسه تساؤلات وشكوك
وبنت عمي طفلة في بداية حياتها، بدال ماتشيل هم مستقبل دراستها .. بتقعد تفكر في مستقيل نصيبها وهي مطلقة قبل ماتتزوج ومن ولد عمها!
عمّ الصمت لدقائق طويلة، لتكمل لمى بنبرة هدئت بعد أن اطمئنت لجلوي :
عرفت أن الموضوع ماراح يمر بسلام على ثنيان، لانه عجز يمر علي مرور الكرام خصوصًا أن من ضمن الصور انت مرسل صورة لشذى وهي مالها ساعات مولودة! ببدلة لقيتها مرمية في ملحق في بيت ابوي سلطان
وسولفت مع عمي حاتم أسحب منه كلام، وعلمني بأنه ماجاه الا مرتين وبنفس اليوم
وسألته إذا استقر فيه، وقال لا بس انه جاء من المطار وسلم على ابوي سلطان ثم راح لموعد مستعجل لرنا في المستشفى ورجع ودّع ابوي سلطان وراح للمطار!
سكتت قليلًا وهي تستجمع أفكارها، لتكمل :
بس الأغراض الموجودة هناك، كانت اغراض وحدة مستقرة!
خصوصًا ان الاغراض ملابس طفلة! وكلها شغل يدوي بعد! يعني وحدة فاااضية مو جت من سفر وسلمت ورجعت تسافر مرة ثانية!
والله تساؤلات كثيرة، ماقدرت اجاوب عنها وتاركتني في ضيااااع
شلون بثنيان قليلٍ الصبر! والله ان يقلب الدنيا علينا
قاطعها جلوي بعد أن قرر أن يخبرها كل شيء :
لأنه فعلًا كان في وحدة مستقرة بالملحق
هم ست لمى بصدمة، وهي تحاول أن تجيب برأسها عن سؤالها.. وأبت الإجابات أن تخضع أمامها :
شلون ؟
تنهد جلوي وهو يفرك بأطراف اصابعه عيناه المرهقة، لتستقر بعدها على خالاته :
كان متزوج خالي سلطان بالسر، وحدة اسمها الجازي، وطلقها بعد فترة قصيرة من زواجهم واختفت الله يستر عليها
قاطعته لمى عاقدةً حاجبيها بإستنكار، وأسم الجازي الذي قرع له بدماغها صدى :
لحظة لحظة! الجازي أيش ؟
أغمض جلوي عينيه بقوة بمحاولة إسترجاع إسمها :
والله يا لمى أن رأسي لو يضرب بجدار أن يكسره من قوة الصداع والألم، وتوني طالع من عملية لو تسأليني اسمك وشو ما اذكر
عضت طرف شفتها بحرج، بأن الرجل متعب وهي انفجرت بالحديث دون أن تسأله بأن الوقت مناسب :
يعطيك العافية، ويكتب أجرك
والله أسفة! تفكيري بثنيان وشذى شغل بالي والله
قاطعها جلوي وهو يقف ويعلق معطفه الأبيض، ويأخذ مفاتيح سيارته و الأوراق التي تخص شذى والجازي..ألخ التي اخذوها من صندوق سلطان. والأوراق التي كانت يكتب فيها كل شيء عن أبيه وغزل :
ماعليك شرهه! يلوم الله من لامك. وأبشري الحين برسل لثنيان اعتذر عن موعدنا، وبصرف الموضوع واشغله لين أتأكد من اللي قاعد يصير
ترددت لمى قبل أن تتجرأ وتطلبه ولكن دفعها الفضول، والعاطفة، والفراغ :
تسمح لي أساعدك ؟
أبتسم جلوي وهو يرمي اغراضه بالمقعد الجانبي، ويشغل سيارته ويضع جواله في الملحق الملزق بجانب المقود وهو يضع صوت لمى على المكبر :
من دواعي سروري!
ليردف بعفوية وهو يخلع رداء الرسمية واللباقة في الحديث، كأنما وجد للمرة الأولى بعد ثنيان شخص يشاركه فضوله، هو من نشأ وشغف حل الاحجيات يزهو/ ينمو، اختار تخصص العمر وهو يلحق بذلك الشغف، ولحق بالشغف إلى أن قاده إلى أن تخصص بالأطفال، رأى بالأطفال عالمٍ يرميه إلى أحضان شغفه، فعالم امراض الاطفال خطوته الاولى الى دخول عالم الابحاث وإنشاء الحلول، تطوع مرتان وثلاث في علاج اطفال الدول النائية، طمعًا بالاجر وإخلاصًا للقسم الذي قطعه عند تخرجه ولإنسانيته ولشغفه! فهذه الدول الفقيرة/ النائية/ الموبوءة/ الذي ولدوا دون رعاية اولية تنشئ الأمراض الفريدة، النادرة، مايساعده أن يثبت نفسه :
والله اني تااافل العافية وبالي منشغل بمية شغلة، لو انشطر هالهم هلى شخصين.. بيخف حمله من على متوني
أردفت لمى بعفوية :
أنت اللي جايب الهم لنفسك، لقافتك ورطتك بالأوراق لو سالمين من هالأوراق كان سلمنا اليوم
ضحك جلوي ليردف بتهديد وهو يتربع على مقعده ويبحث بأوراقه عن اي ورقة فيها اسم الجازي:
ذبي علي بعد
وشوفي مين يعلمك بأسم الجازي
غطت لمى بكفها فمها، كادت ان تبتر لسانها عليها، هذه عقوبتها بإستهزائها حتى تملصت شخصية أفنان لتقع فيها
رفع جلوي الورقة، ليعتدل بجلسته وهو يسلك طريق منزله :
اسمها الجازي سالم بن محمد
فتحت لمى شفتيها بدهشة وهي تحاول أن تتذكر الأسم ولن تسعفها ذاكرتها، او ربما لم تذكرها شذى :
تدري أنه مرة وحدة زارت شذى بالمدرسة وسببت لها مشكلة لما طلعت معها مكان عام، واسمها الجازي ؟ بس ما اذكر اسم عائلتها
نغزني قلبي يوم قلت الجازي! ماهو اسم شائع، ولا صدفة عشان تقول تشابه اسماء
أستقام جلوي بحماس، وهو يشد بقبضته على المقود :
ارسلي لها، او اقول لك اتصلي بسرعة عليها اسأليها وش اسمها!
كان حماس جلوي، معدي.. حتى يصيب لمى التي فزت بحماس وهي تهم بإغلاق السماعة :
بلا عن اذنك، بتصل عليها
قاطعها جلوي بأندفاع :
لا لا!!
عقدت لمى حاجبيها بإستنكار :
شنو ؟
ميل جلوي شفتيه بملل وهو يرى طريق منزله، البعيد عن مقر عمله :
خليني معك على الخط إنتظار، مانمت لي يومين وياكثر ما اسويها وانام بالطريق وانا ما ابي انام
تركته لمى على الخط، لدقائق طويلة.. لتعود والصدمة تكبل لسانها بهمس :
هي ياجلوي هي!
فتح جلوي عيناه بدهشة :
وهي جاية وش تبي بشذى بالذات ؟
شرحت له لمى القصة من بدايتها إلى نهايتها، من بداية لقاء الجازي بشذى في المدرسة إلى لقائها بالكافية وتهديدها.
قاطعها جلوي بحدة :
هذه مو خالية! ابدًا مو خاليييية! تطلق وتختفي كأن الأرض انشقت وبلعتها
وفجاءة تظهر من العدم وكيف تظهر ؟ عند شذى تحديدًا !
بينما مايربطها فيه شيء ، وتحاول تتقرب منها وش فائدتها ؟ وهي عندها الف طريق لسلطان غير شذى!
بس هي قاصدة شذى تحديدًا !
مسكت لمى رأسها الذي يكاد ان ينفجر، من شدة إنهمار التساؤلات في داخله.. حتى زاحم اوريدتها، ودماغها، ودمها. لم يعد رأسها يتحمل ذلك الثقل
ليسقط رأسها على ركبتيها وهي تهمس بإستنجاد لجلوي، حتى ينقذها من معمعة اسئلتها :
ليش شذى طيب ؟
همس جلوي وهو يسحب Break بقوة! بعد ان انحرف بسيارته يمينًا :
لحظة لحظة !!
فزت لمى بخوفٍ وهي تسمع إطارات سيارته التي احتكت بالأرض بقوة واصدرت صوتًا حادًا افزعها :
وش فييييييك ؟؟
صوت لمى كان يقطع حبل أفكاره، تساؤل لمى كان يجيب عن تساؤل هو سأله ثنيان سابقًا " من أين اتت هذه الشذى ؟"
همس وهو ينثر الاوراق جانبه بقوة :
لمى! بصور لك كل المستندات اللي عندي
وشوفي الليلة وش توصلين له
سجلي بورقة وقلم اي شيء يطري على بالك!
حتى لو سؤال، كلمة، صورة، فكرة اي شيء اكتبيه!
الكتابة تنشط المناطق الخاملة من تفكيرك وتساعدك تربطين وترتبين افكارك
همس وهو يهم بإغلاق السماعة :
ونشوف نهاية المطاف
هل بنوصل لنفس الفكرة، او أنا بالغت !
قاطعته لمى قبل أن يقفل الخط :
لحظة! وأنت ؟ شلون بتصحصح الى أن توصل بيتكم
هز رأسه جلوي بلا مبالاه ، وهذه الأفكار التي اتضحت عنده كانت اشطر طريقة حتى يغادر النوم جفونه :
عزي لمن تذوق عينه لذيذ النوم بعد اللي عرفه يالمى!
قربت من بيتنا ، هذا انا دقيقتين وبوصل
تنهدت لمى بحيرة من الافكار الذي توصل لها جلوي :
نوم العوافي ، بكون بإنتظار الصور
اغلق جلوي هاتفه.. وصور جميع الاوراق التي بحوزته تخص شذى وحاتم وسلطان والجازي. وتعمد عزل اوراقه التي كان يفكر بها بموضوع غزل & ذعار.
اكمل طريقه وهو يحاول ان يجد ثغرة أخرى يبطل بِها تفكيره ولم يجد
وقف عند باب منزلهم، ليوقف سيارته وينزل
نزل نظاراته الشمسية وهو يرى أمه ندى واقفة امام حديقتها ، وبيدها أبريق السقي وتروي النباتات وعيناها تائهه بالفراغ دون ان تنتبه إلى وجود جلوي بجانبها.
أخذ جلوي من يدها الإبريق وهو يسمي عليها، ويقبل رأسها بإبتسامة :
ناوية تجنين على نباتاتك ؟ كثرتي مويتها اليوم يايمه
تنهدت ندى من حرقةً باتت بين أضلعها :
لو اغرقها وانا امك، عمر هالزرع بيكون اطول من عمري
قاطعها جلوي بفزعٍ من طاري الموت التي تكره والدته طاريه، وتتجنبه دايمًا وهو يحتضنها من كتوفها :
جعل يومي قبل يومك! الله يطول في عمرك على طاعته ورضاه، وسنينٍ سعيدة هنية
شفيك يا ام جلوي ؟ مين شب نار بضلوعك ؟ والله ماينام الليلة الا وانا مبردّها بدمه !
وضعت ندى رأسها على صدره بحسرة ودموعًا من فرط حزنها انهمرت :
لا تدعي على دمك ياوليدي لا تدعي!
دفن جلوي رنبة أنفه في شعرها وهو يغمض عيناه بغضبٍ عارم / حزين ليهمس :
يمه انا أبيع اهلي وخلاني وارخص دم عيال عمي لو استباح واحدٍ منهم جرحك!
رفعت ندى رأسها ومازال جسدها في حضن ابنها ودمع العين يسبق إجاباتها :
هذا اللي ما ابيه وانا امك! ما ابي يجي بينك وبين دمك قطاعة وعداوة!
ابي دوم تظل صورتهم في عينك شامخة عالية تمشي بين الناس راسك مرفوع فيهم!
لا تشوف اللي اشوفه .. والله ماتصفى قلبك تجاههم وانا امك والله انه مايصفى
مو كلكم قلوبكم، مثل قلبي.. قلبي قلب ام وقلب زوجة وحبيبة! بس انت قلبك قلب بني آدم يكرهه ويحب ويغيض ويعادي ويعشق ويودّ!
مسك والدته من كتوفها ليضعها امامه، وهو يضوق عيناه بعد ان استشف من امه الإجابة :
ابوي ؟
تلئلئت عيناها وبات الرؤية لها معدمة الملامح، وسرقت حدة الألوان لتتكلم بإندفاع :
رجالٍ جوا بيتي يقال له زوجي ماعدت اعرفه!
ولدي وبكري واول فرحتي، ماقد نمت ليلة وهو ماحبّ رأسي صار له ايامٍ حتى عيني مالمحته!
بنتي! ياسفاب فرحتي يوم قالوا لك بنية بتصير يمينك وكل عيالك، بنتي بنت لها حياةٍ بالغربة مالي مكان فيها
يوم قلت هانت تخرجت ومالها الا ديرتها وبيتها وحضني عزت عليها الرجعة ومارجعت!
انحنى جلوي برأسه وقبل كتفها برقة، ونارًا بين ضلوعه الاثنى عشر تشتعل، كل كلمة تردفها والدته.. تلتهم ضلعًا ليسقط على أرض بطنه ويشعر بقولونه يلتهمه من شدة الألم :
لا بارك الله بأثنين جابهم بطنك رضوا تنامين ليلة ودمعتك على خدك! لا بارك الله فيهم يا يمه لو انهم اخواني
لا بارك الله برجالٍ انتي في بيته ماعرف قدرك، لو انه ابوي!
ولا بارك الله فيني لو اني رضيت تمشي دموعك مثل مويةٍ من تحت رجلي وانا ياغافلٍ لكم الله!
مسكته ندى بقوة من كتوفه بخوف :
وش بتسوي يايمه ؟
ابتسم جلوي وهو يمسح بيده على شعرها بحنية :
الزعلان بيرضى.. والمسافر بيرجع!
ماراح اسوي شيء ، هم اللي بيسوون يايمه!
عاد مجددًا إلى سيارته وهو يتوجهه بها إلى بيت مقرن المستقل الذي ظل مغلقًا دايمًا لإصرار ابيه بأن يعيش مقرن معهم
وبيده الآخرى هاتفه يتصل بجوال ريناد الفرنسي، لم تجيب بالمرة الاولى
ليعيد الاتصال ثانية، وثالثة.. حتى اجابت بصوتٍ ناعس :
يالله صباح خير ياجلوي
قاطعها جلوي بغضبٍ :
متى اخر مرة كلمتي امي ؟ ولا فكرت ترسلين لأبوي رسالة تتطمنين عليه ؟
رفعت ريناد رأسها من أريكتها بمنتصف صالتها، بإرهاق وهي من غفت دون أن تشعر
دخلت يدها في شعرها بتعب :
فيكم شيء ؟
ضحك جلوي بسخرية وهو يضرب بكفه مقود سيارته :
لا ابد سلامتك! بس تأكدي بالله انتِ محطوطة معنا ومحسوبة علينا فرد من افراد العائلة ولا بنتنا صدق!
فتحت ريناد عيناها بدهشة من إنفعال جلوي الهادئ :
شفيك جلوي لا تخوفني وش صاير !
قهقه بقهرٍ غاضب ليصرخ بحرقة :
نعمبوك من وشو انتي ؟ ماهمك ولا شيء اقوله همك لا يصير فيه شيء بس ؟ خايفة يصير شيء يرجعك ؟
تأففت ريناد من جلوي الذي يبدو كمن اتصل ليفرغ بها غضبه :
اذا صرت تعرف تتكلم زي الناس اتصل
قاطعها جلوي بغضبٍ :
كل من جاته بنت عاف بقيةٍ عياله!
الا امي! من جتها بنت وهي صارت تحتاجنا اكثر لأن بنتها مشقيتها!
قلنا بالبداية صغيرة ماعليه
قلنا بعدين تدرس لحد يشغلها! بس الحين وش عندك ؟
لا دراسة والطول طول نخلة! ماينقصك شيء!
انفرط لسانه دون ان يشعر بأنه وقع في شِباك المقارنة بين لمى وريناد :
نعنبوك باقي البنات يحفرون الأرض ولا يمس هم قلب بنت عمهم ولا اخوهم!
وانتي امك ياظالمة والله لو انك مقطوعة من شجرة ولا تعرفين امي ندى كان عزت عليك!
شلون وانتي بنت بطنها ماهزت فيك شعرة ؟
انا شِفت ارجع بطير من كثر الوله على امي، شلون وانتي بينكم كيلوات ولا تفكرين تتصلين ؟
مسكت ريناد رأسها باطراف اصابعها ودموعها من حرارتها انفرطت على خديها حتى كادت ان تحرقها
هامسة بضعفٍ وعتاب جلوي يكويها :
خلاص ياجلوي خلاص!
هز جلوي رأسه بأسف وهو يقف امام وجهته :
خلاص على وشو انحنى جلوي برأسه وقبل كتفها برقة، ونارًا بين ضلوعه الاثنى عشر تشتعل، كل كلمة تردفها والدته.. تلتهم ضلعًا ليسقط على أرض بطنه ويشعر بقولونه يلتهمه من شدة الألم :
لا بارك الله بأثنين جابهم بطنك رضوا تنامين ليلة ودمعتك على خدك! لا بارك الله فيهم يا يمه لو انهم اخواني
لا بارك الله برجالٍ انتي في بيته ماعرف قدرك، لو انه ابوي!
ولا بارك الله فيني لو اني رضيت تمشي دموعك مثل مويةٍ من تحت رجلي وانا ياغافلٍ لكم الله!
مسكته ندى بقوة من كتوفه بخوف :
وش بتسوي يايمه ؟
ابتسم جلوي وهو يمسح بيده على شعرها بحنية :
الزعلان بيرضى.. والمسافر بيرجع!
ماراح اسوي شيء ، هم اللي بيسوون يايمه!
عاد مجددًا إلى سيارته وهو يتوجهه بها إلى بيت مقرن المستقل الذي ظل مغلقًا دايمًا لإصرار ابيه بأن يعيش مقرن معهم
وبيده الآخرى هاتفه يتصل بجوال ريناد الفرنسي، لم تجيب بالمرة الاولى
ليعيد الاتصال ثانية، وثالثة.. حتى اجابت بصوتٍ ناعس :
يالله صباح خير ياجلوي
قاطعها جلوي بغضبٍ :
متى اخر مرة كلمتي امي ؟ ولا فكرت ترسلين لأبوي رسالة تتطمنين عليه ؟
رفعت ريناد رأسها من أريكتها بمنتصف صالتها، بإرهاق وهي من غفت دون أن تشعر
دخلت يدها في شعرها بتعب :
فيكم شيء ؟
ضحك جلوي بسخرية وهو يضرب بكفه مقود سيارته :
لا ابد سلامتك! بس تأكدي بالله انتِ محطوطة معنا ومحسوبة علينا فرد من افراد العائلة ولا بنتنا صدق!
فتحت ريناد عيناها بدهشة من إنفعال جلوي الهادئ :
شفيك جلوي لا تخوفني وش صاير !
قهقه بقهرٍ غاضب ليصرخ بحرقة :
نعمبوك من وشو انتي ؟ ماهمك ولا شيء اقوله همك لا يصير فيه شيء بس ؟ خايفة يصير شيء يرجعك ؟
تأففت ريناد من جلوي الذي يبدو كمن اتصل ليفرغ بها غضبه :
اذا صرت تعرف تتكلم زي الناس اتصل
قاطعها جلوي بغضبٍ :
كل من جاته بنت عاف بقيةٍ عياله!
الا امي! من جتها بنت وهي صارت تحتاجنا اكثر لأن بنتها مشقيتها!
قلنا بالبداية صغيرة ماعليه
قلنا بعدين تدرس لحد يشغلها! بس الحين وش عندك ؟
لا دراسة والطول طول نخلة! ماينقصك شيء!
انفرط لسانه دون ان يشعر بأنه وقع في شِباك المقارنة بين لمى وريناد :
نعنبوك باقي البنات يحفرون الأرض ولا يمس هم قلب بنت عمهم ولا اخوهم!
وانتي امك ياظالمة والله لو انك مقطوعة من شجرة ولا تعرفين امي ندى كان عزت عليك!
شلون وانتي بنت بطنها ماهزت فيك شعرة ؟
انا شِفت ارجع بطير من كثر الوله على امي، شلون وانتي بينكم كيلوات ولا تفكرين تتصلين ؟
مسكت ريناد رأسها باطراف اصابعها ودموعها من حرارتها انفرطت على خديها حتى كادت ان تحرقها
هامسة بضعفٍ وعتاب جلوي يكويها :
خلاص ياجلوي خلاص!
هز جلوي رأسه بأسف وهو يقف امام وجهته :
خلاص على وشو ان ابوي دخل المستشفى وطلع وانتي ماتدرين ؟
امي اللي حتى وانتِ قليلة وصل وخاتمة قالت لا تتصلون تخرعونها! ومافيك شيء نشغلك عنه
بس قلبها ماهو من صخر مثلك قلبك!
نعنبوك شادن مافيها من دمنا، قطرة وهي تنام وتصحى مع ابوي بالمستشفى
ربى وهي ربى! مايربطنا فيها رابط وصل ولا رحم.. وهي تنام وتصحى بجانب امي وتشاطرها همها لا يثقلها لحالها. انتي وين مكانك بينهم ؟
شهقت ريناد بصرخة وهي تضع يدها على فمها بخوفٍ كادت ان تتقيأ فيه قلبها من شدة شهقتها :
اسألك بالله ابوي فيه شيء الحين ؟
ضحك جلوي بسخرية وهو يرن الجرس :
ماشاء الله صار يهمك الحين ؟ الحمدلله بخير الحين
عض بأسنانه على بعضها بحنق :
قسمًا بالله العلي العظيم ياريناد عندك ساعتين لو مايوصلني حجزك لأقرب طيارة للسعودية ان ماتمسين الليلة انا عندك تالك تلّ!
ما انتي بوجهه واحد يعطيك وجهه تتأخذين قرارتك، ساعتين القى فيها حجز وبيتك تعزلينه وتأخذين كل عفشك من جامعتك وخرابيطك معك معد لك رجعة لباريس لو تصير باريس في حوش بيتنا ما انتي بطابتها !
أغلق السماعة وهو يضغط بقوة بطرف باطن سبابته على جرس بيت اخيه مجددًا
ماكانت الا ثواني معدودة وهو يسمع صرخات ابنة اخيه الصغيرة - ندى - تركض بالحوش متجهه للباب تنادي بأسمه بفرح
ضحك جلوي بإجبارٍ كعبدٍ مأمور من محكمة قلبه. تلك التي تضحك كانت تترنم، اخمدت تِلك الثورات المشتعلة في قلبه من فرط غضبه، بإبراز نابيها!
نابٍ لمع.. وهدئت تلك النيران
نابٍ ضحك.. وأبتهجت معه كل الأحزان
طفلةً أشرقت.. وخرّ امامها معلنًا استسلامه
خرجت له ندى من الباب وهي تنظر له بإبتسامة فرحة، جلس جلوي على ركبتيه وهو يحتضنها بحبٍ بعفوية :
ياشين البيت بدون حسكم!
كشرت ندى بتنهيدة طفلة غاضبة وهي تأشر على منزلهم :
حتى بيتنا شين مافيه ماما ندى!
ضحك جلوي وهو يحملها ويخرج من جيب بنطاله حلاوة عضوية باضرارٍ اقل ، اعتاد ان يحملها معه بحكم تخصصه :
وين بابا ؟
دخل مقرن الواصل لتوه من المحكمة، ليبتسم بهدوءٍ يخفي خلفه شوقه العاري والواضح في عيناه المتلئلئه بنبرةٍ حنونة :
هلاااا! حيّا الله أبو ..
سكت! لم يستطيع ان يتجرأ ويلفظ اسمه، كثيرًا عليه وكبيرًا اسمه ليردفه لسانه همس وهو يبتلع ريقه وخيبته :
ندى
ولا زعلان اني سميت ندى قبلك ؟
قبّل جلوي رأسه
وذلك الغضب التي شتته ضحكة ندى.. والآن امتص بقاياه صوت مقرن الجلمود/ الصلب الذي بات ولهان :
بيكون عندك ندى ، وانا عندي ندى.. وان قاله الله عيال عيالي بيورثون ندى في كل بيت من بيوتهم
ربت مقرن على كتفه بهدوء بإبتسامة حنونة :
شدّ حيلك وخلهم يدورون لك ام ندى!
كسر صروح الهم.. بفرحتنا فيك
ضوق جلوي عيناه وهو ينظر بتمعن في عيني مقرن :
ياكبر شرهتك يا اخوي! ثقيلة عليك تناديني " ابو ذعار "؟
ناظر مقرن ندى التي تلعق حلاوتها ببراءة وتنظر إليهم بجهل من المحادثة التي كانت اكبر منها :
يله يابابا ! روحي لماما قولي عمي جلوي عندنا
ركضت بخطواتٍ قصيرة سريعة إلى داخل المنزل حتى يرفع مقرن رأسه التي كانت تراقبها نظراته بتنهيدة :
شرهة ؟ ياليتها شرهة يا اخوي ياليتها!
البلاء ان قلبي يقرصني ان الموضوع فيه بلاء! ماهي شرهه أن ابوي حقرني واهاني عشانها.. قلبي اللي لين الحين مارضى يأنبه ضميره على كلامي لأبوي مير كل يوم اصحى وانا متاكد اكثر من اللي قبله!
ابوي يوم قال آه وقتها ماطاوعتني عين حتى اناظره هو طيّب ولا لا!
ماحرك فيني ذرة.. والله ان قلبي تجاه امي وابوي قلب عصفور لا يغرك مقرن بمظهره اللي عرفته!
الا ذاك اليوم والله أنه قلبي تجاه ابوي من نسل نمرود!
ادري ان ابوي متورط.. وغلطان. بس بوشو ؟ ما ادري
بس قلبي يسريني وانا اطاوعه.. لا قال فيه شيءٍ غلط، قلت الهمام الهمام.
عمّ الصمت ثواني طويلة.. ليردف مقرن بإستيعاب مندهش وهو يمد ذراعه بإتجاه الطريق مرحبًا بجلوي :
وش موقفنا برا ياخوك.. اقلط اقلط حياك
مسك جلوي ذراع مقرن بهمس وهو ينظر في عينيه :
وإذا قلت لك مو بس قلبك اللي يدري أنه به بلاء ؟
فتح مقرن عيناه بدهشة مصدومة وهو ينظر إلى جلوي!
همس جلوي خشية ان يسمعها احد ووجهه يتلطخ بوصول الدم إلى وجنتيه من شدة غضبه :
البلاء اني شكيت بأكثر من موقف!
خايف احوس ورا الموضوع واتأكد وانا ما ابي اتأكد !
عمّ الصمت دقايق طويلة.. كأن أثنائها انتقلت الأفكار من رأس جلوي ليشاركه اياها مقرن!
مقرن الذي كان ينظر إلى الأرض بدهشة. لم يتجرأ ان يرفع عيناه ويرى في عيني اخيه خيبتهم بأبيهم
همس وهو يدعو بداخله أن يسمع غير مايملئ عليه عقله :
هي ؟
هز جلوي رأسه وهو يأكد لمقرن شكوكه :
خالتي ماغيرها !
/

\

/
خرج من عندها متجهًا إلى جولته على مرضاه قبل ان يعدونهم الى العمليات بعد ان وصىّ ممرضة العناية المركزة بأن لا تغيب عيناها عنه حتى عودته
ارتدى معطفه وهو يخرج من مكتبه ليجد المدرب الذي اليوم في خدمته ينتظره عند الباب وبيده جهازه اللوحي يقرأ الحالات قبل أن يقدمها :
عبدالعزيز بشرني مستعد ؟
فز مدربه بحماسة ليبهر ذياب وهو من يخطط ليتخصص مثله. ويحتاج ثقته وتوصياته :
راجعت كل الحالات مرتين
قاطعه ذياب بإستعجال :
مستعد اليوم اسلمك فتح وإغلاق المرضى ؟
ما اقدر اطول بغرفة العمليات وانا اثق فيك!
ابهرتني الاسبوع الماضي يدك خفيفة ودقيقة
تلئلئت عينان مدربه من إطراء مشرفه!
قاطع رده رنين جوال ذياب وهو يشير بأسم المتصل ابوي )


وضع هاتفه على الصامت ، وهو يرفع رأسه إلى عبدالعزيز مجددًا :
من هنا إلى نوصل الأسرة، علمني وش بتسوي من تتعقم إلى أن ترمي الجاون
أخذ عبدالعزيز نفسًا عميقًا مستعدًا لإثبات نجوميته الجراحية، وآثر كلماته الإيجابية مازال ينتشيها ليبدأ سرد خطوات عملية المريض الأول :
بتعقم لمدة أربع دقائق..
تشتت تركيز ذياب، حتى غاب نهائيًا وهو يرى زوله خلف عبدالعزيز!
تقدم خطوتين للأمام متجاهلًا عبدالعزيز خلفه ليهمس ذياب بصدمة وهو يرى وجهًا يجسد الصدمة، الحزن، الخذلان، الغضب.. ألخ. متصبغًا باللون الأسود من فرط ما انسكبت مشاعره على مُحياه :
يبه فيك شيء ؟
تشبث خالد بكتوف ذياب وهو يتكئ عليه
وهذه هي دورة الحياة تعيد نفسها
منذ 30 عامًا. كان ذياب لا يعرف غير كفي ابيه وسيلة حتى يخطيّ خطواته.
اليوم بعد أن كثفت اللحى، وخطت الشوارب
أصبح خالد يتعلم كيف يقبض بكفوفه على كتفي ابنه ، هامسًا بإذنه :
عودت الله لا يحييها عودت!
يوم شديت عزومي وكليتها من على متوني ، عودت تتعنز عليّ !
يوم أقفيت لاعن سيرتها. رجعت تفجها !
شكرّ ذياب ربه مريرًا وتِكرارًا، وهو يدخل بأبيه مكتبه بأنه لم يبتعد عنه. جلسه على الكرسي واغلق الباب
جلس بخضوعٍ، على ركبتيه عند قدمي ابيه وهو يضع كفوفه عليه :
اطردوا سيرتها، وذكراها. وكملوا حياتكم
هذا أنتم 12 سنة بدونها وتعلمتوا تعيشيون بدونها، رجوعها ماراح يغير شيء
حتى وهي قريبة .. بتكون بعيدة عنكم!
ابعدوا عنها انتم!
ضوق خالد عيناه، حتى عُقدت حاجبيه وهو ينظر بعيني إبنه عن ابنه الكسير!
ابنه الذي يجد في نبرته رجاء ان تعود.. باتت مفقودة :
وش صار ؟
أبتلع ذياب ريقه ، وهو غير مستعد بإن يصارح ابيه بكل مامرت بِه من أن اتت إلى ان رأها الصبح. حتى كيف عرف ؛ لا يهمه
المهم انه يكفيها شرهم :
ماصار شيء ، بس هذا الواقع
إلى متى بنعيش بسراب ؟
إن راحت الحافظ الله ، إن عودت لا تشرعون لها بيبانكم، بسيطة يايبه. مابقى بالعمر حسرة على شيءٍ جاي كثر ماتحسرنا على شيءٍ مضى.
ضحك خالد بدهشة مصدومة وهو يستشف من عيني ابنه وكلامه أجوبة سؤاله
ضرب بأطراف اصابعه كتفه :
بعذرك! تقولون لا تشرعون بيبانكم.. لان بابك لها مشرع! معد هي بحاجة لنا !
صرخ بحرقة وهو يدفع بذياب الجالس على ركبته بقوة ، حتى سقط على ظهره بقوة
سقط على الكرسي الاخر ، وأندفعوا جميعهم للخلف مصطدمين بالجدار :
نعنبوك ماربتّك حرقة 12 سنة ؟
للحين ماتقدر تقفل بابك في وجهها ؟
للحين حضنك مفتوح لها وهي سكرت حضنها عنك ؟
للحين تدافع عنها وهي يوم قفت مافكرت بواحدٍ منكم وشلون بيدافع عن نفسه قدام ألسنة بني آدم اللي ماترحم ؟
دم الرخامة، وقلة الحيلة ماهو دمي ياذياب ماهو دمي!!
والله شادن من صلبي! اللي استأثرت لنفسها ولا أنت ؟ ياكبر خيبتي!
وقف ذياب متجاهلًا آلم ظهره، من شدة دَفعه له. وقف في وجهه متمسكًا برأيه
وقف في وجهه يحمل مليار حجة، أمام إتهامات أبيه :
لا يايبه من صلبك اللي مايعقّ حتى لو امه عقت به !
لا يايبه من صلبك اللي يبادل السيئة بالحسنة!
لا يايبه من صلبك اللي مايهيّت حريم بيته، وأهله للغريب وبيته موجود حتى وأن اختاروا الغريب بيوم!
عمر الظفر مايطلع من اللحم، ولا الدم يصير ماء
لا يايبه من صلبك اللي يعرف يفصل مشاعره وحزنه عن الواقع
امه لو تنقي دمي قطرة قطرة من دمها بتظلّ امي ولها حقوقها وواجبتها. وبرّها وطاعتها موجودة
ولله يايبه لو تسوي سواتها.. وانت محشوم
اني لا ابرّ فيك لين يقولون عظم الله اجرك بذياب
يبه لا تفخر بصلبك من شادن ، وتنساني
ترا والله لاني تربيتك مارضيت أني اسوي زيكم !
تربيتك يايبه نقيّة.. ماتسوي اللي انتم تسوونه
أن كان عشان كل هذا تشوفني رخمة ؟ الله لا يجعلني رجال اجل لأن الرجولة اللي اعرفها.. ماهي هي اللي تشيدون فيها
رن جهاز نداء ذياب، ليرفعه وينظر إليه بصدمة رامشًا مرة ومرتين حتى يتأكد من الأسم
فرّ هاربًا من محاكمة أبيه
فز راكضًا من سِوار مكتبه
يجرّي ومن خلفه ابيه الذي رأى بأبنه بحالةٍ استجابة يعرف منها بأن المريض ليس شخصًا عاديًا. شخصًا يريد خالد أن يقطع الشك باليقين بأنه هو!
وقف ذياب وبعده خالد وهو يلهث وعيناه تلاقت بعيني الممرضة الفرحة الواقفة بيمين غزل وهي ممسكة بكفها، والطبيب يفحص غزل
اردفت الممرضة بعد أن كادت تزهر بساتين الورد في وجنتيها من شدة زهوها، بفرحة عاطفية تشهدها مع كل مريض :
صحت دكتور ذياب صحت !!
لف ذياب بقوة على ابيه الذي ينظر بملامح جامدة ، بدون ردة فعل
يحجب الرؤية عنهم. ظهر الطبيب وهو يتأكد من غزل
كان يتحدث معها، دون ان يعوون ماذا يقول من فرط إنشغالهم بفوضى مشاعرهم
خرّ ذياب ساجدًا ، شاكرًا ، حامدًا لله مؤقنًا بقلبه :
( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )
بالشكر تدوم النعمة، وإن الله يحب أن يرى نِعمته على عبده.
مسح بكفيه وجهه بإرتياح وهو ينهض من سجوده
رأى ابيه مازال موجودًا ، أقترب منه حتى لا تسمعه امه :
يبه ! تكفى ماهو وقته
رحّ وإذا تحسنت وبخاطرك تشوفها. تعال
لم يرى اي استجابة من ابيه ، اكمل وهو يحاول ان يستعطفه :
بعيدة عنكم 12 سنة ماشاكتها شوكة ، ومن عودّت مابقى ضلعٍ فيها ماتوجع
يكفيها ماجاها. خلوها الحين تلقى فيها ضلعين سليمة تواجهكم!
خبري فيكم ياقلوبكم من حجر ماتبيها ميتة!
لم يتأثر خالد بأي حرف تفوه بِه ابنه، تجاهله ومازال على نفسه ردة فعله.وهي لا شيء !
عاد ذياب بنظراته إلى السرير
وهو يقترب من الدكتور بقلق من تأخره هامسًا :
بشرني ؟
لم يتلقى اي إجابة من الطبيب. وهو مازال يكمل جميع التجارب العصبية حتى يتأكد من فعالية وإستجابة غزل مابعد الغيبوبة.
آشر برأسه بإيجاب للممرضة، وهو يغلق أدواته ويناولها ويبتعد عن سرير غزل ويقترب من خالد وذياب.
عندما أبتعد الطبيب / حاجب الرؤية عنها، باتت غزل واضحةً لخالد!
غزل الذي هام بعِشقها صبيًا، وأرتبط بها شابًا، وتجرع مرارتها بقية عمره!
لم يخطف الزمن، ولا المرض شموخها
مازالت تستند بظهرها على ظهر السرير بكل شموخٍ وإتزان، كم من وجدت عليه منذ وقتٍ طويل
وليست لتوها استيقظت من غيبوبة!
مازال شعرها كما هو الذي كان عندما يداعب أنف خالد، يغمض عيناه، ويشتت سمعه، ويرخي شفتيه. يكبح كل حواسه حتى يسخر نفسه لأنفه ينعم برائحتها.
عيناها في عيناه
لو مرروا بينهم شَفرة ، لما استطعت بإن تشتت تواصلهم البصري
كانت نقطهم إشتراكهم بأنهم جميعهم لا يملكون اي ردة فعل
ملامحهم جامدة
صامتين وكأن كل الكلمات شُح!
همس خالد لأبنه وعيناه مازالت تحفظ صورة غزل الأخيرة :
بمشي!
رفعت غزل صوتها بخوفٍ وهي تحاول ان تركز بذلك الصوت المنخفض :
مين !!
اقترب ذياب بخطوات سريعة وهو يجلس بجانبها على سريرها ويمسك بكفيه كفوفها :
هذا انا يمه ، موجود ومامعي أحد يضرك!
لا تخافين
همست غزل وهي تمد كفها وتتحس ملامح ذياب :
ابوي ذياب
غمض ذياب ومنادتها له بكل هذه الحنية تقتله! :
عيونه ؟
تنهدت بحسرة وهي تتشبث بكفيه :
قل لهم يشغلون اللمبات! ما احب الظلمة
أرتخت دوافع ذياب الجسدية والحسية
يديه التي تمسك بكفيها بشدّة ، أرخاها
إندفاعه تجاه والده، وحنانه عليها.. تبخر!
مرت ثواني طويلة ليهمس مجددًا :
وشو ؟
تأففت غزل بغضب وهي تتلمس الأغراض من حولها بكفيها :
الممرضة المجنونة اكيد قفلت اللمبات عشان الدكتور لما نادته! بس الدكتور راح خلاص خلها تشغل اللمبات ما احب الظلااام اخاااف ذياب
صرخت برعب وهي تتشبث بذياب بشدة، وذكرياتها الاخيرة تحت عنف سلطان ومقرن تحاصرها :
أخااااااااااااف
لف ذياب بقوة نحو الطبيب بدهشة وهو يأشر برأسه ، وعيناه سويًا بقوة " ماذاااا ؟"
تنهد الطبيب وشكوكه التي تساوره، صدقت
تكلم بصوت واضح للجميع. لأنه من حقوق المريض البالغ العاقل معرفة عِلته ولا يستطيع إخفاءه :
ماكانت فيه اي أستجابة بصرية قبل شوي وانا اشوفها ، ماكان ودي أجزم قبل اتأكد
ولكن على مايبدو اللي نفكر فيه صحيح!
الضربة في الرأس أثرت على المركز البصري في الدماغ.
مما يعني الوالدة بتعاني من عمى نتيجة حادث )
عمّ الصمت لدقائق طويلة، تحت إتساع عيني ذياب المصدومة وشحوب وجهه.
وملامح خالد التي اكتست اخيرًا بردة فعل وهي الصدمة
وغزل التي بدت كأنما فقدت لونها مع بصرها، وكساها الإصفرار!
لتقطع ذلك الصمت الحاد غزل بصرخةٍ أحدّ :
ما انعمييييييييت!!
الدنيا ظلمة وبتضوي، الدنيا ليل وبتشرق الشمس من بدري!
ما انعميت ياذياب بتنور الغرفة وبشوفك!
فزت من سريرها وهي تمشي خطوةً صحيحة، وخطوة تتعثر بشيء ما ويدها تضرب حائط الغرفة بحثًا عن مفاتيح الإنارة وهي تصرخ وكأنما الكلمات لا تخرج بنبرة صوتها المعتادة. وجب عُلو الصوت؛ لتتخلص من ذلك الكابوس
تصرخ؛ كنداء استغاثة :
ما انعميت للحين أقدر اشوف ولدي دكتور اقدر أشوفه
فوق شفتيه العلوية من اليمين جرح! طاح وهو صغير ضربته إياه بالغلط لأنه بيأخذ اخته من يدي قبل أضربها
خط شاربه على جرحه يادكتور بس انا اقدر اشوفه!
اقدر اشوف اللي انتم ماتشوفونه شلون انعمي شلون ؟
تقدمت الممرضة بحنية وهي تمسك بغزل من كتوفها حتى تجلسها قبل ان تؤذي نفسها
لف الدكتور بحزن على ذياب من إنفعال غزل :
بأخذ لها موعد صباحي مع دكتورة نفسية حتى تتقبل الصدمة ، واضح بتعاني كثير
صرخت غزل وهي تفلت بنفسها بقوة من يدين الممرضة بقوةٍ أكبر من قبلها، بصرخات اعلى :
خلاني عميانة وبيخليني مجنونة ذياب لا تصددقه ذيااااب خذني من هناااا
ذياااب رجعني لاابوي ابيي ابوووويي
صرخت وهي تصرخ بكفها صدرها بقوة :
ييييييـ.. اااااااه
خرت قواها عندما ضربت كدمة بصدرها، لتسقط على السرير وهي تنحب بصوتٍ مرتفع بحسرة، وحرقة، وقهر، وألم، وقلة حيلة :
يبه خذني من هنا ، يبه رجعني ياليتني مارجعت
يبه ادفني ولا اعيش معهم
أستجابت الممرضة لأجابة الدكتور البصرية بأن تحقنها بالمنوم ، لتكن ثواني معدودة حتى دخلت غزل مجددًا في نومٍ عميق.
تنهد الدكتور وهو يهمّ بالخروج :
أي سؤال ياذياب انا موجود ، حتى لو تبي تغيير للدكتورة اللي بوصي فيها لغزل ابسط حقوقك.
قواكم الله واعانكم وشفى مريضكم.
هز ذياب رأسه له بإيجاب، ومازال رأسه بإتجاه الاسفل لم يرفعه لأحد! حتى لوالدته عندما كانت تتخبط
خرج الدكتور ومن خلفه الممرضة، مانحينهم بعضًا من الخصوصية بجوارها قبل أن يطلبون منهم ان يتركونها تترتاح.
كانت هذه اللحظات الصامتة، الخاوية
صعبة جدًا على خالد الذي لا مكان له بالإعراب هنا ولم تساعده قدماه على أن يغادر. شيئًا ما بهذه الغرفة يكبل قدميه
هل هي تلك النائمة بدموعٍ لم تجف على خديها ؟
ام ذلك الملاك مكسور الجناحان ؟
ام قلبه الذي يحتضنه بين ضلوعه ؟
رفع ذياب رأسه ببطئ هادئ، نظر إلى خالد الذي أنصدم وهو يرى عينيه مكتضة بالدموع!
لم يرى ابنه يبكي عندما رحلت امه
ويبكي الآن عندما عادت ؟
وقف ذياب وهو يقترب منه ، رفع سبابته وهو يشير إلى غزل هامسًا :
شفت اللي صار ؟ هذا اللي كنت خايف منه
خايف دعوة منكم مفتوحة لها ابواب السماء، وتصيب أمي
همس خالد بحرقة - من حر مايونس -:
إن فلتت من دعواتنا ياوليدي وين بتروح بكرة من عذاب ربك ؟
قاطعه ذياب بغضبٍ وهو يضرب بكفه بقوة مرآة المغسلة حتى تهشم زجاجها في مفاصل اصابعه :
داري بقلوبكم ماترحم.. وربي مايظلم
هي غلطت بس انا ابيها!
لقيتوا العوض يوم راحت
بس انا ما لقيت لي ام بمحل امي
خلوني اتهنى ؛ يوم ان هناكم كلكم في غيابها سعيت فيه!
بس محد فكر فيني، كلكم استغليتوا طيحتها.
همس خالد وهو يمد ذراعيه حتى يحتضن ابنه، كما تعود دايمًا بأن يحكم طبعه الجاف بحكم شرقيته ويبدّي عاطفته، حتى يكون لهم الأم والأب والصديق والأخ. لا يحتاجون لأحدٍ بوجوده :
يايبه ذياب
قاطعه ذياب بحدةٍ مستنكرة منه :
عطهم خبر من كبيرهم لصغيرهم
اللي يبغاني ؛ لا بد يبغاها.
اللي يودني ؛ غصبٍ عليه يودها.
ولا غير كذا، فلا أنا اعرفهم ولا هم يعرفوني.
قلهم ذياب قليل خاتمة وأصل وكرامة، شرى
امه وباعكم كلكم.
لف بجسده كاملًا عنه وهو ينظر لأمه بعد ان انتهى من حديثه، وسرعان مالف مجددًا وهو يتذكر نقطة آخرى. بتهديدٍ شديد اللهجة على أن يتعامل فيه مع ابيه ولكن لم يضبط نفسه من فرط غضبه وحزنه :
وجعله في ذمتك ولا أنت بحل لو درى احد باللي صابها !
اتركها في عيونهم عزيزة ، كريمة. وإن شاء الله ربي مايحوجها لهم.
ولا هي بحاجة أحد وانا موجود
عاد مجددًا لوالدته وهو يمسح بكفه بحنية على شعرها :
وان حسيت بيوم اني شكيّت " بأني قصرت " بس مجرد شك، لو هو من وظيفتي مايصبح صبح بكرة الا وانا مقدم إستقالتي.
تنهد خالد وهو يكرر من الحوقلة، لعلها تساعده بأن يتسع مجرى التنفس الذي يضيق عليه تدريجيًا
فتح اول ازرار ثوبه حتى يساعد صدره بأن يستمد الهواء
ليهمس بعد أن نفذت منه الكلمات، والحيلة، والعافية :
اللي تبيه يا ابوك، لو انه مايرضيني اللي تسويه بنفسك
بس عشانك انت واخيتك المرّ اتطعمه حالي. بمشي الكويت وبترك السعودية لك
اسرح وانا ابوك وانا بعيدٍ .. لعل غيابي يساعدك
لم يجيبه ذياب بأي شيء ولم يتمنى له السلامة، لف خالد وهو يخرج
حتى تمسك بعروة الباب بقوة
فز ذياب بخوفٍ وهو يقترب منه :
يبه
رفع خالد ذراعه حتى يمنع ذياب ان يقترب والكلمات تخرج متفرقة من شدة إختناقه :
لا بأس وانا ابوك
سحبه ذياب بالإجبار وهو يجلسه على الكرسي المتحرك الموضوع بالغرفة إحتياطًا :
والله ماتسوق بهذه الحالة
أخرج هاتفه من جيبه وهو يتصل بشادن ثواني قصيرة حتى أجابت شادن بصوتٍ مُرهق :
سمّ يبه ؟
قاطعها ذياب والغضب مازال يكتسح حنجرته :
وينك ؟
فرّ الإرهاق من جفون عيناها وهي تسمع صوت اخيها بدًلا من ابيها، لتتسع بإستغراب :
توني طالعة من الدوام
قاطعها ذياب مجددًا وهو يلقي الأوامر بدلًا من سؤالها، ويهم بالإغلاق :
اسمعي قبل تقطعين طريق بيتك مريني المستشفى
بتحصلين ابوي بإستراحة العيادات الخارجية وصليه البيت ولا تتركينه الا وهو في فراشه وموصية الخدم ووصمود عند رأسه
أغلق السماعة في وجهها دون أن يسمع منها حرف، قبل رأسه ابيه بحنية عفوية :
درب السلامة يايبه، بتظلم سماء السعودية
آشار للممرضة بأن تقترب وتذهب بِه. تنهد وهو يراه يذهب امام عينه حتى اختفى.
/

\

/
أغلق عيناه بقوة كردة فعل وهو يرى شنطتها تُرمى امامه بقوة على كتبه
كانت آتية بقوةٍ كعاصفة شعر بها في هدوء المكتبة
رفع كسار رأسه بإستنكار وهو يستشف من ملامحها الإجابة :
وش فيك ؟
لونها الفاتح تشرب سَواد غضبها ، حتى تلون به وجهها
لا تعلم لماذا اتت، ولا حتى ماذا ستقول
لكن ساقتها قدماها إليه وهي طوعًا لها. همست ريناد :
بيرجعوني السعودية! معد لي بباريس محل
اتسعت كسار عيناه بدهشة
لم يتوقع عودتها بهذه السرعة
لم يهيئ نفسه بعد لغيابها، ولا لصباحاته بدونها
وجدها قريبًا.. مبكرًا جدًا على فِراقها.
لم يجد شيئًا يقوله، وهو لا يعلم ماردة الفعل الصحيحة المناسبة.
ضحكت ريناد بسخرية على نفسها
وهي تضع كفًا على خصرها وكفًا على جبينها
وتنظر لأي شيء تسقط عيناها عليه
بإستثناء كسار
ضحكت بسخرية من غبائها
وهي تحاول أن تخرج نفسها من هذا الموقف الذي اوقعت نفسها فيه معه، بتصرفٍ غبي منها :
ما ادري ليش جيتك!
ولا حتى ليش قاعدة اقول لك
قاطعها كسار بهدوء وهو يحاول أن يفهم نيتها :
إذا شايلة هم عصابة قريح
ترا انا رفعت فيهم للسفارة السعودية مع ملف قضيتي. وانتظر إستشارتي وبحل الأمور وإنتي مالك دخل.
قلت لك من قبل الغلطة غلطتي وبتحملها
والغلطة الأكبر اني دخلت فيها.
روحي لديارك وأهلك ياريناد ويدينك في موية باردة
فتحت ريناد عيناها بدهشة وهي تضعها في عينه :
روحي ؟
أنا جاية اقول لك وانت تقول لي " روحي "؟
رفع كسار حاجبه بإستنكار :
جاية تقولين لي بروح وش تبيني اسوي ؟ اربطك ؟
ضحكت ريناد بحرقة وهي تسحب شنطتها بقوة وتهم بالمغادرة :
اي والله ياليتني ربطت رجليني ولا جيتك
الشرهه عليّ
فز كسار من مكانه ليقف بوجهها قبل أن تذهب :
وش فيك ؟
انتي تبين توصلين لشيء! بس وش هو ؟
سقطت عيناها في عيناه
بحثت ريناد فيها عن مايؤرقها، هل يقلقه ؟
هو من يحبني ولست أنا
المفترض هذه مخاوفك، وليست مخاوفي.
بيني وبينك مسافة خطوتين ياكسار


وبين همي وإهتماماتك مِقدار مابين السماء والأرض!
همست ريناد وهي تتعرى امامه، هذه مرتهم الأخيرة
هذه المرة الأخيرة التي يقف أمامها دون أن يتجاهل النظر إليها، لأن اهلها يحاطونه.
هذه المرة الأخيرة التي ستشعر بعطره يخترق جيوبها الأنفية من شدة إقترابه
هذه المرة الأخيرة التي ستقابله فيها على أنه كسار العاشق، لا كسار قريب الدم والرحم :
ماعاد بيني وبينك سبيل !
انا بستقر في الرياض ، وأنت رحلتك توها بدري في باريس.
أنا بروح الرياض الليلة ياكسار وأنت بتلحقني بعد اربع سنين!
اربع سنين بتروح من عمري وعمرك!
اربع سنين إذا قضيتها ورجعت ما انت بلاقي شيءٍ على حاله!
قاطعها كسار مضيقًا عيناه، وانقبض قبلها قلبه وجملتها الأخيرة استوقفته :
وش الشيء اللي ماني بـ لاقيه على حاله ؟
مازالت عيناها في عينيه ، لتجيب بحدة :
أنا !
بترجع وبتشوفني ريناد بنت العمة
ما انت بقادر تحط عينك بعيني وهذه مشاعرك على وجهك فاضحتك !
ماتقدر توقف وتضحك بوجه اخواني وأنت قلبك ماهو بين ضلوعك من دقاته وانت تدري انا وياك بنفس المكان!
انا يوم جيتك هنا لأني حانتك.. ماجيتك عشان شيء ثاني
جيتك اقول لك ياكسار أنا بريحك من معاناةٍ جاية.
يا اما دربٍ بديناه في باريس سوا ؛ ننهيه.
لم تكمل كلامها، احتدت نظرات كسار وهو ينظر إليها لثواني طويلة ينتظرها بأن تكمل وتخسف بقلبه
أردف بحدة :
ولا ؟
هزت كتفيها بحيرة وهي تشتت نظراتها بعيدًا عنه :
من الغباء يضيع من عمري وعمرك في سراب.
فتح كسار عيناه بدهشة :
الحب صار سراب ؟
عادت ريناد بعيناها إليه بجدية، رغم أنها تتحلى من العاطفة الفائقة إلا انها حكمت موضوعًا يرتبط بِه نصيبها :
أي شيء تمشيه على عماك، ومايحكمه عقلك. سراب
أي شيء ماله خاتمة محتومة، من المفروض مايكون له بداية!
لا يمكن اني استنزف جهد، ومشاعر، ووقت ، وقلب على الفاضي!
كل اللي ذكرتهم لكم، تراها نعمة ومن حقي ما اوهبها شخص مايقدر يحافظ عليها.
أما شخص يجيني مشتريني ، يعرفني من اوسع مجالس أبوي.. ياجعلها فدا
ولا قلبي بين ضلوعي ووقتي ملكي، ويادار ما دخلك شر
كان ينظر إليها بصدمةٍ مندهش، ينظر إليها يبحث فيها عن ريناد عرفها
ريناد المتطبعة بأطباعٍ غربية.
ريناد التي لم تكن شرقية إلا بعروقٍ اتتها وراثة لم تطلبها.
ريناد التي قضت سنين شبابها في ديار تعكس فطرتها، واكتسبتهم.
تقف في وجهه مندفعة بطلبٍ شرقي بحت
" لا غراميات، اما زواجًا او فِراق ":
مدري مين اللي فينا قضى عمره هنا !!
ضحكت ريناد وهي تهم بالمغادرة مجددًا :
لو يقطعون سري هنا. كلنٍ يحكمه عقله مايحكمه وين عاش !
اوقفها سؤاله بإنكسار اردفه دون أن يشعر بأنه سقط من بين شفتيه :
وأن رحتي، وعدّت السنين وش بيصير علينا ؟
لم تلتفت، لم تضع عيناها بعينيه وتصعب عليه المهمة.
ستجعله يختار قراره دون أن يكون تحت تأثيرها :
أنا برجع.. وأنت بيدك يا تتلحلح
وإذا كتب ربي نصيب بينا، وأرتحت.
بيكون وقتها صار لي دربٍ جديد يرجعني لـ باريس
أو لو صرت ما انت بقد هالخطوة.
ابد ماراح يصير شيء
انت كسار وانا ريناد ، مانقص منّا شيء ولا زاد
والوجه من الوجه أبيض.
/

\

/

سمعت طرق متتالي على باب غرفتها
أغلقت جوالها بسرعة واخفت الأوراق تحت مفرشها بنفس السرعة
متزامنة مع تسارع أنفاسها من الخوف.
فتح الباب من قبل ثنيان بوجه يكسوه النعاس حتى ان لا يكاد يستطيع ان يفتح عيناه :
لعد تصحوني
خلوني اكمل نومتي إلى الفجر. دق عليّ جلوي يلغى موعدنا
تنفست لمى بإرتياح وهي ترى ان جلوي وفى بوعده لها :
زين أجل جعله نوم العوافي
قطع محادثتهم رنين هاتف ثنيان في جيب بنطال بجامته
اخرجه لينقلب حال وجهه بمجرد ماقرأ الاسم
عقدت لمى حاجبيه وهي تحاول ان تستشف من ملامحه المتضايقة جوابًا :
جلوي ؟
هز ثنيان راسه بالنفي بتنهيدة :
شذى!
كل ماتقربت منها ، نفس الشعور اللي قلت لك عنه يالمى يتفاقم!
البنت كل ماحاولت أكسر الحواجز بيني وبينها شيءٍ جاي يمنعني!
اقول لانها صغيرة ، شيء طبيعي اللي احس فيه
ولكن الفطرة تغلب صغيرة ولا كبيرة هي زوجتي!
بس البلاء اني ما احسها زوجتي
تنهدت لمى بحزن :
طيب وش ذنبها المسكينة تسفهها ؟
تنهد ثنيان بقل حيلة وهو يهم بالمغادرة
بمحاولة أن يعود للنوم مجددًا :
انا ما اسفهها !
بس انا ابي اخفف من حدة الشعور اللس احسه
ما ابي احسه لين يوضح على وجهي واعكر صفو البنت تجاهي!
خلني مشغول عنها شوي ، يمكن اقدر ارتب وضعي معها.
أغلق الباب خلفه
وعادت لمى لأوراقها وهي تتأمل تِلك المعلومات المتناثرة حولها
محاولة ان تربط الأحداث
أتسعت عيناها وهي ترى تلك الورقة المنتصفة بقية الأوراق وبداخلها ربط توصلت له لمى!
مسكت الورقة بقوة وهي ترفعها عاليًا محاولة ان تقرأها مرة ، ومرتين ، وثلاث :
مستحيل !!
أخذت هاتفها بسرعة وهي تنوي ان تتصل بجلوي!
ولكن لوهلة استشعرت بفداحة ماتوصلت له!
مستحيل ان تمشي وتتكلم من المرة الأولى وهي قادرة ان تتوصل إلى تفسير آخر
غير الذي بيدها !
تفسيرًا لا يخبرها بأن شذى ليست أبنة حاتم!
الجازي المزعومة لها طفلة
تتطابق مواصفاتها مع شذى !
رمت هاتفها بعيدًا وهي تمسك بالاوراق التي كتبتها مجددًا وتبحث عن رابط جديد.. كمن يحل أحجية.
قاطع حبل افكارها رنين وصول رسالة جديدة
اغمضت عيناها بحزن متنهدة وهي تقرأ رسالة شذى :
( ثنيان طيّب ؟)
لن تغذي مواقفها تجاهها على إحساس أخيها، سوف تخمد تِلك النار التي يكاد ان يفتعلها
أجابت لمى على شذى بـ طيّب ، بس كان عنده إستلام والآن نايم )
أغلقت هاتفها وهي تعيد تركيزها على أوراقها.
/

\

/
خرج مع مقرن جلوي إلى مكتبه، الموجود في قبو منزله. منعزل تمامًا عن ارجاء البيت
تعمد أن يتجنب الصالة، ومجلس الرجال. خشية أن يسمعهم أحد
كانت تنتظرهم الضيافة من رنا فور ماسمعت رنين الجرس، وأوصلها ذعار إلى ابيه بعد ان اخبره بانهم في المكتب.
مد مقرن الفنجال لجلوي، وقرب منه التمر سويًا وجلس بجانبه :
سمّ تقهو
أخذ جلوي منه وهو يضعه امامه :
شمالك يمين يا أبو ندى
تنهد وهو يضع عيناها بعين مقرن :
كنت رايح بعد ملكة ثنيان مع سياف وذياب لـ بيت ابوي العود في الطريق صادفت ابوي بسواقه طالعين من الرويضة للرياض!
خفت اني مشبهه ، سألت المستشفى وقتها اتاكد اذا كان موجود حزتها وعلموني انه طلع وقتها على مسؤوليته!
تأكدت انه كان ابوي
رفع مقرن حاجبه بشك :
وابوي وش يسوي في ديرة خوالي وهو تعبان ؟
إن كان فيه عافية وقتها كان حضر ووجب ثنيان!
قاطعها جلوي بحيرة وهو يتذكر تِلك التفاصيل :
هنا مربط الفرس!
ابوي مين يسوى يتعنى له بعز تعبه ؟
وديرة خوالي وقت الملكة مافيها احد منّا إلا خالتي غزل!
قاطعه مقرن بغضبٍ واسمها كـ سمٍ بُث بأجواءه يلفظه بـ بصقة بقوة بالارض من مرور اسمها :
وقص والله لا يحييّ ولا يبقي هالطاري!
ابتلع جلوي ريقه بدهشة من ردة فعله اخيه، ليكمل كلامه بدون اسمها احترامًا له :
كنّا بنزورها مع ذياب ، لما ضربنا الباب كانت معصبة وتقول له رح رح!!
مين بتطرد بصيغة ذكر ؟
لو كان غريب مأذيها كان علمت ذياب ، ماكان ارتبكت يوم شافتنا وقعدت تتلفتت ورانا.
وضع مقرن كفوفه على ركبتيه وهو يفرك بحرّة :
ماهو دليلٍ سمين ياجلوي!
قاطعه جلوي وهو يكمل :
شادن لما عرفت بوجودها ، تعرف شلون ؟
رفع مقرن رأسه وهو يهزهه بالرفض
اكمل جلوي :
شافتها في غرفة ابوي بالمستشفى!
وحدة مختفية من 12 سنة ترجع بدون علم احد. ويلقونها في غرفة زوج اختها ؟
همس مقرن بصدمة وهو ينظر بالأرض ويربط الأحداث برأسه :
دفاع ابوي عنها لما درى وش سويت فيها، غريب!
ابوي انا بالذات مايرضى عليّ من بينكم. حتى وأن سويت مايكره على ايام ريناد وشادن
يبلعها من كبر غلاي ماهو من قِل قدرهم عندهم
اول مرة من طلعت على الدنيا ابوي يسوي فيني كذا وعشان مين ؟ عشانها !!
مع انه ماله دخل بمشاكلنا مع خوالي!
الا تدخل عشانها !!
وعاون جدي على كلامك في غيابها وعلاجها اللي سايقينه علينا فيه!!
من حبه لخوالي ؟ من زود حميّته مع جدي ؟ لا!
كلنا ندري بأن ابوي علاقته بخوالي!! اقل من عادية
مايفزع هالفزعات كلها من الباب للطاقة.
ناظره جلوي بتوجسٍ خائف. وهو يحاول أن يرى مافي خاطر اخيه.. هل هو نفس مافي خاطره من خوف ؟:
وش تشوف تفسير هاللي قاعد يصير ؟
ضحك مقرن بسخرية وهو يضرب كفوفه ببعضها :
حتى الحمار والجدار فاهمينها !!
الا جدك اللي تستحي أنك تدري عنده عقلٍ مثل عقلك، ويفكر فيها بكل هذه النزاهه
حتى ابوي وهو ابوي عيّت النية تطاوعني اصفيها تجاهه!!
قاطعه جلوي وهو يخاف بأنهم تسرعوا :
بس احنا ما احنا بمتأكدين!
قاطعه مقرن بغضبٍ وهو يصرخ ليقف في وجه جلوي ويمسكه مع كتفيه ويهزهه بقوة :
وش تبي تعرف بعد عشان تتأكد ؟
لا تذبحني زيهم ياخوك لا تذبحني!!
تراكم كلكم معها ضدي ؛ كثير عليّ! يقتلني وينحرني!
صعبٍ عليّ سنينٍ اعمر في قضايا الشرف والخيانة والطلاقات ولساني يقول يا رب اي بيئة وصخة طلعت هذه الأشكال
والقاها اليوم بيئتي وذراعي!!
صعبة عليّ ألقاني اليوم بين يديني احكم في قضية ابوي وخالتي!!
صعبة عليّ اليوم ألقاني احاول احمي الطرف المتضرر وهي امي!
اليوم انا ماهو بس قاضي! اليوم انا قاضي وأبن!
ماتعودت اشيل مهمتين في مهمة!
بالهون يا اخوك.. اسند ظهري لا يطيح
حاوط جلوي بـ ذراعيه كتوف مقرن ليهمس بحميّة وهو يرى اخيه تضيق فيه الوسيعة ولا يصفى له بالدنيا الا اخيه الصغير :
ابشر بي من يمينك لشمالك!
سيّرني على ماتشتهي، وسمعًا وطاعة ولبيه!
أثق فيك لو امشي وراك بين ناريين مغمض
أثق فيك تجبر خاطر امي، وتبرد كبودنا في استغفالهم وخيانتهم.
بس طالبك!
رفع مقرن رأسه وهو ينظر إلى جلوي حتى يكمل كلامه
اكمل جلوي وهو يتشبث بذراعه :
امي تبي تشوفك!
لا تردها تراها ملتاااااعة
هز مقرن رأسه بحرقة وهو يمشي مع جلوي للأعلى حتى يتوجهون لسيارته :
والله تطلب ما تأمر. ما انا بصاير انا والدنيا وعليها.
/

\

/
كان يشرب حاتم فنجاله الثاني بعد أن صلى صلاة المغرب مع جماعة حارة من أتوا إلى زيارتها ، ورنا في السيارة تنتظره.
ودخلوا سويًا الشقة
الذي كان بابها مردودًا في إنتظارهم.
تصلي رنا على يساره بعد ان وجدوا البخور والسجادة تنتظرهم، من حسن ضيافتهم وإن كان حضورهم ثقيلًا جدًا على كل هذه الحفاوة!
تنهد وهو يرى رنا تطيل بالسجود، ويشعر بإهتزاز كتفيها وكأنها تبكي! إن لم تكن تبكي بالحقيقة
يعلم في ماذا تناجي الله، على بعد خطوات منها يجلس على الكنب ولكن قلبه قُرن في سجادتها وهو يُؤمن معها بخضوعٍ : " آمين يا رب.. آمين "
سلمت من صلاتها رنا لتلف على حاتم بعيني غرقانة بملحها :
تهقى ربي يليّن قلبها ؟
لم يريد أن يرفع بسقف آحلام رنا كثيرًا، وتخذلها ردة الفعل. ليهمس بمنطقية :
من حقها لو ترفض. اللي سويناه ماهو شوي
قاطع حديثهم قدومها وهي تسلم بصوتٍ متزن، يصل إلى مسامعهم بوضوح :
السلام عليكم
وقفت رنا وهي تبتلع ريقها، شيئًا ما بحضورها شتت إتزانها.
أم طفلتها التي ربتها تقف امامها!
طال الصمت مابينهما، اللقاء الاول لجازي ورنا
الذي كان يفترض البكاء والإنهيار من حليفيهم. والموقف الاقوى لجازي لأن تأخذ بثأرها.
والموقف الاناني لرنا لأن تشد بنابيها على شذى وتقول هذه ابنتي.. انا من ربيت. ولا لأحد عندي شيء!
لم يحصل اي شيء
تحلوا جميعهم بالصمت، كمنَ عُقدت ألسنتهم
وقف حاتم وهو يريد ان ينهي هذا الصمت :
يا أم فرح
لفت الجازي بقوة وهي تنظر إليه. أسفر قلبها عن موطنه وبات له جنحانًا رغم انه حبيس اضلاعها
ليحلق بقوةٍ محاولة ان يتحرر من صدرها، وصوت محاولاته يتزامن مع ضربات قلبها ليحدثون تِلك الفوضى العارمة في داخلها لتهمس بإصرار مقاطعته :
قلها مرة ثانية! نادني فيها
همس حاتم بتردد وهو ينظر لرنا تنظر إليه بدهشة ويدها على صدرها كمن شيء انتزع من هنا تاركًا خلفه فراغًا مريع، موحش على أن تتوه رنا بِه لوحدها :
أم فرح انتي تدرين بجيتنا الليلة للصلح!
نيتنا ونيتك وحدة! نيتنا سليمة
وهدفنا بنتنا!
انتي حملتي وهي بنت بطنك
وانا اللي صرت الأبو والأخو والصديق ، حليت كل اماكن الرجال بحياتها. لا تحتاج احد. يوم اقرب دمها لها باعها.. شريتها!
ورنا مايخافك الأم مو بس اللي تحمل. الام اللي تربي وتكبر!
فرح او شذى هي بدال الام صار عندها امين!
وبدال الاب صار عندها اثنين!
قاطعته الجازي بعنف ام تنهمر عاطفتها على قدميها هدرًا :
تسعة عشر عام بحضنكم!
حضني شفقااااااان وضميّان عليها! يكفيكم ماخذيتوه من عمرها
اتركوا الباقي لي.. اعيشه معها قبل اموت!
مابقى بعمري كثر ماراح!
مابي اموت وانا مالي ضنى يذكرني. ما ابي اموت ولا لي احدٍ يوقف بعزاي ويعزونه!
ما ابي اموت وحيدة زي ماعشت وحيدة ومسروقة!
قاطعها حاتم بجدية، وعقلانية :
كلنا بينا رابط مشترك غير البنت يا ام فرح.
كلنا كنّا ضحية لعبة ابوي
ابوي خطف من حضنك رضيعة، وحطها في حضني على انها منبوذة!
كل شيء حولي كان يدعم كلامه، ما اقدر ارمي اختي عشان تجين انتي توك بعد 19 سنة تأخذينها
انا كبرت وربيت.. وما عندي استعداد اتنازل عن شقى عمري
ولكن انا وعدتك يوم شفتك!
وللحين على وعدي! اني اوصل لحل يرضيك ويرضينا
ومو بس كذا !! الا يحمي البنت ومشاعرها من هاللعبة كلها !
البنت ان اكتشفت الحقيقة حتى انتي ماراح تجيك!
خصوصًا وانها تعرفك على انك معلمتها فجاءة بيوم تصيرين امها واصير اخوها وجدها ابوها.
مرارة ماتجرعناه كلنا لـ تسعة عشر سنة هي بتغص به كامل وقت ماتسمع الحقيقة.
قاطعته الجازي بحرقة باكية، وهي تضرب صدرها بقوة
لا حول لها ولا قوة :
مايهمني وش يصير!!
يهمني بنتي تمليّ عليّ فراغ صدري
اللي ضاعت من يديني قبل ألمها فيه
يهمني بنتي تقول يمه
واقول ياعيون امك سميّ ولبيه وابشري
يهمني تسابق على شوفها يديني قبل عيني
وألمها بدون ما اشوف بعيونها نفس النظرة اللي اشوفها فيها وهي بمدرستها.
قاطعها حاتم :
وهذا اللي ابيه !!
تطلع البنية بأقل الاضرار. محدٍ فينا يرضى عليها الأذى
قاطعته الجازي بلهفةٍ وهي تحسب الساعات والثواني منذ ان قطع لها حاتم وعدًا بأن تُرد الحقوق إلى أهلها. وان تعود الفتاة إلى امها
فقط! ان لا تحرمه هو و رنا منها.. وبرر لها موقفهم بكذب ابيه. وصدقت الجازي حاتم لما تعرفه عن خبث سلطان.
باتت ثقيلة الكلمات في مقدمات حاتم الطويلة :
وش هو يا ابو وصال الحل وش هوووو ؟
أخذ حاتم نفسًا عميق وهو يزفره بمغامرة بأن يعرض نصف حل على أم تريد أن تكون امًا كاملة :
راح نقول الحقيقة! بس بنعدل فيها حسب موقفنا
راح نقول حقيقة انك زوجة ابوي السابقة وطليقته حاليًا. وراح نقول ان لك ضنا من سلطان الجامح! بس
لف على رنا، يريد أن يستمد منها قوة تدفعه بأن يكمل كلامه بجراءة فَضة على عاطفة أم
وجدها مغلقة عيناها، تغض الطرف على أن ترى ردة فعل الجازي
خفض أنظاره للأسفل ليكمل بهمس كمن يمتطي الكلمات من حنجرته :
بنقول ضناك توفى ، وهذه الحزة انتي تقدرين ترضعين!
ورضعتي شذى
ليكمل وهو يرّص بأسنانه ونبرته على صِلة القرابة للتذكير :
اللي هي بنتي!!
كانت تنظر إليه الجازي بصدمة لم تختلف كثيرًا عن صدمتها في سلطان
عيناها متسعة، آلاف الأفكار تغزو دِماغها وهي تسمع حل حاتم العقيم
اقتربت منه بمشاعرٍ لم تستطع وصفها!
أين ستجد في قاموسها اللغوي عن مصطلحٍ يعبر عن خسيس/ ردي يطلب منها ان تتبلى على ابنتها بالوفاة وهي حية ترزق ؟:
ياخيبة ظني وانا أحسبك غير عن سلطان!
نسيت أن العرق دساس، والدم واحد! الله ما أكبر عمايّ !!
جايني تبيني اموتّ بنتي وهي قدامي ؟
جايني تبيني اطلع بدور اللي انت متفضل عليها ببنتك ؟
هذا الحل ماهو لي ! هذا الحل لك!!
جاي تلعب على الحبلين تكسبني وتكسب سلطان !
صرخت بحرقةٍ من خساسة حاتم :
الله يحرق قلوبكم كأنكم تسعة عشر سنة وأنتم تحرقون فيني وماكفاكم
صارت حرقتي تورثونها عيالكم!
سلطان حرقني وورثته انت! والحين جاي تورث بنتي اطباعكم ؟
وقف لها حاتم، بغضبٍ مندفع وهو يرى أن الموضوع سيصعب من ردة فعلها :
افهميني ياجازي افهميني!!
تبيني ادخل على البنت اقول تراني اخوك وهذه اللي انتي بيومٍ من الايام مرعبتك تراها امك ؟ وجدك تراه ابوك ؟ واللي تعدينهم عمامك تراهم اخوانك ؟ وجدتك تراك تشوفك بنت ضرتها ؟
ويالله زوجك ودعيّه تراه ولد اخوك ؟
تبين البنت تموت علينا ؟
خافي الله فيها ماهو فيني!!
كل هذا عشاااانهااااا والله وبالله وتالله ماهو عشااني!!
صرخت فيه الجازي :
كلها نفس الشيء كلها بتذبح بنيتي!
بس تذبحها الحقيقة ولا تذبحها اكاذيبكم!!
قاطعها حاتم بتبريرٍ مندفع :
لا!
إذا نفذنا كلامنا بتظل الامور على ماهي
ولا شيء بيتغير عليها
اللهم إضافة في حياتها بس إضافة يالجازي!
انك بتصيرين امها !!
وبوصيها فيك ولك زي ماهي لنا.
بتعيش معك ومعنا. بنتنا كلنا!
وبتسمع كلامي وانا ابوها، وكعادتها تعزني
ماهو اجيها بعد ماكذبنا كلها عليها
واقول روحي برّي بأمك وعوضيها مرارة العشرين سنة ؟ بتحتاج هي وقتها من يعوضها خذلناها فينا
وقتها كلنا بنخسرها وماراح نستفيد أي شيء !!
بيصير جرحٍ عمره مابيبرأ
والجرح على كبر شين! يصعب دواه
نطقت رنا بعد أن ملتّ الصمت، ورأت بأن الجازي تكاد تلين بصوتٍ منخفض خشية منها :
أن ماخذيتي بكلام ابو وصال. حقك
ولكن لا تتوقعين بتلقين زي ماقلتي لنا في البداية!
انتِ ما انتي بجديدة بحياة شذى
انتي عرفتك شذى بـ اللي خوفتها وفزعتها وجت تركض لحضني مرتاعة!
انا اللي كنت جمبها، واسمع شكواها يوم عرفتيها!
أنا ابخص الناس الحين بردة فعلها تجاهك.
اختصرها لك انتِ عندها مرتبطة بذكرى سيئة
تبين تجينها تقولين تراني امك ؟ بتزيدين الطين بلة.
لأن بيوم من الايام كان يفصل بينكم خطوتين وفضلتي تقولين معلمتك على انك تقولين انا امك!
كانت تنام في حضني 19 سنة، وانتي تدرين ومارديتها لحضنك.
بتدري انها كانت في حضن حاتم قدام عينك، ورضختي لـ اخوك وماعود بك صياحها من الألم!
انتي بتكونين الخاسرة الأكبر بالحقيقة
كلام حاتم ينفعك أكثر منّا
ناظريه من كل الزوايا! لا تناظرينه ولد سلطان اللي يبي يطلع نفسه شعرة من العجين
وكأنك تبين تصرّين على فكرة ان الدم واحد
ترا حتى شذى دمها جامحي، وانا اقول لك إياها
هي قلبٍ طيب بس خاطرها خاطر جامحي مايصفى لك !!
عمّ الصمت لدقائق طويلة، كادت ان تصل إلى ربع ساعة
مضت تحت تحرّي حاتم لقرارها
تحت لسان رنا الذي يلهج بالدعاء
تحت فوضى دِماغ الجازي التي أسودت الدنيا بعيناها مجددًا بعد كلام رنا.
نطق وهو يقشع ستار الصمت ويقف مهمًا بالمغادرة :
ياخوفي تكونين اللي صبر ومانفع صبره!
انّا بنمشي
وبنترك تفكرين براحتك
طلع الموضوع من يدي ليدك، انتي ام!
ومابعد كلامك كلام
بس لا تطولين علي
زواج بنتي لازم يبطل قبل تكبر عليها مصيبتها وتتعلق فيه.
وقفت معه رنا وهم يتوجهون للباب بعد ان يأسوا ان يسمعوا منها جوابًا
فتح الباب حاتم، وخرجت رنا قبله ليوقف صوتًا هامسا باكيًا
لف بدهشة ليجدها تنظر إليه بقلة حيلة :
لا توجعونها
لا تزودونها بضربةٍ ثانية بالظهر!
وافقد بنتي
فتح حاتم عيناه بصدمةٍ مدهوش وهو يقترب منها :
وافقتي ؟
سقطت عيني الجازي الباكية في عيناه المصدومة وهي تنحب بحسرة :
ضربة بالصدر طلاقها من ثنيان !!
اما ضربة الظهر هي لا عرفت بالحقيقة!
ويكفيها ضربة صدرها ياحاتم، رح وقل لها صار لك بدال الأم.. امين!
رح واكذب عليها وقل انا ابوك ولا لأحد شيء عندي وأن كأنك تبين ام زيادة تراها موجودة
صرخت بحرقة لتناقض كلامها الأخير وهي تردف :
قل امك كبدها عليك ملتااااعة !!
فز حاتم رغم انه واقف وهو يدعو الله بإن يثبته بالأرض لا يصعد إلى السماء طائرًا من فرط فرحته، يريد ان يثبت حتى يخبرها بأنه موافق :
أبشري والله أبشري!!
عطيني يومين وشذى بين حضنك
لف حاتم بفرحة على رنا التي تبكي خلفه وهي ساجدة لله سجود شكر، الضنا غالي وهي لم تستعد لخسارتها بعد
رحمةً من الله وفضل موافقة الجازي، وهذه نعمة تستحق الشكر " سمع الله لمن حمده " سيسمع الله ندائهم. سيرحم ضعفهم.سيجبر كسورهم. ستفنى أحزانهم :
يلا يلا مشينا نرتب أمورنا !!
/

\

/

\
أبتسم وهو يعيد ملئ كوب الشاي المليى أسفله بالحبق حسب مزاجه
على مشهد أمه وهو تضع مقرن بجانبها منذ أن اتوا تروي شوقها رغم غضبها على أفعاله ولكن بالنهاية هي أم !!
رفع هاتفه وهو يرى رسالة ريناد زفر بإرتياح وهو يرأها تخبره بأنها تركب الطائرة ، رأى جدوله هذه الليلة حتى يتسنى له بأن يقلها :
إذا ما استقبلتك أنا، بيمرك السواق
قاطع إرساله للرسالة إتصالًا من لمى ، رفع رأسه ووجد امه مازالت غارقة بأحاديثها مع مقرن
همّ بالخروج متوجهًا للحديقة .. أجابها ليأتيه صوتها سريعًا
ولكن ليس صوتها الذي اعتاده، ليس صوتها الخجول.. ولا صوتها الحنون.. ولا صوتها المصدوم. هذه النبرات التي سمعها جميعًا في مكالمة واحدة
سمع جديدًا منها في مكالمته الثانية .. كانت تبكي بنحيييب وهي تهمس حتى لا يسمع مصيبتها أحدًا :
قل أنك اللي فكرت فيه غير اللي فهمته!
قل اني متأثرة من الدراما ، وأباااااالغ لتفكيري وأن اللي شفته ماهو بصح!!
تنهد جلوي، وهو من عطاها الاوراق حتى تأتي له بفكرة غير التي ربطها وهو يهمس بصوتًا هادئا كعادته يزامن هدوء صوتها :
وش فهمتي يا لمى ؟
لا يعلم لماذا قال اسمها، ولماذا نطق اسمها بتلذذ!
شيئا ما بداخله كان اقوى منها لتستوطن مواطن إهتمامه وتساؤلاته من طريقة تفكيرها/ إهتمامها بأخيها
لو انه يجهل ثنيان لقال بأنه يستحق، ولكن انه يعرف اطباعه الجافة، وأسلوبه الجلف، إنسان صحراوي جدًا وليس بذا علاقة وطيدة مع اخواته مثل كسار
ومع ذلك حصل على نصيبًا كبيرًا من اهتمامتها وتفكيرها. اذا كسار ماذا ستفعل له ؟
هل هو مثل ثنيان حتى تعامله ريناد هكذا ؟
قاطع افكاره، صوتها وهي تشهق :
انت اللي قل لي بأن شذى ماهي عمتي! وماهي بنت الجازي!
لا تقول لي بأن عمي حاتم قاعد يكذب علينا ويستغفلناا تسعة عشر سنة!
لا تصدمني بعمي اللي قدوتي الأكبر وملجئي الاول ويديني اليمنى!
لا تصدمني بـ جدي سلطان بأن صار إنسان انا ما اعرفه، انسان بأطباع يهودية
لا تصدمني بـ مرت عمي الطيبة، النقية، قدرت تنام سنين وسنين وهي بحضنها مالٍ مايحق لها تلمسه!
لا تقول ان اهلي طبخوا طبخة فاسدة على نار قلب مظلومة مسكينة مقهورة
لا تقول بإني بنحرق بلوعة حزني على اخوي اذا درى ان احساسه صح وبأن مرته صارت عمته، وان الفطرة غلابة.. وبعذره ماقدر يحس تجاهها بشيء
لا تقول بإني بفقد شذى من بثمن غلطة ماتستاهلها
اغلق عيناها بقوة وهو يكاد ان يتقيأ قلبه من مرارة ما انفطر من كلامها، كان يرى الموضوع من جهة كيف لعبوا لعبة المحارم بطريقة خبيثة قذرة!
وفتحت لمى عيناه على عواطف الكذبة. همس بعد ان اسكتتها شهقات بكائها الحاد :
لا تقطعين قلبي !!
مسح بكفه وجهه وهو يتسائل بعفوية اردفها لسانه من حِدة بكائها، الذي كاد ان يفتك بِه :
وش تبين اسوي ؟ وأنا بسوي يالمى!
بس لا تقعدين تصيحين كذا
أستوعبت لمى فعلتها الشنيعة، بإتصاله تبكي على رجل غريب عليها. تلاقطت انفاسها وهي تمسح بطرف أصابعها ؛ دموعها :
أسفة جلوي اني قاعدة اقحمك في موضوع انت مالك يد فيه، حالك حالي. ولكن حسبي الله ونعم الوكيل
تنهد جلوي ، ليتفوهه بعفوية بما خطر في باله من حل يستطيع بِه :
لو تأكد الموضوع يالمى
حطي يدينك في موية باردة من ناحية ثنيان، بكون معه مثل النفس!
الهم في قلبه بينشطر على قلبين.. ريّحي وآمني
بخليه يعدّي هذه المحنة إن قالها الله وقواني. خذيه وعد إن بغيتي و وعد الحر ؛ دينٍ عليه!
وخذيه كلام رجال، إن بغيتي كلامٍ يجمد على الشارب.
تنهدت لمى بإرتياح، شعور بأن شخص يعدّي معك محنتك. ويوعدك .. مريح جدًا وإن كان كلام، ولكن الماساة تفرق عندما تريد كلمة واحدة فقط تخفف عليك وطأة مصيبتك :
شكرًا جلوي مرة مرة ! الله يوريك في حياتك مايسرك.
من دون ماتوعدني، مواقفك تثبت لك.. ما انت بحاجة حلوف ووعد وتبرير. تقول وتطول
ابتسم جلوي وهو يهمّ بالإغلاق :
عفوًا مرة مرة مرة.
أغلق السماعة، وفتح محادثة ثنيان وهو يعيد جدولة موعدهم ، بعد أن الغاه. وهو يعود مجددًا إلى مجلس امه واخوه
ليقف جلوي.. وهو يسمع مقرن يفاوض امه بإصرار :
قلت لك يايمه هالبيت ما اطبّه ويحرم علي وعلى عيالي نقعد فيه واحنا مطرودين منه!
إلا على عز نفسي يايمه.. لا تساوميني!
مسكت ندى رأسها بحسرة، والدمع تجمع مجددًا
في محجر عيناها :
ياوليدي الا القطاعة.. ذقت الفقيدة سنين
ما ابي اعيد ايامها في بكري و أول فرحتي!
وبسبب مين ؟ عشان ابوه!!
قاطعها مقرن بحدّة انفلتت بالقوة من حنجرته :
ابوي ماحشمني، وأنا طوله.. ماهمه وانا ماخذ عيالي واقول لهم معد لكم مكان في بيت جدكم
مالي عين احطها في عين زوجتي وانا اهلي ماحشموني!
يمه انتي لو تدوسين على رقبتي، حبيت مواطئي رحلينك
بس اللي جاني منه ؟ ما اغفره
ليقلب المسألة في رأسه، بسرعة بديهه !
ويكمل كلامه لأمه بحيلةٍ خبيثة يحيكها :
الا في حالة وحدة يايمه!
اني ارجع للبيت معززٍ مكرم ، وهو بإسمك
فتح ندى عيناها بصدمة :
وشو!!
جلس مقرن على ركبتيه امامها ، بإصرار :
ايه يمه !
اذا كتب البيت ابوي بأسمك
اجيب عيالي واجيك انا كليّ ونرجع البيت، وما ابي من ابوي اعتذار ولا يحط لي مكانه
ابد الذنب مغفور !!
هزت ندى راسها بصدمة من قرار مقرن الغير مبرر :
ما انت بصاحي ، وش فرقت البيت باسمي ولا باسم ابوك ؟
كلنا والدينك. ومال ابوي مالي. ومالي مال ابوك !!
قاطعه صوتًا من خلفه، يقف على الدرج يده تستند على عكازته ومن خلفه خادمته.
صوتًا لم يسمعه منذ تِلك الليلة المنحوسة.
ليلةً اعتمت على الدنيا وعليهم. باتتوا في ظلمتين :
ياكبر شرهتك !!
جمدت حسابات عيالك اللي يوصلك فيها اي ريال مني ، ماهو من منّة. جاهم من غلا ومقدرة
وما اغلى من الولد الا عياله !
طلعتهم من مدارسهم ، عشاني حلفت مايدفعها الا انا ؟
طلعت من اي شيء لي يدٍ فيه
تحسبني ما ادري ان حتى نقلك للرياض اللي سعيت لك فيه رحت تطلب عودتك للشرقية ؟
ياسواد قلبك كل هذا على ابوك.. قاعد تتبرئ مني ؟
والحين حتى سقفٍ بأسمي، ماتبيه ؟ حتى وانت ترد امك اللي لك ثلاثين سنة ماقد سمعتك تقول لها لا ؟
وقف وهو مازال ملقيّ الدرج ظهره ، لم يلتفت. ولم ينظر إليه
وسرعان ماتبدلت ملامحه إلى الغضب مشمئزًا من ممارسة ابيه لدور البراءة.
قبّل رأس امه وهو ينطق بصوتٍ مرتفع حتى يسمعه :
أن صار السقف بأسمك ، بيصير سقفي وظليّ
وأن ماصار .. والله وبالله وتالله اني ما اطب هالبيت حتى بعزا صاحبه !
وترا بيتي وعيالي ومالي والحيّ كله فدا تجاعيد يدينك
أشرّي يا ام مقرن وقلبه وغلاه .. ونلبي
لف خارجًا دون ان يعبر ابيه، حتى دون ان يسمع إجابة امه التي كانت مذهولة من كلمات مقرن القاسية!
جلس ذعار من هول ماسمع من بِكره، وأول فرحته، وكنيته!
جلس على الدرج. تاركًا عكازه ليسقط متدحرجًا ليقف عند اقدام جلوي المصدوم!
رغم مايعرفه هو ومقرن، لم يتوقع ردة فعله هذه
هز ذعار رأسه هامسًا بحرقةٍ كمن أشعلوا النيران بين اضلاعه ، كمن نزعوا كبدَه واسقوه كيسًا مخرومًا من المُر ليتجرعه :
ما هو بولدي!
ماااااهووووو بولدددي اللي يحرم عليه عزااااي
وهو اول من يفز من طاري موتي بـ بعد عمرٍ طويل يايبه )
صااار ضلعي وسندي يتكاثر عليّ عمري!
عمري اللي وهبته لهم .. وماطلبت منه مقابل
صاااار قدام عيني يتمنى قصر هالعمر اللي مابقى فيه كثر ماراح !!
رددّ بحسرة وهو يريد أن يثبته الله قبل ان يتقيأ روحه من هول مايشعر :
اللهم يامثبت العقل والدين.. ثبتني
/

\

/

\
وقفت شادن عند الباب الفاصل بين الحوش ومدخل البيت، شنطتها تتكئ على كتفها وبكفها تحمل هاتفها التي أغلقت مؤخرا من صمود التي استدعتها عاجلًا
وهي تسمع صوته العالي اشبه بالصراخ ونبرة الإصرار تخللت مع تردادات صوته
وقفت وهي تحاول ان تفهم الموضوع، حتى تدخل وتأتي بأبنتها أو تتصل بـ لدن تخرج لها ابنتها.
كان صوت يوسف عاليًا، بإنهزام غاضب كمن ملّ الصبر، وهو يشعر بأن لا أحد بهذا العالم يفهم مايريد او يسمعونها.. يصرخ حتى يفهمونه :
وإذا اخوها خالد ؟ وإذا هي بنت السليمان ؟
انا ابيها هي ؟ ولا اهلها ؟
وقف سلطان الحالس بجانب زوجته الثانية عريب، الذي دخل عليهم يوسف وبيده امه الذي اتى بها من غرفتها وجمعهم سويًا دون ان يهتم لوجود زوجة ابيه الثانية وهو يحاول أن يضبط نبرته حتى لا يصرخ على أعز ابناءه وأغلاهمَ، أولًا بسبب ظروفه الصحية وثانيًا لأنه اخر العنقود :
يايبه افهم!! انت بتأخذ غنيمة من بيتٍ بينا وبينهم ثأر وهم طلابه!
خذينا منهم شادن غصيبة، شلون يعطونك بنتهم بالرضا وهم للحين لنا برقبتهم حق ؟
مسكت والدته ترف رأسها بصدمة وهي تكاد أن تجن من منظر ابنها، بعد ان اغلقت عيناها بقوة حتى تمتنع عن رؤيته
هذا ليس بأبنها، لم يخرج من حشاها يومًا ابننا هكذا!!
خرج ابنها.. وعاد عاشقًا مغلوبًا مهزومًا مسلوبًا
يشبه كل المفردات.. ولكن لا يشبه ابنها
ردّي عليّ ابني ياصمود!
لم اتهيأ بعد ان اتجرد من الامومة المفرطة بـ يوسف الحانق، الغاضب، يقف امامي ان يطمع بحضن امراة غيري.
لم يعرف ابني من النساء.. غير نساء معمورة الجامح. المعتكفة في أحضان الرياض
كيف سُلب قلبه من باطن الكويت ؟
همست ودمعة غير مبررة انفرطت من عينها :
متى كبرت يايمه ؟ متى تعلمت توقف قدامي وتقول ابي ؟ عشان توقف بطولك تقول يابنت الناس ياموتـي!!
قبل يومين تمر من جمبك وتتنح ، متى امداها تسرق قلبك وعقلك وهو بين ضلوعك
سقط يوسف عند قدميها بحسرة وهو يتشبث بركبها :
كبرت يايمه منذ مبطـي!
كبيرٍ يايمه اناطح الرجال واتوسد صدور المجالس بس لا انتي ولا ابوي تشوفون
لانكم خايفين الطفل اللي تعودتوا عليه تفقدونه
بس يايمه ماقد طلبت شيء.. وحفظت لكم كليّ 26 عام
بعد 26 عام اطلب منكم العقلان.. وابي بشارة العقلان
تخطبونها لي
ابي اهلها يشوفونكم صاملين، وجادين.. وشارين البنت رغم كل اللي صار!
مسحت ترف بكفه على دقنه وهي تنهمر باكية، استعاروا نهرًا من الخريطة وتركوه حيًا يجري على خديها :
يايمه حتى يوم كبرت اخترت الغلط!
انا خايفة عليك لا قالوا لك في وجهك (لا)
انت ماشفت من العذارى، الا نقطة من بحر
بكرة ألف بك بيوت الرياض تنقيّ لك اللي ينسيك بنت السليمان وطوايفها بس لا تخليني اتحسر عليك بكرة مطرود من مجلسهم
أكمل سلطان وكأنه يثني على اقتراح زوجته :
ونعم الكلام! وان كأنك تبي وحدة تخبر مويتها. عندك ريناد بنت عمتك ندى!!
وش لك بالغريب وانا ابوك، غير مرمطتك بكرة معها وعيالك مابين ديرتين واهلين ولهجتينَ وثقافتين
شفت شروا هالزِيجة ، وانت بنفسك شهدت عليها.. شفت خاتمتها ؟ ماتسر عدو
لف يوسف بقوة وهو يرى ابيه يقارن زواجه بزواج غزل & خالد ، مسك كفه وهو يقبل بقبلات متتالية بترجي وتذلل :
يبه لو انها شر راضي به، والله راضي به!
ولا اني بشاكيَ لأحد.. لو تلقوني احترق منها اتركوني! مستعد اتحمل اغلاطي
سحب سلطان منه كفه بقوة، وحده :
يالله عاد وقمّ وأسترجل!
الله هابو حرمة تخليك تركع عشانها!!
يالله ياربي ورا ماعطيتني عيال يمشون الحريم، ماهم حريمهم يسروونهمَ
ولا واحد فيكم برد قلبي في حرمته!
من بكرة امك تخطب لك وتروح تشوف غيرها.. وتدري كلامك كله خرابيط بس لانك ماعرفت غيرها
قاطع يوسف كلام ابوه بغضبٍ وهو حاسم قراره :
جيت اكلمكم لاني ما ابي اروح لحالي وانتم ماتشاطروني هالفرحة!
بس كأنك مستكثرها عليّ يايبه، ورقبتك اشرف من انك تكلم السليمان.. انا بخطبها بنفسي
واخوها بيروح الكويت.. وبلحقه لو يروح المريخ
جلس سلطان بصدمة وهو يستشعر نبرة ابنه :
ياشماتة السليمان وهم بيدرون من جيتك لحالك انك طالع عن شوري!
وان قبلوا بك بيقبلون شماتة.. عشان يعلموني انهم قدروا عليّ
وقفت عريب وهي تمسك بيد غنى الجالس على جوال جدتها، بأستنكار للمعركة الحادثة بالصالة بأبتسامة :
نطلع ياماما نلعب برا ؟
أمسكت غنى بيدها وهي متوجهه معها لباب المدخل، وقف عريب وهي ترى شادن واقفة بصدمة تعلو ملامحها
فهمت انها سمعت الحوار المشحون بينهم، تنهدت وهي تعقب بعفوية :
غبية لو ترده! شفت بعيونه شيءٍ لها مايتكرر بتاريخ العشق مرتين
شيءٍ يشبه عيون سياف وهو يشوفك!
وانتي ادرى الناس باللي بسياف لك!
هزت شادن رأسها بإيجاب، وهي تمسك بيد ابنتها وتخرج على صوت سلطان الغاضب بعد ان رضخ :
بنروح مرة وحدة يايوسف مرررررة وحدة!
ان قالوا لا ، بنرجع معززين مكرمين.. ومن بكرة تأخذ اللي تسوى طوايفها ولعد ينذكر اسم هالبنت بالبيييييت !!
حتى لو يمر بالك بالغلط، ترمي نفسك برصاصة في فمك


ولا تسمح لنفسك تفكر بها!
فز يوسف بإصرار فَرح بإستجابة ابيه، ناسي رفض خالد القاطع له :
تم!
/

\

/
كانت تجلس في الكرسي المقابل لمكتبه، يرتدي نظارته الطبية حفاظًا على نقص نظره من كثرة القراءة بممارسات خاطئة، متلزمًا باللبس التقليدي.. بـ ثوبه الأبيض وشماغه يعلوه.
اخرج من جيبه العلوي الذي يحمل قلمًا بني من ماركة عالمية. استطاعت ان تقرأ اسمها في مكانها من لمعتها، ليوقع الورقة الاخيرة
رفع رأسه لها لتخفض انظاره عنه قليًلا وتسقط على اللوحة الخشبية على مكتبه تحمل اسمه :
المحامي / فهد الفهد
أردف بعد ان لمّ بالموضوع، ووقع انفال على الاوراق المطلوبة والإجراءات وهذه جلستهم الاولى :
اللي افهمه منك يا أخت انفال
انك طلبتي من زوجك الطلاق بشكل ودي، ورفض ؟
هزت أنفال رأسها بالنفي وهي ترخي كتفيها على الأمام بقل حيلة :
من دون ما اقوله!
انا ابخص بـ زوجي، بيرفض!! بشكل قاااطع وممكن يسبب لي إزعاج من المضايقات حتى يصدني عن هذا الطلاق.
لجئت للطرق الاسهل، انا في دولة قانون!
القانون يجيب لي حقي وانا مرتاحة!
تعبت بما فيه الكفاية، ماعندي نية اتعب حتى بالخاتمة
عاد فهد بجسمه كاملًا على الكرسي، وتسند والقلم يلعب بين اصابعه وانظاره مازالت تتواصل مع انفال :
طيب يا اختي، بالمناسبة انا بعلمك عني شوي
انا ما استلم قضية الا عارف فيها من موكلي.. ومن خصمي!
من قبل تجين عندي هنا، والسكرتارية ماخذة منك معلومات طليقك، ما اكذب عليك
بحثت بتاريخه شوي.. عشان اخذ نظرة عنه
وما اضيع وقتي لو جت موكلتي بدون سبب يخليني اوقف بالمحكمة واثق
اكون مستعد اطرح الاسباب اللي عندي للقاضي!!
قضيتك مو بس سهلة، الا شربة موية
في جلسة وحدة يتم طلاقك
عقدت أنفال حاجبها بأستنكار من ثقته :
ليه ؟
رفع كفه وهو يعدد على اصابعه امامها :
زوجك مستقر في وظيفة، بالراحة راح يتقسم لبنتك مصروفها وبشكل كافي ووافي
الحضانة لك تلقائيًا، بنتك في فترة رعاية. وحضانة الأطفال للأم.
وبمصادري الخاصة، ومعارفي
عرفت ان زوجك مرفوعة عليه قضية زنا !!
ولكن للآن ماتم شيء رسمي حتى ماتم استدعاء لزوجك
لانها اليوم الصبح رفعت، من قبل شخص!
واتوقع تدرين وانها سبب طلاقك، بس ماتبين تتكلمين وتخلينها السبب الرئيسي للطلاق.
مع انه سبب وافي جدًا يطلقك وبالراحة
غمضت انفال عيناها بقوة!
تأكدت ان زوج غادة استيقظ من غيبوبته بعد الحادث وتوجه فورًا للجهات المختصة حتى يقتص من تركي.
ولو صحته الجسدية تسمح له ؛ لذهب واقتص بنفسه
كيف لا تعرف وهي من خططت لكل هذا من البداية، فضحت غادة عند زوجها وشككته
ثم جمعت تركي وغادة بمكانٍ واحد تحت انظار زوجها
تأكدت لان يأتي احدًا بحقها، الا من سيشعر بنفس معاناتها
وكان زوج غادة هو المنشود!
فتحت عيناها، ورفعت انفال سبابتها في وجهه بحدة غاضبة :
ما ابي اوقف بكرة بالمحكمة ويقولون بيطلقك لأنه زاني!!
ابيه يطلقني لاني عايفته!!
لا يوقفون الناس بكرة يقولون مسكينة خانها
ابيهم يقولون ماقدرت تصبر عليه
انا مو في موضع شفقة، هو اللي ينشفق عليه!!
عاد فهد بظهره للخلف من إندفاع انفال، ليهز راسه بدهشة ولم يتوقع ان يستفزها. ليردف بجدية :
اللي تبينه، بس انا اعلمك كل أساليبي
واعلمك دوافعي لو احتجت لا سمح الله ، وش بستخدم
قاطعته انفال بغضب :
وهذا السبب اللي ما ابيك تستخدمه ولا تفكر فيه حتى!
انا ما اجهل زوجي. قبل حتى ترفع القضية وانا ادري ان هذا مصيره
وانا اقدر اعلمك.. تراك ماجبت المعجزة
بس لاني ما ابي .. ماقلت
فـ لو سمحت لو بتستخدمها، علمني واتنازل عن توكيلي لك
انا جيتك عشان ارتاح، ماجيت احارب خوفي من جديد !!
رفع فهد يدينه بإستسلام :
انتِ موكلتي، وانا تحت امرك
اوصل صوتك فقط
وإذا قلتي لا ؛ يعني لا. لا تخافين
هزت أنفال رأسها بـ طمأنينة، ووقفت وهي ترتدي شنطتها الموضوعة على الطاولة :
باقي شيء ؟
هز فهد رأسه بالنفي، وهو باسطًا كفه للباب بأبتسامة :
سلامتك ، رقمك موجود في حال التطورات
خرجت أنفال من باب مكتبه التي كانت يد وهاد تطوله حتى تطرقه وبيدها مجموعة ملفات، ألتقت اعينهم سويًا
شعرت وهاد بأرتياب انفال ،ابتسمت ابتسامة ودودة وهي تمسك بكفها بحنية :
تراك في يد فهد ، ايدي امينة!
واللي له حق يأخذه ، مايهمني انؤخذ من مين من ولد اخوي ولا غيره
وعشان كذا انا هنا.. هذا هدفي
أبتسمت انفال وتنهدت بإرتياح ، توقعت من وِهاد أي شيء ولن تلومها إذا ماتعلمت الفصل بين العمل وعلاقات الرحم
ولكن بترت وهاد بكلامها والصدق المتدفق من عيناها، ذلك الخوف
خرجت انفال ودخلت وهاد على فهد الذي كانت عيناه على اوراقه وحاضرًا بسمعه محادثتهم، شيئا ما انتزع من صدره عندما سمعها تثني عليه على من نوى احد اهلها بشرّ!
وهو من قللّ منها، هذه فرصتها لتنتهز وتشوه سمعته.. او على الاقل تبعده عنهن لتقطع رزقه او حتى تخفي عنه مشاكلهم العائلية حتى لا يتشمت بها.
رفع رأسه لها فورًا وهو ينظر إليها في عيناها بجدية :
تبين تشاركين معي بقضية ولد اخوك ؟
رفعت وهاد حاجبها بحدة وهي تقاطعه :
طليق موكلتك، مسميات القرابة ماهي هنا محلها
أبتسم حتى ظهرت لها صفة أسنانه، وصغر إتساع عيناه من شدة ابتسامته. ليردف :
عز الله انك لها!
ابشري بها لو اني ماعطيتها وعد اتولاها بنفسي.. ولكن مايعيق تشاركيني فيها
والقضية الجاية تمسكينها
فتحت وهاد عيناها بإتساع مدهوشة بفرحة بانت في صوتها :
صدق ؟
سند فهد ظهره على كرسيه بإرتياح وهو يعقبّ على اهدافه الذي رأها بها :
انتي تحسبيني يوم مادخلتك على طول بالدُش ، لأني ما اثق فيك ؟
انا ما ابي اطلع من يديني طالبة ماصقلت فيها اي مهارة.. ما ابيك تمسكين قضية لانك محامية
ابيك تمسكين قضية لأنك تستحقينها.
انتي ساعدتك قضية انفال تقطعين اشواط كبيرة، ودريت انك مستعدة الآن !

\

/

\
خرج من غرفته مشمرًا عن ساعديه، حتى يتوضى لصلاة المغرب التي يوشك آذانها بعد دقائق معدودة، يستعد مبكرًا حتى يذهب للمسجد على قدميه ويغتنم اجر الذهاب متطهرًا، ماشيًا. فإن بكل خطوة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه خطيئة. ويصلي تحية المسجد
يغتنم اي عملا يحصد بِه أجرًا ، فلا يعلم اي عملًا يدخله الجنة.
حتى فتات الطعام على الطريق يرفعه ويحتسب النية لعلها هالفتاتةَ تقف امام الله تشهد على حفظه وإكرامه للنعمة وتنجيه من عذاب جهنم.
قاطع فتحه لصندوق الماء ، رنين هاتف جواله. عقد حاجبيه بإستنكار وهو يقرأ اسم المتصل ( سلطان الجامح )
أجاب ، وهو يجيب التحية عليه الذي القاها سلطان اول مافتح الخط :
وعليكم السلام يا أبو ماجد
حك سلطان ذقنه بإحراج من ردة فعل خالد :
وش اخبارك يا ابو ذياب ؟ والعيال والأهل ؟
اجابه خالد بهدوء :
نحمد الله ونشكره
اكمل سلطان من المقدمات المجاملة الذي اعتاد عليها :
مبطين عن شوفتك يا ابو ذياب
واعدنا بيومٍ يناسبك نبي نوجبك
مازال خالد يتمتع بنفس الهدوء الذي بدأ به :
خيركم سابق ، ولكن مايحتاج
رحلتي قريبة للكويت على خير
قاطعه سلطان بدهشة مصطنعة، وكأن يوسف لم يخبره :
افاااا !!
بدون لا حس ولا خبر. حقك حقك يا ابو ذياب
بفنجال قهوة!
متى يناسبك بكرة ولا بعده ؟
فضل خالد ردّ العزيمة بطريقة غير مباشر
فنفسه لا تطيق ان يرى احدًا من طرفها
تمنى لو يخبره بأن اخته.. فأذهب لتنهيها قبل ان توجبني
ولكن قُطعت حِبالهم منذ ان طلقها :
الكويت قريبة، متى مابغيتوا طلّوا
مجالسنا مشرعة بيبانها
ودّ سلطان ان يأتي هو الاخر بطريقة غير مباشرة اخرى لأخذ موعد لرؤيته، رغم ان الاولى لم تنجح :
ابد الكويت محلي وبيتٍ ثاني. وقريب بنصير اصحاب مجلس إن قاله الله
ليتجرأ وهو يلفظ :
وينقال مجلسك ومجلس يوسف. مجلسٍ واحد
ضحك خالد بسخرية مصدومًا!
نسى موضوع يوسف تمامًا، باله مازال مشغولا بغزل همها.
من اين خرج له هذا المختل ؟
جينات التخلف، وِراثة بهذه العائلة
عمته من قبله والآن هو!
ليس جحودًا بتخلف بقية العائلة، ولكن هولاء بمرتبة الشرف
لم يحترم رفضي وذهب ليخبر ابيه!
لن احرق اعصابي بِك.. سأحرقك انت
فكرة خبيثة راودت خالد وهو مبتسمًا بمَكر كمن يريد ان يخرج حرّة غزل فيهم :
حياكم الله ، بكرة المغرب
نشوف وش عندك يا سلطان.
عن اذنك الآن.. المساجد تنادي.
أغلق هاتفه ، ليتؤضى وهو يضحك بهسترية مريبة!
وهو يتخيل ردة فعله غدًا
ضحك مجددًا بقوة مخيفة. تعوذ من ابليس
وهو يسميّ بالله ويعيد وضوءه مجددًا
مخلصًا النية لله. لا يخالطها شوائب الإنتقام
إحتراما لله وتقديسًا وادبًا.
خرج من منزله، ليرن هاتفه.. رفع ليجد ( عذاري )
اجاب بحبّ وكأنه ليس الغاضب/ المندفع بإنتقامه وان كان بسيطًا ؛ ثأرًا لحزنه :
هلاااااا والله بخيتي
أبتسمت اخته الكبرى بحنية :
لا حس ولا خبر يابعدهم
تنهد خالد وهو يسبّح بمسحبته :
خليها على ربك.. تفرج
شغل ولويه
هزت عذاري رأسها بقل حيلة :
يعطيك العافية والصحة
اكملت بجدية :
تدري من منو تو حاطة التيلفون ؟
رفع خالد حاجبه بإستنكار من سؤاله له :
منو ؟
عذاري :
ام يوسف بن سلطان!
زوجة خال عيالك، اتصلت تبلغني حسب الاصول والعادات
رغم اني بعيدة.. قدرتني وجابت رقمي وطلبتني وش يناسبنا عشان يخطبون صمود لـ يوسف!
قالت الرجال بيجون ، وان وافقت البنت
نجيكم رسمي! ومع ذلك حطت خبر عندي بكل شيء
ضحك خالد بسخرية مجددًا :
نحوم السماء اقرب لهم من مواطي رجل اختي
مابقى الا الجامح نعطيهم!
بايعين بنتنا ؟ ولا لاقيناها بالسكّة مقطوطة ولله يامحسنين ؟؟
قاطعته عذاري بهدوء :
ادري ياخوي !
ولا يجهلني من اللي جانا من الجامح. حتى يوم عزيمة شادن
والله والله انه موس بحلقي لا ضحكت لهم عقب اللي صار ولكن عشان شادن ابلع الموس واقول ياحلوه!
صرنا احسن منهم وعذرناهم
قلنا اختهم مو مسؤولين عن غلطها.. ولكن اللي سووه في شادن يحرم علينا نرضى فيه!
ولكن ماعطوها مجرم، ولا خسيس
عطوها لواحدٍ لو تخطب لبنتك ما انت بلاقي واحد يشتريها كثره.
صح الطريقة خطأ.. ولكن المهم بنتنا مرتاحة
قاطعها خالد غاضبًا وهو يقف بنص الشارع دون ان يشعر بنفسه وخطورة وقفته :
لو تقنعني من اليوم لين بكرة
صمود بعيدة عن شواربهم!
هيتوا حرمتي.. اجرموا في بنتي.. والحين طامعنين في اختي ؟
غلطنا مرة وقلنا نتعلم، غلطنا ثانية وقلنا تووبة بنغلط ثالثة بعد ؟ صرنا حمييير
قاطعته عذاري بسرعة :
محشوم يا اخوي!!
ولكن انا اقول لك ان صاروا سيئين، الولد ماله دخل فيهم !!
انا اضرب لك مثال بسياف عشان اعلمك وش طلع من بينهم، واحدٍ ازين منهم
ولعل يوسف احسن منه!
ماله ذنب بـ غلطات اهله
الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض ، وفساد عريض )
لو انه اول رابط بينا زواج صمود.. قلت معذور
ولكن انت تدبست بالجامح بعيالك واحفادك ياخالد!!
يعني زواج صمود ماراح يغير ولا شششييء
قاطعها خالد بضحكة ساخرة ، غاضبًا من إنحياز اخته وعضده لأعدائه :
تدرين عاد وش النية ؟
مواعدهم بكرة ، بيجون معشمين وفرحانين وينتظرون عند باب بيتهم
بيشحذوني افكّ الباب
والباب ماراح ينفك.. بردّهم بـ رد واحد مايطلع من صلب السليمان. احد يرضى بولدكم )
الوجع في الضنا ، مايعور.
الوحع في الضنا ، يذبح.
واسأل مجرب!!
العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم
مسكت عذاري رأسها بقلة حيلة وهي تكرر من الحوقلة، من ردة فعل اخيها الذي انفجر دفعة واحدة ويكاد ان يسبب مشاكل تدمر بيت ابنته :
يا اخوي لا يكبر الموضوع ويرجع بطلاق بنتك المرتاحة المبسوطة! ترا حتى هي لها ضنى
هز خالد كتوفه بلا مبالاة :
حياها الله
المقعد الواحد للكويت بيصير مقعدين
وتحسبيني بخليها تحت رحمة الجامح ؟
أرجل عيال اخوي وسيّد رأس المجالس وهامة على رؤوس الرجال اللي طرف شماغه يسوى ارجل رجاجيل الجامح. بيأخذ شادن
تطلع من عدتها من هنا
وبتدّق الطبول ، وبنعلق العقود ، والحلو على كل بيوت الكويت بيتوزع!
ماقد مسكت بيدي سلاح.. بمسكه بـ ذيك الليلة
برعد في السماء لين يسمعوني وسط الرياض
ويدرون ان لما بنتي تأخذ النسب الصح
انا وش بسوي!
ذرفت عذاري دمعةً حارة من فرط ماتشعر بِه من حرارة على حال اخيها!
لأول مرة يتحدث اخيها بـ تلك اللهجة
يتحدث بطريقة افزعتها.. كأنما شخصًا استعار اخيها
يبدو كـ شخص لا تعرفه!
تجهله تمامًا :
من حر ماتؤنس ياخوي قاعد تهذري!
انت العاقل ، الرزين ، تاجٍ على رؤوس السليمان يا اخوي!
اثق فيك حتى وان كنت اسمع منك سمعي لواحدٍ ما اعرفه!
اللي اعرفه اليوم اني اثق فيك.. وسووا اللي تبي
ولكن طلبتك طلبه!
عشان خاطري وخاطر صمود وخاطر بنتك الوحيدة!
لا تظلم صمود !!
إن رديت واحدٍ كفو ، تراك ظلمتها وقطعت رزقها
لأن النصيب رزق
وقطع الاعناق ولا قطع الأرزاق
ولا تظلم بنتك !!
تراها شافت من الدنيا مايكفيها ، لا يصير عقب ماكلنٍ شبع من عذابها
تجي يا اخوي انت وتكملها
والله ان تموت البنية! وذنبها برقبتك
أغلقت عذاري السماعة وهي تسمع إقامة الصلاة.
تاركة خالد مايزال واقفًا في محله
محبوسًا بأفكاره
تكبله وصايا عذاري
تسؤول له نفسه الأمارة بالسوء أن ينفذ ماقاله لها. وق ف في منتصف الشارع البيت من خلفه، والمسجد من امامه. لن يحضر للصلاة وعقله ليس معه
ليس جوهرًا يقابل بِه رب العالمين، ليس من الأدب مع الله أن يكبر له.. و همًا لا يساوي فتاتة. يشغله عن الأكبر والأهم.
عاد بأقدامه لمنزله
فتح باب الشارع على ضحكات غنى الصاخبة بالحديقة وهي تركض ومن خلفه شادن تلحق بها ضاحكة على ضحكات ابنتها
تضحك بحرية لا تقيدها شوائب الهم،الذي كان يراها بعيني ابنته قبل ان تعود حياتها طبيعية مع زوجها.
تركض خلفها بخفة، دون ان يرى إحتواها لنفسها بإنحناء كتوفها، وكأنها تحتضن نفسها.
عندما يقدم على قراره غدًا .. ربما يصدق كلام عذاري ؛ وتعود ابنته عليه!
ولكن هل تعود أيضًا ابنته قبل ان تتعدل حياتها ؟ هل سيعود همًا ظنوا انهم مفارقيه ؟
هل هو مستعد ان يستأثر لنفسه ؟ وعواقب الثأر تعاسة ابنته.
هو أب .. وأن كان حاقد
هو أب .. وأن كان مجروح
هو أب .. " الذي تطلبه نجمة ويعود بالقمر "
هو أب .. الي يتنازل عن قيلولة مابعد كِفاح يوم مشقة وعمل، في سبيل حلاوة من المتجر تريدها أنت.
هو أب .. يدوس على المستحيل ويجعله لك ممكنًا.
هو أب .. والأب لا يخون!
ابتسم وهو يرى غنى تتشبث بساقه بفرحة عندما رأته لاول مرة منذ اتوا!
حملها وهو يقبل خدها بحنية :
حيّا الله اللي ما اغلى من امها ، الا هي
قبلت شادن رأسه بحب يشع من عينيها، عيني نادمة بأنها تسببت بحزن ابيها بإخباره عودة امها :
يخليك لامها.. تراها الدنيا من دون رضاك يايبه ؛ مرة!
هز خالد راسه بقلة حيلة، وهو يتذكر ردة فعله ذياب تجاهه :
ما قد غضبت عليكم ، حتى وأن ما ارضيتوني!
انا ماجبتكم للدنيا تطيعوني واسيركم على مزاجي. جبتكم للدنيا اسعدكم
بس والله في اسوء ظنوني مادريت ان اللي صار كل هالسنين ؛ ان بيصير
لو كان عندي 1% اني بشقيكم بهذه الدنيا، والله ماتجرأت اترك لي خلف!
بيحوني يا ابوك ، بيحوني وحللوني
قشعريرة حادة سرت في جسد شادن ليتقشعر جسدها ، ويكش.
شعورًا حادًا مريبًا راودها، مسكت بكف ابيها بقوة وهي تلفظ كل التبريرات التي اتت في بالها :
يبه ان كان ذياب قاط عليك كلمة عشانها ، جعله مايربح!
والله والله والله يايبه ان الدنيا مرّة ولا فيه شيء غيرك يحليها
يبه يوم ربني بلانا بشيء ، عوضنا فيك
ربك ينزل البلاء وانزل معه الرحمة، انت اللي رحمنا ربي فيه يايبه!
ابتسم خالد وهو يقاطعا مقبًلا رأسها ويحتضنها بذراعه الاخرى، لان الأولى يحتضن ابنتها فيها :
يبرون فيك عيالك يبروون!!
والله انك ماء بارد في عز صدمتي باخوك كنتي!
لا تحسبين ربك ينسى.. بكرة بتشوفين عيالك يبردون قلبك في عز حرقتك
نظرت إلى وجه ابيها بإرتياح ، كان في ابهى طلة رأته فيها، مشرقًا. مبتسمًا.
ارتاحت بأنها خففت عنه ، حتى تغير حاله عن الحال الذي دخل به.
نزل خالد ؛ غنى إلى الارض وهو ينظر إليها بجدية :
وش رأيك بيوسف ولد خالك ؟
ما اشوفه الا في المجالس. ما اسمع صوته ولا حسه، هادي جدًا ولكن كم مرة افتح معه موضوع
اشوفه واعي وفاهم، ولكن كلام ابوه عنه ؛ يعاكسه.
بس انتي عايشة معه في بيتٍ واحد، وانتي اخبر فيه مني
ابتعدت شادن عن ابيها بإستغراب ، وبعفوية اندفعت بها في نفس الوقت كمن هيئت لها الاسباب ان تتحدث عما يقلقها :
يبه يخوفني مرة!!
نظراته تذكرني بسياف اذا عصب! دائمًا يناظرني بعصبية ولا ادري ليه!
بس حنون مرة مرة مع غنى ويحبها ، ودائمًا يكرمها الله يسعده. يحرجني بدلعه الزايد
ما اعرفه كثير بس
تعجبني علاقته بخوااااته ! ومن كلامهم عنه بانه اطيب اخوانهم ويشاركهم اهتماماتهم ويشجعهم
وحتى سياف كم مرة يتذمر من امه وابوه
بانهم يصغرون الولد ويستحقونه وهو مافيه الا العافية. بس مالهم كلمة عليه في حضورهم
رفعت حاجبها بشك وهي تذكر كلام عريب، والنقاش الحاد الذي دار قبل ان تأتي.
وكلام صمود عن خطبة يوسف لها ورفض خالد :
ليش يبه ؟
قبل رأسها خالد بحنية ، وهو ينوي العودة للمسجد :
انتبهي لنفسك يابوك ، ولبنتك.
ارفعي كفوفك عن ثأرٍ ما يقدم ولا يأخر.. والموت الموت أن كان بيضر عيالك
ابتسمت له شادن وهي تحتضنه بقوة! حضن طال.. وذراعيها المعقودة على صدره
وخشمها المدفون في عنق ابيها، وريحة عوده وبخوره تقتحم جيوبها الأنفية.
لم يبعدها خالد، لم يعلق.. تركها تشبع من حضنه.
/

\

/
من المَشرق .. أشرقت الشمس
تغطي أشعتها أرض الله الواسعة ، تغلف حرارتها مدينة كاملة صحراوية.
تقلع طائرات.. وتهبط طائرات.
بعضًا فرّ، وبعضًا عاد.
الفار عَلم أن الهروب نصف الشجاعة.
والعائد عَلم أن العودة برغبته، شرفًا لن يناله إن عاد رغمًا عنه.
فتحت البوابة الزجاجية تلقائيًا عند مرور شخصًا منها.
فتحت بوابة الخروج من المطار الدولي.
فتحت لـ تضع ريناد ذراعها على عيناها حتى تحجب اشعة الشمس عن وجهها وهي تضيق عيناها تبحث عن جلوي.
يقف مستندًا على سيارته ، ابتسم بعفوية بعد ان رأها. هامسًا وهو يقترب :
نورت الرياض!
ابتسمت ريناد وهي تحتضنه بحب :
كاسيها نوركم .. من قبلي!
/

\

/

تكسو حرارة أشعة الشمس المنازل الدافئة بالحب والحنان، ولمة الأسرة.
وتغدق أفرادها، حتى تكاد الشمس تشرق من جبينهم.
غطى تركي جبينه بكفه ، وهو يضيق عيناه بعد ان فتح باب الشارع ، وهو يمضغ لقمة من فطوره يستمد منها طاقته قبل ذهابه لعمله
ابتلعها وهو يحاول أن يتعرف على ملامح الرجال الواقف امامه بهيئة لبقة ، ومرتبة. ويحمل بيده ظرف أبيض كبير :
سمّ يا اخوك ؟
الرجال وهو ينظر بالملف الذي يحمل ملصق عليه العنوان والأسم :
الأخ تركي الجامح ؟
هز تركي رأسه بإيجابية :
وصلت خير ، سمّ
مد له الظرف وهو يهمّ بالمغادرة :
هذه من المحكمة. احضر بالموعد
عن اذنك
عقد تركي حاجبيه بإستنكار وهو يمزق اللاصق بقوة في طريقه لدخوله منزل اهله. بعد ان اغلق الباب بطرف قدمه
وقف بنصف الصالة وهو ينظر إلى العنوان بصدمة!
رفعت حصة والدته رأسها باستغراب :
مين اللي جاي من الصبح ؟
اخذ والده كوب الشاهي من الطاولة بضجر :
لا يكون اللي بيدك فاتورة الكهرب ؟ وش مرسلينه بالورقة ؟
وهو كل شيء بالجوال الحين
رفع تركي رأسه والصدمة تعانق ملامحه ، تائهًا في عيني والديه :
انفال طالبة الطلاق !
فتحت امه عيناها بدهشة وهي تضرب كفيها في بعض :
لا حول ولا قوة إلا بالله
قاطع مرور سحابة الصدمة عليهم، رنين هاتف تركي
ليرفعه ببطئ وهو يقرأ رقم غير معروف على هاتفه ليجيب بقلة حيلة :
نعم ؟
ليجيب الطرف الاخر برسمية :
السلام عليكم اخ تركي ، من فضلك
راجعنا اليوم القسم فرع الـ…
فتح تركي عيناه بصدمة تفوق صدمته الاولى ، والصدمة جففت ريقه :
ليه ؟
هز الرجل رأسه برسمية اكبر ، وهو يهمّ بالإغلاق :
كل شيء بيوضح لك ان جيت ، بإذن الله.
سقط على ركبتيه وهو ينظر إلى والديه بصوتٍ من نبرة جافة :
حتى القسم طالبيني !!
مسك ابيه رأسه وهو يدور على نفسه ويكرر من الحوقلة.
لا يعني بزوغ الشمس في كل يوم يعني بداية جديدة، ربما بداية لرحلة عناء ومشقة طويلة.
الشمس إن غابت على بيتٍ متماسك، ربما تبزغ لتشتته.
/

\

/
توسدت الحرارة سريعًا مقابض أبواب السيارات. افلتت يدها سريعًا من باب السيارة
تسندت على عكازها، وهي تغلق الباب خلفها
تنفست بإرتياح.. تنفست شيئًا آخر بديلًا من نسيم الصباح. الذي لم يخلو من السموم واللواهيب
ضريبة حلاوة الرياض.
اخذتها اقدامها واقدام عكازها
إلى حين المكان الذي غادرته امس فَزِعة.
عادت إليه اليوم برغبة مصرة/ مُلحة، أكثر من التي أتت بِها أمس.
وقفت عند الباب تنظر إليه وهو مرتديًا ثوبه ، ومنحنيًا على والدته يقبل رأسها.
وملابس عمله مرمية بإهمال على طرف سريرها.
رفع كتفيه منها ليلف بجسده حتى يأخذ ملابسه
رأى اطراف اقدامًا تزين اطراف ساقها ؛ عبائتها.
لم تكن قدميًا بشرية.. كانت اطراف عكازتها ايضًا
رفع رأسه لها بصدمة
وجدها في طِلة يخطئ بالتفريق بينها وبين إشراقة النهار!
تنظر إليها في حياء ، لترفع كوب القهوة الثاني امام وجهها
تختبئ أفنان خلفه بصوتٍ منخفض :
يا رب انك مابعد تقهويت!
أخذها ذياب من يدها بهدوء ومازال الصدمة تعانق ملامحه ، ليجيب بنبرة رسمية :
كان واضح لي قرارك أمس ، واحترمته.
عفوًا أفنان.. انا اعتذرت منك اني اقحمتك بمسؤولياتي
ولكن ايضًا ساعدني تكونين قد كلامك!
هزت أفنان راسها بهدوء وهي متوقعة اي ردة فعل منه :
انا فعلًا قد كلامي وخذ بكلمتي الاولى
قلت لك بكون معك.. وجمبك يا ذياب!
الحمل الاولى ، بنتقاسمه
بس امس كنت تحت تأثير الصدمة من هول ماشفت.
ومحد اشطر منك يدري بـ عواقب الصدمة وش تسوي!!
انا اذا اظفري حك بالارض ، بتقشعر جسمي
مابالك باللي شفته في أمك ؟
انت بعد ساعدني بأنك تفهمني
انت طلبتني إنسانة اعين واعاون.. ماطلبت جدار!
ابتسمت أفنان وهي ترفع اصبعها الخنصر :
صحيب ؟
لم يبالي ذياب بكل تِلك الإيحاءات اللطيفة
ليتجاهلها بغضبٍ يحاول ان يهذبه :
ولاني ادري اللي امس ماهو شيء يمر مرور الكِرام
بعيفك من طلبٍ طلبته وياليتني استخرت
قاطعته افنان رافعةً حاجبها بحدة :
انا راضية!
تبي ترفضني شيء راجع لك بس انا قاعدة هنا!
وبمجرد ماتفتح عيونها بتعرفني واعرف شلون افرض نفسي لين تصير تتقبلني اكثر منك
ابتسمت بعفوية حنونة حتى تقنع ذياب :
لا تخليني احطك برأسي! واسرق امك منك
زفر ذياب بغضبٍ وهو يلف برأسه بقوة نحو الجهة الاخرى
ينظر إلى الفراغ بتفكيرٍ عميق، يفكر مرارًا وتكرارًا قبل أن يقدم على هذه الخطوة مجددًا !
مرت ثواني طويلة
حتى رفع ذياب رأسه ورفع كوبه ايضًا مبتسمًا بهدوء :
انتِ رحمة من ربي على هذه القهوة هالصبح!
مواصل لي يومين معد اقدر افتح عيوني
أشارت أفنان إلى غرفة المناوب ، بطرف السيب بعينياها :
مافاتك شيء !!
انا بكون عندها وانت تقدر تأخذ غطة
رفع ذياب ثيابه بقلة حيلة متنهدًا :
عندي دوام بالليل بروح البيت اخليهم يغسلونها واتسبح
وإن شاء الله برجع بعد شوي
قاطعته افنان بحدة :
لا تشوفك عيني!
ماتثق فيني ؟
قاطعها ذياب بإندفاع :
ماهو المقصد ولكن ما اقدر
قاطعته افنان وهي تمد كفها في وجهه :
خلاص اوش!!
لا اشوفك قبل الظهر. إذا جيت بمشي حياك الله
انا موجودة هنا ، وماراح اتحرك
وجودك ماله فايدة
رح نام وريّح ، خلها إذا صحت تكون مروق معها
مو اعصابك تلفانة وتخوفها
/

\

/

تشير xxxxب الساعة إلى الرابعة عصرًا.
وتشير ساعة السماء إلى ظل كل شيءٍ مثله.
يقفون جميعهم سويًا كبنيانٍ مرصوص
يحاوطونه كـأنهم يخبرونك بأن العائلة ظهرك إن انكسر عودك!
يحاطونه ورِقابهم منكسة ولِحاهم تقطر دموع
يقفون حوله بثيابهم البيض.. وشمغهم. كلا منهم تلثم بشماغه، يسترون دموعهم والحزن عاري!
‏فـ الحزن خيّم على صدورهم واحتلها.
ربت أبو تركي على كتفه بصوت هزيل ، مهموم وهو يخفض لثمة شماغه عن فمه قليلًا حتى يتضح صوته لكل من في المجلس :
لله ما أخذ ولله ما أعطى
والحمدلله الذي كل شيء عنده بمقدار
إن شاء الله الصلاة عليه بكرة الظهر.






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-20, 02:24 PM   #42

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



كان يترأسهم سلطان الجالس بجانب ذياب
ينظر بحزن يفتك بقلبه إلى ابن اخته ، الذي حملوه رجلًا يقفون له الرجال على اكتاف رجال من الرجال الذين يهابونه جميعًا إلى منزله.
وأكمام ثوبه مبهذلة بعد ان رفعوها حتى يحقنونه المسعفين بإبرة مهدئة. وممزقًا من عند الصدر.
/

\
قـبـل أربع سـاعـات
/

\
يقف ذياب أمام باب غرفة ابيه بعد أن أتصلت شادن به غاضبة، ليعجل بأبيها ليأتي للدوام.
أخبرها انه سيحاول وإن لم يستطع فلا تضغط عليه. بعد أن أعطى العاملات ثياب دوامه ليغسلونها. ووضعوها امام باب غرفة ابيه.
تجرأ وضرب الباب ثلاث ضربات متتالية.. لم يأتيه اي رد
سوا لفحة الهواء الباردة الصادرة من التكييف، اسفل الباب
فتح الباب بهدوء
أبتسم وهو يرى هيئة ابيه من ظهره تنام بسلامٍ على سريره، اقترب منه بهدوء وهو يردد بداخله بتمنيّ :
لا خلا حِسك ولا زولك يا أبو ذياب!
لا خلت الدنيا من دونك.. مانبيها من دونك يالقلب الحنون.
هزه كتفه بكفه بحنية وهو يقبل رأسه :
يبه
عاد برأسه للخلف ببطئ بإستنكار وهو يشعر برأس ابيه باردًا
لف بجسده وهو يأخذ جهاز التحكم ويطفئ المكيف ، عادًا مجددًا بهز ابيه ورفع صوته حتى يستقيظ :
يبه .. يا ابو ذياب
ضحك وهو يناديه بأسمه حتى يمازحه :
يا خالد السليمان قمّ .. أسرفت بالنوم وخلصته على بني آدم!
رفع ذياب حاجبه بإستنكار!
هل يعقل بإن هذا زعل حادًا من ابيه بسبب امه ؟ يتجاهله ؟
فكرة زعل ابيه ؛ تخنقه
سحب ابيه من كتفه بقوة.
التي خالد نحو ذياب بقوة ليسقط رأسه على الجهة الآخرى برأسٍ ثقيل وجسدًا صلبًا قويًا
بوجهٍ خُطف لونه ؛ بسبب توقف تدفق الدم.
بحرارة جسدًا باردة ؛ بعد أن تحررت درجة حرارة الجسم ليأخذ درجة حرارة الغرفة كالجمادات.
بعيني مغلقة ، وشفتي مبتسمة رغم الزبد الذي كان يلطخها ويلطخ جانب فمه.
عاد خطوتين للخلف .. وآياتين كان يكررها ابيه عندما توفت جدته تتردد بدماغه :
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )
سقطت عيناه على يد ابيه الذي سحبه منها، وكفه مقبوضة الا السبابة رفعت للأعلى !
كان يتشهد! كان يعلم بأنه الموت آتيًا لا محالة! كان يعلم بأنه مفارقهم! كان يعلم بأنه حان وقت رد الأمانة فـ رُدت الروح إلى الله!
( كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق )
من امامه ليست سوا الا جثة كانت ابيه!
ابيه الآن روحًا لا جسدًا .. روحًا في السماء !
صـــررررخ ذيااااب الذي لم يتكنى يومًا سوا بـ ( العاقل/المتزن/ الهادئ )
صرررررخ وهو يمزق ثوووووبه من هول المصيبة :
ييييييييبببببببببببببهههه هههههههههه
تراكضوووا العاملات من الاسفل للاعلى جميعًا بخوفًا من صوت ذياب!
اندفعوا جميعًا للغرفة مصدر الصوت ليصرخون جميعًا مع ذياب من شكل خالد الملقى على سريره جثة هامدة!
هرعت واحدة منهم لتتصل بالإسعاف ، وبجميع من تعرفهم على انهم اصدقاء واقارب ذياب بداية من سياف وجلوي انتهى بـ سلطان!
ماكانت الا نصف ساعة الا ليتشرع على مصراعيه باب بيت خالد السليمان !
ليتراكضون جميعًا
المسعفين يدفعون بين يدينهم النقالة الطبية، ومن خلفهم مسعفًا آخر بيده حقيبة الإسعاف ليحاولون مجددًا قبل أن يعلنون وفاته!
ومن خلفهم يركض سياف بثوبًا لم يلحق بإن يقفل ازراره وهو كان يتناول إفطاره ، وبجانبه جلوي ببدلته الطبية الذي خرج من دوامه، ومن خلفهم سلطان يركض وشماغه على كتفه ممسكًا بيده يوسف يعاونه الذي مازال بـ بنطلونًا وبلوزة قطنية.
ماكانت الا دقيقة والغزو انتقل إلى غرفة خالد، يحاولون المسعفين سريره. والبقية يحاوطون ذياب الجالس على الأرض بعيني حمراء وجسدًا هزيلًا
ورأسه يستند على الجدار ، ينظر إلى الفراغ ولا أحدًا فيهم يعرف مايفكر بِه ؛ دون أن يبالي بوجودهم جميعًا.
لف المسعف الأول الذي بمجرد ان رأى خالد عرف بأن الروح خرجت منذ زمن، بأسف وهو ينظر إلى حال ذياب بحزن :
عظم الله أجركم!
رفعوا المسعفين جثة خالد ليضعوها على النقالة لينقلوه إلى ثلاجة الموتى.
مسك سلطان رأسه وهو يحاول ان يثبط نفسه لا يلحق بخالد جثةً من الفاجعة، فقدوه بلا مقدمات!
كان سيرأه الليلة في منزله ولكن لم يخططون ان يرأه في عزاه
اتفقوا بأنهم سيتحدثون ولكن لم يتفقون بأنهم سيتحدثون بمحاسن ميتهم
لمح له بأنه سيعطيهم ! ولكن لم يلمح بأنه سيعطيهم عمره :
لا حول ولا قوة الا بالله!
يااا رب ياااااا رب
احتضنوا جلوي ويوسف بعضًا من وقع الخبر عليهم وهم يدفنون رؤوسهم في عنق كل واحد منهم الآخر
رفع ذياب رأسه لسياف وهو يسمع لأول مرة خبر وفاة ابيه!
الذي جلس هنا ساعة ينازع الحقيقة، سقطت من شفتي المسعف على مسامعه بكل سهولة
وجد سياف يهز له رأسه بإيجاب وكأنه يفهم مايفكر به
صرخ ذياب مجددًا ولكن هذه المرة يصرخ صرخة يتيم .. لم يفقد ابيه، فقد الدنيا الذي لا يعرفها الا فيه
صرخ وهو يبكي بحرقة لم يخشى بأن يرى احد دموعه ، صرخ وهو يمزق ماتبقى من ثوبه مجددًا كمن يكشف عن صدره
ليسمح بأن تفارق هالروح ايضا جسده ويلحق ابيه، فهو من مارس الطب، واتقن الجراحة، وعَرف اسرار الدماغ، وحفظ مسارات الأعصاب، تعلم ثلاث لغات أجنبية لم يتعلم كيف يعيش دون ابيه. لم يضعوه في مناهج المدرسة ولم يتضمن خطته الجامعية ولم تقدمه معاهد. تركوه جاهلا لأول مرة!
/

\
مجلس خالد السليمان - الآن
سلطان بتعقيب على كلام ابنه :
خلِ العزا في بيتي ياذياب!
خليني اوفي اللي ماوفيته حقه وهو حي. أوفيه وهو روحه في السماء وبدنه تحت الأرض
هز ذياب راسه بالنفي، وهو يستشعر بأن هذا اخر حق لأبيه عليه امام الناس :
بيته شاله هو وضيوفه ؛ وهو حي
بيشيل ضيوفه وهو ميت!
بيتذكر طاري ابوي وسيرته في محله ومكانه، بتشهد هذه الجدران على ذكراه يوم انها شهدت حضوره
أكمل بنهرٍ لرأي سلطان ، وهو يشددّ :
بيت ابوي بالرياض وبيت ابوي بالكويت .. كلها بتنفتح للعزاء الثلاث ايام كاملة!
وكثر الله خير من تعنى!
وبندفنه بالكويت!! كان بخاطره الكويت!
بخليه ينام بين اهله وخلانه، ماهو تحت ارضٍ نذر على نفسه مايدخلها. ارضٍ عمرها ما انصفته!
وانا بصلي عليه وبوجبَ اهلي وعزوتي اول يومين، والثالث بجي عزاء الرياض اوجبّ معارفه هنا.
هو ابو ذياب وشال اسمي ثلاثين سنة!
والحين دوري اشيل اسمه ماتبقى من عمري. اتركوني
وقف وهو يتوجه بثقلٍ ليخرج من المجلس وهو ينظر إلى باب الشارع الذي مازال مشرعًا ويزين اعلاه
( خالد السليمان )
ومن تحته ( ماشاء الله تبارك الله ) بخطٍ اصغر.
لف ذياب على سياف بهدوء :
بيعطونك الخدم اسم الشركة، كلمهم يجون يشيلون ماشاء الله ويكتبون
همس بحرقة : رحمه الله!
خَله توصله دعوات المسلمين، قبل مايتركونه في حفرةٍ لحاله.

خرج ذياب وعيونهم تتابعه، لف سياف بهدوء على ابيه :
هذه حزة رجعة شادن البيت! شلون ابلغها ؟
تنهد سلطان وهو يمسح بكفوفه وجهه بهمّ :
وانا ابوك ما ادري !
شايل هم حتى عمانهم بالكويت، شلون ابلغهم بأن اخوهم ودعوه طيّب وبيرجع لهم جثة!
تنهد جلوي وهو يهمّ بالمغادرة :
لازم تستعجلون! هذه نهاية محتومة
أهل المرحوم هناك لازم يكونون مستعدين يخلصون الإجراءات ، وشينة اخيتي تسمعه من غيركم.
/

\

/
رمى نفسه على كرسي مكتبه بإرهاق ، كان نهار حافلًا شاقًا من التحري والبحث خلف القضية التي تكاد تكمل السنة منذ استلمها ولم يتقدمون خطوة واحدة. وهو ينوي أن ينهي الليلة زواج ثنيان & شذى ويوفي بوعده للجازي. أخذ هاتفه من درج مكتبه العلوي
وهو يبحث عن رقم ثنيان حتى يأخذ منه موعدًا الليلة قبل إعلان خبر ( زواجكم باطلًا )
عقد حاجبيه بإستنكار وهو يرى أتصالات كثيرة من جميع اخوانه! انقبض قلبه بخوف من فوج الأتصالات المفاجئة!
قطع تساؤلاته دخول زميل بنفس رتبته ومن يرأسهم وفارس! الرجل الذي مسك معه القضية من البداية، وطلب إعفاءه عندما شككّ بأهل بيته
اقترب منه رئيسه بهدوء :
يا أبو وصال!
املك كل الصلاحيات بإعفائك من القضية، ولكن انا برجع لك لأني اثق فيك وفي عدلك وفي ميلك!
وفي أخلاصك لقسمك لهذه البلد والوطن!
عقد حاتم حاجبيه بإستنكار وهو يقاطعه بحدة ، مؤكدًا كلامه :
هذه الأرض يرخص لها الغالي والنفيس! حتى روحي فدا ترابها!
ماني في محل شك بوفائي لديرتي! السيفين والنخلة في قلبي وبين عيوني! ثمن كلامك يا ابوي !!
أبتسم رئيسه بفخر بأن كل هذا الحب ينهمر على وطنهم.. فلا عليها هذه الارض خوف إن كانوا هذولي الرجال ؛ رجالها :
جهز دورياتك وبلغ كل الجهات المختصة.
قضيتك يا ابو وصال.. انكشفت مخافيها! وإن قالها لله الليلة تتسكر بأسم الفاعل وبنمشي الآن كلنا نوفي القسم ونجيب العدل ونوفيه.
دق حاتم التحية ببدلته الرسمية ، ونجومه على كتفه ، وسلاحه على خاصرته، وشاراته على صدره يزينها اسمه الكامل ( حاتم بن سلطان الجامح ):
امرك سيدي
اقترب رئيسه وهو يمسح على اسمه بهدوء بطرف سبابته ، رفع عيناه لعيني حاتم :
بنقفل الليلة القضية بأسمك تكريمًا لجهودك بعد القبض والتحقيق وإثبات التهم على
( يوسف بن سلطان الجامح )!

/

\

/
يقفون عريب، ترف، لدن.. بجانب بعضهم البعض امام نافذة الصالة العلوية. أشبه بالبلكونة تكشف لهم الشارع.
أنقبض قلب ترف لتضع يدها على صدرها بخوف!
وهي ترى سيلًا من سيارات التي يزين سقفها صوت الصافرات، ليعمّ الصوت الحي بأكمله!
في جزء من الثانية حاوطت السيارات جميعها المنزل كاملًا ، وقفت سيارة من السيارات امام باب البيت لينزل منها ضابطين يرنون جرس البيت!
ألتقت عيني عريب ولـدن بقلق.
همست ترف وهي تجلس على ركبتيها بعد أن لم تعد قدميها تساعدها على الوقوف!
فلا قوة للأقدام بأن تحمل ترف وقلقها وتساؤلاتها.. ثقيلة جدًا :
اتصلي على ابوك! لا يجون لا يجوون
قاطع توصيات ترف ، وقوف حاتم على اعلى الدرج بوجهٍ أسود!
نظر إليهم بنظرة مخيفة ، من يقف امامهم يشبه ابنهم.. وليس هو
همس وهو يرفع ورقة اعتصره بيده :
بأمر من الجهات التالية المذكورة ، البيت بأكمله يخضع لتفتيش !
خصوصياتكم محفوظة ، كونوا في اي غرفة لين نخلص شغلنا !
غمض عيونه وهو يشعر بإن الكلمة ذو مخالب تتشبث بحنجرته ، تعاقبه على لفظها بـ تجريحه :
بنبدأ بغرفة يوسف.. ابعدوا عن هنا
رفع صوته وهو يلف على رجاله الذي ينتظرونه بأسفل الدرج :
الطريق خالي !!
وخلوا بقية الدوريات تنتبه ، المشتبه فيه قادم الآن
اردفها بذكر مواصفات سيارة ابيه ، لف على لدن بلهجة شديدة التهديد :
إن وصلهم خبر ، تراكم شركاء في الجريمة!
سقطت ترف من طولها مجددًا ، لتمسك بها يدي لدن وعريب واعتلت شهقاتهم ببكائهم وهم يدخلونها لغرفة بناتها.
ألقوا بها على سرير لدن الذي هرعت بعمل الإسعافات الاولية لامها وهي تبكي بحرقة وكلمة اخيها تتردد في اذنها ( شركاء في الجريمة )!
كانت عيني حاتم تتبعهم وهم يدخلون بها الغرفة وقلبه قسم ارباعه! ربعًا ليوسف، و ربعًا لأمه، وربعًا لنفسه، وربعًا لأبنته وحياتها!
قطع حبل عواطفه وافكاره ، صوت الجهاز اللاسلكي وهم يعلنون عن وصول سيارة بنفس المواصفات!
نزل يركض بخطوات سريعة ، تاركًا رجاله يبحثون في غرفة يوسف عن أدلة تدينه !!
وقف عند عتبة بيتهم ، وهو يرى سيارة ابيه تتوسط سيارات الدوريات
رأى سياف وابيه ينزلون بعجلة من السيارة الخوف يختطف لونهم، وملامحهم باتت يغطيها الشحوب من المنظر المهيب!
سيارات الشرطة تحاوطهم ، ورجالًا بأعدادٍ لا تحصى ينظرون إليهن وأسلحتهم بأيديهم تحسبًا لأي وضع آمني خطر
تنفس سلطان بإرتياح وهو يرى ابنه حاتم يترأسهم :
يايبه وش صاير ؟ وش السالفة ؟
ورا بيبان البيت مشرعة وليش كل هالسيارات!!
سقطت عيني حاتم وهو يرى يوسف من خلف زجاج السيارة ، لم ينزل ولم ينظر لأي شيء منذ أن اقبلوا على الحي!
فقط ينظر إلى مواطئ قدميه
اقترب حاتم بهدوء من السيارة وهو يفتح الباب
مسك بيدي يوسف وهو يجهر بصوته :
تم القبض على المشتبه به في حالة إستسلام تام ، انزعوا أسلحتكم!!
كبل حاتم كفوف يوسف بالحديد ، ليخفض صوته :
تملك كامل الحق بالصمت ، إلى حين تعيين محامي.
أمسك حاتم الواقف برزانة ببدلته العسكرية بذراع أخيه المكبل بالحدائد وهو يمشي بِه تحت أنظار العساكر المنبهرة بذلك الضابط الشجاع ، وابناء عائلته المصدومة ، ورِجال جيرانه المتسائلة .
إلى السيارة المجهزة لنقل يوسف. وقف رئيسه امامه وهو يبتسم بذلك الفخر ذاته وهو ينظر إليهم وهو يرفع الجهاز اللاسلكي ليبشر الجهات المختصة، المنتظرة :
تم القبض على المشتبه به يوسف بن سلطان الجامح من قِبل الضابط حاتم بن سلطان الجامح!
/

\

/
دخل منزله وهو يقفل الباب الفاصل بينه وبين بيت اهله، تنهد وهو يفتح لثمته بـ شماغه. مسح بكفوفه على وجهه وهو يهمس بحرقة :
يا رب عجل بقضاء هاليوم قبل افقد بِه عقلي!
مصيبتين بيومٍ واحد ياكبرها على عبدٍ فقيرٍ ضعيف واحد يالله!
لم يبعد كفيه عن وجهه، وهو يسمعها تناديه بهمسٍ رقيق :
سياف!!
خفض كفوفه بهدوء ، لتسقط عيناها القَلِقة في عينيه الحزينة.



Saroo2310 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.