شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f394/)
-   -   رويدا رويدا على طريق الحق (4) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة نساء صالحات (https://www.rewity.com/forum/t414863.html)

**منى لطيفي (نصر الدين )** 17-06-18 12:40 PM

رويدا رويدا على طريق الحق (4) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة نساء صالحات
 

https://upload.rewity.com/uploads/153510673142682.gif https://upload.rewity.com/uploads/15351067313711.gif



https://upload.rewity.com/uploads/153417865678971.gif


https://upload.rewity.com/uploads/153445328767963.jpg



التمهيد


أعلن أن هذه السلسلة بأجزائها...

الاول ... حق بين يدي الحق.
https://www.rewity.com/forum/t389451.html

الثاني .. طوع يدي الحق..
https://www.rewity.com/forum/t395704.html

الثالث .. الستر من الحق ...
https://www.rewity.com/forum/t401942.html#post13019741






والان .. الرابع .. رويدا رويدا على طريق الحق....

هي كلها حصرية لمنتدى روايتي .. ولا أجيز لأحد نشرها على أو خارج النت دون إذن مني ... فاتقوا الله ولا تبخسوا الناس أشياءهم ... والله على ما اقول شهيد.




جميع الشخصيات التي أكتب عنها لها اساس واقعي، إما شهدته بنفسي أو سمعت عنه أو كان قضية رأي عام، ثم أغير الأسماء وأدمجه في أحداث ذات سياق بما يخدم الرواية ككل. فأنا أكتب من أجل العبرة والموعظة الحسنة وليس من أجل الغيبة أو التشهير، لذلك عزيزي القارئ ابحث لك بين سطور ما يوفقني إليه ربي من كتابة، عن عبرة تنفع حياتك، وما كان صوابا فمن الله عز وجل، وما كان خطأ فمني ومن الشيطان. كما أنني أحاول صياغة المعالجة حسب ما أستجمعه من دروس علماء الإسلام وفتواهم، لكن هذا لا يمنع أنني قد أسهو أو أخطئ، لأنني بشر وكثيرة الأخطاء، فمن لمح ذلك فليلفت انتباهي أعزه الله.
**ملاحظة جانبية**
أسماء الشخصيات النسائية التي اخترتها، كانت للتعبير عن رموز الاخلاق الحسنة والمشتقة من أسماء الله الحسنى، لكن أنصح كل من يريد التسمي بها أن يبحث في الموضوع لأنه ورد عن علماء الاسلام فتوى كراهة التسمية ببعض الأسماء من ضمنهم من يحملن سمة تزكية النفس، إلى آخر ما ذُكر في الموضوع، ولمن يهمه الأمر البحث فيه بإذن الله.
**شكر خاص**
أحب أن أشكر العزيزة هبة عاطف، والعزيزة رويدا، على هديتيهما الغاليتين على قلبي.
وأحب أن أشكر شروق يوسف ميهوب chourouk youcef mihoubعلى مساعدتي في التدقيق وتصحيح الأخطاء النحوية والاملائية.
كما أحب أن أشكر المنتدى عامة وقسم وحي الاعضاء خاصة، بطاقم المشرفات والقائمين عليه.
وأخيرا أشكر كل من شجعني على الكتابة، وجميع القراء على صبرهم واحترامهم الخالص.

غلاف اهداء من rewaida

https://upload.rewity.com/uploads/152914682143851.jpeg


اهداء من وردة شقى *العذوب سليمان*
رويداً رويداً على طريق الحق

من أخبرك أن المال و الدلال
طريق للتربية؟
من أخبرك أن التنازل عن الدين
و الاندماج في حياة تخالفه تطور و حرية؟
من أخبرك أن التربية تتوقف عند عمر معين؟
أنت مخطئ جد مخطئ
فالتربية تكليف لا تشريف
و أن الحياة في ظل الدين حماية و تميز..
تعال و اقترب!
و غير مسار قراءاتك
فهنا ستجد الحياة بواقعية و حقيقة
فلا مثالية ولا كمال
فالكل بشر
و لا أحد معصوم
لكن أن تواجه الماضي
و تعترف بذنوبك
و تعيد رسم حياتك،
هذا هو الصحيح..
هنا خليط تجتمع فيه كل الألوان
و المشاعر ،
هنا غدر و خطيئة ،
هنا وعد و وفاء ،
هنا صداقة و محبة ،
هنا عشق و عهد ،
هنا صالح و طالح ،
هنا أبناء و أحفاد ،
هنا كل شيء و لا شيء!
فهنا ستجد ما يلامس وجدانك
ببساطة و دون تعقيد ..





الفصل الأول ...

لا تستخدم فمك إلا في شيئين الإبتسامة و الصمت الإبتسامة: لإنهاء مشكلة و الصمت: لعبور مشكلة .... محمد متولي الشعراوي.

*منزل آل عيسى*... *المدينة السياحية*
أسندت رأسها بكفها تراقب النجوم من نافذة غرفة نومها، وتناجي من لا ينام بينما الجميع نيام، تدفع بالدمعة خلف أختها علّها تكون حاملة لهمومها في طريقها نحو الحرية ...
(يا ربي أي طريق أسلكه إليك؟... وأنت الذي فتحت أبوابك في وجهي لا حصر لها!... يلومونني على صدري، وعلة مدى وسعه... لا يعلمون أنني من ضيقه قد تهت عن سبيلك يوما... فاخترت تجرع مآلي ذنبي في حق نفسي ... فما أنت بظالم لعبادك...حاشاك يا ربي ...... أنت أعلم بما في نفسي ... ولا أعلم ما في نفسك ... بل تعلم في نفسي ما لا أعلمه ... لك الحمد بما يسرت لي من صبر وقوة تحمل ... وأسألك المزيد ... المزيد يا ربي من سعة الصدر... وطولة البال ... قد لا يكون هناك من يفهمني... لكنك لا شك تفعل يا ربي ... يسألون عن صبر يرونه ماءا يسيل على كثبان رمل حارقة في صحراء قاحلة ... لكنهم لا يعلمون ... وأنت تعلم ... فيا عالم الغيب وكل شيء ... كن معي ولا تذرني فردا ... )... أجفلت على صوت تعرفه جيدا، فنظرت إلى ناصية الشارع لتلمح سيارته أخيرا، فيبدأ قلق من نوع آخر يستولي على أحشائها، فتدعو وتبتهل أن يصفّ السيارة دون حوادث أو إيقاظ أحد من أهل البيت.
تسللت على أطراف قدميها وفتحت بابي المنزل الداخلي والخارجي، ثم فتحت باب سيارته لتبسط ذراعها إلى مفتاح المحرك وتطفئه قبل أن تبدأ مهمتها الليلية وهي تجذب جسده النحيل سوى من بطن برزت بسبب ما يحتسيه من سم ...
)صبر !!... أهذه أنت حبيبتي؟؟)... نطق بحروف متقطعة جراء سكره، بينما هي تلهث تعبا وهمّا أطبق على صدرها.
)حبيبتي صبر... لن تصدقي ما شاهدته الليلة ... إسمعي... إنها أغنية تليق بك ... وكأنها كتبت لك ....)... بدأ بدندنة اللحن بشكل غير مترابط مع كلماته، وهي تهمس له بجزع وتسحبه متحملة ثقل جسده ورائحته النتنة ....
)ششششش... أتوسل إليك آدم ... أسكت ... ستوقظهم ....)... أطلّ شاب عشريني من خلف باب احدى غرف الرواق في الطباق الأول، يرمقهما بامتعاض واضح، كما يشعث خصلاته الطويلة المموجة، ويقول بنعاس ...
)فات الأوان على ذلك ... ضاعت نومتي الهانئة ...)... نظرت إليه وهي تسحب طرحتها التي كشفت عن مقدمة رأسها، لتعيدها إلى مكانها ترد برجاء ...
)إسحاق .... ساعدني أرجوك قبل أن يستيقظ الباقون ...)... تحرك إسحاق نحوهما يقول بتبرم، وهو يحول ثقل شقيقه من على كتف زوجته، إلى كتفه ...
)وهل تصدقين فعلا أنهم لم يستيقظوا بعد؟؟.... يا صبر نحن في الوطن ولم نعد في الغربة... ونعيش في بيت واحد ... )... لا زال آدم مستغرق في دندنته....
(أنا... أراقب ... البح..ر ...لا يرحل...)... وإن خفض من علو نبرته، فأجابته صبر بتعب و وجوم، وهما يحملانه ليتسلق معهما الدرج ...
)إذن أسرع ... قبل أن يفيض كيل أحدهم ويخرج من غرفته ....)... هز رأسه بيأس، دافعا بظهر شقيقه المستمر في دندنته، من الخلف متسلقين ما تبقى من الدرج، ليقول ساخرا ولدغة لكنته تبرز مع نطقه لحرف الراء ...
(على الأقل يا صبر ... قد رحم رهافة أسماعنا من تلك الألحان الغربية التي كان يصرعنا بها قبلا... )... تأففت المعنية وهي تجذب ذراعه مع آخر درجة ترد بانزعاج ...
(ارحم أنت لسانك سينكسر ... وأنت تلويه هكذا ... )... جعد دقنه مطلا برأسه من تحت إبط آدم يكمل في تهكمه ...
(لن ينكسر سوى رأس زوجك ... حين يسمع والدي عن الأغنية الشعبية الجديدة ... ثم اللسان لا ينكسر ... فليس به عظم ...)... تنهدت صبر وهي تدفع باب غرفتها، فاستطرد إسحاق يسأل بحيرة ...
(فهمتُ الشق الأول ... بأنه يراقب البحر كي لا يرحل ... لكن ماذا يقصد ب... يراقب الأمواج كي لا تعوج ؟؟).... ارتمت صبر مع زوجها فوق السرير، فأنت بألم وإسحاق يرفع ذراعيه متأسف ...
(آسف .. لم أقصد ... لكن كتفي كاد ينخلع من مكانه ...).. انتفضت صبر بسرعة تشير إلى الباب مجيبة بود ...
(أشكرك إسحاق.... يمكنك العودة للنوم....)... تمطى بعظام جسده، يقول بعبوس ...
(أخبرتك من قبل ... فات الأوان.... سأتريض قليلا وأستعد لأول يوم جامعي في هذه البلاد السعيدة ....)... تومئ بسرعة وهي تدفعه كي يغادر، فاستدار قبل أن يخرج يضيف بحيرة صادقة وهو يرمي شقيقه الغارق في عالمه، بنظرات متفقدة ...
(لم تردي علي ... ما المقصود بكلمات تلك الأغنية؟؟).... عضت شفتها السفلى حزنا، تقول بغموض ...
(لقد وجد ضالته أخيرا في الأغاني... وهذه أكثر واحدة تناسب ما يعيش فيه من ضياع ....)... قطب إسحاق بريبة ينطق بلدغة لسانه المميزة ...
(صبر .... هل هذا لغز؟؟...ارحميني لقد ساعدتك للتو... )... ضمت ذراعيها إلى صدرها تجيبه بوجوم وهي ترنو زوجها بحسرة ....
(الأغنية شعبية قديمة جدا ... كنت أتذكر شجار والدي مع والدتي لأنها لا تحب سكره ودندنته للأغاني .... فكان يخبرها أنه لا ينصت سوى لتلك المغنية ...متحججا بكونها لا تضرب سوى بالدف بين كفيها ... وكان يحب تلك الأغنية بالذات حيث تقول ...
أنا أراقب البحر كي لا يرحل .. وأراقب الأمواج كي لا تعوج ...)... رفعت إليه مقلتين بنيتين لامعتين بدموع أبيّة، وهي تكمل بألم، بينما إسحاق يلعن غباءه المتناقض مع طيبة قلبه ...
(فتخبره أمي بحرقة ... أن لا راحل سواه ... وإن بقي على حاله سيرحل على عِوجه ... فلا البحر سيرحل عن مكانه ولا الأمواج ستكف عن اعوجاجها ... )... زفر إسحاق بسخط، يقول وهو يبتعد ...
(آسف إن أزعجتك ....)... أقفلت الباب واستدارت تتخصر وهي ترمق الراقد فوق السرير بملابسه المجعدة وهيئته المزرية، مطلقة العنان لدموعها رحمة بقلبها المكلوم ...
(لقد صدقتِ يا أمي... نحن بالفعل ندفع دين والدنا ... أستغفر الله العظيم .... أستغفر الله العظيم... )...
..........................

صباح اليوم التالي ....

توقفت مكانها وسط بهو المنزل الكبير، والجالسون حول المائدة ينظرون إليها كل بعين رأْيِه، وكان أول من تحدث بإشفاق والدة زوجها وخالتها، السيدة رحمة ...
(ألم تجديها بعد يا بنيتي ؟؟)... أدارت رأسها وهي تتنفس بتعب وأومأت بسلب فتدخل بكريها الذي تعدى عقده الأول بسنتين، يقول بمهادنة ...
(تعالي أمي وأفطري ... ستظهر بعد قليل.. لابد أنها حزينة من شيئ ما .. فهي حساسة )... تقدمت نحوهم وجلست جوار ابنها، ليقول إسحاق بمرح وهو يرمي ابن شقيقه بملعقة صغيرة يمازحه كعادته...
(كف عن لعب دور الكبار يا ولد ...)... أمسك الصبي بالملعقة ووضعها في مكانها يرد ببسمة هادئة ...
(اسمي أحمد ... من فضلك عمي ... كف عن إلقاء الأشياء... ستجرح أحدا ما ....)... عبس إسحاق بينما صبر تتبسم بفخر وبهجة صادقة تخفف عنها آلامها وشقيقته المدللة تقهقه بتشفي ساخرة منه وتقول ...
(تحب إحراج نفسك ...)... زم إسحاق شفتيه رفضا، ثم قال والبسمة الماكرة تلتهم وجهه الطويل كأنفه ....
(صباح الخير يا سلمة ... يا أختي الحبيبة ....)... زمجرت ترد بسخط أطار خصلات غرتها المصففة بعناية حتى ظهرت كموجات من العسل البني اللامع...
(لا تقل ذلك !!).... رفرف برموشه الكثيفة يسأل ببراءة مزعومة، بينما والدتهما كصبر وأحمد يراقبون بمرح لحظي ولم يكن متجاهلا للوضع سوى كبيرهم السيد نوح الذي يمسك بين يديه جريدة الصباح يطالعها باهتمام ...
(ماذا ؟؟... أختي الحبيبة؟؟)... ضمت شفتيها الملمعتين بسائل زهري، ثم جمعت خصلاتها ورفعتها فوق رأسها بقلم رصاص لا يفارقها، فتنفرد الغرة بجبهتها وتبرز جمال تقاسيم وجهها الفتان ...
(اسمي سولي ... هل تسمعني ؟؟.... سولي ..أدخل هذا إلى رأسك ... وإن لم يستوعبه ... أنصحك بالحصول على قَصّة شعر رجالية .. فكثرة الشعر خطر على صحة الذكور ...)... شعت خصلاته المموجة حول رأسه بطريقة جذابة، أطرافها تنتهي عند أسفل رقبته، يرد باستفزاز يغيظها ...
(شعري جميل.. يزيدني وسامة ... لا تنكري ذلك ...)... دست قطعة صغيرة من جُبن الحمية في فمها، تلوكها بعبوس، ليقطع عليهم مرحهم اللحظي نبرة السيد نوح الهادئة حتى في حدتها ...
(أين أيوب ؟؟).... حل عليهم الوجوم بثقله وزوجته ترد بملامح رفض ظاهرة ....
(غادر باكرا ... أخبرني بالأمس أنه سيستقبل أصدقاء له في المطار ...)... هز رأسه بتفهم يستطرد بجمود ...
)وآدم .... أوشكت على المغادرة ولم يظهر بعد ...)... أطرقت زوجته برأسها تبلع الغصة المؤلمة في حلقها، فنهضت صبر تقول ببسمة قلما تفارق محياها وإن كان الحزن عنوانها المفقود ....
)سأوقظه حالا يا عمي ....)... قام السيد نوح يقول برفض وهو يغادر ...
)لا تتعبي نفسك أنا مغادر ... وليلحق بي متى تخلص من السم الذي لا شك أفقده عقله .... )... عضت صبر شفتها السفلى ونظرت نحو إسحاق الذي رماها بنظرة **أخبرتك** وهو يقوم أيضا في نفس اللحظة التي قامت فيه سلمة**سولي**.. لتلحق بوالدها... يطلب من أحمد الذي لاحظ شروده ...
)هيا يا بطل سأوصلك إلى مدرستك في طريقي ... سأرحمك من النقل المدرسي اليوم ... كي تعرف قدر حبي لك ... )... أومأ له قائما وتوجه نحو أمه يسأل بقلق ...
)هل أساعدك في البحث عن باسمة ؟؟.... أو أوقظ أبي؟؟)... ربتت على رأسه بحنو، كلما نظرت إليه ورأت تلك النظرة المتشبثة بالنضوج المبكر، تشعر بماء بارد يغمر جحيم أحشائها فتشتعل جذوة الأمل بنور السعادة....
)لا بني ... يمكنك المغادرة برفقة عمك ... سأجدها لا زال هناك وقت على حافلة مدرستها ....).... أمسك بكفها يقبله فاستطردت بصدق ...
)أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ....لا تنسى أذكار الخروج بني ... ).... (حاضر أمي...)... استدار مهرولا، فقالت خالتها بانزعاج ...
)أنا من سيوقظ زوجك ... ابحثي أنت عن باسمة ...)... تنهدت صبر تشيعها بقلق، لم يغادرها وهي تذهب للبحث عن صغيرتها.
………………….
خارج البيت ...

)انتظر أبي !!).... قلّب السيد نوح مقلتيه بضجر، وهو يفتح باب سيارته يرد بضجر ...
)ماذا تريدين سلمة؟؟... أول لنقول كم تريدين ؟؟).... أخفت امتعاضها من اسمها، ترد بتبسم متملق ...
)أبي حبيبي... الوحيد الذي لا أغضب منه حين لا يناديني باسمي ... كما أنه الوحيد الذي يفهمني جيدا ...)... احتل مكان السائق يجيبها بنفس الضجر ...
)اسمك هو سلمة شئت أم أبيت ... كم تريدين ؟! ..)... عبست تنحني نحوه بذلك الفستان الخدّاع في قَصّته، بين طول بعض أطرافه وقصر بعضه فيظهر تارة ما يخفيه أخرى.... تقول بدلال …
)ألفين فقط .... )... قفز حاجباه الأسودان الكثان، وهو يهتف بدهشة ...
)فقط؟؟.... ماذا تفعلين بالمال يا فتاة؟؟... وأرباح المعرض أيضا ؟!)... وقفت تكوم ملامح وجهها على وشك البكاء، فتُظهر له محيا طفلة لا تمت لسِنّها الخامس والعشرين بصلة...
)أريد المال من أجل بضاعة غالية ... ففكرت أن أبي حبيبي هو من سيساعدني ... أنا آسفة.... )... مطط شفتيه وهو يخرج من السيارة وأمسك بكفها يقول بحنو ومهادنة ...
)حسنا لا تبكي ... اطلبي من والدتك ... لأنني لا أحمل المبلغ نقدا ... )... ابتسمت فجأة تتعلق بعنقه وتقبله، فيبتسم بيأس من تصرفاتها الطفولية التي أصبحت غير مقبولة، لكنها ابنته ويحبها....
(شكرا ...شكرا ... أبي حبيبي ... )... هتفت بفرح، فقال محذرا ..
(سأرسل عبد الحفيظ كي يراجع الحسابات .... أنا أخشى عليك ....)... عبست ترد برفض ...
(من عبد الحفيظ هذا كي يتدخل في مشروعي أنا ؟؟)... رفع حاجبه الأسود يقول بحزم ...
(هو محاسبنا يا ابنتي ... وأنت تعرفينه جيدا ... وشقيق زوجة شقيقك فاحترميه يا سلمة ... ولا تثيري غضبي ...)... قبلت وجنته مخفية امتعاضها، ترد بمهادنة...
(حسنا... حسنا ... كما تريد...)... قبل رأسها وعاد إلى سيارته يغمغم بوجوم، بينما هي تركض عائدة إلى المنزل.
..................

المطار ..... صالة الانتظار ...

يقف مبتعدا عن البقية منتظرا، مقلتاه مثبتتان على رواق الواصلين. يداه في جيبي سروال بدلته ذات النسيج الفاخر، ولونها الأزرق الغامق ينعكس على سطح نضارته السوداء. ملامحه جامدة تماما كمقلتيه السوداوين تحت غطاءهما السميك، لا يتململ في مكانه قيد أنملة.
ما إن لمحته حتى أسرعت من خطاها، لتلقي بنفسها على صدره فينزع كفيه من جيبيه ليتلقفها مقبلا وجنتيها، وهي تقول باللغة الأجنبية ...
(اشتقت إليك حبيبي ... )... أظهر ما يشبه البسمة، يجيبها بهدوء، متأملا هيئتها في سروال جينز أسود مشقق في مناطق عدة عليه قميص أخضر إلى حدود الخصر، أزراره الثلاثة العلوية مفتوحة، لتكشف عن مقدمة صدر مائل للسمرة مزين بسلسلة ذهبية رقيقة يتعلق منها حرف الألف باللغة الأجنبية ...
(وأنا أيضا اشتقت إليك...)... (ماذا عني ؟؟... ألم يشتق لي أحد ما ؟)... هتف مرافقها بمرح فألقى عليه نظرة متفقدة، من شعر رأسه الأشقر، مرورا بوجهه الأبيض المحمر بسبب الحرارة والرطوبة، ثم إلى ملابسه المكونة من سروال قطني أبيض، وكنزة بنية مائلة إلى الحمرة، يرد بود وهو يضم الفتاة من خصرها ويمد كفه للآخر مصافحا ...
(كيف حالك سيباستيان... طبعا اشتقت إليك يا صديقي ...)... تبسم في وجهه يقول بنفس المرح ...
(اووه ... اجتمع عصفوري الحب أخيرا... يا صديقي انها مجنونة بك ...لا تكف عن التحدث عنك ... كنت سأرمي بنفسي من الطائرة وارتاح ...)... (سيباستيان!!)... قاطعته الفتاة بتأنيب، فتحولت بسمة حبيبها مهما كان معناها، إلى ماكرة وهو يجذبها من خصرها قائلا بعبث ...
(دعيه يخبرني نادين ... لا بأس ...)... ضحكت بخجل وهي تحاول إبعاد شعرها الكثيف القصير من على وجهها، فاستطرد وهو يشير إلى المخرج ...
(دعونا نرحل ...)... أومأت تهم بالتحرك، فقال سيباستيان متسائلا ...
(إلى أين سنذهب يا أيوب؟؟)... ساعده في جر حاملة الحقائب، وهو يجيبه بجمود أجاد إخفاءه ...
(سنقوم بإيصال نادين إلى بيت عائلتها ... ثم أوصلك إلى شقتي الخاصة فهي جاهزة للسكن ... وأفضل من الفندق ...)... هز صديقه رأسه بتفهم، فمال أيوب على أذن الفتاة يستفسر بهمس ..
(هل أخبرت والدتك؟؟)... بللت شفتيها وهي تلتفت إليه مقطبة بين حاجبيها، فعلم أنها لم تفعل، واستطرد معنفا بخفوت ...
(لقد اتفقنا نادين ...)... اقتربت منه تقول بنعومة ...
(ما يهمني سوى عمي وزوجته... وهما موافقين.... أما والدتي... لا علاقة لي بها أصلا ... فقط سأخبرها لكن بعد... أن نجهز أنفسنا...)... لم يقتنع بمقولتها، لكن تدخل سيباستيان جعله ينسى الموضوع لفترة..

........................................
بيت نوح آل عيسى ...

غرفة آدم وصبر ....

جلست قرب رأسه ترمقه بخيبة وحسرة أليمة، وكل يوم تتساءل عن الأمر الفظيع الذي اقترفته في حياتها كي تبتلى بابن سكير، فلا تجد جوابا شافيا وإن اعترفت بكونها بشرا يخطئ ويتوب.
حركت سواريها إلى أعلى مع أكمام قفطانها البيتي، ثم وضعت كفها على رأسه تربت على خصلات شعره السوداء التي كانت يوما ما كثيفة كأغلب أفراد عائلة والده، لكنه قد خف كثيرا خصوصا وسط رأسه.
تنهدت مرة أخرى بحزن وحسرة على شباب يضيع، ووسامة تندثر بما كسبت يداه، ثم قالت بوجوم...
(آدم... أفق ... آدم ...)... زفر متذمرا يتوسل ...
(صبر ... من فضلك .. قليلا بعد ...)... (يا ويل صبر منك .... أنا والدتك يا آدم... أفق حالا ...هيا ...)... رفع رأسه إليها يحاول فتح مقلتيه، قائلا بنعاس ...
(أمي ... ماذا هناك؟؟)... تكومت ملامحها في عبوس لائم ترد معاتبة ...
(لا تعلم ماذا هناك؟!)... زفر بخفوت، وتنهد بتعب وهو يتمطى بأطرافه قائلا ...
(أرجوك أمي ... لا داعي للألغاز ... أين صبر؟؟)... حركت ركبتيها بروية تعتدل في جلوسها، وهي ترد بجمود ...
(صبر قد فاض بها الكيل وانقضى صبرها ... وقررت الرحيل ... )... انتفض من مكانه يقف على رجليه، يهتف بعينين متسعتين صدمة ...
(ماذا ؟!... صبر ترحل ؟!... كيف؟!... أقصد لماذا؟!)... لم تتحرك السيدة رحمة من مكانها، تسند ذقنها بالتجويف بين سبابتها وإبهامها، ترد بتساؤل ممتعض ...
(حقا لا تعرف لماذا ؟!)... تلفت برأسه وكفه على خصلاته تمشطها بعنف، وطوله قد برز مع نحافته الملحوظة باستثناء كرشه المستديرة، ينطق بدهشة ...
(صبر ستتركني ... لا ... مستحيل ... أين ستذهب ؟؟... بالتأكيد عند عبد الحفيظ... لا ... لن أسمح لها... سأوقفها حالا...)... (توقف أنت حالا!!).... تسمرت قدماه قرب الباب، وراقبها تنهض بروية وتمهل على ركبتيها التعبتين، ثم تقدمت حتى وقفت أمامه تقول بجفاء ...
(تخشى فقدانها ؟!... ماذا تفعل كي لا تفقدها؟؟... وأنت تبعدها عنك أميالا كل ليلة... او لنقل كل فجر تحملك فيه من سيارتك إلى غرفتكما... وهي تتلظى في جحيم الخجل والبؤس؟!... )... عاد إلى تمشيط رأسه بيده توترا، وهي تكمل بحزم واجم ....
(إلى متى يا آدم؟... إلى متى ستجعل تلك المسكينة تتلوى بالحزن والخزي بسبب قرار بائس اتخذته في لحظة طيش ....وعدم نضوج ؟!)... قاطعها باندفاع واستنكار ...
(حبها لي وزواجها مني لحظة طيش وعدم نضوج ؟؟)... صاحت في وجهه بقهر معنفة ..
(حب؟!... ماذا قدم لها هذا الحب غير العذاب والخزي؟!... وبلى كانت فتاة طائشة ...في السابعة عشر حين وافقتك على طلبك ...وهي تعلم بإدمانك على السم ... لو كانت أنضج بقليل ... لو كانت صبر بعقلها الآن وحكمتها ما وافقت حتى لو انطبقت السماء على الأرض... وأنت تعلم ذلك ....)...زفر بقنوط يفر منها بعينيه المذنبتين، فأمسكت ذراعيه تستطرد بتحذير ...
(قد لا تتركك أبدا يا آدم ... لأنها صبر ... اسم على مسمى... لكن حتما ستفقدها يوما ما ... اجعل هذا في رأسك واستوعبه علك تقرر الاقلاع عن السم أخيرا ... قبل أن يكمل على تدميرك ...).... أطرق برأسه خزيا، فتركت ذراعيه تضيف قبل مغادرتها الغرفة ...
(أسرع وجهز نفسك لتلحق بأبيك .... فإن كانت زوجتك صبورة ... فإن والدك قد يئس منك وانقضى صبره منذ زمن ... )...
...........................

عرفة التخزين .... الطابق السفلي ..

تنفست بضيق وهي تتلفت في الغرفة الواسعة باحثة عن ضالتها، بعد أن تفقدت خلف الكراسي وباقي الأثاث المرتب بشكل منظم، بأمر من السيد نوح بنفسه، تحسبا لأي مناسبة، ولكي تظهر الغرفة بأكملها لكل من يدعي وجود أشباح وأصوات غريبة تنبعث من المكان. اقشعر بدن صبر حين تذكرت، فاستغفرت سريعا غير عابئة بالموضوع، وهمست بحزن ...
(كيف أجدك يا باسمة ؟؟).... حكت جبهتها بحيرة تفكر، فلمحت خزانة في الركن وتذكرت عدم البحث هناك.
توجهت إليها تبتهل لربها، وفتحتها لتجد فتاة صغيرة مكومة على نفسها تضم ركبتيها إلى صدرها وتريح عليهما رأسها تبكي بصمت.
عضت شفتها السفلى وجوما، وانحنت نحوها تسحبها إلى صدرها. ضمتها بشدة رافضة هي البكاء، عهدا أخذته على نفسها أن تكون لأولادها سندا كالوتد لا يتزعزع، يكفي ظلمها لهما قبل حتى أن تنجبهما، لن تتخاذل بسبب اختياراتها، ليس ولديها، لن تخسرهما مهما كلفها الأمر.
أبعدتها قليلا ونزلت على ركبتيها لتكون في مستوى نظرها، لتكتشف أن ابنتها بالفعل قد بدأت تكبر وسنواتها العشر قد برزت في كيانها قبل جسدها. مسحت دموع ابنتها حتى تأكدت أنها توليها تركيزها ثم رفعت كفيها تحدثها بالإشارة...
(ماذا بك ؟).... عبست باسمة فجعدت ملامحها الطفولية الحبيبة، وضاقت مقلتاها، مما ذكرها بأختها الصغيرة التي كبرت هي الأخرى وكبر همها.
استطردت تشير بحزن كي تستدرج حنانها ...
(أخفت قلبي وأنا أبحث عنك ... ظننت أن مكروها أصابك ...)... هزت الصغيرة رأسها سلبا تعتذر، وألقت نفسها بين ذراعيها، فأسدلت صبر جفنيها تحبس سيولا تهدد بالانجراف.
أبعدتها مرة أخرى تسأل بجدية ...
(أخبريني ماذا بك ؟؟).... سحبت الفتاة طوق شعرها الزهري لتعيد تثبيته كي يجمع خصلاتها المموجة الكثيفة بلون عسلي تماما كلون عينيها، وتلك خصلة أخرى تشارك بها خالتها، بينما والدتها تراقب حركاتها بصبر حتى أتمت توضيب شعرها لتشير لها بحزن تستفسر ...
(هل أنا معاقة ؟؟).... أمالت والدتها رأسها بحيرة، ترد ...
(تعلمين أنك لست كذلك ...)... زفرت الصغيرة بقنوط وهي تشير مفسرة ...
(إذن لماذا لا أقصد مدرسة عادية ... كمدرسة أخي أحمد؟؟..)... نفخت صبر وهي تجيب بإشفاق تشير بكفيها ...
(يا حبيبتي ... الله خلق البشر أنواع مختلفة ...فيهم من يسمع ويتكلم ... وفيهم من يتكلم ويسمع ولا يرى... وفيهم من يرى ولا يسمع ولا يتكلم مثلك ... كما فيهم من يرى ويسمع ويتكلم لكن لا يمشي .. أو لا يحرك يديه ... خلق أنواعا كثيرة من البشر ... ولا أحد منهم يعاني من عيب خلقي ... هذا خطأ كبير يقترفه الناس عن جهل... فلا عيب في صنعة الله سبحانه ... أما مفرد الإعاقة... فيقصدون به أن الشخص يعاني من أمر يحول بينه وبين حركة ما كالمشي مثلا .... وأنت يا حبيبتي هل يحول عدم سماعك وتحدثك بين خدمتك لنفسك أو أكلك لطعامك ؟؟)... هزت الصغيرة رأسها نافية، فأكملت والدتها تبتسم بحب ...
(أما المدرسة ... فلكل نوع من أنواع البشر مدرسة تناسب نوعهم ... ومنهج دراسي يراعي امكانياتهم في التعلم ...هل فهمتني يا حبيبتي؟؟).... ابتسمت الصغيرة بوجوم، تومئ بإيجاب تشير ...
(يعني أنا لست ناقصة لأنني لا أستطيع التحدث والسماع مثلكم ؟؟....)... قفز حاجبا صبر وهي تهتف قائلة دون إشارة...
(ناقصة؟؟... بل الناقص من منحه الله كل شيء ...البصر والسمع والكلام ... والعقل... بل جميع الأطراف ... واختار أن يعيش كالأنعام ... صدق ربي العظيم الذي قال ...
**أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرُهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، إِنْ هُمْ إِلاَّ كَاْلأَنْعَامْ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً**44سورة الفرقان. ....
ناقصة ؟!.... من قال هذا؟؟).... أجفلت من سخطها على البسمة المشرقة التي ملأت وجه باسمة، وهي ترمقها بمقلتين لامعتين بعسل مصفى، فتنهدت تشير ....
(من قال ذلك؟؟).... جعدت باسمة دقنها تشير بامتعاض ...
(سولي ...)... زمت صبر شفتيها برفض تشير ...
(اسمها عمتي....)... هزت باسمة كتيفيها ترد بقلة حيلة ...
(هي من يرفض أن ألقبها بعمتي ....)... هزت رأسها وهي تنهض قائلة بجدية ...
(سأتحدث معها...)... أمسكتها باسمة تمنعها فنظرت إليها وهي تشير وتهز برأسها ...
(لا .... لقد كانت تتحدث مع صديقتها في الهاتف ... وأنا قرأت شفتيها ... هي لم تخبرني ذلك في وجهي ...)... عادت تشير لها أمها بتحذير ...
(هل كنت تتجسسين عليها؟؟)... رفعت كفيها تهزهم بسرعة مستنكرة ...
(لا أبدا ... لقد كانت أمامي ... وهي لا تصدق أنني أستطيع قراءة الشفاه ...)... ابتسمت لها ثم قبلتها تقول دون ان تشير ..
(حسنا ... لا تعيدي فعلتك .. فقلبي لا يتحمل الخوف عليك ... ولا تصدقي كلما يقال ... فأغلبه مجرد ثرثرة وهراء...).... أومأت بثقة صادقة، فأشارت قبل أن تمسك بكفها لتغادرا ...
(هيا الحافلة على وشك الوصول ....)...
....................

الجامعة..... كلية اللغات ...

ابتعد عن الجموع الغفيرة من البشر، وانفرد بنفسه منتظرا انصرافهم أو بعضهم على الأقل.
(لن يحدث فلا تنتظر ...)... التفت برأسه فوجد شاب من نفس عمره بسروال جينز أزرق وكنزة سوداء، ممتلئ نوعا ما. أبرز ما فيه لحيته البنية الكثيفة، تملئ وجهه المكتنز وإن كانت قصيرة، تماما كحاجبيه المتواصلين إن كان فوق عينيه أو على الجانبين حيث يتصلان بلحيته.
)هل أعجبك لهذه الدرجة؟؟).... أجفل إسحاق على سؤاله الساخر، بينما يتساءل سرا عن سر حلقه لشعره كله فرد عليه يسأل بتلقائية متأصلة في طبعه ....
)لماذا حلقت رأسك؟؟.... أراهن أنك لست أقرع ... فلماذا؟؟)... ضحك الشاب بود وهو يقترب منه يبسط كفه ليصافحه ...
)صدقت ... لهذا أنا أحلق رأسي ... لأنه كما ترى لدي هرمون الشعر الزائد .... إسمي جهاد على فكرة ...)... صافحه إسحاق وتقبل بشاشته، بل ووقع بشيء من الود والقبول في قلبه ...
)أنا إسحاق.... تشرفت بمعرفتك ... وآسف على تطفلي ...)... لا زال جهاد متمسك ببشاشته وهو يجيب بمودة ...
)دعني إذن أتطفل عليك ... وأسألك ما يشغلني كذلك ... هل أنت أجنبي ؟؟)... استدعى إسحاق طبعه المرح وهو يشير إلى ما يرتديه من سروال ضيق أسود مشقق قليلا عند الركبة، وكنزة زرقاء قاتمة، عليها سترة بخامة رفيعة تناسب حر الأجواء، جميعها تحمل علامة أجنبية....
)ما الذي يوحي بذلك ؟؟... لباسي أم قصة شعري؟)... قهقه جهاد عاليا يشير إلى شعره المموج حول رأسه، يرد بمرح ...
)لم يعد ذلك عنوانا للغرب ... فهنا وخصوصا في الجامعة ستجد العجائب والغرائب... إنما هي لكنة لسانك الظاهرة بشكل واضح ...)... هز رأسه وهو يزم شفتيه قائلا بتفهم ...
)أنت محق ... كنت متغرب مع عائلتي... ولدت هناك وأحمل جنسية ذلك البلد أيضا ... وعدنا للوطن قبل شهرين فقط ...)... قطب جهاد مستفسرا وهو يستند على الجدار خلفه ...
)ولماذا عدتم ؟؟)... قلّب عينيه بسخط يرد ...
)لا تُذكرني ... فجأة أصابت والدي حمى الوطن... والحنين ... فقرر ونفذ ... في الحقيقة لقد رفضت بداية .. وأخبرته أنني سأبقى هناك ... لكنه لوى ذراعي بنقطة ضعفي ... ولم أستطع الرفض...)... رفع جهاد حاجبيه ينتظر، فاستطرد إسحاق بامتعاض تلقائي ....
)لن أخبرك ... لا أعرفك جيدا بعد ...)... اندهش جهاد قبل أن ينفجر ضحكا وهو يقول ...
)لا بأس ... سنتعرف على بعضنا جيدا في المستقبل بإذن الله ...المهم... هل تريد شرب شئ ما ... أنا عطشان وسأحضر ماءا وعصيرا ... )... نظر إسحاق نحو الحشود يقول ...
)كنت أنتظر مغادرة الحشود كي أبحث عن قسمي ...)... اتسعت بسمة جهاد يرد وهو يبتعد نحو المخرج ...
)وأنا أخبرتك... لن يحدث ذلك ...فلا تنتظر ... أنت في نفس قسمي .. بعد نصف ساعة سأدلك عليه ... انتظرني ...)... ضم إسحاق ما بين حاجبيه متسائلا بريبة ...
)سيبقون محتشدين هكذا؟؟... ثم كيف علم أنني في نفس قسمه؟؟)... تناهى إلى سمعه صوت صراخ متألم مكتوم، فتتبع مصدره منعطفا مع زاوية إحدى جدران الكلية، وتوقف مصدوما يجحظ بمقلتيه القاتمتين.
أسرع إلى المتكوم على الأرض يساعده على النهوض، وهو يهتف في الملتفين حوله ممن كانوا يوسعونه ضربا ...
)هل جننتم ؟؟... ماذا تفعلون ؟؟... ستقتلونه!! ...)... تناظروا فيما بينهم وقال أحدهم بجفاء ....
)من تكون أنت؟؟... لا شأن لك به ..)... أوقف إسحاق الشاب متفقد وجهه الذي زُيِّن بكدمات لم يظهر جُلُّها بسبب اللحية، فنطق لسانه حاله متسائلا عن موضة اللحية التي يتبناها الجميع من حوله.
لمس جرحه الذي على جانب فمه، فنفض الشاب كفه بانفعال، وأحد الشباب الآخرين يهتف بسخط ...
)إنه يستحق ... هو وجماعته من الذين يكفرون الناس على هواهم ... )... ترك إسحاق الشاب بعد أن يئس بسبب حركاته العنيفة، يرد على الآخرين بمنطقية علّه يفلح في صرفهم ...
)لا أفهم شيئا مما تقولونه لكن ... هل ضربكم ؟... أو اعتدى عليكم؟؟)... رد آخر مدافعا ...
)جماعته فعلت ...)... ضم إسحاق شفتيه مفكرا ثم قال ...
)هو كان معهم ... وضربكم بيديه؟؟)... تناظر الشباب فيما بينهم مجددا، فقال أحدهم ..
)لا ... لكنه واحد منهم ... وستكون رسالة لهم ...).... تخصر إسحاق يقول محذرا ...
)لا أحد من حقه ضرب أحد ... إن كانت توجهاتكم مختلفة... فليكن ... هذا من حقكم ... لكن لا تتقاتلوا ... كل يحترم حرية الآخر في توجهاته .. )...
)ماذا تقول أنت ... إنهم كفار !!)... نطق الشاب باشمئزاز، فتأهب الشباب لضربه مرة أخرى، ورفع إسحاق يديه يهتف بتهديد...
)توقفوا .. وإلا طلبت الشرطة!! ....)... أشار إليه أحد الشباب يسأل بحنق ...
)من أنت ؟؟... هل أنت أجنبي؟..)... تذكر إسحاق ثم قال بمكر ...
)بلى ... خمس دقائق أخرى وأطلب الشرطة ... أنا لا أمزح...)... عاد الشباب لتبادل النظر، ثم قال أحدهم وهم يبتعدون ....
)ستندم على الدفاع عنه ... إن كُنا نحن من نفس بلده وعلى دينه وأخرجنا من المِلَّة ... فما بالك بأجنبي؟! ...)... تخصر إسحاق يزفر بتعب، في نفس اللحظة التي وصل فيها جهاد يقول بحيرة....
)أين أنت يا إسحاق؟؟.... أنت ؟؟... سلام قولا من رب رحيم!! ...)... استدرك جهاد برفض، وهو يلمح الشاب الآخر الذي سأل بقرف لا يفارق محياه العبوس ….
)اسمك إسحاق وأجنبي... هل أنت مسيحي؟؟... آه .. أم أنك منهم ...)... حك إسحاق جانب أنفه مستفسرا بحيرة ...
)من هم؟؟.... ثم لماذا الجميع إما يريد ضربك أو يخشى منك؟)... رفع الشاب ذراعه ينفض الغبار عن لباسه المكون من سروال قطني بني وقميص أبيض، يجيب بامتعاض ...
)من هم؟؟... الذين لا يعترفون بوجود إله... يعني ملحدون ... أما لماذا يريدون ضربي... لأنني أواجههم بحقيقتهم البشعة... فجار وعاصون لله ...)... أصدر جهاد شخره سخرية فنظرا إليه، الشاب بنظرات قاتلة، وإسحاق بريبة، ليرفع كفيه بقناني الماء والعصير، يستدرك ببسمة مهادنة ....
)عطشى؟؟).... أومأ إسحاق متقبلا منه قنينة ماء، يقول بود ..
)شكرا لك ...)... بسط جهاد كفه بقنينة أخرى لذلك الشاب بتردد، والأخير يرمقه بعبوس ...
)أمسك الماء يا رجل... لن يقوم بعضك ...)... تدخل إسحاق باسما، فالتفت إليه يرميه بنفس نظراته العابسة، فقال جهاد بتهكم ...
)إنه ماء ... ولوجه الله ... ليس خمرا لا سمح الله ...)... مطط شفتيه وهو يتناوله منه، قائلا بترفع ...
)جزاك الله خيرا ... )... قطب إسحاق يرمق ملامحه العابسة، التي تناسب سواد شعره وحاجبيه وكذا لحيته، فقارنه به وبشقيقيه كونهم يتميزون بسواد الشعر كذلك، فلم يجد أي شبه، بين سمرة أهله وبياض بشرة ذلك الشاب.
)ما هو اسمك بالمناسبة ؟؟)... كان يرتشف من القنينة بروية، وهو يرميه بسهامه السوداء، فرد عنه جهاد بنبرة جاهد إخفاء الضحك منها ....
)اسمه ... القعقاع ...)... نطق إسحاق اسمه باستغراب شديد، فبصق الشاب الماء من فمه وسعل بشده، بينما جهاد ينفجر ضاحكا غير قادر على التحكم في نفسه ...
)كأكأ؟!...)... (ماذا تقول أنت؟؟... اعدل لسانك ...اسمي هو القعقاع ... انطقه جيدا... )... جرب إسحاق مرة أخرى، بلا جدوى وجهاد يكاد يقع أرضا بسبب الضحك، بينما القعقاع يغلي من غيظه.
)توقف أرجوك... توقف !!)... نطق جهاد من بين شهقات ضحكه وهو يمسك بطنه، متوسلا إياه الكف عن نطق الاسم بتلك الطريقة، فقال إسحاق يرفع كفيه باعتذار...
)أعتذر منك... لكنه ليس بيدي ... سأتدرب عليه ... )... لا زال الشاب يرمقه بنظرات مريبة وهو يسأله ...
)لم ترد علي ... هل أنت ملحد ؟؟)... قطب إسحاق بعدم فهم، ثم تذكر يقول ...
)آه تعني من لا يعترفون بوجود لله !!... لا أنا لست منهم ... أنا أعرف أن هناك إله... )... هز القعقاع رأسه والريبة تتشبث بمقلتيه الحادتين في نظراتهما، وهو يسأل مجددا ...
)ما هي ديانتك ؟؟)... مسد إسحاق على شعره، يرد بضجر، وجهاد يراقب الوضع بحذر ...
)مسلم ...أنا لست أجنبي كأكأ ... أصل عائلتي من مدينة الجبل ... تعرفونها ؟؟... عائلتي هناك من أعرق العائلات ... آل عيسى ...لكنني ولدت وكبرت في بلد أجنبي...وعدنا قبل شهرين ...)... حك القعقاع لحيته يقول بدهشة هادئة ...
)إبراهيم آل عيسى يقربك ؟؟)... اتسعت بسمته وهو يرد بحبور ...
)بلى ... إنه ابن عمي ... هل تعرفه؟؟)... تدخل جهاد يرد بإعجاب...
)ومن لا يعرفه؟؟ ... إنه من أنذر الرجال.. الذين تولوا المناصب ولم يتغيروا ... لقد حقق العدل هناك ... هنيئا لكم به ... إنسان من شدة صدقه ..ذاع صيته في جميع المدن ... )... تبسم إسحاق وقد انتفخت أوداجه فخرا، متذكرا لقاءه اليتيم به وبباقي أفراد عائلته، فوعد نفسه بإعادة الزيارات وتوطيد علاقته بعائلة والده.
)لماذا اخترت هذه الكلية يا قعقاع ؟؟... )... أجفل القعقاع على سؤال جهاد، فقال إسحاق بعد أن لاحظ صمت الآخر يدعي شرب ما تبقى من قنينتة ...
)ولما لا يختارها؟؟)... رفع جهاد جانب فمه، يرد ببرود ...
)لأنها كلية لغات أجنبية... وجماعته لا يرتادون سوى كلية الشريعة ...)... بدت البلادة على وجه إسحاق جلية، فاستدرك جهاد وهو ينظر إلى الساعة ...
)لا عليك ... فيما بعد ... يجب أن نلحق بالمحاضرة .... هيا !)... هتف إسحاق متذكرا ....
)بالمناسبة يا جهاد ....كيف عرفت أننا في نفس قسمك؟؟)... استدار إليه يقول وهو يغمزه بمرح ...
)قرأت لائحة الأسماء... ولا أحد غيرك يحمل اسم إسحاق... وحتما لا أحد غيره يحمل اسم القعقاع ...)...
……………………………
منزل آل عيسى ....
شيعت الحافلة بنظرات واجمة لم تظهر بسبب بسمتها التي ترسمها باستمرار حتى حفرت أخاديدها في بشرة وجهها، وأضحت معلما لا يمت لمعناه بصلة، ثم تنهدت عائدة إلى البيت ولم تكد تكمل نصف مساحة الحديقة حتى شهقت مجفلة وهي تُحمل من على الأرض في نفس اللحظة التي شعرت فيها بدفئ على خدها وهمسة على أذنها ...
(حبيبة قلبي ... اشتقت إليك... لما لم تقومي بإيقاظي ؟؟ ... تعرفين أنني أعشق فتح عيني على جمال قسماتك الحبيبة ...)... أسدلت جفنيها تتمالك مشاعرها المتخبطة في متاهات مضلة وضالة، ترد بتبرم ...
(آدم دعني .... آدم ...)... حط بها دون أن يترك خصرها، مديرا إياها نحوه يقول بتوسل ...
(آسف ... آسف ... أرجوك حبيبتي لا تغضبي مني ..)... رفعت رأسها متنهدة بيأس، وهي ترد بحزن ...
(آسف على ماذا؟؟... أو ماذا؟... أو ماذا؟؟... يا آدم ... اعتذاراتك لم يعد لها معنى ... ما إن يجن عليك الليل ستعانق القنينة وتنسى كل من يمت لك بصلة .... )... ضمها إليه واضعا جبهته على جبهتها، يهمس بصدق يقسم عليه فلا يصْدُقه هوى إدمانه....
(أقسم لك أنا أحاول... )... (لكنك لا تحاول بما يكفي ...)... همست بألم تضيف .....(ليس من أجلي يا آدم ... أنا أستطيع الصبر... فأنت اختياري ولم يجبرني أحد عليك ... لكن من أجل أبناءنا يا آدم ... أحمد وباسمة... من أجل والديك... أرجوك يا آدم .... أنا ...)... أطبق على شفتيها كاتما عبارات يخشاها، وقلبه يرتعد من مفزعات له يرفض التكهن بها أو حتى تخيلها، فتعمق في قبلته وهو يحكم الطوق على جسدها ملصقا إياها به، كما يريد دائما مهما أحزنها، ومهما خيب ظنها، ومهما ظلمها. بلى، هو يعلم يقينا أنه ظلمها وظلم نفسه قبلها، ويخشى من عاقبة جوره فيها هي لا سواها، وكم يخيفه ذلك، لكن ليس بما يكفي على ما يبدو ليفارق صاحبته القنينة، ولقد كانت ولا زالت صادقة .... هو لا يحاول بما يكفي...

...............................
مقر** وكالة آل عيسى للأسفار ** ....

نظر السيد نوح إلى ساعته بتذمر، ثم أرخى رأسه على مسند مقعده الجلدي، يهمس بوجوم وهو يرمق سقف غرفة مكتبه....
)لا آدم ولا أيوب ... تجرع يا نوح ... تجرع واصبر على ما كسبت يداك ...)... تنهد بغم، ليسمع صوت دقات هادئة على بابه، فهتف ....
)ادخل يا عبد الحفيظ ...)... دخل عليه رجل متوسط الطول هادئ الملامح، يرتدي بدلة عادية لكنها نظيفة ومهندمة.
أكثر ما يعجبه في ذلك الرجل الثلاثيني شبهه الكبير بشقيقته، خلقة وأخلاقا ...
)السلام عليك سيدي ...)... عبس السيد نوح بخفة يرد بلوم ...
)ما سيدي هذه يا عبد الحفيظ ؟؟.... هل تريد أن أغضب منك؟؟)... ابتسم برزانة يجيب بأدب واحترام يكنه للرجل أمامه ...
)لا قدر الله يا عمي ... لكن نحن في العمل ... وحفظ الألقاب واجب... )... لوح بكفه بعد أن أشار له ليجلس، يرد بعدم رضى ...
(اجلس يا عبد الحفيظ... أنا لا يهمني لا لقب ولا أي شيء .. بالنسبة لك أنا عمك ... هنا وخارجه ... أخبرني... ماذا عن الفوج السياحي؟؟ ....أعلم أنه ليس تخصصك....لكن أيوب لم يعد بعد... ولا أدري ماذا فعل؟؟)... مسد على لحيته المشذبه بتمهل كعادة يفعلها كلما تحدث مع وضع إحدى قدميه على الأخرى، وهو يجيب بجدية...
(أنت أدرى بأيوب يا عمي ... في العمل لا يلهو أبدا... الفوج قد أنهى جولته ... وهم الآن يستعدون للرحيل ... وما سمعته أنهم راضون جدا ... بل ويسألون عن رحلات قادمة لزيارة مدن أخرى....)... هز السيد نوح رأسه بتفهم، يقول ...
(جيد... الحمد لله ...)... تحدث عبد الحفيظ مستفسرا ...
(ألهذا طلبتني يا عمي؟؟).... أومأ برفض يقول ...
(لا .... بل لأطلب منك زيارة المعرض... وتفقد الحسابات هناك ...)... ضم عبد الحفيظ شفتيه كي يخفي امتعاضه، يجيب من تحت نواجده ...
(ما أعلمه أن الآنسة تدبر نفسها جيدا .... هل هناك مشاكل ؟؟).... جعد السيد نوح دقنه بانزعاج يقول القليل ويخفي الكثير ...
(لهذا أريدك أن تتفقد الأمر.... أظن أنها تواجه مشاكل في السيولة....).... (بل تواجه مشكلة في عقلها ككل ..)... لكم تمنى أن يخبره ذلك، لكنه بلع رأيه محتفظ به لنفسه، وقال باقتضاب ...
(حاضر عمي ... سأقصد المعرض غدا بإذن الله ... لأنني اليوم سأعود باكرا إلى البيت ....شقيقتي متوعكة قليلا..)... تجهمت ملامحه بإشفاق يسأل ...
(كيف حالها ؟)... تنفس عبد الحفيظ بقنوط، يرد ...
(كلما ظننت أنها تحسنت قليلا ... يُسمعها أحد ما كلام كالسم ... فتنقلب عليها المواجع ونبدأ من الصفر.... )... مال السيد نوح بجذعه يسند مرفقه على سطح مكتبه قائلا بامتعاض ...
(لا أفهم هؤلاء البشر كيف يفكرون ؟ .... لماذا لا يستقوون سوى على الضعيف الذي وقع صريعا أمامهم ؟... أخبرتك من قبل ... يجب أن تغير محل سكناك ... أخرج من تلك الأحياء ... التي يسمى فيها الفضول والتجسس صلة رحم وجيرة ...)... تنهد عبد الحفيظ يقول بتفهم...
(أصبحت أفكر في الأمر بشكل جدي ...)... دق الباب ودخل عليهما آدم، فعبس السيد نوح تلقائيا، ونهض عبد الحفيظ من مكانه يقول بنبرة جادة جافة ...
(مرحبا آدم .... عن إذنكما ...)... أوقفه آدم يقول بنظرة كثيرا ما يقدمها له، كلها أسف وخزي وخجل ...
(كيف حالك عبد الحفيظ؟؟)... هز المعني رأسه يرد باقتضاب وهو ينسحب ....
(الحمد لله ... السلام عليكم....)... نظر إلى والده القابع مكانه، يبادله نظرته بأخرى خائبة متحسرة، ثم قال يفر من أمامه ....
(سأرافق الفوج إلى المطار.... فالمرافق متوعك واستأذن ...)... هز السيد نوح رأسه بحزن، وعاد إلى إتمام عمله.
.....................
أمام الجامعة ...

مستغرقا في تفحص صفحاته على الشبكة العنكبوتية في هاتفه، لم يُعر إسحاق انتباهه لأحد وهو يقف على بعد أمتار قليلة من بوابة الجامعة ...
(ما تفعله حرام...)... أجفل إسحاق على نبرة القعقاع العدائية، فقطب مفغرا شفتيه بحيرة يستفسر ...
(ما هو الحرام؟؟).... رفع حاجبه بعبوس خطير، يسأل بريبة ...
(ألا تعرف ما معنى الحرام؟؟ ألم تقل أنك مسلم ؟؟!!).... ضيق إسحاق مقلتيه يرد ببلاهة ...
(لماذا تظن أنني أكذب عليك؟؟... فأنا حر ولا علاقة لك بما أعتقد به ... كما أنت أيضا حر ... ثم إنني أعرف معنى كلمة حرام ... ما نهى الله عنه .. مثل الخمر ... ولحم الخنزير... فأمي وأبي يحذراننا طوال الوقت ... )... أنهى حديثه بشيء من الوجوم، فقال القعقاع بامتعاض ...
(لماذا لم يكملوا اللائحة إذن ؟؟)... نسي إسحاق أمر وجومه موليا تركيزه للشخص المعضلة الذي لم يقابل يوما شبيها له، يسأل مجددا ببلاهة ...
(لائحة ماذا؟؟).... أشار إليه من رأسه إلى أخمص قدميه يرد بنفس الامتعاض ...
(ما تحمله من حرام...).. نظر إسحاق إلى نفسه، ثم رفع رأسه يقول بحيرة لا تفارقه...
(أنا أحمل حراما ... أين هو؟؟)... مطط القعقاع شفتيه متشدقا ...
(كلك على بعضك ... كتلة من الحرام ...)... (ها؟!)... نطق إسحاق ببلادة، فقاطعهما جهاد الذي لحق بهما، يقول بمرح ...
(كلك على بعضك حلو ... )... استدارا إليه، والقعقاع يهتف بسخط ....
(خسئت .. أ تسمع الأغاني والأشعار؟؟.... أعوذ بالله من مزامير الشيطان ....)... ضم جهاد ذراعيه يرد بمكر، بينما إسحاق يراقب بانزعاج بسبب تعسر الفهم عليه ...
(وكيف علمت أنها أغنية؟؟... أنا لم أنطقها بلحنها ...)... جعد ملامح وجهه بسخط، فاستدرك جهاد بهدوء ...
(يا قعقاع ... ارحم الشاب ... إنه حتى لا يفهم ما تقصده ... حتى إن أردت أن توصل رسالة ما ... ليس هكذا صدقني .. كل ما ستجنيه هو فراره من غلظتك ...)... لا زال على عبوسه، حين هتف إسحاق بنفاذ صبر ...
(هلا أخبرتماني أين هو هذا الحرام الذي أحمله ؟؟)... اقترب منه جهاد يضم كتفيه قائلا ببشاشة ....
(لا تهتم ... أنت قطعة سكر حلال ... انسى ما قاله وهيا بنا لنغادر.... )... أومأ إسحاق منفضا عنه حيرته، يقول وهو يخطو نحو المخرج ...
( لدي سيارة ...)... هتف جهاد بدهشة، حتى أنه أجفل صديقه الذي توقف يرمقه بمقلتيه المتسعتين ...
(لديك سيارة؟... يا سلام ... ستوصلني أليس كذلك يا إسحاق؟؟)... رمش بجفنيه مرات عدة، ثم قال ببرود ...
(إن صرخت مرة أخرى هكذا جوار أذني ... لن أعرفك بعدها ... وسأضطر غير آسف لقطع علاقتنا الوليدة ... )... جمع جهاد كفيه أمام وجهه، ورمش برموشه الطويلة، يقول بشكل مضحك جعل إسحاق يبتسم رغم عنه ...
(إذا ظللت تنطق الراء بتلك اللكنة ... وتتطوع بإيصالي كل يوم ... سأكون حملك الوديع لا شك ... ).... هز إسحاق راسه بلا معنى وهو يضحك، ثم ضغط على مفتاح سيارته.
استقل مقعد السائق، واحتل جهاد المقعد جواره، فسمعا صوت فتح وقفل الباب الخلفي، واستدارا ليجدا القعقاع يرمقهما بعبوسه الأزلي ...
(ماذا تريد يا قعقاع ؟؟).... سأل جهاد بدهشة ساخطة، فهز كتفيه يرد بجمود ...
(لن أتركه لك ... كي تمجسه ... بل سأبقى خلفه حتى أهوده لطريق الحق ...)... زفر جهاد وهو ينظر أمامه قائلا بحنق ...
(الصبر من عندك يا رب ...)... ضم إسحاق ما بين حاجبيه السوداوين، يسأل بعدم فهم ...
(يمجسني جهاد !!... ما معنى ذلك ؟؟... وأنت تهودني!!
.. لماذا تخططان أنتما الاثنان؟!... أنا لا أفهم شيئا مما تقولانه ...)... نظر إليه جهاد يقول بامتعاض ...
(من الأفضل لك ... صدقني ...)... حل الصمت وإسحاق ينظر إلى كلاهما بالتناوب، ثم زفر يسأل وهو ينطلق ...
(أين تسكنان ؟)...
.......................

المعرض .....

تزم شفتيها بدلال وهي ترمق لوحتها من زوايا متعددة، مميلة رأسها يمنة ويسرة، شعرها يستريح على كتفيها وقد تحرر من قلمها المنشغل بمهمته الرئيسية. تجلس على كرسي *البُف* تقليدي الصنع، مغلف بجلد أحمر، وتضع قدميها العاريتين على نظيره أمامها أسفل حامل اللوحة مباشرة....
(هل هي لوحة ؟؟)... صدحت نبرة مغناج عبر مكبر صوت هاتفها، فابتسمت ترد بنفس الدلال ...
(بلى ... هذه تعجبني جدا ...رائعة ...)... نطقت الكلمة الأخيرة باللغة الأجنبية، فردت عليها صديقتها بضجر ...
(سولي ... كل لوحة ترسمينها تقولين عليها نفس الوصف ... رائعة.... )... هزت كتفيها ثم رفعت طرف القلم تربت به على شفتيها مجيبة بتشدق أنثوي ناعم ...
(ماذا أفعل ؟؟... أنا بارعة ... ولوحاتي كلها رائعة...)... (تبا لتواضعك يا فتاة ... )...هتفت صديقتها بتهكم، فقهقهت سولي وهي تتكئ على مرفقيها متفقدة ما حولها في المعرض، من بضائع تقليدية، بين الثريات والديكورات الفضية والنحاسية، ومنحوتات حجرية وخشبية، تملأ المساحة الواسعة إن كان على أرضها أو سقفها أو جدرانها التي تحمل إلى جانب ذلك لوحات صاحبة المعرض.
(لم تردي علي يا سولي ...)... وعت من سهوها على سؤال صديقتها، فقالت بجدية ...
(يا مريم انسي ... أيوب يحب ... وذهب اليوم لاستقبالها ... فلا تضيعي وقتك ...)... استقامت بجذعها، حين هتفت صديقتها بسخط ...
(لحقت به إلى هنا؟؟... تلك ال...)... رفعت سولي شعرها إلى أعلى تجمعه بقلمها، وهي تقاطع سُبابها ...
(إنهما يحبان بعضهما قبل أن تعرفيه يا مريم ... انسيه ... ثم إنه جاد في علاقتهما... ولا أظنك ستقبلين بشروطه... إن كان أهلي لم يقبلوا إلى الآن...)... أتاها السؤال الذي لم تكن تريد سماعه، لكنها قررت الرد عليه علها ترحم نفسها وترحمها ...
(لماذا لا تريدين إخباري عن شروطه ؟؟... قد أوافق عليها ...)... أومأت رافضة، وهي تنهض من مكانها فينسدل الفستان بسلاسة على طول ساقيها، لتحمل اللوحة وتبحث لها عن مكان مناسب ...
(مستحيل ... لو كنت أجنبية او تربيت هناك قد تفعلينها ... لكن هنا مستحيل ..)... لم ينل المكان الذي اختارته إعجابها، فتحركت بها إلى الجدار المقابل لباب المعرض، حيث الإضاءة مناسبة جدا لتفاصيل اللوحة ...
(أنا لا أفهمك؟؟)... زفرت سولي تقول بحزم ...
(انت لن تقبلي أن تكوني لرجل دون زواج يا مريم...)... شهقت صديقتها بحدة، بينما هي تعود للخلف خطوتين كي تشملها بنظرة فنية ....
(ماذا؟!... هل؟!... أقصد؟!... هو وهي .. لن يتزوجا؟!... هنا .. تقصدين ... سيعيشان مع بعضهما دون زواج؟؟)..
(تماما ... رائع ...)... نطقت سولي بسهو، وعت منه على صياح صديقتها ...
(ما هو الرائع في الأمر؟؟... يا إلهي يا سولي .. إنها فضيحة كبرى ... مهما بلغ بنا التحرر.. ليس إلى تلك الدرجة ... أعني لا أنكر وجود علاقات خارج نطاق الزواج ... لكنها غير معلنة ...ولا أحد يعترف بها ...)... مططت سولي شفتيها، ترد بامتعاض...
(كنت أقصد اللوحة ... وأخي حر في اختياراته ... هو رافض للزواج ... ولا يرى في علاقة بين اثنين برضاهما .. ووفين لبعضهما أي حرج ... من فضلك يا مريم يكفيني ما يحدث من شجارات في البيت بسبب ذلك ... وبسبب الخمر الذي يعاقره شقيقي الأكبر.... لولا احتياجي لمال أبي ...ودلال أمي... لعدت إلى البلد حيث ولدت وكبرت ... أو على الأقل أستقل هنا في شقة خاصة بي ...)... استنكرت صديقتها برفض ...
(لا يمكنك ذلك ... الفتاة لا تعيش لوحدها ...وعائلتها جوارها)... زفرت سولي بضجر، وقالت بسخط ...
(يا مريم ... نحن تربينا في مكان لا عيب فيه ...إن استقل الشاب او الشابة بسكنهما .. بل هو علامة على النضوج وتحمل المسؤولية... وحيث ولدت وكبرت ... لا يعد الزواج شيئا ضروريا أو مهما للحصول على علاقة زوجية ... )... كانت قد وصلت قرب المنضدة حيث هاتفها، حين ردت صديقتها بعدم تصديق ...
(لكنكم مسلمون مثلنا ... وكل ما قلته سابقا يعد حراما في ديننا ...)... حملت الهاتف وهي تضم شفتيها بانزعاج، وما إن لمحت زبونا على باب المعرض، حتى اسرعت تستغل الفرصة، لتفر من مناقشة عقيمة لن تحل عقدة واحدة من العقد المكومة في أحشائها....
(مريم آسفة عزيزتي... هناك زبون حضر للتو ... إلى اللقاء...)......
...........................

منزل عبد الحفيظ ...

ألقى نظرة على بهو الشقة وهو يقفل الباب من خلفه، فلم يجد سوى الصمت ينشر صقيعه رغم حرارة الجو.
وضع ما أحضره من بقالة فوق الطاولة الصغيرة المتوسطة للبهو، ثم توجه نحو غرفة يحمل كيسا في يده.
دق الباب بهدوء كجميع حركاته وتصرفاته، وانتظر حتى يئس من ردها، ثم قال ....
(سأدخل يا سرور .....)... فتح الباب وأطل برأسه ليلمح جسدها الضئيل متكوما على الفراش، فعبس متأكد من نحيبها الصامت، فدخل وخطى نحوها، يقول بمرح مزعوم ...
(قومي صغيرتي ... أحضرت لك هدية ...)... لم تتحرك فأسرع قليلا وأمسك بكتفها كي يديرها إليه، وكما توقع قابله وجه محمر، وعينان منتفختان فقال بوجوم ...
(سرور... ألا يكفي ؟؟).... أدارت وجهها عنه، ترد بتحشرج ...
(دعني يا أخي ... من فضلك ...)... وضع الكيس من يده، ثم سحبها حتى أدار جسدها إليه يقول بحنو يزيد الحسرة في قلبها ...
(يا صغيرتي ... ما تفعلينه لن يغير مما حدث شيئا... بل يدمرك أكثر ... حسبتك أقوى إيمانا بالله ... إنه بلاء.. لكنه خير ...)... أومأت وقد كلّت من حوارات حتى إن وجدت لها صدى في قلبها، عاد الواقع ليهدم سقف المعبد على رأسها. ثم همست ...
(ونعم بالله ...)... تبسم بحزن وهو يعلم ما تشعر به من يأس، يقول وهو يسحب الكيس ...
(أحضرت لك هدية ... يا سرور أيامي ....)... رغما عنها أفرجت شفتاها عن بسمة متأثرة صادقة، ليس بسبب الهدية إنما اللقب الذي داوم على دعوتها به منذ أن توفيت والدتها، كي لا تشعر بغربة عنه أبدا.
(أنظري إنها تلك العباءة التركية ... التي أعجبتك ذلك اليوم لكنك لم تقتنيها بسبب ثمنها الغالي ..)... قطبت وهي تبلع ريقها، وتناولت الكيس تتفقده قائلة بدهشة ...
(كيف تدبرت ثمنها ؟؟).... اتسعت بسمته والسرور يتسلل إلى صدره، مانحا إياه أمل الشفاء والعفو، يقول ....
(أنا أدخر المال من راتبي دائما ... ولا أحب عندي منك بعد ربي ورسوله ... كي أنفقه من أجله ...يا سرور أيامي..)... ارتمت بين ذراعيه تبكي بحرقة، فتنهد بقنوط يمسد على ظهرها بلطف، يستدرك ...
(لم أجلبه لك كي تبكي ... لقد اشتقت إلى معنى اسمك على محياك يا صغيرتي ...)... هدأت قليلا، فأضاف ببعض من التهكم ...
(سأضطر لتغيير اسمك إذا بقيت على هذا الحال ... )... رفعت وجهها إليه، فمسح دموعها يكمل باسما بمرح ممتعض ..
(سأسميك ... مثلا ... بكّاءة ... أو كئيبة ... أنسب من الأول أليس كذلك؟؟)... عبست وشفتاها ترتعدان بفعل شهقاتها، قائلة بطفولية ...
(بل سرور... كما أسمتني أمي رحمها الله ...)... ضحك يضم رأسها مقبلا يرد قبل أن يسحبها كي تقوم ....
(رحمها الله ... أحلى سرور... سرور أيامي ... )...
....................

مقهى ومطعم ... **السلام** ...

صف سيارته في موقفٍ خصصه صاحب المقهى لرواد مقهاه، وترجل منها وصديقه الذي قال بإعجاب، وهو ينظر الى المكان من حوله، حيث الخضرة تحيط به ....
(واااااو ... إنه مكان خلاب ... )... ابتسم أيوب يرد بفخر يكنه لصاحب المحل ...
(إنه لسفيان ... يجب أن يكون خلابا ...)... هز سيباستيان رأسه بتفهم يقول وهما على أعتاب المدخل الذي يفضي إلى طرقة حجرية على طرفيها حديقة من العشب الأخضر وزهور اللافندر....
(شوقتني للتعرف عليه ... )... ضحك أيوب يجيب، وهو يشير إلى القاعة المخصصة للمقهى ...
(مع أنني تعرفت عليه حديثا ... لكنه إنسان وفي.... وأمين في عمله ... وهذا أكثر ما يعجبني في الناس ... الجدية في العمل والثقة ...)... أومأ سيباستيان وهو مأخوذ بالحديقة الغناء المحيطة بالمكان المقسم إلى مرافق عدة. مطعم ومقهى، منها ما هو مغطى ومنها ما هو في الهواء الطلق، حيث خصصت مساحة قبالته لألعاب الأطفال، تطوقه أشجار الصفصاف الطويلة مشكلة ظلالا وغطاءا لهم من الشمس...
(السلام عليكم...)... انتبه سيباستيان من تأمله على التحية بلغة صديقه، فبحث عن الذي ألقاها، ليلمح شابا في مثل عمرهما يقوم من مكانه بين شباب كثر ملتفين حول طاولة فيهم صغار وناضجون، يرتدي سروال جينز عادي أزرق وكنزة من نوع تي_شيرت بلون أزرق باهت هي الأخرى ، يتقدم نحوهما وهو يبتسم بإشراق وسرور أضاءت له ملامحه الجاذبة للعيون بنور غريب ولمحة أغرب.....
(عليكم السلام... مرحبا .. حللت أهلا ونزلت سهلا.... )... ضمه بخفة، ثم ابتعد عنه ليفعل نفس الشيء بسيباستيان المندهش، والمفغر فمه ببلاهة أمام حميمية الترحيب رغم عدم فهمه للكلمات ......
(إنه لا يفهم لهجتنا سفيان...)... أخبره أيوب بود، فقال سفيان باللغة الأجنبية...
(أعتذر منك ... لم أكن أعرف.... كيف حالك ؟؟... أتمنى أن تكون رحلتك جيدة ...).. أومأ سيباستيان بلطف، وهو يتخذ كرسيا حيث أشار لهما، يرد بمجاملة ...
(جيدة بالفعل ....شكرا لك...)... جلس سفيان بعد أن تأكد من جلوس ضيفيه ثم أشار للنادل وهو يقول ...
(ماذا تشربان؟؟)... أزال أيوب نضارته السوداء، ونظر إليه بظلمتين قاتمتين وسط بياض ناصع، عليهما حاجبان أشد قتامة، أحدهما يرتفع عن الآخر بقليل، وكلاهما مرسومان ببراعة كاملة لا تنتمي سوى لخالق مبدع....
(القهوة من فضلك ... سوداء وبدون سكر....)... قدم سفيان الطلب للنادل، ثم شبك كفيه ببعضهما فوق الطاولة يقول بمرح ...
(أتمنى أن يكون الفوج راض عن الخدمة ...)... ابتسم له برزانة، يرد بود وتقدير ...
(بلى ... أشكرك على حسن خدمتك ...)... أمال سفيان رأسه يرد بلوم ...
(لا شكر على حقك علي ... الحمد لله أنهم رحلوا مبتهجين ..)... صمت سيباستيان ينصت لحوارهما بلغته، مستغربا من طلاقة تعبير سفيان، ليُجفله المعني قائلا بمرح ...
(أتحدث أربع لغات ... وأتعلم الخامسة ... )... رد عليه بدهشة يقول...
(أوووه ... أنت تحب اللغات؟؟)... أومأ سفيان وهو يجيبه ...
(بلى ... أحب أن أتواصل مع كل أنواع البشر... تعلم اللغات يفتح آفاق كثيرة ... )... تابعه سيباستيان بإعجاب، وقد بدأ يتفهم سر انجذاب صديقه إليه...
(ما هذا الكتاب ؟؟)... أجفل على سؤاله فنظر إلى الكتاب الذي نسي أنه يحمله، ثم قال بعدم اهتمام ...
(لا تكترث ... إنه عن الهندوسية ... غير مهم على الإطلاق...)... مد إليه يده يقول باهتمام ...
(هل تمزح؟.... لا يوجد كتاب غير مهم... هل تسمح لي ؟؟)... (طبعا..)... ناوله الكتاب وفتحه يتصفحه، بينما أيوب يمسك بفنجانه قائلا بتهكم ....
(نسيت أن أخبرك.... أن سفيان مدمن قراءة ... ).... جعد سيباستيان ذقنه بحيرة، وهو يرتشف من فنجانه، ثم سأل سفيان ...
(هل أنت مهتم بالحضارات ؟؟)... رفع المعني رأسه عن الكتاب، فتمكن سيباستيان من تفحص ملامحه التي لا تتصف بوسامة ظاهرة، بل هو كأغلب أبناء بلده، بشعر قصير بني مائل لسواد ،بشرة مسمرة و لحية مشذبه. ملامح عادية، لكن هناك ما يميزه عن غيره، حتى عن صديقه أيوب المتصف بوسامة جذابة، وقد وقع ذلك في قلبه بحيرة ....
(أجل... كل ما يتعلق بالحضارات ... والديانات ... مواضيع شيقة... هل تسمح لي بأن أسألك لماذا اقتنيته ؟؟).... هز سيباستيان كتفيه يرد بصدق ...
(لم أقتنيه ... أحد اصدقائي قد اعتنق الهندوسية مؤخرا ...وأعطاه لي .... ونسيته في حقيبة ظهري إلى أن تذكرته في الطائرة... وسحبته كي أطالعه فضولا ...وقتلا للملل ...أوشكت على إنهاءه .. كنت أنوي فعل ذلك هنا ..)....
تبسم سفيان يسأل بحماس ....
(وكيف وجدته؟؟... هل استطاع اقناعك؟؟)... شخر سيباستيان قائلا بسخرية ...
(من فضلك!! .... أنا خريج كلية العلوم الجيولوجية (الأرض) .... وابن والدين أستاذين برتبة دكتوراه... في نفس التخصص ....وفي أكبر جامعات بلدنا ... لقد اجتزت مرحلة اكتشاف أن للكون خالق منذ زمن ... يعني !!...انظر الى الصور !!... تماثيل نصف بشرية ونصف حيوانية ... )... رفع سبابته إلى جانب رأسه، يضيف بنفس التهكم ...
(ليحترموا العقول على الأقل... فمن خلق هذا الكون ... بالتأكيد ليس كما يصورونه ... وحتما ليس من ساكني الأرض... )... (رائع!!)... هتف سفيان بحبور، فتدخل أيوب يقول بينما سيباستيان يستغرب بهجة ذلك الرجل الغريب في تصرفاته ....
(إنه يبحث في الديانات ... ولم يحد ضالته بعد ...)... (وأنت ؟!... هل وجدت ضالتك؟)... باغته سفيان بالسؤال، لكنه رد بضجر وهو يلوح بكفه في الهواء ...
(أنا طبعا مسلم... لكن علماني المبدأ ...)... أطلق سفيان ضحكة صادقة، حتى دمعت مقلتيه يردد من بين ضحكاته ...
(آه ... مسلم علماني .... يا لها من نكتة متقنة ...)... هدأ يعتذر، بينما سيباستيان يتابع بحرص، وأيوب يرفع احد حاجبيه بتحذير ...
(آسف أيوب ... أرجوك اعذرني ... لكنها حقا نكتة بالنسبة لي ... )... ارتشف أيوب من فنجانه، يفسر بجدية ...
(وما المضحك في الأمر؟! ... أنا أؤمن بأن الله هو خالق الكون ... وهو الإله... ولكن أفضل فصل الدين عن حياتي ... والطريقة التي أعيش بها حياتي .. فأنا غير مقتنع ببعض قوانينه .... وأنا حر ..)... (طبعا حر... الله خلقك حر...)... نطق سفيان بنبرة عادية، وهو يرمقه بغموض، فتدخل سيباستيان يسأل بفضول ...
(ولماذا تعتبرها نكتة ... فصل الدين عن الحياة ... القيام بالشعائر يبعث على الراحة .. لكن كما قال أيوب... بعض الحدود لا يمكن التقيد بها ...خصوصا في هذا العصر ...)... نظر إليه سفيان يرد عليه بسؤال ...
(وهل أنت مهتم بالإسلام؟)... ابتسم أيوب، حين هتف المعني بجزع ...
(لا!! ... يا إلهي إن علم والداي سيفقدان عقليهما ...)... أقفل سفيان الكتاب وأسند رأسه بكفه، يسأل..
(لماذا ؟!)... تراجع سيباستيان وارتبك وهو يجيب...
(ممممم... حممم... )... كتم أيوب ضحكته، فقال سفيان بمكر ...
(ربما لأنه دين إرهاب وقتل وسفك دماء ؟؟... أم لأنه يسجن المرأة وسط خيمة سوداء مانعا عنها جميع حقوقها ؟!... أو ربما ... لأنه يأمر بالختان؟!)... غمزه مصدرا صوت وهو يشكل كفه على هيئة مقص، مشيرا إلى عملية القطع.
قهقه أيوب بصخب، حتى لفت بعض الأنظار، بينما سيباستيان يبلع ريقه حرجا، فاستطرد سفيان يسأل بلطف...
(هذا ما ترونه في الإسلام أليس كذلك؟؟)... هز رأسه بحرج، فربت على كتفه يقول ببغض الوجوم...
(لا بأس... فنحن لا نقوم بواجبنا تجاه ديننا... إن كان فينا من يقول أنه يفضل فصله عن حياته ... فلما سأحكم عن الغرب بالحمق؟!...) ... منح أيوب نظرة ذات معنى، تجاهلها وهو يشرب ما تبقى من قهوته، فاستدرك مستفسرا ...
(هل بحثت عن ديانات أخرى؟؟)... هز سيباستيان رأسه يجيب ...
(بلى .. السماوية فقط ...)... (وماذا وجدت؟)... قلب سيباستيان شفته بعدم يقين ...
(كلاهما ... يدخلانك في تشعبات متناقضة ... هناك نسخ كثيرة .... النتيجة النهائية ... لم أقتنع ... ما تحمله كتبهم لا ترضي عقلي وما فيه من علم ... أريد إثباتات علمية ... وثباتا على الرأي.... وعدم اكتشاف تناقضات ... أو ثغرات ...)... ضم سفيان شفتيه يرد بأسف ...
(لو كانت بقيت كما نُزلت ... لوجدت فيها كل ما تصبو إليه؟؟..)... سأل سيباستيان بريبة ...
(إذن أنتم تُقرون أنها رسالات سماوية ؟؟).... رفع سفيان حاجبه يرد بدهشة ...
(هل تمزح؟؟.... إيماننا لا يكتمل إن لم نؤمن بكل الرسل قبل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.... من أول أبينا آدم .. إلى عيسى عليهم السلام جميعهم ... وبكل الكتب قبل كتابنا القرآن الكريم ... التوراة والإنجيل والزبور ...).... قطب سيباستيان بحيرة وفضول مطبع في أحشاءه، وكان سفيان أعلم بذلك الفضول، فلم يوفر طاقة ليزيد من اشتعاله...
(لماذا قرأت هذا الكتاب ... وأنت تعتبر عبادة الأصنام إهانة للعقل والذكاء ؟؟).... مسد سيباستيان عنقه، يجيب مفسرا ..
(فضول ... ومطالعة ...)... أرخى سفيان ظهره على مقعده، يضيف ببسمة ماكرة ....
(ولم يثر الإسلام بكل ما يحوم حوله من اتهامات توجه له ... وبكل ما يواجهه من حرب وبكل الطرق .... فضولك... من باب المطالعة أو حتى التأكد؟؟!! ... فما أعرفه أن معرفة الشيء ... تبطل العجب فيه وتلغي الخوف منه ... وأنت إنسان علمي ...لا تعتمد على الأقاويل... بل نتائج علمية وتجارب ...وبحوث ..)... هز رأسه بسهو، فاستدرك سفيان بآخر قشة ...
(الإنسان الذكي ... يبحث لنفسه عن الحقائق... ولا يعتمد على الإشاعات من الأقاويل...)... نهض أيوب من مكانه، يقول ساخرا ...
(لقد حققت هدفك ... فلا تتعب نفسك ... سيباستيان نقطة ضعفه الفضول العلمي ... وستجده عندك كل يوم حتى تسأم منه .... )... رمقه صديقه بلوم، بينما سفيان يضحك ببشاشة يبسط ذراعه مرحبا ..
(مرحبا بك وبصديقك ... )... استقام واقفا هو الآخر، فتبعهما سيباستيان يقول بجدية....
(بأي كتاب تنصحني لكي أحصل على معلومات ؟؟)... رفع سبابته يطلب منه انتظاره ...
(انتظر لحظة...)... اختفى داخل المبنى لمدة وجيزة، ثم عاد يحمل كتابا متوسطا، يمده اليه قائلا ...
(إبدأ بالكتاب نفسه ...)... أمسكه سيباستيان وقرأ عنوانه ، فقال بدهشة ...
(إنه القرآن مترجم ؟!)... أومأ يبتسم قائلا...
(وماذا كنت تظن أنني سأعطيك؟!... هو الإسلام والإسلام هو ... إقرأه وما لم تفهمه تعال عندي لنناقشه ... )... جعد سيباستيان ملامحه مستغربا وصافحه مودعا، وكذلك فعل أيوب الذي وعده بالعودة.





انتهى الفصل الأول . أتمنى أن أقرأ أراءكم وتطلعاتكم وإلى الفصل القادم بإذن الله .... سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.



https://upload.rewity.com/uploads/153417865682832.gif


التمهيد والفصل الاول ... اعلاه
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس والسادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الأخير






https://upload.rewity.com/uploads/15341786568723.gif



متابعة قراءة وترشيح للتميز : مشرفات وحي الاعضاء

التصاميم لنخبة من فريق مصممات وحي الاعضاء
تصميم الغلاف الرسمي : Heba Atef
تصميم لوجو الحصرية ولوجو التميز ولوجو ترقيم الرواية على الغلاف : كاردينيا73
تصميم قالب الصفحات الداخلية الموحد للكتاب الالكتروني (عند انتهاء الرواية) : كاردينيا73
تصميم قالب الفواصل ووسام القارئ المميز (الموحدة للحصريات) : Dr FaTi
تنسيق ألوان وسام القارئ المميز والفواصل وتثبيتها مع غلاف الرواية : كاردينيا73

تصميم وسام التهنئة : كاردينيا73
تصميم البنر الاعلاني :
DELOO

https://upload.rewity.com/uploads/153417865688934.gif





يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

https://upload.rewity.com/uploads/153417865690165.gif

كاردينيا الغوازي 17-06-18 12:52 PM

صباح الورد


الف الف مبروك حبيبتي .. منوووووووووورة وحي الاعضاء باطلالتك المميزة
كل الامنيات الحلوة لك وربنا يوفقك


https://3.bp.blogspot.com/-0D1MfEZAf...52820%2529.jpg

زينب عبد الكريم 17-06-18 12:59 PM

الف مبارك بداية جزء رابع حبيبتي مني 😘😘😘

rontii 17-06-18 12:59 PM

مبرووووووووك يا موني الف مبىوك
اخلى عيدية بجد
اروح اقري و ارجع لك

ولاء حنون 17-06-18 01:05 PM

الكاتبة مني لطيفي 💖 لو قلت انك عنوان الابداع قليل فيكي 💖 بل انتي قمة الابداع واكثر ❤😍

زهرة جبلية 17-06-18 01:13 PM

مية مليوم مبارك يا منمن من نجاح لنجاح يا رب و متشوقين بشدة لمعالجة القضايا الهادفة التي سلطت عليها الضوء في هذا الجزء 😘😍 يعني لو مفيش إزعاج أنا من وقت ما دققت الفصل و أنا باستنى في تواقيع الأبطال لحتى اقرب صورهم لذهني هو مفيش تواقيع المرة دي و لا ايه 😂😂💃💃💃

nemoo 17-06-18 01:14 PM

بالتوفيق والنجاح سلسلة ناجحة ومميزة

ضحى حماد 17-06-18 01:16 PM

يسعد هالصباااااااااااااااااااا اااااااااح المنورررررررررررر بطلة أغلى الحبايب

ومش بس هيك الا بعيدية مرتبة كمان وفصل اول



ينعاد عليكي بالخير والعافية حياتي وان شالله من نجاح لنجاح يارب



والففففففففففففففففففففف مبروووووووووووووووووووووو ووك البداية ان شالله المليونية الهي



:elk::elk::elk::elk::elk::elk::elk::elk::elk: :yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa::yaaaa:: yaaaa::yaaaa::yaaaa:
:22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity::22-1-rewity:



راح تابعها معاكي باذن الله واستعدي للتقويص هاه


:33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity::33-1-rewity:
https://static.jbcgroup.com/amd/pict...6cdbf4d27c.jpghttps://static.jbcgroup.com/amd/pictu...6cdbf4d27c.jpg

وأول مشاهدة منيييييييييييييييييييي





الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 50 ( الأعضاء 17 والزوار 33) ‏ضحى حماد, ‏nemoo, ‏زهرة جبلية, ‏فديت الشامة, ‏ام بيجاد, ‏eng miroo, ‏ولاء حنون, ‏داليا انور, ‏walaa mahmoud, ‏اميره رمضان, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏rontii, ‏زينب زيزي, ‏ندى المطر, ‏احلى بنات, ‏موضى و راكان

ضحى حماد 17-06-18 01:19 PM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 60 ( الأعضاء 21 والزوار 39) ‏ضحى حماد, ‏doctor djouher, ‏noor noor, ‏منمنة صغيرة, ‏nemoo, ‏نجاه فاروق, ‏فديت الشامة, ‏ام بيجاد, ‏eng miroo, ‏ولاء حنون, ‏داليا انور, ‏walaa mahmoud, ‏اميره رمضان, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏rontii, ‏زينب زيزي, ‏ندى المطر, ‏احلى بنات, ‏موضى و راكان

ebti 17-06-18 01:48 PM

مساءك ورد وجوري ... الف الف الف مبروووك عزيزتي ان شاءالله مكللة بالنجاح الذي تتمني...

موفقة بإذن الله تعالى... في حفظ الله ورعايته...


الساعة الآن 11:45 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.