آخر 10 مشاركات
عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          مشاعر من نار (65) للكاتبة: لين غراهام (الجزء الثانى من سلسلة عرائس متمردات)×كاملة× (الكاتـب : Dalyia - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          أحفاد الصائغ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          582 - الصحافية الجميلة - جاين دونيللي - ق.ع.د.ن (الكاتـب : Gege86 - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          589 - أكره أن أحبك - سارا وود - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          590ـ غابة الأشواق ـ ميراندا لي. ق ع د ن (الكاتـب : عيون المها - )           »          402 - خذ الماضي وأرحل - مارغريت مايو (الكاتـب : عنووود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-02-21, 01:15 AM   #1

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي خشوع في محراب الوهم * مميزة ومكتملة *










أيادٍ فاسدة أرادت النَّيل من براءتها؛ فأصبحت خاشعة في محراب الوهم،حتى أتاها الخلاص.

خشوع في محراب الوهم









المقدمة
( ابنته)؟!
هل يصح هذا اللقب الآن، ماذا حدث بالضبط، وهل ما سمعه قبل قليل كان حقيقة، أم مجرد أوهام وتخيلات ليس لها أي علاقة بالواقع؟
- لا .... لا يمكن هذا .... إنها أحلام أو كوابيس اليقظة على الأغلب.

أحاسيس وتساؤلات مريرة دارت في عقله، بينما تملكته الهواجس والوساوس؛ حتى استطاع أن يفتح عينيه وينظر حوله في وجوم، ضيق ما بين حاجبيه وشع من عينيه بريق الشجن والفزع حينما وقعت عيناه على بيسان وهي تتطلع إليه بوجه لا يحمل أي تعبير، حانت منه التفاتة نحو رحمة ليرى الهلع مرتسم على ملامحها، حينها تأكد أن ما سمعه قبل قليل لم يكن حلماً بل كانت الحقيقة المُرة!
خرج صوته متحشرج وهو يقول بتعثر:
- ماذا
قلتِ؟

طأطأت بيسان برأسها؛ لتهرب من نظراته المصدومة وأجابته ببعض التوتر:
- يا أبي أنا...........
لم يتمكن من ضبط أعصابه، فصرخ بها:
- أنتِ ماذا؟ أنتِ بالتأكيد مجنونة!
****************

الاثنين والخميس الساعة 7


روابط الفصول

المقدمة.... أعلاه
الفصل الأول .. المشاركة التالية
الفصول 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 .. بالأسفل

الفصل 9, 10, 11 نفس الصفحة
الخاتمة
رابط التحميل

https://www.mediafire.com/download/1mhyp0z8ou6hi5j


ضحى حماد likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 23-03-21 الساعة 03:10 AM
ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-21, 08:30 PM   #2

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول
..
..
..
عاقبها لذنبٍ لم تقترفه، بدأت حياتها يتيمة محرومة من أبسط حقوقها كطفلة، وبدأ مشوارها طويل المدى في محراب الأوهام.
~~~~~~~~~~~

وقفت ياسمين في شرفة غرفتها، تسقي حوض الأزهار، حينما شعرت بيدين قويتين تطوقان ظهرها، وأتاها صوتاً يقول:
- زهرتي الجميلة تسقي الأزهار بنفسها، ألم أطلب منكِ ألا تقومين بأي عمل؟
رغماً عنها سرت قشعريرة باردة في أوصالها، حاولت أن تهدأ من روعها، كما حاولت الابتسام وهي تمسك بيدي زوجها، وتلتفت إليه قائلة بصوت مرتجف بعض الشئ:
- إنها أزهاري المفضلة يا يحيى، وأنا أستمتع بريِّها حقاً.
حدق في ملامحها الرقيقة التي تخطبت بعلامات القلق، فتقطب جبينه وهو يسألها:
- لقد فزعت مرة أخرى عندما تفاجئتِ بوجودي.
هزت رأسها يمينا ويسارا وقالت:
- لأني لم أشعر بدخولك إلى الغرفة، لهذا فزعت.
تنهد وقال:
- أنتِ تفزعين كلما اقتربت منك على غفلة، ومازلتِ مصرة على عدم اخباري بسبب ذلك، ولا تريدين الذهاب إلى طبيب أيضا، لقد بدأت أظن أنك تكرهين قربي...
وضعت أصابعها المرتعشة على شفتيه، وقالت بتوتر:
- صدقني لا داعي لذلك، هذه عادتي منذ صغري، أنا أفزع دائما إذا فاجئني أحدهم دون أن أشعر.
أبعد وجهه عنها بينما أغمض عينيه ليهدأ قليلا، بينما تابعت:
- كيف تقول أنني أكره قربك؟ أنت حبيبي وزوجي.
صمتت هنيهة لتمسك بيده، ووضعتها على بطنها المنتفخة وأردفت بصوت باكي:
- ووالد طفلتنا الجميلة.
رق قلبه فالتفت يناظرها، هَالهُ أن يري الدموع الحبيسة في عينيها، مد يده ليزيلها برقة، ثم ضمها إلى صدره بحنان وهو يقول بهدوء:
- أنتِ كل حياتي وحب عمري، اعذريني لأني أخاف عليكِ كثيراً، لا أريد أن يمسِّك أي سوء أبداً.
التصقت به بقوة؛ كأنها تريد أن تختبئ بداخله ليحميها، ثم قالت بلهفة هادئة:
- أنا بخير دائماً، طالما أنت بجانبي.
أمسك بكتفيها ليبعده عنه قليلا، ثم رفع وجهها ليجعلها تناظرها وهو يقول:
- أنا بجانبك دائماً حبيبتي، ولن أدع أي مكروه يصيبك.
أخفضت وجهها قليلاً لتنظر إلى ابنتهما القابعة داخل أحشائها، ثم سألته:
- أرى أنكَ تتحدث عني فقط، بيسان تغار لأن والدها لا يهتم لأمرها!!
منحها قبلة مفاجئة على وجنتيها، وهبط حتى أصبح رأسه أمام بطنها المنتفخ، قبل أن يقول مازحاً:
- دعيها تغار، وأخبريها أن الياسمين هي أزهاري المفضلة والأهم عندي.
شهقت ياسمين وقالت تصطنع الحزن بشفتين مزمومتين:
- وهل تهون عليك ابنتك؟! أنا سأحزن لحزنها إذاً.
رفع وجهه لينظر إليها، وصدحت ضحكاته في أنحاء الغرفة؛ لمنظرها المدلل قبل أن يقول بجدية وهو ينهض واقفاً:
- بالطبع ابنتي لا تهون أبداً.
صمت قليلا، ومد يديه ليحتوي وجهها بينهما، فرفعت ياسمين وجهها إليه؛ لترى سيلاً من الحنان المتدفق في عينيه وهو يردف بكل صدق واخلاص:
- لكن حزنك أنتِ كالسجن لحريتي، دموعك حمم بركانية تلهب صدري، عذابك بالنسبة لي كالجحيم، أما ابتسامتك هي جنتي، وسعادتك هي دنيتي، لذا أنتِ الأهم عندي، ولا تلوميني على هذا.
ابتسمت وأجابته:
- أحذرك أنني سأكون مغرورة للغاية ذات يوم بسبب حبك ودلالاك الزائد.
لثم جبينها بقبلة شغوفة؛ أغمضت عينيها على أثرها وسمعته يقول:
- يحق لك الغرور يا أميرة قلبي.
تركت نفسها تستنعم من قربه وحرارة أشواقه الدافئة، ثم دفعته برفق ليبتعد عنها قليلا وسألته بجدية:
- لقد أتيت مبكراً اليوم، وهذا ليس من عادتك، هل لي أن أعرف السبب؟
زم شفتيه للداخل، أمسك بيدها، وسار بها نحو الفراش ليجلس عليه، ثم أجلسها بجواره وقال:
- اشتقت إليك كثيراً، وأيضاً......
صمت لتكمل هي عنه:
- يوجد شيئاً آخر، هيا آتني به.
تنهد ثم قال:
- علي السفر اليوم إلى دبي، هناك بعض الأمور التي تتعلق بالعمل، ويجب أن أنهيها بنفسي، لكني لن أتأخر؛ يومين على الأكثر.
هزت رأسها وقالت بدهشة:
- أهذا ما يحزنك؟ لا بأس حبيبي، اذهب ولا تقلق علي.
تطلع إليها بحنين كالذي لم يرى محبوبته منذ وقت طويل، وتنهد قائلاً:
- أنتِ لست بخير، وغداً موعد استشارة الطبيبة كما أخبرتنا، كيف ستذهبين وحدك؟ كما أنكِ تخافين البقاء وحدك، لو كان حملك يسير على ما يرام لأخذتك معي، لكن الطبيبة منعتكِ من السفر.
فكرت قليلا ثم قالت:
- حسنا، عندي الحل لذلك.
رد عليها بلهفة:
- هاتِ ما لديك سريعاً
ابتسمت بحنو ورقة ثم قالت:
- لقد عرضت علي صديقتي رحمة أن أقضي معها يومين في منزلها، لأن والديها سافرا أيضا، لكني اعتذرت منها؛ حتى لا أتركك وحدك في تلك الأيام العصيبة التي تمر بها في عملك.
تنهد بارتياح قبل أن يقول:
- هذا جيد، سأكون مطمئناً عليكِ معها، حسنا اتصلِ بها الآن لكي تأتي لتصطحبك.
أجابته بدهشة:
- لمَ كل هذا، يمكنني أن أستقل أي سيارة أجرة إلى منزلها بسهولة.
هز رأسه موافقاً وقال:
- حسنا سأطلب لكِ سيارة قبل مغادرتي، أما الآن.....
صمت فجأة، فرفعت وجهها إليه لترى نظرة ماكرة في عينيه، أطرقت برأسها وقالت بجنون خجول:
- والآن ماذا؟!
دنا من أذنها ليهمس لها:
- والآن أنا ظمآن جداً حبيبتي، هيا أسقيني من بئر حبك وحنانك، وأكثري من تدليلي ما يكفيني اليومين الذي سأغيب عنكِ فيهما.

ضحكت برقة، بينما نهض واقفاً، سار نحو الشرفة ليغلق بابها، وأنزل الستائر الداكنة، فغرقت الغرفة في الظلام، ثم بدأ بإشعال الشموع المتناثرة في كل مكان، بينما قامت هي بتشغيل الموسيقى الكلاسيكية، فاقترب منها وجذبها إلى أحضانه، وراحا يرقصان وقلب كل منهما يلهث تأثراً بالحب الصادق الذي جمع بينهما، ومرت الساعات والزوجان العاشقان غارقان في محيط الانسجام والهوى، حتى دقت الساعة السادسة مساءاً معلنة عن موعد سفر يحيى.
~~~~~~~~~~
انتهت ياسمين من حزم حقيبة السفر لزوجها، ثم بدأت بتغيير ملابسها، دنا منها يحيى وقال بوجوم وقلق:
- هل ستكونين بخير، كنت أود لو أذهب معك إلى الطبيبة لأطمئن على حالتك الصحية.
أغلقت الحقيبة بعد الانتهاء من حزمها، التفتت لتنظر إليه بهدوء وقالت تطمئنه:
- لا تقلق حبيبي، سأكون بخير صدقني.
ثم ارتمت على صدره وأردفت:
- فقط عد إلي سريعاً.
قبل رأسها قائلا:
- يومين على الأكثر يا غالية قلبي، وربما أقل، أنتِ ادع لي بالتوفيق.
ردت من قلبها:
- أسأل الله أن يوفقك دائما، وتعود لنا سالماً غانماً بإذن الله.
ابتسم بارتياح، تناول حقيبة السفر وهو يقول:
- علي المغادرة الآن حتى لا تفوتني الطائرة، ستصل سيارة الأجرة في غضون نصف الساعة لتقلك إلى منزل رحمة، هيا لننزل إلى الأسفل سوياً.

هبطا إلى الطابق الأول، ثم خرجا سويا إلى حديقة المنزل، ساعدها يحيى لتجلس على أحد المقاعد ثم قال:
- هل أنتظر معك حتى تصل السيارة؟
هزت رأسها نفياً وابتسمت قائلة:
- ستفوت الطائرة هكذا، ماذا بك، لمَ هذا القلق؟
جلس القرفصاء أمامها وجذب رأسها ليضعها على صدره، وعانقها قائلا بصوت متهدج:
- هذه المرة الأولى التي أتركك فيها وحدك لعدة أيام، سأشتاق إليكِ كثيراً حبيبتي.
تنهدت بحنو وسعادة ثم ردت عليه:
- أجعلتها عدة أيام، أنت قلت يومين فقط، وأنا سأدعو لك كثيراً لتنهي مهمتك بالتوفيق لتعود إلي سريعاً.
ابتعد عنها قبل أن ينهض واقفا وقال:
- نعم ادع لي لأعود سريعاً، إلى اللقاء يا زهرتي الجميلة.
لوحت بيدها وهي تراه يغادر الفيلا، وقالت:
- إلى اللقاء يا حب عمري.
~~~~~~~~~~~~
بدأت الشمس في المغيب، عندما أتى ياسمين اتصال على هاتفها الجوال، فأجابت:
- ألو، من معي؟
أتاها صوت محدثها قائلاً:
- لقد طلبتم سيارة أجرة سيدتي، أنا أمام بوابة الفيلا الرئيسية.
أجابته سريعاً:
- نعم، انتظرني من فضلك لخمس دقائق.
نهضت على مهل، أمسكت حقيبة يدها استعداداً للذهاب، وفجأة تسمرت مكانها، ظهرت علامات الرعب والفزع على ملامحها الرقيقة، حينما أتاها من خلفها أخر صوت تتوقع سماعه يقول:
- آه يا طفلتي الصغيرة، أخيراً قابلتك بعد طول البحث والفراق.
للحظة ظنت ياسمين أنها لن تستطيع الحراك لفرط خوفها وارتجافها، لكنها استجمعت شجاعتها بكل ما أوتيت من قوة، وأجبرت نفسها على الهدوء وهي تلتفت لتنظر إلى مصدر الصوت، في الوهلة الأولى ارتجفت أوصالها عندما وقعت عيناها على مربيتها السابقة بعد عدة شهور؛ ظنت فيها أن اللقاء بها مرة أخرى درب من الخيال، رأت في عيناها نفس الطيبة الظاهرية لكنها لم تنخدع، حيث أنها كانت تعرف ماذا تخبئ وراء قناع الطيبة التي تتظاهر بها، دنت منها المربية خطوة، فإذا بياسمين ترفع يدها في وجهها وصرخت بها قائلة:
- ما الذي أتى بكِ إلى هنا، وكيف عرفتِ مكاني، ألم تكوني مريضة للغاية، وقالوا أنكِ تحتاجين لمعجزة لكي تعيشي؟!
ابتسمت المربية بمكر وقالت:
- وتحققت المعجزة، وها قد نجوت من الموت.
صمتت لتعقد ذراعيها على صدرها، ثم أردفت بخبث:
- هل ظننتِ أنكِ تستطيعين الاختباء مني؟
شعرت ياسمين بألمٍ شديد أسفل بطنها، كما شعرت بالخوف على طفلتها، فصاحت في المربية بأعلى صوتٍ لها:
- لم تجيبيني يا تهاني، ما الذي أتى بكِ إلى هنا، ماذا تريدين مني؟ لم أعد بحاجة إلى مربية.
نظرت تهاني إلى بطنها المنتفخة، وقالت:
- تهاني فقط؟ اسمي دادة تهاني هل نسيت يا ياسو؟
فزعت ياسمين من نظراتها، وبدأ الألم أسفل بطنها يزداد بشكل لا يطاق، بينما تابعت تهاني بصوت قاسي:
- أرى أنكِ حامل، هل هي فتاة أم صبي؟
صرخت ياسمين:
- لا شأن لكِ بطفلتي أيتها الفاسقة، ابتعدي عنا وإلا أقسم أن أفضحك، هل تفهمين؟
اصطنعت تهاني الحزن والأسى للحظة وهي تقول:
- هل تهون عليكِ الدادة تهاني يا حبيبتي الصغيرة؟
ثم استشرست ملامحها فجأة وهي تتابع:
- بماذا ستفضحيني أيتها البلهاء، وماذا ستقولين، خيرٌ لكِ أن تستمعين إلي ودعيني أعيش معك وزوجك وابنتك لأنك لن تحسنين تربيتها وحدك.
بكت ياسمين بحرقة وهي تنحني للأمام وتتأوه قائلة بنشيج:
- أرجوكِ ابتعدي عني وعن ابنتي، لن أفتح فمي كما وعدتك، أستطيع أيضاً أن أؤمن لكِ منزل وراتب شهري، فقط اتركيني وشأني.
اقتربت تهاني حتى أصبحت على بعد خطوة منها، وضعت يدها على بطنها وقالت:
- لا تخافي يا صغيرتي، لم أعد كالسابق، لقد خارت قواي بسبب المرض، فقط أريد أن أكون بجوار عائلتي الصغيرة كالسابق.

وفجأة أمسكت ياسمين بيدها رغم وجعها الشنيع، استطاعت أن تُغفِّلها، رفعت يدها بسرعة إلى فمها، ثم أطبقت عليها أسنانها بكل ما أوتيت من قوة، صرخت تهاني بشدة، وبالكاد استطاعت تخليص يدها من أسنان ياسمين الحادة، وانهارت أرضاً وهي تأن وتتوجع بشراسة، انتهزت ياسمين الفرصة فتناولت حقيبتها وهاتفها الجوال، وأسرعت للخارج وهي تُحدث سائق السيارة الأجرة بصوت عالي ومتألم:
- من فضلك أدخل بالسيارة إلى الڤيلا، أرجوك أسرع.
أنهت الاتصال وهي تفتح البوابة الرئيسية بواسطة جهاز التحكم عن بعد، وفور رؤيتها للسيارة انهارت أرضاً وهي تصرخ بألم شديد، أسرع السائق بالنزول إليها وسألها بقلق:
- ماذا بك سيدتي؟
أجابته بصعوبة وهي تبكي:
- أرجوك ساعدني، لا أستطيع الوقوف على قدماي.
ساعدها السائق، حتى ركبت السيارة، ثم استقل مكانه أمام عجلة القيادة وهو يسألها:
- إلى أين سيدتي، وماذا حدث لكِ؟ بدا صوتك جيدا عندما هاتفتك أول مرة.
أعطته عنوان عيادة طبيبتها الخاصة، فانطلق السائق بأقصى سرعة، في حين نهضت تهاني ونظرت إلى السيارة المبتعدة وهي تقول:
- لنا لقاء آخر يا ياسمين، لن تستطيعي الهروب مني مرة أخرى.
~~~~~~~~~~~
بدأت الطبيبة بفحص ياسمين للاطمئنان على حالة الجنين في بطنها، قطبت جبينها بشدة لما رأته أمامها في شاشة السونار، ابتلعت ريقها بقلق وحاولت أن تبدو طبيعية وهي تلتفت إليها متصنعة الهدوء الظاهري؛ على عكس القلق الكبير المسيطر عليها، سألتها باقتضاب حذر:
- أين زوجك يا مدام ياسمين؟
أغلقت ياسمين عينيها من شدة الألم، وسألتها بقلق:
- لماذا تسألين عنه، هل ابنتي بخير؟
تنهدت الطبيبة بأسى وقالت:
- أجيبي على سؤالي من فضلك، كان عليه أن يكون معك خلال الفحص، ثم ألم أطلب منك أن ترتاحي تماما؟
شعرت ياسمين بالخدر يسري في أوصالها، وأحست أن حجراً ضخماً يجثم على صدرها ويمنعها من التنفس بشكل طبيعي، دون إرادة منها ذرفت الكثير من الدموع وهي تقول:
- لقد سافر ولن يعود قبل يومين، أرجوكِ يا دكتورة أنقذي ابنتي.
عقدت الطبيبة حاحبيها وقالت:
- لقد انفصلت المشيمة، ويجب أن تخضعين لعملية جراحية الآن، لكن هذا لن يحدث بدون توقيع زوجك على تقرير طبي يعلن فيه موافقته على التضحية بالجنين في سبيل إنقاذك، كما أنه من الجائز أن نستئصل الرحم إن لم نتمكن من وقف النزيف.
وضعت ياسمين يدها تلقائيا على بطنها وصرخت بحسرة:
- إلا ابنتي يا دكتورة، عن أي تضحية تتحدثين.
همت الطبيبة بالرد عليها، لكن ياسمين قاطتعها مردفة:
- أنا أحذرك من التضحية بابنتي، وإن كان عليكِ أن الأختيار بين حياتي وحياة طفلتي، فضحي بحياتي أنا وانقذيها.
قالت الطبيبة بحنق:
- اهدأي من فضلك، أنا أشعر بك صدقيني، لكن ما تطلبيه مستحيل.
صاحت ياسمين رغم وجعها:
- لا تقولي أنكِ تشعرين بي، لأنكِ لم تمري بما مررت به، ولم يخبرك أحدهم أنكِ ستخسرين طفلك، وأيضاً ستحرمين من أن تكوني أماً إلى الأبد.
صمتت قليلا لتلقط أنفاسها ثم تابعت بقوة رغم ضعفها:
- زوجي لن يعود قبل يومين كما أخبرتك، وأنا من سيمضي على التقرير الطبي وإن رفضتِ سأحملك المسئولية الكاملة إن أصاب ابنتي أي مكروه.
امتقع وجه الطبيبة وقالت:
- لا تفعلي هذا بنفسك أرجوك، صدقيني حالة ابنتك ستكون خطيرة حتى لو خرجت للدنيا....
قاطعتها ياسمين قائلة:
- الأعمار بيد الله يا دكتورة، الآن أنا أطلب منك وأنا بكامل قواي العقلية أن تبذلي قصارى جهدك لانقاذ ابنتي مهما كان الثمن.
زفرت الطبيبة بأسى ودنت منها لتمسك بيدها وهي تقول باستسلام:
- حسنا كما تشائين، أعدك أن أبذل قصارى جهدي لانقاذ طفلتك وأنتِ أيضا، ثقي أنني لن أدخر جهداً في سبيل ذلك.

ثم سارت باتجاه الهاتف، رفعت السماعة لتلقي أوامرها بتحضير غرفة العمليات، وعندما انتهت أغلقت الخط وهي تتنهد بقلق وتقول:
- لله الأمر من قبل ومن بعد.
في حين تنهدت ياسمين بارتياح، وأغلقت عيناها وهي تتذكر الماضي البعيد بكل وضوح، ومازالت الدموع الغزيرة تتوالى على صفحة وجهها الرقيق الذي طاله الجهد والانفعال لما رأته طوال حياتها؛ على يد مربيتها السابقة التي استغلت برائتها الطفولية، لتفنن في تعذبيها في الخفاء؛ بطرق شنيعة لا تمت للانسانية بصلة؛ ساعدتها فيها ياسمين بسذاجتها وخوفها المفرط الذي وصل حد الجُبن؛ فلم تخبر أي أحد من عائلتها بالممارسات السادية التي كانت تمارسها تلك المربية عديمة الرحمة؛ حتى أتاها الخلاص، وتقدم يحيى جارهم بالمنزل المجاور لخطبتها، وتمت الخطبة بسلام رغم كل المكائد التي دبرتها تهاني لافشالها، وفي خلال بضعة أيام تعرضت المربية لحادث خطير، وأجمع الأطباء أن حالتها محتاجة لمعجزة لكي تنجو، حينها شعرت ياسمين بالارتياح الشديد وظهر ذلك في تصرفاتها؛ الأمر الذي جعل أبويها وشقيقتها يستغربون ردة فعلها بشدة، وبدأوا يعاملونها بجفاء ظناً منهم أنها ناكرة الجميل نحو مربيتها.
يحيى هو الوحيد الذي دعمها، كأنه شعر بالمعاناة التي عاشتها على يدها رغم أنه لم يكن يعلم بما تفعله تهاني، مرت أسابيع تليها شهور وبدأت مراسم زفافهما، وعُقد القران، وعاشت ياسمين في هناء وسعادة مع يحيى؛ الذي أذاقها ألوان شتى من الحب والمودة والرحمة والحنان، حتى جاءته فرصة عمل ممتازة في دولة الامارات العربية المتحدة؛ فسافرا على الفور دون تردد، تأكدت حينها ياسمين أنها ابتعدت عن العذاب والمعاناة إلى الأبد.
ومازالت الذكريات تتدفق على مخليتها بينما بدأت الاعدادات لعمليتها، بعد مرور ساعة واحدة كانت توقع التقرير الطبي قبل دخولها إلى غرفة العمليات.
~~~~~~~~~~~~
وضع يحيى الهاتف الجوال على أذنه للمرة العاشرة؛ منذ وصوله إلى الفندق الذي حجز به، انتظر بقلق أن يأتيه صوت زوجته لكن كالعادة لم يأتيه أي جواب، ألقى بالهاتف على الفراش، وراح يجوب الغرفة في قلق، ثم جلس على المقعد المجاور للنافذة، وضع رأسه بين كفيه وأطرق برأسه وهو يقول بغضب:
- لم يكن عليك أن تتركها يا يحيى، ماذا لو أصابها مكروه في غيابك وهي وحدها.
أمسك بهاتفه مرة أخرى ليهاتفها، وكالعادة انتظر الجواب، لكن كأن لا حياة لمن تنادي، وانقطع الاتصال، وزاد القلق في قلبه حتى فاق كل الاحتمال.
حاول كثيرا أن يهدأ من روعه، تلا آيات من القرءان الكريم ليتمكن من ذلك، وعندما هدأت سريرته جلس يتذكر كل ذكرياته مع ياسمين بحلوها ومرها، تذكر حنانها وحبها وطيبة قلبها، وأيضا فزعها اللامبرر، تذكر أيضاً مطلبها بشراء منزل جديد لهما فور تحسن حالته المادية وألا يخبر أحداً من عائلته أو عائلتها عن عنوان هذا السكن الجديد! حينها اندهش كثيرا من مطلبها وحينما سألها عن السبب، بدأت تبكي بهستيرية وتتوسله أن ينفذ مطلبها، وقد حدث.

إنه يعلم ومتأكد أنها متأزمة نفسيا، ويشعر أنها تعرضت لأفعال وممارسات قاسية للغاية في صغرها، لكن مِمَّن؟ هذا مالا يعرفه، لقد حاول مرارا أن يجعلها تحكي له ليساعدها لكنه فشل، حاول أيضا أن يعرضها على طبيب نفسي لكنها كانت ترفض بشدة، وأخيراً استسلم على أمل أنها ستتحدث معه بكل معاناتها ذات يوم..

قطع تفكيره رنين الهاتف الجوال، فالتقطه بلهفة وابتسم بارتياح عندما وجد اسم زوجته على شاشة الاتصال، أجاب بسرعة:
- ياسمين حبيبتي، أخيرا أجبتِ.
جاءه صوت أنثوي غريب يقول:
- مساء الخير.
تساءل بحيى بقلق:
- من معي، أين ياسمين؟
رد الصوت عليه:
- معك الدكتورة حياة يا سيد يحيى، مدام ياسمين مازالت تحت تأثير البنج حتى الآن.
هب واقفاً على قدميه وهو يصيح:
- ماذا تقولين، ماذا بها زوجتي يا دكتورة؟
ردت عليه بجدية:
- لن يمكنني الشرح على الهاتف، من فضلك حاول أن تعود بأقصى سرعة، لكن لا تقلق كثيرا؛ ياسمين وطفلتك بخير.
- طفلتي!!!!
نطق تلك الكلمة بذهول تام، قبل أن يفيق من صدمته ويقول بلهفة:
- سأعود اليوم بإذن الله.
أنهى المكالمة مع الطبيبة؛ قبل أن يجرى اتصال آخر برئيسه في العمل ليخبره بضرورة عودته اليوم لظروف طارئة، ثم اتصل أخيراً باستعلامات المطار ليسأل عن أقرب رحلة إلى أبو ظبي العاصمة.
~~~~~~~~~~~~
دقت الساعة معلنة عن انتصاف الليل في مدينة أبو ظبي؛ عندما وصل يحيى إلى المشفى الخاص الموجودة به ياسمين، توجه إلى مكتب طبيبتها الخاصة مباشرة، طرق الباب بلهفة متوترة، ثم ولج للداخل عندما أتاه الإذن بالدخول.
- أين زوجتي يا دكتورة، وماذا حدث لها؟
سأل يحيى بغضب كتوم، فأجابته الطبيبة وهي تشير له بالجلوس:
- إهدأ من فضلك، سأشرح لك كل شئ.
أخذت نفساً عميقاً، ثم بدأت توضح له حالة ياسمين عندما وصلت إلى عيادتها، وأنهت حديثها قائلة:
- أنت لم تكن متواجد هنا، وزوجتك أصرت أن تمضي التقرير بنفسها وحملتني كامل المسئولية إن أصاب طفلتكما أي مكروه؛ لذلك اضطررتُ أن أوافق على رغبتها لأن حالتها وحالة الجنين كانتا في خطر شديد ولم أستطع الانتظار.
امتقع وجه يحيى بشدة وقال:
- لكن كيف حدثت لها تلك المضاعفات؟ لقد نفذنا تعليماتك منذ أخر استشارة، كما أنني تركتها بخير!
ظهرت عليها علامات التفكير الشديد قبل أن تقول:
- كان يبدو عليها الفزع والخوف الشديد عندما وصلت إلى عيادتي، لا أدري لكني أظن أن هناك شئ يقلقها بشدة، وهذا الشئ ملازم لها، لا تستطيع التخلص منه.
شرد يحيى في كلامها للحظات، ثم أفاق ليعقد حاجبيه وهو يسألها:
- حسنا، كيف هي الآن؟ أريد رؤيتها من فضلك.
تنهدت وقالت:
- أولاً عليك أن تعلم أننا اضطررنا لاستئصال الرحم لوقف النزيف، وحالتها مازالت تحت الملاحظة لأي تدهور مفاجئ قد يحدث، أما بالنسبة للطفلة فأطمئنك أن حالتها مستقرة، وحمداً لله أنها وُلدت في الشهر التاسع وإن كان ببدايته.
سأل يحيى بتوجس كبير:
- هل حالة ياسمين خطيرة؟ أرجوكِ أخبريني يا دكتورة.
تنهدت وأجابته:
- الأعمار بيد الله، لقد بذلنا قصارى جهدنا لانقاذ زوجتك وابنتك لكن حالة ياسمين ليست مستقرة للأمانة، لكن كونك بجانبها سيدعمها كثيراً، والآن هيا لتراها.

نهض يحيى بصعوبة، سار معها في ممر طويل بخطوات بدت متثاقلة كأنها لكهلٍ عجوز، وكأنه يسير في طريق الهلاك؛ هكذا خُيل إليه لفرط خوفه على حبيبته وزوجته.
وفجأة ظهرت إحدى الممرضات، أسرعت نحو الطبيبة قائلة بتوتر:
- الحالة الموجودة في الغرفة×××××؛ لديها ارتفاع شديد في درجة الحرارة يا دكتورة.
نظرت الطبيبة إلى يحيى بتوتر؛ الأمر الذي زاد من قلقه، بينما أسرعت خطواتها وهو خلفها، دون أن تمنعه مما أكد له شكوكه.

دخلوا إلى الغرفة، ليرى يحيى محبوبته النائمة ببراءة الأطفال، وهي قابعة بهيئتها الرقيقة في فراش صغير محاطة بالكثير من الأسلاك، بدا عليها إمارات الاعياء ووجهها الجميل المحيا تعلوه تكشيرات الألم، لم يعلم أهي تكشيرات الألم الجسدي أم النفسي.
أسئلة كثيرة دارت برأسه، وعتاب لنفسه دار بينه وبين ضميره الذي عاتبه أشد العتاب لأنه تركها، سار نحوها ولم يلقي بالاً للطبيبة التي صاحت فيه لكي يبتعد، أمسك بيدها الصغيرة بين كفيه، ورفعها ليطبع عليها قبلة مشحونة بعواطف جياشة وهو يقول بصوت يملك حنان الكون:
- أنا هنا حبيبتي، ستكوني بخير ولن أتركك وحدك مجدداً صدقيني.
مازالت نائمة، لم ترد عليه؛ حتى أتاه صوت الطبيبة تأمره:
- إنها نائمة لأني أعطيتها إبرة مهدئة قبيل وصولك، لن تستيقظ الآن، من فضلك انتظر بالخارج الآن لكي أتمكن من مباشرة عملي وهذا لمصلحتها.
جاء رده بأن وضع رأسه بجانب كف يدها المجاورة له، ثم قال لها:
- قومي بعملك يا دكتورة، لن أتحرك من مكاني إلا معها وبرفقتها، وجودي لن يعيق عملك.
زفرت الطبيبة بضيقٍ شديد واستسلمت لرغبته، ثم بدأت بمعالجة ياسمين؛ حتى انتهت وقالت بدهشة:
- في الحقيقة أنا متعجبة منك يا سيد يحيى، لم تسأل عن ابنتك أبداً، ألا تريد رؤيتها والاطمئنان عليها؟!
في تلك اللحظة رفع رأسه، وانصدمت الطبيبة عندما سمعته يجيبها والدموع تغرق عيناه دون أن تتساقط منهم قطرة واحدة على وجنتيه:
- ياسمين هي الأهم عندي، لن أستطيع نكران ذلك!!!!
أرجوكِ أخبريني هل ستكون بخير؟
لُجم لسانها للحظات؛ لفرط تأثرها ثم قالت دون أن تعطيه جواب صريح لسؤاله:
- ستفيق زوجتك خلال دقائق، كن بجانبها، إنها تحتاجك الآن.
ثم غادرت الغرفة مع الممرضة بينما جلس يحيي بجوار زوجته، ومرت الدقائق كأنها ساعات قبل أن تفتح ياسمين عينيها ببطء شديد وهي تأن وجعاً قائلة:
- يحيي، هل أتيت؟
انحنى فوقها ليلثم جبينها برقة وحنان هامساً:
- أنا هنا حبيبتي، سامحيني لأني تركتك بمفردك.
ردت بإعياء شديد:
- أرجوك اسمعني، ونفذ ما سأطلبه منك.
أعطاها اهتمامه وسمعها تردف بحزن شديد:
- سامحني لأنني خبأت عليك بعض الأمور، وكم أردت أن اشرح لك ما كان يثقل كاهلي دوماً لكن الشجاعة خانتني.
قاطعها ليسألها بحيرة وقلق:
- ماذا تقصدين حبيبتي؟ أرجوكِ أخبريني وثقي أنني سأساعدك.
تابعت وهي تلهث:
- لا تقاطعني أرجوك، صدقني ليس لدي الوقت لأشرح لك الآن، كل ما أريده منك أن تعدني أن تأخذ ابنتنا بيسان وترحل بها بعيداً، أرجوك يا يحيي أترك ذلك المنزل الجديد وعُد إلى شقتنا القديمة.

عقد حاجبيها بحنق وغضب وقلق متسائلاً:
- ماذا تقولين؟ عن أي وقت تتحدثين؟ ستقومين بالسلامة وحينها سأفعل أي شئ تريديه.
انهارت مقاومتها وبدأت تبكي بحرقة وهي تقول:
- أرجوك حبيبي عدني أنك ستنفذ ما طلبته منك، أرجوك!
هالهُ مشهدها وهي تبكي فبدأ بهز برأسه مجيبا:
- حسنا حسنا، أعدك بذلك.
بالكاد استطاعت أن تبتسم قليلا وقالت:
- اعتني بابنتنا جيداً، ولا تعد بها إلى المنزل الجديد مهما حدث، لا تجعل تها........
اكفهر وجهه رعباً من حديثها فأمسك بيديها ووضع جبينه فوق جبينها وهو يقاطعها هامسا بكل الحب الذي يحمله بقلبه:
- سنعتني بها سويا يا زهرة فؤادي.
شعرت كأنها تدخل في دوامة سحيقة، وبدأت أطرافها تتجمد فصاحت بكل ما أوتيت من قوة:
- أرجوك لا تجعل..............
ولفظت ياسمين أنفاسها الأخيرة، وقاطعها الموت من إكمال تحذريها هذه المرة، فرفع يحيي رأسه بعيداً عنها ليطالعها بهلع، ثم صرخ بأسى وهو يبكي فراقها:
- ياااااا الله، ياااسمين........

دخلت الطبيبة بسرعة على إثر صرخته، اقتربت من ياسمين في وجوم، وبحزن شديد أغلقت عينيها وهي تقول:
- إنا لله وإنا إليه راجعون، البقاء لله سيدي، أرجوك تماسك فهناك طفلة صغيرة تحتاجك وتحتاج حنانك.
وهنا نهض يحيي واستشرست ملامحه وهو يقول:
- هي السبب!!!
- عذراً لم أفهم مقصدك!
سألت الطبيبة بحيرة فأجابها بغضب كتوم:
- بيسان هي السبب، هي من قتلت زوجتي، لن أسامحها أبداً

....... يتبع .......


ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-02-21, 12:26 AM   #3

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني

أعتذر عن تأخري في نشر الفصل اليوم في موعده المحدد نظراً لانقطاع النت.

هل آن حقًا أوان الرحيل؟
وماذا عن صرخاتي التي شقت سكون الليل؟
أين ذهبتِ حبيبتي
وهل هُنت يا من كنتِ دواء لقلبي العليل؟
سؤال يليه سؤال ولا إجابة أو حتى دليل!!!

..............................
صرخة صغيرة شقت سكون الليل، انطلقت من حنجرة بيسان؛ تلك الطفلة الصغيرة التي جاءت للحياة يتيمة الأم منذ أول لحظة لها، وكأنها تنعي نفسها، وتنعي حضن والدتها الدافئ التي حُرمت منه قبل أن تستطيع تذوقه ولو لمرة واحدة.
أما يحيي؛ فقد بدا كالأشباح وكأن روحه صعدت مع روح زوجته، جثا على ركبتيه بجوارها وحدثها قائًلا:
- ياسمين حبيبتي لا تذهبي رجاءًا.
تنهدت الطبيبة حياة وخاطبته بأسى:
- أرجوك سيدي لا تعذبها، هذا الحديث لن يجدي نفعًا الآن!
التفتت نحوها وناظرها قبل أن يقول معاتبًا:
- وماذا عن عذابي أنا يا دكتورة؟ لم يجدر بك أن توافقيها بما طلبت.
اقتربت منه وأخذت بساعده لتساعده على النهوض، ثم قالت بحزم وجدية صارمة:
- لنتحدث بالخارج من فضلك.
سار معها كالذي لا يملك أي رغبة بالحياة، حتى خرجا من الغرفة، قالت حياة:
- أنا أتفهم حزنك وصدمتك، لكن.....
قاطعها ليقول بغلظة قاسية:
- عفوًا منكِ، ماذا قلتِ، هل تتفهمين حزني حقًا؟ لا يا دكتورة، لأن التي ماتت هي زوجتي وروح قلبي أنا لا أنتِ، التي رحلت للأبد كانت معي منذ عدة ساعات قليلة، كانت بجانبي تحتويني بحنانها وحبها البرئ، والآن وللأبد فارقتني، هل فهمتِ الآن؟!
صاحت فيه بحدة:
- هذه مشيئة الله، هل يمكنك الاعتراض؟ ألا تقول أنك تحبها؟ إذًا عليك ألا تعذبها واترك روحها ترحل في سلام، واطلب لها الرحمة والمغفرة.
صُدم يحيي بشدة، وفي داخله اقتنع أنها محقة، أغمض عينيه بقوة بينما قلبه يصرخ جراحًا قاتلة، انهمرت دموعه على وجنتيه بأسى؛ فوضعت الطبيبة يدها على كتفه وقالت:
- حسنًا فعلت، أرح صدرك ولا تخجل من بكاءك أبدًا.

أتاهم صوت أنثوي رقيق يبدو عليه الصدمة والانفعال:
- يحيي..
التفتا ليناظرا صاحبة الصوت، عقد يحيي حاجبيها وهو يرى رحمة صديقة ياسمين أمامه، اقتربت منهما سريعًا وقالت تخاطبه:
- ماذا حدث يا يحيي، لماذا لم تأتي ياسمين كما قالت، وأنت لم تسافر؟
رأت عينيه المغروقتين بدموع حبيسة داخل جدارها، توجست خيفة ونظرت إلى الطبيبة لتسألها بقلق عميق:
- أنتِ الدكتورة حياة أليس كذلك، لقد أخبرتني أن ياسمين طلبت حضوري فورًا، ماذا بها؟
زفرت حياة بحسرة قبل أن تجيبها:
- نعم فعلت، لقد طلبت مني ذلك قبل دخولها غرفة العمليات.
جحظت عيني رحمة وصاحت بفزع:
- أي عملية، هل ياسمين بخير، وماذا عن الطفلة؟
التفتت نحو يحيي وتابعت متسائلة بصدمة:
- أرجوك تحدث معي، لمَ هذا الصمت؟ أكاد أن أُجن!

- لقد ماتت ياسمين يا رحمة، ماتت وهي تلد بيسان.
صدح صوته بحسرة لينهي أسئلتها، فانهارت أرضًا دون أن تتفوه بكلمة واحدة، بينما راح جسدها ينتفض بشدة.
هتفت حياة بها:
- انهضي يا رحمة، فهناك رسالة تركتها ياسمين وطلبت أن أسلمها لكِ في حال......
- أرجوكِ لا تكملي.
علا صوت رحمة بتلك الكلمات حزنًـا وتأثًـرا على فراق صديقتها، أومأت حياة برأسها احترامًـا لرغبتها، ثم قالت ليحيي:
- عليك انهاء بعض الاجراءات اللازمة قبل دفن زوجتك.

اعتصر الحزن قلبه وهو يومئ برأسه في صمت شريد، بينما ذهبت رحمة مع حياة لترى ياسمين للمرة الأخيرة ثم استلام تلك الرسالة.
~~~~~~~~~~~~~~~

- أرجوك حبيبي، عدني أنك ستنفذ ما طلبته منك، أرجوك!
- حسنا حسنا، أعدك بذلك.
- اعتني بابنتنا جيداً، ولا تعد بها إلى المنزل الجديد مهما حدث، لا تجعل تها........
بقلبٍ منفطر وروح جامدة كما الجليد، جلس يحيي بجوار المقبرة التي تحوي بداخلها جسد زوجته الذي فارق الحياة؛ يتذكر كلماتها الأخيرة، حالة من الذهول تتملكه، لا يكاد يصدق ما حدث، هل حقًا ماتت ياسمين، ما الذي أصابها ولمَ كانت خائفة لهذه الدرجة؟

أطبق جفنيه بقوة مغلقًا لعينيه، ودماؤه تستعر نارًا حامية بداخله، وضع يده على المقبرة؛ يمسدها كما كان يربت على كتف زوجته الغالية عندما كان يصيبها الحزن، قال متسائلا بهمس:
- هل أستطيع الآن أن أمحو حزنك بينما تباعدنا كل هذا القدر؟
أتاه صوت رحمة الرقيق من خلفه:
- أرجوك يا يحيي لا تعذبها، ولتدعو لها بالرحمة، إن أكثر ما تحتاجه الآن هو الدعاء.
التفت نحوها، رفع رأسه عاليًا حتى يناظرها ثم قال:
- أنتِ محقة، لكني لم أتمالك نفسي بعد، لا أتخيل الحياة دونها!
- لست وحيد، وبيسان تحتاجك الآن.
قالت رحمة تلك الكلمات لعلها تنسيه حزنه وتشدد من آزره، فتحولت نظرة الأسى في عينيه إلى نظرة غاضبة وكاد أن يرد عليها، لكنها تابعت سريعًا:
- لا تلقي اللوم على تلك الصغيرة المسكينة، ويكفي أنها ستعيش حياتها بدون أم، صدقني هذا يكفيها، ولا تنسى أن عمر ياسمين قد انتهى مهما كانت الأسباب والظروف!
زفر بحدة وقال:
-أتفق معك لكن هذا لا ينفي أنها السبب!
صاحت فيه بحدة خافتة:
- يكفيك يا يحيي، أفق لنفسك وكُف عن الندب والتحسر، وإن كان حديثك هذا وإلقاء اللوم على بيسان سيعيد ياسمين فلتستمر إذًا.

صدمته كلماتها وكأنه أفاق على نفسه بالفعل، هدأت نظراته الغاضبة، فتابعت رحمة حديثها قائلة:
- هل أنت ساخط لقضاء الله؟
أجابها بسرعة كبيرة:
- لا بالطبع...
تابعت وهي مصممة على إخراجه من حالة الحزن المميت التي تمكنت منه:
- لكني أرى أنك غير راضي على قضاء الله وقدره، ثم أنك نسيت وصية ياسمين لك، فأي حب هذا يا رجل، وأنت تستكثر عليها الراحة، وتجلس هنا تندب حظك مثل..........

توقفت فجأة عن إتمام حديثها، فأكمل هو عنها بسخرية مريرة:
- أندب حظي مثل النساء، أليس هذا مقصدك؟
أجابته بخفوت وهي محرجة منه:
- أعتذر يا يحيي، لم أقصد اهانتك، لكني أريدك بخير صدقني.

اومئ برأسه في صمت، قبل أن يرفع يده بالدعاء، وبدأ يتلو آيات القرآن الكريم ومن ثَم الدعاء لياسمين لمدة ساعة كاملة.

بعد ذلك نظر إلى رحمة وقال لها:
- أشكرك على وجودك بجانبي، لولاك لكنت منهارًا.
تطلعت إلى المقبرة بأسى وقالت:
- للحق أنا مازلت مصدومة، لكن لا يحق لنا الانهيار الآن.
لم يفهم يحيى مقصدها، فتابعت وهي تلج خارج المقبرة:
- دعنا نعود إلى المشفى من أجل بيسان، وسأشرح لك ما أعني.
~~~~~~~~~~~~~~~

بعد قرابة الساعة دلفت رحمة مع يحيى إلى المشفى، فبادرها سائلا:
- ماذا كنتِ تقصدين بحديثك؟
- ألا يبدو لك ما حدث لياسمين مريبًا؟
عقد حاجبيه بتوجس وحيرة بينما تابعت:
- قالت الطبيبة أن ياسمين كانت في حالة مزرية عندما وصلت إلى هنا، وهذا يعني أن شئ ما قد حدث لها في منزلكم، أخبرني هل تركتها بمفردها في المنزل؟
أجابها باقتضاب:
- كنا بخير تمامًا، عندما طلبت مني المكوث معك أثناء سفري، طلبت لها سيارة أجرة وقبل وصولها بنصف الساعة غادرت إلى المطار لألحق بالطائرة.
فكرت رحمة قليلاً ثم قالت:
- هذا يعني أن هناك شئ خطير حدث معها في تلك الدقائق أو أن سائق السيارة............
كانت تتحدث وتستنتج، بينما عقل يحيى عمل بسرعة ليتذكر كلمات زوجته الأخيرة؛ فقاطعها قائلاً:
- المنزل يا رحمة، إنه المنزل.
- ما به؟
سألته بحيرة وتوجس فأجابها وعيناه تلمعان بغضب شرس:
- لقد أصابها شئ ما في المنزل، لكن ما هو؟
ضرب يده بقوة على الحائط جانبه، وتابع بغضب:
- ما كان علي أن أتركها وحدها وهي تخاف المكوث بمفردها حتى ولو لدقائق قليلة.
أمسكت بذراعه وقالت بقلق:
- اهدأ من فضلك، واشرح لي أكثر.
أجابها بحسرة:
- ياسمين طلبت مني في أخر لحظاتها أن أترك هذا المنزل، ولا أدخله أبدًا مهما حدث، هل فهمت الآن؟ هناك شئ يخيفها فيه، لكنه لم يعد مجرد هاجس وتوجس، هذا الشئ جعلها تعيش رعبًا كبيرا قبل أن يسلب منها روحها وحياتها.

اتسعت عيناها وصاحت بفزع:
- يا إلهي كيف يكون ذلك؟
- لا أدري لكن ما أعلمه أنه يجب علي العودة إلى ذلك المنزل لأكتشف الأمر.
هزت رأسها يمينًا ويسارًا، وقالت:
- لا يمكنك فعل ذلك، ألم تقل أنها طلبت منك ألا تعود إليه مهما حدث؟
أجابها باقتضاب وهو يسير نحو مكتب الطبيبة حياة:
- طلبت ذلك لرعبها من ذلك المكان، لكني لست خائفًا وعلي أن أعلم ماذا حدث أثناء مكوثها بمفردها هناك.
تنهدت وقالت:
- حسنا أنت محق، لكن عليك ألا تمكث هناك طويلاً.

وقف أمام باب مكتب الطبيبة والتفت نحوها ليقول بتأثر:
- لن أتمكن من البقاء هناك على أي حال، أظن أني سأعرضه للبيع، لكن ليس الآن بالطبع.

اومأت برأسها في صمت بينما طرق هو باب الحجرة، ثم دلفا سويًا إلى الداخل عندما سمحت لهم حياة بذلك، قالت بأسى لم تستطع اخفاؤه فور رؤيتهما:
- البقاء لله، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
ردوا عليها معًا:
- اللهم آمين يارب العالمين.
سار يحيى حتى وصل إلى المقعدين أمام مكتبها، جلس على أحدهما ثم قال لها بتردد:
- بيسان، هل هي بخير؟
أجابته حياة بهدوء:
- نعم حالتها الصحية مستقرة، لكن ماذا ستفعل، كيف ستعتني بها؟
أتاه صوت رحمة وهي تقول بحزم:
- بيسان ستبقى معي يا يحيى.
التفت نحوها وعلى وجهه نظرات حائرة وذاهلة، فبادرته قائلة بسرعة:
- لفترة من الوقت حتى تؤمن لها مربية أطفال للعناية بها، إن كان يناسبك اقتراحي بالطبع.
كان ممتنًا لها للغاية، حيث أنه لم يكن يعرف كيف سيتعامل معها وهو بالكاد يخدم نفسه، لكن رغم ذلك قال:
- لا يمكن ذلك يا رحمة، أشكرك لدعمك لكن والديك قد ينزعجا من الأمر.
ثم التفت نحو حياة وقال لها:
- كنت سأطلب منك أن تبقى بيسان اليوم فقط في الحضَّانة كما هي، سأحاول أن أدبر أمري غدًا بإذن الله.
اقتربت رحمة لتجلس على المقعد أمامه وقالت بإصرار:
- أولا لا يوجد إزعاج أبدا، ثانيًا أمي وأبي مسافرين ولن يعودا قبل أسبوع، حينها تكون قد دبرت أمرك.

قالت حياة بجدية:
- اقتراحها جيد جداً، حيث أنك لن تستطيع أن تدبر مربية في غضون أربعة وعشرون ساعة، ثم أن إدارة المشفى لن توافق على طلبك ببقاء بيسان لأن حالتها لا تستدعي الحضَّانة.

نظر إليهما بارتباك لاحظته رحمة جيدًا، للحظة أشفقت عليه، وفكرت أن ما مر به ليس هينًا، ماذا عن مستقبله ومستقبل الصغيرة، دون أن تدري وجدت يدها تمتد إلى جيب بنطالها حيث تقبع رسالة ياسمين إليها.
تسائلت بصوت لم يغادر حنجرتها:
- تُرى ماذا كتبت ياسمين لي؟ ساقرأها فور وصولي إلى بيتي.

أفاقت من شرودها على صوت يحيى وهو يقول لها بارتباك:
- حسنا أنا موافق، سأحاول تدبير أموري قبل رجوع والديك بالسلامة.
تنهدت بارتياح، بينما قالت حياة لها:
- حسنا فعلت يا رحمة.
ثم أعطت يحيى روشتة قائلة له:
- هذا اللبن سيكون غذاء بيسان، كتبه لها طبيب الأطفال بالمشفى، وأيضاً بعض الأدوية للانتفاخ وغيره.
نظرت إلى رحمة مرة أخرى وقالت:
- سنمر على مكتبه في طريقنا ليشرح لك كل ما يلزمك.
اومأت رحمة برأسها في حين تابعت حياة:
- ما تفعليه شئ عظيم عزيزتي، لكن عليكِ أن تفهمي أنك ستتعبين كثيراً وربما لن تتمكني من النوم لأيام.
ضحكت رحمة رغماً عنها وقالت:
- لا تقلقي علي، كل شئ سيكون على ما يرام.

~~~~~~~~~~~~~~~
ذهبت رحمة مع حياة لترى طبيب الأطفال، بينما توجه يحيى إلى الحضَّانة ليأخذ بيسان، انتظر بالخارج بناء على طلب من الممرضة المسؤولة؛ حتى رأها مُقدِمة نحوه، اقتربت منه لتعطيه ابنته وهي تقول:
- اذكر اسم الله سيدي، ابنتك ماشاء الله غاية في الحُسن والجمال،
للحظة انتابته مشاعر مرتبكة، بارتباك مد يده ليتلقى صغيرته، وفجأة شعر بإحساس لا يمكن وصفه، وكأنها تلك اللحظة التى توقف عندها الزمن، لقد ظن -وبعد الظن إثم- أنه سيكرهها للأبد أو على الأقل سيبقى حانقًا عليها، لكن مشاعره كانت عبارة عن محبة قوية لا تضاهيها أي محبة أخرى، بدأ يذرف الدموع وهو يضمها إليه ليدنو منها، ثم بدأ يؤذن في أذنيها بصوت متهدج وفرح في نفس الوقت، فور انتهاؤه، رأى رحمة آتية نحوهما فابتسم رغم حزنه وقال لها:
- هل رأيتِ كم هي جميلة صغيرتي يا رحمة؟
مدت يدها لتتلقى بيسان، ضمتها إلى صدرها بحنان كبير، وردت بسعادة لتخطيه مرحلة لوم وعتاب ابنته:
- ماشاء الله، حفظها الله لك يا يحيى، والآن هيا بنا.
اومئ برأسه وأجابها:
- سأقلك إلى منزلك، ثم.....
صمت فجأة لتكمل هي عنه:
- ثم ستذهب لتمكث تلك الليلة في أحد الفنادق، لن تذهب إلى المنزل اليوم.
سار معها للخارج وهو يقول:
- لا أستطيع دخوله يا رحمة، على الأقل اليوم.
تفهما موقفه فقالت:
- أنا أعرف لذا ستبقى في أي فندق وفي الصباح سأترك بيسان مع مشرفة منزلنا لأذهب معك.
فتح لها باب السيارة لتصعد إليه، ثم صعد بجوارها وقاد السيارة وهو يقول:
- أشكرك كثيرًا، لا أعرف ماذا كنت أفعل بدونك.

تنهدت وضمت بيسان إلى صدرها كأنها تريد حمايتها قبل أن تجيبه:
- لا يوجد شكر بين الأصدقاء، ليتني أستطيع مساعدة تلك الصغيرة لأعوضها غياب والدتها.
أطرق برأسه وشرد للحظات مفكرا في ياسمين، ابتلع غصة مؤلمة هاجمت قلبه حينما تذكر أنها فارقته إلى الأبد، واختلجت الكلمات بقلبه العليل لكن حالة الحزن التي يعيشها أبت أن تجعله يرتاح ويعبر عن مكنون صدره.

بعد برهة من الزمن، ركن السيارة أمام منزل رحمة واستطاع أن يقول بصوت متهدج:
- لقد وصلنا.
التفتت لتنظر إليه ثم قالت:
- قوي عزيمتك يا يحيى، اسأل الله أن يلهمك الصبر والسلوان.
اكتفى بهز رأسه، ثم دنا منها مادًا يديه ليأخذ ابنته من أحضانها، ضاممًا إياها إليه بحنان، قبل جبينها الأملس وقال يهمس لها بحنو:
- أستودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه يا صغيرتي الجميلة.

ثم نظر إلى رحمة وسألها:
- هل ستتمكنين من رعايتها؟
- لا تقلق، سأبذل قصارى جهدي.
أجابته بهدوء وترجلت خارج السيارة، فقال لها:
- أتمنى ألا تُجهدك، إذا احتجت أي شيء هاتفيني فورًا.
اومأت برأسها في صمت وسمعته يتابع:
- سأهاتفك في الصباح قبل مروري إليك.
ودعته قائلة:
- حسنا، كُن فقط بخير ولا تستلم للأحزان، وتأكد أن كل شئ يبدأ كبيرًا لكنه مع الوقت يصبح صغيرًا للغاية.
تطلع إلى ابنته بينما كان يجيبها:
- لن أستسلم، على الأقل من أجلها.
أنهى حديثه وانطلق بسيارته، بينما أطرقت رحمة رأسها لتنظر إلى بيسان وهمست تخاطبها:
- أنتِ معجزة الله أيتها الصغيرة، وجودك سيخفف من فجعة والدك في وفاة والدتك كثيرًا.
ثم تنهدت وهي تتجه إلى داخل المنزل مردفة بأسى:
- أما أنتِ؛ لكِ الله حبيبتي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
في غرفة صغيرة بأحد الفنادق الصغيرة في إمارة أبوظبي، كانت تهاني تذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تتسائل بقلق:
- تُرى هل ستتكلم ياسمين عما كانت أفعله بها في طفولتها؟

سارت نحو الفراش الصغير لتجلس عليه ثم قالت تطمئن نفسها:
- لا لن تستطيع، أنا أعرفها جيدا، إنها أجبن من فعل هذا.
نهضت مرة أخرى لتتجه نحو النافذة وهي تتابع حديثها مع نفسها:
- سأنتظر للصباح ثم سأعود إلى منزلها للتحدث إليها، عليها أن تعرف أنني كنت أُحسن تربيتها وقد أحسنت بالفعل والجميع يشيدون بأخلاقها.

برقت عيناها بشراسة حتى بدت كالشياطين، وراحت تهز رأسها لأسفل وأعلى مردفة:
- صدق المَثَل الذي يقول (اكسر للفتاة ضلع يطلع لها أربعة وعشرون ضلعًا)
وفجأة صدحت ضحكتها السادية في أرجاء الغرفة، وتنهدت بارتياح وهي تقول:
- والآن واجب علي أن أعلمها كيف تربي طفلتها بطريقة سليمة كما فعلت أنا.
رجعت إلى الفراش، اطفأت نور المصباح واستلقت بأريحية، ثم أغمضت عينيها ببطء وهي تعلن:
- لكن لا تقلقي ياسو حبيبتي، لن أفعل بابنتك نفس ما فعلت بكِ، أعلم أنني قسوت عليكِ قليًلا، لكن كان هذا لمصلحتك كما أن هذا الجيل مختلف، ولابد أن أنتهج مع ابنتك طرق جديدة للتربية السليمة.

غرقت في سبات عميق وهي تمني نفسها بتكملة ما بدأته مع ياسمين، جاهلًة أنها فارقت الحياة
~~~~~~~~~~~~~~
في صباح اليوم التالى، دلف يحيى بسيارته إلى ڤيلته الخاصة بصحبة رحمة كما وعدته؛ بعد أن تركت بيسان بأمانة مشرفة منزلها.

أحاسيس متضاربة بين الأسى لغياب محبوبته وبين الغضب الذي تملك منه فور دخوله إلى ساحة الڤيلا الواسعة، وبدأت ذكريات الماضي تلاحق عقله، حانت منه التفاتة نحو حديقة المنزل التي زينتها ياسمين بنفسها، وزرعت فيها أنواع عديدة من النباتات والزهور، وخصوصًا نبات البيسان النادر والذي ينتمي لفصيلة الأشجار، تطلع أيضًا إلى المظلات الخشبية التي أرداتها لتعطي رونقاً وجمالاً للحديقة، كما استنشق عبق الأزهار النادرة والغريبة، ذكريات كثيرة راحت تهفو إليه وهو يشاهد طيف زوجته الراحلة وكأنها لازالت موجودة، تارًة يراها تسكب الماء من الدلو المخصص لري النباتات، وتارًة أخرى يراها وهي تجري بين الزهور كما الفراشة الحرة الطليقة، وتارًة ثالثة وهي تجلس بجانبه تحت المظلة الكبيرة - مظلتهما الخاصة - كما كانت تخبره.

علت ثغره ابتسامة صغيرة حانية، ورأته رحمة فسألته بحيرةٍ:
- يحيى ما بك؟
زفر ببعض الضيق لأنها أخرجته من ذكرياته الرومانسية، ترجل خارج السيارة وهو يجيبها باقتضاب:
- هيا بنا.
زمت شفتيها من أسلوبه الحاد، وترجلت خارج السيارة هي الأخرى، فسألها بحرج:
- اعذريني نسيت أن أسألك عن بيسان، كنت شارد الذهن قليلاً.
أجابته ترد له الصاع صاعين:
- نعم رأيت هذا بنفسي، إذ إنك لم تتفوه بحرف واحد طوال الطريق.

تنحنح بحرج ثم قال بهدوء وروية وهو يدلف إلى الڤيلا:
- اعذريني، حقًا نسيت، أنتِ أيضًا لازمتِ الصمت وكأنك كنتِ شاردة في أمر هام.
امتقع وجهها قليلا، إذ أنه كان مصيبًا في تخمينه، ذكَّرتها كلماته برسالة ياسمين التي قرأتها الليلة السابقة فور وصولها إلى منزلها، وقبل أن يلاحظها يحيى غيرت تعابير وجهها القلقة التي هاجمتها أثناء تفكيرها في الوصية، أرادت أن تخبره بمضمون الرسالة، لكنها لا تستطيع فعل ذلك لأن ياسمين أقسمت عليها ألا تخبره بمطلبها، وفكرت كيف يمكن لصديقتها أن تطلب منها طلبًا كهذا؟ زفرت بحدة لتنهي توترها وقررت تأجيل الأمر لبعض الوقت، فقالت تعلن له بينما رأته يدخل إلى غرفة النوم وهي خلفه:
- حسنًا، بيسان بأفضل حال، تركتها نائمة لأنها كانت ساهرة طوال الليل.
سمعته يرد عليها بصوت متهدج للغاية كأنه يبكي:
- يبدو أنها أتعبتكِ كثيرًا، أخبرتك بذلك.
عقدت حاجبيها وهي تراه يقترب من حوض أزهار الميسون في الشرفة، فتنهدت وقالت:
- وأنا أخبرتك ألا تقلق، سأتدبر أمري، عليك فقط أن تحضر لها مربية جيدة، هل تعرف إحداهن؟
مد يده يتلمس الأزهار التي بدأت تذبل وأجابها بصوت حزين:
- لا للأسف، هل يمكنك تدبر الأمر بنفسك، أقصد والدتك ربما تعلم أحدًا يدبر لنا مربية تكون أمينة على ابنتي.
اومأت برأسها لأعلى وأسفل غير واعية أنه يوليها ظهره ولا يراها، فالتفت نحوها وقال:
- اعذريني يا رحمة، أعلم أني أثقلت عليكِ كثيرًا.....
قاطعته لتقول:
- لا لا، لقد اومأت برأسي لكنك لم تلاحظ، سأتحدث مع السيدة منيرة مشرفة منزلنا.
جالت عينيه أرجاء الغرفة ثم قال:
- يبدو أنه لا يوجد أي شئ مريب في الڤيلا.
أجابته موافقة:
- أوافقك الرأي، يبدو أن ياسمين كانت تعاني من القلق الزائد بدون مبرر.
شرد قليلاً قبل أن يجيبها:
- لطالما كانت كذلك.
قطبت جبينها وسألته بريبة:
- ماذا تعني؟

- هل يمكن أن نتحدث بالحديقة؟ لا أريد البقاء هنا أكثر.
سألها بتوتر وقد بدأ جبينه يتصبب عرقًا، فقد كان يعاني غياب زوجته عن تلك الغرفة التي شهدت على عاطفتهما القوية، فوافقته وقد شعرت بالمعاناة التي يعيشها، وبعد عدة دقائق كانا جالسان تحت إحدى المظلات هروبًا من أشعة الشمس الحارقة؛ يرتشفان القهوة التي أعدتها رحمة، سألته مرة أخرى:
- ماذا كنت تعني بحديثك؟

ارتشف شربة صغيرة من فنجانه وبدأ يقص عليها:
- أظن أن ياسمين كانت تعاني من أزمة نفسية خطيرة.
شهقت رحمة غصبًا عنها ثم تمتمت بحيرةٍ واستنكار:
- كيف تقول ذلك؟ كانت طبيعية جدًا.
تفهم موقفها الحاد، لكنه قال بحزم:
- لم أقل أنها فقدت عقلها؛ أرجوكِ دعيني أكمل حديثي
لم تعرف بماذا تجيبه، لف الصمت عليهما للحظات قبل أن يقول متابعا:
- لقد أحببت ياسمين من قبل زواجنا، تعلمين أننا جيران بنفس المنطقة السكنية في القاهرة، علمت منذ رأيتها أنني لن أتزوج إلا منها، تقدمت لطلب يدها وحصلت على موافقة أهلها، ثم تمت الخطبة بسلام.
صمت قليلا ليتنهد قبل أن يكمل حديثه:
- كنا سعداء للغاية لن أنكر ذلك، لكن ياسمين كانت دائمة القلق، وكنت أظن أنها مازالت تخجل مني وأن بعد الزواج ستعتاد علي ويسير كل شيء على ما يرام، بعد الزواج بذلت قصارى جهدي لأشعرها بالأمان والطمأنينة، ومن جانبها كانت سعيدة وهذا كان واضحًا في كل تصرفاتها معي، لكن.....

صمت مرة أخرى كأن الحديث أصبح يؤرقه، استحثته رحمة أن يتابع قائلة:
- لكن ماذا؟
صدرت من جوف صدره تنهيدة ألم لكنه أكمل قائلاً:
- لكن قلقها وفزعها الدائم زادوا بشدة، لدرجة أنها بدأت تطلب مني أشياء غير منطقية.
- أشياء مثل ماذا؟
سألته بحيرة وفضول فأجابها:
- سأعطيكِ نبذة من تلك الطلبات المريبة، لقد طلبت مني ألا أخبر أي أحد من أفراد أسرتنا بمكان تلك الڤيلا عندما انتقلنا إليها.
انتابها الفضول أكثر فسألته:
- لماذا، وهل نفذت مطلبها؟
اومئ برأسه في اقتضاب وأجابها:
- نعم كنت أفعل كل ما أرادته، وإن حاولت أن أراجعها وأناقشها كانت تبكي بهستيرية؛ لذلك كنت مضطر دائما بتنفيذ كل مطالبها، ولأصدقك القول كنت متأكد أنها تعاني من أزمة نفسية، فحاولت أن أعرضها على طبيب نفسي ليساعدها لكنها كانت ترفض بشدة، ودائماً كانت تخبرني أنها تحس بالأمان معي، لذلك أرجأت أمر الطبيب وحاولت أن أجعلها تحكي لي عن سبب مخاوفها وفزعها الدائم لكني فشلت في ذلك أيضًا!

فغرت رحمة فاهًا وقالت بذهول:
- يا إلهي، هل عاشت ياسمين تلك المعاناة وأنت أيضًا معها؟ لكنها كانت تبدو طبيعية للغاية!
نهض عن مقعده وأجابها:
- أخبرتك أنها كانت متأزمة نفسيًا فقط، لكني لا أعرف سبب ذلك.
سألته وهي تنهض لتواجهه:
- إذًا هل تظن أنها كانت تعيش في الأوهام، أو ربما كانت عائلتها تسئ معاملتها؟
هز رأسه نفيًا وقال بحزم:
- لقد فكرت في هذا، لكن تفكيري كان خاطئًا، عائلتها أُناس راقيين للغاية وأشك أن تصدر منهم تصرفات مسيئة، كما أنهم دائمين السفر بسبب العمل وياسمين لم تراهم إلا بضعة أسابيع في كل عام.

ردت تكمل ما بدأه:
- إذًا يبدو أنها كانت تعاني من اضطرابات في سن الطفولة، أو بعد ذلك كما يحدث مع أغلب الفتيات في بداية سن المراهقة، لكنها على عكس الأخريات لم تتجاوز الأمر لسبب ما، وبدأت حالتها تتأزم لتصل إلى مرحلة خطيرة وتصبح مريضة نفسية.

رد عليها وهو مطرق الرأس في شجون:
- أظن ذلك، والآن هيا بنا.
سارت بجواره في صمت حتى سمعته يسألها:
- هل يمكن أن أرى بيسان في حديقة المنزل لديكم، فقط خمس دقائق ثم سأذهب سريعًا.
ردت عليه بابتسامة مضطربة:
- نعم بالطبع.
شكرها بينما كانت تفكر فيما ستقوله، وحسمت أمرها لتسأله بتوتر:
- أخبرني كيف حالك؟
هز رأسه كمن لا حول له ولا قوة وقال:
- لست بخير، أشعر أنني جسد بلا روح، وكأن روحي صعدت معها إلى السماء.
رغمًا عنها ولدهشتها شعرت بسكينٍ حاد يمزق قلبها متأثرةً بحديثه وحزنه، وللحظة رق فؤادها لإخلاصه المتفاني، وجدت نفسها تضع يدها على كتفه وهي تواسيه بصوت يحمل الكثير من الدفء:
- لا تبتأس، وتذكر ما قلته لك؛ الأيام كفيلة بإخماد لهيب أحزانك.

تنهد وهو ينظر إليها قائلا:
- رحمة الله على ياسمين، كانت محقة في كل ما قالته عنك.
ابتسمت كأنها تعرف مغزى كلماته وسألته:
- ماذا قالت؟
كانا قد وصلا إلى السيارة، وقف يحيى في قبالتها وأجابها بهدوء:
- كانت تشكر فيكِ دائمًا، وكانت ترى بكِ الصديقة الوفية.

داهمها شعور بالحزن على فراق أقرب وأخلص صديقة، فأطرقت برأسها أرضًا في محاولة منها لكبت دموعها أمامه، لكنها فشلت هذه المرة، شعر بها، فسألها بحيرةٍ:
- لمَ تخفين دموعك؟
أجابته من بين عبراتها:
- أنا أشتاق إليها كثيرًا يا يحيى، ولا أصدق أنها رحلت بالفعل، أشعر أن كل ما نعيشه حاليًا مجرد كابوس مزعج ولن نلبث أن نستيقظ منه، لكن هذا لن يحدث أبدًا للأسف، ورغم كل هذا لا أحب أن أبكي أمام أحد، ثم أنه يكفيك ما تمر به، لا أريد أن أزيدها عليك.

استطاعت أن تجعل ابتسامة امتنان تزين ثغره، قال لها:
- اطلبي لها العفو والغفران، ياسمين كانت وستظل حاضرة في أذهاننا وقلوبنا حتى وإن فارقت الحياة.

أتاهم صوت شهقة قوية، التفتا سويًا نحو مصدر الصوت، واندهش يحيى عندما رأى أمامه (تهاني) التي سألت بجزع:
- هل ماتت ياسمين؟

....


ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-02-21, 11:13 PM   #4

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

نظراً لسوء شبكة الإنترنت بهذه الفترة، لن اتمكن من نشر الفصول في الساعة التي سبق وحددتها من قبل، لكن سيتم نشر الفصول في أيامها المحددة.

الفصل الثالث
قطب يحيى جبينه وهو ينظر إليها بذهول، طالت لحظات الصمت حول الثلاثة، قبل أن تقطعه رحمة متسائلة:
- من أنتِ، هل تعرفين ياسمين؟
لم تهتم تهاني بالاجابة عليها، وفي نفس الوقت سألها يحيى بريبة:
- دادة تهاني، كيف وصلتِ إلى هنا، وكيف عرفت عنوان هذا البيت؟
للمرة الثانية تجاهلت الأسئلة الموجهة إليها، وصاحت في يحيى بجزع:
- أخبرني أنت أولًا؛ هل ما سمعته حقيقي؟
امتقع وجهها بشدة فصمتت هنيهة قبل أن تهمس متسائلة بخيبة أمل وصوت متهدج:
- أماتت ياسمين حقًا؟
أطبق يحيى جفنيه بألم وتنهد بأسى وهو يجيبها باقتضاب:
- نعم، لقد رحلت حبيبتي إلى الأبد!
وكأنها كانت تحتاج لذلك التأكيد، وكأنه كان لديها بعض الأمل أن ما سمعته منهم قبل قليل كان مجرد وهم وأن سمعها خانها، أطلقت صيحة ألم بِاسم ياسمين وانهارت أرضًا وهي تفكر في نفسها:
- هل أنا السبب في موتها؟ يا الله لم أكن أريد موتها، لقد كانت تبدو تعبة ومرعوبة للغاية عندما فاجئتها في الحديقة، ربما لم يكن علي أن أقسو عليها.
توقفت أفكارها لحظة ثم استرسلت حديثها مع نفسها بسادية:
- لا، أنا لم أفعل أي شئ، هي التي كانت ناكرة لجميلي معها ونسيت أن تربيتي الحازمة لها هي التي جعلتها على تلك الأخلاق والجميع يشيدون بها وبأخلاقها، نعم أنا لست سيئة لأقتل صغيرتي التي تعبت في تربيتها، كما أنها قللت أدب معي ولعل موتها كان عقاب لها، نعم لقد استحقت ذلك بالتأكيد ولا يجب أن أحزن عليها!!!
سمعت صوت يحيى يناديها بقوة وهو يساعدها على النهوض:
- دادة تهاني، أرجوكِ تماسكِ.
رفعت وجهها نحوه بينما سمعت رحمة تتساءل بضيق:
- يحيى من هي؟
وقفت تهاني أخيرًا في حين قال يحيى:
- هذه السيدة تهاني؛ مربية ياسمين رحمها الله.
سألت رحمة مرة أخرى:
- عجبًا، لم تخبرني ياسمين عنها أبدًا.
جاء دور تهاني لترد عليها بحزن مصطنع:
- لقد نجوت من الموت بأعجوبة وأعتقد أن ياسمين لم ترد ذكري لذلك، كما أنها كانت قليلة الحديث بطبعها.
اومأت رحمة برأسها موافقة، وقال يحيى:
- أنا سعيد أنكِ أصبحتِ بخير.
أجابته قائلة بغموض:
- نعم، لم يحن أوان موتي بعد، لقد تحققت المعجزة وتمكنت من البقاء على قيد الحياة رغم توقعات الأطباء.
شعرت رحمة بمدى غرابتها وسمعت يحيى يقول لها:
- نعم بالفعل، لقد أجزم الجميع أنكِ بحاجة إلى معجزة لكي تبقين على قيد الحياة.
ناظرته طويلا قبل أن ترد عليه بأسى مصطنع ومراوغة:
- وها قد تحققت المعجزة ولعل الله فعل ذلك لسبب ما أو لرسالة ما.
ضيقت رحمة حاجبيها بريبة ثم ردت عليها ببعض الحدة:
- لقد كتب الله لكِ عمر جديد ليس لأي سبب كما تعتقدين، كل ما في الأمر أن أَجَلِك لم يحن بعد!
وجهت تهاني إليها نظرات حادة شملتها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها ثم أجابتها بهدوء مريب:
- نعم أنتِ محقة، لكني أيضًا قلت ربما ما زال لدي رسالة لأؤديها، ثم من أنتِ؟ أقصد أنني لا أعرفك!
تنحنح يحيى ثم أجابها:
- هذه صديقة ياسمين.
أكملت رحمة بفتور:
- بالأحرى كنا أكثر من صديقتين.
حدجتها تهاني بنظرات قوية قبل أن تسأل متصنعة الحيرة:
- كيف ماتت صغيرتي ومتى؟
أجابها يحيى بينما قلبه يتمزق:
- فقط البارحة، رحلت بينما كانت تلد طفلتنا الصغيرة؟
شهقت تهاني بقدرة عالية على التمثيل وهي تهتف بفزع كاذب:
- هل كانت حاملا؟! يا للطفلة المسكينة اليتيمة.
أطرق برأسه في وجوم، قبل أن يطرق الأمل الزائف قلبه ويرفع رأسه مرة أخرى نحوها ليقول:
- هل تعرفين أنكِ محقة، سبحان الله الذي له في خلقه شؤون، لقد حرم بيسان من عطف والدتها مبكرًا لكن من أفضل منكِ ليعتني بها، لقد نجوت بالفعل من الموت لكي تكوني مربية بيسان كما كنتِ لياسمين رحمها الله.
لمعت عيني تهاني ببريق النصر لكنها لم تلبث أن أخفته سريعًا حتى لا يشكوا في أمرها، فأطرقت برأسها في شجون وهي تقول:
- لن أنكر أني أردت الراحة من العمل لأن صحتي لم تعد كما كانت خاصةً بعد الحادث، لكني لن أستطيع التخلي عن تلك الصغيرة المسكينة.

لم تدري رحمة لمَ شعرت بانقباض صدرها عندما طلب يحيى من تهاني ذلك الطلب، حدثت نفسها قائلة بصوت لم يفارق حنجرتها:
- هل لأن ذلك سيجعل وصية نور صعبة التنفيذ بعد تولي تهاني مسئولية تربية بيسان، أم ماذا؟!
زفرت بحنق ثم تابعت حديثها الهامس:
- يجب أن تفرحي لذلك أيتها البلهاء لأن هذا يعفيكِ من تلك الوصية، إذ أن بيسان أصبحت في أيادٍ أمينة.
قطبت جبينها بشك وهي تنظر إلى تهاني وقالت بصوت بدا مسموع رغماً عنها:
- لكن هل هي أيادٍ أمينة بالفعل؟
نظر يحيى إليها باندهاش وسألها:
- ماذا قلتِ؟
تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل وهزت رأسها يمينًا ويسارًا وهي ترد عليه بتعلثم:
- لا، أنا فقط، أقصد لا شئ، كنت أقول هل تستطيع السيدة تهاني الاعتناء ببيسان، أظن أن الرعاية بطفلة رضيعة يتطلب جهداً كبيراً.
صمتت قليلا لتنظر إلى تهاني وأردفت:
- وأظن أن صحتها لن تتحمل هذا المجهود الشاق.
أسرعت تهاني بالرد عليها قائلة:
- هل أفهم أنكِ تعرضين المساعدة؟ ولا تشغلي بالك، أعرف ماذا سأفعل جيدًا وشكراً لاهتمامك اللطيف.
شعرت رحمة بالخجل من المعاني المخفية خلف حديثها، فتحنحت بحياء بينما قال لها يحيى:
- لا تقلقي يا رحمة.
نظر إلى تهاني وأردف:
- رحمة قلقة كثيراً على بيسان ليس أكثر، وهي أيضاً محقة بشأنك، أنتِ بحاجة إلى العناية أكثر من ابنتي نفسها لأن صحتك لم تعد كالسابق
.
صمت لبرهة ثم تابع يحدثهما معًا:
- لدي حل مناسب للجميع، ربما إن تمكنت من إحضار خادمة لمساعدتك، هذا سيجعلني مطمئنًا على ابنتي لأنها ستكون تحت رعايتك المباشرة دون أن نجهدك.

وافقته تهاني قائلة:
- هذا جيد جدا، لا مانع لدي.
ازداد شعور رحمة بالقلق، كانت متحيرة كثيراً لتلك المشاعر السلبية، وسمعت يحيى يقول:
- والآن هيا بنا لنحضر الصغيرة ثم نتوجه إلى المنزل.
نظرت إليه رحمة وقالت:
- أتركها اليوم معي، على الأقل حتى تأتي بالخادمة، لاشك أن السيدة تهاني متعبة من السفر وتريد الراحة.
وافقها يحيى بإيماءة صغيرة من رأسه، وقال لها:
- حسنا، أنتِ محقة.
لم يلبث أن عقد حاجبيه وسأل تهاني مرة أخرى بحيرةٍ:
- لم تخبريني يا دادة، كيف عرفتِ عنوان هذا المنزل.
أجابته ببساطة:
- عندما استيقظت من غيبوبتي علمت بزواج ياسمين ورحيلكم من القاهرة، كنت مشتاقة إليها كثيرًا، لذا أخذت عنوانكم من والدتها وطلبت منها أن أتي لزيارتها، وهي مشكورة عرضت علي أن أبقى معها هنا دائماً لأنها تعلم أنني أعتبرها بمثابة ابنتي، لكني عندما وصلت إلى البناية التي كنتم تسكنوها علمت أنكم انتقلتم منها.

سألها يحيى بريبة:
- إذًا كيف توصلتِ إلى عنوان هذا المنزل؟ لقد انتقلنا إليه حديثاً ولا أحد من عائلتي أو عائلة ياسمين يعرفونه.
أجابته وهي تتنهد:
- تمهل يا بني، سأخبرك بكل شئ.
صمتت قليلا ثم تابعت:
- بعد أن علمت بانتقالكما من تلك البناية ولم يدلني أي أحد على مكانكما الجديد؛ عدت إلى الغرفة الصغيرة التي استأجرتها وبدأت أفكر كيف سأصل إلى عنوانكما الجديد، في صباح اليوم التالي ذهبت إلى السوق لإحضار بعض ما أحتاجه وفي طريقي رأيت محل صغير لبيع الجرائد والمجلات، ورأيت صورتك في أحد الجرائد المعروضة ومنها توصلت إلى عنوان الشركة التي تعمل بها.

اومئ يحيى برأسه ثم أكمل عنها:
- وبالطبع ذهبتِ إلى مقر الشركة وأخذتِ العنوان.
وافقته بإيماءة صغيرة وهي تقول كاذبة:
- لكن للأسف وصلت بعد فوات الأوان ولم أتمكن حتى من وداع صغيرتي.
تطلعت رحمة إليها وهي تشعر بالغموض يلتف حولها، وأحست أن تلك السيدة تخفي الكثير، وفجأة قالت لها:
- إذًا لقد طلبت منكِ والدة ياسمين المكوث هنا دائمًا، أليس كذلك؟
أجابتها تهاني وقد بدأت تستاء من أسئلتها الكثيرة:
- نعم، فكما تعلمين أنني كنت مسؤولة دائمًا عنها، وعندما أفقت من غيبوبتي رأت والدتها أنني يجب أن أبقى معها لأنهم دائمي السفر على أي حال، ولا يمكنني البقاء بمفردي.
سألتها رحمة مرة أخرى:
- أفهم من ذلك أنه ليس لديك عائلة، أقصد أين أبنائك؟
اضطربت تهاني بشدة؛ الأمر الذي لاحظته رحمة جيدًا فازداد توجسها منها، بينما قال يحيى:
- ما بكِ يا رحمة؟ كفي عن الأسئلة، وهيا بنا لقد تأخرنا على بيسان.

أسرعت تهاني بالصعود إلى السيارة وكأنها تهرب من شئ ما، وخلفها صعد يحيى خلف المقود، ثم رحمة وانطلقت السيارة بسرعة في طريقها إلى منزل رحمة التي كانت تفكر في تلك السيدة، وتهاني ممتقعة الوجه وقد ذكرتها رحمة بالمأساة التي عاشتها قديما.

~~~~~~~~~~~~~
- اشتقت إليك يا بنيتي الحبيبة
قالها يحيى وهو يحمل بيسان بين يديه، ضمها إلى صدره بحنان ليقبل جبينها والتفت نحو رحمة قائلاً:
- لا أعلم كيف أشكرك؟
أجابته بجدية:
- لا داعي لذلك، أنا لم أفعل الكثير.
قالت تهاني وهي تمد يدها نحو بيسان:
- آه يا صغيرتي، تعالي إلي حبيبتي.
ابتسم يحيى وهو يعطيها الطفلة، فتلقتها تهاني وضمتها إليها بسرعة وبدأت تذرف دموع التماسيح وهي تقول:
- أعدك أن أعتني بك، سأجعلك تنسين تمامًا أنكِ يتيمة الأم.
لم تتحمل رحمة كلماتها هذه المرة؛ فبدأت تصيح بها:
- ماذا تقصدين بحديثك، ماذا تنوين فعله؟!
عقد يحيى حاجبيه بينما ضغطت تهاني على جسد بيسان بقوة وهي تقول:
- ماذا قلت أنا، لتصرخي علي هكذا؟
وفجأة علا صوت بيسان بصراخ شديد كأنها تتألم؛ فقالت تهاني بحدة وغضب:
- انظري ماذا فعلتِ بصياحك؟ لقد أفزعتِ الطفلة!
صاحت رحمة مرة أخرى وهي تأخذ بيسان من بين يديها:
- بل أنتِ التي تعتصرينها بشدة لهذا صرخت!
حاول يحيى أن يتدخل، وهَمَّ أن يعاتب رحمة لمزاجيتها الحادة، لكنه آثر الصمت عندما وجد بيسان هدأت بين يدي رحمة، التفت إلى تهاني وقال لها:
- أعتذر منك يا دادة، أعصاب رحمة متوترة بسبب قلقها على بيسان، أرجوكِ أعذريها.
اومأت برأسها في صمت في حين قال يحيى مخاطبا رحمة وهو يأخذ منها طفلته:
- يجب أن نتحدث رجاءًا.

أذعنت لطلبه وجلست على أحد المقاعد بحديقة منزلها في انتظاره، بينما رأته يعطي بيسان لتهاني مرة أخرى، ويقول لها:
- انتظري هنا من فضلك سأتحدث مع رحمة وأعود إليك.
..........................................

- ماذا حل بكِ، لم أنتِ حادة مع السيدة تهاني؟
سأل يحيى وهو يجلس بجانب رحمة التي نظرت إليه طويلاً قبل أن تجيبه بحيرةٍ:
- لا أعرف ما بي؟ أعترف أن أعصابي متوترة جدا لكني أشعر أنها تخفي عنا الكثير.
صمتت قليلا لتضع يدها على جبينها كأنها تعاني أمر ما ثم تابعت بتعلثم وتعثر:
- لا، أعرف، لم أرتاح لها ولا أدري لماذا؟
تنهد يحيى وقال:
- أنتِ البالغين كثيراً، فمن طبيعي أن يكون لدى البعض أسرار وأنا أرى أنها فقط مصدومة من خبر وفاة ياسمين خاصة أنها تعتبرها ابنة لها، ثم هناك أمر الطفلة وطلبي أن تتولى رعايتها بنفسها، ولا تنسي أيضاً أنها نجت من الموت بأعجوبة فكل هذا كفيل بتغيير نفسيتها.

زفرت رحمة بضيق قبل أن تقول باستسلام:
- أنت محق، أعتذر منك.
منحها ابتسامة شاردة وقال:
- لا تعتذري، أنا أقدر خوفك على بيسان.
أجابته وهي تنظر إليه بقوة:
- يعلم الله كم أصبحت قلقة عليها.
اومئ برأسه ثم رد عليها:
- أعلم ذلك، والآن اسمعيني جيدًا، بيسان ستبقى معك حتى عودة والديك من السفر وحتى ذلك الوقت سأكون دبرت مدبرة للمنزل؛لتقوم بمساعدة تهاني واطمئني تماماً.
هزت رأسها لأسفل وأعلى ثم قالت:
- كما تشاء، أنت والدها وأدرى بمصلحتها.
أجابها بهدوء وهو يضع يده على يدها امتنانًا لها:
- وأنتِ أيضًا يمكنك الاطمئنان عليها وزيارتها في أي وقت يروق لكِ.

سرت في جسدها قشعريرة، وشعرت بقلبها ينبض بقوة على أثر لمسته الرقيقة، فأغمضت عينيها وهي تتذكر كلمات رسالة ياسمين، أيقنت أنها كانت محقة تماماً فيما قالته عن يحيى، وفجأة فتحت عينيها وهي تنهر نفسها بقوة:
- ماذا أصابك يا فتاة، صديقتك المقربة توفت فقط بالأمس وأنتِ هنا تفكرين في زوجها.

لاحظ يحيى شرودها فنظر إلى يده الموضوعة على يدها، سحبها بسرعة رغم أنه لم يقصد السوء وقال لها:
- أعتذر يا رحمة، صدقيني لم أقصد ازعاجك؛ أنا فقط ممتن لكِ
لامت نفسها بشدة، فنظرت إليه لتقول بهدوء:
- أعلم ذلك جيداً، لا عليك.
نهض واقفاً ثم قال:
- علي الرحيل الآن، إن احتجت أي شئ هاتفيني فورًا.
هزت رأسها لأسفل وأعلى ونهضت لتسير معه نحو سيارته، سمعته يقول لتهاني:
- هيا يا دادة، سأوصلك في طريقي.

أعطتها تهاني الطفلة، ثم صعدت السيارة بناء على طلب يحيى الذي مال نحو ابنته ليقبل جبينها ثم لثم أصابعها الصغيرة قائلاً لها بحنان جارف:
- إلى اللقاء يا حلوتي، والدك سيأتي ليأخذك إلى منزلك قريبًا.
ابتعد عنها لينظر إلى رحمة ويقول:
- سأقوم ببيع المنزل الجديد كما أخبرتك، لكن الشقة التي كنا مسكنها صغيرة للغاية ولن تكفينا، لذا أريد شراء منزل جديد.......
قاطعته رحمة قائلة:
- ظننت أنك تراجعت بعد زيارتنا للمنزل وأن ياسمين كانت قلقة بلا داعي......
جاء دوره ليقاطعها هذه المرة ليقول:
- بالفعل كانت ياسمين قلقة بلا داعي، لكني لن أتمكن من دخول هذا البيت مرة أخرى وقد فارقته للأبد، افهميني يا رحمة ذكرياتنا معًا في هذا المنزل ستقتلني.
تفهمت موقفه ف ردت عليه:
- أنت محق، حسنا كما تشاء.
نظر حوله في اللامكان ثم قال:
- أفكر بشراء منزل في هذا الحي، لتكوني قريبة منا وتتمكني من زيارة بيسان للاطمئنان عليها دائمًا.
شعرت بسعادة كبيرة وقالت:
- جميل جداً، أشكرك لذلك، أنا بالفعل كنت أريد طلب ذلك منك لكني تراجعت لكي لا أزعجك.

- اتفقنا إذًا، سأتحدث مع سمسار xxxxات هذا الحي بأقصى سرعة.
قالها يحيى بأريحية كبيرة، كان بداخله يعلم أن رحمة ستهتم ببيسان كثيراً وكان مرتاح لمجرد وجودها.
ودعها قبل أن يصعد سيارته وينطلق بها وقد عزم أن يبذل قصارى جهده في سبيل رعاية ابنته وتعويضها عن غياب والدتها بأي سبيل كان.
~~~~~~~~~~~~~~
استلقت رحمة على فراشها بعدما انتهت من اطعام بيسان، أخرجت من جيب تنورتها الواسعة رسالة ياسمين، وبدأت في قرائتها مرة أخرى بتمهل وإمعان، شعرت بالبرودة تسري في شرايينها لفرط تأثرها بكلمات صديقتها الراحلة؛ فتدثرت بملاءة خفيفة لتحميها من برودة جهاز التكييف، لكن رغم ذلك لم تزل تشعر بالبرد الشديد، تطلعت إلى الجهاز فوجدت أن درجة حرارته ليس منخفضة كثيرًا، زفرت بحدة وقالت لنفسها وهي تنظر للرسالة:
- اهدأي يا فتاة، لا داعي لكل هذا التوتر.

تنهدت بصوت قوي، وبدأت تقرأ بصوت عالٍ؛ كأنها تحاول أن تضحد وتقاوم قلقها:

حبيبتي رحمة
كم أود لو قلت لكِ أنني سعيدة بكتابة هذا الخطاب؛ لكن للأسف الشديد الأمر ليس كذلك؛ لأنكِ إن كنتِ تقرأين هذه الرسالة، فهذا يعني أنني رحلت عن هذا العالم للأبد ولن نتمكن من اللقاء مرة أخرى فيه، قبل أي شيء أريدك أن تعرفي أنني لو أمتلكت أخت حقيقية من دمي ولحمي؛ ما أحببتها أكثر منك؛ فأنت كنتِ دائمًا بمثابة أخت وصديقة وفية لأبعد حد، ومن هذا المنطلق تجرأت لأطلب منك ذا الطلب، أو بمعنى أدق أوصيك بوصيتي الأخيرة وأتمنى أن تنفذيها.
أولا أوصيكِ بابنتي، اعتني بها لأجلي وعوضيها عن حنان الأم الذي فقدته مبكراً؛ أما عن ثانياً وأستحلفك بالله ألا تغضبي مني لأني لا أريد لكِ إلا كل الخير والسعادة، وفي نفس الوقت أفكر في مصلحة زوجي وابنتي وأيضاً بكِ.
..
وصولا عند هذا الحد، طوت رحمة الرسالة، وكأنها بالفعل تعجز عن إكمالها، ظلت للحظات تتطلع على الفراغ أمامها، بدا عليها الذهول والاستنكار، وتلبستها مشاعر غريبة؛ ما بين الرأفة على حالها بسبب تلك الوصية الواجبة والتي جهلت تمامًا كيف تنفذها وبين دغدغة رقيقة داعبت أوصالها كلما طرأ يحيى على مخيلاتها، وهناك أيضاً إحساسها بالذنب لكونها تفكر فيه بتلك الطريقة.

بعد عدة دقائق أفاقت من شرودها، وتنهدت بقوة قبل أن تتابع القراءة:
- أريدك أن تطلبي الزواج من يحيى، أعلم أنني فاجئتك بل ربما صدمتك، لكن ضعي نفسك في مكاني؛ ماذا كنتِ لتفعلين؟ أنا لم أعد على قيد الحياة، كما أن زوجي وابنتي سيعانون فراقي بالتأكيد، والحياة صعبة يا رحمة، ونعلم جيداً أن يحيى لن يتمكن من تربية ابنتي بمفرده، سيأتي اليوم الذي يتأكد فيه أنه يحتاج لزوجة ترعاه وترعى طفلتنا؛ فمن أفضل منكِ؟
تأكدي أنني لم أكن لأطلب منكِ ذلك لو لم أكن واثقة أن يحيى شخص محب ومعطاء بطبعه، أنا على يقين أنه سيسعدك، فقط اعطيه الوقت ليتعرف عليك وحينها ستجديه أعتاد عليكِ وربما يقع في حبك، أرجوكِ يا رحمة فكري جيدًا قبل اتخاذ قرارك، أنتِ صديقتي الغالية وتعلمين أنني لن أطلب منكِ شيئاً يضرك، اتخذي ما شئت من الوقت للتفكير وأنا أثق أنكِ ستتخذين القرار الصائب.

الوداع يا صديقة عمري
وصلت الرسالة إلى منتهاها؛ بينما وصل شعور رحمة بالقلق والتشتت إلى ذروته.

وضعت الرسالة تحت وسادتها وألقت بنفسها متمددة على الفراش؛ تطالع سقف حجرتها، راحت تتحدث مع نفسها بضيق شديد:
- رحمك الله يا ياسمين، في أي موقف وضعتيني؟

انتفضت عن الفراش وراحت تذرع الغرفة جيئة وذهابًا؛ حتى شعرت بالتعب فجلست مرة أخرى على كرسي صغير أمام المرآة، وما زالت تواصل حديثها الذاتي:
- هل انقلبت الأدوار لأطلب بنفسي الزواج من أحد الرجال، وليس أي رجل؛ إنه يحيى زوج صديقتي المقربة!!

أطلقت صيحة من أعمق أعماقها وزفرت بقوة ثم أردفت:
- هل جننتِ يا فتاة، أتحدثين نفسك أمام المرآة؟

نهضت عن الكرسي لتسير نحو فراشها مرة أخرى، استلقت عليه ووضعت الوسادة فوق رأسها لعلها تخمد تساؤلاتها الكثيرة ثم همست:
- نامي الآن، والصباح رباح، لعل الله يهيئ لكِ من أمركِ رشدا

وفي غضون دقائق قليلة، راحت في سبات عميق، وارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة أنارت ظلام الليل الساكن، حينما غرقت في عالم الأحلام وتجسدت لها صورة يحيى بإطلالة ساحرة سرقت لُبَّها، ومن خلفه ياسمين تمد يدها نحوهما؛ لتمسك يدها ويده وتربط بينهما، وفجأة اختفت من أمامهما وكأنها جاءت لمهمة ضرورية وانتهى دورها عندما أتمَّتها بسلام، رفعت رحمة وجهها عالياً لتنظر إليه، وجدته يمنحها أعذب ابتسامة قد تراها في حياتها، وهنا أيقنت أن ياسمين كانت محقة عندما أكدت لها أنها ستسعد بحياتها مع يحيى.
~~~~~~~~~~~~~~~
ظلام دامس أغرق الغرفة التي استأجرتها تهاني لتمكث فيها، وفي ركن ضيق بأقصى يمين الحجرة افترشت الأرض، واتخذت وضعية القرفصاء أثناء جلوسها بينما ثنت ركبيتها وضمتهما إلى صدرها، ثم أخفت وجهها بين ذراعيها المتشابكتين حول فخذها، وبدأت تهلوث وتبرطم بكلمات غير مفهومة كأنها تلقي تعاويذ سحرية!

وفجأة رفعت رأسها عالياً ليظهر وجهها في أشد حالاته انهيارًا، بدت حرفياً كالفاقدين لعقولهم، إذ احمرت عيناها بشدة كألف شيطان؛ أما وجهها فقد إسوَدَّ كسواد الليل الغميق.

بدون سابق إنذار علا صوتها بنحيب حاد وهي تصيح بصوت هائج:
- يا الله، لماذا ماتت ياسمين؟ أنا لم أنوي قتلها!!!

انتفضت من مكانها لتذهب نحو زر الكهرباء، أشعلت الضوء قبل أن تسرع الخطى نحو المرآة وبدأت تحدث نفسها:
- لماذا ماتت ابنتي الثانية، ألا يكفي طفلي الذي مات في حين لم يزل مجرد جنين في أحشائي؟ وحُرمت منه قبل أن أراه وأضمه إلى صدري؟

صمتت لبرهة قبل أن يعلو صياحها الهستيري مرة أخرى:
- لماذا يحدث هذا معي، لماذا، لماذا؟!!!
بدأت تطرق بيدها زجاج المرآة بكل ما أوتيت من قوة، أرادت إخراج غضبها وحسرتها بشدة، ظلت على هذا الحال حتى سمعت طرقًا قويا على باب غرفتها، أجبرت نفسها على الهدوء، فتحت الباب لتجد أحد جيرانها في الغرف المجاورة يقف أمامها ويبدو عليه الغضب الشديد، صاح فيها:
- ألن ننتهي من نوبات جنونك؟ لديك جيران يريدون الراحة بعد عناء العمل، فلتهدأي علينا أيتها المزعجة وإلا سنشتكي أمرك لمشرف العمال الذي وافق بمكوثك في هذه الغرفة البائسة، وسنجعله يطردك منها إلى غير رجعة.

أرادت أن تصرخ فيه، لكنه أولاها ظهره سريعا وأمسك بمقبض الباب ليغلقه خلفه.

اتجهت إلى الفراش الصغير في منتصف الغرفة وهي تقول:
- أنا التي سترحل عنكم أيها الوغد، قريباً جداً سأعود إلى حياتي السابقة.
راحت تضحك بهستيرية وفجأة لمعت عيناها قائلة بحبور وسعادة نرجسية:
- أنتِ لم تخسري كل شئ يا تهاني، لقد عوضك الله من قبل بياسمين بعد وفاة طفلك، والآن بيسان ستعوضك عن غياب الأثنين.

مددت جسدها على السرير وابتسامة زهو ترتسم على شفتيها، حدقت في السقف وهي تمني نفسها قائلة:
- سأقوم بدوري على أكمل وجه في تربية بيسان، كما فعلت تماماً مع والدتها.
أغمضت عينيها قليلاً في شجن، وما لبثت أن فتحتهما على أقصى وسعهما مرة أخرى لتعلن بتأكيد سادي منحرف:
- لا تقلقي يا سو حبيبتي، ارقدي في سلام واطمئنان، صغيرتك بين يدي الآن وأعدك أن أحسن تربيتها كما فعلت معك من قبل!


ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-02-21, 09:16 AM   #5

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت الفصول والقصة مشوقة.. للاسف ياسمين مخطئة وجبانة كما وصفتها المربية السادية المجنونة وكان الله في عون رضيعتها لكنني اعذرها لأن نشأتها الغير سوية ربت فيعا الرعب والخوف والجبن لقد كانت فعلا ياسمين مريضة نفسية بما أحدثه فيها المربية من شروخ ولكنها عند الموت كان يجب أن تذكرها اولا او حتى في رسالتها لصديقتها وهاهو زوجها يفعل تماما ما خشيته ياسمين وأتمنى أن يكون يحي متيقظا بمساعدة رحمة التي تستحي من تطبيق وصية صديقتها لتعتني بابنتها دون حرج..
في شوق الباقي تحياتي


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 12:17 AM   #6

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع
..........

بعد ثلاثة أشهر تقريبًا

دخل يحيى إلى المنزل الجديد الذي اشتراه حديثًا، تطرق إلى سمعه صراخ الدادة تهاني مع مدبرة المنزل التي وظفها مؤخراً، سار خلال البهو الفسيح وصولاً إلى حجرة المطبخ، وقف مستندًا بكتفه على الباب وعقد ذراعيه حول صدره قبل أن يزفر بضيق ويقول:
- ألن تنتهي المشاكل بينكما أبدًا؟ لقد سئمت هذا الوضع، كما أن صراخكما المستمر سيؤثر بالسلب على نفسية بيسان، هل هذا ما تريدانه؟!

صمتا على الفور، التفتا إليه في وجوم يشوبه القلق من جهة مدبرة المنزل التي قالت:
- سيد يحيى من فضلك، فهمني ما هي وظيفتي هنا بالتحديد؟
دلف إلى داخل حجرة المطبخ ببطء وهو يجيبها:
- لقد أفهمتك عملك وأعطيتك كافة الصلاحيات بناء على ما تحدثنا عنه منذ عينتك هنا، هل نسيتِ؟! لأن هذا لا يبشر بالخير أبدًا!

عقدت مدبرة المنزل هي الأخرى ذراعيها قبل أن تقول ببعض الحدة:
- عفواً منك سيدي، أنا أتذكر كل ما قلته لي، لكن السيدة تهاني تتدخل في أعمالي دائماً وتصر أن أمور بيسان ليست من شأني أبدًا.

عقد حاجبيه بشدة وهو ينظر إلى تهاني بغضب بينما كانت تدافع عن نفسها بتعلثم:
- أنا فقط أخبرتها أن تهتم بالمنزل وهذا العمل يكفيها، لا أريدها أن ترهق نفسها، ثم أنني أكثر خبرة منها وهذا يعطيني الحق في تربية بيسان بمفردي.......

لم يرد يحيى أن يحرجها أمام مدبرة المنزل، لكنه ضاق ذرعًا بتصرفاتها، وللتنفيث عن استيائه قام بإمالة رقبته ببطء نحو اليمين ثم نحو اليسار، حينها تأكدت تهاني أنه غاضب فتوجست خيفةً منه، سمعته يقول بهدوء ما قبل العاصفة:
- من فضلك يا إكرام، اذهبي إلى غرفة بيسان الآن للاطمئنان عليها.
ثم التفت نحو تهاني وضيق عينيه وهو يردف:
- ف لدي حديث مهم جداً مع الدادة.
اومأت إكرام برأسها، ثم أسرعت إلى الخارج؛ بينما جلس يحيى على أحد المقاعد حول المنضدة الصغيرة وقال بصوت يحمل نبرة الأمر:
- اجلسي يا دادة وارتاحي، واستمعي إلي جيداً لأنني لن أكرر حديثي مرة أخرى.
~~~~~~~~~~~~~~~
سمعت رحمة طرقًا خفيفًا على باب غرفتها؛ قبل أن يُفتح وترى والدتها تقف على عتبته، قالت لها:
- هل يمكنني التحدث إليكِ قليلًا؟
أشرقت على شفتيها ابتسامة صغيرة ثم همست بصوت مسموع:
- بالطبع يا أمي.
دلفت چيهان إلى الغرفة، جلست على الفراش بجانب ابنتها قبل أن تقول بجدية:
- دعينا ندخل في صلب الموضوع مباشرةً، أنا ووالدك قلقين عليكِ للغاية، أنتِ لستِ بخير، وهذا واضح من جميع تصرفاتك منذ عودتنا من رحلتنا الأخيرة!

امتقع وجه رحمة قليلاً لكنها حاولت الإنكار قائلة بصوت واهي أفضح كذبها:
- لا يا أمي، صدقيني ليس بي أي شئ، أنا فقط لم أستوعب وفاة ياسمين حتى الآن.....
وضعت چيهان يدها على كتف ابنتها وقاطعتها قائلة بحزم:
- أنتِ لا تحسنين الكذب، حالتك التي نراها مؤخراً ليس لها علاقة بحزنك على ياسمين، هناك شئ آخر؛ شئ يثير قلقك وكأنك تريدين الهروب منه، لكنك لا تستطيعين!!!!

فغرت رحمة شفتيها بذهول؛ غير مستوعبة أنها مكشوفة لهذا الحد، فأغمضت عينيها للحظات تستجمع قواها وتفكر؛ هل من الصواب كشف كل شئ لوالدتها، هل تستطيع أن تأخذ برأيها في الأمر الذي يحيرها؟ لكن ماذا عن رد فعلها؟ هذا سر خوفها.

وكأن چيهان فهمت عليها، سمعتها تقول بعاطفة أمومية جياشة:
- ماذا بكِ حبيبتي؟ أخبريني يا صغيرتي الجميلة وتأكدي أنني سأساعدك في حل مشاكلك دائمًا.

تنفست الصعداء، شعرت بالامتنان لها وكأنها أزاحت عن صدرها حملاً ثقيلاً، فتحت فمها تبغي التحدث، لكنها تراجعت في أخر لحظة، مدت يدها تحت وسادتها لتخرج تلك الورقة -أو بمعنى أدق الرسالة- التي من شأنها تغيير حياتها كلياً، ثم مررتها إلى والدتها لتقرأها بنفسها بدلاً من الحديث في ذلك الأمر الذي يؤرقها.

تناولت چيهان الرسالة بجبين مقطب من الريبة، راحت تقرأها بتمعن؛ في حين انتابتها حالة قلق فسيولوجية خلقت بداخلها شعور غير سار بعدم الارتياح كلما تقدمت في قراءة الرسالة، وأخيراً انتهت؛ فأطبقت على الورقة تكرمشها بين يدها، ثم نظرت إلى ابنتها لتقول بحدة غاضبة:
- ما هذا الهراء، أكانت ياسمين واعية لما تكتبه؟
هتفت رحمة باستياء:
- أرجوكِ يا أمي لا تتحدثي هكذا عنها وتذكري أنها أن بين يدي الله وعلينا فقط أن نطلب لها الرحمة!
أغمضت چيهان عينيها لتهدأ من غضبها، استغرقت عدة دقائق لكي تتمكن من ذلك، ففتحت عينيها أخيرًا وحاولت أن تبدو هادئة وهي تعلن:
- سامحيني يا بنيتي، لكن ما قرأته أفقدني عقلي!
زفرت رحمة بضيق وقلق ثم سألتها:
- هل علمتِ الآن سبب تغيري، أنا خائفة يا أمي، كيف سأتمكن من تنفيذ تلك الوصية.......؟
هدرت چيهان بثوران واستنكار:
- هل تتسائلين حقاً؟! بالطبع أنتِ لست مجبرة على تنفيذ تلك المهاترات، َمن سيسمح لكِ بالارتباط برجل كان متزوج من قبل؟
شعرت رحمة بالشفقة عليها لكنها أيضاً صُدمت من ردة فعلها، ورأت أنها تبالغ بعض الشئ، فقالت لها بحزم وقوة:
- بلي يا أمي، أنا مجبرة على تنفيذ الوصية.
سكتت چيهان تماما، أطرقت برأسها وقلبها مرتاع للجدية التي تحدثت بها ابنتها كأنها تتحدث عن أمر مُسلَّم به، استغلت رحمة الفرصة لتتابع:
- صحيح أن بيسان في رعاية الدادة تهاني وبإمكانها تعويضها عن فقدان أمها، لكن.......
توفقت فجأة عن إكمال عبارتها لتطلق تنهيدة حارة ومضطربة من أعماقها قبل أن تتابع قائلة:
- لكن هذه وصية يا أمي، هل تفهمين مغزى تلك الكلمة؟
اومأت چيهان برأسها دون القدرة على رفع رأسها، حتى بدت كأنها طفلة صغيرة تنتظر العقاب على أخطائها، همست بصوت ضعيف لأن ما ستعلنه يدمي قلبها ويعذب ضميرها كأم:
- إذًا أعتقد أنكِ اتخذت قرارك.
أجابتها رحمة بتوجس:
- ليس حتى الآن، لهذا أريد رأيك مع العلم أنني لا أمانع زواجي من يحيى، لكن ما يؤرقني كيف سأطلب منه الزواج بنفسي وكأني....

لم تستطع إكمال عبارتها، أزاحت عنها چيهان هذا الحِمل الثقيل قائلة:
- أخبريه فقط أنه طلب ياسمين.
صاحت رحمة بصوت عالٍ:
- لايمكنني فعل هذا، بناء على طلبها أيضاً.
فكرت چيهان قليلاً ثم تنهدت قائلة:
- إذًا ليس أمامك إلا هذا الحل.
نظرت إليها رحمة متسائلة فأردفت الأم بخيبة أمل:
- اجعليه هو يطلبك لنفسه، هل فهمتِ؟
هزت رحمة رأسها يمينًا ويسارًا ببلاهة وتسائلت باندهاش ساخط:
- هل تطلبين مني اغوائه؟
قالت الأم بحنق:
- بالتأكيد لا.
أغمضت عينيها قليلاً ثم تابعت بصوت حاد ومتأثر:
- أنتِ تعلمين أن أمر بيسان ورعايتها يهمه كثير، لذا أوليها رعايتك وحنانك وعندها سيفكر بكِ كزوجة.
هزت رأسها نفيًا وسألت:
- وماذا لو لم يفعل، أقصد ربما لا يفكر في الزواج مرة أخرى.
هتفت چيهان بثقة بالغة:
- مستحيل، لأن يحيى مازال شاباً يافعاً يتمتع بكل مواصفات فارس الأحلام بدءًا من مركزه الاجتماعي الجيد، كما أنه طيب الحديث، جميل المحيا، هادئ الطباع؛ كريم العطاء، وهذا يجعل النساء تتهافت عليه بشدة، وهو في النهاية رجل مثل باقي الرجال؛ لا يستطيع العيش بدون زوجة تؤنس وحدته.

رفعت رحمة حاجبيها دهشة، فغرت شفتيها بذهول ثم قالت:
- أنتِ تناقضين نفسك يا أمي، كيف عارضتِ منذ قليل موضوع ارتباطي منه في نفس الوقت الذي تمتدحينه وتصفينه بأنه فارس أحلام الفتيات؟!

أجابتها چيهان بجدية:
- لم أقل هذا أبدًا، لقد أخبرتك أن صفاته وأخلاقه تجعله فارس أحلام النساء وليس الفتيات.
تطلعت إلى والدتها بإمعان وقد فهمت مقصدها، فكرت للحظات ثم سألتها بتردد:
- إذًا هل أنتِ موافقة على زواجي منه.
قلبت عينيها تتطلع إلى السقف، وتنهدت بأسى ثم أضافت:
- هذا إن حدث وطلب يدي للزواج.
زفرت جيهان بلا صوت، خرج صوتها بمعجزة قائلة:
- لن أنكر أنني منزعجة من هذا الأمر، لكن ما باليد حيلة، هذه وصية، و يجب تنفيذها مهما كلف الأمر

سألت رحمة في وجوم قلق:
- وماذا عن أبي؟
أجابتها بخفوت:
- اتركي أمره علي، سأتولى مهمة إقناعه، لكن لن نخبره الآن.
أطرقت رحمة رأسها قليلاً وسألتها:
- حسناً، والآن هل تسمحين لي أن أذهب لرؤية بيسان.
حذرتها چيهان قائلة:
- كونى حريصة في تعاملك مع يحيى.
رفعت عينيها إليها تسالها بريبة:
- ألا تثقين بى يا أمي؟
صاحت الأم باستنكار:
- بالطبع أثق بك و بيحيى أيضاً، أنا فقط قلقة عليكِ.

اقتربت رحمة؛ لتقبلها على وجنتها امتناناً لها ثم قالت:
- لا تقلقي علي يا غالية، ابنتك قوية ولا يقهرها أي شيء.
توجهت نحو خزانة ملابسها وبدلت ثيابها، ثم انطلقت إلى الخارج؛ بعد أن ودعت أمها التي رفعت يدها إلى السماء داعية:
- اللهم وفق ابنتي لما فيه الخير لها.

................

حالة من الترقب سيطرت على تهاني وهي جالسة أمام يحيى في وجوم يشوبه التوتر في انتظار حديثه، أما عنه فقد مال نحوها بشقه العلوي قبل أن يقول بصوت صارم:
- لماذا تفتعلين المشاكل دائماً، حقاً أصبحت تصرفاتك غير منطقية؛ خاصةً مع إكرام، وأنا سئمت هذا الوضع

صمت ليرى ردة فعلها، فإذا بها مطرقة الرأس ذامةً لشفتيها بحدة، فعقد يحيى حاجبيه وأضاف:
- تقولين أنك تهتمين لأمر بيسان، لكن أفعالك تدل على العكس تمامًا.

رفعت رأسها نحوه بحدة، أرادت أن تقاطعه لكنه لم يمهلها الفرصة مستطرداً بحزم وقوة:
- اكرام مسؤولة أمامي عن رعاية ابنتي مثلك تمامًا، لذا أنا أحذرك للمرة الأولى والأخيرة.

صمت مره أخرى، تناول كوب الماء الموضوع أمامه على الطاولة الصغيرة، ارتشف منه بعض قطرات المياه، ثم تابع بنبرة هادئة نسبياً:
- أرجوكِ كُفى عن افتعال المشاكل، ودعينا نعيش في سلام، يكفيني ما بي.
استشعرت هدوءه فاستطاعت أن تقول أخيراً بقدرة عالية على التمثيل:
- أنت معك حق في ما قلت يا بني، أرجوك سامحني.

لام نفسه على حدته معها، لكنه صبر نفسه أنه لابد من الحزم لأنها تعدت حدودها بالفعل، قال بحزن وهدوء:
- لا أريد أن أحرجك يا دادة، أنا فقط أريد السلام في بيتي، وتأكدي أن لكِ مكانتك الخاصة هنا.
تطلعت إليه بقوة وقالت:
- صدقني أنا خائفة كثيراً على بيسان، أعلم أن تصرفاتي أصبحت غريبة؛ وهذا لأنني لم أفق بعد من صدمتي في ياسمين؛ لهذا أبالغ في ردة فعلي عندما يتعلق الأمر ببيسان.

اومئ برأسه متفهما في صمت، سمعها تتابع:
- لكن رغم ذلك أعدك أنك لن تشتكي مني مرة أخرى

شكرها بصدق، قالت بحنان زائف:
- الآن سأحضر لك الطعام؛ طالما اكرام مشغوله مع بيسان.
نظر اليها وقال:
- لا داعي لذلك، لقد دعاني مديري في العمل لتناول الطعام بصحبته، ولم أتمكن من رفض طلبه.
نهضت عن مقعدها واقتربت منه لتربت على كتفه قائلة:
- حسناً، بالهناء والشفاء على قلبك.
نهض هو الآخر واقفاً وقال:
- سأصعد الآن لأبدل ثيابي وأطمئن على بيسان قبل ذهابي.
علقت بهدوء:
- اذهب، وكن مطمئن.
خرج من حجرة المطبخ، وقلبه يشعر ببعض الراحة -ظنا منه أنه حل كل المشاكل- تركها خلفه وعينيها تلمعان ببريق آثم وهي تقول بقسوة:
- وأنتِ يا إكرام الحية؛ اصبري عليه، لن يكون اسمي تهاني إن لم أجعله يطردك بنفسه من هنا، وحينها سأتولى تربية بيسان بمفردي.
صدحت ضحكاتها في أرجاء الحجرة ثم تباعت بأسلوب سادي بحت:
- وكم ستروقنى تربيتها.
.................

دلف يحيى إلى غرفة ابنته، قال يخاطب إكرام:
- لقد تحدثت مع الدادة، لن تزعجك مره أخرى.
اومأت برأسها في صمت فتابع كأنه يرجوها:
- من فضلك أريد منك فقط أن تتذكري دائماً أنها حادة الطباع بسبب وفاة زوجتي التي كانت بمثابة ابنة لها، لذلك هي تقلق كثيراً على بيسان خوفا من فقدانها كما فقدت.........

لم يستطيع أن يكمل حديثه، فقالت إكرام باتزان وقد شعرت بأحزانه:
- حسناً سيدي، لا تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام.
أنهت حديثها وخرجت من الغرفة، بينما اقترب يحيى من فراش ابنته، وجدها تغط في نوم عميق، فانحنى ليقبل أرنبة أنفها وقال بحسرة:
- الحياة أصبحت صعبة بدون والدتك يا صغيرتي.
استقام في وقفته ثم تابع بحنان جارف:
- وحدكِ من تهونين علي وحدتي وأحزاني.

مسح على وجهه ليهدئ من نفسه قليلاً، ثم غادر إلى غرفته، اغتسل وبدل ثيابه، ثم انطلق إلى الخارج.
مد يده ليفتح باب المنزل، فوجد رحمة أمامه، تطلع إليها بنظراته القوية المعتادة التي تحمر لها وجنتيها بحياء، تعجب يحيى في البداية، ولم يلبث أن عقد حاجبيه وهو يقول باقتضاب:
- أهلاً يا رحمة، كيف حالك؟
رفعت وجهها إليه بصعوبة قائلة بارتباك:
- الحمد لله بخير، كيف حالك أنت؟ جئت لرؤية بيسان.

اومئ برأسه والتفت للخلف وهو يشير بيده إلى الأعلى ويجيبها:
- إنها في غرفتها مع دادة تهاني.
تطلعت إليه في ثيابه الكاچوال بانبهار؛ حيث كان يرتدي بنطلون من الجينز بلونه السماوي الفاتح، بينما ارتدي فوقه قميصا باللون الأزرق الداكن أظهر قوة عضلاته، رغم أنه فقد بعض الوزن منذ وفاة ياسمين، لكنه مازال يستمتع بجسد ممشوق القوام.
أفاقت من شرودها اللحظي فيه قبل أن يلاحظها، عقدت حاجبيها بشدة وهي تلوم بنفسها على تفكيرها السطحي، وعدم حيائها المباغت، تنحنحت بحرج قبل أن تقول:
- لا أريد ان أعطلك.
التفت نحوها مرة أخرى، ارتبك وهو يقول شاعراً بالذنب:
- لقد دعانى مديري لتناول طعام الغداء في منزله، لم أستطع.......

قاطعته رحمة لتقول بحزم:
- هذا جيد، عليك فعلاً أن تخرج من السجن الذي حبست فيه نفسك.
امتقع وجهه بحزن، وازداد شعوره بالذنب فتابعت بحنان وجدية:
- الحياة مستمرة يا يحيى، تذكر هذا وكُف عن شعورك بالذنب.

تنهد من أعماق صدره، وسمعها تضيف بشقاوة:
- والآن هيا اذهب ودعني أصعد لبيسان.
هدأت سريرته بفعل مزاحها فقال لها:
- حسناً، هيا اصعدي، وانتظري عودتي لن اتأخر.
نظرت إليه متسائلة فأجابها وهو يلج إلى الخارج:
- سأوصلك إلى منزلك بنفسي.

اومأت برأسها، وانطلق كل منهما في اتجاهه، وقف يحيى أمام سيارته، مد يده إلى جيب بنطاله ليخرج المفتاح، لكنه قد نسيه في غرفته، تأفف بضجر وصعد ليحضره.
أثناء خروجه من الغرفة، سمع صوت صراخ رحمة الحماسي يصدر من غرفه ابنته، فتوجه نحوها ليجدها تحملها بسعادة وهي تمطرها بوابل من القبلات على وجنتها قائلة:
- اشتقت إليكِ أيتها الصغيرة.

رأى أيضًا تهاني تنظر إليها بامتعاض وهي تقول بغضب:
- كُفي عن تقبيل الفتاة بتلك الطريقة، ألا تعلمين أن مناعة الأطفال في سنها ضعيفة، قد تمرض بسببك.

كاد أن يتدخل، لكنه تراجع عندما رأى رحمة توليها ظهرها وتشدد من قبضتها لتمنعها من أخذ الفتاة، بينما قالت لها بجسارة:
- حسنا لن أقبلها مجدداً، يمكنك الذهاب للراحة في غرفتك، يحيى يعلم أنني هنا وسأعتني بالصغيرة لحين عودته.

استشاط وجه تهاني غضباً، في حين ابتسم يحيى وهو يغادر المنزل، صعد إلى سيارته، وانطلق بها وهو يفكر في رحمة؛ التي تغدق ابنته بحنانها الجارف وعاطفة صادقة، تذكر أيضاً وقوفها أمام تهاني بمنتهى البسالة والقوة، ولم تهتم لحدتها وغضبها، وفي نفس الوقت استمعت إلى حديثها ولم تعاند عندما تعلق الأمر بسلامة بيسان.

وفي مرة من المرات النادرة زينت ثغره ابتسامة مشرقة بدت وكأنها نابعة من القلب وهو يقول:
- فتاة العجائب أنتِ يا رحمة



ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 12:27 AM   #7

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس

في منزل سليمان الچسمي مدير يحيى في العمل، وصديقه أيضاً؛ تناول الصديقان طعامهما سوياً، ثم خرجا إلى الحديقة لتناول القهوة.
لاحظ يحيى اهتمام صديقه بالحديقة، ارتسمت على وجهه إمارات الحزن فأطرق برأسه، لاحظ سليمان هذا، فقال له وهما يجلسان على أحد المقاعد:
_ ألا يكفي هذا الحزن يا يحيى؟ لقد دعوتك إلى هنا لكي تنسى.

تطلع إليه يحيى باستنكار، وكأنه يطلب منه أمر عادي، وفجأة ابتسم بسخرية وقاله بتهكم مرير:
- زوجتي وحبيبتي ماتت، العمر بأكمله لا يكفي للحزن عليها.
عقد سليمان حاجبيه وقال ببعض الحدة:
- وماذا عن إيمانك بالقدر وقضاء الله؟!
هز يحيى رأسه يميناً ويساراً وقال بلا حول ولا قوة:
- الامر ليس بيدي يا صديقي، صدقني ليس بيدي.

ثم تطلع حوله إلى الزهور المنتشرة في الحديقة وقال متابعاً:
- كل شيء يذكرني بها؛ حتى تلك الأزهار، بالله عليك كيف أستطيع النسيان؟
لمعت عيني سليمان وقال وهو يطقطق إصبعه الأوسط بالابهام بحماس:
- أنا لدي الدواء لداءك.
رفع إليه يحيى عينين متسائلتين، فأجابه سليمان بإثارة:
- عليك أن تتزوج.
تدلت شفتي يحيى ونظر إليه ببلاهة، قبل أن يقطب جبينه بشدة، فقال سليمان سريعا:
- أرجوك فكر جيداً ولا تتسرع في الرفض أو حتى القبول، وضع في حسبانك مصلحه ابنتك.
استطاع بالفعل أن يجذب انتباه عندما تعمد ذكر اسم ابنته، سأله يحيى باهتمام وترقب:
- ما هذا الهراء الذي تفوهت به، كيف يمكن ك أن تفكر أنه يمكنني الزواج بعد ياسمين، ثم ما مصلحة ابنتي من هذا الأمر

ارتاح سليمان عندما رأى أنه استطاع جذب انتباهه، قال بجدية حازمة:
- اسمعني جيداً يا يحيى ولا تعاند في هذا الأمر، نحن الرجال لا نستطيع أن نعيش بدون امرأه في حياتنا؛ خاصةً وأنت في مقتبل العمر، قد يبدو حديثي الآن مزعجاً وغير منطقي، لكن مع الوقت سوف تتأكد أنني محق، وغاية ما هناك أن جراحك لفراق زوجتك مازلت كبيرة، لكن تذكر جيداً أن الحزن هو المخلوق الوحيد الذي يُخلق كبيراً و مع الوقت يصغر حجمه، وهذا من نعمة الله علينا.

صمت قليلا ليلتقط أنفاسه قبل أن يتابع:
- أما عن مصلحة بيسان فهي بالتأكيد تحتاج إلى أم لتهتم بتربيتها.

عقد يحيى حاجبيه وشعر بضغط كبير وسليمان يتابع بجدية:
- ابنتك مازالت صغيرة يا صديقي، لا تكن أناني وتحرمها من حنان الأم، ولا تقل لي أن الدادة تهاني تقوم بتلك الوظيفة، لأن ما تقوم به عمل طالما تتقاضى عليه أجر، هي لن تكون بمثابة أم لها أبداً، فقط عليك أن تختار زوجة وأم مناسبه لابنتك.

نيران حارقه بدات تشتعل في قلب يحيى وخانه الرد، فاستنكر على نفسه العجز الذي يشعر به، فتطلع الى سليمان بحدة وغضب، وفجأة نهض واقفاً وهو يقول:
- لقد تأخرت على بيسان، علي الانصراف فورا.

أطلق لقدميه العنان بينما نهض سليمان عن كرسيه وأشار له فاردًا ذراعيه على أقصاها صائحا:
- إلى أين يا رجل؟ لم تشرب قهوتك بعد.

لكن يحيى أختفى من أمامه، وسليمان يتألم من أجله وهو ينظر في أثره داعياً:
- اللهم هيئ لصديقي من أمره رشدا.

...............................

كانت رحمة جالسة في حديقة المنزل تلعب مع بيسان وتلاعبها، عندما رأت سياره يحيى تركن في مكانها المخصص بساحة المنزل، ترجل خارج السيارة بوجهه مكفهر، فتوجست رحمة من مزاجه المتقلب، وتساءلت عما أصابه، ومن جانبه زاد من توترها عندما رأته يقبل نحوهما وعلى وجهه إمارات الغضب والعبوس الشديد.

انحنى قبالتها وانتزع منها بيسان بقوة، ففزعت الطفلة وبدأت في البكاء والصراخ، نظر إليها بخوف شديد وضمها إلى صدره قائلاً:
- لا تقلقي يا صغيرتي، سنكون بخير، أعدك بذلك.

لم تكف بيسان عن البكاء فنهضت رحمة وقالت لهم باستنكار وحِدة:
- ما بالك يا يحيى؟لقد أفزعت الفتاة، من فضلك اعطني إياها

نظر إليها كالفاقد لعقله، ثم وجه نظراته إلى ابنته التي تصرخ بين يديه، عقد حاجبيه بتوتر، وتبدلت ملامحه قليلاً من الغضب والحدة إلى الحزن والألم، ناولها الفتاة وهو يهمس بصوت خفيف متخاذل:
- أنا آسف، لم أقصد.
وضعت رحمه بيسان في عربتها الصغيرة، واستقامت مره أخرى لتواجهه قائلة:
- ماذا حدث لك؟ كنت بخير قبل خروجك من المنزل.

تنهد يحيى بوجع كبير، ثم استلقي على الحشائش الخضراء، وأرجع رأسه للخلف متمدداً على ظهره، نظر إلى السماء وهو يقول بجبين مقطب:
- لا أستطيع التحمل بعد الآن يا رحمة، ولم أعد أعرف ما هو الصواب؟
تألمت لألمه، فجلست إلى جواره وقالت بحنان جدي:
- يمكنك طلب المشورة.
رفع رأسه قليلاً يتطلع إليها وطال شروده وهو يناظرها، الأمر الذي جعلها ترتبك بشدة، لكنها حاولت التماسك على قدر استطاعتها، حتى وجدته يقول أخيراً:
- هل يمكنك بالفعل منح النصيحة؟
ابتسمت وقالت:
- جربني.
استقام جالساً وبدأ يقص عليها كل ما دار بينه وبين سليمان، هوى قلب رحمة بين قدميها، كيف ستتمكن من اعطاءه النصيحة في الأمر الذي يحيرها ويؤرق مضجعها خلال الأشهر الفائتة.
هبت واقفه بضيق، فكرت أن القدر يمنحها الإشارة لتنطق، وتبدأ بتنفيذ وصية ياسمين، لكن رغم ذلك مازال الخوف والقلق ينتابها، أثناء ذلك وقعت عينيها على بيسان، التي كانت تنظر اليها بعينين ضاحكتين؛ وكأنها تقول لها هيا تحدثي، آن الأوان لذلك، ليس هناك من هي أفضل منك لتكونِ أمً لي.

مشاعر متضاربة احتلت كيان رحمة وهي مازالت تفكر، ويحيى ينظر إليها بحيرةٍ قلقة، يتساءل ماذا أصابها هي الأخرى.

و أخيراً استطاعت أن تحسم أمرها فنظرت إليه وسألته:
- ما رأيك أنت؟
زفر من أعمق أعماق قلبه وقال لها بانزعاج:
- أتتساءلين؟ بالطبع لن يمكنني فعل ذلك، لن أستطيع أن أتزوج من امرأه أخرى بعد ياسمين.
صمت لدقيقة وهو يشعر بحملٍ ثقيل يجثم على صدره، وتابع قائلاً بقلبٍ منهك:
- لن أستطيع أن أكون على علاقة مره ثانية، ثم من يضمن لي النتيجة، وأن الفتاة التي سأتزوجها ستراعي الله في معاملتها مع بيسان وتكون أُمً حقيقية لها

قالت وهي تتحاشى النظر إليه:
- ماذا لو استطعت أن تجد تلك الفتاة التي تغدق بيسان بحنانها، وتكون نِعم الأم لها، وفي نفس الوقت تعفيك من واجباتك الزوجية

سألها بتوجس:
- هل تستطيعين شرح لي جملتك الأخيرة؟ (تعفيك من واجباتك الزوجية)!!!
كان يعلم أن السؤال محرج بعض الشيء، لكنه أراد أن يتأكد أنها تعني ما فهمه بالضبط.
زمت شفتيها وقالت وهي تشعر بالخجل الشديد:
- أقصد العلاقة الزوجية

عاد يسألها مره أخرى يتوجس:
- ومن تلك التي سترضى بذلك، ولأجل ماذا؟
كانت تعاني بشدة من ذلك الحديث، لكنها كانت مضطرة للاستمرار، فجرت قنبلتها قائلة:
- أنا يا يحيى، أنا موافقة على الارتباط بك، واعفاءك من كل واجباتك، ومتنازلة عن كافه حقوقي الزوجية لأجل بيسان.

فغر يحيى شفتيه باندهاش كبير، وفجأة هب واقفاً ليصرخ بعنف:
- هل أنتِ مجنونة، هل تفهمين معنى حديثك؟

وقفت أمامه وقالت وهي ترفع رأسها عالياً:
- لست مجنونة يا يحيى، وأفهم جيداً معنى حديث، أخبرني أنت لمَ هذا الغضب، هل هناك من تأمنها على بيسان مثلما تفعل معي؟
صدح صوته صارخاً فيها:
- بالطبع لم أقصد ذلك، أنتِ تفهمين ماذا أعني، ونعم أنتِ مجنونة، ولا تفهمين أي شيء، وإلا ما أردتِ أن تربطين حياتك بحياة رجل بائس، اعترف لك للتو أنه سيعيش الباقي من حياته على ذكرى زوجته.

استاءت من اساءته لها فصاحت به:
- كُف عن اهانتي من فضلك، أنا افعل ذلك من أجل بيسان ويمكنني فعل ذلك، أنت تظن أنني أضحي بنفسي، لكنك الذي لا تفهم أن الحياة برمتها لم تعد تهمني بعد ياسمين، كما أن قلقي وخوفي على بيسان يدفعني لفعل ذلك، صدقني لم يعد أي شيء يعنيني.
صمتت لتشير إلى العربة الصغيره وتابعت:
- فقط بيسان من تهمني، سعادتها تهمني، وحياتها بأكملها تهمني.

انقض عليها ليمسك ذراعيها وقال بقسوة نابعة من قلقه عليها: - لن يمكنك فعل ذلك، وإن استطعتِ التحمل ليوم أو حتى شهر ، لن يمكنك التحمل إلى الأبد.

قالت تتحداه وهي تشعر بالألم من ضغط يديه على ذراعها:
- بلى يمكنني، ما أفهمه الآن أنك تستطيع أن تعيش حياتك كالرهبان من أجل ياسمين، وأنا أستطيع أن أفعل مثلك تماماً من أجل بيسان.

تأكد أنه لن يستطيع إقناعها، فابتعد عنها وتوجه الى العربة الصغيره ليحمل ابنته على احدى ذراعيه ثم عاد إلى رحمة ليمسك بذراعها، وسحبها خلفه، وهو يتوجه نحو سيارته بسرعة، هرولت رحمة خلفه لتتمكن من مجاراته في مشيته السريعة حتى وصلوا إلى السيارة.
وضع يحيى ابنته في مكانها المخصص، ثم اتخذ مكانه خلف المقود بينما صعدت بجواره، وفورا انطلق نحو منزلها بينما ساد الصمت المتوتر بينهما، حتى ركن سيارته أمام منزلها والتفت ينظر إليها وتوعدها قائلاً:
- الهراء الذي تحدثت به منذ قليل تنسيه تماماً، وإلا أقسم لكِ يا رحمة أن آتي للتحدث مع والدك، سأطلب يدك منه بالفعل، سوف أخبره أن زواجنا سيكون زواجاً صورياً على الورق فقط، وأنني أتزوجك من أجل ابنتي، ولن تكون بيننا اي علاقة زوجية، هل تفهمين؟
نظرت إليه منصدمة من ردة فعله، وحاولت أن تقول بشجاعة: - يحيى اسمعني....
قاطعها ليهدر فيها بعنف أفزعها:
- هل تفهمين يا رحمة

لم تستطيع أن تكبت دموعها أكثر من ذلك، فأغرقت عينيها بدموع الحسرة، لا تعلم هل تبكي لأنه رفضها، أم تبكي لأجل بيسان التي تحبها حقاً.
حانت منها التفاتة إلى الخلف، تطلعت إلى تلك الصغيرة الناعمة، ثم التفتت تنظر إليه مرة أخرى، قبل أن تفتح باب السيارة وتهرب إلى الخارج وهي تبكي بحسرة.

نظر يحيى في أثرها وقلبه يبكي من أجلها، حتى رأى والدتها تفتح الباب، ورحمة ترتمي بين ذراعيها، وهنا تحدث قائلاً:
- سامحيني يا صديقتي العزيزة، لن يمكنني مجاراتك في تفكيرك وتضحيتك الكبيرة، أنتِ لا تستحقين إلا كل الخير.

ثم أدار رأسه ليتطلع إلى صغيرته وقال متابعاً:
- سامحيني أنتِ أيضاً يا بنيتي الحبيبة، لن أستطيع أن أكون أنانياً حتى من أجلكِ.
........................

- لقد تسرعتِ يا رحمة، ويحيى أنهى الموضوع قبل أن يبدأ من الأساس.
تطلعت رحمة الى والدتها وهي تسمعها تقول متابعة:
- حمداً لله أن الأمر انتهى إلى هنا.
عقدت حاجبيها وسألتها بريبة وهي مازالت تبكي :
- ماذا تعنين عندما قلتِ أن يحيى أنهى الموضوع قبل أن يبدأ؟
أجابتها چيهان بارتياح:
- قصدت أنكِ نفذتِ وصية ياسمين بالفعل، ويحيى هو الذي رفض، إذًا أنتِ معفية من تنفيذها، إلا إذا طلبك يحيى لنفسه، وهذا لن يحدث كما يبدو.

ارتاع قلب رحمهة بأنين مؤلم وسألتها بصوت متهدج:
- وماذا عن بيسان…
اجابتها چيهان بسؤال آخر:
- ماذا عنها؟ كُفى عن حمل هَم الآخرين، بيسان لن تكون أول ولا أخر فتاة تعيش بدون أُم.

بكت رحمه بحرارة، رَقَّ قلب والدتها إليها، ووضعت يدها خلف رأسها لتجذبها إلى حضنها ثم قالت:
- اهدأي يا بنيتي، كل شيء سيكون على ما يرام، ومن له نصيب في شيء سوف يراه.

هدأت في حضن والدتها وسمعتها تتابع:
- فكري في مستقبلك منذ الآن، من حقك زواج طبيعي وتكوين أسرة، لن تفهمين معنى حديثي الآن، لكن يحيى كان محق، أين كان عقلك عندما اقترحت عليه هذا الاقتراح، الحمد لله أنه لم يوافقك على هذا الهراء.

ابتعدت رحمة عنها واستقامت قاعدة لتقول:
- صدقيني يا أمي أنا أقوى مما تظنون، كان باستطاعتي فعل ذلك، لن أنكر أنه راودني بعد الأمل أن وجودنا تحت سقف واحد سوف يغيره، ويجعله يراني كزوجة حقيقية، لكني لم أتمنى ذلك كثيرا.
مدت يدها لتمسح دموعها، ورفعت رأسها في كبرياء وتابعت بثبات:
- لكن الأمر انتهى بالفعل، لقد مددت له يد المساعدة وهو رفض، كبريائي وكرامتي فوق أي اعتبار، لذا سأنسى ما حدث وأكمل حياتي كما يجب ان تكون.

تنهد جيهان بارتياح وقالت وهي تربت على رأسها:
- عين العقل يا بنيتي، أسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير دائما



ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 12:34 AM   #8

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس

مرت عدة أيام منذ لقاء رحمة ويحيى الأخير، في صبيحة أحد الأيام ، كان يحيى متوجهاً إلى الخارج برفقة ابنته، عندما سمع صوت تهاني تناديه قائلة:
- اعتني ببيسان جيداً، ولا تعرضها للشمس كثيراً.

ضحك في داخله منها، نظر إلى صغيرته الحسناء قائلاً لها وهو يفتح باب المنزل ليخط إلى الخارج:
- لا فائدة منها، لا أعرف لمَ كل هذا القلق المسيطر عليها؟

قالها مازحاً وهو ينظر إليها بحنان جارف، وإذا به يصطدم بقوة بجسد آخر، سمع تأوه رقيق، فتعرف على صاحبته فوراً، رفع رأسه ليتطلع إلى رحمة التي قالت بألم وسخط:
- ألا ترى أمامك؟

رفع أحد حاجبيه بسخرية، واكفهر وجهه وهو يتذكر محادثته الأخيرة معها، أما هي فقد تغيرت نظراتها من الألم الجسدي الذي شعرت به عند اصطدامها به إلى ألم من نوع آخر، تذكرته هي الأخرى، أرادت الهرب من نظراته ومن ذكرياتها، فتطلعت إلى بيسان ثم أطرقت برأسها وهي تقول:
- أتيت لرؤيتها، لكن يبدو أنكما في طريقكما للخروج.

اومئ برأسه موافقاً وتحدث بقوة مجيباً إياها:
- نعم، لا ذنب لها لما أمر به، فكرت أن أشتري لها ثياباً جديدة بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك.

أتتها الفرصة لتتخلص من الاحراج الذي تشعر به، فابتسمت وقالت:
- هذا جيد، كل عام وأنتم بخير.
ثم مدت يدها لتربت على شعر بيسان و قالت تخاطبها:
- ستخرجين مع والدك أخيراً أيتها الصغيرة، أتمنى أن تسعدي دائماً

في تلك اللحظة سقطت أشعة الشمس بعد إحدى دوراتها على رحمة مباشره، أدارت وجهها ناحية اليسار لتفادي أشعتها اللاهبة، في حين كان يحيى يقف في جانب الظل بعيداً عن أشعة الشمس التي بدأت تشتد حرارتها.

لم تصدق نفسها وهي تستمع إلى صوته وهو يقول لها برقة لم تعهدها في صوته من قبل:
- تحركي من مكانك، لا يجب أن تبقى تحت أشعة الشمس مباشرةً في هذا الوقت.

منعتها المفاجأة من الحديث، عندما امتدت يده القوية ليمسك بيدها ويسحبها نحو مكان ظليل، ثم قال:
- أعتذر أن مجيئك كان بلا طائل، أعلم أنكِ أردتِ رؤية بيسان لكن علينا الخروج الآن.
لعنت نفسها على تسرعها الأحمق عندما قالت له:
- لقد اشتقت إليها كثيرًا، لم أراها منذ ستة أيام، فما رأيك لو أتي معكم
تحدث اليها بقوة وبعض الحدة، رغم أن نظراته عكست عدم تأكده مما يقول:
- لا، لا يمكن ذلك.

صُدمت من لهجته ورفضه، وسارعت بالرد عليه بلهجة مستنكرة:
- أراك تستسهل كلمة لا.

فهم ما تقصده بسخريتها وتهكمها فعقد حاجبيه بضيق، بدأ يتحرك نحوها، والدهشة تغطي وجهه من تهورها بالحديث، بينما أخذت هي تخطو إلى الوراء؛ حتى انتهى بها المطاف بشجرةٍ ضخمة، اضطرت أن تتوقف، ونظرت حولها يائسة تبحث عن طريق للهرب، لا تعرف لماذا خافت في تلك اللحظة، فهي لم تعرف الخوف من قبل خاصةً منه، لكن ما تراه على وجهه الآن كان يثير قلقها وتوترها، رأته ينحني نحوها ومازالت بيسان بين ذراعيه عندما اقترب منها،
أغمضت عينيها وضغطت بظهرها على جذع الشجرة الضخمة كأنها تريد أن تنحت فيها طريقها للهرب، وأخيراً سمعته يقول:

- مازلت تفكرين في ذلك الموضوع حتى الآن، ولا تفهمين أنني حزين مثلك تماماً، لكني أفكر بعقلانية عنكِ، لذا سامحيني!!!

نطق أخر كلمتين بصوت قلق بعد الشيء، رفعت رحمة رأسها عالياً لتنظر إليه بحيرةٍ، وقد استشعرت قلقه، لكنها لم تتمكن من استيعاب كلمتيه الأخيرتين، فسألته بتوجس:
- ماذا تقصد، على ماذا أسامحك؟

نظر في عينيها مباشرةً قبل أن يجيبها بصوت قاطع:
- اليوم سيأتون ضيوف إلى منزلكم.
عقدت حاجبيها في تساؤل، وترجمت سؤالها الى كلمات قائلة:
- لم أفهم بعد، ماذا تقصد؟!

تراجع إلى الخلف خطوة واحدة، استقام بظهره حتى بدا كالمارد أمامها، زفر بضيق ثم قال:
- سيأتي أحد زملائي بالعمل لخطبتك اليوم.

لم تصدق ما سمعته أذنها، شعرت بنيران حارقة تستعر في داخلها،
وفجأه صرخت فيه قائلة:
- قل لي أنك لم تفعل هذا؟، قل أنك لا تراني بائسة لدرجة أن تأتي لي بخطيب!!!
لم يتمكن من مواجهتها بعد الآن، فأجابها وهو يدير لها ظهره:
- كان على فعل ذلك، لكي أحميكِ من نفسي.

دارت حوله لتتمكن من مواجهته، اقتربت منه خطوة، وسألته بحدة: - قلت لتحميني من نفسك، أفهم من ذلك أن عرضي بالزواج قد نال استحسانك ورضاك، لكنك تقاوم لأنك تشعر بالذنب حيالي؟

أغمض عينيه ولام نفسه على خطأه في الحديث، فأجابها وهو مازال يوليها ظهره:
- أنتِ لم تسمعيني جيداً، لقد قلت لكي أحميكِ من نفسك ومن أفكارك التي ستجعلك تعيشين المعاناة دائماً.

هزت رأسها نفيًا وقالت بتحد سافر:
- لن تستطيع أن تكذب علي، لقد استمعت إليك جيداً.

أحكم قبضته حول بيسان بإحدى ذراعيه، بينما مد يده الأخرى ليمسك ذراعها وصاح بقسوة:
- لماذا لا تفهمين، أنا لا أريدك ولا أريد الزواج، حياتي انتهت بعد ياسمين.

قطع حديثه عندما رأى الصمت يكسو ملامحها، أخفض رأسه بالنظر إلى ابنته وتابع هامسا:
- حياتي أصبحت لابنتي فقط منذ الآن.
رفع رأسه نحوها مره أخرى ليردف في تصميم:
- وأنتِ ستبنين حياتك بعيداً عنا يا رحمة، ويمكنك زيارة بيسان على فترات بدءاً من اليوم.
سمع شهقتها المستنكرة، بينما ظللت عيناها سحابة دموع خائنة وهي تنهره قائلة:
- وطالما أنك لم تعد تريد رؤيتي، لماذا تحمل همي، ولماذا تبحث لي عن خطيب؟!
هز رأسه يميناً ويساراً بينما أجابها:
- بالطبع لم أفعل ذلك، لقد تحدث أمامي أحد زملائي بالعمل؛ كان يريد عروساً.....
قاطعته لتقول بانكسار:
- وأنت رشحتني له بالطبع!
وفجأة ضربته على صدره سائلة بانهيار:
- أليس كذلك؟!
دهش من ردة فعلها، أمسك يدها بقوة واشتعلت عيناه ببريق مخيف وهو يجيب:
- نعم فعلت ذلك، أخبرتك أن هذا ضروري لمصلحتك.

هدرت بصوت عالي باكية:
- من أعطاك الحق لفعل ذلك؟!
أجابها بهدوء رغم العاصفة بداخله:
- أنتِ صديقتي، وهذا حقك عليه.
ردت بجفاء وهي تتلاعب بأصابعها قائلة باستهجان:
- لا ليس من حقك أبداً.

أسبلت جفنيها للحظات، لتقوى من روحها المنهزمة، ثم فتحتهما ورفعت رأسها نحوه مردفة بما تبقى لديها من كبرياء:
- لكنك محق، وأنا اعتذر عن ازعاجي، كنت أريد مصلحة بيسان ليس أكثر، لكنك لم تفهم هذا.

حاول أن يقاطعها لكنها لم تسمح له، رفعت يدها أمام وجهه وتابعت بقوة
- لقد جرحت كبريائي يا يحيى، لن يمكنك أن تتخيل مدى خجلي وأنا أطلب منك ذلك الطلب، حقيقي كنت أريد تقديم المساعدة فقط، انظر إلى نفسك ماذا فعلت بي؟

بُهت وجهه لا يعرف بماذا يرد عليها، إنها محقة فيما قالت، وهو على يقين من ذلك، يعلم جيداً أن أمر بيسان يهمها وليس لديه أي شك، سمعها تسأل بصوت مبحوح من أثر البكاء:
- هل يمكنني توديع بيسان للمرة الأخيرة؟

عبارتها أدمت قلبه، وجد نفسه ينظر اليها برأفة وهو يعطيها الطفلة، تلقتها رحمة بلهفة، وضمتها إلى صدرها بحنان، بدأت تتحرك بها وهي تهمس بأذنها كلمات الوداع، قبل أن ترجعها إلى والدها مرة أخرى قائله بينما شفتيها ترتجفان:
- اعتني بها جيداً، وبنفسك أيضاً.
اومئ برأسه دون أن يجد القدرة على التحدث معها وسمعها تتابع بأسى:
- الوداع.
توترت ملامحه لكلمتها الاخيرة، ناظرها بوجه شاحب وساكن طويلاً، ثم قال:
- لن يكون الوداع يا رحمة، بالتأكيد سنتقابل مرة أخرى.

نظرت إليه بتعبير غريب على وجهها وأصرت قائلة
- سأتزوج من زميلك إن وجدته مناسب لي، إذًا أظن أنه الوداع، لن نتقابل مرة أخرى.
قبل أن يتمكن من الرد عليها، أولته ظهرها وفرت من أمامه هاربة؛ لتنقذ ما تبقى من كرامتها التي أهدرتها بيدها، وتركته خلفها لا يدري لماذا يشعر بعدم الارتياح لبعدها؟ كما تركت بيسان جاهلة أن رحيلها عنها سيجعلها بين يدي تهاني التي لا ترحم.

...................................

وصلت رحمة إلى بيتها، صعدت إلى غرفتها فوراً أمام نظرات والدتها المندهشة، شعرت چيهان بتثاقل في ضربات قلبها من حالة ابنتها، صعدت خلفها وهمت أن تدخل وراءها، لكن رحمة قالت بصوت قاطع:
- من فضلك يا أمي، أريد البقاء بمفردي قليلاً.
تغضنت زوايا عيني جيهان، وقالت لها بصوت قلق:
- أردت اخبارك أن اليوم....
قاطعتها رحمة لتكمل عنها بمرارة:
- اليوم سيأتي أحدهم لطلب يدي.
عقدت جيهان حاجبها وسألتها بتوجس:
- كيف عرفت؟

- يحيى تطوع وأخبرني منذ قليل
كان ذلك جوابها ومازالت مسمرة في مكانها، تنظر في عيني أمها ودموع القهر تصرخ، تريد الانهمار على وجنتيها، عززها شعورها بالإهانة والقلق على مستقبل بيسان بدون أم، استطاعت أخيراً أن تقول بصوت مبحوح:
- لن أرى بيسان بعد اليوم.

إرتاع قلب جيهان عليها وارتجفت حدقتاها ألماً وهي تقول لتواسيها:
- لا تقلقي عليها حبيبتي، والدها سيرعاها بالتأكيد.

استدارت رحمة لتذهب نحو في فراشها وقالت بسخرية آسية:
- لا أظن ذلك، لأن يحيى نفسه يحتاج للرعاية أكثر منها.

أتاها صوت چيهان من خلفها قائلاً بدهشة وانفعال:
- لقد احترت معك يا رحمة، أيهمك أمر يحيى أم بيسان؟

التفتت إليها لترد بهدوء:
- منذ الآن يهمني أمري فقط، والآن من فضلك أريد النوم قليلاً قبل المساء.

علمت چيهان أن ابنتها تعيش صدمة قوية، فضلت أن تتركها بمفردها كما أرادت، آملة أن تتمكن من مداواة جرحها والمضي قدماً في حياتها.

................................

في المساء وصل يحيى مع فراس - زميله بالعمل- إلى منزل رحمة، ولجا إلى غرفة الصالون، حيث كان والدها في استقبالهما، رحب بهما في حفاوه وسعادة بالغة، بدأ فراس يتحدث معه عن عمله ثم أجاب على اسئلته بمنتهى اللباقة؛ مما جعله الأب يعجب به كثيراً.

في تلك الأثناء دخلت چيهان ومعها رحمة إلى الغرفة، قدمت رحمة العصير، ثم جلست على أحد المقاعد بجوار والدتها.
كان يحيى يجلس في قبالتها لكنها تحاشت النظر إليه، واكتفت بالتطلع إلى يدها وأصابعها التي بدأت تطقطقهم بعصبية، أحست بها چيهان فمدت يدها إليها لتهدئها قليلاً.

وهنا أتاهم جميعاً صوت فراس وهو يقول موجهاً حديثه للأب:
- لقد أتيت اليوم لأتعرف عليكم، وعلى الآنسة رحمة، ويسعدني أن أطلب يدها للزواج على سنة الله ورسوله، إذا اتفقنا سأتي برفقة والدتي ووالدي المره القادمة بإذن الله.
ابتسم محمود والد رحمة وقال بحبور:
- من جانبي لا أمانع، باقي فقط موافقة العروس.

ارتجف قلب رحمة رغماً عنها، لم تعرف السبب تحديداً، رفعت رأسها أخيراً لتقع عينيها على يحيى؛ وهو يرمقها بنظراته القوية المعتادة، التفتت تنظر إلى والدها بسرعة وهمست بصوت واهي:
- كما تشاء يا أبي.

( كما تشاء يا أبي! )
نزلت تلك الكلمات الباردة على أذن يحيى، في إشارة بمدى معاناتها، أراد الهرب من كل ذلك، بل من الأساس لم يشأ أن يأتي ليراها في هذا الموقف، لكن إلحاح فراس جعله يوافق بضنين.

أخذته دوامة أفكاره؛ ماذا لو كان استمع لها، ماذا لو وافق على عرضها؟ بات يعلم أن اقتراحها هو الحل الامثل لأنه لن يستطيع العنايه بابنته بمفرده، لكن! وآه من تلك الكلمة.
إنه لا يستطيع أن يكون أناني معها؛ لهذا هو هنا الآن، حتى يتأكد أنها تسير في الطريق الصحيح، الطريق الطبيعي الذي يجب عليها خوضه؛ لتعيش الحب والأمان مع زوج حقيقي يقدرها كامرأة، وليس شبح زوج أناني لا يريدها إلا لابنته، حتى هذه لم يعد متأكد منها!
أفاق من دوامة شروده، على صوت محمود والد رحمة الذي قال:
- لنترك فراس ورحمة ليتحدثا بمفردهما قليلاً.
...........................

بعد مرور نصف ساعة، دخل محمود مع زوجته إلى غرفه الصالون، وسأل بهدوء:
- هل يمكنني الدخول الآن؟
تطلعت رحمة إلى والديها بلا مشاعر، بينما قال فراس بابتسامة جزلة
- تفضلا بالطبع، لقد انتهينا.
التفت محمود نحو جيهان، وقال لها:
- اصعدي مع رحمة إلى غرفتها.
امتثلت لطلبه، خرجت مع ابنتها قاصدة غرفتها، وفكرت رحمة أنها ستأخذ رأيها في فراس.
لوهلة أصاب قلبها الجمود، وخافت من المستقبل، رأت يحيى يقول لوالدتها:
- هل لي بدقيقة مع رحمة من فضلك؟
اومأت چيهان برأسها، قالت تخاطب ابنتها:
- سأنتظرك في الحديقة.
تركتهما بمفردهما، وإذا بمشاعر متأججة تضرب بكيان رحمة، لم تدري أهي مشاعر الوداع، أم مشاعر غضب منه، أم من نفسها لأنها من أحرجت نفسها بيدها وليس بيدٍ أخرى؟
كل تلك التساؤلات دارت بعقلها، ولم تجد لها أي اجوبة، لكن ما تأكدت منه؛ أنها يجب أن تنسى كل ما حدث معها في الأشهر القليلة الماضية، ولزم عليها النظر إلى المستقبل.
قطع يحيى شرودها قائلاً:
- ما رأيك في فراس؟
رفعت رأسها بحدة، ابتسمت بتهكم وأجابته بلهجة باردة بعض الشيء:
- أعتقد أن هذا ليس من شأنك.
توقع ردة فعلها الحادة؛ لذا لم يندهش هذه المرة، دنا منها قليلاً وهمس لها:
- أعلم أنني جرحتك، صدقيني كان هذا لمصلحتك.
أمالت وجهها إلى الجانب الآخر، وقالت بقسوة ساخرة:
- أشكرك لكرمك.
ألقت جملتها النافرة، واستدارت توليه ظهرها مردفة:
- بعد اذنك؛ سأخرج لأرى أمي، يمكنك الانضمام إلى صديقك بغرفة الصالون.
همت بالرحيل عنه، لكن قدميها تسمرت مكانهما عندما أمسك يحيى بيدها ليمنعها من الابتعاد قائلاً:
- لا أنكر أن عرضك نال استحساني، لقد فكرت جدياً فيه، لكني فضلت مصلحتك قبل أي شيء، لذلك فعلت ما فعلت، وتأكدي أنكِ ستشكريني ذات يوم.

- ولمَ الانتظار لذلك اليوم، ربما يأتي وربما لا، أشكرك الآن وانتهى الأمر هنا.
صدمه صوتها الذي صدح بتلك الكلمات اللاذعة، وهو ما زال يمسك بيدها؛ حتى فوجئ بها تستدير لتواجهه، بينما نزعت يدها منه بقوة، وعقد ذراعيها على صدرها مردفة:
- هل أنت راضي الآن؟
سألها بحيرة:
- ماذا حدث لكِ، وكيف أصبحت هكذا؟ أخبرتك أنني......
قاطعته لتقول ببرود مستفز:
- أنك فعلت هذا من أجلي، حفظت عبارتك عن ظهر قلب!
صمتت لحظة، أنبت فيها نفسها عندما وجدت الألم يكسو ملامحه، تساءلت كيف تمكنت منها القسوة بهذا الشكل؛ فأخذت نفساً عميقاً، ثم زفراته للخارج وقالت له بهدوء نسبي:
- أرجوك ارحل يا يحيى، أنا لست بخير الآن، ولا أريد إيذاءك أكثر.
بدون حرف إضافي اومئ برأسه، وخطا بعيداً عنها بينما نظراتها الحزينة تلاحقه.




ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-21, 08:13 PM   #9

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع

بعد تلك الليلة العصيبة، مرت الشهور تليها الأعوام سريعًا، وتحديداً ستة سنوات كاملة، فيها تزوجت رحمة من فراس بعد إلحاح والدتها التي رأت في فراس مواصفات الزوج المثالي، حاولت رحمة أن ترفض في البداية لأنها شعرت أنها ستظلمه بسبب تفكيرها العالق مع يحيى وبيسان، لكن إصراره عليها بجانب والدتها جعلاها توافق مضطرة في النهاية.
لن تنكر أن حياتها معه كانت جيدة، ومن جانبه عمل جاهدًا لإسعادها، عاشت برفقته حياة هادئة ترجوها كل فتاة، لكن هذا لم يدم طويلاً؛ فبعد مرور عام واحد على زواجهما بدأت مشاكل تأخر الانجاب تؤرق مضجعهما، وسريعًا بدأت رحلتهما مع الأطباء المتخصصين في تلك الحالات، ومر الوقت بهم حتى أتموا عامهم السادس، ومسيرة العلاج لم تنتهي بعد!
ذلك الأمر أحدث فجوة عميقة بينهما؛ بسبب حديث الناس وتدخلهم فيما لا يعنيهم، فتحولت حياتهما الزوجية المستقرة إلى حياة صعبة للغاية، وفي أحد الايام فوجئت رحمة بفراس يقول لها بصوت حازم:
- لقد قررت أن أتزوج.
ألقى جملته بمنتهى اليسر والسهولة، كأنه يتحدث حديث عادي؛فاشتعلت النيران بداخلها، رغم ذلك استطاعت أن تحافظ على هدوئها وهي ترفع وجهها إليه لتقول متعجبة:
- قررت!
صدرت منها ضحكة ساخرة، ثم أردفت:
- هل ترى أن هذا الأمر يتحمل قرارك وحدك؟!
كان وجهه جامد بلا تعبير حسي وهو يجيبها:
- لأن هذا الأمر يخصني وحدي، أنا من سيتزوج وليس أنتِ.
اغتاظت كثيرا من بروده اللامتناهي، وغطرسته وأنانيته، لكنها ما زالت تحافظ على أعصابها هادئة، رغم أنها تريد الانفجار في وجهه، قالت بصوت لاذع:
- وأنا لست موافقة، وهذا الأمر يخصني وحدي، مثلك تمامًا.
ردت له الصاع صاعين؛ فقال لها:
- أنتِ مخطئة، ليس بيدك أن توافقي أو لا، أنا أخبرك بالأمر لأن هذا حقك عليَّ مثلما من حقي أن أتزوج مثنى وثلاث ورباع.

عقدت ذراعيها على صدرها قبل أن تقول بحدة؛ وقد بدأت تفقد السيطرة على ضبط النفس:
- هل ستتزوج من أجل الإنجاب؟
أجابها بايماءة صغيرة من رأسه، كأنه فقد النطق، وهكذا أعطاها الحق لتقول:
- إذًا لا تنسى أن الطبيبة قالت أنه لا يوجد أي مانع للحمل عندي.
قاطعها قائلاً:
- ولا عندي أيضًا.
أومأت برأسها قائلة:
- أعلم ذلك، لكن طالما قررت أن تهدم كل ما بيننا، أظن من حقي أن أفكر بمصلحتي مثلك.
دنا منها خطوة واحدة وقال بصوت متهدج:
- تعلمين أنني تحملت حديث وسخرية الناس كثيرًا من أجلك يا رحمة، ولم أفكر في الزواج من قبل كي لا أجرحك، لكني لم أعد أتحمل، صدقيني لم يعد بوسعي.
تنهدت وقالت:
- أنا أيضًا تحملت يا فراس؛ تحملت وصبرت رغم اشتياقي أن أكون أُم ورغم حنيني لأحمل طفلي بيدي وبين أحضاني!

صمتت قليلًا لتهدئ نفسها ثم تابعت:
- أنا التي تحملت لا أنت، أنا التي كنت أموت كل يوم عندما كان الجميع يخبرونني أنك ستتزوج عليّ بالنهاية، لكني كذبتهم جميعًا وصدقتك وحدك عندما أكدت لي أنهم يريدون التفرقة بيننا، وأنني زوجتك وابنتك وكل عائلتك.
صمتت مرة أخرى لتجهش بالبكاء ثم أردفت:
- أنا التي صمدت أمام كل هؤلاء، وقتلت رغبتي بالأمومة حتى لا أهدم هذا البيت، وكنت سعيدة بتلك التضحية ومستعدة أن أبقى هكذا إلى أخر العمر فقط من أجلك.
أسرع نحوها، انقض يقبض على ذراعيها وصاح بقهر وعذاب:
- كُفي عن إدعاء المثالية، لم يعد هناك أشخاص يفعلون ذلك، أنتِ تعيشين في عالم وهمي، استيقظي وعيشي الحياة التي يحياها الجميع.
نفضت يديه عن ذراعيها وهمست كالأموات:
- أنت على حق، لهذا لست موافقة على التضحية من أجلك بعد الآن.
امتقع وجهه وسألها:
- هل أنت مصرة؟ تعلمين أن لكِ مكانة كبيرة في قلبي، وأريد أن أكمل حياتي معك، لكني أيضاً أشتاق أن يكون لي ولدًا من صلبي ليحمل اسمي.
ضحكت متهكمة وقالت بعذاب:
- ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، عليك الاختيار يا فراس.
شحب وجهه وهتف بيأس:
- اختاركما سويًا، أريد أن أكون أب يا رحمة، وأريدك أيضًا.
صاحت بحدة:
- أنت أناني، تريد كل شيء، وتعلم أن بهذه الحياة لن تنال كل ما تتمناه.
قال وهو يثبت لها أكثر أنه لا يفكر إلا في مصلحته:
- هل ستعارضين شرع الله يا رحمة؟ أنا لا أفعل الحرام، هذا حلالي.

شردت عيناها بحزن وهي ترى حجته الواهية مثل كل الرجال الذين يتخذون من شرع الله ما يطيب لهم، قالت بهدوء خطير:
- والطلاق شرعه الله أيضًا إن إستحالت المعيشة، وأنا لن أتحمل أن أراك تتزوج بأخرى، فأرجوك اختار ما يناسبك.

حدق بها بإمعان، حاول أن يستعطفها بنظراته، لكنها رفعت رأسها بكبرياء، سارت في اتجاه غرفه النوم وهي تخبره:
- سأبقى في منزل والدي حتى يأتيني ردك الأخير.

مرت بجانبه فمد يده يمسك بيدها وسمعته يقول:
- أرجوك يا رحمة، فكري مرة أخرى.
رفعت وجهها تنظر إليه وقالت:
- القرار بيدك أنت، لا تلومني على رد الفعل يا فراس.
ابتعدت عنه حتى وصلت إلى باب غرفتها، التفتت إليه وهمست بلا روح:
- سأنتظر مجيئك عند أبي، إما أن تعيدني إليك، وتصرف النظر عن قرارك الأناني، أو أرسل إليّ ورقة طلاقي.

~~~~~~~~~~~

مرت تلك الأعوام الستة بقسوة على الجميع، لم تكن رحمة هي الوحيدة التي عاشت البؤس والشقاء، بل امتدت أيادي العذاب لتنال من بيسان الصغيرة؛ حيث أبت الحياة أن تمنحها الحنان عندما فقدت والدتها مبكرًا، وعندما وضعت تهاني المريضة في طريقها لتذيقها ألوان شتى من العذاب بحجة التربية وتقويم سلوكياتها.
وبدأت المعاناة الحقيقية عندما بلغت عامها الرابع، وتحديدًا عندما التحقت بالروضة المدرسية، وهنا أقرت تهاني أن بيسان بدأت تستوعب كل شيء، ولم تعد طفلة صغيرة ويمكنها تحمل طريقتها الخاصة في التربية - تفكير سادي خطير- انتهجت معها نظرياتها العنيفة، حيث بدأت تضربها وتنتهك جسدها الصغير دون أن تترك أثراً عليه، كما كانت تتفنن في إيذائها نفسياً بكلمات لاذعة، وتهددها بعنف إن فكرت بإخبار والدها أي شيء مما نفعله بها.

كبرت بيسان على انتهاكات قاسية ضد جسدها ونفسيتها، ورأت الحياة من منظور يختلف عمن في سنها، وبدأ ذلك يظهر عليها كثيراً؛ حيث كانت انطوائية بعض الشيء، لا تتمكن من الاختلاط مع الناس، حتى أن يحيى لاحظ عليها رغم انشغاله التام بأعماله، وراح قلقه على صغيرته يتفاقم؛ فقرر أن يتحدث مع مربيتها ليفهم منها ما يحدث معها؟

أوهمته تهاني أن بيسان تفتقد والدتها كثيراً، وهذا طبيعي في سنها خاصة أنها ترى أمهات صديقاتها بالروضة وهم يوصلونهم إلى فصولهم ولا بد أنها افتقدت للحنان الذي تراه بعينيها ولا يمكنها الحصول عليه.
ولأن يحيى يثق بها صدقها سريعًا، وهكذا نال العذاب والقهر من حياة الجميع؛ بعدما تسلل تأنيب الضمير إلى نفس يحيى وهو يتذكر نصيحة الجميع باختيار زوجة مناسبة؛ لتكون بمثابة أم لطفلته.

كان ممزق القلب وحائر، يظن أنه سيكون أناني لو تزوج مرة أخرى، وأن السعادة التي منحتها له زوجته الراحلة تفرض عليه أن يعيش على ذكراها إلى الأبد، لم يفكر أنه يعيش الوهم ولو للحظة واحدة، لهذا حاول أن يتقرب من طفلته أكثر ليمنحها من الحنان ما يكفيها ليعوضها عن أمها، جاهلاً أن الأمان هو ما تفتقده، وأن الساعات القليلة التي يقضيها في منزله تاركًا إياها طوال اليوم برفقة مربيتها الفاسدة هي من أوصلتها إلى هذه المرحلة.

ولأن بيسان ما زالت صغيرة؛ اضطرت خوفًا أن تستمع دائمًا لأوامر مربيتها، ولم تخبر والدها بما تفعله بها، مما جعله يصدق كلمات تهاني عندما أخبرته أن حالتها مؤقتة وأنها سوف تعتاد على غياب والدتها مع مرور الوقت.
.....................................

استلقت رحمة على فراشها في منزل والدها؛ تطالع إحدى القصص بذهن شارد وكأنها في دنيا غير الدنيا، عندما فُتح باب الغرفة وأطلت والدتها من خلفه، وهي تقول بابتسامة عريضة:
- حبيبتي متى وصلتِ؟
جلست بجوارها وقالت مردفة:
- أخبرني والدك بقدومك عند عودتي من السوق.
ارتاع قلبها عندما رفعت رحمة إليها عينيها الباكيتين، فسألتها:
- أتبكين يا صغيرتي؟!
اندفعت رحمة نحو صدرها لتضمها چيهان بدفء وتعاود سؤالها:
- أخبريني ماذا بك، هل فراس....؟
قاطعتها رحمة وهي تجهش بالبكاء وتقول:
- فراس يريد الزواج يا أمي.
صُدمت چيهان وأصابها الذهول لما سمعت، راحت تربت على ظهر ابنتها لتهدأها، وأثناء ذلك سألتها بصوت حاد يشوبه التوتر:
- سيتزوج من أجل الإنجاب، أليس كذلك؟
ردت رحمة من بين ثنايا دموعها التي أغرقت صدر والدتها:
- هذا الأناني، لا يفكر إلا بمصلحته، وكأنه نسى أنه لا يوجد بي أي علة لتأخر الإنجاب.
تنهدت جيهان بحسرة وسألتها:
- وأنتِ ماذا فعلت؟
ابتعدت عنها قليلًا، كفكفت دموعها، صمتت للحظات قبل أن تخبرها بكل ما دار بينهما.
قالت چيهان أخيرًا:
- اه يا صغيرتي المسكينة، لا أعرف لماذا نصيبك سيء لهذه الدرجة؟
ضحكت رحمة بسخرية وقالت بينما تذكرت الماضي:
- مشيت وراء قلبي عندما أحببت يحيى وابنته، وكنت على استعداد لبذل كل غالى ونفيس لأكن بجوارهما وخسرت، مشيتُ أيضًا وراء عقلي فخسرت أكثر، وهأنذا أخسر حياتي الزوجية.

قالت چيهان:
- من يعلم يا بنيتي؟ لعل فراس يفكر مرة أخرى ويعود عن قراره.
هزت رحمة رأسها يمينًا ويسارًا وقالت:
- لن يفعل يا أمي، وحتى لو حدث هذا، ستكون حياتنا سويًا أشبه بالجحيم؛ لأنه سيشعرني بتضحيته من أجلي طوال الوقت.

توجست چيهان منها خيفًة، فعقدت حاجبيها وسألتها بريبة:
- ماذا تقصدين؟
شردت رحمة قليلًا ثم رفعت رأسها بكبرياء لتقول بصوت حازم:
- أقصد أنني سأحصل على الطلاق، حتى لو اختارني فراس.

~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور شهرين كاملين، وقفت رحمة خلف باب منزلهم الضخم تنظر إلى الرجل الماثل أمامها، وقبل سؤاله عمَ يريد، بادرها سائلاً:
- هل هذا منزل السيدة رحمة محمود؟
أومأت برأسها مستغربة وعينيها على الأوراق بيده وهي تقول بتوجس:
- نعم، أنا رحمة محمود.
ناولها مظروف مغلق، ثم أدنى منها دفتره الكبير وقال لها بصوت يحمل الشفقة:
- وقعي هنا بالاستلام من فضلك.
لم تفهم أي شيء، رغم ذلك بدأ قلبها يدق بعنف شديد مؤلم، وهي تسأل:
- هل يمكنك أن تشرح لي ما هذا لو سمحت.
ذم شفتيه وهو يقول بامتعاض:
- هذا إعلان من زوجك بطلاقك منه غيابيًا، يجب عليكِ أن تأتي إلى مكتب المأذون الموضح بالإعلان؛ لاستلام إشهاد الطلاق الغيابي.

شعرت بالضباب يغشى بصرها، والأرض تميد من تحت قدميها؛ فاستندت على الحائط بجانبها، بينما صرخت عيناها تريد أن تقذف الدموع كالشلالات، لكنها تماسكت وأبت حدوث ذلك، وحاولت أن تقوي نفسها وهي تسمع المحضر يقول:
- من فضلك وقعي هنا سيدتي، لدي أعمال كثيرة يجب أن أنهيها بسرعة.
تطلعت إليه من بين سحابة الضباب التي سيطرت على عقلها، مدت يدها نحو دفتره، ووقعت كما طلب منها، وشعورها بالمهانة لا يضاهيه أي شعور.
أغلقت الباب بعد رحيله، سارت في اتجاه غرفة مكتب والدها كالمسحورة، طرقت باب الحجرة، ثم دلفت إلى الداخل عندما أتاها صوته يأذن لها بالولوج، سمعته يقول فور أن رأها:
- ابنة حلال، كنت أريد التحدث معك في أمر هام.
تطلعت إليه بنظرات خاوية، فاندهش محمود كثيراً من مظهرها، لكنه أرجع الأمر إلى حزنها بسبب ما تمر به، فقال لها بصوت حاسم رؤوف:
- لقد حجزت في الطائرة المغادرة إلى دبي اليوم، سأذهب إلى فراس للتحدث معه، بقائك بهذا الشكل وهو لا يسأل عنكِ أصبح مزعج، ويجب أن أعرف نواياه تجاهك.

رأها تبتسم بتهكم دون أن تتفوه بكلمة واحدة، دُهش جدًا عندما وضعت أمامه المظروف، واستدارت لتخرج من الغرفة وكأنه لم يحدثها بشيء، هَم أن يناديها لكنه تراجع وهو ينظر إلى المظروف الغامض أمامه، مد يده ليفتحه ثم تناول الورقة بداخله، جرت عيناه الجاحظتين على العنوان الصاعق في المقدمة، وعلا صوته الغضوب وهو يقرأ:
(إعلان إشهاد طلاق بائن)

انتهى الفصل
بانتظار رأيكم


ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 11:26 PM   #10

ماجدة عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 443240
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » ماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond reputeماجدة عبدالفتاح has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن

تأزمت صحة رحمة النفسية بعد انفصالها عن فراس، مرت شهور وهي تغلق على نفسها، أصبحت تحب الانفراد في غرفتها طوال الوقت.
وفي صباح أحد الايام جلست والدتها بجانب والدها على مائدة الطعام يتناولان لقيمات صغيرة من افطارهما بلا شهية، وكيف لا وقد انطفأت شمعة المنزل؛ التي كانت تنيره بمرحها ورقتها، والآن قد ذبلت أمامهما تمامًا.
تنهدت جيهان، قالت محدثة زوجها بصوت متألم:
- وماذا بعد يا محمود، ألن نفعل شيء من أجل ابنتنا؟
رفع اليها وجهًا جامدًا رغم النيران المتأججة بصدره حسرةً على وحيدته، ثم أجابها بلا حول:
- لا أعرف يا جيهان، لقد احترت واحتار قلبي معها.
عقدت حاجبيها وسألته باستنكار:
- هل سئمت من ابنتك يا رجل؟
كشر وجهه وأجابها بحدة غاضبه من قهره:
- بالطبع لا، ولكن قصدت أنني لم أعد أعرف كيف أخرجها من حالتها تلك؟ وكلما تحدثت معها تخبرني أنها بخير وألا أقلق عليها، أخبريني أنتِ؛ هل وجدتِ حل لحالتها؟
امتقع وجهها وعيناها تدمعان قائلة:
- لمَ تحتد عليَّ هكذا، حقك علي، لن أحدثك مرة أخرى.
نهضت وهمت بالابتعاد عنه، إلا إنه أسرع ليمسك يدها، وهب واقفًا ليحتويها بين ذراعيه، ثم قال بعطف وندم:
- سامحيني عزيزتي، لم أقصد صدقيني، أنا فقط.........
قطع حديثه عندما سمع بكائها الحار؛ فضمها بقوة إلى صدره، وهي تقول من بين نشيجها الحاد:
- انا خائفة عليها كثيرا يا محمود.
كاد أن يرد عليها إلا أن صوت رحمة اخترق أذنهما وهي تقول:
- لا تخافي يا أمي، صدقيني أنا بخير.
ابتعدت جيهان عن زوجها، وتطلع الاثنين إليها باندهاش وهي تردف بكل ثقة:
- أعلم أنني أحزنتكما كثيراً الفترة الماضية، فعلاً أخذت وقت أكثر من اللازم لأتخلص من صدمتي وأحزاني، لكني الآن أؤكد لكما أنني بخير، سأحاول أن أنسى الماضي بأكمله وسأكمل حياتي.
أقنعهما حديثها هذه المرة، واستشعر قلبهما اصرارها للتخلص من أحزانها، اقتربت منهما وارتمت في حضنهما متابعة:
- دعونا نغلق صفحات تلك الأيام البائسة، ولنبدأ من جديد.
بكت چيهان من الفرحة، بينما تنهد محمود وقال بسعادة:
- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

~~~~~~~~~~~~~~~~

- أنتِ، انتظري.
انطلقت تلك الصيحة تنادي عليها، التفتت على أثرها بيسان ذات الستة أعوام، لتجد أحد زملائها بالمدرسة، وخلفه مجموعة من الفتيان والفتيات، كان من الواضح أن الفتى الذي يخاطبها أكبر منها ، فكرت ربما يكون في الصف الخامس أو السادس، أما عن رفقاؤه؛ فكانوا في أعمار مختلفة، لكن جميعهم يكبرونها سنًا؛ هذا ما جال بخاطرها؛ حتى أفاقت من شرودها، رفعت حاجبيها مندهشة وسألته:
- هل تنادي عليَّ أنا؟
اومئ برأسه وقال بعجرفة لا تليق بطفل في سنه:
- نعم أناديك أنتِ، وأريد سؤالك....
قاطعته لتقول ببراءة:
- لدي اسم، واسمي هو.................
رفع يده أمام وجهها، وقاطعها بحدة قائلاً:
- أعرف اسمك جيدًا، لكنك لستِ في فريقي ولا صديقتي، لذا لن أدعوكِ به.
انتابها الخوف كعادتها من الصوت الحاد، وراح صدرها يعلو ويهبط من الخوف وهي تسأله:
- إذًا ماذا تريد مني طالما لست صديقتك؟
رد عليها بصوته الحاد:
- لماذا لم تأتي إليّ كما فعل الباقين؛ لتطلبي أن أكون صديقك، لماذا أنتِ متعجرفة هكذا؟ لقد أوشك العام الدراسي على الانتهاء ولم أراكِ تكونين أي صداقات!
ابتسم ليضحك بسخرية وتابع بتهكم:
- هل تتعالين علينا، هل أنتِ ابنة الرئيس مثلاً؟!
ضحك الأطفال بسخرية منها، فانهمرت دموعها على الفور بينما قالت بخوف:
- لا يمكنني ذلك، أنا لا أصادق أحد.
غضب الصبي واستشرست ملامحه، التفت نحو أصدقاءه وهو يعلن بصوت عالي:
- ألم أقل لكم أنها متعجرفة يا أصدقاء؟ وتظن نفسها أفضل من الجميع!
استدار نحوها مره أخرى، وقال ببرود:
- لكني لن أسمح لكِ أيتها المتكبرة، يجب أن تنضمي لفريقي وإلا.....

قاطعته وهي تقول بخوف كبير:
- لا أريد، ولن أفعل!
هجم عليها وصاح قائلاً:
- من تكونين لتقولي لا لمالك العوامري، ألا تعرفين من أنا؟
أصابها الذعر من انقضاضه عليها، وفجأة تذكرت أنه يمكنها الصراخ هنا، لأن تهاني ليست موجودة، ولن تحاول قمعها كما تفعل دائمًا فصاحت بأعلى صوت لها، خاف الأطفال وفروا هاربين؛ بينما لم يتحرك مالك من مكانه أمامها؛ حتى أتت إحدى المعلمات بالمدرسة، وسألت بيسان:
- ماذا بك حبيبتي، لمَ تصرخين هكذا؟
أشارت بيسان نحوه، دون أن تتفوه بكلمة واحدة، التفتت المعلمة تنظر إلى مالك، ثم تنهدت بحنق وهي تقول له:
- أنت مرة ثانية يا مالك، هل أتصل بوالدك؟
هز كتفيه بلامبالاة وأجابها:
- اتصلي به إن شئتِ، لماذا تسأليني؟
رفعت المعلمة حاجبيها باندهاش، وسألته باستياء:
- ألست خائفًا من العقاب؟!
هز رأسه نفيًا وقال:
- لم أخطئ هذه المرة، كنا نتحدث وفجأة صرخت كأنها رأت الأشباح، وهي التي أخافت اصدقائي، ولهذا فروا سريعاً.

نهرته المعلمة قائلة:
- اصمت يا ولد، واذهب إلى صفك الآن، لقد انتهت استراحة الظهيرة.
دنا مالك من أذن بيسان وهمس لها:
- للحديث بقية أيتها الصغيرة المتعجرفة.
سار مبتعدًا بينما استدارت المعلمة نحو بيسان، جلست القرفصاء أمامها، وقالت لها:
- لا تخافي يا صغيرتي، مالك طفل متكبر قليلاً، لكنه مهذب ولن يؤذيكِ.
كان الجميع بالمدرسة يعلمون بمدى معاناة بيسان، على أثر أنها يتيمه الأم، فكانوا يتعاطفون معها، كما كانوا يحاولون التودد إليها، لكن انطوائيتها حالت دون حدوث هذا، وكان ذلك راجع إلى تهاني التي كانت تأمرها دائمًا ألا تتعاطى بالحديث مع أي شخص خارج المنزل مما زاد الأمر تعقيدًا.
ربتت المعلمة على رأس بيسان وقالت لها بمنتهى العطف:
- اذهبي إلى صفك ولا تخافي من أي شيء، وإن حدث ما يزعجك مره أخرى، تعالي لتخبريني فوراً.

اومأت برأسها ثم أسرعت إلى فصلها، توالت الحصص حتى انتهى اليوم الدراسي، وكعادة كل يوم جلست بيسان في حديقة المدرسة الداخلية، تنتظر مجيء تهاني لتقلها إلى المنزل، وبينما كانت منتظرة رأت مالك مع مجموعة من الفتيان يأتون إلى حيث تجلس، سمعت مالك يقول لها بغضب:
- هل ظننتِ أنني سأخاف من صراخك، سأعلمك الآن درسًا صغيرًا؛ حتى لا تتحديني مرة أخرى.

وفجأة هجم عليها، خطف منها حقيبتها وألقاها بعيدًا، ثم أمسكها من ذراعيها وطرحها أرضا، وقال قبل أن تصرخ:
- إياكِ والصراخ.
أذعنت لأوامره، فلازمت الصمت وهي تتخيل تهاني تلقي عليها أوامرها بعدم الصراخ حينما تضربها وتعذبها، أما عينيها رفضت تلك الأوامر المجحفة؛ فانهمرت دموعها كالشلالات على وجنتيها وهي تسمعه يقول يتهكم :
- جيد أنكِ استمعتِ إلى نصيحتي، وأغلقتِ فمك.
رأته يثني إحدى ركبتيه لينحني أرضًا أمامها ويتابع قائلا:
- تذكري دائماً أنك فتاة ضعيفة، ولستِ ولد لتستطيعين مجابهة الصبيان، خاصة لو كان صبي له مكانتي.
تركها وذهب بعيدًا وكلماته الأخيرة ترن في أذنيها:
- تذكري أنك فتاة ضعيفة ولن تستطعين مجابهة الأولاد الأقوياء
بدأ عقلها البرئ الصغير يصور لها أن ضفعها وخوفها الدائم خصوصاً من تهاني سببه أنها فتاة، وأنها لو خُلقت صبي لاستطاعت أن تحمي وتدافع عن نفسها.
وبينما كانت مستغرقة في تخيلاتها اللامنطقية أتت تهاني، سألتها عمَ أصابها ولماذا هي ملقاة على الأرض، خافت بيسان أن تخبرها بما حدث حتى لا تعنفها إن علمت أنها تحدثت مع زملائها؛ فقررت أن تخفي عنها ما حدث وقالت كاذبة:
- لقد وقعت عن الأرجوحة وأنا ألعب عليها.
نهرتها تهاني وجذبتها بقسوة من ذراعها وهي تصرخ فيها:
- لأنكِ غبية، وكيف طارت الحقيبة بعيداً هكذا؟
تذكرت بيسان عندما قذف مالك الحقيبة بعيداً، لم تعرف ماذا تخبرها؛ فهزت كتفيها وقالت لها :
- لا أعرف.
هزت تهاني جسدها بقوة وقالت بحدة:
- هيا أيتها الغبية، حسابنا بالبيت وليس هنا.
ارتجف قلب بيسان وهي تنتظر مصيرها المحتوم الذي تراه كل يوم، لكن لأول مرة أغمضت عينيها وهي تدعو الله قائلة:
- يا ربي لقد تعبت، أرجوك ساعدني.
كانت تلك الكلمات التي تعلمتها في أحد دروس اللغة العربية اليوم، وكأن السماء ألهمتها ذكرها لينجيها الله، وفي ذات الوقت ما زالت تتذكر وتردد كلمات مالك في سرها كأنها تريد حفظها عن ظهر قلب، وكأنها ستصبح منهاجًا لحياتها.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- بيسان حبيبتي، لكِ عندي مفاجأة سارة.
رنت تلك الكلمات في أذني بيسان فور دخولها إلى المنزل؛ فتهللت أساريرها، ورفعت رأسها تتطلع نحو سقف المنزل كأنها تطالع السماء وشكرت الله أنه استجاب لدعائها، ثم نظرت إلى والدها الذي أسرع ناحيتها وهو يردف:
- سأخذك الآن إلى الملاهي وسيكون برفقتنا صديقي سليمان وابنته يارا، هل أنتِ سعيدة؟
قلبها الطفولي البرئ كان يرقص من الفرحة؛ ليس بسبب النزهة، بل بسبب نجاتها من العقاب المنتظر على يد تهاني، أرادت أن تصرخ من الفرح لكن الخوف من مربيتها الفاسدة أسكتها، واكتفت بهز رأسها لأعلى وأسفل، بينما سمعت تهاني تقول ليحيى:
- لماذا لم تخبرني يا سيد يحيى بتلك النزهة؟
عقد حاجبيه وسألها بضيق وبعض الحدة:
- لم أعرف بها قبل الآن، ثم هل سآخذ إذنك لأخرج مع ابنتي، ماذا دهاك؟
امتقع وجه تهاني وسكتت فورا، ولاحظت بيسان ذلك جيدا، ظنت مرة أخرى أن تهاني خافت من أبيها لأنه رجل، وهي امرأة لن تستطيع مجابهته لكونه أقوى منها -تفكير خاطئ - رأته يقترب منها وأمسك بيدها، ثم سار بها نحو غرفتها وهو يقول لها:
- هيا لتغيري ملابسك، سأساعدك اليوم بنفسي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

قضت بيسان وقت ممتع مع والدها في الملاهي، لكن خوفها من عودتها للمنزل وملاقاة تهاني مرة أخرى، والعقاب الذي ينتظرها حرمها من الشعور بتلك المتعة، أحس والدها بها؛ فأخذها في نهاية اليوم إلى محل لبيع الهدايا والألعاب، وبينما كانا يشتريان بعض الألعاب سألها يحيى بحنان كبير:
- ماذا بك يا صغيرتي، أخبريني حبيبتي ما الذي يحزنك هكذا؟ صدقيني سأساعدك.

فتحت فمها، أرادت أن تخبره بكل شيء، لكن عوضا عن ذلك قالت:
- هل يمكنني أن أنام معك بغرفتك الليلة؟
تعجب يحيى كثيراً من طلبها، عقد حاجبيه مفكراً ومتسائلًا عن سبب طلبها، لكنه ما لبث أن ابتسم وهو يقول لها:
- بالطبع يا أميرتي الصغيرة، هل لك أن تخبرني والدكِ الحبيب، لماذا لا تريدين النوم بغرفتك؟
هزت كتفيها وقالت ببساطة:
- لأنني أخاف النوم بمفردي في الغرفة، والدادة تهاني لا توافق على النوم معي.
حسناً هي لم تكذب، إنها بالفعل خائفة لكن ليس من النوم بمفردها كما قالت، إنما من تهاني وعقابها، لذا فكرت أن تؤجل عقاب اليوم مرة أخرى، ولعلها تفعل ذلك مراراً وتكراراً لكي تهرب من العقاب دائمًا.
عانقها والدها بحنان، قال لها:
- حسنا حبيبتي، سأنفذ لك كل شيء تريديه، فقط أخبريني دائمًا بما تتمنين.
زينت شفتيها الصغيرتين ابتسامة رائعة أسعدت قلب يحيى، وهو يراها تبتسم من قلبها لأول مرة منذ فترة طويلة، تعلقت بذراعه بكلتا يديها وراحت تقفز فرحًا وطربًا
~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد شراء كمية طائلة من الألعاب والهدايا، خرجا من المحل الصغير، توجها نحو السيارة، وفجأه وقعت عيني يحيى على رحمة.
توقف الزمن، وكأن xxxxب الساعة رفضت المضي قدماً لبعض الوقت، تطلع كل منهما إلى الآخر لدقائق طويلة؛ حتى أفاقت رحمة من شرودها؛ فخفضت نظرها قليلاً لتتطلع إلى بيسان، لمعت عينيها ببريق لامع، وفاض قلبها بالرحمة والحنان والحب، شردت في ملامحها الصغيرة لبضع لحظات أخرى، قبل أن تفيق على صوت يحيى وهو يناديها ويتساءل بتعجب:
- رحمة، أنتِ هنا؟!
رفعت رأسها لتتطلع إليه، كادت أن ترد عليه، لكنه سبقها متسائلاً:
- هل أتيت في زيارة لوالديكِ، وهل أتى فراس معك، ما أخباركم؟ لم أعرف عنكما أي شيء منذ انتقالكما إلى دبي.
قطبت جبينها بتكشيرة خفيفة، لم يلاحظها جيداً، أغمضت عينيها للحظات لتتمكن من تمالك نفسها، ثم أعادت فتحهما ببطء وأجابته بهدوء:
- نعم لقد أتيت في زيارة لوالداي، لكني جئت وحدي.
لم ترد أن تخبره بأمر انفصالها عن زوجها؛ فتابعت وهي تقول الحقيقة:
- فراس ما زال في دبي.
وفي محاولة منها لتبدو طبيعية أمامه قالت مبتسمة رغم أحزانها:
- لقد جئت لأشتري هدية لابن جارتنا، عيد ميلاده غدًا وقد دُعوت إلى الحفل، هل أتيتم لشراء الهدايا أيضاً مثلي؟
نظر يحيى إلى طفلته ثم أجابها:
- لقد أردت التنزه مع ابنتي قليلاً؛ لأننا لم نخرج سوياً منذ فترة طويلة جداً بسبب انشغالي في العمل، وكما ترين لقد اشترينا بعض الألعاب والهدايا أيضاً.
مشاعره كانت مضطربة جدا بسبب هذا اللقاء المفاجئ، ولأنه لم يحسب حسابًا لتلك الصدفة، وللصدق كان هناك شعور بالسعادة لرؤيتها مرة أخرى، خاصةً أنها تبدو بخير -هكذا خُيل إليه- لكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن ذلك.

لم تمهله الوقت لتخيلاته، انحنت لتجلس القرفصاء أمام بيسان التي كانت تنظر إليهما ببلاهة، ضمتها إلى صدرها بحنين وحنان قائلة:
- لقد مر وقتًا طويلًا.
شرد يحيى بذهنه إلى الماضي، ثم رد مجيبا عليها:
- نعم لقد مرت ستة سنوات كاملة
شعرت رحمة بجفاء بيسان، وتشنج جسدها الصغير بين ذراعيها، فأصابتها الحيرة، ورفعت رأسها عاليًا تتطلع إلى يحيى وقالت:
- تغيرت الصغيرة.
أجابها وهو يهز رأسه:
- لقد كبرت بيسان، ولم تعد الطفلة الرضيعة التي تركتها قبل ست سنوات.
ردت تلومه:
- لم أكن السبب، ولم أرد تركها أبداً.
أشاح بوجهه بعيدًا وهربًا منها قائلًا:
- هذا الماضي يا رحمة، انسيه من فضلك لتتمكني من عيش الحاضر.
رفعت رأسها بكبرياء وقالت بعزم:
- هذا ما أنوي فعله بالتأكيد.
لم يتعجب من ردها وتكبرها، عذرها لأنه السبب في حالتها، لكنه لم يلم نفسه لأنها أصبحت على ذمة رجل آخر الآن، ولن يسمح لنفسه بأذية علاقتها بزوجها وهو من حرص بالبداية على رؤيتها مستقرة في علاقة سوية؛ جاهلًا آخر التطورات التي طرأت على حياتها الزوجية.
وأخيراً مدت يدها نحوه قائلة:
- الوداع يا يحيى، أتمنى أن تبقى بخير دائماً.
صافحها وهو يعيد نفس الرد الذي قاله لها منذ ستة سنوات:
- لن يكون الوداع يا رحمة، بالتأكيد سنتقابل مرة ثانية.
رمقته بنظرة حادة ثم صافحت بيسان بحرارة قائلة:
- إلى اللقاء أيتها الصغيرة، اعتني بنفسك وكوني بخير.
منحتها قبلة حانية ثم أسرعت هاربة من أمامهما وهي تسمع يحيى يقول لها ضاحكاً:
- أرأيتِ؛ حتى أنتِ متأكدة أن هذا ليس الوداع يا رحمة، إلى اللقاء يا صديقتي.
وجدت نفسها تبتسم رغمًا عنها، لكنها عزمت ألا تجعله يعرف أي شئ عنها، وعندما انتهت من شراء الهدايا عادت إلى منزلها، وهناك قصت على والدتها ما حدث؛ فسألتها چيهان عندما أنهت حديثها:
- لماذا لم تخبريه بأمر انفصالك عن فراس، كان لابد أن يعلم ماذا فعل بك اختياره وترشيحه!
هزت رحمة رأسها بقوة وقالت:
- لا يا أمي، لا أريد شفقته، ثم أنه ليس مذنبًا فيما حدث بيني وبين طليقي، هذا قضاء وقدر.
صمتت قليلا لتتنهد ثم أردفت:
- لقد وعدتك وأبي أيضاً أنني سأكون بخير وسألقي الماضي خلف ظهري، لذا لا أريد أي شئ يذكرني به.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

جن جنون تهاني عندما وصل يحيى إلى المنزل وأخبرها أن بيسان سوف تنام بغرفته الليلة، وبلا مقدمات صاحت بحدة أن هذا لا يمكن، ويجب على بيسان أن تنام بمفردها في غرفتها، وبدأت محاضرتها الواهية أن هذا يساعد الفتاة أن تعتمد على نفسها من صغرها، لكن يحيى أستاء من ردة فعلها وأصر على رأيه، ومن هنا شعرت بيسان بالسعادة والأمان، وفشلت كل محاولات تهاني لإقصاء يحيى عن قراره.

بدأ يحيى يشعر بالقلق إزاء تصرفات المربية الغريبة، مرت عدة أيام لم تستطع فيها تهاني الانفراد ببيسان مما جعلها مستاءة كثيرًا وظهر ذلك واضحاً في كل تصرفاتها، بدأت زمام الأمور تفلت من بين يديها، في حين شرعت حالة بيسان النفسية تتحسن شيئاً فشيئاً، ولاحظ يحيى ذلك مما جعله يشك أن تهاني هي السبب في حالة ابنته المريبة وإن كان يجهل ما كانت تفعله، لكنه أتخذ قرار أن يبعدها عنها رويداً ليتأكد من شكوكه.

نهاية الفصل


ماجدة عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.