آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          79 - أين المفر ؟ - لوسي جيلين - ع .ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          قلبه لا يراني (130) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة مع الروابط عيدية عيد الفطر المبارك* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-07-18, 02:11 AM   #1

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي سرايا رائف * مكتملة *









المقدمة

نظر إليها نظرات شغفٍ و إبتسامة عذبة تزين شفتيه..!! بينما كانت هي تتمايل أمامه بكل ميوعة و تبادله التحديق بعينيها الواسعتين الكحيلتين..!!.. فتردف هي الياء و قلبها يخفق بجنون: ( يا غالي الغاليين..!!.. حبك صمت يستعصي على الألفاظ التعبير عنه..!! حبك البلسم الناذر الذي لا أزال أحتفظ به..!!.. أنت ببعضك و كلك أنا..!!.. و أنا ببعضي و كلي أنت.. كلانا نحن..!!..)
يحدق إليها السين بعينيه الخضراوين و كلتا كفيه تعانقان خصلاتها الحريرية فيجيبها بهمس: ( حبك يا كحيلة العينين عبادة..!!.. حبك مثل الموت و الولادة.. مؤلم جدا جدا..!!..)
ينظر إليهما الألف الأول ذو العينين الزرقاوين الفاتحتين من بعيد و قلبه يتخبط في المواجع قائلا لنفسه و عيناه لا تحيدان عن عينا الياء: ( ساكن في عيوني و أنت أبعد الناس..!!.. )
ثم يحول بصره الحزين لصديقه الآخر الألف الثاني الذي كان يتشاطر معه ذرات الآسى في مكانه المنزوي فتأتي الراء الأولى و تخطف من ثغره قبلة عميقة و هي تردف بملامحها الشمسية قائلة: (دعني أعانقك..!!.. دعني أعيش الحب في حضرتك..!!.. فأنت القمر و أنا النجوم و أنت النهار و أنا الشمس..!!..)
ليجيبها الألف الثاني بعينيه القاتمتين هامسا بحشرجة: ( عرفنا الحب و أشعاره و كتبنا أجمل أشعاره..!!.. غنينا على أوتاره و ذبنا بالغرام ألحان..!!.. بقينا إثنين فقط و الأشواق تجمعنا بلا هجر و لا حرمان..!!.. )
و على إثر هذا العشق الدفين و الكبير كان الألف الثالث يعزف على الكمان و عيناه البحريتين العاصفتين لا تحيدان عن عينا الفاء النهريتين الصافيتين هامسا و قد توقف عن العزف و حدقت إليه كل أزواج العيونعندما رأى قلبي حبك يا زهرتي الفاتنة أشرقت الشمس فيه..!!.. بدأ ربيعنا يظهر في كل الفصول..!!.. بدأت الدنيا تزهر في عيني و رأيتها كما تراها براءة الأطفال زهرية جميلة عذبة..!!.. حيث بدأت كل ملامح الجمال تظهر لعيناي)
ردت عليه الفاء تتراقص كزهرة فاتنة الجمالدعني أكمل عنك..!!.. مهما طال بي الزمان و شردتني الحياة و أحزنني القدر..!!.. مهما زادت الهموم علي..!!.. سأبقى أحبك..!!.. )
إسترق حرف الهمزة على الياء النظر لمحبوبته الترابية بعدما أخد مكانه بين حرف السين و حرف الألف الثالث هامسا بصوت حزين كسير: (كم هي صعبة تلك الليالي التي أحاول فيها نسيانك..!!.. كم هي صعبة تلك اللحظات التي أجاهد فيها عدم النظر لعينيك..!!.. كم هي صعبة و قاسية تلك الهفوة على أحضانك...!! عندما أستيقظ و لا أجد من رائحتك الترابية سوى السراب)
إبتسمت الراء الثانية و حدقت لعيون الهمزة العسلية بإبتسامة جذابة فإقتربت واضعة رأسها على صدره تهمس بخفوت عاشق: ( غلطانة نادمة..!!.. مكسورة الخاطر ذابلة..!!.. فإعذر قساوة أفعالي و جحود مشاعري و تجاوز عن أخطائي لعلها تكون البداية من جديد..!!.. )

في تلك اللحظات..!!.. حيت تعاهدت القلوب على الوفاء و إحتارت العيون في جنون ذلك الحب..!! كانت كل الحروف تجتمع في صف واحد..!! (الياء) تمسك بكف السين بقوة..!! (الراء الثانية) كانت تتوسط كل من (الألف الأول) و (الهمزة على الياء).. أما (الألف الثالث) فكان لا يزال يحدق لعيون( الفاء) التي كانت تمسك بكف (الراء الأولى) بقوة و تبتسم بإشراق لكل الحروف..!!.. بينما كانت (الراء الأولى) تحضن ذراع (الألف الثاني) في سكون و إبتسامة عاشقة..!!..
حيث شكلوا غير منفكين عن بعضهم كلمتين مترابطتين متلاحمتين متلاصقتين حيث لعب هذا التلاحم و الترابط دورا في تشكيل ال(............سرايا رائف............)
أجل...!!.. هذه مقدمة حروف روايتي مزيج بين القهر و الظلم الكبير/ الكبرياء و السلطة/ الحب و التضحية / الإنتقام و السعادة....
أعزائي و أصدقاء منتدى وحي الأعضاء أتمنى لكم قراءة ممتعة لأول فصل من رواية(....سرايا رائف....) و أن تنال باقي الفصول كل إعجابكم..!!.....
الفصل الأول سأنزله الآن و الذي ستليه باقي الفصول في نفس اليوم ( يوم الثلاثاء) و نفس الساعة إن شاء اللّٰه.....
قراءة ممتعة أقولها للمرة الثانية...





روابط الفصول

المقدمة..... اعلاه
الفصل الأول ..... بالأسفل
الفصل الثاني

الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر والخامس عشر ج1
الفصل الخامس عشر ج2
الفصل السادس عشر والسابع عشر ج1
الفصل السابع عشر ج2
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر والعشرون
الفصل العشرون ج2 والحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون ج1
الفصل الثاني والعشرون ج2
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون والسابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الأخير
الخاتمة




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 20-02-19 الساعة 02:20 AM
يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 02:19 AM   #2

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي (...... سرايا رائف....)


(............ الفصل الأول............)


أمسكت فنجان الشاي و إرتشفت منه القليل و عيناها الكحيلتين لا تحيدان عن الصورة المربعة أمامها على المكتب..!!.. أخدتها بين كفيها ثم إستقامت بعدما وضعت فنجان الشاي جانبا...!!..في تلك اللحظة أحست بالحنين قد عاد ليتسلل ببطء شديد نحو أوردة روحها الميتة..! تأوهت بخفوت و هي تشعر بأوصالها تتقطع كحبل ضعيف و عبراتها باتت تتساقط كقطرات المطر الخفيف من مقلتيها الغائرتين..
من جديد..!!.. تتملكها تلك الأحاسيس المُرة..!!.أحاسيس الأسى الدفين في روحها منذ سنين خلت..!!..
هاهي ال... رؤى!!.. تقف ساكنة في أوقاتها الصعبة.. لا تدري كيف ستمضي في حياتها و شيئا إسمه الماضي قد ولّد بداخلها تراتيل لا حصر لها كعدد الحصى..!!.. دمعت عيناها بقوة و أخدت شهقاتها تعلو شيئا فشيئا في المكتب..!! هنا لم تتمالك نفسها فجتث على الأرض معتصرة الصورة بين ذراعيها..!! حاولت بجهد جهيد فتح عينيها الباكيتين فتمسكت بالستارة ثم فتحت النافدة لتصطدم بنفحة هواء منعش معبق بأنفاس الخريف..!! شربت رؤى كوب ماء بسرعة تروي به ظمأ فقدان أحبتها.. حينئد سمعت طرقات خفيفة على باب المكتب: دكتورة رؤى؟!....
تنهدت رؤى بحرقة فعدلت جلستها على المكتب بعدما أجابت بصوت يكاد لا يسمع: رنيم أدخلي..
دخلت رنيم بهدوء تحدق لرؤى التي سرعان ما قد مسحت دموعها بكفها اليسرى فتنهدت بخفوت غير أن الحنق و الغضب باديان على وجهها.. ثم أردفت تكز على أسنانها: أكاد أجن يا رؤى...!! أكاد أفقد عقلي..!! السافل هنا و قد جاء ليعكر صفو مزاجنا مرة أخرى....
إتكأت رؤى على الكرسي بتعب فأشاحت بوجهها نحو الخارج قائلة بخفوت هادئ: رنيم.. ما الأمر ؟ عن ماذا تتحدثين؟!!
فتنفست بغيظ شاتمة من بين أسنانها ثم قالت و نظراتها مصوبة نحو الخارج:لا والله...!! و ينقصنا بسكويت طازج كما أنه يود رؤيتك بكل وقاحة كي يسلمه لك.. إبن اللعين!!..
حولت رؤى بصرها نحو رنيم من جديد قائلة بإستفهام: ماذا يحدث؟!!..
لتشد رأسها بقوة و تهتفت و قد شعرت بالجنون يتملكها فجأة: و كأنك لا تعرفينه..اه يا إلهي!!.. ليتني قتلته في ذلك اليوم و إنتهينا من سيرته!!.. يا رؤى...!! ما يزال يحوم حول دائرتنا..... إنه رائف...!!..
- عفوا منك سيدة رنيم صححي جملتك.. ماذا قصدت ب .. يحوم حولنا؟!! لقد كنت مارا من هنا و أردت الإطمئنان عليكما فقط... فنحن نعرف بعضنا منذ زمن.. أليس كذلك يا... رؤى؟!.
همس بها الشخص الذي كان يستند على إطار الباب بذراعه و ينظر لرنيم بنظرات متوحشة جعلت رؤى تعقد جبينها بقوة في حين إستطردت رنيم قائلة بسخط: دكتورة رؤى... دكتورة رؤى..!!.. هل فهمت؟!! و شيئ آخر التي تقف أمامك آنسة و ليست سيدة أيها الجاهل!!.. ماذا تفعل في عيادتنا؟!.. ألم يكن كافيا لك أنني صفعتك و أوقفتك عند حدك يا.. رائف؟!...
مشط رائف جسدها بعيونه الذئبية و جملتها الأخيرة تلك قد جعلت الدم يفور و يتدفق داخله بوحشية فقال بهدوء شرس و ملامح وجهه قد تنمرت فجأة: ألا تخجلين من نفسك؟!! إلم تطبقي فمك الصدئ فأعدك أن لن يحصل خير..!!
نظرت إليه رنيم بإشمئزاز مصحوبا بنبرة تهكم فظة قائلة: لم أجد بعد الوصف المناسب الذي يليق بك..لكن على ما يبدو جيناتك لا تنحدر من جينات البشر..!!
تاهت رؤى بين نظراتهما المشتعلة و كرههما المتوحش المتبادل فأردفت بصدمة: إنتظرا إنتظرا..!!.. بحق اللّٰه ماذا تفعلان؟!...
ثم أكملت بسخرية: أتتشاجران كالأطفال؟!!..آه نسيت بكل الأحوال هذه عيادة أطفال..
تنهدت رنيم بأسف فأخفضت رأسها بقنوط و عيناها لا تحيدان عن رائف أبدا قائلة: آسفة يا رؤى.. لكنه عديم...
و قبل أن تكمل جملتها كان جوابه بالمرصاد بعدما حول بصره و حدق لرؤى قائلا بجمود يناقض توحش ملامحه: أين كان عقلك عندما صاحبت هكذا نوع من الناس دكتورة؟!! تبا لهكذا بشر و عالم..!!..
أجفلت رؤى من شتمه الوقح أمام رنيم فكزت على أسنانها بغيظ و قالت بقسوة:
_ سيد رائف..كيف ما كانت مشاحنتنا في السابق فلا أسمح لك بأن تقلل إحترامك هنا.. و أنت يا رنيم عودي إلى عملك رجاء..
نظرت رنيم لرائف بإبتسامة حاقدة قبل أن تتجاوزه بكبرياء و تخرج من المكتب وهي تلعنه في نفسها: اه عليك يا إبن الشيطان..!! حسابي معك عسير و لم ينتهي بعد... إنتظر و سوف ترى ما سيحصل فيك و في صديقك اللعين يا سفاح العظام!!..
تنهدت رؤى بعدما عادت تجلس بوهن فتكلمت ممسكة جبينها بقوة: سيد رائف..!! آسفة على كل ما حدث.. أرجو أن تعذرها رجاء... لكن من فضلك...
فقاطعها ببرود يصاحب إقترابه البطيء منها: جئت بلا موعد..!!.. قللت من شأن صديقتك..!!.. صرخت في وجهها..اه .. حسنا دكتورة رؤى.. أهذا ما كنت ستقولينه؟!
نظرت إليه رؤى بصدمة ثم أردفت ببرود كبروده: أغلق الباب من فضلك.. و كف عن هذه المهزلة السخيفة..
ثم ضيق عينيه بقلق مصطنع: اه الباب ، أجل لما لم تخبريني؟ نسيت ذلك.. ظننت أن صديقتك السفاحة قد أغلقته وراءها.....
جلست رؤى على كرسيها تتنهد بخفوت و بعد ثانية كانت تقفز من مكانها مرعوبة بعد صفقه الباب بقوة... فإستدار مستطردا في وجهها بشبه إبتسامة خبيثة: آسف منك.!!. إنزلقت كفي..!!
أشاحت رؤى بوجهها عن ملامحه التي تثير النفور و السخط قائلة بهدوء: دعنا من هذا..لم أتيت و ماذا تريد مني؟!..
فتمايل على الكرسي بعدما أخد مكانه عليه محدقا فيها بشراسة و نظراتها المتشتتة تلك لم تزده سوى طربا و تسلية قائلا: و لو... عيادتكم مشهورة يا رؤى...
-دعنا ننهي الموضوع رجاء..!!..
همست بها رؤى بقلة صبر بعدما شبكت كفيها على سطح المكتب.. ففغر فاه بتعجب قائلا ببراءة مصطنعة: و هل بدأناه أصلا كي ننهيه..
في تلك اللحظة تحدتث رؤى بلباقة الطرد قائلة بإبتسامة هادئة: سيد رائف... رجاء لي مواعيد خاصة و بعض الأمور المهمة فقل ما جئت من أجله بسرعة..
فنقر بيده على حافة المكتب و هو يتكئ على كرسيه بأريحية و في سره: تطردينني؟!.. حسنا يا رؤى سوف .. مهلا مهلا يا رائف إصبر و إصطبر فلا وقت لعصبيتك الآن..
- فيما شردت؟!!
ههمست بها رؤى بهدوء أيقظته من شروده الملفت فرد عليها بعدما أخرج علبة صغيرة من جيب سترته و وضعها على سطح المكتب قائلا بنبرة يصعب تفسيرها و عيون ملتمعة كعيون القطط: جلبت لك هذا... تدوقيه..!!..
- بسكويت..!! لي أنا..؟!!
هتفت بها رؤى غير مصدقة كطفلة مراهقة صغيرة فإبتسم بعد أن أوقف نقر أصابعه على المكتب قائلا:
_و طازج أيضا..!!.. لا تخافي ليس مسموما و لن يقتلك.. إن أردت إفحصيه..
إحمرت وجنتاها خجلا فقالت: لكن... ليس هذا ما فكرت فيه فقط... تصرفات غريبة.. أنت رجل غريب ..لا أدري؟!.
صمتت فجأة فرفعت وجهها تنظر لشرر عينيه اللتان لم تحيدا عن عينيها منذ جلوسه فأردف هو بهدوء غريب:
_سوف أتغاضى عن سخريتك هذه إنما تدوقيه سيعجبك..!! أفظل نساء الكون هي من قامت بصنعه..إنها طباخة ماهرة و متميزة...
فلم يكن على رؤى إلا أن تجيبه بإبتسامة ساخرة تقول في هدوء رتيب: شكرا لك... هذا لطف منها و منك... بلغها شكري عندما تلتقيها..
ثم توقفت فجأة و أطالت التحديق في وجهه قائلة بعد ذلك بقنوط تنهي به اللقاء: سوف أتدوقه لاحقا .. لدي موعد الآن..
أشاح رائف ببصره نحو النافدة الزجاجية المفتوحة لبرهة من الزمن ثم سرعان ما نهض و هو يقول بتبات غريب عن ملامحه: يبدو أنك مستعجلة..!! لا بأس لنا لقاء في الأيام الآتية..!!..
ثم غادر بعدما ألقى عليها آخر نظرة فتمتمت رؤى بعد رحيله: ماهذا يا رنيم؟!! ما هذا؟!!..
ثم تأملت علبة البسكويت و لا تزال تهمس لنفسها: أنظري إلى مزاجيتك إلى أين أوصلتنا..

إرتدت سترتها و إلتقطت حقيبتها بسرعة بعدما وضعت نظاراتها الشمسية و همت بالخروج.. إستدارت فجأة و أخدت تتطلع في العلبة بشيء من الفضول ثم قالت بإبتسامة طائشة: سوف اخد قطعة واحدة فقط..!!
بحتث رؤى عن رنيم إثر خروجها من المكتب فلم تجدها و فمها لا يزال يلوك قطعة البسكويت.. أكملت سيرها إلى أن لمحت مساعدتها تغادر فأسرعت خطاها تجاهها هاتفة: سعاد!!..أرأيت رنيم؟...
ردت هذه الأخيرة تعدل وشاح رأسها بهدوء: لمحتها تغادر مند نصف ساعة...
فأمسكت سعاد ذراع رؤى قائلة بإبتسامة واسعة تمنعها من المغادرة أيضا..: ما رأيك أن نتغدا سويا؟!... لقد جعت كثيرا... لم نفعلها منذ زمن يا رؤى....!!
-في وقت اخر حبيبتي سعاد أشعر بالإرهاق و التعب الشديد.. كما أنني أريد أن أنام فقط..!!..
غمزتها سعاد و هي تضرب ذراعها بخفة قائلة بنفس الإبتسامة:
_و لو يا روحي..!! خدي مجمل راحتك..دعيها للوقت فقط....
تبسمت رؤى في وجهها بإمتنان ثم غادرت بعدما إستقلت سيارة أجرى تنطلق بها صوب المنزل.. و هنا كانت المفاجأة!!..إذ لمحت كلا من رنيم و رائف يتجولان قرب الحديقة العامة.. رائف و رنيم.. هذا غريب؟!!
ثم تنفست بعمق بعدما إستندت على زجاج السيارة بوهن و بعد بضع دقائق كانت تصل شقة والدتها فطرقت الباب بهدوء فإذا بأخيها الصغير يتفاجئ.. فتح بدر فمه بذهول فور رؤيتها فصاح بحماسة شديدة ثم تعلق في ساعدها: أختي رؤى..
عانقته رؤى بمحبة تلامس خصلات شعره الحريرية قائلة بمشاكسة: تعال إلى هنا يا وغدي الصغير!!.. ما سر هذا الجمال الكبير الذي تتميز به كلما جئت لأراك..؟!..
- حبيبتي يا أختي!..إشتقت إليك كثيرا.. صدق أو لا تصدق .. المنزل فارغ!!...
قالها بدر بعدما سمح لرؤى بالدخول فإستطردت بإستفهام: لماذا..أين أمي؟!..
هز كتفيه بلامبالاة قائلا: خرجت.. قالت أن لها موعدا مع زميلتها في العمل.. لا ادري!!... المهم أنك أتيت.. هذا قاس يا رؤى أنا وحيد في المنزل مند الصباح و أشعر بالجوع .. بالمناسبة..لقد نحفت قليلا..
إبتسمت رؤى بإشراق و هي تدور حول نفسها هاتفة: معتوه .. إنها الرشاقة..!!..
ضحك بدر بهزل فإستطرد ساخرا: حسنا حسنا .. لما لا تحضري بعض الأكل لكلينا يا أختي الكبيرة؟....
رمت رؤى حقيبتها على الكنبة و أزالت سترتها الرقيقة و وضعتها على حافة السرير قائلة بتعب كبير: اه يا بدر..!! أنا متعبة يا حبيب أختك سوف اخد حماما سريعا و أنام قليلا بعدها سوف أفكر في عرضك..
فإمتعض بدر هاتفا: جيد... في الإنتظار يا نحيفة ريتما تعود ندين المصونه..
توجهت رؤى صوب الحمام و أخدت دوشا دافئا ثم نامت بعدها.. إلى أن إستيقظت على صوت لطالما إفتقدت صداه.. صوتا يصلها بعيدا لكنه دافئا و حميميا يقع على جرح روحها كالبلسم الشافي: رؤى حبيبتي.. هل أنت مريضة؟... هل أحضر الطبيب يا إبنتي؟!..
تململت في غطائها ففتحت عينيها بجهد لترى قسمات ذلك الوجه الحنون الذي إبتعدت عنه مند ما يقارب الشهر أو يزيد..تأملته قليلا فنطقت بهدوء: أمي...
مررت ندين يدها على رأس إبنتها و حدقت في وجهها بخوف قائلة: سوف أحظر الطبيب.. تبدين مرهقة جدا يا رؤى و نحيفة أيضا لدرجة كبيرة...
فأمسكت يديها و قبلتهما بحب و عيناها على ملامح والدتها الحبيبة..قائلة: لا تقلقي علي..أنا بخير!!....
جلست ندين على طرف السرير من جديد ماسكة كفي إبنتها و علامات الخوف و القلق باديتان على وجهها.. تهمس بخفوت: لا..لست كذلك.. يبدو أنك مرضت و لم تهتمي بنفسك جيدا... نحن لم نتفق على هذا أليس كذلك؟!..
فإبتسمت رؤى بإرهاق و قالت: أمي! لا تبدئي أنا أرجوك.... إنه الإرهاق و حسب..!!..
-يا رؤى...
فقاطعتها بنبرة رجاء: أشعر بالجوع...
ثم تمتمت ندين بقنوط: ألم تتغدي مع رنيم؟!! لا تقولي بأنك لم تدوقي الطعام منذ الصباح؟!
أجابتها رؤى بإبتسامة ناعسة: و هو كذلك...تغديت بقطعة بسكويت فقط... و قد كاتت لذيذة جدا جدا.....
حملقت فيها بذهول فهتفت: ماذا؟ بسكويت و قطعة؟!.. سوف أحضر العشاء.. بعدها لن تسلمي من توبيخي يا آنسة...
ثم غادرت الغرفة و حالة إبنتها تلك لا تبشر بالخير أبدا.. حضرت ندين العشاء و نادت كل من رؤى و بدر على طاولة الطعام.. جلست هذه الأخيرة أمام والدتها و أولهم بدر الذي لم يعد يقوى على مقاومة رائحة الطعام المنتشرة في المنزل...
قررت رؤى أن تقتل ذلك الصمت الذي لفهم جميعا فقالت بأدب بعد أن وضعت شوكتها على الطاولة: بدر كيف أمور دراستك؟..
أجابها بدر بإبتسامة واسعة و هو يقول: بخير يا رؤى.. لا تقلقي على أخوك المجتهد...
قطبت جبينها في شك مصطنع جعل بدر يهتف بعدما أمسك كأس العصير و شرب منه القليل: أخبريها بأنني الأول و دائما يا ندين المصونه..
إبتسمت ندين بإشراق بعدما صبت لنفسها كأس ماء و قالت و هي تحدق لرؤى التي كانت تبادلها النظر بإهتمام: أكيد هو الأول..و المجتهد أيضا
فتنحنح بدر غامزا إياها: أحم عزيزتي ندين نسيت شيئا مهما...
نظرت إليه ندين بقنوط تستطرد من جديد: طبعا.. أخوك المتبجح يود أن يدعو بعضا من رفقائه لحفلة في شقتنا و أكيد يود أن يتخلص مني.. أرأيت؟!... قمة اللباقة يا رؤى..
فضحكت رؤى بإستطراد: إنه البر يا أمي..عموما أهربي من الشقة ليلة الحفلة ..أكيد سوف ينفجر رأسك من ضجيج الموسيقى..
وضع بدر يده اليسرى على خده و أخد يحدث ندين و هو ينظر لرؤى بحزن مصطنع: لما لا تذهبين لشقتنا ريتما تمر الحفلة على خير ثم...
صاحت ندين تقاطعه فجأة: مستحيل..!! و أتركك أنت و رفقائك تفعلون ما تشاؤون بشقتي.. يا لا الروعة!!.
تنهد بدر ببؤس شديد: قاسية..!!.. عموما حفلتي سوف تقام في هذه الشقة و سأدعو أصدقائي و بعض من معارفي..يعني صديقات ولا تتذمري رجاء..!!
كادت ندين أن تسقط كأس العصير من يدها من هول الصدمة فإستطردت تصر على أسنانها: أسمعت؟!... يود أن يصيبني بسكتة قلبية هذا الولد... و عمره لم يتجاوز 12 عاما...
ثم حولت بصرها تحدق لبدر قائلة بجمود: لا وجود للفتيات أو ما تسميهم أنت بالصديقات مفهوم... إن أردت أن تمر حفلتك على خير ما يرام و من دون مشاكل فإدعو أصدقائك الذكور فقط و يكون عددهم يقل عن العشرة.. لا أريد تهريج أفهمت؟!!
إمتعض بدر هاتفا: هكذا أنت دوما.. تصرخين و تتذمرين كأنني طفل صغير... حسنا كما تشائين سيدة ندين و في الحفلة رجاء لا تتطفلي علينا مفهوم؟!...
إمتقع وجه ندين فردت عليه بسخرية:ما هذا.. و تملي علي أوامرك أيها الغر... هذا ما كان ينقصني..!! رؤى أسمعت .. لا لا .. و يشير إلي بسبابته أيضا..
ضحكت رؤى من جدالهما و حركاتهما الهزلية فأحست ببعض السعادة تلج إلى جوف روحها المتعبة ثم همست بعد ذلك بمتعة: حسنا أمي دعيه يمرح مع أصدقائه قليلا.. و أنت فلتأتي لشقتي ريتما تمر حفلته المعتوهة.. والدتك إلهام إشتاقت إليك كثيرا..!!
تنهد بدر بعمق فغمز رؤى يكتم فرحته بينما
ناظرت أخته عمق مقلتاي والدتها التي أرخت إبتسامتها فجأة بعد وضعها المشروب على طاولة الطعام قائلة: لقد تأخرت... دعيني أساعدك في غسل الصحون بعدها أغادر...
إبتسمت ندين رغم الكآبة الشاملة فأردفت: ليتك بقيت قليلا يا رؤى... لما لا تقضين هذه الليلة معنا حبيبتي؟....
-لا يجدر بي ذلك.. أساسا سوف أتأخر على عملي في الصباح و هذا ما لا أحبذه..
ثم أخدت تجمع الصحون بقلب يكاد يخرج من ضلوعه فشعرت أنها آلمتها من جديد و هذا ما لا تطيق معايشته بعد أن شردت في الصحون
همست ندين بحرقة:حسنا أتفهمك.. ستزوريننا من جديد أليس كذلك؟!...
نظرت إليها رؤى بوجه بشوش وإستطردت بعمق: بالتأكيد..
- حسنا حبيبتي أتركي ما بين يديك تعالي سوف أوصلك لأن الوقت قد تأخر جدا...!!
لم تشأ كسر حماستها فسمحت لها بذلك و هي ترتدي سترتها على عجل ثم ودعت بدر قائلة بود بعدما قبلت جبينه بقوة: تعال بسرعة فإلهام مشتاقة إليك كثيرا...
وصلت بها ندين أمام إقامة الشقة التي تقطن فيها فنظرت رؤى لملامح أمها المبتسمة ثم قالت: تصبحين على خير...
قبلتها ندين على خدها بود و أردفت بعد ذلك بصوت عميق... عميق جدا: تصبحين على خير حبيبتي..إهتمي بأمورك جيدا و بلغي سلامي لإلهام..

********


دلفت رؤى إلى الشقة تجر قدميها بعياء شديد فهتفت بنبرة عالية و كفيها تدلكان وراء ظهرها: أمي... هل نمت؟!!..
و من فرط إشتياقها لذلك الكائن الموجود في الشقة أخدت تصفق بكلتا يديها بعد أن نزعت سترتها و رمت بحقيبتها على الكنبة صائحة: أين أنت يا سيدة؟!! لا تقولي بأنك نمت فعلا؟!.
ثم وقفت في صحن المنزل تستشعر سكونا غريبا فتسائلت محدثة نفسها: معقول... الساعة لم تتجاوز الحادية عشر هل نمت بهذه السرعة؟!.
دخلت إلى غرفتها فبدلت ملابسها بخفة .. بعدها توجهت لغرفة الضيوف كانت ساكنة أيضا.. و كذلك المطبخ لا توجد فيه..ثم خطت نحو المرحاض فلم تكن هناك أيضا.. لم يتبقى لها إلا الشرفة فسارعت خطاها و بعد ثواني كانت تتوقفت مشدوهة و قلبها ينقبض بشدة من هول ما رأته.. نظرت إلى الأرض فشهقت بجزع ثم صاحت بكل قوتها بعدما جتث على ركبتيها تمسك بكفي والدتها:أمي.. ماذا جرى لك؟!..
أخدت تحرك جسدها المرمي على الأرض و تنتحب باكية بعد أن أمسكت وجهها تضمه بكفيها المرتجفتين هامسة: أمي... إستيقظي..
لكنها لم تتحرك قيد أنملة فقد كانت كجثة هامدة لا تحرك ساكنا.. هنا زاد إفراز الأدرينالين بجسمها و إزداد الموقف رعبا أن يكون قد أصابها مكروه فأمسكت هاتفها بسرعة فائقة و ركبت رقم ندين كي تسعفها و بعد رنتين كان صوت ندين يصلها قلقا إلا أنها لم تترك مجالا للحديث فقد جن جنونها و صاحت بدموع: عودي فورا.. أرجوك لا أعرف ماذا أصاب أمي.. بسرعة بسرعة...
إرتعبت ندين و توترت من فرط الصدمة و من بكاء إبنتها فزاد خوفها..عادت بسيارتها و ماهي إلا دقيقة دقيقتين حتى وصلت الشقة..فتحت رؤى الباب تهتز هامسة ببكاء مصاحب مع خوف رهيب هامسة: أسرعي إنها لا تتحرك..لا أعرف ماذا أصابها؟...
أجابتها ندين و قد تملكها الرعب أكثر: لا تبكي سوف نقوم بأخدها إلى أقرب مشفى..!!.. تعالي و ساعديني....!!..


بكت رؤى بإنتحاب حتى تهاوت على الأرض لا تقوى على الصمود أكثر بعدما أدخلوا والدتها لغرفة الفحص فعادت تتعلق بنظرات ندين القلقة و هي تقول بدموع: أرجوك إفعلي شيئا.. لماذا تأخروا؟.. أريد فقط أن اراها أمي إفعلي شيئا..!!
جلست ندين القرفصاء بجوار رؤى بعدما شعرت بخوف شديد حول ما تعيشه إبنتها فأمسكت رأسها و ضمته لحضنها تم تأوهت قائلة: لا تبكي يا رؤى... لم أعهدك ضعيفة هكذا سوف تكون بخير إنه مجرد دوار بسيط.. كفي عن النحيب بالله عليك!..
رفعت رأسها إلى أمها و حدقت في عينيها طويلا فلم تنبس..فملست ندين على خدها هامسة مرة جديدة: يا إبنتي.. ستكون بخير لا جدوى من صدمتك الآن..
نطقت رؤى بإختناق باك: ماذا إن ماتت؟ ماذا إن عاد ذلك المرض من جديد؟ لن تنجو صحيح؟!.
حدقت ندين في مقلتيها المحمرتين فاغرة فاها بذهول لدقيقة كاملة بعد أن إزداد الهواء ثقلا بينهما ثم همست بصوت مرتجف: ماذا تهذين؟! ذاك لن يحصل أبدا ثقي بي...
فإجتاحتها موجة من الذعر بعد ما سمعته من إبنتها في حين كان الأدرينالين يتدفق في جسدها بقوة مشتتا أفكارها من جديد... كلام إبنتها ينخر في عقلها الآن..هل حقا عاد إليها ذلك المرض الخبيث؟!!
نهضت رؤى بتثاقل و نظرت عبر النافدة الزجاجية إلى الخارج لم يكن الطبيب قد خرج بعد... فناظرتها ندين بدموع تحرق خديها الباردتين بعد إنسيابها..شعرت بنفس الدوامة تحوم حولها و تسرق أغلى كنوزها فهمست لنفسها بألم: أنت متعلقة بإلهام أكثر مني... و هذا مؤلم يا رؤى.. مؤلم جدا..!!
بعد وقت ليس بالقصير خرج الطبيب بصدريته البيضاء سارعت كل من رؤى و ندين نحوه و في آن واحد نطقتا: هل هي بخير؟!.. أرجوك أخبرنا...
إبتسم الدكتور قائلا: هل أنتم إحدى قريباتها؟!.
أجابت رؤى ببكاء حارق و قد تمسكت بياقته غير آبهة لأي شيء: أجل أجل... إنها أمي يا دكتور أرجوك أخبرنا أنها على مايرام...
هز الطبيب رأسه و حدق فيها بحذر قبل أن ينطق: تستطعين رؤيتها إن أردت ذلك...الأمور كلها بخير...
حملقت رؤى في وجه أمها فأومأت لها أن تذهب ثم إبتسم الدكتور و حول نظره إلى ندين قائلا بإبتسامة شفافة:هل أنت من العائلة ؟
هزت ندين رأسها بإيماءة صغيرة جعلته يردف من جديد بصوت هادئ و يقول: حسنا تعالي معي إلى المكتب رجاء...

********

فتحت إلهام عينيها بجهد تحدق في السقف بتوثر قبل أن تعي مكان تواجدها.. حركت أصابعها بصعوبة بالغة و هي تشعر بجسدها ما يزال ثقيل فلم يكن تأثير المخدر قد تبخر بالكامل.. حالتها متدهورة جدا لكنها جاهدت لتحرك رأسها يمينا كي ترى وجه إبنتها الشاحب.. مضت لحظات قصيرة من التأمل قبل أن تنطق بشحوب: رؤى أنت هنا ؟!..
أجابت رؤى في حالة توتر بليغ: لا تتحدثي الآن إرتاحي فقط..!!
حاولت إلهام التحرك لكنها لم تقدر بفعل المخدر القوي فلم تجد نفسها إلا و هي تهمس بتأوه:ماذا حدث لي؟!.. أشعر بالتعب الشديد...
أمسكت رؤى أنامل والدتها و قبلتهم بدموع هامسة:قليلا و سوف تعودين كيف ما كنت.. نامي الآن ولا تتعبي نفسك أكثر..!!
تمعنت في الغرفة بقنوط..بعدما تذكرت الدوار الذي شعرت به في الشقة فلم تعي بعد ذلك ما حصل ثم بعد تفكير قصير إستطردت بخفوت:متى يمكنني المغادرة؟!..
شدت رؤى على كفها بقوة فتاهت في نظراتها الذابلة ثم قالت:أمي أرجوك إرتاحي فقط.. لن تغادري السرير قبل أن نطمئن عليك جيدا و يفحصك الطبيب من جديد..
تكلمت إلهام بعدما إستشعرت نبرة إبنتها الخائفة الممتزجة برجاء خفي: إبنتي...!!
لا..لا.. لن يحدث شيء لك يا نعمة الدار!!.. لا تنظري إلي بتلك النظرات الذابلة.. صرخت بها رؤى وسط ذوبان جليد روحها البارد فإستطردت مبتسمة: سوف أبحث عن الدكتور و أحدثه...!!
-ندين هنا؟!.
أجابتها رؤى بعدما وقفت و إبتعدت عنها خطوتين صغيرتين و كأنها لا تود الإنفصال عنها أبدا قائلة: أجل... قمنا بإصطحابك إلى هنا معا..
فتبسمت إلهام بحنان ممزوج بتعب باد على ملامحها قبل أن تطبق رموشها و تستسلم للمخدر مرة جديدة..
خرجت رؤى من عندها بصعوبة و وقفت تبحث عن ندين فتقدمت نحوها بعد أن رأتها قائلة بتوتر شديد: ماذا قال الطبيب؟!.. هل أمورها بخير؟ متى يمكننا أخدها من هنا؟!..
لم تدري ندين كم مر من الوقت و هي شاردة الذهن حتى إنتبهت إلى انامل ممتدتين إليها تهزان ذراعيها و هنا تيقنت أنها أمام إبنتها فهمست بتشتت: اه رؤى.. كيف حال إلهام؟
أجابت رؤى بغرابة: بخير..مند مدة و أنا أحادثك أين سرحت؟!.. ماذا قال الطبيب؟!..
-لا شي سوف أرى إلهام..
تملصت منها ندين و مشت بخطوات سريعة و أمسكت بمقبض الباب و قبل أن تذلف أوقفها صوت رؤى الهادئ و هي تقول: أنت لا تخفين عني شيئا أليس كذلك؟!..
إستدارت ندين بتيه نحو إبنتها فإستطردت بهمس: و ماذا سأخفي عنك..حدثني الطبيب عن حالتها فقط قال كل هذا من فرط التعب و الإرهاق..
فنظرت إليها رؤى مليا ثم أومأت بدوها في هدوء في حين إسترسلت ندين قائلة من جديد: إتصلت ببدر .. أخبرته أنني سوف أتأخر فلم أشأ أن أخبره عن أمر والدتكما...!
تبسمت رؤى في وجهها بإمتنان كبير قائلة: هذا جيد جدا...!!
هزت ندين رأسها في أسف بعدما دلفت إلى الغرفة..لم يخطر ببال أي منهما أن حديثهما قد وصل إلى مسامع إلهام التي تظاهرت بالنوم.. جلست ندين أمامها و ربتت على كفها قائلة في حنان: إلهام هل انت مستيقظة؟!!
رفرفت إلهام أهدابها في توتر قبل أن تستكين بجهد جهيد و تنطق: ندين..!! كيف حالك؟!.. مر وقت طويل على رؤيتك آخر مرة..
قربت ندين رأسها لعند إلهام و إبتسمت بإشراق و هي تردف أمام ملامحها الشاحبة: بخير عزيزتي..!! بماذا تشعرين الآن؟!.. هل تحسين بالألم أو أي شيء؟!..
قالت إلهام على الفور: لا... لم يعد يتملكني الدوار.. أشعر بالوهن و الإعياء في جسدي فقط..!!
تنهدت ندين في أسى قائلة: لقد أغمي عليك بالبيت و نقلناك إلى هنا.. قلقنا عليك كثيرا..!!.
فضحكت إلهام بغبن قبل أن تتذكر ما حل بها قبل ساعة تستطرد بنبرة هادئة: فقدت توازني فجأة.. لا أعرف لماذا شعرت بالوهن الشديد يا ندين؟! أين هي رؤى؟!...
تمالكت ندين نفسها قليلا و تمتمت بصوت مرتجف: لم تكف عن البكاء لحظة واحدة.. كانت كالنورس الجريح ينتحب.. خافت عليك و بكتك كثيرا.. يجب عليك أن تعودي إليها بأسرع ما يمكن..
فتوقف تنظر لعيون إلهام ثم همست بشرود: هي بدونك لا شيء و قد تيقنت من ذلك اليوم
ثم رفعت يدها لتمسح تلك الدموع الحارقة بعد أن أردفت بصوت تقيل: رؤى سوف تجن إن حدث لك مكروه لن تتحمل ولا أحد بإستطاعته التعامل معها آنذاك.. إنها متعلقة بكل تنهيدة هي لك و لا تقوى على فراقك أبدا فراقك بمتابة الموت لها لذلك..
توقفت تسترد أنفاسها و نظرت إلى إلهام مطولا قبل أن تكمل بصوت مختنق بالبكاء: لذلك إياك و الاستسلام..!!
في تلك اللحظة رفعت إلهام رأسها و حدقت لندين فقالت بنبرة مطمئنة: رؤى تحبك كثيرا..
إحمر وجهها من فرط البكاء حينما نظرت لشحوب إلهام و رقودها على ذلك السرير مجددا حرك فيها ألما شديدا فإسترسلت بأسى: الحياة لن تنصفني مهما فعلت.. لن تنصفني أبدا...!!
فقالت إلهام بحشرجة: بلى ستنصفك.. سيأتي اليوم الذي تنسين فيه معنى الألم و الوجع..
أطرقت ندين برأسها و لم تعلق فبادرتها إلهام بابتسامة حنونة قائلة من جديد: عديني بأنك سوف تعتنين بأولادي لو حدث لي مكروه.. إبقي مع بدر و رؤى مهما حدث لي...
فردت عليها ندين بإرتعاب يشوبه شحوب روحها قائلة بصعوبة: ماذا.. تقولين أنت سوف
-لا بأس عديني فقط... فنحن لا نعرف ما تخبئه لنا الأيام.. و أنا غير مرتاحة أبدا في داخلي.!!..
همست بها إلهام بهدوء حزين جعلت ندين تردف بعد وقت قصير: أعدك..!...
خرجت ندين من غرفتها بعد أن ودعتها ببعض كلمات حنونة فقد فهمت مغزى كلامها جيدا...حاولت جاهدة إخفاء أثار تلك الدموع على خديها فلم تستطع فاستسلمت للبكاء من جديد ما إن إتخدت مجلسا في سيارتها و إختفت عن أعين إبنتها رؤى معلنة تماسكها و هي تهمس لنفسها: يا رب العالمين...!! متى أعيش مع إبنتي الوحيدة تحت سقف واحده؟!.. متى يا إلهي؟!.. روحي تحترق!!.. لم أعد أستطيع التحمل... هذا صعب!!.. صعب جدا!!..
إنتبهت ندين لرنين هاتفها على المقعد المجاور فإمتدت أناملها و سحبت الهاتف بعد أن إستجمعت قواها ثم همست: دكتور نادر..!!..
- سيدة ندين... الوقت يمر بسرعة...!! لم يعد هناك وقت كاف..!!
قالها ناذر بصوت هادئ جعلها تعيد إستطرادها و تهمس بدموع: لم أستطع إخبار إبنتي أقصد إبنتها.. عذرا فأفكاري مشتتة..!!
فتنهد الدكتور بأسى قائلا بدوره: على رسلك أعرف أن الأمر صعب عليك... لكن كلما أسرعنا أتيحت لنا فرصة إنجادها مرة أخرى..!!.. سوف أحدث صديقي سام كما وعدتك..!! المريضة في خطر حاولي السيطرة على ردود أفعال إبنتها..!!.
-لكن.. ماذا إن كانت مجرد تهيؤات فقط؟!.. أنت لم تجزم لي أن المرض قد عاد إلى جسدها مائة بالمائة صحيح؟!..
إستطرد الدكتور قائلا:
هذا صحيح..!!.. أنتظر نتائج تحاليل الدم هي من سوف تبدد هذه الشكوك.. لكن صدقيني الأمر خطير جدا سيدة ندين و إلم نسرع قد تكون النتائج وخيمة..!!..
نظرت ندين للخارج بشرود فهمست: فلنأمل خيرا..!! سوف أتحدث مع رؤى أمهلني بعض الوقت أرجوك..
ثم أغلقت الخط و ركبت بعد ذلك رقم رؤى و أخدت تنتظر الرد.. بصوت مرتعش و حزين نطقت رؤى: أين أنت؟!..
أجابت ندين بعد صمت قصير:أنا عائدة إلى البيت لكي أطمئن على بدر سوف أعود إليك لاحقا..
تنهدت رؤى بخفوت و نبرة صوت والدتها المرتعشة جعلتها تشعر بحزن عميق فأردفت
ندين بعد أن مسحت خديها ببطئ شاردة في الفراغ: غدا سوف نتكلم مع بعض.. هناك موضوع أود الحديث معك بشأنه..
حدقت رؤى لصورتها المنعكسة على شاشة الهاتف بشرود و هي تتقدم بخطوات نحو داخل الغرفة و بالرغم من آساها و غبنها إنفرجت أساريرها عندما رأت ذلك الوجه المنير مستيقظا يناديها بمحبة... خطت بسرعة و أمسكت بكف والدتها و قبلته بقوة و والدتها تستطرد و عيناها تمشطان ملامح إبنتها: لما عيونك منتفخة و محمرة بهذا الشكل؟!.
قالت رؤى بعد إبتسامة شاحبة: لأنها بكتك كثيرا و خافت عليك كثيرا و إرتعبت عليك كثيرا..!!..
أغمضت إلهام عيونها ثم عادت تفتحهما بعد ثواني و تهمس: تعالي لحضني إنه مجرد إغماء بسيط..!!..
إرتمت رؤى في حضنها و إستكانت بعد وقت قصير بعدما تبدد خوفها في ذلك الحضن الحامي و لتعود بها الذكرياك إلى أبعد الحدود.. ماضي طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز إثنتي عشرة سنة بعدما تجسدت الذكريات ببطء مثل فقاعات صغيرة تطفو على سطح بئر مظلمة بلا قرار ثم إستسلمت للنوم..

********

أضائت رؤى المصباح مجددا فلم تكن لتستطيع النوم وسط ذلك الظلام المخيف في جوف الليل فحاولت طرده من عقلها و طرد الأفكار السلبية التي إنتابتها فجأة لكنها فشلت..و بعد ثواني أخد قلبها ينبض بعنف و هي تردد كلمة اللّٰه بصوت خفيض تحت ملائتها لعلها تطرد ذلك الجزع.. راح الأدرينالين الذي غزا جسدها يتسارع مع تسارع نبضها فنهضت و سارعت بخطواتها نحو غرفتة والديها فوقفت كالشبح المظلم أمام والدها..
تملكه الذعر و حاول أن يستوعب ما يراه تم نطق: رؤى... ما الأمر لما أنت مستيقظة في هذا الوقت المتأخر؟!!
إهتز جدعه بقوة رهيبة إلى أن نطقت بصوت مرتعش و خافت: أبي لا أستطيع النوم...
حدق فيها لبرهة من الزمن فنهض بسرعة و قام بحملها ثم خرج بها لصحن المنزل بينما هي لا تزال تتمسك به بطريقة رهيبة... أخد يهدهدها و يستكينها في حضنه إلى أن هدأت فرفع يده إلى وجهها و أخد يداعب أنفها الصغير الحاد بعدما طبع قبلة صغيرة على خدها.... قائلا: ملاكي الصغير لا يستطيع النوم؟!!
قالت رؤى من تحت رقبته: إنتابني خوف رهيب أتناء إستيقاظي لقد رأيت كابوسا رهيبا.
- و ماذا علمت صغيرتي أن تقول عندما تنتابها الكوابيس؟!
همس بها والدها بقرب أذنها فعادت تستطرد من جديد: فعلت يا أبي.. إستعذت بالله من الشيطان الرجيم.. أقسم أنني فعلت لكن خوفي لم يتبدد..
فأردف هو بصوت خفيض كصوتها: شاهيناز تنام معك.. لماذا خفت لهذه الدرجة؟!!
رفعت رؤى رأسها إليه و قالت ببراءة بعد أن تشبتت بعنقه بقوة: كانت كالميتين و أنا كنت خائفة...
ثم أكملت بغمغمة دمع: لم أشأ أن أوقدها كي لا تخاف مثلي لذلك لجئت إليك هل أخطأت؟!.
حرك والدها رأسه نفيا و همس بهدوء: أبدا فعلت عين الصواب يا روحي...!..
بينما كان يحملها و يتمتم ببعض الأيات القرآنية وجد نفسه في مواجهة النافدة بعدما إنطفأت مصابيح المنزل فجأة و إختفى إنعكاس صورته على الزجاج لتحل محله سماء مرصعة بالنجوم في الأفق البعيد.. قام بفتح النافدة في هدوء و سمع صوت آذان الفجر يملأ الكون الفسيح فأغمض عينيه و أخد يردد الآذان بصوت خافت و كله طمأنينة ثم قال: يجب علي أن أصلي...
طال صمتها بعد أن إرتخت عضلاتها على صدره الدافئ بعدها قالت بهدوء: أنا أيضا يجب علي ذلك... لنصلي بجانب بعض..!!.
إبتسم لها باشراق بعد أن أجلسها في حضنه تحت ضوء القمر الساطع قائلا: لا تخدلي نفسك و تقطعين صلتك بالله... صل دائما و أبدا..!!
أومأت رؤى برأسها إيماءة صغيرة و بعد بضع دقائق كانت تقف وراء والدها تصلي في هدوء بإسدال الصلاة في سكون ذلك الفجر.. تركع كما يركع و تسجد كما يسجد .. شيئا عظيما لمحته تلك السيدة الرقيقة الصافية الملامح فظلت تنظر إليهما في سكينة تامة في حين دمعت عيناها بفرح إلى أن أنهو الصلاة عندها ضمتهم من الخلف بقوة قائلة:صباح الخير يا أحلى و أجمل عائلة في الكون كله..!!
إستدارت رؤى و حدقت لوالدتها في هدوء و إبتسامة جميلة جعلت عيون إلهام تلمع بالفرح الشديد فأخدت تقبل جبينها بقوة ثم خدها و أنفها وسط إبتسامة والدها الذي أردف بمشاكسة: و أنا...؟! أليس لدي نصيب من هذه القبل؟!..
إرتمت رؤى في حضنه و تشببت به ثم دفنت رأسها في صدره فتطلعت إليه و قبلت خده كثيرا قائلة من بين قبلاتها: أنا أحبك..!!
ضمها إليه بقوة قائلا:
_ أنا ايضا أحبك هيا قفي بسرعة و إذهبي لغرفتك طالعي في كتبك قليلا و لا تنامي.. ممنوع النوم وراء الفجر.!! الماما سوف تصلي و تحضر لنا الفطور... بعدها سوف أوصلك للمدرسة و أذهب للعمل إتفقنا..؟!
أومأت رؤى برأسها و هي تعدو نحو غرفتها كغزال صغير.. راقبتها والدتها و قد أحست آنذاك ببرودة لاذغة تسري في عمودها الفقري و إنحبست أنفاسها فجأة و توترت.. تابع نسيم جمع السجادة و عينيه لا تحيدان عن عيني زوجته قائلا:إلهام.. ماذا هناك؟!..
نظرت إليه إلهام و إستطردت على الفور بصوت عميق:لا شيء.. فقط شعرت بدوار خفيف يا نسيم..!..
وقف أمامها قلقا فلم يخب حدسه بأنها لازالت متألمة من الماضي لحد الساعة فإقترب منها و رفع ذقنها بيده و ملس على خدها ثم قبل جبينها بحب و حضنها بكلتا ذراعيه هامسا:هل أنت خائفة؟!..
رفعت رأسها إليه بألم على وقع جملته وحدقت فيه بإرتباك و حين لم يصله ردها على الفور قال مطمئنا:إلهام...!! لا تقلقي سوف نتحدث مع رؤى في الوقت المناسب و في اللحظة المناسبة.. رؤى فتاة فطنة في البداية سوف تتألم .. لكن مع مرور الوقت سوف تتأقلم و تتفهم...!!.
أمسكت إلهام بياقته و نظرت إليه بملامح مرتعشة بعد أن مرت بذهنها صورة إبنتها فشعرت بإحتراق في روحها ثم همست بصوت خفيض جدا: هل حقا سوف تتأقلم؟...
تطلع نسيم إلى ذقنها ثم تبسم إبتسامة خافتة بعد أن ضمها إليه بحب مستطردا:
أجل.. سوف ترين ذلك مع الوقت..!!..

********
نهضت مع شروق الشمس و هي تتملم على الكنبة ببطء فرفعت رأسها و نظرت إلى إستكانة أمها على السرير.. ظلت تنظر إليها لدقائق قبل أن تتقدم نحوها و تتطلع لجمال ملامحها مع ظهور بعضا من الخصلات البيضاء لونت شعرها البني المنسدل على كتفيها.. إنحنت و طبعت قبلة الصباح على خدها بعدما نظرت إلى الساعة التي كانت تشير إلى السابعة صباحا ثم إرتدت سترتها على عجل بعد أن كتبت بعض كلمات على ورقة صغيرة و وضعتها براحة يد والدتها ثم غادرت..
ظلت ما يقارب ستة عشر دقيقة تنتظر وصول ولو واحدة من سيارات الأجرى إلا أنها لم تصل فركبت رقم والدتها بسرعة و بعد رنة أجابت بصوت حنون: صباح الخير..!!..
لبثت رؤى صامتة للحظات ثم قالت بهدوء شديد و عيناها على الطريق الخالي:صباح النور..!! إتصلت بك كي أخبرك بأنني ذاهبة للشقة كي أغير ملابسي و بعدها أمر بالعيادة.. هلا أتيت إلى المشفى..؟.!!
أجابت ندين على الفور بنبرة ودية مختلطة مع حشرجة خفيفة تستطرد من جديد: لا بأس..!! خدي مجمل راحتك...!
أغمضت رؤى عينيها و بغمغمة دمع تنهدت تنهيدة خافتة قائلة بارتياح: أنا ممتنة لك... ما الموضوع الذي ترغبين بالحديث فيه معي؟!..
أجابت ندين قائلة بصوت خافض جدا:
_نتحدث بعد ساعة..!!..
أغلقت رؤى الخط و حدقت للفراغ حيث لم يكن في الشارع سواها و ذلك الذي أوقف سيارته على الجانب الأيسر منها و ظل ينظر إليها مطولا بعد إستناده على إطار باب السيارة فحملقت فيه بذهول و سرعان ما تمتمت بسخط بمجرد إقترابه منها: ما هذه الورطة بحق الإله؟!... ماذا يفعل هذا هنا؟!..
قطع رائف الشارع دون إكتراث لأبواق السيارات و عيناه لا تحيدان عن عينيها الناعستين إلى أن وثب أمامها قائلا بجمود: أنت هنا؟!.. ما هذه الصدفة الجميلة؟!...
أشاحت رؤى ببصرها دون رد فواصل حديثه و هو لا يزال يتقدم نحوها ببطء إلى أن إستشعر خوف جسدها الغريب فتوقف آنذاك قائلا: لقد مرت أكثر من ربع ساعة و أنت لا تزالين تنتظرين سيارات الأجرى اللعينة و سوف تنتظرين وقتا طويلا إن رفضت أن أوصلك..
رمشت رؤى في الفراغ مرتين متتابعتين ثم قالت بنبرة ساخطة دون أن تنظر إليه: هل تلاحقني من جديد؟!...
-في الحقيقة لا..!!
همس بها رائف ببرود جعلها تسدير في حركة حادة لترميه بنظرة صارمة أوقفت جموده و تقدم خطواته الثقيلة: لا تتقدم خطوة واحدة أتركني و شأني فأنا لا أريد أن أراك مجددا..
إستطاع رائف الإفراج عن إبتسامة حقودة و هو يردف أمامها بسخرية: حقا..؟!.... و هل أخبروك أنني معشوق فيك و في ملاحقتك؟!!
زورته رؤى بنظرة قاتلة قبل أن تكمل و هي تضغط بأسنانها على كل كلمة ينطقها لسانها: إبتعد عن طريقي... أليس لديك شغل سوى مراقبتك لي..؟!! دعني و شأني نحن لا نعرف بعض يا سيد رائف حتى تلاحقني و تفرض نفسك علي...!!..
ثم أشاحت ببصرها بعد ذلك بعيدا عن مرمى نظراته فقال رائف بنبرة جبلية صلدة ناقضت سخريته و تهكمه: أنظري إلي....
لم تشأ رؤى فعل ذلك أبدا... فأمسك بذقنها و رفعه بقوة لتلتقي عينيها الكحيلتين بعينيه المتنمرتين.. كانت نظراتها بركانية و محمرة..!!. تزم فمها بقوة كي تمنع إرتعاش شفتيها..!!.. وجهها شاحب جدا خلافا للمرة السابقة حينما رآها في العيادة... لكنها جميلة حقا رغم ذبول ملامحها في هذا الصباح!!.. و بعد لحظة كانت تبعد كفه بقوة و تهتف: أبعد يدك عني..!!
ترك رائف كفه معلقة في الهواء في إستسلام و هو يستطرد و قد عادت إليه سخريته و تهكمه السابق: ألهذه الدرجة تودين البكاء؟!..
حملقت فيه مشدوهة ثم سرعان ما هتفت بإستكار: أنا لا أبكي... أنت تهذي... تبا..
و بعد ثانية كانت تمسح دموعها بقوة في حين كان هو يقترب منها أكثر فأجفلت من قربه الشديد و إبتعدت خطوة للوراء ثم إستدارت بقوة عن جدعه و أخدت تمسح و تضغط على عينيها قائلة بمرارة: إبتعد من ورائي..!! لا أريد لأحد أن يرانا بهذا الشكل...
تلفت رائف حوله مبتسما حيث لم يكن في المكان سواهما و الشارع.. فتنهد تنهيدة باردة و هو يستمتع بضعفها قائلا بسخرية وحقد دفين: حسنا إن أردت البكاء أو حتى النحيب فإفعلي ذلك في السيارة..!!.. لن أسمح للشارع أن يراك تبكين كالصبيان...!!
ثم أمسك كفها بعد ذلك بقوة جعلها تستدير إليه و تحدق إليه بغضب شديد قائلة و هي تحاول تحرير كفها من قبضته الفولاذية: أترك كفي... لا دخل لك في بكائي...!! قلت دعني..!!
فاجأها حينما ترك كفها و بسرعة البرق كان قد أمسك بذراعها اليسرى و خطى خطواته السريعة متجها نحو سيارته السوداء ماسكا إياها بقوة و بعدما رمى بها على المقعد كان قد كز على أسنانه و همس: لنرى الآن هل ستعاندين من جديد..!!..
لم تستطع رؤى النطق و لو بكلمة فما رأته الآن أخرسها و جعلها تنكمش حول نفسها و تحملق فيه بغرابة.. قاد رائف سيارته بقوة و حول بصره بعد ذلك إلى رؤى بعدما إستشعر هدوئها الغريب و هي بجواره فقال بصوت بارد كالثلج: هل أكل القط لسانك..؟!! لماذا صمت فجأة..!!..
و فور إنتهائه من إستطراده الجاف كان الجنون قد تملكها في تلك اللحظة فصرخت: اللعنة على هكذا يوم...!! اللعنة اللعنة..!!..
إتسعت عيناه بشرارة الحقد و الغضب فأردف قائلا و عيناه ما تزالان تمشطان ملامحها: معك حق... اللعنة على يوم كهذا...!! و اللعنة عليك أيضا..!!
و في تلك اللحظة كان قد حان دورها حتى تكز على أسنانها و تقدفه بنظراتها النارية ثم تهمس: اللعنة عليك أيضا و على التي تجلس أمامك... اللعنة على كلينا...!!
إكتفت بتلك الشتيمة التي جلعت كلاهما يطبق فمه و بعدها أراحت رأسها على الزجاج و الشياطين تتناقز على وجهها و بعد بضع دقائق كان يصل بها إلى باب الإقامة التي تقطن فيها.. رمقته رؤى بطرفة عين ثم أسرعت تغادر سيارته تلعن ألف لعنة اليوم الذي جعلها تلتقي بهكذا بشر فصرخت عندما وجدت نفسها في شقتها وحيدة: تبا لهذا اليوم البائس... متى أتخلص منك؟!! ماذا تريد مني؟!!
- هذا من المستحيلات... أن تتخلصي مني..!!..
شهقت رؤى حينما إستدارت بسرعة البرق و لمحته يتجول في شقتها بحرية تامة... هل لاحقها من جديد؟!..
-لا داعي لصدمتك هذه..!! الباب كان مفتوحا..!!.قالها رائف ببروده المعهود و عيناه تحدقان للصورة بين كفيه فصرخت رؤى و هي تشير إليه: توقف عندك لا تلمس أغراضي..!! من سمح لك بذلك...؟!..
ناظرها رائف بجمود بعدما أعاد الصورة لمكانها على الكمود في حين هي لعنته في سرها و هي تتقدم نحوه فأردف بتوحش: لا ترفعي صوتك مرة أخرى... و إلا....
-غادر...!!
همست بها رؤى تصر على أسنانها جعلته يتقدم نحوها خطوتين و ينطق بعينين دمويتين و صوت صلد زلزل كبريائها: لا أحب أن أعيد كلامي مرتين لقد حذرتك سابقا و سوف أحذرك مجددا هذا لأنك لا تعرفين طبعي..!!.. و الآن أنزلي هذا الأصبع الذي تشرين به نحوي و إلا قسما بالله سوف أقسمه أمام عينيك..!!..
جمعت رؤى يدها و هي تطالعه بغرابة جعلته يجلس على حافة الكنبة و يردف بجمود و هو يراها تخطو للوراء ببطء و عيناها لا تحيدان عنه: عديمة الفهم..!!..
دخلت المطبخ و صبت لنفسها كأس حليب و شربته ثم قضمت تفاحة على النحو السريع و غسلت وجهها جيدا بعد أن طال نظرها في الفراغ..! أحست بغربة شديدة.. لأول مرة تدخل الشقة و لا تجد فيها والدتها الحبيبة..!!.. أما هو فظل ينظر من النافدة بعد أن فتحها وتحدث بصوت خفيض جدا و كلتا يديه في جيب بنطاله و نسيم الصباح يداعب جلد صدره تحت ياقته: من كان ليظن أن سنين السجن مرت بهذه السرعة.. أحد عشر عاما مرت كالدقيقة السريعة...
فعاد ببصره نحو الصورة الموضوعة فوق الكمود بأناقة و حدق إليها مطولا.. كانت صورتها..!! شعرها أسود لامع كلمعان النجوم في السماء تميزه بعض الجديلات الخفيفة..!! و هي تحدق ببراءة من خلف نظاراتها الطبية..!! شفتيها المبتسمتين و ذقنها المرفوع بكيرياء..!! ربطة العنق الزرقاء و الملامح البشوشة الجميلة..!! نظر إلى الصورة مليا فأثار أن يلمسها إلا أنه توقف و رفع معصمه ينظر لساعته كانت قد مرت إحدى عشر دقيقة فتقدم بخيلاء يبحث عنها في الشقة.. لمح باب غرفتها مفتوحا فتوجه ببطئ شديد ثم رآها تصلي..!! تأملها لدقيقة كاملة قبل أن تتوحش ملامحه فجأة و تتغضن و هو يراها تبكي في صلاتها..!! و بعد ذلك عاد إلى حيث كان يقف...
تقدمت رؤى نحوه ببطء قائلة بهدوء محاولة ما أمكن أن تظهر ملامح وجهها طبيعية: هلا غادرت لعملك..؟!.. سوف آخد سيارتي في المرآب..!!
خرجا كلاهما من الشقة.. هو الأول يخطو بخطواته السريعة و هي الثانية تتبعه ببطء لعله يتركها و يغادر إلا أنها وجدته بعد ذلك يمسك بذراعها في لمح البصر و يجرها نحو سيارته و يرمي بها داخلها ثم يصفق الباب بقوة تحت أنظارها الذاهلة.. الوغد فعلها للمرة الثانية...!!..
إنطلق بعد ذلك و كأن شيئا لم يحدث و رؤى تناظره بصدمة و ما هي إلا ثواني حتى شعرت بالمذلة تمزق أحشائها من الداخل.. من هو حتى يعاملها بهذه الوحشية؟!! من يكون؟!..
فشدت على رأسها بعد ذلك و صرخت بجنون:
- توقف.. توقف..!! أريد النزول.... أنزلني هنا؟!! لم تستطع تمالك أعصابها أبدا فأخدت تصرخ من جديد و بقوة أن يوقف السيارة جعلته ينظر إليها و التوحش باد على وجهه و يصرخ بدوره: أصمتي... أصمتي..!!...
تجاوز رائف بضع سيارات بسرعة فائقة جعلها تنظر صوب النافدة و تربط نفسها بحزام الأمان مرتعبة بكل ما يجري معها..!!.. ذكرت اللّٰه في نفسها كثيرا إلى أن وجدت نفسها أمام العيادة في بضع دقائق.. فتحت باب السيارة و قبل أن تخرج أسمعته ما زاد الطين بلة: أنت سافل..!! أنت وحش...!! أنت مريض..!!.. تبا و سحقا لأمثالك أيها الوغد...!! أيها النذل الشيطان... و مرة أخرى لا تفرض علي سلطتك أيها الوقح... و لا تعاملني بهذه الوحشية يا عديم الأصول... و لا ترني وجهك اللعين مرة أخرى أيها المعتوه!!..
ثم صفقت باب سيارته الفحمية بقوة فلم تكد ترى سوى الدخان ورائها... أخد رائف يضرب على المقود بقوة... تارة يهدأ و تارة يشد على شعره يكاد ينتزعه من جدوره كازا على أسنانه بقوة إلى أن إبيضت و برزت عروق يده: أقسم بالله أنني سوف أديقك العذاب الذي لم تدوقيه أبدا سوف أريك ما معنى أن يكون الواحد وحشا و شيطانا أنت و صديقتك السافلة..!!.. سوف تلعنان اليوم الذي رأيتموني فيه و أنت يا رنيم الحقيرة فقط إصبري أعدك بالدبح البطيء على صفعتك لي أمام الملأ...!!..
ثم ركب رقم صديقه و أخد ينتظر رده..
- قصيل... أريدك أن تخرب حياة تلك الحقيرة أفهمت؟!...
همس بها رائف بوحشية توازي سرعة سيارته في حين رد عليه قصيل بصوت ساخر:هل صفعتك من جديد...؟!.. لا تقلها؟!..
صر رائف بأسنانه هامسا: ليكن العقاب أشد قسوة....
تنهد قصيل تنهيدة مرحة و هو يردف بتسلية كبيرة قائلا: سوف ألعب مع رنيم الجميلة.. أرعبها قليلا ثم أبتعد أما غزالك فأمرها لك.. لا تدعها تهرب ثانية...

********


دخل عليها الطبيب مبتسما كعادته فبادرته بنفس الإبتسامة الهادئة في حين ظل يحدق للورقة التي كانت تمسكها حتى و هي تمد ذراعها للمرضة كي تأخد الإبرة الصباحية فأخبرته بعد أن طالت نظرته أنها من إبنتها..!! طأطأ ناذر رأسه متفهما و نظراتها القلقة جعلته يردف بنبرة مطمئنة: كيف حالك الآن؟!! هل تشعرين بالتحسن؟!...
أمالت إلهام رأسها نحوه ثم أجابته بإبتسامة خجولة:بخير..!!.. متى أغادر المشفى دكتور؟!.. أظن أنه ليس هناك ما يقلق أليس كذلك؟!..
حرك الطبيب رأسه نافيا و هو يقول في هدوء: جيد جدا...!! لكنني أود إخبارك بأنه ممنوع عليك مغادرة المشفى حاليا...!!..
إزدردت إلهام ريقها بعد أن شعرت بخفقان قلبها يزداد قوة و نبرة الطبيب الجدية الخالية من أي مزاح أوقفت ضخ الدم في فؤادها فقالت: هل هناك شيء؟!. ما دامت صحتي بخير لما لا يجب علي المغادرة؟!..
في تلك اللحظة جلب الدكتور ناذر كرسيا و جلس أمامها فنظر إليها قائلا بعدما تنهد بخفوت: لا أخفي عنك شيئا.. أخدنا عينات من دمك و قمنا ببعض الفحوصات لقد..
ثم توقف عن إستطراده قليلا و ناظر إتساع مقلتيها مضيفا من جديد: الأمر خطير جدا و أخشى أن يكون قد فات الأوان لعلاجك مرة أخرى فقد أصبح مرضك في مرحلة متطورة جدا...!! آسف لإخبارك...!!..
نظراتها كانت جاحظة حتى أنفاسها لم تعد تشعر بها كأنها إنتقلت لعالم آخر بعيد عن هذا العالم القاسي فأسبلت جفنيها و أغمضتهما بقوة بعدما لم تعد قادرة على كبث دموعها و لا محو آثار الصدمة على وجهها..!!.. شعرت بالأسى الشديد و الألم الرهيب في جسمها فإزداد شحوب وجهها و بدأت تهتز وترتعش فوق السرير فعادت تفتح عيونها و قد إختلط الدم ببؤبؤ مقلتيها قائلة في مرارة: ظننت أنني تعالجت منه نهائيا... اللوكيميا اللعينة..!!..
ثم أشاحت ببصرها بعيدا عن الطبيب الذي كان يحدق إليها بحزن و بعد لحظات كانت تعاود الإلتفات و تنظر إليه بعيون ضبابية لعلها تجد عدم الصدق في حديثه... لكنها لم تجد غير الجدية المرتسمة على ملامحه..!!.. حاولت أن تنطق و تصرخ أنه لا يمكن أن يحدث ذلك معها للمرة الثانية فقد تعالجت منه سابقا... أنه لا يجب أن تنتج كمية كبيرة من الخلايا البيضاء الشاذة داخلها جسمها من جديد..!!..
فتذكرت إبنتها و حبيبة قلبها و فلذة كبدها رؤى.. هل سوف تموت؟!.. هل الأمر؟!.
شعر الطبيب بالألم جراء ما أخبرها به يعلم أنه قسى عليها بجديته لكنها يجب أن تعي حقيقة الأمر و خطورته.. فتنهد بأسى و ربث على يدها محاولا إمتصاص خوفها و طمأنتها لكنها أبت أن تنظر إليه.. فقد تكورت حول نفسها و غطت وجهها و إزدادت شهقاتها و هي تهمس: أجلي قد نفد..!! حان وقت مغادرة هذا العالم..!!..
إهتزت حنجرة الطبيب بقوة.. شاعرا بطعم الصدأ في فمه و الأسى يقتل مضجعه و يحرق روحه فقال: لا يجب أن تتفوهي بهذا الكلام السقيم يا سيدة إلهام...!! أعدك أننا سوف نبدل قصارى جهدنا كي تتعالجي.. فقط قوي عزيمتك و إيمانك بالله..!!..
-رؤى لن تتحمل فقداني..!! إبنتي لن تتحمل..!!
فرنا إلى تعاستها بحزن ثم تمتم و عيناه على جسدها المتكور..: إذن قاومي من أجلها و لا تستسلمي!!...
نظرت إليه إلهام منهارة محاولة ظبط شهقاتها إلا أنها لم تستطع فقد أخدت تبكي بعدما غرزت إصبعا في صدرها قائلة: لذلك أنا أتألم..!! لأنني حتى و إن قاومت هذه المرة فلن أنجح..
حدق ناذر بحزن في الأرض قائلا بعد أن توجه للنافدة المفتوحة ينظر لحدقتيها المرتعشتين من خلف إنعكاس صورتها في الزجاج: أعرف صديقا لي إسمه سام إنه صديق طفولتي و هو من أنجح و أمهر الدكاترة في الخارج..!! هو من سوف يتكفل بك تحدتث معه البارحة بشأن اللوكيميا التي غزت جسمك فوعدني أنه سيفعل كل شيء من أجل إنقاذك..!!
في تلك اللحظة إبتسمت إلهام رغم الكآبة الشاملة تقول: لا داعي لذلك سوف أرضى بقدري لقد نفدت المرة الأولى بأعجوبة أما هذه المرة..
ثم سكتت و نظرت للسقف قائلة بدموع: سوف تكون نهايتي حتما..!!..
لم يفهم ناذر سبب حزنه الشديد عليها هو الذي كان يستقبل ألاف المرضى..!!.. صحيح يتأسف لحالهم لكن أن يتألم بهذا الشكل لأجلهم فلم يحدث ذلك قط و لا شعر بذلك سابقا.. و هذا ما جعله يستغرب حديث هذه المرأة لقد زرعت فيه الرعب..!!.. كلماتها كانت كالحمم البركانية على جسمه..!! أيعقل أنه يعرفها؟! فمنذ أن رآها أول مرة شعر بأنه إلتقاها سابقا.. لكن أين؟!... و لما لا يتذكر؟!... حتى عندما نظر لرؤى ذكرته بشي من الماضي لكن الفراغ الذي إكتسح ذماغه منعه من تذكر أين رآهما.؟! . هناك شي يحول بينه و بين ما يراه الآن!...
سكنت روح إلهام بعد أن إستسلمت لبكائها الصامت و ناذر لا يزال يتأملها و قد أسبلت جفنيها و أراحت رأسها على السرير ففكر من الأحسن أن يتركها هذه اللحظة و هو على دراية بأنها ليست نائمة فأردف بصوت خافت و هو يخطو بخطواته نحو الخارج: أعلم أن هذا صعب وليس هينا عليك أبدا لكنه قدر اللّٰه عز و جل و ليس عليك الاستسلام بهذه السهولة و الرضوخ للامر.. قاومي من أجل عائلتك و لا تصعبيها على نفسك و علينا...

********

لم تهمد رنيم جراء ما روته لها رؤى إثر ما حصل لها مع رائف قبل قليل.. بدأت تشتمه و تسبه بأعلى صوتها..!!.. تصرفه المتسلط الوقح مع صديقة دربها زادها غضبا و جنونا.. فحملقت في رؤى و هي تتسائل عن ماهيته: هل هذا بشر..؟!! هل هذا إنسان؟!.. مستحيل!!..
ثم لم تلبث أن صرخت و عيناها تقدحان شررا:ما به هذا الوقح المتخلف؟!.. كيف يتحكم فيك بمثل هذا الشكل المخيف؟!.. السافل النذل الشاذ..!!..
إرتطمت المزهرية بساقها فسقطت على الأرض و تحولت إلى شضايا بعد أن إستدارت بقوة..!! و لو لم تكن على دراية بأن هناك أطفالا صغارا في العيادة لما توقفت عن الشتم و لا عن الصراخ في حين رؤى كانت تحدق للفراغ بشرود كأنها ليست في ذلك العالم أبدا..!! فإقتربت منها رنيم و مسدت خدها قائلة في هدوء شرس: لماذا يتدخل في حياتك هكذا و كأنه ولي أمرك؟!.. تصرفاته الوقحة تصيبني بالجنون...!!
عادت رؤى برأسها تحدق لرنيم قائلة بصوت حاقد: ظننت أنه نسي ذلك اليوم نهائيا لكن ما يحدث الآن و ما سيحدث في القريب العاجل دليل على أنه من الأوغاد اللذين لا ينسون أبدا.
و بعد لحظة كانت رؤى تطلق ضحكة قوية جعلت رنيم تحملق فيها بذهول قائلة:
- أيتها السافلة...!! لقد صفعنا الرجل أمام الملأ.. ماذا تنتظرين منه بعد كل ما حدث؟!..
حركت رنيم رأسها بإبتسامة جذابة قائلة بشر بعدما لوحت بكفها في الهواء: يا عزيزتي رؤى!!.. نحن لم نفعل شيئا غير أننا إنتقمنا منه إنتقاما بسيطا.... هل كنا لنتركه يفعل بنا ما يحلو له هو و صديقه السافل..؟!...
فلانت ملامحها قليلا و قد شعرت بالخوف على صديقتها فمدت إليها حبة مسكن قائلة في حنان: رؤى.. خدي هذا المسكن و إرتاحي!.. تبدين شاحبة جدا...!!..
ظلت رنيم تمسد على خصلات رؤى الفحمية بهدوء فرفعت هذه الأخيرة رأسها و قالت بإبتسامة شفافة من تحت رموشها الكثيفة: ماذا تفعلين؟!.. كفي عن هذا فأنا لست فتاة صغيرة..!!..
إبتسمت رنيم بعمق ثم نهضت بعدما شعرت برؤى تدخل سابع نومة..!! شعرت بالذنب حيالها فلو كانت قد تحكمت في أعصابها ذلك اليوم لما إلتقته رؤى من جديد و لا فعل ما فعله الآن... مشت بتثاقل فنظرت إلى الشارع شاردة من خلف الستارة تتذكر ما فعلته به
قبل شهر..!!..
----------------------------------------------------------

- كيف حالك....؟!..
هتفت بها رنيم تستقيم بسرعة من كرسيها تعانق رؤى بقوة بعد أن أوقفت هذه الأخيرة سيارتها بجانب مقهى أنيقة لطالما إرتادوها في الماضي قائلة بعد نزعها نظاراتها الشمسية جعلت عيونها السوداء تلمع بشدة: السفر من دونك متعب و ممل...!! إشتقت إليك..!...
ثم لم تلبث أن دارت حول نفسها هاتفة بمرح: ما رأيك في فستاني الأصفر؟!...
رفعت رنيم حاجبها الأيسر قائلة بإمتعاض: الأصفر من ممتلكاتي الشخصية..!! من سمح لك بإرتدائه؟....!!
ثم لوت شفتيها بعد ذلك بإستياء تجر رؤى بقوة إلى داخل المقهى هامسة قرب أذنها: أنت سافلة...!!
ضحكت رؤى بمرح بعدما وجدت نفسها تجلس على الكرسي و تحدق لرنيم التي خلعت سترتها الجينز و وضعتها جانبا ثم هتفت: كيف حال السيدة ندين... و كذلك إلهام و بدر..؟!..
ردت رؤى بإستمتاع طفولي و هي تعدل غرتها وراء أذنها: الكل بخير يا إبنة البحار...!! شكرا لسؤالك...!!
فإبتسمت رنيم بعمق هامسة للنادل الذي وصل إليهما: كأسان قهوة لوسمحت.... إحداهما بلا سكر...!!
بعد دقيقة إستدارت رنيم و تطلعت إلى النادل بفضول جعلها تفتح فمها ببلاهة و تحدق إليه بإبتسامة حالمة و هي تهمس: أنظري لوسامته...!!! عيونه... يا ربي ما هذا الجمال؟!...
نظرت رؤى حيت كانت تنظر رنيم بغرابة فقالت بنبرة ساخرة: لا تتوهمي...!! عيونه ليست كعيون البحارة..!.. أنت حالة ميؤوس منها حقا...!!
- أنظري إلى وسامته و ذقنه الرفيع..!!.. لحيته السوداء..!!.. شفتيه الصغيرتين تثيران غريزتي و ..
قاطعتها رؤى قائلة بصدمة: أيتها المجنونة توقفي عن هذا... دعي الرجل و شأنه... عموما أنت وقحة!!..
وصل النادل بسرعة و إنحنى بوقار لكي يضع الأكواب على الطاولة قائلا بإبتسامة جدابة: كوب قهوة بقطعتين سكر و هذه لك آنستي من دون...!!..
صرخت رنيم بألم بعد أن إستقامت بسرعة البرق تحدق لإحمرار معصمها بعدما إنصبت عليها القهوة الساخنة..
إرتعب النادل مما فعل فراح يعتذر بشدة قائلا:
غفوا... لم إقصد آنستي..!! آسف آسف منك حقا... يبدو أن أحدهم قد دفعني فأنا لم أكن لأوقع الكوب على كفك أبدا...!!...
كزت رنيم على أسنانها قائلة بسخط و هي تمسك بكفها: لقد أحرقتني...!! سحقا....!!!
فتنهدت رؤى تنهيدة خافتة بعدما نهضت و أمسكت بمحرمة تدلك بها معصم رنيم قائلة في هدوء ساخر: من الغزل إلى الشتائم...!! رائع..! إعذري الرجل فهو لم يقصد...
- غريب...!!.. منذ قليل و أنت تتغزلين بشفتيه فما الذي حدث حثى تبدلت نظرتك بسرعة الضوء؟!...
وقعت هذه الكلمات كالصاعقة على أذنيها فحدقت للنادل الذي شعر بالإحراج الشديد و هو يشيح بعينيه عنها ثم تقدمت خطوة و قامت بإبعاد النادل ببطئ من أمامها و وقفت صوت الرجل الذي أخد مجلسه على حافة الطاولة ينظر إليها بترفع و سخرية كبيرة...
ثم صرت على أسنانها قائلة بشراسة: أنت من دفعه صحيح...؟!!
هز الرجل كتفية في لامبالاة بعدما إرتشف من كوب قهوته القليل و قال بنفس نبرته الساخرة: إرتطمت بظهره فسكب القهوة عنك.. ما ذنبي أنا؟!...
- أيها الحقير أنت....!!..
همست بها رنيم بعدما وجدت نفسها تتقدم منه فجدبتها يد قوية خرجت من العدم و أرجعتها للوراء حتى إلتوى كاحلها و كادت تسقط لولا ذراعي رؤى التي أمسكانها فصرخت هذه الأخيرة بجنون: ما الذي تفعلانه؟!.. أأنتما مجنونان أم ماذا؟!.. كدت تحرق معصمها بالكامل أنت الذي تبسم كالقرود و صديقك هذا ما شاء اللّٰه لم يقصر بدفعها... ما هذا التوحش؟!..
أجابها صاحب الياقة السوداء و ربطة العنق الزرقاء قائلا بشراسة أرعبتها: إخفضي صوتك و إلا قطعت لسانك...
نظرت رؤى لعيونه الخضراء المليئة بالتوحش و شعرت بالغرابة إثر تحديقاته المتقدة تلك فأشاحت برأسها لرنيم التي تأوهت بألم و بعد ثانية كانت هذه الأخيرة قد إبتعدت عن رؤى خطوتين ثم خبطت بقوة على الطاولة صارخة: كلاكما أوغاد...!! أيها السفلة المجرمون!....
نهض صاحب السترة الجليدية من على حافة الطاولة و تقدم ببطء نحو رنيم و بعد أن وثب أمامها قال بإبتسامة شيطانة: إجمعي وقاحتك و غادري إن أردت أن تبقي عظامك كما هي..!!
تطلعت إليه بشراسة تشير إلى صدره بسبابتها هامسة أمام ملامحه الجامدة و هي تصر على أسنانها بقوة: إبتعد من أمامي أيها النذل الشاذ.و إلا قسما بالله سوف لن يطيب خاطري إلا بعد إقتلاع عيونك..!!...
إشتعلت عيناه بالغضب الشديد و رؤيته لتلك الشرارة التي تخرج من عينيها جعلته يفرج عن إبتسامة شريرة و هو يمسك بإصبعها بقوة آلمتها..!! و عيناه الناريتين لا تحيدان عن ملامحها قائلا: ألا تعرفين مع من تتحدثين؟!! ألم تتعلمي الأدب في صغرك مع الكبار؟!.. أيتها العاهرة الصغيرة!!..
حاولت رنيم سحب إصبعها من قبضته إلا أنه إنتقل لمعصمها المحروق و ضغط عليه بشدة بأظافره .. إلى أن صرخت رؤى بقوة: ما الذي تفعله؟... أتركها حالا... أنت تؤلمها...!!...
و على إثر جملتها تلك كان صاحب ربطة العنق الزرقاء قد تقدم نحوهم و وقف بين قصيل و رنيم ثم بعد ذلك نثر معصمها من قبضته جعلت الألم يزيد بشدة... في تلك اللحظة لم تشعر رؤى إلا و هي قد ضربت صدره بذراعيها تبعده من أمام رنيم قائلة بسخط: إبتعدوا يا متوحشين..!... أقسم إن إقتربتم منها ثانية فسأطلب الشرطة حالا....!!
و بعد لحظة قصيرة جدا كانت الصدمة كبيرة..
فقد رفعت رنيم كفها الحرة غير آبهة بالألم الذي غزا معصمها بقوة.. ثم و أمام أزواج الأعين المحيطة قامت بصفعه أمام الملأ هامسة بجنون: يبدو أنك لا تعرف من أكون.... أنا قادرة على إقتلاع بصرك و دس المسامير في خدك عوض هذه الصفعة الخفيفة أيها الوغد... النذل... الشاذ...
---------------------------------------------------------


لكن ليست رنيم التي تستسلم و تخضع لأي أمر كيف ما كان..! خرجت من المكتب و توجهت لغرفة الإستقبال حيت كان الجو خاليا من أي حركة ثم طقطقت رقمه بأصابعها و أخدت تستمع لرنين الهاتف..!!.. فاجئها صوته الأجش و هو يستطرد بشر: هل إشتكت لك صديقة عمرك؟!!...
- رائف الوغد...! إبن لبيذ المدلل..!! دعني أسألك سؤالا أيها الوقح الشاذ... ما الذي فعلته رؤى لك حتى تحشر أنفك في أمورها؟!.. ألم تكفيك صفعتي لك في المقهى جراء تصرفك الحقير؟!
همست بها بكره و نبرة حقد طاغية و هي تمسك بالهاتف بقوة شديدة... ثم أكملت بعد ذلك بصراخ: هل أنت مصا بلعنة أم ماذا؟!! إبتعد عن رؤى... إبتعد عنها..!!..
تنهد رائف بأريحية فوق سريره ينظر إلى سجارته المشتعلة بين أصابعه قائلا بشراسة وقحة و عيناه لا تحيدان عن الدخان الأسود المتصاعد أمامه: و لا تزالين تشتمين...!! إبنة البحار السافلة..!!..
أغمضت رنيم عينيها لحظة تردف بشراسة توازي شراسته هامسة: لحد الآن لا أعرف لماذا تعامل رؤى بتلك السفالة لكنني أعدك أنني سوف أعرف في القريب العاجل... فلو كنت تريد الإنتقام حقا لإنتقمت مني أنا الأولى...
- معك حق...!! أخبرك أن لكل شيء آوانهذ..!!..
أبعدت رنيم كفها عن الهاتف و صفقت زجاج النافدة بسخط فأصدر صوتا قويا مزعجا و هي تهتف و الشياطين قد ترائت لها في تلك اللحظة: اللعنة عليك و على من أنجبك..!! سوف أبلغ الشرطة إن قمت بإيذائها من جديد..!!..أقسم لك أنني سأفعل ذلك...!!..
أغمض رائف عينيه بقوة و دخان سجائره الكثيرة قد لعب بعقله فنهض بتثاقل شديد و توجه نحو المرآة و بسرعة البرق كان يخبط بكفه زجاجها فإنكسرت و تحولت إلى شضايا...نظر إلى خيوط الدم التي لفت معصه و تحولت لقطرات صغيرة على الزجاج المكسور قائلا بهدوء و عينين دمويتين: رنيم... إبنة البحار التي لا تهاب شيئا...!! دعيني أخبرك بأنني أجهز لك مفاجأة صغيرة..! أما التي أنجبتني فهي خط أحمر يا عاهرة الشوارع...!!
ثم سكت قليلا و عيناه لا تزال تحدق لنزيف يده الذي لم يتوقف بنفس الهدوء الضائخ... فإستطرد قائلا من جديد بصوت منخفض مليئ بالحقد و القسوة: أنظري لمعصمك جيدا هل زال أثر الحرق نهائيا...؟! لقد شفي على ما أظن..!!
همست رنيم على الفور بهدوء ساخر لم تعرف من أين سقط عليها قائلة: أنت لا تعرف رؤى جيدا..!! قد تبدو لك هشة و ضعيفة في البداية لكنها صدقني فتاة محاربة..!! صلبة و قوية من الداخل..!!
و بعد لحظة كان يفصل الخط بكل برود جعل رنيم تنزل كفها و تحدق لشاشة الهاتف هامسة: لم أكن لأتوقع أن تصير الأمور على هذا النحو أبدا!.... لقد قللت من شأنكما يا أبناء عبد الناصر!!... و أنت يا قصيل اللعين..!! إنتظر فقط..
و بعد ثانية كان الجنون قد عاد إليها مجددا فرمت الهاتف على الأرض و هي لا تقوى على السيطرة على أعصابها المحترقة..!! فتحت النافدة و أخدت تعد إلى العشرة لعلها تهدأ ثم تنفست بقوة و ظلت تلعنه من داخلها آلاف اللعنات..!! و بعد لحظات كانت تعود إلى المكتب و تطمئن على رؤى...جلست أمامها في سكون فترائت لها خيوط الدمع على خديها و هي تستند برأسها على الكرسي الجليدي فربثت على وجنتيا في حنان جعلت رؤى تفتح عينيها بجهد و تناظرها بغبن قائلة:كم الساعة الآن؟!.. يجب علي العودة إلى المشفى..لقد أغمي على والدتي البارحة و قمنا بنقلها إلى هناك
أومأت رنيم برأسها في توتر قائلة: حسنا... سأوصلك بنفسي..!!.. إرتدي سترتك و دعينا نغادر..!!.. إسبقيني أنت سوف أجلب محفظتي من عند سعاد...!!..
نهضت رؤى بتثاقل تكاد تسقط من شدة الدوار و الألم الشديد الذي عصف برأسها فجأة و لم يهمد منذ ساعة قائلة:حسنا سوف أنتظرك بالسيارة... هاتي المفاتيح...!!
أسندت رأسها على زجاج النافدة المعتم في إستكانة تنتظر رنيم و ماهي إلا بضع دقائق حتى كانت هذه الأخيرة تجلس بقربها و تحرك السيارة هامسة: ماذا حدث لإلهام؟!! هل الأمر خطير جدا...؟!!
حركت رؤى رأسها نافية و هي تستطرد بعدما أرجعت رأسها تنظر لرنيم في هدوء: لا أظن ذلك... يبدو أنه دوار بسيط فقط... أخبريني الآن.. ماذا كنت تفعلين مع رائف البارحة قرب الحديقة العامة؟!! أليس غريبا تواجدكما مع بعض؟!...
قالت رنيم على الفور بغرابة: و كأنك لا تعرفينه... إبن عبد الناصر اللعين يخرج من العدم..!!...
ثم إلتفت إليها و ناظرت عمق مقلتيها و تنهدت بحرارة و هي تهمس: إنه يلاحقنا في هذه الفترة و لن يهنأ باله حتى يحطمنا كلانا.. هناك شيئ في ذماغه مع المدة يتحرك فيجعله كالشياطين و الشاذين الوقحين...!! البارحة لاحقتني سيارة حمراء لكنني إستطعت المناورة فأضاعتني ببساطة...!! السافل ينوي بنا شرا.!!
برقت عينا رؤى قائلة برعب: أي سيارة تقصدين؟!... رنيم دعينا نخبر الشرطة و ننهي الأمر كليا...!!
أوقفت رنيم السيارة على جنب.. أمام المشفى و حولت بصرها لرؤى قائلة بحزم و قسوة شديدة: و هل تظنين بأن الأمر سيحل عندما نذهب للشرطة ونحكي لهم حياتنا كما الببغاء يا رؤى؟!! إسمعيني جيدا..!!. لا تعودي إلى الشقة وحيدة..!!. أحبذ أن تبيتِي هذه الليلة مع الخالة ندين ريتما تعود المياه لمجاريها...!!
ثم أكملت إستطرادها بعدما أخدت نفسا عميقا قائلة ببرود: و اللّٰه العظيم يا رؤى لا تعرفين نسب عبد الناصر و لن تعرفيه أكثر مني مهما حاولت...!! إنهم متوحشون و قساة قلوب لم و لن تشهدي مثلهم في حياتك أبدا...!!
- من أين لك أن تعرفيهم كل هذه المعرفة..؟!.. فاجئتها رؤى بسؤالها الخافت فردت عليها بفتور و نبرة جامدة و هي تقول: من والدتي فقط... كما أنني أعرف الكثير عن أي شخص في تلك العائلة...
ثم أكملت بصوت حنون بعد ثواني: بلغي سلامي لإلهام...!! و كذلك ندين و بدر... إهتمي بهم جيدا عزيزتي...!! و الأهم الأهم من كل هذا إهتمي بنفسك جيدا يا إبنة نسيم القوية..!!
إهتزت حدقتي رؤى إهتزازا طفيفا جعلت رنيم تتنهد بعمق و تردف مرة أخرى لكن هذه المرة بصوت حزين جدا و رؤى تشيح ببصرها عنها في صمت مطبق و هي تقول: لا بأس... أنت إبنة نسيم الحي القوي و أنا إبنة البحار الميت الضعيف..!! لنتذكر هذا دائما...!!
تركتها هناك تلوح لها بيدها إلى أن إختفت... توجست رؤى من كلامها فلطالما كانت رنيم على دراية من يكون رائف؟! فلماذا قامت بصفعه أمام الملأ؟!.. لماذا فعلت ذلك؟!...
أوقفت رنيم سيارتها أمام المقهى التي ترتادها دوما فجلست في سكون تفكر حيث لا مجال للتراجع الآن..!! رائف لن يهمد حثى يرد لها الصاع صاعين..!! سوف ينتقم حثى و لو مرت العديد من الأيام و الشهور..!! إبن لبيذ الكلب لا ينسى أبدا..!!.. ثم تبسمت بشرود: تبا لك يا وقح..!! تبا لك أنت و ذلك ال.. قصيل اللعين..!!.
حولت بصرها نحو حوافة الفنجان تنظر لصورتها المنعكسة بشيء من الحزن الدفين.. لطالما عاشت وحيدة و ستعيش وحيدة مدى العمر...!! إرتشفت آخر رشفة من قهوتها الباردة و غادرت...!!.. ركبت سيارتها السوداء في ثواني ثم لمحت سيارة الشؤم الحمراء تلاحقها من جديد..!! إبتسمت بقسوة و راحت تشتمهم و تلعنهم في سرها..!! إجتازت عدة بنايات إلى أن وصلت الإقامة التي تقطن فيها.. دخلت المرآب و ترجلت بسرعة البرق ثم إختبأت وراء إحدى السيارات... و بعد ذلك بدقيقة أو أقل خرجا رجلين مسلحين بعد أن أوقفا سيارتهما بجانب سيارة رنيم..!! إقتربا من السيارة بحذر شديد و تجاوزوها بعد أن فتشوها بتيقظ...!! أخدت رنيم تتنفس بقوة بعد أن تسارعت نبضات قلبها بعنف و هي تقبض على العصا الكبيرة بكلتا يديها..!! لمحت إحدى الرجلين يتجه نحوها مباشرة فهدأت من روعها و أخدت تعد إلى العشرة و بمجرد أن خطى خطوته لكي يستدير رفعت يديها و نزلت على رأسه بقوة فتناثرت دماء رقبته على الأرض... تركته يئن و ركضت بكل قوتها في المكان المعتم ثم إستدارت بسرعة لتستقل المصعد فأمسكها الآخر من شعرها و قام بصفعها حتى إرتطمت بالجدار و سقطت تعانق أديم الأرض.. خلع الرجل سترته و أمسك رقبتها و هم بخنقها..!! حاولت التملص منه لكن كل محاولتها بائت بالفشل فحولت بصرها نحو زجاجة شراب مرمية على الأرض تحاول الوصول إليها بقوة هامسة بإختناق و عيون ضبابية: أتر... أتركني..!! أترك رق.. رقبتي..!!
ثم مدت يدها بوهن مرة أخرى و أمسكت بالزجاجة بقوة و ضربت رأسه.. سقط على الأرض مغشيا عليه في حين هي كانت تحاول إدخال الهواء لرئتيها مهما كفلها الأمر..!! فزحفت على ركبتيها و إبتعدت عنه ثم أخدت تسعل بجهد.. دخلت المصعد فتهاوت على الأرض.. إنتظرت دقيقة لتصل إلى شقتها ثم دخلت و أقفلت الباب بالمفتاح و أنزلت الستائر بسرعة..!!.. غسلت وجهها و وضعت المرهم تدلك به عنقها و قد وجدت نفسها تئن من شدة الألم.. هامسة: الأوغاد... أقسم أنكم ستندمون على كل هذا..
ثم خرجت بخطى واهنة بعد أن أحست بقواها قد عادت إليها من جديد بينما ألم عنقها لا يزال ينبض مع نبضات رقبتها... و بعد ثواني كانت تتأكد بأنها ليست الوحيدة في الشقة بل هناك آخر... و هو إبن عبد الناصر أيضا..!! قصيل الوغد..!!
نظرت إليه و الشرر يتطاير من عينيها ثم حولت بصرها للباب فوجدته مقفلا من الداخل و هذا يعني شيئا واحدا... أنه سبقها بالدخول..
جالس بحدائه الرياضي على الكنبة يبتسم في وجهها بكل أريحية.. لم يرف لها جفن و لا أنها تحركت من مكانها و سؤالا وحيدا كان يدور في عقلها... متى و كيف دخل؟!.. فهتفت: ماذا تفعل في شقتي؟!.. غادر أيها الوغد حالا...!!
نظر قصيل صوبها لبضع لحظات ثم أردف بهدوء ساخر: أنت غير لبقة..!! هل هكذا علموك أن تلقي التحية..؟!!
هزت رنيم رأسها بقوة ثم هدرت فيه بعصبية تقاوم ألم عنقها: هل أرسلك سفاح العظام ثانية؟!! هل أرادك أن تخدم لديه كالأبله؟!! غادر و إلا طلبت الشرطة الآن...
رفع قصيل حاجبه بإستفزاز قائلا: أنت قوية جدا..!! لم أتوقع أن تتفوقي عليهم بهذه السرعة...
تقدمت نحوه بغضب ثم توقفت تتأمله بحقد و إبتسامته الساخرة و جلوسة ذاك كالأمراء جعلها تصر على أسنانها و تردف كالمتوحشين: لماذا جئت إلى هنا؟!! هل جئت تضرب النساء مرة ثانية؟!! أم أنك جئت تصفي دينك لإبن لبيذ... لأن تلك الصفعة كانت ستكون لك لولا تدخله أليس كذلك؟!!...
إتسعت إبسامته بجنون و رؤيتها له في تلك الحالة المتوحشة تغدي قلبه الحاقد و تنعش ذرات الشر داخله فقال و إصبعه على حوافة كأس العصير أمامه: كنت أعلم أن جميع الدكاترة أوغاد لكنك أنت.. أنت بالذات وقحة لدرجة كبيرة و هذا لم يعجبني أبدا...!!
ثم أبعد كأس العصير عنه فجأة و خلع سترته الجليدية بعدما نهض... راقبته رنيم بقوة و هي تخطو بضع خطوات نحو الوراء في حين عيناه الذئبية لم تحيدا عن عينيها و هو يتقدم منها خطوة خطوة... إرتجت كل أوصالها لتلك النظرة الشرسة و حاولت الإبتعاد عنه أكثر لولا تخدر جسمها المفاجئ و تباطئ نبضات قلبها هامسة: إن إقتربت مني أكثر سوف أبلغ الشرطة...!! إلمسني و سترى ماذا سأفعل بك..

********



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 02-08-18 الساعة 09:50 AM
يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 02:22 AM   #3

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي تكملة..

شعور الألم الرهيب ذاك الذي شعرته في تلك اللحظة لا يقدر بأي شعور شعرته سابقا..!! ألم رأسها و حرارة جسمها الغريبة جعلتها تغمض عينيها و تدعو ربها في سرها أن ينتقم من الأوغاد..!! سواد المكان أمامها فجأة و وهن روحها في تلك الثواني جعلوها تنسى كل شيء.. تنسى حياتها ككل..!! دمعت عيناها بقوة... و صورة رؤى التي وقفت أمام مخيلتها أوقفت قلبها عن النبض أكثر مما كان قد توقف..!! هل هي النهاية؟!.. هل هو الموت حقا؟!!.. وجدت نفسها تهمس بأنفاس متقطعة واهنة و عينيها تكاد تخرج من محجرهما: أنا... أخت.. أختنق..!! أتركني..!!
ضحك قصيل بخفوت و همسها المختنق في تلك الحظة جعله يشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة..!! كانت بين يديه تكاد تلفظ آخر أنفاسها..!!.. تستغيته بكل قوتها أن يتركها و شأنها لكنه كان يعرف نفسه أكثر..فقد كان كمجرم هارب من العدالة و هو يزيد من ضغط يديه الخشنتين على رقبتها...
فبدأت تتلاشى قوتها و تنذثر و هي تهوي على الأرض بهدوء و إختناق باك..!! في حين كان هو آبيا أن يحررها من قبضته المسعورة... و لما قاربت على لفظ آخر ما تبقى لها من نفس و إبيضت عينيها فجأة رفعها كريشة خفيفة و رمى بها فوق المنضدة بقوة...
أخدت رنيم تسعل و هي تتمسك بالستارة في ضعف أما هو فلقد إستمتع كثيرا و هو يراها تترنح كي تصل لقينينة الماء بلهاث شديد فإقترب قبلها و ركلها تجاه باب الشقة ثم جرها من شعرها و رمى بها فوق الكنبة بعد أن صفعها بيده فتأوهت بألم شديد... رؤيته لها مرمية على السجادة كطفلة لم تشفع له أن يتوقف فقد إقترب منها و همس بشراسة أمام عينيها الدامعيتين: ماذا الآن؟!.. ماذا و أنت تموتين بين يداي؟!.. هل هناك رؤى؟!.. لما لا تأتي و تساعدك إذن؟!.. و أعدك بأنني سوف لن أقصر في الترحيب بها هي أيضا...!!..
لمعت عيناها بحقد فنهضت و إنقضت على وجهه تغرس فيه أظافرها بصراخ: أيها القذر.. تبا لك يا سافل.. كيف تجرؤ؟!..
لكنه كان أسرع منها فلقد أمسك كلتا يديها و لفهم حول خصرها جعلها تصرخ بألم: توقف أيها المريض!!.. يا من تنحدر من سلالة الشياطين؟!!..
زاد قصيل من ضغطه على معصميها بإبتسامة قذرة يكز على أسنانه بقوة قبل أن ينزل عليها بصفعة جديدة جعلتها ترتطم بالكومود و تسيل بعض الدماء قرب جبهتها..شعرت رنيم بألم شديد في جسمها جراء صفعاته لها .. قاومته بضعف و هي تقول..: أعدك أن تندم على كل هذا..!! أقسم لك...!!
فشد بقبضته خلف شعرها و رفعها بقوة صارخا بإبتسامة شر: أحقا؟!.... و من حضرتك هيا شرفينا بإسمك يا دكتورة..!! إتصلي بعائلتك المحترمة و أخبريهم بأنني أقتلك هنا....
حاولت إبعاد يديه بقوة و أنين خافت خرج من حلقها إلا أنه أخد ينتف في شعرها بكلتا يديه و عيونه تتوهج شيئا فشيئا بشر لم تعهده رنيم من قبل أبدا و هو ما يزال يصر على أسنانه و يهمس: رائف يكون أقرب شخص إلي..!! أفهمت؟!! و أنت ماذا فعلت حضرتك؟!.. صفعته... صفعته يا سافلة و أمام الملأ حيث لم يتجرأ أحد على فعلها من قبل...!
ثم سكت بعد أن ألصقها على الحائط و يديه لا تزالان تمسكان شعرها بقوة مستطردا من جديد: دعيني أصدقك القول... لقد فاجأتني حقا.. أجل ذهلت عندما رفعت كفك و صفعته و الشيء الذي زاد صدمتي هو عدم إنتقام رائف منك إلا بعد مرور الكثير من الوقت...!!
بصقت رنيم في وجهه و إلتوت شفتيها في إبتسامة مستفزة زادته غضبا و هي تقول: هل أنهيت حوارك السخيف؟!... فلتذهبا إلى الجحيم أيها الشاذين..!! تبا لنسلكم العفن!...
كز قصيل على أسنانه بعد أن عصر معصمها بيده بقوة حتى إبيضت مفاصله يستطرد بعيون دموية و غضب سحيق: ولزلت تشتمين يا سافلة..!! حسنا لنرى قوتك الآن يا فهمانة..!!
و بعد ذلك جرها بعنف شديد حثى إرتطمت ساقها بالطاولة فسقطت تئن من جديد.. أمسك شعرها الكثيف و عاود جرها فإستقامت بألم بعد كسره كأس العصير أمام ناظريها الذاهليتين.. فغرت رنيم فاها و قد أحست بأنها النهاية حقا ثم أخدت تبحلق في عينيه الذئبيتن المحمرتين حتى تدرك ما سيفعله..!!
ثم همست بصوت واه جدا و سيل الدم من جبينها جعلها تغلق عينيها اليسرى و تقول: ماذا ستفعل؟!...
و بعد لحظة كانت تصرخ بجنون و هي تحاول تحرير نفسها من قبضته متأوهة من كل حركة و عيناها لا تحيدان عن قبضته التي كانت تمسك بالكأس المكسور هاتفة و الرعب قد دب في أوصالها: لا تلمسني...!! لا.......!!.......
جدبها قصيل إليه بقوة شديدة بعد أن نظر في عينيها كوحش و أمسك يدها اليمنى و من دون أن يرف له جفن و لا يشفع لها شفاعة كان يغرز الكأس المكسور في معصمها بقوة جعلت الدماء تتناثر على قميصه الرياضي الأبيض ثم تسيل بعد ذلك بغزارة..
فصرخت بجنون تحاول تخليص معصمها من يده: لا......... إبتعد......... لا تفعل ذلك.......
أخد قصيل يضغط على الكأس بقوة و يحركه يمينا و شمالا حتى إنغرس بشدة في معصم يدها و بعد ذلك بثواني كانت شفتاه تتحرك في إستمتاع هامسا: أنظري لمعصمك الآن..!! هل يؤلمك؟!! هيا أصرخي يا قذرة الشوارع و إبكي..!! لماذا صمت ها؟!....
نظرت إليه رنيم بعينين ضبابيتن بعد أن تقطعت صرخاتها و جف حلقها فلم تعد تقوى على النحيب و لا الصراخ ثم باتت تختفي شهقاتها شيئا فشيئا حتى شعرت بنفسها وسط دوامة تجرفها نحو الظلام ثم... أغمي عليها!!.. ناظرها قصيل بتقزز و لهاث شديد فدفعها عنه بوحشية بعد أن نزع سترته الدامية و جثى على ركبتيه مقتربا منها و عينيه لا تحيدان عن عينيها النصف المفتوحتين هامسا بإبتسامة إنتصار: إفرحي و زغردي..!! فقد كانت الأوامر تعذيبك فقط و ليس موتك يا دكتورة رنيم..!! كنت فكرت في سلامة يدك قبل صفع رائف يا حلوة...!!..

و قبل أن يخرج من شقتها نظر إليها آخر نظرة ثم قام بركلها في بطنها بقوة وحشية في حين كان شعرها الشمسي قد غطى كامل وجهها فلم يستطع تبين ملامح وجهها آنذاك....

********


_-لما لا أستطيع التحدث إليها؟!.. أريد أن أتحدث مع أمي.. هيا أخبريهم بذلك..!!..
صرخت بها رؤى بكل قوتها في كافيتريا المشفى جعلت ندين تهمس بخفوت قائلة: ما الذي تفعلينه بالله عليك؟!.. توقفي عن الصراخ
أمسكت رؤى رأسها بكلتا يديها و نطقت وسط شلال دموعها: تمزحين صحيح..؟!.. أجل أعرف ذلك... ليكن في علمك أنني لا أقبل المزاح من أحد حتى منك..لذلك أنا لا أسمح لك..أفهمت؟!
تمسكت ندين بيدي إبنتها و بكت بدورها مستطردة بألم: رؤى.. هذه هي الحقيقة سوف نرسلها للخارج من أجل العلاج مرة جديدة..!!..
هدرت فيها رؤى بعد أن إستقامت و هي تشير بسبابتها نحوها: توقفي...!! أمي ليست مريضة و لم يعد إليها ذلك المرض.. إنه مجرد إغماء و حسب!! كفاكم كذبا....!!..
همست ندين بشحوب: ماذا... ماذا تقولين؟!..
-أجل تكذبين...كفى أنا أرجوك!!.. ذقت ذرعا بكل ما يجري حولي من مأسات..!!.
قالتها رؤى بدموع و صوت واهن جعلت ندين تقول في هدوء مؤلم: لكنها مشيئة اللّٰه يا إبنتي..!!
إتسعت عينا رؤى بقوة ثم لم تلبث أن صرت على أسنانها بقوة: أهذا هو الموضوع؟!.. إذن تبا لموضوعك..!! حتى و إن سافرت إلهام لآخر الدنيا فأنا لن أخطو خطوة تجاه شقتك أبدا أبدا... لن أسكن معك تحت سقف واحد أفهمت؟!.
بحلقت فيها ندين غير مصدقة حالة إبنتها تلك فهمست و قد أحست بغصة كبيرة تقف في حلقها قائلة: هل سوف تلومينني تانية؟!.هل سوف تفعلين ذلك من جديد..؟!! برافو.. برافو يا إبنتي العزيزة!!..
إقتربت منها رؤى و خبطت على الطاولة بقوة شديدة ثم تكلمت كقطة جريحة و الألم يزيد و يزيد: أنا لن أبتعد عن إلهام أبدا... تلك أمي حتى و لو لم تنجبني فتلك هي رحمتي و هنائي و هدوء روحي..!!
- رؤى... توقفي..!!
كتمت ندين شهقاتها و إستدارت إليه بعد أن مسحت دمعتين حارقتين على وجنتيها قائلة:
دكتور نادر... جئت في وقتك المناسب... يبدو أنها لم تصدفني أتمنى أن تشرح لها أنت.. فقد كان من الخطأ أن أتحدث معها في هكذا أمر..!!
ثم رمقتها والدتها بنظرات حزينة و خانتها بعض الدمعات من جديد فإنسابت على خديها ثم غادرت...أشاحت رؤى بوجهها لا تكاد تصدق كيف طاوعها قلبها أن تتحدث معها بتلك الطريقة فنظرت إلى الدكتور تستنجده بالتفسير...
رأف ناذر لحالها فتقدم ببطء و أمسكها من ذراعها اليسرى و دلف بها إلى مكتبه الخاص و أعطاها كوب ماء فشربته مرتعشة.. حدقت إليه رؤى بعينين ضبابيتن هامسة بإختناق: أرجوك أخبرني أن أمي بخير..!! أرجوك أخبرني أن المرض لم يعد لجسمها...!!
قاطعها الطبيب بحزم: رؤى ذلك ليس أسلوبا تحدثين به أحبتك ماذا دهاك؟!...
فنظرت إليه في أسف و هي تقول على الفور بدموع: لم أقصد يا دكتور نادر.. سوف أعتذر منها لاحقا.. لكن ماذا بشأن ..
تنهد تنهيدة خافتة قائلا ببطء: مرض أمك..!! كل ما أخبرتك به السيدة ندين فهو صحيح... سوف نبعث والدتك للخارج كي تتعافى يا رؤى..
-لكنها شفيت منه كليا في السابق...
همست بها رؤى بألم جعل الدكتور يردف من جديد: لكنه عاد يا رؤى.. هل بوسعنا الوقوف فيما كتبه اللّٰه لنا؟!.. كان مقدر عليها أن تمرض سابقا و تتعالج منه ثم تمرض مجددا بنفس المرض... إنها مشيئة اللّٰه!!..
باغتته بسؤالها المفاجئ: متى وقت السفر يا دكتور؟!..
رد عليها في هدوء: غدا صباحا.. كلما عجلنا في نقلها إلى هناك كلما ضيقنا مساحة عدم علاجها بحلقت فيه غير مصدقة قائلة بعينين سوداويين ذاهلتين: غدا... أمي ستنجو أليس كذلك؟!..
مد الدكتور يديه فأمسك بأناملها المرتجفتين و همس محاولا ما أمكن ربط الأمل بحبل وريدها المنقطع: يا رؤى!.. إدعي لها فقط... و نحن سنعدك بأننا سنفعل ما بوسعنا و الكمال على اللّٰه..!!
سكتت تنظر إليه بإرتجاف فأشاحت بوجهها عنه تبحلق في الفراغ.. فجأة شهقت شهقة أفزعته جعلته يضغط على يديها بخفة و يقول: رؤى.. مابك؟!.
فسحبت يديها ببطء و تطلعت إليه كطفلة أضاعت والديها قائلة بهدوء و دموع: هل يمكنني أن أراها؟!! أرجوك تفهمني... إنها تحتاجني الآن و بشدة.. أمي!.. لقد....
ثم توقفت بعد أن طال صمته فترجته رؤى بقوة و بصوت كسير.. كسير جدا تردف من جديد: لم أعتد أن يكون بجانبي أحد سواها.. أنا أرجوك!.. أريد رؤيتها الآن....!!!
طأطأ الدكتور رأسه متفهما و هو يقول: حسنا يا رؤى...!!


دخلت رؤى إلى غرفتها بهدوء..!! أحست ببرودة لاذغة في عمودها الفقري و رؤيتها لوالدتها جعلت عروقها تجف من الدم فجأة... وجدتها ساكنة جدا على سريرها بخصلاتها البيضاء الرقيقة.. إقتربت منها قليلا و جلست على حافة السرير تتأمل قسمات وجهها الرائعة..!! لم تقوى على لمسها كي لا توقظها و تجدها على ذلك الضعف فقبلت جبيبها بهدوء ثم خديها رافعة يديها إلى شفتيها تقبلهم بسخاء و هي تقاوم دموعها بقوة... نزلت عند حضنها و أسندت رأسها عليه ثم بكت... بكت بنحيب صامت و شعور الفقدان من جديد يكاد يقتلها.. فهمست بخفوت باك و عيناها قد إنتفختا و تورمتا جدا: لا أريد أن أصدق يا أمي... لا أريد ذلك يا نعمة الدار.... ما أقسى هذه الحياة..!! كيف أعيش أياما من دونك يا نسمة الهواء!! كيف.. كيف و هم يريدون إبعادك عني و أنا...

إختنقت كلماتها تتحجر في حلقها بغصة مؤلمة و تهمس بعدما وجدت صوتها بعد لحظان قصيرة جدا بالدموع: و أنا لن أسمح لهم.. لما أنت بالدات؟!. لما إختارك القدر بالدات يا ذغدغة الروح؟!.. أنت بيتي و شقتي و كوخي الدافئ فأخبريهم كيف أعيش بلا مأوى كيف؟!.أنت فؤادي و بلسم روحي الجريحة فقولي لهم كيف أشفى من دونك؟!..
ثم تشبتت باللحاف تنتحدب بقوة و تكمل: لا أريدك أن ترحلي... أرجوك أخبريني أن هذا كابوس فقط... أنا أتعذب يا أمي و صدقيني لم أعد أقوى على التحمل!.. أمي الحبيبة... إياك و تركي..!! كلانا جرب ألم الفقدان سابقا..!! فقدان شاهيناز و كذلك فقدان أبي...!! اه...!! .لا أريد أن تتكرر مواجعي من جديد....
مسحت رؤى خديها بضعف بعد أن إستقامت و توجهت إلى النافدة الزجاجية تنظر لصورتها المنكسرة في جوفها.. بكت بكاء لم تبك مثله سابقا.. بكاء لا يشفع لروحها المحترقة أبدا فيزيدها إحتراقا و ألما.. ثم لم تلبث أن همست بألم و عيناها على صورتها المنعكسة على النافدة: لماذا لا يموت المرض..؟!.. لماذا.. لماذا...اللعنة عليك أيتها اللوكيميا الخبيثة..!! اللعنة عليك...!!

********

- أنت تؤلمينها..!!.. ألا تلاحظين بأنك تضغطين على معصمها بقوة..!! قليل من الإنسانية لو سمحت..!!..
قالتها ندين بصوت شبه عال و عيناها لا تحيدان عن معصم رنيم فنظرت إليها الممرضة بإمتعاض قائلة بدورها: ألا تلاحظين بأنك تتدخلين فيما لا يخصك يا سيدتي المحترمة؟!.. دعينا نقوم بعملنا فرجاء أصمتي..
فنهضت و إقتربت منها قائلة بنبرة ساخطة: أي عمل هذا...؟!..إنها تئن من شدة الألم منذ ساعة...!! و أنت هنا لا تنفكين تظغطين على يديها بوحشية...!!
ثم أشاحت بووجهها تجاه رنيم فرمقت شحوب ملامحها الكبير... حزنت لحالها بعد أن وجدت نفسها تمسك على يدها اليسرى بقوة هامسة: هل أنت بخير...؟!! رنيم ماذا حدث؟!! من هذا المتوحش الذي تهجم عليك؟!..
نظرت إليها رنيم بدورها قائلة في ألم: أشكرك جزيل الشكر...!! لولاك لكنت فقدت الكثير من الدماء..!! لقد أتيت في الوقت المناسب سيدة ندين...!!..
إقتربت منها ندين أكثر ثم قبلت جبينها بلطف قائلة: أخبريني من الفاعل؟!.. هل هي عداوة؟!..
رمشت رنيم بعينيها قليلا بعد تفكير قصير و بعد أن حدقت لندين القلقة قائلة: لا أحد.. أخبرتك سابقا أنه مجرد لص...
فهتفت ندين بإنفعال:
_ غير صحيح..!!.. أنا لا أصدقك..!! لو كان لصا كما تدعين... طيب من أين له أن يعرف إبنتي رؤى و يرسل إليها تلك الرسالة؟!...
شحب وجه رنيم و إنسلت منه الدماء فجأة و هي تقول بإرتجاف:أية رسالة... أين رؤى؟!..
إنحنت ندين برأسها قليلا فتكلمت بخفوت موجع قائلة: لقد تشاجرت مع رؤى في المشفى..!! و قد بقي هاتفها المحمول بحوزتي أنداك لم ألحظ ذلك إلا بعد وصولي للشقة و بعدها سمعت صوت الهاتف يرن برقم مجهول.. لم أشأ الرد لكن أمر الرسالة التي وصلت بعد الرنين بثانية حرك في شعورا غريبا..
همست رنيم على الفور قائلة و قد نسيت ألم معصمها: ماذا كانت تقول الرسالة؟!..
فقالت ندين بحزن و خوف أيضا: نصفها كان موجه إليك.. أنك تنزفين في شقتك و الآخر كان تهديدا مباشرا لرؤى حيت قال لها بأنك ستندمين كثيرا على ما فعلت؟!! فخفت كثيرا عليكما.. إتصلت برؤى فلا تجيب أبدا و إتصلت بك أنت أيضا فلم تردي علي فأسرعت نحو شقتك و وجدتك هناك مرمية على الأرض تغرقين في دمائك.. لقد كان الباب مفتوحا...!!..
فغرت رنيم فاها بذهول حيث إزداد شحوبها أكثر فقالت بدموع: أرجوك أسرعي إليها.... أشعر بأن رؤى لن تكون بخير وحدها...!!
شهقت ندين بصوت عال و هي تنهض بسرعة و تقول برعب: ما الأمر رنيم...؟!.. ما الذي يحدث؟!! و لماذا لن تكون رؤى بخير؟!!
حاولت رنيم رفع رأسها بقوة فبكت بعد أن شعرت بالألم يعصف برقبتها جراء خنق قصيل لها قائلة بإختناق: إذهبي فقط و جديها..!! لا أطلب منك سوى أن تبقي بقربها هذه الأيام.. لا تتركيها بمفردها أنا أرجوك...!!
إهتزت حدقتيها ندين بدموع و هي ترى حالة رنيم أمامها التي توجع و سرعان ما قالت قبل أن تغادر...: حسنا.. سوف أفعل ذلك....! فقط كوني بخير أنت أيضا... أنا أرجوك....!!..
ثم غاردت سريعا في حين بقيت رنيم تراقب الفراغ بعينين متسعتين و الدموع تحرق خديها و بعد ذلك ببضع ثواني كانت تتكور حول نفسها هامسة بدموع: أعدك أن تندم يا قصيل على ما فعلته بي..!!! لن أسامحك أبدا و سأنتقم منك أيها الوغد...
ثم أكملت بإختناق و ألم معصمها يزيدها جنونا: حاولت قطع عروق معصمي..!! و أنا سأحاول قطع صلتك بالعالم كله... أعدك بهذا يا إبن عبد الناصر..!!.
غادرت ندين المشفى و قلبها يكاد يقتلع من جذوره من شدة الرعب على صغيرتها.. حاولت الإسراع بأقصى ما يمكنها غير أن الطريق كان شديد الإزدحام جعلها تدعو ربها من خالص جوارحها أن تصل لإبنتها... بكت ندين بشدة و أخدت تلعن الأيام التي أبعدت إبنتها الوحيدة عن حضنها و كبرت في كنف إمرأة غيرها... و الأسوء من ذلك أن رؤى أحبت إلهام أكثر منها.. فأمسكت هاتف إبنتها و قامت بمسح رسالة الشؤم تلك... ثم حدقت للطريق بشرود و غصة حلقها تكاد تذبحها.. تألمت بشدة جراء ما تمر به رؤى ففي كل الأحوال رؤى تمنعها من الإقتراب من حياتها منعا كليا.. تصدمها في كل مرة بجفائها و عدم حبها.. كأنها تخبرها بأن لها أما واحدة و هي إلهام فقط... إلهام والدتها الوحيدة و كفى!!

********
- إشتري علبة محارم مني لو سمحت!...!.
رفعت رؤى رأسها بتثاقل نحو مصدر الصوت اللطيف فنظرت للطفلة الصغيرة بحدقتين مرتعشتين تتأمل براءة وجهها و صغر سنها بحزن... ثم إبتسمت بعدما إختطفت منها علبة محارم صغيرة هامسة بصوت متحشرج: و كم ثمنها صغيرتي الحلوة؟!!..
لوت الصغيرة شفتيها بعد أن هزت كتفيها تقول في براءة: لا بأس.. أعطني فقط ما تملكين!!..
ضحكت رؤى بحب بعد أن تماسكت قليلا فأمسكت كفي الصغيرة مبتسمة بإشراق وسط دموعها الحارقة قائلة بمزاح بشوش: و ماذا إلم أكن أملك نقودا؟!! هل أسرقها منك أنذاك؟!..
فتبسمت الطفلة الصغيرة بذهول خفيف حيث ظهر طابع الحسن لديها كشمس صغيرة تتمركز وسط ذقنها قائلة في براءة: إذن خديها كهدية مني..!!
فغرت رؤى فاها بشرود و هي ترفع كفيها لكي تحتضن خدي الفتاة بحب بعدما أبعدت جميع خصلاتها وراء ظهرها قائلة و قد همت بتقبيل جبينها بلطف: ما أبهاك و ما أروعك!!.. كنت أمزح... إنتظري قليلا سوف أعطيك ثمنها..!!
أخدت تفتش في حقيبتها الصغيرة بأنامل مرتعشة لا تدري لماذا أحست بأن هذه الفتاة تذكرها بزمن طفولتها فعادت جميع ذكرياتها دفعة واحدة.. أخدت بعض النقود و مدتها لها مبتسمة في حنو: تفضلي..!!...
نظرت إليها الطفلة ببراءة فتقدمت نحوها بخطوات صغيرة جدا ثم همت بمسح خدي رؤى المحمرتين من الدموع وسط نظراتها المرتاعة قائلة و الحب البريء يكاد يقفز من مقلتيها الصغيرتين: لا تبكي مجددا آنستي..!!..
ثم غادرت تتعثر في خطواتها بفعل تنورتها الطويلة المهترئة..!! حاولت رؤى اللحاق بها فنادتها بحشرجة و هي تنهض: إنتظري... تعالي إلى هنا...هذا لا يصح... عودي إل...
- قفي مكانك..!!
قصف الصوت من ورائها بقوة فإرتاعت رؤى لذلك الصوت الجهوري الشبيه بصوت معدن قوي على الأخشاب ثم إستدارت ببطء تنظر للشخص بإرتباك.!! تتأكد من صحة النبرة... و سرعان ما نطقت بصوت واه جدا بعدما شعرت بقبضة فولاذية تلف قلبها فتبطئ نبضاته هامسة: رائف.... لماذا أنت هنا...؟!..
نظر إليها رائف نظرة ثاقبة إخترقت كيانها بسرعة البرق و جعلتها تتراجع خطوة للوراء كي تستوعب صورته أمامها حيث وقف كل منهما ينظر للآخر بنظرات غريبة..!! عيناه الحمراوين لم تحيدا أبدا عن عينيها الوجلتين غير أن هذا لم يشفع لرؤى أن تتصرف بحكمة بل سرعان ما كزت على أسنانها بكره و هي تتقدم نحوه كفرس جامحة بعد وضعها لركبتها اليمنى على الكرسي الحديدي مستندة بكلتا يديها على حافته... قائلة من بين أسنانها: لماذا لاحقتني من جديد؟! ماذا تريد مني؟!...
نبرتها الشرسة تلك جعلته يتقدم نحو الكرسي آخر خطواته بصمت فنظرت إليه بذهول و هو يتخد مجلسه على الكرسي جوار ركبتها المثنية واضعا رجلا فوق الآخر قائلا و عيناه على مرسى البحر: لا تظينني مشتاق إليك أو أذوب عشقا فيك و في لقياك...
ثم قست ملامحه بشدة و هو يقول بقسوة: إجلسي...!!..
حملقت فيه رؤى بصدمة و هي تهمس ببلاهة وسط نظراته النارية: لا..!! لن أجلس بجوارك أبدا..... أنت....
جدبها رائف من خصلتها الملتوية قبل أن تبتعد من أمامه بقوة فترنحت بألم فوق الكرسي و عادت تجلس كطفلة صغيرة تنتظر العقاب قائلة: أترك شعري....!!.. أتركه أيها السافل الهمجي...!!
و قبل أن ترفع رأسها نحوه زاد رائف من شد شعرها فتألمت كثيرا ثم كزت على أسنانها بغيظ قائلة من جديد و الجنون قد تملكها: أنا لا أسمح لك.... دعني و شأني....!!!
خفف رائف من قوة قبضته على شعرها الفحمي و هو يلف إحدى خصلاتها الأمامية حول سبابته قاطبا في حيرة بعد أن تصلب جذعه الذي أطلقه الإنفعال و هو يهمس بسخرية: لما الصراخ دوما؟!.. لما الشتائم دوما؟!! لما.. لما؟!...
فتنهدت رؤى تنظر للسماء بخوف و إرتعاش جعلته يبتسم رغم إرتعاشها الشامل قائلا من جديد بنبرة حاقدة: هل آلمتك؟!... هذا قليل في حقك جدا؟!! و اللّٰه قليل يا دكتورة..!!
أغمضت رؤى عينيها فشعرت بالدماء تحرق جوفها ثم إستدارت ببطء شديد حتى كاد جبينها يلامس جبينه... آثارت التمعن في قسمات وجهه عن قصد فلم ترمش بعينيها قط و لم تنبس بأية كلمة..!! تحركت خصلاتها بقوة بفعل رياح البحر فحجبت عنها وجهه لكن سرعان ما أعادتها خلف أذنها و هي ما تزال تنظر لعيونه الداكنتين بلون العشب الأخضر أو هكذا بدا لها..!! فيهما بريق عجيب.!!.. بريق يخطف الأنفاس..!! ملامحه القاسية و شعره الكثيف..!! شفتيه المفتوحتين و لحيته الخفيفة..!! بروز بعض العروق في رقبته و سترته السوداء التي كانت تتلاعب بها رياح البحر فيظهر نصف صدره المشتد... كل هذا حرك فيها أحاسيس غريبة جدا... أحاسيس لم تعهدها من قبل..!! رمشت بعينيها مرتين و هي تستفيق على صوته الحاد الساخر: لماذا تحملقين في هكذا كالبلهاء الخرساء الصماء العمياء؟!!..
إستقامت رؤى بسرعة البرق من أمامه فأحست بذوخة شديدة ثم رمقته بغرابة محاولة فهم مايدور من حولهما فتحدتث بعد وقت قصير بعدم إتزان: ماذا تفعل هنا؟!! أنا لم أعد أفهم ما تريده مني؟!! فقد بث أختنق بشدة من ملاحقاتك هذه!!...
نهض رائف بتثاقل و توجه صوبها بخيلاء و كلتا يديه في جيب بنطاله قائلا بنفس النبرة الساخرة القاسية كالحجر: و لن تفهمي أبدا.... لن تفهمي مهما حاولت....
أمسكت حقيبتها بكره شاتمة من بين أسنانها ثم وقفت أمامه لا تفصلهما عن بعضهما سوى خطوة واحدة.. حاولت سبه أنذاك إلا أن نظرته صوب وجهها أرعبت روحها و عيناه قد إلتمعت بلون الشفق الأحمر فصار لونهما أخضر شبه أصفر كعيون القطط الليلية.. ثم قال: أنت تدينين لي أليس كذلك...؟!! أنا لم أنسى ذلك اليوم أبدا.... ألم تطلبي الغفران من اللّٰه؟!!..
إبتسمت رؤى بسخرية قائلة: هه الغفران لأجل صفعة رنيم لك..؟..!!
ثم إستشاطت غضبا بعدما أشاحت بوجهها عنه كليا تكاد تفقد عقلها.. حدجها هو بنظرة باردة جامدة كالصخر من عيونه الخضراء جعلتها تصر على أسنانها و تصرخ بجنون: ما الذي تريد مني بالضبط؟! لماذا يجب علي أن أراك في كل مرة؟!! إبتعد عني إبتعد... هل يجب علي أن أدخل كلامي هذا بأعيرة نارية مثلا...؟!...
ثم وهن صوتها فجأة و قالت بشيء من الخزي و اليأس الشديد: إبتعدوا عني... لم أعد أستطيع التحمل!!..
ثم أشاحت نظرها الحزين نحو البعيد حيت كانت تحلق النوارس فوق أمواج البحر الهائجة.. تأملت زرقته في سكون بائس...! تكاد تلعن اليوم الذي خلقت فيه كي يرغمها القدر على لقيان هكذا بشر ثم أغمضت عينيها في قهر و قد وجدت نفسها تبتعد فجأة نحو البعيد..
إهتز وجدانها حتى كاد يغمى عليها فور إقترابه منها أكثر فتسائلت بريبة.. ماذا يفعل هذا المجنون؟! كيف يقترب مني بهذه الطريقة؟!! إدعت الصلابة و الجمود فلم توليه ظهرها أبدا فقد ظلت ساكنة و شاردة بشكل ملفث بعد أن أحست بنبضاب قلبها توقفت مع هدير أنفاسه الملتهبة من خلفها ثم بدأت تهتز عضلاتها بريتم خفيف جعلته يتلذذ بإرتعاشة بدنها فلم ينبس بكلمة.. إشتم عطر جديلتها الصغيرة بقوة.. فأثار لمسها إلا أنه تراجع بشيء من النفور.. شيئا بهذه الفتاة يفقده صوابه و لا يعلم ماهيته!!.. هل هو ذلك الإحساس الغريب الذي يجعل كيانه يتشنج كلما رآها أم ذلك الكره الدفين الذي يكنه لها في قلبه...؟!! فيريد سحقها بأقصى ما يملكه من قوة و تعذيبها بألذ الطرق بشاعة فلا ينسى حقده و لا كرهه أبدا... لم ينسى صفعة رنيم أمام الملأ و لن ينساها أبدا... فهو يريد أن يقتص منها كلما فاض كأس حقده!.. أما هذه بالخصوص هذه.. بل هذه...!! أجل هذه ال... رؤى..!! سوف لن يتهاون في سحقها كلما أراد ذلك..سوف يتلذذ بوضع بسمة عذابه على جلدها الدافئ و تلقينها درس الأداب و كيفية الحوار في بلاطه!!..!! و حثى عبادته و عبادة إسمه إن تطلب الأمر..!! كز على أسنانه من شدة الكره و جميع عضلات جسمه قد تحفزت بشكل فجائي... كان بوذه لو يقوم بقتلها و غرس خناجره السامة في قلبها و تقطيع رقبتها بأحد سكاكين حقده لكن لكل شي آوانه... هكذا همس..!!
هنا لم تستطع رؤى التحمل أكثر ففتحت عينيها الكحيلتين و إبتعدت عنه مسافة ليست بالبعيدة ثم تنهدت بتعب بعد أن شعرت بدوار شديد و خوف من هذا الكيان فأثارت الإنسحاب لكن شيئا أوقفها..!! نظرته اللامعة تهز كينونتها و تجعلها تتلاشى شيئا فشيئا.. نظرة غريبة ممزوجة بالحزن المرير و الألم المخفي!!.. الفقدان و الإشتياق!!.. التملك و السيطرة!!.. النفور و الغضب الجامح!... الكره و الحقد الدفين.....!!
إبتلعت ريقها فور إقترابه منها مجددا
ثم ناظرها بنفس بريق عينيه و كفيه لا تزالان في جيب بنطاله قائلا:ماذا بك؟!! لما ترتعشين بهذا الشكل المخزي؟!!
تكدست الكلمات في جوفها فأثارت عدم الرد إلا أن إقترابه منها أكثر قد جعلها تتأكد بأنه يمهد لحرق روحها فقط و هو يتابع بفتور بارد:
صدق قولي في نعتك بالصماء البلهاء حقا.... أنت لا تطاقين..!!
نظرت إليه رؤى شزرا فأشاحت بوجهها عنه في إبتسامة مقيتة تجاه البحر ثم سرعان ما ضحكت بهزل بعدما أعادت نظرها صوب عينيه بجنون و هي تكتف ساعديها بخفة قائلة بصوت خفيض مشتد:
_ما الذي تفعله بالله عليك؟!.. لما تلحقني مثل اللعنة السيئة في أي مكان و في أي زمان؟!!
حدق إليها رائف بهدوء ثم شيئا فشيئا بدت نظراته تقسو و تحتد و قد بات أمامها في لمح البصر مادا ذراعيه نحوها كأنه سيضمها أو يفعل شيئا غريبا... بل فعله حقا..!! فقد شبك أصابعه بقوة بعدما أمسك بشعرها من الخلف ثم و أمام نظرات رؤى الذاهلة كانت شفتاه تلتويان في إبتسامة قاسية كقسوة المجرمين...
و تحت ضوء المساء الخافت كان يشد شعرها بقوة رهيبة هامسا أماما عينيها المتسعتين: لطالما إنتظرت هذه اللحظة منذ وقت طويل.! إنتظرت أن أشدك بهذه الطريقة و في هذه الساعة و تنظري لعيناي هكذا... أنت بالدات... أنت بالدات أريد فعل بك الكثير كفأر تجارب..!!
صعقت رؤى من تقلب مزاجه فجأة و قبضة كفيه جعلت الألم يعصف برأسها... فقد شعرت بشعرها يكاد يقتلع.. فظلت تتلوى بين يديه ثم صرخت في وجهه بعينين دمويتين: دعني أيها الوغد...... دع شعري... أقول لك دعني و أبعد يديك القذرتين عني حالا.....!!
ثم ضربت ساقه برجلها فإبتعد عنها خطوة للوراء صارخة بجنون: لا تعاملني بهذه الطريقة الوضيعة مرة أخرى يا قليل التربية!!... لا أريدك أن تلاحقني من جديد...!! ماذا تريد مني؟!! تبا لك يا رائف.... تبا و سحقا لك!!..
آخر صرخاتها تبعتها ضربة قوية في صدره.. فتوالت الضربات إلى أن توقفت تنظر إلى عينيه المحمرتين كالجمر!!.. قبضتيه المضمومتين في الهواء.. هدير أنفاسه الشرسة تخبرها أنها في منطقة خطرة و يجب عليها الإسراع بالمغادرة قبل حدوث أي شيء.. إجلب السمك يظهر القط... هكذا تُرجمت حالتها آنذاك.. فقد أمسكت رأسها بكلتا يديها تحاول جاهدة طرد الدوار الذي تملكها فجأة بعدما سقطت حقيبتها أرضا إثر ترنحها هامسة بصوت خفيض و صورة رائف أمامها ظهرت لها على أربع صور: يا إلهي... ماذا يحدث لي..؟!..
راقب رائف خطواتها المتراجعة الغير المتزنة بغضب جامح و قبل أن يخطو نحوها كانت قد إرتخت جميع عضلاتها و سقط كيانها على ذراعين أمسكانها بخفة... توقف ينظر إليهما بعينين عاصفتين بعد أن سرى حقدا كبيرا في خلايا جسده التابث و قد عاد إليه قناع جموده..!!
نظر إليها الشخص بصدمة بين ذراعيه لم يعرف ماذا يفعل؟!.. أو كيف يتصرف؟!.. فلمح كرسيا على يمينه و قام بحملها و وضعها عليه ثم رش عليها بعضا من الماء محاولا إيقاظها:
يا آنسة... هل تسمعينني؟!.. ردي علي... هل تسمعينني؟!..
فتحت رؤى عينيها ببكاء لم تقوى على حبسه فنطقت بصوت واه تتشبت بياقة الشخص بكل وهن هامسة: خدني من هنا..!! أرجوك..! لم أعد أستطيع التحمل..!! الحقير سوف يقتلني...!!..
نظر الشخص إلى رائف بغيظ بعد أن تأمل وجهها الشاحب بوجل فصرخ: ما الذي فعلته بالفتاة؟!... لا و تؤديها في الشارع أيضا...!! تبا..
ظل رائف ينظر إليهما في سكون و ملامحه لم تعد توحي على التوحش أبدا فتوجه ببصره آنذاك نحو يداي الشخص الممسكة بوجه رؤى بإحكام و هو يردف أمام عينيها التي لم تحيدا عن رائف: حسنا..!!.. حاولي الإستناد علي.. سوف آخدك لمكان إقامتك.. تعالي!!..
تأبطت رؤى ذراع الشخص بتأوه و قبل حثى أن يمسك بكفيها و يسند جسمها على جسده كان قد شعر بقبضتين شرستين أمسكانه بقوة.. ثم و في ثانية كان رائف يرمي به كالقمامة أمامه على الأرض هامسا برضى: حسنا يا عزيزي..!! إنتهى العرض الآن!....
قم أمسك بقنينة الماء و صبها كلها على وجه رؤى بوحشية يريد حرق اليابس و الأخضر ممسكا ذراعيها بقوة هامسا و التوحش قد عزا ملامحه مرة أخرى:و تجيدين التمثيل في الشارع أيضا... أبهرتني حقا يا دكتورة..!!
نهض الشخص يمسك بطرف جبهته الدامية قائلا بغضب: أيها النذل..!! ما الذي فعلته لتوك؟!! من أي مصحة هربت؟!!
فتوهجت عينا رائف ببريق خطير أنذاك ثم توجه إليه كأسد جامح و أمسك ياقته فقام بنطحه بقوة و تركه يسقط بعد أن بزق على جسمه المعانق لأديم الأرض قائلا بتوحش: من مصحة أبيك..! لماذا لا تذهب و تسأله عني؟!!
ثم تراجع إلى رؤى و أمسكها بقوة غير آبه لتأوهها.. حاولت الإفلات من قبضتيه الساحقتين لكن جميع محاولاتها بائت بالفشل في حين هو يهمس أمام جسدها المنكمش بعدما رمى بها في سيارته: تعالي!!.. قمت بتحضير مفاجأة صغيرة لك..!! سوف تعجبك يا دكتورتي الصغيرة...!
حدقت إليه رؤى برعب و قد حولت بصرها للشخص القادم كذئب شرس بعد خطف عصى طويلة من أيدي بعض الشباب المارين و قبل أن يستدير رائف... نزل على ظهره بقوة فسقط جاثيا على ركبتيه أمام ناظري رؤى المرعوبة قائلا و الدماء لا تزال تسيل من جبهته: إذن سوف تعود من المكان الذي هربت منه...!! تبا لك...
أمسكها الشخص برفق قائلا: لا تخافي فكل شي على مايرام!!.. مثل هؤلاء لا يموتون من الدربة الأولى... تعالي معي..!!
تمسكت به رؤى بوجل قائلة من بين حدقتيها المرتعشتين في حين حدق إليها الشخص وهو يمسك بطرف جبهته الدامية بعدما زور رائف بنظرة خطيرة مقيته هامسا: خدي محفظتي فيها مفاتيح السيارة..!! أكاد لا أرى بعيني اليسرى تبا..!!
-ليس بهذه السرعة..!!
نطق بها رائف مستلذا بعدما تنمرت ملامحه بشراسة ينظر إليهما كما ينظر الشيطان..!! تلك النظرة المرعبة المتوحشة.. تقدم نحوه بعينين محمرتين و حرك رقبته يمينا و يسارا ثم لكمه لكمة أطاحته أرضا.. فبدا نزيفه شديد... شعر رائف بالاكوان تدور حوله فلم تكفيه تلك اللكمة وحدها فعاد يضرب بطنه ضربات قوية بقدمه.. صرخ الشخص بقوة شاتما بعد أن أمسك على بطنه و نظر صوب رؤى بعد صرختها المدوية: لا......... ستقتله... توقف!!...
كانت ترتجف بشدة و تُبادل الشخص نفس نظرته ثم توجهت بعينيها صوب رائف الذي ظل يركله بقوة و قد عرفت أنه لن يسلم من شره أبدا فصرخت تستنجد بالمارة: فليساعده أحد....!!
نظر حولها رائف بسخط هز كينونتها بشدة و سرعان ما حول نظرته المتنمرة للشخص المرمي على الأرض فأوقفه بكلتا يديه ينظر لدمائه الجارية أعلى حاجبه.. بصق الشخص على الارض ثم قال بألم:
أهذا ما تجيده أيها الحقير؟ ضرب الفتيات في الشارع أيها المريض!!....
كلمة واحدة إستطاعت أن توقظ الوحش الكاسر بداخله من جديد و تُصعد الدماء لوجهه المحمر الغاضب و تقلب الموازين رأسا على عقب... فقد قام بإمساكه و رفعه إليه أكثر صارا على أسنانه: و أجيد أكثر من ذلك.... مثل هذا..ثم ضغط على رقبته بقوة شديدة جعلت الدم يحتقن في وجه الشخص و يختنق من قبضته ظنها بأنها النهاية..!! ذهلت رؤى و فغرت فاها قائلة بصدمة: يا إلهي!!.. لن يتركه...
نهضت بسرعة البرق و تعلقت بذراعيه باكية تحاول إنقاد الشخص من براثن يديه فصرخت بكل قوتها قائلة: ماذا تفعل أيها المتوحش!.. سوف تقتله إنه يختنق... أتركه حالا....!!
لم يرد عليها بل زاد من قوة قبضته على رقبة الشخص فصرخت مرة تانية و قد إختلطت صرخاتها بنحيب واه.... فلاحظت بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.. بدأت تسحب يداي رائف بجهد جهيد لكن من دون جدوى ثم توقفت....
ثوقفت و نظرت إلى عيونه المتنمرة الشرسة كرهته لدرجة لا توصف و قد إستسلمت لنبضات قلبها الخافتة و حرارتها التي حجبت عنها الرؤيه.. هل حقا سوف يقتله؟! لما هو بهذا الشر؟! من أي مادة مصنوع منها هذا الكيان؟!
آلاف الأسئلة غزت عقلها فسقطت على الأرض مغما عليها نهائيا بعد أن توارى عن ناظريها كل شيء تماما فلم تعد ترى إلا ظلمة حالكة..نظر رائف إلى سقوطها كجثة هامدة بشراسة فترك رقبة الشخص ثم توجه صوبها بخطوات نمر متوحش هامسا بعدما رفع رأسها إليه: ليس الآن...!! فالحفل لم يبدأ بعد يا صغيرتي!..
بدأ الشخص يكح و قد بدا عليه أنه نجا من الموت بأعجوبة فتنفس بصعوبة ثم نظر إليهما بعيون ضبابيه هامسا:أيها الحقير المريض!!.. أنظر ماذا فعلت بالمسكينة.. سحقا لك أيها النذل سوف نتحاسب في القريب العاجل صدقني!!
إنتفض رائف في مكانه بجنون غير قادر على كتمان غضبه المتوحش و لكمه لكمة أخيرة قائلا و الشياطين قرائنه: هذا عربون لقائنا!!..
ثم عاد إلى رؤى و ترك الشخص في مكانه و جميع أجزائه تئن و هو يهمس:
_ خدها للمشفى...!!.. ماذا تنتظر؟... تبا لك و لأمثالك!!.. دعها للأيام فقط و سوف نتحاسب على كل هذا..!!..
أمسكها رائف بقوة و حملها بين ذراعيه كريشة ثم رمى بها في سيارته السوداء مرة جديدة و إنطلق بسرعة البرق بعدما ألقى آخر نظراته عليه....

********


أوقفت ندين سيارتها قرب العمارة التي تقطن فيها رنيم... تناولت الهاتف ثم دونت الرقم بخفة و هي تنظر للشقة و كلها أمل أن تجد رؤى بصحبتها: رنيم حبيبتي..!! هل أزعجتك؟!!
وضعت رنيم الضمادة على الكمود هامسة بتأوه: لا أبدا... ما الذي تقولينه سيدة ندين؟!.. تستطيعين الإتصال بي متى شئت؟!... كيف حال رؤى؟!...
ظغطت ندين على أنفها بقوة قائلة و اليأس قد صاحبها اليوم كله: رنيم...!! لم أجد رؤى.. ذهبت للمشفى مرتين فلم تكن هناك كما أنني بحتث عنها في كل الأماكن التي ترتادها فلم أستطع إيجادها.... أنا قلقة عليها جدا.... إبنتي لا أعرف أين هي...!! فقد تكون في خطر...!!
إنتفضت رنيم بجزع من مكانها غير آبهة لجرح معصمها قائلة بهدوء مصطنع و ملامح شاحبة:
ظننتك وجدتها.... لما لم تتصلي بي قبلا؟!...
هنا ضربت الصواعق رأسها و إرتج جسمها بقوة في مقعد السيارة فأمسكت الهاتف بكلتا يديها باكية: من يكون يا رنيم؟!!.. من الذي يلاحقكما؟!! أخبريني...!!
قالت رنيم بهدوء: سوف أغلق الخط الآن... أنا مجبرة على ذلك...!!...
هزت ندين رأسها بضياع بعدما أرجعته للخلف
و فصل رنيم الخط في وجهها جعل جنونها يزيد... ثم سرعان ما همست لنفسها: لم أبحث في شقة إلهام... قد تكون هناك أو.... في النادي كيف غفلت عن مسألة النادي؟!..
ثم أعادت تحريك سيارتها و إنطلقت و كلها أمل في إيجادها بينما كانت رنيم تحدق لمعصمها بشرود...
أغرورقت عيناها بشدة وهي تشعر بجلدها قد سلخ عن لحمها... ظلت واقفة تحدق في المرآة بشرود فلم تشعر بنفسها إلا و هي تبكي بشدة أحست بالضياع و بروحها تنزف على ما آلت إليه صديقتها... تعرف أن السافل فعلها حقا... و اللّٰه يعلم أين أخدها و ماذا فعل بها؟!.. فنطقت بصوت مختنق و مختلط مع عبراتها الساخنة هو وي تهمس: أيها المجرم السفاح الوقح....!! أعرف أن لك يد في إختطافها... إنتظر فقط...
لم تكن لتترك الأمر يسوء أكثر من ذلك و الذنب يكاد يقتلها... مسحت دموعها كطفلة بائسة و أمسكت مفاتيح السيارة ثم غادرت..!! طقطقت رقمه النحس و كلها أمل ألا يكون له يد في إختفاء رؤى إلى أن رد بنبرته التي تكرهها أشد الكره و تمقتها مقتا كبيرا... تلك النبرة القاسية الساخرة الباردة و هو يقول: هل تبحثين عن شيء؟!... هل أضعت شيئا دكتورة؟!..
إرتجفت شفتاها بقوة فكزت على أسنانها بغيظ هامسة: إسمع..!! إياك ثم إياك أن يكون لك دخل في إختفاء رؤى... لا تحرق روحها بفعلتك الشنيعة.... إياك أيها الوقح...!!..
سمعت رنيم تنهيدته الباردة التي زادتها غيظا فوق الغيظ الذي تشعر به أنداك و هو يستطرد من جديد: و لازلت تشتمين... و تشتمين... و تشتمين...!! لا تتعلمين الدرس أبدا..!!
شغلت محرك السيارة بعد مغادرتها الشقة في لمح البصر و صفقها الباب بقوة هاتفة بجنون و تهديد كبير: ألم يكفيك أنك أرسلت أوغادك لقتلي...ماذا تريد بعد؟!.. أخبرني أين أخدت رؤى و إلا بلغت الشرطة...!!
جلس رائف بأريحية يتأمل رؤى من خلف الزجاج قائلا بهدوء يناقض الدماء التي كانت تغلي في جسده : رفيقة العمر.. رؤى؟!..!! هي معي الآن؟!...
هدرت فيه بعصبية: إياك أن تؤدها يا رائف... أنا من صفعتك و ليست هي...!! أنا من أعرفك و ليست رؤى...!!
قال رائف على الفور بنبرة مستمتعة: لكنني أعرف رؤى أكثر منك... أنت لم تعرفي و لم تصاحبي إلا جزء صغيرا منها...!! و هذا خطأك الوحيد..!!
فردت عليه رنيم ببلاهة و هدوء غريب: ماذا تعني؟!.. أين رؤى؟!! ماذا فعلت بها؟!..
تنهد رائف بخفوت بعدما أرجع رأسه للوراء في هدوء يقول بشفتين باسمتين و عينين قاسيتين: ولو يا عيني هي في الحفظ و الصون!! و أين عساها تكوت إلم تكن بجانبي؟!.
فأردفت ببكاء سخي و قلب ضعيف: أخبرني بمكانك....
إبتسم رائف بخبث و عيناه لا تحيدان عن جسد رؤى المسجى أمامه قائلا بوحشية: في مشفى المجانين...!! لقد جهزت لها إختبارا بسيطا منذ زمن طويل....!! و الآن أريد الحصول على نتائجه...
إبتلعت ريقها فقد علمت أنه لا يمزح ثم
أوقفت السيارة ببطء بعدما أحست بالفراغ يكاد يبتلعها و قد حل صمت مخيف بينها و بينه... فحاولت إستيعاب ما قاله قبل أن تنطق بخوف: هه أنت تمزح لا يمكنك فعل ذلك؟!... لما.. وضعتها هناك؟!.. ماذا ستفعل بها؟!...
أجابها رائف بهدوء بارد بعدما إستقام و توجه للزجاج الفاصل بينه و بين رؤى قائلا: قبل ساعات نعتتني بالمريض و الشيطان..!! ففعلت اللازم فقط....
ثم قست نبرته بشدة و هو يردف: سوف تعي ما معنى أن يكون الواحد مريضا بحق... بعد أن تستيقظ و ترى الجحيم الذي وضعته فيه نفسها بنفسها ليتك ترينها الآن و تري ما أنا فاعل بصديقتك... لكن لكل شيء آوانه!!... بالمناسبة كيف حال معصمك؟!....
حملقت رنيم في الفراغ مفزوعة مذهولة من كلامه و بعدما لم تعد تستطع تمالك نفسها قذفت في وجهه قنبلة شتائمها بجنون: أيها الحقير المريض.. ماذا فعلت؟! ألا يوجد في قلبك النتن ذرة رحمة يا سافل؟! أنا من قام بصفعك و ليست رؤى... رؤى لا ذنب لها فيما حصل!! أقسم بأنك سوف تدفع الثمن غاليا.. إياك أن تغتر بنفسك ولو قليلا يا وغد... مكانك ليس في عالم البشر... مكانك مع الشياطين يا سفاح العظام... إياك........
ثم توقفت تلتقط أنفاسها بقوة هامسة بإرتعاش: إياك و الإقتراب منها أتفهم.؟!..! لا تقترب منها....
-للأسف فات الأوان على ذلك كثيرا....سوف نرى من الذي لن يسلم من الآخر يا دكتورة.. بعد وقت قصير سوف أبعث لك رسالة بأي مشفى توجد رفيقة دربك... تعالي و خديها..!! سلام...
ثم فصل الخط وهو يصب كوب ماء لنفسه.. خرج رائف يجر قدميه نحو سريرها حيث كانت مستلقية بلا أدنى أية حركة.. تأملها بذهن غائب عن الوجود و هو يمسك بجديلتها الصغيرة الفحمية يلاعبها بإصبع يده ثم أمسك هاتفه و دون إسم المشفى و أرسله لرنيم..
إنتفضت رنيم إثر الصوت الذي إنبعث من هاتفها فسرت رجفة باردة كالصقيع في كيانها المرتعش بعدما أدركت فحوى الرسالة.. إتسع بؤبؤ عينيها من الإسم المكتوب هامسة بصدمة: إبن اللعين..!! لقد فعلها حقا....
لم تشعر بنفسها إلا و قد عادت الدموع لعينيها فأحست بنفسها تبكي بحرقة على ما آلت إليه الظروف.. نطقت بصوت واه و هي تجتاز إشارات المرور بسرعة البرق من دون توقف: يالا طيشك يا رنيم..!! يالا طيشك...!!.. ماذا يفعلون بك يا رؤى؟!! أصمدي فقط... أنا آتية إليك.....

********

-لن نقوم بذلك أبدا.... هذا مخالف لقوانين مهنتي...!!
نطق بها الطبيب مقفقفا وهو يشيح ببصره نحو النافدة بإنفعال جعل رائف يقول بنبرة جامدة: لماذا أنت بهذا الغباء أنت الآخر أيضا؟!!..... هل أصابتكم لعنة الغباء أم ماذا؟!.. سوف تنفد ذلك يا عزيزي شئت أم أبيت.... هذا لأنني أنا أريد ذلك...!!
إمتقع وجه الدكتور بشدة إثر كلام رائف السافل و هو يعيد همسه المتقطع: أضف إلى ذلك بأن الفتاة ليست بمجنونة.. كيف تود منا تعذيبها بتلك الطريقة؟!...
نهض رائف من على الكرسي بصمت ثم إستدار إليه و نطق بتهديد مباشر و سلطة مهيمنة: لو أردت إستمرار عملك من دون مشاكل..لو أردت ضمان وظيفتك... لو أردت حماية أسرتك...فإفعل ما أمرتك به و إلا قسما بالله سوف أقلب حياتك لجحيم لن تسلم منه طوال حياتك... أضف إليه عمل زوجتك و أولادك المصونين...
إزدرد الطبيب ريقه برعب قائلا: هذا صعب.. لن أستطيع ذلك.. لن أؤدها بتلك الطريقة...
فخبط رائف على المكتب بقوة قائلا بصوت مشتد: بلى سوف تفعل ذلك... سوف تطبق ذلك بالحرف أفهمت.. إفعل ما أريده أنا كي أترك عائلتك و شأنها....!!
أشاح الدكتور بوجهه في صمت مطبق فتجاوزه رائف قائلا بحدة رهيبة: سوف أكون بالغرفة المجاورة.. أنظر إليكم من الزجاج عن قرب.. هيا باشر عملك أنت و ممرضاتك السخيفات و بسرعة فلم أعد أستطيع الصبر أكثر...
فتحت رؤى عينيها بجهد تحاول النطق فلا تقدر فقد كان كامل جسدها ما يزال مخدرا.. همت برفع يديها و الإمساك بقنينة الماء إثر شعورها بالعطش الشديد غير أن محاولاتها بائت بالفشل عندما وجدت نفسها مكبلة من جميع أطرافها.. رمشت عدة مرات محاولة تذكر أي شيء قبل تواجدها محتجزة بين جدران هذه الغرفة الزجاجية فتذكرت لقائها الأخير مع رائف قرب البحر.. تسائلت بصوت خافت تعب تجاهد تحرير يديها بضعف: ما الذي حدث؟!.. أين أنا؟!...
لم تفكر بأنه رائف نفسه هو من وضعها هناك فقد أبعدت هذا الإحتمال نهائيا...هو لن يفعل ذلك.. و لماذا يفعل؟!..
دخل الطبيب يجر قدميه بتثاقل شديد ينظر إلى رؤى مليا قبل أن يتحدث بصوت كئيب و هو ينزع نظاراته الطبية قائلا: ما الذنب الذي إرتكبته حتى إلتقيت بهكذا نوع من البشر يا فتاة؟!.
تمتمت رؤى برأس ثقيل و عدم فهم: لماذا أنا هنا؟!.. ماذا تفعلون بي؟!....
ثم ناظرت الطبيب بشك بعد أن وجدت نفسها أمام أربع ممرضات ينظرون إليها بوجل في حين هي كانت تلاحق خطواتهم المقتربة بحدقتين مرتعشتين فتكلمت بعدما أحست وراء هذه النظرات الغريبة عمل شاق و مربك: ماذا تريدون مني؟! فكوا قيدي... من جلبني إلى هنا؟!..
تكلمت إحدى الممرضات تنظر إلى الأرض هامسة: نحن آسفون..!! لم نشأ أن يحدث هذا معك.. كنا مجبرون على تقييدك و كذلك الآن..
زورها الطبيب بنظرة ثاقبة يقاطعها بحدة و هو على علم بأن رائف ينظر إلى كل صغيرة و كبيرة من خلف الزجاج المعتم: أيتها الممرضة.. أصمتي عن الكلام...!!
صرخت رؤى و قد شعرت بصوتها يختلط بنحيبها الباكي و بدقات قلبها تتزايد: ماذا ستفعلون بي؟... من أحضرني إلى هنا؟.... أتركوني أذهب.. لا لا.... لا أسمح لكم بلمسي..!!
و في أقل من ثانية كان الطبيب يمسكها و يكشف عن ذراعها كل ذلك جعلها تنطق برعب شديد و هي تقول: ماذا تفعل؟ إسمع إياك و الإقتراب مني؟!! أفهمت؟!.. لا أرجوك لا تفعل..
نظر إليها الطبيب بصمت ثم تكلم بحشرجة:أفعل ما يجب علي ألا أفعله... أرجوك سامحينا يا إبنتي... فكل هذا فوق طاقتنا..
أخدت رؤى تصرخ و تستغيت.. كانت لمساتهم تكاد تحرق أوصالها فكلما لمسها أحدهم إنتفضت صارخة بكل قوتها فإبتعدو عنها.. لم تتوقف عن الصراخ أبدا فإبتعدت إحدى الممرضات و ناظرتها بألم بينما تنطق رؤى بصوت باك كسير: لما؟ ماذا فعلت؟! من أحضرني إلى هنا؟! فليخبرني أحدكم.. لا لا أنتم لا تستطيعون فعل ذلك بي... من يقوم بتهديدكم... توقفوا...........!!!!!........
فردت عليها الممرضة بحزن و قرف مما يفعلون بها صارخة: ذلك الشخص الحقير هو طلب منا ذلك.... هو من أرغمنا...!! إسمه رائف..
نظرت إليها رؤى بصدمة تحاول إستيعاب ما يجري هنا بينما إبتعد الطبيب عن رؤى و أمسك الممرضة بقوة هاسما من بين أسنانه:ما الذي تقولينه؟! إخرسي يا ليلى... إخرسي...!!!
-رائف... رائف هل؟!.. هل هو من أحضرني إلى هنا و أمركم بتقييدي؟!.. لا.. هه لا يستطيع فعل ذلك بي..!!
إستداروا كلهم يحدقون إليها و نبرتها المختنقة الكسيرة جعلتهم يصمتون فجأة و لا ينبسون بأي حرف....
فصرخت بقوة و الجنون قد تملكها: هيا أجيبوني.... هل ذلك المتوحش هو من أمركم بوضعي هنا؟!! لكن لما يفعل ذلك؟! دعوه يأتي إلي... إجلبوه!! سحقا له... الوغد/ المتوحش/ السافل...
همس الطبيب وقد فقد كل إصراره و عزيمته:يا إلهي!... ماذا نفعل...؟!...
ثم تكورت رؤى كالجنين الميت على السرير قائلة ببكاء: لا تفعلوا ذلك... لا تدعوا تهديداته تسلب منكم شرف مهنتكم... أعرفه جيدا.. إنه شخص حقير و متوحش.. و أنا لم أفعل شيئا يسيء لسمعته أبدا هو من كان يلاحقني و يحاول إذلالي في كل مرة.. إنه شخص أناني جدا.. أرجوكم فكوا قيودي.. أرجوك يا دكتور.!!
سقط منه قلبه إثر دموعها و توسلاتها فشعر بأنه فعلا يدنس مهنته جراء مايفعل خارج القانون.... نظر صوب الزجاج مليا ثم أعاد بصره إلى رؤى... أحس بالخزي و العار لما ستقترفه يداه لكنه سيفعل ذلك و لن يستطيع التراجع فلو لم يفعل قد يعرض حياة عائلته للأسوء.... أغمض عينيه بشيء من الذل و الهوان ثم أمسك جرعة صغيرة من xxxx سوليان الإيمسلبرايد و أضافه على الريسبيريدال ثم قام بغرس الحقنة بذراعها....
جمدت رؤى و هي تنظر للسائل داخل الحقنة يختفي تحت ذراعها فصرخت كاليتيم المخثن من جميع مشاعر والديه إلى أن تهاوت فجأة و إستكانت لبضع ثواني ثم سرعان ما إنتفضت على السرير بقوة و أخدت تضرب بركبتيها إلى أن أصابت بطن إحدى الممرضات... إقترب منها الطبيب و أمسك قدميها وكبلهما من جديد بشريط لاصق إلتقطه سريعا ثم أمرهم بأن يجهزوا غرفة العلاج بالصدمات الكهربائية و هو لا يزال يضغط على قدماي رؤى.. تسمرت كل واحدة فيهن بشكل مرعب ثم تكلمت إحدى ممرضاته هامسة بشحوب:
_ لا يسعنا فعل ذلك... هي ليست بمجنونة..! هذا لا يمكن أين شرف مهنتنا؟!... لا تجعلنا نرتكب جريمة شنيعة في حقها و حقنا يا دكتور..
ثم توقفت الممرضة تنظر إلى رؤى بتقزز من نفسها و هي تقول: فليفعل فلينتقم إذا أراد... لكنني لن أكون فردا في هذه المجزرة.. فالحقنة كافية بأن تلعب بذماغ الشخص كليا.. دعونا نتوقف أنا أرجوكم...
ناظرها الطبيب بعيون تائهة و ملامحمه تتبدل من للإصفرار إلى الشحوب ثم توجه ببصره نحو رؤى.. بدا بصره متبتا عليها بقوة... حيت كانت قد كفت عن الصراخ لبرهة من الزمن فأخدت تنظر إلى جميع الإتجاهات برعب تتمتم بكلمات غير مفهومة.. تراجعت ممرضتان إلى الخلف بخوف من ردود أفعالها بعد أن صرخت إحداهما حينما رأت إهتزاز رؤى فوق السرير من جديد تارة تفتح عينيها فيكتسيها الرعب و تارة تغلقهما بهمهمات خافتة....
إقترب منها الدكتور شاتما نفسه: تبا لنفسي.. ماذا فعلت بالفتاة؟....
ثم أخد ينزع عنها اللاصق بقوة بعد أن فك قيودها تقدمت إحدى تلك الممرضات بسرعة تحاول تهدئة رؤى بأقصى ما تستطيع بينما تسمرت هذه الأخيرة للحظة.. تنظر إلى الممرضة بعينين واسعتين هامسة: لماذا يوجد ظلام؟! أنا خائفة.... لا لا أبعديه عني.. يود يود قتلي .. لا خدوني من هنا إنه يقترب.. لا توقفو لا تأخدوني إنه يبتعد...لقد غادر...لكنه سوف يعود أنا متأكدة ...
رمش الطبيب محركا رأسه بعدم إستعاب معيدا إستطراده الخافت: ماذا فعلنا بالفتاة؟!.. يا إلهي!...
ثم نطقت الممرضة التي كانت تقف بجانبه هامسة بخوف: لقد إستكانت...!!
بكت الأخرى التي كانت تمسك بيدي رؤى قائلة بإرتعاش: هذا لا شيء مقارنة بما سيحصل معها بعد أسابيع...!! لم تروا بعد ما ستفعله بها تلك الحقنة الشؤم.. إنها..

و قبل حثى أن تكمل كانت رؤى قد عضت يد الطبيب بوحشية جعلت الكل يتراجع للوراء ثم جرت إلى النافدة تحاول الإنتحار لولا إمساكها رنيم التي كانت قد وصلت و حدقت في الكل بعدم تصديق.... جرى الطبيب أيضا و رفعها بقوة.. تهاوت رؤى بإستسلام فجأة وسط نظرات رنيم السوداوية.. فعلم أنها النهاية و أنه قد تم كشف أمرهم.. دفعت رنيم يد الطبيب بقوة عنها و أمسكت وجه رؤى بكلتا يديها المرتعشتين بإحكام قائلة: رؤى.... لقد جئت حبيبتي..!! إفتحي عينيك يا رؤى..!!! إفتحيهم..
أسرعت الممرضة ليلى إلى النافدة و قامت بإغلاقها و إغلاق باب الغرفة ثم قامت بإبعاد أي شيء خطير عن مرمى رؤى فهمست هذه الأخيرة و قد تراخت جميع عضلاتها: خدوني من هنا...!! دعوني و شأني..!!
نظرت إليهم رنيم واحدا تلو الآخر ثم توجهت ببصرها صوب الطبيب الذي كان يشد على شعره بقوة و يتمتم بكلمات مبهمة كأنه هو المجنون حقا فصرخت في وجهه بجنون:سوف تندمون على هذا يا أوغاد... كيف تفعلون هذا بها؟! كيف؟! سوف أبلغ الشرطة.. أقسم لكم بهذا.... أين شرف المهنة أين؟!..
صرخت إحداهن قائلة: لم نود فعل ذلك صدقينا... هو من أجبرنا فلم نستطيع أن نعارض أمره.. لقد لقد هددنا...!!..
صرخت رنيم بالمثل بعدما أبعدت يدي رؤى عن وجهها بقوة و شلال دموعها لا يتوقف:هددكم ها؟! إذن تبا لكم و لعملكم سوف أشتكي عليكم... أقسم لكم.... أنتم مجرمين كيف إستطعتم الرضوخ لسفاح مثله؟!.. إنه مجرم و أنتم من فصيلته؟!...
فهدر فيها الطبيب بعد أن فاض كأس صبره:
حسنا... عندما تخرجين من هذا المكان الزفت. إشتكي إضربي إبكي إقعطي رؤوسنا حتى إن أردت أيضا... فقط كفي عن هذا الصراخ...
نظرت إليه رنيم بسرعة البرق وقد إستشاطت غضبا يفوق غضبه بكثير: لا تكلمني أنت بالخصوص أسمعت؟!.. أنت من يجب عليه أن يلجأ لمصحة عقلية كي يتعالج أيها الطبيب المختل عقليا..!!
ثم أعادت بصرها تحدق لملامح رؤى المتعرقة هامسة بدموع: لا بأس.... سوف نغادر هذا المكان حالا....
أحست رنيم بثقل جسد رؤى الغريب و جميع قواها قد تراخت فجأة في حين كان وجهها شاحبا لأقصى حد وعينيها نائمتين فهمست بخفوت دامع: هل حقنتموها ب..
ثم توقفت مذهولة و صوت الطبيب الخافت يقول: بالريسبيريدون.... و هو دواءxمضاد للذهان يستخدم بشكل أساسي لعلاج xالفصام و الإضطراب ثنائي القطب والتهيج في الأشخاص المصابينxبالتوحد ويتميز الحقن العضلي بأنه طويل المفعول حيث يستمر مفعوله لمدة تصل إلى أسبوعين تقريبا....
وقفت رنيم و قامت بإمساك ياقة الطبيب صارخة بجنون: ماذا فعلت.. ماذا فعلت بها أيها الوغد الطائش....؟!......
في حين هو يكمل بصوت ميت قائلا: تشمل الآثار الجانبية الشائعة لتناول ريسيبيريدون مشاكل الحركة،xوالنعاس، وإضطرابات الرؤية،xوالإمساك، وزيادة الوزن..xأماxالآثار الجانبيةxالخطيرة فتشملxخلل الحركة المتأخر xالدائم،xومتلازمة الذهان الخبيث، وزيادة خطر الإنتحار، وإرتفاع مستويات السكر في الدم....
دفعت به رنيم بعيدا ثم عادت تمسك برؤى الشبه النعسانة و هي تقوم بإسنادها على ذراعيها بقوة.... خطت خطواتها الثقيلة الشبه مترنحة نحو سيارتها بعدما وجدت نفسها خارجا تحاول إسناد رؤى على كتفيها بشق الأنفس.. وضعتها في السيارة ثم إستدارت نحو تلك التي تبعتها بدورها هامسة بتوعد شرير: أقسم أن تدفعوا الثمن غاليا...
أجابتها ليلى بصوت ميت بعدما صفقت رنيم باب السيارة بعنف: إفعلي ما تجيدينه مناسبا...

و على إثر جملتها تلك غادرت رنيم صوب شقتها فذاك هو الملاذ الأخير الذي سوف تشغر فيه رؤى بالأمان.. أخدت تتطلع فيها بين الفينة و الأخرى بحرقة لاذغة.. نظرت للكدمات و الجروح الكثيرة على جسما.. لقد قتل قلبها بخناجر و سكاكين الإنتقام... إنتقم منها ومن صديقتها الحبيبة... الذي تعرضت له رنيم أهون بكثير من الذي تعرضت له رؤى.. ودت لو وصلت قبل فوات الأوان لكن هيهات هيهات أن تقف أمام جبروت رائف و سلطته الطاغية..فمسحت دموعها بقوة و مدت يدها للمقعد الخلفي حيت كانت رؤى شاحبة كالأموات تملس على خدها هامسة: لا تقلقي حبيبتي... أحميك بقلبي يا رؤى.. لم أعرف أن النذل سوف يعذبك بهذه الطريقة.. لو كنت على دراية بهذا لكنت قتلته قبل أن يقترب منك.. أنا السبب أعرف ذلك... سامحيني....!!
ثم وقفت و همست بعد ذلك بصوت كسير باك: بحق صداقتنا إفتحي عينيك يا رؤى... أنتظر عتابك..!!.. إفعلي بي ما شئت لكن إياك و تركي..!..
ظلت تحادتها من دون جدوى... رؤى في عالم آخر قد يكون عالم الموت في الحياة... أوقفت رنيم السيارة تحت الإقامة التي تقطن فيها.. دخلت برؤى المصعد و هي تسندها على ذراعيها بجهد جهيد فضغطت على الزر الذي تقطن فيه.. فتحت باب الشقة بالمفتاح ممسكة رؤى بيدها اليمنى كي لا تسقط و أخيرا وضعتها على سريرها و غطتها باللحاف جيدا.. خرجت رنيم من الغرفة تكاد تسقط من فرط إرتجافها لا تصدق ما مروا به هذا اليوم.. جثت على الأرض و ضمت ركبتيها لصدرها محاولة الصمود فزحفت باكية كالطفلة الرضيعة حتى وصلت إلى الهاتف الأرضي.. أمسكته و طقطقت رقما غريبا على قلبها أو هكذا ظنت.. رقما لم تحادث صاحبه مند ما يقارب الأربع سنوات بل عاهدت روحها بقتل صاحب ذلك الرقم لآخر العمر... فهي لن تستغيثه مهما حدث.. لكن الآن... و في هذه اللحظة.. كل شيء تغير..!!.. أخد الهاتف يرن ثلاث رنات بعدها أجابها الصوت ذو النبرة الحنونة التي لطالما إفتقدتها لسنين خلت:مرحبا.. من معي؟!..
شعرت بالدوار الشديد فأمسكت بحافة الكمود تجلب من القوة... شهقت بشدة و بكت بعدما عانقت أديم الأرض حيت شعرت بالبرودة تلذغ جسدها المرتعش بقوة بعد أن أنهكه الضعف و الرعب هامسة و بصرها متبث في الفراغ: أمي.
فأجابها الصوت الحنون بخفوت شديد: رنيم إبنتي... أهذه أنت؟!...
شهقت رنيم بقوة بعد سماعها كلمة " إبنتي " فهمست بصوت متقطع باكٍ: أمي... أنجديني..!!.



( إنتهى.... الفصل....... قراءة ممتعة أحبائي)


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 02:39 AM   #4

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي




اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html

واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، ebti )

اشراف وحي الاعضاء




قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 03:42 AM   #5

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
Rewitysmile7 ....

شكرا جزيلا...... لقد إطلعت على قوانين المنتدى سابقا كما أنني سأقوم بالإعلان عن الفصل الآتي لروايتي قبل إنزاله في الرابط أعلاه... لا داعي للقلق.....

يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 11:53 AM   #6

ريا 14

 
الصورة الرمزية ريا 14

? العضوٌ??? » 424015
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 1,548
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond reputeريا 14 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
?? ??? ~
ولقد بكى من فرط ما فيه ذاك الذي لا شيء بيكيه😔
افتراضي

حبيت المقدمة .... جميل جدا التعبير .... بالتوفيق حبيبتي

ريا 14 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-18, 04:56 PM   #7

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي ....

شكرا جزيلا.... مرورك الأروع..... أتمنى أن تنال الرواية ككل إعحابك 💛😘😘😘

يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-18, 10:13 PM   #8

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي همس

يا له من أسلوب رائع... أحداث جميلة و غريبة نوعا ما لكنها متسلسلة و محبكة 💛💛💛 أول شيء فعلته أنني قرأت المقدمة.. كانت مقدمة غير روتينة غير تعريفية كباقي مقدمات الروايات الأخرى... أحببت تلاعبك بالشخصيات كثيرا و جعلك لها عبارة عن حروف لتستخلصي في النهاية عنوان الرواية... سرايا رائف 🙈🙈🙈🙈 عنوان جميل و يبدو من خلف هذه الحروف البسيطة عموضا كبيرا و إنتقاما جاحدا خصوصا من رائف... الوغد الشرير 😒😒 صراحة لم أحبه أبدا كرهته بمجرد وضعهه لرؤى في مشفى المجانين و تعذيبها تسائلت و تسائلت لماذا.... من أجل صفعة؟!! و صفعة من صديقتها يا إلهي كم هذا مؤلم.... لكنني فكرت كثيرا و من خلال حديثه مع رنيم تيقنت و اللّٰه أعلم أنه يعرف رؤى جيدا قد يبدو أنه سبق و إلتقيا إلا أنها لا تتذكره... و كرهه لها و بغضه الكبير منها دليل على إنتقامه و معرفته الكبيرة بعائلتها.... مسكينة رؤى لم تكن لتستحق كل ذلك منه مهما حدث..!!! 💛💛💛💛
على كل بالتوفيق الكامل عزيزتي... مسيرة موفقة 😍😍😍


إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-18, 10:17 PM   #9

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي همس

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوجّين مشاهدة المشاركة
شكرا جزيلا.... مرورك الأروع..... أتمنى أن تنال الرواية ككل إعحابك 💛😘😘😘


و أنا أيضا أحببتها جدا.... مقدمة جميلة و منعشة 💛💛💛💛💛💛😘😘😘😘😘


إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-18, 10:28 PM   #10

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي همس

أما فيما يخص تهديدات رنيم فأنا واثفة بأنها ستكون عند تهديداتها حقا.. يظهر أنها فتاة قوية و محاربة و ستنتقم من قصيل... لكن ما شد إنتباهي أنها أخبرت رؤى بأنها تعرف عائلة عبد الناصر عن طريق والدتها فهل يا ترى كانت لها قرابة بتلك العائلة فيما مضى...؟!.. أتمنى أن ينزل الفصل عما قريب كي أفهم الأحداث جيدا 🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷

إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.