شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f394/)
-   -   أغدا ألقاك ؟ (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة بين قلبي و عقلي (https://www.rewity.com/forum/t424082.html)

نغم 14-09-18 04:05 PM

أغدا ألقاك ؟ (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة بين قلبي و عقلي
 
https://upload.rewity.com/uploads/153510673142682.gif https://upload.rewity.com/uploads/15351067313711.gif
https://upload.rewity.com/uploads/153833511390471.gif




أولا شكر تعجز عن صياغته الكلمات للحبيبات
انجوانا ، ابتهال ، ام سوسو و رونتي .
و كل من سأل عني و افتقدني .

ثانيا قبل العودة للجزء الثاني ، في القلب غصة من الجزء الأول الذي لم تساعدني الظروف حينها على إخراجه كما أتمنى .
هذه الروايه هي صياغه أخرى مختلفة نوعا ما للروايه الموجوده في قسم الروايات المنقوله .
و هي ستكون الجزء الأول في سلسلة " بين قلبي و عقلي " .

الجزء الثاني هو " خانني من أجلك "




ملاحظة : نوع الرواية : اجتماعي ، رومانسي و شويه نقد بين السطور



الغلاف الرسمي من اشراف وحي الاعضاء



https://upload.rewity.com/uploads/153833511404747.jpg



ملخص

https://i.imgur.com/rJc82Ue.jpg
غلاف اهداء للروايه من um soso


https://d.up-00.com/2018/10/153845936182321.jpg https://upload.rewity.com/uploads/153833511395832.gif

المقدمة ... المشاركة التالية
الفصل الأول ... بالأسفل
الفصل الثاني والثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس والسادس نفس الصفحة
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الأخير
الخاتمة

https://upload.rewity.com/uploads/15383351139723.gif


متابعة قراءة وترشيح للتميز : مشرفات وحي الاعضاء
التصاميم لنخبة من فريق مصممات وحي الاعضاء

تصميم الغلاف الرسمي : كاردينيا73
تصميم لوجو الحصرية ولوجو التميز ولوجو ترقيم الرواية على الغلاف : كاردينيا73
تصميم قالب الصفحات الداخلية الموحد للكتاب الالكتروني (عند انتهاء الرواية) : كاردينيا73
تصميم قالب الفواصل ووسام القارئ المميز (الموحدة للحصريات) : Dr FaTi
تنسيق ألوان وسام القارئ المميز والفواصل وتثبيتها مع غلاف الرواية : كاردينيا73
تصميم وسام التهنئة : كاردينيا73
تصميم البنر الاعلاني : Gege86



https://upload.rewity.com/uploads/153833511398554.gif
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي




https://upload.rewity.com/uploads/15383351140055.gif

نغم 14-09-18 06:47 PM

مقدمة



" في ركن معتم ، منسي ، ستقبع صفحاتي المغلقة منكمشة على ذاتها

أعلم جيدا أنها ستحن لأناملي التي كانت تزورها

و أعلم أنها سوف تشتاق لي وسوف تشتاق أن تحضن مزيدا من حروفي

أعلم أنها سوف تشتاق أكثر أن تفتح مرة أخرى و تتنفس ندى الصباح و نسمات الغروب الحالمة

نعم سوف تشتاق أن تحيا من سباتها الطويل و تضج بأسرارها و خباياها.

لكني لن أكون هنا

لن أكون هنا لأدفئها بعِباراتي و عَبراتي

ليس بوسعي أن أعرف كم ستظل مجهولة وحيدة قابعة في سجنها الساكن قبل أن تنتشلها يدان غير يداي

ولكن بوسعي أن أتخيل

أتخيل مقدار سعادتها عندما تشعر بتلك العينين الفضوليتين تلتهمان حروفها و كلماتها و جملها ،

بوسعي أن أشعر تماما أيّ إحساس عميق بالرضا سيغمرها فتبث لواعجها جميعا بلا تحفظ و تستسلم لتلك الأنامل الأخرى و هي تتصفحها

سطرا بعد سطر

و ورقة إثر ورقة……

بعد أيام ، بعد أشهر ، بعد سنوات ربما من غيابي عنها

سوف تتعانق الحروف سعيدة و هي تخرج من مخبئها

سوف تُقرَأُ أولى الكلمات بعينين غير عيني كاتبتها

الكلمات التي كتبتها أنا

كاميليا

كاميليا الجميلة التي تملك كل شيء

كاميليا التي أحبها كل من رآها

و دللها كل من أحبها

لقد حظيت فعلا بكل دلال العالم

و لكني لم أشعر أبدا بالألفة التامة مع هذه الحياة

فلطالما شعرت بأني بعيدة ، بعيدة جدا ليس فقط عن الناس و الدنيا بل عن نفسي ، عني

لذلك أردت أن أكتب لعلي أقترب قليلا أو كثيرا من هذه التي تدعى أنا

لم أكتب عني كما يعرفني الناس بل كتبت عن تلك التي كانت يوما ما أنا أو من ظننتها حينها أنا

كتبت في سعي جارف لأفهم

لماذا بقدر حبي كانت عزلتي ؟

لماذا بقدر رضاي كانت حيرتي ؟

لأفهم هل أنا من عشت حياتي أم أن حياتي هي من عاشتني؟ "



أغلقت اليدان الدفتر الذي رغم ضآلته حوى بين دفتيه حكاية حياة بأكملها بدموعها ، بابتساماتها ، بتفاصيلها ، بمشاعرها .

أطلقت الشفتان تنهدة عميقة و أُسدل الجفنان يخفيان وراءهما نظرة شاردة و عقل أكثر شرودا يفكر و لا يفهم كيف لكلمات تخطها أناملنا أن تبقى بعد اندثار من قام بكتابتها .

سبحان الحي الباقي .

تململت القدمان قبل أن تقفا و تتجها لحياة مازالت مستمرة .

حياة أخرى ستكون فيها ابتسامات ، دموع و و و..

و أشياء أخرى يخبئها عنا القدر .

انجوانا 14-09-18 06:53 PM

اهلا وسهلا بنغم نورتينا بروايتك معاك ان شا ءالله ومتابعه قلمك يستحق صدقا واسلوبك بيعجبيني جدا جدا
الف مبررروك غاليتي

انجوانا 14-09-18 06:58 PM

مقدمه جميله ... كاميليا تكتب من وجهه نظر نفسها عن نفسها التي تعرفها ... وللحكايه بقيه لمعرفتها اكتر ...
بانتظارك نغم

انجوانا 14-09-18 07:15 PM


كلما أرهقتني الحياة بأحمالها.. هربت إلى حيث أكتب حروفاً مجنحة حرّة.

وكلما أمعن جسدي بالتوغل في الوحل.. تطير حروفي إلى صدر السماء.. وتمد لي طرف قوسها القزحي.. وتنتشلني.

نغم 14-09-18 07:19 PM

حبيبتي شكرا جدا لكلامك الرقيق كالعادة
و سعيده انك تكوني صاحبة أول رد على الروايه و على فكره هي قديمه بس بثوب جديد
يا رب تعجبك

نغم 14-09-18 07:33 PM

الفصل الأول



خطا ماهر داخل البيت و هو يشعر بثقل يجثم على صدره ، زاد من وطأته منظر ابنتهما الوحيدة مَيْ و هي تركض باتجاه غرفتها لتكمل بين جدرانها بكاءها الذي لم ينقطع.
وقف قليلا بجانب المدفأة التقليدية التي أصرت كاميليا على إضافتها لديكور قاعة الاستقبال ،
كم كانت كلاسيكية الذوق و الطبع ،
تحدت الزمن و تغييراته التي حملتها السنوات و انصهر فيها الكثيرون لكنها كانت ثابتة راسخة لم تهزها رياح التطور.
"لا أكل في غرف النوم ، الأكل في قاعة الطعام ،
لا هواتف وقت الأكل ،
لا نوم حتى الظهر ، لا سهر بعد منتصف الليل."
"الدنيا تغيرت يا كاميليا"
"الدنيا على حالها يا ماهر ، الناس هم الذين تغيروا "
"أساليب التربية القديمة لم تعد تنفع في أيامنا"
" الشيء الجيد ينفع لكل الأزمنة"
نظر إلى صورتها المستندة على حافة المدفأة ،
كم هي أنيقة في هذه الصورة و تستحق عن جدارة أن تكون من إحدى سيدات المجتمع المخملي.
و هذا ما كانت عليه ، إنسانة راقية ، من الداخل كما من الخارج ، كأنها من عالم آخر .
حتى حين غادرت هذه الدنيا غادرتها بكل أناقة .
اشترت باقة ورد من أجل عمتها العجوز المريضة و هي تبتسم ،
ألقت تحية لطيفة للبائع الأسمر و هي تبتسم
ثم انطلقت بخفتها المعتادة لتركب سيارتها و هي تبتسم.
و حتى عندما اعتلى الفزع وجوه الجميع كانت ما تزال تبتسم
كلهم رأوا الدراجة النارية التي جاءت تجري حاملة لها نداء الموت يختبئ بين ضجيج محركها،
كلهم رأوها ما عداها هي
توقفت حافلة الطلبة في تلك اللحظة بجانب محل بائع الزهور كأنما لتحجب عنها رؤية العربات القادمة من الناحية الأخرى ،
وهكذا خطت خطوة ، خطوتين و خطوة ثالثة أنهت بها سنوات عمرها الثمانية و الثلاثين.
عندما حصل الاصطدام تجمد كل شئ حولها ،
تجمدت الصرخات داخل الحلوق ،
تجمدت الإشارات ، النظرات ،
تجمد كل شيء ما عدا جسدها الذي طار مرتفعا في الهواء ثم هوى على الرصيف ،
حينها فقط عاد كل شيء إلى الحركة ما عدا ابتسامتها التي تجمدت فوق شفاهها.
و هكذا فارقت كاميليا الحياة : ملقاة على الطريق بدون أي جرح نازف ،
فلطالما كانت تخفي جراحها بداخلها
كان وجهها ما زال يحمل آثار ابتسامتها الميتة البعيدة و كان الشيء الوحيد الذي يدل أنها لم تمت منذ دهر هو باقة الورد المنتعشة التي لسبب ما لم تفلتها من يدها.
قبل وصول رجال الإسعاف بوقت طويل كان ملك الموت قد أتم مهمته و قبض روحها تاركا جسدها البارد ليتكفل به أهل الدنيا ،
أغمضوا عينيها و طرحوا عليها الملاءة البيضاء ،
ثم انطلقت الصافرات
بأعلى صوتها
تنعي بطريقتها
رحيل امرأة مثل كاميليا عن هذا العالم.
.
..

تجول ماهر بنظره بين جنبات غرفة مكتبه التي بدت له موحشة بدونها كأي مكان آخر تشاركاه سويا .
أسبوع فقط بل أسبوع كامل ينقضي على رحيلها.
سبعة أيام بالكاد تمكن فيها من استيعاب غيابها عن حياتهم التي كانت حياتها و وجد نفسه مضطرا بل مجبرا أن يفكر فيمن قد يعوضها .
لم يكن همه بشأن أمور البيت فمدبرة المنزل القديرة ستعرف كيف تأخذ المشعل و تحافظ على نفس نظامه السابق ،
المشكلة الآن فيمن يستطيع القيام بدور كاميليا ليس فقط كزوجة ،فهي كانت تساعده في كل شيء ،
تكتب رسائله ، ترد على بريده ، تحجز له تذاكره ، تترجم له الوثائق.
كانت تساعده في كل شيء و أي شيء.
بالطبع كانت معها تلك الفتاة ، مساعدتها الشخصية منذ سبع سنوات.
لكن كانت هي من تنظم ، تنسق و تتولى قيادة سفينة حياتهم.

تأمل الأوراق الموضوعة بترتيب على الطاولة خلف مكتبه الضخم و رغما عنه بدأت عيناه في التجول بين حروف الورقة التي في القمة متوقعا أن يجد رسائل عملية و مقالات و أشياء أخرى رسمية .
"سنكون هناك معك من البداية إلى النهاية، وتأكد أن التجربة سوف تكون ممتعة "
رفع حاجبيه بدهشة و عيناه تواصلان التنقل بسرعة بين الكلمات الأخرى
"هدفنا هو توفير خبرة لا تنسى ورحلة مثيرة متميزة وخاصة"
لم يتنهد بارتياح إلا حين قرأ السطور التالية
"نحن نتفهم أن الأحداث ليست مجرد لحظة خاصة، ولكنها أيضا ذكرى تستمر مدى الحياة"
"نحن نهتم بأدق التفاصيل، ونفهم أهمية التخطيط، ونحترم قدسية المواعيد"
"نحن بارعون في تنظيم الأحداث الصغيرة والحميمية كما الأحداث الكبرى والضخمة"
"نؤمن بأن التصميم المتميز ليس له بطاقة سعر"
"نؤمن بأن التنظيم للمناسبة والحدث لا بد أن يكون مليئًا بالشغف والمتعة والمرح"
"نؤمن بالسحر...
- يا عزيزي كلنا نؤمن بالسحر ، قال ساخرا ، لكن السحر الوحيد الذي تؤمنون به هو سحر الدولارات التي تقبضون بها

كانت الكلمات مجرد عبارات دعائية من شركة متعهدة للحفلات ، قطب جبينه وهو يعيد قراءة الاسم أسفل الورقة ، رغم عدم اهتمامه كثيرا بهذه الشركات إلا أن هذه التي يقرأ اسمها الآن هي واحدة من أفضل الشركات المختصة في التخطيط للأحداث الفاخرة في المنطقة و التي تراعي أعلى المعايير والخدمات من حيث الجودة لعملائها.
لن تتعامل كاميليا مع شركة باهظة كهذه فقط من أجل تنظيم حفلة عشاء عمل أو حتى من أجل حفل عيد ميلاد ابنتهما العاشر.
ترى ما الذي كنت تخططين له يا كاميليا ، أية حفلة فخمة هذه التي كنت تعدين لها فحظيت بدلا منها بجنازة مهيبة.
من أجل من كانت تلك الحفلة يا ترى ؟
مط شفتيه و هو يكمل تصفح الأوراق فلن يكون هذا هو السؤال الوحيد الذي لن يحظى بجوابه من كاميليا ، دائما ما كانت لديها أسرارها الصغيرة و لم تختلف و هي ميتة عما كانت عليه و هي حية.
هرب من أفكاره و هو يرغم نفسه على قراءة ورقة اختارها بعشوائية ،
ما جعله يهتم بقراءتها أكثر أنها مكتوبة بخط اليد ، فمن الذي ما زال يكتب بخط يده في وقتنا هذا.
كان خطا أنيقا مريحا يبدو مكتوبا من يد واثقة مما تفعل ، الحروف فيه منتظمة معتدلة تبدو كأنها تتهادى على صفحة الورقة الملساء ،
انظباط الزوايا و نعومة الانحناءات جعلت منه أكثر من مجرد كلام مكتوب ،
جعلت منه شيئا جميلا يستحق التأمل بإعجاب
و كونه رجلا يقدر قيمة العمل اليدوي بأنواعه فقد سرق بضع ثواني من الزمن ليستمتع بجمال هذا الخط.
أكيد هو خط تلك الفتاة ليلى ، تأمله ثانية ثم بدأ بالتركيز في معانيه .
كانت الكلمات على عكس الخط الدافئ باردة عملية عبارة عن تخطيط بالساعة و الدقيقة لمجموعة من المواعيد و الأعمال.
"مزيد من المعلومات عن استخراج أوراق ثبوتية لشخص أجنبي " كانت هذه هي الكلمات الوحيدة التي أثارت انتباهه.
أوراق ثبوتية لمن ؟
أكيد لأحد اللاجئين الذين وفدوا إلى بلادهم و الذين كانت كاميليا توليهم حيزا متناميا من وقتها و اهتمامها.
سيجعل أحد مساعديه يتكفل بكل هاته المواضيع ، و هو إن لم يكن وقته يسمح بتدخله الشخصي فلن يبخل ماديا
فلتكن صدقة جارية على روحك الطيبة الجميلة يا كاميليا.

………………………………



نغم 14-09-18 07:36 PM

طرقات هادئة على باب غرفة مكتبه عادت به إلى الواقع.
- ادخل ، أمر بصوت عال و هو مازال يقلب الأوراق بطريقة آلية
أطلت عليه مدبرة منزله بوجهها الذي لا يشي بسنوات عمرها التي قاربت الستين.
- سيد ماهر ، الآنسة ليلى وصلت و هي في الردهة الآن
- أدخليها من فضلك

كان في انتظارها ، طلب منها الحضور لأنه كان يشعر بعد كل تلك السنوات التي قضتها في خدمة زوجته ، بأنه نوعا ما مدين لها بمكافأة.
هذا بكل تأكيد ما كانت كاميليا لتتوقعه منه و هذا ما سيفعله إكراما لذكراها .
دخلت عليه و كل شيء فيها ينطق بالحزن : نظراتها ، حركاتها ، لون ملابسها الذي أبرز شحوب وجهها.
كانت حزينة بالفعل ،
و لا عجب فقد كانت كاميليا بالنسبة لها أكثر من ربة عمل.
كانت صديقة كذلك ، ربما الوحيدة ، فكر و هو يومئ إلى المقعد أمام مكتبه و يشير لها أن تجلس ،
لم يعرف و لم يفهم أبدا سر تشبث كاميليا بها طوال تلك السنوات .
قلّبها بنظره يحاول اكتشاف ما المميز فيها.
لا شيء هذا ما قالته له عيناه ، فعلى ما يبدو هو لا يملك نظرة زوجته الثاقبة.
بالنسبة له هي مجرد فتاة عادية أخرى.
هادئة ، منكمشة في مقعدها ، تكاد تتكور على ذاتها .
كلا لم تبدو له مميزة بالمرة.
راقبها و هي تتفقد المكان من حولها .
كثيرا ما كانا يراهما تفعلان هذا الشيء أو ذاك ، هنا و هناك.
أعاد النظر إلى الفتاة فوجدها تعض على شفتيها تحاول أن تمنع ما لا يُمنع :
- أنا آسفة ، قالتها قبل أن يحصل ما كان يخشاه و يراها تنهار أمامه
أنا آسفة ، آسفة ، همست و هي مغمضة العينين تاركة لدموعها العنان ، لا أستطيع أن أصدق أنها لم تعد موجودة

أشاح بنظره بعيدا عنها ليترك لها الفرصة لتتمالك نفسها قليلا قبل أن يسمعها تقول كأنها تحدث نفسها :
- كان من المفروض أن أكون أنا مكانها ، كان اقتناء الزهور من مهامي لكني كنت في إجازتي ، أنا آسفة ، آسفة .

التفت ليقلّبها ثانية بنظراته قبل أن يقول بجفاء :
- الذي حصل قد حصل آنسة ليلى ، أسفي أو أسفك أو أسف أي حد لن يغير من واقع أن أجلها قد حان ، هل هذا ما سنفعله الآن ؟ نعترض على قدر الله ؟

هزت رأسها نافية و هي تخفض نظراتها إلى الأرض .
أغمض عينيه قليلا و هو يُذكِّر نفسه ما الذي كانت تعنيه زوجته لها ، لم تكن فقط صديقة بل كانت كذلك تمثل لها الأمان المادي و ربما المعنوي كذلك ، قال لها بهدوء عملي :
- آنسة ليلى ما هي خططك للمستقبل ؟
- خططي للمستقبل ؟ رددت بعدم فهم قبل أن تهز رأسها نافية عدة مرات كأنها تبعد عنها تهمة ما ، كل شيء على ما يرام سيد ماهر ، أرجوك لا تشغل نفسك بأمري

" يشغل نفسه بأمرها ! لا ينقصه إلا هي حتى يشغل نفسه بها.
المسكينة لا تعرف أنه سينسى كل شيء عنها مع انغلاق الباب خلفها . "
ربما كان من الأفضل أن يجعل أي اقتراح من أجل مساعدتها ماديا عن طريق شخص آخر أو في رسالة خاصة حتى لا يشعرها بالحرج.
التفت إليها فوجدها تنظر إليه لأول مرة ، أدهشه ذلك التعبير المرتبك المتردد في عينيها :
- هل هذا كل شيء يا سيد ماهر ؟

قطب جبينه قليلا و هو يتأملها بنظرات متفحصة ثم سألها بطريقة مباشرة :
- لماذا ؟ هل هناك شيء معين كنت تتوقعين أن أطلبه منك ؟ شيء يتعلق بكاميليا ؟

تحاشت نظراته و هي تجيب بصوت خفيض تحاول إخفاء تلعثمها :
- فقط ظننت أن حضرتك ربما كنت تحتاج أن ، أن تسألني عن شيء يتعلق بعملي أقصد بعملك

تنفست بعمق و هي تضيف بصوت أكثر اتزانا :
- ما أقصده هو أنه إذا طرأ أي أمر أستطيع أن أساعد فيه بطريقة ما ، تأكد حضرتك أنه سيسرني أن أفعل .

صمتت قليلا قبل أن تضيف بسرعة :
- دون مقابل طبعا ، فقط من أجل كاميليا
- سأتذكر عرضك ، قالها و هو يهز رأسه باقتضاب

راقبها ترحل و هو يتمنى لو لم يستدعيها.
كل ما فعلته هو أنها جعلت ضيقه أكبر.
كلماتها و التعبيرات التي صاحبتها كانت غير متوقعة كأنها كانت شبه متأكدة أنه سوف يحتاج إليها.
فكرة مقبضة خطرت له و هو يغلق الباب خلفه.
هل من الممكن أن هذه الفتاة التي كان بالكاد يلحظها تعرف عن زوجته أكثر مما يعرف؟
ابتسامة مريرة سرقت طريقها إلى شفتيه و هو يسأل نفسه :
ترى ماذا و كم كنت تخبئين عني يا كاميليا؟

………………………………

نغم 14-09-18 07:38 PM

أغلقت ليلى الباب بهدوء و هي تشعر ببابٍ آخر من أبواب حياتها يُغلق في وجهها و إحساس عميق بالوحدة و الانعزال يغلق قلبها و تفكيرها .
رغما عنها توقفت أمام المدفأة ، مرت أصابعها بلطف فوق سطحها المصقول قبل أن تريحها على الإطار الفضي الذي يحيط بصورة سيدة البيت الراحلة .
تأملتها سارحة و هي تتذكر كم كانت الصور تخلب لب كاميليا
" ساكنة و لكنها تزخر بالحياة ، تغمر قلوبنا بالذكريات ،
رغم أنها تبدو جامدة متوقفة إلا أن لها هذه القدرة العجيبة على إدارة عجلة الزمن و حملنا بعيدا ،
إلى عالم كان و لن يعود"
تمتمت ليلى بأسى وهي تلمس وجه كاميليا المحبوس خلف الزجاج اللامع :
- أنت أيضا يا حبيبتي كنت و لن تعودي

احتضنت الصورة بين يديها برفق ثم خاطبتها بحنان :
- سامحيني يا كاميليا ، لن أكمل ما كنت تسعين إليه ، لم يعد هناك جدوى
أستغفر الله ، لكن برحيلك أشعر أنه لم تعد هناك جدوى من أشياء كثيرة

- ليلى
وضعت يدها على موضع قلبها و تجمدت قليلا ثم التفتت ببطء
- هل ماتت أمي حقا يا ليلى ؟
ألن أراها مرة أخرى أبدا ؟
لماذا لم يسمحوا لي أن أحضنها لمرة أخيرة يا ليلى ، لماذا ؟

سارعت إليها تضمها إلى حضنها تحاول دون جدوى أن تذيب حزنها في أحزانها ، تكتم شهقاتها في دفء صدرها و هي تجيبها :
- أنا آسفة يا مَيّْ سامحيني
- لماذا تطلبين مني السماح ؟ لا دخل لك بموتها ، لا دخل لأي أحد .

أغمضت عينيها و هي تقربها منها أكثر و تهمس في سِرِّها
" و مع ذلك أنا آسفة، آسفة لأني لا أستطيع أن أكذب عليك يا حبيبتي .
لا أستطيع تخفيف الوجع عن قلبك الصغير و أوهمك بأنها قد تعود .
حبيبتي الصغيرة عليك أن تستوعبي و أعلم كم أن هذا صعب بأن من يذهب هناك لن يعود "

أخرجتها الطفلة من تأملاتها عندما سحبت نفسها من حضنها و سألتها بقلق :
- هل سنتقابل مرة أخرى يا ليلى ؟

بشبح ابتسامة على وجهها طمأنتها قائلة :
- ليس كثيرا كما في السابق و لكننا سنتقابل ، سأحاول بأقصى جهدي أن أراك مرة في الأسبوع على الأقل .

قامت واقفة و قالت و هي تنحني قليلا و تطبع قبلة رقيقة على الخد الطفولي:
- حان وقت مغادرتي الآن

رافقتها مَيّْ في وجوم إلى الباب العريض و قبل أن تخطو خارجا التفتت ليلى تتأمل البيت الكبير ،
بدا لها فارغا تعيسا بدون صاحبته تماما مثل قلب الطفلة التي كانت ترمقها بحزن.

غادرت باتجاه البوابة و هي مثقلة القلب : تشعر بمدى عبثية هذه الحياة فالموت حين يأتي قد لا يأخذ لحظات من عمر الزمن في حين أن تأثيره يظل سنوات و سنوات على أرواح ظلت رغما عنها على قيد الحياة .
تنهدت بحزن على الطفلة الذي كتب عليها في هذا السن الغض أن تواجه و تتأقلم لتستمر ، الحمد لله أن معها أبوها على الأقل .
مع أنه رجل دون قلب و دون ذوق طبعا ، فكرت و هي تقلب شفتيها و لكنه يظل أبا و سيكون سندا لها في هذه الدنيا .

نغم 14-09-18 07:43 PM

غارقة و مستغرقة في أفكارها لم تشعر ليلى بوطأة نظرات ذاك الذي كان في بالها
وقف ماهر مستندا على حافة نافذة المكتب المطلة على الحديقة يراقبها تتجه إلى باب الخروج بخطى سريعة كأنها تتجه إلى الخلاص
كان قد قد خرج إلى قاعة الاستقبال يبحث عنها ليجس نبضها ، ليعرف دون أن يسألها مباشرة إن كانت مطلعة على شيء ما
فمنذ قليل تلقى مكالمة أخرى غريبة.
المكالمة الأولى كانت بعد يومين فقط من موت زوجته ، لم يكن اسم المتصل مدونا عندها ، كان الذي رد عليه من الناحية الأخرى رجلا
- آلو هذا أنا أكرم
- أكرم من ؟ انبعث صوته جافا و هو يتساءل من الأبله الذي يتصل بامرأة ميتة
- mi dispiace, اعتذر الرجل الآخر بالإيطالية ثم كرر الاعتذار بالعربية قبل أن يغلق الخط ثم هاتفه حين حاول معاودة الاتصال به
ظل حينها يتأمل الهاتف بعدم اقتناع و قد استطاع بأذنه المرهفة تبين التلعثم في صوت الرجل و لسبب ما شعر أن الأمر أكبر من مكالمة خاطئة لكن انشغاله بترتيب أمور عمله و دنياه و ثقل الحزن الذي كان يشعر به جعله لا يدقق في الأمر.
أما هذه المكاملة الثانية فقد كانت من إيطاليا و هذه المرة كان المتصل موظف أحد الفنادق هناك ليسأل عن الحجز باسم زوجته الراحلة .
إيطاليا مسقط رأس كاميليا
و بالتحديد نابولي
ولدت في مستشفى صغير دافئ كسنوات عمرها الأولى هناك
هذا كل ما يعرفه عن طفولتها
أما لماذا لم تشأ الذهاب في رحلة إلى إيطاليا فهذا ما لم تخبره به أبدا
قالت له حين ألح عليها مرة بالسؤال أنها لا تود أن تشوه الصورة المثالية التي تحملها في روحها عن ذكرياتها السعيدة هناك
لكن أية ذكريات قد تكون حملتها في روحها أو عقلها و هي قد غادرت إلى أرض الوطن في الرابعة من عمرها
لم يقتنع أبدا بذلك العذر و لكنه كان يعرف أن لا أحد في هذا العالم ينزع معلومة متشبثة بداخل كاميليا
و الآن ها هو ذا يعرف عن طريق الصدفة أنها كانت تنوي زيارة إيطاليا أخيرا لكن ليس برفقته
ما الذي كنت تخفينه عني هذه المرة يا كاميليا؟
انه يعلم أن المرأة لا تكون امرأة إلا إذا كانت لديها أسرار تخفيها
كل واحدة من بنات حواء تعيش لتخبأ
لتخفي شيئا ما
شيئا قد يكون بسيطا جدا مثل حلية ذهبية تدخرها لأيام أقل تألقا
أو قد يكون الشيئ حياة ثانية كاملة لا يعرف عنها أقرب المقربون منها لمحة ما
فأيهن كنت يا كاميليا
أولا هناك هذه الرحلة الغامضة إلى إيطاليا
و ثانيا ذلك الرجل المجهول الذي اتصل به
ترى أية علاقة من الممكن أن تجمع كاميليا برجل مغترب ، ما الذي كانت تنوي فعله في هذه الرحلة و الأهم مع من كانت ستقضيها ؟
ازدادت حرقة اللهيب الذي يشعر به
أعوذ بالله ، رددها عدة مرات كي يهرب من مختلف الوساوس التي بدأت تمر بذهنه
سامحك الله يا كاميليا ، سامحك الله قالها و هو يترك النافذة ليعود و يجلس خلف مكتبه العريض .
تأمل قليلا صورتها الصامتة و بدأ يخاطبها بأسف :
- أهذا هو ميراثك لي يا كاميليا : حيرة ، شكوك و غضب

ارتاحت أصابعه على الإطار للحظات ثم استمر يعاتبها :
- ألم تستطيعي أن تكوني امرأة عادية لمرة واحدة ، لمرة أخيرة
أبعد الصورة عنه بحركة عنيفة ثم عاد يتأمل هاتفها .
الهاتف الذكي كما يطلقون عليه و الذي بدا له في هذه اللحظة في قمة الغباء بملمسه البارد و شاشته المظلمة و محتواه الفارغ ، الخالي من أي إجابات لأسئلته الكثيرة .
ضغط زر الاتصال بآخر رقم .
بعد رنة واحدة مقتضبة سمع صوت امرأة تتكلم بلهجة رسمية
- برونتو ، و بعدها الجملة الرتيبة المعتادة التي تعرف بالفندق ، كيف أستطيع أن أخدمك يا سيدي ؟
- أريد أن ألغي حجزا باسم زوجتي المتوفاة
أعطاها الاسم ثم انتظر لدقائق قليلة قبل أن تقول له بصوت أقل رسمية و أكثر لطفا :
- أرجو أن تتقبل تعازينا الحارة يا سيدي
ترددت قليلا ثم واصلت تقول :
- بالنسبة لإعادة الأموال فإدارة الفندق تحتاج إلى بعض المعلومات
- سأتكفل بالأمر صمت قليلا ثم سألها :
- هل لديك معلومات أخرى عن هذا الحجز ؟
- مثل ماذا سيدي ؟
- مثلا هل كان هناك مرافق لها خلال مدة إقامتها ، هل هناك حجز آخر تم بواسطة بطاقة ائتمانها
- لحظة يا سيدي ، بعد صمت بسيط سمع صوتها تجيبه بتأكيد ، كلا يا سيدي لم يكن هناك حجز آخر ، المفروض أنها كانت ستقيم هنا بمفردها

أغمض عينيه براحة ممزوجة بالمرارة ثم قال بصوت بعيد قبل أن يغلق الخط :
- وداعا و شكرا


الساعة الآن 07:40 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.