آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل]غار الغرام ،"الرواية الثالثة" للكاتبة / نبض أفكاري "مميزة" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          مشاعر طي النسيان- شرقية-للكاتبة المبدعة:منى الليلي( ام حمدة )[زائرة] *كاملة &الروابط* (الكاتـب : أم حمدة - )           »          قيدك الماسي (7) -رواية غربية- للكاتبة المبدعة: Shekinia [مميزة]*كاملة &الروابط* (الكاتـب : shekinia - )           »          عيد ميلاد لا ينسى(101) قلوب نوفيلا(حصريا)ف.الزهراء عزوز*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-10-19, 10:25 PM   #1031

bkkaarr

? العضوٌ??? » 94862
?  التسِجيلٌ » Jun 2009
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » bkkaarr is on a distinguished road
افتراضي


في الانتظار ..امتي الفصل؟



bkkaarr غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 02:42 AM   #1032

bkkaarr

? العضوٌ??? » 94862
?  التسِجيلٌ » Jun 2009
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » bkkaarr is on a distinguished road
افتراضي

امتي موعد نزول الفصل؟؟،؟

bkkaarr غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-19, 02:52 AM   #1033

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نرمين نحمدالله مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
بعتذر عن فصل اليوم


كان الله فى عونك ياحبيبتى


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 30-10-19, 09:18 AM   #1034

بيوونا

? العضوٌ??? » 304364
?  التسِجيلٌ » Sep 2013
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » بيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond reputeبيوونا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمته

بيوونا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 07:27 PM   #1035

مريم المقدسيه

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية مريم المقدسيه

? العضوٌ??? » 319925
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 567
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond repute
?? ??? ~
سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضووووووور

مريم المقدسيه غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين

رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 09:59 PM   #1036

حالمة
 
الصورة الرمزية حالمة

? العضوٌ??? » 444533
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 318
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » حالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond reputeحالمة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضوووووووووور

حالمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 10:47 PM   #1037

Tuo

? العضوٌ??? » 421877
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 117
?  نُقآطِيْ » Tuo is on a distinguished road
افتراضي

Watttiiinngg نيموووووووو🤞🔥❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤

Tuo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 10:55 PM   #1038

zezo ali
 
الصورة الرمزية zezo ali

? العضوٌ??? » 400366
?  التسِجيلٌ » May 2017
? مشَارَ?اتْي » 171
?  نُقآطِيْ » zezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond reputezezo ali has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضووووووووووووور

zezo ali غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 11:18 PM   #1039

Maryam Tamim

مصممة في قسم وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Maryam Tamim

? العضوٌ??? » 435378
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 2,733
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Maryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضورررر
♥️♥️♥️♥️♥️♥️


Maryam Tamim غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-19, 11:23 PM   #1040

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الثامنة والعشرون
=======

_بسرعة يا عابد ..نفسي أشوفها ع الطبيعة بقا !
تهتف بها لجين بلهفة وهي تتحرك جواره في رواق الحرم المؤدي ل"الكعبة"..
قبل أن تتسع عيناها برهبة وهي تميز البناء المقدس الأسود يظهر لها أخيراً ..

تتوقف مكانها مأخوذة بسحر النظرة الأولى للكعبة وهي تشعر بالدموع تسيل من عينيها فجأة بتأثر ..
تقترب وتقترب ..

فلا يمكنها وصف هذا الشعور الذي يملأها
الآن ..
كأنها هاهنا ..هاهنا فقط ترى الأصل ..ترى البداية والنهاية ..
ترفع رأسها للسماء فتراها أكثر صفاء من أي مرة رأتها فيها ..
كأنها غير السماء التي أظلتها عمرها كله ..
تنظر تحت قدميها ..فتتباطأ خطواتها وهي تحك قدميها في الأرض حكّاٌ ..
يرتعد قلبها وهي تفكر ..
هاهنا ربما في مكان خطواتها بالضبط سار أطهر أهل الأرض !

جسدها يرتجف بقشعريرة عجيبة وهي تقترب وتقترب ..
الحجر الأسود !
تستلمه بيمناها كما علمها عابد ..تنحني
لأسفل كي تقبله فتشعر أن روحها تحلق
لأعلى ..

تكبّر ثم تبدأ طوافها ناظرة للسماء شاعرة أنها استبدلت روحها بأخرى ..أكثر خفة ..أكثر نقاء ..وطهراً ..
لا تدري أين اختفت كل هذه الأدعية التي ظل عابد يلقنها إياها ..
قلبها لم يكن يلهج إلا بدعوة واحدة ترددها دون تكلف ..


(اللهم إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ..فاكتبني ممن كسب نفسه وأهله)

تقولها فتذكر ثمر ..ياقوت ..إسلام ..هيثم ..وعابد !
يرتجف جسدها أكثر بالبكاء وحرارة دعائها تزداد مدركة قيمة النعمة التي شملتها بعد طول حرمان ..
"الأهل"!

تتم طوافها سبعاً لتستلم مقام إبراهيم فتصلي ركعتين خلفه ثم تعاود استلام الحجر الأسود لتبدأ بعدها السعي بين الصفا والمروة سبعاٌ ..

لتنهي مناسكها بتقصير شعرها هناك في غرفتها بالفندق الذي يقيمان فيه !
أمام مرآتها تقف مبتسمة وهي تراه خلفها قد حلق شعر رأسه كاملاً فتميل رأسها لتقول باستغراب:
_مش مصدقة إن كل حاجة خلصت بسرعة كده ..حاسة إني رحت دنيا غير الدنيا .

فابتسم بحنان وهو يقترب منها قائلاً بصوته العذب:
_مِن أصدق ما قرأته هذه المقولة : "قبل أن تأتي مكة عليك أن تعلم أنه يمكنك أن تغادرها متى شئت ولكن مكة لن تغادرك ..ستحزمها في حقيبة قلبك .. ستشعر بسعادة عارمة أنك قد سرقت مدينة ولكنك ستكتشف لاحقاً أن مكة هي التي سرقتك من نفسك "

_فعلاً ..ده اللي أنا حاساه بالظبط ..حاسة إني مش هارجع زي ما أنا قبل ما سافرت ..طول عمري بصلي وأقرا قرآن وأدعي زي ما علمتني ستي ثمر ..بس هنا ..هنا كل حاجة لها طعم تاني .
تقولها بتأثر فيكتنف كتفيها براحتيه ليرد :
_إنها الطاعة يا فضيّة عندما تلقي نورها في القلوب فلا تعادل لذتها لذة ..سبحان من قال في كتابه "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم".

تتنهد بحرارة وهي تسند رأسها على كتفه شاعرة أنها تحررت من كل أوزارها ..
لكنها لا تزال تخشى انكشاف أمرها عنده !
ماذا لو علم عن سابق مرضها ؟!
ماذا لو انتكست وعادت ؟!
ماذا لو سببت له فضيحة لا تنسى؟!
ماذا لو تركها لتعود خاوية الكفين ؟!
ألف "ماذا لو" تكاد تسحق رأسها خوفاً وقلقاً !!

_أعرف منين إن ربنا بيحبني؟!
تسأله بتشتت فيربت على ظهرها ليرد بحنانه الممتزج بهيبة كلامه :
_يا حوريتي ..إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك ..أليس هو القائل في حديثه القدسي : من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة !

فترفع رأسها نحوه قائلة :
_بحب كلامك قوي ..عمري ما ارتحت في
كلام سمعته بعد كلام ستي ثمر إلا معاك .

يقبل جبينها بعمق فتتنهد بارتياح قبل أن تسأله بتردد :
_ممكن أسألك عن حاجة ولو اتضايقت ما تجاوبش .
فابتسم وهو يربت على وجنتها مطمئناً لتعاود سؤاله بارتباك :
_واحنا طالعين هنا الأوضة وقبل ما تفتح الباب حسيتك فجأة اتضايقت ووشك احمر ودخلتني هنا بسرعة ..أنا عملت حاجة غلط ؟!

فيمط شفتيه ليجيبها بضيق متذكراً ما حدث :
_الغرفة المقابلة كان بابها مفتوحاٌ والرجل فيها كان ينظر إليكِ .

تتسع عيناها بصدمة للحظة قبل أن تضحك ضحكة متفاجئة :
_انت بتغير عليّ؟!
فيعقد حاجبيه ليرد باستغراب:
_لماذا تتعجبين هكذا ؟!
_انت بتغير عليّ؟! بجد ؟!
تعاود سؤالها بضحكة أكثر تعجباً لكنها حملت إليه وجعاً لم يفهمه ..
خاصة وهي تغمض عينيها مع هزات رأسها المتتابعة كأنها لا تصدق ..
فاحتضن وجنتيها براحتيه لتضحك من جديد إنما بمرارة هذه المرة :
_كنت دايماً أضحك مع ستي ثمر وأقوللها إن الميزة الوحيدة اللي هياخدها الراجل اللي هيتجوزني إنه مش هيغير عليّ ..هيبقى مطمن إن مفيش حد غيره هيبصلي .
لكنه يهز رأسه ليعاود تقبيل جبينها بعمق هامساً :
_لا أدري من أين أتتكِ هذه الفكرة ولا لماذا تبخسين نفسك حقها بهذا الشكل .. أغار عليكِ لأنني أخشى أن يراكِ أحدهم كما أراكِ فيفتن بكِ كما فتنت !

تحمر وجنتاها بهذا الخجل الذي يزيد جمالها في عينيه وهي تشعر أنها قبله كانت فقيرة ..بل معدمة ..ليأتي هو فيزداد غناها به يوماً بعد يوم !

تتردد قليلاً لترفع إليه عينيها بسؤالها :
_انت عايزني ألبس النقاب ؟!
يبتسم دون رد مطرقاً برأسه لكنها تعاود السؤال بإلحاح:
_يعني انت شايفه فضل واللا فرض زي ما بيقولوا ؟!

فترتفع أنامله لتربت على رأسها وهو ينظر لعينيها قائلاً :
_لو كان فرضاً فأنتِ أولى بالطاعة ولو كان فضلاً فلا أظنكِ بزاهدة في الأجر .

ابتسامته تنتقل منه إليها وهي تتفحص
ملامحه النورانية بنظرة تزداد تقديراً يوماً بعد يوم ..
كيف كانوا يخوفونها من الزواج برجل ملتزم دينياً بزعم أنه سيعاملها كجارية ؟!
والآن تجده يعاملها كملكة حقيقية يفكر في حقوقها قبل حقوقه ولا يفرض عليها رأياً بل يناقشها ويقنعها ..
فنِعم المعطي ..ونعم العطيّة !

عيناها تلتمعان بمزيج من امتنان وحب حلّق فوق مقلتيها لتهمس له أخيراً:
_شكراً ع العمر الجديد اللي اتكتب لي معاك ..
ثم تحتضن كفيه براحتيها لتردف بابتسامة أكبر :



_هالبسه مش بس عشان أرضيك ..عشان كمان ستي ثمر كانت دايماٌ تقول لي "قيدوا النعم بالشكر" ..وانت نعمة كبيرة لازم أشكر ربنا عليها بكل طريقة .

فيرتفع حاجباه بحنان وهو يضمها نحوه بقوة هامساً :
_حوريتي أنتِ ! لا تزال دعوتي لكِ في كل صلاة ..أن تكوني زوجة الدنيا والآخرة .
======





_مش هيتحرك طول ما هو ضامن إنك في إيده ومستنياه ..
يهتف بها إسلام عبر الهاتف وهو يجلس على الأريكة في شقته عقب استماعه لتفاصيل ما حدث بين زين وياقوت لترد الأخيرة بانفعال :
_ده ما كدّبش خبر ! خمس دقايق بعد ما مشي من عندي ولقيت ستي بتكلمني بتقوللي إنه اتصل بيها .
_أوبا! وقالت له إيه ؟!
يقولها وهو يتحرك ليسند ركبته تحته في جلسته بوضع متحفز ليصله صوتها غارقاً في انفعالاته :
_الأول عزمها هي معايا قال إيه يعني بيشكرنا ع اللي عملناه مع همسة ..وستي طبعاً قالتله مش هتقدر تحضر عشان صحتها مش سامحة ..بس هو اتحجج بهمسة وقاللها حضوري هيسعدها ويأكد
علاجها فهي وافقت وقالتله بنفس طريقته مادام عشان علاج همسة ماشي بس انت تيجي معايا .
_حلووو! ده جالي في ملعبي يعني!
يهتف بها إسلام بحماس مع ضحكة رافقت استطراده :
_مش سهلة ستك ثمر دي ! زمانه بيطلع نار من ودانه دلوقت ..يبقى يفرجني بقا هيعمل إيه ليلتها وأنا رجلي على رجلك !
_انت بتهزر؟! احنا هنروح بجد ؟!
تسأله باستنكار ليرد وهو يعتدل في جلسته قائلاً :



_امال! ده احنا هنروح ونعمل أحلى شغل
..لازم يحس إنك قدام عينيه ومش قادر يطولك ..هتطنشيه انتِ خالص ولا كأنه موجود ..مش سعادته عازمك عشان أخته؟!
خلاص خلليكي انتِ مع همسة ..بس لازم نظبط "اللوك" بتاعك ليلتها ..عايزك تبقي قمر الحفلة كلها ..ماتشيليش همّ هاظبطلك أنا القصة دي .
_هَم إيه اللي أشيله ؟! أنا من غير حاجة قمر أصلاً !
تقولها باعتزازها المبالغ فيه ليمط شفتيه هاتفاً باستياء:
_طب اقفلي يا ملكة جمال العشوائيات دلوقت ! معايا مكالمة تانية ع "الويتينج" .


يغلق الاتصال معها لتتحول ملامحه لحنان خالص وهو يتلقى مكالمة إيناس:
_واحشاني يا "أنّا" ! ده هو يوم واحد بس اتشغلت معلش ..أصالحك بإيه ؟! أسطوانة جديدة لفريد الأطرش ! أظن دي ما يتقاللهاش لأ !
ضحكته العالية تصدح بعدها وهو يستمع لردها المبالغ في استحسانه ليهتف بعدها :
_أنا لو من عمو علاء ما أدخلش فريد ده البيت ..بس أنا أصيل ومش هافتن ..هه ..مش عايزة حاجة تانية أجيبهالك معايا ؟!

يتلقى ردها بصوتها الذي غلب حنانه مرحه
كالعادة وهي تطلب منه ألا يتأخر في زيارتها ليهتف ضاحكاً :
_أيوة طبعاً ..سيدنا غرقان في العسل وناسيكم وبتفشوا غلكم في الغلبان !

يقولها ليغلق الاتصال معها واعداً بزيارة قريبة ولم يكد يفعل حتى رن الهاتف من جديد برقم هيثم :
_إزيك يا ولد ؟! أخبار المزاج إيه ؟!
نبرته المازحة تمتزج بحنانه الأصيل ليردف باستنكار متوعد :
_بقى كنت عايز تخبي عليا انك خفيت لولا ياقوت الأصيلة عرفتني ؟! ده أنا هاعلقك من ودانك ..شكلك وحشتك ال"عُلَق" بتاعة زمان !

ضحكة هيثم المختنقة تقابله من الجانب
الآخر للاتصال فيتنهد إسلام مستشعراً لوعة شقيقه ليتحول صوته للجدية :
_أنا مش شايف لازمة للي بتعمله بس سايبك براحتك .
_انت رأيك إيه ؟! شايف إني ممكن أكمل معاها ؟!
_لأ!
يقولها إسلام قاطعة ليرد هيثم بتنهيدة حارقة من الجانب الآخر للاتصال فيستطرد
الأول بتفهم :
_الجواز مش حب وبس ..انت عارف إن ماما عايزة تبيع البيت ؟! متخيل جيلان هانم لما تضحي ببيتها العظيم ده معناه إيه ؟! عارف إنها رغم قلقها عليك مش قادرة تزورك وانت عندك ؟! هي ساكتة دلوقت عشان مصلحتك متعرفش إنك خلاص رجعت لك ذاكرتك ..لكن لما تعرف إنك خفيت مش هتقدر تستحمل الوضع ..

ثم صمت لحظة ليردف بحسم :
_ولا انت !

_عارف ..بس ..مش قادر أسيبها يا إسلام ..نظرة الرعب في عينيها لما بتفكر إني ممكن أسيبها بتقتلني .
نبرة هيثم الملتاعة تخز قلبه بصدقها ليغمغم بإشفاق:
_وبعدين؟! هتفضل عايش بتكدب على نفسك وعلى اللي حواليك ؟! محدش بيكمل عمره في كدبة يا هيثم !

صمت هيثم يقابله للحظات طالت قبل أن يقول بأسى:
_سيبها للوقت ..أكيد هاخد قرار ماهو مش هينفع فعلاً أفضل كده .
_هتشتغل معاها فعلاً في المحل ده ؟!
_أهه ..أجرب ..مش هاخسر حاجة !
يقولها هيثم بلامبالاة مصطنعة ليردف برجاء:
_بس ما تقولش لماما إني خفيت ..على
الأقل لحد ما أرسى على بر .
_ماشي ..بس ماينفعش الوضع يطول كده ..أنا عارف إن القرار صعب بس
لازم تاخده .
_حاضر .
يقولها هيثم بقنوط ليتنهد إسلام قائلاً بنبرة عاد إليها مرحها:

_وأنا معاك في أي قرار هتاخده زي زمان ..فاكر يا ولد واللا نسيت؟! ياما غطيت على مصايبك .
ضحكة هيثم الصافية من الجانب الآخر
للاتصال تجد صداها في قلبه هو خاصة
والأول يقول بامتنان :
_ده العشم يا كبير .
_ما تيجي أعدي عليك بالليل نلف شوية
بالعربية ..وبالمرة نشوف الماتش سوا على أي كافيه .

يغلق معه الاتصال بوعد بلقاء الليلة ليتنهد بارتياح وهو يهم بإلقاء الهاتف ليصدح الرنين من جديد فيهتف بصوت عال:

_ده ما بقاش بيت ده بقا سنترال ..
ثم يمط شفتيه بترقب وهو يرى اسم جيلان ليفتح الاتصال هاتفاً بمرح مبالغ فيه :
_والله ما نسيتك يا ست الكل ! انشغلت بس بفرح واحد صاحبي ..والله أبداً ..هاعدي عليكِ النهارده ..

كان يتحدث بمرح حنون محاولاً احتواء مشاعرها غافلاً عن تلك التي كانت متوارية خلف جدار المطبخ تراقبه من مكمنها بعينين متقدتين بعاطفة وليدة نحوه تجاهد للطفو على السطح ..
تعلم أنها مخطئة باستراق السمع لمحادثاته لكنها عجزت عن منع نفسها من اقتحام
عالمه ..
ألم يفعلها هو من قبل ؟!
لم تفهم أغلب مادارت حوله مكالماته لكن ما فهمته -وتعجبته- أنه يعني الكثير لكل من حوله ..
ياقوت ..إيناس وعلاء ..هيثم ..أمه ..وهاهو ذا يغلق الاتصال مع الأخيرة لتسمعه يهاتف لجين التي سافرت مع زوجها ..
كيف يمكنه أن يؤدي كل هذه الأدوار ببراعة خلف واجهته الهزلية التي تخدع من تراه بأنه لا يحمل هماً ؟!
كيف يمكن أن يتلون حنانه بكل الصفات ..؟!
الأخ ..الابن ..الصديق ..ولابنتها الأب ..
ولها هي ..
ماذا عساه يكون لها خلف بريق "الزوج" المتفهم ؟!
تراها تطمع أن تبادله عاطفته التي يحكي عنها ليكونا حقاً عاشقين ؟!

ابتسامة أمل تلون شفتيها ..ويذبحها خوفها !
إنها تخاف أن تقترب منه فيحول بينهما "الطيف اللعين" من جديد يصمها بالخيانة !
لقد شرحت خوفها هذا لياقوت وبررت به رغبتها بالابتعاد عنه -جسدياً- لكن الأخيرة نصحتها ..

_طول ما انتِ بتبعدي هتفضلي خايفة ..لازم تقربي وتفشلي مرة واتنين لحد ما تنجحي ..ولو على إسلام ما تخافيش هو متفهم وده شيئ نادر صراحة ..مش بقوللك كده عشان هو أخويا بس فعلياً صعب تلاقي راجل يتقبل وضع زي ده إلا لو بيحب بجد .

ابتسامتها تعود لشفتيها مع الخاطر الأخير وهي تعود لتتفحص ملامحه خلسة من خلف الجدار ..
يبتسم وهو يكتب شيئاً ما على هاتفه فتدرك أنه يراسل أحد أصدقائه ..لعله سيف !
ابتسامته ساحرة حقاً ..
"الطيف اللعين" يفرض نفسه من جديد في مقارنة اعتادتها وسأمتها ..
فتختفي ابتسامتها وهي تعقد حاجبيها بضيق هاربة من أفكارها ..

_بابا ..أنا صحيت ..شوف معايا "مولان" بقا !

صوت ريما الناعس بالخارج عقب استيقاظها لتوها يقاطع أفكارها فتطل برأسها من خلف جدار المطبخ لتهتف لها بصوت عادت إليه بعض الحيوية :
_بعمل "دوناتس"وجاية لكم .

عيناها تعلقت بعينيه للحظة وابتسامته تتلون بشيئ يخصها وحدها ..
مزيج من عبث وحنان و..حب!

ابتسامة ظلت تتخلل ذهنها وهي تعد لهم الحلوى بسرعة لتزينها كما تحب ريما بالسكر ..وكما يحب هو بالشيكولاتة البيضاء!

تحمل الطبق لتتوجه نحوهما بارتباك غذته نظراته المشتعلة لها كالعادة ..كأنما هي أول مرة يراها !
تجلس جواره فتجده يحرك ذراعه ليحتضن ريما فتتحفز في جلستها وهي تنتظر أن يفعل معها المثل ..
لكنه لم يفعل ..
كعهده مؤخراً ينتظر مبادرتها ليجزيها عن الواحدة ..عشراً!

تمد أناملها لتطعم الصغيرة قطعتها ..
ثم تتردد قليلاً قبل أن ترفع قطعته هو نحو فمه متحاشية لقاء نظراته ..

_أول مرة تأكلي بابا!

تهتف بها ريما بفرحة أشرقت لها
ملامحها ..وملامحه هو قبلها !
خاصة ووجنتاها تحمران كثيراً فيبتسم وهو يتفحص وجهها المطرق بمزيج من دهشة وهيام !
خجلها البريئ هذا يثير حيرته فلا يكاد يراها إلا بصورة مراهقة خجول تتعثر أولى خطواتها في الحب !
يراها ترفع القطعة من جديد نحو فمه ولاتزال تهرب بعينيها من عينيه فتلتمع نظراته بعبث وهو يتعمد ملامسة أناملها الممسكة
بالحلوى بشفتيه مستمتعاً بازدياد الحمرة في وجنتيها ..
صدق يوم شبهها ب"التين الشوكي" ..
الآن صار يوقن أي حلاوة تختفي خلف هذه القشرة الخادعة !

_مش هتاكلي يا ماما ؟!
_ماليش مزاج .
تقولها مجيبة الصغيرة وهي تضع الطبق جانباً فتعود ريما لتتابع الشاشة باهتمام فيما شردت هي ببصرها وهي تشعر بقربه يزيد ارتباكها ..
تتابع ذراعه الساكن جوارها خلسة تنتظر في كل لحظة أن يرفعه ليضمها نحوه كابنتها ..
لكنه لا يفعل ..
تسمع صوت ضحكته وتعليقاته للصغيرة فترفع عينيها نحو جانب وجهه خلسة ..
وبمنتهى البطء ودون أن تشعر أنها قد فعلت ..
كانت قد أسندت هي رأسها على كتفه !
تكتم أنفاسها للحظة وهي تلعن نفسها سراً ..
لأنها قد فعلتها ؟!
أم لأنها تخجل من فعلها ؟!
لا ..لا ..ستتراجع !

ترفع رأسها في نفس اللحظة التي مد هو فيه ذراعه أخيراً كي لا يمنحها سبيلاً للتراجع ..
يضمها نحوه فتضطرب خفقاتها بجنون ..
خاصة وهي تسمع همسه شديد الخفوت في أذنها :
_كنا قلنا الواحدة بعشرة ..صح؟!

تغمض عينيها بقوة محاولة استيعاب هذه الفوضى التي اكتسحتها وهي تشعر بشفتيه على جانب صدغها ووجنتها تترنحان
بقبلات متمهلة شديدة النعومة ..
عشرة ؟!
بل أكثر ..أكثر بكثير !

وكأنما قرأ ما بذهنها ليعود همسه شديد الخفوت يغازل أذنيها مستغلاً انشغال الصغيرة بما تراه :
_أنا كريم ..وانتِ تستاهلي!

يهمس بها وضغط ذراعه حولها يشتد بقوة تنتقل منه إليها فتجد الجرأة لترفع عينيها إليه ..
حمرة وجنتيها تصنع مع ابتسامتها إعصاراً يكتسحه لكنه لم يساوِ شيئاً أمام حركتها التالية وهي تحرك رأسها لتداعب "شامته" المميزة بأنفها بحركة بطيئة كأنما تطمئنه وتطمئن نفسها قبله ..
الآن تراه ..تراه هو !!


_ريما!
هتافه المفاجئ يكاد يوقف صدرها رعباً خاصة وهي تجده يبعدها بينما الصغيرة تلتفت إليه من انتباهها هاتفة :
_أيوة يا بابا ..بتزعق ليه ؟!
فيقف فجأة وهو يمسك كف نشوى في راحته مخاطباً الصغيرة بقوله بسرعة منفعلة :
_أنا ومامي عندنا ليكي مفاجأة ..اقعدي هنا مؤدبة لغاية ما نجهزهالك ..ماشي؟!
_ماشي!
هتفت بها ريما وهي تصفق بكفها ضاحكة ليسحب هو نشوى خلفه فيكاد يعدو بها نحو غرفته ولم يكد يدخل حتى أغلق الباب خلفهما ليسند ظهرها إليه فتكتم تأوهها بصعوبة ..
لم تعد تتعجب جرأته بل صارت بصورة ما تتوقعها !
تشعر بلهيب كفيه على خصرها فترفع عينيها إليه بتلك النظرة الآسرة ببراءتها ..

_قلبي بيسلم عليكي وبيقوللك ..عيدي المشهد الأخراني كده عشان آخر لقطة
مالحقتش أدقق فيها .

يهمس بها بنبرته العابثة فتكتم ضحكتها في صدره ..
جنة عشق يمنحها لها بين ذراعيه فتطأها قدماها بحذر ..
تذوب ..تشتعل ..تنصهر ..
لكنها لا تزال تخاف !
تتشبث ب"شارة التعريف" على عنقه ..
تجاهد لتحارب "الطيف اللعين" فتنتصر مرة ..
لكنها تنهزم أخيراً !
تبعده عنها لاهثة الأنفاس كأنها خاضت -لتوها- معركة قاسية قبل أن تطرق بوجهها لتغلبها دموع خيبتها ..وخزيها !
لكنه يضم رأسها لصدره بتفهم وهو يستعيد بدوره نصيحة ياقوت ..

_هي مش فاهمة نفسها ..ناصر في عينيها مش راجل ..ناصر صورة ورمز اتبنى في سنين ..صورة انت أكتر حد قرب من شبهها ..واحدة واحدة الصورة هتتغير بس المسألة محتاجة صبر ..وحب ..وانت عندك الاتنين!


يزفر بقوة محاولاً تمالك أنفاسه بدوره ككل مرة تخذله فيها ضلالاتها ..
لكنه لم يتعلق يوماً بنتيجة اختبار كما يفعل بامتحانه العسير هذا معها ..
يستعيد لذة كل امرأة نالها قبلها فلا يجد
مجالاً للمقارنة أصلاً!
وهج ابتسامتها وحده يكفي ليرجح كفتها بأي ميزان..فماذا بما هو أكثر؟!


لهذا رفع وجهها نحوه ليتحسس شفتيها بإبهامه محاولاً إضفاء المرح على همساته :

_عارفة يا "ست نشويات" انتِ؟! مسيري في يوم هاخلص منك القديم والجديد كله ..حسابك تقل ..وأنا في الحساب معنديش ياامّه ارحميني!

فتمتزج ابتسامتها بدموعها التي مسحتها بسرعة وهي تحاول مجاراته في مزاحه :
_ست نشويات؟! ده آخرك في الدلع يعني؟! لا شكلك خبرة في الستات فعلاً !

ضحكته القصيرة تمنحها سكينة تحتاجها حقاً في هذه اللحظة ..
خاصة مع "الغمزة الساحرة" حبيبتها التي رافقت همسه العابث:
_لا ده احنا بنسخن بس! كله بأوان يا "عسل"!

تتسع ابتسامتها وعيناها تتشربان ملامحه بنهَم كأنما تريد حقاً التشبع بها محاربة "طيفها اللعين" ..
تريد أن تحبه ..
تريد هذا حقاً بكل قوتها ..
فهل يستجيب الحب لما نريده ؟!

تهرب من خاطرها الأخير مستجمعة كل إرادتها لمقاومة هواجسها فتسأله وهي تشيح بوجهها :
_هنعمل إيه في ريما ؟! زمانها مستنية المفاجأة !
_مستعدين يا عسل!


يقولها ثم يجذبها من كفها نحو خزانة
ملابسه التي فتحها ليشير نحو قاعها هاتفاً بنفس المرح:
_عندي مخزون استراتيجي يلائم كل خططنا المستقبلية للمعارك المحتملة القادمة .

ابتسمت وهي تفهم ما يشير إليه لتلتفت نحوه هامسة :
_دماغك حلوة يا باشمهندس .
_ده أنا هابهرك ! اديني فرصتي بس .

امتنانها يمتزج بعاطفتها الوليدة نحوه في نظرة دافئة جعلته يتنهد ليقول أخيراً بجدية :

_ماما كلمتني من شوية عايزة تشوفك ..لسة مش مستعدة تزوريها؟!
فشحبت ملامحها قليلاً حتى بدت له على وشك الرفض ..
لكنها تناول كفها ليردف مطمئناً:
_ماما يمكن تبان مغرورة وكل همها المظاهر لكن الأزمة الأخيرة اللي مرينا بيها غيرتها كتير ..أنا واثق إنها هتحبك ..زي ما أنا حبيتك .

يالله !
كيف بكلمة واحدة منه أن تجعل ملامحها تتبدل من النقيض للنقيض ..
لم تكن أول مرة تسمع فيها اعترافه لكنه يسطع في روحها كل مرة ك"شمس"!

هل تفقد الشمس رونق شروقها مهما تجددت به الأيام؟!!

والجواب من جديد تحمله ابتسامتها مع هذه النظرة الآسرة في عينيها ..
نظرة امرأة تتعلم معه أبجدية الهوى من جديد ولا يعنيها أن تبدأ كتابتها من اليمين أو اليسار ..
من الأعلى أو الأسفل ..
مادامت الكلمات دوماً بينهما ..مفهومة !
=====




_امال فين ريما ؟!
تسأل جيلان بلطف كسا نبرتها وهي تجلس أمام إسلام ونشوى في بيت الأولى ليرد
إسلام بحذر وهو يحاول قراءة انفعالات نشوى:
_عند خالها .
_خسارة ..كان نفسي أشوفها ..أكيد جميلة زي مامتها .
لطفها المهذب كان يختلط بنظرة تفحص طويلة لنشوى لهذا ارتبكت الأخيرة نوعاً وهي ترد بابتسامة مهتزة :
_شكراً ..حضرتك أجمل .

هنا رفعت جيلان حاجبيها ببعض الدهشة وهي تعاود تفحص ملامحها ..
لم تتوقعها بهذا الشكل أبداً !
بسيطة الجمال ..عادية الأناقة ..متحفظة
الأسلوب ..
بعيدة تماماً عن المواصفات التي توقعتها
لامرأة يختارها ابنها بكل هذا الإصرار !!

لقد تنبأت أنها إما تكون باهرة الجمال أو لعوب تجيد صنوف الغنج والدلال لكن هذه تبدو متحفظة منغلقة تماماً على نفسها ..
ولو صدقت نفسها لاعترفت ..
امرأة كهذه تبدو وكأن ابنها هو الذي أوقع بها وليس العكس كما ظنت!!

_ممكن تسيبني مع عروستك لوحدنا شوية ؟!


تقولها لإسلام بنبرتها شبه الآمرة ليزداد
الارتباك في ملامح نشوى ويبدو التردد على وجه إسلام لكن جيلان أردفت بنبرة أكثر لطفاً:
_أوضتك ما وحشتكش ؟! اطلع اقعد فيها شوية والحق خبي مصايبك قبل ما مراتك تطلع وتشوفها .

فتصنع إسلام ضحكة قصيرة وهو ينهض ليمسك كف نشوى فيحتضنه بخفة بحركة داعمة مانحاً لها نظرة مطمئنة قبل أن ينحني ليقبل رأس أمه قائلاً بمرحه المعهود :
_أخبي عليها ليه ما اتدبست فيا واللي كان كان ؟! ما عادش فيها رجوع ..

ثم غمزها بخفة وهو يعتدل بجسده مردفاً :
_خفّي ع البنت يا جيجي ..مش أدك .
فابتسمت وهي تربت على ركبة نشوى لتميل رأسها بحركة استقراطية ناسبت قولها :
_اللي تخللي واحد زيك يحارب الدنيا كلها عشانها ما يتخافش عليها ..
بالعكس ..يتخاف منها .

ازدردت نشوى ريقها بتوتر وهي تشعر أنها بصدد اختبار ليست مستعدة له ..
نظرات حماتها نحوها ليست ودودة تماماً ولا تلومها كثيراً -في الواقع- مع ظروف زواجهما الأقرب للهزلية !


تراقب عيناها إسلام وهو يبتعد ليصعد نحو الطابق العلوي فيخفق قلبها بقوة وهي تشعر كعهدها في رغبتها بالهروب لشرفتها المغلقة ..
لكنها تتذكر نصيحة ياقوت فتغمض عينيها بقوة كأنما تستدعي كل صلابتها في موقف كهذا ..
تعاود فتح عينيها لتتفحص المكان حولها فتنتبه لفخامته الزائدة عن الحد ..
مستوى عالٍ من الرفاهية لم تحسبه سيكون هكذا ..
شعور طبيعي بالوهن يجتاحها وهي تنتبه لحقيقة الفارق الاجتماعي بينهما ..
لكنها تعود لتذكر نفسها ..كل هذه نقود من حرام !

الخاطر الأخير يزيد ضيقها لا العكس فتزفر زفرة مختنقة وهي تمسح قطرات عرق خفيفة على جبينها مدركة أن المرأة أمامها تضعها تحت مجهر ملاحظاتها ..

_مش هاكدب عليكِ وأقوللك إني راضية عن الجوازة دي ..حطي نفسك مكاني ..ابنك فجأة يتجوز عروسة كان رايح يحضر فرحها ! نكتة سخيفة ..خصوصاً لما تعرفي إنها مطلقة وعندها بنت صغيرة ..يعني حمل كبير قوي هو في غنى عنه .

تقولها جيلان بنبرتها الأستقراطية التي تمزج الاستعلاء بالتهذيب ..


فيمتقع وجه نشوى أكثر لكنها ترفع عينيها إليها مستعيدة طبيعتها "الشوكية" التي تنفعها في مواقف كهذه :
_هو اتقدم وعرض ..وأنا وافقت ..ابن حضرتك مش صغير ولا قاصر ..ده راجل عدى التلاتين وكان مؤخراً مستقل بحياته في تركيا ..يعني ..

تنقطع كلماتها عندما ترفع جيلان راحتها في وجهها بحركة بسيطة لتبتسم بقولها :
_بلاش الحوار ياخد الشكل العدائي ده ..انتِ ما سمعتنيش للآخر.

تأخذ نشوى نفساً عميقاً محاولة تمالك توترها بينما تتسع ابتسامة جيلان وهي تردف:
_انتِ مش أول عروسة يختارها وأرفضها ..بس انتِ أول واحدة يصرّ عليها بالشكل ده ..عشان كده الأيام اللي فاتت كلها بحاول أفكر إيه اللي يخللي إسلام يعمل كده ؟! واحد زيه لف ودار وعرف بنات كتير هنا وفي تركيا ..اشمعنا انتِ بالذات اللي تخلليه يتحدى الدنيا عشانك بالشكل ده ..سؤال حيرني بس النهارده ..عرفت إجابته .

ترفع نشوى إليها عينيها بحذر فتغيم عينا جيلان بنظرة أكثر عاطفية وهي تردف بشرود :


_من زمان ما شفتوش صافي كده زي النهارده ..يمكن من قبل ما يسافر تركيا ..صحيح هو دايماً بيهزر ويضحك بس كنت بحسه بيعملها من ورا قلبه ..النهارده أول مرة من فترة طويلة أحس إن ابتسامته هي هي بتاعة زمان ..

ثم تعود ببصرها نحو نشوى التي كانت ترمقها بنظرة مندهشة لتكمل:
_ماتستغربيش ..الأم بس هي اللي تقدر تفهم حاجة بسيطة زي دي ..إسلام معاكِ رجعت له روحه القديمة ..وده ماكانش هيحصل لولا إنه فعلاً ..بيحبك .

اعترافها لم يحمل ضغينة بقدر ما حمل تقديراً !
ربما لهذا لانت ملامح نشوى كثيراً لكنها لم تدرِ بماذا ترد ..
حديثها مع جيلان يختلف كثيراً عن مثله مع إيناس ..
كلاهما أم ..إنما بطريقتها !!
صحيحٌ أن الثانية أكثر بساطة ورقّة ..لكن هذه تبدو أكثر دراية بابنها كأم حقيقية ..
خاصة وقناعها المتعالي يتشقق لتبرز تحته ملامح مأساتها عبر شرود قولها :
_عارفة ..من أقل من سنة البيت ده كان عامل إزاي ؟! النهارده أنا عايزة أبيعه ..ما بقيتش عايزة أتحسر ع اللي فات أد ما بقيت بتمنى ألحق اللي جاي ..
ثم مدت أناملها تتحسس قلادة عنقها ب"
"صورة ولديها" المعلقة فيها مردفة :

_عايزة ولادي يفرحوا وينسوا ..يبتدوا صفحة جديدة نضيفة من غير رواسب من الماضي ..عشان كده فرحت لما شفت نظرة إسلام ليكي النهارده ..وفرحت أكتر لما افتكرت اللي سمعته عن اللي عملتيه مع أخوكي ..وقفتك جنبه وإنقاذك لمصنعه ..
إسلام فعلاً محتاج واحدة زيك في حياته دلوقت ..واحدة تسنده وتفهمه .

تقولها لتعاود التربيت على ركبة نشوى التي دمعت عيناها وهي لا تجد رداٌ ..
حديث المرأة انتهى عكس ما بدأ به تماماً ..
وها هي ذي تتلقى مباركتها مباشرة مع "هديتها" التي التقطتها من جوارها بخفة لتلفها حول عنق نشوى قائلة :

_أنا بعتز قوي بصور ولادي ..دي سلسلة فيها صورة إسلام ..اعتبريها هدية جوازكم ..

تقولها بصوت متهدج لتقبل جبينها مردفة :
_مبروك ..ولو إنها متأخرة .

فيرتجف جسد نشوى بانفعالها وكلماتها تترنح على شفتيها برد متحفظ يفتقد كثيراً للباقة ..
لكن جيلان رمقتها بنظرة متفحصة طويلة لتقول لها بهدوء:
_أقوللك حاجة وتصدقيني؟! قبل ما تيجي كنت محضرة لك سؤال مهم أفتكر أي أم مكاني كانت هتسأله ..إيه اللي يخللي ناصر يسيبك يوم الفرح بالشكل المهين ده !

تعود ملامح نشوى لشحوبها وهي تشعر بخزي الطعنة القديمة لايزال ينزف بين ضلوعها ..
لكن جيلان هزت رأسها لتمسك بكتفي نشوى قائلة :
_بس خلاص ما عدتش عايزة أعرف إجابة ..هو خسر وابني كسب .

هنا انخرطت نشوى فجأة في بكاء انفعالي وقد شعرت أن هذه المقابلة رغم سلامها الظاهري لكنها تعيدها وسط حلبة قتالها الخاصة ..
فضمتها جيلان لصدرها لتربت على ظهرها قائلة :


_ماقصدتش أضايقك بس أنا حبيت أكون صريحة معاكي في كل حاجة ..من ساعة موضوع حسين وأنا عرفت قيمة الوضوح ..يمكن بيجرح ساعات بس أرحم ما نعيش مخدوعين بأوهام مالهاش أساس .

رفعت نشوى عينيها إليها وهي تمسح الدموع عنهما لتحاول رؤية المرأة من زاويتها الخاصة ..
امرأة مغدورة عاشت عمرها تحت ظل غيمة من وهم ..
لم تمطر عليها سوى ضلالات خادعة !!
لهذا انقلب شعورها بالتحفز نحوها لتعاطف حقيقي وهي تمنحها ابتسامة كبيرة جعلت جيلان تضحك وهي تشير للأعلى قائلة :
_اطلعي بقا لجوزك عشان زمانه قلقان ..وامسحي عينيكي عشان ما يقولش إني زعلتك ..أول مرة أجرب شعور الحما ومش عايزة أطلع زي ما بيقولوا عنهم .

فتضحك نشوى وهي تعاود مسح وجهها شاعرة أن المرأة وجدت مكانها في قلبها حقاً ..
ربما لأن واجهتها الأرستقراطية المتعالية تشبه قناعها هي الشوكي ..
مجرد قشرة خادعة تخفي خلفها وهن أنوثة طبيعي ..
وربما لأنها بكلماتها الداعمة منحتها المزيد من الثقة في نفسها وهو ما تحتاجه هذه
الآونة حقاً ..
وربما فقط ..لأنها أمه !!
أجل ..هي صارت تأنس بكل ما يقترب إليه بِصِلة ..فما الحال بوالدته ؟!!

لهذا وقفت مكانها ثم عادت تنحني لتقبل رأس جيلان بحركة كفتها الكلام قبل أن تتحرك بخطوات حذرة نحو الدرج المؤدي للطابق العلوي ..
الفخامة الفائقة للمكان تعاود ملأها ببعض الرهبة خاصة وهي تجد نفسها في رواق طويل لا تدري أين تقع غرفته ..
لكنها تراه أخيراً يقف منتظراً إياها عند الباب ولم يكد يلمحها حتى هرع إليها ليتفحص
ملامحها هامساً بقلق:
_قالت حاجة ضايقتك ؟! تحبي نمشي؟!


لكنها هزت رأسها نفياً لتمنحه ابتسامة رقيقة جعلت ملامحه ترتخي وهو يجذبها من كفها نحو غرفته التي أغلق بابها خلفهما هاتفاً بنبرة عاد إليها مرحها :
_حيث كده بقا ..اتفضلي شرّفي أوضتي المتواضعة .
_مش متواضعة ..خاالص!

تقولها وهي تهز رأسها متفحصة الغرفة التي لم تقل فخامة عن بقية البيت إنما بلمسته هو "المجنونة "..


_ذكرياتي كلها هنا ..سابوها زي ما كانت قبل ما أسافر ..شرايط عمرو دياب ومحمد منير القديمة ..عجلة الأيروبيكس ..ال"كورنر" ده كنت بلعب فيه ملاكمة ..تخيلي ..أنا ألعب
ملاكمة ؟!!

تضحك ضحكة عالية وهي ترى الكتلة المعلقة بحبل هناك حيث يشير فيهتف باستنكار مصطنع وهو يضم قبضته :
_ضحكتك قوي دي؟! تحبي تشوفي بنفسك ؟!
_لا لا لا ..صادق صادق!

تقولها وهي تبسط راحتيها في وجهه
بملامحها التي أشرقت بنور حقيقي انعكس على قلبه هو الآخر ..
فبدا كطفل مبتهج وهو ينحني على ركبتيه لينظر تحت الفراش ثم يستخرج حقيبة كبيرة فتحها أمامها ليجلس متربعاً ثم أشار إليها لتجلس جواره قبل أن يشرع في تفحص محتويات حقيبته ..


_ده صندوقي الأسود ..دي صوري وأنا صغير على مدار أعوام الطفولة والمراهقة والشباب ..جيلان هانم بتقدس الصور ..

يقولها وهو يتصفح معها بعض الألبومات لتبتسم بعاطفة حقيقية وهي تشاركه هذا الجزء من ذكرياته ..
قبل أن يضع ما بيده جانباٌ ليعاود تفحص ما بالحقيبة :
_وبقية ذكريات مراهقتي وشبابي ..قمصان مشجرة موضة التسعينات ..آه والله كنت بلبس الحاجات دي مش عارف إزاي ..كوتشي أميجو بينوّر ..برفاناتي القديمة على رأسها "ون مان شو" ..مجلات العربي الصغير ..و..صور ل"سيلين ديون"..كراش الطفولة والصبا ..سيبك من بقية الصور عشان هتتكسفي ..ركزي مع دول ..شوية شرايط لعمرو خالد ..آه ماهو مش كله هلس يعني !

لم تنقطع ضحكاتها القصيرة وهي تسمع

ملاحظاته عن مقتنياته التي أعادت لها "عمراً"!!
معظم هذه الأشياء تشاركها هذا الجيل بتفاصيل مشابهة ..
لو كان لأشرف أن يحتفظ بذكريات كهذه لما اختلفت كثيراً ..
إنها تشعر الآن معه وكأنه أعادها لتلك الحقبة ..
ورغماً عنها وجدت نفسها تستعيد ذكريات مراهقتها مع أشرف بينما كانا صغاراً ..
أشرف ؟!
فقط ؟؟!

_وده جاكي شان ..غني عن التعريف طبعاً ..البنات كانت بتحب أميتاب باتشان وأجازة العيد كانت بتضيع قدام
أفلامه ..بس احنا كنا بنحب ..

كلماته تتشوش في أذنيها والصورة التي رفعها للممثل الشهير تلطمها بذكرى ل"ناصر"!!

تذكر أحاديثه مع أشرف والتي كانت هي تتصنت إليها فتعرف أنه كان شديد الإعجاب به وقتها هو الآخر ..
تذكر أنها بعدها اشترت صورة كبيرة لذاك الممثل وعلقتها في غرفتها ..لم تكن تراه هو بل كانت ترى ناصر في صورته ..مثالاً للقوة والجرأة ..والحب!

_سرحتي في إيه ؟!

تشهق بعنف كأنه ضبطها متلبسة بجريمتها!
فتشحب ملامحها للحظات ليفاجأ بها تتحرك نحوه ..
تتلمس "وحمته" بأناملها كأنما تستمد منها عصمتها ..!!

تلهث وسط كلماتها التي بدت له انفعالية أكثر مما ينبغي :
_أنا مبسوطة قوي إني شفت أوضتك النهارده ..وصورك كمان حلوة قوي ..مامتك كمان كويسة جداً ..شكلها طيبة ..و ..و ..

كلماتها اللاهثة تتقطع بالمزيد من الارتباك الذي فضح له خبيئتها !!
حدسه يخبره بسبب ارتباكها هذا خاصة مع إصرارها على تلمس شامته كأنها تحتمي به هو من ذكرياتها !!
يعقد حاجبيه لأول وهلة بيأس والقنوط يوسوس إليه أنه لن يصل معها أبداً لمحطة تواصل ..
لكنه يتذكر نصيحة ياقوت ..

_لو حسيت إنها سرحت في الماضي وهي معاك خلليها تركز في حاجة تانية تخصك انت ..انت وهي وبس ..

فيتنحنح ليقف مكانه ويوقفها معه ثم يحيط خصرها بكفيه ليغرس نظراته في عينيها هامساٌ :
_فاكرة أول مرة اتقابلنا ..أنا كنت لابس إيه ؟!

أنفاسها تهدأ رويداً رويداً وهي تعود لشرودها إنما فيه هو هذه المرة !
يبتسم وهو يسمعها تهمس عبر شرودها :
_قميص كاروهات أبيض في إسود ..وبنطلون جينز بلو بلاك..و..كوتشي ..أحمر!

_ما انتِ كنتِ مركزة معايا اهه ! امال كنتِ عاملة لي فيها "عبده موتة" يومها ليه ؟!
يقولها وهو يقرص وجنتها بخفة لتكتم ضحكتها الخجول في كتفه هامسة :
_صدقني ما افتكرتش غير لما سألت ..أنا في الغالب ذاكرتي ضعيفة جداً .

_انتِ بقا كنتِ لابسة نفس القميص ده ..صح؟!
ترفع وجهها نحوه بإيماءة موافقة ليردف وهو يبتعد برأسه متفحصاً جسدها بنظراته :
_بس كنتِ أتخن من كده ..الزرارين دول دلوقت مقفولين بالمرتاح ..لكن يومها كان فيه بينهم مسافة ظريفة مفتوحة شوية توحي بعِظَم المستور !

تشهق بمزيج من دهشة وخجل وهي تضع يدها عفوياً على مقدمة قميصها هاتفة :
_وانت خدت بالك يومها ؟!
_عيب يا عسل!
يهمس بها مؤكداٌ بإيماءة رأس مع غمزة ساحرة ليردف مستمتعاً بالمزيد من التواقح:
_اللي زيك المفروض أصلاً ما يلبسش قمصان ..فيه تناقض بين وفرة الموارد المتاحة وكثافة القماش بينتج عنه "ثغرة" يصعب تجاهلها ..آه!

يتأوه ضاحكاً وهو يراها تلكمه في كتفه هامسة بغيظ:
_انت فظيع بجد ! كارثة !
_بس كارثة حلوة ..

يهمس بها وهو يضم جسدها نحوه أكثر مردفاً بنبرة عابثة :
_ودمها خفيف ..وتتحب والله ..بس انتِ قدمي السبت ..وكل أيام الأسبوع تلاقيها تحت رجليكي .
تكتم ضحكتها في صدره وهي تشعر بدقات قلبها تشبه قرع الطبول ..
جرأته الوقحة لم تعد تثير ضيقها بقدر ما تشعر أنها تحبها ..تحتاجها ..
ترمم بها شروخ أنوثتها التي تصدعت حصونها ..
تشعر به يزيح عنها وشاحها لتتخلل أنامله خصلات شعرها مع همسه :



_في الأوضة دي ياما حلمت
بالأميرة ..رسمت ألف صورة وصورة ..مرة شقرا ومرة سمرا ..مرة طويلة ومرة قصيرة ..مرة مصرية ومرة شامية ومرة أجنبية ..بس حبيبتي طلعت أجمل بكتير من كل الصور .

تتأوه بخفوت وجسدها يرتجف كعهدها مع كل "اعتراف بالحب" تتلقفه منه روحها بهذا الصدق ليبذر مكانه شجراً من نور ..
فترفع أناملها نحو "شارة أمانها" على عنقه و"شارة بدايته" هو كما يراها ..
تغمض عينيها مستسلمة لطوفان عاطفته وهي تشعر أنها تذوب فيه بكل جوارحها ..


معه لا يمر الزمن كما اعتادت بل تعدو الxxxxب مهرولة في طوافها كأنما تذكرها بقيمة العمر المسكوب على صحاري الماضي!

معه لا ترى نفسها كما اعتادت بل تقترض عينيه لتبصر بهما صورة شديدة الحلاوة ما ظنت نفسها يوماً تملكها !

معه لا تشعر بجسدها كما اعتادت بل تفاجأ به في كل مرة يتراقص بنغمة متجددة كأنما يملك عصا الساحر القديرة على إبهار مسارحها كلها !

معه تكتشف أخرى جديدة ..هي هي ..وأبعد عن أن تكون هي!

لكنها تتذكر والدته فتهتف فجأة بينما تبعده عن جنون ما يفعله :
_مامتك !..احنا نسينا نفسنا هنا ..زمانها بتقول علينا إيه ؟!

تقولها وهي تنحني لتلتقط وشاحها قبل أن تهرع نحو المرآة المقابلة لتعدل وضع
ملابسها وترتدي وشاحها ..

لكنها تنتبه له خلفها يلاحقها بنظراته عبر المرآة وابتسامة غريبة تظلل شفتيه ..
توجه نحوه نظرة متسائلة عبر المرآة لتشعر به يقترب منها ببطء ليحتضن خصرها من الخلف هامساً :
_المرة دي "توقف البثّ" عشان ماما بس !

تلتفت نحوه بحدة والإدراك الأخير يصدمها !
إنها المرة الأولى التي لا يتدخل فيها "الطيف اللعين" في علاقتهما الخاصة !!
هل هذا حقيقي ؟!!
صدمتها تزيد من عمق ابتسامته وهو يوقن من صحة شعوره فيتلمس وجنتها بأنامله وهو يشدد ضغط ذراعه الآخر حولها ثم يغمزها هامساً :
_طول عمري أقول الأوضة دي مبروكة وفيها شيئ لله..ده أنا كده أقنع الوالدة باشا ما تبيعش البيت بقا .

تبتسم بخجل وعيناها تعاودان تفحص
ملامحه بهذه "النظرة الآسرة " خاصتها لتمنحه للغد ألف أمل وأمل ..

_العب! إيه ده بقا ده بقا ده ؟! السلسلة دي من "الوالدة باشا"!
يهتف بها بمرحه المعهود الذي خالطه وهج عاطفة حقيقية وهو ينتبه للقلادة التي حملت صورته على جيدها ..
لتبتسم وهي تتلمسها بخجل قائلة :
_لسه واخد بالك دلوقت ؟!
فيغمزها وهو يقرص وجنتها هامساً:
_كنت مركز في الأهم .
تهز رأسها بيأس من وقاحته فيصمت قليلاً ..
ثم يتنهد بعمق وهو يديرها نحوه متلمساً
قلادتها بأنامله مع همسه الجاد :
_ماكنتش عايزك تلبسيها دلوقت ..ع الأقل لحد ما أحس إنك انتِ اللي عايزة تلبسيها .

تدمع عيناها بشعورها المعهود بالذنب وهي لا تدري بماذا ترد ..
تخاف أن تبوح فتكذب ..
أو تداري ..فتخون ..
لكنها بين هذا وذاك وجدت نفسها تتمتم بصدق:
_أنا ..عايزة ألبسها .

يرتفع حاجباه للحظة وعيناه تتفحصان
ملامحها يحاول قراءة ما تخفيه ..
قبل أن تلتوي شفتاه بابتسامة ماكرة وهو يعود لتواقحه العابث:
_شرف لينا يا فندم ..مش هنلاقي لصورتنا الموقرة مكان استراتيجي أحسن من كده ..
تلطم خدها برفق كاتمة شهقة خجلها بينما هو يردف مستمتعاً بردة فعلها:
_بس بقول نطول السلسلة شوية ..تكون ..

تكتم شفتيه بقبضتها مقاطعة بقية عبارته وهي ترمقه بنظرة مغتاظة فيعضّ باطن كفها لتبعده بسرعة وصوت ضحكاته يثير غيظها ..
و ما هو أكثر !
======





_كلمها انت يا ناصر ..محدش فينا قادر عليها ..حتى والدها غلب معاها .

تغلق بها أمها الاتصال ليزفر ناصر بحنق وهو يقود سيارته نحو ذاك النادي الذي وصفته له أمها حيث يفترض أن تحضر سها هناك ذاك الحفل الراقص ..
تباً !
أما لجنونها هذا من آخر؟!
لقد ظن الأيام كفيلة بإثنائها عن هذا الغباء الذي تصر أن تنساق نحوه بمنتهى
الاستسلام ..
لكن هاهي ذي لا يزيدها الوقت إلا عناداً !!
لقد اعتذر لها عشرات المرات ..

لم يعد يذكر عدد تلك الليالي التي ذهب فيها إليها يرجوها العودة إليه فلا يزيدها هذا إلا إصراراً !
لم يعد يفهمها حقاً !
لماذا تفعل به وبنفسها هذا ؟!
لماذا تصر أن يضيع العمر في هذه الترهات ؟!
هل هو عقابها كي تضمن ألا يكررها؟!
وهل كانت فكرته هو من البداية ؟! ألم تكن هي من اقترح وأصر!!

يلمح بوابة النادي فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يميز الزحام ..
هي لم تكن تذهب يوماً لمكان دونه ..
كانت تشاطره كل أوقاتها كما كان يشاطرها كل أوقاته !
الخاطر الأخير يجعل عينيه تدمعان اشتياقاً وهو يشعر برأسه يكاد ينفجر ..
يتجاوز بوابة النادي نحو تلك القاعة المخصصة للحفل ..أحد الحراس يستوقفه لكنه يتغاضى عن هذا مكتفياً بشارة وظيفته الملصقة على السيارة ..
يترجل من السيارة وخطواته العاصفة تفضح هذا البركان بداخله ..
صوت الموسيقا الصاخبة من الداخل يفجر المزيد من الألغام بداخله فيتجاوز الحشود باحثاً عنها حتى يجدها هناك ..
على منصة المسرح تراقص أحدهم بدلال متكلف وقد بدت له غريبة حقاً بتبرجها المغالي وذاك الثوب المكشوف الذي ترتديه ..


الدم يغلي في عروقه وهو يغالب الزحام ليصل إليها ..

وفي مكانها كانت هي تغلق عينيها بقوة سامحة لهذه الألحان الصاخبة أن تدق عنق مشاعرها دقاً !
حركات جسدها أقرب ما تكون للجنون لكنها كانت تشعر أنها تريد الانتفاض
..التمرد على كل شيء وأي شيئ..
تراه في كل صورة حولها ..
تسمع صوته يرجوها العودة ..
تلعن قلبها وهو يستحلفها أن تستجيب ..
ستفعل !
لكن ليس بعد !
ليس قبل أن تذيقه ما ذاقته !!
تعلم أن الفراق يقتله كما يقتلها لكنها تتلذذ برؤية عذابه في عينيه ..
لعله يطفئ نيران خيبتها فيه تلك الليلة التي ذبحها فيها وتركها بدم بارد ليذهب لأخرى ..
لن تصفح ..لن تغفر ..مهما كانت المبررات !!

تفتح عينيها أخيراً وهي تشعر بذراع صلبة تشدها لتشهق بعنف وهي تجده أمامها ..
عيناه مشتعلتان بغضب احمرّ له وجهه بينما عيناها الخائنتان كقلبها تجريان على
ملامحه بمزيج نادر من اشتياق وقسوة ..
تكتم صرختها وهي تحاول مقاومته بينما يتحرك بها ليغادرا المنصة حول العيون المحدقة فيهما بفضول ..


تحاول تثبيت قدميها في الأرض بعناد لكنه يستدير فجأة ليحملها من خصرها عنوة ويتحرك بها نحو سيارته ..
وجهها يحمر حرجاً وهي تقاومه بين صرخاتها القصيرة فيحاول البعض التدخل لكنه يصرخ بهم بحدة :
_دي مراتي ..محدش يقرب!

تلكمه بقبضتيها في مزيج من حرج وقهر فيضطر لإنزالها أرضاً ..
لكنه يجرها جراً نحو سيارته القريبة التي فتحها ليدفعها داخلها بعنف ثم يستدير فيستقلها جوارها وينطلق بها هارباً من هذا الجحيم ..


_إيه اللي انت عملته ده ؟! انت خلاص اتجننت !
تصرخ بها بحدة وهي تلوح بكفيها ليلتفت نحوها صارخاً بدوره :
_أنا اللي اتجننت ؟! واللا انتِ ؟! إيه اللي بتهببيه ده ؟! إيه اللبس ده والتصرفات دي ؟!
_ولسه ياما هاعمل يا ناصر !! كل يوم هاعمللك فضيحة لحد ما تطلقني !

تصرخ بها بعناد ليوقف السيارة فجأة على جانب الطريق المظلم فتطلق صريراً مزعجاً ثم يلتفت نحوها ليعتصر ذراعيها بقبضتيه هاتفاً بإصرار:
_مش هاطلقك ..لو حكمت إني أحبسك في بيتنا لحد ما دماغك تتظبط هاعملها !

_يبقى لسه ما تعرفنيش يا ناصر! مفيش قوة في الدنيا هترجعني ليك لو أنا مش عايزة !

عيناها تشتعلان بعناد يشبه عناده فتتناحر النظرات للحظات ..
قبل أن تتدخل خفقات القلوب فتفرض نفسها بينهما ..
يقترب الوجهان دون أن يدري أحدهما من الذي يفعلها بالضبط ..
شفتاها ترتجفان بمزيج من غضب واشتياق فتتعلق بهما عيناه للحظة قبل أن يضمها نحوه في لقاء عاصف زاد من اشتعالهما معاٌ ..
افتقدها !!
افتقدها حد الجنون !!
كيف ظن يوماً أن قربها ينقصه المزيد ؟!!
هي وحدها الكمال الذي يرتجيه !!

يكاد يعتصرها بين ذراعيه كأنما يذيقها من جحيم ضلوعه ما يثنيها عن هذا الجنون الذي اجتاحها لكنها تدفعه أخيراً لتسيل دموعها من عينيها غزيرة مع شهقات بكائها :
_عارفة إني وحشتك والبيت من غيري مش بيت ..عارفة إنك بتستنى أرجع لك النهارده قبل بكرة ..عارفة أد إيه بتتعذب من غيري وبدعي من قلبي تتعذب أكتر وأكتر ..جرب تخاف تخسرني زي ما أنا جربت..اسهر قلقان من غيري زي ما أنا سهرت ..اتخيلني في حضن واحد غيرك زي ما أنا اتخيلت..

كلماتها تنقطع براحته التي كتمت شفتيها تمنعها التفوه بالمزيد وهي تشعر بجسده ينتفض بغضب كما لم يفعل من قبل ..
لكنها لم تكن أقل منه غضباً وهي تسمع صياحه المشتعل بين أنفاسه اللاهثة :
_مفيش فايدة ! لسة مصممة تعيشي دور الضحية وناسية إن الغلط كان مشترك بيننا ..مش شايفة غير جرحك انتِ وبس!
فتحرر وجهها منه لتشيح به هاتفة بعناد مغيظ :
_فعلاً مفيش فايدة ..انت كنت عايز كل حاجة وخسرت كل حاجة ..وأنا أكبر خسايرك .

تقولها لتفتح الباب جوارها بسرعة فيجذب ذراعها بعنف نحوه مانعاً إياها من المغادرة لكنها تلتفت نحوه هاتفة بنبرة مهددة :

_كفاية فضايح كده الليلة دي ..سيبني أنزل بدل ما أوريك الجنان اللي على أصوله .

تقولها ثم تنتزع ذراعها منه بعنف لتغادر السيارة صافقة بابها خلفها بعنف قبل أن تشير لسيارة أجرة قادمة فتستقلها بسرعة تحت نظراته العاصفة والتي تحولت ليأس رهيب وهو يتبعها بسيارته من الخلف عاجزاً عن فعل المزيد ..
كل يوم يمر يرتفع فيه ألف حاجز بينهما ..
عنادها يوازي عجزه فأين المفر؟!

يأخذ عدة أنفاس متتابعة وهو يفكر بينما يلمح رأسها عبر زجاج سيارتها الخلفي وقد أطرقت به ..
يكاد يقسم أنها تبكي ..
ماذا عساه يصنع كي يستعيدها ؟!
كي يمنعها من هذا الجنون الذي يعصف بها يوماً بعد يوم ؟!!
هل يطلقها؟!
هل يكون هذا هو الحل ؟!!

قبضة خانقة تعتصر قلبه مع الخاطر الأخير وجواب النفي يكتسح حناياه دون رحمة ..
فلتزهق روحه قبل أن يفعلها بنفسه ..
أبداً ..لن يفعلها أبداً !!

أفكاره تنقطع أخيراً وهو يرى السيارة تتوقف بها أمام بيت والدها فيقف مكانه بدوره ..

يراها تختلس نظرة جانبية نحوه قبل أن ترفع رأسها لتتحرك نحو البيت بأنف مرفوع لكنه كان يعلم أن روحها متهدلة الكتفين منتكسة الرأس !

يظل واقفاً مكانه لدقائق لم يدرِ عددها ..يراقب نافذتها التي أضاءت لبضع دقائق قبل أن تظلم تماماً ..
كروحه الآن!!

يزفر بمزيد من سخط وعجز وهو يتناول هاتفه ليتصل بوالده لكنه كالعادة يرفض الرد !
بل يرفض كل محاولاته لإرضائه إلا بالرضوخ لزيجة ثانية !!

يتحرك بالسيارة ليدور بها دون هدف في الشوارع قبل أن يستقر بها أخيراٌ أمام بيته الذي صار كئيباً موحشاً ..

رنين هاتفه يصدح فيتناوله بلهفة متوقعاً مكالمة منها أو من أبيه لكنه يجده مديره في العمل ..

_مابقيتش عاجبني ..ماعدتش مركز زي زمان ..حسدناك من ساعة عملية حسين رجائي واللا إيه ؟!

يقولها الرجل بمزيج من تقريع وأسف ليرد هو باعتذار سريع فيردف الرجل بحزم :


_بكرة الصبح عايزك على مكتبك م النجمة ..العملية الجديدة مش سهلة وعايزة تركيزك كله .
_تحت أمرك يا فندم.
يقولها صاغراً ليغلق الاتصال ثم يلقي هاتفه جانباً ليمسح وجهه بكفيه ..
هاهو ذا رئيسه في العمل يشكو منه كذلك ..
ما الذي بقي في عالمه لم ينهَر بعد ؟!
========






_وحشتني يا طيب!
يستيقظ على همسها صباحاً لكنه يبقي عينيه مغمضتين مستمتعاً بمداعبة أناملها للحيته ثم لخصلات شعره الطويلة نوعاً ..
لكنه يبتسم أخيراً وهو يضمها نحوه هامساً دون أن يفتح عينيه :
_وحشتك قوي؟!
تنهيدتها الحارة تحمل جوابها وهي تخفي وجهها في صدره متنشقة رائحته الخاصة المرادفة لرحيق الأمان لديها ..
ثم تهمس بدلال عاتب:
_مش عايزة أشتكي وتقول عليا نكدية زي بقية الستات ..بس ..
تقطع عبارتها عندما تشعر بأنامله ترفع ذقنها نحوه ليمتزج عسل عينيه بشبيهه في عينيها ..

_أولاً ..مين قاللك إني مش عايزك تشتكي؟! اشتكي براحتك عشان أصالحك براحتي برضه ..

مزيج فظاظته وحنانه الفريد الذي لا تكاد تعرفه في رجل غيره لايزال يجد بصمته الخاصة في روحها ..
خاصة وهو يشدد ضغط ذراعيه حولها بحمائية تصفها أفعاله قبل أقواله ..
وشفتاه تجددان لها عهداً بعد عهد ..

_وثانياً ..انتِ ما ينفعيش تتحطي في جملة واحدة مع بقية الستات ..خصوصاً لراجل زيي حاسس إنه وسط مستعمرة نسائية !
يقولها متهكماً بطريقته المعهودة وهو يتذكر ذاك الخبر الذي أبلغته به رانيا بالأمس أنها تنتظر مولودة أنثى !

_عشان ؟!
تسأله وهي تعلم الجواب لكنها تحب سماعه منه ..
وبالذات بهذه الطريقة عندما يجمع شعرها على جانب رأسها ليجدله لها في ضفيرة يزداد طولها يوماً بعد يوم ..

_عشان انتِ غير أي ست ..انتِ ياسمين ..نُص روحي وكل قلبي .

تضحك ضحكتها المميزة التي تعلن شروق يومه بينما تداعب وجنته براحتها هامسة :
_وهتصالحني إزاي؟!
_مش بتقولي وحشتك ؟! خلاص ..النهارده كله ليكي ..
يهمس بها وشفتاه تدللان ملامحها بما يليق ليعلو صوت بكاء يمنى جوارهما كأنها تعترض ..
فتصدح ضحكته هاتفاً بصوت أعلى كأنه يسمع الصغيرة كذلك :
_ليكم ..انتو الاتنين ..بطلي زن بقا عشان ما أغيرش رأيي .

تضحك ياسمين وهي تغادر الفراش نحو سرير الصغيرة التي رفعتها هي لتضمها لصدرها هاتفة بحنان :
_بس ..بس ..بابا هيقضي النهارده معانا ..مش واحشك زيي ؟!

_بنتك جعانة يا هانم ..كلامك ده مايشبعش ..انزلي حضري لها ببرونتها أنفع .
يهتف بها وهو ينهض من الفراش بدوره لتتحرك بالصغيرة نحوه هاتفة وهي لاتزال تخاطب الصغيرة :
_بنت يامن حمدي قلبها كبير زيه ..بوسة وحضن من بابا أهم من الببرونة ..صح يا يمنى؟!
تقولها وهي تناوله الصغيرة التي ضمها لصدره بحنان قبل أن يرفعها من خصرها ليقرب وجهها منه ثم يداعب أنفها بأنفه لتكف الصغيرة فجأة عن البكاء وتبتسم له تلك الابتسامة التي تخطف قلبه ..
فيضحك ضحكة عالية وهو يعاود ضمها إليه بحنان هاتفاً :
_يمنى يامن صحيح!

تضحك ياسمين وهي ترمقهما بنظرة حنون طويلة قبل أن تتناول منه الصغيرة هاتفة :
_شوف انت طقوس الاستيقاظ الصباحية بتاعتك على بال ما أشوف رضعتها هي ..تحب تفطر إيه ؟!
_مش إيه ..فين!
_فين؟!
تسأله بترقب ليرد وهو يتمطأ بكسل :
_في الجنينة ..من زمان ما فطرناش سوا على الأرض بمفرشك العجيب الملون ده .
_أووووه! حبيبي يا يامن ..حلو جداً والجو النهارده كمان جميل ..
تهتف بها وهي تميل على وجنته بقبلة سريعة لترفع كف الصغيرة المنمنم فتدغدغ به لحيته هو مردفة بحماس :
_شكراً يا بابا ..شكراً يا طيب .

يطلق ضحكة صافية وهو يمنح كلتاهما قبلاته قبل أن تتحرك هي بابنتها نحو المطبخ بالأسفل كي تعد ما تحتاجه ..

وبعدها بقليل كانت تستلقي جواره على عشب الحديقة فوق المفرش المميز بألوانه الزاهية ..
كفه يحتضن كفها بينما يتمدد كلاهما على ظهره على الأرض يرنوان للسماء فوقهما بغيومها البيضاء ..
وبينهما يمنى تحرك ذراعيها وقدميها ببطء وعيناها -مثلهما- شاخصتان للسماء ..

_فاكر لما عملناها قبل كده؟! كل واحد فينا كان شايف الدنيا بشكل مختلف عن التاني ..

تقولها بشرود وهي تتذكر جلسة مشابهة لهما في الماضي فيبتسم وهو يتذكر ما تحكي عنه ليضغط كفها في راحته قائلاً :
_تيجي نجرب المرة دي ونشوف!
يقولها بترقب وهو يناظر غيمة بيضاء كبيرة فوقهما أشار نحوها بكفه هاتفاً :
_هاعد واحد اتنين تلاتة ونقول في نفس الوقت كل واحد شايفها إيه .
_اتفقنا!
تقولها ضاحكة وهي تتأمل الغيمة مثله تنتظر انتهاءه من العد ليهتف كلاهما في نفس اللحظة :
_كمانجا !

تتعالى ضحكاتهما معاً بعدها للحظات ثم يلتفت هو نحوها ليتكئ على جانبه فيشرف عليها من علوّ ..
سبابته تدور حول ملامحها كأنه يرسمها ..
عيناه تنتقلان بخفة بينها وبين ابنتها التي مزجت ملامحهما معاٌ ..
ليهمس لها أخيراً بعشق جارف:
_مش لاقي حاجة أقولهالك إلا اللي قلتها يومها ..انتِ جميلة قوي ..
ثم ينظر لابنته مضيفاً بحنان أكبر:
_انتو الاتنين جمال قوي ..لدرجة إنكم بتخلوا كل حاجة حواليكم جميلة ..حتى أنا !
فتحرك وجهها لتحتضن راحته على وجنتها ثم تقبل باطنها بعمق هامسة :
_انت كل الجمال اللي اتمنيت عيني تشوفه ..وشافته !

تقولها وعيناها تطوفان على ملامحه بحرارة عاطفتها ..
قميصه "الأبيض" يشع نوراً يمنح سمرة ملامحه جاذبية خاصة ..
عيناه الحبيبتان تتوهجان بألَقٍ دافئ ينعكس من شمس قلبه ..
أنفاسه تغازلها بهذه الطريقة التي لا يكاد يجيدها رجل غيره ..
شفتاه ..لا! هذه شأنها في وادٍ آخر!

_مش عايزة تتمرجحي ؟!
يهمس بها بحنان وهو يشير بعينيه لأرجوحتها "الجديدة" هناك فتضحك وهي تلتفت نحو يمنى هاتفة :
_ماشي ..بس مع يمنى .

يضحك بدوره وهو يقف بحماس ليشد كفها فيوقفها معه ثم ينحني ليحمل الصغيرة فيتحرك بها نحو تلك الأرجوحة التي صنعها من إطار سيارة قديم ملون ..
وبارتفاع قصير ناسب تسلقها إياها بسرعة لتستقر مكانها ..
تمسك السير المعدني بأحد كفيها وبذراعها الآخر تسند الصغيرة التي ناولها إياها قبل أن يشرع في هز الأرجوحة بهما معاً ..
ضحكاتها تعلو وهي تضم الصغيرة نحوها بينما تناظر السماء والحديقة حولها بنظرة سلام صار يسكن روحها حقيقة لا ادعاءً ..

_بمناسبة القعدة الروشة دي ..مش عايزة تغني سيد الحبايب يا ضنايا انت ؟!
يسألها مشاكساً لتعلو ضحكتها وهي ترد له مزاحه :
_لا عايزة أغني ..الراجل ده هيجنني!

يشاطرها الضحك وهو يأرجحها لدقائق بعدها قبل أن يلمح في عينيها ذاك التردد الذي جعله يهمهم هاتفاً بتوجس بينما يشير بسبابته نحو عينيها :
_مممممم..خير اللهم اجعله خير ! النظرة دي أنا عارفها كويس ..اعترفي عملتِ إيه .
فتعض شفتها كاتمة ضحكتها لتقول مدافعة :
_ما عملتش لسة .
_هه ! اللي بعده ..عايزة إيه ؟!
يقولها بنفس التوجس وهو يشير بسبابته في حركة دائرية حول وجهها لتتنحنح وهي تهدهد الصغيرة برفق هاتفة بدلال :
_هو طلب ! مش عشاني ..عشان يمنى ..و ..همسة .

يمط شفتيه باستياء وهو يدرك ما ستطلبه منه حتى قبل أن تهتف به برجاء:
_هي عزمتني ع الفرح ..نفسها يمنى تحضر معايا ..مش قادرة أرفض لها طلب بعد اللي عملته عشاننا .
فيزفر بقوة ثم يشد أذنها برفق هاتفاً بنبرة عادت إليها فظاظتها:
_ليه يا ماما ؟! ليه ؟! الراجل سايب شغله وقاعد عشان يدلعك انتِ وبنتك ! تقلبي عليه المواجع وتنكشي ورا النكد ليه ؟!

فتبتسم وهي تترجل من الأرجوحة لتواجهه بنظرات رجائها التي قابلها برفض ونبرته تتحول لجدية تامة :
_لأ! مش هتحضري الفرح ومفيش داعي أقول أسباب !

فتطرق برأسها وهي تدرك أن ما تتمناه من أن تسير الأمور بين زين ويامن بصورة طبيعية هو ضرب من الخيال حقاً !
لكنها فقط كانت تطمح أن يتفهم أكثر!
لأجل همسة على الأقل!

_لو على همسة أنا ممكن أروح أنا ويمنى ..أبارك لرائد لأنه راجل محترم ..
يقول عبارته الأخيرة بنبرة ذات مغزى ليردف :
_وهمسة تشوف البنت ..خمس دقايق ع السريع وأمشي ..
تكاد تهتف باعتراض لكنه يردف بنبرة أعلى وهو يلوح بكفه في وجهها :
_ما تحاوليش! أقسم بالله دي أقصى طاقتي ..لو عليا أحرق البيت ده على دماغ صاحبه ..بس هاعصر على نفسي لمونة وأروح عشان رائد وهمسة ..إنما انتِ لأ ومش عايز أسمع كلام تاني!

يقولها بصرامة لا تقبل الجدل فتتنحنح لتومئ برأسها صاغرة وقد شعرت بحدسها أنها لن تنال ما هو أكثر ..
تراه يعطيها ظهره فتشعر بذبذبات غضبه تكاد تصلها مكانها لهذا تتحرك لتقف قبالته ..
ترفع عينيها نحوه بملامح راجية وبمرح طفولي تقول له بما يشبه الاعتذار:
_شيلني ! عايزة أبوس راسك مش طايلة .

ملامحه العابسة تلين رويداً رويداً مع اتساع ابتسامتها قبل أن تشهق ضاحكة وهي تراه يمد ذراعيه ليرفعها مع الصغيرة نحوه هاتفاً بفظاظته المرحة :
_اتفضلي يا "نخلة"!

تضحك وهي تقبل رأسه بعمق قبل أن ينزلها أرضاً لتبدأ الصغيرة في البكاء فجأة فيضحك هو بشماتة وهو يربت على وجنة ياسمين هاتفاٌ بفظاظته المرحة :
_بنتك عايزة تغير ..غيري لها وحمّيها ..وكمان ضوافرها طويلة قصيها ..ربي عيالك يا ماما .

ترمقه بنظرة مغتاظة وهي تتحرك بالصغيرة نحو البيت فتسمع هتافه من خلفها :
_والنهارده عايز آكل محشي كل الأنواع ..واعمليلي سينابون ..أقوللك زودي الكمية وهاعزم ماما والبنات ..أنا هاعرف أشغل لك وقتك ..الفضا وحش أصله بيخلليكي تفكري في حاجات غريبة !
=======







_عشان خاطري بلاش!
يهتف بها رائد وهو يجلس جوارها في سيارته أمام بوابة بيت أمه لترد همسة بتصميم:
_أنا عارفة إنك خايف عليا ..بس ياقوت
قالت لي لازم أواجه ..أنا نجحت معاك ومع زين ..حتى بابا الله يرحمه قدرت أسامحه ..مش فاضل غير مامتك ..

يزفر بضيق وهو يشيح بوجهه لتمسك كفه هاتفة ببراءتها المعهودة :
_انت بتقول إنها مش موافقة على جوازنا ..سيبني أكلمها ..هي يمكن فاكراني لسة تعبانة وخايفة عليك..لما تشوفني خفيت قلبها هيرقّ وهتوافق تحضر فرحنا .

فيلتفت نحوها ليحتضن وجنتها براحته
قائلاً بقلق:
_طب سيبيني أدخل معاكي ..بلاش تبقي لوحدك .
لكنها تهز رأسها رافضة لتقول له بنفس
الإصرار:
_لازم أبقى لوحدي ..ده آخر امتحان ولازم أعديه .

يزدرد ريقه بتوتر وهو لا يدري ماذا يفعل إزاء إصرارها هذا ..
همسة بشخصيتها الجديدة ونظرتها
الملائكية للأمور تظن نفسها ستكسب قلب أمه ..
لكنه خير من يعلم أن أمه لن ترضى عن هذه الزيجة أبداً !
ليس وهي ترى فيها خسارتها القديمة !!

_سيبني أروح بقا عشان ما نتأخرش عن بقية مشاويرنا .
تقولها وهي تترك كفه لكنه يعاود التشبث به هاتفاً لها بانفعال:
_لو قالتلك أي حاجة تضايقك اخرجي على طول ..ما تفكريش في كلامها وتعالي في حضني ..افتكري إني هافضل معاكي ..دايماً مهما حصل .

فتبتسم وهي تقترب أكثر لتقبل وجنته قائلة :
_حاضر ..مش هانسى ..ما تقلقش انت .
يزفر من جديد وهو يشيح بوجهه متمسكاً بكفها لأطول فترة ممكنة لكنها تسحبه منه هاتفة بعتاب رقيق:
_انت كده بتخوفني أكتر مش بتطمني .

يلتفت نحوها بمزيج من قلق وإشفاق لكنها تداعب شفتيه بسبابتها قائلة :
_ابتسم وخللي عندك ثقة فيّ ..ممكن ؟!
يبتسم مجاملاً لها فتبتسم بدورها وهي تعاود تقبيل وجنته قبل أن تغادر السيارة بخطوات سريعة فتبدو له كفراشة تحلق بخفة نحو نار ستحرقها !!
جزء بداخله يلومه على استجابته لطلبها ويتهمه بالتقصير في حمايتها من بطش أمه ..

لكن جزءاً آخر يتمنى لو تنجح في مسعاها حقاً ..
ليس لأجله ..بل لأجلها هي ..
لأجل أن تتخلص من شعورها القديم بالنبذ !!

لهذا خبط رأسه بظهر مقعده بانفعال وهو ينظر في ساعته ..
سيمهلها عشر دقائق فقط وبعدها سيتدخل حتى ولو كرهت حضوره ..
هو عاهد نفسه أن يحميها ولو من نفسها ولن يخلف هذا العهد قطّ!

وفي مكانها كانت همسة تقف أمام الباب تتردد أناملها في رن الجرس قليلاً وهي تشعر برهبة طبيعية ..

هي لا تذكر لسوزان أي بادرة عطف نحوها ..بل على العكس ..
طالما كانت تميز في نظراتها حقداً لم تكن تفهم معناه في الماضي لكنها الآن صارت تتفهمه ..

لهذا استجمعت شجاعتها وهي ترن الجرس ليخفق قلبها بتوتر وهي ترى الباب يفتح لتظهر خلفه سوزان ..
عيناها تتسعان للحظة من المفاجأة قبل أن تتوهجا بالحقد القديم والذي امتزج الآن بكراهية أكبر وهي تواجهها بقولها:
_عايزة إيه ؟!

بعض الخوف يتملك منها وهي تشعر أنها تخسر معركتها من الجولة الأولى لكنها تعود لتتذكر ..
هي قوية برائد ..بزين ..وبنفسها قبلهما ..
لن تخاف ..لن تهرب!

لهذا تنحنحت لتقول برقة وجلة :
_ممكن أتكلم مع حضرتك ؟!
ضحكة قصيرة مكتومة كانت جواب سوزان وهي تنظر إليها شذراً من أعلى
لأسفل هاتفة :
_والله وبقيتِ تعرفي تتكلمي .

دمعت عينا همسة وهي تشعر بالوهن أكثر لكنها أكملت مسيرتها :
_خمس دقايق بس ..حضرتك اسمعيني .

ضحكة أخرى ساخرة من سوزان التي أفسحت لها الطريق هاتفة بغلّ لم تتحكم به :
_نسيت إن عندك عقدة من البيوت اللي بتتقفل في وشك ..يا حرام!

الضربة هذه المرة كانت في موضعها وهي تذكر همسة بمرارة ماضيها ..
لكنها تماسكت لتقول بصوت مرتجف:
_لو تقصدي بيت بابا فزين خلاص ..رجعلي حقي و..دخلته !
هنا تمسكها سوزان من ساعديها لتهزها بعنف هاتفة من بين أسنانها :
_بس أنا مش هادخلك بيتي ولا عمري هارضى عن جوازك بابني ..مش هاحضر فرحه وهاقول قصاد الدنيا كلها إني اتبريت منه عشان اتجوز واحدة زيك .
ينتفض جسد همسة وهي تشعر بكل الكلام الذي أعدته لهذه المقابلة يتبخر أمام كل هذا الحقد في حديث المرأة التي عادت تهز جسدها هي بقوة مردفة بحروف تقطر كراهية :
_اوعي تفتكري إنك انتِ وأخوكي هتتهنوا بابني ..الجوازة دي مش هتتم ..هاقهر قلبك عليه زي ما قلبي فضل مقهور العمر كله .

تشهق همسة برعب حقيقي وهي تشعر
بالهواء يختفي فجأة من المكان ..
أنفاسها تتلاحق وهي تشعر بالخوف القديم يحتلها بضراوة ..
كل كلماتها المثالية التي جهزتها تتداعى أمام عنف هذا الحقد الذي قابلتها به سوزان ..
خاصة وهي تدفعها للخارج بعنف هاتفة :
_البيت ده ما تفكريش تدخليه تاني ..الحقي افرحي لك كام ساعة لأني هاخلليكي تعيطي العمر كله !

تقولها لتصفق الباب في وجه همسة بعنف لتبسط الأخيرة يدها على صدرها تحاول تمالك خفقاتها قبل أن تعدو بسرعة على الدرج لتعود إليه ..
هو الذي كان قد غادر السيارة مستعداً للذهاب إليها ولم يكد يلمحها من بعيد بهذه الحالة حتى اندفع نحوها بسرعة ليطوقها بين ذراعيه محتوياً ارتجافة جسدها وهو يكز على أسنانه بقوة ..
لم يكن يحتاج لمعرفة ما قالته أمه ليجعلها بهذا الوضع ..
لكن قلبه سقط بين قدميه وهو يسمع نحيب همسة المرتفع مع كلماتها التي امتزجت برعبها :
_بتقول جوازنا مش هيتم ..بتقول هتحرمني منك ..بتقول ..
_ششش ..مالكيش دعوة باللي بتقوله ..
يقولها بحزم وهو يحاول السيطرة على انتفاض جسدها لترفع عينيها نحوه بنظرات مرتعبة ..
لكنه يحيط وجنتيها براحتيه ليغرس نظراته في عينيها هاتفاً بقوة :
_ماتخلليش أي حاجة تهز ثقتك فيّ ..مش بعد كل اللي عديناه سوا ..أنا هنا ..معاكي ..وهافضل معاكي لحد آخر نفس في عمري ..اوعي تصدقي غير كده ..اوعي .

أنفاسها المتلاحقة تهدأ تدريجياً وهي تتشبث بخيوط عشقه في نظراته تستمد منها صلابتها ..
قبل أن تخفي وجهها في كتفه لتهمس بألم :
_كان نفسي أنجح المرة دي كمان .
لكنه يتنهد مربتاً على ظهرها برفق قائلاً بأسف:
_صدقيني الموضوع مالوش أي علاقة بيكِ انتِ ..ده ماضي خدك انتِ في رجليه ..
ثم يرفع ذقنها نحوه ليغتصب ابتسامة باهتة مع قوله :
_معلش ..مش كل حاجة نتمناها هتحصل ..المهم عندي إنك تبقي كويسة .

تهز رأسها بأسف ولايزال ذهنها مشوشاً بتهديد سوزان فيتحرك بها نحو سيارته ليستقلها ويغادر بها مبتعداً كأنما يهرب بها من هذا الجحيم الذي لا ذنب لها فيه ..

وعبر النافذة كانت سوزان تراقبهما بحقد وهي تراه يحتضنها بهذه الطريقة ..
قلبها يكاد يشتعل غيظاً وهي تراهما يغادران معاً بينما تبقى هي وحدها تأكلها نيران خسارتها ..
خسارتها!!
لا!
لايزال الوقت مبكراً لإعلان الخسارة!!



فكرة شيطانية تراودها فتبتسم لها بظفر وهي تتناول هاتفها لتتصل برقم ما كي تحمل ل-صاحبه- تساؤلاتها ..
وتحفظ منه الجواب الذي تحتاجه كي تدمر هذه الزيجة ..
ليلة الزفاف بالضبط!
========








_جامدة طحن !
يغمزها بها إسلام وهو يلاحظ ارتباكها الذي تحاول مداراته وهي تنظر نحو بوابة بيت الفايد الفخمة حيث يقام الزفاف ..
فتلتفت ياقوت نحوه هامسة بقلق:
_حاسة شكلي غريب .
_طبعاً ! الألوان الهادية دي مش واكلة معاكِ ..انزلي يا ماما انزلي ..دلوقت تشوفي الراجل الغامض بسلامته وهو عينه هتطلع عليكِ ..بس انتِ إياك تبصيله حتى ..زي ما اتفقنا!

يعاود غمزها بها ثم يترجل من السيارة فتأخذ نفساً عميقاً تتمالك به توترها قبل أن تترجل من السيارة بدورها لتسير جواره متأبطة ذراعه ..
ابتسامة حانية تزين شفتيها وهي ترمقه بنظرة جانبية دافئة ..
لقد جربت شعور الأخوة مع لجين طوال هذا العمر لكنه مع إسلام يختلف ..
ربما لأنها تشعر أنه يكملها كصديق ..يدعمها كأب ..!
أفكارها تنقطع وهي تتجاوز معه البوابة لتلمح زين واقفاً هناك يتحدث مع أحدهم غافلاً عنها ..
وسامته التي تألقت كثيراً هذه الليلة تخطفها كعهدها خاصة مع أناقة بدلته وسحر حركته هذه عندما يمرر يده بين
خصلات شعره ..

_اتهد بقا يخرب بيت حلاوتك ..هو فيه كده يااخواتي؟!

تعربد بها "العفريتة العابثة" في أعماقها بينما يخفق قلبها بعنف وهي تستعيد لحظات قربهما الخاصة فتحمر وجنتاها خجلاً
لا تكاد تصدق أنها حقاً عاشت هذا معه ..

_بنت! وبعدين؟! مش قلنا ما تبصيش!

يلكزها بها إسلام في خاصرتها فتتنحنح وهي ترفع إليه رأسها بعناد كاذبة :
_ما ببصش عليه ! بدوّر ع العروسة أو أي حد أعرفه .
فيرفع حاجبيه بتهكم ليضحك ضحكة قصيرة وهو يهز رأسه ليهمس لها مغيظاً :
_واقعة واقعة يعني !

تلكزه هي في خصره هذه المرة بنظرة غاضبة تحولت لابتسامة خجول وهي تخفي وجهها في كتفه ليضمها نحوه بحنوّ مربتاً على ذراعها ..

وفي مكانه انتبه زين نحوهما أخيراً لتتسع عيناه لحظة بانبهار وهو يميز جمالها
الاستثنائي هذه الليلة ..
ثوبها شديد الأناقة بتصميمه المبهر الغريب عما اعتاده منها ..
وبلون الفيروز الفاتح الذي صنع مع لون عينيها ووشاحها مزيجاً كارثياً ..
خاصة وهو يحتضن جسدها بنعومة انسيابية ..

ورغم احتشامه الظاهري لكن وحش خياله هو كان ينهشه بمخالب الاشتياق وهو يتذكر بدوره مذاقها بين ذراعيه ..
الانبهار يستحيل لغيرة خانقة يستشعرها معها لأول مرة بهذه الضراوة وهو يراها تضاحك أخاها بهذه الطريقة ..تخفي وجهها في كتفه بينما يربت عليها ..
نظارتها !!
خلعتها لتكمل مسلسل فتنتها الكارثي هذا !!
والأدهى أنها تتجاهله ..تتجاهله تماماً وهي تتحرك لكنه يدرك بحدسه أنها تراه !

يتحرك نحوهما بخطوات ثابتة وعيناه تلتهمان تفاصيلها بمزيج من عشق وغضب ..
تظن أنها تحتمي بأخيها منه ؟!
سيتحدث إليها هذه الليلة مهما كان الثمن !!

_واضح إن العروسة لسه ما جتش .

يقولها إسلام وهو يجلس معها على أحد الموائد التي زخرت بها الحديقة الواسعة هذه التي تألقت بأضوائها لتحيل الليل نهاراً ..
قبل أن يلمح زين وقد مد له يده مصافحاً ليقف مكانه بابتسامة متكلفة وهو يصافحه بدوره قائلاً :
_مبروك .
هز له زين رأسه برد تقليدي وبعينين قويتين مشتعلتين بمشاعره قبل أن يلتفت نحو "قِبلة قلبه" جواره فيمد لها يده مصافحاً بدوره وعيناه المتوهجتان مع ضغطة قبضته على كفها تحمل لها ألف رسالة !

لكنها تشيح بوجهها سريعاً وهي تسحب كفها منه لتسأله بنبرة عادية جادة بعيدة تماماً عن فوضى الصخب بداخلها الآن :
_همسة فين ؟!

فيطوف شبح ابتسامة على شفتيه وهو يرد بنبرة غامضة :
_هتظهر بالشكل اللي يليق بيها .
تعاود النظر إليه بتساؤل لكنه يرد لها بضاعتها وهو يشيح عنها بوجهه متظاهراً
بالانشغال :
_هاضطر أستأذن عشان أشوف الضيوف ..اتفضلوا .

يقولها وهو يبتعد ساحباً معه هواء صدرها لتعاود الجلوس مكانها واجمة فيلتفت نحوها إسلام قائلاً بنبرة خبيرة :
_ولا يهزك! أنا اللي بقوللك مشعلل ع الآخر! عامل فيها تقيل ومش هامّه بس ..
ثم يغمزها مردفاً :
_على مين ؟! ده احنا معلمين ؟!

تمط شفتيها باستياء وهي تكاد ترد لكنها تتوقف وهي ترى الأضواء تغلق حولها فجأة لينبعث صوتٌ ما من فوق المنصة التي أعدت للعرس ..

_العروسة نازلة من فوق .

همهمات الحضور تعلو حولها فيخفق قلبها بترقب وهي ترى جانب البيت المقابل يسطع بنور أبيض فجأة وسط كل هذا
الظلام ..
لتهبط همسة من أعلى "حرفياً"!

أجل ..على أرجوحة عريضة تهبط بها من سطح البيت ببطء نحو الأسفل ..تبدو كملاك رقيق وذراعاها يتشبثان بطرفي الأرجوحة واللذين تم تزيينهما بزهور "الفل" ..
ثوبها يبدو شديد البياض بلمعة كريستالية أخاذة وقد بدا صدره كفراشة مفتوحة الجناحين وانسدل بقيته برقّة طبيعية غير متكلفة تناقض ما اتفق عليه في ثياب الزفاف المنفوشة ..


تصل بها الأرجوحة إلى الأرض أخيراً وسط تصفيق الحضور وهمهمات انبهارهم لتبدأ نغمات موسيقا هادئة في الظهور ..
يتقدم منها زين ليتلقف كفيها ثم يضم رأسها لصدره في قبلة طويلة لجبينها ..
قبل أن يسير معها ليسلمها من كفها لرائد الذي رفع أناملها ليقبلها ثم عانقها بقوة ليعلو تصفيق الحضور وصفير إعجابهم بالجمال
الاستثنائي للعروس ..

يلتفت إسلام نحو ياقوت ليلمح ترقرق عينيها بالدموع فيميل عليها هامساً بمشاكسة :
_لا امسك نفسك يا "أبو التوت" ! هو الموقف مؤثر بس الكحل هيبوظ!

تلتفت نحوه باسمة لتغمغم بتأثر:
_حاسة قوي بهمسة في موقف زي ده ..بعد العمر الطويل اللي عاشته منبوذة من أقرب للناس ..كلهم بيعايروها بذنب مالهاش يد فيه..ودلوقت كل أحلامها تتحقق ..وراسها يترفع قدام الكل ..
ثم يتهدج صوتها باستطرادها :
_مش سهلة يا إسلام ..مش سهلة ولا قليلة .

فتلتمع عيناه بتأثر وهو يرى انعكاس مأساتها هي الخاصة ليربت على كفها دون كلام ..

وفي مكانه كان رائد لا يزال يقف مكانه يضم همسة نحوه وهو يشعر بارتجافة خوفها الذي تحاول مداراته منذ تهديد أمه لها..
بالإضافة ل"رهابها" القديم من الناس والذي نجحت مؤخراً في التغلب عليه لكن بقاياه لا تزال عالقة هناك ..

_ماتفكريش في أي حاجة ..دي ليلة عمرنا يا همسة ..أنا وانتِ قدام الناس كلها زي ما حلمنا .

ترتجف ابتسامتها وهي ترفع عينيها نحوه لتشعر بكف زين هو الآخر على ظهرها مع قوله بمزيج من حزم وحنان :
_ياللا مع جوزك وما تخافيش ..محدش هيتجرأ يبوظ الليلة دي .

يقولها بنبرة ذات مغزى تحمل لها بعض السكينة فتتسع ابتسامتها المرتجفة وهي تتحرك جوار رائد لتحيطهما فرقة من الرقص الروسي بدأت أولى فقرات الحفل ..
ترفع رأسها باعتزاز وهي ترى نظرات
الإعجاب في العيون تقوي ثقتها في نفسها ..

_باربي!

تهتف بها بلهفة وهي تميز حضور يامن الذي وصل إليها يحمل يمنى لتتلقفها هي منه فتقبل وجنتيها بحب هاتفة بامتنان :
_شكراً يا دكتور عشان جبتها ..
ثم تحولت نبرتها لبعض العتاب:
_فين ياسمين؟!
يتنحنح يامن بحرج لكن رائد ينقذ الموقف وهو يمد له يده مصافحاً بابتسامة هادئة :
_نورت يا دكتور .
فيصافحه يامن بقوة قائلاً بودّ حقيقي:
_مبروك ..ألف مبروك ..فرحت جداً عشانكم حقيقي .

يقولها ثم يهم بأخذ الصغيرة من يدي همسة لكنها تهتف به برجاء :
_سيبها معايا شوية عشان خاطري ..خمس دقايق بس .

فيهز رأسه مبتسماً لينفذ لها ما أرادت قبل أن يلمح ياقوت هناك مع إسلام فيتحرك نحوهما ليجالسهما على طاولتهما ..



وفي مكانه كان زين يراقبهم بضيق تزداد وتيرته وهو يرى ياقوت تضاحك يامن ببساطة غافلةً عما تصنعه به هو تلك الضحكات ..
يالله!!
هذه الغبية لا تفهم !!
جمالها ملكه هو ..
ضحكاتها ملكه هو ..
حتى أنفاسها ملكه هو ..
فكيف تفرط في كل هذا هكذا لتجعله مشاعاً لسواه ؟!!

_زين بيه ..ممكن كلمة ؟!

يلتفت لأحد معارفه من المدعوين فيبتسم له برصانة منتظراً ليرد الشاب وهو يشير بعينيه نحو مائدة ياقوت :
_سألت عليها وعرفت إنها الدكتورة اللي
عالجت همسة .

تشتعل خلايا زين كلها ببراكين من غيرة عجز عن إطفائها لتخرج نبرته مشتعلة خطيرة :
_أيوة ..وبعدين؟!
فتتسع ابتسامة الشاب وهو يقول ببراءة :
_ما شفتش في إيدها دبلة قلت تبقى مش مرتبطة ..كنت حابب أعرف منك عنها معلومات ..هو الشاب اللي معاها ده ..
_مالكش دعوة .

يقاطعه بها بصرامة أجفلت الشاب الذي تراجع برأسه للوراء مصدوماً ليتمالك زين نفسه بمنتهى العسر فيردف بنبرته التي تمزج الود بالهيمنة :
_معلوماتي إنها مرتبطة ..ما تضيعش وقتك .
لكن الشاب يزيد الطين بلّة وهو يغمغم بأسف:
_خسارة ..ما أنا قلت برضه الجمال ده محدش يستنى عليه .

فيضم زين قبضته بقوة جواره وهو يكز على أسنانه بصمت ليتجاوز الشاب ويحاول التظاهر بالاندماج مع الحفل ..
جسده يكاد يفور غيرة وغضباً و ..اشتياقاً !!
لو ترك لمارد جنونه العنان لسحبها من كفها نحو غرفته بالداخل وأغلق عليها بابها للأبد !

أفكاره تنقطع وهو يسمع الموسيقا تتبدل
لأخرى هادئة تلائم الرقص البطيئ للثنائيات فيعاود اختلاس نظرة نحو مائدتها ليدرك رحيل يامن مع ابنته ..

يراقبها بحذر وهو يراها تقف لتتأبط ذراع إسلام الذي تحرك بها نحو منصة الرقص ..
يعقد حاجبيه بقوة وهو يراها تراقص أخاها بنعومة وهي لا تكتم ضحكاتها التي تشعله أكثر وأكثر ..

تتجاهله تماماً كأن لا وجود له ..
فيستعيد تفاصيل لقائهما الكارثي آخر مرة لتزداد نيرانه تأججاً ..
لكن رجلاً مثله لا يترك ثأره ..
تريدها حرب أعصاب ..فليكن !!

يتحرك نحو شريكته الجديدة ليطلب منها مراقصته فتلبي بابتسامة خلابة تفجرت شظاياها في قلب ياقوت وهي تنتبه أخيراً لرقصته مع تلك المرأة التي سبق أن رأتها معه في صورة تذيلها شائعات ارتباطهما !

تدمع عيناها بمزيج من قهر وإحباط وهي تخفي وجهها في كتف إسلام الذي همس لها بخفة :
_مش قلتلك هيرقص مع واحدة حلوة عشان يردهالك! عيب يا بنتي أنا دارس بره وجوّه ! بلاش خيابة بقا ! ارفعي راسك واعملي نفسك مش واخدة بالك .

تستمع لنصيحته التي توافق هوى في نفسها وهي تغتصب ضحكة مفتعلة لتهمس له :
_هاسلم على همسة ونروّح على طول ..كفاية كده .

_ماشي ..بس ..
يقطع عبارته وهو يشعر باهتزاز هاتفه في جيبه فيتناوله بسرعة ليجدها نشوى ولم يكد يفتح الاتصال ويستمع قليلاً حتى هتف بها بقلق:
_أنا جاي حالاً !
_فيه إيه ؟!
تسأله بجزع ليرد :
_ريما سخنة ونشوى قلقانة عشان فيه حالة "التهاب سحائي" ظهرت في مدرستها .
_بيقولوا إشاعات ما تقلقش ..هتلاقيه دور برد عادي .
تقولها مطمئنة لتردف :
_تعال نسلم على همسة ونروّح على طول .

تتحرك جواره نحو همسة لتعانقها بقوة وهي تبارك لها زواجها بفرحة حقيقية لترمقها همسة بنظرة إعجاب تمتزج بامتنانها :
_شكلك حلو قوي النهارده .
تهز لها رأسها بابتسامة لتقول بأسف:
_هاضطر أمشي دلوقت ..معلش .
لكن همسة تتشبث بكفها هاتفة برجاء:
_خلليكي معايا لآخر الحفلة ..عشان خاطري .


فترمقها بتوجس وهي تلاحظ الخوف الذي كسا ملامحها لتنتقل ببصرها نحو رائد الذي لم يبدُ أفضل حالاً ..
ثم تسألهما بريبة :
_فيه إيه ؟!

يستأذن رائد من إسلام لينتحي بها جانباً ثم يخبرها بمقابلة همسة مع أمه وتهديدها إياها لينعقد حاجبا ياقوت بضيق بينما هو يردف :
_ممكن تكون ماما بتقول أي كلام ..بس الحقيقة إن همسة خايفة جداً ..وخصوصاً إنها كمان لسه مش واخدة على الناس والتجمعات ..ياريت تفضلي معانا لحد ما الحفلة تخلص ..بصفتك دكتورة ..وصديقة .

الرجاء الخفي بين حروفه يمسها فتهز رأسها بتفهم ثم تتحرك معه نحو إسلام الذي تقدم منها ليهتف بها بعجلة :
_ياللا بينا .
لكنها ترد بحسم :
_روّح انت معلش ..أنا هافضل هنا ..همسة محتاجاني معاها .
يعقد حاجبيه بضيق فتمنحه ابتسامة مطمئنة :
_ماتخافش عليا ..هاطمن عليها ورائد هيخللي حد يوصلني لما الفرح يخلص .
_و"السيكو سيكو"؟!
يسألها مشاكساً بنبرة لم يغادرها ضيقها لتتسع ابتسامتها ببعض المرارة قائلة :
_قلتلك ما تخافش ..هو مشغول عني ب"اللي معاه" .
فيزفر بقوة وهو يرمقها بنظرة مترددة لكنها تربت على كتفه قائلة :
_روح انت عشان نشوى ..هابعتلك رقم دكتور زميلي ييجي البيت يكشف على ريما ويطمنكم ..روح بقا .

يربت على كتفها برفق ثم يتحرك ليغادر فتتناول هاتفها لتتصل بزميلها هذا تخبره عن الأمر ثم ترسل رقمه لإسلام كما أخبرته ..
قبل أن تتحرك لتقف جوار همسة داعمة لدقائق طالت لكن الأخيرة هتفت بها أخيراً :
_استريحي على ترابيزتك ..كفاية أحس إنك قريبة .

تعود لمائدتها مثقلة الخطوات وهي تشعر بكآبة رهيبة ..
تتحاشى النظر نحوه هو من جديد كي لا تراه مع رفيقته ..
تحاول التشاغل بفقرات الحفل ومراقبة همسة التي بدت وكأنها تجاهد حقاً لتظهر بهذا الثبات ..
الأضواء تغلق حولها فجأة فتظنها واحدة من فقرات الحفل ..
لكنها تشعر بهذه القبضة التي تكمم شفتيها ..
بهذه الذراع القوية التي ترفعها من مقعدها ..
بهذه الأنفاس اللاهثة جوار أذنها ..
وأخيرا بهمسه بنبرته التي عاد أليها مزيج الهيمنة واللطف ..

_تعالي!

لم تدر هل تتنفس ارتياحا بتعرفها إلى صوته ..
أم تموت قلقا من تصرفه المجنون هذا وسط كل هؤلاء الحضور ..
لو رآهما أحد هكذا ستكون فضيحة !

تحاول تخليص نفسها منه بعصبية واضحة لكنه يجذبها ليتحرك بها ولايزال يكمم شفتيها بينما همسه اللاهث يفضح شعورا يلفحها بحرارته :
_بسرعة ..قبل ما يفتحوا النور تاني .

لم تدر أين يتوجه بها ..وكيف يميز طريقه وسط هذا الظلام ..
أو ربما فقدت هي تركيزها بفعل قربه المستفز هذا ...
ما هذا الجنون الذي يفعله ؟
تعلم أنها تعمدت إثارة غيرته بضحكاتها مع يامن..لكن ألم يفعل هو ؟
والأهم ..ما الذي ينتوي فعله ؟

تساؤلاتها تنقطع عندما يعود نور الحديقة ليغشي عينيها فجأة
تزامنا مع لحظة فتحه لباب غرفة همسة الخارجية التي أغلق الآن بابها خلفهما ...

ولم تكد تلتفت نحوه بوجهها الغاضب حتى فوجئت به يديرها بين ذراعيه ليجذبها نحو صدره مطوقا اياها بذراعيه !

العناق السابع عشر!
بنكهة الغيرة هذه المرة !
بمذاق التملك ..الهيمنة ..الغضب ..العتاب ..والكثير ..الكثير جدا من الاشتياق !

عيناها تدمعان بما لم تدر غضبا ام اشتياقا ..
تكاد تصرخ به أن يبتعد لكن هذا الخدر اللعين في جسدها يخرسها ..
تبا لهذا القلب الذي يبدو وكأنه لم يجد في سوى صدره وطنا !

عيناها ترتفعان أخيرا نحوه بعتاب غاضب ..
فيمد أنامله المرتجفه نحو حافة حجابها يزيحها بمقدار ضئيل ..ضئيل جدا ..
وببطء من يخشى اكتشاف ما يسوؤه ..
ولم يكد يلمح لمعة قرط الياقوت هناك حتى ارتخت شفتاه مع وجيب قلبه وهو يضمها نحوه أكثر :
_ماهو لما تلبسي فستان زي ده الليلة دي ..يبقى كأنك بتقوليلي خبيني في حضنك وماتخلليش حد غيرك يشوفني .

كلماته تذيبها بهذا الأثر الذي لم يحدثه فيها رجلٌ سواها ..
كفّاها على صدره يستشعران دويّ خفقاته الصاخب الذي تشاركه فيه خفقاتها ..
كل خلاياها تفقد معنى الإدراك فلا تدري هل تشتعل عشقاً ..
أم تسكن مستسلمة لشعورها العتيق
بالانتماء لصدره ..
المزيد من الوهن يسري في عروقها رغماً عنها وهي تغرق في دوامته اللامتناهية ..
تسمعه يهمس باسمها عدة مرات ..
لا كنداء بل كاستغاثة ..
كتضرع ..
كشكوى ..
كموْتٍ ..وكحياة !

تشعر بشفتيه تطوفان فوق ملامحها متمهلتين لأول وهلة برهبة قدسية ..
قبل أن يزداد حفرهما ك"مسامير من نار"!

تستعيد إدراكها للزمان والمكان فتشهق مصدومة بخزي من نفسها يفوق غضبها منه !
تحاول دفعه برفق لكنه يتشبث بها بقوة أكبر كاتماً تأوهها بشفتيه وقد عجز عن المزيد من الصبر ..
هنا شعرت بالدموع الحارقة تسيل على وجنتيها غزيرة وجسدها ينتفض بين ذراعيه كالذبيح ..
مرارة دموعها تخدش شفتيه فيبتعد بوجهه أخيراً يناظر قمريها السجينين اللذين عادا يتواريان خلف غيمة من ألم :
_خلصت ؟!

همستها اليتيمة تصفعه فيبعدها عنه فجأة وجسده كله يرتعد كأنه ينازع روحه بهذا البعد ..
لتستمر دموعها في الهطول وهي تشير بذراعيها حولها هامسة :



_هي دي قيمتي عندك ! هنا! في الأوضة اللي خبيت فيها همسة بعيد عن الناس عشان مكسوف منها ..لكن يوم ما تحب تظهر مع واحدة تبقى زي الست اللي كنت بترقص معاها برّه !

_انتِ بتقولي إيه ؟! إزاي فهمتيها كده ؟!
يهتف بها باستنكار حاد وهو يعاود جذب ذراعها نحوه لكنها تنفضه منه بعنف هاتفة بحدة بين دموعها :
_ما تتفهمش غير كده يا بيه ..أنا فاهمة كويس قوي الفرق عندك بين إنك تحبني وإنك تشاركني حياتك..مستعدة أحلفلك إن قلبك ده ملكي لوحدي ..زي ما أنا متأكدة إن ده مش كفاية عندك عشان تكمل طريقك معايا .

_أنا مش هاكمل غير معاكي ..افهمي بقا !
يهتف بها بانفعال وهو يمسكها من ذراعيها ليهزها بعنف فتهتف به بانفعال مشابه :
_خلاص ..افتح الباب ده وقول كده قدام الناس كلها ..امسك إيدي قدامهم وقوللهم هي دي اللي اخترتها .

يعقد حاجبيه بقوة وهو يشعر بالرغبة العارمة في فعل ما تريد ..
في أن يطيع مارد جنونه فيحملها بين ذراعيه كرجل الكهف القديم ويخرج بها من هنا معلناً ملكيته لها ..
لكنه يخفض ذراعيه عنها بعجز مستمعاً لصوت عقله ..وضميره !
هو ليس مستعداً بعد لخطوة كهذه ..
ليس قبل أن يشعر أنه جديرٌ بها !!
يكاد يصرخ بها أنه ملوث ..مدنس ..لا يستحق امرأة بطهرها ..
لكن كبرياءه اللعين لايزال يقف حائلاً بينهما !!

فيما ترمقه هي بنظرة مخذولة أخيرة وهي تشعر بإطراقة رأسه تحمل لها حكم الإعدام لعشق ظنته يوماً لن يموت ..
يشعر بها تبتعد فيكاد يوقفها لكن كلماته كلها تذوب على شفتيه والمشهد البشع يعاود التكاثف أمام نظراته ..
مشهد تلك المرأة بسوطها في يدها قبل أن تزهق أنفاسها واحداً واحداً أمام عينيه !!
تدمع عيناه بعجز وهو يشعر بقوته تخونه لكنه يستدعي كل ذرة صلابة يملكها وهو يتخذ قراره ..
لن يخسر ياقوت !
سينفذ لها ما تريد ..وما يريده هو قبلها !!

يلتفت للخلف وهو يهمّ بالحديث إليها من جديد لينتبه للباب المفتوح الذي لا يدري متى ولا كيف فتحته ..
يهرع للخارج ليبحث عنها بعينيه حوله قبل أن تصطدم عيناه بمرأى ذاك الشيئ ملقياٌ عند قدميه ..
قرط الياقوت!
=======




في غرفتها تقف سوزان أمام مرآتها معقودة الحاجبين ..
تسمع -بأذن خيالها - صوت زغاريد فتنقلب لصرخات هائلة تدوي في أذنيها ..
مارد حقدها يحكم سيطرته على أفكارها فلا يغذي سوى خاطر واحد ..
ابنة الخائن والأفعى لن تنال سعادة مع ابنها هي!
لن يسرقوا منها ماضيها ومستقبلها كذلك !!
ستعرف كيف تضغط على رائد بورقتها الرابحة ..
خوفه على صحتها !!

تلتوي شفتاها بابتسامة قاسية وهي تتوجه نحو خزانتها الصغيرة لتتناول علبة الدواء التي استشارت بشأنها الطبيب ..
كذبت عليه يومها بزعمها أنها تناولت منها جرعة زائدة لتعلم منه عن أثر هذا بالضبط كي تبني عليه خطتها ..

ستتناول "الكمية الآمنة" التي تضمن لها الأثر المنشود الذي يضمن لها أن يترك رائد زفافه ويهرع إليها ..
لن يحتمل أن يعيره الناس أن أمه حاولت
الانتحار ليلة زفافه على امرأة لا تريدها !

تفتح العلبة بأنامل ترتجف انفعالاً وهي تتناول قرصاً بعد قرص وعيناها تتوعدان طيف همسة في خيالها بأن تحرمها من رائد بأي طريقة ..
ولو باستنزاف مشاعره بخدعة كهذه !!

لن تقبل الخسارة ..
لن تستسلم كتلك الغبية جيلان التي انفرط عقد ولديها من بين كفها ..
لن تترك زين وأخته يسرقان ابنها كما سرق أبوهما قلبها وعمرها من قبل ..
ستدبر لهمسة هذه مصيبة لن تخطر لها على بال ..
لو اقتضى الأمر أن تقتلها فستفعل !

تشعر بوخزة في صدرها فتدرك أن الأوان قد آن لطلب نجدة سريعة ..
تتحرك نحو باب شقتها لتفتحه كي ترن جرس الجارة القريبة لكنها تسقط مكانها فجأة قبل أن تدرك الباب المغلق وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف من فرط جنون دقاته مع هذا الألم الرهيب في صدرها ..
تصرخ بألم حقيقي وهي تشعر بأنفاسها
تتلاحق سريعاً فتلعن طبيبها سراً ..
لم يكن من المفترض أن ..
تباً !!
علبة الدواء المنشودة كانت بالرف العلوي لا السفلي ..
هل تشوش ذهنها حد استبدالها بأخرى؟!

صرخة ارتياع تطلقها عالية وهي تتبين خطأها لتعاود صرخاتها بطلب النجدة قبل أن يخرسها الألم لتنقطع صرخاتها في جوفها ..
تحاول النهوض مستندة على الباب كي تفتحه لكنها تعجز ..


ترى هاتفها على المائدة القريبة فتحاول الزحف نحوه لكن خفقاتها تخذلها !
تتشوش المرئيات في عينيها وحلقها يجف تماماً فتسبل جفنيها مدركة قرب النهاية ..
انقلب سحرها عليها وخانها مارد حقدها ليرديها قتيلة في نهاية السباق الذي خاضته بطول العمر ..
وحدها !
=======





_بيتنا!
تهتف بها همسة بلهفة فرحة وهي تشير بسبابتها نحوه بينما تستقل السيارة جواره والبيت يظهر لها من بعيد فيتناول كفها ليرفعه لشفتيه بقبلة عميقة هامساً :
_أخيراً ..هتنوريه تاني .

تضحك بسعادة وهي تخفي وجهها في كتفه للحظة قبل أن تعاود النظر للبيت بينما يقترب ..
وتقترب معه كل أحلام فرحتها ..
تشعر بالسيارة تتوقف ليترجل هو منها ثم يدور حولها فيفتح لها الباب لتترجل بدورها ..


ترى زين يغادر سيارته وهو يشير لسيارة حراسة خلفه إشارة خاصة ثم يتقدم نحوها ليعانقها بدفء ثم يقبل وجنتها قائلاً :
_عجبك الفرح؟! البلد كلها هتفضل تحكي عن أجمل عروسة كانت أميرة من الأحلام .
فتدمع عيناها بتأثر وهي تربت على وجنته قائلة :
_شكراً يا زين ..شكراً على كل حاجة .
يمنحها ابتسامة راضية وهو يحاول تجاهل مشاعره السلبية منذ رحيل ياقوت ومكتفياً بهذه الفرحة المشعة في عينيها تمنحه صك غفران !

يلتفت نحو رائد بنظرة خاصة تمزج امتنانه برجائه ثم يربت على كفه قائلاً بصوت مرتجف غريب على طبيعته المهيمنة :
_مش هاوصيك عليها ..عارف إنك هتخللي
بالك منها .

فيضمها رائد لصدره وعيناه تغنيان عن وعود الدنيا بأسرها ..
فيتلفت زين حوله قائلاً :
_أنا لسه مش مطمن ..والدتك ممكن تعمل أي حاجة .
لكن رائد يقول بين ضيق وحرج:
_عندي أمل زيارتي ليها الصبح تكون رققت قلبها شوية .

يقولها مستعيداً ذهابه إليها اليوم راجياً إياها أن تعدل عن رأيها وتبارك هذه الزيجة لكنها واجهته بعنادها المعهود وكراهيتها اللامتناهية لهمسة وأخيها ..
ومع هذا لايزال يأمل أن تكون قد تراجعت عن موقفها وقدّمت أمومتها على أي شعور آخر !

يهز زين رأسه بإشارة مطمئنة وهو يشير لهما نحو البيت الذي تقدما نحوه بينما يرمق هو همسة بنظرة راضية وهو يراها ترفل في ثوب عرسها كفراشة رقيقة ..

يزفر بقوة وهو يستند على مقدمة سيارته يتمنى لو يمنح السعادة ذاتها لياقوت التي خذلها هذه الليلة !




وداخل الحديقة التي أضاءتها أنوارها كانت همسة تتأمل المكان حولها بسعادة ..
لم تكن المرة الأولى التي تدخله لكن شأنها هذه المرة مختلف وهي تمزج ذكريات ماضيها مع حاضرها بعقل حاضر غير مشوش ..
تشعر بذراع رائد على خصرها يضمها نحوه بمزيج من حميمية وحمائية فتلتفت نحوه بعينيها ليقرب وجهه منها يكاد يلاصقه بهمسه :
_أخيراً نورتِ بيتك .
تبتسم وهي تخفي وجهها في حنايا عنقه هامسة :
_بيتنا ..زي ما رسمته ..كنت دايماٌ بشوفه ناقص أجمل ما فيه ..

ثم تطبع على شفتيه قبلة رقيقة مردفة :
_انت!

_خلاص ..ما عادش فيه حاجة هتفرقنا ..العمر اللي فات واللي جاي ليكِ .
يقولها بحرارة لا تكاد تخص شخصاً مثله إلا فيما يتعلق بها هي ..
يتحرك ليطوقها بذراعيه فتمد كفيها للخلف تشبكهما بكفيه وهي تعيد رأسها للخلف ساحبة نفساً عميقاٌ بينما تطالع نجوم السماء ..
ثم تزفره ببطء كأنما تطرد معه كل هواجسها ..


تضحك فجأة ضحكة عالية كأنما استعادت لتوها شعورها بالفرحة التي عايشتها منقوصة طيلة هذه الليلة ..
فيبتسم وهو يشعر بضحكتها تضيئ قناديل روحه كلها ..
يراها تزيح كفيه عنها لتبتعد ثم تنفض حذاءها عن قدميها لتعدو فاردة ذراعيها وصوت ضحكاتها يحلق حولهما ..

فيشاركها جنونها وهو يخلع سترته ويرميها خلفه ثم يخلع حذاءه وجوربه ليلقيها بسرعة ويعدو خلفها ..
جسدها يعدو بحركة راقصة فتبدو كفراشة متمايلة ..
تتوقف أمام الكوخ الذي فتحته بمزيج من حذر واشتياق لتمد رأسها بداخله ..
ستائره الملونة تتمايل بنعومة فوق نوافذه المفتوحة ..
ترفع رأسها لأعلى تعانق نجوم السماء التي شعرت وكأنها تتألق أكثر هذه الليلة تشاركها سعادتها ..
تبتسم وهي تشعر بكفيه على خصرها بينما همسه الدافئ يلفح أذنيها :
_خلاص! مش هتنامي هنا تاني ..من النهارده هننام سوا في أوضتنا فوق ..هنتشارك كل حاجة زي ما عملنا طول عمرنا .

تتورد وجنتاها بخجل فطري وهي تراه ينحني ليحملها بين ذراعيه كطفلة ثم يتحرك بها ليدخل بها البيت ..

تتعلق بذراعيها في عنقه وعيناها تعانقان عينيه بهذه النظرة التي تشد وثاق روحيهما يوماً بعد يوم ..
يصل بها لغرفتهما فينزلها أرضاٌ لتتلفت حولها فتضحك وهي ترى الفراش كله قد زيّن ببتلات الفل ..

_كنت مراهنة نفسي إنك هتعملها !
تهمس بها وهي تحيط وجنتيه براحتيها ليميل على شفتيها هامساٌ :
_أنا بقا مراهن نفسي إنك هتخليني أسعد واحد في الدنيا الليلة دي .

قلبها يرتج بهدير عاطفتها وهي تشعر به يكاد يعتصرها بين ذراعيه ليذيبها في لهيب عاطفته ..
أنفاسه مع أنفاسها تمتزج برائحة الفل حولهما فتشعر وكأنها تلملم بين ذراعيه بقايا عمر مضى وآخر سيأتي ..
ترتقي معه درجات سلم توقن أنه لن يتركها حتى يبلغ بها قمته ..
فلا خوف بعد ولا فقد ..
بل حبٌ وحبٌ ..وحب..
=======







_الحمد لله الدكتور طمننا ما تقلقيش.
يهمس بها إسلام وهو يجلس جوارها على طرف الفراش الذي نامت فوقه ريما ..
لتمسح هي وجهها بإرهاق قبل أن تخفيه بين كفيها فيرمقها بنظرة مشفقة ناسبت قوله :
_نامي انتِ شوية وأنا هافضل سهران هنا ..مش هنستفيد حاجة لما نسهر احنا الاتنين .

فترفع إليه عينيها ب"نظرتها الآسرة" والتي صار يفهم مزيج حيرتها وبراءتها ..
يرى شفتيها ترتجفان وأناملها تزحف على الفراش نحوه فيتذكر موقفاً مشابهاً خذلته فيه لتتوقف حينها في منتصف الطريق ..

لكنها الآن تصل إليه لتتشبث بكفه ب"وهن"يناسبها ..
فيجذبها بذراعه الحر نحوه ليضمها إليه ب"قوة" تناسبه !!
يشعر بأناملها هناك في موضع شامته فيبتسم وأنامله تتخلل خصلات شعرها مع همسه الدافئ:
_خايفة كالعادة ؟!
فتعض شفتها بقوة وهي تخفي وجهها في كتفه هامسة بألم:
_كل ما كنت بفتكر بابا الله يرحمه كانت بتصعب عليّ ريما قوي ..كنت بقول لنفسي حرام تعيش من غير ما تجرب يعني إيه أب في حياتها ..لما كنت بتعب وأنا صغيرة كان بابا بيصرّ إنه هو اللي يسهر جنبي ..مواعيد الدوا والأكل بالدقيقة والثانية ..لسه شايفة إيده وهي بتمد لي معلقة الدوا ..حاسة بلمسته على جبيني وهو بيجس الحرارة ..شامة ريحة كوباية الينسون الدافيه ..وحاسة برفعة الغطا فوقي وأنا مش طايقاه بس هو بيقوللي
لازم تعرقي عشان تبقي كويسة ..فاكرة أول فسحة بعدها لما أخف ..فرحته وهو شايفني بتنطط ..إيده وهي ماسكة إيدي واحنا ماشيين في الشارع وهو بيحكيلي حكاياته اللي ما كانتش بتخلص ..واحساسي إني مهما تعبت ..مهما اتوجعت هلاقي في حضنه الأمان والدوا ..عشان كده كنت بترعب أول ما ريما تتعب ..كانت بتصعب عليّ لإنها اتحرمت من كل ده ..وبسبب اختياري أنا الغلط .

_ممكن تبطلي تجلدي نفسك بقا ؟!

يهمس بها بخفوت مشفق وهو يرفع ذقنها نحوه ليردف :
_من سنة واحدة بس لو كان حد قاللي إني هاوصل لكده كنت قلت عليه مجنون ..من واحد مقضيها طول بعرض وضارب الدنيا كلها ستين جزمة قديمة ..لواحد حاسس إن روحه بقت خلاص متعلقة في اللي حواليه ..ومع ذلك مش متضايق
بالعكس ..حاسس إن حياتي بقالها قيمة بيكم ..

ثم يقبل جبينها بعمق لتتباطأ حروفه كأنما يزرع معناها في روحها ويجتث معها كل جذور خوفها :
_أنا هنا ..وهافضل هنا ..لإني ماعادش ينفع غير إني أكون هنا ..ريما بنتي ..وانتِ ..
يقطع عبارته عامداً لترمقه بواحدة من نظراتها المهلكة تستحثه على إكمالها ..
لكنه يبتسم وهو يغمزها هامساً بنبرة عاد إليها مذاق مشاكسته :
_وحش الشاشة ..فخر صناعة التين الشوكي في مصر ..الست نشويات سيدة
الإمكانيات ..تحبي ألقاب كمان ؟!

تكتم ضحكتها في كتفه بينما تلكزه في
الآخر بقبضتها هامسة :
_مفيش فايدة ! ماعندكش كلمتين جد يكملوا لآخرهم أبداً .
_بمناسبة الكلام الجد بقا ..هه ..بقالنا كتير ما اتحاسبناش !
يهمس بها بحاجبين متراقصين فتدفعه برفق هامسة باستنكار:
_ده وقته ؟!
_ماشي ..الحساب يجمع يا عسل!
يغمزها بها وهو يخبط بكفيه على ركبتيه لينهض واقفاً مكانه ثم يردف بنفس الخفوت كي لا يوقظ الصغيرة وهو يستخرج هاتفه من جيبه :
_هاخرج بس أكلم ياقوت أطمن إنها روحت .

تمنحه ابتسامة واهنة فيرمقها بنظرة متفحصة وهو يشعر ببعض الغموض في نظراتها كأنما تخفي عنه شيئاً ..
لكنه يتجاهل هذا الحدس وهو يقرص وجنتها بخفة قبل أن يغادر الغرفة ..
فيما ظلت هي تراقب ظهره المنصرف بشرود ونظرتها الغامضة تتشح بشعورها
بالذنب رويداً رويداً ..
هذا الشعور الذي تعاظم كثيراً وهي تتناول هاتفها لترمق سجل الاتصالات فيه بنظرة خاصة وهي تطالع رقماً بعينه قبل أن تمسحه !
تعض شفتها بالمزيد من شعورها بالذنب وهي تفكر ماذا لو علم عما تخفيه ..
لكنها تكتم مشاعرها وهي تزيح الهاتف جانباً ببعض العنف لتنحني فتعانق جسد الصغيرة النائمة بلوعة فضحتها ملامحها ..
لوعة امرأة تخشى الفقد ولم تعد تفهم حقاً ماذا تريد ..
======




_فين حلقك يا دكتورة ؟!
تقولها ثمر بنظرات متفحصة وهي تراقب وجه ياقوت الشاحب وعينيها المنتفختين بدموعها عقب خلعها لوشاحها..
كانت قد عادت لتوها من القاهرة في أول قطار وجدته صباحاً وقد شعرت بحاجتها ل"حضن ثمر"بعد ما حدث بالأمس في حفل زفاف همسة ..

هذا الذي اندفعت نحوه بكل قوتها لتخفي وجهها في كتفها وجسدها يرتجف ببكائها لتربت ثمر على ظهرها صامتة دون كلمات ..
كانت تدرك بحدسها أن القرط يخص زين ومادامت ياقوت قد خلعته فقد فعل ما ساءها ليلة أمس..

لكنها لم ترد الضغط عليها أكثر مع ما تراه من حزنها فاكتفت بعناقها الصامت لها ..
ليصلها أخيراً همس ياقوت المختنق:
_تعبت يا ستي ..تعبت من المعافرة في طريق مش بتاعي ..انتِ كان معاكِ حق .

فتبعدها ثمر لتتفحص ملامحها بمزيج من قلق وتوجس لكن ياقوت تمنحها ابتسامة مطمئنة وهي تمسح دموعها لتتلفت حولها قائلة بمرح مصطنع:
_البيت مالوش طعم من غير "أوبرا"..وحشتني قوي .

لكن محاولتها المصطنعة للتجاهل لم تزد ثمر إلا قلقاً فجذبتها من كفها نحو الأريكة القريبة لتجلس جوارها وتسألها بجزع:
_حصل إيه امبارح؟!
فتهز ياقوت رأسها ولم تكد تفتح شفتيها لترد حتى سمعت صوت طرق الباب فانتهزت الفرصة لتضع عليها وشاحها من جديد وتتوجه نحو الباب الذي فتحته لتجده هو أمامها ..
زين!

قلبها يرتج بين ضلوعها بقوة وهي تخاف أن يخذلها جنونه أمام جدتها !!
جنونه الذي اختبرت قبساً منه بالأمس!!
لهذا شحبت ملامحها بقوة وهي ترمقه بنظرة هادرة بين غضب ورجاء ..
قبل أن تعاود النظر خلفها نحو ثمر التي تقدمت نحوهما بعينين غامضتين لتهتف بنبرة محايدة :
_أهلاً يا بيه ..اتفضل .

يتقدم زين نحو الداخل وهو يشعر بنفس الرهبة التي اجتاحته أول مرة عقب لقائه بثمر ..
رهبة اختبار لايعلم كيف ستكون فيه نتيجته !

يجلس مكانه لتجلس ثمر في مقابلته وجوارها ياقوت التي احمر وجهها بانفعاله وهي تترقب كل ملامحه بلهفة متوجسة ..
أخشى ما تخشاه أن تفلت منه كلمة تفضح ما كان بينهما لجدتها ..
لهذا بسطت راحتها على صدرها وهي تدعو الله سراً أن يمر الأمر بسلام ..

فيما نقلت ثمر بصرها بينهما بنظرة متفحصة لتخاطب زين أخيراً بنبرة متحفظة :
_خير يا بيه ؟!
يتنحنح زين بارتباك غريب على تماسكه المعهود وهو يشعر أنه فقد معها كل حدود تعقله حقاً ..
منذ غادرته بالأمس وعقله لا ينبض إلا بخاطر واحد ..
أنه خسرها!
هذا الذي أثار جنونه وهو يجد أول ما يفعله صباحاً أن يتوجه إلى هنا وقد أدرك بخبرته عنها أنها ستهرع إلى حضن ثمر بعدما كان بينهما ..

_آسف إني جيت من غير معاد ..بس حاولت أكلم ياقوت وموبايلها مقفول ..

يقولها بارتباك مشتت وجد أثره في قلب ثمر ليمنحه نقطة إضافية في رصيده الإيجابي لديها رغم تحفظها من حالة ياقوت الغريبة ..
لهذا ابتسمت بهدوء وهي تتناول مسبحتها القريبة من على الطاولة لتحرك حبيباتها ببطء بين أصابعها قائلة :
_البيت بيتك ولو إنه مش أد المقام يا بيه ..شكله موضوع مهم ومستعجل قوي .

يتمالك قوته وهو ينقل بصره للحظات بين عيني ثمر المتفحصتين وعيني ياقوت الشبيهتين والنابضتين بمزيج من خوف ورجاء وغضب ..
غضب انتشرت ذبذباته بينهما عبر هذه المسافة ..

_أنا جاي أطلب إيد ياقوت !

تضغط ياقوت شفتيها بقوة كاتمة شهقة صدمتها وراحتها تكاد تعتصر قماش قميصها ..
ترمقه بنظرة ذاهلة ثم تلتفت نحو ثمر بترقب لكن الأخيرة لم تبدُ بهذا القدر من الصدمة ..
بل بدت وكأنها بشكل ما كانت تتوقع !

الصمت الثقيل يخيم فوق ثلاثتهم لدقيقة كاملة لا يقطعه سوى صوت حبيبات المسبحة التي تحركها أصابع ثمر ..

والتي ظلت مطرقة بوجهها قبل أن ترفعه أخيراً نحو زين لتقول بنفس النبرة المتحفظة :
_طلبك يشرفنا يا بيه ..بس ..

تصمت لحظة بعدها فيقع قلب ياقوت بين قدميها فيما يعقد زين حاجبيه بقوة شاعراً أنه سيسمع ما يسوؤه ..
وقد كان ..

فقد هزت ثمر رأسها باستطرادها بأنف مرفوع:
_النبي صلى الله عليه وسلم بيقول "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه"..دكتور سامر زميلها في الشغل سبقك وطلب إيدها واحنا لسه بنفكر ..

ينتفض زين مكانه بغضب مجنون اشتعلت له روحه قبل ملامحه ..
لتقف كل من ياقوت وثمر مكانهما فتردف
الأخيرة بنفس النبرة المتحفظة والرأس المرفوع:
_لو ماحصلش نصيب بينهم ساعتها اللي فيه الخير يقدمه ربنا .

_نصيب ؟!!..بينهم ؟!!
يتمتم بها من بين أسنانه بحدة مكتومة وعيناه تكاد تقتلعان ياقوت من مكانها بنظراتهما الحارقة ..
خاصة وهو يشير إليها بسبابته المرتجفة محاولاً تمالك جنونه :
_ده رأيك انتِ كمان ؟!

تشعر ياقوت برهبة خانقة وهي لا تدري سبب ما فعلته ثمر ..
الآن هو من يتقدم لخطبتها وهي ترفضه !!
لماذا؟!
لماذا وهي تعلم أنها لم تحب رجلاً غيره ؟!
ودون أن تسألها عن رأيها ؟!!

تنقل بصرها بينهما بتردد لم يدم سوى للحظة واحدة قبل أن تتحرك خطوة جوار ثمر لتقول بصوت أرادته قوياً لكنه خانها ليخرج مرتجفاً :
_كلمة ستي ثمر ما تتكسرش ولا تتقال مرتين .



تنفرج شفتاه فينقبض قلبها بالمزيد من الخوف خاصة مع برق الغضب الذي كان ينبض في عينيه ..
لكنه عاد يطبقهما بقوة ثم توجه ببصره نحو ثمر ليهز رأسه بصمت قبل أن يغادر بخطوات هادرة دون كلمة واحدة ..
=======
انتهى الفصل الثامن والعشرون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:31 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.