آخر 10 مشاركات
رواية بحر من دموع *مكتملة* (الكاتـب : روز علي - )           »          القبلة البريئة(98)لـ:مايا بانكس(الجزء الثالث من سلسلة الحمل والشغف)كاملة*إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          الحب الضائع (97) لـ:مايا بانكس (الجزء الثاني من سلسلة الحمل والشغف) *كاملة* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          125 - الضوء الهارب - جينيث موراي (الكاتـب : حبة رمان - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          133 - وداعا يا حب - روبين دونالد (الكاتـب : حبة رمان - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-12-18, 08:05 AM   #211

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي


مبررروووك التمييز يا غالية



Malak assl غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-18, 04:45 AM   #212

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

مبروك التميز .. يا عسل

هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 01:25 PM   #213

قمر الليالى44

مشرفة اسرة حواءوذات الذوق الانيق وفراشة متألقة،ازياء الحب الذهبي ..طالبة مميزة في دورة الخياطة جزء1وأميرة فستان الأحلام ولؤلؤة بحر الورق وحارسة وكنزسراديب الحكايات و راوي القلوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية قمر الليالى44

? العضوٌ??? » 159818
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 18,208
?  مُ?إني » فى القلب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » قمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
?? ??? ~
ياقارئا خطي لاتبكي على موتي فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى وياماراً على قبري بالأمس كنت معك واليوم في قبري أموت ويبقى كل ماكتبته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الف مبارك التميز وشكرا على الوسام
يسلمووووو


قمر الليالى44 غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 01:43 PM   #214

قمر الليالى44

مشرفة اسرة حواءوذات الذوق الانيق وفراشة متألقة،ازياء الحب الذهبي ..طالبة مميزة في دورة الخياطة جزء1وأميرة فستان الأحلام ولؤلؤة بحر الورق وحارسة وكنزسراديب الحكايات و راوي القلوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية قمر الليالى44

? العضوٌ??? » 159818
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 18,208
?  مُ?إني » فى القلب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » قمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
?? ??? ~
ياقارئا خطي لاتبكي على موتي فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى وياماراً على قبري بالأمس كنت معك واليوم في قبري أموت ويبقى كل ماكتبته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث طويل وجميل
ياقوت وحوارها مع الجدة ثمر
وقلق الجدة على ياقوت ولجين
الشيخ ودروسه الدينية
غادة والصدفة التى جمعتها فى سيف الذى افتكرها
يسلمووووووو وبانتظار القادم


قمر الليالى44 غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 06:32 PM   #215

جنة محمود
 
الصورة الرمزية جنة محمود

? العضوٌ??? » 291127
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 624
?  نُقآطِيْ » جنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
مبروك التميز
تسجيل حضور


جنة محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 09:17 PM   #216

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

مبروووووووووك التميز يا حبي يا احلي نيمو

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 09:30 PM   #217

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

تسجيل حضور بالانتظار

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 09:40 PM   #218

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

بالانتظااااار
تسجيل حضوووووور


Moon roro متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 10:56 PM   #219

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الرابعة
======

بالله لا تسألوني عليه ...
لا تشعلوا القنديل القديم...
كفاني ما قد فقدت لديه...
دعوني هنا وحدي
أستكينْ...
أجاهد عيني لكي لاتراه
وأقسو على القلب
كي لا يلين
وألعن ذكراه لو غافلتني ...
وعادت بقلبي لنهر الحنين ...

فلا تسألوني لماذا افترقنا...
مللت التساؤل والسائلين...
لازلت أجهل سر العقاب...
ولازلت أجهل ذنب السجين..
عجبي لنا
كيف أنا مضينا
كطفلين سئما من اللعب
فافترقا بعد حين !
تقولون حمقاء كنت بحبي...
وكم كنتم لي من الماصحين
أجل حمقاء
وذنبي بعنقي
لكم ..أم لنفسي بعذرٍ أدين ؟!
تمزق في الريح ثوب هوانا
واختنقت بدخانها دنيانا
وأمطر اليأس في وادينا
وذبلت أزهر الياسمين...

عفواً لن نحضر العام هذا
حفل تتويج العاشقين
كيف وقد مات بعينيه لحني
تراني أغني بلا عازفين؟!
فلا تذكروه الآن أمامي
دعوني أكفر ذنبي الأثيم
دعوني أروض قلبي ليقسو
فمن يقسُ أحياناً رحيم
دعوني أكسر بيديّ صنمي
وأنزع عني ردائي الحزين
وأهرب منكم..ومنه ...ومني...
وأخفي دموعي عن الناظرين
وأقسم أني نسيت هواه
وأشهد أني من الكاذبين...
فبالله لا تسألوني عليه...
ولا تشعلوا القنديل القديم.
"نرمين نحمدالله"

=======
_افتكرت!
قالها سيف لتتوتر ملامح إسلام مميزاً لكنة الاستياء فيها بينما أشاحت غادة بوجهها وقد بدا عليها الارتباك...

_شكلكم معرفة قديمة وأنا آخر من يعلم .
قالها بمرحه المعهود محاولاً تبديد السحب السلبية بينهما لكن سيف أشاح بوجهه هو الآخر دون رد ....
ليسود الصمت القصير بينهم إلى أن قطعه وصول العم علاء بهتافه الصاخب:
_لوريل وهاردي ...يا مرحبا يا مرحباً.
قالها مداعباً بذاك -اللقب- الذي طالما كان يشاكسهما به أيام العزيز الراحل في مقارنة لضخامة جسد سيف كثيراً مقارنة بجسد إسلام النحيل ...
والذي كان أول من تلقى الدعابة بميله الفطري للمرح رغم توجسه مما كان يحدث:
_كنت مزوِغ فين يا عمو ...اسطنبول مافيهاش "مصنع كراسي"؟!
_مين قاللك؟! مش بقوللك غشيم!!
قالها علاء بينما يلكزه في كتفه بمرح ليبتسم سيف أخيراً ابتسامة متحفظة سبقت قوله :
_إزيك يا عمو ؟!
قالها وهو يمد يده مصافحاً للرجل الذي جذبه نحوه ليعانقه بمودة ظللت حروفه :
_الغالي صاحب الغالي .
_وأنا ابن الغسالة مثلاً!!!
هتف بها إسلام مردفاً بغيرة مصطنعة :
_خلليك كده يا عمو ...دايماً تحبه أكتر مني .
فقهقه علاء ضاحكاً ليعاود لكز إسلام في كتفه مع قوله:
_ده سيف المحترم ابن الناس الكويسين...ايش وصلك انت يا بتاع "البرقوق"!

ورغم أن إسلام كان معتاداً على مشاكسات علاء هذه لكن الموقف كله كان يثير توجسه وارتيابه ...
خاصة وهو يلاحظ توتر ملامح غادة التي بدت كهرّة متحفزة مكانها ...
لهذا تجهمت ملامحه قليلاً وهو يطرق برأسه ليقلب علاء بصره بينهم جميعاً فيما يقول بنفس اللهجة المازحة التي اكتست ببعض الحذر:
_والله وبقى عندك دم وبتتقمص يا ولد ؟! من امتى؟!
_يتهيالي خلاص كده يا عمو ممكن نروّح !
قالتها غادة مشيرة لانحسار الزحام حولهم وقد بدأت بعض "البازارات" في الإغلاق فعلاً...
ليجيبها الرجل بانطلاق:
_طبعاً نروح...بس ناخد الأسيرين دول معانا رهينة .

حاول سيف الاعتذار باستماتة لكن علاء كان مصراً بشدة خاصة مع ترحيب إسلام لغرض -بالطبع-في نفسه ...
لينتهي الأمر بثلاثتهم مع العم علاء في سيارته قاطعاً الطريق نحو بيته ...
كان إسلام يركب خلفها تماماً فيما كان سيف جواره فيما مكنه من متابعة حركتها المتوترة وهي تداعب دبلة "أحمد" في إصبعها !

_مخلصة قوي!
همس بها متهكماً بازدراء في سره وهو يتذكر المرة الوحيدة التي رآها فيها ...

لم تكن محجبة حينها بل كان شعرها النبيذي المصبوغ يتطاير حول وجهها ك-صواعق- من فتنة تنذر كل من يقترب ...
كانت تراقص زوجها وقتها بهيام على المنصة ...
هيام أجّج عواطف نصف ذكور الحفل وأثار الغيرة في النصف الآخر ...
العرس لم يكن يخلو من الفاتنات لكنه يذكر ليلتها أن العيون كانت متركزة عليها هي بالذات ...

ربما لهذا لم يتعجب عندما علم أن ....

_وصلنا يا شباب ...ياللا نشوف "أنّا" عاملة لنا إيه ع الغدا .
هتف بها علاء بمرح مقاطعاً أفكاره وهو يترجل من السيارة قبل أن يدور حولها لتتعلق عيناه بغادة مع قوله المشاكس:
_عينين الجميل دبلانة النهاردة ليه ؟!

لأول مرة تتلقى غادة دعاباته بالكثير من الحرج ...
ربما لأن المعنى الذي وصلها هو نفس المعنى الذي جعل ملامح سيف تتلون بنفس الازدراء ...

_جاية راسمة على الراجل الكبير واللا إيه ؟! صحيح ...ماهي قاعدة هنا ببلاش ...والاسم بتساعده في الشغل.

همس بها في نفسه ليلتفت نحو إسلام الذي كان بصره معلقاً بها هو الآخر حتى أنه سبقه قليلاً ليسير جوارها فتنتهي الصورة بها في المنتصف بينه وبين علاء ...
بينما هو وحده في الخلف يهز رأسه باستنكار آسف !!

الازدراء الذي شعر به كان مرسوماً بوضوح على وجهه الجاد ...
حتى استقبال "أنّا" الدافئ لم ينجح في تبديده بل على العكس ...
شعوره بأن هذه "المراوغة المحتالة" تخدع الجميع كان يهيج غيظه أكثر ...

بينما كان إسلام يختلس النظر نحوه بقلق يتنامى وهو عاجز عن سؤاله عما يموت لهفة لمعرفته...
لكن شعوره بوجود غادة طغا على كل شيئ لاحقاً ليجد نفسه يستجيب لرغبته في المزاح أملاً في جذب انتباهها ...

_فراخ بالباربيكيو ...عمايل غادة ...دوقوا بقا وقولوا رأيكم !
قالتها إيناس بعد تحضير مائدة الطعام بفخر صادق وهي تربت على كتفها بحنان أم أصيلة تريد لابنتها واحداً من هذين "الرجلين" أمامها ...
قلبها يميل لإسلام أكثر لكن عقلها يومض بتتابع ...
ربما كان سيف هو الأنسب ...والأفضل!

_أنا جهزتها بس ...حضرتك اللي عملتيها .
قالتها غادة بحرج يتزايد وأناملها تكاد تعتصر دبلة أحمد مكانها بينما تتحاشى النظر لأي منهم ليهتف علاء باستنكار مصطنع:
_صاحية من الفجر تكركب في المطبخ ...وأصحى مشعوف م النوم قلت حرامي ...تطلع غادة "خانوم" بتعجن بيتزا !

اتسعت ابتسامة سيف الجانبية وصدق مخاوفه يتأكد له فأزاح الطبق الذي وضعت له فيه إيناس قطعة البيتزا جانباً ببعض العنف قائلاً بنبرة سيطر عليها :
_هاشرب شوربة الكريمة بس .. أكيد دي من إيدك يا "أنّا"!

شعرت إيناس بالغرابة في قوله فبرغم طباعه المتحفظة لم يكن يوماً فظاً هكذا ...
لكنها فسرتها ب...

_عايز تسيب ال"بيتزا" كلها لإسلام ....ها؟!

قالها علاء بخبث ونفس خاطر زوجته يراوده بينما ينظر إليهما نظرة متفحصة ليبتسم إسلام بخبث مشابه بينما أطرق سيف بوجهه في إحباط ليتناول طبقه مكتفياً بصمته طوال مدة تناولهم الطعام...
من الجيد أن إسلام قد جعله يرى هذه "اللعوب" الآن قبل أن تسقط الفأس في الرأس ...
لكن ألم تسقط حقاً؟!!

_مممم...تجنني يا غادة !
هتف بها إسلام بتلذذ وهو يلوك البيتزا في فمه ليحمر وجه غادة ليس خجلاً بل غضباً هذه المرة ...
خاصة عندما قال العم علاء بطريقته الماكرة:
_اتلم يا بتاع "البرقوق"!

_هاعمللكم شاي!
قالتها وهي تنهض من مكانها بسرعة غير آبهة باعتراض إيناس وعلاء اللذيْن تبادلا نظرة حائرة ...
ثمة شيئ ما يحدث هنا لا يفهمانه !

_تسلم ايدك يا"أنّا"...هاطلع الجنينة أشرب سيجارة .
قالها سيف وهو يغادر المائدة للخارج ليلحق به إسلام بعد ثوانٍ هاتفاً بقلق:
_فيه إيه يا سيدنا ؟! من ساعة ما شفتها وانت مش على بعضك !
فأشعل سيجارته بحركة عصبية ليسحب منها نفساً عميقاً زفره بقوة قائلاً:
_البنت دي ما تنفعكش.
_ليه إن شاء الله ؟!
هتف بها إسلام بمزيج من ضيق وتحفز ليهتف به هو الآخر :
_عشان مش مظبوطة !
_يعني إيه مش مظبوطة ؟!
هتف بها إسلام بقلق ليعاود سيف قوله بانفعال أكبر:
_مش مظبوطة يعني مش مظبوطة...مش فاهم يعني إيه مش مظبوطة !

_مين دي بقى اللي مش مظبوطة ؟!!
والهتاف جاء من خلفهما لتشتعل الدنيا أكثر !!!
=========
تردد قليلاً وهو يقف أمام باب غرفتها المغلقة دوماً في الملحق الخارجي بحديقته...
نفس الشعور المتناقض الذي يملأه كلما يراها ...
شعور بالإشفاق يمتزج بطيف خفيف من ...تشفٍّ!!!
هذا الإحساس الذي يقاومه بكل ما أوتي من إنسانية وعاطفة كبرت معه يوماً بعد يوم لفتاة لم تكن لها جريرة في ذنب أبيه !

_البنت دي ما تدخلش البيت ده طول ما أنا عايشة ...ولا بعد ما اموت ...اوعدني يا زين ...اوعدني .

بصوت أمه -الراحلة- الغارق بلوعته يسمعها من الماضي مفسراً سبب تصميمه لهذا الملحق الخارجي لهمسة...
لوعة امرأة قعيدة كتب عليها أن تقضي ما بقي لها من عمرها فوق كرسي متحرك ...
كان كل ذنبها أنها وثقت في قريبتها -الأفعى- وفتحت لها بيتها ليكون جزاؤها أن تسرق منها زوجها ...
والعاقبة ...طفلة !
طفلة أجبروه وقتها أن يتقبلها كأخته ...
كيف؟!
وحياتها -في نظره- ارتبطت بموت أمه !
أجل ...ماتت -حية- وهي ترى زوجها يزهد فيها بعد مرضها ليرتمي في أحضان أخرى ...
وماتت -حقاً - بعدما فقد جسدها العليل رغبته في الحياة والمقاومة !

ربما يفسر هذا شعور "التشفي" الذي يكرهه هذا وهو يرى ابنة تلك الأفعى بهذا الحال الذي صارت عليه منذ سنوات ...
لكن ما ذنبها هي في جريمة أمها؟!
منذ متى نرث خطايا آبائنا؟!!

لهذا تنهد بحرارة وهو يفتح الباب أخيراً ليجدها في حالها المعهود ...
شاردة أمام النافذة المفتوحة...
صورة جامدة لتمثال بلا روح ...
تمثال دبت فيه الحياة فجأة عندما سمعت صوته يناديها...
لتهب واقفة مكانها قبل أن تندفع نحوه وتعانقه بقوة جعلت عينيه تدمعان ...
يالله !
هو يحبها ...ومن لا يحب هذا الملاك الكسير؟!
هذه الروح النقية التي لم تنل من شمس الحياة إلا لهيبها دون دفئها ؟!
وحتى عندما ذاقت الحب لم تتجرع سوى مرارته ؟!!
لهذا يعترف رغم كل شئ ...
رغم أنف الماضي ولعنته ...
هي أقرب أهل الأرض لنفسه !
بل إن أقصى أمانيه أن تعود لها سلامتها !

لهذا أخذ نفساً عميقاً يتمالك به مشاعره قبل أن يبعدها قليلاً ليحدثها كطفلة:
_زين زعلان منك...هو عشان سافرت ما تاكليش ولا تاخدي الدوا .
كان يعلم أنها قليلة -بل شحيحة- الكلام ...
لهذا سرّ كثيراً عندما تمتمت بحروف متثاقلة :
_ما قلتليش.

تلقى كلمتها كعتاب رقيق مثلها ...
عتاب جعله يقبل جبينها ليقول لها معتذراً:
_حقك عليا...آخر مرة أسافر من غير ما أقوللك.

تزينت شفتاها بابتسامة شاحبة وعيناها تزيغان بشرودهما المعهود ...
قبل أن تعود أدراجها بخطوات بطيئة نحو كرسيها وكأنما "ندّاهة" عالمها الافتراضي المنعزل قد عاودت الاستحواذ عليها ...

هذا التصرف الذي كان يبدو أنه قد اعتاده عندما تنهد بأسف قبل أن يتحرك بدوره ليجلس على ركبتيه أمامها يمسد ظهرها بكفه ...
لكنها لم تصدر أي حركة أخرى ...

_كنت في ماليزيا ...بلد اسمها كوالالامبور ...بلد حلوة قوي ...بكرة لما الظروف تسمح هاخدك معايا هناك...جوها حلو بس حر شوية...المطر هناك كتير زي ما بتحبيه ...هتتبسطي هناك قوي...

كان يحدثها بانطلاق كما نصحه طبيبها رغم ما يبدو من عدم استجابتها ...

_زين ممكن يتجوز قريب ...هنعمل حفلة كبيرة تلبسي فيها فستان بلون البنفسج اللي بتحبيه ...وبعد شوية ممكن يكون عندي بيبي ...مش هتبقي فرحانة وقتها؟!

خطّان رفيعان من الدموع سالا على وجنتيها مع ابتسامة وليدة شقت طريقها نحو شفتيها الرقيقتين ...
ابتسامة أذابت فؤاده وهو يربت على شعرها برفق بأحد كفيه بينما يمسح دموعها بالكف الآخر مدركاً كم لامست كلماته قلبها الطيب ...

_معاد دواها يا زين بيه .
قالتها الخادمة التي دخلت لتوها إلى الغرفة فتنحنح بخفوت ليقف مكانه قبل أن يتحرك ليتناول منها الدواء الذي أعطاه لهمسة بنفسه ...
ثم عاد ببصره للخادمة بنظرة متسائلة جعلتها تظهر له "عقد الفل" الذي كان قد طلبه منها قبل دخوله إلى هنا ...
والذي وضعه على رأس أخته قبل أن يصفف لها شعرها بأنامله قائلاٌ بحنان :
_أميرة الفل...مين يليق عليه الفل أكتر منك ؟!

ابتسمت الخادمة بإشفاق وهي ترى المنظر خاصة مع ابتسامة همسة الشاحبة التي أضفت المزيد من الملائكية على ملامحها ...
فيما أشار لها زين بالانصراف قبل أن يجذب كرسياً ليجلس جوارها مستأنفاً حديثه أحادي الجانب معها لما يقارب الساعة...

حتى وقف أخيراً لينظر في ساعته قائلاً لها :
_هامشي دلوقت عشان الشغل وهارجع لك قبل ماانام.

لم يصله منها رد وقد عاد ظلام عالمها يتلقفها ليتنهد بحرارة قبل أن يغادر غرفتها خلفه مغلقاً بابها بالمفتاح كما اتفق ...

ولم يكد يبتعد قليلاً حتى تمتم بخفوت:
_ربنا يسامحك يا رائد... مين عالم لو ماكنتش عملت عملتك دي كان زمان حالها إيه دلوقت ؟!

زفر زفرة قوية ثم تناول هاتفه ليتصل به ...
رائد هو ذراعه اليمنى في كل ما يتعلق بالعمل ...
مخلص ...ذكي ...بل داهية ...
فلو أضفنا لهذا كونه "ابن عمه" فهذا يجعله المرشح المثالي لمنصبه هذا الذي يشغله في شركته ...
صحيحٌ أن رواسب الماضي لاتزال تقف حائلاً دون صداقة حقيقية بينهما ...
لكنه يثق به على أي حال!

لهذا ما كاد يطمئن منه على أحوال العمل حتى خصّه بخبر يوقن أنه يحتاج سماعه:
_همسة بقت أحسن ...اطمن.

قالها باقتضاب يليق بالصمت المطبق الذي حافظ عليه رائد بعدها ...
قبل أن يتجاهل الأخير الرد تماماً ليغير الموضوع تماماً بآخر ...
والذي جعل زين يعقد حاجبيه بقوة وهو يتلقى المعلومة الجديدة ...
يامن حمدي بدأ يتلقى علاجاً نفسياً لدى امرأة!
"ياقوت سليمان"...
مممممم...
معلومة "قيمة" لن يمررها "صائد الكنوز" بسهولة هكذا في رحلته للظفر بكنزه !
لكن ...ليبقَ لكل شيئ وقته !

وعلى مكتبه أغلق رائد الاتصال ليسمح لتنهيدة حارقة أن تغادر شفتيه بعيداً عن قناعه "المعدني" الذي صار رفيق حياته...
قبل أن يبتسم ابتسامة بطعم الدموع وأنامله تمتد ل"عقد فل" يحرص دوماً أن يزين مكتبه كل صباح حاملاً له معه أريج الذكرى ...والذنب..
آآآه ...
الذكرى والذنب!
هل هناك أقسى من هذا المزيج ؟!!
=========
_وحشتيني ...ماتعرفيش أد إيه كنت محتاجلك !
يهمس بها يامن عبر قبلاته التي تناثرت على بشرتها ...
حارة ...مشتاقة...ملتهبة ...
تصهرها بلهيب لا قبل لها به ...
فتغوص بين ذراعيه أكثر...

_ماقلعتش الخاتم بتاعي!
_وعدتك عمري ما هاقلعه !
همسه الدافئ يلفح وجنتيها وهي تشعر بسكينة الرجوع لوطنها بين ذراعيه ...
_انت كمان وحشتني .
والحروف تتوه بين موج العناق وترانيم الشفاه ...
لتسمع منه اعترافاً طالما تمنته ...
_بحبك ...عمري ما حبيت ولا هاحب غيرك .

العرق يتصبب على جبينها غزيراً لتتمتم بين صحوة ومنام ...
_قلها تاني ...لا لا ...ابعد !
شهقت بعنف لتنتفض مكانها على فراشها وهي تحتضن جسدها بذراعيها ...
حلم ؟!
كان حلماً؟!!
تباً!!!
إنها لاتزال تشعر بحرارة لمساته...
لاتزال تشعر بدفء جسده يغمرها ...
حلم ؟!!
لا ...بل كابوس!!!
أفيقي...أفيقي!!!
يامن لم ولن يحب!!!
كل سعي عمرك هذا كان خلف سراب!!!
شهقاتها تتوالى تباعاً حتى تفتح فمها بقوة طالبة الهواء!!!
والدمع العصيّ لايزال يحرق مقلتيها رافضاً الهطول ...
لماذا ؟!!
لماذا هذا الحلم الآن؟!!
ألم تكن قد حرمت اسمه حتى على أفكارها؟!!
ألم تقهر هذا الحنين الخائن لرجل مسحته من حياتها بممحاة ؟!!
تأوهاتها الخافتة تذبحها بثقلها فتمد أناملها تتحسس بطنها ...
تتذكر فرحتها عندما علمت عن حملها ...
عندما أيقنت أنه سيكون هناك ما يربطها به طوال العمر !!
كانت تظن أنها ستقدم لصغيرها أروع قصة حب ترويها له عندما يكبر ...
لم تكن تعلم أنها دون قصد ستورثه وصمتها وجرحها ...

آه!
انفلتت منها حارقة متوجعة وهي تشعر بوخز جسدها كله اشتياقاً ...

_لا!! أبداً!!
وكأنما تلبستها روح امرأة أخرى لتهتف بها لنفسها بصوت مسموع قبل أن ترفع الغطاء عنها بعنف ...
لن تستسلم لهذا الغباء من جديد ...
ياسمين المغفلة ماتت تلك الليلة...
الحمقاء التي نذرت عمرها لوهمٍ قتلها!!
ياسمين الآن لا تحن ولا تشتاق...
تنتصر فحسب!!!

لهذا مدت أناملها بسرعة للكومود جوارها حيث هاتفها الذي فتحته لتبحث عن رقم زين ...
رسالة نصية من كلمة واحدة لكنها تعلم أنها ستعني له الكثير ...
ليس له وحده بل لها هي أيضاً...
كلمة واحدة ستطعن بها ضعفها المخزي هذا ...

_وحشتني!

ولم تكد ترسلها حتى أخذت نفساً عميقاً محاولة السيطرة على خفقاتها التي لا تزال مضطربة ...
قبل أن تأخذ طريقها لتغادر غرفتها نحو المطبخ ...
فتحت الثلاجة وهي تشعر بالجوع لتقع عيناها على هذا "البرطمان" المميز بألوانه ...
وبذكرياته !!!
أناملها الخائنة تسارع بتلقفه وكأنما تتلمس مع مذاق الشيكولاتة خاصته عطايا عشقه القديم ...

_هادوقها بس ...بطريقتي!

جسدها يعود لارتجافة شوقه وهي تكاد تعتصره بأناملها قبل أن تطلق زمجرة غاضبة وهي تلقيه بعنف ليتكسر بدويّ عالٍ كانت تحتاجه لتفيق من "سَكرتها" العاطفية هذه !

_ماذا حدث؟!
هتف بها عابد وهو يدخل عليها لتلتفت نحوه بحدة قبل أن تشيح بوجهها دون رد ...
منذ موقف المطعم المخزي وهي تتحاشى الحديث معه !

بينما استغفر هو الله بصوت مسموع لينادي الخادمة كي تنظف هذه الفوضى قبل أن يقترب من أخته ليقول لها بأقصى ما استطاعه من كظم الغيظ ...
_تعالي إلى الشرفة .
قالها بالفصحى وهو يسحبها من ذراعها ملاحظاً ذبذبات نفورها منه لكنها استسلمت له أخيراً وكأنها تبحث عن أي رفقة تنسيها هذه الدوامة التي لن تسمح لها أن تبتلعها من جديد ...

الشمس تميل للغروب ...
كعهدها ترحل بعد طول تألق لتسقط في غياهب الليل ...
وكأن بريق النهار- الذي أغشى الخلق هذا - لم يكن !!!
محته "الظلمة"!

_تذكرين هذه ؟!
انتشلها بها عابد من نحيب أفكارها السوداوية هذه وهو يناولها ميدالية من الكريستال الملون كانت قد أرسلتها له كهدية منذ أعوام ...
فالتفتت نحوه لتتطلع إليها بنظرة خاوية فيما استطرد هو بنبرة هادئة:
_ظللت أحتفظ بها من حينها لتذكرني ب"ياسمين الجميلة " دائماً...طالما كنت فخوراً بكِ....
ثم صمت لحظة ليردف:
_لو كنا سنفقد مع كل محنة قطعة من ايماننا فما الذي سيتبقي لنا من أنفسنا في آخر الطريق ؟!

عادت الدموع تملأ حدقتيها وهي تشعر بالمزيد من التخبط ...
أخوها يبدو صادقاً في شعوره نحوها لكن حدسها يخبرها إلى أين سينتهي هذا الحوار خاصة بعد تجنبها الحديث معه عقب لقائه الكارثي بزين ليلتها ...
لهذا تحفزت ملامحها وهي تهتف بانفعال:
_لو دي مقدمة لطيفة عشان تنصحني باللي يصح واللي ما يصحش فياريت توفرها ...لو تعرفني كويس هتبقى فاهم إني مابعملش إلا اللي في دماغي واللي أنا مقتنعة بيه وبس!

_وهل أنتِ مقتنعة حقاً بما تفعلينه مع ذاك الرجل؟! وقبل انتهاء عدتك ؟!
هتف بها بغضب ظهر أخيراً وسط حروفه بينما يلقي الميدالية أرضاً بعصبية ...
لتعقد ساعديها أمام صدرها مكملة الحوار بما يليق به من عصبية:
_أنا مابعملش حاجة غلط ...موضوع العدة ده قصة وقت ...وبعدها هنتمم الموضوع رسمي .
_حدود الله ليست للعبث ...ولا مجال فيها لإعمال عقل!
_وانت مالك ؟!
_الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على كل مسلم ...الرجل الصالح الذي كان يعبد الله في قوم عصاة كان أول من ابتدئ بالعذاب ولما سألت الملائكة عن سبب هذا قال لهم المولى عز وجل ...إنه لم يتمعر وجهه لأجلي !
هتف بها بانفعال حقيقي احمر معه وجهه لتهز هي رأسها باستغراب وقد عجزت عن فهم بعض كلماته ...
بينما استطرد هو بلهجة خطابية تعلمها من شيخه :
_المعاصي ذوات رحم يشد بعضها بعضاً ....فلا تكوني من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ...أولئك هم وقود النار .

_وشيخك ما علمكش الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ؟!
والعبارة كانت من وجدي الذي جاء من خلفهما ليوقف هذا النقاش الذي أوشك أن يتحول لشجار يدرك عواقبه ...
خاصة عندما هتف عابد بغضب:
_تناصرها على الفجور؟!
_فجور؟! بتقوللي أنا كده ؟!! ما هم اللي زيك اللي بوظوا صورة الدين !
هتفت بها ياسمين بعصبية ليرد عابد الساخط باستنكار:
_ومن مثلك هم من ينصرونه ؟!!
_بس!! اسكتوا انتم الاتنين!

هتف بها وجدي بنفاد صبر وهو يجذب عابد ليسرّه ببضع كلمات في أذنيه جعلت الأخير يستغفر الله بصوت مسموع قبل أن يقبل رأس أبيه بسرعة ليغادرهما دون كلمة ...
فيما ظلت ياسمين تتابعه ببصرها حتى غاب عن ناظريها تماماً لتعاود الالتفات نحو أبيها بقولها :
_قلت له إيه عشان يسكت كده فجأة المجنون ده ؟!!
فأطرق وجدي برأسه قليلاً ثم رفعه نحوها ليجيب بضيق:
_أولاً...أخوكِ مش مجنون ...ولتاني مرة بقوللك إني زيه مش راضي عن تصرفاتك دي!
أشاحت بوجهها مطلقة غمغمة ساخطة ليردف بنبرة أكثر أسى:
_وثانياً...انا بحاول أحافظ ع الشعرة الباقية بيني وبينه عشان ما تتقطعش ...الشعرة دي هي اللي بتخلليه لسه بيسمع كلامي ...الشعرة اللي اتقطعت معاكِ انتِ للأسف!
كتفت ساعديها لتطرق برأسها مستشعرة المزيد من الضيق ...
تقربه منها هذا يشعرها بالذنب ...
لكن ما حيلتها في قلبها هذا الذي يعجز حتى عن مسامحة الأقربين؟!!
امرأة الألوان ذات القلب الأسود الذي لا يعفو ولا ينسى...
فياللمفارقة!!!

لهذا رفعت إليه عينيها أخيراً بنظرة غريبة حملت كل تناقضات مشاعرها ...
عينيها اللتين تعلقتا بشامة وردية بارزة جوار أنفه تنبت فيها شعيرتان قصيرتان كانت تحلو لها مداعبتها في صغرها وهي تدعوها ...

_شامة جدو علي!
هو الذي أكمل لها الخاطرة في مفارقة غريبة ونفس الفكرة تراوده متذكراً فيلماً من الأفلام الكارتونية القديمة والذي كانا يشاهدانه معاً في صغرهما حيث كانت هي وقتها تضحك مشبهةً له ببطل من أبطاله...

فابتسمت بحنين جارف والدموع تتكاثف في حدقتيها من جديد دون أن تسقط ...
عندما التقط هو الميدالية الكريستالية الملونة من على الأرض ليضعها في أحد كفيها بحركة ذات مغزى ..
بينما رفع الآخر ليضعه على وجهه مكان شامته المميزة قائلاً:
_ذكرياتنا الحلوة ممكن تنسينا ظلم ناس خذلتنا ...بس نديها الفرصة.

ربتت بأناملها على وجهه قبل أن تغمض عينيها بعجز ...
كلامه جيد لكنه يبقى مجرد ...كلام؟!
تنسى؟!
ماذا تنسى؟!
صورة أمها الراحلة التي لاتزال تقف بينها وبينه!
تنسى؟!
كفاح عمرها الذي قضته تحاول إثبات نجاحها كي تعاقبه به !
تنسى؟!
جحيم زواجها من رامي الذي كان اختياره !
تنسى؟!
أين يباع هذا النسيان "الكريم" هذا كي تشتريه ؟!!

وأمامها كان هو يشعر بعظم وزره ...
ابنه وابنته يقفان على حافة جرفٍ هار ...
كلاهما يعاني تطرف فكره ...وتطرف قلبه ...
عسى الله أن يلهمه الصواب كي يرمم ثقب السفينة المعطوبة !

لهذا ابتسم بحنان وهو يربت على شعرها قائلاً:
_معقول تكوني في ماليزيا وماتزوريش شارع العرب؟! غيري هدومك وتعالي أفسحك .
=======
في الشارع المميز تسير جواره بذهن شبه غائب ...

_مين اللي وحشك يا ياسمين ؟! زين الصديق واللا زين ال(....)؟! هاسيبلك القوس مفتوح !


هكذا رد زين على رسالتها برسالته التي تلقتها مكتوبة قبل أن تغادر بيت والدها معه إلى هنا ...
والذي كان فرصة مناسبة لتأخير ردها عليه ...
بماذا ترد ؟!!
هي لا تملك الجواب!
لأول مرة يجرفها موج الكبرياء بعيداً عن شاطئ "الفضيلة"!!

_ميزة الشارع هنا إنه يحسسك إنك في مصر ...هنا مطاعم أكل مصري وسوري محترفة....أماكن كتير للتذكارات لو حابة تعملي شوبنج...أقرب شارع لقلبي هنا في ماليزيا ...تحبي ناكل إيه ؟!

قالها وجدي وهو يجذب ذراعها لتتأبطه بينما يسيران متجاورين لتجيبه بشرود :
_ماليش نفس آكل ...ممكن أتفرج على المحلات بس .

قالتها لتغرق في صمت شرودها من جديد بينما عيناها تتابعان الواجهات الزجاجية للمحلات ...

_أقوللك سر؟! مفيش مرة عملت شوبنج إلا وكنت بقف قدام
محلات الهدوم الرجالي أتخيلك في كل اللبس الأسود...شياكته جاذبيته غموضه ...مااظنش يليق على حد أكتر منك ...لون واحد بس اتمنيت أشوفك فيه غير الاسود...الابيض...عندي في دولابي قميص أبيض اشتريتهولك من زمان بس مافكرتش أقوللك عليه قبل كده !
_ليه؟!
_لسه مش من حقي أفرض عليك ذوقي .
_ابقي وريهولي يمكن يعجبني!

دمعت عيناها أمام واجهة المحل التي تألق فيها هذا "المانيكان" بقميصه الأسود ....
تباً...الذكرى "اللعينة" تقصف خاطرها غدرا!!!
وعدها أن يرتدي القميص الأبيض ولم يفعل!
وعدٌ آخر من وعوده التي لم يفِ بها ...وما أكثرها!!
غص حلقها بمرارته وهي تتحرك بسرعة عصبية نحو محل آخر ...

أناملها تمسد بطنها فوق ملابسها وهي تتمتم في نفسها :
_بكرهه ...بكرهه !

لا تدري لماذا ودت في هذه اللحظة لو تصرخ بها ...
لو يسمعها كل من في الأرض ...
لو تسمعها صغيرتها في بطنها ..
لا!
لا!
لا!
إلا يمنى!
لن تورثها كراهيته...
ستبقيها "الحلم النظيف" الذي فر بطهره من بلادٍ دنسها الخذلان والخيبة والغدر!
غدر؟!!
وهل أبشع مما فعله بها غدر؟!!
هو اغتالها من فوقها ومن بين يديها ...ومن تحتها !
زلزل الأرض الثابتة التي طالما رسخت فوقها قدماها !
ماذا بقي لامرأة خانها ماضيها ويتوعدها غدها ؟!
ماذا بقي؟!

حديث والدها الودود يداعب أذنيها بينما يصعد بها درج أحد المطاعم هناك ...
يصف لها الأماكن ويحكي لها عن بعض ذكرياته هنا مع عابد وأمه ...
يظن نفسه يسليها لكن الحقيقة أنه يضع المزيد من الملح على الجرح!
ذكرياته التي يحكي عنها هذه كان من الأولى أن تكون لها هي ولأمها!!


_حاسبي!
هتافه الجزع يصلها متأخراً وهي تدرك تعثرها في حافة درجة السلم لتلتوي قدمها تحتها ثم لم تدرِ ما الذي حدث بالضبط وهي تفقد توازنها مع صراخ الناس حولها لتجد نفسها ممدة على ظهرها على الأرض...
وفجأة شحبت ملامحها مع هذا الألم الذي شعرت به أسفل بطنها ...
رباه...
إنها تنزف!
لا...يمنى!!!!
=========
_مين دي بقا اللي مش مظبوطة ؟!
هتفت بها غادة بقوتها -المستحدثة- التي لن تسمح لها بتصدع في جدران حياتها الجديدة ...
هي انتزعت روحها مجدداً من بين براثن اليأس ولن تسمح أبداً ...أبداً أن تعيدها إليه ...
لهذا تقدمت نحوهما بعينين تنضحان شرراً ...
ليشيح سيف بوجهه زاماً شفتيه بينما هتف إسلام وهو ينقل بصره بينهما :
_هو فيه إيه بالضبط؟! ما تتكلم يا سيف؟!
_اتكلم يا أستاذ سيف...عايزة أسمع بتتهمني بكده ليه !!
هتفت بها غادة بنفس النبرة القوية وهي تعقد ساعديها أمام صدرها ليصمت سيف قليلاً قبل أن يهتف أخيراً بانفعال:
_والله أنا ماكنتش هاتكلم...بس مادام طلعتِ بجحة كده فأنا ماقداميش حل تاني ...
ثم عاد ببصره نحو إسلام وهو يشير إليها بسبابته مردفاً:
_الأستاذة ...الملاك اللي حضرتك وصفتها ...هي سبب خراب بيت أخويا...مراته اللي هي صاحبتها دخلتها بيتها وآمنتها على جوزها وفي الآخر غفلتها ولعبت عليه لحد ما طلقها وطلب منها هي الجواز .

_خلصت معلوماتك الغلط؟!
هتفت بها غادة بنفس النبرة القوية لتتقدم منهما خطوة أخرى مردفة بثقة لم تتزعزع:
_يُفضّل قبل ما ترمي واحدة ست في شرفها تبقى تسأل أخوك كويس عن اللي حصل ...لو هنتحاسب بجد ...أخوك ومراته -اللي هي صاحبتي- هم اللي مديونين لي باعتذار .

_انتِ كمان ....
هتف بها سيف بنفس الانفعال ليقاطعه صوت علاء الذي ظهر فجأة :
_سيف...ولا كلمة واحدة زيادة !
ارتبك سيف بشدة مدركاً حرج الموقف فيما استطرد علاء وهو يتقدم مشيراً نحو غادة :
_البيت ده بيتي وغادة بنتي ...لو هتغلط فيها اخرج وماترجعش تاني.

كان يقولها هادراً بعنف غريب على طبيعته المرحة ليسودهم جميعاً الصمت الثقيل الذي قطعته إيناس وهي تظهر في الصورة لتضم غادة لكتفها باحتواء قائلة بقوة مع نظرتها العاتبة لسيف:
_ادخلي استريحي يا غادة ...انتِ تعبانة م الصبح.

أطرق سيف برأسه في حرج وهو لايدري ماذا يفعل...
هو لم يقصد أن تتطور الأمور هكذا ...
لكن هذه المرأة استفزته بجرأتها !!!
تباً!!
كيف تهور لهذا الحد؟!
أن يؤذي قريبة العم علاء؟! وفي بيته ؟!

_أنا آسف يا عمو ...حضرتك...
_شرفتنا يا دكتور.
قالها علاء باقتضاب مقاطعاً إياه ليهز سيف رأسه بحنق قبل أن يندفع مغادراً البيت ...
فيما تقدم إسلام نحو علاء ليقول بارتباك ضائق:
_أنا آسف يا عمو ...أنا لحد دلوقت مش فاهم اللي حصل ولا ليه هو بيقول كده .
فأمال علاء رأسه يتفحصه ليقول بنبرة جادة :
_انت عايز إيه بالضبط من غادة ؟!

ازداد ارتباك إسلام وهو يشعر أنه قد حوصر في الزاوية !!!
ربما لو كان قد سأله هذا السؤال قبل هذا اللقاء الكارثي لأجابه بيقين برغبته في الارتباط بها ...
لكن بعد هذه المهزلة ماذا عساه يقول؟!!

_لما تعرف انت عاوز إيه ابقى تعال كلمني ...ولحد وقتها مش مسموح لك انت ولا صاحبك تكلموا غادة كلمة واحدة ...مفهوم؟!

قالها علاء بنفس النبرة ليومئ إسلام برأسه قبل أن يغادر بتحية مقتضبة ليلحق بسيف المنتظر بالخارج وما إن رآه حتى لكمه بقوة في كتفه قائلاً بضيق:
_انت اتجننت ؟! حتى لو كانت فعلاً زي ما بتقول ماكانش يصح أبداً تغلط فيها في بيت عم علاء .
فضم سيف قبضتيه جواره بقوة ليقول بغيظ مكتوم :
_ماقدرتش أمسك نفسي ...لما شفتها افتكرت دموع أمي وهي بتحكيلي عن خيبة أملها بعد طلاق رامز ...تخيل إنها قعدت فترة تبات في شقتي أنا هناك ...شفت كانت صاحبتها مآمناها لأي درجة وهي ...
_انت سألت أخوك ع اللي حصل؟!
قاطعه بها إسلام ليصمت متفاجئاً قبل أن يجيب بارتباك :
_انت عارف إن العلاقة بيني وبين رامز مش كويسة قوي ...بطمن عليه من بعيد لبعيد بس من غير تفاصيل .
هنا عاود إسلام لكمه بغيظ في كتفه قبل أن يهتف بعصبية :
_وأنا اللي بقول عليك عاقل ودماغك يوزن بلد ...ولعت الدنيا من غير ما تتأكد من حاجة...ماجاش في بالك إن الحكاية كلها ممكن تبقى غيرة ستات مالهاش أصل !

زفر سيف زفرة حانقة وهو يشعر أن صديقه ربما يكون محقاً...
لماذا تهور إلى هذا الحد وهو المشهور بتعقله ؟!
لماذا أضرمت رؤيتها النيران في قلبه ؟!
ربما لأنه يذكر تأثره بها تلك الليلة التي رآها فيها تراقص أحمد في زفاف شقيقه الذي حضرته بحكم كونها الصديقة المقربة للعروس ...
هذا التأثير الذي تجدد عندما أخبرته والدته أنها كانت تقيم في شقته ...
والذي اكتسب طابعاً من العدائية عندما علم أنها كانت سبباً في طلاق شقيقه الذي ربما قد يكون قد تعلق بها !!
ما الذي تملكه هذه المرأة بالضبط كي تجذب الرجال نحوها كالفراش هكذا ؟!!
حتى بعدما رآها في حجابها وثيابها المحتشمة هنا لا تكاد صورتها القديمة تغادر مخيلته ...
صورة مجسدة للفتنة والإغواء !!
لكن هل يمنحه هذا الحق في إهانتها كما فعل ؟!!

_أنا مش زعلانة إني هاموت ...أنا زعلانة لأنك لآخر لحظة ماعرفتش أنا حبيتك أد إيه ...يمكن ...يمكن حياتي تكون تمن مناسب أدفعه لغلطتي القديمة ...التمن اللي يخللي صورتي في عينيك تتغير .

يكاد يسمعها بصوت "معذبته" الراحلة ...
وكأن ضميره يستحضرها وسط هذه الفوضى ليعاود جلده بالذنب القديم ...
لهذا دمعت عيناه مع غصة حلقه ليقول بصوت متحشرج متحاشياً النظر لصديقه :
_هامشي أنا...عايز أبقى لوحدي شوية.

لم يعترض إسلام وهو يستنتج بحدسه ما يدور برأسه ...
ربما يكونا مختلفيْ الطباع حقاً لكن كليهما يحفظ تفاصيل الآخر كخطوط كفه ...
لهذا اكتفى بتربيتة واهنة على كتفه قبل أن يتركه ليمضي...

خطواته تمتزج برذاذ من الماضي يشوش الصورة...
ذنبه القديم لايزال يكبل رسغيه بأغلال من نار ...
ذنب لن تكفره توبة ...
القاتل يُقتَل ولو بعد حين !
وهو قتل روحين فكيف يهنأ بحياة ؟!

_الجنين كان بنت ...معلش...ربنا يرحمهم هم الاتنين!

كأنه يسمعها الآن بصوت الطبيب في المشفى ليلتها ...
نفس الطعنة...نفس الألم الذي يشق الصدر بلا رحمة...
نفس الندم الذي يسخر من خطأ لا يمكن إصلاحه !!

صوت بوق سيارة على الطريق ينتزعه من أفكاره ليتعثر مكانه للحظة قبل أن يعاود استقامته بعينين توقدتا بانفعال مكتوم ...
لماذا تراوده هذه الذكرى الآن بالذات مع رؤية "هذه المرأة"؟!!
آه !
ليته لا يكون قد ظلمها هي الأخرى!
وأخيراً تنطلق من صدره تنهيدة حارقة قبل أن يرفع هاتفه ليجري اتصالاً تأخر فيه كثيراً حقاً!!!

وفي غرفتها المخصصة لها جلست إيناس صامتة بتوتر جوار غادة التي غابت ملامحها في شرود طويل ...
ربما لو كان موقف الليلة قد صادف غادة القديمة لزادها ذلاً إلى ذل ...
لكنها الآن تشعر برغبتها في الحديث...
بل الصراخ !
هي لم تترك الماضي خلفها كي تعود لتتجرع مرارته هاهنا !!

_سيبيها تنام يا إيناس .
قالها علاء وهو يدخل الغرفة أخيراً بعد رحيل الصديقين لتنظر إليه الأخيرة نظرة راجية قابلها بأخرى حازمة ناسبت قوله لغادة :
_أنا عارف كويس انتِ مين وثقتي فيكِ مش هتتهز ...عشان كده مش هسألك عن تفاصيل تخصك.

ربما لو كانت أخرى غيرها لتقبلت منه هذا الكلام ...
لكنها في هذا الموقف بالذات وجدت نفسها تتحلى بكل ذرة من قوتها المستحدثة لتقول بثقة :
_لا ياعمو هاحكيلك كل حاجة بالتفصيل...معنديش ذنب أتكسف منه ...عمري ما عملت حاجة غلط.
========
_عرفت ابنك منها مات إزاي؟!

سألته ياقوت بينما يجلس هو أمامها في واحدة من جلساته العلاجية التي صار يستجيب لحاجته لها ...
ربما لأنه يعاند فيها نفسه القديمة بكل تعقيداتها ...
وربما لأنها تمنحه ارتياحاً بإلقاء أوزاره من على كتفيه ...
وربما -وهو أعظمها- لأنها تعطيه الأمل أن يصلح ما أفسده يوماً مع المرأة الوحيدة التي أحبها بكل جوارحه ...

_لا.
إجابته كانت مقتضبة لكنها حملت لها الكثير من عذابات روحه ...
شعورها -الغريب- نحوه يعاكس حياد "مهنيتها" ...لكنها لا تملك فيه يداً !
مزيج من إعجاب وإشفاق ...
صورة "شبه مضبوطة" لزوج تتمناه ...
و"انعكاسٌ مثالي" لصورتها هي !!
نفس البدايات الجارحة القهرية من أقرب من يفترض أن يكونوا العون والسند !

لكنها لم تسمح لأحاسيسها بالظهور خلف نبرتها المحايدة وهي تعاود سؤاله :
_ليه ماحاولتش تتواصل مع باباها وتعرف منه ؟!
صمت طويلاً وكأن السؤال حقاً بهذه الصعوبة قبل أن يطرق برأسه ليتمتم معترفاً :
_خايف...
ثم احتدت نبرته أكثر وهو يردف بانفعال :
_كل ليلة قبل ماانام برسم ألف سيناريو ...كل واحد أقسى م اللي قبله ...خايف أكون أنا السبب ...خايف أسمعها بوداني ...ذنب ابن سيلين لسه مطوق رقبتي ...مش قادر أسمع تفاصيل ذنب تاني!

هزت رأسها بتفهم وهي تقول بهدوء:
_كنت هاستغرب جداً لو عملت غير كده ...باباك الله يرحمه علمك تهرب ...عبد الرحيم حمدي اللي هرب زمان بابنه من عار الممثلة المعروفة ...دلوقت ابنه بيكرر نفس التصرف...برضه بتهرب !!

رفع إليها عينيه باستغراب من تصويرها للأمر بهذه الطريقة ...
لم يخطر هذا بباله أبداً ...
أن يكون -وهو في هذه المكانة والسن - مجرد تابع لما كان يمليه عليه أبوه !
لكنها استطردت بنفس الثقة :
_هو ده التحدي الحقيقي يا دكتور ...إنك تخرج من عباية عبد الرحيم حمدي ...إنك تبطل تهرب ...تبطل تجري ...انت حالياً في مرحلة كويسة إنك وقفت ...ده في حد ذاته إنجاز...اللي فاضل بقا إنك تبص وراك ...تواجه اللي فات واللي كنت بتديله ظهرك ...قل لي علاقتك بوالدتك عاملة إزاي دلوقت.

_معقولة...كويسة...كويسة جداً...يمكن ...أكتر فترة في حياتي حسيت إنها قريبة مني ...
قالها ببعض الارتباك وكأنه مجرد طفل يبحث عن جواب لا يدينه...
ليردف بابتسامة واهنة :
_انت عارفة إن امبارح كان مهرجان (.....)....لما قرات الخبر قلت هاروح ألاقيها مش في البيت بتجهز نفسها زي كل سنة ...لكن روحت لقيتها جنب داليا في السرير عشان كان عندها شوية برد ...فعلاً تغيير كبير .

فابتسمت وهي تقول بيقين:
_الأمومة عند الست فطرة مش اكتساب ...والفطرة ممكن تنتكس لكن لو وفرت الظروف المناسبة هترجع تلمع وتسيطر ...نبيلة كانت محتاجة الصدمة اللي حصلت للعيلة عشان تنسى بيللا وترميها ورا ظهرها بعد ما عاشت العمر ده كله فاكرة إن هو ده إنجازها اللي لازم تحافظ عليه.

أومأ برأسه موافقاً ثم عاد يسألها بتردد:
_تفتكري ممكن أقدر أواجه ياسمين امتى؟!
_لسه مشاهد الفيديو بتيجي في دماغك ؟!
هز رأسه نفياً بسرعة قبل أن يزفر بضيق ليعاود الإيماء بالإيجاب...

فاتسعت ابتسامتها وهي تقول ببساطة :
_مكسوف ليه ؟! انت فاكر إنك هتنسى في يوم وليلة ؟! لو راجل عادي مش هينسى موقف زي ده بسهولة فما بالك براجل عايش بشكوكه زيك ؟! خد وقتك يا دكتور ...المهم تحاول ما تقابلهاش إلا لما تبقى واثق تماماً إنك قادر تواجه .

_تفتكري ممكن تسامح ؟!
سألها بتردد مشفق وهو يشعر بالغرابة في نفسه ...
أن يجلس هكذا مع امرأة يسألها عن مصير علاقته بامرأة أخرى لهو أشبه ب"فيلم خيال علمي" رخيص بالنسبة لماضيه ...
لكن ها هو ذا يفعلها !!!

_ياسمين ما سامحتش أبوها اللي هو أبوها ع اللي عمله زمان ...يبقى هتسامحك انت بسهولة كده ؟! من كلامك هي عاشت عمرها كله بتحبك وبتدي من غير حدود ...القلم اللي خدته ما وجعش قلبها بس ...ده وجع كرامتها اللي اتجرحت قدام الناس كلها .
قالتها بنفس البساطة ليهتف بغيظ :
_انتِ معايا واللا معاها ؟!

فعدلت من وضع نظارتها على أنفها لتقول عبر ابتسامة :
_عايزاك تعرف إن الطريق صعب عشان تجهز كل طاقتك وتشحن كل أسلحتك للمعركة...
ثم تنحنحت لتقول باستدراك:
_آه...نسيت إنك مابتحبش هرْي التنمية البشرية ...هاقولهالك بطريقتك...مش عايزة أعمللك البحر طحينة لحد ما تلبس في الحيط !

قالتها ملوحة بكفها في إشارة لما تقول فابتسم ابتسامة مستمتعة حقيقية وهو يهز رأسه ...
هذه المرأة أمامه نموذج فريد مختلف عمن قابلهن من النساء ...
ذكاؤها ...فطنتها ...حسن استنباطها ...خفة ظلها التي تتسرب عبر حُجب اعتدادها بنفسها ...
وفوق كل هذا ماديتها الرهيبة التي لمسها في تعاملاته القليلة معها ...
لمعة عينيها مع رؤية المال لا تخطئها عين راءٍ ...
فلو أضفنا لهذا مظهرها المبهرج عديم الأناقة لكانت المحصلة أنثى استثنائية ...
لكن كل هذا لا يخصه على أي حال!!!

بينما قرأت هي ابتسامته ببعض الأمل والحلم -إياه- يراودها ...
تريد رجلاً !!
رجلاً يجمع لها ما تناثر من لآلئ العمر ليضعها في عقد حول جيدها...
رجلاً يرفع رأسها ورأس ثمر وتثبت به لوالدها الغائب في برجه العاجي هناك أن "ابنة الخادمة" وصلت لقمّة جاه يشبه قمته هو!!
لكن ...هل يجوز الحلم برجل كيامن يبدو وكأن قلبه سافر مع تلك الراحلة هناك ؟!!

نحّت تساؤلاتها جانباً بمهنية تكاد ترجوها عدم الخوض في بحر كهذا ...
لتنظر في ساعتها قائلة :
_معادنا الجاي بعد بكرة ...ياريت تيجي بدري شوية عشان ما أتأخرش على معاد القطر ...عايزة أوصل قبل لجين المرة دي .

فوقف مكانه متأهباً للمغادرة قبل أن يسألها بما جال في خاطره :
_هو انتو ليه مش ساكنين مع بعض هنا ؟!
_أنا المركز هنا موفر لي سكن مع الأطباء ...هي مأجرة شقة صغيرة مع اتنين زمايلها شغالين معاها في المعمل.
قالتها ببساطة لم تخفِ فخرها بمهنتها خاصة بالمقارنة مع وضع شقيقتها البسيط ...
فالتوت شفتاه بشبه ابتسامة وهو يحاول استقراء بعض دواخلها قبل أن يقول بفظاظته المعهودة :
_هو احنا هنقضيها دردشة كده في الجلسات ؟! مفيش دوا؟!
فرفعت حاجبيها باعتداد لتجيبه دون أن تنظر إليه :
_ما بحبش أدخل أدوية في المرحلة الأولى ...بفضل أستنى شوية ...إلا لو المريض دخل في حالة اكتئاب.
_الله يطمنك ! وانتِ مستنية بقا يجيلي اكتئاب ؟!
هتف بها متهكماً لتجيبه بتهكم مماثل وبابتسامة عابثة زينت شفتيها الجميلتين:
_أو محاولة انتحار ...أيهما أقرب!

مط شفتيه باستياء وهو يتحرك ليغادر الغرفة ولم يكد يصل للباب حتى سمع صوتها خلفه :
_ساعد نفسك تاخد قرار سريع ...أي ذكرى حلوة بينكم لون بيكمل لوحة لازم تترسم .

فعادت الابتسامة الباهتة لشفتيه دون أن ينظر إليها ...
قبل أن يغادر ليغلق الباب خلفه دون رد ...

ذكرى حلوة ؟!
وهل بقي له إلا الذكريات ؟!!
تنهد بحرارة وهو يغادر المركز ليستقل سيارته ...
مزاجه المتعكر لا يسمح له بعمل لهذا ألغى مواعيد عيادته للمرة التي لا يعرف عددها ...
خمس مكالمات فائتة...
نبيلة بالطبع تريد الاطمئنان عليه...
مروان كذلك...
رامز ...يرجوه من جديد إقناع هانيا العنيدة بالرجوع إليه...
داليا تريد تلبس دور الكبار ومناقشته في كل شئون العائلة...
والمكالمة الأخيرة من "رقم دولي" غريب!
تباً....
ذكرياته مع مثل هذه الأرقام لا تسر ...
لن يشغل باله بهذا ...لو كان أمراً هاماً فسيعاود الاتصال !
ياسمين؟!!
لا ...لا ...
هي لن تفعلها أبداً ...
ليس بعدما كان !

لهذا ألقى هاتفه جانباً ببعض العنف قبل أن يشغل السيارة ...
إلى أين ؟!

ابتسامة حنين تزين وجهه وهو يجد نفسه يجتاز الطرقات نحو مكان بعينه...
أجل ...كما توقعتم ...
مطعمهما المشترك الذي تم إغلاقه منذ شهور ...
ليبقى معلقاً كأشياء كثيرة بينهما ...
على عكس مطعمها هي الخاص ب"السينابون" الذي لايزال يعمل بكامل طاقته حتى في عدم وجودها .

توقف بالسيارة أمامه للحظات متأملاً بابه المغلق ...
ذكرى افتتاحه لا تزال طازجة بذهنه ...
فرحتها العارمة به وهي تحتضنه ليلتها قبل أن تختطفه بناء على طلبه...
ليلتهما الساخنة بعدها ...شاليه البحر ...
وحلمها الذي صارحته به صبيحتها أن تحمل طفلاً منه !
آه !

ألا لعنة الله على الأماكن حين تحتفظ هي بشعورٍ نحن فقدناه !!
حين تمنحك صورة عن نفسك لم تعد أنت تملكها !!
حين تجلدك بالأمس فتستغرب اليوم وتزهد الغد !!
ألا لعنة الله عليها ...
بل ألا حفظاً حفظاً لمثل هذه الأماكن...
هي أوفت ونحن؟!
...نحن خُنّا!!

تأوه بخفوت عند الخاطر الأخير وهو يعاود تقليب خاتمها في إصبعه...

_يوم ما أشوفك تاني مش هاسيبك من حضني أبداً.
تمتم بها بما يشبه الوعد وكل ذرات جسده تشاطره العهد ...
سيعانقها بقدر ما اشتاق صورته في عينيها ...
سيقبّلها بقدر ما افتقد نفسه فيها ...
سيمزج أنفاسها بأنفاسه ما بقي له من عمر !

من أين لك بهذه الثقة أنها ستنتظر ؟!!

الخاطر الأسود الأخير يلطخ "وردية" الصورة فيزفر بقوة قبل أن يتمتم بشرود :
_مش ممكن الحكاية تخلص على كده ...
لكن أفكاره انقطعت عندما رن هاتفه من جديد بنفس الرقم الدولي ...
ليفتح الاتصال ....
========
_ما تكدبش ...أنا شايفاك بعيني وانت بتكلمها !
هتفت بها "شوشو " بغيرة حانقة وهي تخبطه بكتابها على صدره ليتأوه هيثم بقوة مصطنعة قائلاً بين ضحكاته :
_اعقلي يا مجنونة ...كنت بطمن عليها بس ...وعشان تصدقي آخر الحوار قالتلي إني زي أخوها .
_وده مزعلك ...هه؟!
هتفت بها بنفس الغيرة الطفولية التي صار معتادها ليتنهد بحرارة قبل أن يقول بجدية :
_مش هاكدب عليكِ وأقوللك مش زعلان ...مشاعري ناحية داليا كانت أقوى من إني أعديها ...
دمعت عيناها بحرقة وهي تشيح بوجهها ليستطرد هو محاولاً مراضاتها :
_بس برضه أنا أعقل من إني أضيع حياتي ورا وهم .
لكنها أعطته ظهرها لتقول بنفس النبرة الانفعالية :
_ماشي يا سي عاقل ...آسفين لإزعاج سيادتك.
قالتها وهي تتحرك بضع خطوات لتبتعد لكنه لحق بها ليقف أمامها ويمنعها من التقدم بقوله العابث:
_خلاص ما تزعليش بقا ...آسفين يا سكر .

هنا غلبتها ابتسامتها الساذجة التي عدت كطفلة فوق شفتيها ...
ابتسامة شقت طريقها لقلبه بعفويتها التي تزيد عمق شعوره نحوها يوماً بعد يوم...
شعور لا يعرف تصنيفه ...
ربما لأنه ليس في قوة عاطفته القديمة نحو داليا لكنها تغمره بشعور مريح ...
بسيط ...عفوي يشبهها!

لهذا ضحك ضحكة صافية ثم غضن أنفه بحركة مشاكسة يعلم أنها تعجبها ...
وقد صدق ظنه عندما ضحكت بخجل لتهتف به :
_مفيش حاجة مصبراني عليك إلا خفة دمك دي .
_بس؟!
_وقلبك الطيب؟!
_بس؟!
_وشهامتك؟!
_ممممم...وبس؟!
غمزها بها أخيراً بمكر مرح لتتلون وجنتاها بحمرة أحبها ...
ربما لا تكون جريئة قوية الشخصية كداليا لكن فيها شيئاً يجعله يشعر بالانجذاب ...
شيئاً "حلواً" ....كالسكر!
الكلمة التي ذكرته بوالده الحبيب وجعلته يقول لها بينما يسير جوارها في أروقة الجامعة :
_بابا عامل حفلة كبيرة الخميس بالليل ...تعالي ...فرصة تشوفيه وتتعرفي على ماما .
_ماشي.
قالتها بطاعة يحبها فيها وتقربها نحوه أكثر خاصة مع مقارنتها بتنمر داليا عليه...
فكاد يرد عليها بعبارة ودود لولا صوت رنين هاتفه الذي فتح اتصاله ليهتف بحرارة :
_أهلاً بالابن الضال ...إسلام باشا...لسه فاكر أخوك ؟!
===========
_خالو أشرف وحشني قوي.
قالتها الصغيرة ريما وهي تستكين في حضن نشوى التي ردت بأسى:
_هيبقى كويس يا حبيبتي ويرجع لنا بالسلامة .

قالتها وهي تشرد ببصرها في الأوضاع الجديدة...
أشرف كان يتحمل عنها الكثير وسقوطه كان نكبة لها قبله !
ليت الأمر فقط مجرد مال ...
لكنه كان السند الذي تلتجئ إليه بعدما ابتلاها القدر بزوج لا يحمل من الرجولة أدنى نصيب...
رماها وابنتها ساعياً خلف نزواته !

ما الحل الآن؟!
كيف يمكنها التعايش ومواكبة طلبات الصغيرة ومصاريف علاج أشرف نفسه ؟!
لا...لن تستسلم !
عقلها العملي سريع الاستجابة جعلها تبيع قطعة أرض صغيرة كانت تملكها واستعانت بمحامٍ ماهر كي يتصرف بشأن المصنع...
مصنع أبيها لن يموت بموته ....
سيبقى وترثه ابنتها بعدها ...مهما حصل!

هذا هو تحديها القادم ولن تخفق فيه ...
هي تملك خبرة لا بأس بها في الإدارة لكنها لا تزال تحتاج الكثير من المساعدة ...
من يمكنه أن ....؟!

انقطعت أفكارها عندما رن جرس الباب لتهرع الصغيرة بسرعة نحوه وتفتحه ...

العيون تلتقي بمزيج ملتهب من المشاعر بينما نشوى تقف مكانها لتتوجه نحو الطارق ...
أو بالتحديد ...الطارقة !

رانيا!
لعنة أشرف وخيبته الثقيلة!!!
لماذا تتحامل عليها هكذا ؟!!
هل هي مجرد غيرة أنثوية تفترض بين امرأتين في وضعهما ؟!!
لا !
الحقيقة أن نشوى التي اختصها نصيبها بأسوأ نموذج للرجال كانت ترى في رانيا جاحدة بالنعمة !
نشوى التي تربت أن أصالة المرأة في وقوفها جوار زوجها في المحن لم تكن ترى في رانيا سوى نذلة جبانة !
طالما كرهت خنوع المرأة وضعفها تحت أي مسمى ...
فما بالها بحالة كهذه رأت فيها أخاها يعطي ويعطي لامرأة لم تفعل سوى أن تأخذ وتأخذ ؟!!!

لهذا احتدت ملامحها وهي تحاول تذكير نفسها أنها في بيتها لتصرف ابنتها بكلمات حازمة قبل أن تشير بذراعها الممدود نحو رانيا في إشارة "معصورٌ عليها الليمون" كي تدخل !

_إزيك يا نشوى؟!
قالتها رانيا وهي تجلس على أحد المقاعد لتجيبها الأخيرة إجابة تقليدية مقتضبة سبقت قولها :
_خير ؟! إيه سبب الزيارة المفاجئة دي؟!

كانت عبارتها من الفظاظة بمكان لكن رانيا لم تكن تنتظر استقبالاً أفضل ...
لهذا حسمت أمرها لتعطيها ورقة ما من حقيبتها قائلة :
_اتفضلي ...أنا بعت دهبي وبعت كمان شقتنا اللي كان أشرف كاتبها باسمي ...ده المبلغ كله ...أنا عرفت إنك عايزة ترجعي تفتحي المصنع ...خديهم عشان تقدري تتصرفي .

اتسعت عينا نشوة بصدمة وهي تشعر بمزيج من الدهشة والحرج ...
رغم ظنها أن رانيا لم تفعل أكثر مما كانت ستفعله هي لو كانت مكانها لكن يبقى التصرف نفسه غريباً على امرأة بشخصيتها ...
لا ...ليس غريباً جداً في الواقع فها هي ذي تهرع بضعف لمن يمكنه تحمل الأمر عنها لكن يكفيها أنها فعلت شيئاً من الأساس !

_ضميرك وجعك قوي كده بعد اللي حصل لأشرف؟!
كانت عبارتها من الفظاظة بمكان خاصة بعد تصرف رانيا هذا ...
لكن هناك أناساً يترجمون أحزانهم الخاصة لعبارات جارحة...
يعتبرون ألمهم عورة يسترونها برداء من القسوة !
طبيعة غريبة لكنها ...موجودة !

هذه الطبيعة التي اضطرت رانيا للتعايش معها وهي تجاهد نفسها لتقول بقلة حيلتها المعهودة :
_مش لاقية حاجة تانية ممكن أعملهاله...كل يوم بروح له المصحة بس هو لسه رافض الكلام رغم استجابته للعلاج ...نفسي لما يخرج بالسلامة يلاقي المصنع وقف على رجله تاني...يمكن ساعتها يحس إن وجع الأيام اللي فاتت ماراحش هدر .

ويبدو أن الحرارة الصادقة التي كانت تتحدث بها وجدت صداها في قلب نشوى التي تنهدت بحرارة لتقول بنبرة أكثر ليناً:
_ربنا يقدرني...أنا بحاول أعمل اتصالاتي مع ناس أصحابي ممكن يفيدوني في الموضوع ده ...ربنا يسهل .

هزت رانيا رأسها لتؤمّن على قولها الأخير قبل أن تقف فجأة لتقول بارتباكها المعهود :
_هامشي أنا عشان ألحق أروح له ...خللي بالك من نفسك.
قالتها دون أن تنتظر الرد لتتحرك نحو الباب فترددت نشوى قليلاً قبل أن تلحق بها لتقول بقوة امرأة لا تقبل أنصاف حلول:
_قبل ما أقبل منك الفلوس لازم أعرف انتِ هترجعي لأشرف فعلاً واللا نوبة شجاعة وهتروح لحالها؟!

تجمدت رانيا مكانها كعهدها عندما تتلقى هجوماً لتستطرد نشوى بنفس النبرة المكتسحة:
_فكري كويس ...أشرف دلوقت غير أشرف بتاع زمان ...قدامك لسه فرصة تراجعي نفسك ...لأني مش هاسمحلك تجرحي أخويا تاني ...انتِ فاهمة ؟!

تحشرج صوت نشوى في عبارتها الأخيرة فاضحاً زيف قسوتها خاصة مع امتلاء عينيها بالدموع ...
لتجهش رانيا بالبكاء فجأة قائلة :
_ماليش مكان غير جنبه...والله العظيم ما عارفة أعيش من غيره ...بقيت بنام واقوم على أمل بس إني أسمعه بيكلمني ...أنا عارفة إني غلطت ...بس ...غصب عني ...

هنا جذبتها نشوى بقوة لصدرها تعانقها بحنان صلب يشبه حنان شقيقها لتربت على ظهرها برفق قبل أن تبعدها بنفس القوة قائلة بحزم:
_ياللا عشان تلحقي تقعدي معاه قبل الدنيا ما تضلم مادام هترجعي لوحدك .

مسحت رانيا دموعها وهي تبتسم ابتسامة مرتجفة ردتها لها نشوة لتغادر الشقة بخطوات سريعة نحو المصحة...
المشوار اليومي الذي صارت حياتها كلها مرهونة به ...
رغم أن أشرف لايزال ممتنعاً عن التواصل معها إلا بنظراته ...
لكن الأطباء هناك يخبرونها أن وجودها هو وتد علاجه !

ليتها تساعده حقاً كما تتمنى!
ليت أحدهم يمنحها شارة البداية وهي ستكمل الطريق ...
نشوى؟!
نعم...نشوى!
امرأة بقوتها هي من تحتاجه هي الآن كي تقتدي به ...
كي ترتقي سلماً لم تكن لتصعده وحدها على أي حال !

وأخيراً تقف أمام باب غرفة أشرف التي صارت تمثل لها الحياة...
تطرقه برفق لتدخل فتجده جالساً على كرسيه صامتاً كعهده ...
تقترب منه وعيناها تتلوان تراتيل العشق القديم ...
لتأخذ مكانها على كرسيها أمامه ككل يوم فتروي له تفاصيل يومها العادية ...
لكن مكافأة اليوم الاستثنائية كانت الابتسامة الشاحبة التي طافت كشبح هزيل وسط ملامحه...
ولايزال الكلام عصيّاً على شفاه شققها الخذلان !
=========
توقفت بها سيارة الأجرة أمام مبنى الجامعة فترجلت منها بينما السائق يهتف مراعياً :
_أنزل أفتح لك الباب؟!
لكنها هزت رأسها نفياً بشكر خافت لتتحرك نحو المبنى ...
سؤال السائق العفوي لن يكون أقسى ما ستواجهه اليوم بعدما علم الجميع عما حدث لها ...
حجابها سيحميها من شفقتهم لكنها توقن أن تخيلاتهم سترسم الأسوأ...
لن تزيد في عيونهم عن مسخ مشوه يختفي خلف هذه الملابس الأنيقة والأنف المرتفع الذي لن يفقد كبرياءه مهما حدث ....

_حمداً لله ع السلامة يا دكتورة!

لا ...لا ...ليس هذا الآن!
إنه زميلها الذي كان قد تقدم لخطبتها يوم الحادث مباشرة وكانت قد بعثت إليه من يبلغه برفضها ...
تراه جاء شامتاً ؟!!

_الله يسلمك يا دكتور !
قالتها باقتضاب وعيناها تزيغان هرباً من نظرة قد تؤذيها ...
شماتة أو شفقة ...
كلاهما جارح لامرأة لم تعتد سوى نظرات الإكبار .

لهذا تركته بخطوات سريعة كانت هي خير من تدرك أنها هروب ...
هذا الشعور الذي جعلها تحس بذراعها المجبّر جبلاً يحمله كتفها ...
لقد كانت محقة في قرارها الذي جاءت اليوم لتنفيذه ...
ليس أمامها حلٌ آخر!

ولم تكد تتم خاطرها الأخير حتى شعرت بكف يحتضن كفها السليم !!!
التفتت بحدة لترتبك وهي تراه جوارها:
_رامز ...إيه اللي جابك هنا؟!

_ ما طولتيش في الكلام معاه ليه عشان كنت أضربه هنا وسط الكلية بضمير مستريح؟!
قالهابغيرة نضحت من بين حروفه دون أن يترك كفها لتهتز نبرتها بقولها الكاذب:
_عادي ...ده زميلي وكان ...

_كان عايز يتقدملك ...الحاجات دي ما بتستخباش!
قالها مقاطعاً عبارتها لتعض على شفتها بقوة قائلة بعينين دامعتين دون أن تنظر إليه:
_كان يا رامز ...كان ...أعتقد دلوقت زمانه بيشكر الظروف إنه مااتورطش أكتر من كده .

فزاد من ضغطه على كفها ليطارد عينيها مرغماً إياها على النظر نحوه بقوله الذي مزج صدقه بضيقه:
_ماليش دعوة بيه هو ....انتِ اللي تهميني دلوقت ...انتِ ملكي أنا غصب عن أي حد وغصب عنك انتِ شخصياً .
_تاني يا رامز ؟!
_وتالت وعاشر لحد ما دماغك الناشف ده يفهم !!!
قالها بحسم وأصابعه تتخلل أصابعها قسراً ليشبكها معاً فأطرقت برأسها تحاول السيطرة على مشاعرها ...
لا تنكر أن تشبثه هذا بها يرضي غرورها الأنثوي لكن ...
ماذا عن ضميرها ...وهي ترى نفسها قد صارت مجرد ثمرة فاسدة ؟!!
ماذا عن كبريائها ...وهي ترى نفسها بعين انتقاص لن تنصف أنوثتها أمام رجولته ؟!
ماذا عن خوفها ...وهي ترى نفسها -وتراه- في مرآة ماضيهما يتناطحان ولا يتلاقيان !!

لكنها هربت من الخوض في هذا لترفع رأسها إليه بسؤالها :
_انت عرفت منين إني هنا؟!
فابتسم ليغمزها بنبرته العابثة :
_قلبي قاللي!
_رامز!
قالتها بعتاب مستنكر ليضحك دون أن يريحها:
_العصفورة قالتلي.
فابتسمت ابتسامة واهنة لتقول :
_عصفورة اسمها داليا ...صح؟!
قالتها وهي تدرك جهود داليا المستميتة مؤخراً في رأب الصدع بينهما ...
داليا الصغيرة الطائشة التي لم تكن تفكر يوماً في أبعد من صورة مرآتها الآن كبرت فجأة لتأخذ هذا الدور في حياتها !!!

_أعمللك إيه ؟! مش راضية تردي على تليفوناتي اضطريت أستعين بصديق!
قالها بعتاب لم يفقد ودّه لترد بعتاب مماثل دون أن يؤثر هذا على كفيهما المتشابكين :
_ينفع الجنان اللي عملته قدام البيت ليلتها ده ؟!

قالتها مشيرة لتلك الليلة التي فوجئت فيها به يصعد بناقلة كهربية من التي تستخدم لنقل الأثاث لتجده أمام شرفتها محملاً بزهوره !!!
المشهد الذي سيبقى أهل الحي يتحدثون عنه لأعوام !!!

_انت لسه ماشفتيش جنان ...الجنان على أصوله هتشوفيه لو ما وافقتيش ترجعيلي .
_رامز اعقل بقا ...انت أحرجتني جداً ليلتها !
قالتها بانفعال وهي تحاول جذب كفها منه لكنه تشبث به حتى أوجعها قليلاً مع اقترابه منها خطوة :
_أنا عارف إنه تصرف مجنون ...بس قصدت أعمله عشان الناس كلها تعرف أد إيه بحبك .

عادت عيناها تدمعان وهي تود في هذه اللحظة لو تختبئ في صدره ...
رغم اعتراضها على تصرفه هذا لكنها لا تنكر أنه "رقّع" ثوب كبريائها المهلهل ...
هذا الذي كان هو يدركه تماماً عندما فعلها !
هانيا الآن تعاني أزمة ثقة في نفسها ...
نظرات الناس نحوها تذبحها ...
المرأة التي كانت أيقونة للنجاح والتميز صارت فجأة مطلقة مشوهة !!
لهذا تعمد فعل ذلك ليلتها كي يعيد إليها بعضاً من ثقتها المفقودة أمام الناس!!

_رامز ...عشان خاطري اديني فرصة ...
هتفت بها برجاء ليقاطعها دون تفكير:
_انتِ لسه ما فطرتيش ...تعالي نفطر سوا .
قالها وهو يجذبها برفق لكنها توقفت هاتفة باعتراض صريح لم يكترث له وهو يسير جاراً إياها خلفه :
_وافل مربى التوت اللي بتحبيه مع فنجان قهوة سكر زيادة عند (......)...فاكراه؟! أول مكان اتقابلنا فيه بعد الخطوبة !

أغمضت عينيها بتعب حقيقي وهي تستجيب للسير خلفه ...
كيف تنكر أنها تحتاج منه حقاً هذا الذي يفعله ؟!
كيف ترفض؟!
وكيف تقبل؟!
لكن إشارة القدر وصلتها عندما فتحت عينيها لتجد زميلتها المنتقبة التي كانت لها معها ذكرى تلوح لها بيدها من نافذة المبنى...
رؤيتها أضاءت في نفسها قنديلاً طالما انطفأ!
كلماتها كأنما تسمعها "طازجة" بصوتها الهادئ ذاك اليوم ...
ورؤيتها لها الآن ورامز يتشبث بها بهذه الطريقة أمام الجميع يرد لها كثيراً من اعتبارها ...
ربما لهذا اغتصبت ابتسامة رسمتها على شفتيها وهي تهز لزميلتها رأسها قبل أن تسير جواره دون مزيد من الاعتراض ...

شرودها يظلل لقاءهما حتى جلسا سوياً على مائدة في هذا المقهى الشهير الذي تقابلا فيه أول مرة بعد حفل خطبتهما ...

تغيرت الأيام ...وتغير المكان ...
فهل تغيرت القلوب؟!
والإجابة سمعتها منه بقلبها قبل أذنيها :
_مش فاكر كام يوم عدوا بالضبط ...بس اللي متأكد منه إنك في عيني دلوقت زي ما كنتِ وقتها وأجمل كمان ...عمري ما حسيت مع أي ست اللي حسيته ناحيتك .
ورغم أن عبارته دغدغت مشاعرها بشعور لذيذ استصرخها أن تعترف له بالمثل ...
لكن عناد كبريائها جعلها تشيح بوجهها قائلة :
_بس ده ماكانش كلامك يوم ما شفتك مع غادة .
فتناول كفها بين راحتيه ليقول لها بأسف:
_عمري ما ندمت على حاجة في حياتي أد ندمي على تصرفي وقتها ...أنا جرحتك وجرحتها ...دخلتها في لعبة ماتخصهاش ...
ثم هز رأسه ليردف بنبرة أكثر ضيقاً:
_تخيلي إن سيف قابلها صدفة في اسطنبول ؟! ولأنه ماعرفش من ماما أكتر من تفاصيل بسيطة ظلمها وحطها في موقف وحش جداً ...بس أنا عرفته الحقيقة .
_إيه؟! سيف وغادة ؟! فين ؟! ياربي!!!
هتفت بها بهلع ووجهها يشحب فجأة ليرد مهدئاً:
_أنا عرفته الحقيقة واترجيته يعتذر لها .
قالها وهو يحكي لها تفاصيل ما أخبره به سيف عبر الهاتف فزفرت بضيق لتغمغم بين ندم وألم:
_ساعات بحس إن اللي حصللي ده انتقام ربنا مني عشان ظلمتها .
_احنا الاتنين ظلمناها ...بس سيف بيقوللي إنها كويسة هناك جداً وسط عيلة بتحبها .
قالها مطمئناً فتأوهت بقوة وهي تطرق برأسها للحظات سبقت وصول النادل بما طلبه لها رامز ...
والذي ترك كفها ليقطع لها "الوافل" لقطع صغيرة ثم قرب إحداها لشفتيها بالشوكة فابتعدت برأسها وهي تنظر حولها مغمغة بارتباك خجول لم تغادره فظاظتها المعهودة :
_احنا كنا لسه بنقول إيه؟!! ...ما يصحش تأكلني كده ....أنا دراعي مكسور مش مشلولة .
لكنه ابتسم ليرد بمرح بينما يقحم الطعام في فمها إقحاماً:
_يابنت الناس أتجوزك وأستر عليكِ ...هاوديني ...سيرتك هتبقى على كل لسان بعد اللي بنعمله ده !

التمعت عيناها بوهج دافئ من عاطفة تجاهد للظهور وهي تلوك الطعام في فمها ...
مزاحه المشاكس يخفي رغبة عارمة تشعر بها مشتعلة في حدقتيه اللتين تعلقتا بشفتيها ...
والذبذبات الحارقة تشتعل بين جسدين نالتهما يوماً "كيمياء" حب خاصة !
ارتباكها يزداد وهي تتناول فنجان القهوة بيسراها ليرتعش الكوب في يدها لولا أن دعمه هو بكفه ليسقط السائل الساخن فوقه ....
شهقت بجزع وهي تسمع صوت تأوهه ليطمئنها ببضع كلمات قبل أن تهتف هي وهي تضع الفنجان مكانه بحركة عصبية :
_أنا آسفة...بس هو ده بالضبط اللي أنا بعمله دلوقت في كل الناس اللي حواليا ...كلكم عايزين تساعدوني وتقفوا جنبي بس محدش فاهم إن وجودكم دلوقت هيؤذيكم ويؤذيني ...سيبوني أحلها لوحدي ...أنا مش ضعيفة ولا عاجزة .
_أنا مش جنبك عشان ضعيفة ولا عاجزة...أنا جنبك عشان انتِ حبيبتي ...ولو ماعملتش حاجة طول الأيام اللي جاية غير إني أفضل جنبك عشان تحسي بده ...فده بالنسبة لي كفاية !

قالها بإخلاص حار فتنهدت بعمق وهي تشيح بوجهها ليصمت للحظات قبل أن يسألها:
_رحتِ الجامعة النهارده ليه ؟!
_كنت عايزة أؤجل الرسالة .
قالتها بحسم لعله يخفي حسرتها وهي تقولها ...
حسرتها التي انتقلت إليه وهو يسألها بجزع حقيقي:
_تأجليها؟! بعد كل تعبك ده ؟! ليه؟!
ابتسمت بتهكم مرير وهي تشير بعينيها لذراعها المجبر ليجيبها بحزم لا يقبل الجدل :
_الرسالة مش هتتأجل يا هانيا ...ولحد ما دراعك يخف أنا دراعك اليمين !
=========
انفرجت شفتاها بانبهار وهي تتطلع للمبنى من الخارج ....
شركة زين الفايد بواجهتها الفخمة التي تلتمع تحت ضوء الشمس حتى تكاد تخطف بصرها ...
لم تصدق أذنيها عندما تلقت اتصالاً من إدارتهم يطلبون التواصل معها بشأن عمل وينتظرون منها الحضور ...
ما الذي قد تريده مؤسسة عظيمة كهذه من امرأة مثلها ؟!!
يالله!
لو كان هذا الأمر موفقاً فكم "صفراً" ستضيفه لرصيدها في البنك هذا العام ؟!!

تنحنحت بحرج وهي ترى ملابسها قد تغضنت بعد ركوبها الحافلة ...
ألم يكن يجدر بها وهي تأتي لمقابلة عظيمة كهذه أن تستقل سيارة أجرة ؟!!

_خسارة! وبعدين هو احنا لسه شفنا منهم أبيض واللا اسود ؟!
قالتها في نفسها بطريقتها القروية البسيطة التي ترتاح فيها قبل أن تعدل ملابسها متمتمة بنفس اللهجة :
_جاية ب"الحتة اللي ع الحبل" أهه...ياريت يبقى بفايدة .

و"الحتة اللي ع الحبل" لم تكن سوى بذلة زيتونية اللون من قطعتين فوق قميص أبيض اشترتها "لقطة" في أحد التخفيضات في سابقة فريدة لديها وتحتفظ بها دوماً لمناسبة كهذه ...
أو لمقابلة عريس مناسب!
عريس؟!!
ترى كم يحتوي هذا المكان من فرص؟!!

التمعت عيناها بأمل وهي تعدل وضع وشاحها البرتقالي الفاقع فوق رأسها لترفع أنفها باعتداد لا ينقصها ...
خاصة وهي ترى نفسها الآن كأفضل ما يكون !

تحركت بصعوبة فوق حذائها ذي الكعب العالي الذي ترتديه اليوم بصورة استثنائية أيضاً...
ليته لا يخذلها هاهنا!

خطواتها تودي بها نحو مدخل الشركة الذي لم يكن أقل إبهاراً من واجهتها ...
مكتب الاستقبال ...المصعد ...
صورة خاطفة لنفسها في مرآته تمنحها المزيد من الثقة ...
قبل أن تتوجه نحو مكتب "الرأس الكبيرة" هنا !

ترى كيف سيكون ؟!
لن يقل عمره عن خمسين عاماً كي يتمكن من تأسيس مكان كهذا !!!
يالله!!
هل هذا مكتب سكرتيرته ؟!!
كيف يكون مكتبه إذن؟!!

_دكتورة ياقوت سليمان ...مستر زين في انتظارك .

قالتها السكرتيرة بنبرتها التي بدت لها شديدة الميوعة مقارنة بأسلوبها هي...
لتمط شفتيها ببعض الاستياء وهي تسير خلفها متأهبة ل"فرصة العمر"!!

وفي مكانه جلس زين ينتظرها بعينين متوقدتين ...
"صائد الكنوز" لن يترك فرصة كهذه تمر من بين أنامله ...
يامن حمدي !
إلى الآن هو لم يعد يشكل خطراً عليه ...
هو زاهد في "كنزه" هو!
لكن ماذا لو علم عن حمل ياسمين؟!
ماذا لو أراد انتزاع طفلها منها قسراً؟!!
ساعتها هو يحتاج ل"ورقة ضغط"!
وليس أفضل من إثبات عدم صلاحيته لأبوة الطفل مع تاريخ علاجه النفسي...
هذا الذي يريد ضمانته من هذه "المرأة" التي يريد السيطرة على جميع خيوطها ...
لهذا تعمد إحضارها إلى هنا بهذه الطريقة "المبهرجة"...
اختبارها سيبدأ الآن!

ياقوت سليمان !

التوت شفتاه بابتسامة جانبية وهو يتابع دخولها خلف سكرتيرته ...
صدئ!
جمال صدئ!
لا ...تمهل يا "صياد"...
لا يزال الوقت مبكراً للكشف عن هذا!

ملامح حسناء ...عينين خضراوين كالقطط ...
شفتان مثاليتان بذوق رجل خبير مثله ...
وجسد نحيل لكن ليس بمفتقر للأنوثة ...

_اتفضلي يا دكتورة !
قالها بلهجته المميزة التي تمزج اللطف بالهيمنة ...لترفع عينيها الذكيتين نحوه ...
يالله!
كانت تظن أن المال، النفوذ والوسامة لا يصح أن يجتمعوا معا
لكن هذا الرجل استثناء حي ...
انها لم تشعر في حياتها بالانجذاب نحو أحدهم كما تفعل الان
يامن حمدي ؟!!
انه يبدو جواره كصعلوك !!
أي مقارنة هذه ؟!

_إيه الراجل ده ؟! ده فاضلله اتنين بونت وينوّر!
هكذا حدثتها نفسها سراً وعيناها تنتقلان بسرعة لأصابع يديه ...
خالية من الخواتم؟؟!
هل هو حسن حظها ام سوء حظ الاخريات ؟!!
مهلاً يا عجول ...مهلاً!!!
هي مقابلة عمل وليس عرض زواج !!
لكن هذا لم يفلح في سيطرتها على تورد وجنتيها التي فضحت خجلاً لا حيلة لها به...

بينما ابتسم هو ببعض العبث ملاحظا تاثيره عليها...
هذا الذي بددته هي تماما بابتسامة متحفظة جافة ارتسمت علي ملامحها المعتدة أخيراً مناقضة كل ما كانت تشعر به :
_خير ...انتم طلبتم مني تعاون في شغل ...أقدر أعرف نوعه !

قالتها وهي تجلس أمامه على المكتب وقد استدعت "مهنيتها" درعاً واقياً ضد كل ما تقرعه انفعالاتها الآن من أجراس إنذار ...
بل ...أجراس عيد !!
لم تستطع تفسير كل هذه السعادة التي كانت تشعر بها الآن !!
هل جربت يوماً أن تقابل حلمك ؟!!
هكذا كانت هي الآن بكل بساطة !!
خاصة عندما بدأ زين حديثه بطريقته اللبقة معرفاً لها نفسه ...
نظراته المتفحصة...لهجته الواثقة ...جمله القصيرة المنتقاة...مخارج حروفه التي كان يتوقف عندها ببطء من يدرس جيداً ما يقول ...
هو ليس مجرد ثري مدلل...
هو رجلٌ يعرف من أن يؤكل الكتف!!
لكنها هي الأخرى ليست مراهقة ساذجة...
وإن كانت ترحب- سراً -بهذا الدور معه ولو لدقائق!!

_كل ده جميل جداً...تشرفت بحضرتك...بس برضه مش فاهمة انتم عايزينني هنا ليه !
قالتها بنبرة الاعتداد خاصتها ليشير زين نحو سكرتيرته كي تنصرف وتغلق الباب خلفها ...
فيما عاد إليها هي بنظرته الثاقبة مجيباً:
_أنا مش عايزك هنا ...
ثم التوت شفتاه بهذه الابتسامة الجانبية مردفاً:
_عايزك في البيت!

ربما لو كانت امرأة أخرى مكانها لتلقت الأمر بطريقتين ...
إما تفهمه بصورة صحيحة فتظنه يريدها في علاج أحد من أفراد أسرته...
أو بصورة خاطئة كتحرش لفظي ...
لكن الانطباع الذي ارتسم على وجهها لم يبرره هذا ولا ذاك !!
انطباع ب..."الرعب"!!
ملامحها التي لم يغب عنها اعتدادها حتى وسط فورة انفعالاتها الداخلية الآن كانت تتشح بخوف رهيب ...

السكين ...
الجلباب الأحمر ...
الوشاح الممزق ...
السكين ...
الأصابع الغليظة ...
الصوت الثمل ...
السكين...
الساعة المكسورة ...
السجادة المنقوشة بلون الدم ...
السكين ...
السكين ...
السكين !!!

دوامة من ذكريات ليلة رأتها ...ولم ترها ...
بل عاشتها ...ولم تعشها!
ليلة لم تفارق مخيلتها طوال هذه السنوات !!
تباً...تباً...
ليس الآن ...ليس الآن!

_انتِ كويسة؟!
سألها بحذر مقاطعاً حربها الداخلية هذه وقد لاحظ تغير ملامحها الواضح لترتجف شفتاها بابتسامة عادت لها نبرتها المعتدة :
_مبحبش طريقة التنقيط دي...ادخل حضرتك في الموضوع مرة واحدة عشان أقدر أجمع التفاصيل .

ارتفع حاجباه بدهشة للحظة من الطريقة التي كانت تتحدث بها والتي لم تتناسب أبداً مع الحالة التي كانت عليها ملامحها منذ قليل !!!
حواسه كصائد لا تكاد تجد لها مثيلاً في "طريدة" قبلها !!
لكنه تمالك شعوره بحنكة ليقول مفسراً:
_أختي تعبانة من كام سنة...الحكاية بدأت من صغرها ...بيتهم القديم وقع واضطرت تتحبس مع جثة مامتها كام ساعة لحد ما أنقذوها ...افتكرنا الموضوع موضوع وقت...لكن حصلت لها صدمة بعدها بكام سنة رجعت لها حالة غريبة من فقدان للوعي والنطق ...مش فقدان وعي حرفي لكن تقدري تسميه انعزال عن الواقع .

ضاقت عيناها الذكيتين للحظات قبل أن تدلي بدلوها:
_قلت مامتها مش مامتنا تبقى مش أختك الشقيقة...غالباً والدك اتجوز واحدة تانية على والدتك ...بيتهم قديم ووقع معناه إنها كانت مش نفس مستواكم المادي ...على أد حالها يعني....ووجود البنت في حياتكم كان اضطراري وغير مرغوب فيه ...استنتجت كمان إن صدمتها التانية كانت عاطفية ...وغالباً مرتبطة بحبستها في مكان مقفول رجع لها ذكريات الصدمة الأولى.

اتسعت عيناه بانبهار حقيقي للحظة قبل أن يغمضهما مشيحاً بوجهه ...
عندما أخبروه أنها ماهرة في عملها لم يتوقعها بهذه الفراسة !!
حسناً...لقد بدأت اللعبة تروقه !!
يبدو أن هناك كنزاً خفياً خلف كل هذا "الصدأ"!!
لن يحكم الآن على أي حال!

_ممتاز ...استنتاجاتك كلها صحيحة بس مش هاقدر أديكي تفاصيل أكتر إلا لما أتأكد من رغبتك في علاجها .
قالها بلهجتها الآسرة التي تقرع الطبول في صدرها ...
لترد بنبرة لا تمت لهذا بصلة :
_وليه عايزني أعالجها في البيت؟! أعتقد إنكم جربتم دكاترة كتير بره مصر وجوه مصر ...اشمعنا أنا؟!

هنا حان وقت الكذب!!

_دكتورها بيقول إنها رافضة العلاج لأنها مش متقبلة فكرة إنها مريضة ...شايف إن الدكتور اللي يعالجها لازم يدخللها من بوابة صداقة...وأغلب الدكاترة اللي عرضت عليهم الموضوع رفضوا لاعتبارات تقديرية .

هزت رأسها بتفهم بينما شعر هو بالضيق بعد كذبته ...
لم يكن يريد إقحام همسة في شأن كهذا ...
لكن عزاءه أن هذه المرأة ماهرة حقاً في عملها كما سمع...
ومن يدري ؟!
ربما يوضع السر في أضعف الخلق كما يقولون!!!

لهذا تغلب على ضيقه سريعاً ليسألها بترقب:
_قلتِ إيه ؟!

رفعت إليه عينيها بقولها:
_انت عارف لو كل دكتور ساب شغله وراح لكل مريض بيته عشان يتصاحب عليه مش هينفع ...عرض حضرتك غريب جداً.

_انتِ عارفة أنا هادفع كام ؟!
اتسعت عيناها بذهول مع المبلغ الذي ذكره بعدها لتنفرج شفتاها رغماً عنها ...
المبلغ الذي ذكره هو ما تحتاج جمعه في خمس سنوات على الأقل!!!
صورة دفترها البنكي تملأ ذهنها الآن بلونه الأخضر المميز ...
الأرقام الأخيرة تتراجع ليحل مكانها رقم يزيد بثلاثة...أربعة ...أصفار ...
أوووه ...فرصة العمر!
كيف يمكنها الرفض!!!

_ماقدرش أوافق إلا لما أشوف الحالة وأقدر أقيم نسبة نجاحي معاها ...من أول مااشتغلت مافشلتش في حالة اشتغلتها ...ومش عايزة دي تبقى المرة الأولى .

قالتها باعتداد يناقض كل مطامعها التي طفت على سطح انفعالاتها فابتسم بتلك الطريقة المهلكة مع إيماءة رأس يكاد يعلوه تاج تدبيره ...
"الطريدة" التقطت الطعم !!
وما بقي للصياد إلا أن ينتظر!!!

_معادنا بكرة في البيت الساعة عشرة الصبح...ده العنوان.
قالها بلهجة حاسمة غير آبه بما قد يعترضه ذلك من مواعيدها مما أثار حفيظتها لتقول بهدوء:
_لأ الساعة اتنين بعد الظهر أكون خلصت مواعيدي.

قالتها هي الأخرى بنفس الحسم دون أن تسأله رأيه قبل أن تقوم من مكانها مردفة :
_بكرة لما أشوفها أديك كلمتي الأخيرة .

أتبعت عبارتها بتحية عابرة لتعطيه ظهرها كي تغادر ...
فوقف بدوره ليغادر مكتبه سائراً خلفها بعينين متفحصتين ...
ياقوت!
ترى أي كنز يختبئ خلف هذه الثياب المهلهلة ؟!

بينما كانت هي تشعر بخطواته خلفها تربكها ...
لا...لم تكن يوماً مفتقرة للثقة في أنوثتها ...
لكنها تشعر بتوتر من يجتاز اختبار !
لا...ليست ساذجة بما يكفي لتصفه بحب من أول نظرة...
لكنه حقاً صورة مجسدة لحلمها العتيق!
هذا هو الزوج الذي سيرفع رأسها ورأس ثمر وسط أهل القرية...
هو الذي يجدر به أن يناطح والدها رأساً برأس!

زوج؟!
هل تطرفت حقاً لهذا الحد ومن أول مقابلة ؟!!
حسناً...هي تعترف أن الأمر هذا صار يؤرقها مؤخراً...
في قريتهم يعتبرون الفتاة التي وصلت العشرين دون زواج مجرد عانس!
فما بالها بها هي التي قاربت الثلاثين ؟!!!
انقطعت أفكارها بشهقة خافتة عندما شعرت بذراعه يمتد جوارها ليفتح لها الباب ...
حركة مهذبة بسيطة لكنها زادت ارتباكها ومع هذا الكعب العالي الذي ترتديه اليوم قسراً وجدت نفسها تتعثر ليسندها بذراعها الآخر ...

هذا ما كان ينقصني!!!
هتفت بها أعماقها بتخبط يزداد دويّه مع هذا الرجل في تنامٍ سريع لمشاعر شديدة التطرف هاهنا ...
بينما التمعت عيناه بالمزيد من ظفر صياد يتلذذ بهوايته...
لكنه لم يحاول استثمار الموقف أكثر وهو يبتعد عنها بسرعة ليقول برصانته الخادعة :
_للأسف ...الكعب شكله اتكسر !

الكعب؟!!
حذاء المناسبات الرسمية الذي اشترته في التخفيضات منذ ثلاثة أعوام بمائة جنيه كاملة !!!!!
ياللمصيبة !!!
هتفت بها في نفسها متحسرة وهي تدرك عظم مصابها ...
لكنها رسمت على شفتيها ابتسامة معتدة وهي تنظر للأسفل نحو الحذاء قبل أن ترفع الفردة السليمة لتكسر كعبها الآخر ثم وضعت كليهما في حقيبتها بحركة بدت بسيطة...
لتتغلب على حرج الموقف بقولها مدعية اللامبالاة :
_معلش...بتحصل!
قالتها ثم غادرت الغرفة بخطوات معتدة لا تليق بما حدث منذ قليل ...
ولا بتلك الفوضى العارمة من المشاعر بداخلها ...
ليطلق هو أخيراً ضحكة كان يكتمها منذ أول اللقاء ...
هو يعرف هذا الصنف جيداً ...
نظرة الطمع في عينيها عندما أتى على ذكر المال لم تخفَ عليه ...
هذه النظرة التي لم يمقت مثلها في حياته ...
ربما لأن "مثلها" كلفته -قديماً - الكثير ...
لهذا ومضت عيناه ببريق صائد محترف ...
لو صدق ظنه في جشع هذه المرأة فلن تكون فقط فرصته لمنح ياسمين الأمان الذي تحتاجه مع طفلها بعيداً عن يامن...
بل ستكون أيضاً درساً لهذه الذكية المتحذلقة التي لا تدرك مع من تورطت !
========
_خدي العنوان ده يا لجين ...هاتي العينة بسرعة .
قالتها مديرتها في معمل التحاليل الذي تعمل به لتبتسم ابتسامتها البشوش وهي تعدل وضع حجابها أمام مرآة قريبة ...
فيلاحقها قول المرأة المشاكس:
_لبّس البوصة تبقى عروسة صحيح...لولا إني شفتك من غير ماكياج مكنتش صدقت عنيا .

ضحكت ضحكة عالية أخفت بها نحيب روحها الصامت ...
هؤلاء الذين ترسم الضحكة ملامحهم حتى تظن أنها قد صارت جزءاً منه ...يصعب عليك كثيراً أن تصدق معاناتهم التي تذوي بصحرائها أرواحهم ...

لكنها تعودت على هذا ...
تماماً كما تعودت على رسم تبرجها المتكلف هذا هنا في العاصمة ...
والذي أضافت إليه مؤخراً زوج من العدسات اللاصقة فضية اللون منحت شكلها المزيد من الرونق ...
في قريتها يصنفونها "سوداء قبيحة" لكن هنا ...
البعض يصفونها بملاحة الوجه ...
فقط حتى يرون ياقوت جوارها ...
ساعتها يدركون المعنى الحقيقي للجمال!

كتمت أفكارها كعادتها وهي تتناول حقيبتها لتتوجه نحو العنوان المنشود ...
فيللا أخرى فخمة تشبه فيللا والدها -المحرمة- التي رأتها مرة من خلف الأسوار ..
حارس الأمن يفتح لها الباب ويفتح معه ستاراً لعالمها الرمادي الذي تبتلعها أمواجه يوماً بعد يوم ...
ما هذا الثراء؟!
ما كل هذا الترف ؟!
حديقة شاسعة مساحتها تكاد تقارب وحدها عشر أضعاف بيتهم الصغير مع جدتها ...
حمام سباحة كبير تود لو تجرب مثله يوماً...
مبنى فخم بأعمدة ذهبية وبوابة واسعة أنيقة بمدخل رخامي ...
هذا الذي دخلته الآن خلف الخادمة التي استقبلتها لتتوجه بها نحو السيدة بالداخل ...
امرأة خمسينية فشلت عمليات التجميل في مداراة سنها الحقيقي ...
عقدها الفخم من الألماس واللؤلؤ وحده يساوي ثروة !
تباً!
لماذا لا تتوزع الثروات بين الناس بالعدل؟!
ربما لو حدث هذا لما اضطر والدها أن يرميها وشقيقتها لأنهما "بنات الخادمة" ...
ولتمتعت- مثل أخوَيْها منه - بماله وجاهه!

_ياريت تكون إيدك خفيفة...البنت اللي قبلك ورمت لي دراعي كله !

قالتها المرأة بصلف وهي تتمدد على الأريكة المذهبة الفخمة وقد مدت لها ذراعها لتتمتم لجين بعبارة مهنية تقليدية تعلمت قولها ...
قبل أن تمارس عملها الذي اعتادته ...
عيناها تختلسان النظر نحو الأثاث المبهر ...التحف القيمة...الأرضيات النظيفة اللامعة...والثريات التي تدوي كريستالاتها كألف شمس وليدة...
"حقها المسلوب" الذي سرقوه منها دونما جريرة!

_خلصت.
قالتها ببساطة عبر ابتسامة خلابة لا تظهر انفعالاتها السلبية هذه ...
فابتسمت المرأة بتكلف وهي تعطيها ثمن التحاليل...
قبل أن تنشغل عنها بمكالمة هاتفية أتتها للتو ...
هنا التمعت عينا لجين بشغف لا تملكه وهي تلمح هذه الساعة الفضية على المائدة هناك...
ربما لا تكون باهظة الثمن ولا تستحق المخاطرة...
لكن تكفيها "متعة السرقة"...
لذة السلب!
أن تحرم "هؤلاء الأكابر" من شئ يملكونه ولا تملكه !
أجل...
السرقة صارت "صديقتها الوحيدة" التي تمارس فيها هواية الفضفضة والترويح عن قهر تعانيه ...
صحيحٌ أنها تشعر بالخزي والذنب بعدها لكنها لا تستطيع مقاومة هذا الشغف!

لهذا امتدت أناملها بخفة تلتقط الساعة في غفلة من المرأة التي كانت تنهي مكالمتها ...
قبل أن تتحرك بخطوات سريعة وخفقاتها تدوي كالطبول في صدرها ...
إحساس اللذة بداخلها يتصارع مع إحساس الخطر في مزيج اعتادته ...
مزيج يرفع مستوى "الأدرينالين" حد المتعة !!!

لكنها ما كادت تصل للباب الخارجي حتى سمعت الهتاف الذي كاد يوقف قلبها ...

_استني...ما تمشيش!
======
انتهى الفصل الرابع

هالة سلمي likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 28-12-18 الساعة 07:33 AM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-12-18, 11:53 PM   #220

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

روعة يا نيمو فصل ملئ بالمفاجأت .... ربنا يستر علي حمل ياسمين .... اتمتيت ياقوت تقابل يزن والنهاردة وانا بطبخ قعدت افكر لما يتقابلوا حتكون المقابلة ازاي هيه بضعفها للنقود والزوج الغني الي عاوزه تفخر بيه قدام ثمرة وابوها والعالم وهو بنظرته لكنوز هل حيقدر يشوف الكنز الحقيقي والمستخبي جواها ..... اسلام اخو هيثم والاحلي سيف اخو رامز وده الي بيني وبين نفسي اتمنيته ..... ياتري مين ابو ياقوت ولجين ..... لجين عندها داء السرقة ..... روعة يا نيمو ان شاء الله ربنا يقدرنا واكتب ريفيو

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.