آخر 10 مشاركات
انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          أهلاً بكِ في جحيمي للكاتبة الفاتنة: عبير قائد (بيـــرو) *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : Omima Hisham - )           »          اكليل الصبار ج1- من س اني عشقتك -قلوب أحلام زائرة- بقلمي:زهرة سوداء(مكتملة&الرابط) (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          22 - ضربة شمس - اليزابيت اولدفيلد - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          النمرة الشرسة (29) للكاتبة المُذهلة: وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) *كاملة & مميزة* (الكاتـب : وفاء محمد ليفة - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          لو..فقط! *مميزة**مكتملة** (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-01-19, 10:27 PM   #241

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي


اين الفصل يا نيمووو



Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 03-01-19, 10:45 PM   #242

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الخامسة
==========

_استني ما تمشيش !

العبارة جمدت الدم في عروقها وهي تشعر أن وجهها قد غابت عنه الحياة !
التفتت نحو المرأة التي تقدمت نحوها لتبتسم أخيراً وهي تعطيها مبلغاً من المال :
_هاخلليهم يبعتوكِ كل مرة.

تنفست الصعداء وهي تشكر المرأة بكلمات مرتجفة قبل أن تغادر وقد قررت أن تعود فوراً لقريتها ...
الحظ حالفها بمكانٍ خالٍ في القطار لتستقله والدموع اللعينة تأبى التوقف!!!
لماذا تفعل هذا ؟!!
هل هذه عاقبة تربية ثمر لها ؟!!
هل هذه آخرتها ؟!
ابنة خادمة...ولصّة؟!!
شعور الخزي يعتصرها وهي تفرك كفيها بقوة ...
السارق يقطعون يده كما كانت ثمر تعلمها وهي بعد طفلة صغيرة ...
لكن يشهد الله أنها لا تفعلها وهي بوعيها ...
لقد فكرت يوماً أن تسأل ياقوت عن مرض نفسي يجعلها تفعل هذا ...
لكنها جبنت عن هذا!
آه!
ما حيلتها؟!
إنها تجد نفسها كل مرة مدفوعة للسرقة بمتعة لا تدري لها سبباً ولا تعرف لها مثيلاً...
لكن شعور الخزي والذنب الذي ينتابها بعدها يكاد يحرقها بحسرته...
يجب أن تتوقف ...
ثمر ستموت لو علمت ...
وهي ستموت قبلها خزياً!!

ظلت تبكي طوال الطريق وهي تشعر أنها كانت إشارة لها من السماء أن تتوقف ...
المرة القادمة لن تنالها رحمة لكن ...هل ستتمكن من المقاومة ؟!!

لهذا ما كادت تصل للبيت الذي وجدته خالياً حتى توجهت نحو الإناء الفخاري الذي تخفي فيه كنزها ...
لملمت كل شيئ في وشاح قديم طوته قبل أن تغادر نحو المصرف المهجور القديم ...
ككل مرة تفعلها ...
تلقي كل ما تسرقه هناك !!!
لماذا لا تنتفع به لنفسها؟!!
لا !
تربية الحاجة ثمر لم تكن لتنفق قرشاً من حرام على نفسها !!
لقد كبرت وهي تعي كلام الجدة الذي كانت تنقشه على حجر روحها ...

"ما نبت من حرام فالنار أولى به"

وهي تخاف النار ...وتخاف غضب ثمر!!

لهذا ما كادت تطمئن لتخلصها من عارها حتى تنهدت بحرارة وهي ترفع رأسها للسماء باستنجاد صامت ...
قبل أن تعود أدراجها للبيت مطأطأة الرأس على غير هيئتها المعتادة البشوش...

_بت يا "أوبرا"...إيه اللي رجعك بدري كده الأسبوع ده ؟!

هتفت بها ثمر وهي تستقبلها في بيتها قبل أن تخبط على صدرها بقوة مع هتافها:
_وإيه اللي (مليّطة) بيه وشك ده ؟! وكمان قالبة عنيكي زي العفاريت؟! اللهم احفظنا !!

امتقع وجه لجين وهي تتبين أنها نسيت في غمرة انفعالها أن تتخلص من تبرجها المتكلف فارتبكت وهي تتخلص من عدسات عينيها بسرعة لتضعهما جانباً مع قولها :
_واحدة صاحبتي شارت بيهم عليا...بس خلاص مش هاعملها تاني!

احمر وجه الجدة بغضب قبل أن تشيح به مع قولها الصارم :
_اغسلي وشك ده مش طايقة أشوفك بيه وحصليني على أوضتي .

تراكم البؤس على ملامحها وهي تتوجه نحو الحوض القريب لتخلع وشاحها وتغسل وجهها ...
بل تفركه بقوة وكأنما تفرغ غلها فيه ...
قبل أن تتطلع لصورتها في المرآة ...
هل ازدادت قبحاً أم هي فقط انعكاساتها الداخلية ؟!
هل ازدادت عيناها ضيقاً؟!!
..شفتاها غلظة ؟!
أنفها ضخامة ؟!
بشرتها سواداً؟!!
أم أنها فقط تتوهم ؟!!

زفرت بقنوط وهي تمسح وجهها في منشفة قريبة قبل أن تتوجه نحو غرفة رحمة التي كانت جالسة على سجادة صلاتها ممسكة بمسبحتها وقد أشارت لها بالاقتراب ...

جلست في كنفها فاحتضنتها المرأة الحصيف قبل أن تضع رأسها في حجرها وترقيها كعهدها معها ومع شقيقتها ...
_شعرك حلو قوي يا بت ...زي ديل الفرس!

قالتها ثمر مادحة غير كاذبة فقد كان شعر الفتاة حقاً أجمل ما فيها ...
لكنها -ثمر- بفطنتها كانت تدرك أن السياسة المثالية هي سياسة العصا والجزرة ...
المزج المتوازن بين الشدة واللين ...
لهذا ما كادت تقسو عليها بتقريعها على تبرجها المتكلف حتى بادرت بالمديح ...

_انتِ عارفة إني أنا اللي سميتكم أول ما خدتكم في حضني من أمكم الله يرحمها؟!...أول ما شفتك انتِ وأختك الشيطان لعب في راسي ...قاللي خلفة البنات هَمّ للممات...بنات الخاطية هيطلعوا زيها ...بس أنا قلت لا ...بنتي مش خاطية...بنتي كانت مغصوبة وبناتها مش عار ...بناتها كنز هحاوط عليه طول عمري ...أول ما شفت عيون أختك قلت ياقوت ...وأول ما لمحت خفة طلّتك قلت لجين ...حاكم أبويا الله يرحمه كان حافظ كتاب الله وكان يحب الشعر أد عينيه ...كان يقوللي يا بت يا ثمر التبر ده ماء الذهب واللجين ماء الفضة .

ابتسمت لجين وهي تسمع منها الحكاية للمرة الأولى لترفع عينيها إليها بقولها :
_تكونش أسامينا دي اللي نحستنا يا ستي؟! بيقولوا إنهم بيسموا الولاد أسامي وحشة عشان يطلع حظهم حلو .

فمصمصت الجدة شفتيها هاتفة باستنكار:
_وماله بختكم يا بت ؟! البلد كلها بتحسدني عليكو ...دي حتى الست أفكار جايبة لكم لسه عريسين انتِ وأختك .

هنا ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة من الحكاية التي تكررت حد الملل :
_زي كل مرة...ياقوت هترفض العريس...وأنا العريس هيرفضني!

لم تكن مبالغة حقيقة في تشاؤمها فهذا كان السيناريو الذي يتحقق دوماً دون تغيير ..
ياقوت الطموح المتطلعة تبحث عن أمير لا عريس ...وبالتالي ترفض الخضوع للأمور الوسط..
أما هي ف"تحت خط الجمال"أصلاً...!
من الأحمق الذي سيختارها خاصة وياقوت جوارها تمثل النقيض ...
بل الكمال!!!

كانت ثمر تشعر بما تعانيه لكنها تعلمت من خبرتها في الحياة أن القدر لا يصب في مصلحة الحسابات ...
وأن النصيب غالب كما يقولون!!
لهذا ربتت على رأسها وهي تقول بثقة :
_مفيش ست وحشة...ربنا خلق الجمال للعين اللي تشوفه...الحلاوة مش بالأحمر والأخضر اللي كنتِ حاطاه...الحلاوة من حلاوة الطبع...وانتِ حلوة يا بنت أشواق...حلوة قوي.

دمعت عينا لجين وهي تشعر بكلمات المرأة على بساطتها تضيئ مشاعل النور في ظلماتها ...
لهذا هبت من رقدتها لتحتضن جدتها بقوة تأففت منها الأخيرة مع تأوهها :
_آه...هتكسريني يا بت!
_بحبك يا ستنا ...بحبك .
أغرقتها بعدها بقبلاتها قبل أن تدغدغها بمرح لتهتف الجدة بين ضحكاتها:
_اتحشمي يا بت...بلاش مياصة...الله يرحم جدك لو كان عايش كان برك فوقك موّتك ...بس يا بت.

امتزجت ضحكاتهما معاً أخيراً والعناق الدافئ يرمم شروخ الأرواح الكسيرة ...
قبل أن تنهض لجين عندما سمعت صوت رنين هاتفها لتقول بصوت عاد إليه مرحه :
_دي رنة ياقوت ...هارد عليها أعرفها إني وصلت .

_ما قلتليش جيتي بدري ليه الأسبوع ده ؟!
سألتها ثمر بقلق لتجيبها كاذبة بينما تهرول لتخرج من الغرفة :
_ادوا لنُصّنا أجازة وبعد كام يوم هيدوا النص التاني ...هم شغلهم كده .

_ياقوتة ...توتا توتا!
هتفت بها بمرحها المعهود وهي تدلل شقيقتها بعاطفة لا تدعيها ...
قد تغبطها حقاً لكنها لا تكرهها ...
قد تغار منها لكنها لا تتمنى لها إلا الخير ...
لهذا تبادلت معها حديثاً ودياً قصيراً أخبرتها فيه بعودتها المبكرة للقرية...
قبل أن تحسم أمرها لتقول لها بقلق مفتعل:
_مش أنا اتسرقت النهارده ...بس ربنا ستر!
شهقت ياقوت بانزعاج لتردف بسرعة :
_ماتخافيش ...ما أنا قفشتها ...بس قعدت تتأسف وتقول إنها مريضة وإنه غصب عنها ...
ثم صمتت لحظة لتعاود السؤال الحذر:
_هو ممكن الواحد يسرق غصب عنه ؟!

_هو ممكن لو مش بتستهبل...بيسموه عندنا "كليبتومانيا"...مرض أو هوس السرقة...المريض بيسرق أي حاجة حتى لو هايفة عشان بيستمتع بالسرقة نفسها ...زي ما تقولي كده بتبقى السرقة كأنها صاحبته اللي ببيفضفض معاها عن اللي مش قادر يقوله الناس ...وبعد ما يسرق تلاقيه يرمي اللي سرقه وضميره يوجعه...ده فيه ناس ممكن ترجع اللي سرقته وترجع تسرق تاني عادي ...

_آآه...ما أنا فعلاً لحقتها قبل ما ترمي خاتمي ...يظهر إنها مريضة فعلاً...الله يسهل لها .
قالتها لجين بارتباك أجادت إخفاءه لتردف بإشفاق مصطنع:
_ودي علاجها إيه؟!

_ما تجيبيهالي وأهه نسترزق!
قالتها ياقوت بمرح لتضحك لجين ضحكة مفتعلة مع قولها:
_هاصيّتك ما تقلقيش .

استمر الحوار بينهما لبضع دقائق أدارته فيه لجين بمرحها المعهود الذي أخفت به ارتباكها كي لا تلاحظ ياقوت بذكائها أنها تخفي شيئاً...
قبل أن تغلق الاتصال لتلقي الهاتف جانباً وهي تتمدد على الفراش تحدق في السقف ...
هي حقاً في ورطة ...
لو انكشف أمرها يوماً فإنها تفضل الموت على مواجهة ثمر وياقوت ...
ترى ما الذي ستحمله لها الأيام القادمة ؟!!
========
_دكتورة ياقوت سليمان ...زين بيه في انتظاري.
قالتها لحارس الأمن على البوابة والذي تعجب للحظة من بساطة هيئتها قبل أن يجذبه جمال عينيها خلف نظارتها ليهتف مع ابتسامة غلبته :
_اتفضلي .
قالها بمزاج رائق يناقض تنمر مزاجها هي الآن ...
إن لم يكن لأجل ثمن "أجرة التاكسي" التي اضطرت لدفعها ...
ولا لأجل لفظة "بيه" التي اضطرت لإلصاقها باسم زين وكأنها هي "ابنة الجنايني"!!!
فلأجل المقارنة التي طفت لذهنها قسراً وهي ترى تشابه هذه الفيللا مع بيت أبيها !!!
شعوران يتصارعان في نفسها كلما تقدمت أكثر في حديقة البيت ...
أحدهما بالأمل وهي تتخيل لو تحقق حلمها وصار كل هذا لها ...
والآخر بالاختناق ...وهي ترى فيه صورة محتملة لأبيها ...
لكن لا ...هي لن تكون أبداً كأمها !

لهذا أخذت نفساً عميقاً وهي تتقدم بخطوات أكثر ثقة ...
كانت ترتدي نفس التنورة القديمة بلونها الأسود البالي لكنها ارتدت فوقها بلوزة اشترتها خصيصاً لأجل العمل الجديد ...
بلون الفستق الذي يقارب لون عينيها والذي منحهما فتنة مضاعفة خاصة مع لون الوشاح الذي مزج اللون نفسه مع السكريّ في مزيج لطيف...
وبالذات لعينين تراقبانها من قرب ...كعيني "الصياد"!

_متأخرة عشر دقايق!

قالها وهو يتقدم نحوها لتبتعد خطوة بحركة غريزية لم تتعمدها قبل أن تتنحنح لتقول باعتدادها المعهود :
_لو كنت جيتلي العيادة كنت هتستنى أكتر من كده !

ارتفع حاجباه بدهشة تمتزج بالإعجاب وهو يتفحص ملامحها ...
حمرة خجلها تتناقض مع هذه الجرأة التي تتحدث بها ...
مزيج شهي من حياء وكبرياء !

لهذا ابتسم ابتسامة مدروسة وهو يشير بكفه نحو الداخل قائلاً بنبرته الرصينة :
_معاك حق ...اتفضلي يا دكتور نتكلم الأول في المكتب قبل ما تقابلي همسة.

شعرت بمعدتها تتقلص وهي تخطو إلى جواره ...
هذا الانفعال المقيت الذي يجعلها تشعر كفأر في مصيدة !
مجرد شعورها أنها ستدخل معه بيته يجعلها كأنما تسير على صفيح ساخن !
رباه!
وجنتاها ستنفجران من فرط ما تشعر بحرارتهما !

_الجو حلو واللا تحبي أشغل الدفاية ؟!
قالها وهو يجلس أخيراً خلف مكتبه لتزم شفتيها بقوة كاتمة ما تشعر به ...

_الحلو ما يكملش...البيه شكله غشيم! دفاية إيه مش شايفني بسيح؟!!

حدثتها بها نفسها -سراً- لتترجمها لعبارة أنيقة :
_لا معقول...اتفضل حضرتك اتكلم ...أنا سامعاك.

_تشربي إيه الأول؟!
اللطف الذي شع من عبارته منحه الكثير من الجاذبية- التي لا تنقصه أصلاً- في عينيها ...
لهذا أطرقت برأسها للحظة تتمالك نفسها قبل أن ترفع رأسها بإجابتها المقتضبة :
_مابحبش أشرب أو آكل وأنا بشتغل .
الحزم الذي سكن لهجتها أخبره أنها تعنيها حقاً لهذا لم يكرر عرضه إنما مد يده ليتناول صندوقاً مميزاً من جواره ويفتحه أمامها قائلاً:
_شيكولاتة سويسري بجيبها مخصوص بالاسم...أظن محدش يقول للشيكولاتة لا.

_شيكولاتة ماسكة شيكولاتة يا ناس !
تمتمت بها هذه "العفريتة" العابثة بداخلها لتنهرها نفسها المعتدة قبل أن تقول ما يفترض:
_شكراً .
قالتها وهي تتناول إحدى القطع ليتخير لها واحدة أخرى قائلاً:
_ودي كمان ...ممتازة.
مدت أناملها تتناولها منه بحركة عفوية لتتلامس أناملهما فازدادت سخونة وجنتيها و"العفريتة" إياها تعاود عبثها :
_لا لا لا ...كده مش هينفع ...فينك يا حاجة ثمر تشوفي الفتنة اللي أشد من القتل !
_اتحشمي يا بنت أشواق!
نهرت بها نفسها من جديد لتستعيد ثوب مهنيتها قائلة بهدوء:
_عايزة أعرف تفاصيل الحالة وأشوف تقارير الدكاترة اللي سبقوني .

رمقها بنظرة حذرة حملت بعض الضيق الذي لم تفهمه ...
لكنه هو كان يدرك !
طالما اعتبر همسة "الخط الأحمر" الذي قلما يتجاوزه أحد في حياته ...
هو حريص دوماً أن يخفيها عن الأعين خاصة في مجتمع كهذا يعتبر المرض النفسي ضرباً من الجنون ...
هو لا يريد لها الأذى ...وسيكون صادقاً ليعترف ...ولا يريد لنفسه معرّة !

لهذا تنهد أخيراً ليقوم من مكانه متجهاً نحو نافذة مكتبه المطلة على الحديقة ليضع كفيه في جيبي سرواله معطياً لها ظهره وكأنما استنكف أن يعترف في مواجهتها ...

_حكاية تقليدية بتحصل كتير ...والدتي الله يرحمها جالها مرض ضمور عضلي خلاها قعيدة...الصدمة كانت صعبة قوي عليها ...لكن اللي خففها عنها كانت بنت خالتها اللي تقريباً بقت عايشة معاها هنا ...كانت من الفرع الفقير من العيلة ووالدتي اعتبرت وجودها هنا نوع من المساعدة المادية ليها ...

قالها بنبرة محايدة لكنها استشفت بحدسها الغضب المستتر بين كلماته ...
لهذا ما كاد يصمت حتى أعفته من الحرج باستنتاجها الفطن كالعادة :
_واضح إن دورها اتطور لأكتر من مساعدة لوالدتك...أعتقد هي والدة همسة صح؟!

زفر زفرة خافتة دون أن يلتفت مكتفياً بصمته كردّ بالإيجاب ...
قبل أن يردف :
_فجأة اختفت وماعادتش بتظهر ...قطعت علاقتها بينا ...خمس سنين تقريباً ماسمعناش عنها حاجة...لحد ما جه يوم عرفنا إن بيتها وقع وإن بنتها الصغيرة كانت معاها ...مش هاحكي عن صدمة أمي لأنها مش موضوعنا ...بس من وقتها وهمسة بقت مسئوليتنا...الحادثة عملت لها نوع من "الكلوستروفوبيا"...بتخاف من أي مكان مقفول ...اعتبرناها مسألة وقت وفعلاً كانت بتتحسن ...والدتي اتوفت بعد كده بفترة قريبة وفضلت عايشة معانا هنا أنا ووالدي...كبرت وبدأت قصة حب بينها وبين ابن عمي ...ولأسباب تخص والدي رفض الجوازة دي تماماً...

صمت قليلاً بعدها فاحترمت هذا الصمت محاولة تكملة خيوط الحكاية بنفسها ...

_ولأن رائد مابيعترفش بحاجة اسمها رفض أقنعها يهربوا ويتجوزوا عشان يحطونا قدام الأمر الواقع ...والدي عرف في الوقت المناسب وكان عقابه إنه حبسها في مخزن ضيق من مخارن شركته...نسي عقدتها القديمة وطبعاً النتيجة كانت نكسة...

اتسعت عيناها بتفهم لتسأله باهتمام:
_محفزات الكلوستروفوبيا معروفة بس ممكن تتحسن بالعلاج ...مااعتقدش إن دي مشكلة كبيرة.
لكنه هز رأسه موافقاً ليردف دون أن ينظر إليها :
_حالة همسة معقدة...لأن اللي عندها مش كلوستروفوبيا وبس ...الحقيقة إن بعد الموقف ده والانتكاسة اللي حصلت لها الناس كلها بقت تعاملها على إنها مجنونة...صريخ متواصل ...بتسترجع ذكريات حادثة والدتها كأنها عايشاها ...رفض للتواصل معانا ...وبالتالي عزلتها زادت ...لحد ما قضت عليها الصدمة التالتة...

_هو ارتبط ؟!
قالتها باستنباط ذكي ليلتفت نحوها مشدوهاً قبل أن تهز هي رأسها لتردف بأسف:
_رد فعلك بيقول إن استنتاجي صح...غالباً عمك اللي هو والده واللي أكيد ماكانش راضي عن جوازة ابنه ببنت بظروف همسة ...أو عشان يرد لوالدك موقف إنه رفض ابنه ...أو لأي سبب تاني معرفوش ...هو اللي ضغط عليه عشان يرتبط وينساها .

_والدته مش والده !
قالها بابتسامة ماكرة وكأنما أسعده أن يجد ثغرة في استنتاجها لترد بابتسامة حقيقية من ابتساماتها الطيبة التي لا تتكلفها ...
ويبدو أن ابتسامتها كانت من النقاء حدّ أنها لامست جداراً بقلبه ظنه لا يلين ...خاصة مع امرأة مثلها !!
لكنه عاد يشيح بوجهه ليكمل حكايته :
_ليلة خطوبته كنا بنتكلم في مكتبي هنا ...والدي -الله يرحمه- احتد عليه واتهمه بأنه السبب في حالة همسة اللي انتكست ...وطبعاً كان رده إن والدي هو السبب ...ووسط انفعالهم رائد خرج عن شعوره وقالله فيما معناه إنه خلاص هيتجوز ويسيب له بنته المجنونة يشبع بيها .

_ما تقولش إن همسة سمعت!
قالتها بجزع حقيقي أرجف قلبها وهي تشعر بالشفقة على الفتاة التي لم يكن لها ذنب في كل هذا ...
ليصمت هو مؤكداً صحة استنتاجها قبل أن يزدرد ريقه الجاف ليستطرد :
_من يومها حالتها بقت غريبة ومالهاش تصنيف...ساعات يشخصوها فصام...وساعات يشخصوها فقدان ذاكرة جزئي ...الأعراض متداخلة...لكن اللي بيحذرونا منه دايماً إنها ما تشوفوش ...أول ما بتشوفه بتجيلها نوبة تشنج وما بتبطلش صريخ ...ومن ساعتها وهي مقيمة في الملحق الخاص بيها في الجنينة...على طول قدام الشباك المفتوح !

أطرقت برأسها وابتسامة مريرة ترتسم على شفتيها ...
ضحية جديدة لزواج ثان لم يرَ فيها المجتمع سوى كبش فداء !!
أبوها -الحنون- حبسها عقاباً مع معرفته بتاريخ مرضها النفسي ليلقي تهمة انتكاستها على الرجل الذي أحبها !
والرجل -المخلص- الذي أحبها تركها في أول محطة ليرد لوالدها إهانته بوصمها بالجنون !
حتى -أخوها المراعي- الذي يبدو متفانياً لأجلها هذا يعاملها كعار يخفيه في سجن مزين في الجانب الخلفي لحديقته !!
كلهم رجموها بحجر كأنهم بلا خطيئة...
وهي ...هي وحدها الخطيئة !!

_أفهم من كده إنها ما بتشوفش رائد خالص؟!
سألته وهي تنحي مشاعرها السلبية جانباً متشبثة بدرع مهنيتها ليلتفت نحوها متسائلاً:
_عرفتِ منين إن اسمه رائد ؟!
_انت قلته وسط الكلام .
قالتها وهي تهز كتفيها ببساطة فابتسم وهو يتحرك ليقترب منها بقوله :
_واضح إنك كنتِ مركزة قوي .
_انت اللي كنت سرحان وواخداك التفاصيل .
قالتها وهي تشبك أصابعها دون أن تنظر إليه لتسأله بعد صمت قصير :
_العلاقة بينكم شكلها إيه ؟!
جلس على الكرسي المقابل لها متخلياً عن مقعده الأساسي ليجيبها :
_كويسة جداً...أنا أكتر حد هي متعلقة بيه لدرجة إني آخر مرة سافرت رفضت تاكل وتاخد الدوا واضطريت أرجع عشانها ...
_ورائد؟!
تنهد بحرارة ثم مال بجذعه للأمام قائلاً:
_أنا منعته طبعاً يتواصل معاها عشان حالتها ...لكن رائد حالياً هو دراعي اليمين في كل حاجة في الشغل ...يمكن ماسامحتوش ع اللي حصل زمان بس هو أنقذ حياتي في موقف صعب ...وأنا مابنساش الجميل .
فارتسمت على شفتيها ابتسامة تليق بذكاء عينيها الذي توج عبارتها :
_واضح إنك ما بتنساش حاجة خالص...لا الجميل ولا الوحش .

_ده حقيقي!
قالها بعينين ملتمعتين بثقة زادت هالة الجاذبية حوله خاصة وهو منها بهذا القرب لهذا وقفت مكانها تقطع هذا الاتصال الخطير بينهما قائلة:
_ممكن تقوللي هي بتحب إيه ؟!
فابتسم بعاطفة لم يتصنعها وهو يقف بدوره ليجيبها :
_بتحب الفل...منظر الجنينة عموماً...بتحب الألوان الهادية ...بتحب العرايس ...نجاة وكاظم الساهر وموسيقا عمر خيرت ...
هنا ارتفع حاجباها لتقول ببعض الاستهانة :
_تسعة وتسعين في المية من بنات مصر بيحبوا الحاجات دي ...أنا عايزة حاجة غير تقليدية بتمسها هي بشكل خاص .
فعقد حاجبيه وهو يشعر بلهجتها تستفزه ...
صحيحٌ أنه يعترف لها بالذكاء الذي لمسه لكنه لا يتقبل أن يعامله أحد - ولاسيما لو كانت امرأة - بهذه الطريقة ...خاصة وهو يدرك بخبرته أنه كرجل قد مس أنوثتها بطيف ما ...
فلماذا تتعامل بهذه الطريقة الباردة المتعالية ؟!
تظن نفسها ستجذبه أكثر هكذا ؟!
أم هو فقط شعورها ب"النقص"؟!!

عند الخاطر الأخير أدرك أنه لم يعرف عنها سوى القشور ...
طبيبة بسيطة الحال مقيمة في القاهرة من أصل ريفي صغيرة السن لكن الغالبية يشهدون لها بالمهارة...
ترى ما الذي يختفي خلف هذه الواجهة؟!
سؤال من الخطر أن يبقى هكذا بلا جواب خاصة وقد أدخلها بيته لتعالج أخته !!
لكنه تجاهله مؤقتاً ليرد على سؤالها بهزة من كتفيه منحتها الجواب الذي توقعته ...
والذي جعلها تكتف ساعديها لتقول بحزم :
_اتصل برائد واسأله .
كز على أسنانه بضيق حاول مداراته عن ملامحه وهو يفطن إلى ما تحاول إيصاله إليه ...
لكنه تناول هاتفه لينفذ لها ما أرادت ...

_كانت بتحب ترسم ع البيض المسلوق وشوش بتضحك .

إجابة رائد وصلت عبر قناعه الجليدي الذي يخفي كعهده كل انفعالاته فنقل لها زين قوله قبل أن يغلق معه الاتصال ليسألها :
_ممكن أعرف خطتك للعلاج ؟!
صمتت للحظات مفكرة قبل أن ترد باعتداد :
_أشوفها الأول ....بس فيه حاجة هاخدها معايا .

وبعد قليل كانت تخطو إلى جواره من جديد في حديقة البيت متجهيْن نحو الملحق الخارجي هذه المرة...
مشاعرها السابقة بالإعجاب نحوه يشوبها الآن الكثير من التوجس ...
هو ليس "الأمير الوسيم" الملائم لدور "سيندريللا" الفقيرة الذي اختارته لها الأقدار ...
بل هو "ساحر خطير" يختفي في أعلى برجه العاجي خلف بللورة يظنها تريه مصائر الناس...
هي أهلٌ للحرب معه ...لكن لماذا تفعل؟!
أليس من الأفضل أن تنأى بنفسها عن هذا كله ؟!
هل تنقصها التعقيدات؟!

_أنا مسافر ضروري بكرة ...تحبي تكملي شغلك وأنا مش موجود ؟!

انتزعها سؤاله من شرودها لتجيب بنبرتها المعتدة :
_ما أقدرش أحدد أي حاجة غير لما أشوفها ...يمكن تطلع الحالة صعبة عليا وأرفضها .

أشعرته عبارتها بالضيق وهو يحس أنه لأول مرة لا يفهم امرأة !
لقد تصور أن المبلغ الذي عرضه كفيل بحسم موافقتها لكن ها هي ذي تثبت له العكس ...
لو لم يكن المال سيد قرارها فسيتعب كثيراً فيما يريد الوصول إليه معها...
كما أن ذكاءها الذي لمسه يمنحه الكثير من الأمل أن تنتهج نهجاً غير مألوف يساهم في تشافي أخته...
حسناً...
لن يستبق الأحداث لعلها تأتي الرياح بما تشتهي سفنه !

كانا قد وصلا لباب الملحق الخارجي الموصد فمال نحوها ليقول بصوت خافت :
_على طول مقفول لأنها بتحاول تخرج من غير هدف ...من فترة الخدامة نسيت الباب مفتوح خرجت الشارع ولولا حارس الأمن بره كان زمانها ...

قطع عبارته بما بدا مفهوماً فأومأت برأسها لتدخل معه إلى الغرفة ...
الملاك الكسير يجلس مزوياً مكانه بوصف يقارب تماماً ما تخيلته...
تمثال متخشب يرقب الحديقة بعينين زجاجيتين وقد دبت فيه الحياة عندما سمعت صوت أخيها ...
تهب واقفة لتتوجه نحوه لكن رؤيتها لها هي تجعل عينيها الجميلتين تغيبان في شرود زائغ ...

الأخ الذي بدا في أرق حالاته وهو يقترب ليضمها إليه مطمئناً ...
قبل أن يقبل رأسها بينما يمسد خصلات شعرها الناعمة...
يالله !
كم تغبطها الآن !
لا...ليس على زين "الرجل" بل ...زين "الأخ"!
لديها هي أخوان لا تعرف عنهما شيئاً ...
وربما تراهما في الطريق فيمضي كل منهم في طريقه دون أن يبصر الآخر!!
لكن شعور الغبطة هذا غلبه إحساس أكبر بالشفقة وهي تميل للمقارنة الصحيحة ...
هي حظيت ب"ثمر" التي أوصلتها لما هي فيه ...
أما هذه البائسة أمامها فتلقفتها الأيدي حتى رمت بها في بئر اليأس هذا!

لهذا تقدمت نحوها بعينين فاضتا بعاطفتهما قبل أن تمد لها يدها الحرة مصافحة ...
واليد الأخرى كانت تحمل طبقاً عميقاً وضعت فيه عدداً من البيض المسلوق ...
كله كان باللون الأبيض وقد رسمت هي عليه وجوهاً ضاحكة ...
لكنها دست وسطه بيضة مختلفة اللون تميل للون الوردي جعلتها بلا رسم!
هذه التي تعلقت بها عينا همسة قبل أن ترفع وجهها بابتسامة واهنة...
ابتسامة جعلت زين يتنهد بارتياح وهو يعود ببصره لياقوت التي سحبت كرسيها لتجلس أمام همسة قائلة برقة :
_تحبي تلونيها ؟!

لم تكن تعلم قدسية هذه الذكرى بالذات لدى همسة التي دمعت عيناها وهي تضحك ضحكة مختنقة قبل أن تتناول القلم منها لترسم على البيضة...
عين...وعين أخرى ...
نقطة تمثل الأنف...
قبل أن تتلكأ أناملها وهي ترسم الفم...
الفم الذي كان من المفترض أن ترسمه يضحك لكن النتيجة كان وجهاً بائساً مع دمعتين على الجانبين ...
انعقد حاجبا زين وهو يلتفت نحو ياقوت التي ربتت على كتف همسة بينما تضع الطبق جانباً لتقول بصبر:
_كل يوم هاجيلك نرسمه تاني ...أول ما ترسميه بيضحك هامشي ومش هارجع .

رفعت إليها همسة عينين زائغتين قبل أن تسحب كرسيها بعيداً لتعطيهما ظهرها وقد عادت "نداهة" عالمها القاهرة تسحبها من جديد ...

هنا وقفت ياقوت لتشير لزين إشارة خاصة قبل أن تخرج معه من الغرفة التي أغلقها خلفه ...

_أنا قبلت الحالة !
قالتها بحزم لترتخي ملامح وجهه بارتياح ناسب قوله :
_مجرد تقبلها لأي فعل تعمله معاكِ ده في حد ذاته كويس جداً.
_عشان كده قلت لك قبلتها .
قالتها بنفس الاعتداد لتستأنف طريقها نحو بوابة الخروج بينما هو يلحق بها مع استطرادها:
_عندي تصور معين ...هاستشير فيه كام أستاذ من أساتذتي وعلى هذا الأساس هحط خطة علاج...هاحتاج آجي هنا كل يوم ...

_للأسف....وعليه العوض في أجرة التاكسي!
والعبارة الأخيرة تمتمت بها سراً بالطبع متحسرة على المال المفقود لكن شعلة طموحها طغت عليه وهي تستطرد جهراً من جديد :
_ظني إن الحالة مش صعبة ...هي بس مااتشخصتش كويس.

_أنا مش هابقى هنا لمدة كام يوم ...هتابعك بالتليفون .
قالها بما بدا كاعتذار فالتفتت نحوه لتأسرها عيناه اللتان التمعتا في ضوء الشمس كسراجين من ذهب!!

_خسارة ...هتوحشني يا حليوة!
"العفريتة العابثة" تعاود لهوها بداخلها لكنها تقهرها بقولها المعتد بينما تعطيه ظهرها لتغادر :
_ما تتعبش نفسك ...لو احتجت حاجة هابقى أتصل بيك .

ظل واقفاً يراقب انصرافها بابتسامة تتسع رويداً رويداً...
ثيابها الهزلية التي انتهت موضتها من التسعينات تقريباً مع هذا الحذاء القديم الذي يبدو وكأنه يسب البائع الذي أوصله إليها!!
مع حقيبتها التي تقشر جلدها في أكثر من موضع لكنها تتظاهر أنها لا تراه ...
كل هذا لا يتسق مع سابق فكرته عنها ...
لو كانت طامعة بالمال فلماذا لا تستفيد به ؟!!

لغز!
هذه المرأة لغز ولن يهنأ حتى يفك طلاسمه لهذا عاد أدراجه للبيت قبل أن يتناول هاتفه ليتصل برائد قائلاً:
_ياقوت وافقت تكمل علاج همسة...عايز أعرف عنها كل حاجة قبل بكرة الصبح .
=======
_إزيك يا عمو؟!
قالها سيف بحرج خنق صوته وهو يدلف لداخل البازار بعدما اطمأن لوجود علاء وحده .
علاء الذي أشاح بوجهه عندما رآه ليتقدم هو أكثر وينحني ليقبل رأسه مردفاً :
_أنا آسف...أرجوك سامحني.

تنهد علاء ثم مط شفتيه باستياء ليشير له بالجلوس قائلاً ببعض الغلظة:
_لولا إن السوق نايم النهارده ومش لاقي حد غلس غيرك أكلمه ...ماكنتش قبلت اعتذارك.
ابتسم سيف وأنفه يحمر ارتباكاً رغم أنه كان يعلم أن عودة الرجل لدعاباته تعني أنه قد بدأ يتفهم ...

_رامز قاللك ع اللي حصل ؟!
سأله علاء متفحصاً ملامحه ليجيبه سيف بانفعال نادم:
_أقسم لك يا عمي ما كنت أعرف.-..والدتي قالتلي نص الحقيقة وأنا ...
أشار له علاء بالتوقف ليقاطعه بقوله :
_انت بالذات مكانش ينفع تغلط الغلطة دي ...مااتعلمتش من زمان يا سيف؟!
لهجة الرجل كانت تحمل الكثير من العتاب الأبويّ الصادق الذي جعل عيني سيف تدمعان وهو يشيح بوجهه قائلاً بصوت متحشرج:
_معاك حق يا عمي.

ثم صمت لحظة ليشبك أصابعه بقوله :
_عموماً أنا فهمت إسلام الحقيقة...وجيت عشان أعتذر لحضرتك.
_وصاحبة الشأن نفسها؟!
سأله علاء بمكر ليجيبه سيف باستسلام :
_اللي حضرتك تشوفه.

_اللي أشوفه إن حضرتك تتفضل معايا ع المزرعة...تعتذر لغادة بنفسك .
قالها علاء وهو يقف ليتناول سترته من خلفه فوقف سيف بدوره ليتلفت حوله بارتباك :
_هي مجتش النهارده .

فتأبط علاء ذراعه ليخرج معه من البازار حيث تعاونا في إدخال الأشياء تأهباً لإغلاقه...

_غادة روحها في الأرانب ...والأرانب عندي عيانة ...غالباً دور عطس وزكام...كده كده جاي في وقتك يا دكتور ...نقول يا "دكتور الأرانب" المرة دي!
ضحك سيف وهو يسير معه نحو سيارته التي استقلاها لينطلقا بها ...

_صاحبك عايز إيه من غادة ؟!

سأله علاء وهو يشغل المذياع على لحن عربي قديم ليصمت سيف حرجاً...
فابتسم علاء ليجيب نفسه بنفسه :
_صاحبك عينه منها بس ما ينفعش.

_ليه؟!
قالها وهو يلتفت نحوه ورنة الارتياح التي كست صوته تثير القلق في نفسه ...
ماله هو إن كان إسلام سيتزوجها أو لا ؟!
هو لا يعلم ...
هو فقط يدرك أنه ليس مناسباً لها ...
أو ربما هي ليست مناسبة له ...
أف!
هو لا يدري...
هو ارتباط سيفشل فحسب!

_غادة قاست كتير وعايزة راجل بجد يصونها ...صاحبك هوائي ...كل يوم بمزاج ...أنا عارف إنه لو اتجوزها هيتكسف يأذيها عشان خاطري...بس الجواز لو مش بين اتنين متوافقين بيبقى زي الطبيخ البايت ...مالوش طعم !

قالها علاء مركزاً بصره في الطريق قبل أن يبدأ في الدندنة مع اللحن ...
فابتسم سيف وهو يسترخي بدوره في كرسيه ...
هذا هو رأيه هو الآخر ...
غادة هذه تحتاج لرجل من نوع خاص ...
رجل يدرك قيمة جمالها الكارثي هذا فيخفيها عن العيون حفظاً...
يتفهم ما عانته في حياته فيغرقها دلالاً...
لكن إسلام!
سيمضي يتباهى بها فقط ولن يبالي!

لكن ...وماله هو؟!
هذه المرأة خطر يهدد كل من يقترب ...
وهو حرم على نفسه النساء نكالاً بما كسبت يداه !

توقفت خواطره مع توقف السيارة التي ترجل منها علاء ليلحق هو به قبل أن يدلفا للحديقة حيث استقبلتهما إيناس ببشاشة وقد أنبأتها ملامح زوجها أن سيف قد جاء ليعتذر ...

_غادة هناك عند الأرانب ...تعال نروح لها .
قالها علاء وهو يتقدم معه نحو المكان المخصص للأرانب في المزرعة التي يحفظ تفاصيلها سيف عن ظهر قلب ...
ولم يكد يلمحها حتى تجمدت ملامحه وجسده تجتاحه رجفة خاصة...
كانت ترتدي معطفاً بتصميم شهير هنا في اسطنبول...
لكنه كان يشبه تماماً نظيره لدى ...
"آنجيل"...أو "انجي" كما كانت تحب أن يدعوها !

_أسوأ حاجة بتقابل الست في مجتمعنا الشرقي إنها دايماً مضطرة تدافع ...عن أخلاقها ...عن شرفها ...عن نجاحها ...عن بيتها ...كل حاجة بتحصل غلط بيحملوها مسئوليتها ...لازم هي اللي تحاسب ع المشاريب آخر القعدة زي ما بيقولوا !

والعبارة طفت لذهنه كذكرى أخرى من ذكرياتها التي لا تكاد تفارقه ...
بكل تفاصيلها الشهية المفقودة ...
حتى حرف السين خاصتها الذي كانت تقلبه ثاء في حركة كانت تثير سخريته أول تعارفهما قبل أن يعشقها كما عشق كل ما فيها ...

لكنه نفض عنه هذا الخاطر عندما زاد اقترابه ليتفحص ملامحها البائسة وهي تمسد ظهر أرنب صغير على حجرها ...

_نحن هنا!
قالها العم علاء بمرح فانتفضت مكانها لتقف عندما لمحت سيف ...
ملامحها البائسة تحولت لأخرى متحفزة خاصة عندما هتف علاء بمشاكسته المعهودة :
_الولد ده ...جاي يعتذر .
ثم التفت نحو سيف مردفاٌ بينما يربت على كتفه :
_قصدي سيد الرجالة !

ابتسم سيف بحرج وهو يمسد شعره بأنامله فشعرت غادة هي الأخرى بالحرج لكنها قالت بنبرة محايدة :
_مفيش داعي للاعتذار ...كان سوء تفاهم وراح لحاله .

قالتها وهي تضع الأرنب المريض جانباً لتهم بالانصراف لكن علاء استوقفها بقوله :
_دكتور سيف جاي يشوفهم بالمرة يكتب لهم دوا .
تنحنح سيف بارتباك وهو يتقدم ليتفحص الأرانب قبل أن يقول بنبرة جادة :
_دور برد عادي ما تقلقش...هنديهم حقن تتراسيكلين تلات أيام...وندوب قرصين صداع في شوية ماية ونديهالهم...والأكل بصل أخضر أو قشر بصل ناشف بس.

_طيب هارجع أنا أجيب الدوا بسرعة على ما إيناس تحضر الأكل .
قالها ليتركهما وحدهما دون أن يترك لهما فرصة الاعتراض فتأهبت غادة لتغادر خلفه لكن سيف استوقفها بقوله :
_أنا آسف!

أطرقت برأسها دون رد وأناملها تلاعب دبلة أحمد بحركة عفوية لم تعد تفارقها ...
حركة تعلقت بها عيناه لتزيد من شعوره بالذنب مع استطراده :
_أنا كلمت رامز وحكالي على كل حاجة...
ثم ابتسم بالمزيد من الحرج ليردف:
_هو كمان وصاني أعتذر لك لأنه غلط في حقك قبلي ...لولا انشغاله بحادثة هانيا كان كلمك بنفسه .

_هانيا؟! مالها؟!
هتفت بها بجزع ليغمغم بمزيد من الارتباك :
_انتِ ما تعرفيش ؟!

نظرتها المرتعبة كفتها الجواب ليخبرها بما حدث ...
دموعها الصادقة كانت تنهمر على وجنتيها بحرارة وهي تضع راحتها على شفتيها لتتمتم أخيراً:
_من ساعة ما جيت وأنا بحاول أكلمها بس موبايلها مقفول ...ليه ما قالتليش كنت نزلت مصر ؟!
_هي بقت أحسن وكمان رامز بيسعى عشان يرجعوا لبعض!
قالها مهدئاً لتشرق ملامحها نوعاً مع تساؤلها:
_بجد؟! حقيقي؟!
فالتمعت عيناه برضا ممتزج بالإعجاب وهو يميز لهفتها الحانية على صديقتها ليومئ برأسه إيجاباً قبل أن يقول بينما يستخرج هاتفه من جيبه :
_خدي رقمها الجديد واطمني عليها بنفسك !
قالها ليمليها رقم هانيا الجديد ولم يكد ينتهي حتى شكرته برقة ...
فتنحنح ليقول بارتباك :
_أفهم من كده إنك قبلتِ اعتذاري؟!

رفعت إليه عينيها تتفحص ملامحه ببعض الدهشة ...
كانت المرة الأولى التي ترى فيها رجلاً يحمر أنفه وأذناه مع ارتباكه ...
وجهه لوحة معبرة عن مشاعره سواء في غضبه أو في حرجه ...
هانيا كانت تصفه دوماً ب"النفري"!
في إشارة منها لفشله الاجتماعي وحبه للعزلة...
حتى محاولات والدته لتزويجه باءت جميعها بالفشل...لتبقى سمعته ك"عازب أبديّ" تلاحقه ...
علاقته برامز لم تكن جيدة فهو-سيف- لم يكن راضياً دوماً عن طريقته المتهورة كما كانت هانيا تخبرها ...
رجل ٌ يوحي بالنفور لكنها -وللعجب- تشعر بشفقة غريبة نحوه ...
عيناه العميقتان تصرخان بحزن صامت ...
ومن مثلها يمكنه تمييز الحزن الأخرس في الأحداق؟!

هو الآخر كان يتأملها بنظرة مختلفة هذه المرة ...
وجهها النقي الباكي بحنان يختلف كثيراً عن ذاك الذي رآه يوماً ملطخاً بأصباغه ...
ابتسامتها الهادئة تناقض ضحكاتها العابثة وقتها ...
حتى خصلات شعرها التي بدت منابتها فقط تحت حجابها يبدو أنها تخلصت من لونها القديم المثير ...
لكنها لا تزال تحمل نفس السحر الغامض في العينين النابضتين بالفتنة !

_عمي علاء بيقول إنك مغرمة بالأرانب ...اشمعنا الأرانب مش الخيل مثلاً؟!

سألهامحاولاً الهروب من أفكاره لتشرد ببصرها وقد بدا سؤاله البسيط يحمل ذكرى خاصة لديها :
_يمكن عشان عشت فترة طويلة من عمري أرنب ...خايف ...ضعيف ...بيهرب ويستخبى .
_وما عدتيش.
أفاقت من شرودها لتنتبه لكلمته التي لم تدرِ هل تتلقاها كسؤال أم جواب ...
لكنها غمغمت بيقين :
_وما عدتش !
ارتسمت على شفتيه ابتسامة إعجاب أثارت خجلها لتعتذر منه كي تغادر ...
خطواتها تتعثر على العشب بارتباك كرهته في نفسها ...
والسؤال الغريب يتجمع كعلامة استفهام كبيرة في ذهنها ...
لماذا أثارت ابتسامته خجلها بينما لم تكن ابتسامة إسلام تثير إلا غضبها ؟!!
لماذا؟!
=========
_كيف تسمح لزين هذا أن يأتي إلى هنا؟!
هتف بها عابد باستنكار وهو يتبين وجود زين مع ياسمين بالخارج ليجيبه وجدي بضيق:
_أنا اتفاجأت بزيارته زيك بالضبط...غالباً لما عرف من ياسمين اللي حصل جه يطمن .
_بأي صفة ؟! ياربي....ستصيبني ياسمين هذه بالجنون !!
صرخ بها عابد بغضب ليربت أبوه على كتفه مهدئاً بقوله :
_اهدا يا شيخنا...احنا اتفقنا على إيه ؟! ياسمين مش في حالتها الطبيعية وأي محاولة للضغط منا هتخلليها تتمرد أكتر ...لاحظ كمان إنها مش قاصر ...ممكن تعمل أي حاجة تطق في دماغها ...خللينا جنبها يمكن نقدر نلحقها من لحظة جنان مش محسوبة.
لكن عابد هز رأسه بعدم اقتناع ليقول وقد صبره:

_كنتُ محقاً عندما هاتفت زوجها ليأتي إلى هنا...إن من بدأ المأساة ينهيها كما يقولون.

_إيه ؟! كلمت يامن ؟! قلت له إيه ؟!
هتف بها وجدي وقد أُسقط في يده !!
هو لا يدري ماذا سيكون رد فعل ياسمين على أمر كهذا ؟!

_أخبرته بالحقيقة...أنا فعلت ما يبرئ ذمتي.

_ليه كده يا عابد ؟!
قالها وجدي بضيق وهو يضرب أحد قبضتيه براحة كفه الآخر ليجيبه ابنه مبرراً :
_هل نسيت كيف كان حالها في المشفى فور وصولها ؟!



_أرجوك يابابا ...خلليهم يعملوا اي حاجة ويلحقوها...مش مهم أنا المهم هي تعيش ...أرجوك يا بابا اتصرف ...لو خسرتها مش هاستحمل...مش هاستحمل بجد المرة دي!

كل هذا بلا دموع !!
الحدقتان التائهتان بين موج الفقد والخذلان كانتا أكثر فقراً من أن تجودا بالدمع!!
حتى وهي تتشبث بكفه في استماتة على سريرها الذي خضبته دماء نزفها ...
حتى وهي تطلق أنّات خوفها واستغاثتها ...
وحتى وهي ترجو الجميع من أكبر طبيب لأصغر ممرضة ألا يهتموا بها هي وأن يجعلوا حياة جنينها أولاً!
ربما ...
ربما لو عادت دموعها لعادت معها ياسمين التي يعرفها ...
والتي صارت الآن مجرد لوح من ثلج !

_ياسمين تحبه ...لا تقنعني أن تتشبث امرأة بجنينها إلى هذا الحد وهي تكره أباه .
انتشله بها عابد من شروده في تلك الساعات القاتلة التي تلت سقوطها في الشارع وحتى انتهى الأمر بسلام ...
عابد محق ...لكن الأمر ليس بهذه البساطة !
كفرها بهذا الحب لا يعني أنه ليس موجوداً!
لكن ما نفع النبع لو لفظت عطاءه أرضٌ جدباء؟!


وبالخارج كانت ياسمين تجلس مع زين في صالة المنزل منكسة الرأس ...
خصلات شعرها التي تقصفت لم تكن أفضل حالاً من بشرتها الشاحبة ...
ترتدي الوردي الذي هو أبعد ما يكون عن مزاجها ...
وتبتسم مدعية سعادة هي أبعد ما تكون عنها :
_ما كانش ليه لازمة تتعب نفسك وتيجي ...انت كنت لسه هنا .

_ما قدرتش أفضل هناك وما أطمنش بنفسي .
قالها زين بودّ لايدعيه وهو يشعر بأسف يجتاحه!
"كنزه" القديم في روحها يبهت بريقه يوماً بعد يوم !!
تكلُفها هذا يزيد يقينه أنها لا "تستطيع" تجاوز هذا الحد معه ...
أو ربما "لا تريد"!!
ياسمين التي يعرفها لم تكن تتصنع ...
كانت تجيد الحديث كما تجيد الصمت ...
تجيد إطلاق صيحة الألم كما تجيد زغرودة الفرح...
كانت تبكي ...تضحك...تشكو ...تنصح ...
كانت ببساطة تعيش!
أما هذه ؟؟!!!

_وجودك فرق معايا فعلاً...شكراً!
قالتها بنبرتها المموهة لتلتوي شفتاه بابتسامة واهنة...
لا يبالغ لو وصفها بأنها "أكذب" عبارة سمعها!!
كيف وهي غائبة بشرودها عنه في حضوره مكتفية بردود حيادية تجتاحها أحياناً مبالغات في وصف امتنانها له ؟!!
كيف وهي تتحاشى نظراته بعينين تسجنان الألم خلف رفرفة الأهداب؟!
كيف وهي تمنحه عوضاً عن "الياسمين" عوداً جافاً من حطب؟!

_أعمل إيه عشان ترجعي تضحكي الضحكة بتاع زمان ؟!
قالها بنبرته المميزة التي تمزج اللطف بالهيمنة لترتجف شفتاها بما بدا كابتسامة مع قولها وهي تشبك كفيها:
_مادام بتحاول يبقى هتوصل...أنا واثقة فيك .

_أنا اطمنت من الدكاترة عليكِ وع البيبي ...بس برضه لازم تاخدي بالك .
_ياااه يا زين! ما تتصورش الرعب اللي عشته يومها ...أنا كان ممكن أموت لو جرالها حاجة...دي خلاص بقت أغلى حد عندي.
قالتها بنبرة تشقق جليدها لتبدو منه أشعة إحساسها الصادقة ...
فابتسم ليمنحها وعده :
_ما تخافيش ...حافظي انتِ بس عليها لحد ما تيجي بالسلامة وبعدها أوعدك محدش هياخدها من حضنك.

اجتاحت شفتيها ابتسامة مريرة وهي تدرك مغزى وعده ...
من يخاف أن يسلبها ابنتها ؟!
أبوها مثلاً؟!!
أبوها الذي -في ظروف مماثلة - لجأ للعبة زواج كي يتخلص من هذا الوزر؟!!
أبوها الذي لا يعلم شيئاً عنها ؟!!
أبوها الذي حتى لو علم فسيبقى رأسه يدور في فلك الشك الأسود أنها ليست أصلاً ابنته ؟!!

انقطعت أفكارها برنين جرس الباب الذي توجهت الخادمة كي تفتحه ...
وتفتح معه أبواب المواجهة....
========
لو كنا في فيلم سينمائي لربما اختار المخرج أن يجمد الكادر على هذه اللقطة ...
ربما منحتك وجوههم طابعاً عما يشعر به كل منهم الآن ...
لكن -لحسن الحظ - أنني هنا أملك ما هو أكثر ...
أملك وصف هذه المشاعر التي اكتسحت كل منهم كإعصار لا يبقي ولا يذر !

أهونهم في رد الفعل كان "الصياد " الذي شعر بالخطر !
عيناه تحيدان بسرعة نحو ياسمين يدرس رد فعلها التي كانت شديدة العفوية ...عظيمة المعنى!
فما إن وقعت عيناها على يامن حتى هبت من مكانها لتندفع في اتجاهه خطوة وكأنها ستهرع إليه تعانقه قبل أن يتجمد جسدها كله مكانه ...
حتى ذراعاها بقيتا معلقتين في الهواء لثانية ...
ثانية واحدة قبل أن تغمض عينيها بقوة لتأخذ خطوتها التالية ...
جواره هو!!!
لهذا انعقد حاجباه بقوة وهو يقف بدوره ليمنحها خطوة أخرى زادت تقاربهما أمام هذا الذي كان يتقدم نحوهما وعيناه شعلتان من نار !!!

يالله!
أخوها كان صادقاً؟!
وهو الذي قضى الساعات الفائتة كلها يكذبه ؟!!
بطنها البارز يفضح كذبتها "الثانية" ...
ووجود هذا "الوغد" هنا جوارها يذكره بكذبتها "الأولى"!!!
المشاهد تغزو عقله "المريض" تباعاً لتنهشه بمخالب الوحش القديم ...
والقلب "المخذول" بين قضبانه ماعاد يملك ما يدافع به !
لم يشعر بحاله وهو يجد نفسه على بعد خطوتين منهما ...
عيناه الذبيحتان بالمنظر لم تحتمل طعنة أخرى بالنظر نحوها وهي تجلس بثوب مكشوف كهذا مع هذا الرجل وحدهما ...
لهذا تسلطت قذائفه على زين فقط ليهتف من بين أسنانه :
_انت بتعمل إيه هنا؟!

فارتفع حاجبا زين باستهانة ليختلس نظرة نحو ياسمين المرتجفة جواره والتي تحاول مداراة انفعالاتها برأسها المرفوع للأعلى ...
ربما لو كانت امرأة سواها لأطرقت برأسها متى أرادت استجماع قوتها ...
لكن ياسمين ذو الفقار لم تكن لتحني رأسها أبداً في موقف كهذا !!
لهذا وجده دوره كي يؤازرها في هذا الموقف أمام هذا الرجل الذي لا يفهم بالضبط ماذا يريد !!!!
ألم يذهب إليه بنفسه منذ بضعة أشهر يريه ندبة حاجبه ويحكي له ما يبرئ من كانت زوجته ؟!!
ألم يرفض من وقتها تصديقه وتجاهل كل ما سمع ؟!!
أين كان من عذاباتها وانطفاء روحها طوال الأيام السابقة ؟!
ما الذي جاء به هكذا فجأة إلا لو كان علم عن حملها ؟!!
ماذا؟!
يظن نفسه سيعيد امرأة كياسمين لعصمته كجارية فقط لأجل الطفل؟!!

_أنا هنا من زمان ...انت اللي بتعمل هنا إيه دلوقت؟!

قالها زين بنبرته الرصينة ليتلقى الرد في لكمة !
لكمه يامن على فكه مباشرة لكن استجابته وصلت سريعة في لكمة أخرى ليامن ...
ليتحول الأمر إلى صراع بالأيدي مع صراخ الخادمة الذي جعل وجدي وعابد يخرجان من الغرفة يحاولان إيقاف هذين الديكين المتصارعين ...

ولم يكادا يباعدان بينهما والأنف الدامي لكليهما يفضح ما كانا ينتويان إكماله حتى هتف وجدي بهلع:
_معقول كده ؟! سبتوا إيه لولاد الشوارع؟!
ثم التفت نحو ياسمين مردفاً:
_ادخلي انتِ جوه...أنا هاتصرف!

لكنها لم تحرك ساكناً وعيناها الدامعتان تزيغان في الفراغ ...
من يراها بهذا الجمود لا يكاد يصدق أنها بداخلها ...تتمزق!!
روحها تتمزق حرفياً قطعة قطعة ...
كل قطعة تصرخ باسم حبيبها قبل أن تنصهر في جحيم صاغه كبرياء و"هوس"!
هوس امرأة عاشت عمرها كله ترنو للكمال حتى إذا وصلت لشمسه احترقت جناحاتها بخطيئتها لتهوي في بئر دون قرار!

الهوس الذي احتمى خلفه عقلها بقناعاته الجديدة :
_يامن هنا؟!
_ومن يهتم؟!
_جاء لأجلك!
_متأخراً حد السخرية!
_يصارع زين؟!
_لن يفوز!
_يصارع نفسه؟!
_لن يفوز!
_يصارعك أنتِ!
_إذن ربما !...لا ...لا ...!أيضاً لن يفوز!

هكذا قهرت كل ضعف خواطرها لتستعيد ملامحها الجامدة بعض الحياة وهي تمد أناملها تحتضن بطنها بكفيها ...
لتعاند رغبة أبيها بصمت فزفر الأخير ليعود ببصره نحو زين قائلاً:
_اتفضل اخرج دلوقت ....خلليني أحل الموقف .

شعر زين بالتردد وهو يجول ببصره بين الجميع يدرس الموقف ...
هو لا يهمه هنا سوى ياسمين !
لا يريد تركها وحدها في هذه المواجهة خاصة وهي في حالتها هذه ...
لكن ياسمين نفسها لن تغفر له لو بقي اعترافاً منه بضعفها ...
هي تحتاج منه في هذه اللحظة "الإيمان" أكثر مما تحتاج "السند" !
وهو يؤمن حقاً بقدرتها ...وإلا لما صبر كل هذا في سبيل امتلاك كنزه !
لهذا قرر الانسحاب رغم أنه لم يكن يوماً ممن يتركون نزالاً بهذا اليسر مع رجل لا يعرف ماذا يريد كيامن هذا!

نظرته الأخيرة لياسمين حملت لها كل دعمه وثقته قبل أن يغادر بخطوات ثابتة وكأنه لم يخض شجاراً منذ دقائق!!!
ولم يكد يفعل حتى هتف عابد مخاطباً ياسمين بثورة فقدت كل حدود تعقلها :

_كل هذا بسببك ...أنتِ لا تحترمين ....
والمقاطعة جاءت من يامن الذي تحرك ليخفي ياسمين خلف ظهره مع قوله الصارم :
_لحد كده كفاية ...محدش يتدخل بيني وبين مراتي!
=======
الآن أتفهم غضبتك إذ كيف تمنحني "كيسك" الفخم وأنا "الجاحدة" لا أقدر جزيل عطائك...
لكن هلا تفهمت أنت -عزيزي- أن "كيسك" الباهظ هذا كان...مثقوباً؟!
"نرمين نحمدالله"
========
عبارته كانت من الحزم بمكان حتى أنها جعلت وجدي يجذب عابد نحوه مهدئاً وهو لا يدري بماذا يرد ...
كان يدرك أن العاصفة قادمة من هذه التي استفزتها عبارته لتصرخ من خلف ظهره :
_مراتك ؟! مين دي اللي مراتك ؟! انت أكيد اتجننت !
فكز يامن على أسنانه بقوة دون أن يواجهها كاظماً غيظه قدر استطاعته ...
بينما كان وجدي يدرك جيداً ما يعانيه يامن...
ومع رغبته -الخفية- في رأب الصدع بينهما قال أخيراً وهو يشير للغرفة المجاورة :
_ادخلوا اتكلموا براحتكم ...واللي هتقول عليه ياسمين أنا معاها .

رمقه عابد بنظرة مستنكرة واثقاً من رعونة أخته لكن وجدي كان يتفهم أن العبارة الأخيرة تحتاجها ياسمين في هذه اللحظة بالذات ...
تحتاج الدعم أولاً ...الأرض الثابتة التي تحتضن قرارها ...وهو ما يملكه لها الآن على الأقل!


الباب المغلق الآن يخفي خلفه رجل وامرأة ...
أقرب ما يكونان ...وأبعد ما يكونان !
القلب مخذول...والروح مكسورة...والكبرياء الجريح يطير مترنحاً بجنون كاسرٍ تُخشَى مخالبه !!!
ولا تزال العيون تجبن عن التلاقي!!
تعطيه ظهرها لتتحرك مبتعدة خطوتين ...
ويبقى الصمت حائطاً يلتجئ إليه من لا ملجأ له إلا إليه !
تحتضن جسدها بساعديها وهي تحاول إخراس نبض روحها التي لا تزال تجد شفرتها الوحيدة معه !
ملكة مهزومة !!
هكذا كانت معه من البداية للنهاية ...
لا...لن تغرها قلائل أيام هدنة منحتها -حينها- إكليل نصر زائف!!

وخلفها كان هو الآخر يخوض صراعه الخاص ...
سلطان وساوسه يضحك ضحكة متشفية من طول دفاع قلب أحمق...
وبينهما عينان تمشطان تفاصيلها بنَهَم جائع!!
شعرها الحبيب الذي استطال كثيراً يتغنج بدلال على ظهرها داعياً أنامله لتضفيره ...
جسدها المرتجف الذي يداري وهنه خلف وقفة متماسكة يستصرخه أن يضمه ...
فقط لو تستدير ليملأ عينيه من صورة "ثمرة عشقهما" التي ستبقى تجمعهما مهما تشدق الفراق بحتمية حصوله !!
ووسط هذه الحرب التي كانت تفتت كيانه تحرك أخيراً ليقف في مواجهتها ...
عيناه مسلطتان على بطنها البارز وهو يشبك قبضتيه جواره ليقول أخيراً بنبرة غريبة :
_كذبتي عليا تاني؟!

_ماكذبتش...قلت لك خسرته وانت فعلاً خسرته...
قالتها بنبرة بدأت جامدة ليكتسحها بعدها انفعالها وهي تردف :
_ده ابني أنا ...أمنيتي اللي عشت عشانها طول السنين اللي فاتت ...حلمي اللي مش هاسمح لك تدمره بأنانيتك وشكوكك.

لم تتلقّ رداً وكانت أجبن من أن تواجه لترى أثر كلماتها ...فأغمضت عينيها بقوة ...
لا تدري أيهما الآن صار أكثر ارتجافاً جسدها...أم صوتها:
_مالوش لازمة وجودك هنا دلوقت...احنا خلاص انتهينا ...ماعادش بيننا حاجة.
_بيننا ابني!
يقولها عبر عينين مشتعلتين بنبرة صاغها ألف شيطان لتجيبه بكلمات يسوقها ألف ألف مارد :
_إيش عرفك إنه ابنك ؟! مش يمكن....
والعبارة أخرستها صفعة !


أنامله التي ظل يحبسها منذ أول اللقاء تحررت أخيراً لتنتقل من وجنتها إلى خصلات شعرها التي جذبها ببعض العنف نحوه لتلتقي العيون أخيراً صارخة بكل هذا النزف من المشاعر ...
قبل أن تلتقي الشفاه !!
ذراعاه تضمانها إليه بقوة لتخونه آهة خافتة وهو يشعر بمذاق عناقها مختلفاً عن آخر مرة ...
وكيف لا ؟!
وبطنها البارز يمنحه هذا الشعور الفريد بأنه ينتظر قطعة منه ومنها ؟!!
هذا الشعور الذي جعله يرتجف حرفياً وهو يكاد يذيبها في جحيم ضلوعه ...
فوضى!!!
كل ما يشعر به الآن هو فوضى!!
بانوراما مجنونة من أحاسيس تمزقه بضراوتها ...وتناقضها!!!
غضب ...واشتياق...تشتت...وسكينة...أس ف ...وعتاب...
كيف يسعفه لسانه في وصف ما يشعر به ؟!
فليترك العنان إذن لشفتيه تنطلقان دون قيود ...

صفعته لم تكن لأجله...كانت لأجلها!!!
ماذا؟!
تراه قد عز عليه أن تلصق امرأة مثلها هذا الاتهام البشع بها ؟!
أم تراه أدرك أنها فقط ترد له بضاعته عندما صدق خيانتها يوماً؟!!
هذا الإدراك الأخير الذي أثار جنونه وهو يتبين أن المرأة التي تفعل مثل هذا هي أشد نساء الدنيا زهداً فيه !!
دوامة خلف دوامة ...
وهو بينها غريق فقد حتى "القشة" التي يتعلق بها!

وبين ذراعيه لم تكن هي أفضل حالاً ...
لماذا صفعها ؟!!
إنه لم يفعلها حتى في تلك الليلة التي واجهها فيها بخطيئتها!!
لماذا عجز عن التحكم هذه المرة كما وقتها ؟!!
آآه!
ألم...ألم....ألم!!!
ألمٌ خالص نقي دون شائبة تصرخ به كل خلية منها بلا صوت !!
ألم الصفعة...ألم شده لشعرها ...ألم اعتصاره العنيف هذا لها ...
كل هذا لا يساوي شيئاً أمام ألم مواجهتها لنفسها !!!
صورتها التي طالما تباهت بكمالها في عينيه الآن تلطخها حمرة "خطيئة " ماضٍ بل ...وحاضر!
صورتها جوار زين والتي تثق أنها كانت بطلة كوابيسه الأيام السابقة الآن ستؤازرها صورة أخرى مشابهة
...
لكن ...هل تهتم ؟!!
إذا كان حبها الأسطوري طوال هذه السنوات لم يشفع لها ...
فما تراه يشفع ؟!!

لهذا تشدد جسدها في رفض واضح لما يفعله ...
قبل أن تتراخى بين ذراعيه كدمية مقطوعة الخيوط !!
لهيب قبلاته لم ينجح في إذابة ثلوج امرأة كانت تكفيها منه يوماً همسة ...
لقد فقد "الأنثى"لتعود بين يديه كما كانت في البداية ...
مجرد "طفلة" تتسول "أبوّة"قلبه!
مجرد طفلة مذعورة تخشى الظلام...تخشى اللمس ...
والأسوأ أنها الآن تخشاه هو !!

لهذا كان في أضعف حالاته وهو يبعدها أخيراً ليسند جبهته على جبهتها ...
هي لم تعد ...هي!!
قلاع حبه التي تشاركا يوماً زهوهما به ...الآن جعلتها الرياح هباء منثوراً!!
لكن ...لو أحبته حقاً كما زعمت لما سمحت بإدخال آخر مكانه بهذه السرعة !!
لما عاد بعد كل هذه الفرقة ليجدها معه !!
تباً!!
لو لم تكن حقاً تكن له شعوراً خاصاً فلماذا سمحت لرجل شاركها الفضيحة أن يشاركها ولو لحظة من العمر بعدها ؟!!
لا ...لا يتعجب وجود زين فقد كان صريحاً معه ليلتها أنه لن يضيع فرصته مادام هو قد ضيعها ...
لكن ما أثار عجبه -بل هلعه - أن تجد هي الأخرى لنفسها معه فرصة ...
إلا إذا....؟!!

لا ...لا ...
لا تعد لهذه الدوامة ...
لا تستسلم لسلطان شكك من جديد !!
قاوم ...قاوم ...

لكن مشاهد الفيديو تعاود قصف ذهنه...
تدور ويدور معها ...
لتنتهي بمشهدها الآن وهي جالسة معه هكذا متكشفة ...متباسطة ...
آه !
صرخته الصامتة تدوي كقنبلة تنتشر شظاياها في أعماقه ليجد نفسه ينهار أرضاً وذراعاه يهبطان معه!!!!

أنامله المرتجفة تكاد تنغرس في بطنها البارز ...

_يارب...يارب!
يتمتم بها بصوت غير مسموع وهو يطرق برأسه لا يكاد يجد له شاطئاً وسط زئير هذا الموج إلا إيمانه !!
ماذا بقي لرجل يجثو تحت قدمي امرأة تزعم أن من في بطنها ليس ابنه ؟!!
ماذا بقي له إلا أن تتلقفه مخالب وساوسه؟!!

أما هي فلم تكد تشعر به يبعدها عن ذراعيه حتى اجتاحتها عاصفة من جليد ...
ارتجافة جسدها تزداد وهي تراه هكذا جاثياً مطرق الرأس وأنامله تكاد تحفر بطنها حفراً...
غداً...ربما ستجد دموعها المفقودة !
ساعتها ستبكي هذه اللحظة كثيراً...
ستعتبرها أقسى ذكرى تركها لها ...وما أكثر ذكرياته القاسية !!!

_الكلمة وجعتك قوي كده ؟! مش ده اللي انت صدقته ؟! مش ده اللي انت خليت الناس كلها تصدقه لما اتخليت عني وقتها ؟! مش ده اللي هتفضل طول عمرك تشك فيه ؟!

كلماتها تغادر شفتيها مرتجفة رغم نبرة الوعيد المتشفية التي أرادتها ليرفع إليها عينين مغشيتين بدمع ...وغضب!

_وانتِ حكيتِ وأنا ماسمعتش؟!
باستنكاره العاتب ينطقها لتجيبه بنفس النبرة :
_ياااااه...ياما حكيت...من أول ما اتجوزنا وأنا بحكي ...لكن الحب اللي يخلليني بعد كل ده أقف أدافع عن شرفي مايستاهلش مني كلمة واحدة زيادة.

ثم ازدادت نبرتها حدة وهي تصرخ بينما جسدها كله ينتفض:
_أنا كنت راضية اخرج من حياتك زي مادخلت ...كنت راضية تفضل مجرد حلم يرجعني لما أشتاق لصورتي القديمة...انت عارف انت عملت فيا ايه ؟!عارف عملت فيا إيه ؟!
ظلت تكرر سؤالها الأخير بنبرة تتناقص حدتها حتى تهاوت أخيراً لتسقط مثله على ركبتيها ...

قبل أن تنسكب عيناها في بئر ماضٍ سحيق ابتلعهما بشروده :

_انت توهتني عن نفسي ...مابقيتش عارفة انا مين ...في ثانية واحدة...ثانية واحدة ...لقيتني مش عارفاني ...معقول فيه ياسمين من غير يامن ؟! معقول؟! مستحيل؟؟؟! لا... ما طلعش مستحيل !!

ضحكة ساخرة مشنوقة بمرارتها كانت ترعى ما بقي من نزف بوحها:
_ لاول مرة في حياتي انت خليته ممكن...لاول مرة في حياتي احس احساس حد بيتدبح ويفضل عايش...بيسلخوه من جلده ويقولوا له كمّل ...بيترمي في أحن حضن يتمناه فيلاقي أقسى قلم نزل على وشه ؟!!

دمعة عزيزة حارقة تسقط ببطء على وجنته وكأنما تذبحه كلماتها بتمهل قبل أن تجاور شفتيه لتذكره باختلاف مذاق هذه المرأة التي تتحدث ...
دمعة لم تميزها عيناها الشاردتان وهي تستقيم لتقف على قدميها ...
قبل أن تبتعد من جديد لتعطيه ظهرها مردفة :
_بس انا ماخذلتش نفسي المرة دي كمان...أنا مااتكسرتش...أنا كملت...واخترت!

_اخترتِ إيه ؟!
يسألها بنبرة مرتجفة وهو يقف بدوره ليعاود اقترابه منها ...
لو صح لمن في وضعهما أن يكون لهما اقتراب!!

_اخترت ما أختاركش حتى لو الموت في الكفة التانية !

بمنتهى الحزم ...بمنتهى القسوة ...وبمنتهى الضعف قالتها !!
ضعف امرأة ما عادت قادرة على منح المزيد بعدما أيقنت أن سابق عطائها كله كان كحفنة من تراب !!
ضعف امرأة أسندت ظهرها لحائط من ورق!!
ضعف امرأة أعمتها "صورة المثالية" عن رؤية "ندبة الخطيئة"...
امرأة لا تزال "تهوِي"...ولا تبالي أنها لا تزال "تهوَى"!!

والخصم أمامها كان مستنزفاً كأشد ما يكون الاستنزاف!!
فلا هو "القديم" الذي يستأنس بسلطان وساوسه ...
ولا هو "المستحدث" القادر على محاربته!!
هو فريسة لصراع ينهش روحه ...
وتزيده هذه المواجهة وهَناً!!

وهَناً جعله يتشبث بواجهة عناد هشة ظللت عبارته :
_انت دخلت حياتي بمزاجك بس مش هتخرجي منها إلا بمزاجي .

والعناد جعل العزة تأخذها بالإثم ولا تزال تعطيه ظهرها :
_لا !...أنا دخلتها بمزاجي وهاخرج برضه بمزاجي .
_يبقى تديني ابني وروحي زي ما انتِ عايزة ...أنا مش هكرر غلطتي مع سيلين.
يصرخ بها بقلة حيلة ورأسه يكاد ينفجر بضغوطه لتلتفت نحوه بشراسة لبؤة محاربة :
_وأنا مش هاسمح لك تكفر عن ذنب ابنها في ابني أنا ...مستحيل ...ده ابني أنا ...حلمي أنا ...تعبي أنا ...تمن العمر اللي عشته مغفلة ...تمن الحب اللي دسته انت تحت رجليك .

قد يعتبرها أبلغ عبارة حب سمعها ...
وقد تكون أعظم إهانة نالته لكن رده لم يكن ليختلف:
_ماشي...انتِ عايزاه تحدي ...وانت ِ عارفاني في العند ماليش آخر .

هنا عادت عيناها تحتقنان بالدمع المشتعل وهي تقترب منه خطوة لتلوح بسبابتها هاتفة :
_ما تلعبش بالنار مع واحدة حافظة كل مفاتيحك...زمان قدرت بده أخلي لك حياتك جنة ...ودلوقت بنفس السلاح هاقلبهالك نار!

فالتوت شفتاه بشبح ابتسامة وهو يقول بنبرة مستفزة :
_أول حاجة هاعملها لما أرجع مصر إني أردك رسمي ...وبعدها هاستناكي هناك .

قالها ليرمقها بنظرة مشتعلة طويلة ونظرة الرعب في عينيها تزيد جنونه !!!
إلى هذا الحد صارت تكرهه ؟!
هل فقدها حقاً؟!!
هنا زفر زفرة حارقة وهو يعطيها ظهره ليغادر بعدما ألقى ما في جعبته ...
ليكون دورها لتلقي هي الأخرى ما في جعبتها ...
لهذا ما كاد يضع قبضته على مقبض الباب حتى سمع نداءها ...
_يامن ...

لم يلتفت وهو يشعر أن نظرة واحدة لن تعني سوى أن يجرها من شعرها الذي يغيظه هذا خلفه إلى مصر كي يعيد ضبط -إعداداتها- التالفة هذه وليكن ما يكون !!!
لتأتيه عبارتها كقنبلة تنسف القديم والجديد ...

_أنا عمري ما خنت...بس لو رجعتني غصب عني هاخونك بجد المرة دي .
==========
انتهى الفصل الخامس


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-19, 11:02 PM   #243

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسجيل حضووووور
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20x( الأعضاء 16 والزوار 4)‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏Miush, ‏Ghufrank, ‏Naglaa10, ‏Better, ‏كلمات بسيطة, ‏نرمين نحمدالله, ‏Moni13, ‏جنة محمود, ‏Malak assl, ‏مريم المقدسيه, ‏Asma habib, ‏nanamego, ‏دعاء السيد, ‏nur vattar, ‏NIRMEEN30


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 03-01-19, 11:44 PM   #244

مريم المقدسيه

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية مريم المقدسيه

? العضوٌ??? » 319925
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 567
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond repute
?? ??? ~
سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل رااااائع
دمتي مبدعه


مريم المقدسيه غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين

رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 12:11 AM   #245

Miush

? العضوٌ??? » 404902
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 228
?  نُقآطِيْ » Miush is on a distinguished road
افتراضي

مكنتش مصدقه اننا نحضر المناديل بس صدقت أبدعتي حقيقي تسلم إيدك حبيبتي ويديم إبداعك يا رب 🙈

Miush غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 12:25 AM   #246

جنة محمود
 
الصورة الرمزية جنة محمود

? العضوٌ??? » 291127
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 624
?  نُقآطِيْ » جنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
فصل رائع متخم اشبعني أجمل هدية في رأس السنة كل كلمة به تحتاج للقراءة مرارا للاستمتاع بمزاقها أكثر


جنة محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 12:59 AM   #247

7noooon

? العضوٌ??? » 403577
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 268
?  نُقآطِيْ » 7noooon is on a distinguished road
افتراضي

جميل جميل جميل.جدا.....عيشتينا الاحساس مع كل شخصية وبكل حالة ..عن جد مهما كتبت قليل...تسلم ايدك عالفصل الرائع

7noooon غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 01:10 AM   #248

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

الفصل تحغه زى مابيقولو هم يبكى وهو مقابلة يامن مع ياسمين والمواجهه الى كان لازم تحصل بينهم وهم يضحك وهى ياقوت والفتنه بالشكولاته عسل بنت الايه دمتى مبدعه نيمو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 02:12 AM   #249

jadbalilo

? العضوٌ??? » 394100
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » jadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم أرت فقط أن أشكركم رواية فعلا أعجبتني كل فصل فيه أحدات رائعة تجعلني في غاية الشوق لقراءة الباقي شكراااااا

jadbalilo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-19, 04:47 AM   #250

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

ايه المواجهة الناريه دى
لجين طلعت فعلا بتسرق مرض مش حبا فى السرقة بتنتقم من الاغنياء اللى شبه ابوها فى انها تاخد حاجات عزيزه عليهم وتحرمهم منها وترجع تندم وترميها فى الساقيه المهجورة
الحاجه ثمر دى كنز عرفت فعلا تضرب وتلاقى تزعل منها على تبرجها اللى بتعمله عشان تدارى بيه قلة جمالها وتوريها انها جميلة بس هى اللى مش حاسه بقيمة نفسها ومش قادرة تشوف الجمال اللى كامن فيها اتمنى ان لجين تتعالج فعلا قبل ماحد يكشفها
ياقوت وتعليقتها والله دمها خفيف جدا
حبيت ذكائها وانها قدرت تدخل لهمس اللى فعلا حكايتها مأساة اتمنى تساعدها وترجعها طبيعية وزين الحيرة منها بدأت تدخله يارب ينشغل بيها وينسى ياسمين دلوقتى خالص
شكل غادة من نصيب عيلة رامز واللى خاف منه سيف وحاول ينصح صاحبه بالبعد عنه هو اللى هيقع فيه
مواجهة مؤلمه محزنه مدمرة مش عارفه ايه الثنائى المنحوس دا المشكلة ان يامن لسه الشكوك والوساوس فى دماغه ودا اللى مخليه مش عارف يحتوى ياسمين ويصلح الكارثه اللى عاملها بالعكس دا بيستفزها اكتر بأنه يرجعها غصب عنها لمجرد انها حامل
تسلم ايدك يانيمو الفصل ممتع جدا


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.