آخر 10 مشاركات
زهر جبينها المكلل- قلوب أحلام غربية (118) [حصريا] للكاتبة Hya Ssin *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          قطار الحنين لن يأتي *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : رُقيّة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-01-19, 11:55 PM   #421

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي


نرمين نحمد الله نوررررررتتتتتتي اطلعي بالفصل يالا



NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 12:01 AM   #422

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

ماااااااازززلت انتظر الان منتصف الليل في العراق

Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 12:10 AM   #423

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 35 ( الأعضاء 22 والزوار 13) ‏Just Faith*, ‏Ghufrank, ‏nur vattar, ‏Miush, ‏NIRMEEN30, ‏مريم حجازي+, ‏الوفى طبعي الوفى, ‏Better, ‏Malak assl, ‏Moni13, ‏mosalam, ‏eithar, ‏نرمين نحمدالله+, ‏كلمات بسيطة, ‏ام لمي ولارا, ‏ام الارات, ‏جنة محمود, ‏Omanas essam, ‏اني عسوله, ‏مروةكاردين, ‏Naglaa10, ‏me@nhoO

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 12:15 AM   #424

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة السادسة
=======
_باباك شكله كيوت قوي ...اللي يشوفه ما يديلوش سنه أبداً!
هتفت بها شوشو بانبهار بينما تقف جوار هيثم في حديقة بيتهم حيث الحفل الذي أقامه حسين رجائي ...
ليلتفت نحوها وهو يعدل ياقة قميصه قائلاً بمكر:
_طالعلي!
ضحكت بطيبة تزيد تميزها في عينيه قبل أن تتحرك عيناها في المكان مراقبة الوجوه بتفحص مع تساؤلها :
_فين مامتك ؟!

_جيلان هانم لازم تبقى آخر واحدة تنزل الحفلة...عشان العيون كلها تبقى مترصداها هي وبس ...دي سياسة عليا لا تتغير .
قالها بمرحه المعهود وهو يتناول كأساً من العصير من أحد السقاة الذين يدورون في الحديقة دون كلل ...
قبل أن يناوله لها مردفاً :
_بقية الشلة على وصول ...مش عايز حسين ياخد باله إن فيه بيننا حاجة...ده نمس وبيقفشها وهي طايرة...

_ياسلام! وإيه المشكلة لما يعرف يعني؟! تصدق انك فعلاً سخيف؟!
هتفت بها بغضبها الطفولي المعهود الذي يجيد هو احتواءه كما الآن :
_افهمي يا بنتي ...أنا مش عايز الموضوع يدخل في سكة رسميات من دلوقت...اتعرفوا الأول طبيعي وبعدين ربك يكرم .

لكن عينيها دمعتا وهي ترد بعفويتها :
_لو كنت واخد الموضوع جد ما كنتش قلت كده ...بس انت مش عايز تورط نفسك عشان لسه مش واثق من مشاعرك ناحيتي ...أنا مش عبيطة.
واللهجة التي نطقت بها عبارتها الأخيرة كانت وحدها كفيلة لتأكيد "العكس"!
لهذا ابتسم وهو يقترب منها خطوة ليقول بجدية تامة هذه المرة :
_أنا بحترمك يا شوشو ...وعارف قيمة كلمة بحبك لما تتقال ...عشان كده مش عايز أتسرع وأظلمك معايا ...خللينا ندي كل حاجة وقتها .

أشاحت بوجهها دون رد ليقترب منها خطوة أخرى مردفاً بنبرة عاد إليها مرحها :
_طب بذمتك كنتِ هتآمنيلي لو قلتلك إني بحبك وأنا من كام يوم بس كنت بقول إني بحب داليا ؟! إيه فاتحها مساكن شعبية ؟!

ضحكت رغماً عنها لتضع كفها على شفتيها فابتسم وهو يغمزها بقوله :
_أيوه كده اضحك يا "سكر"...
ثم تلفت نحو ناحية ما ليردف :
_الشلة وصلت ...هاجيبهم واجي .

تابعته ببصرها بنظرات هائمة قبل أن تحيد عيناها نحو والده الذي كان يبدو لطيفاً حقاً بضحكته التي لم تفارق وجهه بينما يحادث أصدقاءه...
ترى كيف يفكر رجل كهذا؟!
وهل سيقبل بها زوجة لابنه لو حدثه عنها مع الفارق الاجتماعي بينهما ؟!!
وهل سيفعلها هيثم حقاً أم أن مشاعره المتذبذبة نحوها لن تصل لهذه الدرجة ؟!!
والأهم...هل سيكون...؟!
انقطعت أفكارها عندما فوجئت به يبادلها النظر !
أجل...حسين رجائ نفسه !!
أه ...تباً!
هل انتبه لنظرتها الطويلة نحوه ؟!
عضت شفتها بارتباك فضحته ملامحها وهي تطرق برأسها ...
بينما ظل هو يتفحصها لثوانٍ ...
من هذه الفاتنة ؟!
هو لا يذكر أنه رآها من قبل؟!
كم تبدو شهية ببراءتها الناضحة في ملامحها هذه ؟!
هذا السن يروقه كثيراً رغم أنه يشتاق أحياناً ل"ذوات الخبرة" ...
لكن متعة "القطفة الأولى" لا تضاهيها متعة !
متى كانت آخر علاقة دخل بها ؟!
منذ ثلاثة أشهر!
كثير جداً لرجل متطلب مثله ...
يبدو أنه الوقت ...للمزيد من اللهو!

لهذا تقدم نحو هذه المرتبكة التي تكاد تغرق في خجلها ليرسم على شفتيه ابتسامة مدروسة مع قوله برقته الخادعة :
_أول مرة أشوفك هنا ...ممكن نتعرف؟!
أزاحت خصلة جانبية من شعرها خلف أذنها لتجيبه بتلعثم :
_هيثم عزمني...زميلي في الكلية ...الباقيين جايين ...

اتسعت ابتسامته الظافرة وهو يشعر بارتباكها يزيد من استجابة جسده الحسية لها ...
عيناه الخبيرتان تدوران على جسدها بتفحص أرضاه ليقول بنفس النبرة الخادعة :
_الناس لما بتتعرف أول حاجة بتقولها الاسم .
ضحكت بخجل عفوي زاد من حمرة وجنتيها وهي ترفع عينيها نحوه قائلة :
_آسفة يا عمو ...أنا شوشو .
ارتفع حاجباه وهو يردد الاسم بلكنة خاصة ليردف بعينين لامعتين:
_وده برضه مش اسم...طب خلليني أخمن ...شيماء واللا شهيرة واللا شويكار مثلاً ؟!
_شهد.
قالتها بنبرة خافتة لتدور بعينيها بحثاً عن هيثم الذي انخرط في المزاح مع رفاقه هناك ...لتردف بنفس التلعثم :
_بس كلهم بينادوني شوشو ...قليل قوي اللي يعرفوا اسمي .

_مع إنه جميل ...ليه مخبياه ؟!
قالها مستدرجاً ولازالت عيناه العابثتان تمنحانه تقارير مُرضية ...
لتجيبه بضحكة خافتة :
_مش مخبياه ولا حاجة يا عمو ...هي جت كده .
_وانتِ بقا مع هيثم في نفس الدفعة ؟!
_سقطت سنة فهو سبقني .
قالتها ببعض الخزي فأصدر همهمة خافتة ثم بدل لهجته لأخرى يدرك تأثيرها خاصة مع ما شابها من وقار:
_بصراحة أنا استريحتلك ...وعايز أبقى أطمن منك على هيثم...انتِ عارفة الشباب في السن ده بيبقوا خطر وممكن يأذوا نفسهم من غير ما يحسوا ...أنا اتعاملت مع ناس كتير وأقدر أميز البني آدم اللي قدامي ...وعشان كده حاسس إني ممكن أثق فيكي.
_شكراً يا عمو ...بس ما تقلقش على هيثم خالص ...ده ممتاز جداً .
هتفت بها بحماسة طفولية وكأنما تلقت هدية عظيمة بمديحه السابق فابتسم ابتسامة هادئة وهو يسألها:
_ما بتفكريش تتدربي في أي مكان عشان تلاقي شغل بسهولة أول ما تتخرجي؟!

فغرت فاها بما منحه انطباعاً أنها لم تفكر في الأمر من قبل ...
لتتسع ابتسامته وهو يرسم الطيبة الخادعة أكثر:
_لو فكّرتي معنديش مانع تتدربي عندنا في الشركة .

_يا خبر! ده شرف ليا يا عمو ...بجد ...حضرتك ...
هتافها المتلعثم قاطعه وصول هيثم الذي هتف بمرحه المعهود :
_ده انتِ قابلتِ "البيج بوسّ" بقا !
_زميلتك لطيفة قوي .
قالها حسين بنبرة محايدة وهو يتفحص باقي أفراد شلة هيثم الذين تجمهروا حولهم...
ورغم أنها حوت بعض الفتيات لكنه عاد لاختياره الأول ...
"لعبة لطيفة" اعتاد الفوز فيها دون أن يورط نفسه في مشاكل ...
لعبة يحتاجها هذه الأيام بالذات كي يفرغ فيها توتره ...
لهذا منحها هي نظرة خاصة قبل أن تتوجه الأنظار جميعها نحو المرأة التي ظهرت أخيراً بثوب يخطف الأبصار ...

_جيلان هانم وصلت .
قالها هيثم باعتزاز وهو يراقب كيف ترك والده الجميع ليهرع إليها كما عادته ...
قبل أن يميل على أذن شوشو هامساً:
_كل ستات الحفلة بيحسدوها عليه ...شفتي ساب الدنيا كلها وماسك إيدها إزاي .
فرفعت إليه عينيها العاتبتين بهمسها:
_ربنا يوعدنا بواحد زيه .
ضحك ضحكة خافتة وهو يعاود الهمس المشاكس:
_هيوعدك بس انتِ اخلصي النية كده واصبري شوية .
فابتسمت بخجل فضح عاطفتها القوية نحوه قبل أن تطرق برأسها وهي تشعر أن القدر منحها فرصتها لتقترب من هذه العائلة أكثر ...
لو صدق والد هيثم في عرضه فستكون خطوة جديدة في توثيق علاقتها به.
كانت هذه فكرتها التي منحتها الكثير من السعادة والأمل ...
وليتنا ندرك أن الأمور كثيراً ما تبدو لنا على غير طبيعتها قبل أن نتعلم الدرس بأقسى طريقة !
========
_هو المكان مفيش فيه غير بنات ؟!
هتفت بها داليا أخيراً وهي تقاوم شعوراً بالضيق بداخلها منذ قدمت معه إلى مقر الجمعية هذا لترى تجمع الفتيات حوله !!
صحيحٌ أنهن لم يتجاوزن الحد معه لكن الاهتمام والمرح الذي ساد حواراتهن معه جعلها لا تملك ضيقها الطفولي هذا ...
لهذا انتظرت انفضاضهن من حوله لتعبر عما رأته "مجرد ملحوظة"!!

هذا الذي لم يفهمه مروان وهو يعقد ساعديه أمام صدره ليقول من بين أسنانه :
_وانتِ عايزة رجالة ليه ؟! حضرتك قلتيلي جاية هنا تعملي إيه بالضبط؟!

اضطربت ملامحها وهي ترى المعنى الذي وصله مناقضاً تماماً لما تشعر به ...خاصة عندما أردف بنبرته الفظة :
_هنا مش رحلة ولا نادي صحوبية ...هنا ناس بتشتغل عشان غيرها ...أغلب اللي في المقر هنا بنات عشان بنوفر الرجالة للمشاوير الخارجية ...وأنا دوري أقسم الشغل ...وعموماً ده أول يوم ليكي هنا ولو مش عاجبك النظام ممكن تنسحبي .

مطت شفتيها باستياء وهي تراه يتصرف معها على عكس ما توقعت تماماً !
لقد كانت تخشى أن يسيئ فهم مبادرتها هذه ليحاول اجتذاب ودها كي تقبل عرضاً سبقت رفضه ...
لكنه على العكس يعاملها بطريقة جافة تماماً !
الغريب أنها لم تكن طريقته عندما كان يحادث الفتيات منذ قليل ...
بل كان يتباسط معهن بابتساماته وحواراته المتفهمة...
وهنّ كن يعاملنه كأنه ملَك هبط عليهن من السماء...
عجباً!
هل رأيْنَ منه ما لم تره هي ؟!
أم هن -الفاسد ذوقهنّ - في الرجال؟!!

تجاهلت أفكارها الضائقة وهي ترفع رأسها نحوها تناطحه فظاظة بفظاظة :
_ده مش بيتك عشان تطردني منه.

كتم ابتسامته بصعوبة وهو يشعر بمتعة استفزازها تفوق متعة استرضائها !!
لم تخفَ عليه نظرة ضيقها وهي ترى اهتمامه بسائر الفتيات مع تجاهله لها ...
ورغم أنه كان يدرك أنها غيرة طفولية لا تعني مشاعر خاصة له بل مجرد طبعها التملكي الخاص ...
لكنه كان راضياً بهذا ك"بداية"!

_أولاً ...أنا ماطردتكيش ...أنا بأكد لك بس حريتك في الاختيار لو مش عاجبك المكان...وثانياً...ده لو بيتي أصلاً...

قطع عبارته عامداً ليرمقها بنظرة طويلة أساءت هي فهمها لتشيح بوجهها قائلة بوجوم:
_ما كملتش ليه ؟!...لو بيتك أصلاً مش هتخليني أدخله ...

_لا ...مش هاسمحلك تخرجي منه أبداً يا غبية !
هتف بها في نفسه- سراً - ليتجاهل كل هذا ويغير الموضوع بقوله :
_المعونات كلها بتتجمع هنا ...هدوم وأدوية وغطا ...بنقسم بعض مجموعات ونفرز الحاجة ...ومعانا كشوفات بأسماء الناس المحتاجة وعناوينهم عشان بعضهم بنوصلهاله لحد البيت ...الناس اللي عندها خبرة علمية هنا بيمسكوا الأدوية يفرزوها حسب استخدامها ...أفتكر الدور المناسب ليكي هو فرز الهدوم ...هتقسميهم حسب السن ...مناسبة ليكي الحكاية دي؟!

أومأت برأسها ببعض الحماس الذي اخترق وجومها فأشار لها كي تتبعه نحو غرفة كبيرة حوت عدداً ضخماً من الأكياس التي تكدست فوق بعضها ...
هل المطلوب منها أن تفضها جميعاً لتفرز محتوياتها ؟!

_ع اليمين ...حاجة الأطفال ...وع الشمال حاجة كبار السن ...وفي النص اللي بينهم ...انتِ هتمسكي الجزء الحريمي بس ...و أي حاجة رجالي تقابلك سيبيها هننقلها الأوضة التانية !

قالها بحزم رفيق ليردف وهو يتلفت حوله :
_هانده (...)و(.....) يساعدوكي...عشان نخلص بسرعة.
قالها ذاكراً اسمي فتاتين من اللائي كنّ يتحدثن معه منذ قليل لتهتف هي بسرعة :
_لا ...هاشتغل لوحدي.
كاد يهتف بالرفض مشفقاً عليها لكنه صمت لحظة ليقول بينما يبسط كفيه:
_براحتك !

قالها ثم أعطاها ظهره ليغادر الغرفة ويتركها وحدها وسط المهمة التي اختارتها ...

الحماس الذي انتابها جعلها تمارس العمل بنشاط أفرغت فيه كل طاقتها ...
ورغم برودة الجو لكنها كانت تشعر بدفء غريب يغمرها ...
الملابس لم تكن كلها قديمة مهترئة كما توقعت ...بل إن معظمها كان بحالة جيدة حقاً بل والبعض منها كان جديداً تماماً بغلافه !
شعورها بأنها جزء من هذه الحلقة التي تنقل الخير من يد ليد ...
بأنها سترسم ابتسامة على وجه أحدهم...
بأنها أخيراً خرجت من دائرة "الأنا" لتشبك أصابعها مع أصابع أخرى كي تكتمل دائرة العطاء ...
هذا الإحساس الذي ضخ الأدرينالين ضخاً في عروقها فلم تنتبه لمرور الوقت إلا عندما سمعت صوته هو خلفها:
_كفاية كده النهارده ...يامن منبه عليا ما تتأخريش عن تسعة .

تأوهت بإرهاق حقيقي حاولت مداراته بقولها لمجرد الاعتراض:
_لسه بدري!
_كملي بكرة.
قالها مبتسماً بعينين فاضتا بحنانه وهو يلمس مدى حماستها ...
ويبدو أن ابتسامته "النادرة" هذه لها قد عنت لها الكثير ،لهذا لم تناقشه أكثر وهي تتحرك لتسير خارج الغرفة قائلة بحماس:
_هاقنع يامن يجيبلي عربية قريب ...ساعتها ممكن أساعدكم في توصيل الحاجات كمان ...صح؟!
اتسعت ابتسامته وهو يقول لها متذكراً طباع صديقه :
_اقنعي يامن الأول وبعدين نتفاهم.

ولم يكد يتفوه بها حتى لفت انتباههما صوت هطول المطر من الخارج فمطت هي شفتيها بينما تتناول هاتفها قائلة :
_السواق أجازة الأسبوع ده ...هاضطر أطلب أوبر أو كريم .
لكنه تحرك خطوة نحوها ليقول منتهزاً الفرصة :
_لا أنا هاوصللك .
حاولت الاعتراض لكنه حسم الأمر بقوله :
_يامن مسافر وموصيني أبقى مكانه معاكم ...ياللا عشان ما نتأخرش أكتر من كده .

قالها ثم أشار للباقين إشارة تحية مودعة قبل أن يتحرك جوارها ليهبطا الدرج متجهين نحو سيارته...
لم تكن المرة الأولى التي تستقل فيها سيارته لكنها كانت ترغب في نسيان تلك المرة السابقة حقاً ...
يالله !!
لقد ضبطها ليلتها تخرج من ملهى ليلي ...
لو ظن بها الظنون فلن تلومه !!

_بردانة ؟!
قالها وهو يلاحظ حركة كفيها اللذين تفركهما بتوتر بينما تأخذ مكانها جواره لتجيبه بارتباك أججته ذكرياتها المشينة :
_ممكن تشغل التكييف؟!
_لا!
قالها وهو يتحرك بالسيارة ليردف دون أن ينظر إليها:
_التكييف هيدفيكي دلوقت بس ممكن تتعبي لما تخرجي من العربية...هو انتِ دايماً كده بتبصي تحت رجليكي بس؟!
لم تكن لهجته فظة أو عاتبة بل كانت للحنان المراعي أقرب لكن شعورها الداخلي بالخزي هو ما جعلها تتلقاها بحساسية لتهتف بعينين دامعتين :
_وانت دايماً كده عايز تطلعني غلطانة وخلاص؟!
ارتفع حاجباه بدهشة للحظة من هجومها المفاجئ ...
لكن رؤية عينيها الدامعتين جعلته يرقق نبرته ليقول بهدوء:
_أنا آسف ...هاسكت خالص لحد ما نوصل .

قالها وهو يشعر بالحنق من موقفهما الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم ...
حنق ازدادت وتيرته وهو يراها تتناول هاتفها ليستنتج بحدسه ما ستفعله خاصة عندما اهتز هاتفه هو في جيبه معلناً عن وصول رسالة !
هوسها ب"العاشق المجهول" يعميها عن رؤيته هو!
كيف يجد له مكاناً في قلبها إذا كانت تملأه فقط بصورة حبيب خيالي حتى لو كان هو نفسه ؟!!
الحل؟!!
الحل أن يختفي "العاشق المجهول" مؤقتاً حتى يستطيع هو أخذ فرصته كاملة !
لهذا أخذ قراراً عزم على تنفيذه عقب عودته للبيت ...
عندما قاطعته هي بسؤالها الذي اخترق الصمت أخيراً :
_عرفت منين إني بحب اللبن بالفراولة مش بالشيكولاتة ؟!

قالتها وهي تتذكر دخول أحد العاملين عليها في الغرفة منذ قليل بعلبة من اللبن المعلب بطعم الفراولة ...بينما حصل الباقون على طعم الشيكولاتة ...
ملاحظة كانت لتمرّ لولا قول العامل لها بثرثرة غير مقصودة :
_دكتور مروان قاللي أجيبلك انتِ من ده .

_يمكن صدفة!
قالها مقتضبة بابتسامة ملتوية فتأملت جانب وجهه المجاور لها بتفحص لتبتسم بخجل مع سؤالها:
_هو يامن بيتكلم عني كتير معاك ؟!

_ده اللي ربنا هداكِ ليه يا "ترعة المفهومية"؟!!
هتف بها ساخراً -في سره - وهو يدرك أنها لو فكرت قليلاً فقط فستدرك شخصيته السرية بسهولة...
لكن يبدو أن نفورها منه كبيرٌ حد أنها لا تستطيع الاقتراب من هذه الفكرة أساساً ...
لهذا تنهد بضيق حقيقي وهو يقول بنفس الاقتضاب:
_يعني...مش قوي!

انكمشت مكانها وهي تشعر أنها حقيقة لا تفهم هذا الرجل !
مشاعرها المتخبطة نحوه تربكها...
والأكثر إرباكاً أنها لا تفهم حقيقة مشاعره هو نحوها ...
إذا كان معجباً بها فلماذا يعاملها بهذه الطريقة التي تغلب فظاظتها رفقها ؟!
وإذا كان يحتقرها بعدما رأى من عيوبها فلماذا يتغمدها بهذا اللطف الذي يفصح عن نفسه في لحظات قليلة...لكنها حقاً مؤثرة !
لهذا أشاحت بوجهها نحو النافذة تراقب المطر في الطريق بشرود ...
لعل الصمت أسلم !
قرار لم تصمد أمامه لثوانٍ أمام طبيعتها الثرثارة كالعادة لتجد نفسها تقول دون أن تنظر إليه :
_ناس كتير تتمنى تخرج وتمشي في الجو ده ...بس أنا عكسهم...أول ما الدنيا تشتي قلبي بيتقبض ...بحس إن فيه حاجة حلوة خلصت وحاجة وحشة هتحصل ...كأن السما بتعيط والدنيا كلها حواليها زعلانة...
ثم ضحكت ضحكة طبيعية لم تتكلفها وهي تردف وكأنما تحدث نفسها:
_المفروض عشان البنت تكون "كيوت" تبقا بتحب الشتا وصوت فيروز مع فنجان قهوة ...بس أنا بكره الشتا وبزهق لما بسمع فيروز وباخد الكافيين من الكاكاو والنسكافيه لأني بحس القهوة تقيلة ومرة.

لم تكن المرة الأولى التي يعرف فيها عنها هذه المعلومات لكنه ضحك ضحكة راضية وهو يدرك أنها تخصه بها هذه المرة ...
هو ...مروان !
لا ...العاشق المجهول!
لهذا التفت نحوها ليتلقى ملامحها الجانبية بشغف عاشق ...
أهدابها البنية الطويلة التي ظهرت أطرافها ذهبية بفعل ظروف الإضاءة ..
أنفها الدقيق ...
عينها الملتمعة كنجمة وسط هذه الظلمة...
وشفتاها اللتان احمرتا بفعل برودة الجو ...
وأخيراً بضع شعيرات نافرة تسللت هاربة من وشاحها لتذكره بشعر طالما عشق خصلاته ...
لو لم تكن هذه أجمل امرأة في الكون ...
فمن تكون ؟!!

_مين اللي بيحط معايير الحكم ع الناس؟! مين يقول دي كيوت ودي لأ...كل انسان خلطة سحرية من مكونات بتاعته هو بس ...خلطة مابيحسش بطعمها إلا الناس اللي بتقرب منه وبتفهمه ... ماتشغليش بالك قوي بمقاييس الناس ...ذوقك بتاعك انت وبس ...
قالها بنبرة هادئة لا تعكس شيئاً من فورة مشاعره لتلتفت نحوه بابتسامة خجلة جعلته يردف ببعض المرح:
_حلو كده ؟! ما طلعتكيش غلطانة المرة دي !

ضحكت ضحكة بريئة ذكرته بصورتها الطفولية في عينيه قبل أن تتعلق عيناها بالرصيف جواره فالتفت جواره عفوياً ليرى فرن صغير مما يباع لديه "الذرة المشوية" ...وقد وقف صاحبه يهم بإطفائه يائساً من رغبة أحدهم في الشراء ...
فأوقف السيارة جانباً ليقول لها بسرعة بينما يغادرها:
_ثانية واحدة .

التمعت عيناها بلهفة وهي تراه ينقد البائع ثمن "كوزين" من الذرة قبل أن يعود بهما إليها ليعيد تشغيل السيارة منطلقاً بها مع قوله :
_معرفش بتحبيه واللا لأ...بس قلت الراجل الغلبان يسترزق!

كان يعلم أنه يكذب لكنه لم يستطع تفويت هذه الفرصة وهو يرى هذه النظرة في عينيها مع إدراكه لعشقها للذرة ...

هذا الذي عبرت عنه بانطلاق وهي تلتهم "الكوز" خاصتها بشهية :
_بحبه بس؟! ده الراعي الرسمي لسعادتي حضرتك ...صيف شتا بموت فيه ...وخصوصا وهو سخن مولع في البرد ده ...واووو ....لذيذ بشكل .

ماذا لو أوقف السيارة الآن واحتضنها ؟!!
لو أزال بقايا الذرة العالقة هذه من على وجهها بشفتيه ؟!
لو دفأ وجنتيها الباردتين هاتين بطريقته ؟!
لو ...

_وإيه كمان ؟! انحرفت خلاص يا مروان ؟!

نهره بها ضميره عن الاستطراد في خواطره المشتعلة بها والتي كانت هي أشد ما تكون غفلة عنها وهي تلتهم الذرة بنَهَم ...
قبل أن تنهيه كاملاً لتضع ما تبقى في الكيس هاتفة بعفوية بعد تنهيدة شبع:
_كده مش هتعشى ونبيلة هتقتلني ...فيلم الأمومة اللي عايشاه اليومين دول بيقتضي تزغيطي ك"بطة يعدّونها للذبح يوم العيد" ...بس مش مهم كله يهون فدا الذرة !

قالتها بنبرة خطابية مرحة وهي ترفع أحد قبضتيها في إشارة معروفة فابتسم ليجاريها بمزاحها :
_بس ما تقوليش إني أنا اللي جبته...زعل الحاجة بيللا وحش قوي وفي الحالات دي الجري نص الجدعنة .
_جرْي مين؟! دي مش بعيد تأَكّلك انت الأكل كله والبس بقا يا معلم ...محدش قاللك على مسقعة بيللا قبل كده ؟!!
هتفت بها بعفويتها المنطلقة ليضحك ضحكة طويلة سبقت قوله :
_آه يامن اداني فكرة...عشان كده بقوللك استري عليا وما تقوليش .

ضحكت بدورها وهي تتأمل ملامحه بعجب!
صورته البشوش هذه وهو يضاحكها مستجيباً لمزاحها تبدو خيالية كثيراً مقارنة بفكرتها السابقة عنه ...
كم يختلف مظهره هذا عن "وش الخشب" الذي يحلو لها تسميته به !!
هو لطيف حقاً...فقط لو ...

انقطعت أفكارها عندما انتبهت لوقوفه بالسيارة أمام البيت فتلفتت حولها لتقول بشقاوتها المعهودة:
_مش عايزة أقوللك اتفضل عشان انت "دقّة قديمة" وهتقوللي ماينفعش مادام يامن مش فوق .

تباسطها هذا معه أسعده كثيراً وأيد قراره الذي اتخذه بشأن "العاشق المجهول" لهذا اكتفى بابتسامة هادئة بينما ترجلت هي من السيارة لتغلق بابها مردفة وهي تشير للذرة :
_ما تنساش تاكل بتاعك وهو لسه سخن ...
كادت تنحني على النافذة لتكمل حديثها لكنها تذكرت تقريعه لها بالمرة السابقة فابتعدت قليلاً لتتاح لها رؤيته مع قولها العابث وهي ترفع كفيها جوارها :
_بنات عائلات محترمات مش بيلبسوا حاجات ضيقات ويوطوا على شبابيك عربيات ...

قالتها ثم لوحت له بكفها مودعة قبل أن تنطلق بخطوات راكضة نحو الأعلى تلاحقها ضحكاته المستمتعة ...

_مجنونة وربنا ...مجنوووونة !
قالها لنفسه بصوت مسموع وهو يتذكر بدوره ما تحكي عنه قبل أن يتنهد بحرارة وهو غير قادر على الانطلاق بالسيارة من جديد ...
حُلوة !
حلوة حقاً!
روحها الطفولية التي كانت تحاول مداراتها خلف قناع من التمرد والعناد الآن تبدو له على طبيعتها شديدة الجموح ...لكن لجام المسئولية الذي يحوطها يمنحها النظرة المثالية في عينيه ...
لهذا ظل واقفاً مكانه يراقب نور غرفتها التي أضاءت خلف النافذة ...
يتخيل أول ما ستقوم به عندما تدخل ...

والجواب جاءه في اهتزاز هاتفه الذي تناوله لتصله رسالتها الصوتية :
_كان يوم يجنن ...اتخيلتك معايا في كل تفصيلة فيه ...الأول ...

شرد ببصره وهو يستمع منها للتفاصيل التي شاركها أغلبها ...
والتي انتهت بقولها ...

_هاقوللك حاجة بس من غير قفش ! ...مروان وصّلني ...الجو وحش وهو عرض وماعرفتش أرفض ...كان ممكن أعديها ومااقولكش بس أنا مش حابة أخبي عنك حاجة ...

زفر بسخط وهو يلقي نظرة مغتاظة نحو نافذتها ...

_العاشق "المجهول" هيبقى عاشق "مشلول" بسببك يا شيخة !!

قالها لنفسه قبل أن ينطلق بالسيارة عائداً لمنزله ...
ولم يكد يلقي بمفاتيحه على الطاولة حتى تلقى رسالتها الصوتية التالية ...

_النهارده بالذات وجو المطر الخنيق ده خلاني فعلاً عايزة أقابلك...عايزة أطمن إنك حقيقي...بجد ...لحد امتى هتفضل علاقتنا كده ؟!

كلماتها حسمت القرار الذي كان قد اتخذه سابقاً ...
فأعد لنفسه كوباً من الشاي وضعه على مائدة السفرة حيث جلس ممسكاً الكوب قبل أن يلتقط صورة !

صورة تعمد ألا تظهر تفاصيل تعرف منها شخصيته ...
ليكتب لها بعدها رسالته ...

_هذا أنا ...كي تطمئني أنني حقيقي ...هذه أصابعي التي أعشقها لأنها تكتب إليكِ...هذا كوبي المفضل الذي يحتمل صابراً ثرثرتي عنكِ...وهذا "الشاي" الأسود بداخله يرى نفسه عديم القيمة إذ تتحكمين أنتِ بالمزاج وبالانتباه...وبلذة المذاق بين الشفاه...

وفي غرفتها كانت هي تقرأ كلماته بهيام وهي تتفحص الصورة المرسلة بمزيد من عشق وغيظ ...
أصابعه الممسكة بالكوب خالية من الخواتم !
هذه هي الملحوظة الوحيدة التي تمكنت من ملاحظتها ...
كل ما في الصورة لا يمنحها أي معلومة عنه !!
تباً!
يظن أنه أرضاها بهذه الصورة ؟!!
الأحمق!!
إنه زاد جنونها أكثر ...

كادت ترسل له رسالة صوتية تخبره عن هذا لكن صدمتها بما كتبه بعدها أخرستها ...

_اعذريني ...لن أتمكن من التواصل معكِ لوقت لا أعرفه...سفرٌ مفاجئ ولا أعلم ما يخبئه الغد ...أنا أثق أنك ستتدبرين أمرك بدوني ...اعتني بنفسك حتى ...أعود !
==========
أتيتك ب"بهجة" ألوان طلاء أظافري...
وأتيتني ب"حدة" شفرة حلاقتك!
أتيتك ب"حنوّ" فرشاتي على خصلات شعري...
وأتيتني ب"قوة" إحكام رابطة عنقك !
أتيتك بكامل زينتي "عروس حبٍ" راغبة...
وأتيتني أشعث أغبر بعد سفر "غدر" طويل...
أتيتك ب"كلّي"...وأتيتني ب"ما تبقى منك"...
فهل أيقنت الآن أنه "لا عدل في ميزان الهوى"؟!
========
الصباح!
هدية الكون لمن أضناه سهر ليله ...
وشارة البداية لمن وجد الطريق ...
لكنها لم تكن من هذا الفريق أو ذاك ...
ببساطة هي لم تكن تشعر بأي شيئ منذ رحيله سوى ...الدوران !

تدور وتدور وتدور ...ولو توقفت ستقع!

اللحظات الأخيرة للقائهما الكارثي بدت وكأنها اعتقلتها بسجن ضيق والخروج منه ليس بقريب ...
كل كلمة...كل نظرة...بل كل نفس...
تختزنها ذاكرتها كشريط عرض مصور يعيد نفسه تلقائياً...

_أنا عمري ما خنت...بس لو رجعتني غصب عني هاخونك بجد المرة دي!

كانت تعلم أنها تضرب "تحت الحزام"!
من كان يخبرها أنها يوماً ما ستستغل خبرتها به ل"توجعه"؟!!
من كان يخبرها أن الأصابع التي كانت تتلمس تفاصيل ألمه كي تداويها سيأتي اليوم الذي تتلمسها فيه لكن لتغرس فيها المزيد من النصال؟!
من كان يخبرها أن "امرأة الألوان" ستكسر تاجها بنفسها وتجثو تحت قدمي عرشٍ أسوَد؟!!

ظهره الذي يوليه لها لم يكن أكثر ستراً لمشاعره كما يُفترض ...
ذبذبات غضبه تكاد تزلزلها في مكانها لكنها لا تهتم ...
لا تريد أن تهتم ...
وفي ثانية واحدة لم تدرِ كيف قطع المسافة بينهما لتصير من جديد بين ذراعيه!!!
أصابعه تنغرس في لحم ذراعيها بقوة كانت لتؤلمها حقاً في موضع آخر ...
عيناه المحمرتان المحتقنتان تجلدانها بدمع تعرفه...وتنكره !
والشفاه التي طالما أذابتها عشقاً الآن ترتجف وكأنما تهذي بحديث لا تفهمه...
يالله!
العذاب الذي يصرخ في ملامحه أكبر منها !
أجل ...
أقوى حتى من رغبتها في الانتصار لنفسها !
الصراع بداخلها يشتد بين عشق وكبرياء ...
وأسنانها تضغط على شفتها بقوة أدمتها ...
جفناها ينسدلان في استسلام لا تلام عليه ...
لتمنح نفسها هدنة من "خيال"!

هدنة ترى نفسها فيه تعانقه...
تضم رأسه المتعَب لصدرها ...
تداعب خصلات شعره الحبيبة التي تحفظها واحدة واحدة ...
وتدلل ملامحه بشفتين أذابهما الاشتياق ...

وأخيراً ...دمعة !
دمعة واحدة "حقيقية" وسط كل رؤى الوهم هذه تتلكأ على وجنتها ...تتعثر بشفاهها المتشققة ...وتموت شهيدة على ضفة إبهامه هو !

هنا تفتح عينيها فجأة وكأنما صفعتها لمسته لدمعتها !
ماذا؟!
هل ستبكيه من جديد ؟!!
أبداً...لن تفعلها أبداً ...أبداً...
لهذا عاد التحدي يسكن عسل العينين "العكر" ...
تحدٍّ تلقاه هو بما يليق وهو يرد أخيراً على عبارتها ...
عندما تناول كفها ليضعه على جانب رأسه مشيراً به ...حيث "عرش" وساوسه العتيق لايزال يبسط سلطانه ...

_لو ده صح...يبقى الست اللي تخون مرة تخون عشرة...مش هتفرق!

التحدي في عينيها ينقلب لغضب عارم وهي ترى نفسها لا تزال في عينيه في موضع شك ...
هذا الشعور الذي أشعل جسدها بنيران اشتد سعيرها ...
قبل أن يهطل عليها سيل أطفأها بحروفه وهو ينقل كفها من جانب رأسه إلى صدره حيث موقع خافقه الذي كان يتقافز بجنون وكأنه يؤيد ما سيقول:

_ولو ده صح ...فحتى لو توّهتك عن نفسك زي ما بتقولي ...ياسمين ماتخونش !

الصاعقة التي ضربتها بها كلماته جعلتها تنفض كفها منه بسرعة لتعطيه ظهرها وهي تكتف ذراعيها ...
تباً!
ألازال يدور في دائرة الشك هذه؟!!
ألايزال لا يعرف؟!!
حسناً...فليدرْ فيها وحده !!
هي لم تعد تملك لهذا طاقة ...ولا رغبة !!

صوت قرع حذائه على الأرض الصلبة لايزال يدوي في أذنيها ...
يتباعد رويداً رويداً...
ينسحب أخيراً ليتركها خلفه بنفس الشعور ...
"ملكة مهزومة"!

صوت رنين هاتفها يقاطع نزيف الذكرى ...
زين يتصل بها للمرة التي لا تدري عددها يريد أن يطمئن كيف انتهى اللقاء ...
لكنها ليست بقادرة على الرد ...
ليس قبل أن تحدد ماذا تريد الآن بعدما استجد في أمرهما ...
صورة زين "مغالية الوسامة" تقفز لذهنها فيتلاعب بها هوس كمالها ...
زين هو الرجل المناسب لها ...
ليس مالاً ولا نفوذاً ولا وسامة ...
بل سنداً !
سنداً دعمها عندما تخلى من ظنته أبداً لا يتخلى!

لكن "صورته الكاملة" تتركز أخيراً في "ندبة حاجبه"!!!
آه ...يا مدعية الكمال!!
كيف ترتجين في صورته "التمام" و"ندبة خطيئته" ستبقى تذكركِ بشرخ تمثالك ؟!
انقطعت أفكارها بآهة خافتة وهي تشعر بحركة "يمنى" في بطنها !
هذا النبض اللذيذ الذي صار متعتها الوحيدة الحقيقية في الحياة...
أناملها تمسد بطنها البارز بحنان في الموضع الذي تتلمس فيه حركة الجنين قبل أن تهمس لها تحدثها كأنها تسمعها:
_جعتِ؟! نقوم نفطر؟!

يُهيأ إليها أن حركة الصغيرة تزداد في رد غير مباشر فترتسم على شفتيها ابتسامة شاحبة -حقيقية- وهي ترفع الغطاء أخيراً لتقوم من نومتها ...
صوت رنين الهاتف من جديد برقم زين يدعوها لاتخاذ قرار ...
فترفع رأسها للأعلى قبل أن تحسم أمرها برسالة كتبتها ...

_يامن رَدّني ...بس أنا هارفع قضية طلاق ...ولحد ما اكسبها مش هاقدر أكلمك .
=======
زفر بسخط وهو يتلقى رسالتها قبل أن يقذف الهاتف جانباً!
إذن ذاك الرجل فعلها!
ردها لأجل الطفل!
إنه حقاً لايفهمه !!!
إن كان يشك في طهرها فلماذا يقبل أن تبقى على ذمته ؟!
وإن كان يثق في براءتها فلماذا يعاملها بهذه الطريقة ؟!!
مريض!!
إنه حقاً مريض ...فلمَ العجب!
العجب ليس منه في الواقع بل من ياسمين !!
ردة فعلها الأولية عندما رأته لا تكاد تغادر ذهنه ...
هي لا تزال تحبه ...لكنها لا تريد هذا الحب...
فما الصواب هنا ...أن يساعدها لتبتعد أم يتفهم ويبتعد هو؟!!

ابتسم ابتسامة ساخرة وهو يتبين أن "العقلانية" التي يفكر بها لا تتسق مع التصور الشائع لمفهوم الحب ...
لكن وماله وللآخرين؟!
الحب في نظره صفقة رابحة تحتاج لتخطيط وصبر ...
وهو لايفتقر لكليهما !
المرأة في نظره قد تكون كنزاً حقيقياً أو مجرد معدن زائف قابل للصدأ...
والكنز تحدده قوتها هي ...
أجل...لا تزال نقطة ضعفه هي المرأة القوية!!
ربما تتحكم به عقدته القديمة...
والدته أسلمها ضعفها للفقد ...وأخته غير الشقيقة كذلك ...
الوهن الذي تمكن منهما أوصلهما لحافة جرف الانهيار ...قبل أن يدفعهما دفعاً ...
الوهن الذي صار يكرهه في أي امرأة...
يقولون إن قوة المرأة في ضعفها ...
هراء!!!
قوة المرأة في نظره ستبقى في صلابتها ...في تحديها لكل أحد وأي أحد حتى نفسها ...
في مقاومتها للظروف حتى تصل حد أنها هي من تطوع الظروف ...
ساعتها فقط يراها الكنز الذي يستحق الظفر به ...
لهذا أراد ياسمين ...ويريدها ...وسيظل يريدها ...
صحيحٌ أنه قد بدأ يفتقد هذا اللحن القوي وسط ترانيم ألمها ...
لكنه ينتظر عودته !
وحتى هذه اللحظة سيساندها بكل قوته ...
لقد كان محقاً عندما ظن في أهمية تلك الطبيبة التي سيحين دورها في خطته...
ياقوت!

ابتسامة جذل مستمتعة ترتسم على شفتيه وهو يسترجع حواراتهما الذكية ...
هيئتها الهزلية ...عينيها المتقدتين خلف نظارتها الضخمة المربعة ...
وابتسامتها "النقية" غير المتكلفة التي يود لو يراها ثانية كي يفهم ماذا بها بالضبط كي تحدث به هذا الأثر!!
والأهم...هل ستتمكن من إحداث فارق في حالة همسة حقاً؟!!
لو فعلتها فسيمنحها المكافأة التي تطلبها مهما كانت !
لهذا التمعت عيناه بحماس وهو يعاود تناول هاتفه ليرسل رسالة لياسمين أولاً...
_أنا معاكِ في أي قرار تاخديه .


قبل أن تتلاعب أنامله بالأزرار باحثة عن رقم ياقوت وهو يستجمع المعلومات التي وصلته عنها ...

ياقوت حسين رجائي أحمد سليمان ...
تسعة وعشرون عاماً...لا أثر لارتباط رسمي أو عاطفي ...الأم متوفاة والجدة هي ولية الأمر الآن...الأب حسين رجائي رجل أعمال مشتهر بالأعمال الخيرية وحسن الخلق ...لكن ما الذي يختفي خلف هذه الواجهة ؟!
رجلٌ تورط في علاقة مع خادمته أثمرت عن طفلتين منحهما اسمه شريطة ألا يعلم أحدهم عنهما شيئاً ...
ترى أي حياة بائسة قاستها ياقوت هذه لتصل لهذه المكانة في هذه السن ...
كي تصنع اسمها هذا الذي انتزعت منه والدها انتزاعاً لتكتفي ب...

_دكتورة ياقوت سليمان ...مين معايا؟!

صوتها المعتد بنبرته القوية وهي تفتح الاتصال يتواءم مع سابق أفكاره ...
يجعله يبتسم بعبث وهو يتجاهل لقب "دكتورة " هذه ليقول بنبرته المميزة التي تمزج اللطف بالهيمنة :
_إزيك يا ياقوت؟!

_يااااالهوي ...قول "ياقوت"دي تاني كده !

"العفريتة العابثة" إياها تميز صوته فوراً لتعيث فساداً بين جنباتها ...
وخلفها كان عقلها يحاول إحكام سيطرته ...
صوت هذا الرجل لا يقل خطورة عن رؤيته!
بل إنها تكاد تستشعر ذبذبات جسدها المتوترة كما كانت في حضرته ...
ماذا يكون هذا ؟!!
هي لم تؤمن يوماً ب"الحب من أول نظرة"...ولا حتى من أول لقاء!
لكنها تؤمن أننا نعيش عمرنا نرسم لوحة ما للحلم المأمول ...
لوحة كاملة تخطها أناملنا خطاً خطاً...
لوحة تبقى ب"الأبيض والأسود" فقط حتى إذا جاء الشخص الصحيح منحها الألوان المطلوبة بالضبط!

لوحتها هي رسمتها منذ زمن ...لكن كل من حاول تلوينها أفسدها ...
فقط زين هذا يقترب من الإتقان ...فهل هذا هو الحب؟!!

_لو مش هتحبي ده يا موكوسة هتحبي مين؟!!

صرخت بها العفريتة العابثة داخلها باستنكار لكنها تجاوزت كل هذا بتماسك تحسد عليه لترد أخيراً بجدية تامة :
_مين معايا؟!!

_استعبطي ...استعبطي!

كانت هذه العفريتة إياها بالطبع والتي أثملها جوابه باسمه لتبتعد منزوية تردده باشتهاء ...
أما هي فقد أصدرت همهمة خافتة لتقول بنفس الاعتداد الجاد:
_آه ...أهلاً...أكيد بتطمن على همسة...أنا استشرت أساتذتي وعندي تصور معقول لخطة علاج بس محتاج وقت...
ثم صمتت لحظة لتردف:
_أكيد جملة "محتاج وقت" دي بقت تعصبك من كتر ما سمعتها ...مجال الطب النفسي مليان نصابين كتير ...لكن مفيش في إيدي غير إني أقولها عشان ماأديلكش أمل سريع ...وموضوع الثقة ده بقا يرجعلك انت.

ارتفع حاجباه باستمتاع حقيقي والابتسامة العابثة على شفتيه تعاود تراقصها ...
هي افترضت "التهمة" وجهزت "الدفاع" في نفس اللحظة كي لا تمنحه فرصة ...
ماذا يسمي هذا ؟!!
فرط ذكاء ...أم بطحة تتحسسها على رأسها؟!!
لا ...لا ...
هذه امرأة يشك أن تكون لها بطحات ...
وإن وجدت ...فلن تتحسسها!!

لهذا صمت قليلاً ليرد بنفس النبرة :
_أنا واثق فيكي..أنا بس كنت بطمن .

_اطمن ...أنا هاروح لها النهارده في معادي ...هستأذنك عشان عندي جلسة دلوقت .

_شوية!! ...شوية بس !!بقا ده راجل يتقفل في وشه السكة يا ناس؟!!

هتفت بها العفريتة برجاء تكاد تلطم على وجهها لتبتسم هي ابتسامة خجلة وهي تغلق الاتصال ...
تعلم أن طريقتها في التعامل معه -ومع غيره من الرجال- حادة ...
لكنها لا تهتم ...
فلتدع الميوعة والدلال لمن يُجدنها من النساء أما هي فتدرك جيداً أي كنز تملك ...
هي ياقوت سليمان -تربية الحاجة ثمر- التي لا يُعجزها شيئ أرادته...
ولن ترضى بأقل من "أمير فارس" يصارع لأجلها "التنين" حتى ينتشلها من سجن قلعتها ...
وحدسها يخبرها أنه قريب...قريب جداً...

لهذا اتسعت ابتسامتها وهي تضع الهاتف جانباً لتستقبل الحالة المنتظرة ...

يامن حمدي!
============
_مواجهة فاشلة متوقعة.

غمغمت بها ياقوت بنبرتها المهنية أمام يامن الجالس أمامها في المركز ...
وفي أسوأ حالة رأته فيها منذ عرفته !
بل إنها يهيأ لها أن دماءه تغلي في عروقه مع جلسته المتشنجة التي لا تكاد تستقر على وضع لبضع ثوانٍ...
كان قد حكى لها عن تفاصيل مواجهته مع ياسمين والتي اعتبرتها أسوأ مصادفة قد تحدث لحالة كحالته ولن تتعجب لو انتكس !

_هتقوليلي استعجلت ع المواجهة ؟! كنتِ عايزاني أصبر إزاي بعد مكالمة أخوها ؟!
هتف بها بانفعال ثائر تقبلته بتفهم قبل أن تفتح الدرج المواجه له لتعطيه كرتين معدنيتين مميزتين مع قولها :
_دحرج كل واحدة في إيد ...وغمض عينيك .

زفر زفرة ساخطة حتى كادت تظنه سيرفض لكنه تناولهما منهما ليدهشه ثقل حجمهما النسبي مقارنة بشكلهما ...
فعل مثلما طلبت ليفاجئه هذا الدوي المعدني الذي انبعث منهما ...
دويٌّ تحول لموسيقا رتيبة مع حركتهما الدؤوب بين كفيه ...
فأغمض عينيه مستسلماً لهذا الصوت ومحاولاً تلمس السكينة لكن دون جدوى...
أي سكينة ؟!
وجملتها الأخيرة تشعل حرائق روحه واحدة تلو الأخرى ...

"لو رجعتني غصب عني هاخونك بجد المرة دي"...

كيف تركها حية بعدها ؟!
بل كيف تركها أصلاً؟!!
والجواب وجده يصرخ بداخله...
دمعتها "اليتيمة" التي سقطت أخيراً ليتلقفها إبهامه لم تكن مجرد دمعة ...
كانت نهاية!
بداية !
كانت مهداً!
لحداً!
كانت كل شيئ ...ولا شيئ!!
ياسمين كانت تحترق ...أجل كانت تحترق أمامه وهو عاجز عن فعل أي شيئ ...

_ليه جيت من السفر عليا على طول ؟!
صوت ياقوت الهادئ يقتحم أفكاره فيهز رأسه ليجيبها بنبرة مختنقة ولايزال مغمض العينين :
_عشان عايز أهدا ...من ساعة ما شفتها معاه والوسواس القديم رجع من جديد...كل اللي كنت عايز أعمله لما أشوفها اتبخر ...مابقيتش قادر أشوف قصادي غير صورتها وهي قاعدة معاه ...مشاهد الفيديو رجعت تجري قدام عيني تاني ...
كانت وتيرة صوته تزداد انفعالاً مع كلماته حتى وصلت حد الصراخ
وهو يردف:
_حاولت أفكر في أي حاجة تانية مش قادر ...شغلي...أمي ...أهلي ...أي حاجة وكل حاجة بس مش قادر ...دماغي بيغلي .

ولم يكد يتفوه بالعبارة الأخيرة حتى قذف أحد الكرتين بقوة لتحدث دوياً هائلاً وهي تصطدم بالحائط
هنا فتح هو عينيه ليتلفت حوله بعجز وكأنه يبحث عن شيئ لا يدري كنهه...
قبل أن يطرق برأسه وهو يتمتم بصوت متحشرج:
_أنا آسف.

احترمت صمته للحظات وهي تشعر بما يعانيه ...
عادة ما تتخذ مهنيتها درعاً في ظروف كهذه ...
لكنها الآن لا تملك شعورها الكاسح بالشفقة نحوه ...
هو لم يختر ماضيه ...
لم يختر أما هجرته...ولا أباً صعب المراس غرس فيه الكراهية والشك...
لم يكن مذنباً عندما أحب فتاة جعلته تسليتها أمام أصدقائها ...
ولم يكن مسئولاً عن تسلط زوجة أرادت إبعاده عن وطنه ...
حتى مع ياسمين ...
الظروف كانت ولا تزال تختار له أصعب الاختبارات ...وفي أسوأ توقيت ممكن !
لكنها نحت مشاعرها هذه جانباً لتقوم من مكانها كي تحضر الكرة قبل أن تتقدم نحوه لتمنحه إياها قائلة :
_نبدأ من جديد مفيش مشكلة.

عبارتها التي نطقتها بطيبة هادئة بدت وكأنها تحمل مغزى أكبر بكثير من معناها البسيط ...
لهذا رفع عينيه إليها ببطء لتبتسم هي بينما تردف:
_قبل النهارده كنت محتاج تخف عشان ترجع لياسمين...لكن دلوقت محتاج تخف عشان ترجّعها مش بس ترجع لها ...فاهمني؟!

زفر زفرة حارقة وهو يعود برأسه للوراء لتجلس هي على كرسيها مستطردة:
_ياسمين محتاجاك دلوقت عشان ترجع لنفسها ...الكسر اللي جواها مش هيجبره غيرك انت ...بس هتساعدها إزاي وانت لحد دلوقت لسه مش لاقي نفسك انت ؟! المواجهة اللي حصلت بينكم دي ممكن تبقى نكسة تضيع كل المشوار اللي عملناه ...وممكن تبقى حافز ليك عشان تكمل وتنجح ...أنا كدكتورة مش هاقدر أعمل حاجة لوحدي ...القرار لازم يبقى منك انت ...من جواك.

ساد الصمت طويلاً بعد عبارتها ليقطعه صوت الدوي المعدني للكرتين من جديد في يده بينما استرخى بجسده مغمض العينين وكأنه وجد بعض القوة ليعاود المحاولة...

فابتسمت بارتياح صامت لبضع لحظات قبل أن تسأله بهدوء:
_حسيت بإيه لما شفتها ؟!
_كأن روحي رجعت لي تاني ...لحظة واحدة ...قبل ما كل حاجة تولع من جديد ...
_وهي ؟! عملت إيه أول ما شافتك ؟!
عقد حاجبيه بشدة محاولاً التذكر ليجيبها بعد لحظات:
_مش فاكر ...مش شايف غير صورتها وهي جنبه...مش سامع غير صوته وهو بيقول إنه كان هناك من زمان ...وصوتها وهي بتقول إنها هتخونني .
نبرته المشتتة التي عاد إليها انفعالها جعلتها تطلب منه الاسترخاء من جديد قبل أن تردف بنبرة خبيرة :
_كل حاجة بنشوفها بتتخزن أوتوماتيك في مخنا بس مش كلها بنقدر نستدعيها لما نحتاجها ...الوسواس اللي عندك مسيطر عليك ومخليك مش قادر تشوف إلا مشهد بعينه ...حاربه...اطرده...افتكر أي مشهد تاني ...ركز...هتوصل ...

الصمت المثقل يسودهما من جديد والعرق يتصبب على جبينه المتعب قبل أن تتشقق شفتاه عن شبح ابتسامة رافقت قوله :
_افتكرت...أول ما شافتني وقفت مكانها واتحركت خطوة كأنها هتجري تحضنني ...بس بعدها...
_مش عايزة أعرف بعدها ...كفاية كده .
قاطعته بها بنفس الابتسامة التي تلقتها عيناه عندما فتحهما لتردف هي بنبرة أكثر تفاؤلاً:
_رد الفعل الأول اللي بنعمله بيبقى أصدق تعبير عن مشاعرنا ...ياسمين لسه بتحبك ...كل اللي بتعمله رد فعل لستّ مجروحة ...ياسمين مش قادرة تسامح لأنها لسه خايفة من يامن القديم ...لكن لو حست إنك فعلاً اتغيرت هتجدد جواها الأمل ...عشان كده علاجها مرتبط بعلاجك انت...كل ما دماغك يحاربك بصورتها وهي قاعدة معاه ...حاربه انت بصورتها وهي بتجري عليك .

كان يحتاج حقاً لأن يستمع منها لهذا الكلام !!
ويبدو أن طريقتها الحماسية التي تمزج ذكاءها بحنانها نجحت في بث بعض السكينة والأمل في نفسه ليقول :
_أنا خلاص رديتها بس والدها طلب مني تفضل عنده لحد ما تولد عشان مصلحة البيبي ...
ثم اغتصب ضحكة انفعالية متهكمة ناسبت قوله :
_وكأنه بالساهل كده أسيبها هناك بعد اللي شفته ؟!

_لو شاكك فيها رديتها ليه ؟!
سؤالها كان شديد المنطقية حتى أنه صفع إدراكه وهي تردف بنفس النبرة المحايدة :
_يامن ابن عبد الرحيم حمدي الفلاح ابو دم حامي مكانش هيسمح يرجعها تشيل اسمه لو عنده ذرة شك فيها !

_مش عارف ...مش عارف!
قالها بتشتت وهو يطرق برأسه لتردف وهي تربط الخيوط بذكائها :
_لو ياسمين مابتحبكش ما كانتش اتمسكت قوي بالطفل ...بالعكس ...كانت رمتهولك وعاشت حياتها ...تفتكر فرصتها مع الراجل التاني أكبر مع وجود طفل منك واللا من غيره ؟!

كز على أسنانه بقوة ومجرد ذكر ذاك الرجل يجعل النيران تشب بين ضلوعه ...
لكنها استطرادها كان كنسمة باردة وسط كل هذا :
_من الكلام اللي حكيتهولي ياسمين لسه بتحبك...الفرق بينكم دلوقت إنك عارف مرضك وبتعالجه ...لكن هي مش عارفة...فاكرة إنها بتقاوم وهي في الحقيقة بتقع ...أنا مشفقة عليها جداً لأن لو ده حالك انت دلوقت بعد المواجهة امال هي زمانها عاملة إيه ؟!!

كانت صادقة تماماً في شعورها الأخير وهي تتمنى لو أتاحت لها الظروف رؤية ياسمين هذه !
ولا تدري لماذا طفت لذهنها في هذه اللحظة صورة همسة !
وصورتها هي وشقيقتها!!
كلهن ضحايا زواج ثانٍ ترك خلفه جروحاً دفعن هُنّ ثمنها ...دون أي جريرة !!!

ربما لهذا تشعر بالتعاطف الشديد معها ...ليتها حقاً تتمكن من مساعدتها ...
ومساعدتها لن تكون إلا عن طريق يامن نفسه ...
لهذا حسمت أمرها لتقول بنبرتها المعتدة :
_انت هتنفذ طلب باباها ...انتو الاتنين دلوقت خطر على بعض ...مش هتتواصل معاها تاني لحد ما تبقى قادر على مواجهة من غير خساير ومن غير شكوك ...

_دي قالتلي هتخونني!
هتف بها باستنكار ساخط لترد بابتسامتها الطيبة :
_ما هي برضه قالتلك انها حافظة كل مفاتيحك ...هي هتلاعبك بالشك ...لاعبها انت بالثقة...بس هتجيب منين الثقة ؟! هو ده دوري المرحلة الجاية...
ثم تناولت دفتر وصفاتها الطبية لتسأله باهتمام:
_بتقول ما نمتش من وقتها ؟!
أومأ برأسه إيجاباً فهزت رأسها لتكتب شيئاً ما بينما تردف:
_أفتكر ده الوقت اللي محتاجين نتدخل فيه بأدوية...فترة بسيطة وبعدين نسحبها بالتدريج ...وهنضاعف عدد الجلسات ...ده طبعاً لو معندكش مانع....
ثم صمتت لحظة لتردف:
_واشغل نفسك على أد ما تقدر ...ماتسيبش دماغك لدماغك !
=========
_يامن...حمداً لله ع السلامة !

هتفت بها نبيلة وهي تستقبله ليفاجئها بارتمائه بين ذراعيها !
أصدرت آهة قلق وهي تضمه بدورها قبل أن تربت على ظهره وعيناها تدمعان مع شعورها بارتجاف جسده ...

ظلت صامتة لدقيقة كاملة تنتظر منه أي حركة لكنه لكنه كان أضعف من أن يفعل أو يقول شيئاً...
ولما يأست من مبادرته رفعت هي إليه عينيها لتسأله السؤال الذي يؤرق بالها :
_شفتها؟! ابنك كويس؟!!

كانت هذه أكثر إجابة تنتظرها بعدما علمت أن ياسمين لا تزال محتفظة بحملها !
فاجعتها في فقدان ابنه من سيلين والذي حملته بين ذراعيها يوماً لم يكن لها مايعوضها إلا فرحة كهذه ...
لهذا ما كاد يومئ برأسه بإيجاب حتى فعلت ما لم تظن نفسها ستفعله يوماً !!
لقد أطلقت زغرودة !!

زغرودة جعلت يامن ينتفض مكانه بقوة وقد فاجأه تصرفها قبل أن تعيده لعناق أكثر حرارة وهي تهتف بفرحة :
_مبروك يا حبيبي ...ألف ألف مبروك .

_بيللا بتزغرط ؟! إيه اللي حصل في الدنيا ؟!

هتفت بها رانيا بدهشة وهي تخرج من غرفتها على صوتها لتهتف بها نبيلة بسعادة :
_باركي ل"مانّو" ...ياسمين حامل وقريب هنشيل ولي العهد .

ابتسمت رانيا بطيبة وهي تتقدم لتصافحه بحرارة معلنة عن مباركاتها ...
قبل أن يفتح باب الشقة من جديد خلفه لتدخل منه داليا هاتفة بشقاوتها المعهودة :
_ماصدقتش وداني ...الزغاريط دي من عندنا ...البيت المنحوس ده بيعرف يفرح ؟!

ضحكت نبيلة وهي تعيد سرد الخبر لتهتف داليا وهي تحرك قبضتها بحركتها المعهودة :
_وااااو ...طلعتِ أروبة يا ياسّو ...أيوة كده !
_فيه إيه عشان الهيصة دي؟!
والهتاف كان لهانيا التي خرجت من الغرفة لتهتف كل من نبيلة وداليا ورانيا في نفس واحد :
_ياسمين لسه حامل .

واحدة أخرى تنضم للسيرك الكبير الذي أحاط به وهن يدرن حوله يرددن عباراتهن المرحة فارتسمت على شفتيه ابتسامة حقيقية وهو يشعر أن هذا الدفء هو ما يحتاجه حقاً ليتجاوز أزمته...

_ماجبتهاش معاك ليه ؟!
_ماصالحتهاش؟!
_اوعى تكون هتسيبها!
_النونو ولد واللا بنت ؟!
_هنسميه إيه ؟!

عباراتهن المندفعة تحاصره لتنتهي بقول بيللا الحاسم:
_بص بقا أنا صبرت عليك كتير بس المرة دي لأ...لو ما رجعتهاش هاسافر أنا واجيبها بنفسي ...مش هاسيب ابنك يتربى بعيد عن عيني أنا بقوللك أهه.

اتسعت ابتسامته وهو يرى أنهن لا يمنحنه حتى فرصة الحديث !
الفرحة العارمة التي شملت المكان تجعلهن يهتفن ويتضاحكن حوله وكأنهن يعتبرن رجوعه لها مجرد تحصيل حاصل !!
آه...ليت الأمر بهذه البساطة !
أفضل ما في الأمر أن الجو المرح الدافئ هذا جعل روحه القلقة تستقر قليلاً لهذا تقدم ليسترخي على أحد الأرائك تاركاً لهن ثرثرتهن ...
قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة واهنة وهو يحاول تطبيق نصيحة ياقوت ...
لن يحاول تذكر شيئ من هذه الرحلة مؤقتاً إلا صورتها وهي تهرع إليه كي تحتضنه !

_هاحضر لك العشا زمانك جعان .
قالتها نبيلة وهي تتجه نحو المطبخ بينما التفت هو نحو داليا كي يبدأ بممارسة مهامه :
_جاية منين دلوقت؟!
قالها وهو ينظر في ساعته لتجيبه وكأنها قد حضرت الإجابة سلفاً:
_من الجمعية...مفيش تأخير عن تسعة أهه...وصاحبك يشهد .
فابتسم وهو يسألها ببعض القلق:
_مروان عامل معاكِ إيه ؟!
كانت تعلم مغزى سؤاله لهذا ابتسمت لتقول بابتسامة حملت أسفها:
_هو حد كويس جداً...ابقى أسأله لو كان هو اللي سامحني .
_مروان ابن حلال ومش بيشيل من حد .
قالها بحذر محاولاً تبين شيئ ما من مشاعرها تجاه عرض صديقه القديم لكن تحفظها جعله يوقن أن هذا الباب موصد خاصة عندما قالت بحرج:
_هو فعلاً يستاهل كل خير .
قالتها ثم غادرته لغرفتها وكأنها تهرب من مناقشة هذا الأمر فتنهد بيأس وهو يتمنى لو تبادل صديقه مشاعره حقاً...
لن يستطيع أن يأتمن أحداً عليها ك"مروان"!
وعند الخاطر الأخير عادت ابتسامته السوداء تجتاح شفتيه وهو يتذكر كيف ظن الظنون بصديقه هذا يوماً !!
ترى هل سيأتي اليوم الذي يبرأ فيه من سلطان وساوسه هذا تماماً؟!!

لكنه نفض عنه هذا الخاطر وهو مستمر في تأدية دوره كربٍّ لهذه العائلة عندما توجه ببصره نحو رانيا ليسألها باهتمام :
_أخبار أشرف إيه ؟!
_بيتحسن في العلاج بس لسه رافض الكلام ...لكن الخبر الحلو إن نشوى هتفتح المصنع تاني خلاص ...ينفع أساعدها ؟!
لم يدرِ هل قالتها كاستفهام حقيقي أم أنها تطلب إذنه ...
لكنه منحها الجواب الذي رآه:
_لازم تساعديها ...أشرف هيتحسن أكتر لو خرج لقاكم انتم الاتنين في الصورة .
ابتسامتها الراضية كانت خير مكافأة له على رأيه هذا قبل أن تكرر مباركتها له لتغادر نحو غرفتها هي الأخرى ...
هنا استدار هو نحو هانيا ليسألها باهتمامه الحاني:
_وانتِ أخبارك إيه ؟!
تنهدت بحرارة وهي تطرق برأسها لتقول بصوت مكتوم :
_مامة رامز كانت لسه هنا من شوية ...طلبت مني بنفسها إني أوافق أرجع له ...اتحرجت جداً ...ماعرفتش أقوللها إيه .
فابتسم وهو يمنحها الإجابة التي رآها منطقية هاهنا:
_قولي لها موافقة .
_وأنا كده يا يامن ؟!
قالتها وهي ترفع ذراعها المجبر لتشير بكفها السليم الآخر نحو حروق رقبتها وكتفيها المختبئة خلف ملابسها ...
فهز رأسه مؤكداً ليجيبها بما يخاطب عقلها:
_تفتكري فيه أكبر من كده امتحان لمشاعره ناحيتك ؟!
_انت شايف كده ؟!
النبرة المهتزة التي كانت تسأل بها كانت وحدها كافية لتخبره برغبتها الخفية في هذا ...
والتي يدرك أنها تريد منه دعمها فيها ...
هذا الدعم الذي لم يبخل هو به عندما قال بحزم رفيق:
_ارجعيله يا هانيا.

لتنطلق من نبيلة الزغرودة الثانية لهذه الليلة !
========
ليس الحب أن ترجح كفتي في الميزان...
الحب أن أكون أنا الميزان!
ليس الحب أن يوافق شخصي مزاجك...
الحب أن أكون أنا "مزاجك"!
ليس الحب أن "تلمس" كفي، "تشم" عطري،"تسمع"صوتي،"تتذوق" أنوثتي،"ترى"فتنتي...
بل الحب أن تفقد حواسك كلها عندما تكون معي فلا تدرك إلا أنك انصهرت بي فلم يعد هناك "أنا"و"أنت" بل أنت أنا وأنا أنت....
لهذا أزعم أنني أحبك بكل ما أوتيت من قوة ...
فهل أحببتني أنت ؟!
=========
_البيت وحشك ؟!
قالها رامز وهو يغلق باب شقتهما خلفها لتطرق هي برأسها دون رد ...
ها قد بدأ الاختبار الحقيقي الذي ستخرج منه بأقوى نصر أو أقسى هزيمة !!

ربما لهذا ارتجف جسدها بخوف حقيقي لتستند على الباب بظهرها ...
شتان بين امرأة خرجت من هذا البيت يوماً برغبتها تتباهى بقوتها وزهدها في الحب ...
وهذه التي تقف الآن مجبّرة الذراع ...مشوهة الجسد ...تتمنى لو تصدقها الأقدار ما تظنها قد وعدتها به من فرح !

هذا الصراع الذي كان هو يدركه جيداً وهو يقترب منها حتى كاد يلصقها به...
أنامله تتلمس ملامحها بهيام مع همسه الدافئ:
_عندي طلب وعارف إنك هتطلعي روحي عشان تعمليه...بس هتعمليه .
رفعت إليه عينين تجتاحهما انفعالاتها ليردف ولايزال يرسم ملامحها بأنامله :
_مش رجعنا بعقد جديد ؟! ..وعهد جديد ؟!!..عايز أول كلمة أسمعها منك الليلة دي ودلوقت ...هي الكلمة اللي قلتيهالي الليلة إياها.

أسدلت جفنيها ببطء وهي تشعر بطلبه هذا يزيد وهنها أكثر ...
يزيد خوفها أكثر ...
الخذلان هذه المرة سيكون مرادفاً للموت !
لهذا تحشرج همسها بين قوة وضعف لتهمس بعينين مغمضتين :
_أنا عمري ما قلت الكلمة دي لحد إلا ليك...ولما حسيت إن عمري خلاص هينتهي ...كنت خايفة أموت وادفنها معايا زي حاجات كتير حلوة اتعودت أدفنها ...

شعرت بشفتيه الدافئتين تعانقان وجنتها بخفة دون أن يقاطعها بكلمة ...
لتردف بنفس النبرة المتأرجحة بين خوف وكبرياء:
_أنا مش ذوقك...وانت كمان ماكنتش ذوقي...أنا مش الست اللي بتعرف تتدلع وتدلع...وانت مش الراجل اللي يشبه أبويا الله يرحمه ...اللي مايعرفش غير طريق شغله وبيته...ومفيش في باله غير عيشة هادية عادية تكمل بالستر ...بس أنا حبيتك زي ماانت ...انت هتفضل تحبني وأنا زي ما أنا؟!

_مش ده امتحاني اللي وافقتِ ترجعيلي عشان تعمليه ؟!
همس بها بنبرة واثقة جعلتها تفتح عينيها التائهتين بين تصديق وتكذيب ...
ليردف وشفتاه تجددان العهد فوق شفتيها :
_خلاص ...سيبيني أحل!

ضحكتها المكتومة ذابت في لهيب إحساسها وهي تتلقى عطايا عشقه عندما شعرت به يحملها مراعياً ذراعها المصاب قبل أن تجد نفسها على فراشهما ...
اللهفة الحانية بين حنايا عاطفته كانت أوضح من أي إنكار ...
لكنها عندما شعرت بكتفيها يكادان ينكشفان أمسكت كفه بقوة لتهتف بحزم عبر أنفاسها اللاهثة :
_شرطي يا رامز .

ربما في موقف آخر كان ليطلق زفرة ضيق أو حتى نظرة عاتبة...
لكن حسن تفهمه لما تعانيه جعله يبتعد قليلاً ليتوجه نحو زر الإضاءة...
ويغلقه !!!
أجل ...كان هذا شرطها الذي لم يتعجبه كثيراً في الواقع فلطالما كانت هذه عادتها ...
لكنه الآن يدرك أنها لم تعد مجرد عادة بل صارت خط دفاع!
خط دفاع ضد ما تظنه سيثير نفوره ...لكنه ليس متعجلاً كي يقنعها بالعكس ...

لهذا عاد يتقدم نحوها ليشرف عليها بوجهه ...
قبل أن يحيط وجنتيها براحتيه هامساً :
_وعد مني ...زي ما قدرت أوصل لقلبك هاوصل لدماغك دي ...

وكان هذا آخر ما وعته قبل أن يجرفها طوفان عاطفة مجنونة أشعلت ليلتهما كاملة ...
وأخيراً أشرق الفجر على جسديهما المتعانقين كقلبيهما ...
لتكون هي أول من استيقظت ولا يزال اليوم السابق يعدو في ذهنها كالحلم !
هل عادت إليه حقاً؟!
هل كان يعاملها بكل هذه الرقة ...وبكل هذا الشغف ؟!
فقط ...لأنه لم يرَ!

والهاجس الأخير يلوث ابتسامة داعبت شفتيها لكنها لم تستسلم له كثيراً وهي تغادر الفراش لتحاول بدء يومها بصورة طبيعية قبل استيقاظه...
اغتسلت وأدت صلاتها ثم توجهت نحو خزانة ملابسها مترددة فيما ترتديه...
قديماً كانت تبرأ من أي ثياب مكشوفة تظهر أنوثتها ...
واليوم تبرأ منها أيضاً لكن لأنها صارت تظهر تشوهها !!

لكن خاطراً ما بعثه "كبرياؤها" جعلها تلتفت لوجهه النائم بعمق على الفراش قبل أن تعود ببصرها نحو الخزانة حيث منامة ما كان قد أهداها لها يوماً بلون "ليلكي" هادئ ...
خامتها تلتصق بالجسد كجلد ثان...ومحلاة بتطريز رقيق على الصدر والكمّين...لكن ما يميزها الآن حقاً هو ياقتها الطويلة التي ستغطي رقبتها وكتفيها !!!
لهذا لم تتردد وهي تحملها معها لغرفة أخرى قبل أن تشرع بارتدائها لتعاود تأمل نفسها في المرآة ...
رباه !
هي تحتاج الآن أن ترى نفسها جميلة...
بل أن يراها هو كذلك !!!
شعور لم تختبره من قبل وهي التي كانت كافرة بكل هذا الهراء!!!
ربما ما يحركها الآن هو شعورها بالنقص!
وربما العكس!!
ربما ما يملأها الآن هو رغبتها بالكمال في عينين صارت ترى العالم عبر عشقهما !!!

لهذا أطالت الوقوف أمام المرآة لدقائق ...
أدوات التجميل التي تثير اشمئزازها كانت رفيقتها في رحلة قصيرة ...
رتوش بسيطة لكنها أضافت لوجهها رونقاً منحها المزيد من الثقة...
خاصة مع طلاء الشفاه اللامع الذي جعلها تطلق شهقة خافتة وهي ترى نفسها به ...
قبل أن تعدو بسرعة هاربة من صورتها بالمرآة !!!

صراعٌ رهيب يدور في جنباتها وهي تشعر بخزي لا تدري كيف تدفعه عنها ...
هي لم تفعل عيباً ولا حراماً...
لماذا إذن هذه الغصة في حلقها ؟!
لماذا هذا الارتجاف وهي تشعر أنها تنحدر نحو الجرف الذي طالما حذرت نفسها منه ؟!!
هي تتزين ...لرجل؟!!
هزلت!!


زفرت بسخط وهي تحاول دفع هذا الخاطر عنها لتتوجه نحو المطبخ محاولة إعداد الفطور ...
كانت تريد أن تحضر له صينية الطعام في الفراش لكنها نظرت لذراعها اليمنى بعجز قبل أن تضع الأطباق واحداً واحداً على مائدة المطبخ ...
ولم تكد تنتهي من وضع آخر طبق حتى شعرت بذراعه يطوق خصرها من الخلف مع تمتمه العابثة :
_أول مخالفة ...سبتي السرير من غير إذن !
فالتفتت نحوه بحدة ليرتفع حاجباه هو بدهشة وهو يميز ملامحها المزينة ليهتف بمرح مستنكر:
_حاطة "روج"؟! شربتِ بانجو واللا لسه يا "سعدية"؟!!

قالها مقلداً أحد مشاهد الأفلام الشهيرة لتتخضب وجنتاها بحمرة خجلها وهي تحاول التملص من ذراعه الذي ازداد تشبثاً بها وهو يستدير ليعتدل بجسده أمامها بينما يقترب بشفتيه مردفاً :
_وكمان ريحته فراولة...لا لازم أدوق!

دفعته بغيظ من طريقته هذه التي تزيد حرجها ...
لكنها تزيد ثقتها في نفسها ...
الوغد يضحك !!!
كأنه يفهم ما تعانيه !!!
كلما تهرب بوجهها لناحية يلاحقها حتى أفسد طلاء شفتيها !!!

_اقعد كل وبطل حركات السيرك دي ...آه...رامز ...بتضغط على دراعي.

هتفت بها باستنكار غير حقيقي كاتمة ضحكاتها ليهتف بنفس المرح العابث وهو يتأمل هيئتها التي بدت في عينيه شديدة الإغواء:
_ما انتِ حلوة أهه...امال عاملة لي فيها حسب الله بعضشي ليه ؟! أبوس إيدك تثبتي التردد ع القناة دي!

تجاهلت عبارته كما يفترض وهي تتمكن أخيراً من إبعاده لتجلس على كرسي المائدة قائلة بينما تتحاشى نظراته :
_أنا جعانة .
قالتها وهي تبدأ بتناول الطعام ليبتسم وهو يسحب كرسيه ليجلس ملتصقاً بها مع قوله :
_واستعجلتِ ليه ؟! ده انا كنت هاعمل لك مفاجأة وأحضر لك الفطار في السرير .

ابتسمت لتوارد الفكرة لكنها أطرقت برأسها فرفع ذقنها نحوه ليتأمل ملامحها هامساً بدفء هذه المرة :
_عمري ما شفتك جميلة زي النهارده ...مش عشان اللي في بالك...بس عشان عارف قيمة إن انتِ بالذات تعمليه عشاني .

_مش عشانك !
هتفت بها دون وعي وكأن عقلها الباطن لايزال يصارع قناعاته ليمط شفتيه باستياء مع رده :
_هرمون الدبش اشتغل تاني أهه...احمينا يارب!

أطلقت ضحكة عالية وهي تعود برأسها للخلف في حركة عفوية ...
حركة جعلت ياقة منامتها تنكشف عن جزء يسير جداً من حرق رقبتها ...
هذا الذي تعلقت به عيناه رغماً عنه في لحظة خاطفة لكنها كانت كافية لتدرك هي ما رآه وتضم الياقة على رقبتها وهي تطرق بوجهها في وجوم كأن ضحكتها السابقة لم تكن !!

لكنه لم يكن ليسمح لهذا الشعور أن يتملكها أكثر لتفاجأ به يضمها نحوه متملكاً خصرها بأحد ذراعيه بينما يثبت رأسها بالآخر ...
ليغرس قبلاته غرساً فوق "ما تظنه هي نقطة ضعف"!!!
كانت مغامرة غير محسوبة منه وهو يزيح ياقة المنامة ببعض العنف مدركاً أنه يتلاعب ب"شرطها" الذي وضعته ...
لكنه لم يكن يعنيه الآن إلا أن يمحو عنها نظرة الانتقاص هذه التي رآها في عينيها ...
تأوهات اعتراضها الصاخبة تخف حدتها رويداً رويداً لتجد نفسها تستجيب له ...
صوت طبق ما جوارها يتكسر من عنف حركته لكنها لم تكن تسمع سوى هدير الصراع الذي عاد يزأر بين جنباتها ...
جميل هذا الحب...جميل!!
لكن إلى متى سيصمد ...
تجرؤين على تخيل الجواب؟!
=======
_الأرانب بقت أحسن م الأول!
هتفت بها إيناس صباحاً برضا امتزج بمرحها المعهود وهي تتأبط ذراع غادة التي وقفت تراقبهم بحنان ...
قبل أن تردف:
_سيف يستاهل عزومة المشاوي اللي عاملاها لهم النهارده .

فالتفتت نحوها غادة بملامح لم تملك انزعاجها مع غمغمتها:
_هم هييجوا النهارده ؟!
تنهدت إيناس بأسى اكتسح ملامحها الحنون لتطرق برأسها قائلة :
_النهاردة عيد ميلاد هاني الله يرحمه ...كل سنة بيقضوه معانا هنا .

تحول الانزعاج في ملامح غادة لمزيج من الإشفاق والامتنان لهذيْن الرجليْن اللذين لايزالان يشاطران هذه العائلة مصيبتها ...
لتقترب من إيناس أكثر فتضمها إليها بعناق دافئ أجزأها عن الكلمات ...
قبل أن ترفع إليها إيناس عينيها بقولها :
_ربنا كريم قوي ...أخد مننا ابن وعوضنا باتنين ...
والقبلة الدافئة التي منحتها غادة لرأسها جعلتها تردف غير كاذبة :
_لا ...تلاتة !

ابتسمت غادة وهي تعاود تقبيل رأسها قبل أن تسير معها للخارج نحو الجزء المكشوف من المزرعة ...
الشمس الساطعة مع النسيم الهادئ و رائحة العشب البرية تمنحها جميعها مزيج من شعور السكينة مع الانطلاق ...
عمرٌ جديد!
هذا ببساطة ما تعيشه هنا في اسطنبول مع هذه العائلة ...
روح جديدة تتملكها وتزداد سيطرتها عليها يوماً بعد يوم ...
روح مطمئنة...متفائلة...والأهم أنها قوية !
قوية حد أنها أنستها حياتها السابقة كلها ...
كلها عدا ...

الخاطر الأخير ينتهي بمداعبتها لدبلة أحمد في إصبعها ...
"تميمة الحفظ" التي ستبقى تعلقها على صدر قلبها كي تقيه الشرور !

_حسيت إنك اتضايقتي لما عرفتِ إن سيف وإسلام جايين .
قالتها إيناس السائرة الهوينى جوارها لتجيبها ببعض الارتباك :
_لا ...أبداً...ده شيئ ما يخصنيش...
والنظرة العاتبة الحنون في عيني إيناس جعلتها تطرق برأسها لتستجمع قوتها بقولها:
_أنا سمعتهم بيتكلموا عن رغبة إسلام في إنه يرتبط بيا ليلتها ...ووجوده هنا معايا بعد اللي حصل ممكن يبقى معناه موافقة مني ...
_وانتِ مش موافقة عليه ؟!
سألتها إيناس بترقب لترد غادة ببعض الانفعال:
_موافقة على إيه ؟! هو أصلاً ما اتصرفش أي تصرف جد...كلها حركات مراهقين وكلام من تحت لتحت ...كان ممكن أطنش بس دلوقت هو عارف إني سمعتهم ليلتها ...الموقف كله ملخبط ومش عارفة أتصرف إزاي.
_يعني دي المشكلة ...تحبي نزنقه يتكلم جد ؟!
قالتها إيناس بمكر وهي تتفحص ملامحها لترد غادة بسرعة:
_لا لا لا...مش قصدي طبعاً...أنا بس ...
قطعت عبارتها تبحث عن تكملة مناسبة ...
قبل أن تتوقف مكانها لتجلس متربعة على العشب ورأسها يرتفع للسماء فيما بدا كدعاء صامت سبق قولها :
_أنا لسه بحب أحمد ...مش متقبلة أبداً فكرة إني أرتبط بحد تاني ...أكيد عارفة إن ده مش منطقي لواحدة في سني وظروفي ...ومقتنعة جداً إن الحياة ما بتقفش عند حد مهما كان غالي علينا ...كل الكلام ده سهل جداً وعقلاني وصحيح ...بس ...من امتى قلوبنا بتسمع صوت عقل؟!
جلست إيناس على نفس هيئتها قبالتها لتربت على ركبتها قائلة :
_الحكاية محتاجة قوة...ودي حاجة مش ناقصاكي ...الحقي عمرك اللي بيجري واكتبي قصة جديدة.
فدمعت عينا غادة بقوة مع إشاحتها بوجهها بينما تردف:
_ما هي دي المشكلة...القوة اللي انتِ شايفاها دي مصدرها أحمد ...هو طاقة النور اللي جوايا ...حتى بعد موته ...كل موقف صعب كنت بعديه بس عشان كنت بتخيله جنبي ساندني ...أنا في لحظة معينة لما هانت عليا الحياة وكنت هاموّت نفسي خدت مخدته في حضني عشان تبقى آخر حاجة شفتها ...ولما ربنا كتب لي الحياة تاني ماقمتش غير بسبب جواب قديم منه ...
ثم لوحت بكفيها مردفة بصوت مرتجف:
_متخيلة ؟! كام كلمة بس منه عملوا فيا إيه ؟! ردوا لي روحي تاني ...حتى وجودي هنا دلوقت ...حياتي الجميلة الهادية وسطكم ...كل ده متلون بطيفه هو ...حاساه لسه جنبي راسم دايرة كبيرة حواليا بيحضنني فيها ...وأي خطوة ليا بره الدايرة دي هرجع أقع تاني .

ابتسمت إيناس بتفهم وهي تعاود التربيت على ركبتها قائلة :
_محدش ممكن يفهم إحساسك أدي ...عشان كده بنصحك باللي بعمله...هم في قلوبنا عمرنا ما هننساهم ...بس لازم نقبل عوض ربنا ...هديته اللي بيبعتهالنا بكرم يليق بيه سبحانه ما ينفعش نردها ...اوعديني تخرجي من الدايرة دي يا غادة ...حاولي وأنا واثقة إنك هتقدري .

_انتِ عايزاني أرتبط بإسلام؟!
سألتها غادة بقنوط وهي تطرق برأسها لكن إيناس رفعت ذقنها نحوها لتغمرها بعاطفة عينيها مع قولها :
_أنا عايزاكي تبقي مبسوطة ...ماانكرش إن جوايا رغبة إني أشوفكم سعدا مع بعض ...بس اتأكدي إني أنا وعمك عمرنا ما هنجبرك على حاجة ومعاكي في أي قرار تاخديه ...
ثم ضحكت لتردف :
_بصراحة عمك علاء مقلق من إسلام ...ده حتى صارح سيف بكده ...لكن أنا بالعكس شايفاكم لايقين جداً لبعض .
لم تلتقط من عبارتها سوى حديثها عن سيف لتتأوه بخفوت مع قولها الحرج:
_هو خلاص الموضوع بقا ع المشاع كده ؟!
لكن إيناس ضحكت لترد ببساطتها الحنون:
_سيف وإسلام إخوات...وأي حاجة تخص حد فيهم أوتوماتيك كده تبقا تخص التاني.

أطرقت غادة برأسها وهي تشعر بالمزيد من الضيق ...
هي تعلم أنهما لن يجبراها على أي وضع لكن وجود إسلام هنا يبدو أنه لا مفر منه ...
هو "رائحة الغالي الراحل" التي تهوّن عليهما عظمة مصابهما!
ليس هو فقط ...هو و...سيف هذا!
تباً!
عندما أخبرها والد أحمد في مصر أنها ستسافر لأخيه في اسطنبول طرأ لها خاطر ما أنها قد تقابل أخا رامز هناك...
خاطر ضحكت منه ساخرة وهي تقول لنفسها أن البلد الكبير الذي سيعج بساكنيه لن يجعلها تتعثر في رجل تعرفه !
لكن ها هي ذي تلتقي به ...
مجرد لقائين فقط ...
أحدهما مشتعل بنكهة غضبه...والآخر دافئ بمذاق اعتذاره ...
وكلاهما فعل بها الأفاعيل ...
ربما لأن الأول استنفر قوتها المستحدثة التي تجاهد للحفاظ عليها ...
بينما أذكى الآخر وهج شعورها بالحنين لصديقتها ووطنها ...
وعند الخاطر الأخير تذكرت مكالمتها لهانيا بعدما علمت عن الحادث والتي انتهت بقول الأخيرة :

_أنا فرحانة جداً إنك قابلت سيف...دلوقت ممكن أطمن عليكِ...سيف جدع وهياخد باله منك ...هو قفل شوية بس يعتمد عليه .

_شوفوا مين اللي بتتكلم ع القفل ؟! الشاويش هانيا؟!!
خاطر ساخر يعاود اجتياح روحها لترتسم على شفتيها ابتسامة واهنة وهي تقارن بين الاثنين ...
هانيا وسيف!
كلاهما فظ غليظ الطباع من الخارج ...وإن كانت تتفهم طباع هانيا الحنون ودوافعها لهذا المظهر ...
فماذا عن سيف هذا ؟!
تراه يملك -مثلها- نفس الباطن والدافع؟!!

_أنا فرحت جداً لما قبلتِ اعتذاره كده ببساطة من غير كلام كتير ...
انتزعتها بها إيناس من شرودها لتلتفت نحوها بينما الأخيرة تردف بنفس النبرة الحانية:
_سيف ده بالذات بيقطع في قلبي قوي ...من ساعة مراته اللي يرحمها ما ماتت وهو عازل نفسه عن الدنيا بحالها .
_مراته ؟! هو كان متجوز؟!
سألتها غادة بدهشة وهي تتذكر سمعته "كعازب أبديّ" بين عائلته ...
لتجيبها إيناس ببعض الأسى:
_محدش في مصر يعرف ...هو كان شارط على آنجيل كده !
اتسعت عيناها بترقب مع سماع الاسم لتجد نفسها مهتمة بسماع التفاصيل:
_آنجيل؟! كانت تركية ؟!

تأوهت إيناس بقوة وهي تتحرك لتمد ساقيها أمامها بقولها الذي عادت إليه نكهة المرح:
_نمدد بقا مادام الحكاية شكلها هتطول ...
ابتسمت غادة وعيناها تلتمعان بفضول مع حديث إيناس ...

_انجيل كانت اسم على مسمى...بنت لبنانية سابت بلدها وجت استقرت هنا بعد ما باباها ومامتها اتوفوا هناك...كانت غاوية فوتوجرافي ...عينيها الخبيرة كانت بتلقط الجمال في أي شيئ تشوفه ...يمكن عشان كده قدرت تشوف في سيف عمق أحلى بكتير مما يبان عليه ...

تحفزت حواس غادة للحكاية التي لم تكن تعلم عنها شيئاً فأصدرت همهمة تحفيزية تحث إيناس على الاستطراد ...

_أي حد كان يشوفهم من بعيد كان يقول قصتهم هتفشل...آنجيل متحررة بتكره أي قيد ...جو الحرب والموت اللي جت منه لهنا عمل منها ست عايشة تستمتع بكل لحظة في الحياة...عايزة تضحك وتغني وترقص عكس سيف بطبيعته المتزمتة المستقيمة الرافضة لكل ده ...كانوا بيتخانقوا كتير لحد ما اتفاجئنا في يوم انهم اتجوزوا!

أصدرت غادة آهة تعجب لتبتسم إيناس ابتسامة شجن وكأنها تستعيد ذكرى غالية موجعة:
_بس هاني حبيبي مكانش بيخبي عني حاجة...قاللي السر اللي محدش يعرفه...انجيل غلطت مع سيف ...من وجهة نظرها كانت شايفة إنها ماعملتش حاجة غلط لما تسلم نفسها لراجل بتحبه خصوصاً إنه كان أول راجل في حياتها ...لكن رجل بعقلية سيف الشرقية كان شايفها جريمة شاركها فيها في لحظة ضعف وصلحها بعقد جواز ...

عقدت غادة حاجبيها محاولة عدم الانحياز ...
لكنها لم تستطع منع عبارتها الحمائية :
_يعني هي كانت شربته حاجة صفرا قبل ما يعمل عملته؟! واللا هي مابقتش جريمة إلا بعد ما خد غرضه منها؟!!
_سيف مش ندل ...هو كان عارف إنه غلط أكتر منها وعشان كده سرّع بعقد الجواز من غير ما هي تطلب ...
قالتها إيناس مدافعة لترد غادة مدفوعة ب"عقدتها القديمة":
_بس أكيد سود عيشتها بعدها ...أكيد كل ساعة كان بيفكرها بذنبها القديم وإنه اتفضل واتكرم عليها لما ستر الغلطة ...الحب والهيام اختفوا ورا مشنقة راجل شرقي شايف إنه منزّه مابيغلطش وإن الست هي دايما شيطان الحكاية !!!

الثورة التي كانت تتحدث بها غادة جعلت إيناس ترفع حاجبيها بدهشة لتغمغم بنفس النبرة المدافعة :
_الحكاية مش بالبشاعة اللي انتِ متصوراها ...سيف فعلاً كان بيحبها ...بس زي أي راجل شرقي ماتقبلش مراته تسلم نفسها قبل الجواز .
_وعشان كده خبّا جوازه منها عن الكل ؟! اتعامل معاها زي أي غلطة بيستعر منها ؟!
غمغمت بها غادة بابتسامة ساخرة فتنهدت إيناس لترد بنبرة اجتاحها الحزن:
_يظهر فعلاً أن ده اللي هي كمان فهمته ...حياتهم بعدها كانت ملخبطة...معرفش تفاصيل بس اللي أعرفه إن ملامحها كانت بتدبل كل يوم عن اللي قبله ...لحد ما وصلوا للعقبة اللي ماقدروش يتجاوزوها ...

حاولت غادة تهدئة خفقاتها الثائرة وهي تحاول ربط الأحداث مع سبب وفاة المرأة لتستطرد إيناس بنفس الأسف:
_كانوا متفقين مايبقاش فيه أطفال ...من ناحية لأن آنجيل كانت مريضة قلب من صغرها والدكاترة كانوا محذرينها من خطورة الوضع ...ومن ناحية تانية لأن سيف نفسه مكانش مقتنع إن هي دي الزوجة اللي ممكن يكمل معاها ...رغم إنها كانت الحب الوحيد في حياته بس فضلت الغلطة القديمة حاجز بينهم خصوصاً مع تحرر آنجيل الزايد اللي ماقدرش هو يلجمه ...لكن المسكينة لما لقت إن حياتهم مع بعض متهددة والحب بيبهت يوم ورا يوم خدت القرار لوحدها وفاجأته في يوم إنها حامل ...
_وبعدين؟!
سألتها غادة وهي تعدل وضع جلستها لتقترب منها أكثر مستندة على ركبتيها فتنهدت إيناس باستطرادها:
_سيف بطبيعته الانفعالية ماتفهمش رغبتها ...افتكر إنها بتلوي دراعه عشان جوازهم ياخد شكل تاني ...ثورته حسستها إن التضحية اللي هي عملتها كانت من غير تمن ...طلبت الطلاق والعند خلاها تتمادى أكتر من الأول ...كل يوم سهر وشرب لحد الصبح ...والصور اللي بتوصلله على تليفونه ليها بتأكد له إن كان معاه حق ...هي بتعند وهو بيعند لحد ما جه وقت الولادة ...
ثم صمتت لحظة لتردف:
_راحوا الاتنين ...هي والبيبي!
شهقت غادة بارتياع وهي تغطي شفتيها براحتها لتزفر إيناس بأسى يليق بقولها:
_ومن ساعتها وسيف محمل نفسه الذنب ...رافض يكمل حياته وهو شايف نفسه السبب في اللي حصللها ...عمك علاء حاول معاه كتير يتأقلم ويحاول ينسى لكن هو حابس نفسه في سجن الماضي وشايف ده التكفير الوحيد لغلطته .
ارتخت ملامح غادة ببعض الإشفاق الذي خالط ثورتها القديمة ...
"القاضي والجلاد"!!
هكذا نصب نفسه سيف إذن!!
حكم على حبيبته فجلدها حتى الموت ...
والآن يحكم بذات الحكم على نفسه !!!
ترى أيهما كان المنكوب بصاحبه ؟!!
هي أم هو؟!!
===========
_وده إيه اللي انت جايبه معانا ده ؟!
سأله سيف باستنكار وهو يستقل سيارة إسلام الذي ابتسم مجيباً ببساطة:
_غزل بنات ! عرفت إن غادة بتحبه قوي!

مط سيف شفتيه باستياء وهو يشيح بوجهه نحو جانب الطريق الذي تقطعه السيارة نحو المزرعة ليستطرد إسلام بنبرته الحماسية :
_جبت لعمو علاء اسطوانة فريد الأطرش اللي كان دايخ عليها ...ول"أنّا" طاقم فضة ماركيز م اللي بتحبها...كان نفسي أجيب لغادة كمان هدية بس عمك قارش ملحتي من اليوم إياه ومش عايز أعصبه .
كتم سيف ضيقه وهو يقول دون أن ينظر إليه :
_اتصرف عادي لحد ما تقدر تتقدم رسمي ...مش بتقول والدتك رافضة ؟!
_رافضة بس؟! دي صرخت في وشي أول ما عرفت إنها أرملة ...وهوبا العرق التركي نقح ...أدبسيس ...خرسيس ...إسلام ابن حسين رجائي يتجوز واحدة من غير أصل ولا فصل ...وكمان كانت متجوزة ...وقفلت السكة في وشي ومن وقتها مش عايزة ترد !
قالها إسلام بمرحه العابث الذي امتزج بأسف حقيقي مع استطراده :
_مش عارف أقنعها إزاي ...وكمان مش عايز أزعلها ...مش كفاية اللي أبويا مخبيه عليها وياعالم هيتكشف واللا لا؟!
ثم ابتسم ساخراً ليردف:
_تخيل صدمتها لما تعرف إن حسين رجائي اللي طايرة بيه ده كان بيخونها مع الخدامة ومخلف منها بنتين ؟!

عاد سيف إليه ببصره وهو يدرك حساسية صديقه لهذا الأمر ...
صديقه الذي تلقى صدمة عمره في أبيه المثالي كما كان يراه ...
ليكتشف مصادفةً أمر ابنتيه هاتين!!
مصادفة جعلته يستمع مرة دون قصد لاتصاله مع إحداهن كشف له الحقيقة المستترة خلف الرجل المرح والزوج المخلص !!
ربما لهذا لم يحتمل النظر في وجه أمه وهو يشعر أنه يشارك أباه تلك الجريمة بتستره عليها ...
لهذا قرر السفر وترك كل شيئ خلفه !!!

_سيبها للوقت ...بس لحد ما تعرف راسك من رجليك ماتحاولش تشاغل غادة ...بنات الناس مش لعبة .

قالها سيف بنبرته الحازمة التي يدرك صديقه أي حنان تخفيه خلفها ...
ربما لهذا التفت نحوه باسماً بقوله :
_ادعيلنا بالثبات يا سيدنا ...بتاع البرقوق آخرته هيلبس القفص ذات نفسه في دماغه !

ضحك سيف للتشبيه قبل أن يعاود الإشاحة بوجهه لعله يخفي ضيقه الخفي ...
منذ ظهرت غادة هذه وهي تدفع بذكرياته الدفينة لتطفو فوق السطح ...
رغم أنها لا تشبه إنجي في ملامحها لكنه لا يعرف الصلة التي تدفعه ليستحضرها بصورتها ...
ربما لأنه ظلمها هي في أول لقاء ...كما فعل بها !
وربما لأنه رأى في شراستها ودفاعها القوي عن نفسها صورة لحيوية الحبيبة الراحلة ...
وربما السبب يخص غادة نفسها ...
المرأة التي مسته "أنوثتها" في المرة الوحيدة التي رآها فيها تراقص زوجها لتبقى الصورة من وقتها محفورة في ذهنه بأثر يشبه أثر آنجيل عليه ...
كلتاهما تركتا أثراً واضحاً على رمال رجل طالما تباهى أنه لا تفتنه النساء!
يالله!!!
كم يكره تفكيره هذا!!!
كيف يسمح لنفسه حتى بالمقارنة ؟!!
بل كيف ينجرف مع هذا التيار وجواره صديقه يفكر في خطبتها ؟!!!
أفق يارجل...إنها خيانة !!!


ياللسخرية!!!
المرة الأولى التي رآها فيها كانت في عصمة رجل ...
واليوم هي حلم صديقه الذي يعتبره شغفه ...
ترى لو لقيها يوماً بمكان "خالٍ" يحتمل بصمته هل كان ليغامر ب....؟!!

_يا جمالك يا "أنّا"...ريحة الشوي واصلة من هنا !

هتف بها إسلام بتلذذ مقاطعاً أفكاره ليلتفت نحوه بملامح متجهمة مدركاً قرب المواجهة التي لا يحبها ...
لولا أنها ذكرى عيد ميلاد هاني لما غامر بالحضور ...
لكن ...لا بأس!
لن يكررها ...
قريباً على الأقل!!!
الاستقبال الحافل من علاء وإيناس لهما لم يفقد رونقه ...
حتى مع تحفظ غادة الشديد وهي تتحرك مبتعدة لتتولى هي أمر الشواء على المنضدة البعيدة نسبياً لتتركهما معهما ...
هذا التصرف الذي حمده لها كثيراً إذ جعله أقل تحفزاً في جلسته مع العائلة حيث افترشوا الأرض العشبية للمزرعة...
دعابات إسلام المشاكسة لعلاء لا تنتهي ...
ترافقها ضحكات إيناس المتحشرجة التي لا تبارحها ذكريات العزيز الراحل ...
لهذا حافظ على ابتسامة معتدلة محاولاً الاندماج معهم ...
بعيداً عن ظل تلك الراحلة التي يكاد يراها بعين خياله تتحرك هناك عند مائدة الشواء ...

نظرة عابرة لعيني إسلام الملتمعتين ببريق يعرفه جعلته يلتفت نحوها خلسة ليميز ما جعل صديقه في هذه الحال ...
آه...هذا إذن !!
صواعق الفتنة!!!
شعرها الطويل الذي بدت أطرافه النبيذية المصبوغة بلونها الصارخ انساب خائناً على ظهرها من تحت وشاحها ...
يتحرك معها كأفعى ساحرة المظهر تتلوى بخفة على القوام الممشوق!

عاد ببصره نحو إسلام بسرعة ليجده متلذذاً حقاً بما يرى خلف دعاباته المشاكسة للعم وزوجته ...
فضم قبضتيه بقوة وهو يشعر بالضيق يتملكه أكثر!!!
لكن...وماله هو؟!!
هي لا تخصه بشيئ ...ولن تكون !!
لهذا أطرق ببصره للحظات قبل أن يجد نفسه يقوم فجأة ليقول بصوت ظاهره الهدوء:
_هاعمل مكالمة مهمة وارجع.

قالها وهو يتناول هاتفه ليتحرك مبتعداً باتجاه غادة وهو يتظاهر بالحديث لأحدهم ...
وما إن اقترب منها أكثر حتى أبعد هاتفه ليتنحنح مغمغماً بصوت خفيض:
_أنا آسف...بس ..شعرك باين.
رفعت غادة إليه عينيها بحرج وهي تتلمس شعرها خلف ظهرها بكفها الحر ليخلصها هو بقوله :
_هاكمل أنا وروحي انتِ اظبطي الطرحة .

قالها وهو يتناول منها ما بيدها غاضاً بصره لتهرول هي للداخل بخطوات سريعة ...
وما كادت تختفي حتى عاد لقلبه هدوء خفقاته ...
ليتها لا تعود برؤيتها هذه التي تثير حرائق روحه كلها !!

_غادة راحت فين؟!
سألته إيناس بدهشة وهي تتقدم نحوه ليجيبها كاذباً:
_استأذنتها أكمل أنا ...أهه أبقى ساعدت بأي حاجة .
فابتسمت وهي تساعده بتقريب بعض الأطباق منه قائلة :
_ما أنا كنت هاقوم أساعدها ...ماتخافش احنا مش قاسيين عليها .
_قلبك مايعرفش القسوة يا "أنّا"!
قالها بنبرته المهذبة الممتزجة بحرجه والتي تثير دوماً أمومتها لترد بصدق :
_ولا قلبك يا حبيبي ...ربنا يريح قلبك .

وفي غرفتها أمام المرآة كانت غادة محمرة الوجنتين تراقب شعرها الظاهر خلف وشاحها بمزيج من غضب وخجل ...
هذا إذن سبب نظرات إسلام الغريبة نحوها منذ حضر ...
لكن...سيف هذا!!!
ماذا عساه يظن بها الآن بعد ما عرفته عنه ؟!
تراه يظنها تكشف شعرها عامدة كي تغوي صديقه ؟!!
لا ...لا...
نظرته لم تحمل شيئاً من انتقاص ...
على العكس!
لقد غض بصره بعدها عنها كأي رجل ...يحترمها!
يحترمها؟!
الخاطر الأخير رسم ابتسامة واهنة على شفتيها وهي تشعر بقيمة أن يغادر مجلسه خلسة فقط كي ينبهها لتغطية شعرها ...
شعرها الذي عادت تتفحصه في مرآتها بعدما خلعت وشاحها لتعيد لفه فيما يسمونه "كعكة" ثبتتها جيداً قبل أن تعيد لف الوشاح ...

نداء علاء الجهوري لها من الخارج يجعلها تتنهد أخيراً لتلحق بهم والحمرة اللعينة لا تكاد تفارق وجنتيها ...
صمتها المتحفظ...وجهها المطرق ...أناملها المنشغلة بالطعام فحسب ...
كل هذا لم يجعلها بعزلة تفترضها عن زوجين من العيون تخشاهما ...
أحدهما يقبض قلبها بما يحمله من اشتهاء تخشى عواقبه ...
والآخر صارت تخشاه هو الآخر بما يثيره فيها من غضب وشفقة تلازما مع معرفتها لماضيه ...

_الأرانب بقت صحتها عال بس لو عايز تطمن بنفسك اتفضل .

قالها علاء بعدما انتهوا من تناول الطعام فيما وجدها سيف دعوة لا يمكنه رفضها ...ليردف الرجل:
_روحي معاه يا غادة عشان لو عايز يستفسر عن حاجة.

مط إسلام شفتيه باستياء وهو يود لو يذهب معهما لكنه كان يدرك أن علاء لا يغير كلمته ...
هو حذره من التعرض لغادة مادام لم يتقدم بطلبها رسمياً لهذا لجم نفسه بصعوبة وهو يراهما يذهبان معاً ...
قبل أن يفرغ غيظه في الرجل بهتافه المشاكس:
_نلعب طاولة بقا ...والرهان المرة دي على عمايل الشاي .

وفي نفس المكان الذي التقيا فيه سابقاً وقف هو جوارها يتفحص الأرانب بمهنية أجادت إخفاء ارتباكه قبل أن يقول بهدوء:
_كله تمام ...مفيش مشكلة.
_أنا كنت حريصة أديهم الدوا اللي كتبته في مواعيده ...والأكل كمان.

لم تجد غير هذا لتقوله وهي تتحرك برأسها متحاشية نظراته ...
فابتسم وهو يتذكر ما جعله يقول:
_باركتِ لهانيا؟!
هنا ابتسمت ابتسامة حقيقية وهي تومئ برأسها لتقول بسعادة :
_ماكنتش مصدقة ...ماتعرفش أد إيه كان نفسي أبقى جنبها دلوقت .
_رامز كمان مبسوط قوي ...ياريت يستفيدوا من التجربة ...أفتكر لسه قدامهم مشوار طويل.

قالها وهو يتحرك ليداعب أحد الأرانب -الرمادية- ليسمع عبارتها خلفه :
_أنا واثقة إنهم هيقدروا ...الحب بيقصر كل المسافات .
تنهد بحرارة وكلماتها تعيده لمأساته الخاصة ...
لترسم حروفه جسراً من ألم وندم:
_الحب لوحده مش كفاية .

جسراً عبرت هي عليه لتتقدم بدورها كي تداعب أرنباً آخر -أبيض- اللون مع كلماتها الواثقة :
_حب...عطاء...ثقة ...مثلث ماينفعش نستغنى عن زاوية منه ...مثلث على قمته النجاح اللي بجد .

فالتفت نحوها وقد أثارت كلماتها خاطراً جعله يسألها بشك:
_"أنّا" حكيتلك عني حاجة ؟!

الإجابة كانت واضحة على ملامحها التي لا تجيد الكذب والتي فوجئت بسؤاله المباشر ...
فأشاح بوجهه بضيق حقيقي وهو يشعر بمزيد من الحرج والغضب ...
هذا الذي جعلها تقول بسرعة وبنبرة آسفة :
_أنا آسفة ...ما قصدتش أتدخل في حاجة شخصية ...انت عارف هي بتحبكم أد إيه وطول الوقت بتتكلم عنكم زي ولادها .

لم يتمكن من الرد وهو يشعر أنه عارٍ بماضيه أمامها ...
"بطحة" رأسه التي لاتزال تتحسسها أنامل "ندمه"!!
والتي ارتسم أثرها على وجهه الذي ازدادت قتامة ملامحه ...

_المفروض مفيش حد في مصر يعرف .

قالها باقتضاب فظ حمل نبرة التحذير فازدادت كثافة الحرج بينهما لتغمغم هي بخجل :
_أكيد طبعاً ...أنا آسفة مرة تانية .
رفع عينيه إليها لتلتقي نظراتهما في حديث قصير صامت ...
"الحزن الأخرس" في حدقتيه لازال يستصرخ أمومتها ...
و"القوة المشعة" في عينيها لا تزال تذكره ب"الغالية الراحلة"...
ذبذبات خافتة تترقرق بينهما بهذا الترنيم الغريب الذي يجذبك لحنه وإن لم تفهم معانيه ...
هذا الترنيم الذي يعني ببساطة ...أنك منجذب!

والذي كان هو أول من قطعه بزفرة قصيرة سبقت مغادرته لها بعد تحية مقتضبة ...
بينما ظلت هي واقفة مكانها تراقب ظله المنصرف للحظات بنظرات شاردة ...
مسكين هذا الرجل!
ليس أقسى على المرء من أن يدرك أن خطأه غير قابل للإصلاح ...
النهر الذي تلوث سقى الزرع كله ...
فأي ثمر ينتظر؟!!

شعورٌ قاتل تدرك ماهيته وإن لم تجربه...
شعور أحست به يخنق روحه ...يمنحه هذه الطلة المنفرة من الخارج ...
بينما هو من الداخل رجل يحترق بذنبه ...
كانت تسأل عن الشبه بينه وبين هانيا؟!
الآن تدرك !

لهذا تنهدت أخيراً وهي تهز كتفيها مدعية عدم الاكتراث قبل أن تغادر بدورها ...
فقط ليتها قبل أن تغادر لاحظت الأرنبين اللذين كانا يداعبانهما ...
الأبيض خاصتها والرمادي خاصته ...
الآن كانا ...متلاصقين يأنس كل منهما بدفء صاحبه !
=============
"الملاك الكسير " لايزال يرجو التحليق خلف قضبان النافذة المفتوحة ...
شفتاها تتمتمان بحديث لا يسمعه لكنه يصل قلبه حرفاً حرفاً...
عيناها معصوبتان كالعادة في حضرته وما أقساه من عقاب على رجل كان يراهما يوماً كل حياته ...
متى أحبها؟!
هو لا يذكر ...
أشياء كهذه لا ترتبط بموعد أو تأريخ!
هي سكنت قلبه منذ أول مرة رآها لتكبر ويكبر معها أمله فيها ...
لم يكن يراها فتاة "الخطيئة" ...ابنة "الخائن" و"الأفعى" كما كانت تدعوها أمه ...
ولا كما كان يراها زين ... "ثمرة الغدر" التي سممت أمه حتى قتلتها !
بل كانت بعينيه ولا تزال ...
وردة لم تتسول السُقيا ...فتركوها تذبل حتى الموت ...

حتى هو خذلها !
ضعف في أول اختبار قايضه الحب بالكبرياء فانتصر لكرامته...
ماذا كان عذره ؟!
إرضاء أمه ؟!
الثأر لرفض عمه ؟!
الألم ؟! اليأس ؟! القنوط؟!
كل هذا عبث أمام ما جنته هي ولا تزال تجنيه من جراء أنانيته !!

أجل ..لايزال يعيش بذنبها وسيظل طوال عمره يفعل ...
لن يهنأ له بال حتى يعيدها كما كانت ...
فليعد لها عقلها ...أو فليكمل هو عمره مجنوناً بها ...
ألم يكن هذا هو العهد الذي قطعه على نفسه من حينها محرماً النساء -سواها- على جسده وقلبه ؟!

اشتدت ملامحه عند الخاطر الأخير وهو يقبض كفه على قلبه كأنما يجدد العهد قبل أن تخونه قدماه بالاقتراب أكثر ...
خط دموعها الصامتة تحت عصابة عينيها يثير جنونه فلا يبالي هذه المرة !
لن يبقى واقفاً يتفرج في كل مرة يغيب فيها زين عنها فيسوء حالها هكذا ...
لكن ...ماذا عساه يصنع ؟!
إلا أن يراقب ...ويعتني ...
فلا يسمح أن تمتد يد لإيذائها ...أي يد !!

يجثو على ركبتيه أخيراً أمامها وهو يراقب ملامحها لأول مرة بهذا القرب منذ زمن بعيد ...
أنفاسه تتلاحق وهو يمد راحته ببطء ليفردها أمام أنفها فيتلقى أنفاسها الدافئة كما تتلقف الزهرة قطر الندى ...

شفتاه تنفرجان ببطء وهو يتمنى فقط دقيقة واحدة تسمعه فيها ...
ألا حقّ لعشق كهذا أن يُسمَع دفاعه قبل أن يقطع عنقه ؟!!
لكنه يعود ليذكر رد فعلها عندما رأته ذاك اليوم ...
صراخها ...تشنجها ...زئير جسدها المنتفض قبل أن يسقط على الأرض بلا حراك ...
فيطبق شفتيه بقوة وهو يبثها حديثه الصامت دون كلمات ...

_ما خنتش ...ما بعتش...كل اللي بيننا لسه عايش ...كل حاجة لسه مستنياكي ترجعي ...سنة ...اتنين ...عشرة ...مش مهم ...فداكِ العمر كله !

هنا لم يستطع منع نفسه وهو يخفض راحته التي كانت مواجهة لأنفها فيبسطها أمامه ...
قبل أن يتناول كفها هي ببطء ليبسطه هو الآخر على راحته قبل أن يطبقها فوقه !

أصدرت أنة خافتة وخيوط الدمع على وجهها تتكاثر ...
فمد أنامله المرتجفة بسرعة يمسحها قبل أن يفقد سيطرته تماماً !!!

العقل الذي طالما تباهى بدهائه تدفنه أطلال عاطفة يحترق بها منذ دهور ...
العناق الذي طالما اشتهاه كثمرة محرمة أخيراً يناله...
والشفاه التي اشتاقت مذاقها تحترق برغبتها فلا تجد لها ملاذاً إلا هناك ...
عند طرف أذنها حيث قرطها الذي اشتراه هو لها منذ سنوات على شكل غريب كان يراه هو فراشة ...
وكانت هي تراه راقصة باليه !

شهقتها الخافتة تخترق غيابات شغفه فيبتعد بوجهه عنها وهو ينتبه أخيراً لما فعله قبل أن يزفر زفرة مشتعلة...
اللعنة !
ماذا لو اختطفها من هنا ؟!
ماذا لو تولى هو أمر علاجها هذا ؟!
ماذا لو أعلن عن "السر" الذي ظل يخفيه طوال هذه السنوات أنها ...

_انت بتعمل إيه هنا ؟!
والهتاف الحاد يأتيه من خلفه مقاطعاً أفكاره ...
ليلتفت ...وتبدأ المواجهة ...
=======
انتهى الفصل السادس


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 01:20 AM   #425

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

واااااااااااااااااااااااا او فصل ابداع

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 01:29 AM   #426

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

قااااتله انت باااوصااافك

Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 02:02 AM   #427

ام الارات

? العضوٌ??? » 390163
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 588
?  نُقآطِيْ » ام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond repute
افتراضي

انت خلصت... طب ده كلام... انها ايه بس... مراته مثلا... ولامش بتتحسن غير لعد زيارته.... رغم انه امه ممكن تكون عندها حق بس هي مالهاش ذنب
حبيت اوي ياقوت وهي هتعالج ياسمين بيامن... ومستنية اشوف رد فعلها لما تعرف انه العزول هوه زين
رغم ان شهد كانت شريرة بس مش حابة انها تتاذى على ايد ابو هيثم
بس حلو انه يتفضح بسببها
داليا ومروان الكابل المفضل عيش يا ابن المفصومة وافصل واحده من شخصياتك يمكن هي تنخ
فصل لطيف.... والجاي لو سمحتي ما تخليش ياقوت تسيب رائد غير لما تعرف كل خباياه


ام الارات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 02:22 AM   #428

Miush

? العضوٌ??? » 404902
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 228
?  نُقآطِيْ » Miush is on a distinguished road
افتراضي

الله عليكِ ما زال إبداعك مستمر ربنا يدمها عليكِ حبيبتي ❤

Miush غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 03:37 AM   #429

me@nhoO

? العضوٌ??? » 422533
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 152
?  نُقآطِيْ » me@nhoO is on a distinguished road
افتراضي

لعل الصمت أسلم !
_وإيه كمان ؟! انحرفت خلاص يا مروان ؟!
_كده مش هتعشى ونبيلة هتقتلني ...فيلم الأمومة اللي عايشاه اليومين دول بيقتضي تزغيطي ك"بطة يعدّونها للذبح يوم العيد" ...بس مش مهم كله يهون فدا الذرة !
_بنات عائلات محترمات مش بيلبسوا حاجات ضيقات ويوطوا على شبابيك عربيات ...
_العاشق "المجهول" هيبقى عاشق "مشلول" بسببك يا شيخة !!
روعة روعة روعة المشهد , ف داخل كل فتاة فينا رغبة سرية ف وجود معجب سري فما بالك بوجود متيم مجهول وقد عانقتي هذه الرغبة ي نيمو بشخصية مروان , لكم اتمني ان تحب داليا مروان الواقع بدل التعلق بالعاشق المخفي


me@nhoO غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-19, 03:50 AM   #430

me@nhoO

? العضوٌ??? » 422533
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 152
?  نُقآطِيْ » me@nhoO is on a distinguished road
افتراضي

من كان يخبرها أنها يوماً ما ستستغل خبرتها به ل"توجعه"؟!!
تصرف لمن تقدر عليه الا رفيقة روح موجوعة

يالله!
العذاب الذي يصرخ في ملامحه أكبر منها !

ألازال يدور في دائرة الشك هذه؟!!
ألايزال لا يعرف؟!!
حسناً...فليدرْ فيها وحده !!
هي لم تعد تملك لهذا طاقة ...ولا رغبة !!
ومازال يدور ف نفس المتاهة

زين هو الرجل المناسب لها ...
ليس مالاً ولا نفوذاً ولا وسامة ...
بل سنداً !
سنداً دعمها عندما تخلى من ظنته أبداً لا يتخلى!

لكن "صورته الكاملة" تتركز أخيراً في "ندبة حاجبه"!!!
آه ...يا مدعية الكمال!!
كيف ترتجين في صورته "التمام" و"ندبة خطيئته" ستبقى تذكركِ بشرخ تمثالك ؟!
وصف ولا اروع لمشاعر ياسمين المتناقضة تجاه زين

مريض!!
إنه حقاً مريض ...فلمَ العجب!
العجب ليس منه في الواقع بل من ياسمين !!
ردة فعلها الأولية عندما رأته لا تكاد تغادر ذهنه ...
هي لا تزال تحبه ...لكنها لا تريد هذا الحب...
فما الصواب هنا ...أن يساعدها لتبتعد أم يتفهم ويبتعد هو؟!!
عندي امل ان حتي لو ياسمين كابرت واختارت زين , هو ذات نفسو حيمنعها


me@nhoO غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:47 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.