آخر 10 مشاركات
عدد ممتاز - شبابى والقدر - جين سومرز - روابات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          30-المريضة العنيدة -مارغو أمالفي -سوفنير (الكاتـب : Just Faith - )           »          الحب الذي لا يموت - باربارا كارتلاند -روايات ياسمين (الكاتـب : Just Faith - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          اللقاء الغامض - روايات ياسمين (الكاتـب : Just Faith - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          حصريا .. رواية وجدتك للكاتب مارك ليفي** (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          سجن العصفورة-قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          حب في الأدغال - ساره كريفن - روايات ناتالي** (الكاتـب : angel08 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-03-19, 09:57 AM   #621

انت عشقي

نجم روايتي

alkap ~
? العضوٌ??? » 96758
?  التسِجيلٌ » Aug 2009
? مشَارَ?اتْي » 623
?  نُقآطِيْ » انت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


ان تصل متاخرخير من ان لاتصل......شكرا علي الابداع..وعلي جمال الحرف والحبكه..عشر ايام ..كنت فيها احاول الحق الجزء الاول بالثاني...حبيت مبدعه انتي.🌹💐



انت عشقي غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﻛﺎﺭﺩﻱﻣﻴﺮﺳﻲ
رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 01:02 PM   #622

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
موعدنا اليوم مع القطعة الثانية عشرة من سينابون ج2


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 01:11 PM   #623

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

في انتظارك نرموووووووووووووووووووووو
ياقمراية

امووووووووووووووووووووووو ووووووووووه


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 06:13 PM   #624

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,821
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي

بانتظارك يا احلى نيمو

Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 07:14 PM   #625

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار نيمو يا قمر. ....

د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 08:13 PM   #626

ايات يوبو

? العضوٌ??? » 370685
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 303
?  نُقآطِيْ » ايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond repute
افتراضي

في انتظارك علي نار ياريت متتاخريش علينا

ايات يوبو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 10:03 PM   #627

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الثانية عشرة
=======


"سينابون"!!

حقاً ...هكذا نحن ...مزيج من مذاق القرفة اللاذع و"الصوص" الحلو ...
والعجين المتخمر بماء الماضي!

========

تخطو ياقوت داخل الحديقة بقدمين مرتجفتين من فرط تأثرها بجمال المكان ...
رائد لم يبنِ لهمسة بيتاً بل صنع لها عالماً بأكمله هنا !!
الحديقة الواسعة ...الكوخ المستدير بنوافذه المزينة بالزهور ...
المبنى ذو الطابقين بالغ الأناقة والرقة ...
المسبح الواسع ...
وما هذا أيضاً ؟!
غرفة للألعاب مفتوحة السقف !!

_همسة طول عمرها بتحب المراجيح ...لعبة الميزان دي عندها عشق ياما لعبناها سوا زمان ...والزحليقة ...والعُقلة دي ...كنت بفهمها زمان تلعبها كتير عشان تطوَل !

قالها رائد بنبرته ذات الشجن التي امتزجت ببعض المرح في عبارته الأخيرة وهو يلاحظ دهشة ياقوت لغرفة الألعاب ...
فالتفتت نحوه لتقول بابتسامتها الطيبة :
_ياريت لكل مريض عندي ألاقي حد بيحبه زيك كده ...هيسهل مهمتي كتير .

فتنهد بحرارة ليطرق برأسه وهو يسير جوارها متجهيْن نحو كوخ همسة قائلاً :
_ماتتصوريش فرحتي لما لقيتني بتكلم وهي بتسمعني عادي ...حسيت وقتها إن قلبي هيقف ...حسيت إني ممكن أرجع أسامح نفسي ع اللي عملته زمان ...بس لما رجِعت تصرخ أول ما شافتني ...
قطع عبارته دون أن يكملها بقنوط تفهمته هي لتقول بنبرتها المهنية :
_من ناحيتي بعتبر ده تطور ممتاز ...مش أي حالة زي حالتها هتوصلله ...انت عملت في كام يوم اللي ما قدروش يعملوه في كام سنة ...همسة كانت فعلاً محتاجاك .

فارتسمت على شفتيه ابتسامة تقدير وهو يلاحظ تواضعها الذي منعها نسب أي فضل لنفسها ...ليقول بامتنان وافر:
_تعرفي ؟! أول مرة شفتك فيها سألت نفسي يا ترى هتكوني نعمة العيلة دي واللا نقمتها ؟!
رفعت حاجبيها بترقب تنتظر تكملة عبارته ليجيبها باحترام حقيقي:
_وكل يوم بلاقي الإجابة أوضح ...مش بس تأثيرك على همسة...لكن كمان كنتِ سبب إني أتجرأ وأقف قصاد زين ...بالمناسبة ...هو عامل إيه معاكي؟!

_عمله اسود !
هتفت بها "العفريتة الساخطة" بداخلها لتترجم هي العبارة بما يليق:
_مفيش جديد ...ماتشغلش بالك أنا هاتصرف ...
ثم تصنعت الانبهار لتغير الموضوع بقولها :
_يااااه...الكوخ من قريّب رهيب ...كأنه خارج من قصة خيالية !
_هتقريلها حاجة النهاردة ؟!

سؤاله البريئ أعاد لها ذكرى مشتعلة للقائها الأخير مع زين حتى كادت ترد بالنفي ...
لكن قناع مهنيتها عاد يتملك زمام الأمور بقولها :
_ممكن ...لما أشوفها هاحدد .
_هاستخبى ورا الشجرة هنا .
قالها ببعض الأسف وهو يأخذ مكانه القريب فرمقته بنظرة مشفقة قبل أن تتوجه بخطوات ثابتة نحو الملاك الذي لم يعد سجيناً ...

وفي مكانها كانت همسة تجلس معصوبة العينين على كرسيها ...
لا ...لم يعصب أحد عينيها بل هي من فعلت !!
كأنما تيقنت أن "الطيف العاشق" لن يظهر إلا لو كانت لا تراه...
وهي تريد حضوره ...
تشتاق عطره ...لمساته...همساته الحانية بصوته الذي تذكره رفيق عمرها ...
تشعر بالباب يفتح فتتأهب حواسها ...
لا ...ليس هو ...ليس عطره...
إنها هي ...
"حورية الخيال" التي تروي لها الحكايا !!
هل عادت ؟!!

تبتسم وهي تقف مكانها لتتقدم نحوها ياقوت بابتسامة حب لا تدعيه ...
عناقها يسابق كلماتها وهي تضمها لصدرها بلهفة ...
لهفة شاركتها إياها همسة التي تشبثت بحضنها بقوة وأبت تركها للحظات طالت ...
هذا الذي أرجف قلب ياقوت مستشعرة مكانتها لديها لتسألها بنبرة عاطفية لم تخل من حذر :
_وحشتيني يا همسة ...أنا وحشتك ؟!
تومئ برأسها إيجاباً لتعاود ياقوت القول:
_طيب شيلي الرباط من على عينيكي عشان تشوفيني .
لكن همسة تهز رأسها رفضاً لتتساءل ياقوت بصبر :
_ليه ؟!
لم تكن تطمح كثيراً في رد مع علمها بقلة كلامها لهذا شعرت بالرضا مع جواب همسة الخافت :
_عشان ييجي...هو بييجي لما بخبي عنيا...وبيسيبني لما بفتّح !

أغمضت ياقوت عينيها بتأثر لتمسك كتفيها وتجلسها مكانها قبل أن تجلس جوارها لتسألها :
_وانتِ عايزاه ييجي؟!
إيماءة بالإيجاب كانت الرد ...
_فاكرة عنه إيه ؟!
_بيحبني...بحبه .
همساتها المتلعثمة كانت أكثر من مرضية لياقوت التي قالت بأمل :
_وإيه كمان ؟!
تنفرج شفتا همسة وكأنها على وشك الرد لكن نداهة عالمها القاهرة تعاود جذبها لتشيح بوجهها دون رد ...

_همسة !
تناديها ياقوت بترقب لكنها لا تتلقى رداً فتمط شفتيها باستياء قبل أن تخرج من حقيبتها كتاباً لتبدأ في قراءته لها ...
ابتسامة همسة الوليدة تحبو على شفتيها برقة قبل أن تتقافز برشاقة لتتحول لضحكة قصيرة مع توالي الصفحات ...
فتلتمع عينا ياقوت بحنان وهي تراقب ملامحها مشفقة ...
قبل أن تقوم لتقبل رأسها بعمق :
_هاضطر أمشي دلوقت عشان ورايا شغل...هاجيلك تاني.

لكن همسة تتشبث بذراعها بقوة دون صوت للحظات قبل أن تهمس أخيراً:
_زين.

كلمة واحدة ضربت صدر ياقوت كحجر ثقيل وهي تعترف في نفسها أنه يملك حقاً هذا التأثير الجليل في أخته ...
هي تفتقده رغم أنها تعيش فيما يشبه الجنة هنا!

_وحشك ؟!
تسألها بإشفاق لتجيبها بإيماءة رأس مع جوابها المتلعثم:
_انتو...دايماً ...سوا!

ثلاث كلمات لم تقصد همسة بهما إلا أنها كانت تراهما سوياً في أغلب زيارات ياقوت لها ...
لكن الحروف لاقت صدى خاصاً في قلب ياقوت التي تلقاها قلبها البائس ك"نبوءة"...
وعقلها المشتعل ك"لعنة"...
وروحها المتمردة ك"قرار واجب العصيان"!!

لهذا ازدردت ريقها بتوتر وهي تحاول دفع كل هذه الأفكار عن رأسها لتعود لقناع مهنيتها :
_هييجي قريب يشوفك ...انتِ كمان وحشتيه قوي .

لكن وجه همسة يعود لترتخي ملامحه في غياهب الشرود البعيد ...
فتتنهد ياقوت بحرارة قبل أن تخرج من الكوخ لتتوجه نحو ذاك المختبئ هناك ...

_عاملة إيه ؟! كويسة ؟!
يسألها بقلق لترد بابتسامة طيبة تميزها:
_رابطة عينيها مخصوص عشان مستنياك ...عارف ده معناه إيه ؟!
عيناه تتسعان بدهشة للحظة قبل أن تلتمعا بتأثر خنق كلماته لتردف هي بانفعال حماسي:
_همسة بدأت تحارب نفسها بنفسها ...بدأت تاخد نفس الجبهة معانا عشان ترجع لعالمنا ...بقت بتربط عينيها وتشيل الرباط بمزاجها ...برغبتها مش مستسلمة لإرادة حد ...عارف معنى إنك تزرع الرغبة في مريض بحالتها ده إنجاز شكله إيه ؟!!

دمعت عيناه مع ارتجاف شفتيه قبل أن يرفع وجهه للسماء فيما لم تدرِ هل هو مجرد هروب من ضعفه أمامها ...
أم دعاء متضرع لربٍ لا يخيب راجيه !!!

_ادخل لها ...أكيد عندك حاجات كتير زي "الدبوسين" تفكرها بيها ...خللي الماضي بوابة للمستقبل ...هو ده علاجها وعلاجك .

قالتها بيقين ليخفض بصره نحوها بنظرة ممتنة قبل أن يغادرها لتراه من مكانها يفتح الباب ليدخل ...
يجثو على ركبتيه أمام "معصوبة العينين" ليستخرج من جيب قميصه عقداً من الفل لفه حول رقبتها ...
ثم تناول من جيب قميصه ما بدا كدبلة وضعها في إصبعها قبل أن يهمس في أذنها بما لم تسمعه هي لكنها رأت أثره على همسة التي مدت ذراعيها تحتضنه بقوة قبل أن تنحني بوجهها لتقبل وجنته ...
فاحمرت وجنتاها بخجل وهي تعطيهما ظهرها لتغادر المكان بابتسامة راضية شوهها طيف زين الذي اقتحمها بغزو مسيطر ...
هي وعدته أن ترد له أخته قبل رحيلها من عالمه ...
وها هي ذي توشك على تنفيذ ما عاهدت به...
فهل يفي هو الآخر بوعده ؟!
========
_مش في سريرك ليه ؟! برضه ما بتسمعيش الكلام ؟!
هتفت بها إيناس باستنكار لغادة التي وقفت في المزرعة أمام الأرانب تراقبها بحنان قبل أن تلتفت لإيناس قائلة برقتها الفطرية :
_زهقت من السرير يا "أنّا" ...سيبيني هنا شوية أشم هوا .

ربتت إيناس على كتفها ثم جذبت لها كرسياً وضعته جوارها قائلة :
_خلاص اقعدي ما تقفيش .
_أوامرك يا ست الكل .
قالتها غادة بمرح لتجلس فضحكت إيناس لتنحني مقبلة رأسها قبل أن تجذب كرسياً آخر وتجلس جوارها متسائلة :
_مش ملاحظة إن سيف ما زارناش من ساعة ما خرجتِ م المستشفى ؟! مع إنه ما سابناش ولا يوم واحنا هناك !!

ارتبكت ملامح غادة وهي تود لو تخبرها أنها أحوج لمعرفة السبب منها !!
هذا التقارب الغريب الذي اكتسحهما بعد حادثتها الأخيرة تحول فجأة لقطيعة لا تفهم سببها!!
تراه لا يزال يشعر بالذنب تجاه آنجيل ؟!!
هل لا يزال يحرم على قلبه الحياة كما "كانت" تفعل هي بعد أحمد ؟!!
"كانت"؟!!
هل يعني هذا أن رأيها قد تغير؟!!
الخاطر الأخير يملأها بالضيق المشوب بالذنب وهي تسترجع حوارها مع هانيا عندما كانت هنا قبل رحيلها ...

_مش عايزة تقوليلي حاجة عن سيف؟!
تسألها هانيا بمكر لترد هي بمكر مشابه :
_حاجة زي إيه ؟!
_عيب يا دودا ...ده احنا دافنينه سوا !
تغمزها بها هانيا لتبتسم بخجل ناسب جوابها :
_لو فيه حاجة هاقوللك .
_ما هو فيه !
تقولها هانيا بإصرار لتردف:
_لو انت غلسة وهاتخبي فأنا أغلس منك وهاعرف ...ياللا اعترفي!
ابتسامتها الخجول تتسع وهي تحكي لها عن اعترافه لها في غيبوبتها وهو يظنها لا تسمع ...
قالتها متحاشية تماماً ذكر أي شيئ يشير لماضيه مع آنجيل ...
هو سره الخاص الذي لن تفضحه ولو لصديقتها .

_أوووه ...يعني "النفري" ده وقع خلاص؟!
هتفت بها هانيا لتردف بحماس :
_والله كنت حاسة ...من ساعة ما كلمنا يقوللنا وصوته بيرتعش وأنا قلت ده سحر غادة الجامد !
ضحكت غادة ضحكة آلمت جرحها لتردف هانيا بنفس الحماس:
_ياااه يا غادة ...تخيلي لو بعد العمر ده نبقى سلايف ...ويرجع هو مصر وتعيشي معايا في نفس البيت !
ورغم أن الكلام لامس صداه في قلب غادة لكنها هزت رأسها قائلة :
_ما تخليش دماغك يروح لبعيد ...هو لسه ماخدش أي خطوة ...ممكن يكون اعترافه وقتها مجرد انفعال مش أكتر ...ويمكن أكون أنا اللي كنت بخرف وفهمت غلط...وحتى لو ده حقيقي ...تفتكري حماتك هترضى بواحدة بظروفي لابنها اللي قعد ده كله من غير جواز؟!
ظهر الاستياء على وجه هانيا قليلاً وهي تدرك في نفسها صحة الجزء الأخير من الكلام على الأقل ...
لكنها كذلك كانت تدرك قوة تأثير سيف على والدته لهذا هتفت مسرعة :
_بلاش كلام فارغ ...ظروفك إيه ما انتِ زي الفل ؟! وبعدين سيف بالذات كلمته عند مامته ما بتتردش ...لو قال حاجة ...هيعملها!
_ده لو قال !
قالتها غادة ببعض القنوط لتضحك هانيا ضحكة عالية سبقت قولها الماكر:
_يعني ده المانع دلوقت بس؟! نعتبر موافقتك موجودة ؟! تحصيل حاصل يعني!!!

_سرحتي في إيه مخلليكي مبتسمة الابتسامة الحلوة دي؟!
سألتها إيناس لتنتزعها من شرودها فالتفتت نحوها لتتسع ابتسامتها لثوانٍ قبل أن تغير الموضوع بقولها المشاكس :
_بفكر أعمل لعمو علاء بيتزا تخلليه يحرّم يسيبني في البيت ويرجعني أروح معاه البازار تاني!

ضحكت إيناس ضحكة صافية لتلوح بكفها هاتفة:
_لا...ما تحاوليش...كل حاجة منك على قلبه زي العسل!
_ممممم...هنغير يا أنّا؟!
سألتها تشاكسها بمرح لتتنهد إيناس وهي تقترب منها لتضم كتفيها بذراعها قائلة بشرود بائس:
_سبحان من عوضنا بيكِ...عارفة يا غادة ؟! بعد موت هاني الله يرحمه قلت البيت ده مش هيدخله ضحك تاني أبداً...عمك علاء اللي ما بيبطلش هزار دلوقت ده كان يقعد مخبي وجعه طول النهار وأصحى بالليل على صوت نهنهته وهو مخبي وشه في المخدة وبيكلم هاني كأنه شايفه...كنت بقول لنفسي هي شوية أيام قليلة هنقضيها ونحصله ...بس بعد ما ربنا بعتك لينا حسيت إنك فعلاً العوض اللي كنا مستنيينه !

دمعت عينا غادة بتأثر لترفع إليها عينيها بقولها:
_امال أنا أقول إيه ؟! أنا عمري ما عشت إحساس أب وأم إلا معاكي ومع عمو ...ربنا عالم إني كنت يتيمة لحد ما لقيتكم .

فتنهدت إيناس بحرارة وهي تضمها إليها أكثر لتسألها بتردد :
_والدتك لسه ما بتكلمكيش؟!
لكن غادة هزت رأسها نفياً لتقول بابتسامة باكية :
_هي خلاص شالتني من حساباتها ...أجمل حاجة عملتهالها إني سافرت وشلت حملي عنها ...كلمتها من كام يوم بعد ما فقت من الحادثة بس مارضيتش أقوللها ...
ثم أطرقت برأسها في خزي مقهور لتردف:
_عايزة الحقيقة اللي تكسف؟! هي اللي ما ادتنيش فرصة أقوللها ...قفلِت معايا بسرعة كأنها خايفة أرجع أشيلها حملها تاني !

احمر وجه إيناس بغضب مغتاظ وهي تكتم سباباً تود لو تطلقه !!
له في خلقه شئون!!
أي قلب "أم" هذا الذي يلفظ ابنته هكذا ؟!!
لكنها لم تشأ مضايقتها أكثر فعادت تربت على كتفها لتقول بابتسامة راضية :
_ده من حظنا احنا عشان تبقي وسطنا ...
ثم أخرجت هاتفها من جيبها لتردف بحماس:
_هاكلم سيف وإسلام ييجوا يتغدوا معانا ...سيف كان قايل لي لما أعمل ملوخية بالأرانب أقوله.

تحفز جسد غادة بلهفة لم تخفَ على عيني إيناس التي تهللت أساريرها وهي تسمع صوت سيف على الهاتف لتقول بحنانها الغامر:
_وحشتني يا قلب "أنّا"...ما بتجيش ليه ؟!

وعلى الجانب الآخر من الاتصال كان هو يقاوم استسلامه لنداء قلبه بعد مواجهته الأخيرة مع إسلام الذي قاطعه تماماً بعدها ...
لكنه يعذره!
لو كان مكانه لفعل مثله وأكثر!!
لهذا أخذ قراره ببتر هذه العلاقة التي لا يستحقها على أي حال !!

_مشغول قوي يا "أنّا"...معلش .
_عاملالك الأرانب اللي بتحبها ...أظن ده إغراء ما يتقاومش!

يبتسم ساخراً بمرارة وهو يود الاعتراف أن "كل ما في المزرعة" صار إغراء لا يقاوَم...
لكنه سيفعل!!
بكل ما أوتي من قوة سيفعل!!

_خلليها مرة تانية ...قولي لإسلام هو ممكن يبقى فاضي.

قالها مدفوعاً بعقدة الذنب كعهده لترد المرأة بعتاب حنون:
_هو كمان بطّل ييجي ...خلاص ما عاد ليش حق فيكم .
_ما تقوليش كده يا "أنّا"...انتِ عارفة انتِ عندنا إيه .

بعاطفته المخلصة يقولها فيسمعها تدعو له قبل أن تتأهب لإغلاق الاتصال ...
يتردد قليلاً قبل أن يسألها بصوت خرج منه مرتجفاً:
_غادة...كويسة؟!

_خدها سلم عليها بنفسك!
تقولها إيناس لتقذف الهاتف في كف غادة دون أن تمنح أياً منهما الفرصة للتراجع ...
صوتها المغناج بطبيعته يعاود عزفه الخاص على وتر بقلبه...
وتر صار يخصها هي ...هي وحدها !!

_إزيك يا سيف؟!

يغمض عينيه بقوة مستحضراً صورتها ...
لا ليست صورتها الشاحبة في المشفى ...
ولا صورتها المتحفظة في المزرعة ...
بل صورتها التي أسرت قلبه منذ رآها ...

خصلات شعرها النبيذية تتراقص حول وجهها الفاتن وضحكتها تنافس رقصها في الإغواء...
صورة لا يدري هل كرهها وقتها لأنها ذكرته بماضي آنجيل ...
أم لأنه تمنى ساعتها لو تكون كل هذه الفتنة ملكه هو !!
والآن يشتهيها بقدر ما كرهها ...
هي "امرأة المتناقضات" التي لم يقابل في حياته أنثى مثلها تجبره أن يحب فيها كل شيئ و "ضدّه"!!
قوتها وضعفها ...
تباعدها وتدانيها ...
دلالها الفطري دون ميوعة و تحفظها المحتشم دون خشونة ...
قلبها الذي "تفكر" به... و"عقلها" الذي به تغلف عاطفتها ...
تبادل عجيب للسلطات لا تكاد تتقنه امرأة عرفها سواها !!
امرأة ليست له للأسف!

_سيف؟!

صوتها المعذّب ينتشله من فردوس عاطفته ليعيده لجحيم الذنب ...
لهذا خرج صوته مرتعشاً بين هذا وذاك :
_إزيك يا غادة ؟! صحتك عاملة إيه ؟!

هل تبالغ لو قالت إن ذبذبة لهفته اكتسحتها حتى مع صوته المقتضب الغارق بتحفظه ؟!
اكتسحتها حد أن وجنتيها احمرتا خجلاً حاولت مداراته بتصنع المرح:
_مزعّل "أنّا" ليه ؟! بتقول دي أول مرة تطلب فيها منك تيجي وما ترضاش !

_غصب عني يا غادة ...غصب عني .

تهدج صوته فضح لها عاطفة يجاهد ليخفيها فخفق قلبها بقوة وهي لا تزال تتصنع المرح :
_انت الخسران !
_أكيد...أنا الخسران !

انقبض قلبها بلوعة اخترقتها عبر هذه المسافة وهي تشعر أن عبارته تحمل أكثر بكثير من بساطتها الظاهرة ...
لا يزال يرضى بالخسارة ؟!!
لا يزال هائماً مكبلاً بسماء ذنب توهمه بالتحليق !!
لكن ماذا عساها تصنع؟!
مادام يرتضي الفراق فهنيئاً له به !!

لهذا جفت لهجتها نوعاً وهي تغلق معه الاتصال لتناول إيناس الهاتف قائلة ببساطة تكلفتها :
_ياللا عشان نلحق نحضر الغدا .
قالتها وهي تتحرك لتغادر فرمقتها إيناس بنظرة متفحصة وهي تخشى تصديق ما يخبره به قلبها ...
غادة عالقة بالمنتصف بين سيف وإسلام !!
ليت الصديقين لا تفرقهما امرأة !!

وفي مكانه ظل سيف يتشبث بالهاتف بين أنامله للحظات وكأنما يتعقب آخر ما بقي له منها ..
ثم وضعه جانباً بقنوط ليتجه نحو المطبخ وقد تذكر أنه لم يأكل شيئاً منذ الأمس!!
يتحرك بآلية وهو يحضر لنفسه بعض الشطائر مقنعاً نفسه أن ما يفعله هو الصواب ...
حياته توقفت منذ زمن فلماذا يحثها الآن على الدوران ؟!!
أفكاره تنقطع بوخز ألم والسكين يجرح أصابعه لكنه يبقى يراقب الدم بشرود ...
ابتسامة واهنة تداعب شفتيه وهو يتذكر أن مثل هذا الدم الآن يجري في عروقها هي ...
حسناً...لعل هذا عزاؤه رغم كل شيئ ...
مهما افترقا سيبقى بداخلها "بعضٌ " منه ...
كما سيبقى بداخله "بعضٌ" منها ...
علامَ يحزن ؟! ولماذا يحارب ؟!
هي بكليتها لم تكن سوى حلم أجمل من أن يتحقق!
======
"المصائب لا تأتي فرادى"!!

هكذا فكر إسلام وهو يراقب بذعر نتيجة التحليل الذي تسلمه منذ قليل بعد صدمته قريبة العهد بخبر إلقاء القبض على أبيه !

زفر زفرة ساخطة وهو ينتقل ببصره لهذا الطفح الجلدي زهري اللون على بشرة كفيه مع هذه البقع البيضاء داخل فمه .
كيف حدث هذا ؟!
كيف تخلى عن حذره المعهود الذي ظنه سينجيه ؟!!
لابد أن تلك الساقطة نقلته له عبر لقاءاتهما الجنسية التي زادت مؤخراً !!

قلبه ينقبض بشعور هائل بالاشمئزاز من نفسه ليزيد رنين هاتفه من خنقة روحه ...

_أيوة يا ماما ...ما اتأخرتش ولا حاجة...انتِ فاكراني في بلد أبويا هاقوللهم أنزل هينزلوني؟!

هتافه الساخط الذي أججه انفعاله يلاقي دموعها المنهمرة على الجانب الآخر من الاتصال فيزفر بقوة من جديد مردفاً بنبرة أكثر رفقاً:
_أنا آسف يا ماما...ما قصدتش أزعق...أعصابي مشدودة والخبر كان صدمة .

قالها وهو يتهالك جالساً على فراشه مسترجعاً تلك اللحظة التي علم فيها عن إلقاء القبض على أبيه بتهمة الاتجار في المخدرات!!
إلى الآن لايزال لا يصدق!!
هو -بالكاد- تقبل حقيقة زواجه وإنجابه من الخادمة ...
ظنها مجرد نزوة عابرة وخطأ لم يمكنه إصلاحه...
لم يحسب أن قمة الجبل الجليدي التي ظهرت فوق السطح تخفي قاعاً عميقاً متشعباً بهذا السواد !
أمه وهيثم لايزالان ينكران متشبثين بسراب براءته لكنه هو لا يفعل!
حدسٌ بداخله يخبره أن الواجهة الأنيقة لرجل الأعمال والخير لم تكن سوى قشرة خادعة !!

لكن ماذا عساه يصنع؟!
يهرب؟!
هو عاش عمره الماضي كله يهرب!
يهرب من أي مسئولية...من أي خطإ ...حتى أخطاؤه هو !!
لكن الآن ...
ألا يزال ترف الهرب خياراً مباحاً؟!!

_ارجع بسرعة يا إسلام ...ماعادش لنا غيرك ...أخوك مصدوم ومنهار من ساعة اللي حصل وخايفة يجراله حاجة .

تقولها جيلان -أمه- بنبرة راجية غريبة على اعتدادها المعهود ليدرك أي مصيبة خلفها حسين وراءه !

_ماتقلقيش يا ماما...هارجع في أقرب طيارة ...خللي بالك من نفسك ومن هيثم .

يغلق بها الاتصال قبل أن يلقي هاتفه جواره ...
يدفن وجهه بين كفيه وهو يشعر أن أبواب الدنيا كلها قد غلقت في وجهه فجأة !!
"بتاع البرقوق" الذي كان يعيش حياته طولاً وعرضاً ...
النساء ...المال ...الجاه...السمعة...
كل هذا صار في عينيه حفنة من تراب!!

رنين باب شقته يقاطع أفكاره فلا يحتاج لمعرفة الطارق ...
صديقه لن يتركه بعدما علم الخبر!!

لهذا تقدم بخطوات متهالكة يفتح الباب الذي أطل منه وجه سيف الجزع:
_الكلام اللي قاله عمو علاء ده بجد ؟!

أومأ إسلام برأسه مجيباً قبل أن يفسح له المجال ليدخل فعاد سيف يهتف بانفعال:
_أكيد فيه غلط...ممكن حد منافس يكون ملفقهاله !

لكن إسلام ابتسم ساخراً ليرد بمرارة :
_نفسي أبقى متفائل زيك كده ...بس للأسف الجو كله بيقول مش متلفقة .

اكفهر وجه سيف بحزن حقيقي وهو يؤازر كتفي صديقه بكفيه قائلاً :
_مش عارف أقوللك إيه في المصيبة دي بس أنا معاك في أي حاجة...انت مسافر امتى؟!
_يومين بالكتير !
_اصبر شوية وآخد أجازة وأنزل معاك ...ماينفعش تبقى لوحدك .

هتف بها سيف مشفقاً عليه من مواجهة أمر كهذا دون سند خاصة وهو يدرك طبيعة صديقه الاتكالية الميالة للدّعة ...
لكن إسلام ربت على كفيه فوق كتفيه قائلاً :
_غالباً مش هاقدر أرجع تاني هنا قريب ...خلليك انت جنب عم علاء و"أنّا"..بلاش يحسوا إن الدنيا فجأة فضيت حواليهم .

رمقه سيف بنظرة حائرة مشتتة وهو لا يدري كيف يساعده في أزمة كهذه ...
لكنه وجد الفكرة تطفو لذهنه فجأة :
_رامز هناك هاكلمه وأخلليه يبقى معاك خطوة بخطوة .
فابتسم إسلام ليرد بنفس السخرية المريرة :
_هو أنا ما قلتلكش ؟! مش السيد الوالد يبقى الراس الكبيرة ورا خراب مصنع عديل رامز...شفت الدنيا ضيقة إزاي؟!

اتسعت عينا سيف بصدمة ليتراجع للخلف خطوة ...
مصنع أشرف زوج شقيقة هانيا !!
لقد أخبرته أمه وقتها لكنه الآن يربط الأمرين معاً!!
يالله ...كيف سيطلب من رامز مساعدة إسلام ؟!
بأي وجه ؟!!

_ما تشيلش همي يا صاحبي ...يظهر إن الدنيا خلاص بتوريني وشها التاني .

قالها إسلام بقنوط وهو يتحرك ليعطيه ظهره لكن سيف تحرك ليقف قبالته قائلاً بحزم :
_أنا مش صاحبك يا إسلام ...أنا أخوك ...مش بعد السنين دي لسه هافكرك ؟!
ثم ارتجفت حروفه بشعوره بالذنب ليردف:
_ولو لسة زعلان من موضوع غادة فأنا من يومها ما عتبتش المزرعة ...ولو عايزني ما أروحش هناك مش...

_وهاتقدر ؟!
قاطعه بها إسلام بذات التهكم المرير ليهتف سيف بنبرة كاذبة فاح فيها شعوره بالذنب:
_الموضوع مش كبير زي ما انت فاهم...الظاهر إنها بس فكرتني بآنجيل لكن أنا الحقيقة مش ...

قطع عبارته عاجزاً عن إكمال الكذب وهو يدرك أن إسلام في هذه الظروف لن يحتمل المزيد من الخذلان ...
لكن إسلام صمت قليلاً ليربت هو على كتفه قائلاً بصدق يدحض كذب صديقه :
_غادة مش لايقة عليّ ...زي ما أنا مش لايق عليها ...أنا اللي لازم أبقى بره المعادلة مش انت ...

كاد سيف يهتف باعتراض لكن إسلام أردف بنبرة عاد إليها تهكمها المرير:
_مش هنتعازم يا صاحبي! ...هي اختارتك ...وبصراحة...المفروض أشكرها على كده ...لما بنبعد بنشوف الصورة أوضح...دلوقت أقدر أحكم إني ما حبتهاش...أنا "بتاع برقوق" واللا نسيت ؟! اللي زيي مايعرفش يحب ...كبيره يتنطط من واحدة للتانية ...وغادة ما تستاهلش مني كده .

عقد سيف حاجبيه وهو يشعر أن النبرة اليائسة لصديقه تخفي حولها حملاً أكبر بكثير من أن يتحمله وحده ...
تراها مصيبة والده فحسب؟!
أم أنه يخفي شيئاً آخر؟!!

لكن إسلام أخفى كفيه المصابين خلف ظهره بخزي خفيّ مردفاً:
_يمكن سفري في الوقت ده هو الاختيار المناسب لينا كلنا...ودلوقت دورك انت تخرج من دايرة الماضي اللي عشت طول السنين دي حابس نفسك فيها ...
ثم ابتسم ابتسامة مختلفة هذه المرة حملت ما حملت من الرجاء واليأس ...لينهي الحديث بقوله :
_لو عايز فعلاً ترضي صاحبك افرح يا سيف ...افرح وفرّحها...ارمي ذنب زمان ورا ظهرك احنا مش هنعيش مرتين .


=======
_اللهم عامله بفضلك لا بعدلك وبإحسانك لا بميزانك ...أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله...اجمعني معه تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك !

غمغم بها عابد داعياً بصوت مسموع أمام قبر أبيه لتنخرط ياسمين جواره في البكاء فضمها لصدره بحنان ثم قبل رأسها قائلاً:
_بكاؤنا لن ينفعه الآن ...الدعاء أولى .

كفكفت ياسمين دمعها وهي تتمتم بالدعاء سراً قبل أن تشعر بيامن يجذبها من ذراعها بغيرة استشعرتها ليحيط كتفيها بذراعه بحمية مع قوله :
_ياللا عشان نلحق القطر ...عمي مستنينا من بدري .

قالها ليتحرك ثلاثتهم مغادرين منطقة المقابر التي أصر عابد على زيارتها قبل مغادرته العاصمة حيث توجهوا نحو سيارة يامن التي استقلها نحو محطة القطار ...
ورغم شعوره بغيرة غير منطقية من عابد الذي لا يتقبل إلى الآن تقاربه هذا مع ياسمين لكنه كان يعترف أن له هالة دافئة محببة ...
لهذا نظر إليه عبر مرآة السيارة الأمامية قائلاً بودّ:
_عمي هيفرح بيك قوي ...وكلم لك الشيخ (أبو إدريس) بنفسه عشان تنضم للحلقة بتاعته ...هناك كمان (كُتّاب) ممكن تحفّظ فيه الأطفال القرآن لو فاضي ...
ثم ابتسم ليردف بحرج:
_خايف تفتكرني "بطرّقك" بالذوق يا "أبو نسب"...لو ما عجبكش الحال هناك قول وما تتكسفش .
لكن عابد هتف باستحسان خلفه :
_الشيخ (أبو إدريس) تقصده الدنيا كلها لطلب العلم...أوصاني شيخي في ماليزيا بصحبته ...أظنني سأكون مرتاحاً هناك ...المشكلة الوحيدة في أمي لكنني أعرف كيف أسترضيها .

فضحك يامن ليمازحه بقوله :
_بس بقوللك إيه من أولها ...ما تاخدش في بالك لو مراة عمي استغربت طريقة كلامك...عندنا ما بيتكلموش فصحى إلا في المسلسلات المدبلجة .
فابتسم عابد بتفهم لتهتف ياسمين مدافعة :
_زمان برضه كنت بستغربها منه بس دلوقت خدت عليها ...بالعكس بدات أحبها منه ...
ثم مسدت بطنها بأناملها كأنها تخاطب ابنتها بقولها :
_هاعلمها ليمنى أول ما تتكلم .
_من غير ما تعلميها ...هي قناة كرتون واحدة تتابعها أسبوع وهتلاقيها قلبت الشيخ الفصيح زي أخوكِ كده بالضبط !

ضحك عابد ضحكة صافية وهو يستمع لمشاكسة يامن لها طوال الطريق مدركاً أن يامن سلك الطريق الصحيح حقاً لقلب أخته ...
ربما هذا ما يشعره بسكينة عذبة تملأ قلبه رغم رهبته من هذه الرحلة التي لا يعلم أين ستنتهي به ...

وفي القطار ركب يامن جوار ياسمين بينما استقل عابد الكرسي خلفهما ليستخرج مصحفه مستغلاً المسافة في استرجاع حفظه ...
فيما ضم يامن ياسمين لصدره ليهمس لها بوجع صبغ حروفه رغماً عنه :
_جيت هنا مرة من غيرك ...ما تعرفيش كنت حاسس بإيه وقتها .
_بإيه ؟!
تستنطقه بترقب وعيناها تتشبثان بعشق صافٍ تسكبه نظراته مع همسه :
_مش هاقدر أوصفلك...بس كفاية أقوللك إني عاهدت نفسي وقتها ما أرجعش إلا بيكِ.

_كان عندك أمل أرجع؟! وأنا اللي كنت عايشة بقول لنفسي مستحيل!
همست بها مغمضة العينين بألم لكنه احتضن كفها بين راحتيه ليهمس بعاطفة زلزلتها:
_الأمل ده هو اللي خلاني فضلت واقف على رجلي ...دنيتي كلها كانت واقفة مستنياكي.

فتحت عينيها تتلقف عطايا عشقه في عينين طالما أرهقتها أشعتهما العسلية بين "دفء" و"احتراق"...
شيئ ما لا يزال عالقاً بينهما ...
شيئ؟!
بل أشياء!!
لن تغرها هذه الهدنة التي منحها لها القدر فلاتزال هناك خطوة هامة يجب أن تسيرها نحوه ...
وخطوات تنتظر منه هو أن يعدو بها نحوها ...

هذا الخاطر الذي ظل يؤرقها طوال الطريق ...
ليقطعه صوت صافرة القطار معلناً الوصول ...
القرية الحبيبة من جديد ...
لعل نسيمها يبرد ما أشعلته الأيام !
======
_عمك ومراته مبسوطين بينا قوي ...

قالتها ياسمين برضا وهي تقف في نافذة الغرفة إياها تراقب شمس الأصيل تتمايل بإنهاك خلف الساقية القديمة ...
فابتسم وهو يربت على ظهرها قائلاً:
_ماتعرفيش بيحبوكِ أد إيه ...المرة اللي فاتت عمي حمدي كان هاين عليه يحلفني ما أرجعش إلا بيكِ.
لكنها أغمضت عينيها بقوة عن مرارة ذكرى فراقهما لتغير الموضوع بقولها :
_عابد كمان شكله مبسوط قوي ...من ساعة ما وصلنا والابتسامة ما فارقتش وشه.
_ولسه لما يقابل الشيخ بعد صلاة المغرب ...هيدعيلي .
_شكراً يا طيب .
همست بها وهي تعود ببصرها نحوه ليحتوي وجهها بين راحتيه هامساً:
_لسة مش حاسسها زي بتاعة زمان ...لسه ياسمين ما رجعتليش كلها .

فازدردت ريقها بارتباك لتغمض عينيها هاربة من نظراته ...
كلمات ياقوت تطفو رغماً عنها لمخيلتها ...

_صدمة وفاة والدك هزت معتقداتك شوية ...خلتك تنزلي من برج عالي اسمه ياسمين مابتغلطش وما بتسامحش اللي يغلط ...لكن لسه محتاجة تقفي مع نفسك أكتر ...تعترفي بعيوبها ...غلطها ...وتتقبلي فكرة إن غيرك كمان ممكن يغلط وتسامحيه زي ماانت عايزة تسامحي نفسك ...فكرتي مثلاً وإنتِ بتلومي يامن على إنه اتخلى عنك تلومي نفسك إنك كذبتي ...إنك أصلاً ضعفتِ قدام ...زين ...ده ؟!!

_سرحانة في إيه ؟!
يهمس بها وهو يداعب أنفها بأنفه بحركة حميمية لتفتح عينيها بنظرة تحمل شتاتها ...
لكنه حمل "القُلّة الفخارية" القريبة ليشرب منها ثم ناولها إياها ليهمس مداعباً :
_اشربي ...عشان تجري ورايا .

ظلت ترمقه بنظرة غريبة لم يفهمها وهي تدرك مغزى حركته هذه...
يامن قهر سلطان وساوسه حقاً؟!
أم لا يزال هناك كامناً ينتظر كالعنقاء بعثاً من وسط الرماد ؟!!

_طول عمري بجري وراك .

تغمغم بها بابتسامة آلمت قلبه بمرارتها ليضع ما بيده جانباً قبل أن يحيط خصرها بكفيه ليغرس نظراته في عينيها هامساً:
_واللي باقي من عمري هيبقى عشانك وبيكِ.

لكنها أشاحت بوجهها لترتجف شفتاها بهمسها :
_عايزة أحكي لك ...بس ...مش حدوتة من بتوع زمان ...عايزة...عايزة أتكلم ...
سالت دموعها على وجنتيها في عبارتها الأخيرة لكنه مسحها بأنامله ليهمس بحنان طوقها:
_يااااه ...من يوم ما رجعتِ وأنا مستني تقوليها ...مستنيكي تتكلمي.
_هتستحمل كلامي ؟!
_ياما استحملتيني!
_هتصدقه ؟!
_ماعدتش بصدق غيره !
_هترجع تبعد ؟!
_عمري!

همسته الأخيرة امتزجت بعزف شفتيه على شفتيها وهو يلصقها به كأنما يمنحها مع القول فعلاً ...
لكنها أخفت وجهها في صدره لتهمس برجاء:
_اوعدني ما تقاطعنيش لحد ما أخلص ...ولا تخليني أبص لعينيك .

فأحاط رأسها بكفه يلصقها بصدره أكثر وكأنما يمنحها ما طلبت ...
قلبه يخبره أنها ستحكي عن الجرح القديم ...
لا شيئ سوى هذا يجعلها تخشى لقاء عينيه ...
وقد صدق ظنه عندما تفجر بوحها بأول قنبلة :

_زين كدب عليك...قاللك نص الحقيقة بس عشان يرفع عني الغلط ...ليلتها أنا اللي رحتله ...دورت عليه بنفسي لحد مالقيته...ماشفتش لا قيم ولا أخلاق ولا ضمير ...ماشفتش غير وجع رامي اللي كنت عايزة أردهوله...لحد دلوقت مش مصدقة إني قدرت أعملها ...ياسمين ما طلعتش مثالية وقوية زي ما كانت فاهمة ومفهمة الناس ...طلعت ضعيفة ووقعت في الغلط اللي عمرها ما كانت تفكر تقع فيه...

صمتت للحظات بعدها لكنها لم تستطع رفع عينيها إليه...
لو فعلتها فستجبن عن البقية ...
وهي تريد إكمال اعترافها الممتزج بشهقات دموعها لعلها تزيح الوزر كاملاً عن كتفيها ...

_ولما جالي ماليزيا ما رفضتوش ...بالعكس...قلت له إني محتاجة إنه يحبني ...كنت عارفة إني بغلط بس كنت بتحدى كل حاجة ممكن تفكرني إني خسرتك ...كل ما كنت انت بتوحشني كنت ببعتهاله هو ...كل كلمة اتمنيت أسمعها منك كنت بستناها على لسانه هو ...الحاجة الوحيدة اللي ما استحملتهاش منه إنه يلمسني ولو حتى بسلام إيد ...بس حتى دي...حتى دي كان ممكن أعملها عِند وتحدي عشان أكسر قلبي ...
شعرت بجسده يتحفز بانفعال حولها لكنها لم تقوَ على رفع عينيها إليه ...
فقط شددت ذراعيها حول خصره لتردف :
_كل ده وأنا بلف في دايرة ورا دايرة عشان أهرب من مركز واحد بيقوللي إني غلط ...ويمكن لو كنت قربت منه واعترفت بيه ماكنتش لفيت كل ده !

انتهت كلماتها بالمزيد من دموعها لتشعر بخفقات قلبه تهدأ رويداً رويداً ...
لكن قلبها هي كان ينتفض بقوة خوفه رغم ارتياحها ارتياح من ألقى صخرة الذنب عن صدره ...
ماذا عساه سيفعل بعد كلماتها هذه وقد أدانت نفسها بنفسها؟!
هل سيبقى على الوعد الذي منحه إياها منذ قليل ؟!

_خلصتي ؟!

همسه المحايد يصلها فتخفي وجهها في صدره أكثر لا تدري خزياً أم طلب أمان !!
لكنه يرفعه بنفسه نحوه قبل أن يهمس لها دون مواربة :
_مين قاللك إني صدقت "الزفت" ده في كل اللي قاله ؟! الحاجة اللي صدق فيها إنك قاومتي في الآخر وضربتيه ...أنا حافظ تعابير وشك كلها ...من أول لحظة شفت الفيديو وأنا عارف إنك ماكنتيش مغصوبة ...عارف إنك ضعفتِ وغلطتِ بس فقتِ ...الحاجة الوحيدة اللي كنت مستنيها إنك انتِ تعترفي بده ...مش عشاني لأ...عشانك انتِ ...عشان دي كانت أول خطوة إن ياسمين ترجع لنفسها و...ترجعلي !

رمقته بنظرة مصعوقة للحظات لا تكاد تصدق ...
خاصة عندما استطرد بنبرة لم تخلُ من مرارة :
_صدقيني لو قلتلك إني حتى مش بلومك إنك كدبتِ علي لما سألتك عنه...لما بفتكر نفسي زمان...بفتكر شكوكي حتى في أقرب الناس ...بلاقي إنك حتى لو كنتِ قلتيلي الحقيقة ماكنتش هاصدقك ...

_يعني ...مسامحني؟!
همست بها بين دموعها ليقبل جبينها بعمق هامساً:
_مفيش بيننا أسامحك وتسامحيني ...انتِ مني وأنا منك .

لم يكد ينهيها حتى انسابت قبلاتها تغرق وجهه بتلك الطريقة التي تمزج عفوية الطفولية بإغواء النساء ...
قبلاتها لم تكن مجرد تراقص شفاه عابث فوق بشرته لكنها كانت "صكوك غفران" توقّعها روحها منه وإليه ...
كانت تحتاج هذا الاعتراف حقاً ...
هذه المكاشفة ...
أن تعرّي عيوبها لنفسها قبله ...
أن تعترف بزلاتها لعلها تسامح نفسها وتقبل أن يسامحها ...
لم يعد ما بينهما مجرد "هبة" امرأة "مثالية" لرجل لا يقبل الزلل ...
بل "عطاء" متبادل يمنح فيه كلاهما الآخر بقدر ما يأخذ ...

لهذا انسابت عطايا عشقه تغمرها بين ذراعيه هو الآخر ...
"ساحرته" عادت تبسط تعاويذها على أرض عالم لم يعترف بغيرها ملكته ...
والجسدان يشتعلان بلقاء أزكته نيران القلوب ...ونورها!!

لقاء قطعته طرقات على باب الغرفة لتتراجع ياسمين عنه بينما يهتف بضيق:
_مين؟!

والصوت الطفولي يأتيه راجياً فيبتسم لها هامساً بمشاكسة :
_الواد ده غلس ومش هيمشي ...هافتح بس ما تطوليش معاه .

ابتسمت بدورها وهي تراه يتقدم ليفتح الباب للطفل الذي دخل بابتسامة مرتبكة حاملاً لوحته ...
فهتف به يامن بحنان :
_مش وعدتك أرجع بيها عشان تشوف الصورة ؟!

ضحكت ياسمين ضحكة صافية وهي تفتح ذراعيها للصغير الذي تقدم نحوها فارداً ورقته في وجهها بزهو طفولي ...
لتهتف بعد عناق قصير له :
_يا ربي ع الطعامة! الحلوة دي أنا ؟!
_انتِ أحلى!

يقولها الصغير وهو يقبل وجنتها فتضحك وهي تغرق وجهه بقبلاتها مدركة غيرة يامن من تصرف كهذا ...
لكنها أخرجت له لسانها في خفية من الصغير الذي هتف بحماس طفولي:
_لو عجبتك هاتي تمنها .
ضحكتها الصافية التي أزالت بقايا دموعها تعلو بصوتها :
_عايز إيه ؟!
فيشير الصغير لبطنها قائلاً :
_أمي بتقول هتجيبي بنت ...لو طلعت شبهك جوزيهالي .

خبطه يامن على قفاه بحركة مشاكسة هاتفاً:
_ولو طلعت شبهي أنا.
_خليهالك.
يجيبه الصغير وهو يمسد مؤخرة رقبته بغيظ لتعاود ياسمين ضحكاتها المنطلقة وهي تضم الصغير في عناق جديد لتخاطب يامن من خلف كتفي الطفل بقولها:
_هتطلع أجمل مني ...وأجمل منه ...هتبقى أجمل بنت في الدنيا .

فتلتمع عينا يامن بحنان أرجف جسده وهو يتصور نفسه يحمل ابنته ...
عجباً !
كيف فرّ من هذا الشعور يوماً مع ابنه الراحل ككابوس فظيع ؟!
وكيف يرجوه الآن كمعجزة ؟!
هل هو فارق الأم ؟!
أم الفارق في روحه هو التي عادت لفطرتها بعدما شوهها الخذلان ؟!!

_هاجمع الولاد بكره عند الساقية وتحكيلنا حدوتة .
قالها الصغير بعدما سمع صوت أمه تناديه من الخارج فقبلت وجنته لتمنحه وعدها قبل أن يختفي من أمام ناظريها ويامن يغلق الباب خلفه ب"المفتاح"!!

_شفت حلوة إزاي؟!
تسأله مشيرة لرسم الصبي لكنه يتقدم منها ليزيح ما بيدها جانباً قبل أن يهمس بعينين عابثتين وأنامل أكثر عبثاً :
_أنا حالياً مش شايف غير حاجة واحدة بس حلوة !

_ما وحشتكش حواديتي ؟!
تهمس بها بخجل وهي تشعر به يدفعها برفق نحو الفراش لتستلقي على ظهرها بينما يشرف هو عليها من علوّ هامساً بنفس المكر العابث:
_وحشتني حواديتي أنا أكتر!
تغمض عينيها على فيض العشق في عينيه لتشعر به يغرقها مع همسه الذي زاد اشتعاله :
_أحكي؟!
فتزكيه هي أكثر بهمسها المغوي:
_احكي يا "شهريار".
=======
_أهلاً يا عابد .

يقولها الشيخ "أبو إدريس" في المسجد الكبير الخاص بالقرية ليتهلل وجه عابد بقوله :
_لقاؤك شرف لي يا شيخنا ...طوال رحلتي إلى هنا وأنا أحلم أن أدرس في علم "الحديث" على يديك !

فابتسم الشيخ بتواضع ليسأله باهتمام :
_ما قرابتك ب"الحاج حمدي"؟!
_هو عم زوج أختي!
قالها عابد ببساطة لتتسع ابتسامة الشيخ بقوله ببعض الاستغراب:
_قرابة بعيدة على أن تترك بلدك وتأتي إلى هنا .

تردد عابد قليلاً ثم حكى له قصته تحت بصر الشيخ الذي كان يستمع إليه بالكثير من الأسى ...
لينهي عابد الحديث بقوله :
_أظنها نعمة من الله أن يمنحني حياة أخرى هنا بعيداً عن الضغوط التي عشتها هناك .
_نعم الرأي يا ابني ...نعم الرأي...

ثم عاد يسأله باهتمام :
_تحفظ القرآن كله ؟!
_ومعي "إجازة"بتحفيظه .
قالها عابد مع إيماءة رأس متواضعة فظهر الاستحسان على وجه الشيخ الذي قام من مجلسه ليقوم عابد بدوره مع قول الأول:
_إذن تُعلّم وتتعلم ...أحتاجك هنا في "الكُتّاب" صباحاً...ونبدأ دروسنا مع بقية طلاب الحلقة في المساء .

قالها الشيخ وهو يخرج معه من المسجد ليبدأ في ارتداء نعله قبل أن يسمعه عابد يهتف فجأة بحبور :
_ست ثمر !

التفت عابد بفضول وهو يرتدي حذاءه بدوره متعجباً من هذه المرأة العجوز التي بش لها الشيخ هكذا مع بساطة مظهرها ...
لكنها ما كادت تقترب منهما حتى فطن لهذه الهيبة الفطرية التي تحوطها ....
مع هذا الحنان الفائض في عينيها ...مزيج غريب لم يقابله كثيراً بين البشر !

_إزيك يا مولانا ؟!
تسأله ثمر بنبرتها الحنون ليجيبها الشيخ عفوياً قبل أن يخاطب عابد بقوله :
_"الست ثمر" أم الكل هنا ...واجبٌ لكلمتها السمع والطاعة.

ثم أشار لعابد مخاطباً ثمر :
_عابد ...قريب الحاج حمدي ...ضيفنا وتلميذي.

تفرسته ثمر بعينين متفحصتين للحظات قبل أن تمنحه بعض دعواتها الصادقة لتنخرط بعدها في حديث مع الشيخ عن بعض الفتاوى التي طلبتها منها بعض النساء واستحيين من سؤال الشيخ عنها بأنفسهن

_السلام عليكم .
قالها يامن وهو ينضم إليهم ليصافح الشيخ باحترام قبل أن يغلبه مزاحه :
_"أبو نسَب" عامل معاك إيه يا شيخنا؟! نسيبه هنا واللا نرجعه مصر بكرتونته ؟!

فابتسم الشيخ وهو يربت على كتف عابد باعتزاز مع بضع عبارات مجاملة ...
قبل أن ينتبه يامن للمرأة التي أشار لها الشيخ بقوله :
_الست ثمر .

فارتفع حاجبا يامن بدهشة للحظة وهو يراها لأول مرة قبل أن يبتسم ليقول بإجلال حقيقي:
_أهلاً يا ستنا ...سيرتك الحلوة مسمعة في كل حتة.

نظرات ثمر المتفحصة تشمله وهي تشعر أنه يخفي شيئاٌ بشأنها خاصة عندما اتسعت ابتسامته ببعض الحرج وهو يشيح بوجهه عنها مفكراً...
لاريب أنها كانت تشبه ياقوت كثيراً في شبابها ...
نفس العينين الذكيتين الملتمعتين بالطيبة !!
لكن هل يملك الجرأة ليخبرها أين التقى بحفيدتها ؟!
بالطبع لا!!

لهذا سحب عابد من ذراعه ليستأذن منهما بنبرة مهذبة قبل أن ينصرفا تلاحقهما نظرات ثمر المتفحصة ...
والتي غمغمت بما بدا كالنبوءة :
_شكلهم ولاد حلال ...الخير على قدوم الواردين .
=======
_ادخلي يا رابحة .
قالتها ثمر بودّ وهي تفتح الباب للفتاة ذات الأربعة عشر ربيعاً ...
ابنة "الست أفكار "..."مورّدة العرسان الأولى" في القرية ...
والتي لا تبرح تقدم لحفيدتيها عريساً جديداً من آن لآخر غير يائسة ...
رغم أن الوضع يبقى كما هو كل مرة ...
ياقوت ترفض الجميع ولجين...لجين يزهدها الجميع!

_إزيك يا ست ثمر ...أمي باعتاني أشوفك عايزة حاجة ؟!

قالتها الفتاة وعيناها الفضوليتان تجوبان المكان حولها كعهدها فابتسمت ثمر قائلة بمرح:
_أمك مزوداها قوي في القلق عليا من يوم ما تعبت آخر مرة...قولي لها مش هاموت وقاعدة على قلبها .


_بعيد الشر عنك يا ستنا ...أمي بتحبك وانت عارفة .
قالتها الفتاة بجزع حقيقي لتضحك ثمر عبر أسنانها المكسورة لتتوجه نحو مطبخها الصغير هاتفة :
_اتغديتي يا بت ؟!
_خيرك سابق يا ستنا.
تقولها رابحة تتبعها للمطبخ باستسلام فهي تدرك أن من يدخل بيت ثمر يجب أن ينال "واجب ضيافته" أولاً...
وبالنسبة إليها هي ف"إطعامها" غاية مقدسة لدى ثمر التي تراها دوماً هزيلة نحيفة الجسد !

_بطاطس بالتقلية وورك فرخة يستاهلوا بقك.
قالتها ثمر وهي تضع لها الطبق على "الطبلية" المستديرة لتهتف رابحة باعتراض واه ...
لكن ثمر تخاطبها كطفلة بقولها :
_كُلي عشان تتدوّري و"خرّاط الصبايا" يخرطك!

فتتورد وجنتا الفتاة بخجل ناقض ما فعلته بعدها وهي تضم ثوبها بشدة حول جسدها لتظهر براعم أنوثتها مع هتافها الراجي:
_كبروا شوية يا ست ثمر ؟! قولي آه .
لكن ثمر تخبطها بخفة في صدرها لتهتف زاجرة رغم ضحكتها :
_اتحشمي يا بت...جيل إيه المهبب ده ؟!

لكن الفتاة تخرج هاتفها من جيبها لتضبطه بوضع التصوير قبل أن تزم شفتيها فيما يسمونه "بوز البطّة" تمهيداً لالتقاط صورة ...

_ارمي المخروب اللي هابلك ليل ونهار ده ...واقعدي كلي .

قالتها ثمر ناهرة لكن الفتاة تلاعبت قليلاً بهاتفها قبل أن تريها منه صورة بعينها مع هتافها المتحمس:
_شفتِ الشيخ الجديد اللي جه البلد للشيخ أبو إدريس؟! شفتِ حليوة إزاي؟!

_شفته !
قالتها ثمر وهي تعطيها ظهرها لتفرد بعض أوراق النعناع الأخضر فوق خرقة نظيفة تحركت بها نحو نافذة صغيرة في المطبخ لتضعها هناك تمهيداً لتجفيفه بينما الفتاة تلاحقها بثرثرتها :
_بيقولوا غني قوي ...متربي بره وأهله ناس أكابر من مصر ...ومش خاطب ولا متجوز ...كل ستات البلد حاطين عينهم عليه لبناتهم...أهه ده العريس اللي كامل مكمل يا ستنا .

_ما كامل إلا محمد !

قالتها ثمر وهي تعاود لكز الفتاة في كتفها لتتأوه الأخيرة هاتفة بفخر ساذج:
_أول ما شفته صوّرته على غفلة ...انتِ عارفة كام واحدة طلبوا مني صورته دي ؟! أنا الوحيدة اللي معايا .

_يابت اتلمي ...هي أمك جايبة لك المخروب ده عشان تبوظي بيه دماغك ؟!
هتفت بها ثمر باستنكار لكن الفتاة تعاود ثرثرتها العابثة :
_أول ما شفته قلت يارب يبقى من نصيب دكتورة ياقوت ...أو ست لجين...دي تبقى طاقة القدر اتفتحت لهم يا ستنا.
_ما تسكتي شوية يا بت ...هو أنا بناتي بايرين ؟!
تقولها ثمر بنفاد صبر وهي تعود لداخل المطبخ بينما الفتاة لا تتركها بهتافها العابث :
_العفو يا ستنا ...ماهو لو مش هاتاخديه لواحدة فيهم هادعي يبقى من نصيبي ...
ثم رفعت كفيها للسماء بدعائها:
_يارب يبور وما يلاقيش اللي ترضى بيه لحد ما أكبر سنتين تلاتة بس!

ضحكت ثمر لدعوتها للحظات قبل أن تجلس متربعة على الأرض فضحكت الفتاة بدورها وهي تجلس جوارها على الطبلية لتتناول ملعقة من الطعام تلوكها في فمها الذي عجزت عن كبح ثرثرته :
_عارفة الشيخ عابد ده يبقى مين ؟! يبقى قريب دكتور يامن ابن أخو الحاج حمدي ...اللي هو مين ؟! ابن الحاج عبد الرحيم الله يرحمه ...والممثلة المشهورة بيللا ...ياه يا ستنا لو تيجي هي كمان هنا وأتصور معاها ؟!

قالتها وهي تعبث بهاتفها بما يقارب الهوس فمطت ثمر شفتيها باستياء لتهتف بها :
_هو لسانك ده ما بيفصلش رغي ؟! انتِ جاية تساعديني واللا تدوشيني؟! كُلي من سكات.
لكن الفتاة تضحك وهي تشير لقطعة الدجاج هاتفة بدلع :
_طب نثريلي الفراخ يا ستنا ...من إيديكي بتحلو !

_بكّاشة صحيح !
قالتها ثمر باستياء لم يتمكن من إخفاء حنانها وهي تقطع له نصيبها من الدجاج لتضعه في طبقها مردفة :
_مالكيش حجة ...كلي بقا.
_وتدعيلي يبور وأتجوزه أنا يا ستنا ؟!!
تسألها بلهفة وهي تميل على وجنة ثمر تقبلها بقوة جعلت الأخيرة تضحك من سذاجتها لتقول باستسلام :
_هادعيلك بالطيب ...بس كلي .

هنا تبتسم الفتاة وهي ترفع هاتفها لتلتقط لهما صورة مفاجئة قبل أن تنكب على الطعام لتتناوله تحيطها نظرات ثمر الحانية ...
فتاة طيبة كأمها تملأ عليها وحدتها في تلك الأيام التي تكون فيها وحدها مع سفر لجين وياقوت ...
حماستها ونزقها تذكرها بياقوت عندما كانت في سنها لكن الأخيرة لم تكن تشتهي الزواج ...
ولا تزال!!
على عكس لجين التي تريده لا رغبة بل "ستراً"...
ستراً من عيون الناس التي تتهمها بذنب لم ترتكبه !!

انقطعت أفكارها برنين هاتفها المحمول الذي -بالكاد- تجيد استخدامه بعد إلحاح ياقوت المستمر كي تطمئن عليها ...
فقامت من مكانها بصعوبة تناسب سنها ومرضها وما كادت تفعل حتى ترنحت قليلاً لتتشبث رابحة بكفها بسرعة وهي تقوم لتسندها هاتفة بجزع:
_مالك يا ستي ؟!
لكن ثمر تمسك رأسها بوجع لتغمغم بصوت منهك :
_هاتي التليفون.

كان الرنين قد انقطع فهتفت رابحة برجاء وهي تسندها لتتوجه بها نحو فراشها :
_هبات معاكي الليلة دي ...لا ...هاقول لأمي وأبات معاكي لحد ما البنات يرجعوا ...عشان خاطري يا ستي ...هاخد بالي من أكلك ودواكِ.
أومأت ثمر برأسها في استجابة لتغمغم :
_بنت حلال...أنا فعلاً نسيت دوايا النهارده...روحي هاتيه .
غادرتها الفتاة لتحضر لها بغيتها عندما عاد هاتفها جوارها للرنين فتناولته ليصدمها الخبر من ياقوت ...
(لقد تم القبض على حسين بتهمة الاتجار في المخدرات...لكنه...هرب! )
=======
_أبو ياقوت ؟! معقول؟!
يهتف بها يامن بدهشة مستنكرة وهو يجلس في صالة بيت عمه حيث أخبره بالنبأ الذي انتشر في القرية انتشار النار في الهشيم ...
دهشته التي جعلت عمه يسأله باهتمام :
_انت تعرفها منين ؟!
فتبادل هو وياسمين نظرات ذات مغزى أدهشت عابد كذلك الذي كان يراقبهم صامتاً خاصة عندما قال يامن بارتباك :
_واحد صاحبي كان بيتعالج عندها من أزمة نفسية...بيقول شاطرة جداً.

لكن عمه لم ينتبه لارتباكه وهو يرتشف الشاي ليقول بأسف:
_فعلاً شاطرة وبنت أصول هي وأختها ...تربية الحاجة ثمر اللي الكل بيتحاكى بيها ...منه لله أبوهم دايماً فاضحهم وكاسر عينهم .

_ما الحكاية ؟! أنا قابلت ثمر هذه عند الشيخ "أبو إدريس"!
سأل عابد بفضول ليمنحه العم حمدي تفاصيل حكاية ياقوت ولجين من البداية ...
الحكاية التي استغرب تفاصيلها قليلاً في البداية قبل أن تتحول دهشته لإعجاب آسف علق به على الحكاية :
_امرأة رائعة بحق ...لكن ما ذنب البنتين في جرم أبيهما ؟!
_مالهمش ذنب يا شيخ ...والبلد كلها صغيرها قبل كبيرها بيعمل للست ثمر وبناتها ألف حساب ...بس الأمر ما يسلمش ...الجديد هيقوّم القديم واللي اتنسى الناس هترجع تفتكره ...لا حول ولا قوة إلا بالله .
هتف بها العم حمدي بأسف ليعقد يامن حاجبيه بضيق قبل أن يميل على أذن ياسمين هامساً :
_هاقوم أكلمها أشوف لو عايزة حاجة.

ورغم شعورها بغيرة خفية لكنها قامت من جلستها لتستأذن العم وعابد وتصعد مع يامن نحو غرفتهما ...

تراقبه بتفحص وهو يتناول هاتفه ليتصل بها لكنه كان مغلقاً ...
زفرته الغاضبة تفضح حميته لتقترب منه قائلة :
_أكيد متضايقة ومش هتفتح تليفونها دلوقت ...اصبر شوية .

رمقها بنظرة ضائقة قبل أن يهتف بانفعال:
_انتِ ما تعرفيش حاجة زي دي ممكن تعمل في واحدة زي ياقوت إيه ...بعد ما خلاص الناس كانت نسيت الفضيحة القديمة ...منه لله أبوهم ده .

ولم يكد ينهي كلماته حتى رن هاتفه ليجد الاتصال من رانيا يصدمه بالخبر وهو يجمع خيوط المعلومات ...
حسين رجائي الذي كان خلف قضية مصنع أشرف ...
هو ذات الرجل والد ياقوت !!

_وأشرف فين دلوقت ؟!
يسألها بتشتت ليصله صوتها المنفعل:
_لحد دلوقت ما شفتوش بس نشوى قالتلي إن هو ساعد البوليس في القبض عليه ...عشان كده كان مختفي طول الفترة اللي فاتت .

عقد يامن حاجبيه وياسمين ترمقه بنظرة قلقة لكنه على ربت على كتفها مهدئاً ليقول مخاطباً رانيا :
_ما تقلقيش ...احنا خلاص راجعين .

قالها لينهي الاتصال قبل أن يحكي لياسمين التي ابتدرته بقولها :
_موقفك مع ياقوت دلوقت هايبقى محرج جداً ...جوز رانيا قصاد باباها !!

لكنه زفر بقوة هاتفاً :
_ده على أساس إنها طايقة أبوها ده من أصله ؟!
_برضه الأمر ما يسلمش ...عموماً تعال نرجع مصر وبعدين نشوف هنعمل إيه .
قالتها بحيرة قلقة وذهنها مشتت بين عابد الذي اتخذ قراره بالبقاء هنا ،وياقوت التي تشعر الآن بشفقة هائلة نحوها ...
تعلم أن حمية يامن ستجعله يريد العودة للعاصمة والحقيقة أنها تشاركه الرغبة ...
كم تشعر الآن أن ياقوت تشبهها ...
ماضٍ مشوه لطخ الحاضر والغد ...
نقاومه فننتصر مرة وننهزم مرات ...

"سينابون"!!

حقاً ...هكذا نحن ...مزيج من مذاق القرفة اللاذع و"الصوص" الحلو ...
والعجين المتخمر بماء الماضي!
=====
_مفيش أخبار عن أشرف ؟!
سألتها رانيا وهي تدخل عليها غرفة مكتبها في المصنع الذي بدأ لتوه يقف على قدميه من جديد بتدبير نشوى التي رفعت إليها الآن عينيها بابتسامة فرحة مجيبة بغموض :
_يعني ...ممكن النهارده تبقى فيه مفاجأة كويسة !
_زي إيه ؟!
هتفت بها رانيا بلهفة لتنظر نشوى في ساعتها قائلة بمرح زين ملامحها العابسة أغلب الوقت :
_اصبري وهتعرفيها .

طرقات خافتة على الباب جعلت كلتيهما تلتفت نحوه ليفتح ويظهر من خلفه الرجلان ...
أشرف وهذا الرجل الذي تراه رانيا لأول مرة ...
بينما كانت نشوى تعرفه منذ سنوات تقارب عمر صداقته لشقيقها ...

ناصر شفيق...
ضابط الشرطة الذي ساعد أشرف في مهمته بعدما أخرجه من المصحة .

_أشرف!
كلتاهما قالتها لكن نشوى هي من اندفعت لتطوقه بذراعيها بقوة ودموعها تفضح عاطفتها التي صارت تكبتها مؤخراً عن عيون الناس ...
بينما وقفت رانيا مكانها مصدومة ومشاعرها تتخبط بها في دوامة من انفعالات ...
اشتياق...لهفة...فرحة...أمان مسافر عاد له وطنه بعدما اغتصبوه منه ...
كل هذا كان منطقياً ...
لكن الغريب حقاً كان هذا الغضب الذي ملأها وهي تشعر بالغربة...
بالنبذ ...
أنها كانت "آخر من يعلم"!!
ك"أصمّ يقف وحيداً في حفل زفاف"!!

لكن ...أليس في هذا نوع من العدالة ؟!
ألم تكن هذه مكانتها التي اختارتها قديماً...
مجرد مفعول به في جملة كان هو دوماً "فاعلها"؟!!

هل يحق لها الآن الغضب ؟!!
إذا كان لا يحق لها ...فماذا عن الصمت ؟!!
الصمت الصارخ بانفعالاتها وعيناها تواجهان عيني أشرف الذي كان يتوجه الآن نحوها ...
كفه يمتد لكفها بمصافحة ليست كمصافحة !!
أنامله تضغط أناملها بقوة حانية وإبهامه يداعب العرق النابض في معصمها بهذه الحركة الخاصة التي يدرك كلاهما كم كانت تعشقها ...ولا تزال !
أنفاسه تتلاحق ووجهه يتقارب منها لتصب نظراته الشوق في عينيها صباً ...
فتسيل دموعها على وجنتيها وهي تشعر بالمزيد من الغضب ...
الغضب من نفسها ...ومنه !!
بعد كل ما بينهما يلتقيان هكذا كالغرباء !!
لم يأتمنها طوال الأيام السابقة على سره ورضي بأن يحلق وحيداً بعيداً عن السرب كعهده ...
والآن يعود يظنها لا تزال الخانعة التي لا تستطيع اتخاذ قرار !!
يظهر لها هكذا فجأة كزائر وهي التي انتظرت اقتحامه كعاشق!

لهذا سحبت كفها منه لتشيح بوجهها متمتمة بين دموعها :
_حمداً لله ع السلامة.

عقد حاجبيه وهو يشعر بأن شيئاً ما فيها قد تغير ...
نشوى أخبرته الكثير عن دعم رانيا لها ومساعدتها إياها طوال الأيام السابقة...
لكنه لم يصدق أن "هريرته" الناعمة تفقدت أخيراً مخالبها لتبرزها وقت الشدة ...
غضبها لا يزال غير مفهوم بالنسبة إليه ...
هو جنّبها المشاكل كعهده طوال عمريهما فلماذا الآن تعترض؟!!

_أنا آسف إننا قلقناكم باختفاء أشرف بس دي كانت مصلحة القضية أولاً ورغبته هو ثانياً.

قالها ناصر بلباقة مقاطعاً الصمت في المكان لتتفحصه رانيا ببصرها ...
صورة مثالية لضابط شرطة ممشوق القوام عريض المنكبين ...
وسيم بهذه الطريقة التي يتخيرون بها نجوم السينما ...
لكن ثمة حزم قاسٍ يبزغ في نظراته لم تستطع طبيعتها الوديعة تقبله ...

حزم بدا في استطراده بعدها :
_صحيح هو قدر هرب بسرعة ما تخيلنهاش كأنه كان عامل حساب اليوم ده ...بس مش هيقدر كتير ...احنا قطعنا صوابع إيديه كلها والباقيين مش هيقدروا يعملواله حاجة ...
ثم ابتسم ليردف وهو ينظر لنشوى نظرة خاصة :
_زي ما بيقولوا "الفئران أول من يغادر السفينة الغارقة"!

هل ارتجفت نظرات نشوى التي طالما عهدتها قوية أم أنها فقط تتوهم ؟!!
لا ...كفّاها كذلك يرتجفان قبل أن تخفيهما خلف ظهرها وحديث العيون بينها وبين ناصر يفضح ما هو أكبر بكثير من التحفظ البادي بينهما !!

_تشربوا إيه ؟!
هتفت بها نشوى مغالبة ارتباكها وهي تشير لهما بالجلوس ...
وبينما كان أشرف غارقاً بكليته في تفاصيل رانيا التي ذابت بين غضب واشتياق ...
كان ناصر ينظر لنشوى نفس النظرة الخاصة مع إجابته وهو يجلس على الأريكة الجانبية بأريحية ناسبت قوله :
_قهوة ...
ثم تهدج صوته نوعاً بنبرة ذات مغزى مع استطراده :
_سادة...ماعدتش بشربها زيادة زي زمان.

هنا تحرك أشرف ليواجه ناصر بنظرة عاتبة تعجبتها رانيا خاصة مع شحوب وجه نشوى التي جلست على كرسي مكتبها مطرقة برأسها بينما أشرف يضغط الزر ليطلب لهم هو بنفسه ..

_مش تسيب نشوى تفرح شوية بدور المدير الجديد ؟! من أولها هتفرض سلطاتك كده ؟! ما تزعلهاش ...لما بتزعل بتاخد قرارات متسرعة .

عقدت رانيا حاجبيها وهي تسمعها من ناصر بلهجة غريبة مزجت المرارة بمرح حاول تصنعه لتجد أشرف وقد احمر وجهه ليهتف بانفعال تعجبته :
_نشوى دماغها يوزن بلد ...ولو ماكنتش واثق في كده ماكنتش سبت لها كل حاجة وأنا مطمن .

فنقلت بصرها بينهم بتفحص وهي تشعر بالمزيد من الغرابة ...
نشوى التي أطرقت بوجهها الشاحب ولغة جسدها تفضح توتراً ملحوظاً...
أشرف الذي تحرك ليحيط كتفي شقيقته بذراعه وكأنما يمنحها دعماً لا تدري سببه ...
وأخيراً ناصر الذي أطرق قليلاً برأسه هو الآخر للحظات قبل أن يرفعه بقوله الذي لا يزال يتعمد صبغة حزمه بالمرح :
_أكيد ...وأنا لسه هاعرفها؟!

هكذا إذن ؟!
يبدو أنه يعرفها منذ زمن بعيد ...
لكن لماذا لا تبدو معرفة سطحية ؟!!

_أكبر مشكلة واقع فيها دلوقت هي رجوع إسلام...مش عارف هاحط وشي في وشه إزاي .

قالها ناصر بما ظهر وكأنه فقط يغير الموضوع أمام نظرات أشرف العاتبة والذي زفر بحرارة قائلاً:
_هيفهم إنه واجبك ...ومش معنى إنك صاحبه إنك تخالف ضميرك.

_مين إسلام ؟!
سألت رانيا في محاولة لكشف بعض ألغاز هذه الجلسة ليرد ناصر بابتسامة لم تكسر هالة الحزم القاسي حول ملامحه :
_صاحبي من زمان بس هو سافر اسطنبول من فترة...وللصدف السعيدة يبقى ابن حسين رجائي .

أصدرت رانيا همهمة تفهم لتسأله باهتمام :
_وإزاي قدرتم توقعوه ؟!
فيجيبها أشرف هذه المرة :
_فاكرة الست اللي اسمها سيدة ؟! كانت اتقتلت من فترة بعد ما كشفوا إنها عرفتني الحقيقة...الست دي قريبتها كانت زميلة ابن حسين التاني في الجامعة...ولد اسمه هيثم شكله محترم برضه وبعيد عن سكة أبوه...أنا عرفت أقنعها تقرّب من حسين أكتر عشان تكشفه وهي شافتها فرصة تنتقم لدم قريبتها اللي راح هدر ...وفعلاً قدرت تزرع جهاز تصنت في مكتبه من غير ما يحس ...ولما اطمن خالص ورجع لشغله القذر اصطادوه متلبس .

_وقع في شر أعماله ...مين يقول داهية زي ده توقعه واحدة ست ؟!
تقولها رانيا بتشفّ ملتاع ليرد ناصر وهو يختلس نظرة نحو نشوى التي لا تزال مطرقة الرأس عازفة عن المشاركة :
_ما تستهونيش بالستات ...لما بيحطوا حاجة في دماغهم ما بيهدوش إلا لما بيوصلوا .

هل رمقته نشوى بنظرة عاتبة أم أنها فقط يهيأ إليها ؟!
تباً!
حديث العيون بين ثلاثتهم يبدو لها شاذاً مشحوناً وكأنها الطرف الغريب هنا !!
الخاطر الأخير يملأها بالمزيد من الغضب لهذا الوضع الذي تبدو فيه حقاً بلا دور!!

لهذا أشاحت بوجهها لتتحرك نحو الباب قائلة بضيق :
_عن إذنكم ...هامشي أنا ...
ثم التفتت نحو نشوى بقولها :
_أظن بعد رجوع أشرف مش هتحتاجيلي ...وعموماً لو عايزة حاجة كلميني .

قالتها لتخرج مغلقة الباب خلفها بسرعة فتحرك أشرف ليلحق بها تاركاً خلفه زوجاً من العيون تتناحران بالمزيج من العتاب والذنب ...
وإن كان الصمت لا يزال يطوقهما !!

وإلى الغرفة المجاورة دخلت رانيا لتجذب حقيبتها تأهباً للرحيل عندما شعرت به خلفها يغلق الباب فالتفتت نحوه لتهتف دون أن تنظر إليه :
_مش عايزة أتكلم دلوقت يا أشرف .
_ليه ؟!
يقولها برفقه الحليم وهو يقترب منها أكثر ليستمر هتافها المعرض عن لقاء نظراته :
_عشان لو اتكلمت كلامي مش هيعجبك ...مش بعد كل الأيام اللي اتحرمت فيها منك دي هنتخانق أول ما أشوفك .

ارتجف صوتها في عبارتها الأخيرة واشياً بقرب بكائها فاقترب منها أكثر ليحتضن كفيها بكفيه هامساً :
_عارفة وحشتيني أد إيه ؟!

تغمض عينيها بقوة لتنساب دموعها حارة قبل أن تسحب كفيها منه بعنف ...
لكن لتطوق رقبته بذراعيها ملصقة وجنتها بوجنته مع همسها الباكي:
_هنت عليك تسيبني كل ده من غير حتى ما تطمني؟! بتردهالي عشان غلطت قبلك وبعدت ؟! من امتى بتعاقبني كده ؟!

فضمها بقوة نحوه ليهتف بحنان عاد يهدهد أحزانها :
_أقسم بالله ما فكرت فيها كده ...انتِ عارفة إنك انتِ بالذات مهما عملتِ قلبي ما يعرفش معاكِ غير إنه يسامح...كل اللي كان في بالي إني أرجع لنفسي قبل ما أرجع لك ...أطمن إني ماعدتش هاضعف وأرجع للقرف ده تاني ...ماكنتش هسامح نفسي إني ضيعت ابننا إلا لو خدت حقه وحقك بإيدي ...
ثم ابتعد قليلاً ليمسح دموعها بأنامله مردفاً بنبرة أرق:
_مكنتيش بتغيبي عن بالي لحظة واحدة ...بس كنت براقبك من بعيد ...فرحان بحبيبتي الجديدة ...ماخبيش عليكِ إني في الأول كنت خايف تخذليني ...بس كل يوم كان بيعدي كنت بكتشف إن اللي حصل كان لازم يحصل عشان احنا الاتنين نتغير .

_هترجعلي يا أشرف ....والليلة دي ...هاكلم يامن حالاً وأقولله يتفق مع المأذون !
هتفت بها بنزق غريب على طبيعتها الخانعة القديمة ليرفع حاجبيه بدهشة قبل أن يطلق ضحكة عالية سبقت قوله :
_هلّا هلّا ...وبقينا بناخد قرارات وندي أوامر كمان ؟!
_أيوة ...ومش هاسمحلك تأجل حتى يوم واحد !
تقولها بانفعال غاضب صنع مع حمرة خديها مزيجاً شهياً فتنهد بحرارة ليلصق جبينه بجبينها هامساً :
_ومين هيستحمل يأجل ساعة واحدة ؟!

لكنه عاد يبتعد بوجهه ليسألها بترقب امتزج بالكثير من الامتنان :
_بس عارفة إننا هنبدأ من الصفر المرة دي ؟! عشان حبيبتي الجدعة باعت شقتنا وادت فلوسها لأختي ترجع بيها المصنع ...عندك استعداد نعيش في بيت بابا القديم مع نشوى وبنتها ؟!
_في أي حتة المهم أبقى معاك .
قالتها بعاطفة امتزجت بعزم غريب على طبيعتها التي يعرفها فابتسم بقرارة نفسه مدركاً حجم التغيير الذي نالها ...
والذي كافأه بقبلة تقدير على جبينها فابتسمت أخيراً وهي تبتعد عنه لتمسح بقايا دموعها ...
قبل أن تضع حقيبتها على كتفها لتهتف بنفس النغمة الجديدة على أذنيه :
_حيث كده بقا سيبني أجهز نفسي ...وانت كمان جهز نفسك .
_لإيه ؟!
يقولها بمكر عابث لتلكزه في كتفه هاتفة:
_لاستجواب شديد اللهجة الليلة دي تعترف لي فيه بكل حاجة حصلت من يوم ما سبتني ...وبالتفصيل !
فضحك وهو يرد بحنانه المعهود :
_طلبات الغالية أوامر .
يرتجف جسدها تأثراً بهذه العاطفة التي عادت تشرق أخيراً بين عينيهما لتهمس له بين أمر ورجاء:
_اوعدني من النهارده مفيش حاجة هتستخبى عني .
فيرفع كفها لشفتيه يقبل أصابعها واحداً واحداً قبل أن يهمس بعشق أذابهما معاً :
_كل نفَس بيخرج مني وعد ...إني كلي منك وليكي.
========
_فستان فرح جديد ؟! دي هانيا بمناخيرها اللي في السما ماعملتهاش!

هتفت بها داليا بدهشة وهي تجد رانيا تفاجئها في غرفتها تطلب منها صحبتها لشراء الثوب....
فضحكت الأخيرة لترد بمزيج من خجل وفرح:
_عايزاه يفرح بجد يا داليا بعد شقا الأيام اللي فاتت...عايزاه يحس إنه قدام واحدة جديدة اتغيرت بسببه وعشانه...نفسي نعوض اللي فات ونبدأ من أول وجديد .

فغمزتها داليا بمكر هاتفة :
_سيدي يا سيدي ! وقال أنا رحت لهانيا عشان تعلمني الدلع ! طلعت النمرة غلط ...قولي انتِ بقا يا خبرة ...منك نستفيد !
لكن رانيا قبلت وجنتها بضحكة قصيرة لتهتف بتعجل :
_هاقوللك كل اللي انتِ عايزاه بس خللينا نخلص ...ماعادش فاضل غير كام ساعة ...تعرفي بيوتي سنتر قريب؟!
_حافظاهم واحد واحد ...أنت تسأل والكمبيوتر داليا يجيب!

هتفت بها داليا بمرح فخور وهي تهب من فراشها لتردف بغمزة عابثة :
_بس افتكري الجمايل دي !

فابتسمت رانيا بسعادة حقيقية راقبتها داليا برضا ...
رغم أنها -رانيا- هي الأكبر سناً منها لكنها كانت دوماً تشعر بأنها تشفق عليها كابنتها ...
ربما لطبيعة الأولى الخانعة التي كانت دوماً تعايش الأمور ككتكوت يغرق في شبر ماء!!!

لكن الأزمة الأخيرة صنعت منهن جميعاً نماذج مختلفة حقاً !!
بالذات رانيا التي نفضت ضعفها كله وراءها لتسند زوجها في أزمته !!


وفي المساء تجمعت العائلة لعقد قران جديد ...
لم تستطع فيه نبيلة كبح جماح زغرودتها التي شقت الأجواء وهي تشعر بالاطمئنان على آخر البنات !!
زغرودة ابتسمت لها ياسمين وهي الأخرى تشعر بالسعادة لرانيا بالذات !
رانيا التي لم تكن حاضرة !!

أين ذهبت ؟!

نفس السؤال الذي ألقاه أشرف عقب مغادرة المأذون لتجيب داليا هاتفة بانطلاق:
_سبقتك ع البيت !
_نعم ؟!
هتف بها يامن باستنكار حرج لتكتم ياسمين ضحكتها فيما عجزت نبيلة عن فعلها لتخرج منها عالية راضية مع تعليقها العابث:
_البنت مش عايزة تضيع وقت !

احمر وجه يامن بالمزيد من الحرج ليتقدم كل من مروان ورامز يربتان على كتفه والأول يهتف بنبرة محذرة:
_اهدا وما تبوظش الليلة ...حصل خير!

فكز يامن على أسنانه وهو يمسك موضع قلبه مغمغماً باستنكار وهو يدور ببصره بين داليا وهانيا :
_هتجلطوني أقسم بالله ...ثلاث مصايب وابتليت بيهم !
_أربعة يا "مانّو"!
قالتها نبيلة ممازحة وهي تشير لنفسها فزفر بسخط ليتوجه ببصره نحو أشرف المرتبك هاتفاً بفظاظته المعهودة :
_حيث إن العروسة "بنت الناس" سبقتك ع البيت ...فأنا حاليا دوري كأي "راس كرنبة" بالضبط...تقدر تتفضل وتحصلها .

قالها وهو يشير له بكفه نحو باب البيت مردفاً:
_ولما تفوق كده عايزين نتكلم شوية .
فاعتذر له أشرف عاجزاً عن كتم ضحكته ليقوم مغادراً لكنه ما كاد يصل للباب حتى استوقفه يامن بندائه ...
قبل أن يتوجه نحوه ليضمه في عناق قصير سبق قوله الذي انحدرت عنه غلالة فظاظته :
_أولاً مبروك...وثانياً...لك عليّ حق اعتذار ...
ابتسم له أشرف بتسامح وهو يربت على عضده ليبتسم يامن مردفاً بنبرة فاح منها ندمه :
_كنت فاكر إني بحافظ عليها ...بس ...
لكن أشرف قاطع عبارته بقوله المهذب:
_من غير تبرير يا دكتور ...بلاش نتكلم في اللي فات .

أومأ يامن برأسه موافقاً قبل أن يشير بإصبعه نحو رامز ومروان أن يأتيا ...
وما كادا يفعلان حتى ضم هو أربعتهم في حلقة ليهتف بغيظ :
_شوفوا بقا أنا جبت آخري ...كل واحد فيكم خد واحدة ملزوم بيها ...اعتبروا البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل ...
ثم التفت نحو داليا وهانيا مردفاً بنفس الغيظ :
_شلة "العازبات الفاتنات" دي تتفض ونغير اسمها بقا !

انطلقت ضحكاتهم عالية فيما عادت نبيلة تطلق زغرودة أخرى استقبلها يامن بزفرة جديدة ساخطة جعلت الجميع يلتفون حوله لتهدئته !!

وفي البيت -الذي غادرته نشوى الليلة لتقيم مع ريما لدى إحدى صديقاتها كي تمنحهما بعض الخصوصية -وقفت رانيا أمام مرآة الصالة تتأمل شكلها بمزيج من رضا وخجل ...
تعلم أنها ستثير ضجة بفعلتها هذه لكنها كانت تتعمدها !!
أجل ...هي تريد هذه المرة مختلفة !
تريد أن يشعر هو أنها الآن صاحبة الخطوة الأولى ...
أنها لم تعد الصنم الكامن في موضعه ...
الطفل المذعور المختبئ في جلباب أحبته ...
الهريرة الناعمة التي نسوا أن يخبروها أن لها مخالب...

هي الآن تملك القوة لاتخاذ قرار تدافع عنه بعمرها كله...
وهل أعظم منه هو قرار؟!!

تسمع صوت مفتاحه في الباب فتتراجع قليلاً بحذر ...
عيناه تحطان عليها فتتسعان قليلاً بانبهار ...اشتياق...لهفة....
قبل أن يتراجع كل هذا لتكتسحهما عاطفة بحجم عمره كله !!

ثوبها الأبيض المطرز الذي يختلف كثيراً عن ثوب زفافها الأول المتحفظ ...
فهذا يكشف عن ذراعيها وصدرها وبعض ساقيها بتلك القصّة التي تقصر في ذيل مقدمته مظهرة إلى ما فوق ركبتيها ...
ثم تنحدر بسلاسة لتطول على الجانبين والخلف بتموجات مذهلة !!

_إيه رأيك ؟!
تسأله بدلال وهي تخطو نحوه لتبسط كفيها على صدره فيرفعهما ليلثمهما بشفتيه هامساً ب"الترنيمة القديمة":
_ما يتحكيش عليها !

تغمض عينيها بحنين جارف لهذه "الغنوة" التي طالما ظللت عشقهما القديم ...
ليكملها هو همساً بين شفتيها :
_كان حلم عمري اللي لقيته ...كان كل شيئ اتمنيته ...حبيتها كده زي ما هيّ ...ضحكتها مش ضحكة عادية ...توصفها تلاقيها ...ما يتحكيش عليها !

_لسه فاكر؟!
تهمس بها وأناملها تتحسس وجنتيه باشتياق لم تكن تحسبه هائلاً هكذا وهو يكاد يودي بدقات قلبها ...
ليمس شفتيها بشفتيه مساً خفيفاً هامساً :
_انتِ العمر يا رانيا ...هو العمر يتنسي؟!

فترتجف بين ذراعيه وشريط ذكرياتهما يمر أمام عينيها لحظة لحظة ...
"طفلة"تشاركه ألعابه...
"مراهقة" تقاسمه عشقه...
و"امرأة" تحتمي برجولته !!

_عارف ليه قصدت الليلة دي أسبقك على هنا ؟!
همست بها بنبرة تهدجت بانفعالها ليقبل وجنتيها وجبينها مع همسه :
_عارف بس عايز أسمعها منك .

تتلألأ الدموع في عينيها وفيض مشاعرها الغامر يغرقها مع همسها:
_يمكن عشان أحسسك إني اتغيرت...يمكن عشان أنا نفسي أحس إني خدت قرار لوحدي ومسئولة عنه ...ويمكن عشان ...عشان أعتذر !

دمعة حارقة تسيل من طرف عينيها وهي تتذكر معاناته بعد هجرها الطويل له ...
دمعة تلقفتها شفتاه لتنحدر في خط قصير نحو شفتيها مع همسه المستنكر:
_تعتذري؟! انتِ مش بس مراتي ولا حبيبتي ...انتِ بنتي ...بنتي اللي مهما عملت قلبي كبر بحبها وهيموت عليه .

تنهيدتها التي مزجت ارتياحها بفورة عاطفتها تصل أذنيه كأعذب لحن ...
فتتلكأ شفتاه بين فردوس البسمات والقبل ...
والهمس الدافئ يعاود غزل خيوط العشق بينهما :
_واللي مهما قلت عنها ...ما يتحكيش عليها .
========
أتعْلم يا "لذة الوجع" و"وجع اللذة"؟!!
يا "كابوساً بعد حلم بعد كابوس"؟!!
يا "طوق زهور أصبح حول العنق مشنقة"؟!!
يوماً ما س-تغادر- عالمي الذي "أزهر"بك و"تصحّر"بك ...
نهراً فاض وجف في عهدك عشرات المرات ...
يوماً ما س-أغادر- عالمك الذي زدته أنا فقراً وغنى ...
فقراً "عني" وغنى بكل ما دوني !!
يوماً ما ستغادر وأغادر ...
لكن شيئاً منا سيبقى في "المنتصف اللا محسوس " بيننا ...
شيئ حلو ...كلذة عناق...
مر ...كعلقم خيبة...
حارق...كدمعة رحيل ...
لكنه صادق...كابتسامة رضيع!
"ياقوت"
=======
على مكتبها في غرفتها بالمركز تجلس دافنة وجهها بين ذراعيها المتشابكين ...
لا رفيق لها في مصيبتها الأخيرة سوى دموعها !!
الحقيقة ظهرت أخيراً أمام الجميع ليدركوا من هو أبوها بأسوأ طريقة ممكنة !!

"استدعاء للتحقيق في النيابة" بعد هروبه !!!
استدعاء وصلها هنا على المركز ليظهر "اسمه" الذي طالما طمسته !!
هي لم تعد "ياقوت سليمان" ...
عادت لنقطة الصفر ...
"ياقوت حسين رجائي" ...المجرم الهارب!

طرقات مساعدتها التي تميزها على الباب تصلها لتجلي صوتها المتحشرج هاتفة :
_الغي المواعيد كلها ...أنا ماشية !
لكن الباب يفتح فجأة لترفع رأسها بغضب لم يلبث أن تحول لصدمة وهي ترى وجه زين خلف مساعدتها التي هتفت به بضيق:
_سمعتها بنفسك ؟! كل المواعيد ...
لكنه لم يمهلها الفرصة لتكمل عندما دخل الغرفة ليغلق الباب خلفه !

عيناه تجريان على وجهها الذي لم يحتج أن يطلب منها خلع نظارته هذه المرة ...إذ كيف تبكي امرأة بنظارتها ؟!!
دموعها هذه المرة لم تكن تترك أثرها على "وجهها" فحسب...
على "قلبه" فحسب ...
بل على "روحها" التي تبدو له الآن مطفأة كما لم يرها يوماً !!
عندما سمع الخبر في البداية توقع أن يراها راضية شامتة لكن علمه بهروب الرجل جعله يدرك أي فضيحة سيتركها خلفه !
لهذا وجد نفسه يهرع إلى هنا في خطوة لم يحسب نتائجها ...
أي حساب؟!
لقد طاشت في علاقته بهذه المرأة كل الحسابات !!!

أما هي فظلت ترمقه بعينين مصدومتين للحظات كأنها لا تصدق وجوده هنا الآن ...
جزء بداخلها يكاد ينتفض يصرخ به أن ارحل ...
لا ينقصني مرأى المزيد من خساراتي على وجهك !
جزء آخر يصرخ بها هي أن تماسكي ...لا تظهري أمامه ضعفاً ...أي ضعف ولو بمسمى "الرفض"!
وجزء آخر هزيل ...هزيل كما الحلم الذي طاردت سرابه يوماً في عينيه ...يربت على جروح روحها مذكراً إياها بمذاق "عناقه"!
أتعلم يا "لذة الوجع" و"وجع اللذة"؟!!
يا "كابوساً بعد حلم بعد كابوس"؟!!
يا "طوق زهور أصبح حول العنق مشنقة"؟!!
يوماً ما س-تغادر- عالمي الذي أزهر بك وتصحر بك ...
فاض وجف في عهدك عشرات المرات ...
يوماً ما س-أغادر- عالمك الذي زدته أنا فقراً وغنى ...
فقراً "عني" وغنى بكل ما دوني !!
يوماً ما ستغادر وأغادر ...
لكن شيئاً منا سيبقى في "المنتصف اللا محسوس " بيننا ...
شيئ حلو ...كلذة عناق...
مر ...كعلقم خيبة...
حارق...كدمعة رحيل ...
لكنه صادق...كابتسامة رضيع!

قدماه تقصران الطريق بينهما لتجده على بعد أنفاسها يشرف عليها من علو ...
حتى في مصيبتها هذه لن تسمح له -ولنفسها قبله - أن يكون منها بهذه المكانة بين أعلى وأسفل!
لهذا وقفت تناطحه رأساً برأس ...
عيناها الدامعتان تتألقان ببريق عزة لم تفقده ...
"القمران السجينان" يتواريان خلف غيوم ألم تكبته ...

_جاي ليه ؟!
لم تستطع رؤية عينيه بعد سؤالها بل أغمضت عينيها بسرعة ...
تراها مثلاً كانت تخشى الجواب ؟!!
تخشى أن يضع لبنة أخرى في صرح "كراهيتها" له ...
أو ربما "العكس"؟!!
تخشى "جبروته" أم تخشى "وهنها"؟!!
في هذه اللحظة بالذات ...
لو استطاعت أن ترجوه الرحيل فستفعلها !!

وأمامها كان هو يقبض كفيه جواره بقوة وعيناه تترصدان تفاصيلها كمن يفك طلاسم تعويذة ذهبت بعقله ...
لو استسلم ل"عقيدة الصياد" فلماذا لا يشعر برضا عن ضعف "طريدته" في موقف كهذا ؟!
ولو استسلم ل"ضمير انسانيته" فلماذا يشعر بالعجز المقيت هذا عن مساعدتها ؟!!
ربما لأنه يعلم أن مجرد وجوده في حياتها بهذه الطريقة ليس إلا نصلاً جديداً يغرسه في عنق هذا الكبرياء !!
ابتعاده "فريضة واجبة" لكنه ليس عليها بقادر!

_أكيد عرفت الخبر ...عرفت إنهم بعتولي استدعا رسمي هنا ؟! كل المركز عرف دلوقت أنا مين ومين أبويا ...وبكرة كل الناس هتعرف ...إشاعة واحدة لعلاقة زين بيه العظيم مع واحدة زيي ممكن تهز صورتك ...برضه لسه مش عايز ...

سيل كلماتها بين عنفوان عزتها ومرارتها ينقطع فجأة بين ذراعيه !!
جواب سؤالها الذي لم تكمله يصلها لا بين شفاه ولسان بل في تشبث حضن !
عبر عينيها المغمضتين ...ذراعيها المتخشبين ...قدميها الراسختين في الأرض ...
ورأسها الذي يثبته هو بكفه على صدره ...تعاود دموعها فيضانها الصامت !!

العناق "الثالث"!!
هل بلغ بها البؤس حد أنها صارت تعد عناقاته واحداً واحداً؟!!
وكيف لا تفعل وكل منها له مذاق لا يشبه صاحبه ؟!
أولها كان عناق تعاطف ...ثانيها كان عناق احتياج...
لكن هذا يبدو وكأنه عناق عجز !!
ربما لو أجادت فهم لغة خفقاته لأدركت أنه لم يشعر في حياته كلها بالعجز كما يفعل الآن !!
كيف وهو يود لو يمحو عنها خزي ماضٍ أزكى هو -بفعلته معها- حاضره وغده ؟!!
ألا يتركها وشأنها ؟!
مستحيل!
ألا يقرّبها ب-عز- تستحقه ؟!
بأي صفة؟!
هي أخبرته أن كل الجسور بينهما مهدومة...
فهل يملك القوة ليحلق نحوها طائراً ؟!!

لم يكن جواب سؤاله إلا أن شدد ضغط ذراعيه حولها برفق أكثر لعله يلمح منها أي استجابة...

لكنها لم تستسلم ...ولم تقاوم !!
وقفت متخشبة جامدة تتلقى عطيّته كما تفعل بكل مصائب حياتها !!
وهل من مصيبة أعظم من رجل كهذا في طريق امرأة مثلها؟!!

لماذا يعانقها ؟!
لماذا يفعل؟!
لماذا لا يلقي في وجهها واحدة من عبارات جبروته التي ستلائم جداً موقفها الآن ؟!
لماذا لا يحاول خداعها بعبارة مجاملة يجيدها متلون مثله ؟!
بل ...لماذا لا يتكلم ؟!
منذ دخل الغرفة وهو ملثمٌ خلف صمته ...وكم تكره هذا اللثام !!

لهذا رفعت وجهها نحوه لتقول بنفس النبرة الجامدة التي لم تخدعه :
_وبعدين؟! هتفضل تضيع وقتك كده كتير ؟!
_وانتِ هتفضلي تمثلي إنه مش فارق معاكي كده كتير؟!
همسه الذي مزج مكره بإشفاقه استفزها لتهتف بانفعال رج جسدها بين ذراعيه :
_أنا ما بمثلش إنه مش فارق ...هو فعلاً مش فارق ....إيه يعني ؟! إيه يعني ؟!

ظلت تكرر عبارتها الأخيرة بنبرة خفتت تدريجياً لتنهار آخر حروفها بدفقة من دموعها تلقاها هو على صدره ليربت على ظهرها للحظات قبل أن يبعدها ليهز كتفيها بقوة بما كان واثقاً أنها تحتاج سماعه :
_بتعيطي ليه ؟! خايفة من إيه ؟! مين حسين رجائي في حياتك ؟! انتِ ياقوت سليمان ...ياقوت اللي حفرت في الصخر لحد ما عملت اسمها بنفسها ماستنتش حد يديهولها ...الناس هتتكلم النهارده وتنسى بكرة ...واللي هيفضل بس هو صورة ياقوت اللي هترسمها بنفسها مش بإيد حد .

عيناه القويتان تغرسان نظراتهما وسط دموع قمريها السجينين ...
غيم نقي من حنان لم يتكلفه اخترق قلبها بصدقه ...
هي تعبت حقاً!
تعبت من أن ترشد الناس لسبل صلاح أرواحهم وهي مجرد ضالة هائمة في غياهب ماض يبتلعها ...
"باب النجار مخلع" كما يقولون !!
وهي في هذه اللحظة لم تكن أفضل من نجار ماهر هشموا له بابه كاملاً وتركوه وحده في العراء!!


_ليه ده يحصل دلوقت ؟! وبالشكل ده ؟! أنا عمري ما كنت عايزة منه حاجة ...طول حياتي بخبي اسمه حتى مش عايزاه...فلوسه كنت بشتغل أي شغلانة ولو بسيطة ومتعبة عشان ما أمدش إيدي عليها ...ودلوقت اسمه يرجع يوسخ اسمي كده ؟! القصة الجديدة هتفكر الناس بالقديم ...وبنات الخدامة مش هيشفعلهم تعب ولا شرف ...كان نفسي أشمت فيه وأقول حق أمي وحقنا رجع ...لكن هو لسه بيغلط واحنا بندفع التمن ...بندفعه من سمعتنا وشرفنا ...
ثم مسحت دموعها لتبتسم ساخرة مستطردة بمرارة :
_دول هيصادروا فلوسي اللي في البنك زي ما عملوا مع ولاده التانيين ...فلوسي اللي جمعتها بتعبي وشقايا واستخسرتها في نفسي عشان أحوشها لجهاز لجين أو علاج ستي ثمر ...حتى الصفر اللي بدات منه هياخدوه مني...شفت ظلم أكتر من كده ؟!

وجع حروفها يمزق قلبه لكنه يدرك بعقله أنها لا تحتاج الآن تعاطفه ...
بل دعمه ...لهذا عاد يهز كتفيها كأنه ينتزعها انتزاعاً من دوامة يأسها هذه :
_اللي زيك يعملوا ألف صفر ويبدأوا منه من جديد ...فكري كويس شوفي انتِ نجحتي ليه هتلاقي نفسك ماخسرتيش حاجة...لسة انتِ ياقوت ...لسة حواليكي لجين وثمر ...لسة جواكِ نفس الروح الطيبة والعقل الذكي والطموح اللي هيوصللك لأعلى مكان تتمنيه ...
ثم ارتجفت شفتاه بابتسامته ليجد نفسه دون وعي يقربها منه أكثر هامساً أمام عينيها :
_فاكرة لما قلتيلي إن اللي زيك الضربة ما بتموتوش ...بتدوخه بس وبيرجع يقف على رجليه تاني ؟!

عيناها تتوهان في زحام المشاعر الذي فاضت به عيناه بجنون فوضوي...
العينان الماكرتان كانتا تتلونان الآن بأطياف من حنان ...يقين ...إعجاب لن تبالغ كثيراً لو منحته مسمى أكبر ...
عالم تود لو تغرق فيه بكليتها لكن ...
منذ متى تستجيب هي لما تشتهيه ؟!!

لهذا أغمضت عينيها بقوة تقاوم غزو نظراته هذه قبل أن تزيح كفيه عن ذراعيها لتتحرك مبتعدة ...
تأخذ نفساً عميقاً ولا تنكر أنها كانت تحتاج حقاً سماع هذه الكلمات ...
وستكون أكثر صدقاً مع نفسها لتعترف أنها منه هو بالذات لها مذاق مختلف !

_لو كنت انت حد تاني كنت شكرتك على كلامك ...بس أنا عارفة إن اللي زيك ما بيعترفش إلا بلغة المصالح ...هه يا بيه ؟! وقفة الجدعنة بتاعتك دي عايز قصادها إيه ؟!

قالتها وهي فقط لا تدوس على قلبها بل على فطرتها الطيبة التي تثق أنه ليس كما تقول ...
لكنها لم تكن لتسمح لنفسها وبالذات في هذه الظروف أن تهوي في هذا الدرك أكثر !!!
وربما هذا ما كان يحتاجه هو الآخر ليعاود الاستمتاع بنزالهما الماكر من جديد ...
من النادر حقاً أن يقابل امرأة يجابه ذكاءها ك-نِدّ - ويشتهيها ك-أنثى-!
لا تزال ردود أفعالها مبهرة وسط كل الظروف ...
هي حقاً حجر من ياقوت !!

_اللي عايزه هاخده ماتقلقيش .
يقولها بمكر واثق مدركاً أنه يثير غيظها وهو يتحرك ليقف قبالتها واضعاً كفيه في جيبي سرواله قبل أن يردف بابتسامة ماكرة :
_دي نقطة مشتركة بيننا ...احنا الاتنين بنعرف نوصل للي عايزينه...عشان كده من الأفضل إننا الاتنين نعوز نفس الحاجة .

فالتمعت عيناها بنظرة متحدية وكأنما نفضت عنها رداء ضعفها السابق لترد ببطء:
_توقيت غلط للاستعراض يا بيه ...انت ناسي رهاناتك الخسرانة ؟!

فاتسعت ابتسامته الماكرة وهو يقترب منها أكثر ليميل على أذنها بهمسه :
_جميل قوي البيت اللي عامله رائد لهمسة ...بس المشوار كان بعيد عليكي.

شحب وجهها فجأة لتتجمد مكانها وقلبها يخفق بجزع ...
كيف غفلت عن أنه قد يراقبها ؟!!
كيف غاب عنها أمر بديهي كهذا ؟!!
لو تدخل بجبروته في الأمر الآن فستنتكس حالة همسة !!

لهذا وجدت نفسها تهتف فيه بغضب:
_إياك تقرب ناحيتها وإلا قسماً بالله العظيم لاهاسيب الحالة و...
سبابته على شفتيها تقاطع سيلها الحاد ليقول بنفس النبرة الواثقة التي اختلطت الآن بشيئ من المرارة :
_لو كنت عايز آخدها كنت خدتها ووديته هو ورا الشمس ...بس أنا سايبها هناك بمزاجي .

تنفست الصعداء وملامحها ترتخي بارتياح لتشيح بوجهها للحظات سبقت قولها الذي عادت إليه نبرتها المهنية :
_هي بتتحسن ...وجودها معاه فرق كتير ...الحل م الأول ماكانش ببعدها عنه ...بالعكس ...علاج همسة الحقيقي في إحساسها بإنه جنبها ...مااتخلاش عنها ...كل لحظة بتحس فيها بده بتزود رغبتها إنها ترجع تتواصل مع عالمنا تاني .
_ياريت تكون فعلاً كويسة ...ما تعرفيش مسكت نفسي إزاي عشان ما أدمرش رائد بعد اللي عمله ...ما تعرفيش بحس بإيه لما برجع البيت ومش بلاقيها ...ياريت النتيجة تكون تستاهل كل ده .

_انت كمان وحشتها ...سألت عليك ...ووعدتها أخلليك تشوفها ...
قالتها بنفس النبرة المهنية ثم ترددت قليلاً لتختلس نظرة نحوه مردفة :
_فيه خبر حلو ...هي فعلاً بقت تتقبل صوته ...بس من غير ما تشوفه.
اتسعت عيناه بصدمة للحظات قبل أن يبتسم ابتسامة صافية هاتفاً :
_معقول؟!
أومأت برأسها إيجاباً لتسبل جفنيها قائلة :
_أنا كمان ماكنتش مصدقة...تطور عظيم جداً...وعندي أمل كبير لو فضل ماشي معاها في نفس الطريق تتقبل تشوفه كمان ...المسألة...
انقطعت عبارتها هذه المرة بشهقتها وهي تجده يضمها في عناق مفاجئ !!
العناق "الرابع"!!
بمذاق "الشكر" هذه المرة !!

الشكر الذي فاضت به نظراته وهو يبتعد بوجهه عن جسدها المتخشب أخيراً ليتحول لمعنى آخر أعمق فاض في العينين الماكرتين ...
معنى جعل نظراته تتكدس حول "شفتيها" اللتين ارتجفتا بقوة مع شعورها باقترابه ...

_إياك !
هتفت بها صارمة وهي تحاول الابتعاد عن مرمى ذراعيه لكنه تشبث بها أكثر وهو يبتعد بوجهه ممتثلاً لرغبتها...
لتعود الابتسامة المتراقصة لشفتيه مع همسه :
_مش عارف أشكرك إزاي .
_انت عارف!
قالتها بغيظ لتتسع ابتسامته بقوله :
_بيننا اتفاق.
_انت مصدق نفسك ؟! أنا لا اتفقت ولا وافقت ...انت خدت كل حاجة غصب واقتدار زي ما بتعمل في حياتك كلها .
هتفت بها بقهر أعاد الدموع لعينيها ليرتخي ذراعاه حولها في حركة موحية قبل أن يهمس لها بنبرة لم تفهمها :
_يمكن في يوم تفهمي إني أنا كمان كنت مغصوب زيك ...امتى وإزاي وليه لقيتني معاكي في دايرة مقفولة مش عارف .
_افتحها .
هتفت بها بنبرة ألانها شعورها بأنها تخاطب الجزء الخاص ب"إنسانيته" هذه المرة ...
ليخفق قلبها بجنون وهي تراه يطرق برأسه صامتاً ...
رباه !!
هل سيفعلها الآن ؟!
سيمنحها حريتها ويصلح هذا الخطأ ؟!!
يبدو أنه سيفعل !!
لو أطلقها من يده فستبقى طوال عمرها تشكر له هذا الصنيع !!
كاذبة !!
لو فعلها فستظل تلعنه ما بقي له من حياتها !!
يالله !!
إذا كانت هي بهذه الحيرة ...بهذا الشتات ...فماذا عنه هو ؟!!

ارتجف جسدها بقشعريرة باردة وهي تراقب ملامحه كمن ينتظر نتيجة اختبار ...
راسبة أو ناجحة ...
هي في الحالتين خاسرة ...فهل أشد من هذا ظلم ؟!!

رأته يرفع إليها عينيه بسراجين من ذهب توهجا بدفء غمرها وكأنه يستقرئ في عينيها ما عجزت عن البوح به ...
قبل أن يهمس لها أخيراً :
_هافتحها ... ويمكن انتِ اللي تفتحيها ...بس الأكيد إن وقت ده ما يحصل مش هابقى راضي ...ولا انتِ كمان !

العبارة المموهة لم تمنحها الكثير مماكانت تنشده لهذا التمعت عيناها بتحدّ ناسب عبارتها :
_رهان جديد هتخسره .

الابتسامة الماكرة المشبعة بمرارتها تعاود التراقص على شفتيه وعيناه تردان لها التحدي بمثله ...
قبل أن يعطيها ظهره لينصرف وما كاد يمسك مقبض الباب حتى تذكر ما جعله يسألها باهتمام :
_استدعا النيابة امتى؟!
_بكرة الصبح ...وبعدها هاسافر البلد ...هحاول أرجع بدري عشان جلسات همسة .
قالتها بنبرة عادت إليها مهنيتها وهي تتحرك لتجلس على مكتبها ...
فابتسم ليقول بنبرته المميزة التي تمزج الود بالهيمنة :
_ما تتأخريش هناك.
رمقته بنظرة مستهينة وهي تعاود ارتداء نظارتها ليردف بنفس النبرة :
_هابعتلك محامي الصبح.
_مش محتاجاه !
هتفت بها بغيظ كأنما تقذفها في وجهه لكنه لم ينتظر ردها وهو يخرج صافقاً الباب خلفه ...
تاركاً إياها تتخبط بين جدران مشاعرها نحوه ...
ثلجٌ ونار !
هكذا ببساطة ملخص علاقتها به !
========
وقفت خارج الغرفة في مبنى النيابة حيث سيتم التحقيق ...
عيناها تحيدان هناك لتلك المرأة التي ترمقها بنظرة غل والتي تقف أمام شاب يبدو أنه ابنها ...
لاريب أنه أخوها العزيز و "الهانم" أمه !!

"الهانم" التي احمر وجهها ببكاء بدا وكأنه زاد فوق عمرها عمراً ...
رغم أناقة ملبسها ...جمال ملامحها ...الهيبة الأرستقراطية التي ترتسم على ملامحها ...
لكن طيف "الانكسار الذليل" على وجهها لم تكن لتخطئه عين راءٍ!
ومن مثلها يمكنه تمييزه ؟!!
شماتة ؟!!
لا ...نعم...أو ربما!!
الأمر معقد كثيراً على أن تجد تصنيفاً لشعورها الآن !!

انقطعت أفكارها عندما وجدت المرأة تندفع فجأة نحوها لتجذبها من ذراعها هاتفة بغل:
_اوعي تفتكري إن ليكي أو لأختك أي حقوق عندنا ...مش عايزة أشوف وش واحدة فيكم...ترجعوا تستخبوا في جحوركم زي الفيران زي ما عشتوا طول عمركم .
_ماما!
هتف بها هيثم باستنكار وهو يخلص ياقوت من ذراعها ...
ياقوت التي رفعت أنفها لتقول باعتدادها المعهود :
_حقوق؟! لو كنا عزنا زمان كنا هنعوز دلوقت ...جوزك ده احنا اللي متبريين منه مش هو .
لكن هيثم رمقها بنظرة متعاطفة ليقول بين اعتذار ومرارة :
_معلش...ماما أعصابها تعبانة ...كلامها مش محسوب.
رمقته جيلان بنظرة مغتاظة قبل أن تسمع صوت الرجل يدعوها للدخول فترددت للحظات قبل أن تتحرك لتدخل تلاحقها نظرات هيثم التي تمزج صدمتها بخزيها ...

تأملته ياقوت بعينين متفحصتين وهي تشعر أنه يختلف عن أبيه ...
تسترجع ما حكته لها لجين عن موقفه معها لتربط هذا بما حدث الآن ...
لتزداد فكرتها رسوخاً عندما وجدته يلتفت نحوها بعينين ذابلتين تتفحصان ملامحها قبل أن يمد لها كفه بما تدرك أنه يفوق كثيراً معنى المصافحة !!!

جسدها يتخشب لوهلة متفاجئة بصنيعه قبل أن يرتجف كاملاً وهي تتفحصه بنظرة أكثر إنسانية ...
قلبها يتقافز بصدرها من فرط انفعاله وعقلها ينقله من خانة "ابن حسين" ل"خانة أخيها"!!
فخ؟!
هل يكون لُطفه هذا مجرد فخ؟!!
لا ..هي لن تخطئ قراءة نظراته التي تفيض مرارة وخزياً و...حناناً!

لهذا وجدت أناملها دون وعي تمتد لمصافحته قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة متهكمة مريرة ناسبت قوله :
_معرفش بيقولوا إيه في الظروف دي ...وعمري ما كنت أتصور إني ممكن أتحط فيها ...بس ...أنا ...
تلجلجت كلماته بانفعاله الذي بدا على صفحة وجهه مما جعلها تشفق عليه ...
لتأتي بقية كلماته كما توقعتها :
_أنا آسف ع اللي ماما قالته...هي اتصدمت زينا ...بابا أكيد بريئ وحد ملفق له التهمة دي ...هو ما هربش عشان مذنب لكن ممكن حد ساعده عشان يثبت براءته ويرجع ...مش كده ؟!

تأملته بنظرة مشفقة وهي تتفهم هذا الشتات في ملامحه !!
المسكين لا يزال يعاني حالة "الإنكار بعد الصدمة" ...
لا يدرك أنه لم يكن يعيش إلا في فقاعة وردية من وهم !!
ينتظر عودة أبيه "الفارس" بدليل براءته ولا يعلم أنه هرب كنذل جبان تاركاً جواده يدهسهم جميعاً تحت حوافره !
تنفرج شفتاها وهي تود لو تهتف له بما يجعله يفيق من وهمه الخادع لكنها تشعر بكفه يضغط كفها في احتياج صامت أخرسها !!
شفقتها الممتزجة بحنانها جعلتها تهز رأسها عاجزة عن منحه صدمة جديدة !

طالما كان الوهم أرحم من الحقيقة فلا تلوموا الواهمين !

لهذا أغمضت عينيها بقوة وهي لا تدري بماذا ترد ...
جزء "بَشريّ" منها يشعر بالشماتة ...بلذة القصاص ...عائلته الآن تذوق الخزي الذي ذاقته وعائلتها عمرهم كله !
لكن جزءاً آخر بطبيعتها الطيبة يغلبها لتنظر إليه النظرة المناسبة ...
ما ذنبه ؟!!
هو مثلها مجرد ضحية لأب فاسد ...هي وأختها دفعتا الثمن قديماً وهو وأخوه سيذوقان المثل غداً ...
فأي شماتة هنا ؟!
هل يشمت المرء في صورة مرآته ؟!!
لهذا شدت على كفه هي الأخرى فلم تدرِ أيهما يتشبث بالآخر أكثر لتعاود تفحصه بعينين مختلفتين ...
هذا إذن أخوها الصغير ؟!!
عيناها تمتلئان بالدموع و"اللفظ الغريب" على روحها يقصفها قصفاً !!
لماذا تأخرت لجين ؟!
إنها تحتاجها معها الآن لعلها تشاركها هذه اللحظة...
هذا الوجع...هذا "الاكتشاف" الخطير كما كانتا تفعلان في صغرهما عندما تتقاسمان المفاجآت !!

تشعر بها خلفها فتلتفت نحوها دون أن تترك كفه ...
عيناها الدامعتان تتلقفان نظرات الخوف القلق في عيني شقيقتها ...
كأنما الثانية تسألها عما يحدث لتجيبها الأولى: ألا تخافي !!

عينا هيثم تحطان على لجين التي لا تزال ترمقه بنفس النظرة المذعورة كما رآها في المرة السابقة فيبتلع غصة حلقه المريرة ...
قبل أن يمد كفه الآخر ليمسك كفها في مشهد مهيب ل"ثلاثة" تشابكت أكفهم كإخوة بعد كل هذا العمر!!
========
_عملتي إيه جوه ؟! ومين الراجل اللي دخل معاكي ده ؟!
سألتها لجين وهما تغادران معاً مبنى النيابة لتجيبها ياقوت باقتضاب:
_ده محامي باعته واحد معرفة ...بإذن الله خير ما تقلقيش.
قالتها وهي تشكر زين سراً على إرساله للرجل الذي نفعها كثيراً في إفادتها هناك ...
لكنها مع هذا لم ترد على اتصالات الأول التي يمطرها بها من أول النهار !!
قلبها لا يحتمل كل هذا القدر من الانفعال ...
ألا يكفيها لقاؤها بهيثم ؟!
وكأنما قرأت لجين أفكارها لتقول بانفعال أرجف حروفها وهي تسير جوارها في الطريق :
_شفتِ هيثم ده جدع إزاي ؟! ده طلع راحلي المعمل من كام يوم عشان يسأل عليا ويقابلني .

فابتسمت ياقوت وهي تتذكر نظراته الحنون نحوهما ...وعده لهما أن يصحح خطأ أبيه...رجاءه الحار لهما أن تسمحا له بأن يتواصل معهما في هذه الظروف ...

_معقول بعد العمر ده يبقى لنا أخ يا توتة ؟!
سألتها لجين بفرحة وجلة جاهدت لتطفو فوق سطح كل هذا البؤس لتضمها ياقوت بذراعها قائلة بابتسامة شاردة :
_ستك ثمر دايماً تقولها "إن مع العسر يسراً"...
ثم نظرت في ساعتها لتردف:
_ياللا عشان نلحق القطر .
لكن لجين توقفت مكانها لتقول باستياء:
_مش هاقدر آجي معاكي ...مارضوش يدوني أجازة في المعمل النهارده ...روحي انت وهاحصللك آخر النهار .
هزت ياقوت رأسها باستسلام قبل أن تعانقها بقوة ليصدح هاتف لجين برنينه فرفعته لتقول لشقيقتها بارتباك :
_ده هيثم .
_ردي!
هتفت بها ياقوت بسرعة لتفتح لجين الاتصال فيزداد ارتباك ملامحها مع ما تسمعه ...
قبل أن تضغط بإصبعها على الشاشة ما يمنعه من سماعها فتسأل ياقوت بلهفة :
_عايز يعزمنا ع الغدا ويتكلم معانا .
فابتسمت ياقوت وهي تتناول منها الهاتف لتقول له بنبرة ودود :
_معلش أنا مسافرة دلوقت ...لكن ممكن لجين ...هاسيبك تتفق معاها .

احمر وجه لجين انفعالاً وهي تشعر بغرابة الموقف ...
لترمق ياقوت بنظرة متسائلة فهمتها الأخيرة لتطمئنها بقولها :
_ما تقلقيش من ستك ثمر ...أنا هافهمها وهي مش هتعترض ...عمرها ما هتبقى قطاعة أرحام .

فارتخت ملامح لجين لتعاود محادثته كي يتفقا على التفاصيل ...
ولم تكد تغلق الاتصال حتى هتفت بسعادة طفولية :
_مش مصدقة يا توتة...أخيراً هيبقى لنا سند ...أخ يقف في ظهرنا ...
ثم عبست ملامحها لتردف :
_والله هيثم ده خسارة في أبوه !
_كلنا خسارة فيه يا أوبرا!
هتفت بها ياقوت بغيظ قبل أن تردف ببعض القلق:
_ما لاحظتيش إن ابنه التاني مش موجود ؟!
_عرفت إنه مسافر بس أكيد هييجي في الظروف دي ...تفتكري هيبقى حنين زي هيثم كده ؟!
سألتها لجين بتوجس لتهز ياقوت كتفيها بجهل قبل أن تزفر لتقول بنبرة منهكة :
_سيبي بكرة لبكرة...كفاية علينا قلق اليومين اللي فاتوا ...عارفة يا أوبرا أكتر حاجة نفسي فيها دلوقت إيه ؟!
_حضن ستي ثمر!
أجابتها لجين بتفهم نادر تتشاركان فيه لتبتسم ياقوت مغمضة عينيها مع ردها:
_بالضبط! نفسي أرمي كل همومي ورا ظهري وأستخبى دلوقت في حضنها ...تقعدني في حجرها ...ترقيني وتضفر لي شعري ...يمكن وقتها الواحد يرجع يشحن طاقته عشان البلاوي اللي جاية.
_بلاوي؟!
هتفت بها لجين باستنكار لتلكزها في كتفها مردفة:
_فال الله ولا فالك ...ما تقوليش كده عشان قلبي بيتقبض!
فاتسعت ابتسامة ياقوت وهي ترمق شقيقتها بنظرة مشفقة ...
كم تود لو تطمئنها أن الأمور ستسير على ما يرام لكن حدساً ما بداخلها يخبرها أن الأيام القادمة ستكون أصعب ...
حدساً لم يفارقها بعدما فارقتها لتأخذ طريقها نحو محطة القطار ...
عيناها الطيبتان تجوبان الوجوه في الزحام حولها حيث وقفت تنتظر القطار ...
هاتفها يرن من جديد برقم زين لكنها تتجاهله عمداً ...
هي في طريقها لقريتها حيث موضع سكينتها ولا تريد المزيد من الشتات الذي يبثه فيها حديثه ...
لكن ماذا لو ...؟!!

صوت الانفجار القريب يقطع أفكارها فجأة !!
جسدها ينتفض وآخر ما تراه هو صورة النار !!
======
_برضه جيتي؟!
هتف بها مروان في المشفى الذي تطوع فيه لإسعاف المصابين في الحادث بصوت لايزال يرجفه انفعاله أمام داليا التي هتفت بانفعال مشابه :
_عايزة أتبرع بالدم زيهم ...أساعدك في أي حاجة .
زفر بانفعال وهو يشعر بالإشفاق عليها من رؤية هذه الحالات التي تصل كل بضع دقائق ...
ليعاود قوله :
_عايزة تتبرعي بالدم ماشي ...اتبرعي وروّحي!
_لا ...هافضل معاك وأعمل أي حاجة تطلبوها مني .

هتفت بها بعنادها الذي امتزج الآن بشيئ من حس المسئولية ليعاود نظراته الغاضبة المشفقة نحوها لكنها لم تتراجع ...
الوقت يمر بها وهي تتحرك معه هو وزملائه يداً بيد تساعدهم بما تعلمته في دورة إسعافات أولية كانت قد حصلت عليها ...

دموعها لا تتوقف عن الهطول لكنها تتصنع التماسك وهي تتخيل نفسها في ذات الموضع !!
يالله !!!
هل هكذا قد تكون الحياة قصيرة ؟!!

_ياقوت!
هتف بها مروان وهو يلمحها تتحرك مع بعض زملائهم تساعد في إسعاف الحالات لتشير له بيدها في تحية مقتضبة قبل أن تمضي في طريقها وقد بدت من هيئتها المنهكة أنها سبقته في الحضور إلى هنا !

رمقته داليا بنظرة حانقة لتهتف بغيرة دون وعي :
_مين ياقوت دي؟!
فالتفت نحوها هاتفاً بغيظ :
_انتِ في إيه واللا في إيه ؟! ياللا...
قاطع أحد زملائه عبارته وهو يجذبه من ذراعه نحو الداخل كي يتفحص إحدى الحالات ...
ورغم أن تخصصه لم يكن مفيداً كثيراً هاهنا لكنه استفاد من معلومات سنوات دراسته الأولى ...
الحالات تتوالى على عينيه تباعاً بعدها فلا يكاد يميز لها عدداً !!
يالله !!
كل هؤلاء؟!
التاريخ لن ينسى يوماً كهذا !
بل سيفعل كما نسي من قبل !!
منصب يُسلَم من واحد لآخر ولا عزاء لفقير لا تُسمع له صرخة ولا ترى له دمعة ...فهل لدمه ثمن ؟!!

الخاطر الأخير يملأه غضباً وقهراً طوال الساعات التي قضاها بعدها حتى غادر المشفى ليلاً معها وجسده ينافس عقله في إنهاكه !!

_عاملة إيه دلوقت ؟!
سألها بتشتت وهو يستقل سيارته جوارها في طريقهما لبيتها لكنها كانت تطرق بوجهها صامتة فصمت قليلاً يفكر قبل أن يهتف باستنكار :
_اوعي تكوني مقموصة عشان موضوع ياقوت ؟!

لكنها انخرطت فجأة في بكاء هستيري جعله يزفر بقوة قبل أن يمد ذراعيه ليضمها لصدره برفق مربتاً على ظهرها مع قوله الرفيق:
_معلش...أنا عارف إن اليوم كان صعب عليكي ...عشان كده قلتلك امشي م الصبح .

ظلت غارقة بين شهقات نحيبها للحظات قبل أن تهتف بانفعال:
_مش النهارده بس...كل يوم بكتشف إن الدنيا بقت وحشة قوي ...تخيل هيثم صاحبي من ابتدائي ...كبر معايا سنة بسنة ...باباه طلع الراس الكبيرة ورا قضية مصنع أشرف ...أول ما عرفت وكلمته كان مصدوم...منهار....في ثانية واحدة دنيته اتقلبت ...
_كلمتيه فين ؟!
سألها بضيق وعيناه تفضحان غضباً مكتوماً لتجيبه بضيق مشابه :
_في التليفون .
_من غير ما تقوليلي؟!
_وأنا هستأذنك عشان أكلم صاحبي؟! ما انت سلمت على صاحبتك في المستشفى!
هتفت بها باستنكار وهي تبتعد عن مرمى ذراعيه ليكز على أسنانه بغضب هاتفاً:
_انتِ بتقارني إيه بإيه ؟! مش صاحبك ده اللي مراة عمي شافتك في حضنه في الكلية ؟!

اتسعت عيناها بارتياع وهي تشعر أن كلماتها ذابت على شفتيها ...
هل يعيرها بأخطاء الماضي ؟!
هل هذه صورتها في عينيه بعدما ظنتها قد تغيرت ؟!
بينما لم يكد هو يلفظ آخر كلماته حتى انتبه لوقعها عليها لكنه لم يكن في مزاج يسمح له باسترضائها !!
توتر الساعات الماضية كلها جعل قلبه كله يتقافز على صفيح ساخن ...والآن تزيده هي بتصرفاتها الطائشة !!
صديقها ابن تاجر المخدرات الذي لا يعرف شيئاً عن حقيقة شخصيته والذي تهاتفه دون إذنه !!

لكنها قاطعت أفكاره عندما غادرت السيارة فجأة لتندفع نحو أقرب سيارة أجرة لتغيب عن ناظريه قبل أن يدرك ما الذي تفعله !!
الحمقاء الطائشة !
خبط على مقود سيارته بكفه بضع مرات مطلقاً صيحة غاضبة قبل أن يأخذ قراره ليتركها هذه الليلة حتى يهدأ كلاهما ...
فاقترابه الآن لن يزيد كليهما إلا اشتعالاً!!!

أما هي فلم تستطع منع دموعها طوال الطريق حتى وصلت لبيتها حيث استقبلتها نبيلة بقلق لتضمها لصدرها برفق هاتفة :
_قلتلك ما تروحيش ...مش هتستحملي المناظر هناك .
لكن داليا هتفت بين دموعها :
_ولما كله يقعد في بيته مين هيساعد الناس يا بيللا؟!

قالتها ثم عادت تنخرط في بكائها لا تجد مجالاً للشرح أو الجدال...
اليوم العصيب بكل أحداثه ينتهي بهذا الموقف مع مروان ...
دوماً يخذلها بصورتها القديمة في رأسه !
ستظل دوماً بعينيه الطفلة المذنبة!!

صوت رنين الباب يصدح فتفتحه نبيلة لتجد وجه مروان خلفه متشحاً بين حرج وتعب ...

_مالها داليا يا دكتور ؟!
هتفت بها بلهفة قلقة ولاتزال داليا تبكي على كتفها لكنه جذب الأخيرة من ذراعها برفق ليضمها لصدره هو بقوة مقبلاً رأسها مع همسه :
_حقك عليا.

رمقتهما نبيلة بنظرات متوجسة لكنها أدركت أنه قد أغضبها والآن يسترضيها لهذا آثرت تركهما وحدهما ...
ولم تكد تفعل حتى ضمها مروان بقوة أكبر ...
ثم قبل وجنتها بعمق ليرفع وجهها نحوه هامساً بعتاب :
_ينفع تسيبيني وتجري في الشارع كده ؟!
_ولما أنا وحشة جيت ورايا ليه ؟! كنت سيبني أتفلق!
هتفت بها بصوت متقطع من شدة البكاء جعله يلعن نفسه سراً بينما هي تستطرد بين شهقاتها الباكية :
_ولو بتشك فيّ مش هينفع نكمل مع بعض ...انت ...
انقطعت عبارتها عندما مس شفتيها بشفتيه مساً خفيفاً ليثبت رأسها فوق صدره قائلاً بعتاب رقيق:
_ بعد كل اللي بيننا تقوليلي مش هنكمل ؟! هو العمر يكمل إلا بيكي ؟!
عاد جسدها يرتجف ببكائه فربت على ظهرها برفق للحظات حتى هدأ بكاؤها ثم عاد يرفع ذقنها نحوه قائلاً:
_"بشك فيكِ" دي كلمة كبيرة قوي ...ما تليقش بيكي ولا بيّ...اسمها "بغير عليكِ"...دي الكلمة اللي ما تليقش على أي ست في دنيتي غيرك...أيوة بغير عليكِ ومش هابطل أغير ...بخاف عليكِ ومش هابطل أخاف...عايزاني أعمل إيه وانتِ بتقوليلي إنك بتكلمي ابن تاجر مخدرات ؟!
ثم قبل جبينها بعمق مردفاً:
_بس أنا لازم أعتذر فعلاً عن اللي قلته ...ماكانش ينفع أتكلم في اللي فات .

ارتخت ملامحها نوعاً بعد اعتذاره لتقول مبررة :
_هيثم صاحبي وعمره ما اتخلى عني في أي موقف .
لكنه تمالك غيرته قائلاً :
_مفيش صحوبية بين ولد وبنت وانتِ نفسك شايفة إنها قلبت معاه حب ...يبقى ليه تدخلي نفسك جوه علاقة شائكة كده ؟!
قالها بصبر مدركاً أن عقليتها لن تتقبل فرض الرأي بل الإقناع ...
لهذا تفهم ترددها ليردف بنبرة محايدة :
_وجودك جنبه دلوقت مش هيساعده بالعكس ...هايفكره بأنه خسرك وهيزود الحمل عليه ...ده طبعاً لو فرضنا إنه ضحية زي ما بتقولي ومايعرفش حاجة عن بلاوي أبوه .

أومأت برأسها وقد أقنعه منطقها ليعاود القول بنبرة عاتبة :
_وبعدين كل ده كوم وإنك ما تقوليليش ده كوم تاني ...هي دي الصحوبية اللي بيننا؟!
_أنا آسفة .
همست بها بنبرة مذنبة والدموع تعود لتملأ عينيها فابتسم وهو يتلفت حوله ليقول بمكر عابث:
_ماشي ...أنا طيب وابن حلال وبتصالح بسهولة ...اتفضلي صالحيني .
فابتسمت بخجل شهي ناقض تراقص شفتيها الطفولي على وجنتيه بعدها لتتسع ابتسامته قبل أن يقول بجدية :
_مهما حصل بيننا مش عايزنا نرجع لنقطة الصفر كل ما نختلف...أنا حبيت داليا القديمة بكل عيوبها ...وفخور بداليا الجديدة بكل ميزاتها ...ما تحطيش في دماغك غير كده .
فتنهدت بارتياح لتسند رأسها على صدره هامسة :
_شكراً عشان ما سبتنيش أنام زعلانة .
لكنه ضمها لصدره أكثر هامساً بنبرة فاضت بعاطفته :
_وعمري ما هاعملها ...مهما حصل بيننا سواء كنتِ الغلطانة أو أنا ...وعد مني ما تناميش زعلانة بسببي أبداً.
ضحكت لأول مرة منذ بدأ الحوار لتشدد هي الأخرى لف ذراعيها حول خصره قبل أن ترفع إليه عينيها بقولها العابث:
_انت كده صالحتني ؟! ناقص "هو" يصالحني ...
ثم غمزت بعينيها مردفة :
_بالفصحى!
فضحك بدوره وهو يقرب وجهه منها أكثر لتتلاصق أنفاسهما مع همسه الماكر:
_صالحتك خلاص يعني؟! متأكدة ؟! مش محتاج أبذل مجهود زيادة ؟!

_حلاوتك!
انتفض كلاهما مكانه لتبتعد عنه بسرعة وهي تسمع الهتاف المستنكر بصوت يامن الذي فتح باب الشقة لتوه عائداً ...
قبل أن يغلقه بعنف ليردف بسخريته الحادة :
_بتعملوا إيه ؟! وفين نبيلة وسايبة الفيلم الحلو ده شغال لوحده هنا ؟!

غطت داليا وجهها بكفيها لتعدو نحو غرفتها وتغلقها خلفها فيما تقدم منه مروان ليقول بتنهيدة متعبة :
_بجد اليوم مش ناقصك ! اهدا كده وقول هديت !
_بتزعق ليه يا يامن ؟!
هتفت بها نبيلة التي تقدمت نحوهما تنقل بصرها بينهما لكن يامن لكز مروان في كتفه هاتفاً بفظاظته الساخرة :
_ماعدتش تيجي هنا غير وأنا موجود ...مش هلاقي فرصة أحسن من اليومين دول عشان أحفل عليك !
فضحكت نبيلة ضحكة عالية وهي تستنتج ما حدث ليلكزه مروان بدوره في كتفه هاتفاً :
_مردودة لك يا كبير .

بينما وقفت داليا خلف باب غرفتها تستمع للحوار كاتمة ضحكاتها بكفها ...
قبل أن تسمع صوت باب الشقة يغلَق معلناً عن رحيله !!

تنهدت بحرارة وهي تتحرك لتبدل ملابسها قبل أن تتهاوى متهالكة على فراشها ...
عيناها تنغلقان رغماً عنها من فرط الإرهاق لكن حواسها تتأهب عندما تسمع صوت رسالة على هاتفها ...
"عاشقها الذي لم يعد مجهولاً " يصالحها كما وعدها ...

_لو تعلمين كم تبدين شهية في غضبك لرجوتني في كل مرة أن أغضبك ...
لو تدركين أي عالم رحب يحتويني بعناقك لما جعلتني أفارق ذراعيكِ...
لو تشعرين بجنون خفقاتي إذ تمتزج أنفاسنا لما قويتِ على الابتعاد ...
اغضبي مدللتي ...ثوري ...تمنعي...ثم اصفحي ...وصالحي ...
أي ملكةٍ أنتِ إن لم تفعليها ؟!
أي رجلٍ أنا إن لم بعشقك تكبّليه ؟!
وأي عمرٍ هذا يكفي كي أعيش كل عصورك ...
يا أول تاريخي ...وآخره ؟!
========
خرجت ليلاً من المشفى الذي تطوعت فيه منذ وقت الحادث لإسعاف المصابين وهي تشعر أنها تكاد تفقد وعيها حزناً وإرهاقاً.
المشاهد التي رأتها لن تغادر مخيلتها ما عاشت !!
النار التي صنعت فجأة حولها جحيماً حياً لا تكاد تذكر كيف نجت منه !!
الموت الذي كان قاب قوسين أو أدنى منها !!
الموت الذي نظنه ضيفاً بعيداً يفاجئنا دوماً دون موعد !!
كم وجهاً رأته كان يحمل للغد آمالاً لم يدركها ؟!!
كم عيناً كانت تحلم بالمستقبل ليخبو وميضها فجأة ؟!
كم حبيباً غادر ليترك خلفه قلوباً تفحمت بوجع الفراق؟!!
والأسوأ...كم جسداً سيبقى حياٌ يحمل ندوب بشاعة حادث كهذا ؟!!
أما للظلم نهاية في هذا البلد ؟!!
أما للأرواح من ثمن ؟!!
وحدهم الكادحون يدفعون الثمن !!!
لكن ما يمنحها العزاء هو هذا الزحام حولها ممن جاءوا وفوداً يتبرعون بالدم للمصابين ...
هذه هي "مصر الحقيقية"!!
مهما تفشى "الأسوَد" في لوحتها يطغى عليه بياض شعب أصيل!!

انقطعت أفكارها برنين هاتفها الذي فتحته لتوها بعد إغلاقها له طوال النهار عقب أن طمأنت لجين وثمر عليها ...
زين!
هل من الحكمة أن تتجاهل اتصاله الآن أيضاً؟!!

فتحت الاتصال بعد عدة محاولات للتردد ليصلها صوته صارخاً بانفعال رج جسدها مكانه :
_انتِ كويسة؟!
صوتها يخرج رغماً عنها شاحباً منهكاً مع جوابها :
_الحمدلله ...خرجت من المستشفى دلوقت ...كنت...
_ انتِ فين دلوقت بالضبط؟!
صراخه يقاطع عبارتها لتبعد أذنيها عن الهاتف قليلاً قبل أن تجيبه ليستمر صراخه الهائج:
_إياكي تتحركي من مكانك لحد ما آجي ...إياكي!

قلبها ينتفض بقوة انفعاله لتتحرك فتستند على حائط أحد المباني القريبة محاولة تمالك إرهاقها ...
لماذا تنتظره ؟!
هل أرهبها صراخه ؟!
أم تراها استشعرت بقلبها ما يعنيه هذا الصراخ ؟!!
ماذا ؟!
تراه خشي أن يفقدها فيفقد خيطاً مهماً في علاج أخته ؟!
أم تراه خاف إن حدث لها مكروه أن يتورط اسمه معها فتنكشف حقيقة زواجهما ؟!!
عقلها يغذيها بخواطره السابقة لكن قلبها يتدخل ليدلي بدلوه على استحياء ...
هذا ليس صراخ "غاضب" ...هذا صراخ"عاشق"!!
عاشق؟!!
ابتسامة ساخرة مريرة ترتسم على شفتيها وعبارته ترن في أذنيها بذكرى الليلة المقيتة ...

_لما أحب أتجوز أتجوز واحدة زي ياسمين ...اللي زيك أصطادها وبس!



جسدها ينتفض ليس فقط للذكرى بل لمرأى سيارته معتمة النوافذ التي توقفت أمامها الآن ...
كيف وصل بهذه السرعة ؟!
تحركت لتفتح الباب متأهبة لنوبة جديدة من صراخه الذي أرادت تفسيره بغضبه من تجاهلها اتصالاته...فقط دون المزيد !!
لكنها ما كادت تستقل السيارة جواره حتى شهقت بحدة وهي تجده يجذبها بعنف ليعتصرها بين ذراعيه !
آهة مكتومة أطلقتها وهي تشعر بألم حقيقي من هذا العناق الذي يكاد يحطم ضلوعها !!
العناق "الخامس"!!
بأي مذاق هذه المرة ؟!!
مذاق "الخوف"!!
الخوف من أن يفقدها!!
يصرخ بها قلبها بانتشاء لكنها لا تجد الوقت لمجادلات عقلها ...
كلها في هذه اللحظة كانت أوهن من أن تفعل أو تقول أي شيئ!!!

بينما لم يكن هو يشعر بما يفعله وعقله مع قلبه يتوهان في غيبوبة أزكتها انفعالات الساعات السابقة...
منذ سمع الخبر وهو كالمجنون يحاول الاتصال بها دون جدوى!!
خيالاته السوداء تصور له أن يفقدها كأمه...أو كهمسة !!
صاعقة ضربته وقتها وهو يعترف لنفسه أن مشاعره نحوها لم تعد تحتاج لتأويل ...
هو لم يعرف شعوراً كهذا مع امرأة سبقتها !!
هل وقع في فخ العشق حقاً؟!

آهة أخرى منها جعلته يفيق من فورة انفعاله ليخفف ضغط ذراعيه حولها خاصة عندما همست بوهن غريب على صوتها المعتد :
_ممكن تسيبني ؟! أنا تعبانة جداً وم الصبح واقفة على رجلي؟!
_أسيبك ؟! انتِ عارفة كام اتصال عملته م الصبح عشان أعرف مكانك ؟! عارفة من ساعتها بادور في كام حتة ومش عارف ...

صراخه المنفعل ينقطع بغصة حلق ابتلعها ليعاود تشديد ضغط ذراعيه حولها لكنها كتمت تأوهها هذه المرة ...
أجل ...هو شعورها بالذنب الذي تعرفه معه لأول مرة !!
وكيف لا تفعل؟!
وهي تقرأ في العينين اللتين طالما نازلت مكرهما خوفاً طفولياً مس أمومتها !!
غريب!!
أجل ...غريب أن ينتابها هذا الشعور مع رجل كهذا ...لكنها حقاً تشعر بصدقه !!
لهذا أغمضت عينيها بتعب حقيقي جعل جسدها يستكين بين ذراعيه بإنهاك شعر هو به ليبعدها مرغماً فأسندت ظهرها على كرسيها لتصمت للحظات وهي تشعر بالصمت المشحون حولهما يصرخ بألف كلمة...
ألف كلمة تسمعها هي دون أن يقولها ...
لكنها تجبر قلبها أن يصمّ عنها !!
صداع رأسها يكاد يفلقه لكن رفرفة المترنح بين ضلوعها تطغى على كل ألم ...
ووسط كل هذا عقل يصرخ ألا تستجيب!!
حرب ضروس تعيشها في كل لحظة معه ...
أما من استراحة محارب؟!!
أناملها تمتد رغماً عنها تتحسس مكان العشرة جنيهات الخالي وكأنها تتلمس منها دعماً مفقوداً ...
لكنه يشعر بما تعنيه حركتها فيتلقف أناملها ليجذبها نحوه هو في إشارة موحية...
وعيناه تحفران فوق الملامح المنهكة نظرات من نار!!
لهذا ترددت قليلاً قبل أن تختلس نظرة نحوه قائلة :
_مضطرة أمشي دلوقت...ستي ثمر مش هتنام الليلة دي إلا وأنا في حضنها .
_لا!
هتف بها صارمة وأنامله تعتصر كفها أكثر لتهتف بغضب أججه إنهاكها:
_يعني إيه لا ؟! أنا كده كده كنت مسافرة ...أنا مش مستنية إذنك.
_وأنا مش هاسيبك تبعدي بعد اليوم المشحون ده عشان أقعد كام يوم كمان ما أشوفكيش !

هتف بها بغضب عفوي جعله لا يتبين ما تعنيه كلماته إلا عندما رأى اتساع عينيها المصدومتين ...
شفتاها ترتجفان بقوة ونظراتها تهرب من لقاء نظراته...
هل يمارس الآن سحره عليها ؟!
هل يظنها "أشواق" أخرى سترضخ للحلم بالأمير الوسيم ؟!
صدقت يوم شبهته ب"الساحر" يختفي خلف بللورته يظن نفسه يقرأ مصائر الناس ويحددها !!
ربما لهذا تحفزت في جلستها لتهتف بانفعال دمعت له عيناها:
_ماتخلينيش أكرهك أكتر من كده ...انت ما اشترتنيش ...لحد ستي ثمر ومالكش عندي دية ولا اتفاق ...هسافر يعني هسافر .

عيناه تتوهجان بتحدٍّ أخافها لوهلة قبل أن يشيح بوجهه للحظات سبقت تركه لكفها ...
ورغم شعورها ببعض الخيبة من عودة كفها البارد خالياً لكنها رفعت أنفها باعتداد تتأهب لمغادرة السيارة ...
لولا أن سمعت صوت مفتاحه يعود ليشغل السيارة من جديد !!

_انت رايح فين ؟!
_هاوصللك !
قالها قاطعة دون أن ينظر إليها فرمقت جانب وجهه بحذر وهي تتأهب للاعتراض ...
لكن جانباً من التعقل جعلها تجنح لبعض الطاعة فتقول له بنبرة لانت نوعاً:
_وصّلني لحد مكان مناسب زي المرة اللي فاتت وبعدها هاكمل لوحدي .
لكنه لم يرد عليها بل لم ينظر حتى وهي تشعر بصدغه المقابل لنظراتها يكاد ينفجر من فرط ما يكز على أسنانه !!

زفرت بمزيج من سخط وتعب قبل أن تسترخي في كرسيها أكثر لتجد جفنيها يتثاقلان رغماً عنها ...
بعض مشاهد من يومها الكارثي تجتاحها بين صحوة ومنام فينعقد حاجباها بألم ...
قبل أن تراودها ذكرى نسيمية باردة لبقايا كلماته التي رددها منذ قليل ...
فتتلون شفتاها بابتسامة باهتة !

وفي -شبه وعيها - هذا تسمع صوته بعيداً جداً يسألها إن كانت جائعة !
جائعة ؟!
هي فقط تريد النوم لعلها ترحم من جحيم عقلها هذا !!
تشعر به يوقف السيارة ثم يقترب ليخلع عنها نظارتها لكنها لم تكن تملك القوة لفتح جفنيها حتى ...
ماذا يفعل؟!
إنه يعيد مقعدها للخلف أكثر ببطء كأنه يخشى أن يوقظها ليمنحها المزيد من الاسترخاء الذي كانت تحتاجه حقاً لتغيب عن وعيها تماماً بعدها !!

وفي مكانه كان هو يراقب ملامحها النائمة بشعور غريب !!
ربما لو كانت أي امرأة أخرى تنام مكانها هكذا لاعتبرها حالة قصوى من إغواء!!
لكن هذه "الهالة القدسية" التي تحوطها تجعله يناظرها برهبة متشحة بعاطفته...
إنها -ببساطة - بطلة !!
بطولة لم تستمدها من مال أو جاه أو نسب ...
بل من شخصها هي النادر!!
لا يصدق أنها وسط مأساتها هي الخاصة وبعد خروجها من النيابة ملطخة بعار أبيها تتناسى كل هذا لتتطوع في خدمة أناس لا تعرفهم !!
تقف كملاك يبسط جناحيه وسط دخان الموت لتقدم لهم معونة !!
هل يغبطها على قلبها ؟!
نعم ...يغبطها حد أنه الآن يود امتلاكه لنفسه !!

ابتسامة خافتة تترنح على شفتيها في نومها فيرجف لها قلبه...
ماذا تراها رأت كي تبتسم كهذا ؟!
هل يملك من الغرور أن يتصورها تحلم به ؟!!
نعم...يملك ما يكفي ويفيض!!
لهذا هدأ قلبه أخيراً بعد انفعال الساعات الماضية ليرمقها بنظرة أخيرة قبل أن يعيد تشغيل السيارة لينطلق بها بسرعة منخفضة وكأنه لا يريد الوصول و...تركها...!
وما كاد يصل للمكان المنشود حتى نظر إليها بتردد كارهاً إيقاظها ...
لكنها شعرت بتوقف السيارة ففتحت عينيها فجأة لتنهض من نومتها بفزع لأول وهلة...
قبل أن تقع عيناها عليه ليعود لها وعيها ...

_كفاية كده ...هانزل هنا .

قالتها بفظاظة هاربة من لقاء نظراته لتتلفت حولها مردفة:
_فين نظارتي؟!
فتناولها من جواره ليلبسها إياها بنفسه قبل أن يهتف بنبرة آمرة :
_مش هتتأخري .
رمقته بنظرة استهانة دون رد ليقسو صوته أكثر باستطراد أخافها :
_تليفونك لو اتقفل دقيقة واحدة أو ما رديتيش عليا هتشوفي مني وش ماشفتيهوش قبل كده !

اشتعلت عيناها بغضب احمر له وجهها بما بدا له أكثر إثارة...
لكنها عادت تشيح به لتضع أناملها على مقبض السيارة كي تغادر وما كادت تفعل حتى فوجئت به يقبض على كفها المجاور له ليجذبها نحوه ...

العناق "السادس"!!
لا تزال تعدها عداً ربما لأنها تدرك أنها ستُحرم منها قريباً!!
تراه بأي مذاق هذه المرة ؟!
بمذاق "التقدير"!

أجل عيناه كانتا تفيضان باعتزاز يسهل على امرأة مثلها تمييزه !!
لهذا أغمضت عينيها بسرعة هاربة من فيض مشاعرها الذي يجتاحها الآن لتشعر به يقترب أكثر فتحفز جسدها بقوة لتجده ...
ماذا ؟!
يقبل رأسها !!
شفتاه لم تتجرآ إلا على "قماش"وشاح رأسها تطبعان فوقه علامات احترامه !!

جسدها يرتجف بقوة بين ذراعيه وهي تشعر بأنها تكاد تتهاوى!!
وهن لا يليق بها ...أبداً!
لهذا دفعته ببعض العنف لتغادر السيارة وتتجه نحو المكان المنشود حيث بقي هو مكانه يراقبها حتى انحشر جسدها الضئيل في ذاك "الميكروباص".

وفي مكانها كانت هي تتلفت خلفها من زجاج النافذة تشاهد سيارته تتبعها ...
لماذا لم يغادر فحسب؟!
شعور دافئ يدغدغ أنوثتها وهي تستعيد لحظات هذه الليلة معه ...
قلبها يفرق أكاليل النصر بين الضلوع ...
كل دقة تغني بلحن انتصار تنكره لكنها ...تتمناه !!

ترجلت أخيراً لتخطو نحو مدخل القرية حيث التف حولها الناس بهتافاتهم القلقة ...
النساء يتلقفنها بين أذرعهن والرجال تعلو أصواتهم بحمد الله على سلامتها !!
سيرة "حسين المجرم الهارب" توارت تماماً خلف قلقهم الصادق على "ابنتهم"!!
أجل ...هكذا كان شعورها تماماً والأحضان الدافئة تغمرها براحة غطت تعب اليوم الطويل ...
وأخيراً عناق "لجين" و"ثمر"!!
ثمر التي رفعت رأسها للسماء لتهتف بصوت أرجف قلوب الحاضرين جميعاً:
_شفتوا يا بلد ؟! ربنا مش هيسوءني في بناتي أبداً ...بنتي خطت وسط النار وماجرالهاش حاجة ...ده وعد ربي وأنا مصدقاه !!

ثم تلت قوله تعالى :
_وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ..

لتصمت للحظة وصوتها يرتجف ببكاء اخترق نبرتها القوية مزلزلاً إياهم :
_وأنا عشت عمري بتقي ربنا ومستنية عوضه في بناتي .

صوت التهليل يعلو في أذنيها لكنها لا تميز سوى خفقات صدر جدتها تحت أذنيها ...
خفقات تدعو الله ألا يحرمها منها أبداً !
لهذا استجابت لدفء هذا العناق ما بقي لها من هذه الليلة العصيبة لينتهي بها المقام في سرير جدتها نائمة في حضنها كما وعدتها ...
صوت رسالة يقطع صمت الغرفة حولها فتنظر لجدتها النائمة بحذر قبل أن تفتحها لتجد كلمته...

_أمشي؟!

اتسعت عيناها بصدمة وهي لا تفهم مراده لأول وهلة قبل أن تنتفض من الفراش لتهرول نحو النافذة الخارجية للبيت ...
سيارته !!
هنا؟!
طوال هذا الوقت ؟!!

_انت لسه هنا ليه ؟!
أرسلتها له بنبرة فضحت غضبها وشعورها بالذنب نحو ثمر التي تخفي عنها الحقيقة يمنعها محادثته شفهياً ...
ليبتسم هو مكانه ويرسل:
_كنت بطمن إنك كويسة بعد مظاهرة الأحضان اللي دخلتيها ...صوّرتها فيديو هاحتفظ بيه عندي ...منظر يستاهل تفتخري بيه ...هه ؟! شفتي بيحبوكي إزاي ؟! لا فرق معاهم حسين ولا غيره ...نفس المشهد هتشوفيه بنفس الحب لما ترجعي المركز ...الناس وقت الجد مش هتفتكر غير ياقوت الإنسانة...وبس!

خفق قلبها بارتياح رسم بسمة صادقة على شفتيها لكنها عاودت إرسال رسالة حاسمة :
_امشي دلوقت ...وإياك تيجي هنا تاني ...ولو حد من أهل البلد سألك انت مين اعمل تايه ...الموضوع ده مافيهوش هزار .

لم يرد عليها لكنها سمعت صوت دوران محرك سيارته فشعرت بمزيج متوقع من راحة رحيله ووجعه !!

ظلت ممسكة الهاتف بين كفيها لتصعد الدرج نحو سطح البيت ...
القمر هلال هذه الليلة !!
طالما كرهت هذا الوضع له وكأنه "مكسور"!!
لكنها ببعض الأمل تود لو تراه يجاهد كي يبزغ كاملاً في النهاية !!
بدر ...هكذا يستحق بعد محاربة كل هذه الظلمة !!

الوقت يمر بها وهي عاجزة عن النوم رغم إرهاق الليل الطويل ...
ماذا عساها تنتظر ؟!
رسالة منه مثلاً ؟!
رسالة كهذه ؟!

_تصبحي على خير .

رسالة لن ترد عليها إلا بابتسامة لن يراها وبرجفة قلب لن يشعر بها !!

لكنه "العنيد" لا يمل :

_أول ما ترجعي لازم أخلليكي تقريلي كتاب مهم جداً !

الدم يضرب في رأسها وهي تتذكر جلسة كهذه التي يحكي عنها !!
الوغد !!
يظنها ستسمح له بفعلها من جديد ؟!!
لكن فضولها يدفعها لترسل :
_كتاب إيه ؟!
والرد يرسله يعلم أنه سيثير غيظها :
_كيف تكسر رأس امرأة عنيدة دون أن تؤذيها .
_فيه كتاب اسمه كده ؟!
ترسلها بين ابتسامة وتشكك ليرد :
_فيه أسطورة بحالها اسمها كده .
ثم رفع الهاتف لشفتيه بقبلة استرجع فيها مذاق عناقها لينهي الحديث برسالته :
_أسطورة اسمها ياقوت !
========
جلس هيثم في مطعمه المفضل الذي اعتاد أن يلقى فيه شوشو وقبلها كانت داليا !!
هل كتب عليه الخذلان من نساء اختارهن قلبه ؟!!
الحقيقة عرفها من تناثر الأقاويل هنا وهناك ...
الحقيقة ؟!!

ابتسامة سخرية مريرة ترتسم على شفتيه وهو يدرك كم صارت الكلمة مطاطة حقاً !!
أي حقيقة ؟!!
حياته كلها كانت وهماً !!
أبوه الطيب الخيّر ...وهم !
إخلاصه لأمه ...وهم !
شوشو هي الأخرى كانت وهماً ...وأي وهم !!

يغص حلقه بمرارته فيشبك أصابعه أمامه وهو يتذكر تلك الليلة التي رآها فيها تخرج مع والده بينما أشرف يتبعها ...
هكذا إذن تتجمع الخيوط ...
هو لم يكن سوى غر ساذج استدرجته كي توقع بأبيه !!
السؤال هو ...لماذا فعلتها ؟!!
لماذا ؟!

وكأنما نبتت من أفكاره ليجد طيفها هناك عند باب المطعم تتأمله من خلف الزجاج وكأنما تخشى الدخول ...
عيناهما تلتقيان خلف الحاجز الزجاجي فتتراشقان الاتهامات وتتبادلان الحسرة ...
وجهها الباهت لا يقل شحوباً عن وجهه...
جسدها المرتجف لا يقل انفعالاً عن جسده ...
ولو نظر بصدرها لرأى نفس الرماد لقلب يحترق!!
تطرق برأسها فيطرق برأسه ولا يدري هل يصفها بالوقاحة حد أنها تتجرأ وتأتي إلى هنا ...
أم يصف نفسه بالضعف حد أنه لا يقوى حتى على رفع عينيه إليها !!

هو أحبها ...حقاً أحبها ...
لكن أي "شوشو" أحبها ؟!
تلك المهادنة اللطيفة الوديعة الساذجة التي كانت تناقض صورة داليا في ذهنه ...
لكن هذه ...
هذه مجرد ماكرة متلونة ...تلاعبت به لتسقط أباه !!

وفي مكانها كانت هي تشعر برهبة النهاية ...
هذا الشعور المقيت أن حياتك لن تعود أبداً كما كانت ...
هي انتصرت على "حسين" ...وانهزمت في كل ما عدا ذلك !!
فأي نصر ...وأي هزيمة !!

لكن ...ألا يحق لها قبل الرحيل أن تسمعه اعترافها ؟!
أن تخبره أن قلبها تورط به لكن دوامة الثأر جرفتها !!
أن تبرر له ما تجعله فقط لا يلعنها لو طافت بذهنه يوماً !!
أجل ...هي لم تعد تطمع بالمزيد فمثلها لا يحق له أن يفعل !

يشعر بها أمامه لكنه لا يقدر على رفع عينيه ...
يشبك أصابعه أمامه وهو يكز على أسنانه بقوة كادت تفجر صدغيه ...
لكنها لا تستأذنه البقاء كما لن تستأذنه الرحيل ...
تسحب كرسياً لتجلس قبل أن يصله صوتها المختنق :
_من أول يوم حبيتك فيه وأنا عارفة إنك مش ليا ...كنت بشوف حب داليا في عينيك وأقول لنفسي عمره ما هيفكر فيكي ...انتِ فين وهو فين ...بس غصب عني كنت بتلكك عشان أفضل جنبك ...كنت بقول لنفسي احلمي أي حلم يهون عليكِ مرارة الدنيا ...وكنت راضية ...والله العظيم كنت راضية تفضل في عيني كده ...

سالت دموعها طوفاناً على وجنتيها فاضحة قهر حسرتها لكنه لا يزال غير قادر على رفع عينيه نحوها ...
ملامحه تغيب خلف ستار جامد يبتلعها ...
لكنها تواصل الحديث بقولها ...

_لحد ما سيدة اتقتلت...بنت خالتي وفي مقام أختي ...اتقتلت هي وابنها اللي لسه في بطنها ظلم من غير ذنب ...يومها حزنت عليها وشفت فيها نفسي ...الفقرا اللي زينا دمهم مالوش تمن وبيتداس عليهم بالرجلين ...رحت للضابط برجلي وقلتله عايزة آخد بتارها ...ضحك عليا كأنه بيقوللي عيلة زيك ممكن تعمل إيه ...بس لما شك إن حسين ورا كل البلاوي دي طلب مني أقرب لك أكتر ...

ثم صمتت لحظة تبتلع غصة حلقها لتردف:
_كانت أسود ليلة في حياتي وأنا مش عارفة أختار إيه ...أجيب حقها واللا أسيبك لحالك ...انت كده كده ماكنتش شايفني ...داليا كانت مالية عينيك وقلبك ...قلت خلاص المسألة محسومة ...لو قلبِك خرج خسران ما تخسريش انتقامك كمان ...

أغمض عينيه بقوة وهو يقسم لنفسه سراً أنه يكاد يرجوها التوقف لولا عقدة لسانه التي امتدت لجسده المتجمد كله ...
لماذا لا تصمت فحسب؟!
لماذا لا تخرج وتتركه لخساراته ؟!!
لماذا تسرد الحكاية هكذا وكأنها ضحية ؟!!

_بس طلعت غلطانة...قربي منك خلاني أحبك كل يوم أكتر م اللي قبله...الأمل كان بيكبر جوايا خصوصاً بعد ما سبت داليا ...بس ...بس كل ليلة كنت بحط راسي فيها ع المخدة كنت بفتكر دم سيدة اللي راح هدر ...وبلاقي نفسي تايهة في نفس الدوامة ...لحد ما عزمتني ع الحفلة في بيتكم وشفت حسين ...
ثم صمتت لحظة مدركة أن القادم أصعب لتستطرد بعدها :
_تحب أحكيلك الباقي واللا هتستنتجه من غير ما أقول ؟! هتفهم لوحدك ليه كان عايز يدربني عنده في الشركة ؟! غرضه مني كان إيه ؟!

صرخة هائلة تجتاح وجدانه لكنها لا تغادره لشفتيه ...
هي ...ووالده !!
هل هذا هو المقابل الذي دفعته كي توقع به ؟!!

لكن إجابتها الرحيمة تأتيه بسرعة :
_ما لمسنيش ...الصيد العزيز دايماً غالي ...وأنا عملت اللي عليا بسرعة وحطيت جهاز التصنت اللي ادهولي في مكتبه ....انتقامي حققته وكنت واقفة بنفسي شايفاهم وهم بيقبضوا عليه ...أخيراً قادرة آخد نفَسي وأنا شايفاه قريب هيدفع تمن دم سيدة ...

هنا تأتيه بعض الجرأة ليفتح عينيه الحمراوين كالدم بنظرات مشتعلة بين غضب وحسرة ...
لترتجف شفتاها باستطرادها الباكي:
_ما تبصليش كده ...أنا مش وحشة للدرجة دي ...أنا كنت باخد حقي منه ...ووسط كل ده ما نسيتكش ...عملت تعب أمي حجة عشان أعرفك على أختك ...عشان أخليك تفتح عينيك وتشوف حقيقته بدل ما تعيش طول عمرك مخدوع .

_والمفروض دلوقت أشكرك ؟!

كلماته التي خرجت ذابلة بحجم الخسارة ...بنكهة المرارة ...وبمذاق سخرية ذكّرتها بحقيقة الوضع بينهما ...
حائط سدّ!
هذا بالضبط ما يواجه علاقتهما الآن!!
فهل تدعي المفاجأة ؟!!

لهذا وقفت مكانها لترمقه بنظرة أخيرة طويلة قبل أن تغلبها دموعها من جديد بقولها :
_فاكر يوم ما قلتلك مهما حصل افتكر إني ماحبيتش ولا هاحب حد غيرك ؟! أنا مش عايزاك تسامحني ...ولا قادرة أطلبها ...بس كل اللي عايزاه إنك تعدي الأزمة دي ...وأوعدك مش هاخلليك تشوف وشي تاني .

لم تكد تنهي آخر كلماتها حتى تلاشت من أمام عينيه ...
"تلاشت" ب"حرفية" الكلمة وقد امتزج طيفها "الغادر" بطيفها "المغادر"...
هل لا يزال يبحث عن الحقيقة ؟!
هل لا يزال ينتظر عودة والده الفارس بدليل براءته ؟!

ابتسامة مريرة تكتسح شفتيه وهو يغادر المطعم بخطوات مترنحة ...
يهبط الدرج المؤدي للشارع بعينين تبصران ولا تريان ...
أين يذهب وقد فقد الطريق؟!
الجسر الآمن الذي طالما احتضن خطواته الآن ينكسر طرفاه فلا سبيل سوى السقوط !!

يسمع صوت بوق سيارة لكنه يصل إدراكه متأخراً وهو يشعر برأسه يصطدم بالأرض بألم فاق احتماله ...
يسمع صياح الناس حوله لكن مذاق الدم في فمه يجعله يدرك أنها النهاية التي جاءت في وقتها تماماً ...
هو ما عاد يريد هذه الحياة...
ويبدو أنها هي الأخرى ما عادت تريده !
=======
_مخبيين عني إيه انتو الاتنين ؟!
هتفت بها ثمر صباحاً في مواجهة ياقوت ولجين التي امتقع وجهها وعيناها تنسحبان رغماً عنها ل"غرفة الخزين" السفلية !
بينما قالت ياقوت بتماسك مصطنع:
_هنخبي إيه بس يا ستي؟! ما أنا حكيتلك كل حاجة عن هروب حسين ده وكلام ابنه معانا .

حدجتها ثمر بنظرة طويلة متفحصة ثم قالت مخاطبة لجين :
_روحي انتِ ل"رابحة" شوفوا الأكل وسيبيني مع أختك.

امتثلت لجين لأمرها بسرعة فيما تنهدت ثمر لتجلس متربعة على الأرض مع قولها الغامض:
_قلبي كان حاسس إنه هيهرب ...ماكانش ينفع نهايته تبقى سهلة كده .
فزفرت ياقوت زفرة ساخطة لتجلس جوارها بدورها مع هتافها :
_منه لله ! ماشفناش منه غير الأذية ...
ثم تذكرت ما جعلها تسألها :
_إلا قوليلي يا ستي ...هو ليه كتب على أمي زمان بعد اللي حصل ؟! إيه اللي جبره ؟!
فابتسمت المرأة عبر أسنانها المكسورة وأخاديد وجهها تفضح الوجع القديم:
_اللي يستره ربه ما بيفضحوش عبد ...واللي زي ده يخاف ما يختشيش ...ربنا سخر لنا وقتها واحد من هنا م البلد كان نايب كبير في المجلس وكلمته مسموعة ...رحتله وحكيتله وهو مارضاش بالظلم ...هدده يفضحه قدام مراته وأهله فعملها مغصوب زي الكلب.

أطلقت ياقوت آهة خافتة لتضع رأسها في حجرها قائلة بشرود :
_كالعادة في البلد دي ...اللي مالوش ظهر بيتضرب على بطنه ...لولا الراجل الطيب ده كان زماننا...
قطعت عبارتها دون أن تجرؤ على تكملتها مع هذه المرارة في حلقها ...
لتتفرس ثمر ملامحها قبل أن تسألها فجأة :
_انتِ كسرتِ كلمتي مع البيه بتاع مصر ؟!
اتسعت عينا ياقوت بارتياع فضحها لتنتفض مكانها قبل أن تتحرك لتحضر مصحفاً وضعت كفها عليه لتقسم :
_ربنا يشهد إني ما كسرتش كلمتك يا ستي ...من يوم ما سافرت ماخطتش البيت ده تاني !

كانت تعلم أنها صادقة ...وكاذبة !!!
إنها المرة الأولى التي تخفي فيها عن جدتها شيئاً !!
لكن ماذا عساها تفعل ؟!!
لو علمت ثمر الحقيقة فستموت بحسرتها ...
ولو شكت مجرد شك فلن تهدأ حتى تدرك الأمر كله!!
لهذا دمعت عيناها قهراً وأناملها ترتعش على المصحف لترمقها ثمر بنظرة طويلة غامضة قبل أن تقول بصوت بارد :
_من امتى بتحلفي ع المصحف قصادي يا "بنت أشواق"؟!

فتمالكت ياقوت نفسها لتضع المصحف مكانه قبل أن تعود لتجلس على ركبتيها أمامها قائلة بصوت مرتجف:
_اطمني يا ستي ...عمري ما هاوطي راسك أبداً ...انتِ بس اطمني وادعيلنا ...احنا ماشيين ببركة دعاكِ...

ولم تكد تنتهي من عبارتها حتى سمعت طرقاً عنيفاً على الباب فانتفضت مكانها لتفتحه قبل أن يصدمها الخبر ...
إنها الشرطة تبحث عن حسين ...
هنا؟!!

ابتسمت ساخرة في سرها قبل أن تفسح لهم المكان بينما وقفت لجين تنتفض مكانها وقد خرجت من المطبخ مع رابحة التي كانت تراقب بفضول ...

_آسفين يا حاجة .
قالها الشرطي لثمر قبل أن يجمع قوّته ويرحلوا خاليي الوفاض لتغلق ياقوت الباب خلفهم بينما تهتف بغيظ :
_بيدوروا عليه هنا ؟! فاكريننا ممكن نخبيه ؟!

_سامحيني يا ستي!!
هتفت بها لجين وسط دموعها التي أغرقت وجهها وهي تنكب على كف ثمر تقبله فتبادل الجميع نظرات حائرة قطعها صوت غريب يأتي من الغرفة السفلية !!

_اوعي يكون اللي في بالي ؟!
هتفت بها ياقوت باستنكار لا تكاد تصدق ما استنتجته بينما تجمدت ملامح ثمر وهي تزيحهما جانباً لتهبط الدرج نحو غرفة الخزين السفلية ...
الغرفة تسودها الفوضى بعد تفتيش الشرطة لها لكن ...
مكان واحد تعرفه لجين يمكنها إخفاؤه فيه !!

دولاب خزين قديم تحوطه الكراكيب صممه الجد الأكبر محفوراً بداخل الحائط نفسه بحيث لا يكاد الرائي يميزه!

هذا الذي سمعت الصوت الغريب يتصاعد منه الآن لتفتحه فتجده أمامها ...
حسين !
========
_مش مصدقة إنك تيجي لحد هنا !
هتفت بها ياقوت باستنكار لترمق لجين بنظرة حانقة مردفة :
_ضحك عليكِ إزاي وخلاكِ وافقتِ ؟! انطقي ...هتودينا في داهية !!

لكن لجين انخرطت في بكاء مذنب وهي تتذكر حالها عندما وجدته فجأة أمام عينيها عقب عودتها من القاهرة بالأمس ...
كان ذهنها لا يزال مشتتاً بقلقها على شقيقتها لتزيد رؤياه من شتاتها خاصة بتلك الهيئة المزرية التي كان متنكراً بها ...
ثياب متسخة...غطاء رأس قديم ...وحذاء بالٍ!!
القرية كلها كانت منشغلة مع حادث القطار فتمكن من التخفي حتى وصل إلى هنا لتجده ينتظرها في الظلام جوار البيت !!
لم يطلب منها ...بل أمرها !!
هالة تجبره تحوطه ...تذكرها برعبها القديم منه ...
حتى وهو مجرم هارب لاتزال له نفس القوة المتسلطة !!
لهذا لم تستطع إلا الرضوخ لأمره مستغلة خروج ثمر من البيت للقاء ياقوت عند مدخل القرية !

_هو قاللي ليلتين اتنين بس على ما يدبر أموره ...سامحيني يا ستي!

هتفت بها لجين أخيراً وسط نشيج بكائها ليتجمد الموقف أمام اثنين بعينيهما ...
ثمر وحسين!!
الأولى التي وقفت مكانها متجمدة الملامح متخشبة الجسد لكن عينيها كانتا تفيضان بنظرات غامضة مع مشهده بهيئته المتسخة المتخفية التي شفت بعض غليلها ...
والثاني الذي خرج من مخبئه وغطرسته ترسم على وجهه غروراً لم يفقده في هذه الظروف ليهتف بصوته المسيطر:
_الكلاب اللي هربوني باعوني بعدها...بس اللي زيي جرابه ما بيفضاش ...الفجر هيجيلي مرسال بجواز سفر وتأشيرة عشان أسيب البلد ال(....) دي .

_ومين هيسيبك هنا ليلة كمان ؟! لا ...دقيقة واحدة ؟!!
هتفت بها ياقوت وهي تزيح رابحة التي وقفت تراقب بفضول متخيلة تشويق القصة التي ستسردها لأمها ...
فهتف حسين بنبرة مهددة :
_لو حد فيكم فتح بقه هتروحوا كلكم في داهية ...هاخدكم معايا السجن .

شهقت لجين بارتياع بينما توارت رابحة خلف جلباب ثمر التي لم تنطق بكلمة واحدة منذ بدأ الحوار ...
بينما اندفعت ياقوت تصرخ فيه باستنكار:
_انت إيه يا شيخ ؟! شيطان ؟! عايز مننا إيه تاني ؟!
_هاعوز منكم إيه ؟!
هتف بها باحتقار مشيراً للمكان حوله قبل أن يردف بازدراء ساخر:
_كل الحكاية إني مالقيتش حتة أستخبى فيها غير هنا ...محدش هيصدق إني ممكن أكون في مكان زي ده .

_فعلاً ...محدش هيصدق ...بس أنا مصدقة !
قالتها ثمر بغموضها المهيب لتردف مغمضة عينيها:
_مين يقول إن بعد السنين دي كلها ...تجيني لحد عندي مذلول كده !

_احترمي نفسك يا ست انتِ واعرفي بتكلمي مين !
هتف بها زاجراً بعنجهيته لتفتح عينيها بنظرة أحرقته مكانه :
_بكلم واحد عاش جبان وهيموت جبان .

تحرك نحوها يهم بصفعها لكن الثلاث فتيات تصدين له لتهتف ثمر بنبرتها المهيبة :
_ارجع استخبى في الدولاب زي الفار ...ليلة واحدة آخرك هنا وبعدها روح لحالك .

_لكن يا ستي لو حد ...
هتفت بها ياقوت باستنكار لتقاطعها ثمر بهتافها الحاسم :
_خلص الكلام ...اطلعوا فوق وسيبوه .

صمت ثلاثتهن ليتوجهن نحو الأعلى بينما رمقته هي بنظرة أخرى غامضة قبل أن تلحق بهن ...

_عاجبك كده ؟! هنروح كلنا في داهية بسببك ؟!
هتفت بها ياقوت بقهر لكنها كانت تشعر بالشفقة على شقيقتها ...
حسين الخبيث اختار بذكائه الفتاة الأضعف كي يؤثر عليها ...
ولو كان لقيها هي لكانت فضحته وسط الجميع دون رادع !!
لكن ...كيف تفعلها الآن؟!
كيف بعد ما حدث ؟!!
لا سبيل لديها سوى انتظار الصباح ...
ليلة واحدة ويتخلصن من هذا الكابوس!!

_ما تقسيش على أختك يا ياقوت ...طبعها رهيف والطبع غلاب .

قالتها ثمر بنبرتها الغامضة المهيبة لتعاود لجين الانكباب على كفها تقبله بينما نقلت ثمر عينيها لرابحة تقول بنبرة آمرة :
_اللي شفتيه هنا سر ما يطلعش بره ...ولا حتى لأمك !

أومأت رابحة برأسها مطيعة لتهتف:
_ماتقلقيش يا ستنا ...أنا مش هاسيبكم لحد ما يمشي عشان تبقي مطمنة .

_ليقضي الله أمراً كان مفعولاً!
تمتمت بها ثمر بغموض قبل أن تتركهن لتدخل لغرفتها وتغلق الباب خلفها ...
بينما تبادلن هن النظرات الوجلة وانتظار الفجر يبدو أصعب كثيراً مما يظنون ...
=========
تحدق رابحة في السقف بنظرات خاوية وهي عاجزة عن النوم ...
ياقوت ولجين جوارها هدهما التعب بعد توتر النهار كله لكنهما يتأهبان للاستيقاظ فجراً حتى يتخلصن من أبيهن الداهية هذا !!
حكاية مشوقة لها فيها هي السبق ستحكيها لأمها والبنات رفيقاتها بحكم كونها البطلة الوحيدة التي شهدت هذا الحدث الفريد ...

تتناول هاتفها بحسرة متذكرة ...
كيف فاتها أن تصور "الرجل الداهية" هذا وهو يخرج من دولاب الخزين بمشهده المضحك ؟!
كانت تستطيع فعلها خلسة كما فعلت مع الشيخ الوسيم عابد !

وعند الخاطر الأخير ارتسمت على شفتيها ابتسامة مراهقة حالمة لتعاود الالتفات حولها قبل أن تقرر أمراً ...
ستلتقط صورة ل"حسين" قبل سفره فجراً كي تصدقها أمها عندما تخبرها عن الأمر !

عيناها تلتمعان بنشوة المغامرة وهي تغادر الفراش بخطوات حذرة لتتوجه للخارج حيث الصمت الآمن حولها ...
فابتسمت بشقاوة طفولية وهي تتحرك نحو الدرج المؤدي للأسفل ...
لن تغامر كثيراً ...
صورة واحدة تثبت للجميع فيها أنها عاشت هذه المغامرة ...
ولتسامحها الحاجة ثمر !

هبطت الدرج بخطوات حذرة لتجده هناك مستلقياً على مرتبة قديمة كانت لجين -بطيبتها المعهودة -قد أعدتها له ...
هاهو ذا نائم فلتلتقط الصورة و...تهرب!!

ابتسمت بظفر وهي تحصل على غنيمتها قبل أن تعطيه ظهرها لتعاود صعود الدرج ...
تتفحص الهاتف لتتبين حصاد مغامرتها فتبتسم بانتصار لكنها تشهق بعنف وهي تشعر به خلفها فجأة يحيط خصرها بأحد ذراعيه بينما يكمم فمها بكفه الآخر!!

صرختها المكتومة تحطمت بين أنامله وهو يجذبها بقسوة معه نحو الأسفل قبل أن يطرحها بعنف على المرتبة ولازال يكمم فمها مع همسه الذي بدا كالفحيح :
_مين بعتك ؟! وعشان إيه ؟!

هزت رأسها بأنين مكتوم والدموع تغرق وجنتيها بينما ترفع هاتفها نحوه ليتفحصه بكفه الحر فيمسح الصورة قبل أن يقترب بوجهه منها هامساً بابتسامة شرسة:
_وسهرانة لحد دلوقت عشان تاخدي صورة زي دي ؟! ما تيجي أوريكي إن الأصل أحلى؟!!

جسدها الصغير يتلوى مع أنينها المكتوم تحت جسده الذي طوقها بينما عيناه تلتمعان بالمزيد من القسوة الحيوانية ...
فتاة صغيرة لكنها تقضي الغرض مؤقتاً!!
عيناها الساذجتان تذكرانه بتلك اللعينة "شوشو" التي سيرسل لها من يذيقها انتقامه !!
أجل ...حتى عندما يبتعد عن هنا ليتنعم بماله في الخارج ستبقى له مخالبه في هذا البلد !!
الذل الذي ذاقه الايام السابقة تتراكم مرارته الآن في حلقه ...
نقوده كلها لم تنفعه كثيراً لكنه سرب معظمها للخارج ...
من يصدق ان حسين رجائي يرتدي مثل هذه الأسمال ويختبي في بيت حقير كهذا ؟!!
من يصدق أنه كان ألعوبة لفتاة صغيرة مثل هذه ؟!
فورة شعوره بالقهر تدفعه لأن يذيقه لغيره ...
وصورة "الفتاة" الساذجة يستحضرها ذهنه بصورة شوشو المتلاعبة !!

مزيج القهر والغضب يدفع المزيد من الأدرينالين في جسده الذي بدأ في خلع ملابسه بأحد كفيه بينما لا يزال يكمم فمها بالكف الآخر...
بضع دقائق من المتعة تكفيه كي يتغلب على قلق انتظار رجله بجواز سفره المزور للهروب من هنا ...
متعة مسروقة يفرغ فيها كبت غيظ الأيام السابقة جاءته سهلة والناس نيام...
ويالسعادته بالمتع المسروقة !!

_آآه !
صرخة هائلة يطلقها فجأة وهو يشعر بالشيئ الذي سقط على رأسه !!
مرة تلو مرة ...
حتى همدت حركته...
همدت تماماً هذه المرة !!

الفتاة المسكينة التي انفلتت من بين ذراعيه تطلق صرخة هائلة لتهرع ياقوت ولجين للأسفل فتتسمران أمام المشهد ...
ثمر هشمت رأسه!!!
هشمته ب"الإناء الفخاري" الذي كانت تحتفظ فيه لجين ب"خباياها"...
لكنه كان فارغاً هذه المرة وكأنما تمنحها الأقدار هدية "الستر"!!!

_ليه يا ستي ؟! ليه عملتي كده ؟!
صرخت بها ياقوت بذعر وهي تهرع نحوها ليمنحها الجسد الميت -شبه العاري- الإجابة مع صرخات رابحة التي تضم ثوبها الممزق حولها !!!

_عاش مجرم ومات زاني !
غمغمت بها ثمر بازدراء قبل أن ترفع وجهها للسماء بتمتمة لم تسمعها ياقوت مع صرخات لجين ورابحة حولها التي حولت البيت الهادئ لقطعة من الجحيم ...
الصرخات التي جمعت أهل القرية جميعاً خارج البيت حيث خرجت لهم ثمر لتفتح الباب هاتفة بصوتها المهيب :
_اشهدوا يابلد ...ربنا طوّل في عمري لحد ما شفت اليوم ده ...جابه لحد عندي عشان آخد تار بنتي بيدي بعد السنين دي ...كنت بشوفها في منامي ...بشوف تِعبان كبير بيدخل بيتي وبخبطه على راسه بحجر ...حلمي اتحقق يا بلد ...

ترتجف ياقوت مكانها وقد لحقت بها لتتشبث بجلبابها في استماتة وسط دموعها المنهمرة كأنما تود لو تفتديها بنفسها ...
لكن المرأة تعلنها صراحة دون خوف:
_أنا قتلت حسين رجائي !
==========
انتهى الفصل الثاني عشر


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 11:36 PM   #628

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

انا بانفعال عاالللي ..
كل الكلام الان امامك لا يوافي


Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 14-03-19, 11:58 PM   #629

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

فصل هااائل
أبدعت


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-19, 12:16 AM   #630

Sofa magdy

? العضوٌ??? » 424724
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » Sofa magdy is on a distinguished road
افتراضي

منتظرينك بكل شوق ..فصل موفق بإذن الله

Sofa magdy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:56 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.