آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : عنووود - )           »          1014 - معا إلى الأبد - ليز فيلدينغ . د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          خفايا الروح / للكاتبة أنجال مكتملة (الكاتـب : درة الاحساء - )           »          133 - وداعا يا حب - روبين دونالد (الكاتـب : حبة رمان - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          طائف في رحلة أبدية *متميزه ومكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-19, 02:33 PM   #691

ايات يوبو

? العضوٌ??? » 370685
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 303
?  نُقآطِيْ » ايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond repute
افتراضي


احلي حاجه استراحه المحاربين والمحبين دومتي مبدعه



ايات يوبو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 04:52 PM   #692

jadbalilo

? العضوٌ??? » 394100
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » jadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم اخت نرمين نحمد الله في فصل اليوم أسبوعين مروا بليييييييييز😯

jadbalilo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 09:16 PM   #693

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

تسجيل حضور .....

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 09:17 PM   #694

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

تسجيل حضور .........
😍😍😍😍😍😍😍 .....


NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 09:25 PM   #695

rahmamomin

? العضوٌ??? » 356155
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 386
?  نُقآطِيْ » rahmamomin is on a distinguished road
افتراضي

let it be ...let it be please

rahmamomin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 09:38 PM   #696

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,821
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضور 😍😍😍😍😍😍

Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 10:24 PM   #697

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الرابعة عشرة
=====
عيناها تتسعان بارتياع مع مرآها لدمه الذي يغطي ثيابها ...
قبل أن تتمالك نفسها لتدرك أن الجرح هناك في أعلى ذراعه .
نبضات قلبها تتسارع بجنون بينما تراه يكتم ألمه وهو يتفحصها بعينيه متسائلاً بلهفة قلقة :
_انتِ كويسة ؟!

فارتجفت شفتاها للحظات وهي تشعر برغبة عارمة في البكاء بين ذراعيه لكن طبيعتها الخاصة جعلت ملامحها تتجمد رغم انتفاض جسدها وهي تبعده عنها لتسنده برفق على ظهر كرسيه متحاشية نظراته ...
هو الذي تناول هاتفه بسرعة بكفه السليم قبل أن تسمعه يجري اتصالاً مع أحدهم يخبره عن الأمر ويطلب منه سرعة الحضور بنجدة...
فضولها يحشوها بالكثير من الأسئلة لكن قلقها عليه كان أكبر ...
خوفها من فقده كان أكبر ...
وإحساسها الطاغي أنه لم يفكر للحظة وهو يفتديها بجسده كان أكبر وأكبر!!
لكن هذه الصدمات المتتالية التي اجتاحتها في وقت قليل كانت تجعلها كالمغيبة التي تتحرك بآلية ...
تعدو وتعدو ...لأنها تدرك أنها لو توقفت فستقع!!

تتفحص الجرح بخبرتها المحدودة مدركة أنه يكتم عنها تأوهات ألمه قبل أن تمد أناملها نحو وشاح رأسها تهم بخلعه قبل أن يمنعها هو بذراعه السليم :
_بتعملي إيه ؟!
بنبرة جامدة عملية بعيدة تماماً عن انهيارها الداخلي تجيبه بأنفاس لاهثة :
_هاحاول أوقف النزيف لحد ما الإسعاف ييجي .
لكنه يهتف بها بصرامة وهو يكز على أسنانه من فرط الألم :
_سيبي طرحتك وخدي القميص بتاعي ...انتِ مش هاتفضلي معايا أصلاً لحد ما ييجوا .
لم تنتبه للشطر الثاني من عبارته وهي تخلع عنه قميصه بحرص لتنفلت منه آهة متوجعة فلقت قلبها لكنها تماسكت بقوة تحسد عليها وهي تمزقه بعنف لتحيط به جرح ذراعه محاولة إيقاف نزف ذراعه ...

ولم تكد تنتهي مما تفعله حتى فوجئت به يعيد تشغيل السيارة بذراعه السليم لينطلق بها تحت هتافها المندهش:
_هتسوق إزاي كده ؟!

لكنه لا يجيبها ومزيج الألم مع الغضب الهادر يغشي ملامحه لبضع دقائق ...
الغضب من نفسه ومما حدث !!
هو استهان مؤخراً بالخروج مع حراسته خاصةً فيما يتعلق بشأن خروجه معها هي!
هل هو خوفه على نفسه أن تنكشف علاقتهما فيتسرب الخبر ؟!
أم هو خوفه عليها هي أن ينال هذا الأمر من سمعتها ؟!!
أياً ما كان ...لن يسامح نفسه على أن أقحمها في الأمر بهذه الصورة !!
بينما راقبته هي بمزيج من استنكار وقلق قبل أن تجده يوقف السيارة من جديد على أول الطريق العامر نسبياً مقارنة بسابقه ... ليهتف بها صارماً:
_خدي أي عربية توصللك ...مش عايز حد يشوفك معايا ...الموضوع هيبقى فيه تحقيق ومش عايز اسمك ييجي في الموضوع.
_انت عايزني أسيبك بتنزف لوحدك وأمشي ؟! مش ...
_اسمعي الكلام ...قلتلك امشي انتِ دلوقت !
صرخ بها بعنف أجفلها وهي يميل نحوها ليفتح لها بابها فصرخت بعنف مشابه انهمرت معه كل الدموع التي كانت تحاول كبحها:
_مش هامشي ...مش هامشي إلا لما ...

"أطمّن عليك" التي عجزت عن أن تكملها بلسانها وصلت قلبه حارقة موجعة بمذاق دموعها...
ليزفر بقوة قبل أن ترق لهجته نوعاً وهي يقول لها بمزيج من أمر ورجاء:
_الجرح مش خطير ...لكن وجودك معايا دلوقت هو اللي ممكن يبقى خطير ...ما تخافيش عليّ...كلها دقايق والدنيا هتتقلب هنا ...
ثم انحنى ليلتقط المفتاح الذي كان قد سقط منها في دواسة السيارة في غمرة الأحداث السابقة ليعاود إعطاءه لها مردفاً بنفس النبرة :
_استنيني في شقتنا ...عارف إن عندك أسئلة كتير بس مش هاقدر أرد عليها دلوقت ...ياللا يا ياقوت بسرعة .

انتهت عبارته بآهة مكتومة جعلتها تتردد قليلاً قبل أن تمنحه عيناها نظرة كفَتْه!!

الخضار النابض فيهما كان يترقرق الآن بومض عاطفة أنارتهما كالبرق وسط ظلام ليل كاحل ...
كان يدرك أن خلف تماسكها الظاهري العجيب هذا جدراً يوشك أن ينقضّ لكنها تقيمه بقوة امرأة لا تقبل السقوط ...
تماماً كما كان يدرك أن خوفها عليه لن تفضحه كلمة ولا لمسة ...
إنما تصرف كهذا الذي فعلته بعدها وهي تغادر سيارته لتشير لسيارة أجرة قريبة وجدها تتوقف على مقربة منه لتقبع هي فيها ترمقه من بعيد بنظرات مترقبة حتى وصلت نجدته التي كان ينتظرها ...
نظرة أخيرة تبادلتها عيناهما بدفء غريب وسط هذا الجو المشحون ...
قبل أن يتحرك كل منهما ليمضي في طريقه على وعد بلقاء قريب !
======
ترتجف أناملها الممسكة بالمفتاح بقوة وهي تفتح باب الشقة لتدخل ...
نظرتها المتشحة بالانكسار ...الصارخة بالألم ...تدور وتدور في أرجاء المكان قبل أن تصفع الباب خلفها بقوة شعورها الآن !!

تتقدم نحو الداخل بخطوات ذبيحة وهي تهز رأسها بعدم تصديق ...
ماذا حدث؟!
كيف انقلب عالمها كله هكذا فجأة ؟!
كيف عادت لنقطة الصفر ...بل أقل من الصفر!!
الآن فقدت كل أعمدة اتزانها لتهوي في بئر بلا قرار ...
والدمع العزيز لا يزال رفيق الرحلة الوفي !
ما الذي تبكيه الآن بالضبط ؟!
فقدانها لثمر؟!
فضيحتها بأبيها ؟!
مصاب هيثم ؟!
ضياع عملها ؟!
قلقها على ...زين؟!

السؤال الأخير وحده يحمل تحته الكثير من علامات الاستفهام ...
تعلم أن جرحه ليس خطيراً لكن ما يدريها ما الذي سيفعله به أولئك وماذا يريدون منه ؟!
بل والأهم...من هم هؤلاء وما علاقته بهم كي تدفعهم لفعل كهذا ؟!

تنهيدة حارقة يضخها صدرها بوجع وهي تتذكر لحظة طوقها بذراعيه يفتديها بنفسه ...
ولحظة أن ابتعد عن ناظريها وهم يحاولون إسعافه !
اللحظة الأولى التي جعلتها تدرك كم هما قريبان ...حد الحميمية ...
واللحظة الثانية التي ذكرتها كم هما بعيدان ...حد الغربة !

وبينهما لا تزال هي تتمزق بألف سوط يهوي على ظهر كبريائها وقلبه معاً !
أما من محيص؟!!

خطواتها تتوقف أمام غرفة النوم الكريهة ...
تلج إليها بفتور وهي تشعر أن كل ذرة بداخلها تتفتت ...
تتبعثر ...
ثم تتطاير كما الرماد تذروه الرياح !!

نظرة خائفة بل مذعورة للمرآة جوارها فلا تمنحها صورة حقيقية لنفسها ...
بل صورتها في تلك الليلة المشئومة...
عارية ...مهانة ...ذليلة ...
فلا تملك نفسها وهي تقذف المرآة بأقرب ما نالته يداها لتتحطم بصوت أجفلها قبل أن تنتبه لما فعلته ...
كيف هاودته فيما طلبه منها؟!
كيف ستتمكن من البقاء هنا؟!
هنا ...حيث ذبح كبرياءها بمنتهى القسوة ؟!!

لكن غصة مريرة في حلقها تسكب العذاب بين حناياها ...
أين عساها تذهب؟! ولمن ؟!
حتى لو نحّت نداءات قلبها جانباً...
هو قدم لها العرض الذي لن تستطيع الآن رفضه !!

لهذا أطرقت برأسها بعجز استنزف ما بقي من قوتها قبل أن تغادر الغرفة الكريهة نحو مجاورتها ...
غرفة أصغر حجماً لكنها تبقى واسعة حقاً بمكتبة كبيرة تحتل جدراً كاملاً ...
مكتباً جانبياً فخماً يليق بصاحبه ...
وأريكة وثيرة شديدة الضخامة ...
تصلح ك...فراش؟!

نعم ...هكذا اتخذت قرارها أن تكون هذه الغرفة محل إقامتها التي تنتوي قصر أجلها هنا ...

قدماها تحملانها نحو الأريكة التي تهالكت جالسة عليها قبل أن تتناول هاتفها من جيب سترتها لتخبر رائد عما حدث ...
كتوماً كعهده كان ...لكنها اشتمت رائحة القلق في نبراته قبل أن يغلق الاتصال معها بسرعة واعداً إياها باللحاق به وإخبارها بالمستجدات ...

مكالمة أخرى للجين اطمأنت فيها عليها وعلى رابحة البائسة ...

ثم دقائق طويلة من الانتظار مرت كدهور وهي تنتظر خبراً يطمئنها ...

رقم رائد يظهر أخيراً فتفتحه بلهفة ليصلها صوت زين لا رائد :
_أنا كويس ما تخافيش ....جرح سطحي بس هاقعد هنا في المستشفى يومين ...أول ما أخرج هاجيلك...ماتقلقيش على جدتك...المحامي بتاعي هيكلمك بكرة عشان يدبر لك زيارة زي ما وعدتك .

صوته المقتضب كان يحمل في أذنيها هذه المرة نغمة مختلفة دافئة حتى وهو يغلق الاتصال بسرعة دون أن ينتظر ردها ...
نغمة أثارها غروره المعهود وهو يتحدث بهذا اليقين عن خوفها عليه !
أثارها حنانه الخفي وهو يطمئنها أن غيابه لن يطول ...
أثارها وعده الدافئ أن تكون هي أول وجهة له عقب خروجه ...
وأثارتها حميته الداعمة وهو يتذكر "مصابها" وسط ألم "مصابه هو" فيدبر لها أمر زيارة ثمر !!

ربما لهذا ظلت ترمق الهاتف بنظرة مستجدية للحظات كأنما ترجوه أن يعيد اتصالاً ...
تحتاج حقاً للمزيد "منه" كي تلملم هذا الشتات الرهيب الذي يكاد يبتلع روحها ...
حتى إذا ما يأست سمحت لجسدها أخيراً أن يستلقي على الأريكة لتنطلق منها آهة وجع عالية أودعتها كل مشاعرها ...
توقعت أن ينال نوم الإرهاق منها لكنها بقيت لساعات تحدق في السقف بشرود ...
تتذكر عبارته يوم أخبرها أن رائد قد أنقذ حياته ذات مرة ...
تراه يتعرض كثيراً لأمور كهذه ؟!
لهذا لا يتحرك غالباً دون حراسة ؟!
الخاطر الأخير يقبض قلبها بذعر حقيقي وهي تتذكر مذاق عناقاته واحداً واحداً ...
تعاطف...احتياج...عجز...شكر...اح تواء...تقدير ...دعم...وأخيراً ...حماية بل فداء !!
ماذا لو فقدت كل هذا فجأة كما امتلكته فجأة ؟!
ماذا لو جرى القدر بحساباته العملية المفترضة ليفترق كل منهما في طريقه ؟!
ماذا لو تسرب الماء من بين أنامل الظمآن بعدما أغرى شفتيه بالرِيّ؟!!

تغمض عينيها بألم ولازال الصراع القديم يمزقها ...
تستجدي النوم فلا يجيب ...
صوت رسالة على هاتفها يرحمها أخيراً من كل هذا فتنتبه لظلمة المكان حولها بعدما جن الليل دون أن تشعر ...

لتلتوي شفتاها بشبه ابتسامة وهي تقرأ رسالته :
_لو ما كنتيش نمتِ نامي وما تقلقيش ...ما تشيليش هم حاجة وأنا معاكِ!
=======
اليافتة المميزة بحرف "الياء" الأثير الذي ينثني طرفه بشكل القلب الشهير تعود لتومض بعد طول ظلمة !!
احتفال كبير بمطعمهما الذي عاودا افتتاحه لتتوج ابتسامة ياسمين ثغرها بارتباك لا يزال يشوبه بعض الحذر من نظرات المدعوين ...
لكن ابتسامة يامن المطمئنة مع احتضانه لكتفيها بذراعه تمنحها المزيد من الاسترخاء ...
تراها تكون النهاية السعيدة لقصتهما حقاً؟!!

_استعجلتِ على الافتتاح ليه ؟! مش كنتِ تأجليه لبعد الولادة ؟!
سألتها نبيلة وهي ترمق ملامحها المرهقة بنظرة مشفقة لترد ياسمين ببشاشة وهي تمسد بطنها :
_عشان نلحق نوقفه على رجليه من جديد قبل ما يمنى توصل ...عايزاها تيجي تلاقيه أشهر مطعم في مصر !

الحماسة التي تتحدث بها جعلت يامن يشدد برفق من ضمته لها لترمقهما نبيلة بنظرة راضية قبل أن تقول بنبرة تسرب إليها غرور النجمة المعهود :
_طبيعي يبقى أشهر مطعم في مصر لما يعرفوا حماتك تبقى مين ...الناس كلها هتحب تيجي تتفرج يمكن يقدروا يقابلوني .

همهمة ساخطة مبهمة كانت رد يامن الذي أشاح بوجهه لتطلق ياسمين ضحكة عالية وهي ترى رد نبيلة المتحفز عليه :
_هتنكر ؟!
ثم التفتت نحو ياسمين لتردف بنفس النبرة :
_انتِ عارفة إن أنا الممثلة الوحيدة في مصر اللي خدت لقب نجمة شباك لمدة عشر سنين ورا بعض مهما كان البطل اللي قصادي ...
ثم لوحت بكفها لتذكر اسم ممثل شهير بينما تردف :
_ ( .....)نفسه لما مثل معايا اتحط اسمي الأول قبل اسمه ...يومها عمل مشكلة وقال إزاااي ...بس المنتج وقفه عند حده ...قالله فوووق ...دي بيللا ...يعني كلنا نقف ورا وهي اللي تبقى قدام !

همهمة أخرى ساخطة من يامن الذي بدا وكأنها ليست المرة الأولى التي يستمع منها لهذه الحكاية خاصة واسم النجم الذي تحكي عنه لايزال يدوي كالطبل في الوسط الفني ...
بينما عادت ياسمين تضحك ضحكة قصيرة كتمتها بكفها لتقول بدبلوماسية :
_طبعاً يا بيللا ...مصر كلها عمرها ما هتنسى مجدك الفني .

ابتسمت نبيلة برضا قبل أن ترمق يامن الساخط بنظرة متسلية لتغادرهما بعدها وهي تتحرك وسط المدعوين بخطوات رشيقة فضحت فرحتها الحقيقية ...

_الحاجة أم يامن قلبت بيللا تاني وباعتك في أول مطب !
همست بها ياسمين في أذنه مشاكسة ليرد بمسكنة مصطنعة :
_ع الأقل الفستان المرة دي طويل وبكمام ...ده في حد ذاته تقدم مبشر جداً .

_امال لو فاجأتك واتحجبت بقا ؟!
_لا ...ده أنا ممكن أموت م الفرحة !

قالها ساخراً بنبرته العابثة لتغرد ضحكتها في أذنيه من جديد !
ابتسامة عاشقة...ثم تنهيدة ارتياح غمرته وهو يدور ببصره بين الحضور ...
هانيا التي تبدو شديدة السعادة جوار رامز الذي يبدو وكأنه يمازحها بمشاكساته المعهودة ...
رانيا التي لم يترك أشرف كفها من يده بينما يستمع إليها باهتمام وهي تتحدث بلهجة ظاهرها قوة الحماسة في مشهد لم يعد يستغربه بعد تغيرات شخصيتها الجديدة ...
داليا التي انفرد بها مروان في أحد الأركان وقد وقفت تستمع إليه بهيام مستكين فاض في عينين طالما صرختا قديماً بالتمرد ...
وأخيراً نبيلة التي وقفت مثله تراقبهن من بعيد ودمعة راضية تسيل من طرف عينيها فلا تبالي أن أفسدت زينتها !!

_سرحان في إيه يا طيب ؟!
سؤال ياسمين المرح ينتزعه من تأملاته ليلتفت نحوها فيهتف فجأة :
_تيجي نهرب؟!
_عايزني أخطفك تاني؟!
_المرة دي ...أنا اللي هاخطفك !
يقولها بعاطفة تدفقت عبر مرح الحديث وهو يجذبها من كفها ليغادر معها المكان خلسة تظللهما ضحكاتها الخافتة ...
ولم تكد تستقل السيارة جواره حتى تأوهت بمزيج من ارتياح وترقب قبل أن تسند ظهرها لكرسيها مغمضة عينيها وهمسها المشع بعاطفتها يعانقه :
_هتوديني فين ؟!
_وبعدين؟! مش قلنا المخطوف المؤدب يتخطف وهو ساكت !
ضحكتها القصيرة تتزامن مع استرجاعهما معاً لذكرى مشابهة قبل أن تحين منها التفاتة لجانب الطريق عفوياً ...
ليشحب وجهها فجأة مع شهقة مرتعبة وهي ترى ذاك ال...وجه !!
========
_مالك ؟!
يسألها بتوجس وهو يحاول النظر نحو وجهتها ليتبين سر ردة فعلها هذه لكنه لا يميز شيئاً وسط هذه الظلمة ...

بينما امتقع وجهها هي للحظات قبل أن تتمالك نفسها لترد بابتسامة مرتبكة :
_اتهيالي إني شفت كلب ...انت عارف بخاف منهم .

يرمقها بنظرة طويلة متفحصة والشك يعاود نثر بذوره في أرض روحه الخصبة ...
بينما يراقب صدرها الذي يعلو ويهبط بانفعال لكنه يقاومه بقوة لم تعد تجهده ليتناول راحتها بكفه قائلاً بنبرة هادئة شابها بعض الضيق:
_أنا عارف إنك بتكدبي بس مش هاضغط عليكي مادام مش عايزة تقولي .

اتسعت عيناها بدهشة من ردة فعله هذه التي لم تتوقعها وإن كانت أراحتها كثيراً هذه المرة ...
الراحة التي ازدادت وهي تراه يربت على كفها برفق قبل أن يشغل السيارة ليبتعد بها عن المكان ...
تختلس نظرات مرتعبة نحو مكان ذاك "الوجه" الذي رأته لكنه اختفى فجأة كأن لم يكن !!
هل كانت تتوهم ؟!!

حاولت الاسترخاء في مقعدها وعيناها ترمقان جانب وجهه الشارد من آن لآخر لكنه بدا غائباً تماماً عنها ...
هذا الشعور الذي طوق جسدها بصقيع مؤلم وهي تشعر أنهما يبتعدان من جديد ...
هي كذبت ...وهو يعلم أنها فعلت ...
لكنها لم تستطع إخباره بما -أو بالأدق- بمن رأته !!

انقطعت أفكارها عندما انتبهت لوجهة سيارته فالتوت شفتاها بابتسامة حنين رغماً عنها وهي تشعر ببعض السكينة تتسرب للقلب الملتاع ...
تغمض عينيها محاولة استعادة صفاء روحها حتى تشعر بتوقف حركة السيارة التي غادرها هو ليقف مستنداً على مقدمتها يراقب المكان حوله بشرود ...

ابتسامة دافئة تترنح على شفتيها وهي تلحق به لتقف قبالته قبل أن تبسط كفيها على صدره هامسة :
_جبتنا هنا ليه دلوقت؟!

كانت تعلم أنه مكانه المفضل الذي يقصده عندما يود الخلوة مع نفسه في حزنه ...
هذا المكان الذي قلدته في ارتياده كعادتها في اقتفاء آثاره ...
صوت الهواء حولها يقطع السكون في هذا التوقيت من الليل فيرتجف جسدها الذي ضمه هو إليه قبل أن يقبل رأسها بعمق لتشعر به يغمرها بكليته مع همسه الذي اشتعل بحرارة بوحه :
_واحنا النهارده في الحفلة افتكرت ...افتكرت آخر مرة جيت فيها هنا بعد ما كلمتك وقتها وقلتيلي إن ابننا مات ...جيت هنا وأنا حاسس إن خلاص حياتي كلها ضاعت...مش حياتي أنا وبس ...مستقبل البنات كمان ...حسيت إن الذنب هيفضل في رقبتي العمر كله ...مهما حاولت أقف هيرجع يوقعني تاني ...لسه فاكر لحظتها وأنا قاعد هنا...هنا بالضبط...بحط التراب على راسي كأني بحارب كل وساوسي ...كأني عايز أدفن يامن القديم ...

رفعت عينيها الدامعتين إليه بتأثر لترتجف شفتاه للحظات قبل أن تظللهما ابتسامة راضية مع زفرته التي حملت الكثير من الارتياح أخيراً:
_والنهارده بس ...النهارده واحنا في الحفلة ...شايفك جنبي في حضني من تاني قدام الناس كلها ...

ثم انحدرت أنامله نحو بطنها تمسده برقة أرجفتها مع استطراده :
_ومعانا يمنى ...مستنيينها تيجي بكل الفرحة اللي تنسينا العذاب اللي فات ...حواليا أمي والبنات ...كل واحدة خلاص اطمنت عليها مع راجل يصونها وتصونه ...لحظتها بس ...حسيت إن فعلاً يامن القديم كان لازم يتدفن تحت التراب عشان يفوق ...حسيت إن كل لحظة عذاب عشتها كانت تستاهل ...ومستعد أدفع أدها ألف مرة ...مادام النتيجة هتبقى فرحة زي اللي حسيتها النهاردة !

لم تملك خط الدموع الذي سال على وجنتيها لتتلقفه شفتاه بحنان قبل أن تغازلها أنفاسه قبل قبلاته :
_خلاص! ممنوع العياط لخمسين سنة قدام ...كفاية اللي شفناه قبل كده ...العمر اللي باقي يادوب ...نضحك ونحب ...وبس!

ذابت في لهيب عناقه للحظات والصمت بينهما ينسج خيوطاً أبلغ من أي حديث ...
هذا القلب الذي تمنته تتراقص دقاته بين ضلوعها هي ...
هل هي النهاية السعيدة حقاً؟!
هل آن لها أن تستريح ؟!
أم أن كل ما تعيشه الآن معه مجرد هدنة في حربها الطويلة للفوز به ؟!

السؤال يبقى معلقاً بينهما وطيف شاحب ل"الوجه" الذي رأته منذ قليل يعود ليملأ رأسها بهواجسه !!
لكنها تحاول تجاهل هذا لتهمس له :
_الجو برد هنا ...ياللا نرجع .

_أدفيكي؟!
همسه العابث يدلل أنوثتها لكنها تدفعه برفق هاتفة :
_دفيني في البيت..مش هنا !

لكنه يتناول كفها في راحته هامساً بجدية هذه المرة :
_قصدك أنهي بيت ؟!

تغيرت ملامحها للحظة وهي تتنبه لمغزى سؤاله إذ لا تزال غير قادرة على العودة لبيتهما القديم ...
لهذا ازدردت ريقها بارتباك لتهمس له :
_مش عايزة أبقى بايخة بس فعلاً مش قادرة أرجع بيتنا دلوقت ...غصب عني يا يامن والله .

دمعت عيناها في عبارتها الأخيرة فمنحها ابتسامة مطمئنة وعيناه تطوفان على ملامحها بتفحص ...
"الجزء العاشق للتفاصيل" بداخله يود لو يستنطقها عما رأته منذ دقائق ورفضت البوح به ...
لكن "الجزء الكاره لماضيه" يصرخ به أن يتعلم مما كان ...أن يمنحها ثقته ودعمه راضياً بخطواتها البطيئة نحوه مادام يثق أنها في النهاية لن تكون إلا بين ذراعيه !!

لهذا ربت على رأسها برفق ليعاود هتافه المرح:
_ماشي ...بس أنا كده كده رايح أجيب شوية حاجات ...ابقي استنيني في العربية بقا ...يا "نخلة"!!
قالها مشيراً لفارق الطول بينهما مردفاً :
_لازم أقعد يعني عشان تبقي في مستوايا ؟! اوعي تجيبيلي بنت أوزعة زيك ...أنا بحذرك أهه ...مش كل شوية هاوطي أدور على واحدة فيكم .

لكزته بكفها في صدره ضاحكة فقام واقفاً ليحيطها بذراعه قبل أن يستقلا معاً سيارته نحو بيتهما القديم تحيطهما دعاباته المشاكسة التي لم تتوقف طوال الطريق ...
والتي كانت تحتاجها حقاً كي تخفف عنها هذا الخوف المبهم الذي تشعر به ...
ولم يكد يتوقف أمام باب البيت حتى شعرت بقلبها يكاد يقفز اشتياقاً ...ورعباً!!
كل ذكرياتها في هذا المكان تتوالى في عينيها تباعاً ك"فردوس مفقود" قبل أن تأتي ذكرى آخر ليلة هنا لتلقي بها في جحيم غادر!!

_مش هتأخر ...هاسيب الباب مفتوح لو حبيتي تحصليني .

قالها وهو يميل عليها ليقبل وجنتها بنعومة قبل أن يغادر السيارة نحو البيت بينما بقيت هي تراقب ظهره المنصرف للحظات بتردد قبل أن تشيح بوجهها نحو الجانب الآخر كأنها تفر من ذكرياتها المهلكة هذه ...

لحظات مرت بها بطيئة كدهور قبل أن تجد نفسها تترجل من السيارة لتدخل ...
أناملها تمسد بطنها كأنما تستمد من جنينها المزيد من القوة وهي تلج نحو الحديقة ...
ابتسامة بمذاق الدموع تغزو شفتيها وهي تتذكر كل صباحاتهما هنا ...
كيف قهرت طباعه لتقنعه بتناول الإفطار على الأرض هنا لأول مرة ...
كيف استلقيا معاً يومها على ظهريهما يرقبان سحب السماء وكلاهما يراها بعين طبعه ...
كيف صنع لها من الإطارات القديمة الملونة هذه المجموعة الرائعة هناك ...
وأخيراً...الأرجوحة !!

إعصار بارد يجتاح قلبها هذه اللحظة وقدماها تنسحبان نحو الأرجوحة هناك ...
هذه التي صنعها بهذا الارتفاع كي لا يمكنها الصعود دون أن يرفعها هو!!
هذه التي شهدت لحظات تدليله الغامر لها ...
وهذه -أيضاً- التي سقطت من فوقها آخر مرة ليرقبها هو من علو بازدراء دون أن يمد لها يداً!!!

شهقت بعنف عندما شعرت بكفه على كتفها من الخلف فالتفتت نحوه ليقرأ مشاعرها على وجهها وكأن كل ما دار بذهنها قد سكن أفكاره هو قبلها !!

_عملتلك واحدة غيرها ...هناك !

يقولها وهو يشير للاتجاه الآخر من الحديقة فالتفتت نحو البقعة المنشودة لتتحرك نحوها بخطوات لاتزال مدفوعة بارتباكها ...
الإطار الملون للأرجوحة الجديدة يبدو زاهياً أكثر بألوانه ...
لكن ما أعجبها حقاً هو ارتفاعها المناسب لها ...تماماً !!

هذا الذي عبر عنه هو بقوله :
_عملتها أقصر عشان تطلعي وقت ما تحبي ...حتى لو كنت مش معاك.

فالتفتت نحوه لتطوق عنقه بذراعيها بلهفة قبل أن تسكب دموعها على صدره متمتمة :
_لو هتسيبني تاني قوللي من دلوقت ...لو فيه احتمال واحد في المليون بس عرفني ...مش عايزة أرجع تاني أتسند على جدار يقع بيا .
لكنه ضمها بقوة بين ذراعيه لينثر قبلاته على وجهها الذي مسح دموعه بأنامله قبل أن يرفع لها ظاهر كفيه ب"خاتميْه" معاً ليهمس لها :
_بين الاتنين حكاية عمر ماعرفتش قيمته إلا بيكي ...مهما حصل بيننا عمري ماهابعد تاني .

عيناها تتفحصان ملامحه بترقب وكأنما تطارد سراب وعده هذا بين نظراته ...
قبل أن تعاود دفن وجهها في صدره ليرفعها أخيراً فوق الأرجوحة الجديدة التي حركها بحرص بها ...
تبتعد ...تقترب... فيقترب منها مدللاً شفتيها بشفتيه قبل أن يدفعها برفق لتبتعد وتقترب من جديد بنفس الوتيرة الناعمة ...
وكأنما يخبرها بلا كلمات أنها مهما ابتعدت ...
ستعود بين ذراعيه !!!

ينزلها أخيراً برفق بعدما قبل بطنها بنعومة ليقول مخاطباً ابنته :
_عجبتك المرجيحة يا يمنى؟! لو شفتي أوضتك بقا هتنبهري!!

_أوضتها؟!
_أوضتك سابقاً! غيرت دهانها وعملت لها شوية ديكورات ...جناااان...
قالها مبالغاً بحركة تمثيلية ليميل رأسه بمكر مردفاً:
_مش عايز أضغط عليكي وأقوللك ادخلي اتفرجي ...بلاش...بلاش...انتِ مش عايزة !!

فابتسمت وهي تخبطه بخفة على صدره هاتفة :
_نصاب! بتعرف تلوي دراعي !
_العفو يا فندم ...سلامة دراع سيادتك .
قالها وحاجباه يتراقصان بمشاكسة فزفرت زفرة قصيرة سبقت قولها :
_هادخل أتفرج وأمري لله .

أطلق صفير انتصار طويل أجفلها للحظة قبل أن تغرد ضحكتها عالية وهي تتأبط ذراعه لتخطو معه نحو الداخل ...
صالة البيت الدافئة ...المطبخ القريب الذي لا يزال يحمل لمساتها ...
وأخيراً ...غرفتها التي دخلتها لتجده قد غير لون الطلاء إذ قسم الغرفة طولياً لنصفين ...أحدهما بالوردي والآخر بالسماوي ...
واستبدل فراشها الكبير بفراشين صغيرين ...
السقف قد ازدان سقفه بمجسمات ملونة لكواكب ونجوم ...
وفي زاوية الغرفة كانت هناك عربة صغيرة لرضيع تدلت من سقفها الكثير من الألعاب الملونة...
بينما امتلأت الغرفة عن آخرها بالبالونات ...

هذا الذي جعلها تشهق بانبهار وهي تدور بعينيها في المكان هاتفة :
_ذوقك يهبل يا يامن ...مش عارفة أقوللك إيه ...
ثم اندفعت نحو الفراش الوردي هاتفة :
_ده بتاع يمنى...

ثم نحو السماوي مردفة :
_وده بتاع ياسين!!

_ياسين مين؟!
هتف بها باستنكار فظ لتضحك هاتفة بعفوية :
_ابننا اللي هنجيبه بعدها ...هو أنا ماقلتلكش ؟!
_لا والله .. ماحصلش نصيب ...بس كويس إنك عرفتيني عشان أعمل حسابي !

تشاركا الضحك بعدها للحظات قبل أن تتقدم منه من جديد لتطوق عنقه بذراعيها هاتفة بعد تنهيدة ارتياح :
_أد ما كنت خايفة أرجع هنا ...أد ما أنا طايرة دلوقت .
_كلامك ده عندي بالدنيا كلها ...أفهم من كده إنك وافقتِ ترجعي هنا ؟!

نظراتها المترددة اتشحت بالخوف من جديد لتمنحه عيناها الجواب فهز رأسه بتفهم قبل أن يقبل جبينها بعمق مردفاً بأسف مصطنع:
_ حتى لو وافقتِ ترجعي ...الحاجة "أم يامن" مش هتسيبنا إلا لما تشيل يمنى على إيديها .

ابتسمت بنكهة الامتنان وهي تعود لتخفي وجهها في صدره راضية بهذا الأمان غير المشروط الذي يمنحه لها ...
والذي تهدده الآن صورة هذا "الوجه" الذي رأته الليلة ...

هنا فقط طفا الاسم على سطح ذهنها وهي تشعر بحاجتها للتحدث الآن معها هي بالذات ...
أجل ...ياقوت!!
=========
_آسفة جداً ...عارفة إن التوقيت مش مناسب ...

قالتها ياسمين بمزيج من حرج وأسف وهي تجلس أمام ياقوت في النادي الذي اختارته الأخيرة للقائهما عقب تلقيها اتصالاً من الأولى تطلب منها ضرورة لقائها .
صحيحٌ أنها ترددت كثيراً قبل أن توافق على لقائها في ظروفها السوداوية هذه ...لكنها وجدت نفسها أخيراً تقبل ...
لماذا؟!
هل هو طبعها المعهود بالهرب من آلامها في عملها الذي تحبه ...
في تناسي مشاكلها بالغوص في مشاكل الآخرين؟!
أم هي رغبتها الصادقة في الاطمئنان على مريض تكن له معزة خاصة كيامن ؟!
ولعله لا هذا ولا ذاك ...
بل هي رغبتها الدفينة في لقاء امرأة تعرف عن "رجلها" أكثر مما تعرفه هي !!
رجلها؟!
هل اعترفت ب"زين" كرجلها إذن؟!!

هزة رأسها النافية باستنكار للخاطر الأخير جاءت مناسبة تماماً للرد على حديث ياسمين السابق فابتسمت الأخيرة لتستطرد بنبرة مرتبكة :
_يامن حاول يكلمك كتير بس ماعرفش يوصللك ...أنا عارفة إن الموقف صعب بس احنا معاكي ...بإذن الله الحاجة هتخرج من القضية بسهولة ...أنا ممكن أوكل لك محامي أعرفه شاطر جداً .

فتفرست ياقوت ملامحها بذكائها المعهود لتتجاهل مقولتها محاولة تناسي مأساتها الخاصة لترد بعد صمت قصير :
_متشكرة ...بس ما افتكرش إنك طلبتِ تقابليني عشان كده بس ...أعتقد فيه حاجة جدت بينك وبين يامن .
_عرفتِ إزاي؟!
سألتها ياسمين باعتراف صريح بحسن استنتاجها لتشير نحوها ياقوت برأسها مجيبة بنبرتها العملية رغم صوتها المتهالك :
_رعشة إيدك...صوتك المرتبك ...عينيكي بتلف في المكان ...كأنك بتدوري على حد أو خايفة تشوفي حد .

فابتسمت ياسمين لتعدل مقدمة حجابها بارتباك قائلة :
_فعلاً...بصراحة...الموضوع مربك ومش عارفة أشرحه لحد غيرك !

رمقتها ياقوت بنظرة مشجعة فتنحنحت ياسمين قائلة :
_سيلين!
_مين سيلين؟!
سألتها ياقوت بتشتت لتجيبها :
_طليقة يامن ...من ساعة ما رجعت مصر وأنا بحس إني بشوفها كتير ...في كل مكان بروحه ...آخرها ليلة افتتاح المطعم بتاعنا .

_بتحسي إنك بتشوفيها ؟!
سألتها ياقوت ببطء حذر محاولة التيقن من صحة استنتاجها لترد ياسمين بحيرة قلقة :
_ماهو ده اللي مجنني ...مش قادرة أحدد إذا كان ده حقيقي فعلاً واللا وهم في دماغي ...مش قادرة أبطل تفكير ...وشها على طول في دماغي ...الجديد بقا هي الكوابيس ...بشوفها بتخنق بنتي وبتقوللي ده العدل إنها تموت زي ابنها هي ما مات !!

اتسعت عينا ياقوت بإدراك محاولة استيعاب الموقف لتسألها بعدها باهتمام :
_انتِ قلتِ ليامن ؟!
لكن ياسمين هزت رأسها نفياً لترد بانفعال :
_خفت ! يامن مش ناقص إحساس بالذنب ...ده ما صدق يحس إن دنيته اتظبطت تاني ...

قالتها ثم حكت لها عما حدث تلك الليلة عندما هيئ إليها أنها قد رأت سيلين ورد فعل يامن وقتها لتقول ياقوت بنبرتها العملية :
_ممتاز ...يعني هو كان عارف إنك بتكدبي ومع ذلك ماضغطش عليكِ ...

أومأت ياسمين برأسها إيجاباً لتردف ياقوت بتردد :
_بس ممكن يكون دماغه راح لحد تاني ...
_زي مين؟!
_زين ...مثلاً!
قالتها ياقوت بنبرة مهنية حاولت فيها إزاحة مشاعرها جانباً لترد ياسمين بنفس القلق:
_معاك حق ...بس زين مش هيحاول يكلمني إلا لو حس إني محتاجة مساعدته ...من يوم ما رجعت ليامن ماحاولش حتى يتصل بي.
_وده مضايقك؟!
لم تستطع منع شعورها المقيت بالغيرة في هذه اللحظة حتى عندما هتفت ياسمين باستنكار:
_طبعاً لا ...بالعكس ...ظهور زين دلوقت ممكن يخللي يامن يرجع ينتكس.
_لا ...ماتخافيش!
قالتها ياقوت بثقة لتعدل وضع نظارتها فوق عينيها مردفة بنفس النبرة المهنية :
_يامن كل يوم بيثبت إنه فعلاً اتغير عشان هو عايز يتغير ...عن نفسي أفضل تحصل بينكم مواجهة ثلاثية في أي موقف عشان نتأكد إن يامن خلاص اتعالج تماماٌ ...بس عملياً الموضوع هيبقى صعب جداً عليكم انتو الثلاثة .

فأومأت ياسمين برأسها موافقة لتستطرد ياقوت :
_انتِ غلطتي إنك كدبتي عليه ليلتها ...يامن محتاج يحس إنك واثقة فيه عشان هو كمان يثق في نفسه ...محتاج حد يحارب وساوسه معاه وما يبقاش لوحده ...خلليكي كتاب مفتوح قدامه...صدقيني ...ده الطريق الوحيد مع واحد بشخصيته دلوقت .

_يعني أقولله ؟!
عادت ياسمين تسألها بحذر لترد ياقوت بثقة :
_قوليله وخلليه يتأكد إذا كانت فعلاً هنا وبتراقبك...أو ده كله مجرد هلاوس من عقلك الباطن عشان إحساسك بالذنب ...وبناء على ذلك احنا هنتصرف ...لكن كونك تخبي عليه ده ضرر ليكي وليه .

ابتسمت ياسمين بارتياح مقتنعة برأيها لتشكرها بإسهاب قبل أن تغادرا معاً النادي لتقول ياسمين بتردد :
_سمعنا إنك سبتِ المركز...بإذن الله يكون موضوع مؤقت ...حقيقي انت دكتورة شاطرة جداً وتستاهلي كل خير .
ابتسمت لها ياقوت مجاملة قبل أن تعرض عليها ياسمين توصيلها للبيت بسيارتها ...
هذا العرض الذي تقبلته ياقوت على مضض وهي تحاول تجنيب شعورها الذي يتضخم بالغيرة ...
ياسمين أنثى بكل معنى الكلمة !!
جمالها...صوتها ...أناقتها ...حركاتها ...
فلو أضفنا لهذا تألق طلتها الأرستقراطية ...فالمحصلة امرأة استثنائية حقاً!!
كيف تملك إذن ألا تقارن نفسها بها ؟!!
معذور هو إن تعلق بها فمثلها تليق به ...
لكن هي؟!!

توقفت ياسمين أمام العنوان الذي وصفته هي لها لتدور ببصرها حولها متسائلة :
_انتِ ساكنة هنا؟!
أشارت لها ياقوت نحو مدخل البيت وعيناها تترصدان كل انفعالات وجه ياسمين وكأنها تتبين إن كانت تعلم أن هذه شقته ...
لكن ياسمين بدت بريئة تماماً وهي تقول بعفوية صاغت ابتسامتها:
_بيت جميل .

فتنهدت ياقوت بما لم تدرِ هل هو ارتياح أم خيبة !!
هل تفرح لأنها لا تعرف شقته هذه ؟!
أم أنها كانت لديه أكبر من أن تعلم عن شيئ تافه كهذا ؟!!

_ماتقلقيش ...هابعتلك رقم المحامي وعنوانه ...وهاوصيه عليكِ...كلنا معاكي ...وربنا قبل الكل !
قالتها ياسمين مؤازرة بروحها الحلوة فلم تملك ياقوت إلا أن ابتسمت لها شاكرة لترد بمهنيتها المعهودة :
_وأنا كمان هاستنى منك تليفون تطمنيني وصلتوا لإيه في موضوع سيلين .

قالتها لتغادر سيارتها نحو البيت لتعود ياقوت فتلقي نظرة خلفية على سيارتها الفارهة تغادر ...
وذهنها ينسحب عفوياً لهذا الذي يشغل عقلها ...
ويشغل قلبها قبله !!
========
_ستي ثمر!
ترتمي بين ذراعيها باشتياق قبل أن تغمر كفيها بالقبلات بعدما سمح لهما الرجل المسئول بالسجن بهذه الزيارة في مكتبه ...

_عاملة إيه انتِ وأختك ؟!
تسألها ثمر بقلق وقد بدت شاحبة الوجه بملابس السجن لتجيبها ياقوت محاولة التماسك:
_كلنا كويسين مش ناقصنا غيرك يا ستي.
_ورابحة ؟!
_بخير يا ستنا ...كلنا بخير...ماتقلقيش...أنا وكلت لك أكبر محامي ...وناس معرفة وصوا عليك هنا عشان تبقي مرتاحة .
هزت ثمر رأسها لتتفحص ملامحها بخبرتها قبل أن تقول ببطء:
_قالولي حد مهم قوي موصي علي هنا .

فارتبكت ملامح ياقوت لترد بسرعة :
_ربنا كبير ...حالة عندي كنت بعالجها ولها قرايب مهمين ...لما قصدتهم مااتأخروش.

همهمة خافتة كانت جواب ثمر قبل أن تسألها فجأة :
_ده البيه بتاع مصر؟!

لكن ياقوت حافظت على ملامحها لترد بثبات رغم كراهيتها للكذب عليها :
_أنا وعدتك إني هاقطع علاقتي بيه يا ستي ...خلاص ...المهم طمنيني عليكي انت عاملة إيه ؟

هنا عادت ثمر ترمق وجهها بنظراتها الغامضة وكأنما تبينت كذبتها في عينيها قبل أن تغمغم بخشوع:
_لله الأمر من قبل ومن بعد ...

ثم ابتسمت لتردف برضا:
_شفت رؤيا خير لأمك الله يرحمها ...كانت محنية إيديها وبتبصلي وبتضحك ...أول مرة أشوفها في منامي بتضحك من يوم ماراحت للي خلقها .

ظهر التأثر على وجه ياقوت وهي تهم بسؤال آخر لكن الرجل عاد يدخل ليعتذر لهم عن انتهاء مدة الزيارة ...

فارتمت ياقوت بين ذراعي جدتها من جديد لتهمس لها بين دموعها :
_بيقولوا اننا بنتحرم من النعم اللي ما بنقدرش قيمتها ...بس أنا طول عمري عارفة إن حضنك ده أكبر نعمة ياستي ...ربنا مش هيحرمني منه أبداً .

فابتسمت المرأة الصابرة لتقول بصوتها المهيب عبر أسنانها المكسورة وكأنها تمنحها وصية غير مباشرة :
_أنا عايشة طول ماانتو حافظين اللي علمتهولكم ...مش هاموت إلا لو نسيتوه ...حطيها حلقة في ودنك وفكري بيها أختك ...ربنا هو الحافظ !
========
_أجيلك؟!
رسالته بكلمته الوحيدة زلزلتها !
قلبها يقرأها بنكهة الوعد ...وكبرياؤها يتلقاها بمعنى الاستئذان !!
وبينهما روح عطشى مستعدة لتلقيها بأي صورة فقط لتطمئن عليه !!

يومان مرا بها كإعصار اجتاحها دون رحمة !!
لكنها لا تزال تتشبث ببقايا "بابها المخلوع " ...
تمنحه موافقتها مكتوبة برسالة كذلك قبل أن تذهب لتبدل ملابسها ...
لكنها لم تكد تخطو خطوة حتى سمعت طرق الباب !

عيناها تتسعان بارتياع مترقب وهي تتوجه بسرعة نحو العين السحرية لتجده هو!
هل كان يرسل رسالته وهو أمام الباب ؟!

سؤالها الأخير بدا واضحاً في عينيها المستنكرتين وهي تفتح الباب له ليجيبه بابتسامته التي تمزج الغرور بالعاطفة :
_استأذنتك زي ما وعدتك .

عيناها تنجذبان دون وعي لذراعه المضمد فتستعيد بشاعة ذكريات تلك الليلة ...
بينما عيناه هو تجريان على تفاصيلها هي بجموح ...
كانت ترتدي واحدة من جلابيب أمها المزركشة قديمة الطراز والتي اعتادت أن ترتديها كي لا تنسى ...
وما أحوجها لهذا الآن!!
ورغم هيئتها الهزلية هذه مع ملامحها شديدة الإرهاق بدت في عينيه شديدة التفرد خاصة والقمران السجينان في عينيها يتألقان مع لمعة شعرها الداكن بمزيج آسر ...

_واضح إنك قلقانة عليا لدرجة إنك نسيتِ وفتحت الباب من غير حجاب!

يقوها بنبرته التي تمزج غروره بعاطفته لترتبك ملامحها وهي تضع يدها عفوياً على شعرها قبل أن تنتبه لما ترتديه !!
تباً!
ألم تكن في طريقها لتبدل ثيابها ؟!

ماذا جرى يا ياقوت؟!
منذ متى تهتمين بجمالك في عيون الرجال؟!
خبئي جواهرك لمن يستحقها ...
ولا تتبعي سبيل "أشواق"!!

قشعريرة باردة تتملك جسدها مع هذا الخاطر الأخير لكنها تتجاهلها كما تتجاهل عبارته لتفسح له الطريق وتصفق الباب بعنف!

قلبها يرتج بهذا اللحن الخاص بينهما والذي تزداد وتيرته كلما وجدت نفسها معه وحدهما ..

هذا الذي حاولت التغلب عليه وهي تنأى ببصرها عنه بينما هو يجلس على الأريكة لتنفلت منه آهة مكتومة جعلتها ترفع عينيها نحوه بحنان قلق بخلت به كلماتها ...
لكن ابتسامته الدافئة قرأت شعورها المرتبك على ملامحها قبل أن يسألها باهتمام :
_قابلتِ جدتك ؟!
إيماءة خافتة كانت جوابها بينما تسبل جفنيها لترد باقتضاب:
_قالتلي إنهم بيعاملوها كويس هناك فعلاً أحسن م الباقيين .
_ما تقلقيش...قريب قوي هتخرج وترجع بيتها .
قالها مطمئناً لترد هي ولا تزال هي واقفة مكانها عاجزة عن النظر نحوه :
_همسة كمان بتتحسن ...قريب قوي هترجع تقبل تعيش وسطنا...
ثم تلعثمت نبرتها نوعاً لتصحح خطأها بسرعة :
_وسطكم...بطريقة طبيعية !

عقد حاجبيه بضيق وهو يشعر أنها تضع صنيعه مع جدتها أمام صنيعها مع أخته ...
خاصة عندما استطردت بنبرة عملية :
_يفضل ما تخليهاش تشوفك اليومين دول عشان ما تقلقش ...أنا هابررلها غيابك بأي حاجة ...لو شافتك هتسأل حصل ليه وازاي وممكن ده يخوفها أكتر .

_وانتِ مش عايزة تعرفي ده حصل ليه ؟!
يسألها بترقب ماكر لكنها تهز كتفيها لترد بنفس النبرة العملية :
_شيئ ما يخصنيش...اللي بيننا همسة وبس!

همهمة قصيرة تغادر شفتيه فلا تدري ضائقة هي أم مترقبة ...
قبل أن يتنهد بحرارة وهو يعود بظهره للخلف مغمضاً عينيه مما استفز أمومتها لتقول بنبرة رقت نوعاً:
_انت خرجت م المستشفى على هنا ليه ؟! مش كان الأولى تروح بيتك تستريح؟!

_ما انا بستريح ...هنا .
يغمغم بها مغمض العينين لتضبط نفسها متلبسة باختلاس النظر لملامحه المرهقة ...والوسيمة !!
لعنت نفسها سراً للخاطر الأخير لتعود للهجتها فظاظتها وهي تسأله بينما تغض بصرها عنه :
_تشرب إيه ؟!

قالتها وكأنها تذكره أنه مجرد ضيف هاهنا مادامت هي قد ارتضت البقاء ...
لكن صمته يؤرقها للحظات قبل أن يفتح عينيه بابتسامة خافتة :
_اختاري لي على ذوقك .

زفرت زفرة قصيرة وهي تغادره نحو المطبخ القريب لتحضر له كوباً من عصير البرتقال الطازج الذي انحنت لتضعه أمامه قبل أن تستقيم واقفة من جديد وقد حافظت على مسافة مناسبة بينهما ...

يرتشف العصير بتلذذ صامت وعيناه الماكرتان تغازلانها بنظرات ما عادت تخطئ تأويلها ...
لكن شفتيه تجزيانها عن صمتها المتجافي بمثله !
قبل أن يضع الكوب الفارغ جانباً ليفتح حديثاً بقوله :
_وجود رائد نفعنا في التحقيق...قال إن هو اللي كان راكب معايا ...
_والتحقيق وصل لإيه ؟!
سألته بقلق لم تستطع إخفاءه ليرد بمكر ساخر:
_مش قلتِ ما يهمكيش؟!
نظرتها الساخطة تستجلب ابتسامة واسعة لشفتيه حلقت فوق قلبها هي كطير من الجنة ...
لكنها حافظت على جمود ملامحها لتتجاهل عبارته قائلة بنبرتها العملية :
_قلت لي إن رائد أنقذ حياتك مرة ...لو هم نفس اللي استهدفوك المرة دي فرأيي إنهم مش عايزين يقتلوك ...هم بيخوفوك بس ...لو كانوا عايزين يعملوها كانوا يقدروا بسهولة جداً خصوصاً مع المفاجأة .

فالتمعت عيناه بإعجاب حقيقي وقد راقه أن تصل مثله لهذا الاستنتاج قبل أن يهز كتفيه ليقول ببساطة :
_ما تشغليش بالك .

أغاظتها البساطة التي يتحدث بها وكأنه ليس في خطر لكن حسن فراستها جعلها تستقرئ في طبيعته ما يمنعه من الاعتراف بخوف ...
هي تعلم أن دنيا رجال الأعمال هذه لا تخلو من مخاطر لكن أن يصل الأمر للدم ...
فهذا هو ما يثير اشمئزازها حقاً !!

لهذا هتفت به بحدة مفاجئة:
_والله كان ممكن مااشغلش بالي لو حضرتك ما تفضلتش ودخلتني غصب عني في حياتك دي...ما سألتش نفسك لو كان جرالك حاجة واتفضحت قصة جوازنا كان هيبقى شكلي إيه ؟! بس ليه تفكر وتشغل بالك مادام كل اللي يهمك مصلحتك وبس؟!

العينان الماكرتان تنكسران بموج من ألم قبل أن يغمضهما بقوة ...
هي محقة في حدتها ولو تمادت أكثر لما لامها ...
إنه لم يعاتب نفسه في حياته كما يفعل منذ ذاك اليوم وهو يتصور ما لو كان أصابها هي مكروه بسببه !
لكنه كعهده لا يزال عاجزاً معها عن التراجع ...
أو حتى عن اعتذار لا يليق بذنبه العظيم معها !!

بينما شعرت هي بسخافة ما قالته خاصة مع الألم الواضح على ملامحه فارتجفت شفتاها بتوتر لتغمغم :
_عموماً مش وقته الكلام ده ...روّح دلوقت وارتاح .

هنا فتح عينيه لتغزل النظرات الدافئة سبيلها بينهما رغم ما يبدو من ظاهر الجو المشحون ...
قبل أن يتوهج سراجا الذهب في عينيه بتساؤله :
_ممكن تقريلي شوية ؟!
صرخت ملامحها بالاستنكار الذي صمتت عنه شفتاها ليردف هو بابتسامة شاردة :
_ممكن يبان لك طلب غريب ...بس حقيقي صوتك بياخدني دنيا تانية ...دنيا محتاجها تفصلني عن كل الضغوط اللي حواليّ...
ثم ارتجفت شفتاه بطيف من الذنب مع استطراده :
_لو رفضتِ هامشي بهدوء ومن غير تردد .

كادت تهتف برفض قاطع وصراع مشاعرها المحتدم يخرج أسوأ ما فيها ...
لكن ....خدعها قلبها!!
خدعها متذرعاً بمهنيتها وأنها ليست سوى أمام رجل مريض!!
خدعها متحججاً بشفقتها وامتنانها لرجل افتداها بنفسه !!
خدعها متوارياً خلف جدار من قوة طالما تشدقت بامتلاكها غافلةً عن ثغرات الضعف التي تجتاحها يوماً بعد يوم !!

_عايزني أقرالك إيه ؟!
غريبة كانت نبرتها وهي تنطقها !
لم تكن المهادنة المطيعة ...ولا الساخرة المستنكرة ...
بل كانت زائغة...متعثرة ...تماماً كروحها الآن !!

_المكتبة عندك جوه ...اختاري اللي انت عايزاه .

جوابه اللبق ألقى الكرة في ملعبها لترمقه بنظرة مشتتة نوعاً قبل أن تعطيه ظهرها لتتوجه نحو الغرفة التي صارت لها ...
قدماها تتوقفان أمام المكتبة الكبيرة حائرة فيما ستختاره ...

بينما تردد هو للحظات قبل أن يلحق بها بخطوات متمهلة ...
عيناه تختلسان النظر لغرفة النوم المجاورة فينعقد حاجباه بقوة مع مشهد المرآة المكسورة ...
والسرير المرتب الذي يبدو أن لا أحد قد استخدمه !!

قبل أن يتحرك نحو غرفة المكتبة ليصدمه منظر الغطاء الذي تم طيّه بعناية على جانب الأريكة !!

_انتِ بتنامي هنا؟!

صوته خلفها أجفلها لتلتفت نحوه بمزيج من غضب وارتباك لكن نظرته المطمئنة التي امتزجت بالكثير من الأسف وهو يدرك مغزى فعلتها جعلتها تتجاهل سؤاله وهي تعود ببصرها نحو الكتب هناك متظاهرة بالبرود ...

فيما ظل هو يتأملها ببصره آسفاً للحظات قبل أن يقترب منها ببطء لتفاجأ به خلفها فالتفتت نحوه بحدة ليقترب من وجهها بوجهه هامساً أخيراً باعتذار قاهراً معه نداء العزة الآثم :
_مش عارف ممكن أعتذر لك إزاي ...أي كلام هيبقى صغير قوي قدام اللي خليتك تحسي بيه ليلتها .

عيناها تتسعان للحظة بانفعال واعتذاره البسيط -المعقد - هذا يربك فكرتها السابقة عنه ...
لهذا ارتجف جسدها لا تدري بأثر قربه...نظراته...أم بأثر هذا الشعور الذي يجتاحها الآن نحوه ...
الشعور الذي قاومته بكل قوتها وهي تسبل جفنيها مغمغمة بإرهاق تسلل عبر النبرة القوية :
_أنا كمان آسفة لو ما قدرتش أشكرك...انت فديتني بنفسك يومها ...وساعدت جدتي في محنتها...أنا عمري ما كنت مهزوزة أد اليومين دول ...يمكن لما يعدوا على خير وأرجع تاني لحضن ستي ثمر أقدر أوزن الأمور صح .

نبرتها المرتجفة بين وهن وقوة اخترقت صدره بهذا الإغواء غير المتعمد الذي لا تشبهها فيه أي امرأة !!
كل ذرة فيه تناشده المزيد من الاقتراب ...
الغرق في هذا الدفء المشع منها دون رغبة في النجاة ...
شفتاه تقطعان السبيل بينهما بشوق لهذين القمرين السجينين في عينيها ...
لعل لقاءهما يحررهما !!
لكنهما تتوقفان بعزم لتحيدان عن وجهتهما نحو جبينها الذي توجته أخيراً قبلة اعتذاره !

انتفض جسدها لملامسته لتعود وقفتها لتحفزها لكنه تحرك مبتعداً ليجلس على الأريكة التي تتخذها هي فراشاً وكأنه أبى إلا أن يلون كل ما يخصها بطيفه !!

رمقته بنظرة طويلة زائغة وهي تشعر أنها تهوي في هذا البئر السحيق أكثر وأكثر ...
تكاد ترجوه الابتعاد ...وتكاد تتوسله القرب!!
وجوهه العديدة تتمايل وتدور بها في دوامة فتخلق معها وجوهاً عديدة لها هي الأخرى...
فمتى تقف عجلة الدوران ليقابل كل منهما الآخر بوجه واحد يستحق الآخر؟!!

تنهيدة حارقة تغادر صدرها قبل أن تعطيه ظهرها لتتناول الكتاب الذي اختارته ...
والذي تحركت به نحوه ليرمقها هو بنظرة راجية ذات مغزى وهو يفتح لها ذراعه السليمة مفسحاً لها مكاناً بين ساقيه بهذه الجِلسة الحميمية التي تركت أثرها بينهما منذ المرة الأولى ...

لم تفاجئها حركته المتوقعة بقدر ما فاجأتها استجابتها !!
كأنما الفعل المهيب الذي كانت تستنكفه صار الآن مجرد عادة !!
أناملها تستسلم لكفه الممدود وهو يجذبها برفق هذه المرة ليجلسها بين ذراعيه ...
ذراعه السليمة تحيط بخصرها من الخلف بمزيج متوازن من تشبث ورفق ...
فيما ذراعه المصابة جوارها تذكرها بتلك اللحظة التي سمعت فيها اعترافاً غالياً -غير منطوق- بمكانتها لديه ...
وكيف لا وقد افتداها بنفسه ؟!!
ساقاه تطوقان ساقيها فتشعر وكأنما اندمجا معاً في جسد واحد ...
مذاق عناقاتهما السابقة كلها يتوالى متبايناً أخاذاً في ذاكرتها ...
لتختمه بمذاق العناق التاسع هذا ...
مذاق "الاستراحة"!!


أجل ...كلاهما الآن كان أشبه بمحارب يحتاج فقط لهدنة قبل أن تطحنه رحى القتال من جديد !!

ربما لهذا سمحت لجسدها أن يستكين بين ذراعيه بهذا الاستسلام الذي شعر هو بها ليضم جسدها نحوه برفق أكبر ...
قبل أن ينتبه لعنوان الكتاب الذي اختارته ...

_نحن لا نزرع الشوك !

همس بها ببعض الدهشة من اختيارها ليجيبه صوتها المنهك الذي احتله شروده :
_أكتر رواية حبيت نهايتها الواقعية ...الخدامة لما حبت سيدها هو حبها بس ما اتجوزهاش...الموت هو الحاجة الوحيدة اللي جمعت بينهم ...لكن طول ما هم عايشين فضلت الخدامة خدامة والسيد سيد ...زمان كنت بتضايق قوي من نهايتها ...كنت بقول لو قابلت الكاتب هسأله ليه ما خلتش الحب يهون الفروق اللي بينهم؟! ...بس كل ما كنت بكبر كنت بفهم إن هي دي النهاية الوحيدة اللي ممكن العقل يقبلها .

نبرتها الانهزامية كانت بعيدة تماماً عن نبض العزة الذي طالما كان يتراقص بين حروفها ...
هذه النبرة التي أثارت حميته ليقترب بشفتيه من أذنيها مسنداً ذقنه على كتفها مع همسه القوي :
_هو فعلاً حبها وعاش ندمان إنه مااتجوزهاش ...هي اللي اتخبّطت كتير قبل ما تختار الطريق الصح .

أطرقت برأسها بعدم اقتناع قبل أن تبدأ في القراءة ...
أو بالأدق ...في الهروب!!

الانسحاب البطيئ لهذا العالم الخيالي من المشاعر حيث تخلع نعليها وتركض حافية بين حقوله ...
صوتها يعلو ويهبط في تناغم لم تتعمده لكنه كان يفعل الأفاعيل بقلبه هو حولها ...
لم يكذب حين قال إنه يحتاج صوتها هذا !!

تشعر برأسه يتثاقل على كتفها فتخفض صوتها قليلاً لتدرك أخيراً من تباطئ أنفاسه المنتظمة أنه قد.... نام !!
ابتسامة خافتة شقت طريقها نحو ثغرها المنهك ودون أن تشعر وجدت رأسها يميل ليستند على كتفه ...
قبل أن تسقط في النوم هي الأخرى ...
النوم الذي لم تذقه منذ مصابها بثمر ...إلا الآن بين ذراعيه !!
=====
فتح عينيه فجأة وهو يشعر بتنميل في ذراعه السليمة حيث سقط رأسها على أعلاه ليشعر بالدهشة لأول وهلة قبل أن تحلق ابتسامة راضية على شفتيه ...
هي نامت بين ذراعيه !
هكذا ببساطة ؟!
شعوره بهذا القرب منها ألهب الدماء بين عروقه خاصة وطوق جلبابها -الغريب هذا - ينحسر عن عنقها الطويل وجزء من كتفها لتبدو له بشرته الناعمة ساحرة ...بل أخاذة ...
المزيد من الجنون يجتاحه مع مرأى ثلاث شامات متناهية الصغر تصنع مثلثاً صغيراً على طرف كتفها المقابل لصدره فلا يشعر بشفتيه وهما تنحدران فوقها بخفة تتذوقانها قبل أن يحاول إزاحة طوق الثوب أكثر بأنفه محاولاً استكشاف المزيد دون تغيير جلستهما هذه ...
يستحضر صورتها ب-تلك الليلة الكارثية- وقد أشرقت شموس أنوثتها التي طالما تخفيها وسط ظلام تحفظها معه ..فيزداد خفقان قلبه وتعلو وتيرة الجنون على الشفاه الجامحة...

لكنه يتوقف فجأة !
يتوقف ليرمق جانب وجهها النائم المقابل له بنظرة مستاءة آسفة وقد كره أن يستغل نومها لينال منها شيئاً دون رضاها .
هي لم تكن لتستسلم للنوم بين ذراعيه هكذا إلا لو كانت تأتمنه وهو لم يخن يوماً من استأمنه !

المقاومة صعبة حقاً خاصة ومظهرها المستسلم هذا بين ذراعيه في نومها -والبعيد عن تنمرها المعتاد -يمنح ملامحها المزيد من الجاذبية الكاسحة ...
لهذا لم يشعر بنفسه وذراعه السليمة التي تطوق خصرها تزيد من قوة ضمها نحوه كأنما يريد غرسها بين ضلوعه في ردة فعل لاستجابة جسده الحسية لها...
زفرة حارقة تغادر صدره أخيراً ليلفح لهيبها بشرتها هي خاصة مع ضغط ذراعه على خصرها فتنتبه فجأة من نومتها لترمقه بنظرة مشتتة ...
"القمران السجينان" في عينيها يبدوان أكثر تألقاً بهذا القرب خاصة وأهدابها الثرية ترفرف حولهما باضطراب فيحتاج ما يفوق قوة احتماله كي يسيطر على نفسه ...
لهذا أغمض عينيه بقوة وهو يزيح ذراعه عنها لتعدل هي جلستها فتبتعد عنه مسافة مناسبة قائلة بارتباك صوت لايزال متعثراً بنعاسه :
_احنا نمنا ؟!

فيفتح عينيه ببطء ليطالع ملامحها المرهقة لبرهة وقد حمد لها ابتعادها هذا عنه قبل أن يفقد سيطرته... ليهمس أخيراً بنبرة ذات مغزى:
_احنا ...صحينا.

عيناها تستكشفان ملامحه بذكائها المعهود وكأنما تقرأ ما يريد قوله قبل أن تتنحنح بخجل فطري لون وجنتيها لتشيح بوجهها ...
فابتسم وهو يحاول استدراجها لسبب استسلامها للنوم بين ذراعيه هكذا بقوله:
_معلش ...المسكنات اللي باخدها بتخلليني أنام من غير ما أحس ...شكلي صعبت عليكِ ما حبتيش تقلقيني .

تغاضت عن طيف المكر في نبرته الرخيمة الآسرة و الذي لاح حول كلماته الأخيرة لتحاول استعادة توازنها قائلة بصوت متحشرج :
_أنا كمان نمت غصب عني ...بقالي تلات أيام تقريباً ما نمتش ...

قالتها ثم هبت واقفة تعطيه ظهرها مكتفة ساعديها كأنما تريد الفرار من هذا المارد الذي يعيث فساداً في جنبات صدرها ...
ليقف هو بدوره وقد انفلتت منه أنّة متوجعة خافتة جعلتها تتذكر مصابه فاختلست نظرة جانبية نحوه لتعود لصوتها لهجتها العملية الجافة :
_المفروض تروّح ترتاح .

لكنه اقترب منها متجاهلاً جفاف عبارتها ليرفع أنامله ببطء نحو وجهها وعيناه الآسرتان تجذبان نظراتها بغموض غيّبها لثوانٍ مع همسه الذي فاجأها:
_مش لابسة حلق ليه ؟!

لم تدرك ما يقوله لبرهة إلا عندما شعرت بسبابته تسير ببطء متمهل حارق فوق حافة أذنها كأنها ترسمها ...
فأغمضت عينيها بقوة وهذه القشعريرة الباردة تسري في جسدها متزامنة مع رقصات سبابته التي استمرت في سيرها بطول عنقها حتى وصلت لجيدها ...
ففتحت عينيها فجأة لتبتعد عنه خطوة للخلف قبل أن تأخذ نفساً عميقاً لترد بنفس النبرة الجافة :
_مابحبش المظاهر .

_بس الستات كلها بتحب الزينة .
كلماته لم تحمل استنكاراً بل بدا وكأنه يسحب بحبل رفيع دلواً من بئر كتمانها العميق ...
هذا الذي فاضت به كلماتها بعدها :
_زينتي مش في جمال ولبس ...زينتي في عقلي وطموحي .

_يوم ما هتحبي بتجد ...هتدوري إزاي تتزيني للراجل اللي اخترتيه .

صوته الرخيم بكلماته التي تداعب وتر أنوثة خفية بداخلها لم ينجح في تغيير نبرة صوتها التي حملت الكثير من التحدي مع استطرادها:
_ما بقولهاش كده ...بقول لما اختار راجل أحبه هختاره عشان محدش غيره قدر يشوف زينتي اللي مخبياها.

ابتسامته تتسع وعيناه تلتمعان أكثر مع هذا الشعور الذي يتضخم بصدره أكثر ليقترب منها خطوة قبل أن يهمس بنفس النبرة التي تسربت منها رغماً عنه عاطفته الخفية :
_يعني هتختاريه عشان هو اختارك وبس ؟!

شرود غريب يظلل ملامحها المنهكة قبل أن يصله صوتها الكسير رغم عزته :
_انت عايز توصل لإيه ؟!

فاقترب منها خطوة أخرى ليحتكر نظراتها بهمسه الدافئ:
_مؤقتاً ...عايزك تسمحيلي ألبسك حلق !

ابتسامة ساخرة تظلل شفتيها اللتين زمتهما بعدها بقوة لتغمض عينيها بتساؤلها :
_وبعدين؟!
_تسمحيلي أقرب منك أكتر ...
قوله يتزامن مع خطوة أخرى نحوها ليردف ومرأى عينيها المغمضتين يثيره أكثر :
_ممكن تقوليلي شايفاني إزاي؟!

صمت قصير ساد بينهما حتى ظنها لن ترد ...
لتصله كلماتها بعدها شديدة الأثر كأنما كل حرف منها يثقب روحه بنقش لن يزول:
_شايفاك بير مهجور غويط متغطي بورق شجر...اللي يبص له من بعيد يتخدع فيه مايفوقش غير وهو بيقع ...

كاد يرد على عبارتها لكنه خشي أن يفسد لحظة اعتراف نادرة كهذه ...
فاكتفى بصمته يستمع لما تبقى من بوحها ولاتزال مغمضة العينين :
_شايفاك عكسي قوي ...بس شبهي قوي ...نفس حِمل الماضي اللي شايلينه على ظهرنا...لا عارفين نرميه ورانا ونكمل طريقنا...ولا قادرين نكمل سكّتنا بيه ...فواقفين مكاننا وفاكرين اننا ماشيين ...ومستغربين ان الطريق كل شوية بيطول !

تعبيرها كان شديد البساطة ...شديد العمق ...تماماً مثلها !!
أي جاذبية هذه التي تملكها امرأة كهذه فلا يشعر بنفسه في كل لحظة إلا وهو يغرق بها أكثر!!!
شعوره بها واضح...صارخ...لا يحتاج تأويل ...
لكنه ينكره بغرور رجل يصرّ أن يراه مجرد "إحساس مبهم "!!!
لهذا وجد لسانه ينزلق بما ظن أنه ينجيه :

_ممكن نبقى... أصحاب !

الكلمة الأخيرة تلكأت بها شفتاه لا بدافع المكر بل بدافع الحيرة !
العجز "الغريب" على رجل طالما أعجبته قدرات ذاته !!


لهذا طعنته كلماتها بعدها في الصميم :
_أصحاب؟! مش دي نفس اللعبة اللي لعبتها مع ياسمين قبل ما... ؟!

قطعت كلماتها بازدراء دون أن تكملها ...
فانعقد حاجباه بغضب للحظة ثم اختصر المسافة بينهما ليحيط مؤخرة عنقها بكفه قبل أن يقرب وجهها منه بسرعة جعلتها تشهق بخوف لم تملكه ...
ليهمس من بين أسنانه :
_أولاً ...أنا ما كنتش بلعب مع ياسمين ...أنا فعلاً كنت عايز أتجوزها ...

تباً لهذه الغيرة التي تحرق الآن صدرها بلا رحمة !!
اعترافه الحار بهذه الصورة ...بهذا العنف وهو يقربها منه -بجسدها- لم يكن يزيد -قلبها- إلا شعوراً بالبعد ...
كأنما صارت منه ما بين المشرق والمغرب!!

لهذا عادت تغمض عينيها بقوة تخفي رقرقة دموعهما غافلة عن فضيحة ارتجاف جسدها الصارخ بمشاعره ...
لكن هذه الدمعة الخائنة تسربت عبر أهدابها لتظل سجينة هناك على طرف جفنها ...
هذه التي مسحها هو الآن بطرف إبهامه ولايزال يطوق مؤخرة عنقها براحته ...
ليهمس لها أخيراً بنبرة أكثر رقة...أكثر دفئاً...وأكثر صدقاً :
_ثانياً...ما تقارنيش نفسك بأي ست تانية ...لأني عمري ...عمري ما حسيت مع أي واحدة اللي حسيته معاكي .

شفتاها ترتجفان بهذه الطريقة المغرية التي تكاد تذهب بعقله خاصة وهي تغمض عينيها هرباً ...
أجل ...هو كان من الذكاء أن يدرك كم تجاهد نفسها لتهرب منه ...
تماماً كما كان من العزم أن يقترب هو منها !

أما هي فكانت تشعر أنها على وشك السقوط بعد سماع اعترافه ...
بهذه الحرارة...وبهذا القرب!!
السقوط الذي لن تسمح به أبداً لو صدقت أضغاث قلبها هذه !!

_اخرج ...دلوقت...يا اما ...هاخرج أنا .

صوتها القوي يجاهد كي يغادر شفتيها وسط أنفاسها اللاهثة ليشعر بالشفقة نحوها ...
ربما لو كانت في ظروف غير هذه لاستمتع بنزالهما المعهود ...
لكنه يدرك أن تقاربهما هذا يحرقها كما يحرقه !

لهذا زفر زفرة عالية وهو يطلق سراحها أخيراً قبل أن يجذبها من مرفقها ليتوجه بها نحو الأريكة التي دفعها لتجلس فوقها برفق وسط نظراتها المترقبة ...
ثم مد يده يناولها الغطاء هناك قائلاً بنبرة عاد إليها تسلطها :
_نامي كويس عشان تقدري ع اليوم بكرة ...هاعدي عليك العصر نروح لهمسة ...ممكن تروحي لهيثم الصبح .

فأشاحت بوجهها عنه كأنما قد ساءها أن يملي عليها أمراً قبل أن تسمع صوت خطواته يبتعد لينتهي الأمر بصوت الباب الخارجي يغلق !

هنا فقط سمحت لجسدها المتشنج أن يسترخي على الأريكة لتدثر نفسها بالغطاء ...
عطره اللعين يحتل كل ذرات الهواء حولها فيمتزج بأنفاسها اللاهثة ...
وشعور رهيب ب"البرد" يجتاحها وهي تسترجع لذة دفء عناقه ...
تغمض عينيها بقوة على صورته بينما كلماته تعاود الطفو على سطح هواجسها ...

"عمري ما حسيت مع أي واحدة اللي حسيته معاكي"...

تراه كان يعنيها حقاً ؟!
أم أنها "عبارة ما " تشبه ما سمعته "أشواق" قديماً فصدقتها لتسقط بعدها في قاع بلا قرار؟!!
======
تقف في بهو البيت المتسع عقب عودتها من المشفى- حيث هيثم الفاقد لذاكرته -ترمق المكان حولها بذهول لم تغادره صدمته بعد ...
هي "جيلان هانم" التي كان يتحدث القاصي والداني عن حب زوجها لها ...
عن النعيم الذي ترتع فيه !!
الآن صار كل هذا هباء منثوراً!!
هي لم تكن أكثر من مغفلة مخدوعة !!

انهمرت دموعها بعدها بحرقة وهي تنهار على أقرب مقعد لا تدري ما الذي تبكيه بالضبط...
زوجها ...خيانته ...رحيله بهذه الفضيحة المدوية ؟!
ابنها ومصابه ؟!
أم هذه "الدنيا الوردية الكاملة" التي طردت منها بركلة قدم لتجد نفسها مجرد خاسرة مخدوعة !!

كانت تحتاج الآن للحديث مع أحدهم ولم تجد أقرب من صديقتها المفضلة التي تسر إليها بحديثها لهذا تناولت هاتفها لتتصل بها وما كادت تسمع صوتها حتى هتفت بين دموعها:
_انتِ فين يا سوزان وسايباني في المصايب دي لوحدي؟!

زفرة سوزان الحارقة تصلها عبر الهاتف لترد بقنوط بعد اعتذار مناسب:
_ومين سمعك ؟! أنا كمان في مصيبة !!

الصديقتان تتبادلان الأحاديث والسلوان لدقائق طالت وكل منهما تبوح للأخرى بمصيبتها التي تراها ...
حتى ظهر اسم ياقوت عرضاً في حديث جيلان لتلتمع عينا سوزان وهي تتذكر تلك الطبيبة المتعجرفة - كما تراها - لتسأل صديقتها بحذر:
_قلتيلي بنت جوزك اللي ظهرت فجأة دي بتشتغل إيه ؟!
_ما تقوليش بنته دي بتعصبني !!
صرخت بها جيلان بعصبية لتهدئها سوزان باعتذارها قبل أن تلتمع عيناها بإدراك وهي تستمع من صديقتها لما أكد لها الحقيقة ...
إذن ياقوت هذه ابنة حسين من الخادمة !!

ابتسامة ساخرة متشفية ترتسم على شفتيها وهذه المفاجأة تمنحها ورقة رابحة !
لكنها حافظت على هدوء نبرتها وهي تغلق الاتصال مع جيلان بكلمات مواساة واعدة إياها بزيارة قريبة ...
قبل أن تتسع ابتسامتها وهي تتناول حقيبتها القريبة وقد قررت الخروج في زيارة كانت تراها ثقيلة الظل على قلبها ...
لكن الآن ...المعلومات الأخيرة ستزيدها إثارة !!
======
_حمداً لله على سلامتك !
قالتها سوزان بينما زين يستقبلها في "بيت الفايد" ببرود لم تتعجبه بعد موقفهما الأخير ليرد هو بنبرة أظهرت تحفزه :
_الله يسلمك .
رده البارد يزيد حماستها لما جاءت لأجله لكنها تتعمد تأجيل الأمر بسؤالها:
_ماعرفتش مين اللي ورا الحكاية دي؟!
_لسه...بس أكيد هاعرفه !
بنفس البرود يجيب وهو يكاد يوقن أن خلف زيارتها هذه شيئاً ...
خاصة عندما هتفت بعجرفتها القاسية :
_لازم تعرفه ...لو مش عشانك فعشان رائد اللي بتصادف كل مرة ويبقى معاك .

زفر زفرة ساخطة وهو يدرك إلى أي طريق يقود هذا الحوار ...
هكذا إذن ؟!
هي جاءت تلومه على تورط ابنها معه في شأن كهذا ؟!

بينما كانت هي تشعر ب"الغُبن" وهي ترى كيف صار ابنها فجأة الضحية ...
هو يعمل لأجل زين ...يخاطر معه بحياته...وفي النهاية يتزوج أخته العليلة ليربط مصيره بها ...
وكأنما أنجبته ليكون كبش الفداء لزين هذا !!
ألا يكفي ما فعله أبوه بها قديماً والآن يأتي ابنه ليقتطف حصاد كل هذه السنوات وحده ويخرج ابنها "من المولد بلا حمص" كما يقولون إلا من زوجة معيبة تكاد تذهب بعقله هو الآخر!!

_اطمني ...رائد خلاص ما عادش بيشتغل معايا .
قالها محاولاً دفع اتهامها لترد بنفس الغطرسة :
_مجرد جوازه من أختك دي هيخلليه دايماً في دايرة وجودك...لو فعلاً عايزني أطمن عليه خلليه يطلقها .

_أخلليه يطلقها ؟! هو أنا اللي خليته يتجوزها؟! ابن حضرتك مش قاصر يا سوزان هانم ...ولو فيه حد متضرر من الجوازة دي المفروض أبقى أنا مش انتِ ...لكن أنا مضطر أقبلها عشان مصلحة همسة وعلاجها .
قالها بنبرته الباردة المسيطرة لترد هي بسخرية :
_آه ! علااااجها؟! ومين بقا اللي أفتى إن علاجها مع ابني ؟! الدكتورة "الجربوعة" دي!!

احمر وجه زين غضباً ليصرخ بها بانفعال :
_قلت لك قبل كده ماتغلطيش في ياقوت ...كلمة زيادة وهاعتبر الحوار منتهي.
عبارته كانت تلميحاً واضحاً بالطرد لكنها تجاهلت هذه الإهانة وانفعاله هذا يؤكد صحة حدسها ...
لتهتف بما جاءت حقاً لأجله :
_وانت بقا عارف كل حاجة عن الدكتورة "العظيمة"دي؟! عارف إنها بنت حرام لحسين رجائي من خدامته قبل ما يكتب لها ورقة ويرميها في وشها ؟! عارف مين هو حسين ده ؟! فلوسه منين ؟! ومات إزاي ؟! عارف إن جدتها قتلته وهي دلوقت في السجن ؟! هي دي بقا الدكتورة المحترمة اللي انت سايبها تدخل بيت ابني عشان تعالج أختك ؟!

الغضب يلجمه للحظات وهو عاجز عن الرد ...
لتلتمع عيناها بانتصار خفي وهي تشعر بتفوقها !!
لو كانت هذه الطبيبة من المهارة حقاً أن تعالج همسة فلن تسمح لها بالمزيد !!
ابنها لن يبقى مع همسة هذه ولو على جثتها !!

_حتى لو اللي بتقوليه ده صح ...ده ما يعيبش ياقوت نفسها في حاجة ...اللي يهمني إنها تعالج همسة وبس...وأظن ده نجحت وبتنجح فيه .

قالها ببرود مشتعل محاولاً السيطرة على أعصابه لترمقه هي بنظرة طويلة متفحصة قبل أن تداعب أناملها خصلات شعرها الأصفر المصبوغ
بقولها :
_ياريت فعلاً يبقى كل اللي هامّك إنها تعالج همسة وبس ...واللي في بالي مايكونش صحيح !

كز على أسنانه بقوة لتخرج كلماته قاسية فظة :
_من امتى زين الفايد بيسمح لحد يتدخل في حياته ؟!
_أنا مش حد ...أنا مراة عمك ...وابني يبقى جوز أختك ...انت اللي شبكتني مع "البنت دي" في دايرة واحدة ...وحقي أقول مش عايزاها تعالج همسة ...مش مآمنة واحدة بالسمعة دي على "مراة ابني"!!

ضغطت بحقد واضح على حروف العبارة الأخيرة ليرفع زين سبابته في وجهها قائلاً بنفس النبرة :
_أنا لحد دلوقت محترم قرابتنا يا هانم ...لكن موضوع همسة وياقوت ده خط أحمر بالنسبة لي ...مش هاسمح فيه بحرف واحد زيادة .

ثم نظر في ساعته ليردف بنبرة أكثر برودة :
_مضطر أمشي دلوقت عشان عندي معاد مهم مع الوزير ...لو حابة تفضلي هنا البيت بيتك طبعاً .

عبارته كانت تحمل معنى الطرد الصريح هذه المرة لكنها ابتسمت ببرود وهي تقترب منه لترد ببرود مماثل:
_طبعاً البيت بيتي ...وبيت مراة ابني ...

تحكم زين في انفعاله بالمزيد من العسر ليرمقها بنظرة مشتعلة قبل أن يراقبها وهي تعطيه ظهرها لتغادر لكنها توقفت للحظة قبل أن تلتفت نحوه لترد بتهكم قاس:
_ما تنساش يا "زين بيه" وانت عندك معاد مهم مع الوزير ...إن ظهورك مع واحدة زي ياقوت دي- اللي جيت معاها في عربيتك على بيت رائد يومها- ممكن يدخللك في إشاعات مالهاش لزوم ...ممكن الجديد يصحي القديم...يعني ...مثلاً ...يقولوا ...الولد طلع لأبوه ...ضحكت عليه بنت "هلفوتة" عشان تطلع منه بقرشين ...أبوك اتورط زمان ببنت كانت فضيحة العمر كله ...ياريتك تتعلم انت بقا وما تتورطش.

كانت من الذكاء أن تدرك أنها تصيب نقطة ضعفه القديمة في مقتل !!
ملامحه التي تجمدت ...جسده الذي تصلب ...وعيناه اللتان غابتا في الفراغ للحظات ...
كل هذا جعلها ترقق لهجتها لتردف بتعاطف مصطنع :
_كلام الناس مابيرحمش ...والإشاعة لما بتطلع ما بتقفش!

انتبه من شروده ليرمقها بنظرة مشتعلة إزاء تهديدها المستتر لكنها منحته ابتسامة كريهة أخرى قبل أن تتركه لتغادر دون أن تلتفت .

بينما وقف هو مكانه بعدها يرمق الفراغ بنفس النظرة المشتتة ...
حديث المرأة البغيض على قسوته يحمل الكثير من الصحة !
ماذا يريد من ياقوت ؟!
وما آخر هذا الشعور المبهم الذي يحمله نحوها ؟!
هل يريدها زوجة ؟!
زوجة حقيقية يواجه بها الجميع !!
سيدة لهذا البيت تدخله عروساً مزينة على مرأى من الدنيا كلها !!
قلبه يرتجف بسعادة خفية لهذا الخاطر ...
لكن عقله يقف له بالمرصاد !!
حسابات المنطق تختلف كثيراً عن أحاديث القلوب "الخائبة " هذه !!
ياقوت لن تكون يوماً نجمة لعالمه ...
هي مجرد غزال شارد وجد حاجته في مراعيه ولن يرتاح كلاهما إلا لو عاد لعالمه ...
"الدائرة المغلقة" التي وجد كلاهما نفسه فيها مع صاحبه يجب أن تفتح يوماً ...

زفرة حانقة ترافق خاطره الأخير الذي قبض قلبه بشعور كرهه ...
ممزق هو بين إحساس يختبره معها لأول مرة بهذا العمق الذي لم تسبقها إليه امرأة من بين نساء العالمين ...
وبين براهين عقل لم تخنه يوماً حساباته الذكية ...

ولما كان الصراع بينهما أقوى من أن يحتمله حتى رجل مثله ...
أخذ قراره الأخير بالسفر في هدنة قصيرة لعل قطاره بعدها يصل للمحطة الصحيحة !
========
راقبت ياقوت جانب وجهه الشارد بتفحص وهي تقف معه في كوخ همسة الذي غادرته الأخيرة معصوبة العينين لتسير في نزهة في الحديقة مع رائد .
رائد الذي تعمد أن يبتعد بها كي يتيح لهما مساحة من الخصوصية أدرك بحدسه أنهما يحتاجانها خاصة مع خبر سفر زين الذي برره له بضرورة لأجل العمل .

_همسة بتتحسن كل يوم أكتر من الأول .
غمغمت بها بخفوت وهي تناوله "بيضة" رسمت عليها وجهاً يضحك لكن دون أن تكتمل ضحكته التي تركتها معلقة في المنتصف!

هذه التي التفت نحوها هو ليتناولها منها متأملاً إياها ثم وضعها جانباً ببطء متمهل قبل أن يرفع إليها عينيه بنظرة غريبة لم تميزها فيهما من قبل ...
اعتذار ...عجز...غضب...
مثلث غريب تدرك جيداً أي قسوة تخفيها أضلاعه لهذا لانت ملامحها نوعاً وهي تسأله بقلق:
_شكلك مش طبيعي...فيه جديد ؟!

قالتها وقد ظنت أن الأمر يتعلق بهذا الحادث الذي تعرض له قريباً لكنه بقي يرمقها بهذه النظرة "الكارثية" للحظات قبل أن يغمغم :
_أكتر حاجة حاولت أحافظ عليها طول عمري إن حياتي مايبقاش فيها جديد ...ماكرهتش أبداً أد المفاجآت...عشان كده كل حاجة عملتها كنت بعرف أخطط لها صح ...صح جداً ...

النبرة التي كان يتحدث بها لم تكن تحمل غروراً متوقعاً كما يفترض...
بل كانت تنضح بنكهة "خسارة" خفية لم تفهمها ...
ربما هذا الذي جعلها تقترب منه خطوة لتهمس له بالمزيد من القلق:
_فيه إيه ؟!

حروفها المرتجفة على قلتها أرجفت قلبه بقوة شعوره بخوفها عليه ...
لهذا التوت شفتاه بما يشبه الابتسامة وهو يسألها بنفس النبرة الغريبة :
_خايفة عليّ؟!

كان يعلم أن سؤاله سيبقى معلقاً بلا جواب مع خبرته بطبيعتها الكتومة ...
لهذا تقبل الصمت بينهما للحظات قبل أن يعود لشروده مع قوله :
_آخر ست خافت عليّ كانت والدتي الله يرحمها ...كنت بتخنق جداً من خوفها ده ...ماتاكلش ده...ماتلبسش ده ....ارتاح عشان ماتتعبش...ماكنتش بقدر أفهم علاقة الحب بالخوف ...لحد ما هي اللي تعبت وجربت إني أنا اللي أخاف عليها ...أنا اللي بقيت أقوللها ماتاكليش ده ...ما تلبسيش ده...ارتاحي عشان ما تتعبيش ...

كلماته وخزت جانب أمومتها الذي تستشعره جلياً نحوه ...
خاصة عندما اتسعت -شبه الابتسامة- على شفتيه مع استطراده :
_بس بعدها اتعلمت إن خوفها وخوفي ماعملوش حاجة ...إن حسابات القلب دايماً خسرانة ...هي حبت والدي وادته حياتها ...وهو حب غيرها واداها حياته ...الاتنين خسروا لما سمعوا صوت قلبهم وبس...عشان كده لو فيه حاجة في حياتي خلتني أنجح وأوصل فهي إني عمري ما سمعت غير صوت حسابات عقلي وبس!

_أول مرة نتفق في حاجة .
قالتها باستحسان مصطنع رغم هذه القبضة الباردة التي تعتصر قلبها وتخبرها أن ثمة شيئاً ما ليس على مايرام ...
شيئاً يتعلق بها هي!!
هل يقصدها بحديثه ؟!!

عيناهما تعاودان اللقاء بهذا الحديث غزير المعاني الذي تبخل عنه الشفاه ...
قبل أن تشعر بأنامله تقترب من وجهها لتزيح عنها حجابها برقة فتحفزت خلاياها لما سيفعله ...

يخرج من جيبه علبة صغيرة يفتحها أمام عينيها لترى هذا القرط الفخم بلون الياقوت ...
هذا الذي ألبسها إياه وسط دوامة شعورها الغامض المقبض الذي اكتنفها وقتها والذي لولاه لرفضت هديته دون تردد !!

ترمقه بنظرة مشتتة وهي تشعر أنها تفقد معه جزءاً من نفسها يوماً بعد يوم ...
كهف غائر في حدقتيه يجتذب خطواتها لتتوه فيه دون دليل !!

بينما ظل هو يتأمل القرط في أذنيها للحظات قبل أن تشعر بذراعاه تجتذبانها نحو صدره فجأة !

العناق العاشر ...
بأي مذاق هذه المرة !!
لماذا تشعر أنه بنكهة "الفراق"؟!!
أجل ...ذراعاه كانتا تعتصرانها بهذه الطريقة وكأنه يحفر ملامحها بين ضلوعه مدخراً عبقها لليالي فراق آتية !

خاصة عندما تجرأت شفتاه لتقبل "قرطه" فوق أذنيها بهذه الطريقة التي أشعرتها وكأنها أثمن كنوزه ...
قبلته لم تكن عميقة حارة بل اتشحت برهبة خفية كأنما تلامس شفتاه شيئاً يقدسه ...ويخافه !!
ارتجف جسدها بقوة قبل أن تبعده بكفها لتعطيه ظهرها وهي تعدل وضع حجابها من جديد مراقبة الباب بخوف ...
هذا الشعور -القاتل- لامرأة بعزتها والذي جعلها تلتفت نحوه لتهتف بحدة :
_ممكن تراعي المكان اللي احنا فيه ؟! ممكن تبطل تلمسني كأن ده من حقك ؟!

ثم امتدت أناملها تحت حجابها كأنما تهم بخلع قرطه لكنه قبض على كفيها براحتيه ليهمس لها أخيراً بنبرة أخافتها :
_فعلاً مش من حقي ...أرجوكِ ما تقليعهوش ...
ثم لحظة ليردف :
_الدايرة اللي بيننا خلاص...قربت تتفتح ...قريب قوي هتكوني حرة ...خلليه ذكرى منى تفكرك باعتذار لحد دلوقت مش قادر أقدمه صح.

امتلأت عيناها بالدموع التي وجدت صداها في عينيه هو الآخر قبل أن يشيح كل منهما بوجهه ولايزال كفاه يقبضان على كفيها ...
هل قالها حقاً؟!
هل سيطلق سراحها من هذا "القفص الماسي" الذي اعتقلها فيه ؟!
هل ستتخلص من هذا الإحساس الرهيب بالخزي وتواجه ثمر مرفوعة الرأس من جديد ؟!
هل انتصرت على سلطان غروره وهوسه بتملكها ؟!!
لماذا إذن تشعر بغصة الهزيمة في حلقها وكأن الشمس لن تشرق في عالمها بعده ؟!!

لا!!
لن تسمح لهذا الوهن أن يتملك منها أكثر!!!
الرجل يتحدث عن حسابات العقل والمنطق لا عن كلام القلوب "الخائب" بزعمه ...
هو محق وهي تشكر له هذا على أي حال !!

لهذا استدعت كل ذرة قوة تملكها لتحرر كفيها منه قبل أن تقول له برضا مصطنع:
_كويس جداً...متشكرة إنك احترمت كلمتك رغم كل شيئ ...هتطلقني امتى؟!

لهجتها العملية لم تخدعه وهو يراقب "القمرين السجينين" في عينيها يعاودان اختباءهما حول غيوم من ألم ...
ألم لم يكن يقل عن وجع صدره هو الذي تجاهله ليقول بنبرة باردة :
_أنا مسافر شهر برة مصر ...لما أرجع هاكلمك ونخلص الموضوع ...بس هاتفضلي تكمللي علاج همسة عادي .

فاغتصبت ابتسامة باردة لتزيد من شعورها المتصنع بالرضا قائلة :
_أكيد طبعاً ...

ثم تنحنحت لتبتلع غصة حلقها بينما تتحرك لتفتح حقيبتها وتستخرج منها مفتاحي الشقة اللذين ناولتهما له قائلة :
_أخويا وفر لي سكن مناسب ...مابقيتش محتاجاها ...شكراً .

قالتها متذكرة حديثها الصباحي مع إسلام -بعد زيارتها لهيثم في المشفى- والذي عرض عليها شقة قريبة بعدما علم عن ظروف عملها الذي تركته ...
فاكتسح الضيق ملامحه لوهلة قبل أن يعود ليكسو وجهه بالبرود قائلاً:
_مادام لسه مراتي يبقى خلليهم معاكي للظروف ...أنا مش هابقى هنا وما اضمنش تحتاجيها في أي وقت .

قالها وهو يفتح كفها ليقذف فيهما المفتاحين بعصبية تناقض هذا الصقيع على ملامحه لكنها ابتسمت بنفس البرود لترد له المفتاحين بنفس الحركة قائلة :
_جلسة جدتي بعد شهر ...المحامي بيقول إن الحكم هيبقى من أول جلسة بإذن الله ...الوقت ده هاقعده مع إخواتي هنا ...يعني ماعدتش هحتاجها ...خلاص.

قالتها بصوت مكتوم وشى بقرب استسلامها للبكاء قبل أن تردف وهي تشيح بوجهها :
_هاخرج أشوف همسة عشان أمشي .
خطواتها المهرولة سبقت محاولة اعتراضه لتخرج من الكوخ تاركة إياه وحده يراقب ظهرها المنصرف بنظرات تأرجحت بين رغبته فيها ورغبته عنها ...
يتأمل المفتاحين في يده بنظرة طويلة قبل أن يتحرك ليضع أحدهما في حقيبتها المفتوحة ...
بينما تردد قليلاً ليضع الآخر في ...جيبه هو!!
=======
كان يتابع آخر أخبار الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته الكثير من المسلمين في "نيوزيلاندا" إثر هجوم قاده متطرف إرهابي على مسجدين هناك .
هذه الحادثة التي تشغل باله منذ وقوعها من أسبوع كامل لتعيده لجو أسود قديم ظن أنه قد نسيه !!
لا يزال شعور الذنب يطوقه لكنه يحاول جاهداً مقاومته بحمد الله أنه لم يتورط أكثر!!

صوت الأذان من المسجد القريب لبيت عم يامن يقاطع أفكاره فيلقي هاتفه جانباً قبل أن يتحرك بسرعة ليغادر البيت نحوه ...

_الشيخ عابد سيؤمنا الليلة !

قالها الشيخ أبو إدريس بحفاوة يستقبله في المسجد مع جمع المصلين ليشعر عابد بهذا المزيج من الاعتزاز والخجل نحو هذا الشيخ الجليل الذي تعلم منه الكثير حقاً منذ قدم إلى هنا ...
لهذا هتف بارتباك واضح:
_كيف أؤمهم وأنت بفضلك بيننا يا شيخنا ؟!
لكن الشيخ ربت على كتفه ليقول بتواضعه الجم :
_لا فضل بيننا إلا بالتقوى والتقوى محلها القلب الذي لا يفطن لسره إلا خالقه ...تقدم للإمامة يا بنيّ فشيخك اليوم مريض.

سمع عابد صوت الأذان الثاني ينادي لإقامة الصلاة جواره فتقدم لموقع الإمام قبل أن يشرع في الصلاة ولايزال ذاك الحادث الإرهابي يسرق منه خشوع أفكاره فيجاهده تارة وينتصر تارة...
لهذا ما كاد يسلم من الصلاة حتى أطال السجود بخشوع مفرغاً خواطر روحه في دعائه ...

وأخيراً رفع رأسه ليلتقي بنظرات شيخه الحكيمة قبل أن ينتبه لخلو المسجد إلا منهما بعدما غادر المصلون ...

_كيف حالك هنا يا عابد ؟!
سؤال شيخه يهيج شجونه فيتنهد بحرارة وهو يتربع في جلسته ليرد بما يؤرق ذهنه من أفكار تفاعل معها الشيخ بإجاباته ليختم حديثه بقوله :
_كنت أعلم أن هذا الحادث سيكون له أثره الخاص في نفسك أنت بالذات ...قلت في نفسي سبحان من يدبر الأمر ...وكأنه رسالة لك ولمن يفكر يوماً مثلك أن التطرف لا دين له ...وأن عجلة الدم عندما تدور لا تفرق بين مذنب و بريئ ...لهذا كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء ...

أومأ عابد برأسه موافقاً ليعاود سؤال الشيخ عن بعض الشبهات التي كانوا يلقونها على مسامعه يوماً ليرد الشيخ بعلمه وفطنته عليها بأدلته بما صح من الكتاب والسنة ...
حتى افتر ثغر عابد عن ابتسامة راضية قبل أن يميل على شيخه ليقبل رأسه بإجلال قائلاً:
_بارك الله في علمك يا ...
_انجدني يا شيخ !! انجدني!!
هتاف رابحة التي دخلت لتوها المسجد يقاطع عبارته فيرتفع حاجباه بدهشة للحظة وهو يراها تندفع عدواً لتنكب على كفي الشيخ تقبلهما بين دموعها الراجية ...
_محدش غيرك هينجدني!

سحب الشيخ كفيه منها ليستغفر بصوت مسموع قبل أن يحاول تهدئة صراخ الفتاة البائسة والتي يعلم الجميع عن مأساتها بعدما حدث ...

_رابحة ...مش قلتلك ما تجيش هنا!

هتاف لجين الملتاع يصدح فجأة وقد وقفت على باب المسجد من الخارج تلطم خدها برفق وهي تتلفت حولها ليلتفت نحوها عابد ملتقطاً تفاصيل ملامحها قبل أن يغض بصره وقد غلبه فضوله خاصة عندما هتفت رابحة بين دموعها :
_أهلي عايزين يجوزوني غصب لراجل أكبر من أبويا ...بيقولوا سترة ليا بعد الفضيحة اللي حصلت ...أنا ذنبي إيه يا شيخنا ؟! والله ده ظلم !!

حوقل الشيخ بأسف وهو يقوم من مجلسه ليخاطب الفتاة وقد رقق لهجته ليردف بالعامية -يسيرة الفهم - على الفتاة :
_ما تسيبيش البيت كده تاني أبداً مهما حصل ...أهلك خايفين عليك بس دماغهم مش جايبهم غير لكده ...ما تقلقيش يا بنتي ربك يدبرها من عنده ...وأنا لي كلام مع أبوك ...الصباح رباح.

مسحت رابحة دموعها وقد منحها وعد الشيخ الكثير من السكينة فهي تدرك عظم منزلته عند أبيها ...
بينما تحرك الشيخ ليغادر المسجد معها نحو لجين التي وقفت مكانها تراقبهما بوجه سوده همه ...

_مفيش أخبار عن الحاجة ثمر؟!
سألها الشيخ باهتمام لترد بصوت متحشرج:
_ياقوت زارتها بتقول كويسة ...بس ...ادعيلها ياشيخنا!

انهارت بنحيبها المرتفع بعدها ليتنهد الشيخ بأسف وهو يرفع صوته بالدعاء لها ...
فيما انتبه عابد لحقيقة شخصيتها بعدما سمعه !
هذه إذن إحدى حفيدتي الحاجة ثمر التي عرف قصتها من يامن!!
المرأة الصالحة التي لا حديث لأهل البلدة منذ مصابها إلا عن فضائلها !!
والتي ساق لها القدر ذاك المجرم في عقر دارها لتقتله بيديها نكالاً على القديم والجديد!!

نظرة فضولية أخرى نحو لجين جعلت ابتسامة خافتة تتسرب لشفتيه وملامحها تذكره بخطيبته الماليزية الراحلة ...
ذاك الجمال المميز بسمار البشرة وضيق العينين مع الشفاه التي تميل للغلظة...
لقد ظن أنه لن يقابل ملامح كهذه هنا في مصر لكن يبدو أن هذا البلد يتميز بتباين الملامح كما كان والده رحمه الله يخبره دوماً !
لاحظ أنه أطال النظر نحوها فعاد يغض بصره من جديد ليسمع وصايا الشيخ لها ولرابحة الصغيرة بالصبر وحسن الظن بالله ...
قبل أن ترحلا معاً نحو بيت رابحة الذي فهم من حديثهما أن لجين تقيم معها فيه أغلب الوقت كي تعتني بالفتاة بعدما حدث لها ...

ابتسامته تتسع بالمزيد من التقدير لهذه المرأة التي صار يعرف الكثير عن مأساتها ...
قبل أن ينهض من مقامه وقد قرر أن يصلي ركعتين لقضاء الحاجة ...
لأجل تفريج الكرب عن المرأة التي ألقى الله محبتها في قلوب الجميع ...
ثمر!
=======
_خلاص بقا يا رابحة...الشيخ كلم أبوكي ورجع عن اللي في دماغه ...بتعيطي لسه ليه ؟!
هتفت بها لجين بتعاطف لرابحة وهما تجلسان في غرفة الأخيرة التي مسحت دموعها لتهطل أخرى بينما تهتف بألم :
_صعبان عليا نفسي قوي ...أمي ما بتكلمنيش من يوم اللي حصل كأني عاملة عملة...وأبويا مابيخرجش م الدار من كسوفه من أهل البلد ...كل ده والراجل المجرم ده - الله يجحمه مطرح ما راح - مالحقش يعمل حاجة وحشة...امال لو كان ..؟!

قطعت عبارتها وهي ترى أثر كلماتها على وجه لجين لتردف متدراكة نفسها وهي تربت على كتفيها بكفيها هي :
_ما تآخذنيش ماقصدتش أزعلك والله ...قاعدة أشتم ونسيت إنه برضه أبوكِ...ما انتو اللي حكايتكم مكعبلة...

استمرت الفتاة في ثرثرتها الطفولية التي غابت عنها لجين بشرودها وهي تسترجع ذاك المشهد المهيب ...
لحظة رأت "الجرّة المهشمة" جوار جسد حسين الميت !!
الجرة التي كانت تخبئ فيها ما تسرقه يداها في غمرة شعورها المَرضي.
"الجزاء من جنس العمل"!
ابتسامة ساخرة خفيفة تطوف على شفتيها والخاطر السابق يراودها ...
مرضها لم يكن سوى انعكاس لذنب حسين القديم فجاءت نهايته بنفس الأداة التي كانت تستخدمها هي لتستر بها عورة فعلها!!
مرضها الذي لا تدري كيف ستتخلص منه بعدما توقفت عن حضور الجلسات مع طبيبتها ...
كل الحياة توقفت بغياب ثمر ...ولن تعود حتى تعود !!

_بس شفتِ الشيخ عابد كان بيبص لي إزاي وأنا عند الشيخ أبو إدريس؟!

سؤال الفتاة الأحمق ينتزعها من شرودها لترمقها بنظرة مستنكرة بينما الأولي تهتف بلهفة طفولية ولايزال وجهها محمراً من أثر البكاء:
_شفتي جميل إزاي؟! شبه اللي اسمه "سامي يوسف" اللي بيغني ...أحلى بكتير من قريب عن الصورة اللي كنت واخداها له ؟!تفتكري ممكن أصعب عليه بعد اللي حصل وييجي يتقدملي عشان ينجدني من كلام الناس؟!

ضربت لجين كفيها ببعضهما في تعجب من هذه الساذجة التي تنقلب مشاعرها بهذه البساطة لكنها تحاول تبرير ذلك بصغر سنها ...
لهذا هتفت بها بنبرة محذرة :
_انتِ في إيه واللا في إيه يا أم مخ لاسع انتِ؟! ....لسه بتشتكي إن أمك وأبوك واخدين منك جنب وبرضه دماغك الطاقّة دي مش راكزة ؟!

زمت رابحة شفتيها بحركة طفولية بائسة لتصمت للحظات مبتلعة عبارة حمقاء أخرى كانت ستقولها ...
فابتسمت لجين بحنان وهي تضمها لصدرها بقوة مربتة على شعرها مع قولها :
_ماتستعجليش الحاجة قبل أوانها ...انتِ لسه صغيرة ...
ثم ابتعدت بوجهها لتنظر في عيني الفتاة ناصحة باستطرادها:
_لهوجتك هي اللي دايماً مضيعاكي...تعالي نتفق...قبل ما تعملي أي حاجة فكري فيها وعدي لحد عشرة ...ماشي؟!

فمطت رابحة شفتيها باستياء للحظات قبل أن تومئ برأسها موافقة ...
لتهتف بعدها فجأة :
_تفتكري عنده كام سنة ؟!
_هو مين؟!
_الشيخ عابد !
هتفت بها رابحة بلهفتها الطفولية لتزفر لجين بنفاد صبر وهي تهيئ نفسها لسماع المزيد من حماقاتها المراهقة والتي رحمتها منها طرقات على الباب سبقت دخول "الست أفكار" لهما بصينية الطعام التي تناولتها منها لجين لتهتف بها برجاء:
_صالحي رابحة بقا يا خالتي ...حرام ...عيلة وغلطت .
ثم دمعت عيناها لتردف بالمزيد من شعورها بالدنب:
_أنا اللي غلطانة وشايلة ذنب ده كله ...لو ماكنتش ...

انخرطت بعدها في نشيج حار لتتنهد المرأة الطيبة بحرارة قبل أن تضمها لصدرها هاتفة بطيبة :
_أمر الله ونفد يا بنتي ...ربنا بس يفك كرب ستك وترجع لنا بالسلامة ...

ثم التفتت نحو ابنتها لتردف بغيظ :
_المجنونة بنت المجانين دي هي السبب...كل مرة توقعنا في مصيبة من ورا عمايلها السودة .

هنا انتفضت رابحة من فراشها لتتوجه نحو رأس أمها تقبله مع هتافها الراجي:
_عشان خاطري سامحيني ...
ظلت ترددها بلهجتها الطفولية حتى حنت المرأة لتضمها لصدرها بقوة فابتسمت لجين ببعض الارتياح قبل أن تخاطب "أفكار" بقولها:
_الله يكرمك شيلوا فكرة جوازها دلوقت دي من دماغكم .
_لا ما خلاص...الشيخ أبو إدريس كلم أبوها وخلاه يغير دماغه ...
ثم تنهدت لتقول بحيرة :
_بالمناسبة ...الحاجة مراة الشيخ أبو إدريس عايزانا نتغدى معاها النهارده ...مش عارفة نروح واللا إيه ؟!

_نروح ...نروح ...!!
هتفت بها رابحة باستحسان ل-غرض في نفسها - أدركته لجين ببساطة لتكتم ابتسامتها وهي ترد :
_ما تروحوش ليه ؟! انتو مش عاملين عملة عشان تستخبوا...لو كانت ستي ثمر هنا كانت هتقوللكم كده .

عادت عيناها تدمعان في قولها الأخير لتربت المرأة على ظهرها بتعاطف قائلة:
_يبقى تيجي معانا ...الحاجة عزمتنا كلنا .

حاولت لجين التملص لكن كلتيهما ضغطت عليها لتوافق فوجدت نفسها بعد ساعات في بيت الشيخ الكبير الذي استقبلتهن فيه زوجته بحفاوة قبل أن تدعوهن لتناول الطعام ...
كانت المرة الأولى التي تدخل فيها بيت الشيخ لكنها كانت تسمع أهل القرية يتحدثون عن فخامته من الداخل مقارنة ببيوتهم هم البسيطة ...
وكيف كان هذا مثار جدال بين الشيخ الميال بطبيعته للزهد وزوجته التي لم تكن غضاضة في هذا مادام الله قد وسع رزقهما بفضله !

_شفتِ البيت وجماله ؟! اوعدنا يارب!!

همست بها رابحة جوار أذنها على مائدة الطعام لتغمزها بنظرة زاجرة بينما انشغلت زوجة الشيخ مع "أفكار" في حديث جانبي حاولت فيه الأولى نقل نصائح الشيخ لها ...

الجلسة كانت هادئة نوعاً مع حديث زوجة الشيخ الودود لولا هذه الغصة التي وجدتها لجين في حلقها وهي تشعر بالغربة عن كل هذا ...
إحساسها في غياب ثمر كشجرة اجتثوها من جذورها ليلقوها في عرض الطريق ...
والأسوأ أنها تحمل نفسها ذنب هذا كله !!

هذا الشعور الذي جعلها تغادر مائدة الطعام سريعاً لتعود للجلوس على الأريكة في صالة البيت الواسعة تتأمل المكان بشرود ...وصوت حديثهن القريب يصلها دون تركيز ...

قطعة ذهبية لامعة ملقاة على الأرض تسترعي انتباهها فجأة في مجلسها فتتوهج عيناها بهذا البريق الخطر ...

لم تكن أكثر من "فردة حلق" لكنها لم تستطع مقاومة دائها اللعين لتجد نفسها تتحرك كالمغيبة لتتلقفها بسرعة حذرة قبل أن تخفيها في جيبها مستشعرة هذه النشوة الغامرة التي تملأها بعد كل فعل كهذا ...

تمد رأسها نحوهن تطمئن أن لا أحد قد انتبه لفعلتها قبل أن تعود لتسترخي في مكانها وقد بدأ شعور الذنب يزحف إليها من جديد ...

غافلة عن عينين هناك كانتا تراقبان المشهد بغضب من الخارج عبر النافذة المفتوحة ...
عيني "عابد"!!
========
انتهى الفصل الرابع عشر



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 12-04-19 الساعة 12:04 AM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 10:37 PM   #698

راما الفارس

? العضوٌ??? » 386178
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,037
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » راما الفارس is on a distinguished road
افتراضي

واااااااو شو هالمفاجأة الحلوة شكرا نيمو على الفصل عنجد اشتقنا للرواية

راما الفارس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 10:55 PM   #699

NIRMEEN30
alkap ~
 
الصورة الرمزية NIRMEEN30

? العضوٌ??? » 283698
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,544
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » NIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond reputeNIRMEEN30 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
قد تحتاج لساعة كي تفضل احدهم.......و يوما لتحب احدهم.......و لكنك قد تحتاج العمر كله لكي تنسى احدهم
افتراضي

عارفة بعد ما خلصت الفصل علي مشهد النهاية..... لقيت نفسي بقول يا مصبتي 🙀🙀🙀

NIRMEEN30 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-04-19, 11:36 PM   #700

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع زين وكبريائه ياترى هو اللى هايغلب ولا قلبه وعابد ياترى هايفهم لجين صح دومتى مبدعة

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:01 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.