آخر 10 مشاركات
[تحميل] عندما عبروا حدود الظلام ،للكاتبة/ عاشقة أمها (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          134_ اتى ليبقى _ جانيت ديلي _روايات عبير القديمة (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : تلميذة الحب - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          79 - أين المفر ؟ - لوسي جيلين - ع .ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-19, 05:01 AM   #781

عهد الحر
 
الصورة الرمزية عهد الحر

? العضوٌ??? » 305991
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,579
?  نُقآطِيْ » عهد الحر is on a distinguished road
افتراضي


موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
طططططططططططططوووووووووووو للللللللللللللللللللللتتت تتتتتتتتتتتتتتووووووووووو ووووو بالفصل الجديييييييييييييد 16 انسيانا احداث الرواية
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
اذا بدها مساعدة الكاتبة بالاحداث هاي بعض الافكار
تتحدث الكتورة لجدتها بكل ما حصل معها وينحكم على الجدة بسنة مع عدم التنفيذ لسبب الدفاع عن الفتاة
ويكتشف نسيت شو اسمو ان طليق مرته الاول وزوجته التي فقدت ابنها هي خلف الاحداث التي تجري خلف مرتو من خلال محقق خاص بالتعاون مع زوج الدكتور الي كان يحب مرتو وبساعده يحسن علاقته بالدكتورة ويتقدم لها رسميا من جدتها وتنتهي القصة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .




عهد الحر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 02:34 AM   #782

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

عودة لاستكمال الفصول اليوم باذن الله
وحشتوني حبيباتي واعتذر عن طول الانقطاع


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 03:15 PM   #783

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

بالتوفيق ان شاء الله
معاد الفصل امتى يا قمر أن شاء الله


د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 05:42 PM   #784

ميار111

? العضوٌ??? » 323620
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,400
?  نُقآطِيْ » ميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond repute
افتراضي

اشتقناااااااااااا يا هلا و مليوووووون مرحبا

ميار111 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 09:19 PM   #785

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

أنا كل شوي أعمل ريفريش للصفحة
بانتظارك 💖


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 10:10 PM   #786

جنة محمود
 
الصورة الرمزية جنة محمود

? العضوٌ??? » 291127
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 624
?  نُقآطِيْ » جنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond reputeجنة محمود has a reputation beyond repute
افتراضي

عودا حميدا 😍😍😍😍 تسجيل حضور

جنة محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 10:39 PM   #787

Mwatena mesrya

? العضوٌ??? » 370157
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 241
?  نُقآطِيْ » Mwatena mesrya is on a distinguished road
افتراضي

البارت ليه متاخر كده

Mwatena mesrya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 10:47 PM   #788

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة السادسة عشرة
=======

_أخيراً افتكرت إن ليك أم ؟!
تهتف بها سوزان بسخط وهي تستقبل رائد في بيتها لكنه يغلق الباب خلفه وملامحه تنبض بغضب كاسح :
_ليه ؟!
_ليه إيه ؟!
تسأله شاعرة بقرب ثورة بركانه وقد صدق حدسها عندما وجدته يهدر بانفعال غريب على قناعه المعدني المعهود :
_ليه تعملي كده في ياقوت ؟! ذنبها إيه ؟!
يتوهج وجهها ببريق شرس يناقض البراءة المصطنعة بحروفها :
_عملت إيه ؟!
يتحكم في انفعاله بشق الأنفس وهو منها يقترب منها ليمتزج غضبه بيأسه برجائه في خليط غريب:
_أنا فاهمك كويس زي ما فاهم جيلان هانم وعارف إنها مش ممكن هتعمل فيها كده من نفسها ..دماغها مش هتوديها للسكة دي ..انتِ قصدتِ تأذي ياقوت عشان تبعديها عن علاج همسة !

كان يمكنها الإنكار ببساطة لكنها هتفت به بحقد:
_أيوة ..ومش هابطل أبعدك عنها طول ما فيّ نفس ..مش هاسمح لمستقبل ابني يضيع !

_ابنك ؟! صحيح فارق معاكِ ابنك ؟! لو هاماكي سعادتي كنتِ حسيتي من زمان إنها مش هتبقى غير مع همسة وبس ..لكن انتِ مش شايفة قدامك غير الماضي ..مش شايفة غير عمي اللي سابك واتجوز بعدها مرتين ..حقدك القديم عاميكي ومش مخللليكي شايفة في همسة غير صورة النقص فيكِ انتِ !

هتف بها بثورة عارمة وهو يشعر أنه قد فقد آخر حدود احتماله ..مشهد همسة بأنينها الموجع عقب زيارتها ..مشهد ياقوت ملقاة على فراشها منهارة بلا حول ولا قوة عقب ليلة قضتها في السجن ..كلاهما يضع نصله في قلبه وهو يشعر أنه عاجز عن حماية كلتيهما والسبب ..السبب حقد قديم !!

_انت ؟! انت إزاي تكلمني كده ؟!
تهتف بها مصعوقة وهي تشعر أنه خرج بعيداً عن طوره المتحفظ معها ..لكن ما وضع النصل السام في قلبها حقاً هو أنه لمس الحقيقة العارية التي حاولت طمسها طوال هذه السنوات ...
_البنت دي خلاص أكلت عقلك لدرجة هتخسرك أمك ؟! عمك مين اللي ..اللي سابني و...و...معقول ..معقول بعد كل السنين دي هابقى لسه فاكراه ؟!

الغصة التي خنقت آخر حروفها بالبكاء كذّبت ما كانت تريد الإيحاء به ..

الدموع تتقافز لعينيها غزيرة وهي تستعيد لحظة بعينها توقف بعدها عمرها عن الدوران ..لحظة هجرها ذاك الرجل ليفسخ خطبتهما زاعماً أنها لا ترضيه ! يومها لم يطعن قلبها فحسب بل كبرياءها كذلك ..أقسمت ساعتها أن ترده إليها زاحفاً على ركبتيه ..نصبت شباكها حول أخيه ضعيف الشخصية تظن أنها بهذا تثير غيرته ..لكنه تزوج بعدها ببساطة كأن ليس لها وجود واضطرت هي لأن تكمل الطريق الذي سارته لآخره ..كانت تقارن بين زوجته وبينها فتجد نفسها الأفضل لهذا لم تكد تعلم بظروف مرضها الذي أقعدها حتى صرخت فرحاً وهي تعد نفسها للعودة إليه ..لم تأبه بكونها متزوجة من رجل وتربي طفله ..فالنداء القديم لقلبها العاشق كان لايزال يدوي بين جنباتها ..لكنه طعنها للمرة الثانية وهو يختار تلك المرأة عديمة القيمة التي تزوجها خفية لينجب منها طفلة ..
كأنه يخبرها من جديد أنها لا تليق به ..وأن أي امرأة من الشارع ستفضلها قيمة لديه ..وأن عمرها الذي ضاع وهي
تلاحقه سيبقى يتسرب من بين أناملها حتى يتلاشى !

_مش معقول بعد كل السنين دي ولاده يطلعوا هم الكسبانين ويخطفوا مني ابني ..مش هيجرحني وهو عايش وهو ميت !!

تتمتم بها بحرقة وهي تبسط راحتها المرتجفة على صدرها فيزفر بقوة وهو عالق بين شفقته نحوها وبين غيظه منها ..لو كان بيده أن يمحو هذا الأمس ..أن يقتلعه اقتلاعاً من جذوره ..لفعلها لكن كيف ؟!!


يتقدم نحوها خطوة وقد لانت ملامحه نوعاً ليحيط كتفيها بقبضتيه هاتفاً بألم راجٍ:
_مرة واحدة بس فكري فيّ قبل ما تفكري في نفسك! ..مرة واحدة بس حسي بالوجع اللي جوايا وأنا عايش بذنب انسانة ماحبتش ولا هاحب غيرها ..مرة واحدة بس حسسيني إنك أمي وإني ابنك مش مجرد سكة لتصفية حساباتك القديمة .

كلماته تحفر نهراً من الدموع على وجنتيها وهي تشعر بحقيقتها عارية ملطخة ..فيرتجف جسدها بين ذراعيه وهي تحاول استعادة قناع جبروتها :

_لو مش عاجباك أمك اتفضل اخرج ..روح لها ..ضيع عمرك ورا وهم زي ما أنا ضيعت عمري ..بكرة تفوق وتندم !

فرمقها بنظرة طويلة آسفة وهو يشعر أنه يتحدث بلغة غير لغتها ..
وأنها أبداً لن تزيح عن معتقدها ..
لهذا أزاح كفيه عنها ببطء ليعود لوجهه قناعه المعدني وهو يتحرك مبتعداً مع كلماته الحازمة :
_طالما مفيش فايدة من كلامي يبقى
مالوش لازمة ..بس اعرفي إن همسة وياقوت في حمايتي ..وساعة الحق مش هاعرف قريب ولا غريب .

قالها ليخرج صافقاً الباب خلفه بقوة لتتهاوى هي على مقعدها تمسك قلبها الذي يعوي بألم ..
ومذاق الخسارة يجري في عروقها مجرى الدم !
======









_رايحين فين يا مامي؟!
تسألها ريما بفضول طفولي بينما نشوى تتوقف بسيارتها أمام المطعم حيث سيكون لقاؤها بناصر ..

تشرد ببصرها وهي تتذكر ذاك اليوم الذي تلقت فيه عرضه لتحلق من حينها في سماء رمادية مفتقدة أرضاً ترسو عليها ..
لم تمنحه ردها وقتها في تدلل متوقع ..لكنها تعلم أنها ستوافق!!

بروح "مراهقة" تستعيد حلمها القديم به تبتسم وهي تشعر وكأنما يمنحها عمرها الذي ضاع ..وكأنما يمحو الماضي بوجعه ليعيد لها سنوات ظنتها ماتت ..

وبروح "امرأة" تشعر بالزهو وهي تراه أخيراً يفطن لأنوثتها فيفضلها على زوجته ويختارها لتكمل معه عمره ..

وبروح "عاشقة" تشعر بالغيرة وهي لا تدري كيف سيكون الوضع مع رجل تتقاسمه امرأتان ..
وبروح "أم" تشعر بالخوف على طفلتها من مغبّة هذا كله !!

لكن ما يهدئ الهاجس الأخير أنه طلب لقاءها اليوم مع ريما كي يزيد الألفة بينهما !

_مامي ..سرحانة في إيه ؟!


هتاف ريما القلق ينتزعها من شرودها فتلتفت نحوها بمزيج مشاعرها قبل أن تسألها بخجل خضب وجنتيها:
_مامي حلوة النهاردة ؟!

_أول مرة تسأليني عن شكلك !

تقولها الطفلة ببراءة لكنها تصدمها بهذه الحقيقة ..هي زهدت مظهرها منذ زمن ..منذ وأدت أنوثتها بيدها راضية بنصيبها في الرجال ..

_الأصفر حلو قوي عليكي ..مخلليكي شبه الشمس ..


ملحوظة طفلتها تعيدها لثوب أصفر "قديم" أحضرته خصيصاً كي تقابله به ذاك اليوم الذي اعترفت له فيه بحبها وظل راقداً في خزانة ملابسها بعدها كشرائط مزقتها بيديها حينها ..واليوم تختار نفس اللون لمقابلته ..
كأنما يعود الماضي فقط ب"لون ثوب"!!

تراقب وجهها في مرآة السيارة ..عيناها السوداوان اللتان أجادت رسمهما ..
أنفها الكبير نسبياًّ لكنه يناسب استدارة وجهها ..
شفتاها اللتان تظنهما أجمل في ملامحها باكتنازهما المثير وهذه الشامة المميزة في طرف السفلى منهما ..


لم تكن جميلة بمعتقدات مجتمع شرقي يراها عادية الملامح ..لكنها الآن فقط ..ترى نفسها جميلة ..وكيف لا ؟!
و"فارس الماضي" عاد لأجلها كي يحملها على جواده نحو الحاضر والغد ؟!

لهذا ازداد تورد وجنتيها وهي تغادر سيارتها لتتشابك أناملها مع طفلتها وهي تدخل معها إلى المطعم ..
يخفق قلبها الذي تشعر وكأنه عاد من سباته برؤية ملامحه الوسيمة ..لكنها تتجمد فجأة مكانها وهي ترى تلك المرأة جواره ..والتي وقف هو ليعرفها بها ..
_سها ..مراتي!
======

هيئ إليها أن الدماء انسحبت من جسدها كله قبل أن تعود فجأة لتضخ في رأسها !!
هل ملك من الجرأة ما جعله يحضرها معه هنا ؟!
صفعة يتلقاها وعيها تليها صفعة إدراكها لجمال المرأة الصارخ أمامها ..جمال نقي لا تشوبه شائبة ..خاصة وشعرها الأشقر الطبيعي ينسدل بإغواء على كتفيها وقميصها قصير الأكمام يبرز نعومة بشرتها
اللامعة ..
أي مقارنة تصلح بينهما هاهنا ؟!

حلقها يجف وهي تود لو تستعيد هذه اللحظة فقط قناع قوتها الذي تواجه به العالم وقت ضعفها ..لكنها لا تملك الآن إلا ترنح قلبها الدائخ بين عواصف عاطفته ..
خاصة عندما امتدت أنامل سها بحركة بدت عفوية لتضعها على ذراع ناصر كأنما تعلن ملكيتها له ..
حركة شعرت بها وكأنما تركلها هي بعيداً لولا هذه الابتسامة التي حافظت عليها سها بتماسك تحسد عليه وهي تشير لها برقة نحو المقعد المقابل لناصر:
_اتفضلوا اقعدوا .

تهاوت نشوى على المقعد شاعرة أن الهواء قد انسحب من حولها ..لم تتصور أن تكون المواجهة الأولى بينهما هكذا ..

ماذا كنتِ تتوقعين إذن يا بلهاء ؟!
الرجل لم يخدعك ..وهاهو ذا يحضر زوجته كي يثبت لكِ أن الأمور ستكون مطمئنة ..احمدي الله على وضع مثالي كهذا تحسدكِ عليه الكثيرات !!

_مامي ..وجعتيني!
لم تشعر أنها كانت تضغط كف ابنتها بقوة إلا عندما سمعت هتاف الصغيرة الأخير فرفعت إليها عينين مشتتين لكن سها فتحت ذراعيها مخاطبة الصغيرة بقولها الذي فاحت فيه دلال أنوثتها :
_"سويتي جيرل"..اسمك إيه ؟! تحبي نتعرف؟!

شعرت نشوى بكف الصغيرة يتملص منها بسرعة لتتجه نحو سها التي احتضنتها بقوة وهي تمشط شعرها بأناملها بينما الصغيرة تهتف بفخر طفولي:
_ريما .."جريد وان" ..(.....)سكول .
_وااااو .
تهتف بها سها بانفعال مبالغ قبل أن تمد كفها المرتجف نحو نشوى مصافحة بقولها :
_أهلاً بيكي .

رمقتها نشوى بنظرة زائغة وهي تنتبه أن ناصر لم يذكر لها صفتها هي ولا اسمها مكتفياً بتعريف سها فقط إليها ..ما الذي يعنيه هذا ؟! تراها لا تعلم ؟!
لكن سها ابتسمت وكأنها تقرأ خواطرها :
_عارفة إن الوضع مش تقليدي بس احنا كبار كفاية عشان نفهم اختياراتنا ..أنا بحب ناصر جداً .. عايزة سعادته اللي مش هتكمل معايا أنا وبس ..وعشان كده وافقت إنه يتجوز تاني ومعنديش مشكلة في كده .

رمقتها نشوى بنظرة مصدومة وهي تتفحص ملامحها ..ابتسامتها الرقيقة وهذا الكلام المنمق الذي تفوهت به يناقض هذا الدمع الذي تجمع في عينيها ..يناقض رجفة أناملها التي عادت تحط فوق ذراع ناصر بتملك ..وتناقض هذه النظرة الخائفة التي أسبلت عليها جفنيها كأنما تخشى أن تفتضح ..

_هو ممكن راجل يتجوز اتنين ؟!

تسأل ريما بفضول طفولي وهي تنقل بصرها بينهم لكن سها وقفت مكانها ليبدو لنشوى جسدها الممشوق الذي أظهرته ثيابها الأنيقة كأبهى ما يكون بينما تخاطب الصغيرة بقولها :
_نسيب كلام الكبار للكبار ونروح احنا نلعب ..تعالي أوريكي ال"كيدز إيريا" هنا ..تجنن ..هتتبسطي موت !

هتفت بها وهي تنحني برشاقة لتحمل الصغيرة التي تعلقت بعنقها وهي تسأل نشوى:
_أروح يا مامي؟!
لم تستطع نشوى إلا أن تومئ برأسها وعيناها تراقبان سها بينما تتحرك برشاقة فاتنة تحمل صغيرتها هي ..قبل أن تحيد ببصرها نحوه لتجد عينيه هو الآخر متعلقتين بهما ..ترى من تحوز اهتمامه الآن أكثر سها أم ريما ؟!
ما تثق به أنها ليست هي على أي حال !

_ممكن ..أفهم ؟!
تغمغم بها بارتباك شاعرة بتقلص معدتها توتراً ..خاصة عندما التفت نحوها بعينين كانتا "بطلتي ماضيها" ..

_تفهمي إيه ؟!
_الوضع ده ..طبيعي؟!
تغمغم بها بارتباك ليبتسم ابتسامته الحازمة مع رده العقلاني:
_أكيد مش طبيعي ..مثالي زيادة عن اللزوم ..بس هي دي سها ..بتعرف تفصل مشاعرها وقت الجد وتختار الأنسب .
شعرت أن وجنتيها تكادان تحترقان انفعالاً فأسندت جبهتها على أناملها المتشابكة تهرب من مواجهته ..

هو كعادته أمامها بمنتهى القوة ..
وهي كعادتها أمامه بمنتهى الضعف!
لا تذكر أنها هربت من شيء في حياتها كما هربت من ذكرى ماضٍ تخصه ..
كأنما عقدتها معه كانت دوماً "الهروب"!
الهروب منه ..يوم جرحها ..
والهروب الآن إليه ..كي يداوي هذا الجرح الذي لن يجيد غيره مداواته !

_مستغربة ليه كده ؟! كنتِ متوقعة حرب مسلسلات زي "الحاج متولي" ؟!
لا متخافيش ..سها عقلها كبير وقلبها أكبر .



يقولها بنفس النبرة المحايدة فتشعر بكيانها يتهاوى أكثر ..ليس هذا هو اللقاء الذي تنتظره ..
ليس هذا هو الرجل الذي تنتظره ..
ليس هذا هو الكلام الذي تنتظره ..
أين التعويض عن حلم الأمس ؟!
أين الوعد بفرحة الغد ؟!

لهذا جاء ردها بعمق معاناتها وهي ترفع عينيها نحوه أخيراً :
_اخترتني أنا ليه ؟!
وهو الذي هرب بعينيه هذه المرة في سابقة وجدتها غريبة لرجل بقوته ..


_سؤال غريب ! كلك مميزات بالنسبة لي ..أخت صاحبي ..مؤدبة ..محترمة ..و ..ظروفك مناسبة ليّ!

ورغم اللطف الذي حاول به كسوة كلماته لكنها كانت تشعر بها وكأنما تطعنها طعناً ..
خاصة عندما مال بجذعه للأمام ليقترب منها أكثر محتكراً نظراتها :
_وبتحبيني !

همسه الذي بدا شديد الثقة ..شديد الجاذبية حد الفتك مع ماضيهما المشترك يزلزلها ..
لهذا تذبذبت نبرة صوتها فاضحة هشاشتها وهي تسأله :
_كل ده كان موجود زمان ..إيه الجديد ؟!

هنا أطرق هو برأسه وهو يخشى هذا السؤال بالذات ..
كم يتمنى في هذه اللحظة لو تكون هي أكثر خبثاً فتفهم الحقيقة وحدها بدلاً من هذا الوجه الساذج الذي تقابله به ..
كم يود لو يضع حداً للأمر بعمليته المعهودة فيخبرها أنها لن تكون أكثر من وعاء لطفله وأن زوجته فقط هي من تملك قلبه ثم يترك لها حرية الاختيار ..
لكنه كان أكثر مكراً من أن يفعل ..
وربما ..أكثر جبناً !!

لهذا جاء جوابه مراوغاً مثله :
_فيه حاجات مابنعرفش قيمتها إلا لما بتروح من إيدينا .

قلبها -الأحمق- يتلقاها كمكافأة بعد كل هذا الضغط السابق فتتسع عيناها بقوة كأنما تود اختزان صورته بهذا الاعتراف -غير الكامل -!

لكنه يهرب من لقاء عينيها وهو يعود برأسه للخلف ..حيث سها وريما اللتان كانتا منسجمتين تماماً في منطقة الألعاب ..
بينما تراقبه هي بعينين متعلقتين قبل أن تشعر بجسده يتحفز مكانه وهو يضم قبضتيه بقوة لتلاحظ ما أثار انتباهه ..
فهناك كانت سها تتقافز على المنصة مع ريما لتبدو الأولى شديدة الحيوية بضحكاتها العالية التي اجتذبت أنظار الحضور جميعاً ..

_ثانية واحدة !

هتف بها بانفعال مكتوم وهو يهب واقفاً مكانه لتراه يتوجه نحوهما قبل أن يشير بكفه نحو سها التي تقدمت نحوه فمال على أذنها هامساً بما جعلها تضع كفها على شفتيها كأنما تعتذر ..قبل أن تطبع قبلة خفيفة على وجنته !!!

شعرت بالدم يفور في عروقها وهي ترى غضبه يتحول في ثوانٍ ليمنحها ابتسامة دافئة قبل أن ينحني ليحمل ريما ويسير بهما فيتوجهون جميعاً نحوها !!

مهزلة !!
ما هذا العبث ؟!
لم تتخيل أبداً أن يكون الوضع هكذا !!

إذن ماذا تخيلتِ؟!
أن يأتيكِ بعد كل هذه السنوات نادماً مستغفراً طالباً رضاكِ وهو يخبركِ أنه فضّلك على زوجته ؟!
ارفضي هذا العرض لو بقيت لك ذرة كرامة ..وعودي لصومعتك المحرمة على الرجال !

كان هذا صراخ عقلها المحتج لكن قلبها كان يتراقص بين ضلوعها يستصرخها أن تمنحه الفرصة ..
أن ترقّع ثوب أنوثتها بهذا الحلم القديم ..
أن ترضى بأي خانة يضعها فيها مادامت لا تملك المزيد من الفرص ..
أن تصبر ..فقط قليلاً ..لعلها تحتل وحدها قلبه كاملاً !

وبين هذا وذاك كانت خيوط "أنانيتها" تغزل بعض خيوطها ب"ورقتها الرابحة":
عندما تتزوجه وتنجب له طفله ستكون في عينيه بالتأكيد أفضل منها ..
ويبدو أن النسيج الأخير كان من القوة بمكان ليرسم على شفتيها شبه ابتسامة وهي ترفع رأسها نحوهم من جديد بنظرة أكثر ثقة ..
ستقتنص حلمها هذه المرة ..وستصنع من هزيمة الأمس انتصار الغد !
========




_صباح الحب يا سنيوريتا!

يهمس بها أشرف بحنانه المعهود وهي تشعر بذراعيه يطوقان خصرها ليرفع جسدها نحوه مغرقاً وجهه بقبلاته ..

ابتسامتها تمتزج بهمهمات اعتراض واهٍ لم تلبث أن اختفت وهي الأخرى تتعلق بعنقه بذراعيها بقوة تشاركه نشوة عشقه بجنون أكبر جعله يطلق ضحكة قصيرة قبل أن يبعدها ليهمس أمام عينيها :
_حبيبي بقا شقي قوي .
_تلميذتك ياافندم.
تهمس بها بدلال امتزج بقوتها -المستحدثة - ليشدد ضغط ذراعيه حولها بينما يهمس في أذنها :
_تلميذتي وصاحبتي وحبيبة عمري ..لآخر يوم في عمري .

أنفاسهما تمتزج لتنصهر سوياً بلهيب عشق ولد معهما صغاراً وسيتحدى كل شيء ليهرما معاً على شاطئيه ..

_أشرف!
تهمس بها بصوت لم يحتل قلبه غيره ليبتعد قليلاً ما يمكنه من احتضان وجهها براحتيه ..
_قلبه وروحه وعمره كله !
_سامحتني؟!
لا تزال تسأله -كل صباح- كأنها لا تصدق هذه السعادة التي عادت ترفل فيها معه ..ليهز رأسه وهو يداعب أنفها بأنفه :
_هتفضلي تسألي كل يوم وأجاوبك نفس
الإجابة ..قلبي معاكي مظبوط على موجة واحدة ..بيحبك وبس!

ثم تنهد بأسى ليرتجف همسه :
_أنا بقا لأول مرة هسألك ..انتِ سامحتيني فعلاً على ابننا اللي راح ؟!
فتبتسم ابتسامة غامضة وهي تدفعه برفق لتتمطأ هامسة بدلال :
_ما بلاش نتكلم في الماضي .
يرقبها ببعض الدهشة وهو يلاحظ حيويتها الزائدة لهذا اليوم فكاد يسألها لولا أن غادرت الفراش قائلة بمرح صار يظلل شخصيتها الجديدة :
_عندنا شغل كتير النهاردة ..يادوب نلحق نفطر ..نشوى منبهة عليّ ما نتأخرش .

قالتها لتهرول مسرعة نحو الحمام القريب فنهض بدوره ليبدل ملابسه قبل أن يسمع صرختها الفرحة !
انتفض مكانه ليجدها تعود إليه ممسكة ذاك الشيء بين أناملها :
_حامل يا أشرف ..حاااااامل !

وجهه يتجمد من المفاجأة للحظات قبل أن يجدها تحط على صدره كطير ملهوف هاتفة وسط دموعها :
_شفت كرم ربنا لما بيعوضنا كل اللي خسرناه !

يتأوه بقوة شعوره وهو يرفع وجهه لأعلى
بالحمد بصوت مرتفع ثم يبعدها ليحتضن وجنتيها هاتفاً بصوت متحشرج وعينين دامعتين فرحاً :
_ده اللي كنتِ مخبياه عني ؟!
_يعني كنت شاكك إني مخبية حاجة ؟!
تهتف بها بدلال امتزج بسعادتها ليقرص وجنتها مداعباً ..
فتأوهت لتردف:
_كنت شاكة بس ماحبتش أقوللك إلا لما أتأكد !
قالتها ثم تحسست بطنها المسطح بأنامل مرتجفة وعيناها تزيغان بشرود كأنما تذكرت فقدها القديم ..
قبل أن تهز رأسها بقوة تنفض عنها كل ألم الماضي ..
هذا الذي وازى قبلته الناعمة على جبهتها قبل أن يهمس بين شفتيها :
_مبروك يا حبيبة عمري ..مبروك ..

مباركاته امتزجت بعطايا شفتيه التي استسلمت لها قليلاً قبل أن تئن باعتراض هاتفة :
_الشغل يا أشرف ..هنتأخر .
_ناخد أجازة النهاردة ونحتفل ب"البيبي"!

يهمس بها بنبرة مغرية لكنها تصدر همهمة اعتراض لتتفلت من بين ذراعيه هاتفة باستنكار:
_هنكسل من أولها ؟! لا يا بابا ..عايزة ابني ييجي يلاقي مصنع باباه أكبر مصنع في البلد .


لفظة "بابا" هذه تدغدغ روحه بلذة مستحدثة فيضحك بفرحة حقيقية هاتفاً باستياء مصطنع:
_كلام ال"ماما" يمشي ..بقيتِ مستبدة زي ابن خالتك .

فابتعدت عنه ضاحكة لتتناول هاتفها مع قولها :
_فكرتني ..لازم أفرح يامن وبيلا
الأول ..وانت كمان روح فرح نشوى !

يتحرك ليطرق باب غرفة نشوى التي خرجت منها بوجه فضح سهرها الطويل
بالأمس هاتفة بقلق:
_خير يا أشرف بتزعقوا ليه ؟!
_رانيا حامل !
يقولها بفرحته الطاغية لتطلق صيحة عالية قبل أن تتبدل ملامحها لحنان خالص وهي تحتضنه هاتفة :
_مبروك يا حبيبي ألف مبروك .
يضمها برفق للحظات قبل أن يتفرس
ملامحها ليسألها بعتاب امتزج بحنانه :
_عقبال ما اطمن عليكِ .

كانت تفهم هذه النظرة العاتبة في عينيه ..فلم يزل غير راضٍ عن موافقتها "المبدئية"على عرض ناصر وقد توقع أن ترفضه دون جدال..
لهذا تحفزت ملامحها وهي تقول بعناد :
_قريب هتقوللي برضه مبروك .
_يعني خلاص وافقتِ عليه كلام نهائي ؟!

العناد في ملامحها يتحول لحيرة حقيقية مع سؤاله المباشر لتطرق برأسها فيربت على كتفها ليقول برفق:
_مش هاقدر أحكم على قلبك مادام لسة بتحبيه ..بس السؤال انتِ فعلاً لسة بتحبيه؟!

رفعت إليه عينين زائغتين بين "قناع قوة" تصر على مداراة وهنها به وبين "حيرة" تعيث بين جنباتها وجعاٌ ..
حيرة كان يستشعرها هو جلية حتى مع محاولتها إخفائها ليتنهد قائلاً بحزم أكبر:


_انتِ تستاهلي أحسن من "نص راجل"..فكري كويس قبل ما تدخلي نفسك في مثلث شائك زي ده ..خصوصاً إني عارف هو بيحب مراته أد إيه .
عبارته الأخيرة تخز صدرها بمزيج من غيرة وتحدٍّ ..
فتدفعها طبيعتها المتنمرة لترد بحدة :
_لو بيحبها كده ماكانش فكر يتقدم لي ..وهي لو بتحبه بصحيح مكنتش هتقدر تستحمل وضع زي ده ..واضح إن حبهم ده تمثيل ..ديكور قدام الناس .
_ده اللي بتقنعي بيه نفسك عشان توافقي على وضع زي ده ؟!
يسألها بضيق محاولاً كظم انفعالاته لكنها أشاحت بوجهها لتتخطى الأمر هاتفة :


_بارك لرانيا على ما ألبس ..عندنا شغل كتير النهاردة .


محاولتها للهروب كانت شديدة الوضوح فزفر بضيق وهو يشاهد باب غرفتها يغلق في وجهه قبل أن يعود لغرفته لتستقبله رانيا على بابها قائلة بتفهم :
_ماتضايقش نفسك ..انت عارف نشوى عنيدة ومابتسمعش كلمة غير من دماغها .

_ماهو ده اللي مجنني ..واحدة بشخصيتها دي تقبل وضع زي ده ليه ؟! وإزاي؟!
هتف بها بضيق لتبتسم هي قائلة :

_الموضوع له زاويتين ..الأولى إحساسها إنها بترجع معاه الماضي اللي كان نفسها تعيشه ..والتانية رد اعتبار لكرامتها إنه بعد السنين دي رجع يتقدم لها بعد رفضه ليها زمان.

_كرامتها ؟! وفين كرامتها وهو متجوزها بس عشان يخلف منها والدنيا كلها عارفة إنه بيموت في مراته ؟!
يهتف بها باستنكار وهو يدلف للداخل خافضاً صوته أكثر ، لتتبعه هي قائلة :

_هي مش عايزة تصدق إنه كده ..وبصراحة صاحبك أناني جداً ..إزاي بيحب مراته زي ما بتقول وراضي يجرحها بالشكل ده ؟! يعني لو كان هو اللي مابيخلفش كان هيبقى مبسوط لو اختارت تسيبه وتروح لراجل تاني ؟! ده حتى ده كان هيبقى أهون م اللي ناوي يعمله إنه يجمعهم سوا على ذمته .

قالتها بضيق شاركها فيه للحظات قبل أن تتنهد لتبسط راحتها على صدره لتردف:
_عموماً ..أختك عنيدة والضغط معاها بيقلب بالعكس ..سيبلها حرية القرار بس حاول تأخر الجواز على أد ما تقدر ..يمكن هي نفسها تكتشف حقيقة الفخ اللي هي رايحة له برجليها ..وما تقلقش أنا هافضل جنبها خطوة بخطوة احنا بقينا قريبين من بعض قوي .

رمقها بنظرة طويلة يتفكر في حديثها قبل أن تلتوي شفتاه بشبه ابتسامة وهو يجذبها ليقربها منه هامساً بدلاله الحنون :

_حبيبي كبر وخرج من شرنقته وخلاص بقا بيعرف يراقب ويخطط .
فضحكت بفخر وهي تمرغ وجهها في صدره هامسة :
_حبيبك كبر واتعلم .. اتعلم يبقى سندك زي ما انت سنده .
=======








_عاملة إيه عندك يا غادة ؟!..هاموت م القلق عليكِ !

غمغمت بها هانيا بجزع محاولة أن تخفض صوتها كي لا يسمعها رامز الجالس هناك بغرفة نومهما القريبة ..
لتصلها تنهيدة غادة الحارقة قبل ردها الذي أقلقها أكثر:
_ماتخافيش عليّ ..أنا ماعدتش زي زمان وقادرة أدافع عن نفسي كويس .
_الحيوان ده بيحاول يضايقك ؟!
تسألها هانيا بنبرة أشد خفوتاً لتصمت غادة في جواب غير منطوق سبق قولها الصريح:

_عمو علاء هيوصل في خلال كام يوم ..هحاول أدبر سكن تاني ليّ
ولأمي ..ماافتكرش إنه هيفضل متمسك بيها في حالتها دي .
زفرت هانيا بحنق لتهتف بحميتها المعهودة :
_شقة سيف لسه موجودة لو تحبي ..
_لا!

هتفت بها غادة قاطعة وهي تستعيد لقاءهما الأخير في المطار ..
لا تدري أي جنون دفعها لتعبر له عن مشاعرها بتلك الطريقة ..
لا ..لم يكن جنوناً بل أملاً !
أملاً أن تنقذه من هذا القيد الذي يصر أن يكبل نفسه به ..وقد فشلت !
فهاهو ذا من حينها لم يصلها منه أي رد !

_مش عايزة تقوليلي إيه اللي حصل بينكم في اسطنبول؟!
تسألها هانيا بنفس الحنان القلق لكن غادة كانت تصر أن تحترم خصوصيته لهذا قالت بقنوط :
_يظهر كان بيتهيألي بس إن فيه في قلبه حاجة ناحيتي ..ربنا يوفقه .
_لا ..أنا شفتها في عينيه يوم ما جيتلك ..هو فعلاً بيح..
تهتف بها هانيا بإصرار لتقاطعها غادة هاتفة :
_خلاص يا هانيا ..ماعادلوش لازمة
الكلام ده ..مين عارف هاقدر أرجع اسطنبول تاني واللا لا ؟! ..ماما محتاجالي وماينفعش أتخلى عنها .


صمتت هانيا بقهر وهي تشعر بحمل صديقتها الثقيل ..لقد عاشت عمرها تعاني بسبب أنانية أم لا تستحق هذا اللقب ..والآن تضطر غادة لإيقاف حياتها كي تحمل وزرها وحدها !
لهذا عادت تزفر بقوة هاتفة :
_ماتشيليش هم ..أنا هادبر لك سكن وشغل هنا .
لم ترَ ابتسامة غادة لكنها شعرت بها في صوتها الممتن :
_انتِ اللي ماتشيليش همي ..عمو علاء مش هايسيبني لحظة ..أنا عارفة إنه أول ما يوصل هيحلها .
_جميل قوي الراجل ده .
تقولها هانيا بامتنان صادق لترد غادة بعمق عاطفتها نحو الرجل:
_جميل بس؟! ده عظييييم ..صدقيني ماكنتش أتمنى أب وأم أحن منه هو وإيناس .

قالتها غادة بعاطفة دافئة ليظهر صوت زوج أمها في الخلفية :
_يادي القرف ! وسختِ الملاية تاني ؟! عملت إيه في دنيتي عشان ربنا يبتليني بيكِ ..قومي يا غادة هانم غيري لأمك هدومها ..وشوفي القرف ده ..مش طايق ريحة الأوضة .

تدمع عينا هانيا وهي تشعر بما تعانيه صديقتها وحدها هناك ..لكن غادة بدت متماسكة وهي ترد بقوة لا تدعيها :
_هاقفل معاكِ دلوقت ..نتكلم بعدين .

زفرت هانيا بسخط وهي تغلق الاتصال مع غادة بسباب مرتفع لذاك الحيوان زوج أمها ..
قبل أن تتحرك بخطوات متثاقلة نحو غرفة نومها حيث وقف رامز يعد حقيبته استعداداً للسفر ..

_مادام البوز التمام اتضرب ..يبقى كنتِ بتكلمي غادة .

يقولها بمرح محاولاً التسرية عنها فتقترب منه لتريح رأسها على صدره هامسة :
_صعب قوي اللي هي فيه ..مابتلحقش تفوق .
_أنا ممكن أساعد بس إديني "جرين لايت".


قالها بجدية تامة لكنها هزت رأسها لتهمس وذراعاها يتشددان حول خاصرته أكثر:
_عرضت عليها رفضت ..مستنية عمو علاء ..بس أنا مش هاستحمل أقف متكتفة كده ..لو الوضع فضل كده هأجر شقة في بورسعيد وأفضل جنبها مادام هي رافضة تيجي هنا .

_ده على أساس إنك متجوزة "دكر بط" هايسيبك تتنططي هنا وهناك كده براحتك ؟!
هتف بها باستنكار ليفاجأ بها تنفجر في بكاء عنيف لا يتناسب مع الموقف !

أجفل للحظات وهو يشعر بانتفاضتها بين ذراعيه قبل أن يضمها بقوة أكبر ليقبل رأسها هامساً :
_فيه إيه يا هانيا ؟! القصة مش قصة غادة وبس ..انتِ بقالك كام يوم مش على طبيعتك وحاسس إنك مخبية عني حاجة .

ظلت مستسلمة لبكائها بين ذراعيه للحظات احتملها هو متفهماً قبل أن يصله صوتها المتحشرج بدموعها :
_ضغط الرسالة من ناحية ..وحكاية سفرك كل شوية بعد الترقية الجديدة ..و ...
صمتت بعدها قليلاً لتقطع عبارتها ..فعاد يسألها باهتمام :
_وإيه ؟!
قالها وهو يرفع ذقنها نحوه لتغمض عينيها بجواب سبقته تنهيدة حارة :
_حاسة إني متكتفة ..مش قادرة أسعد الناس اللي بحبهم .
_قصدك غادة بس واللا حد تاني؟!

يسألها وقد عرف الجواب !
لا تزال تشوهات جسدها تقف عائقاً بينهما ..لايزال يشعر بها عاجزة عن منحه مفاتيح أنوثتها ..
قديماً كانت تفعلها طوعاً ..والآن بعد الحادث تفعلها قسراً ..
وكلاهما يجد ندبته في صدرها كما هي في صدره !

_لو تقصديني فهافضل أقوللك ومش هازهق ..مجرد وجودي جنبي فرحة بحمد ربنا عليها ..انتِ مش محتاجة تعملي حاجة عشان تسعديني ..

الصدق النابض بين حروفه يجعلها تعاود فتح عينيها لتعانق نظراته العاشقة ..فمنحها قبلة ناعمة على شفتيها ليردف :
_سفري غصب عني ..ومش قادر أقوللك تعالي معايا عشان ما أعطلكيش عن المذاكرة ..
يقولها بأسف فابتسمت بامتنان ليبتسم بدوره مردفاً بمرح:
_زمايلي بيتريقوا عليّ لأني أكتر واحد ببقى مستعجل يخلص شغله عشان يروّح ..كل شوية يقولولي هي مدلعاك للدرجة دي مش قادر على بعدها ..ياللا الصيت ولا الغنى يا بسطويسي!




ضحكت رغماٌ عنها فمسح دموعها بإبهاميه ليفيض حنانه وسط مرح مزاحه كالعادة :
_أجيبلك إيه معايا المرة دي ؟!..هدايا المرة اللي فاتت مالبستيهاش .
عبارته الأخيرة لم تحمل عتاباً بقدر ما حملت تفهمه لتحفظها المعهود من ارتداء الثياب المكشوفة ..
لهذا عاد صوتها يتحشرج وهي تهرب من لقاء عينيه :
_مش بيننا اتفاق ؟!انت عارف طبعي .


_برضه مش هيأس ..مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة !

قالها وهو يعض شفته السفلى فعادت تضحك بخجل وهي تخفي وجهها في صدره ليضحك بدوره هاتفاً وهو يشير لنفسه :
_حلوة بصّة حمدي الوزير دي ؟! أجنن في
الإجرام ..صح؟!

_مفيش فايدة فيك ..نفسي أتكلم معاك مرة وماتقلبهاش مسخرة .
_هو فيه أحلى م المسخرة ؟!
يغمزها بها بمكر وهو يرفع وجهها نحوه قسراً ..
فتضحك من جديد ليقبل وجنتها هامساً بجدية هذه المرة :


_ربنا ما يحرمني من ضحكتك دي ..متعرفيش بطمن أد إيه لما بشوفك بتضحكي .
فترمقه بنظرة ممتنة قبل أن تستطيل على أطراف أصابعها لتغرس هدايا عشقها على وجهه ..
_بحبك ..بحبك ..بحبك .

لاتزال تقولها بملء فيها ..
بل بملء روحها ..
تقولها وهي تعلم كم يحب سماعها ..كما تحب هي قولها !
لتصلها تنهيدته الحارة قبل أن يبعدها هامساً بصوت هدجته عاطفته :


_واحدة "بحبك" كمان وهاطنش الست الغلبانة اللي تحت اللي مستنياني أديها الحقنة دي وأقعد جنبك هنا نلعب
"بلايستاشن"!

غمزته الماكرة صاحبت عبارته الأخيرة فابتسمت بفخر امرأة تدرك أثر أنوثتها في رجلها ..
ليستطرد هو بينما يبتعد بظهره ملوحاً بكفيه بحركة مضحكة :
_هانزللها خمس دقايق بس وأرجعلك ..اوعى تنام يا بسطويسي ..ماتسيبنيش أسافر ونفسي في "البلايستاشن" .



ضحكاتها المشعة بعاطفتها تودعه لتلتمع عيناها بعمق شعورها للحظات قبل أن تغيم نظراتها بشرود!!

خطواتها تتجه نحو حقيبتها الموضوعة هناك ..
نظرة غامضة مفعمة بالقلق تجتاح عينيها وهي تستخرج منها بطاقة ما رفعتها أمام وجهها ..
قبل أن تزم شفتيها بعزم وهي تعيدها مكانها بسرعة وعيناها تتلونان بالمزيد من الغموض .
=======



انت اول كل حاجة ..
والبداية في كل شيء ..

حب اول مره ييجي ..
لما قلبي كان بريء
انت اول كل حاجه ..
وانت عارف كنت ايه
وانت اول حد يمشي ..
ودمعتي تنزل عليه.

الكلمات تبدو متشابكة تماماً بنسيج روحها وهي تنبعث بلحنها في سيارة إسلام الذي يقودها بها نحو المحامي الخاص بزين
لإتمام الطلاق ...

_انتِ كويسة ؟!
يسألها إسلام بقلق ملاحظاً تيبس جسدها لتجيبه بشرود كأنها في عالم آخر :
_مش عارفة كان حلم واللا كابوس ..بس
خلاص مش هتفرق ..كام دقيقة واصحى منه !
_حبتيه ؟!
يسألها قارئاً الجواب في عينيها المغمضتين ولاتزال كلمات الأغنية تضغط على جرحها النازف ..

كنت اول كل حاجه بتجرَى ليا
كنت اول روح بتلمس حاجه فيا
كنت اول حب ييجي ونفسي يفضل
كنت اول فرحه بتمناها تكمل


يمد أنامله ليربت على كفها قائلاً بحنان يشوبه الكثير من الضيق:
_الحكاية معقدة قوي يا ياقوت ..أنا نفسي مش عارف المفروض رد فعلي من زين ده يبقى إيه ..أروح أضربه على استغلاله ليكي وللجين ..واللا أشكره ع اللي عمله بعدها .

_أنا ماعدتش عايزة أفكر ..عايزة حضن ستي ثمر أنام فيه وبس .

تقولها بنبرة واهنة عبر عينيها المغمضتين لكنه ضغط كفها براحته بقوة هاتفاً :


_لا معلش ..أنا هاسيبك يومين تلاتة كده تفوقي وبعدين هاجي آخدك من إيدك نشوف ورانا إيه ..عندنا مشروع عايزين نبدأه ..لما نخرج من عند المحامي هاطلع بيكي على المكان اللي اخترته تقوليلي رأيك فيه .

كانت أغلب كلماته تفلت منها وهي لا تزال غارقة في كلمات الأغنية ..

اللي يعرف م البداية النهاية.. هتبقى فين
مش هيغلط في اختياره ..بس نعرف ده منين ..
كنت آخر مرة آآمن..قوللي آآمن بس مين؟! ..
مفتكرش أحب تاني ..صعب أغلط مرتين..

سيارته تتوقف في المكان المنشود فتفتح عينيها أخيراً لتترجل منها ..
تستدعي كل ذرة من قوتها لتصعد معه إلى هناك ..
ورقة ما ناولها لها إسلام بعد معاينتها ليطمئن فارتجفت أناملها وهي توقع ..
هكذا ..انتهى الأمر ببساطة !!

وعلى فراشه بالمشفى تلقى زين رسالة محاميه يخبره بانتهاء الأمر فانقبض قلبه بهذا الشعور الذي يقاومه منذ أفاق من غيبوبته الأخيرة ..
كان يمكنه أن يجعله طلاقاً عادياً ويحضر المأذون معها إلى المشفى هنا ..
لكنه -ببساطة- كان يخاف!

لأول مرة يشعر بالخوف أن يتجابن عن قرار أخذه ..
لكنه كان أكثر من يعلم أنه لن يستطيع التفريط فيها وهي أمام عينيه !

أنامله تمتد لتمسد صدره ..
هناك ..
حيث كانت هي بالأمس تلقي حمولها بين ذراعيه ..
يستحضر صورة "القمرين السجينين" في عينيها يستصرخانه أن يحررهما ..
يسمع اعتراف قلب بخلت به الشفاه ..
ويتذوق عذوبة كأس لم تسكبه بين عروقه امرأة سواها !

لماذا أفلتها من بين يديه ؟!
أي "صياد خائب" هو ؟!
والحقيقة تصفعه بقوتها ..
عندما يحرر الصياد طريدته ..فليعلم أنه عشقها !
وأنه ما تركها إلا ليستعيدها حرة !

_اللي بيننا ما بدأش بورقة عشان ينتهي بورقة .


يرسلها لها -بصوته- غير مكتوبة كأنما شعر بحاجتها أن تسمعها منه الآن ..
والغريب أنها سمعتها قبل أن يرسلها!

سمعتها بقلب أدرك أيّ وقعٍ كان لخطواته في صحراء ذلك الرجل ..
أي حاجة كانت لغيث عاطفته ..
أي تضرعٍ لبراءة مناجاته ..
لكن كل هذا لم يكن يكفي رجلاً مثله ليكمل به الطريق!!

لهذا لم ترسل رداً مكتفية بصمت تنتوي أن يطول .

يرمقها إسلام بنظرة مشفقة وهو يشعر
بالعجز ..!
مشاعرها نحو ذاك الرجل تبدو شديدة الوضوح ..لكنه يعلم أن لا مستقبل لهما إلا في كتب الحكايات ..
-على الأقل في وضعها الحالي-...
لكنه يقسم لنفسه أن يغير لها هذا الوضع !

لهذا اصطحبها لمطعم قريب تناولا فيه الغداء وسط شرود نظراتها قبل أن يتوجها للمكان الذي اختاره ليكون مركزاً جديداً خاصاً بها ..

_مركز ياقوت للصحة النفسية ..إيه رأيك ؟!

يسألها وهو يلوح بإبهامه وسبابته كأنما يرسم خطاً عريضاً لتلتمع عيناها بجذوة من الطموح القديم ..
لم تلبث أن انطفأت وهي تطرق برأسها ليتقدم هو منها ويرفع ذقنها نحوه هاتفاً بحميّة ساخرة :
_جرى إيه يا بنت ؟! إيه اللي جرى للبؤس اللي على وشك ده ؟! ماكانش طلاق على سجن على غزّة سكينة على شوية مغامرات وحبشتكانات ..انشفي كده امال!

تبتسم رغماً عنها هذه الابتسامة التي امتزجت بدموعها فيتنهد بحرارة ليقول بجدية تامة :
_انتِ بطلة ..لو بعد كل ده لسة واقفة على رجليكِ.
_ومين قاللك إني واقفة ؟!
تتمتم بها بوهن غريب على طبيعتها المعهودة ليرد بإصرار كأنما يغرس حروفه في روحها غرساً:


_واقفة ..وقريب قوي هتطيري لحلمك وتمسكيه بإيدك ..ده وعد مني ..من أخوكِ!

اللفظ الأخير فعل بها الأفاعيل خاصة وهي تشعر بكفه يحط على كتفها بمؤازرة قوية احتاجها كلاهما في هذه اللحظة التي التقت فيها العيون بحديث حمل خبايا القلوب ..

_انت جدع قوي يا باشمهندس!
تقولها أخيراً بنبرة عادت إليها بعض حيويتها ليبتسم متسائلاً:
_يعني نقول مبروك ؟!
أومأت برأسها موافقة ولا تدري أي سعادة زرعتها بداخله وهو يشعر أخيراً بالرضا عن نفسه ..

كان يحتاج اليوم بالذات أن يمنح لها أملاً كهذا وقد فعل!
لكن لا يزال الكثير ليفعله معها ومع شقيقتها ربما وقتها فقط يسامح نفسه على ما كان ..
لهذا ما كاد يصل بها للفندق الذي حجز لها فيها غرفة حتى خاطبها بقوله :
_حاولي تنامي كويس النهارده عشان بكرة هيبقى يوم تاريخي .
فاغتصبت ابتسامة واهنة وهي تغادره ...
لتلتمع عيناه هو بغضب نما رويداً رويداً وهو يعيد تشغيل السيارة نحو وجهته التي يؤجلها منذ بضعة أيام ..وقد حان وقتها !
======



_ياقوت مابقتش تيجي ليه ؟!
يسأله هيثم بتشتت وهو يشعر بفقدان التوازن في هذا العالم الغريب الذي لا يذكر عنه أي شيئ ..
ليرد إسلام باقتضاب:
_مسافرة يومين وهترجع ..هتكلمك بالليل .

كانا يجلسان معاً في غرفة هيثم ببيت
والدهما ليتلفت هيثم حوله قائلاً بضيق:
_أنا حاسس إني في سجن ..ليه مش عايزينني أخرج ؟!
لكن إسلام يربت على كتفيه برفق قائلاً بإشفاق:
_دي أوامر الدكتور ..وبعدين حاول تفتكر ذكرياتك هنا الأول وبعدين نشوف حكاية خروجك دي .
فصمت هيثم قليلاٌ وهو يعاود التلفت حوله لعله يذكر أي شيئ لكن نظراته الخاوية عادت هباء ..
_هو بابا مات إزاي؟!
_حادثة عربية .
قالها إسلام متحكماً في نبرة صوته الكاذبة ومحاولاً كتمان الواقع المخزي إشفاقاً على أخيه ..
كان يعلم أنه سيعلم الحقيقة عاجلاً أو
آجلاً لكنه كان يؤخر هذا الثقل الجاثم على صدورهم جميعاً ..

_ماتفكرش كتير ..ريح عقلك واسمع كلام الدكتور ..
يقولها أخيراً بحزم حانٍ ليرمقه إسلام بنفس النظرة المشتتة قائلاً:
_عايز أشوف ياقوت ..برتاح في الكلام معاها .
هنا توجه إسلام ببصره نحو الباب حيث كانت والدته تقف ممتقعة الوجه ليرد بنبرة ضائقة :
_أكيد هاخلليك تكلمها ..احنا اخوات مالناش غير بعض !

عقدت جيلان حاجبيها بغضب مكتوم ليقف إسلام مخاطباً أخاه :
_حاول تسترخي خالص وما تفكرش كتير ..

زفر هيثم بحيرة وهو يراقب رحيل شقيقه لتزداد لمعة الفضول في عينيه وهو يرى النظرات المتشاحنة الغاضبة بين
إسلام وأمه ..
لهذا تتبعهما خلسة ليقف أعلى الدرج في ركن خفي فيأتيه صوت أمه الغاضب أسفل الدرج :
_هاتفضل مخاصمني كده كتير ؟!

_مخاصمني كلمة "شيك" قوي يا جيلان هانم مقارنة باللي حاسس بيه دلوقت .
انعقد حاحبا هيثم بالمزيد من الفضول خاصة عندما هتفت أمه بغطرسة :
_كل ده عشان الجربوعة اللي اسمها ياقوت دي ؟! عايزني أقبل ببساطة كده إنها تدخل البيت وسطك انت وأخوك كأنها واحدة مننا ؟!



_هي فعلاً مننا ..ولو مش هتدخل البيت ده هاشوف بيت يجمعنا كلنا وينفع هي تدخله .
_انت بتهددني يا ولد ؟!

تهتف بها بانفعال ليرد هو ببرود مصطنع:
_العفو يا جيلان هانم ..أنا بس بافكرك إني خلاص اتعودت ع العيشة لوحدي من غيركم ..لكن مش هاقبل أبداً إني أفرط في لحمي ودمي .
_ما تنرفزنيش وتقول لحمي ودمي ..دول
ولاد خدامة ما يساووش حاجة !


تصرخ بها بجنون ليهدر بها بحدة مشابهة :
_بنت الخدامة اللي مش عاجباكي قلبها أكبر من قلبك اللي رضي تسجنيها ظلم في الوقت اللي هي فيه بتعمل جهدها عشان تعالج ابنك ..يبقى مين يسوى ومين ما يسواش !

تصمت جيلان وقد ألجمتها كلماته ليحمر وجهها بانفعال طاغٍ وهي تراها المرة الأولى التي يتجرأ فيها على إهانتها بهذا الشكل ..لكن إسلام لم ينتظر أكثر ليغادر تاركاً إياها خلفه تغلي غضباً ..وخزياً !

فيما ازداد انعقاد حاجبي هيثم وهو يشعر
بالنفور ..


هم أخبروه أن ياقوت أخته غير الشقيقة ولديه واحدة أخرى لكنه لا يعرف المزيد من التفاصيل ..
لماذا فعلت بها أمه هذا ؟! لماذا تؤذيها إلى هذا الحد ؟!

مشهد غابر قديم يطفو لذاكرته أخيراً..
صورة بطاقة هوية يمسكها هو في يده
ذاهلاٌ ببيت قديم..
فتاة سمراء تبكي وهي تسحبها منه لتعدو على الدرج ..يلحق بها لكنها تختفي ..وخلفها ..تظهر شهد !
هذه الفتاة التي رآها في المشفى تزعم أنها حبيبته !!


صداع هائل يعصف برأسه فيكتم تأوهه وهو يعود إلى غرفته ..
مزيج من السعادة بأول مشهد يعود إليه من ذاكرته ..
والحيرة لأنه لا يذكر ملابساته ..
زفرة حارقة يصدرها وهو يتوجه نحو هاتفه الذي مسحت كل أرقامه ..من فعلها ؟! لاريب أنهم فعلوها ..لكن لماذا ؟!
لماذا لا يتركونه يتصل بأصدقائه لعلهم يمنحونه المزيد من المعلومات المساعدة ؟!

لا بأس ..هو حصل على رقم شهد في آخر مرة زارته في المشفى ..
اتصل بالرقم بأنامل مرتجفة وهو لا يدري ما الذي يريد أن يصل إليه ..
كل رؤاه مشوشة زائغة ..
كل عالمه غريب ..حتى أهله !

_هيثم !
صوتها المشبع بلهفتها العاشقة يرسم ابتسامة حقيقية على شفتيه وسط كل هذه الرمادية التي يحياها ..

_إزيك ؟!
يسألها بارتباك لترد بعفوية محببة :
_إزيك انت ؟! كويس ؟! أنا مش مصدقة إنك رجعت تكلمني !

يصمت قليلاً وهو لا يدري كيف يبدأ معها حواراً ..لكنها تعاود القول بنفس اللهفة العاطفية :
_اتكلم ..قول أي حاجة ..أنا سامعاك .

حرارة عاطفتها تصل قلبه صادقة رغم كل هذا الشتات الذي يدور فيه فتتسع ابتسامته وهو يقول بنفس الارتباك :
_أنا بزعجك ؟! ده وقت مناسب أكلمك ؟!
_أي وقت ليك مناسب ..ماتقلقش .
تصريحها المفتوح يثلج صدره فتهدأ أنفاسه قليلاً ليعاود القول بنفس النبرة المشتتة :
_أنا افتكرت ..حاجة .

لو كان بإمكانه أن يرى شحوب وجهها لحظتها لتملكه الإشفاق عليها ..خاصة عندما ارتجفت نبرتها :
_افتكرت إيه ؟!

روى لها تفاصيل المشهد الذي طفا لذاكرته فتنفست الصعداء ثم ترددت قليلاً لتخبره باقتضاب :
_يومها كنت معايا ..كانت أول مرة تكتشف
بالصدفة إن عندك أخت لما شفنا بطاقتها واتأكدنا من الاسم .

هز رأسه باستغراب:
_صدفة ؟!

عاد ضميرها يخزها بالذنب وهي تكذب عليه للمرة الثانية لكنها كانت عاجزة عن منحه الحقيقة ..لهذا عادت تقول :


_ماتشغلش بالك بالقصة دي ..الموضوع معقد ..انت عارف الوضع بيبقى محرج لما الزوجة بتكتشف إن جوزها كان متجوز قبلها ومخلف كمان .

_بس ماما آذتها .
يقولها بتشتت وهو يحكي لها ما الذي سمعه بين إسلام وأمه لتشهق بانفعال هاتفة :
_سجنتها ؟!
_افتكر الموضوع ما طولش ..لأن إسلام
قاللي هتكلمني بالليل .

يقولها بنفس التشتت لتزفر بانفعال وهي تشعر بالخوف ..
جيلان هانم فعلت هذا بأختهما ..فما الذي قد تفعله بها هي ؟!

لكنها حاولت التحكم في توترها لتقول له مواسية :
_ما تضغطش على نفسك تعرف كل حاجة مرة واحدة ..خدها بالتدريج .

صوتها الرقيق الممتزج بعاطفتها التي يستشعرها صادقة يداعب قلبه فيبتسم وهو يقول بالمزيد من الارتباك :
_ممكن تحكيلي كمان عنك ..عننا ..يمكن أقدر أفتكر حاجة !

ولو يعلم أنها كانت أفضل لحظاتها عندما تتحدث معه عن ذكرياتهما ..
عن لقاءاتهما في الجامعة ..صباحاتهما التي تبدأ بتناول القهوة هناك ..ثم بعض الشطائر التي تحبها هي باردة ويحبها هو شديدة السخونة ..
فينتهي الأمر أن يتنازل كل منهما قليلاً ليصبرا بعض الوقت ويتناولاها "بين بين" ..
كأنما كان هذا عهد علاقتهما دوماً أن يقبلا التنازل كي يتقابلا في منتصف الطريق!!

_معلش ..هاضطر أقفل دلوقت عشان عندي معاد مع ماما عند الدكتور .
تقولها باعتذار رقيق ليجد نفسه يرد عفوياً:
_ماشي يا "سكر"!

تشحب ملامحها في مكانها وقلبها يخفق بجنون مع هذه اللفظة التحببية التي كان يخصها بها ..
جزء بداخلها يكاد يرقص فرحاً وهي تسمعه منه من جديد بهذا اللطف القديم ..
بينما يرتجف الجزء الآخر رعباً مخافة أن تعود له الذكرى ..بالذاكرة !!

_سكتتي ليه فجأة كده ؟!
يسألها بقلق ملاحظاً تلاحق أنفاسها اللاهثة عبر الهاتف لترد ببطء مرتبك امتزج بخجلها :
_أصل انت كنت دايماً بتقوللي يا "سكر" دي لما بتحب تصالحني .
_كنت بزعللك كتير ؟!
يسألها بنفس الارتباك وهو يحاول استعادة أي ذكرى أخرى ..
لترد بشجن لم يفهمه :
_كنت بتزعلني كتير بس كنت بتعرف تصالحني ..لكن أنا مازعلتكش غير مرة واحدة وماعرفتش وقتها أصالحك .

كلماتها على بساطتها تمس قلبه بشعور غريب ..لكنه صادق ..
هي تحبه حقاً ..روحه تستشعر هذا جلياً دون تدليس ..
لكنه لا يزال يشعر بحاجز غير مرئي بينهما ..
حاجز يختلف عما يشعر به مع إسلام أو
والدته أو أي ممن يفترض أن تجمعه بهم صلة ..
لا ..ليس فقدانه الذاكرة فحسب ..
هناك شيء آخر!!

روحه تعود للتحليق في سمائه الرمادية عظيمة الضباب ..
فيعود الصداع ليكتنف رأسه ..
لكنه يتشبث بآخر كلماتها ليسألها بإصرار:
_زعلتيني في إيه ؟! وليه ما رضتش أصالحك ؟!

لكنها تصمت قليلاً ليصله ردها المرتجف :
_بعدين نتكلم ..معلش ..مستعجلة .

تقولها لتغلق الاتصال بعدها بسرعة تاركة إياه يعود لدوامته ولايزال برأسه العديد من التساؤلات دون جواب .
=======

لم يكن مشهد خروجها من السجن أقل هيبة من مشهد ترحيلها إليه !

كانت تسير وسط جموع الناس مرفوعة الرأس تحتضن حفيدتيها بكلي ذراعيها وحولها تكبيرات الناس وهتافاتهم تحوطها كملكة منتصرة ..
"ثمر" لم يكن مجرد اسم ..بل حصاد !
حصاد تقوى وإيمان وتورع ..ورجاء ممن لا يخيب راجيه !

كان أول ما فعلته عند عودتها للقرية أن ذهبت تزور قبر ابنتها هناك ..
تتلمس بابه المغلق بأنامل برزت عروقها بكل قطرة دم نبضت قديماّ بالخزي ..والآن تنبض
بالعزة ..بنشوة القصاص!

وفي آخر اليوم الحافل الذي استسلمت فيه لجين للنوم مبكراً ..
كانت هي تختلي بياقوت فوق سطح البيت في جلستهما التي افتقدتها كلتاهما بنفس القدر ..
ياقوت تلقي رأسها في حجرها مستسلمة لرقيتها المعهودة ..
تتشبث بأناملها في جلبابها بقوة تتنشق فيه عبير أمان افتقدته ..
ولم تجده بعدها إلا في كنف رجل لم تعد تنتمي لعالمه !

_من امتى بتلبسي حلق يا دكتورة ؟!


تسألها ثمر بنبرة غامضة مشيرة لقرطها من الياقوت فارتجفت ابتسامة حفيدتها وهي تغمض عينيها بقوة ..
كانت تعلم أن ثمر لن تخفى عليها ملاحظة كهذه ..
لكنها لم تقوَ على خلعه من أذنيها ..
قرطه اخترق لحم أذنها ..كما اخترق هواه قلبها ..ولن يخرج أحدهما إلا مع آخر نفس تلفظه روحها !

_لو جاوبت هاكدب عليكي يا ستي ..وأنا مش عايزة أكدب !

الألم الذي يذبح حروفها وجد صداه في قلب العجوز التي حاوطت رأسها في حجرها بذراعيها كأنها تحميها ..
لتردف ياقوت وهي تجد الجرأة أخيراً لتفتح عينيها مردفة :
_كل اللي عايزاكي تبقي متأكدة منه إن بناتك حافظين العهد اللي بينهم وبينك ..راسك هيفضل دايماً مرفوع ..وديل توبنا هيفضل طاهر.

هزت ثمر رأسها للحظات وقد أنبأتها حكمتها ألا تضع الفتاة تحت مزيد من الضغوط ..
فأصدرت همهمة خافتة وهي ترفع وجهها للسماء للحظات سبقت قولها :
_اسمه زين الفايد ؟!

انتفضت ياقوت مكانها وهي تسمع الاسم منها لتنهض من رقدتها فتقابلها بملامح شاحبة ..
هي لم تذكر اسم زين أمام جدتها مكتفية فقط بشرح الظروف حوله ..كيف عرفته ؟!

_مأمور السجن قاللي آخر يوم على اسمه ..
قاللي إنه هو اللي موصي عليّ هناك ..هو وضابط تاني اسمه ناصر بيقولوا صاحب ابن حسين رجائي .
اعتدلت ياقوت في جلستها لتطرق برأسها متجاهلة شطر الحديث الأول
ومتشبثة بالثاني:
_إسلام فعلاً طلع جدع قوي ..وقف جنبنا كتير الأيام اللي فاتت ..ووصى صاحبه عليكِ ..وكمان هيفتح معايا المشروع اللي كلمتك عليه .


لكن محاولتها لم تنطلِ على العجوز التي غمغمت بحزم أكبر:
_وزين ده بقا الجدع بتاع مصر اللي بتعالجي أخته ؟!

_ماكسرتش كلمتك يا ستي ..يعلم ربنا بيته ده ما عتبتوش بعد ما أمرتيني ..أنا لسه بعالج أخته فعلاً بس ..مش في بيته !

قالتها لتعطي ثمر ما يكفيها من التفاصيل بشأن رائد وهمسة محتفظة بسر زواجها من زين لنفسها فلم تشأ فضح لجين على أي
حال ..



_ماقدرتش أخذل حالة ربنا جعلني سبب في شفاها ..وكده كده هي بقت بعيد عنه ومبسوطة في بيت جوزها .
ختمت بها حديثها وهي تجاهد كي تخفي ارتجافة أناملها لتتفحصها ثمر طويلاً قبل أن تقول بنفس الغموض:
_يعني هو حفظ جميلك في أخته ورده فيّ أنا ؟! واجب نتشكره بقا !

_شُكْرِنا إننا نكمل مشوارنا مع أخته لحد ما تخف خالص ..ساعتها كل واحد هيروح لحاله والوشوش مش هتتقابل تاني !

دموعها امتزجت بحروفها في خليط قبض قلب العجوز خاصة عندما عادت تنهار بين ذراعيها في عناق ملهوف يليق بكلماتها :
_وحشتيني قوي يا ستي ..كنت ضايعة من غيرك ..ضايعة حتى من نفسي ..ادعيلي أرجع لها بقا ..خايفة ..خايفة قوي مااعرفش أرجع .

جسدها ينتفض برعشة بكائها فتضمها العجوز بقوة وحاجباها ينعقدان بقلق ..لم ترها يوماً بهذا الحال !!

_لسه قلبك رايده وموجوع بيه ؟!

تقولها ثمر بما هو أقرب للجواب منه للسؤال ..
فتنفرج شفتا ياقوت بجواب على حافة الكذب ..

لكنها تعود لتطبقهما بقوة مع زخة أخرى من الدموع جعلت ثمر تصدر همهمة أخرى سبقت قولها :
_واللا بلاش السؤال ده كمان عشان ما تكدبيش ؟!

أصدرت ياقوت آهة عالية دفنتها في كتف العجوز الذي مرغت فيه وجهها..
لتحوقل الأخيرة بصوت مسموع قبل أن تبعدها لتحيط وجهها بأناملها قائلة بصوتها المهيب :
_الراجل اللي ينزل دموع عينك ما يستاهلكيش ..ربنا بيقلب القلوب وحكمه فيها مالناش فيه ..لكن صوت العقل ده بتاعنا احنا ..والعقل بيقول : الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح ..

عضت ياقوت شفتها بألم لتردف ثمر بنفس النبرة :
_العقل بيقول إن المية والزيت ما بيختلطوش ..وإنك بعد الشقا ده كله عايزة واحد يرفع راسك وسط الخلق ..يمشي إيدك في إيده ومش مستعر منك ..حد يشوف قلبك قبل وشك ..يحس بروحك قبل جسمك ..مايهموش ماضيك ولا اسمك ..انتِ بس اللي تهميه ..زين ده بقا هيعمل كده ؟!

تسبل ياقوت جفنيها بالمزيد من الوجع فتتنهد ثمر قائلة :
_ده استعر من أخته اللي من دمه وحبسها طول السنين دي في أوضة بره بيته..مستنياه ييجي ويرفع راسك انتِ؟!

ابتسامة ساخرة منغمسة بالمرارة تجتاح شفتي ياقوت التي هزت رأسها متمتمة بوهن :
_ماعدتش مستنية حاجة يا ستي ..خلاص ..ماعدتش مستنية حاجة .
_تبقي مش بنتي !

تهتف بها ثمر بعنفوان وهي تهز جسد ياقوت المرتجف بين ذراعيها بقوة فتية ناسبت حروفها :
_أنا ماربتكيش عشان تقعي في نص الطريق ..بنت ثمر كيف النخلة واقفة مكانها ما بتتزعزعش ..تميل مع الريح بس ما تقعش ..يحدفوها بالطوب ماينزلش منها غير الرُّطَب ..وجذعها ناشف يخربش أي إيد طرية لو اتسجرت تهوب ناحيته ..فوقي يا دكتورة ..ما تحسسنيش إن العمر اللي فات ده ضيعته هدر .

وكأنما هذه الكلمات هي ما كانت تحتاجه ياقوت الآن بالضبط كي تنهض من هذه العثرة ..
كي تنفض عنها رداء خنوعها لتعود لها قوتها من جديد ..
نظراتها تعود للتوهج بتلك الطريقة التي جعلت ثمر تبتسم ابتسامة واهنة عبر أسنانها المكسورة شاعرة بهذا التغيير ..
لتتجاوز هذا الأمر متعمدة وتغير الحديث
لآخر:



_بتقولي طلع لكم بدل
الأخ اتنين ..حلو ..فضل ونعمة من الكريم ..المركز اللي بتقولي عليه ده فرصة ما تضيعيهاش ..اشتغلي بإيديكي وسنانك واحفري في الصخر لحد ما تخللي الناس مش فاكرة غير اسمك انتِ وبس من غير كمالة ..ياقوت وبس!

بدا لها كلامها شبيهاً بكلام قاله لها زين يوماً ..يالله !!
الذكرى تبدو وكأنها منذ أعواااام !!

لكنها نفضت الخاطر الأخير بنفس قوتها المستعادة لتجفف دموعها بنفسها وهي تومئ برأسها هامسة :
_معك حق يا ستنا .

ابتسمت لها العجوز بحنان وهي تضم رأسها لصدرها هامسة :
_ربنا هيراضيكم يا بنات قلبي ..مستبشرة خير في وجه الكريم ..
ثم أبعدتها قليلاً مردفة :
_قومي بقا الحقي نامي لك ساعتين وهاصحيكي انتِ وأختك على
صلاة الفجر ..عايزين نخبز "قبابير بالسكر" ونوزعها ع البلد كلها حلاوة خروجي م السجن وشكر لكرم ربنا اللي محاوطنا بستره .



ابتسمت ياقوت مع إيماءة طاعة وهي تنهض من جوارها لتتوجه نحو غرفتها لتستوقفها عبارة ثمر خلفها:
_كمللي علاج أخته زي ما انتِ عايزة ..بس ماتخلليش رجلك تغرز أكتر في طين أرض مش بتاعتها .

فتنهدت ياقوت بحرارة لتعود لغرفتها
فتستلقي على فراشها ..
تراقب السقف بشرود ..
قلبها يتمرغ في نعيم ذكرياتها العامرة معه ..
وعقلها يتشبث بحبال حديث ثمر باستماتة ..
وبينهما هي عالقة وسط جنة ونار!


صوت رسالة على هاتفها يجعلها تنتفض مكانها وهي تستشعر بحدسها أنه هو مرسلها ..

_أصريت أخرج من المستشفى النهارده عشان ماافوتش موقف زي ده وأكون جنبك فيه ..

تتسع عيناها بصدمة وهي تشاهد الفيديو الذي أرسله لها بعدها ..
فيديو يصور لحظة خروج ثمر واستقبال الجميع لها ..
ثم مجموعة من الصور لها هي !!
صورة خلف صورة بنفس المشهد ..
عناقها الأول لثمر فور لقائهما بعد خروجها!!

ظل يرسل الصورة الأخيرة لها مرة تلو مرة كأنما يخبرها -دون كلام- في كل مرة أنه "يشتاق" منها عناقاً كهذا ..
أنه "يغار" من عناق كهذا ..
أنه "تغير" يوماٌ بعناق كهذا ..
وأنه س"يعيش" لأجل عناق كهذا !!

مرة تلو مرة حتى لم تعد تدرك كم أرسلها ..
عشرين ..ثلاثين ..خمسين ..مائة مرة !!
وفي كل مرة كانت تستشعر أنها تقترب منه أكثر ..
تستعيد رائحة عطره ..شعورها بصلابة صدره ..
صوت هدير قلبه ..ملمس ذقنه الخشنة الذي يناقض نعومة لمساته ..

أجل ..الآن كانت تعانقه رغم كل هذا البعد ..
العناق "الرابع عشر" الذي لم يكن مرئياً بقدر ما تشعره محسوساً ..
وكيف لا ؟!
وهو يرج قلبها رجاً بهذا "الزلزال الآمن" بين وعد ..ووعيد !!
بنكهة "الحرمان" هذه المرة ..
بلسعة برد ترجف جسداً لم يجد دفئه
إلا معه ..






بماذا ترد ؟!

هل ترجوه أن يتوقف ..أن يرحم هذا الضعف الذي لا ترتضيه امرأة مثلها ؟!
أم تهمس له فقط أن :عُدْ!
وهي تعلم أنها لو فعلتها فستجده هاهنا أمام بيتها !
لكن ..كم سيبقى بعدها قبل أن يفطن لخطئه ويعود لطريقه ؟!
لا فائدة يا وردية الحلم ..
يا سوداء الماضي ..
يا ذهبية التاج بالكبرياء ..
حب كهذا نكرمه بأن نورده لحْده ..ثم ندفنه بهدوء !

لهذا أغلقت هاتفها بعدها بحسم لتضعه تحت وسادتها ..
متجاهلة عينين خائنتين نامتا على صورته ..وقلب جعله -كعهده - بطل
أحلامه !
======








_اعجني حلو يا بنت ..أعصابك سايبة كده ليه ؟!
تهتف بها ثمر وهي تخاطب لجين ثم تلتفت نحو ياقوت مردفة :
_ما تحميش الفرن قوي .
تبتسم ياقوت وهي تأخذ مكانها وسطهن لتهتف رابحة بفضولها المعهود :
_احكي لنا ع السجن يا ستنا ..زي ما بنشوفه في التلفزيون !
لكزتها لجين في خاصرتها لكن ثمر رمقت ياقوت بنظرة خاصة وهي تكور قطعة العجين على راحتها المفرودة :
_سجني كان خمس نجوم زي ما بيقولوا في التلفزيون...البركة في اللي كان موصي عليّ .
_مين يا ستنا؟!
_بطّلي رغي يا بت وإلا هارجعك لأمك .
تهتف بها ثمر مخاطبة رابحة التي ضحكت ملء شدقيها هاتفة :
_فرحتي برجعتك وسطينا ما تتوصفش ..أمي بتقول جميلك هيفضل في رقبتنا العمر كله .
_إياك بس تركزي كده وتبطلي تنطيط وتسيبي المخروب اللي واكل دماغك ده .

قالتها ثمر ملاحظة بارتياح أن صغر سن الفتاة جعلها تتجاوز الكارثة التي كانت على وشك الحدوث لها لتحمد الله سراً ..
قبل أن تراقب بأسى شرود ياقوت التي بدت غائبة عن عالمهم كله ..

_هاتي يا مايلة ..هتبوظي العجين .
هتفت بها ثمر مخاطبة رابحة التي تذمرت وهي تطلب منها فرصة ثانية لكن ثمر هتفت فيهن بنبرتها الآمرة :
_قوموا كلكم خلاص ..مش عايزة حد يساعدني ..نضفوا الدار أكيد هيجيلنا ناس ياما النهاردة .

هرولت لجين مع رابحة تنفذان أمرها فيما تلكأت ياقوت قليلاً لتقول بصوت متحشرج :
_بعد إذنك يا ستي ..عايزة أروح شوية عند الساقية القديمة .

_تاني يا بنت أشواق؟!


تقولها باستنكار حنون لكن ياقوت تبتسم ابتسامة شاحبة وهي تكتف ساعديها مطرقة برأسها:
_دي آخر مرة يا ستي .

ترمقها ثمر بنظرة متفحصة وهي تشعر
بالمزيد من الغرابة ..
تعرف كم ترتبط هذه الساقية القديمة لدى ياقوت بذكرى أمها الراحلة ..
لكن لماذا تصف زيارتها لها هذه المرة
بالأخيرة ؟!

لكنها استسلمت لتعقلها المعهود محتفظة لها بحريتها كما عودتها لتشير لها بكفها في إشارة مقتضبة .
وعند الساقية القديمة وقفت ياقوت تراقب طلوع الشمس بعينين ضارعتين ..
لم ترتدِ جلباب أمها هذه المرة كأنما أيقنت أنها أبداً ..أبداً لن تكون مثلها ..
لم تعد بحاجة لما يذكرها بالجرح القديم كي لا تزل قدمها ..
هي عرفت بالطريقة الأقسى أنها لن تكون أشواق أخرى !

_لو اللي حصللي ليلتها تمن إننا ندفن ذكرى بشعة زي دي ..زي ما دفننا العشرة جنيه ..فأنا راضي !

تسمعها بصوته الآسر كما كانت بين ذراعيه في آخر عناق لها فترتسم على شفتيها ابتسامة ..
ابتسامة تقدسه ..وتلعنه !!
ما كان أغناها عن كل هذا الجحيم الذي ألقاها فيه دون ذنب منها !!
ما كان أغناها عن رجل يدخل حياتها ليغرس علمه فوق أراضيها ثم يرحل زاعماً أنه يمنحها حريتها ..
أي حرية تمنح لعاشق تلون عالمه بصبغة معشوقه فما ترك خلفه مكاناً للون آخر ؟!!

_كنت حاسس إني هلاقيكِ هنا !
والهتاف يأتيها من خلفها لينتزعها من شرودها فتلتفت لتتجمد ملامحها بصدمة..
وتبدأ المواجهة !
========
انتهى الفصل السادس عشر


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 11:14 PM   #789

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

ولي كل الشرف ان اكون بعدك .. معلقة .. انرت قلوبنا يا سيدة قلبي ..
لا حرمنا اللن جمال حرفك البهي


Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 18-07-19, 11:22 PM   #790

affx

? العضوٌ??? » 407041
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 733
?  نُقآطِيْ » affx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond repute
افتراضي

نشوى المجنونة ما توقعت انها تقبل بطلب ناصر المقرف!!عنجد صدمتني ياريت تغير رأبها بسرعة انحرق دمي منها😒😒

affx غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.