آخر 10 مشاركات
418 - خطوة خارج الزمن - ميراندا لي (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          زوجة اليوناني المشتراه (7) للكاتبة: Helen Bianchin..*كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          عروسه المقامرة (63) للكاتبة Rebecca Winters .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-07-19, 10:35 PM   #811

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي


القطعة الثامنة عشرة
======

_غادة !
تهتف بها إيناس بلهفة وسط دموعها وهي تلتقي بالأخيرة في مبنى النيابة لتعانقها بقوة وجسدها ينتفض ببكائها ..
فيما بدت غادة متماسكة تماماً وهي ترفع رأسها نحوهم ..
علاء بنظراته الحنون المحتوية ..
هانيا بنظراتها ذات الحمية ..
رامز بنظراته الداعمة ..
إسلام بنظراته المشفقة والذي لم يتركهم لحظة منذ سمع الخبر ..

وأخيراً سيف الذي بدت نظراته مزيجاً من هذا كله ..
وإن اتشحت كعادتها بخليط "الذنب والحب"!!

_اتكلمي يا غادة ..قولي الحقيقة كلها ..قولي اللي كان بيحصل من زمان وافضحيه قدام الدنيا كلها.. مادام البجح بيتهمك إنك زقيتيه عشان ظبطك بتسرقي فلوسه !

تهتف بها هانيا بحميتها المعهودة وبسخط له ما يبرره بعد الأحداث الأخيرة ..
فالرجل الذي أثرت به السقطة لتصيبه بشلل في أطرافه لم يعتبر بما كان ..بل وجدها فرصته للانتقام منها واتهامها زوراً ..

_ما تخافيش يا بنتي ..احنا وكّلنا محامي كبير وربنا أكبر من الكل .

يقولها علاء بنبرة متهدجة وقد بدت ملامح الهرم على وجهه فجأة فلم يكن مصابه بها هي بالذات سهلاً وقد اعتبرها حقاً ابنته ..

_المشكلة إن مفيش دليل على كلامك ..مفيش أي دليل ..كلمتك قصاد كلمته ومفيش حاجة ملموسة نثبت بيها اللي حصل ..خصوصاً إن والدتك ..الله يرحمها ..

قطع إسلام حديثه بعجز وهو يهز رأسه محاولاً العثور على مخرج ..

لكن ابتسامة غادة الواثقة قابلت كل عباراتهم بقوة مستحدثة لا تدعيها ..
قوة ناسبت قولها بعدها وأناملها تداعب "دبلة أحمد" في إصبعها بحركتها المعهودة التي عادت تشعر بحاجتها إليها الآن :
_أنا مش خايفة ..أنا عملت اللي كان المفروض أعمله من زمان ..وأي نتيجة هاقبلها مهما كان الوضع ..

تقولها وهي تتذكر بيت المكعبات القديم ..
رائحة الفراولة الخانقة ..
الأرنب المذعور الذي ربته في صدرها عمراً ..
لكن كل لم يعد له وجود !!
هي قهرت عقدتها القديمة والحادث الأخير خير برهان ..

لكن نبرتها ارتجفت نوعاً وهي تطرق برأسها لتخونها دموعها باستطرادها :
_أنا بس صعبان عليا الست اللي ماتت بقهرتها وهي شايفة المنظر ده قدام عينيها .

تبادلوا جميعاً نظرات مفعمة الانفعالات وهم يدركون صعوبة الموقف الذي عاشته ..
خاصة ودموعها تفضح هشاشة حقيقية وسط هذه القوة التي تحاول التشبث بها أمامهم !

هنا تقدم سيف الذي كان محافظاً على صمته كعهده منذ بدأ الحوار ليقترب منها أكثر ..
كفه يمتد ليحتضن راحتها اليسرى بحركة أجفلتها لترفع عينيها أخيراً نحوه ..

"الحزن الأخرس" في حدقتيه كان يتوهج
الآن بألف مشعل ..
يصدح بألف جرس ..
لكنه كان يمتزج بإعصار عاطفة هادرة لا يبقي ولا يذر...
جسدها يرتجف لا عن وهن ..
فلم تكن لتسمح لهذه الكلمة أن تغزو قاموسها أبداً من جديد ..
لكنه شعورها بحركة أنامله الصامتة على كفها ..
تنزع عنها "دبلة أحمد"!!

عيناها تتسعان بصدمة أكبر والسؤال فيهما لا يحتاج لجواب ..

_أنا عارف هي بالنسبة لك إيه ..بس لو ماكنتش أد حركة زي دي مكنتش عملتها .

بصوته الرجولي القوي يقولها فتشعر وكأنما منحها أمان العالم كله في كلمات !!
خاصة عندما مسدت سبابته موضع الدبلة في بنصرها مع استطراده بنفس القوة :
_وعد مني هتخرجي من هنا بأقرب وقت ..ولو كانت دي آخر حاجة هاعملها في حياتي .

عيناها تمتلئان بالدموع وقلبها يخفق داخل صدرها بجنون ..
عبارته لم تكن مجرد حمية رجولية ..ولا حتى موقف شهامة ..

بل كانت مع هذه النظرة "الثمينة" في عينيه أبلغ اعتراف حب سمعته !!

لهذا انفلتت منها أنّة خافتة وهي تراقب دبلة أحمد التي استقرت في راحته بنظرة عميقة ..
قبل أن تعاود رفع عينيها إليه لتتلقى عهود عشقه واحداً واحداً ..
الكون كله بدا وكأنه خلا إلا منهما ..
لم يقل أحبك لكنها سمعتها حرفاً حرفاً ..
تذوقتها قطرة قطرة ..
حتى كفها الذي تركه أخيراً بدا وكأنه لن ينسى لمسته هذه للأبد ..
لمسة منحتها صك ملكيته ..وانتهى الأمر !
======
_هتروح فين يا سيف؟! روح ياابني ارتاح شوية .

يسأله علاء باهتمام عقب انتهاء لقائهم بغادة ليرد سيف بعزم :
_روّحوا انتم يا عمو ..رامز هياخدكم عندنا في البيت على ما بال ما ارجع ..

_برضه ماقلتليش رايح فين !
يعيدها بقلق ليرد سيف بشرود :
_لازم أدور على دليل يبرأ غادة ..أكيد الحكاية مش هتخلص كده .



_أنا جاي معاك .

يقولها إسلام مؤازراً وهو يشد على كتفه ليرمقه سيف بنظرة مترددة لكن إسلام هز رأسه قائلاً بنبرة مازحة لعله يخفف أجواء التوتر الجاثمة عليهم جميعاً :
_ما وحشكش جو "لوريل وهاردي" ؟! مش كنت دايماً أنا المخ وانت العضلات ؟!

ابتسامة شاحبة تطوف على شفتيه وهو يربت على كتف صديقه ليرمقهما علاء بنظرة راضية لم تخلُ من قلق قبل أن يلوح لهما بسبابته قائلاً:



_ما تعملوش حاجة من ورايا ..وانا من ناحيتي هاخللي المحامي يشوفلنا سكة مع الرجل الندل ده ..لو ديّته فلوس ياخدها ع الجزمة ويسيب بنتنا في حالها .


يهزان رأسيهما بموافقة قبل أن يتحركا معاً نحو سيارة إسلام التي استقلها ليركب سيف جواره فيبادره الأول بقوله :
_جه في بالك نفس اللي فكرت فيه ؟!
_اللي هو إيه ؟!
يسأله سيف بحذر ليرد إسلام وهو يركز بصره في الطريق :
_من كلام غادة الموضوع كان فيه شد وجذب وصريخ ..أكيد حد من الجيران سمع حاجة !

احمر وجه سيف غضباً وهو يقبض كفيه جواره بينما يكز على أسنانه بقوة ..
كلما تخيل بشاعة الموقف يكاد يسيطر على نفسه بصعوبة كي لا يذهب للرجل ويقتله بنفسه !!
والأدهى أنه اكتشف أنه كان يستغلها منذ طفولتها ..
الحقير!!
هذا إذن سبب بعدها عن والدتها !!
سبب سفرها بعيداً وعدم رغبتها في العودة لبلدها !!
وهو الذي كان يسأل نفسه عن سر هروبها غير المعلن لتعيش مع علاء وإيناس تاركة أسرتها !!

_عمي علاء بيقول إنك مغرمة
بالأرانب ...اشمعنا الأرانب مش الخيل مثلاً؟!
_يمكن عشان عشت فترة طويلة من عمري أرنب ...خايف ...ضعيف ...بيهرب ويستخبى .
_وما عدتيش.
_وما عدتش !


يتذكر هذه المحادثة بينهما أول ما التقاها ليفهم الآن ما كانت تعنيه ..وتعانيه !!
عيناه تدمعان قهراً وهو يود لو يعود بها كل هذه السنوات ..
لو يضمها لصدره ..يحميها بين ذراعيه فلا يصيبها أي سوء ..
لو يخفيها عن العالم كله فيغرقها تدليلاً ينسيها عذاب كل هذه السنوات !!
لو ..لو ..
ألف وعد يقسم لنفسه أن يحققه لها فقط لو يخرجها مما هي فيه!!

_أنا عارف إن الوضع صعب بس يمكن ده امتحانك الحقيقي معاها ..غادة تستاهل تحارب عشانها ..وانت محتاج تحس إنك عملتلها حاجة ..يمكن ساعتها عقدتك بالذنب تخف !

يقولها إسلام بحسن درايته بصديقه ليلتفت نحوه سيف بنظرة عميقة اختصرت كل
كلامه كعادته..

قبل أن يربت على كفه مكتفياً بصمته طوال الطريق ..
يصلان أخيراً للبناية حيث موضع الحادث ثم يترجلان من السيارة ليصعدا الدرج نحو الطابق المنشود ..
الشقق كلها خالية للأسف من ساكنيها ..
إلا الشقة المقابلة لشقة زوج أمها !

هذه التي طرقها سيف بقوة ليزيحه إسلام جانباّ مع همسه :
_بلاش بعضلاتك دي تاخد الطلعة الأولانية محدش هيفتح لنا ..سيبني انا شكلي غلبان !

ابتسم سيف ابتسامة شاحبة وهو ينفذ له رغبته ليرسم إسلام ابتسامة دبلوماسية على وجهه وهو يعاود الطرق ..

امرأة متوجسة الملامح تفتح له الباب وخلفها ابنتاها ..
فتاتان بسن المراهقة ترمقانه بفضول ..

_كنت عايز أسأل حضرتك عن حاجة بخصوص الحادثة اللي حصلت .
يقولها إسلام بنبرة مهذبة لترتعد ملامح المرأة وهي ترمق ابنتيها بنظرة خائفة سبقت قولها :
_ما شفتش حاجة ..اللي اعرفه قلته في النيابة !

تقولها وهي تهم بإغلاق الباب من جديد ..
لكن سيف يتحرك ليعاود فتحه هاتفاً بحزم أضفى المزيد من الهيبة على هيئته الغليظة :
_خللينا نتكلم ..أنا متأكد إنك شفتِ أو سمعتِ غادة ع الأقل وهي بتصرخ .
_ما سمعتش وماشفتش !
تقولها المرأة بعصبية تنفي صدقها لكن ابنتيها تقدمتا منها لتنظرا لها نظرة خاصة ..
نظرة بدت وكأنها لمست شيئاً ما بداخلها جعلها تتراجع لتفسح لهما الطريق كي يدخلا وتغلق الباب خلفهما ..

تشير لهما بالجلوس ثم تجلس بدورها لتفرك كفيها قائلة بتوتر:
_أنا عندي بنات والراجل ده مفتري ومحدش هايقدر عليه .
_وعشان عندك بنات يبقى المفروض يصعب عليكِ وضع غادة ..ذنبها إيه ؟!

يقولها إسلام برفق محاولاً السيطرة على غضب سيف الذي قد يفسد الأمور ..
عادت المرأة تتبادل مع ابنتيها نظرات قلقة ..
لتعاود قولها بتردد :
_احنا طول عمرنا عايشين جنب الحيط ..لا بنحب نعمل مشاكل ولا نيجي ناحيتها .

هنا تحرك سيف ليتقدم بجذعه نحوها وعيناه الدامعتان تتناقضان بغرابة مع مظهره المهيب:
_أنا جاي من السفر عشان غادة ..كل يوم بلعن نفسي عشان اتأخرت عليها ..لولا ترددي وجبني كان زمانها دلوقت معايا ومحدش قدر يأذيها ..
ثم ارتجفت نبرته أكثر وهو يبتلع غصة مريرة في حلقه ليردف :
_أنا خسرت مراتي قبلها وراحت مني برضه بسببي ..أرجوكِ ماتخلينيش أعيش نفس الحكاية مرتين ..لو تعرفي حاجة قوليها ..مابقوللكيش اكدبي ..بس اشهدي بالحق ..كلمتك مش هتنقذ غادة وبس ..هتنقذ كام روح تانية متعلقين فيها ..أرجوكِ !

دمعت عينا المرأة من صدق اللهجة المعذبة التي كان يتحدث بها ..
بينما ازدرد إسلام ريقه بتوتر وهو يكاد يقسم أنه لم يسمع سيف يتحدث بهذه الطريقة من قبل ..
حتى عن انجيل !!
دوماً كان صموتاً كتوماً ككهف غائر متشح بغموضه ..
لكن أن يفيض بركان بوحه هكذا وأمام امرأة غريبة عنه ليحاكيها بما يشبه الرجاء فهو يعني أن شعوره نحو غادة بلغ حداً لم تصل إليه امرأة قبلها !

_قولي يا ماما ..ماتخافيش !
تهتف بها أحد الفتاتين لتحسم المرأة قرارها وهي تحكي لهما ما رأته عيناها ذاك اليوم عبر نافذة المطبخ لديها والتي تطل على
صالة بيت الرجل قبل أن تنهي حديثها بقولها :

_طول عمره مفتري وعينه زايغة ..ده أنا منبهة ع البنات لو شافوه ع السلم ما يطلعوش ..ولا حتى السلام منه يردوا عليه !

تبادل إسلام وسيف نظرات ارتياح نسبية قبل أن يعود إليها سيف ببصره قائلاً بنبرة راجية :
_هتشهدي بالكلام ده ؟!
تعود المرأة لترددها قليلاً وقد غلبتها طبيعتها الجبانة قبل أن تحسم أمرها بنظرات ابنتيها لها ..
لتقول أخيراً بحسم :
_هاشهد !
=======





يدخل شقته أخيراً سامحاً لنفسه ببعض الراحة ..
يروي لعلاء وإيناس ما حدث باقتضاب قبل أن يعود إلى غرفته ..
يغلق بابها خلفه لتتعلق عيناه بفراشه ..
هذا الذي توجهت نحوه خطواته قبل أن تتحسسه أنامله برهبة قدسية وهو يتخيلها هنا ..
هنا ؟!
هي كانت هنا ؟!!

جسده يشتعل بحرارة عاطفته المتقدة نحوها وقلبه يبدو وكأنه لن يستعيد اتزان خفقاته إلا بها ..
يخلع عنه قميصه ليلقيه جانباً بإهمال فيفاجأ بالصوت المعدني لارتطام شيء ما ..
ابتسامة واهنة ترتسم على شفتيه وهو ينحني ليتناول دبلة أحمد يقلبها بين أنامله برهبة مستشعراً قيمة أن تكون الآن معه هو ..

قبل أن يستخرج ميداليتها من جيبه بكفه
الآخر ليقرأ ما نقش عليها بصوت عالٍ :
_حتى تحترق النجوم .

يغمض عينيه وكفاه يضغطان ما بهما بقوة ..
يتشبث بهما تشبثه بالحياة نفسها ..
قبل أن يعاود فتح عينيه لتدورا على مكتبته ..
شيء آخر مشترك جمع بينهما يوماً ويقسم أن لن يكون الأخير ..

جسده المتهالك يتهاوى أخيراً على فراشه ولايزال كفاه متشبثين بغنيمتيهما ..
جفناه ينسدلان رغماً عنه بتعب بعد بضعة أيام لم يذق فيها طعم النوم ..
ابتسامة واهنة تغزو شفتيه بين يقظة ومنام وهو يمد ذراعيه ليحتضن وسادة يتخيل فيها رائحة عطرها ..
وبضع خصلات نبيذية تتراقص بدلال على كتفه هو ..
وشفتين مكتنزتين تهمسان له أحبك ..
فيردها لها عشراً ومائة ..بل وألفاً !
=====


ترمق داليا ملامحه النائمة بهيام امتزج ببعض الدهشة وسبابتها تدور على وجهه كأنها ترسمه ..
هل هذا هو "الأصلع القبيح" الذي صرخت يوماً بكراهيتها له ؟!
كيف صارت نفس الملامح تحمل لها دفئاً لذيذاً يرج قلبها بهذا الصخب ؟!
كيف صارت تعشق أن تستيقظ قبله لتملأ عينيها من هذه القسمات التي تبدو لها كقطعة من الجنة ؟!
تتنهد بهيام وهي تميل ببطء نحوه لتطبع هدية ناعمة على وجنته قبل أن تتحرك ببطء لتغادر الفراش نحو المطبخ ..

ستعد له اليوم فطوراً مميزاً ..
وصفة تعلمتها من ياسمين وتأمل أن تفلح ...
تفتح الثلاجة لتستخرج بعض محتوياتها وتضعها جانباً ..
الوصفة كانت لنوع من المعجنات المحشوة
بالجبن ..
لهذا شعرت بالارتباك وهي ترى العجين قد التصق بكفيها أول الأمر قبل أن تحاول تحريرهما منه ..

_هي قالت بنعجن بمية واللا زيت ..يكونش لبن ؟! هاحط كله ..وهو ورزقه بقا !!

تحدث بها نفسها بصوت مسموع وهي تشعر بفخر مستحدث من دخولها المطبخ للطهي ..


_ونحشيها كده...ونلفها كده...وندخللها الفرن ..لا لا ..اصبري ..

تهتف بها لنفسها من جديد بصوت عال قبل أن تحاول التذكر ..
_بنسيبها تخمر الأول يا فالحة !

تقولها أخيراً باستحسان وهي تغطي الوعاء لتضعه جانباً قبل أن ترتدي مريولة المطبخ الحمراء المنقطة بالأبيض لتتوجه نحو الحوض القريب تغسل ما اتسخ من الأواني ..
لتبدأ في الدندنة :
يا هناه اللي هترضي عليه ويا بخته اللي تعيش ليه
تلاقيه شاف الايام ورد وقت ما عينيك بصوله
يا هناه اللي هترضي عليه ده انت بكلمه تخليه
غير باقي الناس وعايش احساس حب علي أصوله

يا هناه اللي انت بتبقي معاه
والناس جنبك شايفاه
واحن كلام يتقال وياه

يا هناااااااه

كانت تغنيها بصوت منخفض نسبياً لكنها اندمجت مع اللحن لتنطق "هناه " الأخيرة بصوت عالٍ جداً لتفاجأ بكفه على رقبتها يجذبها نحوه مع صوته المتحشرج بأثر النوم :
_قلتلك كام مرة ما تغنيش في المطبخ ..ما تغنيش عموماً !!
فتضحك وهي تتأوه بدلال من ضغط كفه على رقبته هاتفة :

_لزومه إيه بس "قفا المخبرين" ده ع الصبح ..وبعدين أنا بغنيلك يا حبيبي!
_صوتك وحش يا داليا ..قلتلك ألف مرة صوتك وحش .
يقولها مشاكساً وهو يداعب جبينها بجبينه لتهتف باعتراض:
_هتقوللي زي يامن إن صوتي مسرسع؟! وبعدين انت مش بتحبني يبقى تستحملني؟!
_طب أنا بحبك ..وداني وودان الجيران في المناطق المجاورة ذنبهم إيه ؟!

يهتف بها بنفس النبرة المشاكسة لتشهق بغضب طفولي وهي تبتعد عنه لتحلق خصرها بكفيها هاتفة :
_هي دي رومنسية شهر العسل ؟! اروح بقا للعاشق المجهول يدلعني مادام طالبة مع سيادتك رخامة !

فتجلجل ضحكته عالية وهو ينزع عنها مريولة المطبخ ليضمها نحوه ثم يرفعها عن
الأرض فتحلق ساقيها حول خصره كطفلة ..
بينما هو يهمس أمام شفتيها بدفء مشاكس:
_يعني ماطلعتش رومنسي ؟! خيبت أملك قوي ؟!


تنساب عطايا عشقه بعدها على بشرتها سخية ناعمة ..ثم هادرة مشتعلة لتطلق همهمة خافتة تسبق همسها جوار أذنه :
_مش قوي ..يعني ييجي منك .

يشدد ضغط ذراعيه حولها فتتأوه بدلال لتضحك وهي تحرر نفسها من بين ذراعيه لتهبط بقدميها أرضاّ وهي تتوجه نحو الوعاء القريب هاتفة بنزقها المعهود :
_هاعمللك فطار يهوس ..بكرة أنافس ياسمين بمطعم جديد .

_ياخوفي! هي الطوارئ في مستشفى إيه النهاردة ؟!


يهتف بها مشاكساً من جديد وهو يقترب منها لترفع هي الغطاء من على القدر فتفاجأ بالعجين قد تخمر بأكثر مما توقعت حتى التصق بالغطاء..هل وضعت الكثير من الخميرة ؟!!! أين الخطأ؟!

تحاول تخليص العجين من الغطاء فيلتصق بكفيها لتطلق سبة عالية سبقت هتافها العصبي الذي زاده صوت ضحكاته :
_بطّل ضحك وامشي دلوقت على ما أشوف اللي في إيدي .

لكنه تقدم أكثر ليضع كفيه معاً في العجين ثم يحاول التعامل معه هاتفاً :
_الدقيق قليل يا شيف ..عشان كده العجينة ملزقة ..انتِ واثقة م المقادير ؟!

نظرتها المذنبة الطفولية منحته الجواب ليطلق ضحكة عالية وهو يلطخ وجنتيها بقطعة من العجين هاتفاً :
_انتِ مش بتاعة مطبخ ..الكار ده مش كارك يا بنتي ..ياللا ياللا البسي وتعالي أفطرك بره !

تحركت نحو الحوض القريب كي تغسل كفيها لكنه تولى هذا بنفسه في حركة مراعية حنون مستها وأنامله تشتبك أخيراً بأناملها ..قبل أن ينتقل لوجهها يغسله كذلك ..
لتلتفت نحو وجهه القريب منها هامسة بمزيج دلالها وعاطفتها :
_هتفضل تدلعني كده لحد امتى ؟!
_لآخر يوم في عمري ..يا مجنونة .
يقولها وهو يجفف كفيها ووجهها بمنشفة قريبة لتمط شفتيها باستياء هاتفة :
_برضه مجنونة ؟!
لكنه أحاط وجهها براحتيه قائلاً بنبرة مرحة :
_وانتِ فاكرة يعني اني اتولدت عاقل كده ؟! طب اقوللك حاجة ..وانا صغير كنت فاكر إن "الكوليسترول" دي بلد ..وان جملة "خالي من الكوليسترول"اللي بتتكتب دي واحد هو اللي كاتبها وبيتفشخر إن خاله من بلد الكوليسترول ..آه بجد ..وكنت كل مااشوف حاجة مكتوب عليها كده اتغاظ وارميها في الزبالة ..واقول المغرور ده مايستاهلش نشتري منه حاجة ..وماما تستغرب الحاجة بتروح فين ..ماتعرفش ان عندها عاهة في البيت !

كانت ضحكاتها تجلجل مدوية مع كل كلمة يزيدها ..
فيجد صداها في قلبه العاشق ليشاركها إياها للحظات قبل أن يتنهد وهو يضم رأسها لصدره هامساٌ بجدية:
_عارفة يا داليا ؟! في يوم من الأيام ضحكتك دي بس كانت أكبر حلم عندي ..
ثم رفع ذقنها نحوه ليعانق عينيها بنظرات فاضت غراماٌ مردفاً :
_كل مرة بتبقي في حضني ببقى حاسس إني خلاص ماعدتش عايز حاجة من الدنيا ..انتِ بنتي وحبيبتي وصاحبتي ..متزعليش لما أقوللك مجنونة ..انت ألذ وأجمل مجنونة في الدنيا كلها ..اوعي..اوعي تعقلي أبداً !

همساته تنقطع بين شفتيها لتتعلق بعنقه بكل قوتها مستشعرة دفء هذه العاطفة التي لم تحلم بمثلها يوماً ..
تشعر به يحملها بين ذراعيه من جديد ليعود بها إلى غرفتهما ..
يمددها فوق فراشهما لتظللها أنفاسه أخيراً بينما يزيح خصلات شعرها من على وجهها ..
فتهمس معانقة نظراته المشتعلة بعاطفته :
_كل مرة ببقى عايزة أقوللك بحبك بلاقيها بتتقلب "شكراً وآسفة"..آسفة على كل لحظة من عمري ضاعت بعيد عنك..وشكراً عشان ماسمحتليش أضيع اللي باقي من غيرك .

فيغمض عينيه بتأثر من كلماتها بسيطة المعنى عميقة الأثر ..
ليقترب منها أكثر مداعباً شفتيها بسبابته :
_كنتِ بتغني بتقولي إيه بقا؟!
لكنها زمت شفتيها كطفلة غاضبة لتتذكر :
_مش قلت صوتي وحش ؟!
_عشان تحرّمي تغني في المطبخ وصوتك يعلا وحدّ يسمعه !
يهمس بها بنبرة مؤنبة ناقضت حنان
قبلاته ..
فابتسمت لتهمس بدلال عاتب:
_مش هتبطل طريقتك دي ؟! اللي ماربتوش الأيام والليالي يربيه مروان !
ضحكته الرائقة تصدح في أذنيها وهي تشعر به يغمرها بين ذراعيه متجاوزاً عبارتها .. قبل أن يصلها همسه :
_قولي بقا ..كنتِ بتغني إيه ؟!

_يا هناه اللي هترضى عليه ..ويابخته اللي تعيش ليه ..
تهمس بها بهيام لتذوب بقية حروفها بين ذراعيه وهي تتلقى جموح عاطفته لترد له عطايا عشقه بمثلها ..
عالمٌ خلف عالم يفتح لها أبوابه فتنطلق فيه حرة محلقة بحب ..
ليس يشبهه حب!

_مش قلت هنفطر بره ؟!


تهمس بها باعتراض فجأة قاطعة سحر اللحظة ..
فيزفر بقوة وهو يرتفع عنها ليقذفها
بالوسادة برفق عاتباٌ قبل أن يعود ليبثها غرامه وهمسه يتأرجح بين غيظ وعاطفة :
_مش لما نفطر جوه الأول!
======









على حافة حوض السباحة تقف بثوب سباحتها الوردي كحورية ناعمة ..
شعرها الأسود يتطاير بانسيابية حول
ملامحها الفاتنة بجمالها الطفولي ..فلا يعيب الصورة سوى عصابة عينيها !

ابتسامتها الهانئة تمنحه بعض العوض وهي تبسط راحتيها على صدره العاري فتشعر بكل خفقة يبثها قلبه نحوها ..

_جاهزة ؟!
يهمس لها بها بصوته القادر وحده على حملها لهذا العالم الذي تحبه ..
فتومئ برأسها لتتعلق بذراعيها في عنقه فيحتضن خصرها براحتيه قبل أن يبدأ في العد :
_واحد ..اتنين ..تلاتة ..

ومع الرقم الأخير يحملها ليقفز بها في الماء لتشهق شهقة عالية وهي تزيد تشبثها بعنقه ..
تشعر بالماء حولها يلسعها ببرودة منعشة فتطلق صيحة عالية تجعله يهمس بقلق:
_خايفة ؟!
وجوابها يكون أبسط ما يكون ..وأعمق ما يكون !

_أنا معاك .
فتزداد خفقاته جنوناً وهو يلصقها به أكثر ..
يدفن أنفه في حنايا عنقها يتلمس عطراً لن تشاركها فيه سواها ..
عطر براءة ممتزجة بعشقه !

_وفيت بوعدي أهه ؟! مش كان نفسك نعوم سوا .
يهمس بها وهو يحرك ذراعه حولهما سامحاً لهما بالحركة فتتجمد ابتسامتها لذكرى معينة تجتاحها خاطفة مع همسها الشارد :
_الشط ..بعيد ؟!

كلماتها تعيده لتلك الذكرى الخاصة بينهما عندما كانا صغاراً ..

على أحد شواطئ الاسكندرية تقف جواره كأجمل طفلة رآها لكنها كانت تخاف البحر ..
زين تركها ليسبح وحده فبقيت هي مكانها تراقب الموج بتردد ..
هنا تقدم هو ليمسك يدها وينزل بها إلى الماء ..
كانت خائفة أول الأمر لكنها لم تلبث أن استجمعت شجاعتها وهي تسبح جواره ..

_كفاية كده ..مش عايزين نبعد ..
قالها خائفاً عليها لكنها فاجأته بقولها المنطلق وقتها وسط ضحكاتها الصافية :
_عايزة أفضل أعوم على طول ..عايزة بحر مالوش شط ..بس خلليك ماسك إيدي .

كانت هذه أول مرة يشعر فيها بقيمته عندها قبل أن تتعمق علاقتهما بعدها يوماً بعد يوم ..


لهذا تنهد الآن وهو يبعدها برفق ليمسك بيدها بنفس الطريقة كيومها قائلاً :
_مفيش شط ..عومي زي ما تحبي يا همسة ..أنا معاكي .

ضحكتها تغرد في أذنيه صافية كما كانت يومها وهي تضغط كفه وقد بدت وكأنما تراودها الآن نفس الذكرى ..
تتحرك بسلاسة وهي تضرب الماء بقدميها ..
تدور وتدور في حلقات تمسك كفه بأحد كفيها بينما ذراعها الآخر تفتحه على آخره كأنما تحتضن به العالم كله ..
صيحاتها الفرحة العالية تملأ الفضاء حولهما كأنما تشهد الدنيا على سعادتها ..


لم تكن ترى حقيقةً أي شيء ..
لكن "عين خيالها" كانت تبصر جنة حقيقية هاهنا ..
يدها الممسكة بها تجعل ضرباتها للماء أقوى ولحن قديم يملأ أذنيها بصوته ..
ما حاجتها الآن لعينيها وهي ترى بحبه كل الصور ؟!
تشعر به أخيراً يحرر يده منها فينقبض قلبها ببعض الخوف ..
لكنه يحيط خصرها براحتيه ليعاود تقريبها منه ..
أنفاسهما تتعانق من جديد لتشعر بمذاق شفتيه على بشرتها ..
فتمد أناملها ببطء تتلمس ملامح وجهه كأنها ترسمها ..
_عايزة ..أشوفك .

تهمس بها برجاء بين "عذوبة" و"عذاب"!
ولا تدري كيف تذبحه حروفها ..
هو الذي كان الآن يتمزق برغبته فيها وهو يشعر بها بين ذراعيه أقرب ما تكون ..
وأبعد ما تكون !!
جسده كله متشنج بقوة حرمانه بينما تعاود هي رجاءها مرة تلو مرة ..
فلا يجد سبيلاً لإسكات شفتيها إلا هذه القبلة الطويلة التي غابا فيها عن العالم بأسره ..
قبل أن يشعر بها تبتعد لتمد أناملها نحو عصابتها تحاول خلعها..

_لا!
يهتف بها بجزع وهو يحيط أناملها بقبضتيه ..
لترتجف شفتاها وهي تهز رأسها للحظات سبقت نزول دموعها على وجنتيها ..
عذاب!!
عذاب!!
عذاب خالص يعيشه معها بهذه الصورة لكنه لا يجرؤ على أن يسمح لها برؤيته من جديد !!
دموعها توازي أخرى تجمعت في عينيه اللتين أغمضهما وهو يعاود ضمها نحوه ليربت على ظهرها قائلاً بنبرة متماسكة :
_كفاية كده النهارده عشان ما تبرديش .



ثم أبعدها ما يكفي ليمسح دموعها بأنامله مردفاً :
_لما ترجعي أوضتك هتلاقي هدية حلوة بتحبيها .

قالها ليقبل جبينها أخيراً بقوة قبل أن يتحرك بها من جديد ليغادرا حوض السباحة ..
تشعر به يجفف جسدها بالمنشفة قبل أن يقبل جبينها من جديد لتشعر به يبتعد من جديد ..
الخادمة تسحبها من كفها نحو الكوخ لتنزع عنها عصابتها قبل أن تساعدها في الاغتسال وتبديل ملابسها ..


تتحرك بعدها نحو مرآتها لتمشط شعرها فتستوقفها هذه العلبة الصغيرة هناك ..

ضحكة رائقة تغادر شفتيها وهي تميز محتواها لتهتف بلهفة :
_بابلز!

تفتحها بسرعة لتستخرج العصا المنتهية بحلقتيها والتي نفخت فيها لتنبعث الفقاعات الملونة حولها ..
صيحاتها الفرحة توازي قفزاتها الطفولية وهي تدور حول نفسها مطاردة فقاعاتها الملونة التي ملأت الغرفة ..
_رائد ..رائد ..بحبك !


تهتف بها وسط صيحاتها الفرحة لتجد صداها في قلبه بينما يراقبها خفية عبر النافذة بعينين مزجتا الرضا بالذنب القديم ..
قبل أن يطرق برأسه ليبتعد بخطوات متثاقلة ..
أما لهذا العذاب من آخر ؟!
=======








لم نكن لنفترق ..
ولم نكن لنلتقي ..
فبقينا كطيور محلقة في سماء أبدية..فقدت وطنها القديم ووجهتها الجديدة ..

لم نكن لنفترق ..
ولم نكن لنلتقي ..
فبقينا كابتسامة تترنح على شفاه متشققة بين وعد أمل ووعيد خذلان ..

لم نكن لنفترق ..
ولم نكن لنلتقي ..
فبقينا كزهرة حمراء أهداها عاشق ..وزهدها حبيب ..فمزقها طفل عابث تحت قدميه ..

لم نكن لنفترق ..
ولم نكن لنلتقي ..

فأي فردوس أضعناه ؟!
وأي جحيم ولجناه ؟!
وأي رمادية ذبحنا بها ألواننا ؟!!

لم نكن لنفترق ..
ولم نكن لنلتقي ..
فأنت مني القريب البعيد ..
وانا منك المنجية المهلكة..
جبلان من الأضداد كنا ولم نزل ..
فهنيئاً لنا الشتات بعد طول سكن ..

أجل ..
لم نكن لنلتقي ..ولم نكن لنفترق!!
"نرمين نحمدالله "
======
بخطوات متثاقلة تسير ياقوت في حديقة بيت رائد الذي استقبلها بحفاوة ليدلف معها إلى الداخل ..
قلبها يتقافز بين ضلوعها بترقب وقد ميزت وجود سيارة زين بالخارج ..
لكنها ترفع رأسها لتلتمع نظرة التحدي الواثقة في عينيها ..
هي استعادت حريتها ..كرامتها ..وبرأت من الجرح القديم ..
لن تقبع مكانها في انتظار رجل زهدها ..
فليمضِ كل منهما في طريقه الذي يليق به ..
ولا عزاء لخفقات القلوب!!

_همسة مستنياكي .

يقولها رائد وهو يتوقف أمام باب كوخ همسة ليبتسم لها بمؤازرة فهزت رأسها لتفتح الباب وتدخل ..
ولم تكد تفعل حتى صرخت همسة بفرحة لتهرع إليها لتعانقها هاتفة :
_وحشتيني !

فتنهدت بعمق مطمئنة للمزيد من تقدم
حالتها وهي تضمها نحوها أكثر بحنان لتربت على شعرها الجميل قائلة :

_وانتِ كمان ..بس هاعوضك النهاردة ..هاقعد معاك كتير .

صفقت همسة بسعادة أشرقت لها ملامحها فابتسمت ياقوت وهي تلمس تطور حالتها أكثر ..
لتتقدم منها فتنظر نحو المائدة القريبة حيث وضعت سلة من البيض ..تناولت منه واحدة لتمنحها إياها قائلة :
_وريني هترسمي إيه !

فابتسمت همسة وهي تجلس على كرسيها لترسم ..
عيناً ..عيناً أخرى ..أنفاً..
ثم تلكأت ابتسامتها رويداً وهي تتلفت حولها كأنها تبحث عن شيء ما ..قبل أن تبتئس ملامحها نوعاً وهي ترسم "نصف ابتسامة"!

هزت ياقوت رأسها بتفهم وعيناها الذكيتان تتابعان تطور الحالة ..
قبل أن تتناول منها البيضة لتضعها جانباً ..
ثم سحبت كرسياً جوارها لتسألها :
_ليه ما بتكمليش رسم الضحكة للآخر ؟!
_عشان ..هو ..مش موجود .

تجيبها همسة ببراءتها البائسة لترد ياقوت :
_بس انتِ حاسة إنه معاكِ ..حواليكِ ..صح؟!

هنا عادت لهمسة ابتسامتها وهي تشرد ببصرها قائلة :
_دايماً .

_صوته بيريحك لما بتسمعيه ؟!
تسألها بترقب لتتسع ابتسامة همسة مجيبة بنفس الشرود :
_قوي .
_مش فاكرة أي حاجة عن شكله ..ممكن توصفيهولي؟!
وسؤالها كان هذه المرة أكثر حذراً وهي تخشى أن يتهاوى سد الماضي فينبعث منه فيضان الذكرى هادراً دون رادع ..

لكن همسة تغمض عينيها لتصمت طويلاً قبل أن تهز رأسها نفياً بعجز ..

_صورته ..ضاعت !

تقولها أخيراً بنفس البراءة البائسة وهي تفتح عينيها مع كفيها الخاليين كأنما تشكو إليها !!

ولا تدري ياقوت لماذا دمعت عيناها في هذه اللحظة لتجد نفسها تمد كفيها هي نحوها لتحتضن راحتيها بقوة هامسة :
_هنرجّعها سوا ..أوعدك ..هخلليكي تشوفيه زي ما بتسمعيه .

فابتسمت همسة من جديد وهي ترمقها بنظرة حب نقية قبل أن تهمس لها برجاء:
_اقريلي .

ومع الكلمة تجتاح ياقوت عاصفة من الذكرى وهي تسمعها بطنين مدوٍ في خيالها لكن ..بصوت آخر!!
صوته هو!!
تغمض عينيها بحنين وهي تتذكر جلستها بين ذراعيه ..
هذا الإحساس الفريد الذي غمرها يوماً بأن ظهرها صار له سند !
هذا الهسيس الناعم لأنفاسه يصدح جوار أذنها وكيف في بضع ثوانٍ فقط يلتحم بدقات قلبها ليعزفا معاً على نفس الإيقاع ..

_لو مش هتسمع أبطل قراية .
_بسمع بوداني مش بشفايفي!

ذكرى أخرى تغلفها بابتسامة ودمعة !!
مزيج مدهش يطوقها فتغمض عينيها بقوة قبل أن تعاود فتحهما بنفس النظرة المتحدية ..
لا ..لن تضعف نحوه من جديد !!
هو اختار عالمه دونها ..فليهنأ به ..
هو لم يكن فارسها على أي حال !!


_مسسسسم ...نفسي فيه ..وأقول "إخيه"!!

مداخلة حامية من "العفريتة العابثة" التي عادت تعربد بين جنباتها ..كأنما استعادتها مع "قوتها الجديدة " التي ارتدت بحريتها !


لكنها تجاوزت عن كل هذا لترتدي قناع مهنيتها من جديد ..
تتناول كتاباً قريباً ترفعه أمام عينيها لتقرأ لهمسة بصوت عالٍ ..
همسة التي عادت للشرود مع حكاياتها الخيالية لدقائق طالت كثيراً ..
لكنها أعلنت أخيراً تململها غير المعهود وهي تعاود التلفت حولها ..
فابتسمت ياقوت شاعرة بالمزيد من التقدم ..
هي لم تعد تنجذب لعالم الخيال بقدر ما صارت راغبة في البحث عن رائد في العالم الحقيقي حولها ..في الامتزاج به ..
وقريباً ..الاكتفاء به !
"نداهة" عالمها القاهرة لم يعد لها نفس السلطان القديم !

_تحبي نخرج الجنينة ؟!

تسألها ياقوت وهي تتفحص ملامحها باهتمام مهني ..
اللهفة ..الفرح ..الأمل ..
كل هذه المشاعر التي تراقصت على ملامح همسة وهي تعدو نحو باب لم يعد مغلقاً ..
تخرج نحو الحديقة لتدور حول نفسها فاردة ذراعيها ..
ترفع وجهها للسماء معانقة زرقتها مع بياض سحبها ..
والابتسامة تتحول لضحكة ..ثم عدة ضحكات عالية ..
سبقت احتضانها لياقوت التي لحقت بها ..


قبل أن تقبلها همسة على وجنتها بحب لتشير بإصبعها نحو نافذة البيت الداخلي هاتفة :
_زين .

ارتجفت ياقوت لحظة لوقع الاسم وهي تنظر نحو ما أشارت إليه لتلتقي عيناها بعينيه للحظة سبقت إشاحتها بوجهها !

قلبها يخفق بجنون لكن نظرة التحدي تعاود سكنى عينيها !

وفي مكانه كان هو يراقبهما عبر النافذة شاعراً أنه يبذل مجهوداً خرافياً كي يبقي قدميه ملتصقتين بالأرض ..
كي لا يعدو نحوهما فيضمهما سوياً في عناق طويل مستعيداً هذا التوازن الذي غاب عن عالمه منذ غابتا ..
عيناه تتعلقان طويلاً بضحكات همسة الصافية ..
قبل أن تحيدان رغماً عنه لملامح ياقوت التي اشتاقها حد الجنون !!
عقله يأمره بالصبر ..
بمنحها ومنحه الفرصة كي يلتئم الجرح القديم قبل أن يأخذ القرار المصيري ..
فيطيعه قانعاً بنظراته المختلسة نحوها ..
لكن ..
وما إن التقت عيناها بعينيه حتى عاد مارد جنونه يعربد بين جنباته ومطيحاً بأي تعقل ..
لحظة واحدة التقت فيها النظرات عبر هذا البعد لكنها نسفت واحداً من جبال صموده ..
ليجد نفسه يغادر مكمنه نحوهما ..
يقترب منهما بخطوات "ظاهرها"الرصانة و"باطنها" ألف هرولة !
لم يعرف يوماً بطئاً يشبه لهفة العجلة كما يعرف الآن سيره نحوها !!!

_زين !
تعاود همسة الهتاف بها قبل أن تحط على صدره بلهفة ..
فيضمها إليه بكل قوة جسده عدا ..عينيه !!
عينيه كانتا متعلقتين بهذه التي وقفت مكانها تراقبهما عبر نظارتها التي عاودت ارتداءها كأنها تعلن عودة أسوارها الحصينة أمامه ..


ابتسامة مهنية بنكهة التحدي ارتسمت على شفتيها ليقرأها هو واضحة تماماٌ ..
ابتسامة تلت نظرة "عاشقة" تفحصته بلهفة "أمومية" دافئة رغم كل هذا البرود الذي تدعيه ..
ورغم استشعاره لمقاومتها الظاهرة لمشاعرها القديمة نحوه ..
لكنه كان راضياً عن بداية تعافيها من جرحه القديم على أي حال .
الغافلة تظن نفسها تداري مشاعرها عنه خلف ابتسامة باردة ..
ولا تدري أن خلف نظارتها هذه قمرين سجينين يستصرخانه دوماً أن لا محرر لهما غيره ..
وسيفعل!
يقسم أنه يوماً ما سيفعل!!

وفي مكانها رسمت ياقوت ابتسامتها ببراعة تداري هذا البركان الذي يحرقها بحممه ..
سراجا الذهب في عينيه يلتمعان بتلك النظرة التي أسرتها منذ أول لقاء ..
لم يلقِ إليها بتحية ..ولا بكلمة واحدة ..
لكنها كانت تشعر أن هذا العناق أمامها يخصها هي!!

تغمض عينيها على الخاطر الأخير فترى نفسها بين ذراعيه ..
كأنها لم تعد ترى لهما وضعاً إلا في عناق يجبر به كلاهما كسر صاحبه !!
لكنها تعاود فتحهما من جديد بسرعة مستنكفة أن تعود لهذا الضعف ..

لهذا تناولت هاتفها بسرعة تجري اتصالا ما ..
قبل أن تقترب من همسة لترد له تجاهلاً بتجاهل فتخاطبها بقولها :
_هامشي أنا دلوقت ..وأجيلك بكرة .

ابتعدت همسة عن زين لتتشبث بذراعها هاتفة بتلعثم :
_بدري ..قلتِ ..هتقعدي كتير .
لكن ياقوت ابتسمت وهي تنظر في ساعتها :
_معلش ..افتكرت معاد مهم كنت ناسياه ..نعوضها بكره ..

ابتأست ملامح همسة لكن ياقوت تناولت عصابتها هي من جيب منامتها لتلفها حول عينيها برفق قائلة :
_أنا هامشي ..بس هو هيفضل معاكي .

تقولها وهي تشير لرائد المختبئ قريباً خلسة فيتقدم نحوهما ليمسك كف همسة التي ضحكت ضحكة عالية مفاجئة وهي تشعر بوجوده ..
قبل أن تلقي بنفسها بين ذراعيه !!

تتحرك ياقوت لتغادر مستمرة في التجاهل له لكنها كانت تشعر وكأنما نبتت لها عينان في ظهرها ..
عينان تريانه بكل وضوح يسير خلفها ..
يحافظ على خطوة واحدة بينهما لو توقفتها هي واستدارت لوجدت نفسها أمامه تكاد
تلاصقه ..

وجنتاها تتضرجان بحمرة لم تملكها لكنها تقمع هذا الشعور بالخجل بفورة غضب تريد إذكاءها ..
لم تكره يوماّ ك"أنصاف الحلول"ولايزال هو يصر على التراقص بها فوق حبل ال"بين بين"!

تتعثر دون وعي فتسقط حقيبتها منها وقبل أن تفكر في التقاطها تجده هو ينحني ليسبقها فيلتقطها قبل أن تجده أمامها يمد كفه بحقيبتها ..
يناظرها ب"سراجي الذهب "المتوهجين ببريق يبقى دوماً مكتسحاً !!

_مش مقامك تعملها يا ..بيه !

بأنفها المرفوع ..ذقنها الشامخ ..وابتسامتها المتحدية حديثة العهد تقولها وهي تتناولها منه لتعيدها لكتفها ..
فتتسع عيناه قليلاً وهما تدوران فوق ملامحها باشتياق ذبح قلبه ذبحاً فيضطر لأن يقبض كفيه بقوة جواره كأنما يخشى المزيد من تهوره ..
هو لم يكن ينتوي أن يقترب منها اليوم فلماذا فعل؟!
وكيف غابت عنه سيطرته -المشهود لها- هكذا ؟!
قطرات من عرق خفيف تغزو جبينه وعيناه تحيدان لموضع قرطه المختبئ خلف أذنيها مستعيداً مذاق قبلاته هاهنا ..
تراها لا تزال ترتديه ؟!
بالتأكيد تفعل!
ولماذا "بالتأكيد" هذه ؟!
مع امرأة هذه لا ثوابت !!
هي وحدها من يمكنها زلزلة عرش غروره
فلا يعرف جواباً لسؤاله !!

لهذا اهتزت نبرة صوته المهيمنة دوماً ليرد بخفوت تلون بعاطفته :
_بس مقامك انتِ تتعمل عشانك ..
ثم انخفض صوته أكثر حد الهمس:
_يا ياقوت !




_ياختاااي ..يااا أحلى ياقوت في عمري ...ورجعنا لأيام الشقاوة ..ما تحنّي بقا يا بت هو يعني كان ضربك بالنار ؟! بس اقوللك ..اتقلي التقل صنعة ..بس برضه مش قوي ..هيجنني ابن اللذينا !

لم تلم "عفريتتها العابثة" هذه المرة وهي تشعر برعشة جسدها تجعلها تسبل جفنيها هاربة من لقاء نظراته ..
عقلها "الذكي" لم يغفل عن إشارته في ندائه لها باسمها المجرد مقابل لفظة "بيه" التي لفظتها كأنها تعاقبه بها !!
تماماً كما لم يغفل قلبها عن ملاحظة انقباض كفيه المتشنج جواره بدلالته التي وصلتها كاملة ..
لكن تبقى الحواجز بينهما أقوى من كل هذا ..
ولا عزاء لقلب تعلق بمن ليس له !

_هاوصلك!
الهيمنة الممتزجة باللطف المميزة له تعود لتغزو صوته فيما لم يبدُ كعرض مهذب بل كأمر واقع ..
لكنها كانت فرصتها لتستعيد ابتسامتها الباردة المتحدية :
_شكراً ..إسلام مستنيني بره هيوصلني .

ضاقت عيناه بغضب مكتوم انتشرت ذبذباته بينهما عنيفة وهو يتبين سر هذه المكالمة التي أجرتها منذ دقائق ..

قمراها السجينان يعودان للاختباء خلف غيومها فيشعر بالمزيد من التخبط ..
أنامله تستسلم لمارد جنونه أخيراً فتمتد نحو نظارتها تكاد تخلعها ..
لكنها تقرأ حركته بخبرتها الذكية به فتتراجع بجذعها للخلف مانعة إياه مما يريد ..
مزيج الغضب والجنون يلونان عينيه بصبغة أكثر جاذبية خاصة لعينين تفهمانه مثلها ..
فتتسع ابتسامتها المتحدية وهي تعدل وضع نظارتها على أنفها بحركة ذات مغزى قبل أن تعطيه ظهرها لتبتعد دون أن تلتفت !!

يكز على أسنانه بقوة وهو يعاود اعتصار قبضتيه جواره بينما يراها تبتعد أكثر ليفتح لها الحارس البوابة قبل أن يعاود إغلاقها خلفها لتختفي عن ناظريه تماماً ..
فيزداد شعوره بهذه البرودة التي خلفتها وراءها ..
وأي برودة !
======
_وشك مورد يا توتة ..قابلتيه هناك ؟!
يقولها إسلام بفراسته المعهودة وهو يقود بها سيارته في رحلة الرجوع وقد خالط مرحه الكثير من الاستياء بطبيعة الحال ..

لتطرق برأسها مستدعية قناع قوتها بقولها:
_طبيعي أقابله هناك لحد ما اخلص علاج أخته ..وبعدها كل واحد يروح لحاله .
_مش مقتنع باللي بيحصل ده ..بس واثق في دماغك .
يقولها بنفس الاستياء لتتنهد بحرارة وهي تشيح بوجهها ..
فعاد يهتف بحمية أكبر:
_قاللك حاجة ضايقتك ؟!
فهزت رأسها نفياً دون رد قبل أن تتردد قليلاً لتحكي له أنه كان السبب فيما حدث
لجيلان ..
لكنه فاجأها بضحكة مكتومة وهو يلتفت نحوها قائلاً بنبرته المرحة التي لا تزال ممتزجة بالضيق:
_كنت مراهن نفسي إنه هو ..ابن اللعيبة !
_أنا آسفة ..صدقني عملها من ورايا ..
قالتها مبررة وهي تستشعر حرج الموقف فجيلان تبقى أمه رغم كل شيء ..
لكنه زفر بقوة ليشرد ببصره في الطريق قائلاً:
_في علاقتنا المكعبلة دي لازم نفصل الخيوط عشان نعرف نعيش ..وبعيد عن أنها تبقى أمي ..بس حركته دي معناها إنه فعلاً بيحبك .

_أنا متأكدة إنه بيحبني ..
قالتها بحسم وهي تعود للإطراق برأسها لتردف:
_بس ده مش كفاية لواحد زيه مع واحدة زيي .
رمقها بنظرة مشفقة طويلة وهو يشعر أن جرم أبيه في حقها هي وشقيقتها كان أكبر كثيراً مما يمكن احتماله ..
لو لم تكن هي ابنة حسين رجائي بكل ذنوبه وخطاياه لكانت لها فرصة مع هذا الرجل الذي أحبته وأحبها ..
لكن ..لا تزال هناك فرصة لتحسين الوضع ..

_أنا خدتلك شقة قريبة من المركز ..ما تخافيش عملت عقد الإيجار باسمك المرة دي تحسباً لأي حركات نص كم من الست الوالدة ولو اني مااظنهاش تكررها ..
قالها ببعض المرح الذي عاد لنبراته ..قبل أن يردف:
_وبالنسبة للمركز خلاص بدأت في الإجراءات ..وفي أقرب وقت هنعمل الافتتاح ..بس كنت عايز أسألك لو اخترتِ حد معين من زمايلك يبقا معاكِ .
_في بالي كام اسم بثق فيهم ..هاكلمهم ونتفق .
قالتها بنبرتها المهنية التي غزاها المزيد من الطموح ..
ليردف هو باستحسان:
_عظيم جداً ..فيه واحد كمان ممكن نضيفه ..صاحبي وقابلته صدفة في فرح قريب ..اسمه سامر ..سامر مرزوق.
فرفعت حاجبيها بدهشة هاتفة :
_سامر مرزوق!
_تعرفيه ؟!
سألها باهتمام لتجيبه بابتسامة استحسان:
_طبعاً ..كان دفعتي بس ماشفتوش من زمان ..لكن سمعت إنه شغال في مركز كبير وعمل اسم حلو .
_سابه من فترة وبيدور على شغل تاني ..وبصراحة لما قابلته في الفرح عرضت عليه الموضوع مبدئياً ..بس قلت آخد رأيك الأول .
قالها بالمزيد من الرضا لترد هي بابتسامة ودود :
_سامر مش محتاج رأي ..شاب مكافح وحفر في الصخر لحد ما وصل للي هو فيه ..بس اللي أعرفه إنه كان ناوي يسافر بعد الماجستير ..ما سافرش ليه ده جت له فرص حلوة جداً !
سألته باهتمام ليرد بنبرة آسفة :
_والدته تعبانة ومارضيش يسيبها لوحدها ..وهو مالوش اخوات .
فابتسمت لترد بإعجاب:
_مش بقوللك سامر مش عايز رأي ..
ثم تناولت هاتفها لتتصل برقم ما وما إن فتح الاتصال حتى هتفت بعد تحية تقليدية :
_قولي لابن عمك يجهز للمنافسة ..أنا وهو هنبقى زملا في مركز واحد ..قوليله إني مش ناسية تار الحالة اللي خطفها مني أول ما اتخرجنا ..وشايلاها له !

ضحكتها الرائقة وهي تتلقى الرد أطربت قلب إسلام حقاً وهو يشعر أنها صارت أفضل حالاً ..
فيما استجابت هي لثرثرة معهودة مع صديقتها على الهاتف قبل أن تغلق معها الاتصال لتلتفت نحوه هاتفة بمرح:
_كده تستنى منه تليفون يقوللك إنه موافق وفي أقرب فرصة ..مش هيضيع فرصةالتحدي معايا .
فتفرس ملامحها ليسألها بمكر:
_شكلكم معرفة قديمة ..أطلع أنا منها بقا .
لكنها ابتسمت لتقول بشرود :
_كانت أحلى أيام ..ياريتها دامت ..أنا وهو كنا أشطر اتنين في الجروب بتاعنا ..كنا بنقسم المواد بيننا هو يبيّض نص المحاضرات وانا النص التاني ..كان مسميني شجرة الدر وكنت مسمياه اينشتاين ..وبعدما اتخرجنا اتدربنا سوا فترة في مركز معروف ..بس بعدها انا سبت المركز ومن ساعتها ما اعرفش اخباره إلا من صاحبتي اللي هي قريبته..كان ..

انقطعت عبارتها عندما رن هاتفه ليضحك ضحكة عالية وهو يشير نحوها بالهاتف دون أن يفتح الاتصال:
_ده هو!! لا ده انت سرك باتع ..معقول لحقت قريبته تكلمه !!

فضحكت لتقول بود أشرقت له ملامحها:
_طب افتح ورد عليه !

_أيوه يا أبو سمرة !
يقولها وهو يفتح الاتصال بضحكة قصيرة ليقابله صوت سامر على الجانب الآخر من الاتصال :
_انت طلعت أخو ياقوت سليمان بجد ؟! إزاي؟!
فضحك إسلام وهو يغمز ياقوت جواره هاتفاً:
_أيوه يا عم أينشتاين ..شجرة الدر جنبي أهه وبتسلم عليك !
رمقته ياقوت بنظرة خجلة عاتبة خاصة عندما تناهى لسمعها صوت ضحكات سامر من الجانب الآخر للاتصال ..
والتي سبقت قوله :
_قوللها والله زمان يا دوك ..خلاص يا عم ..أنا معاكم في المركز ده ..ليا تار قديم مع اختك وهاخلصه !
_أيوه بقا ..هو ده الشغل ..وزي ما بيقولوا : رُب صدفة خير إن شاء الله ..هاكلمك أول ما أبدأ ونتفق ..
قالها إسلام مخاطباً الرجل الذي بدا شديد الود وهو يقول أخيراً بنبرة مهذبة :
_بلغ دكتورة ياقوت سلامي ..وقل لها إني وافقت مخصوص عشانها .
_اخس عليك ! ولد ! وأنا كيس جوافة يعني ؟! ماليش اعتبار عندك ؟!

ضحكت ياقوت بانطلاق وهي تلكز إسلام بكفها في كتفه ليغمزها الأخير من جديد قبل أن يغلق الاتصال معه ليلتفت نحوها هاتفاً :
_شفتي الندل؟! بيقول وافق مخصوص عشانك ..وأنا كنت هابوس إيده في الفرح ويقوللي مابشتغلش مع مبتدئين .
فابتسمت وهي تشعر بحنين جارف للأيام القديمة لتقول بشرود :
_أنا مبسوطة جداً إني هاشتغل معاه تاني ..سامر دماغه نضيفة ومكسب لأي مكان يشتغل فيه .

رمقها إسلام بنظرة متفحصة وهو يشعر ببعض الحيرة ..
لو لم يكن يعلم أنها غارقة في حب زين هذا لظنها عالقة مع سامر ..
سامر الذي التقاه مصادفة في زفاف داليا شقيقة زوجة أشرف بينما كان يتحدث مع ناصر وزوجته !
ورغم اضطراب علاقته المستحدث بناصر لكن هذا لم يؤثر على الود الذي يستشعره نحو سامر الذي هو قريب سها ..
هو اعتاد الفصل في هذه الأشياء ..
تعلم درسه هذا بأقسى الصور ..
والجالسة جواره الآن خير دليل!!

_وصلنا!
هتف بها وهو يوقف السيارة أمام الفندق الذي استأجر لها غرفة فيه ..فابتسمت وهي ترمقه بنظرة مشرقة ليلتفت نحوها مستديراً نحوها بكل جسده مع قوله :
_الشقة محتاجة بس تتفرش عشان تعرفي تقعدي فيها مع لجين ..وأنا هحاول أوزع وقتي بينكم وبين هيثم وماما ..
ثم تنهد ليردف بمسكنة مصطنعة :
_ده انا لو متجوز اتنين مش هيمرمطوني كده !

ضحكت ضحكة عالية وهي تربت على كفه بتعاطف قبل أن تغادر السيارة ملوحة له بكفها ليغمزها من جديد هاتفاً:
_سلام يا ..شجرة الدر !
=======










في مكتبها بالمصنع تجلس نشوى شاردة وهي تشعر بحيرتها تزداد مع تقدم الوضع بينها وبين ناصر ..
لا تزال مترددة في منحه موافقة نهائية والغريب أنه لا يتعجلها !
عقلها يحدثها أن هذا طبيعي كي لا يضغط عليها خاصة مع ظروفه التي لن توافق عليها أي امرأة ..
لكن قلبها "المراهق" يتمنى لو يفعلها ..
لو يتعجلها !
لو يشعرها أنه يشتاق قربها كما تشتاق قربه !

_مامي ..هالعب كمان جيم ..

تهتف بها ريما التي تصطحبها هي اليوم استثنائياً للعمل وهي ترفع "التابلت" الخاص بها ..
فتجيبها بذهن شارد وهي تتذكر كيف تعلقت الصغيرة بناصر في هذا الوقت القصير ..
كيف شغل هو فراغاً تركه أبوها زاهداً منذ سنوات ..
ليس فقط بهداياه ونزهاته المتعددة لها ..بل بهذه العاطفة السخية التي يغدقها عليها هو ..وزوجته !
زوجته !!
زوجته !!
نفس المرارة تصب كئوسها في حلقها وهي تتذكر وضعهم الغريب الذي قد يكون مثالياً حقاً كما يزعم هو ..
لكنها هي تستشعره شاذاٌ !!

صوت طرقات على الباب يقاطع أفكارها ..

_صباح الخير .
يقولها إسلام وهو يدخل لتتهلل أساريره وهو يفاجأ بالصغيرة التي تقدم منها ليصافحها بحرارة هاتفاٌ :
_أهلاً أهلاً ..اسمك إيه يا حلوة ؟!

_ريما ..جريد وَن ..(....)سكول !
تقولها الصغيرة بنفس التيمة التي تحفظها كأنها نشيد فيضحك ضحكة عالية وهو ينحني على ركبتيه أمامها مقلداً طريقتها :
_اسلام .."جريد زيرو" .."نو سكول"!
يقولها ملوحاً بكفيه أمام وجهها بحركات طريفة جعلت الصغيرة تضحك هاتفة :
_كل الكبار "نو سكول"..أنا عايزة أكبر عشان أبقى "نو سكول" زيكم !

_والله واحنا نفسنا نصغر ونرجع ال"سكول"!
يهتف بها بمسكنته المصطنعة وهو يمد يده في جيبه ليستخرج قطعة من الشيكولاتة منحها إياها :
_حظك ! كنت جايبها لأختي بتموت في الشيكولاتة .
_آخدها يا مامي ؟!
تسأل نشوى التي بقيت ترمقهما بنظرة مغتاظة لتهتف بحدة :
_قوليله ميرسي يا أنكل ..خلليها لأختك !
لكنه التفت نحوها بابتسامته المغيظة الباردة :
_هاجيبلها غيرها !
ردت له ابتسامته بأخرى سمجة قبل أن تلتفت نحو صغيرتها قائلة بحزم :
_روحي لخالو أشرف دلوقت يا ريما .

ترددت الصغيرة قليلاً قبل أن تنفذ أمرها لكن إسلام هتف بها بمرح:
_مفيش بوسة وشكراً ليا ؟!
فضحكت ريما وهي تميل على وجنتيه بقبلتين هاتفة :
_اتنين بوسة ..واتنين شكراً !
_كريمة زي خالو ..الحمد لله إنك ما طلعتيش لناس تانيين !



يقولها إسلام بنبرة ذات مغزى لتتحرك الصغيرة مغادرة بخطوات راكضة فيما استقام هو واقفاً ليواجه نشوى التي بادرته بقولها الجاف:
_مش معلمة بنتي تبوس وتحضن أي حد م الشارع ..ياريت اللي حصل ما يتكررش !
_ما هو أنا مش م الشارع ..أنا من قنا ..آه حقيقي ..الوالد الله يرحمه كان له أصول من هناك !

يقولها بتظارف بارد لتكتم ابتسامتها بصعوبة هاتفة بنبرة أكثر حدة :
_عايز إيه ؟!
لكنه صمت ليرمقها بنظرة متفحصة طويلة أربكت أنوثتها قبل أن يقول بنبرة رخيمة :

_بيقولوا لو الراجل اهتم بزيادة بطفل يبقى معجب بالست اللي جنبه !
فتمالكت نفسها لتتلفت حولها قائلة ببرود :
_بس أنا مش شايفة رجالة في الأوضة !

كانت تعلم أن عبارتها مهينة بأكثر مما تحتمل علاقتهما ..
لكنه صار يمثل عليها ضغطاً إضافياً بهذه العدائية التي تحملها نحوه والتي لا تجد لها مبرراً مقنعاً !!
خاصة مع تلميحاته السخيفة التي تزداد وطأتها بكونه معجباً بها ..
إذا كان هو جريئاً فهي وقحة ولن تمرر له
قولاً أو فعلاً !

_و همّ فين الستات ؟!
يرد لها إهانتها بمثلها بسرعة بديهة لا تنقصه قبل أن يستطرد بنفس الابتسامة المغيظة :
_دي مجرد جملة قريتها وافتكرتها !

تكز على أسنانها بقوة لتهب واقفة مكانها وهي تهتف به بغيظ مكتوم :
_لتاني مرة بسألك ..جااااي لييييه ؟!
فاتسعت ابتسامته المغيظة وهو يتقدم ليجلس بأريحية على الكرسي أمام مكتبها :
_عايز أجازة أسبوع عشان مشغول بمشروع خاص بيا أنا وأختي .
_أسبوع؟!
تهتف بها بغلظة وهي تعاود الجلوس على مكتبها لترمقه بنظرة حادة..
فمال نحوها بجذعها هاتفاً بنفس النبرة الرخيمة التي يدرك أثرها في النساء:
_نخلليهم خمس أيام عشان الناس اللي هاوحشها !
احمر وجهها بغيظ وهي تشعر بارتفاع ضغط دمها حقاً لتهتف به بنفاد صبر :
_خد لك شهرين تلاتة ..والأحسن لو تقعد في بيتكم وتريحنا منك خالص!

فابتسم وهو يعتدل واقفاً ليعدل وضع ياقة قميصه بينما يرفع أحد حاجبيه بمكر هاتفاً :
_على بركة الله ..يبقى يومين وراجع !

يقولها ليغمزها بمكر في حركة وجدتها منه هو بالذات شديدة الجاذبية ..

ربما لهذا تقدمت منه لتصرخ في وجهه بانفعال:
_انت يا أستاذ انت تحترم نفسك لما تكلمني ..انت ازاي تغمزلي كده ؟!

_أنا غمزت ؟! أبداً ..دي بس عيني الشمال بترف م الصبح ..ربنا يستر ما بتفائلش لما بتعمل كده !

يقولها بمسكنته المصطنعة ولغة جسده تنضح بمزيج آسر بين شقاوة طفولية وجرأة رجولية ..
مزيج وجد أثره فيها رغماً عنها لتجد نفسها لأول مرة تتفحص ملامحه ..
هل هو وسيم حقاً كل يوم هكذا أم أنها فقط لم تكن تنتبه ؟!

الخاطر الأخير يجعلها تنتفض شاعرة
بالخطورة لتهتف به بالمزيد من الحدة :
_اتفضل امشي .
_امضيلي الأجازة .
يقولها بنبرة رخيمة عاد إليها سحره الرجولي وهو يمد يده بالورقة نحوها..
لتنتزعها منه كي توقعها بأنامل مرتجفة قبل أن تعيدها إليه ..
فعاد يرمقها بنظرة متفحصة طويلة وهو يشعر نحوها بنفس الانجذاب الذي يزداد يوماً بعد يوم ..
ليس فقط كونها مختلفة تماماً عن أي نوع صادفه من النساء بطبيعتها "التين شوكية" هذه ..

بل هذا الشعور المتزايد بالشفقة نحوها ..
من يراها هنا في المصنع بشخصيتها الكاسحة لا يصدق هذا الوهن الذي رآه منها مع ناصر ..
أي شيء يمكن أن يوهن امرأة كهذه ؟!
الحب؟!
هل تحب ناصر حقاً ؟!
الخاطر الأخير يصيبه بالضيق وهو يكاد يصرخ فيها أنها ستكون أغبى امرأة في العالم لو وافقت عليه بظروفه هذه ..
وأنها تستحق أكثر من نصف رجل ..
لكن ما سلطته هاهنا ؟!
هو مجرد متطفل غير مرغوب فيه لديها !!


لهذا مط شفتيه بحركة استياء قبل أن يعاود غمزته الماكرة لها عمداً -وقد شعر بأثرها عليها -:
_سلام يا أستاذة ..وادعي لعيني تخف!

يزداد احمرار وجهها المغتاظ وهي تراقب ظهره المنصرف لتمسك بأقرب ما طالته يداها كأنها ستقذفه فيه ..
قبل أن تتمالك نفسها لتهمس من بين أسنانها :
_هيشلّني !

تزفر بحنق مبالغ فيه لتتهاوى جالسة على كرسيها ..
انفعالاتها صارت متطرفة حقاً هذه الأيام وكيف لا ؟!
وضغط "الماضي الذي عاد" تزداد وطأته أكثر ..
فيفقدها التوازن أكثر وأكثر..

تفتح هاتفها لتتفقد حساب ناصر كما تعودت ..
دوما منشوراته جدية تميل لناحية سياسية معينة بحكم وظيفته ..
لكنه اليوم كتب هذا !

_محظوظ أنا بكِ ..بهذا الحب الذي لم تفقده الأيام أثره ..بهذا السحر الذي تجددين به عمري ..وبهذه الابتسامة التي لم أعرفها صادقة هكذا إلا عندما التقينا !


عيناها تتسعان قليلاً وهي تعيد قراءتها مرة تلو مرة ..
قلبها يتقافز بين ضلوعها فرحاً أنه يقصدها هي ..
لكن عقلها يتدخل ..ألا يحتمل أنه يعني زوجته ؟!
تعيد القراءة لعلها تجد بين السطور إشارة تريحها ..
لكن لا جدوى ..نفس الحيرة ..نفس الحيرة !!

لكنها تبتسم أخيراً وهي تميز تاريخ اليوم ..
الغد يوافق تاريخ يوم مولده ..
طيف عابر من "أيام مراهقتها" يداهمها إذ كيف تمنت طويلاً وقتها لو يمكنها إهداؤه شيئاً يذكره بها طوال الوقت ..

ابتسامتها تتسع وهي تستجمع شجاعتها لتهاتفه فيصلها صوته الآسر مميزاً بدفء مستحدث :
_إزيك يا نشوى ..كنت لسه هاكلمك .

عبارة بسيطة لكن قلبها تلقاها كهدية عيد فتهدج صوتها لتسأله :
_كنت عايز حاجة ؟!
_لا ..كنت هاطمن عليك بس .

قلبها يخفق بقوة وهي تشعر أنها يمكنها الآن حسم قرارها ..
معه هو فقط ..أقل القليل يكفيها!!

لهذا توردت وجنتاها بخجل مع قولها :
_كنت عايزة أقابلك بكرة .
شعرت بتردده قليلاً ليخفت بريق الفرحة في قلبها لكنه عاد ليرد :
_ماشي ..الساعة تمانية يناسبك ؟!
_تمام ..
قالتها بالمزيد من الخجل الذي امتزج ببعض الحزم هذه المرة وهي تلقي شرطها الذي فاح منه عتاب خفي:
_بس المرة دي ..لوحدنا .
======





_انتِ اللي غلطانة يا سها !
تهتف بها أمها بعتاب عبر الهاتف وهي تستمع منها لتردف ؛
_فيه واحدة عاقلة تعمل اللي عملتيه ؟! الراجل ماكانش عايز يتجوز وعاند أبوه عشانك ..تقومي انتِ اللي تطلعيها في دماغه وتختاريهاله كمان .

_بمزاجي أحسن ما يبقى غصب عني !
تقولها مبررة بقوة مناقضة لهذا الوهن الذي صار يتمكن منها أكثر وأكثر كلما تقدمت
علاقة ناصر ونشوى ..

_انتِ فاكرة إنه عشان ماحبهاش زمان ممكن ما يحبهاش دلوقت ؟! ضامنة قوي إنك تفضلي لوحدك في قلبه طول العمر ؟!

تعاود أمها جلدها بها فتنساب دموعها الصامتة على وجنتيها بينما الأولى تعاود عتابها :
_اسمعي كلامي ..لو اتجوزها وخلفت له ابن غصب عنه قلبه هيميل ليها أكتر ..وساعتها هتبقي انتِ اللي جنيتي على نفسك ..انتِ ..

_أنا بتقطع ومحدش حاسس بيا ..
تصرخ بها فجأة مقاطعة حديث أمها لتنهمر دموعها مختلطة بكلماتها :
_قدامه هو مضطرة أبين أني مبسوطة ومش فارق معايا ..وقدامها هي أبين إني واثقة في نفسي ومش غيرانة ..وقدامكم أبين إني لسه زي ما انا ماسكة الخيوط كلها في إيدي ..بس أنا من جوايا هاموت م الخوف يا ماما ..خايفة ييجي اليوم اللي اخسره بسبب حاجة ماليش ذنب فيها ..والده مش هاسيبيه وأنا عارفة ..يبقى إيه البديل ؟! إيه البديل ؟!

تنهار بعدها في بكاء متصل لينقبض قلب أمها وهي تشعر بما كانت تخفيه من ألم طوال هذه الأيام خلف واجهتها القوية ..




_اهدي يا بنتي ..اهدي عشان خاطري ..أنا
هالبس وأجيلك .
تهتف بها أمها بجزع لتمسح سها دموعها وهي ترد عبر شهقاتها المكتومة :
_ماتقلقيش ..أنا هابقى كويسة ..ناصر زمانه جاي ..النهاردة عيد ميلاده وهانحتفل بيه سوا زي كل سنة .

_مش بتقولي رايح يقابلها ؟!
تسألها أمها بتوجس لتصرخ هي من جديد :
_ماهو مش هيتأخر معاها ..هيرجع لي أكيد ..أكيد هيرجعلي .

تحاول أمها تهدئتها ببعض العبارات لكنها هي تغلق معها الاتصال بنفاد صبر ..
قبل أن تتصل بناصر لتتفجر كلماتها تباعاٌ :






_هتروحوا فين ؟! ...روحوا مطعم (.....)
_هتطلبوا إيه ع العشا ؟! ...ماتنساش إنك بتتعب من المقليات خلليك في المشاوي.
_هتقعدوا أد إيه ؟!.. ساعة كفاية .
_هتتكلموا في إيه ؟! ...ما تحكيش كتير ..سيبها هي تتكلم .

كان يواجه سيل أسئلتها العصبية -التي تجيبها بنفسها- بتفهم محاولاً احتواء غيرتها لكنه شعر بصوتها يرتجف في السؤال الأخير الذي لم تجبه هي بنفسها هذه المرة :

_هترجعلي ؟!

فارتفع حاجباه بدهشة للحظة مدركاً ما خلف السؤال قبل أن تستطرد هي بما وجدته مناسباً لإكمال تساؤلها مدارية تخوفاتها :
_هترجعلي.. امتى؟!

زفرته المشتعلة تصلها عبر الهاتف وهو يشعر بما تعانيه وتصر بعناد أن تداريه عنه ..
لكنها تسيئ فهمه لتهتف بعصبية :
_خلاص يا ناصر ..لو السؤال ده ضايقك كده ما تردش..تعال وقت ما تحب !

تقولها لتغلق الاتصال معه دون انتظار رده قبل أن تغلق هاتفها كذلك لتتهاوى باكية على فراشها ..
سيذهب إليها ..وحدهما هذه المرة ..
تستعيد ذكرى اللقاءين اللذين جمعاها بهما ..
وتسمح أخيراً لسيول غيرتها أن تعبر عن نفسها ..
مشهد ناصر وهو يحمل ريما بينما الأخيرة تقبله ..
هذه النظرة التي لم تلمحها في عينيه أبداً من قبل ..
نظرة حنان أبوي ينتظر ..
ينتظر شاطئاً حقيقياً ترسو عليه سفينته !!

يلومونها ؟!
علامَ؟!
على حبها له ؟! على قدرها أن تكون أنثى ناقصة في مجتمع كهذا ؟!
أم على أنها اختارت "أهون الضررين" ..
اختارت له المرأة التي ظنت أنها لن تثير "دخان" غيرتها ..
ولم تدرِ أنها في كل الأحوال ستحترق !!

لم تدرِ كم ظلت تبكي على فراشها لكنها وقفت أخيراً لتمسح دموعها ..
آن وقت ارتداء القناع !

تتوجه نحو الحمام القريب لتعيد ضبط زينتها ..
قبل أن تتحرك نحو خزانة ملابسها لترتدي أبهى قمصانها ..
عطرها المثير الذي تعرف أثره عليه ..

تتفقد الحفل الصغير الذي أعدته لهما وحدهما ..
الشموع الحمراء ككل عام ..
زهوره التي يحبها ..
والكعكة التي تحمل صورتهما معاً حتى ولو كان عيد ميلاده وحده ..
وأخيراً هديته التي اختارتها له هذا العام مميزة بعمق احتياجها لها ..
تذكرتي سفر لمكان بعيد يكونان فيه وحدهما ..
هو وهي فقط !!

الدقائق تمر في عدوها كالساعات ..
لم تمضِ أكثر من ساعة لكنها تشعر وكأن كل دقيقة فيها تحرقها ..
تحرقها وهي تتصوره معها ..
تتصور نظراتها العاشقة له ..
هل يصبر الرجل على نظرات أنثى عاشقة حتى ولو كان يزهدها ؟!

التساؤل الأخير يغرس النصل في صدرها أكثر ..
لتراه أخيراً يدخل عبر باب الغرفة وملامحه لا تقل صراعاً عن ملامحها ..
ورغم أنها اعتادت أن تكون هي بادئته بالعناق عقب وصوله لكنها في هذه اللحظة بدت وكأنها تنتظر برهاناً !

برهاناً كهذا الذي منحه إياها وهو يهرع إليها ليضمها لصدره بقوة قبل أن يهمس لها عاتباً :

_أنا قلت كام مرة إن حركة قفل التليفون دي بتعصبني ؟!

ابتسامتها المتصنعة ترتجف ككذبتها :
_فصل شحن !
_سها!
يهمس بها بعتاب أكبر وهو يشد جسدها نحوه أكثر ..
لكنها تجاهلت الأمر بكبريائها المعهود لتتسع ابتسامتها الكاذبة وهي تسأله :
_اتبسطت ع العشا معاها ؟!

أطبق شفتيه بقوة وعيناه تتراقصان بين عتب وإشفاق ..

حتى "طبيعته العملية " المعهودة خذلته هاهنا وهو يشعر أنه ضعيف حقاً أمام هذا
الألم الكبير الذي يجعلها تعانيه ..

_أكيد جابتلك هدية ..وريني جابتلك إيه !

هنا أشاح بوجهه الذي ظللته ملامح الذنب ليبتعد عنها خطوة معطياً إياها ظهره .. فاتسعت عيناها قليلاً بتوجس ..
ما الذي يجعل عينيه تحملان هذه النظرة المستغفرة ؟!!

فانحدرت نظراتها تتفحصه باهتمام لتتوقف أمام معصمه ..
هذه الساعة هدية نشوى ؟!!
أين ساعتها هي؟!!

_انت قلعت ساعتي عشان تلبس بتاعتها ؟!
تتمتم بها مصعوقة ليلتفت نحوها مبرراً بضيق:
_هي فاجأتني بالموضوع وماقدرتش أحرجها ..لقيتها فجأة بتقلعني التانية وبتلبسني دي ..وأنا ..

_قلّعتك ساعتي؟!
لا تزال تتمتم بها بنفس النبرة الملتاعة موشية بقرب الانهيار ..
ليتقدم هو منها معتصراً كتفيها بقبضتيه هاتفاً :


_ما تكبريش الموضوع ..هي ماتعرفش أنها ساعتك ..كل الحكاية إنها جابت هدية وحبت تشوفني لابسها ..

لكنها كانت تتمتم مصعوقة بما بدا كالهذيان :
_خليتها تقلّعك ساعتي وتلبّسك بتاعتها ؟!

انعقد حاجباه بغضب وهو يهم بالرد لولا أن انتفض جسدها بين ذراعيه كالمحمومة لتنهار باكية ...
السد الصلب الذي احتمت خلفه طوال هذه الأيام يتهاوى الآن أمامه ليشهدها لأول مرة بهذا الانهيار ..


يتجمد للحظات مبهوتاً وهو يرى الموقف تافهاً لا يستحق من شخصية قوية مثلها هذا الانهيار ..
لكنه يندفع أخيراً بقوة عاطفته ليطوقها بين ذراعيه محتوياً جسدها المرتجف ببكائه هاتفاٌ :

_اهدي يا سها ..ماحصلش حاجة عشان كل ده ..أنا ماعملتش حاجة من وراك..كل خطوة كانت بعلمك ..حتى المطعم انت اللي اخترتيه ..

لكن كلماتها كانت تسكب الوقود فوق غيرتها أكثر ..
هي التي فعلت حقاً ..
لكن هل يخفف هذا الجرح ؟!
هل يطفئ هذه النار التي تشتعل بين ضلوعها ؟!

تحاول التماسك ب"رفعة رأس" لكن دموع انهيارها تغلبها من جديد ليشعر بها تكاد تسقط بين ذراعيه ..
هنا لم يتمالك نفسه وهو يبعدها ليخلع الساعة عن معصمه بعنف ثم يطيح بها لتصطدم بالحائط فتسقط متهشمة تحت قدميهما ..
قبل أن يحيط وجهها بكفيه يمسح دموعه بإبهاميه بعصبية عنيفة فجرها انفعاله ..
ليتملك شفتيها أخيراً بقبلة عميقة سحبت أنفاسهما معاً للحظات ..
وتخللتها همساته الحارة بصدق :

_بحبك ..والله العظيم ماحبيت ولا هاحب غيرك .

والكلمات لم تعد وحدها تكفيها كالسابق ..
شيء ما قد فُقِد !

_اللي بنعمله ده جنان ..لسه الفرصة قدامنا نوقف كل ده ..احنا التلاتة هنخرج خسرانين .

كاد يهتف بها بوازع من ضمير وهو يشعر أنه ينساق نحو هذه الهاوية التي ستودي
بثلاثتهم ..
لكن "طبيعته العملية" لا تزال تحكم سيطرتها على تصرفاته ..
لهذا استبدل كلماته بأخرى يدرك أين ستنتهي :

_كلمة أخيرة يا سها وهاسمعها منك مهما كانت ..قوليلي كمل في الجوازة دي أو ما تكملش .
يهتف بها أخيراً عبر أنفاسه اللاهثة وهو يبعد وجهها ليتلقف نظراتها الزائغة ..
لكنها استعادت قناع تماسكها لتغمغم بما توقعه :
_كمل يا ناصر .
قالتها وهي ترمق الساعة المكسورة تحت قدميها بنظرات ذبيحة ..
والسؤال يطرح نفسه من جديد ..
مع كل خطوة يخطوها ثلاثتهم في هذا الطريق ما الذي سيتهشم بعد ؟!

غصتها تخنق حلقها وهي تنسحب من بين ذراعيه لتهمس برجاء غريب على طبيعتها القوية :
_عشان خاطري ..عشان خاطري سيبني الليلة دي لوحدي ..وأنا هابقى كويسة .

انعقد حاجباه بضيق وهو يراها تختفي من أمام ناظريه لتغلق باب الغرفة الجانبية عليها ..
فأطلق زفرة ساخطة وهو يتلفت حوله نحو مراسم الحفل الذي فسد !
لأول مرة منذ تزوجها يقضيان ليلة كهذه متباعدين ..
يتحرك نحو الكعكة التي حملت صورتهما معاٌ كالعادة والتي تجددها هي كل عام بأخرى حديثة العهد ..
فينقبض قلبه بشعور قاسٍ ..
هل ستكون واحدة أخرى هنا في نفس الليلة من العام القادم ؟!
=======










_الشقة حلوة قوي يا توتا !
هتفت بها لجين بسعادة وهي تتجول في الشقة الجديدة التي فرشها إسلام ..
لترد ياقوت برضا بينما تمدد قدميها على
الأريكة في الصالة :
_وميزتها إنها قريبة من المركز ..
ثم تنهدت بارتياح لتهمس وكأنها تحدث نفسها :
_شكل الدنيا هتضحك لنا واللا إيه ؟!

ضحكت لجين وهي تتقدم منها أخيراً لتجلس على الكرسي جوارها هاتفة :


_جدع قوي إسلام ده ..وهيثم كمان ..أنا مش مصدقة عينيا إننا نرتاح كده بعد الشقا اللي شفناه .

_ربنا كريم على قولة ستك ثمر ..المهم طمنيني إنتِ عاملة إيه في العلاج ؟!

لم تكن ياقوت تحتاج لهذا السؤال فهي تتابع مع طبيبتها الحالة أولاً بأول ..
الطبيبة التي أخبرتها أن حادثة قتل حسين
بالجرة نفسها التي كانت تخفي فيها المسروقات تبدو وكأنها هدية من السماء في حالتها هذه !
الصدمة التي تبعت قتله بنفس آداة إخفاء مسروقاتها جعلتها تشعر بمفهوم "الثأر" ..
ربما لهذا لم تعد تشعر بنفس الغبن القديم ..
صارت متقبلة أكثر لنفسها ..وخصوصاً مع الدعم العاطفي المستحدث الذي يمنحه له أخواها ..
الحالة تتحسن ..بل في طريقها للشفاء !

لهذا لم تتعجب ابتسامة لجين الراضية وهي ترد ببعض الحرج:
_ماشي الحال ..المهم ستي ثمر ماتعرفش .
_مش هتعرف ..ماتخافيش ..اللي يستره ربه ما يفضحوش عبد .
تقولها ياقوت بيقين وهي تسترجع مأساتها الخاصة لتضحك لجين ضحكة عالية سبقت قولها :
_بقيتي بتتكلمي زي ستي ثمر تمام .
_وأنا أطول يا "أوبرا"؟! ستك دي مدرسة !

هتفت بها ياقوت باعتزاز ليقاطعها صوت الجرس فانتفضت من مكانها هاتفة :
_ده أكيد إسلام جايب الغدا ..هاموت م الجوع !

تحركت لتفتح الباب الذي دخل منه إسلام ليلقي التحية على لجين قبل أن يناول ياقوت ما بيده هاتفاً بأنفاسه اللاهثة :
_ده الغدا ..حطيه هنا على ما اجيب بقية الحاجات !

_حاجات إيه ؟!
تسأله ليلوح بكفه دون رد ..فيما اختطفت لجين منها كيس الطعام لتبدأ في رصه على المائدة ..

بينما وقفت ياقوت تنتظر عودة إسلام الذي وصل حاملاٌ كيسين ضخمين وضعهما جانباً قبل أن يغلق الباب خلفه هاتفاً :
_غذوني بقا يا اخواننا ..أنا فطست اليومين دول .

تعالت ضحكات ياقوت ولجين بينما تربت الأولى على كتفه برفق لتدفعه نحو المائدة هاتفة :
_لا التغذية دي عايزة ستي ثمر ..تعال لنا انت بس البلد يوم كده وأوعدك نرجعك زايد خمسة كيلو ع الأقل .
_نفسي والله ..بس ستك ثمر لو شافتني ممكن تعملني كفتة .
يقولها وهو يجلس على المائدة ببعض الحرج الممتزج بمرحه مستشعراً دقة موقف أبيه منها ..
لتهتف لجين باعتراض:
_أبداٌ والله ..ده ستي دي مفيش أطيب منها ..دي نفسها تشوفك وتشكرك كمان عشان صاحبك وصى عليها .
_صاحبي مين ؟!
يقولها بفم مليئ بالطعام لترد ياقوت :
_ظابط اسمه ناصر !

ظهر الاستياء على وجه إسلام مع ذكر الاسم ليمضغ الطعام بسرعة مع همهمة ضائقة ..
قبل أن يقول بمرحه المعهود :
_طب خلصوا الأكل بسرعة عشان جايب لكم هدوم تحضروا بيها الافتتاح !

_بجد ؟! ده أنا كنت ناسية خالص!
تهتف بها لجين بسعادة لتعدل ياقوت وضع نظارتها على أنفها قائلة باعتدادها المعهود :
_أنا بقا محضرة نفسي ..أشيك بدلة في مصر .

رمقها إسلام بنظرة متشككة وهو يكتم ضحكته ليقول وهو يضع لها المزيد من الطعام في طبقها :
_بصراحة أنا كنت عايز أكلمك في الموضوع ده من زمان .
_موضوع إيه ؟!
تسأله باهتمام ليتبادل نظرات محرجة مع لجين التي هزت كتفيها بجبن ..
فيحاول هو انتقاء عباراته :

_إيه رأيك تخلليني مستشارك الفني في موضوع اللبس ده الأيام اللي جاية ؟!
_وأنا ذوقي وحش؟!
تهتف بها بتنمر عبر فمها المليئ بالطعام ليبتسم هاتفاً بمشاكسة :
_هو مش وحش يا توتة ..هو مفيش ذوق أساساً !

شهقتها المستنكرة تجعلها تغص بالطعام فيناولها كوباً من الماء مردفاً بنفس النبرة المشاكسة :
_حبيبتي ستايل لبسك ده بطلوه من التسعينات .
_تسعينات ؟!
تهتف بها باستنكار عقب شربها للماء ليرد هو ملوحاً بكفه :
_أو تمانينات مش فاكر !!

جلجلت ضحكة لجين التي كتمتها وياقوت ترمقها بنظرة زاجرة ..
قبل أن تلتفت نحوه قائلة بأنف مرتفع :
_ماتخافش ..المرة دي مااستنش
الأوكازيونات ..وجبت أشيك وأغلى حاجة في (.....).

تبادل مع لجين نظرة بائسة وهو يميز اسم المحل البسيط الذي ذكرته ..
قبل أن يمط شفتيه باستياء جعلها تنتفض من مكانها هاتفة :
_لا بقا ..ده أنا أقوم أغسل إيدي وأفرجك عشان تنبهر .

وضعت لجين كفها على شفتيها تكتم ضحكتها ..
فيما تنهد هو بصبر منتظراً مفاجأتها التي غابت قليلاً لتعاود الظهور بها ..

تتسع عيناه قليلاً وهو يميز اللون البرتقالي الفاقع الذي اختارته لبدلتها ..
والذي تزامن مع ألوان الوشاح التي لا تقل عنه بشاعة !

_اللون ده مع لون عينيا بيعمل شغل ..برتقاني مع أخضر بقا وكده !

قالتها ياقوت باعتزاز مبالغ فيه وهي تشير حول وجهها باستعراض ..
فأخفت لجين رأسها تحت المائدة تكتم ضحكاتها عاجزة عن التوقف مع رد فعل
إسلام المصدوم ..
والذي وقف مكانه ليتوجه نحوها هاتفاً :
_انتِ كنتِ هتحضري الافتتاح بدي؟!

_مش عاجباك دي ؟! انت عارف بكام ؟!
تهتف بها مدافعة ليطرق برأسه للحظات قبل أن يتناولها منها ليضعها جانباً برفق..
قبل أن يحيط وجنتيها براحتيه هاتفاً برجاء مصطنع :
_أبوس إيدك يا شيخة ..أبوسك انتِ شخصياً ..خلليكي انتِ في العلم ..وسيبيلي أنا الطلعة بتاعة الشكل دي ..انتِ حلوة وييجي منك والله ..عايزة بس شوية ..شوية ..
_شوية إيه ؟!
تهتف بها بعينين مهددتين ليحاول البحث عن لفظ مناسب :

_شوية هندمة ..سيبيلي نفسك بس ..وأنا هاعمل منك فاشونست.

مطت شفتيها بعدم اقتناع وهي تزيح كفيه عن وجهها لتتوجه نحو الكيسين عند الباب ..
فتحت أحدهما لتستخرج منه بدلتها التي اختارها لها ..
بسيطة التصميم بلون كريمي هادئ ..مع وشاح بلون الفستق الفاتح ..


_عادية ! لا لون ولا شياكة ..بس ماشي ..إيه ده ؟! إيه ده ؟! هو ده تمنها بجد واللا الكود بتاعها ؟!

هتفت بالعبارة الأخيرة بارتياع لتعلو ضحكته وهو يراقب ملامحها الملتاعة بينما تستطرد :
_والله حرام عليكِ ..تدفع كل ده في بدلة ؟! ده تمنها بس يجوّز اتنين في بلدنا !

لكنه جذب أذنها برفق مشاكساً مع هتافه :
_بصي بقا ..جو "عم دهب" اللي عايشالي فيه ده ماعادش ينفع ..فكي الكيس يا آنسة "كريمة" .


ضحكات لجين في الخلفية تثير استفزازها أكثر لتحرر نفسها منه هاتفة باستنكار :
_انت اللي سَفيه !..اللي زيك المفروض يتحجر عليه ..عارف لو ..

صوت رنين هاتفها يقاطعها فترمقه بنظرة مغتاظة قابلها بضحكة أخرى وهو يراها تتفقد الهاتف لتقول بملامح لانت نوعاً :
_ده سامر .

_طب ردي يا شجرة الدر!
يغمزها بها كعهده قبل أن يتحرك ليعاود الجلوس على المائدة ..
بينما فتحت هي الاتصال ليصلها صوت سامر الذي يمزج تهذيبه بالود القديم
كالعادة :
_مساء الخير يا ياقوت ..كنت عايزك في كام استفسار كده بخصوص المركز ..

تبتسم وهي تتلقى استفساراته لتجيبها بتحفظ ..
تعلم أنه قد يتحسس من موقفها الآن وهي تعتبر مديرة المكان بعد طول منافستهما القديمة ..
لكنها تثق كذلك في حسن تقديره ..

تتذكر عندما التقته بالأمس بمقر المركز لأول مرة منذ سنوات طويلة ..
شكله تغير كثيراً ..لايزال يحمل نفس الملامح الطيبة الهادئة لكنه بدا لها أكثر حزناً ووقاراً ..
ترى كيف رآها هو ؟!
قديماً لم تزد علاقتهما عن مجرد زمالة قوية لم تتطور حتى لصداقة فقد كانت بنشأتها القروية أكثر تحفظاً من هذا ..

لكنها بالأمس لمحت في عينيه إعجاباً قوياً لم تدرِ مبعثه ..هل هو نجاحها الذي وصلت إليه في عملها ..
أم يتعدى الأمر هذا !
كانت تعلم أنه يحب إحدى قريباته تدعى سها ولم يتزوجها لفروق طبقية ..
لكنها لا تستطيع الجزم أن هذا سبب تأخر زواجه حتى الآن ..
لماذا يشغلها أمره الآن ؟!
ربما لأنه يشبهها كثيراً في رحلة كفاح بدأها كلاهما من الصفر حتى وصل لما يحسده عليه كثيرون ..
لكن ما هي واثقة منه تماماً أنها مرتاحة كثيراً لعملهما الآن معاً ..
لهذا اتسعت ابتسامتها وهو يقول أخيراً بارتياح :
_كده تمام قوي ..نجهز بقا عشان نعيد أمجادنا القديمة .

_ربنا يكرم ..متحمسة جداً وخايفة أكتر .
تقولها بتوجس معتاد لكن صوته يأتيها دافئاً يمنحها المزيد من الأمل :
_ياقوت سليمان ما بتخافش ..لما بتحط حاجة في دماغها بتوصل .

تبتسم وهي تشعر أنها تحتاج سماع هذا الآن حقاً لتغلق معه الاتصال بنظرات شاردة ..

تشعر أن المركز الجديد هذا سيكون نقطة فاصلة في تاريخها ..
جبلها الجديد الذي لن تتخلى عن صعود قمته ..
لكن بقواعدها الجديدة هذه المرة !
=======









حفل الافتتاح كان مميزاً حقاً !
حرص إسلام أن يبدو بأرقى صورة وقد دعا إليه جميع معارفه وأصدقائه ..
كذلك ياقوت التي اعتبرته محطة انطلاقتها الجديدة .


_مش دي الطرحة اللي جبتها .. برضه حطيتي "التاتش" بتاعك !
همس بها إسلام بغيظ وهو يميل عليها عندما استقبلها أمام الباب متفاجئاً بوشاحها البرتقالي الفاقع الذي ارتدته مع البدلة الكريمية ..
لتهمس له مبررة :
_قلتلك البرتقاني مع لون عنيا بيعمل شغل ..ايش فهمك انت ؟!

خبط كفه بجبهته في يأس لتبتسم وهي تخطو معه إلى الداخل ..
تشعر بالمزيد من الثقة وهي ترى دعم إسلام جوارها ..
وتتمنى لو كانت ثمر هي الأخرى هنا ..
منعتها صحتها الواهنة من الحضور فلم تعد تحتمل مشقة السفر ..
لكنها وعدتها بحفل شبيه تقيمه لها في القرية عند عودتها !

عيناها تلتقيان بعيني يامن الذي حضر لتوه مع ياسمين وعابد فتضحك بسعادة وهي تتقدم نحوهما لتصافحهما بود شاكرة لهما الحضور..

لكنها تستشعر شيئاً ما غامضاً بنظرات عابد
بالذات نحو لجين التي وقفت منزوية هناك بركن قصي تراقب الحضور بمزيج من فرحة وخجل ..
شيئاً لم يمكنها تفسيره لكن حدسها لم يخطئه .

مروان هناك مع داليا يتقدم نحوها ليهنئها بحفاوة ..لم تتعجب حضوره فقد كان صديقاً لسامر منذ سنوات ..

تبحث بعينيها عن إسلام لتجده منخرطاً في الحديث مع علاء وسيف ..يبدو أنها قضية تلك المرأة غادة التي حكى لها عنها والتي توشك أن تنفرج أزمتها ..

تتمنى لو حضر هيثم كذلك لكنهم لا يزالون يمنعونه الخروج خشية أن تنكشف له الحقيقة ..
لا بأس ..غداً تحل كل الأمور !
الخاطر الأخير تستدعيه بابتسامة وهي تعاود تفحص الحضور بشرود ..
المكان كان مزدحماً حقاً لكن قلبها لم يكن يرجو من الحضور إلا واحداً ..
واحداً لم يأتِ ولا تظنه سيفعل ..
اكتفى بزهور أرسلها !
هذه الذي وقفت هي أمامها دامعة العينين وقد شعرت أن سعادتها انطفأت فجأة برؤيتها ..
هل هذا ما بقي بينهما ؟!
زهور وبطاقة !

ترفع البطاقة المرسلة معها لكنها كانت خالية إلا من اسمه مع ..
ثلاثة عشر نقطة !!

ابتسامة شاحبة تلون شفتيها وهي تتذكرها بعدد عناقاته المحسوسة ..
إذن كان يعدها عداً مثلها ؟!
الغافل لا يدري أن هناك واحداً زائداٌ أحسته هي رغم هذا البعد !!

الدموع تتكدس في عينيها أكثر وهي لاتزال متخشبة أمام زهوره التي لم ترغب أن يراها سواها ..
لهذا حملتها أخيراً لتتوجه بها نحو غرفة مكتبها الخاصة ..

هذه التي فتحتها لتضع الزهور على منضدة جانبية جوار مكتبها ..
قبل أن تعتدل بجسدها تراقبها بشرود ..

هذا هو -بالضبط- مقامها عنده !
هدية رومنسية ناعمة يرسلها لكن ..في الظل!
اليوم بالذات كانت تريده هنا ..حتى ولو رحل بعدها لعالمه الذي توقن أنها لن تنتمي يوماً إليه !

دمعة خائنة تتسرب من طرف عينيها وهي تشعر أن الخيط الذي جمعهما يوماً يزداد وهنه يوماً بعد يوم ..

_لو أعرف إنك هتحطيهم هنا كنت مليتلك المكتب ورد .

تشهق بانفعال وهي تميز صوته خلفها لتلتفت ..
ليس بجسدها فحسب بل بروحها كلها !!
عيناها تعانقان عينيه بهذه النظرة التي تثير جنونه حتى وهي سجينة خلف زجاج نظارتها ..
المفاجأة تلجم لسانها فلا تجد رداً !
هو جاء هنا ؟!

إبهامه يمسح دمعتها الخائنة بخفة قبل أن يلتقط كفه راحتها بما بدا كمصافحة لكنها وحدها كانت تشعر بحركة إبهامه العاشقة على ظاهر كفها ..


يدور ..ويدور ..
لتدور هي معه مغيبة للحظات نسيت فيها كل شيء إلا شعورها أنه هو هنا ..معها ..
نسيت الحضور بالخارج ..والجلبة التي تكاد تصم الآذان ..
فلم تعد تسمع إلا هذا اللحن الذي يتراقص عليه قلباهما معاً بنفس الإيقاع ..

حتى ابتسامتها التي عاهدت نفسها أن تتلون معه بالتحدي وجدتها الآن غير قادرة سوى على صبغة واحدة ..
بالحب!

_ما عزمتينيش ..بس ماكانش ينفع ماابقاش معاك النهارده ..مبروك .

يهمس بها بهذه النبرة المهلكة التي تتلاعب بدقاتها بينما كفه يضغط راحتها أكثر ..
فتغمض عينيها هاربة من هذا الإعصار الذي يكتسحها ..

هو الآخر كان غارقاً بهذا الجنون الذي ما عاد يملك معه حولاً ولا قوة ..
حتى الصباح فقط كانت خطته أن يرسل لها الزهور فحسب ..
لكنه وجد نفسه مدفوعاً بقوة غير مرئية كي يأتي إلى هنا ..
إحساس ساحق ينتابه الآن كعهده معها فيبذل مجهوداً خارقاً كي لا يضمها إلى صدره..
يصهرها بهذا اللهيب الذي يحترق به -في غيابها- مرة..
و-في قربها- مرات ومرات !!

_العظيمة شجرة الدر أين أنتِ؟!
هتاف سامر المتباسط على الباب يقطع سحر اللحظة بينهما فتنتفض ياقوت مكانها تحاول سحب كفها منه لكنه لم يفلته وهو يتوجه ببصره نحو سامر الذي
تنحنح قائلاً بحرج :
_آسف ..كنت فاكرك لوحدك ..بس ماما عايزة تسلم عليكِ قبل ما تمشي ..هستناكي .

توردت وجنتاها بمزيج من خجل وحرج وهي تشعر بنظرة زين الحارقة تلاحقه حتى غادر ..
لتحاول سحب كفها منه من جديد هامسة بحدة :
_سيب إيدي .
لكنه التفت نحوها هي هامساً بلهجة خطيرة وكفه يكاد يسحق كفها في يده :
_مين ده بقا اللي واخد عليكي قوي كده ؟!

الغيرة المشتعلة في حدقتيه ترضي كبرياءها الأنثوي ..
لكن شعورها "الأمومي" الغريب نحوه يجعلها تجيب بسرعة :
_ده زميلي من أيام الجامعة وبيشتغل معايا هنا ..سيب إيدي.

تقول عبارتها الأخيرة بالمزيد من الصرامة وعيناها تعودان للغرق في الدموع من جديد ..

فيترك كفها أخيراً لكن أنامله ترتفع نحو وجهها ليسألها بنفس النبرة الخطيرة بين غضب وغيرة :
_انتِ لسه لابسة الحلق ؟!

لكنها ابتعدت عن مرمى أنامله لتهمس بنفس الخفوت الحاد :
_مش من حقك تعرف ..خلاص ..افهم بقا ..اللي بيننا خلص ..خلص .

شهقة باكية تغادر حلقها مع آخر كلمة لينعقد حاجباه بغضب هادر وغيرة مجنونة رأت جانباً منها ذات يوم عندما ظن أن هناك شيئاً ما يربطها برائد ..
لكنها هربت من هذا كله وهي تغادر الغرفة بسرعة تاركة كل هذا خلفها ..

_ما شاء الله ..قمر !
تقولها المرأة -أم سامر- وهي تعانقها بود استجابت له ياقوت محاولة تهدئة نفسها عقب الموقف السابق ..
لكنها بقيت تختلس النظر نحو زين الذي وقف مكانه يراقب بعينين مشتعلتين ..
لتبتسم لها ياقوت مجاملة قبل أن تتنهد بارتياح وهي ترى رائد يظهر أخيراً هناك بنظراته الحذرة ..
فأسرعت إليه لتنتحي به جانباً بانفعال جعله يسألها بقلق:
_فيه إيه يا ياقوت ؟! ألف مبروك الأول .
_الله يبارك فيك ..زين هنا ..وإسلام لو شافه ممكن تحصل مشكلة ..خلليه يمشي .

قالتها بأنفاس متقطعة وهي تحاول البحث عن زين ببصرها من جديد وسط الحضور ..

لكن الجواب وصلها من خلفها تماماً حيث فوجئت به هو نفسه يميل عليها هامساً في أذنها بخطورة :
_اللي بيننا ماخلصش ومش هايخلص ..افتكري ده كويس عشان أنا مابسامحش أي حد يقرب من حاجة تخصني .

ورغم الأنفة المعتدة التي ظللت نظرتها المتحدية نحوه بعدها لكنها لم تستطع منع ارتعادة خوف حقيقية سرت في جسدها من نظراته ..

ليرقب رائد الوضع بحذر وهو لا يفهم ما يحدث ..
وما كاد يهم بإقناع زين بالمغادرة حتى وجد الأخير يغادر المكان فجأة كقذيفة ..
تلاحقه نظرات ياقوت التي لا تزال عالقة به رغم كل شيء !
=======








في شقتها تجلس نبيلة وحدها شاردة ببصرها ..
البيت صار خالياً وقد استقل كل من يامن وبنات خالته بحياته..
ابتسامة شاردة تحلق فوق شفتيها وهي تشعر بالرضا ..
يوماً ما كانوا جميعاً هنا حولها ..
تحمل وزرهم جميعاً بعقدة غرستها هي في نفس كل منهم ..
والآن تشعر أن الوزر قد انزاح بعدما تحرر كل منهم من عقدته ليعود لحياته ..
لكن ..
هل آن الأوان أن تتجرع هي كأس وحدتها ؟!

صوت هاتفها يقاطع شرودها برقم ما فترمقه بنظرة مترددة غامضة ..
قبل أن تقرر تجاهل الاتصال !!

تفتح التلفاز لتقع عيناها مصادفة على أحد أفلامها القديمة ..
ابتسامة حنين طبيعية ترتسم فوق شفتيها وهي تستعيد مجدها السابق ..
لكنها امتزجت بالكثير من الندم وهي تزداد يقيناً أن عمرها السابق كله كان ..خدعة !
وأن الحقيقة الوحيدة فيه كانت يامن ..والبنات !!

لهذا أغلقت التلفاز بحسم لتعاود التلفت نحو الجدران حولها ..
تخشى أن تموت وحيدة !
طالما راودها هذا الكابوس مراراً يزكيه شعورها بالذنب نحوهم ..
لكنها ..

صوت هاتفها بنفس الرقم يعاود الرنين من جديد فترمقه بنفس النظرة الغامضة لتقرر تجاهله هذه المرة أيضاً !!

تتناول هاتفها لتتفحص صور زفاف داليا ..
صورتها وهي مبتسمة تعانق مروان ..
صورة يامن جوار ياسمين وقد تعانق كفاهما فوق بطنها البارز ..
صورة هانيا المتألقة جوار رامز يضمها لصدره ..
صورة رانيا تبتسم بثقة وهي تحيط عنق أشرف بذراعيها من الخلف ..
وأخيراً صورة لها هي وسطهم جميعاً بينما يتحلقون حولها ..
هذا هو الإنجاز الحقيقي ..
دور البطولة الذي ظنت يوماً أنها لن تلعبه ..
واليوم تجده الوحيد الذي يليق بها!

صوت رنين جرس الباب هذه المرة هو ما يقاطع أفكارها فتترك الهاتف لتتحرك وتفتح الباب ..

_إزيك يا بيللا ..قلنا نقضي النهارده معاكي ..يامن واخد أجازة من العيادة .
تهتف بها ياسمين بنبرتها الودود وهي تعانقها لتبتسم بيللا وهي تتحرك لتعانق يامن المبتسم بدوره قائلة :
_جيتوا في وقتكم ..كنت لسه هابدا أبكي ع الأطلال .

_كنت حاسس ..وقلت هتعيشي دور أمينة رزق وتقلبيها دراما ..ألحق نفسي أحسن !
هتف بها يامن بمزاحه المعهود وهو يضمها لصدره بعناق يزداد دفؤه يوماً بعد يوم ..
كأنه يعوض معها كل ساعات أمومته التي افتقدها ..

_حظكم حلو ..الغدا لسه سخن .
قالتها نبيلة بابتسامة عريضة ليهتف كلاهما بعينين متسعتين ارتياعاً وبنفس اللحظة :
_مسقعة ؟!!



لكنها هزت رأسها نفياً لترد بفخر :
_دي أكلة هندي بس حطيت عليها التاتش المصري فطلعت وااااو .

مط يامن شفتيه باستياء مستسلم لتكتم ياسمين ابتسامتها وهي تلحق بها لكن نبيلة أوقفتها بحركة من يدها هاتفة :
_روحي انتِ اقعدي جنب جوزك ..أنا اللي هاحضر السفرة .
فابتسمت وهي تعود إليه لتجلس جواره على الأريكة مربتة على كتفه مع قولها بخفوت :
_الحمدلله إنها مش مسقعة ..قضا أخف من قضا .


فضحك ضحكة خافتة وهو يضمها نحوه ليقبل رأسها هامساً لها بشرود :
_هي عارفة وحاسة إني بحب آكل من إيديها ..مش مهم نوع الأكل ..المهم إنها هي اللي عاملاه عشاني .

اتسعت ابتسامتها مدركة ما يعنيه هذا الأمر لكليهما ..
قبل أن تشعر بحركة يمنى تزداد صخباً لتتأوه بقوة وهي تمسد بطنها قائلة :
_بنتك بتلعب كورة جوة .

فضحك ضحكة عالية وهو يتناول الريموت جواره ليفتح التلفاز قائلاً :


_فكرتيني ..أبو صلاح بيلعب دلوقت ..وشكله هيولع الدنيا .
_فاكر لما تنبأت له بمستقبل جبار ؟! أهه طلعت لي نظرة ..عشان ماتقولليش الستات مالهاش إلا المطبخ !

قالتها بعتاب مازح ليقبل وجنتها بخفة قبل أن ينخرط في التركيز بالمباراة الدائرة ..
فتناولت هي الأخرى هاتفها لتقلب فيه لدقائق قبل أن ينسحب اهتمامها كاملاً لفيديوهات الطهي الخاصة ب"بوراك" التركي ..

_مين اللي بتتفرجي عليه ومبتسمة كده؟!


يسألها بغيرة جلية وهو ينصرف عن المباراة ليشاهد ما لفت انتباهها هكذا ..

_ده بوراك ! معقول ما تعرفوش ؟! رهيب ..أول ما اشوف فيديو ليه تلقائي ببتسم .
_والله ؟!
هتف بها باستنكار فظ وهو يختطف منها الهاتف ليغلقه بحسم فتهتف جواره باعتراض:
_هات الموبايل يا يامن ..ماانت مشغول بالماتش .
_انا اتشغل بالماتش وحضرتك تتشغلي بيا ..مش بالأخ اللي بيحشي الخرفان ورق عنب ده !!

يهتف بها باستنكار يفوح غيرة لتكتم ابتسامتها قائلة بنفس النبرة المعترضة :
_ده شغل يا دوك ..وده زميل عمل ..بجد بستفيد من وصفاته !
_شوفي سالي فؤاد واللا منال العالم ..ولو
طالبة تشوفي رجالة شوفي الشيف شربيني ..ماله الشيف شربيني ؟! هي بس عقدة الخواجة !

ضحكتها العالية تكون جوابها وهي تنهض من جواره بصعوبة عندما هتفت نبيلة بفخر :
_السفرة جاهزة .

جو عائلي حميم قضاه ثلاثتهم بعدها يتبادلون المزاح حتى انتهوا من تناول الطعام ..
لتتردد نبيلة قليلاً وهي ترى هاتفها يعاود الرنين بنفس الرقم ..
قبل أن تخاطب يامن الذي عاد ينشغل بمتابعة الشوط الثاني من المباراة بقولها :
_فيه موضوع كده كنت عايزة أتكلم معاك فيه .
_مممم؟!
يهمهم بها وعيناه متعلقتان بالشاشة لتستطرد هي بارتباك :
_هو موضوع اتأخر ..بس ..
_خير...عايزة تحجّي ؟!
يقاطع بها ترددها لتهز رأسها نفياً ليعاود سؤاله ورأسه يتابع حركات الكرة أمامه :
_قررتي تتحجبي ؟!
يقولها بنصف تركيز لتصمت قليلاً قبل أن تفجر قنبلتها :
_(.....)عرض عليا الجواز .

قالتها ذاكرة اسم مخرج وممثل شهير ليبدو عليه أنه لم يسمع لأول وهلة قبل أن يلتفت نحوها بحدة هاتفاً :
_نعم ؟!

تحركت ياسمين لتلتصق به محاولة تهدئته وهي تكتم ضحكتها باستماتة ..
لترفع نبيلة ذقنها بشموخ قائلة :
_هو صرح لي انه بيحبني من أيام ما عملنا سوا فيلم (....) لكن أنا وقتها مكنتش بفكر في الارتباط ..وبعدها عملنا فيلم (.....) اللي كان آخر فيلم مثلته ..وقتها كرر عرضه تاني بس ..

_خلاص يا فنانة ! مش نادي السينما هو ! انتِ صحيح عايزة تتجوزي ؟!
يهتف بها بعصبية احمر لها وجهه لترد نبيلة بنفس الشموخ :
_أنا ببلغك بس بعرضه .
_وياترى العرض للجواز بس ؟! واللا عايزة ترجعي تمثلي كمان ؟!
يسألها بنفس الحدة لترد وهي ترفع ذقنها :
_هو بصراحة عرض الاتنين ..شايف ان جمهوري بعد الفترة دي كلها مشتاق يتفرج عليا من جديد .

كز يامن على أسنانه بقوة وهو يشعر بالدم يضرب في رأسه ..
لكنه كظم غيظه كما تعود معها لتخرج كلماته مختنقة بغضبه :
_انتِ حرة ..أنا عمري ما اتدخلت في قراراتك .

يقولها ليعاود الالتفات نحو المباراة بملامح متجهمة لكن بيللا تغمز ياسمين بمشاكسة قبل أن تقول بنفس النبرة الشامخة :
_أنا رفضت !

ملامحه المتجهمة تلين فجأة وهو يتوجه ببصره نحوها لتردف هي بنبرة أكثر دفئاٌ :
_أنا خلاص عرفت دوري الحقيقي ..هنا ..وسطكم .

ابتسامته تتسع رويداً رويداً ثم تتحول لضحكة صافية وهو يقوم من مكانه لينحني نحوها هاتفاً بمشاكسة :
_بتلاعبيني يا بيللا ؟!
_كبرت ع اللعب يا مانو ؟!
تقولها بمكر وهي تداعب وجنتيه بحركة تعلم أنها تثير غيظه في المعتاد ..لكنه هذه المرة تقبلها بعمق حرمانه الطويل منها ..
والآن يشعر أنه قد حان وقت التعويض ..

لهذا انحنى أكثر ليضم رأسها نحو صدره قبل أن يجلس جوارها لكنها رفعت رأسها لتضمه هي بحنان قائلة :
_كمل الماتش بقا برواقة ..


يبتسم بارتياح وهو يشعر بمذاق عناقها
الأمومي يزداد حلاوة هذه المرة ..
فيغمض عينيه باستمتاع قبل أن يعاود فتحهما لتلتقي نظراته بنظرات ياسمين المتفهمة ..
وحبل الشعور بينهما لا يحتاج لكلمات ..

صوت الصخب من التلفاز جواره معلناً وصول هدف يقاطع أفكاره فينتبه له بكل حواسه ..
قبل أن تصله صرخة أخرى لكن ..من ياسمين هذه المرة ..

صرخة تلتها أخريات وهي تمسك بطنها بقوة ..
يبدو أنه موعد وصول يمنى ..
يمنى يامن عبد الرحيم حمدي.
======
أفاقت من تأثير المخدر لتبتسم وهي ترى وجهه أمامها ..
أنفاسه تظللها وهمسه الدافئ يمتزج بسحر عينيه العسلي :
_حمداً لله ع السلامة .

_هي فين ؟!
تهمس بها بلهفة عبر حلقها الجاف لتأتي نبيلة تحملها هاتفة بفرحة طاغية :
_قمر ..نسخة من يامن وهو صغير !
_أنا مناخيري كانت كبيرة كده ؟!
يقولها مشاكساً لترد نبيلة بنفس الفرحة
الأمومية :


_بجد يا يامن ..كإني شايفاك انت ليلتها ..
ثم وضعتها بحرص على صدر ياسمين مردفة بإشفاق:
_معلش ..عارفة إنك تعبانة بس لازم ترضعيها دلوقت على طول .

تتسع عينا ياسمين بانبهار وهي تتأمل هذا الكائن المنمنم على صدرها ..
أنفاسها تتلاحق وهي تشعر بحلاوة أن يتحقق الحلم ..
عيناها تدمعان وهي تتفحص ملامح الصغيرة التي استقرت على نهدها تلتقمه ..
لتغمض عينيها غارقة بهذا الإحساس الذي تجربه لأول مرة ..
والذي يهون فداه أي ألم !!

_واخدة عنيا وشفايفك ..مناخيري ولون شعرك ..قسمة العدل اهه ..مش قلتلك بنتي دكتوراة تفاصيل !
يقولها يامن وهو يتحرك ليجلس جوارها يحيطها بأحد ذراعيه بينما يسند الصغيرة
بالآخر ..
لترفع عينيها الدامعتين نحوه هامسة بصوت مختنق :
_جميلة قوي ..قوي يا يامن!

تنخرط بعدها في بكاء انفعالي لم تعرف سببه ليشدد ضمته الرفيقة حولها متفهماً عمق شعورها الذي يشاركها مثله ..
لتتقدم نبيلة منهما قائلة بإشفاق :


_ماتعيطيش كده بيقولوا بيعكر اللبن ..انا هاخدها أحاول أنيمها برضعة الأعشاب اللي الدكتور كتبها على ما تاخدي نفسك .
يبتسم يامن بتقدير وهو يشعر بالوجه
الأمومي لنبيلة يزداد وضوحاً ..
حتى لهجتها صارت تفتقد للكنة النجمة المميزة ..صارت أكثر بساطة ..وحميمية !!

وما كادت نبيلة تخرج بالصغيرة التي تهدهدها برفق ليخفت صوت بكائها تدريجياٌ ..
حتى مال على وجنة ياسمين يقبلها بعمق هامساً :
_مكنتش أعرف إنكم بتتعبوا في الولادة قوي كده ..الدكتور مكانش راضي يدخللني معاكي ..بس أنا عملت مشكلة .
ثم تخلل أناملها بأنامله مردفاً :
_كانت أجمل لحظة في حياتي وأنا شايفها بعيني بتخرج للدنيا .

فترفع عينيها نحوه لتنتبه أخيراً لما يرتديه ..
هذا الذي اتسعت عيناها له بصدمة مع همسها :
_القميص الأبيض ؟! أخيراً ..لبسته !

همساتها تنتهي بضحكة انفعالية مكتومة وهي تتذكر عمر هذا القميص الذي اشترته له منذ سنوات آملة في أن تراه يوماً يرتدي لوناً غير الأسود ..
ليضمها نحوه برفق مداعباً وجنتها بأنامله مع همسه الدافئ:

_لو مكنتش هالبسه النهارده هالبسه امتى ؟!

_حلو عليك الأبيض ..قوي ..قوي ..

تهمس بها وسط فيض دموعها وهي تخفي دموعها في صدره ليغرق وجنتها الظاهرة بقبلاته متفهماً هذا الاعصار من المشاعر الذي يجتاحهما الآن معاً ..
من كان يصدق أن يلتقي النقيضان هكذا بعد هذه الرحلة الطويلة من العذاب والشك
والألم ؟!
رجل الأسوَد وامرأة الألوان أخيراً وجدا سماء بيضاء مشتركة يحلقان فيها معاً!


_هه يا ستي ؟! لسه فيه حاجة في أحلامك ما اتحققتش ؟!
يهمس بها وأنامله لا تزال تربت على وجنتها بحنان لتعاود رفع عينيها نحوه هامسة بعبارتهما الخالدة :
_شكراً يا طيب .

هنا لم يستطع المقاومة وهو يميل على شفتيها بقبلة ناعمة طويلة كأنما يذيب روحه في روحها ليمتزجا معاً ..
دموع سعادتها تجد أرضاً مشتركة بين بشرتيهما الملتصقتين كأنما تحكي للعالم عن قصة حبهما الرائعة هذه ..
وأنامله التي تشتبك بأناملها تمنحها بعد العهد عهداً ..
وبعد الوعد وعداً ..


يرفع رأسه أخيراً ليمسح ما بقي من دموعها وهمسه ينافس خفقاته عشقاً :
_ماعدتش عايز أشوف دموع في عينيكي ..كفاية بقا .

ترتجف ابتسامتها وهي تومئ برأسها لتلتفت من جديد نحو الباب الذي فتح من جديد لتدخل منه نبيلة حاملة الصغيرة وخلفها "الثلاث بنات"!
هانيا ورانيا وداليا !

_مبروك يا يامن !


الثلاثة قلنها في نفس اللحظة وهن يندفعن نحوه ليهتف هو ضاحكاً بصوت عال :
_كده بقيت رسمي ..راجل وست ستات !

تنطلق ضحكاتهن معاً عالية ليعلو معها بكاء الصغيرة كأنما تدلي بدلوها في هذا المشهد ..
يمنى التي تحرك يامن ليهدهدها برفق ويسير بها نحو ياسمين ..

_مش عايز أبوسها كتير ..خايف دقني تشوكها !



يقولها لتطرق كلماتها "ذكرى" خاصة بينهما فتبتسم وعيناها تجددان عهود عشق لا يبلى ..
والرد يصلها منه كما كان أول مرة :
_بتهزر ؟! ما الحب إلا للحبيب الملتحي !
=======









_بتقول إيه يا عابد ؟! مين دي اللي عايز تتجوزها ؟!
تهتف بها أمه باستنكار في شقتها التي تقيم فيها في القاهرة منذ عودتها -المؤقتة - من
ماليزيا ..
ليرد عابد بصبر :
_تمهلي يا أمي ..الفتاة رائعة حقاً ..تعلمين أنني انتقائي كثيراً بشأن النساء ..ولم يتعلق قلبي إلا بخطيبتي السابقة رحمها الله ..لهذا كوني واثقة من اختياري .

_اختيار إيه ؟! بتقول أبوها مين وأمها مين ؟!
تهتف بها بنفس الاستنكار وهي تتهاوى
جالسة على الأريكة ليجلس هو جوارها مربتاً على ركبتها مع قوله :

_أخبرتكِ أيضاً أن جدتها ربتها وشقيقتها على أفضل وجه ..والله سبحانه وتعالى يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

_وإيه يجبرك يا ابني ؟! ما الدنيا مليانة بنات !
تقولها بعدم اقتناع لتجتاحه ابتسامة شاردة وهو يتذكر المرة القريبة التي رآها فيها في افتتاح المركز الخاص بياقوت ..
ملامحها المميزة بجمال -خاص- في عينيه ..
مزيج الخجل والطيبة المشع في عينيها ..
وهذه النظرة البسيطة جداً ..العميقة جداً ..التي كانت ترمق بها الوجوه حولها ..


كأنها روح هائمة مهمشة لا يشعر بها أحد لكنها تبقى محتفظة بسحر خاص لا يفهم سره ..
إنما يدرك أثره !

_الأرواح جنود مجندة ..ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ..وأنا ألفت روحها يا أمي .

يقولها أخيراً بحسم لتتنهد المرأة وهي تتفرس ملامحه لتقول بعتاب :
_دايماً واجع قلبي عليك ..مش كفاية اللي حصل بسبب دماغك الغريبة دي يا عابد ؟!

لكنه يطرق برأسه وذنب والده القديم لا يزال يطوق عنقه ..
قبل أن يتناول كفها يقبله باحترام وعيناه تناجيان أمومتها :
_بالله عليكِ ..لا تذكري هذا الشأن ثانية ..
الأمر هذه المرة مختلف .

تفرست ملامحه بحيرة مشبعة بالخيبة وهي لا تدري كيف تتصرف معه ..
هو لم يعد صغيراً ..
وطبيعته القديمة المتطرفة تجعلها تشعر
بالخوف عليه أكثر ..
تخشى أن ترفض فيفعلها رغماً عنها ..
لكن ..ما البديل؟!
كيف تقبل زيجة شائنة كهذه ؟!!


لكنها استجابت لصوت العقل الذي دعاها للتريث ..ربما يغير هو رأيه عندما يقترب أكثر من هذه الفتاة مدركاً عظم الفوارق بينهما !!

لهذا تنهدت أخيراً لتقول بنبرة ضائقة :
_خلاص ..خللينا نقعد مع أهلها ونشوف ..اللي فيه الخير يقدمه ربنا .

ابتسم بارتياح وهو ينهض ليقبل رأسها قبل أن ينظر في ساعته ليقول بنبرة لانت كثيراً :
_هيا بنا لنزور ياسمين ..لا أطيق صبراً لرؤية الصغيرة ..

وبعد ساعة كان يصطحبها للمشفى حيث غرفة ياسمين ..
وبينما انتحت أمه بنبيلة جانباً يتحدثان ..
اقترب هو ليجلس على طرف فراش ياسمين ليحمل عنها الصغيرة ويداعب ذقنها بحنان قائلاً :
_ما شاء الله لا قوة إلا بالله ..بورك في الموهوب وشكرتم الواهب وبلغت أشدها ورزقتم برها .

يقولها بالدعاء المأثور ليقبل جبين الصغيرة برقة قبل أن يعيدها لياسمين التي هتفت به بمرح:
_قول الحق ..شبهي أنا أكتر واللا يامن أكتر .

_أحسها تشبهك أكثر .
يقولها ليرضيها فتضحك له هاتفة بعفوية :
_أجدع أخ في الدنيا ..

ثم التفتت نحو أمه تتيقن من انشغالها بالحديث لتميل عليه هو هامسة :
_كلمتها ؟!
أومأ برأسه إيجاباً ليهمس لها بخفوت :
_وافقت لكن على مضض ..ومع هذا فلازلت أستبشر بلقائها بالحاجة ثمر ..هذه المرأة تجد أثرها في قلب كل من تحدثه .

ابتسمت له بإشفاق وهي تخشى عليه عواقب هذه التجربة لتعاود الهمس له ناصحة :
_صلي استخارة وربنا ييسر لك الخير .
_لا أكف عن فعلها ..اطمئني .
يقولها ببشاشة قبل أن يستخرج من جيبه سلسلة ذهبية وضعها حول عنق الصغيرة برفق مردفاً :
_لا أعلم إن كان ذوقي سيعجبك .

_تجنن يا عابد ..تسلم إيدك .
تقولها وهي تعدل وضعها حول رقبة الصغيرة النائمة ..
ليفاجئها بقوله :
_وهذه هديتك أنتِ يا "وصية أبي"!

تتسع عيناها قليلاً وهي تميز ميدالية ملونة تشبه هذه التي أهداها لها يوماً وفقدتها ..
فابتسمت وهي تتناولها منه لتميل على وجنته تقبلها قائلة :

_شكراً ..أوعدك مش هاضيعها المرة دي .

يبتسم بدوره وهو يتذكر رؤيا "الصالح" التي رآها لوالده ..
وكيف منحه فيها ميدالية تشبه هذه كأنما يوصيه بها !!

_عايزين نعمل عقيقة ليمنى أول ما أشد حيلي كده .
تقولها ياسمين وهي تعاود تفرس ملامح الصغيرة النائمة قبل أن تغيم ملامحها بشرود بائس ناسب قولها :
_كان نفسي بابا يبقى معانا دلوقت ويفرح بيها وسطنا .


فيغمض عينيه بأسي يقاومه ليربت على كتفها قائلاً :
_عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ..موته كان فاجعة لكنه جمعنا بهذه الطريقة التي لم تجمعنا في حياته ..فسبحان من يدبر الأمر .
======









الضوء الأحمر في الغرفة يمنحها المزيد من
الإثارة لما يُعد !
صوت أغنية أجنبية ماجنة يأتي من مكان ما ليشتعل له الجسد برغبة فائرة ..
يتفقد "أدوات متعته" على الفراش منتظراً حضورها ..
يشعر بعطرها خلفه فيستدير ليرمقها بنظرة تقييمية راضية ..
بل أكثر من راضية !!

ابتسامتها التي أشعلته منذ أول لقاء لهما تحدث نفس الأثر الآن ..
خاصة عندما تتقدم ببطء مغوٍ لتركع على ركبتيها فوق الفراش ..

عيناه تتوهجان بهذا البريق الوحشي ليطلق زمجرة هادرة أثارتها قبل أن يغيب كلاهما في ممارسة شاذة اعتادها كلاهما ووجد فيها متعة تناقض الفطرة لكن من يهتم ؟!
مادام عبداً لشهوات جسده !!

دقيقة خلف دقيقة تشعل المنحنى حتى يصل لذروته قبل أن تعلن الأنفاس اللاهثة نهاية الرحلة ..

_رامي.
تهمس بها أخيراً بغنج ليفك قيد معصميها ببطء متأملاً برضا هذه الآثار الحمراء التي تركها على بشرتها ..
لكنها لم تبد ضائقة ..

الألم صار يمتزج بالمتعة فلا تكاد تعرف فارقاً بينهما !

_بتعمل إيه ؟!
تسأله وهي تراه يتأهب ليتمدد نائماً على الفراش فيمط شفتيه باستياء وهو ينهض قائلاً :
_مش هتصرفي نظر بقا عن الشرط ده ؟! فيها إيه يعني لما أنام هنا ؟!

النظرة الخانعة "المدروسة" في عينيها تتحول لأخرى شرسة تخيفه حقاً خاصة مع همسها البطيئ :
_انت تاخد اللي بديهولك وبس ..اكتر من كده ..هتزعل !

نبرة التهديد التي حلقت فوق آخر كلماتها وجدت أثرها فيه لينقذ كرامته بابتسامة هازئة قبل أن يتحرك ليغادر الفراش ويرتدي ملابسه ..

نظراتها المزدرية تودعه حتى باب الغرفة قبل أن تسمع صوت الباب الخارجي للشقة يغلق ..
هنا تسمح لنفسها أن تبصق بقوة جوارها قبل أن تغادر الفراش بدورها لتتوجه نحو الحمام القريب ..
نظراتها تواجه جسدها العاري الذي احمرت بعض مواضعه بجمود اعتادته ..
قبل أن تسمح لسيل الماء المنهمر أن يخفف عنها هذه الحرارة التي تكاد تحرقها ..
لا فائدة يا شقية !!
النيران التي تنبعث من الداخل لا يطفئها ماء ..
لا يطفئها إلا لهب يشبهها !!

عيناها تلتمعان ببريق قاسٍ وهي تتحرك لتجفف جسدها قبل أن تعود لفراشها مستلقية عليه ..
تتناول إحدى سجائرها لتشعلها قبل أن تنفث دخانها ببطء ..
صورة بعينها تغزو خيالها فيرتجف لها قلبها بمرارة الذكرى ..
قلبها الذي مررت فوق موضعه سبابتها الآن وهي تهمس من بين أسنانها :
_زين !


والاسم تتبعه لسعة من سيجارتها كأنما تريد محاكاة هذا الحريق الذي يشعله اسمه في صدرها ..
لتسحقها تحت قدميها بغل كما تنتوي أن تفعل به هو!!

شفتاها تتلونان بابتسامة قاسية لانت لها
ملامحها رويداً رويداً وهي تتابع xxxxب الساعة أمامها ..
لتهمس أخيراً بضحكة عصبية بمذاق
الانتصار وهي تراهما يشيران لمنتصف الليل :
_بس! دلوقت تبدأ الحفلة !


ومع كلماتها يتوازى الحدثان في التوقيت ..

ففي غرفة ياسمين بالمشفى تدخل إحدى الممرضات لترمق ياسمين ونبيلة اللتين بدا نومهما غير طبيعي بنظرة راضية ماكرة قبل أن تقترب أكثر لتحمل الرضيعة وتخرج بها لتسلمها إلى أحدهم منفذة مهمتها ..

وفي كوخ همسة حيث استلقت الأخيرة نائمة تتحرك القدمان الغريبتان لتقتربا منها بحرص ..
قطعة قماش مبللة بمخدر ما توضع على أنفها قبل أن يُحمل جسدها نحو سيارة قريبة وقفت أمام البيت ..


صوت إطلاق نار متبادل بين بعض الحراس والمختطفين لكن النتيجة تحسم لصالح المبادر ..
والمبادر هذه المرة كان يبتسم مكانه بظفر ..
الغنيمتان جاهزتان معاً كما خُطط للأمر ..
همسة و..يمنى!
========
انتهى الفصل الثامن عشر




نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-19, 10:53 PM   #812

Moni13

? العضوٌ??? » 399101
?  التسِجيلٌ » May 2017
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » Moni13 is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم و يعطيك العافية....اين القطعة ال ١٨??

Moni13 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-19, 11:26 PM   #813

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,823
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي

يا ربي ليه بس يا نيمو ما كنا ماشيين فل الفل استنى اسبوع ازاااااي 😢😢😢😢😢😢😢

Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-19, 11:55 PM   #814

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

ما هذا ما هذا ما هذا 😭😭😭😭😭😭
حرام هاي النهاية
نيرمين أنا عارفة إنك حنونة ، ما راح تِئذي حدا منهم صح 💔💔
هو با من وياسمين لحقوا يفرحوا، وإذا الإنتقام من زين شو دخل يمنى، ليش مش ياقوت...
معقول هاي زوجة يامن الأولى

نيرمين طمنينا 😭😭


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 12:07 AM   #815

عهد الحر
 
الصورة الرمزية عهد الحر

? العضوٌ??? » 305991
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,579
?  نُقآطِيْ » عهد الحر is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

عهد الحر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 12:32 AM   #816

Miush

? العضوٌ??? » 404902
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 228
?  نُقآطِيْ » Miush is on a distinguished road
افتراضي

انتِ بتنيمينا وتجري 🤦لاااااأ كدا كتير وربنا
أبدعتي كالعاده سلمت يداكِ ❤❤


Miush غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 12:47 AM   #817

بنت الملحس

? العضوٌ??? » 325056
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 176
?  نُقآطِيْ » بنت الملحس is on a distinguished road
افتراضي

ايش اقول تسلم الانامل متشوقه للجزء الجاي لا تتأخري علينا ياجميلة

بنت الملحس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 12:48 AM   #818

Noha Fathy

? العضوٌ??? » 441422
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 302
?  نُقآطِيْ » Noha Fathy is on a distinguished road
افتراضي

مساء الخير يا نيمو قلبى مفبوض و الله من اول الفصل و حاسة حاجة هتحصل
للمولودة ، ناصر و سها و نشوى علاقة مشوهة هيخسروا بعض ناصر انانى
سها مضحية و نشوى غبية ،الفصل جميل و مشوق تسلمى يا نيمو


Noha Fathy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 04:04 AM   #819

me@nhoO

? العضوٌ??? » 422533
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 152
?  نُقآطِيْ » me@nhoO is on a distinguished road
افتراضي

_إيه رأيك تخلليني مستشارك الفني في موضوع اللبس ده الأيام اللي جاية ؟!
_وأنا ذوقي وحش؟!
تهتف بها بتنمر عبر فمها المليئ بالطعام ليبتسم هاتفاً بمشاكسة :
_هو مش وحش يا توتة ..هو مفيش ذوق أساساً !

شهقتها المستنكرة تجعلها تغص بالطعام فيناولها كوباً من الماء مردفاً بنفس النبرة المشاكسة :
_حبيبتي ستايل لبسك ده بطلوه من التسعينات .
_تسعينات ؟!
تهتف بها باستنكار عقب شربها للماء ليرد هو ملوحاً بكفه :
_أو تمانينات مش فاكر !!
قصف محترم :7R_001:


me@nhoO غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 04:30 AM   #820

me@nhoO

? العضوٌ??? » 422533
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 152
?  نُقآطِيْ » me@nhoO is on a distinguished road
افتراضي

هي نهاية فصل مالهش الا كلمة وحدة ي لهوي ي نيمو

me@nhoO غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:13 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.