آخر 10 مشاركات
507 - الحب أو لا شئ - ناتالي فوكس - ق.ع.د.ن (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          368 - رياح الماضي - بيني جوردان ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          [تحميل] هن لباسٌ لكم بقلم ؛¤ّ,¸مــشـآعلـ¸,ّ¤؛ رواية أعادت معنى التميز ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          85- الانتقام الذيذ- دار الكتاب العربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          235 - دمعتان ووردة - جيسيكا ستيل-كاملة بصورة واضحة (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          تحملت العنا لأجلك يا ولد العم ... الكاتبه : mnoo_gadee (الكاتـب : جرح الذات - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-09-19, 10:37 PM   #901

DelicaTe BuTTerfLy

مصممة منتدى قلوب احلام وقصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية DelicaTe BuTTerfLy

? العضوٌ??? » 378544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 742
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » DelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
I was on a ship thinking of you.when i looked down i droped a tear in the ocean.Then i promised myself that until someone finds it.I wont forget you…
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


ماشاء الله عليكيى يا نمنومتى
كل مرة بتبهرينى اكتر

هروح منك فين ومن ابطالك

كل شخصية لها كاريزمتها الخاصة جدا ال مش بتتواجد الا بين سطورك انتى

النهاردة البيج بوس تبع الفصل هو اسلام طبعا سكر سكر سكر مستمتعة بمهاوشاتة مع الشوكية

...

الحزين سااامر مش هتتعظ يبنى وتفوق ..كسرت قلب امك وهيا شايفاك بتضيع عمرك على سراب

...

سها اشفقت عليها كتير جنت ال زرعتة بس الدرس كان قاسي عليها كمان

هتاخد فترة تمسك من ناصر واثبات منة انه فعلا مش شايف غيرها وهترجع امورهم لمجاريها

...

زين زى ماتوقعت جاتلة نقطة بيضا عملها تحاول تجرة برة كابوس خاطاياة وذنوية

مشتاقة اشوف غيرتة بالفصول الجاية

...

ياقوتتنا الحلوة شايلة هم الدنيا كلها فوق راسها وقريبة ومتفهمة من الكل بحبها كتير شخصية مميزة




DelicaTe BuTTerfLy غير متواجد حالياً  
التوقيع
قد يمرُّ العمرُ والأحلامُ من حولي ضَبابْ
تخنُقُ الأنفاسَ في جوفي بسُؤلٍ لا يُجابْ

أيُّ سَعْدٍ؟ وجهُ أمّي غَائِبٌ
تَحْتَ التُّرابْ ..

رد مع اقتباس
قديم 02-09-19, 03:08 AM   #902

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

فصل روعه يانيمو

زين فعلا محتاج يشوف البياض اللى فى حياته عشان يقدر يدارى السواد اللى ظهر فجأة قدامه وخلاه يوقف ويواجه نفسه ياترى بعد ماسمع كلام سامر مع ياقوت هيخرج من عزلته ويقرر يطالب بحقه فيها ويكسب قلب ثمر ويكون جدير بياقوت

سامر غبى عشان لسه بيعشم نفسه انه ممكن يكون ليه دور فى حياة سهى
انا زعلانه جدا على حال سهى وناصر اتمنى ازمتهم تعدى على خير

اسلام والله عسل ودمه خفيف جدا يابنت المحظوظة بانشوى خسارة فيكى ياهابلة

تسلم ايدك ياجميل


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 03-09-19, 12:52 AM   #903

زين مطر

? العضوٌ??? » 420356
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 29
?  نُقآطِيْ » زين مطر is on a distinguished road
افتراضي

ألف مبروك .. لقد سعدت بهذا الخبر

زين مطر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-09-19, 12:10 AM   #904

ابتسام أمحمد

? العضوٌ??? » 448943
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » ابتسام أمحمد is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابتسام أمحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-19, 12:05 PM   #905

Mmariem

? العضوٌ??? » 381891
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 765
?  نُقآطِيْ » Mmariem is on a distinguished road
افتراضي

القطعة 23 اين هيا؟

Mmariem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-19, 01:01 PM   #906

Hams3

? العضوٌ??? » 333702
?  التسِجيلٌ » Dec 2014
? مشَارَ?اتْي » 118
?  نُقآطِيْ » Hams3 is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Hams3 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-19, 02:47 PM   #907

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الثالثة والعشرون
=======


_دكتورة ياقوت ؟!
تسمعها ياقوت عبر الهاتف لترد بترقب ملهوف :
_ شهد ..تعرفي حاجة عن هيثم ؟!

تقولها وهي تستعيد ما أخبرها به إسلام -لتوه- عن اتصال أمه المذعورة به كي تنبئه عن اختفاء شقيقه ..لتسألها وقد توقعت جواب شهد :
_هيثم معايا .
_معاكِ فين ؟!

تصمت شهد وهي تتنهد بحرارة تسترجع لقاءها به بالأمس ..
كيف كان منهاراً مشتتاً وهو يخبرها أنه يشعر أنه ضائع!
أنهم جميعاً عاملوه كطفل أخفوا عنه الحقيقة !!
أنه لم يعد يريد أن يتذكر أي شيء عن حياته هذه التي اكتشفها ..
وأنه يريد أن يبدأ من جديد معها هي ..هي فحسب من صار يثق بها !

_معاكِ فين يا شهد ؟!
تكررها ياقوت بانفعال ينتزعها من شرودها لترد بتلعثم :
_عندنا في البيت !

ارتفع حاجبا ياقوت بدهشة للحظات قبل أن تستدعي قناع مهنيتها محاولة تجنيب عواطفها :
_إيه اللي حصل بالظبط ؟!

_سمع كلام إسلام مع جيلان هانم ..كانوا بيتخانقوا وهي قالت إن حسين كان تاجر مخدرات .

زفرت ياقوت بسخط شاعرة بالشفقة نحوه ..
لتعاود سؤالها باهتمام :
_وبعدين ؟!

_طلب يشوفني ..اتقابلنا في النادي ..قاللي إنه ماعادش قادر يقعد في البيت ده بعد اللي عرفه ..وإنه ما عادش واثق في أي حد ..غيري !

تحشرج صوتها في كلمتها الأخيرة التي انتهت بدموعها مع استطرادها الذي فضح ألمها :
_ماعرفتش أقولله إيه ..لو شفتي عينيه وقتها وهو حاسس إنه ضايع ..إنه خايف ..مش فاهم حاجة ..ومش واثق في أي حاجة ..ومع ذلك ..بيقول إنه مصدقني أنا ..أنا ..أنا تخيلي!!

انقبض قلب ياقوت بلوعة مع بكاء الفتاة وحالها المؤسف مع أخيها هي بقصتهما المعقدة هذه ..
لتسألها برفق :
_وبعدين ؟!

_عندنا في البيت أوضة فاضية فوق السطوح ..ماما لأنها عارفاه من زمان وافقت تسكنه فيها بعد ما حكت لها ظروفه ..بس طبعاً هي ماتعرفش الحكاية كلها !
الخزي يظلل آخر كلماتها لتدرك ياقوت حقيقة الوضع ..
فتقول لها بإشفاق:
_وبعدين يا شهد ؟! الحكاية كده اتأزمت قوي ..لو ده رد فعله مع أهله لمجرد إنهم خبوا عنه نص الحقيقة ..هيعمل إيه لو عرف النص التاني ؟!

_هيسيبني..
تغمغم بها شهد بمزيج من يقين وألم لتردف بين شهقات بكائها :
_هيكرهني ويسيبني ..أنا عارفة ..بس غصب عني طالما لسه فيه لحظة واحدة ممكن أعيشها معاه مش هاضيعها .

هزت ياقوت رأسها وقلبها يخزها بوجع لهذه الفتاة التي تشعر بمأساتها ..

تفكر للحظات قبل أن تقول لها برفق:
_سيبي كل حاجة لوقتها ..ممكن اللي حصل ده يكون لمصلحته ..هيثم كان محتاج فعلاً يخرج بره بيت حسين ..يرجع كليته ..يشوف أصحابه ..يتعامل مع الحقيقة طالما هو كده كده عرفها ..
ثم نظرت في ساعتها لتردف :
_هاقفل معاكي أطمن إسلام لأنه قلقان عليه وبعدين هنجيله نتكلم معاه .

تقولها لتغلق معها الاتصال فتكتم شهد بكاءها وهي تسمع نداء والدتها من الغرفة المجاورة ..
تمسح دموعها بسرعة وهي تغادر غرفتها نحو والدتها الراقدة على الفراش كعهدها والتي بادرتها بسؤالها :
_صحيتي يا شوشو ؟!

ترتبك ملامحها وهي تميز لفظة تدليلها من والدتها والتي صارت تكرهها ..
تكرهها وهي تخفيها عنه -هو- مع كل ما تخفيه خشية أن يحمل له هذا الاسم ذكرى ترده لماضيهما ..

لكنها تتمالك نفسها لترد بابتسامة :
_من بدري يا ماما ..هاحضر لك الفطار والدوا حالاً .

_لا ..تعالي الأول ..
تقولها المرأة بطيبة وهي تشير للجانب الخالي جوارها على الفراش فتتحرك لتجلس هناك وترفع إليها عينين مذنبتين ..

_انتِ مخبية عني إيه ؟!
تسألها المرأة بحدس أمومي صادق لترتبك ملامح ابنتها أكثر وهي ترد مطرقة الرأس :
_هاخبي إيه بس يا ماما ؟!

_انتِ بتحبي هيثم ؟!
تسألها من جديد بقلق حنون لتحاول هي المراوغة بقولها :
_هو عشان بساعده في ظروفه دي يبقى بحبه ؟!

لكن المرأة تهز رأسها وقد سمعت منها جواباً غير منطوق لتتنهد قائلة بإشفاق:
_صعبان عليا قوي هيثم ده ..من أول يوم شفته معاكي وأنا قلت إنه جدع ..ياما وقف جنبنا أيام تعبي زمان ..هو معقول مش فاكر أي حاجة ؟!

تهز شهد رأسها نفياً لتعاود المرأة سؤالها:
_هو زعلان من أهله ليه ؟!

ترددت شهد قليلاً وهي تخاف أن تخبر أمها بحقيقة حسين ..لترد بمواربة :
_ما انا قلتلك امبارح ..أخوه اتجوز من ورا مامته ..والبيت عندهم فيه مشاكل كتير ..وهو نفسيته مش مظبوطة .

رمقتها أمها بنظرة متفحصة لتعاود سؤالها بتوجس:
_طب وهم هيوافقوا يسيبوه قاعد هنا ؟! الأوضة فوق مش مقامهم خالص!

_أخواته هييجوا كمان شوية يتكلموا معاه ..ربنا يدبرها !
تقولها شوشو وهي تقف مكانها لتحاول الهرب من أسئلة أمها بقولها :
_معاد دواكي جه ..أروح بقا أحضر لك الفطار .

عادت المرأة تتنهد بحرارة وهي تتبين مشاعر ابنتها الواضحة في ارتباكها لتغمغم وهي ترفع عينيها لأعلى في وضع الدعاء :
_ربنا يشفيه ويجعل لك فيه نصيب يا بنتي !
======
_عايزة حاجة تاني ؟!
تسألها شهد بحنان عقب تناولها للإفطار لترد الأم ببساطتها وهي تقبل ظاهر كفها وباطنه في إشارة لحمد الله :
_عايزاكي طيبة يا بنتي ..
ثم صمتت لحظة لتردف:
_حضري الفطار لهيثم وطلعيهوله ..بس حطيه ع الباب وانزلي ..ما تطوليش .

تقولها بتحذير ناعم لتبتسم وهي تمنحها إيماءة موافقة قبل أن تتحرك لتفعل ما طلبته منها ..
تبدل ملابسها ثم تمشط شعرها بعناية لتحمل صينية الإفطار وتصعد بها نحو غرفته ..
قلبها يخفق بجنون وهي تستجيب لجنون الفكرة ..وجمالها !!

هيثم هنا ..في بيتها البسيط معها ..وهي تحضر له الإفطار !
ياللجمال !!

تطرق باب الغرفة الذي فتحه ليبتسم وهو يميز ملامحها الفاتنة :
_صباح الخير .

يقولها بصوته الحبيب لتشرق ملامحها برؤيته ..
كأنما نسيت سواد ما كان بينهما ..وما سيكون ..
فلم تعد تعنيها سوى هذه اللحظة ..
أنها الآن معه !!

_صباح النور ..نمت كويس؟!
تقولها بحنانها العاشق ليتنهد بحرارة مطرقاً برأسه فترى في ملامحه البائسة الجواب ..
قبل أن ينتبه لما تحمله فيرفعه عنها قائلاً بحرج :
_تعبتي نفسك ليه ؟!
_طول عمرك تاعبني !
تقولها بمرح مصطنع محاولة عيش هذه اللحظة معه ومتناسية هذا الجحيم الذي يكوي ضلوعها ..
ليرد هو بابتسامة صادقة لم يعد يعرفها في عالمه -المموه- إلا معها هي :
_شكراً يا سكر .

تدمع عيناها كعهدها مع كل لفظة "سكر" يدللها بها ..
ربما لأنها "الخيط الرابط" الوحيد بين ماضيهما وحاضرهما ..

لكنها تتمالك نفسها لتقول له ببعض الأسف:
_ما تزعلش مني ..بس أنا كلمت دكتورة ياقوت عشان أطمنهم عليك ..وجاية كمان شوية .

تتعكر ملامحه للحظات لكنه يعترف لنفسه حقاً أنه يريد رؤية ياقوت بالذات ..
لا ينكر هذه الراحة التي تمنحه إياها بحديثها معه ..
لهذا لانت ملامحه رويداً رويداً ليهز رأسه بلا معنى ..
قبل أن تتذكر هي وصية والدتها فتتحرك مبتعدة للخلف قائلة بنفس المرح المصطنع :
_خلص فطارك كله عشان ماما ما تزعلش ..موصياني عليك قوي .

فيضحك وهو يراقب خطواتها الرشيقة التي انسحبت بها نحو الدرج للأسفل ..
كيف لا يذكرها ؟!
كيف وقلبه يرتج داخله بهذا العنفوان عندما يراها ..
وبهذه الطريقة التي لم يعرفها مع أحد سواها ؟!!

هنا تغزوه بعض الأطياف من ذاكرته القديمة ..
فيراها تستقل معه سيارته وتضحك ..
تمسك كفه وهما يعبران الطريق سوياً ..
تجلس جواره على رصيف الجامعة يمكسان كتابيهما ليراجعا قبل الاختبار ..
تصرخ به عاتبة أنها تغار ..
من أخرى!!
من هي ؟!!

ينعقد حاجباه بقوة وهو يحاول التذكر أكثر لكن ذهنه لا يسعفه بالمزيد ..
فيكتفي بهذا القدر وهو يغلق الباب بقدمه ليضع الطعام على المائدة الصغيرة هناك ..

جااائع هو!!
فكيف لو كان الطعام من يدها هي !!
======
_احنا هنسيبه هنا بجد ؟! انتِ عايزة جيلان هانم تروح فيها ؟!
يسألها إسلام باستنكار عقب مغادرتهما لبيت شهد ومقابلتهما هيثم ..
لترد ياقوت وهي تتحرك معه نحو سيارته :
_ماليش دعوة بجيلان هانم ..المهم إنه هو عايز يفضل هنا ورافض يرجع البيت ..والست والدة شهد متفهمة ومش ممانعة ..سيبوه براحته ..ماتزودوش الضغط عليه .

يفتح لها السيارة لتستقلها ويركب هو جوارها ثم يقول بمرحه الذي يخالط مرارته كعهده بمزيج مدهش :
_طيبة قوي الست أم شهد دي ..وعلى نياتها ..مش زي بنتها خالص .

ترمقه بنظرة عاتبة لم يرها وهو يشغل السيارة لينطلق بها مردفاً بنفس النبرة :
_البنت علقت الواد وأبوه !!

_إسلام !!
هتفت بها تزجره بحدة ليلتفت نحوها قائلاً ببراءة مصطنعة :
_أنا جبت حاجة من عندي لا سمح الله ؟!!

فزفرت وهي تسترخي في مقعدها أكثر لتنظر أمامها قائلة بنبرة دفاع:
_أنا متعاطفة معاها ..يمكن لو كنت مكانها ماكنتش هاتصرف زيها ..بس راعي سنها الصغير ..إحساسها بالقهر وهي شايفة قريبتها بتموت غدر مع جنين في بطنها ..السن ده بيبقى جموح بزيادة ..شايف الدنيا كلها مغامرة عايز يعيشها ..ما بالك بواحدة زيها عالمها محدود بين أم مريضة وإعجاب من طرف واحد ؟! طبيعي تستحلى فكرة الانتقام والمغامرة !

_واهي قلبت جد ..ولبست في الحيط ..تفتكري هيثم هيعديهالها ؟! بلاش ..جيلان هانم اللي قاطعتني عشان إتجوزت مطلقة معاها طفلة ..هتقول إيه لما تلاقي الموكوس التاني عايز يتجوز البنت اللي غوت أبوه لحد ما وقعته ؟!!
يقولها باستنكاره المرح لتلتفت نحوه من جديد هاتفة بغيظ :
_تاااني؟! هتتكلم عنها كده تاني ؟!!

فيشير براحته لها مهدئاً مع هتافه المرح :
_خلاص ..خلاص ..ماهو اللي يقول الحق في البلد دي يروح النار ..

ثم صمت لحظات ليردف :
_بس إن جيتي للحق ..البنت شكلها بتحبه فعلاً وهتموت عليه ..وهو كمان ..

ثم يهز رأسه ليقول بإشفاق بدا ك"ولولة النساء":
_عيني عليكي وعلى شبابك يا جيلان هانم ..كنتِ فلة شمعة منورة ..راجل بيحبك وولاد زي الورد ..دلوقتِ كله طلع بلح!

ضحكت رغماً عنها ضحكة عالية طويلة وطريقة إلقائه المبالغة لا تترك لها مجالاً لغير ذلك ..
فيلتفت نحوها هاتفاً بغيظ مرح:

_اضحكي اضحكي ..وسيبي "قرمط" الغلبان هو اللي في وش المدفع ..يااخواننا أنا عريس ..عريييييس ...عايز أشوف حالي بقا.

فتستمر في الضحك للحظات قبل أن تتجاهل موضوع هيثم مؤقتاً لتقول له باهتمام:
_نشوى عاملة معاك إيه ؟!

يلتفت نحوها بضحكة صامتة كز فيها على أسنانه بقوة بإشارة ذات مغزى لتضحك من جديد هاتفة بشماتة :
_تستاهل!..اهي دي اللي هتكفر ذنوبك كلها .

_ده على أساس إن عيلتي قصّرت مثلاً؟! منكو لله كلكو !

يقولها بمسكنة مصطنعة لتعاود الضحك من جديد قبل أن تخاطبه بجدية هذه المرة :
_أنا مش هاوصيك عليها لأني واثقة فيك ..بس عايزاك تاخدها بالراحة ..الكام يوم اللي هتسافروهم دول فرصة تقربوا من بعض ..بس ما تضغطش عليها .

_حاضر يا "أبلة فضيلة" ! هنسمع الغنوة ونتسلى بالحدوتة !

يقولها مشاكساً لتعاود الضحك من جديد وهي تخبط كفيها ببعضهما من جديد هاتفة بمرح :
_مالكش حل !

ثم تلفتت حولها لتسأله :
_هتروح فين دلوقت ؟!
_هاوصللك وأروح أقابل "الوحش"!
تضحك وهي تتبين أنه يعني أمه بها لتتنهد بعدها بحرارة ثم تقول له بجدية :
_قل لها تطمن ..كلامي مع هيثم النهاردة حسسني إنه قرب يفتكر ..صحيح هو لسه ضايع ومحتار وصدمة اللي عرفه مش هينة ..بس المرحلة الجاية مهمة عشان يبني لنفسه حياة جديدة بعيد عن حياته القديمة اللي اتشوهت ..يمكن ساعتها لما ترجع له الذاكرة يلاقي حيطة قوية يتسند عليها .
=====
_بس إيه رأيك يا سيدنا ؟! "بتاع البرقوق" سبقك واتجوز قبلك !!
يهتف بها إسلام عبر الهاتف بضحكة عالية ليردها له سيف بمرح :
_طول عمرك طاقق ودماغك لاسع ..بس عمك علاء فقسك من أول مرة ..هو الوحيد اللي مااستغربش جوازتك المعفرتة دي ..بس على الله تركز بقا ..
_لا خلاص ..تبنا وأنبنا ..ده أنا حتى مسافر أفسح المدام والبنت كمان ..
يقولها ضاحكاً ليردف بنبرة أكثر مرحاٌ :
_الواحد حاسس إنه نطّ مراحل كتير قوي !

لايزال يهتف بها بين ضحكاته ليصمت سيف قليلاً محاولاً استنباط ما خلف مرح صديقه الشديد هذا ..
خبرته به تنبئه أنه سعيد حقاً ..
والغريب أنه -إسلام- وقف أمام أمه هذه المرة ليتشبث باختياره ..
هذا الذي لم يفعله مع غادة قديماً ..
ربما هذا ما يؤكد له أن هذه "المرة" مختلفة ..
بل إن هذه "المرأة" مختلفة !!

_اللي جابلك يخليلك يااخويا.
يهتف بها أخيراً بتهكم مرح ليرد إسلام بضحكة أخرى قبل أن يظهر صوت ريما في الخلفية تناديه ليلعب معها فيهتف مخاطباً سيف بنفس النبرة الضاحكة :
_أستأذنك أنا بقا أروح أمارس مهامي كرب للأسرة .
_أنتم السابقون ونحن اللاحقون .

يقولها سيف بضحكة متهكمة قبل أن يغلق معه الاتصال بعدما اطمأن عليه ..
ليتنهد بحرارة وهو يغادر فراشه نحو مكتبته المقابلة ..
سيقوم بإجراء تعديلات في الشقة تمهيداً لاستقبال عروسه الحبيبة لكنه سيبقي هذه الغرفة كما هي ..
سيبقيها شاهدة على حضور ملكته ببصمتها المميزة في حياته قبل أن يعرف حتى أنها ستكون له ..

يتحسس الكتب مكانها لتقع عيناه على إحدى الكتيبات الصغيرة لسلسلتهما الأثيرة معاً .."ما وراء الطبيعة"..
فيبتسم وهو يتناول هاتفه شاعراً باشتياق جارف نحوها ..
يحترم رغبتها في تأجيل الزواج احتراماً لحدادها لكنه لا يكاد يطيق صبراً على الابتعاد عنها ..

_صباح الخير يا سيف .

بصوتها المغناج ذي الدلال الطبيعي تقولها ليشعر بخلايا جسده كلها تتفاعل معها ..
ورغم رده التقليدي :
_صباح النور .

لكنها كانت تراه في مخيلتها محمر الأنف والأذنين ..صارخ العينين بعشق هي خير من تدرك مداه ..
ربما يكون تحفظه هذا منفراً للكثيرات ..لكنها هي بالذات كانت تراه ميزة !!
هي التي ارتبطت عبارات الغزل لديها بالتحرش ..فتعلمت كيف تسمع "لغة جديدة" للحب بعيدة عن المفردات التقليدية ..

وهاهنا بالذات اقتحمها وابل من ذكرياتها مع أحمد ..
هو الذي سيبقى استثناءها وسط كل هذا !
الغريب أنها لا تشعر أنها الآن تخونه ..
بل على العكس ..تشعر براحة غريبة عندما تتذكره كأنه حولها يبارك خطوتها هذه ..

_افرحي يا غادة ..افرحي .

تكاد تسمعها بصوته كما كان في رؤياها وهو يخلع عنها دبلته بنفسه ليظهر خلفه سيف !

_انتِ كويسة ؟!
تبتسم وسؤال سيف ينتزعها من شرودها ..
يكفيه تميزاً في عينيها أن تحمل كلمتان منه ..كلمتان فقط ..كل هذا الأمان الذي يغشاها الآن !

_كويسة جداً ..بس ..كنت عايزة أروح النهارده مشوار بأجله من زمان .
تقولها مترددة ليسألها بترقب :
_فين؟!
_والد أحمد ..مازرتوش من ساعة ما وصلت ..هو على طول بيكلمني يسأل عليا وصحته مانعاه يتحرك م البيت ..عمو علاء قالله على موضوع جوازنا ..هو متفهم جداً بس برضه ..
تقولها بعفوية لتقطع حديثها فجأة وهي تتبين صمته المريب ..لتعاود سؤاله بريبة :

_سيف ..انت معايا ؟!
يصمت للحظات مريبة أخرى قبل أن يقول بنبرته الرجولية المطمئنة :
_من هنا ورايح مش هاكون غير معاكي .
لتتنفس الصعداء ثم تقول برقّة:
_افتكرتك اتضايقت .

_امتى حسيتي إنك بتحبيني ؟!

سؤاله المباشر و المفاجئ لم يمنحها الرد على عبارتها السابقة لتعود لتوجسها من جديد ..
لكنها استعانت بسلاح دلالها لترد بشقاوة عذبة:
_أنا لسه مااعترفتش بالمناسبة ..كلها تكهنات من جانب سيادتك .

_جاوبيني يا غادة .
رجاؤه الخشن يلامس شعورها الأمومي نحوه فتتنهد بحرارة لترد :
_صعب أحدد ..بس ..يمكن أول مرة حسيتك مختلف لما كنا في المزرعة وانت سبتهم كلهم قاعدين عشان تقرب مني بسرعة وتقوللي إن شعري باين تحت الطرحة ..حسيت ساعتها إني مطمنة لك ..الإحساس ده ماعرفتوش بعد أحمد غير معاك .

_عايز أشوفك ..دلوقت ..حالاً .
صوته الغارق بانفعالاته يزيد من توجسها ..خاصة وردوده لا تتوافق مع ما تحكيه ..
لهذا ازدردت ريقها لترد بارتباك :
_أنا زعلتك قوي كده ؟!

_دلوقت يا غادة !
يكررها بحزم أكبر مردفاً :
_عشر دقايق تلبسي وهاكون عندك ..هنخرج نفطر سوا .

يقولها ليغلق الاتصال غير سامح لها بالمزيد لينقبض قلبها وهي تحاول فهمه ..
هل تضايق إلى هذا الحد من ذكر زيارتها لوالد أحمد ؟!
أم هل يحتاج المزيد من الثقة في مشاعرها هي نحوه ؟!
نعم ..ربما ..
هي لم تبح له صراحة بحقيقة مشاعرها نحوه مكتفية ب"الميدالية" التي دستها في كفه يومها في المطار ..
اعتمدت على هذه "البوصلة" الخاصة بينهما ..
البوصلة التي لا يعرف سهمها إلا طريق كل منهما لصاحبه !!

لهذا تنهدت بحرارة وهي تسرع في تغيير ملابسها لتودع إيناس بقبلة خاطفة مخبرة إياها عن وجهتها ..
قبل أن تغادر الشقة نحو المصعد الذي ما إن فتحته حتى فوجئت به هناك ينتظرها !!


ناظرته بدهشة وهي تراه يضغط زر إيقافه قبل أن يتحرك نحوها ليجذبها من مرفقيها نحوه !!

تشهق بدهشة وهي تراه يقربها منه لكنه أوقفها في اللحظة الأخيرة على بعد سنتيمترات من صدره الذي كان يعلو ويهبط بانفعال كاسح أشعلهما معاً ..
عيناه تهدران بهذه النظرة الهائجة لعشق لم تختبره قبلاً بهذه الضراوة كأنما يقاوم وحشاً كاسراً في صدره ..

_قولي إنك بتحبيني ..دلوقت ..قوليها .

يهمس بها من بين أسنانه وهو يهز مرفقيها لتدمع عيناها والارتباك يخرسها للحظات مع هذا الوجه "المجنون" الذي لم تره منه من قبل ..
لم تكن تعلم أن خلف غلالة الذنب القديمة مارد عشق مجنون ينتظر سقوطها ليتحرر من قمقمه !!
مارد ترحب كثيراً بالانسياق خلف أساطير قدراته !!

_بحبك .
تهمس بها بخفوت وجسدها ينتفض بين ذراعيه بينما تسبل جفنيها بترقب ..
تشعر به يقربها أكثر فتتحفز خلاياها كلها ..
لكنها تفاجأ به يبعدها بطول ذراعيه دون أن يتخلى عن التشبث بمرفقيها !!

هنا رفعت عينيها نحوه لتجده هو مغمضاّ عينيه بقوة كأنما يقاوم إعصاراً جارفاً بداخله ..
هذا الذي رسم على شفتيها ابتسامة خافتة وهي تتأمل ملامحه بهيام ..
لا تدري ما الذي كانت ستشعر به لو تجرأ معها وفعل ما هو أكثر ..
لا تدري إن كانت وقتها ستستعيد كل هواجس كوابيسها القديمة ..
لا تدري إن كان سيخسر وقتها بعضاً من نقاط قوته لدى امرأة بتاريخها ..وربما ..كلها !!

لكن ما تعلمه وتثق به الآن أنها ...

_بحبك ..قوي!

تقولها بنبرة أكثر علواً ..أكثر ثقة ..وأكثر عاطفة ليفتح عينيه أخيراٌ مواجهاً عينيها المتألقتين ..
وقد بدا اعترافها بأنه أطفأ نيراناً و..أشعل أخرى!!

شفتاه ترتجفان بقوة وعيناه تجولان فوق ملامحها الفاتنة ..قبل أن ينتبه لضغطة قبضتيه القوية فوق مرفقيها فيتركهما ببطء هامساً :
_آسف .
_شكراً .

كلاهما همس بكلمته في نفس اللحظة لكن أحدهما لم يسأل الآخر عما يعنيه ..
لا هي سألته عما يعتذر ولا هو سألها لماذا تشكره ..
وقد بدا التواصل الروحي بينهما أكبر من أي تفسير ..

_خفتِ مني؟!
يهمس بها ببعض الحرج والاحمرار المميز لأنفه وأذنيه يكاد يجعلها تضحك..
لكنها تستبدل ضحكتها بابتسامة عاشقة وهي ترد بيقين:
_عمري ما خفت وأنا معاك ..واثقة إنك هتصونني وتحافظ عليا .

تشعر بانفعال جسده الثائر أمامها بحديث صمت عنه لسانه كالعادة ..
وصرخت به عيناه بكل لغة ..
"الحزن الأخرس" فيهما صار الآن يتشح بأطياف ملونة من عشق يخصها وحدها ..

_ممكن أطلب منك طلب ؟!
يهمس بها بوجل لتصدر همهمة مترقبة وهي تراه يرفع أنامله نحو وجهها دون أن يمسها ..
قبل أن يغمض عينيه مستحضراً صورة بعينيها :
_شعرك ده هيجنني من أول مرة شفته ..عايز لما أشوفه تاني يكون بنفس اللون ..كان أحمر ..عمري ما شفت شعر بالجمال ده .

كلمات كهذه من رجل مثله ترفعها فوق قمم جبال أنوثتها ..
فتضحك ضحكتها المهلكة وهي تتحسس وشاحها فوق رأسها هامسة بدلال :
_بس كده ؟!

فيفتح عينيه ليهمس بصوت أجش بينما يشير بعينيه لشفتيها :
_وضحكتك دي تتصرفي فيها .

كأنما أمرها بالعكس!!
ضحكتها تصدح من جديد غير قادرة على تمالكها ليرمقها بنظرة عاتبة سبقت همسه :
_انتِ مشكلة .
_وكويسة ..ومريحة !!
تقولها وهي تعد له على إصبعيها مذكرة إياه بما سبق من حماقاته ليضحك ضحكة قصيرة وهو يتناول كفها بين راحتيه ..
ثم يهمس لها بما ظنت أنها لن تسمعه منه أبداٌ:
_وأجمل وأرق ست شفتها في حياتي .

_ياااااا سيدي! قول يا أستاذ قوول .
تهمس بها بدلالها المشاكس مغالبة خجلها قبل أن تضغط زر تشغيل المصعد من جديد مردفة :
_ننزل نفطر بقا ..كلامك الحلو على غفلة ده جوعني زيادة .

يضغط كفها بقوة أكثر بين راحتيه ليرد غير قادر على منع عينيه من التعلق بملامحها :
_اليوم كله هنقضيه مع بعض..هنفطر وبعدين نشتري شوية حاجات للشقة ..وبعدها نروح لوالد أحمد سوا .

كان المصعد قد وصل للطابق الأرضي ففتح هو بابه غافلاً عن ملامحها المتجهمة إزاء عبارته الأخيرة والتي ناسبت قولها وهي تتحرك معه :
_بلاش أحسن !
لكنه توقف مكانه ليقول بحزم امتزج باحتوائه في خليط مدهش:
_مفيش خطوة بعد كده هتخطيها إلا ورجلي على رجلك .

هذا الخليط الذي اقتلع تجهمها من جذوره ليغرس مكانه زهوراً من أمان !
ابتسامتها تولد صغيرة واهنة قبل أن تتسع رويداً رويداً وهي تميل رأسها قائلة باستياء مصطنع :
_مستبد !
فيبتسم ابتسامته الرائعة التي تحيل ملامحه الخشنة لأخرى طفولية مع رده وهو يضغط كفها في راحته قبل أن يضمه لصدره بتملك :
_تهمة مش هنكرها ..معاكِ أنا مستبد ودكتاتور كمان .

ضحكتها المهلكة تغرد في أذنه من جديد لتعاود اعترافها للمرة الثانية هاتفة بمزيج عاطفتها ودلالها :
_وأنا بحبك يا مستبد !
=======

على حبك عندي مية إثبات
شوقي مثلاً ..بان في عيني ساعات ..
وبخاف وبغير ..
خد من ده كتير ..
وإن سيرتك جت بنطق بالخير ..
وطبعك خدت منه حاجات ..

النغمات مع الكلمات "المقصودة" تنساب عبر كاسيت السيارة التي يقودها إسلام بها وبالصغيرة التي نامت جوارها على المقعد الخلفي !
أجل .."الشوكية" أصرت ألا تركب السيارة جواره بل جوار ابنتها بالخلف ..
تعجبه لعبة "القط والفأر" هذه ..تعجبه كثيراً!!

_وأخبارك مع التفاصيل ..أحب أسمعها بالتفصيل ..

يدندن بها مع الغنوة مميلاً رأسه وهو ينظر إليها عبر مرآة السيارة لترمقه بنظرة ساخطة هاتفة :
_البنت نايمة ..وطي البتاع ده شوية !

وكعهده -يقوم بتعلية الصوت أكثر - في حركة مغيظة لتعاود الزفر بسخط وهي تشيح بوجهها متأملة الطريق ..
تمسد شعر الصغيرة بشرود وهي تشعر بالمزيد من الخواء ..
إلى أين تمضي حياتها وحياة صغيرتها ؟!
وهل يمكنها حقاً ائتمان رجل مثل إسلام هذا بتاريخ أبيه القذر؟!!
صحيح أنه يبدو بظاهره محل ثقة لكن ما يدريها هي عن باطنه ؟!!

تختلس نظرة جانبية نحوه لتجد عينيه معلقتين بها عبر المرآة ..
كعهده منذ بدأت هذه الزيجة ..
يحاصرها لكنه لا يفرض نفسه عليها ..
جسدياً على الأقل!!
أجل ..نقطة تحسب لصالحه خاصة وزوجها السابق كان يشعرها أن الرجال لا يفكرون إلا ب"هذا الأمر" !!

قبضة خانقة تعتصر قلبها وهي تتذكر شعورها المقيت مع زوجها السابق في كل مرة كان يجمعهما فيها فراش واحد ..
شعور أشبه بجارية تبيع جسدها دون مقابل ..
كان يصفها بالبرود وقد كان محقاً ..
هي نفسها لم تدرك الفارق إلا عندما ظهر ناصر في حياتها من جديد ..
آآه!
كانت تنتظره ليس فقط لرد اعتبار كرامتها بل ..لاختبار "أنوثتها المطعونة" !!

_لو أقوللك الكلام هيطول ..حس انت ..شوف بعينك دول ..فيه كلام عادي يتقال للناس ..وكلام أجمل يتقال إحساس ..بيوصل للقلوب على طول ..

لايزال يدندن هو بها وعيناه ترسمان ملامحها عبر زجاج المرآة فيختلج قلبها بشعور غريب ..

غصة تمرر حلقها وهي تختلس نظرة أخرى نحوه امتزج فيها السخط بالذنب ..
كيف تكون في عصمته وتفكر بآخر؟!!
هذا الذي جعلها تنحي خواطرها عن ناصر جانباً ولو قسراٌ محاولة فهم هذا الكائن الغريب أمامها ..
لماذا لا تتقبله ؟!
ربما هو ليس بوسامة ناصر وجاذبيته الكاسحة وجسده الرياضي الممشوق كنجوم السينما ..
بل هو ببنيته الأميل للنحافة وشخصيته الميالة للمزاح دوماٌ بعيدٌ تماماٌ عن الطراز الذي يروقها من الرجال ..
لكن به شيئاً محبباً لا تفهمه ..
شيئاً سبقتها ابنتها في إدراكه ..
ومع هذا تأبى هي تصديقه !!
لا ..
لن تفعل ..
لم تعد السفينة تحتمل المزيد من الثقوب ..
غارقة هي إن آجلاً أو عاجلاً!
فلتنكمش على نفسها محتضنة ابنتها حتى ترى إلامَ سيؤول مصير هذه الزيجة !!

_وصلنا !

يقولها وهو يوقف السيارة في مرآب الفندق لتتلفت حولها محاولة استكشاف المكان الذي بدا لها بسيطاً أنيقاً ..

_هو ده الفندق يا مامي؟!
تهتف بها ريما بصوت ناعس وقد أفاقت من نومها بمجرد توقف السيارة ليلتفت نحوها إسلام هاتفاً بمرح :
_أيوة هو ..كويس إنك نمتِ الشوية دول عشان ننزل الشنط وننزل المية على طول ..مش عايزين نضيع وقت .

تطلق الصغيرة صيحة فرحة وهي تندفع نحوه تعانقه من الخلف ليضحك ضحكة عالية جعلت نشوى رغماً عنها تبتسم ابتسامة واهنة وهي تنقل بصرها بينهما ..
ابتسامة تلونت بالكثير من الخوف وهي تخشى على ابنتها المزيد من التعلق به ..
هي أكثر من يدرك مرارة خذلان الفقد بعد التعلق !

أفكارها تتصارع بداخلها وهي تلاحظ انشغال ابنتها عنها وتشبثها بإسلام طوال رحلتهما لإنجاز الإجراءات في مكتب الاستقبال ثم إلى الغرفة ..
مزيج من الغيرة والخوف يجتاحها هاهنا أيضاً ولا تدري كيف تتصرف ..


"_My princess"

يقولها إسلام أمام باب الغرفة الذي فتحه وهو ينحني في مشهد تمثيلي للصغيرة التي قبلت وجنته بقوة ثم اندفعت بصيحاتها للداخل ..

قبل أن يلتفت هو نحو نشوى مكرراً نفس الموقف لترمقه بنظرة متهكمة جعلته يقترب منها هامساً في أذنها:
_الأصول إنك تدخلي الأوضة متشالة .

يقولها وذراعه ينسل خلف ظهرها ليرتجف جسدها لكنها ترد بسخرية :
_وانت هتقدر تشيلني ؟!

نظراته العابثة تتجاهل عبارتها المهينة لتعيث فساداً فوق منحنيات جسدها بصورة أربكتها ..
قبل أن تشهق فجأة بعنف وهي تراه ينحني ليحملها بين ذراعيه فيتعلق ذراعاها به عفوياً ..
بل وتتعلق عيناها به عفوياً كذلك !!
نظراته الدافئة بعاطفة سخية تناقض هزل عبارته وهو يتحرك بها بتثاقل مصطنعاً الترنح:
_يا نهار أبيض!! مش قادر ..مش قادر ..العروسة هتقع مني أهه ..هتقع ..هتقع ..

ومع كل "هتقع" كان يقربها قصداً نحو الأرض لتزداد تشبثاً به مع صرخاتها المكتومة ..
صرخاتها التي قابلها بضحكاته العالية وشاركته فيها ريما بتصفيقها لهما قبل أن يضعها على الفراش لتهتف ريما بمرح:
_زي الأمير ما شال سنووايت !

لكن إسلام ضحك وهو يراقب ملامح نشوى التي احمر وجهها بسخط ليغمزها قائلاً:
_سنووايت كانت كيرفي كده ؟!

_يعني إيه كيرفي؟!
تسأله الصغيرة بحيرة لينتبه لنفسه فيتنحنح وهو يهرش رأسه قائلاً:
_كيرفي ..يعني ..يعني .

تلكزه نشوى في خاصرته بعدما تنهض من فوق الفراش ليكتم تأوهه ويرد بما تبادر لذهنه :
_يعني حلوة من غير ماتحط مكياج .

أصدرت الصغيرة آهة إدراك لتشير لنفسها هاتفة بفخر:
_أنا كيرفي .

يكتم ضحكته بصعوبة فيما تزداد نظرات نشوى سخطاً وهي تقف لتميل عليه هامسة بحدة :
_عاجبك كده ؟! هتبوظلي البنت ؟!
_بس إيه رأيك فيا ؟! طلعت بعرف أشيل ؟!
يغمزها بها وهو يميل عليها بهمسه لتحترق وجنتاها خجلاً فيعض شفته السفلى بحركة مقصودة سبقت همسه الخافت من جديد في أذنها :
_ماتراهنيش بقا على بقية الحاجات اللي بعرف أعملها .

هنا لم تستطع إلا دفن وجهها بين راحتيها خجلاً مع تلميحه الوقح كاتمة آهة دهشتها ..

_انتو بتقولوا إيه ؟!
تهتف بها ريما بفضول ليرد هو وهو يقترب من الصغيرة ليشير حوله هاتفاً :
_عجبتك الأوضة ؟!
_جداً ...ممكن أروح البلكونة ؟!
تسأله برجاء ليضحك وهو يحملها نحو الشرفة ليوقفه صراخ نشوى المفاجئ خلفه :
_الأوضة بسرير واحد ؟!
تهتف بها باستنكار وقد أدركت الوضع لتوها فيلتفت نحوها بخبث ناقض براءة كلماته المصطنعة :
_هو احنا محتاجين أكتر؟!!


_هيييييييه !!! هنام في حضنكم انتو الاتنين ..بحب كده قوي .
هتفت بها ريما بسعادة وهي تعانقه ليغمز هو نشوى من خلف ظهر الصغيرة هاتفاً :
_وأنا شكلي هحب كده قوي برضه !

رمقته نشوى بنظرة حادة وهي تهم برد ساخط لكن صوت طرقات الباب قاطعها ليدخل العامل بالحقائب ..
ولم يكد ينتهي حتى هتفت هي بريما بنبرة حازمة :
_ياللا عشان تاخدي شاور وتغيري هدومك .
_هالبس المايوه البينك ؟!
تسألها الصغيرة فتستجيب للإجابة على تساؤلاتها وثرثرتها التي لم تنتهِ بينما تجذبها بعيداً عنه لتغلق خلفهما باب الحمام المجاور ..
زفرة ارتياح تطلقها وهي تشعر ب"أمان مؤقت" بعيداً عن زوابعه التي يثيرها بداخلها ..
تتحرك لتحمم الصغيرة بشرود ثم تلبسها ثوب البحر الذي طالعته الصغيرة في المرآة لتهتف باستحسان وهي تتخصر مستعرضة جسدها الصغير :
_أنا كيرفي قوي يا مامي .

_منك لله ياللي في بالي .
تقولها من بين أسنانها لتزفر وهي تتحرك بالصغيرة لتخرج بها من الحمام فيقابلهما هو بصفيره الطويل ونظراته نحو الصغيرة التي بادرته بقولها:
_شكراً ع المايوه ..حلو قوي ..جبت لمامي زيه ؟!!

تسأله ببراءة ليرد هو بغموض :
_يعني ..مش بالضبط .

هنا تزفر نشوى للمرة التي لا تدري عددها وهي تتحرك نحو حقيبتها لتشهق بدهشة وهي تتفحص محتوياتها ..

قبل أن ترفع إليه عينين غاضبتين:
_فين بجاماتي؟!

يكتم ابتسامته وهو يتحرك نحوها متسائلاً:
_الثلاث بجامات اللي ببناطيل وأكمام طويلة ؟!
_أيوة .
تقولها كازة على أسنانها ليعاود سؤاله :
_الزرقا والبنفسجي ..والأبيض في الأسود ؟!
_أيوة !
_القطن المريحين دول ؟!
_أيوة أيوة ..
تهتف بها بنفاد صبر ليرد بحاجب متراقص يعترف بجريمته وإن أنكرها:
_ولا شفتهم !

تضم قبضتها جوارها بغيظ وهي تعاود تفحص محتويات الحقيبة لتفاجأ بمحتوياتها التي لا تعلم عنها شيئاً ..
منامات حريرية بسراويل قصيرة وبتصاميم رقيقة مبهجة تليق بالعرائس ..
لم تكن فاضحة تماماً كثياب نوم ..لكنها لا تتصور أن ترتدي مثل هذا أمامه !!

_عملت حساب البنت وما رضيتش أزودها قوي ..عجبك ذوقي؟!

يهمس بها بخفوت جوار أذنها لتلتفت نحوه بحدة فيصطدم بعينيها الدامعتين !!
دموع حقيقية ملأت عينيها لتحمل إليه شعورها كاملاً ..
شعور فأر وقع في مصيدة هو من جلبها لنفسه !!

التسلية المازحة تختفي من ملامحه رويداً رويداً لتحل محلها نظرة مطمئنة في عينيه ..
نظرة لم ترد هي تصديقها برغم كل شيء ..
لتجعلها طبيعتها "الشوكية" تهتف به بانفعال وبكلمات لم تتبين خطورتها :
_ومين قاللك إني هاقبل هدايا منك ؟! ولعلمك أنا اللي هحاسب على الفندق هنا ..أنا إيه عرفني فلوسك دي جايبها منين ؟! من شابه أباه فما..

كلماتها تنقطع بأنامله التي وضعها على شفتيها بحزم ونظرة عينيه التي تبدلت للكثير من الحدة تخرسها ..
تزداد كثافة الدموع في عينيها لتسقط أخيراً فوق كفه فيزداد انعقاد حاجبيه مع حزم نظراته التي بدت قاسية لوهلة ..
قبل أن تلين وهو يتوجه ببصره نحو ريما التي كانت تناظرهما بقلق :
_روحي اتفرجي ع البيسين م البلكونة لحد ما اتكلم مع مامي شوية .

يقولها بصوت حشرجه غضبه لتهتف به الصغيرة بقلق طفولي:
_هتتخانقوا ؟!

اغتصب ابتسامة باردة وهو يزيح أنامله المبللة بدموعها من على وجه نشوى محاولاً كظم غيظه لتقترب الصغيرة منه وتتشبث بسرواله قائلة بصوت باكٍ :
_هي وبابا كانوا بيتخانقوا وعشان كده سابني ..هتسيبني انت كمان ؟!

هنا انخرطت نشوى فجأة في بكاء انفعالي وهي تعطيهما ظهرها ليرمقها هو بنظرة مختلسة قبل أن تتسع ابتسامته وهو ينحني ليحمل الصغيرة فيضمها لصدره قائلاً بحنان لا يدعيه :
_مش هاسيبك أبداً ..ماتخافيش .

يشعر بالصغيرة تتشبث به أكثر بذراعيها ..
هذه الحركة التي فعلت به الأفاعيل فيحس كأنما تفجرت بداخله دفقات من المشاعر لم يتصورها بهذه القوة ..
هذا الشعور المستحدث ب"الأبوة" والذي يجربه لأول مرة لكنه لا يشعر بغرابته ..بل كأنما كان هناك منذ الأزل ينتظر فقط من يلوح له كي يفيض به بسخاء !

وعده لها لم يكن مجرد كلمات من فراغ ..
بل هو صدى لإحساسه الذي يتنامى نحو الصغيرة ..وأمها !!
أمها سليطة اللسان التي سيعرف كيف يروض قسوتها الظاهرة هذه !!

_ياللا بقا اسمعي الكلام ..ماتنسيش المهمة السرية يا محاربة .
يهمس بها بخفوت في أذن الصغيرة التي عادت ملامحها لإشراقها بسرعة وهي تضع كفها على شفتيها بسرعة لتومئ برأسها مطيعة قبل أن ينزلها هو أرضاً لتعدو نحو الشرفة البعيدة متيحة لهما مساحة من الخصوصية ..

يتحرك ليقف قبالة نشوى التي بدت منهارة تماماً فيحيط كتفيها بقبضتيه ليهمس لها بحزم :
_سيرة حسين رجائي ماتجيش بيننا تاني نهائي ..مفهوم ؟!
هذا الوجه الصارم الغريب على مرحه المعهود معها يربكها فترفع عينيها الباكيتين نحوه ليردف بنبرة أشد حزماً:
_أنا سبت شغلانة كانت بتجيب لي دهب في اسطنبول وقررت أقعد هنا عشان أصلح كل البلاوي اللي هو عملها ..عشان أمسح السواد اللي جابه اسمه لاسمي ..عشان أفضل جنب إخواتي وأعوضهم عن اللي هو عمله ..مش بعد كل ده هاسمح لأي حد ..أي حد إنه يشكك فيا وفي نيتي .

كانت نبرته تزداد انفعالاً مع كل كلمة يقولها حتى وصل صوته حد اللهاث في عبارته الأخيرة ..
خفقات قلبها تتجاوز حد الجنون وهي تشعر بحروفه تتخللها ..لا كمجرد كلمات ..بل بإحساس يغزوها صدقاً فلا تملك معه إلا التسليم ..
لتتسع عيناها للحظات وهي تشعر بجسدها يزداد ارتجافاً بين قبضتيه ..
قبضتيه اللتين أزاحتهما هي عنها ببعض العنف لتطرق برأسها قائلة بصوت أنهكه بكاؤه :
_أنا تعبانة م السفر ..عايزة أرتاح .

رمقها بنظرة متأرجحة بين غضب وإشفاق ليغلب الأخير الأول فيشير لها بيده نحو الفراش قائلاً :
_ممكن تستريحي انتِ وأنا هنزل البيسين مع ريما .

_لا طبعاً ..مش هاسيب بنتي لوحدها معاك .
تهتف بها بتنمر ليمط شفتيه قائلاً:
_مش انتِ اللي قلتِ تعبانة ؟! خلاص ..تعالي معانا ..

ثم التمعت عيناه بمكر مردفاً:
_هتلاقي المايوه بتاعك في الشنطة برضه .

عقدت حاجبيها بقوة وهي تعاود التوجه نحو الحقيبة فيما اعتبره هو "اعتذاراً غير منطوق" عما صدر منها ..
ليبتسم بجذل وهو يراها تشهق بعنف بينما تمسك بأطراف أصابعها قطعتين منفصلتين لثوب استحمام فتلقيهما جانباً هاتفة باستنكار:
_بيكيني؟! انت بتستهبل؟! هانزل البحر ب"بكيني"؟!

_تؤ تؤ ..أستغفر الله العظيم..إن بعض الظن إثم ..أنا هنزلك البحر ببكيني برضه ؟! اهه ..مايوه المحجبات الحشمة اتفضلي .

يقولها ببراءة مصطنعة وهو يستخرج ما ذكره من الحقيبة ليرفعه أمام عينيها فتزفر بقوة وهي تنتزعه من يده بعنف ..
لكنه يقبض بكفه على كفها فيجذبها نحوه ليهمس جوار أذنها :
_التاني ده تلبسيهولي أنا !

يحمر وجهها من جديد خجلاً لترمقه بهذه النظرة الخائفة التي تغلب سخطها المعهود ..
ليقابلها بنظرته المطمئنة رغم مشاكسة مزاحه :
_يارب بس المقاس يطلع مظبوط ..الواحد مالحقش يعاين كويس!

تكز على أسنانها بقوة وهي تلكمه في كتفه ليعلو صوت ريما من الخارج:
_خلصتوا كلام كبار؟! عايزة أنزل المية !!

_هاطلع لها أنا على ما تقلعي ..
يقولها بمكر ليغمزها من جديد فتشهق بعنف ليقول مصححاً ببراءة مصطنعة :
_على ما تلبسي ..حلو كده ؟!

تعيد دفن وجهها بين راحتيها كاظمة غيظها و..خجلها !!
ليكتم هو ضحكة عابثة كادت تنفلت منه وهو يود الآن لو يحتوي ملامحها الخجولة هذه بشفتيه كما يليق ..
لكنه يدرك أن التوقيت ليس مناسباٌ بعد !!
ليس فقط وجود ريما لكنه شعوره بهذا الحاجز اللامرئي بينهما ..
لابد من الصبر ..فهو لا يريد كسرها أكثر !

_هيييييه!! دنيا !! بتاع البرقوق ينتهي به الحال متزوجاً مع إيقاف التنفيذ !! عجبت لك يازمن !

يقولها -لنفسه- ساخراً وهو يخبط كفيه ببعضهما ..
ثم يتحرك ليتوجه نحو الشرفة فيفاجأ بريما واقفة تثرثر مع الجارة في الشرفة المجاورة :
_أنا هنا مع مامي وأنكل إسلام...هم دخلوني هنا عشان يتكلموا كلام كبار ماينفعش أسمعه ..أنكل إسلام ده عسول قوي ..و..
تقطع عبارتها لتقترب برأسها الصغير من المرأة عبر الحائط بين الشرفتين مردفة :
_وبيحب الستات الكيرفي !

_ريما!!!
يهتف بها بحرج وضحكات المرأة العالية تصله بوضوح ليقترب منهما فيشد الصغيرة نحوه ليرمق المرأة بنظرة عابرة محرجة..
لكن الأخيرة حدجته بنظرة طويلة خاصة يعرفها -من مثيلاتها- بحكم خبرته لتقول بصوت ممطوط وبرقة مصطنعة :
_عسولة قوي البنت .

_شكراً .
يقولها باقتضاب وهو يغلق باباً يعلم أنه لو أراد فتحه فلن يردّ في وجهه ..لكنه حقاً لم يعد يرغب في الزلل ..
مع أن هذه المرأة بالذات تبدو بذوقه الخاص ..

"جامدة"!
يقولها لنفسه مقيّماً ببراءة حقيقية بعيدة عن أي غرض!

_كيرفي قوي طنط دي !!
تقولها الصغيرة فجأة ببراءة لتضحك المرأة ضحكة عالية مثيرة فيتحرك بالصغيرة ليدخل بها ويغلق باب الشرفة بإحكام في حركة ذات مغزى ..

_أنا جاهزة .
تقولها نشوى بخشونة خلفه ليبتسم وهو يقترب منها متأملاً إياها بنظرة متفحصة أشعلتها ..
قبل أن يميل على أذنها هامساً :
_أفهم من كده إنك هتقبلي بقية الهدايا ؟!
زفرت بنفاد صبر وهي تتجاهل الرد لتسحب الصغيرة منه نحوها هاتفة :
_ياللا يا ريما ..مش كنتِ مستعجلة ننزل المية ؟!

فيضحك ضحكة مشاكسة وهو يتناول كف الصغيرة الآخر لتسير بينهما ..
قبل أن يميل على أذنها هي من جديد هامساً بعبثه المغيظ :
_بتعرفي تعومي طيب ..واللا ..أعلمك ؟!
وغمزته الآسرة من جديد تواجه نظرتها الساخطة فتطفئها ..وتشعلها!!
=======
_زهقت م البيسين ..عايزة أروح البحر .

تهتف بها ريما بحماس طفولي بينما ثلاثتهم في حمام السباحة لترد نشوى بحزم رافض:
_ولازمته إيه الرمل والتلزيق ..البيسين هنا أنضف وأأمن .
_عايزة أروح البحر يا أنكل !
تتجاهل الصغيرة أمرها لتتوجه بحديثها نحو إسلام الذي تنحنح بحرج ليحاول إقناع نشوى بقوله :
_اللي مامي تقول عليه يتنفذ ..
ثم مال على نشوى هامساً :
_مافيهاش حاجة لما نروح ..هانزل معاها .

_لأ ..قلت لأ ..
تهتف بها بعصبية لترمقها الصغيرة بنظرة غاضبة هاتفة :
_هناك أمان برضه ..أنكل هيبقى معايا .

كلماتها تشعر نشوى بالمزيد من الخوف من تعلقها بإسلام إلى هذا الحد لتهتف بها بصرامة وهي تجذبها من كفها نحو سلم الخروج :
_الكلمة تتقال مرة واحدة وتتسمع ..كفاية كده النهاردة .

تقولها وهي تتحرك بالصغيرة ليغادرا حمام السباحة فيلحقهما إسلام ليصعد نحوهما حيث جلستا على المقعد الطويل المجاور لحوض السباحة وشرعت نشوى في تجفيف جسد الصغيرة الغاضبة ..
فتناول منشفة قريبة ليضعها فوق نشوى قبل أن يبدأ في تجفيف جسدها بنفسه !!

حركته البسيطة تمنحها شعوراً حميمياً دافئاً قاومته كعهدها وهي تلتفت نحوه بنظرة حادة قابلها بتفهم كعهده ..
قبل أن يشير بكفه نحو الكافيتيريا القريبة الخاصة بالمشروبات فيقول مخاطباً ريما :
_سويتي ريما تروح تجيب عصير ؟!

التفتت نحوه ريما ببعض الحماس الذي أطفأته نشوى بقولها الحازم:
_ريما مابتروحش في حتة لوحدها ..أنا هاجيب لها .

قالتها وهي تهم بالنهوض لكنه أوقفها بضغطة كفه على كتفها قبل أن يعود لمخاطبة الصغيرة المحبطة قائلاً :
_تحبي تلعبي مع الولاد اللي هناك دول ؟!

_ريما ما بتلعبش مع ناس مانعرفهمش .
تعاود نشوى قولها ليلتفت نحوها بنظرة عاتبة فيما تحركت الصغيرة لتجلس في المقعد المجاور لهما على بعد خطوات مكتفة ساعديها بغضب ..

فجلس جوارها ليهمس لها بخفوت كي لا تسمع الصغيرة :
_طريقتك دي مش كويسة ..التربية مش أوامر وبس ..انتِ كده بتلغي شخصيتها .

_سهل تقول كده وانت بعيد ..أنا بربيها لوحدي ..أنا الأب والأم ..مش هاسمح بأي غلطة ..مش عايزة الناس تقول دي تربية واحدة ست !

تقولها بانفعال احمر له وجهها لينعقد حاجباه بتعاطف وهو يدرك ما عانته ..
في مجتمع كهذا تحمل فيه المرأة وزر فشل العلاقة كاملاً ..
أصابع الاتهام على أهبة الاستعداد لتشير في وجهها عند أي خطأ معلنة فشلها كأم ..كما فشلت كامرأة !
ربما هذا يفسر الضغط الرهيب الذي ترزح تحته ويجعلها تتعامل مع الطفلة بهذه الطريقة الصارمة !!

_طنط ال"كيرفي"!!
تهتف بها ريما فجأة ليلتفت إسلام فيجد جارتهم تقترب منهم بثوب بحر من قطعة واحدة لا يكاد يستر من جسدها شيئاً ..

_مساء الخير يا ريما!
تقولها المرأة بود مبالغ فيه لتقوم إليها الصغيرة فتحتضنها بقوة هاتفة :
_المايوه بتاعك حلو قوي .
_انتِ اللي حلوة موت!
تقولها المرأة بغنج وهي تقبل الصغيرة بدلال مبالغ وعيناها معلقتان بإسلام الذي أشاح بوجهه ..
فيما انتفضت نشوى مكانها لتهتف بها بخشونة :
_مين حضرتك؟!
_دي جارتنا في الأوضة ..شفتها في البلكونة .
تهتف بها ريما بعفوية لكن هذا لم يخفف من انعقاد حاجبي نشوى وهي تلاحظ نظرات المرأة لإسلام بينما تصافحها هي بقولها:
_بنتك لذيذة جداً ..مابطلتش كلام عنك انت وخالها في البلكونة !
_انكل إسلام مش خالي ده جوز ماما !
هتفت بها ريما بعفوية لتتغير ملامح المرأة للحظات قبل أن تغمغم بارتباك :
_آسفة ..لما قالت أنكل إسلام افتكرت ..
_مش فارقة !
هتفت بها نشوى بفظاظتها مقاطعة ليحمر وجه المرأة حرجاً قبل أن تغادرهم بكلمات مقتضبة ..
تلاحقها نظرات إسلام المتسلية !
ولم تكد تفعل حتى جذبت نشوى ريما من كفها هاتفة بها :
_مش قلنا ما نكلمش حد مانعرفوش ؟! انتِ ما بتفهميش ؟!

دمعت عينا الصغيرة بقهر لتردف نشوى بعصبية :
_اقعدي "نوتي" ع الكرسي اللي هناك ..ماتكلمينيش النهاردة خالص .

أطاعتها الصغيرة بملامح متجهمة وهي تعود لجلستها المتباعدة فيما عاودت نشوى جلوسها جواره لترمقه بنظرة حارقة جعلته يميل عليها هامساً :
_تصدقي إني شامم ريحة الشياط من عندي هنا ؟!

يغمزها بها كعهده ليرتجف جسدها بالغضب ..وبشعور آخر لم تفهمه ..
هل هو خوفها على ابنتها من الغرباء؟!
أم هو شعورها بالضيق من نظرات المرأة المفضوحة له هو ؟!!

_غيرانة يا بيضا؟!
يعاود غمزها بها لتستشيط ملامحها بالمزيد من الغضب وهي تهمس له من بين أسنانها :
_ما تستفزينيش ..أنا ماسكة نفسي بالعافية .
_أنا ماعملتش حاجة .
يهز بها كتفيه ببراءة مصطنعة لترد هي بسخرية عصبية :
_أيوة أيوة بريئ ومستقيم وعمر عينك ما راحت لواحدة ست ؟!
_أنا يا بنتي؟!
يقولها بتهكم ليردف بضحكة لم تفهمها:
_ده أنا بتاع برقوق وصايع قديم !

ترمقه بنظرة استهجان وهي تهم برد عصبي لكنها فوجئت بالصغيرة تعود إليها لتقول بملامح متجهمة :
_زهقت ..هاتي موبايلك ألعب .
_قلنا الموبايل ساعتين بس في اليوم ..مفيش موبايل !

هتفت بها نشوى بنبرتها الآمرة لترمقها الصغيرة بنظرة حادة تشبه نظرتها هاتفة :
_خلاص أنزل البيسين .
_لأ .
_كل حاجة لأ!

تهتف بها الصغيرة بغضب طفولي لتعطيها ظهرها وتعدو بعناد مبتعدة بمسافة كبيرة نوعاً نحو حوض السباحة ..
لكنها بدلاً من أن تلقي نفسها في ذاك المخصص للأطفال غطست بسرعة في الآخر المخصص للكبار !

شهقت نشوى بجزع وهي تقفز مكانها ليعدو إسلام بسرعة نحو هناك ويلقي نفسه في الماء خلفها ..
بضع دقائق مرت كدهور عليها وهي تراهما يظهران أخيراً وقد حمل هو الصغيرة على ذراعيه إنما وجهها بدا وكأنه قد غابت عنه الحياة!
=======
_جت سليمة !

يغمغم بها إسلام وهو يربت على وجنة الصغيرة النائمة على الفراش وقد استلقى جوارها فيما وقفت نشوى مكانها جوار الفراش مشبكة كفيها بتشنج أمام وجهها ..متجمدة الملامح كما كانت منذ رأت ما حدث ..

بالكاد تتذكر تفاصيل إنقاذها وهذا الطبيب الذي جاء ..
تتذكر نظرة الصغيرة العاتبة لها عندما أفاقت ورفضها لحضنها ..
وتتذكر هذا البرد الذي لايزال يسري في عروقها وهي تتصور ماذا لو لم يكن هو قد أنقذها !!

الصدمة التي لا تزال تقتات على ملامحها تثير قلقه فينهض من جوار الصغيرة ليتوجه نحوها ثم يربت على كتفها قائلاً:
_الدوا اللي خدته هينيمها للصبح ..ماتخافيش .

تلتفت نحوه بنظرات زائغة لتتمتم والصدمة لا تزال تصبغ كلماتها :
_كانت هتروح مني !

يناظرها بقلق حقيقي وهو يحاول إخراجها من حالة الصدمة هذه ليقول لها ساخراً:
_جت تعند معاكي آذت نفسها ..مابتفكركيش بحدّ كده برضه العند مضيّعه ؟!!

ترفع عينيها الزائغتين نحوه من جديد وكلماته على بساطتها تجلدها !!
تشهق شهقة عالية بدت وكأن روحها فيها تستغيث ..
قبل أن تنخرط فجأة في بكاء هستيري فيجد نفسه دون وعي يجذبها ليضمها بين ذراعيه بقوة وقد انعقد حاجباه بالمزيد من القلق!

يشعر بجسدها ينتفض بين ذراعيه فينتفض قلبه مثله وهو يدرك بماذا تشعر ..

_أنا خايفة ..أنا خايفة ..أنا خايفة ..

لاتزال تكررها بهستيريا ليعتصر جسدها بين ذراعيه وهو يتخلل شعرها بأنامله محاولاً تثبيت رأسها المهتز على صدره بينما هي تغمغم بين دموعها كالمغيبة :
_أنا ماكنتش كده ..كنت بطلت أبقى كده ..كنت خلاص وقفت على أرض ثابتة ..إيه اللي خبطني تاني على دماغي؟! حياتي بتضيع ..بنتي بتضيع ..عشان أنا غبية ..غبية وبغلط نفس الغلطة تاني ..بعند معاه واللا مع نفسي ؟! برمي عمري بإيدي تاني لراجل ما أعرفوش ؟! ريما زعلانة مني ..وأنا كمان ..أنا كمان زعلانة مني ..أنا فاشلة ..لا نافعة أم ولا نافعة ست ..

كلماتها كانت مشوشة ..مبعثرة ..تفتقد لأي ترتيب ..
لكنه كان يتفهم كل هذا التيه الذي تعيشه بعد ما تعرضت له !
لهذا لم يقاطعها بكلمة مكتفياً باستنباط ما يرويه هذيانها عن خباياها ..

_أنا خايفة ومش عارفة أروح فين ..لو كنت لوحدي كنت هربت ..اختفيت ..لكن ريما ..ريما ..ريما كانت هتضيع بسببي .

يغمض عينيه بألم وهو يستشعر هذا الوجع القاهر الذي تخفيه خلف قشرة تنمرها وعصبيتها ..
يربت على ظهرها برفق وهو يتمنى لو يملك عصا الساحر التي يمكنها أن تحيل كل ألمها هذا إلى راحة ..بل إلى فرح !

يتمنى لو يبقى صامتاً مستكيناً بعناقها هذا للأبد ..
لكنه يعلم أنها الآن تحتاج كلامه أكثر من صمته !

_انتِ عارفة إنك شبهي قوي؟! زمان كنت زيك كده ..أول ما أتزنق أهرب ..أهرب لأي حاجة صح أو غلط مش مهم ..لحد ما اتعلمت إن ده ما ينفعش ..إني لازم أقف ..أواجه ..أحلّ .

يهمس بها بجدية فاضت بحنان طوقها قبل ذراعيه مردفاً :
_انتِ ليه بتخلطي الأمور ؟! مشكلتك مع ريما مالهاش دعوة بمشكلتك مع ناصر..ومالهاش دعوة بمشكلتك مع الناس ..مشكلتك مع ريما إنك عايزة تمشيها زي الكتاب ما قال بس مش عارفة توصلي لبدايل مناسبة للحاجات اللي مانعاها عنها ..فالبنت حاسة إنها في سجن ..انتِ صح ..صح جداً ..بس صح ناقص حاجات كتير تكمله ..حاجات هساعدك نكملها سوا ..

بدأت تستعيد بعض إدراكها لتركز قليلاٌ في كلامه ..
لكن ذهنها بقي مشوشاً وهي تعاود رفع عينيها الزائغتين نحوه ..
ليقابلها بابتسامة حانية مستطرداً:
_مشكلتك مع ناصر بقا إنك عملتيه "التارجت" بتاعك من زمان ..طبيعي تحسي إنك فاشلة مادام ماحققتيش التارجت الوهمي بتاعك ..لكن قصاد ده ..لو كنتِ حسبتيها صح كنتِ عرفتِ انك حققتِ ألف تارجت أهم منه ..مش هاقوللك نجاحك ..شغلك ..المصنع ..وقفتك جنب أشرف ..مش هاقوللك بنتك وكونك قمتِ معاها بدور الأم والأب ..لكن هاقوللك أهم تارجت حققتيه إنك ماوقفتيش حياتك عشان وقعتِ مرة ..بالعكس ..قمتِ وكملتيها للأحسن ..بس انتِ طبعاً دلوقت مش شايفة كل ده لأن "التارجت" الوهمي بتاع زمان رجع يفكرك بخسارة ..خسارة لو فكرتي كويس هتلاقيها كانت مكسب !

كانت تستعيد المزيد من صفاء ذهنها بالكاد لكن كلماته البسيطة بهذه اللهجة التي تمزج عمليته بحنانه كانت تنغرس داخلها غرساً ..
كأنما تنحفر على جدار روحها ..

_نيجي بقا لمشكلتك مع الناس ..نظرتهم للمطلقة اللي مستنيين لها غلطة ..صدقيني ..دي مالهاش حل غير إنك تطنشي ..نفس الناس دول هم اللي هيسقفوا ويحسدوكي أول ما تنجحي ..

آهة ألم حقيقية تنفلت من شفتيها وهي تشعر برأسها يكاد ينفجر ..
روحها لم تكن أكثر وهناً من جسدها الذي كان شديد الهشاشة الآن بين ذراعيه ..
خاصة وهو يحافظ على احتضانه لها بأحد ذراعيه بينما امتدت أنامل الآخر تمسح عنها دموعها برقّة ليصلها همسه المشاكس ..إنما أكثر دفئاً ..أكثر تأثيراً ..

_فاضل مشكلة واحدة ..للأسف معنديش لها حل ..مشكلتك معايا أنا ..

تغمض عينيها بألم لم تخففه لكنة مزاحه الخفي بعدها :
_اتدبستي فيا واللي كان كان ..

يهمس بها مشاكساً وعيناه تتعلقان بشفتيها اللتين زادهما البكاء احمراراً لتبدوان له كثمرة شهية تشتهي القطاف ..
أنفاسه تزداد تلاحقاً وهو يشعر -لتوه- بجسدها بين ذراعيه يلهب حواسه ..
ملمس منامتها الحريري يشعله أكثر فيعود لعناقها إنما بشعور أكثر حميمية هذه المرة ..
تشعر بعزف أنامله التي انسابت بخفة ناعمة تحت قميص منامتها فينتفض جسدها منتظراً "خيبة اختباره" !!

هي لن تكون "أنثى" إلا لرجل منحته قلبها منذ سنوات ..
أقفال جسدها لن تستجيب إلا لشفرته ..
أي رجل عداه سيكون مجرد ..
مجرد ..

أفكارها تذوب ..تتلاشى ..تمتزج مع وهن جسدها لتسحبها في دوامة عميقة تستسلم لها دون وعي ..
تستسلم؟!
نعم ..تستسلم!
فيما يكاد هو يبتسم وهو ينتزع استجابتها ..
برودها المبدئي لم يخدعه ..بل استنفر كل خبراته كي يشرع في اقتحام حصونها ..
لم تكن سابقته الأولى في النساء بطبيعة الحال ..لكنها كانت أول مرة يفعلها دون تأنيب ضمير ..
دون شعور بإثم الوزر ..
ليس هذا فحسب ..
بل إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بالتحام قلبه مع جسده ..
بهذه الخفقة الخاصة ..الخاصة جداً ..والتي لم ينبض بها من قبل لامرأة سواها !!

لكنها أوقفت كل هذا فجأة وهي تدفعه برفق أخيراً لترفع إليه عينين مذهولتين !
هذا الشعور الذي اختبرته معه لتوها يزلزلها وهي تجربه لأول مرة !
هي استجابت لقبلاته !!
لم تنفر منه كزوجها السابق!!
هي ليست باردة ..ليست فاشلة ..ليست ناقصة ..
هي كذلك ..
دون "ناصر"!!!

أنفاسها تشاركه التراقص فوق حافة الجنون لتستعيد وعيها كله فجأة كأنما صفعتها يد خفية على وجهها ..
الذهول في عينيها يتحول لإدراك ..
ثم لحيرة ..
ثم لخوف ..
خوف جعلها تتراجع عنه بضع خطوات لتعيد ضبط ملابسها قبل أن تشيح بوجهها لتتحرك نحو الفراش الذي استلقت عليه جوار الصغيرة وقد رفعت عليها غطاءها حتى رأسها !!

فيما بقي هو مكانه واقفاً يناظرها بتفهم لم يخلُ من غيظ !!
لم يسبق له أن رفضته إحداهن هكذا وتركته وسط الطريق!!
لكنه يتفهم هذا التيه الذي تخوض روحها في شعابه ..
ويتفهم كذلك طول الطريق أمامهما !
لهذا زفر زفرة مشتعلة وهو يتحرك نحو الشرفة التي فتح بابها ليسحب نفساً عميقاً سامحاً للهواء البارد أن يطفئ براكينه ..
قبل أن ترتسم على شفتيه شبه ابتسامة وهو يستعيد مذاقها بين شفتيه ..
مذاقاً لم تشبهها فيه امرأة سواها ...
أبداً ..أبداً ..!!
تماماً كما توقع !!
هي ثمرة التين الشوكي خاصته ..تلك التي تبدو بقشرتها مؤذية منفرة لكن مذاقها الحلو يشفع لمن يعشق!!

ابتسامته تتسع ..تتحول لضحكة قصيرة وهو يرفع عينيه للسماء يطالع نجومها بغرابة ..
يقولون إن الأشياء تتغير في عيوننا عندما نعشق ..
تصير أكثر جمالاً ..أشد عمقاً ..وأبلغ تأثيراً ..


الآن فقط يمكنه الاعتراف ..أنه ..يحبها ..
تنهيدة حارقة تغادر حلقه وهو يشعر بحاجته للبوح ..
بل للصراخ ..
يحتاج من يخبره ..

يتناول هاتفه من جيب سروال منامته ليصدمه الوقت المتأخر لكنه لم يتردد عن إرسال رسالته ..

_أنا حبيت يا سيدنا .

صوت الرسالة يقلق سيف من نومه فينهض ليقرأها بجزع لأول الأمر قبل أن يبتسم لا إرادياً وهو يميز محتواها ليرد :
_لسه جاي تعرف دلوقت ؟!

يرسل له إسلام ذاك "الوجه المعبر بضحكة " ليكتب له سيف وهو يتثاءب:
_روح نام يا إسلام واصحى حب براحتك الصبح في النور !

يضحك إسلام ضحكة عالية تشاركها مع صديقه مكانه رغم كل هذا البعد ..
قبل أن يتنهد بحرارة وهو يعود للداخل ..

يراقبها عن بعد وقد تكور جسدها كله تحت الغطاء حتى رأسها فتلتمع عيناه بوهج دافئ وهو يقترب منها لا إرادياً كأنما تجذبه بقوى غير مرئية ..
يشعر بحركتها الطفيفة تحت الغطاء فيدرك أنها لا تزال متيقظة ..
ولا تزال خائفة !

ينحني نحوها ببطء ثم يرفع عنها الغطاء فجأة فتشهق بقوة لتقابلها عيناه العابثتان جداً ..
الدافئتان جداً جداً ..
والمطمئنتان جداً جداً جداً ..

تعض شفتيها المرتجفتين بترقب وهي تعاود إغماض عينيها محاولة رفع الغطاء عليها من جديد لكنه يتشبث به بقوة مانعاً إياها ..
قبل أن يميل عليها مستنفراً كل مشاعرها ليهمس أخيراّ في أذنها :
_تصبحي على خير ..يا جبانة !
يرفق لفظته الأخيرة ب"عضّة"رفيقة لطرف أذنها فيرتجف جسدها كله ..
لكنه يعاود تغطيتها بنفسه هذه المرة سامحاً لرأسها بالظهور..

_ما تغطيش وشك ..مش اتفقنا ..ماعدناش هنهرب؟!

سؤاله ينتهي بغمزته الشقية كالعادة والتي حملت لها مغزى مختلفاً هذه المرة ..
لتراقبه عيناها المتسعتان وهو يتحرك للطرف الآخر من الفراش الذي استلقى فوقه ..
ظلت متجمدة مكانها لدقائق لم تدرِ عددها قبل أن تتنهد وهي تستدير على جانبها لتمد ذراعها نحو الصغيرة بينهما فتحتضنها ..
هنا استدار هو الآخر على جانبه ليمد ذراعه كذلك فيضعه فوق ذراعها على الصغيرة وعيناه تحملان لها رسالة واضحة لا تقبل التأويل ..
========

أفاقت من نومها على صداع رهيب لتفتح عينيها فتفاجأ بنومتهما هذه وقد وضع ذراعه فوق ذراعها لتتسع عيناها بارتياع وهي تزيح ذراعه عنها وعن صغيرتها التي بدت مستغرقة في نومها تماماً ..

نهضت مكانها لتتلفت حولها في الغرفه بتشتت قبل أن تنتبه لما ترتديه ..
منامة حريرية بلون وردي ..
وردي؟!!
من صغرها لا تحب هذا اللون أبداّ!!
متى لبست هذه ؟!!

الصداع يزداد وهي تستعيد بغتة ذكريات الليلة الفائتة ..
ابنتها ..الغرق ..الطبيب ..
وما بعد هذا مشوش في ذهنها تماماّ كأنه حلم !!

تعقد حاجبيها بشدة وهي تغادر الفراش نحو الحمام القريب الذي وجدت فيه أماناً مؤقتاً بعزلة عن الخارج ..
طالما عشقت الأماكن المغلقة ..
"الأمان" لديها يتمثل في "تكّة مفتاح" يعزلها عن العالم الخارجي بكل ما يثيره من خوفها ..

تتأمل شكلها في المرآة ..
عينيها المنتفختين ..شفتيها المتورمتين ..وجهها الشاحب ..
لكن نظراتها تنسحب لجسدها الذي بدا لها شديد الروعة في منامتها هذه ..

تتنهد بحرارة وهي تخلعها لتتوجه نحو حوض الاستحمام لتسمح لشلال الماء البارد أن يغمرها ..
هنا فقط تغزوها ذكريات ليلتها السابقة كاملة ..
تتسع عيناها بالمزيد من الارتياع وهي تتذكر عناقه ..عزف شفتيه مع لمساته ..
بل والأدهى ..استجابتها هي له !
هل كان هذا حقيقياً ؟!!

تتأوه بقوة والألم في رأسها يكاد يفقدها صوابها فتخرج سريعاً لتعاود ارتداء ملابسها قبل أن تخرج بحثاً عن دواء ..

_يا صباح العسل!

يهتف بها خلفها ليجفلها فتلتفت نحوه ببعض الحدة هاتفة باستنكار :
_إيه صباح العسل دي ؟! احنا فين هنا ؟!!

لكنه يضحك ضحكة عالية رائقة وهو يتقدم منها ليضمها نحوه فجأة بأحد ذراعيه متجاهلاً مقاومتها ..
قبل أن يغمزها هامساّ بنبرته العابثة :
_انتِ عسل ..وأنا عسل ..واحنا هنا بنقضي شهر العسل ..يبقى صباح العسل ..جداً ..يعني ..

كلماته تنقطع ببطء مدروس وهو يقترب بشفتيه منها لتحاول الابتعاد بوجهها لكنه يقتنص قبلة خاطفة لشفتيها تجعلها تهتف بحدة :
_كنت عايزة أتكلم معاك قبل ما البنت تصحى .

_عنيا !
يغمزها بها كعهده لتزفر بنفاد صبر وهي تتحرك به نحو جانب قصيّ من الغرفة لتجلس على الأريكة هناك ..
فيجلس هو جوارها ..
تطرق برأسها للحظات يحتملها صابراً قبل أن تشبك أناملها لتغمغم بخفوت :
_الكلام اللي هاقوله ده صعب على أي ست تقوله ..بس أنا ..آه ..

تقطع عبارتها بآهة ألم حقيقية وهي تمسد رأسها ليقف هو قائلاً بحنان طغا على عبثه المعهود :
_شكلك مصدعة وكنتِ بتدوري على مسكن ..حالاً هاجيبهولك .

رمقته بنظرة طويلة متوجسة وهي تراه يبتعد ليعود حاملاً الدواء مع زجاجة لبن محلى خاصة بالصغيرة هاتفاً:
_ماتاخديش مسكن على معدة فاضية ..خدي ده مؤقتاً .

تهز رأسها فيما يشبه الشكر وهي تتناول بعض اللبن لتتبعه بالدواء قبل أن تضع ما بيدها جانباً لتعود لجلستها متشابكة الأنامل ..
فيشجعها بقوله ..

_كملي ..كنتِ بتقولي إن اللي عندك صعب على أي ست تقوله ..

ترفع إليه عينيها بتشتت وهي تحاول البحث عن كلماتها ..
ماذا عساها تخبره ؟!
أنها لا تريد بيع جسدها من جديد لرجل لا تحبه ..
أنها لن تعيش هذا الجرح مرتين ..
أنها مجرد آلة باردة لن ترضي سيدها ..
كان هذا الأمر سهلاً جداً قبل الأمس ..
لكنها لا تستطيع تجاهل هذه المشاعر التي تذكرتها ..
هي ليست معطوبة كما تظن ..
لكن ..هل تريد الاستمرار حقاً ؟!
هل تريد المزيد ؟!!

_أنا مش عايزة الجوازة دي .
تقولها بخشونة مفاجئة ليبتسم وقد أدرك أن الجانب،"الشوكي" هذا يخفي خلفه الكثير من العاطفة ..
لهذا تناول كفها في راحته ليقول ببطء واثق:
_بس أنا عايزها .

_أنا ..مش ..
تهتف بها بانفعال وهي تنتزع كفها منه لتتوه منها كلماتها من جديد لكنه كان يتفهم ما لم تجرؤ هي على البوح به ..

ليتنهد بصبر قبل أن يعود ليتناول كفها عنوة في راحته ثم يهمس لها وهو يغرس نظراته في عينيها غرساً :
_أنا لفيت ودرت كتير قوي ..عرفت ستات بعدد شعر راسي ..مش محتاج مجهود كبير عشان أفهم نفسي ..عشان أعرف إني عايز أكمل عمري معاكي ..انتِ ..بالذات ..مش مستعجل على أي حاجة ..خللينا ناخدها واحدة واحدة ..

في واقعة أخرى كانت لتصفه بالكذب ..
كانت لتسخر منه ..
لكنها الآن كانت عاجزة عن كليهما ..
لهذا أغمضت عينيها بقوة هاربة كعهدها :
_أنا ماعرفش قصدك إيه ..ولا ناوي على إيه ..بس أنا آخر ست ممكن تعجب واحد زيك ..أنا عصبية ..مقفلة ..خلقي ضيق ..عندية ..مش شايلة همي لوحدي ..شايلة حمل طفلة معايا ..

_وأنا مستفز ..مندفع ..هوائي ..بارد أحياناً ..والدي سايب لي فضيحة وماضي منيل بستين نيلة ..كنت فلاتي وبتاع ستات بس ربنا تاب عليا ..كده نبقى خالصين؟!

يقولها مقلداً لكنتها لتهز رأسها بقوة لكنه يمد أنامله الحرة ليداعب أنفها بسبابته بخفة مردفاً :
_افتحي عينيكي ..اتفقنا ماعدناش هنهرب .

_ماتقولش اتفقنا دي بتعصبني!
تهتف بها بانفعال ليضحك ضحكة عالية طويلة استفزتها أكثر لتنتزع كفها منه مردفة :
_مفيش فايدة فيك ..مش عارفة أتكلم معاك كلمتين جد على بعض .

_ماهو مش ده الجد اللي بيجيب معايا !
يغمزها بها بعبث لتلطم وجهها بكفيها في يأس فيضحك من جديد بتسلية قبل أن يقول مدعياً الجدية :
_طب نتفق اتفاق ؟!
ترمقه بنظرة مترقبة ليرد بغمزة جديدة :
_كل حتة سكر بكلمتين جدّ .
يرفق عبارته بقبلة خاطفة لشفتيها فتشهق وهي تبتعد عنه لتهب واقفة مع هتافها:
_مفيش فايدة ..أقسم بالله مفيش فايدة ..عاهة وابتليت بيها ..انت ..انت ..

تلوح بكفيها في وجهه بعصبية يقابلها بتراقص حاجبيه المشاكس مع رده :
_طب بتلات كلمات !

تسمع صوت ريما فترمقه بنظرة ساخطة وهي تعود للداخل هاتفة بعصبية :
_مفيش فايدة ..مفيش فايدة ..

_خد بس يا سعد باشا أقوللك .."الغرام أخد وعطا"!

يهتف بها وهو يلحق بها ليختفي العبث من نظراته وهو يرى عناقها الباكي لريما ..
يقف مكانه للحظات محترماً مشاعرها قبل أن يقرر التدخل ليهتف بالصغيرة وهو يفتح لها ذراعيه :
_حبيبة بابا !

_بابا ؟!!
تسأله الصغيرة بمزيج من فرحة وحيرة لتلتفت نحوه نشوى بنظرة حادة ..
لكنه يتجاهل الأخيرة تماماً وهو يتقدم نحو الصغيرة التي اندفعت نحوه لتعانقه بقوة هاتفة :
_بجد ؟! هاقوللك بابا ؟! هتبقى بابا ؟!

فيقبل وجنتها بقوة ليمسد شعرها بأنامله قائلاً بحنان :
_هو مش بابا ده اللي بيخاف علينا ؟! أنا خفت عليكي امبارح قوي ..مش هو اللي بيفسحنا ويجيبلنا كل اللي احنا عايزينه ؟! أنا هاعمللك كده ..مش هو اللي بنسمع كلامه عشان هو فاهم مصلحتنا ؟! مممم...دي بقا انتِ اللي تردي عليها .

_أيوة ..والله ..هاسمع كلامك كله ..
هتفت بها الصغيرة بحماس ليضحك وهو يعاود تقبيلها هاتفاً :
_يبقى بابا أنا واللا مش بابا ؟!
_أحلى بابا !
تهتف بها الصغيرة بفرحة حقيقية زلزلت أعماقه بصدقها ليبتسم لها هامساً في أذنها بخفوت:
_لو أقنعت مامي ننزل البحر ..تسمعي بقية كلامها كله .
_كله !
هتفت بها بصوت عالٍ مفاجئ لتسألها نشوى بتوجس:
_بتقولوا إيه ؟!

رمقته الصغيرة بنظرة حائرة ليقبل جبينها ثم ينزلها أرضاً قائلاً :
_ادخلي الحمام الأول واغسلي وشك عشان ننزل نفطر .

أطاعته الصغيرة بسرعة تعجبت لها نشوى التي تكاد تقبل قدمي الصغيرة كل يوم كي تقنعها بتناول الإفطار ..
ليقترب هو منها قائلاً :
_لو فاكرة كلامنا امبارح ياريت توافقي ننزل البحر النهاردة ..

ظهر الرفض على محياها خاصة وهي تتذكر مشهد الصغيرة وإجهادها بعد ما حدث بالأمس ..
لكنه عاد يقول بحزم:
_ماتطلعيهاش نسخة منك ..خايفة من كل حاجة بره الدايرة اللي اترسمت لها ..خلليها تجرب مغامرة بس تحت عينيكي ..

ثم ضحك ضحكة مكتومة ليردف بشرود :
_يمكن دي حسنة فاكرها لجيلان هانم ..إنها كانت بتسيبنا نجرب بحرية بس وهي حاميانا ..فاكر مرة طلبت منها أروح معسكر تخييم مع أصحابي ..وافقت بسهولة استغربت لها ..بس بعدما رجعت م الرحلة عرفت إنها كانت باعتة ورايا واحد مخصوص يراقبني عشان يتدخل لو احتجته .

اهتزت حدقتاها للحظة وهي تشعر بحديثه عن نفسه يقربها لجانب منه أكثر إنسانية ..
ربما لهذا لانت لهجتها نوعاً وهي تقول:
_شكلك بتعرف تتعامل مع الأطفال كويس .
فابتسم وهو يرد بنفس الشرود :
_فرق السن بيني وبين هيثم كبير قوي ..اتناشر سنة تقريباً ..لما كنا صغيرين ماكنتش بغير منه كالعادة ..بالعكس ..علموني أكون مسئول عنه ..

ثم ضحك ليقول بنبرة عاد إليها مزاحها:
_يمكن عشان كده مابكرهش في حياتي أد المسئولية ..بس لو شلتها بشيلها صح .

نظرت إليه مأخوذة وهي تشعر أنها تراه لأول مرة ..
هذا الطوفان حوله يجرفها لتيار لا تدري أين يأخذها ..
ليست هي فحسب بل ابنتها كذلك !!

_هه ..هننزل البحر يا مامي؟!

يسألها برجاء مصطنع وهو يضم راحتيه معاً لتعود ملامحها لتنمرها وهي تشيح بوجهها زافرة بسخط ..
قبل أن ترد بعد صمت لحظات :
_أمري لله ..بس لو البنت ...
انقطعت عبارتها بشهقتها وهي تشعر به يجذبها نحوه فجأة ليحتل شفتيها أقسى احتلال ..
وأرق احتلال!!
صدمتها تجمدها للحظات قبل أن تشعر بوجيب صدرها يتعالى ..
كطفلة تمد قدمها مستكشفة في الماء البارد ..
قبل أن تستعذب العوم فيه !!
هكذا مكثت بين ذراعيه للحظات غابت فيها عن عالمها باقتحام عالمه الخاص ..
قبل أن يعيدها خوفها لأمان "اليابسة"!!

تدفعه عنها ببعض العنف ليبتسم وهو يهمس أمام شفتيها :
_اتفقنا حتة السكر بتلات كلمات جد ..وأنا اتكلمت جد كتير قوي ..لسه ليا عندك باقي !

كلماته تداعب أنوثتها مع حركة أنامله العابثة على وجنتها لكنها تهتف بعصبية وهي تبتعد عن مرمى ذراعيه :
_تاني هتقول اتفقنا؟! قلت لك الكلمة دي بتعصبني !
ضحكته العالية المتسلية ترافق قوله وهو يقرص وجنتها بخفة :
_كده كده هنتفق يا عسل!
======
تجلس على شاطئ البحر تراقبه والصغيرة يلعبان جوارها بمرح منطلق ..
الصغيرة التي أسعدتها كلمة "بابا" هذه لترددها بمناسبة ودون مناسبة فاضحة فرحتها العارمة بها طوال الأيام السابقة ..
هذا يومهم الأخير هنا ..
لا تدري كيف مرت الأيام السابقة بها كحلم صعب التصديق ..
كيف تبدلت حياتها هكذا ليدخل من دخل ..ويخرج من خرج !!

_حلو القصر ده يا بابا ...هنجيبله طباخ ؟!
تقولها ريما بمرح طفولي وهي تراقب معه قصر الرمال الذي بناه لها على الشاطئ ليرد بينما هو منهمك بصنعه :
_طبعاً .
_وخدام ؟!
_طبعاً .
_ورقاصات؟!
_طب...نعم؟!!
انقطعت كلمة "طبعاً" في حلقه مع "نعم" المستنكرة التي أطلقها لتقول الصغيرة ببراءة :
_كل القصور اللي بشوفها في التلفزيون بيبقى فيها رقاصات ..
ثم رفعت رأسها نحو نشوى مردفة بفخر طفولي:
_مامي بتعرف ترقص حلو قوي .

احمر وجه نشوى بخجل ليطلق إسلام ضحكة عالية وهو يغمز الأخيرة هاتفاً:
_لا ده أنا أتفرج عشان أحكم بنفسي!

أشاحت نشوى بوجهها في مزيج من خجل وسخط لتشرد ببصرها ..
هي لم ترقص يوماً أمام رجل حتى زوجها السابق ..
لم تتمنّ فعلها إلا لناصر ..
لا كرغبة غريزية ولا شعور حسيّ ..
إنما ك"مهارة" أرادت استعراضها أمامه ليعترف لها بها!!

ابتسامة مريرة تطوف على شفتيها وهي تتذكر "بدلة الرقص الحمراء" التي اشترتها في الحاجيات التي استعدت بها لزفافهما الذي لم يتم ..
منذ أخبرها أنها رائعة باللون الأحمر وهي أحبته لأجله !!

_والقصر فيه حراس ؟!
تعاود ريما أسئلتها لتنتزعها من شرودها فتعاود الالتفات نحوهما بينما هو يرد ولايزال منهمكاً في بناء قصره ..
_أكيد .
_وظابط؟!
_طبعاً ..
يقولها بعدم تركيز لترد الطفلة ببراءة :
_بلاش يبقى أنكل ناصر عشان مخاصماه ..هو نسيني بسرعة .

عبارتها العفوية تجعل ملامحه تتجهم وهو يرفع عينيه نحو نشوى التي احمر وجهها بانفعال وهي تصرخ بالطفلة :
_انتِ تنسيه خالص وماعدتيش تجيبي سيرته ..فاهمة ؟!

تنكمش ريما على نفسها وهي تقترب بجسدها من إسلام الذي أنهى بناء قصره لينهض قائلاً للصغيرة بحنان :
_العبي حواليه بس بالراحة ..عشان مايقعش .

تهز الصغيرة رأسها مطيعة والقصر الرملي ينسيها صراخ أمها فتنشغل باللعب حوله ..
فيما يقترب هو من نشوى ليجلس على الكرسي جوارها ..
ترمقه بنظرة متحفزة وقد تهيأت لأن يعاتبها على صراخها بالصغيرة لكنه فاجأها عندما أمسك كفها بين راحتيه لينحني بجسده للأمام مقترباّ منها بهمسه الخافت :
_تحبي تنزلي المية معايا ؟!
_لأ!
تقولها قاطعة ليهمس لها باستسلام :
_على بركة الله .

ترمقه بنظرة متوجسة فتاريخه مع هذه العبارة لا يحمل لها خيراً ..
وقد صدق ظنها عندما فوجئت به يسحبها من ذراعها بقوة فيوقفها لتصرخ بدهشة قبل أن يحملها بين ذراعيه ليتوجه به نحو البحر عدة خطوات ..
ويلقيها هناك !!

صرخت عدة صرخات قصيرة وبرودة الماء تصدم جسدها للحظات فتحرك ذراعيها محاولة استعادة توازنها ..
قبل أن تشعر بذراعيه حولها يطوقان خصرها وهو يضمها نحوه هامساً :
_ما انتِ حلوة أهه ..ده أنا قلت هتغطسي ومش هلاقيكي تاني !

يقولها بنبرته المشاكسة لتشهق وسط أنفاسها اللاهثة ولا يزال جسدها مصدوماً ببرودة الماء ..

_انت ..انت ..مجنون ..إزاي تعمل كده ؟!

كلماتها تنقطع بشهقاتها فيضحك ضحكة قصيرة قبل أن يضمها نحوه بقوة أكبر ليلصقها به هامساً وهو ينظر في عمق عينيها :
_وهافضل أعمل كده طالما مصرّة تغمي عيونك الحلوين دول وما تشوفيش حواليكي كويس .

جسدها يرتجف من جديد ليس برداً هذه المرة ..
إنما هو تأثرها بهذه النظرة في عينيه اللتين تتبين لونهما لأول مرة ..
وقد التمعتا في الشمس لتبدوان بلون عسلي جذاب !
ليس لونهما فحسب ..بل هذه العاطفة الصادقة التي تتوهج كشمس أخرى فيهما ..
وهذا المغزى الذي حملته كلماته !

_أيوة ..هي عافية ..الناس اللي زيك ما بيجوش غير كده ..قفش!
لايزال همسه المشاكس يناقض حنان هذه النظرة في عينيه والتي بدت لها في هذه اللحظة وكأنها تمنحها وعداً غير منطوق !!

_مامي ..بابا ..استنوني !

تهتف بها ريما وهي تعدو إليهما ليقترب إسلام منها ثم يفرد ذراعيه ليصنع من أذرع ثلاثتهم دائرة ..
قبل أن يتوغل بهم نحو الداخل ..

_موووجة !
تهتف بها ريما بسعادة وهي تتشبث بكفيها في كفيهما ليهتف هو بها :
_قلنا نعمل إيه لما الموجة تقرب؟!
_ننط فوووووق!

تهتف بها ريما بمرح وكلهم يقفزون ولايزالون مشبكي أكفهم معاً لتتعالى ضحكات الصغيرة مع إسلام ..
المشهد يتكرر عدة مرات ..فتجد نشوى نفسها دون وعي تبتسم وكأنما أخذت هدنة مؤقتة من هذا الصراع الذي تحياه ..

_مامي ..حطيلي كريم الشمس ..ظهري بيحرقني .
تهتف بها الصغيرة عقب خروجهما من الماء لتطيعها نشوى بشرود وهي تدهن لها ظهرها ..
قبل أن تجده يجلس على كرسيها ليعطيها ظهره هاتفاً :
_وأنا كمان يا مامي .

ترتبك للحظات فتحفزها الصغيرة بهتافها اللحوح لتمد أناملها أخيراً فتدهن له ظهره ..

ابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه فلا تراها ..
ابتسامة تتلون بشعوره وهو يشعر بملمس أناملها على بشرته ..
يغمض عينيه متلذذاً بحركتها التي بدأت مرتبكة مترددة ..
ثم عصبية منفعلة ..
ثم هادئة ناعمة ..
وليت صاحبتها تقتدي بها !!

_منتحرمش يا عسل!
يهتف بها وهو يلتفت نحوها فجأة ليغمزها كعهده فيفاجأ بشبح ابتسامة يتراقص على شفتيها ..
شبح اختفى سريعاً وعيناها تعودان لنفس النظرة التي يتصارع فيها الخوف والنفور !

_شفتي ريما مبسوطة بالقصر إزاي؟!
يسألها بخفوت وهو يراقب الصغيرة التي عادت للعب جوار القصر الرملي لتتنهد هي بحرارة وهي تراقب ابنتها مثله لتقول بشرود :
_بيت رمل! مسيره تيجي موجة وتهده !

مغزى كلماتها يصله واضحاً فيتحرك ليرفع ذقنها نحوه هامساً:
_ما تخافيش ..أنا عامل حسابي ..بانيه بعيد عن الموج .

عيناها تعاودان تعلقهما الغريب به وهي لا تزال تشعر بالتشتت ..
إلى هذه اللحظة هي لا تفهم ماذا يريد ..
لا تصدق هذه النظرات النابضة بالعاطفة في عينيه ..
لا تصدق احترامه لرغبتها في التباعد عنه جسدياً ..
لا تصدق مثالية كونه راغباً في البقاء جوارها وجوار ابنتها للأبد ..
الهاجس الأخير الذي يكاد يصيبها بالجنون وهي تتبين تعلق ريما به والذي يزداد يوماً بعد يوم ..
نظراتها تنسحب نحو الصغيرة التي لم ترها يوماً سعيدة إلى هذا الحد ..
فيرتجف قلبها بقسوة وهي تخشى عليها فقداً هي خير من تدرك قسوته ..

لهذا وجدت نفسها تهمس له بصوت مرتجف دون وعي :
_بالله عليك ..حتى لو اللي بيننا ماكملش ..ما تسيبش ريما بعدما اتعلقت بيك .

لكنه يلتقط هذا الخوف العتيد في عينيها فيبتسم وهو يمد أنامله ليربت على وجنتها هامساً بعاطفة تناقض وقع كلماته :
_اللي بيننا هيكمل غصب عنك ..مش هاسيبها ولا هاسيبك .
تتسع عيناها للحظة وهي لاتزال عاجزة عن الرد فيقرص وجنتها بحركته المغيظة قبل أن ينادي ريما هاتفاً :
_ياللا ناخد سيلفي مع قصر الرمل !

تصفق الصغيرة بمرح فيستخرج هاتفه من جيبه ثم يرفعه في وضع الاستعداد قبل أن يلكز "الشوكية" بجانبه هامساً :
_اضحكي عشان الصورة تطلع حلوة !
وابتسامتها هذه المرة تخرج بأسرع -وأصدق- مما توقعت !
=======
_احنا رايحين فين ؟!
تسأله نشوى بترقب وهي تتابع طريق السيارة عقب عودتهما من مارينا ..
ليرد بابتسامة مشاكسة :
_بيتنا الجديد ..
ثم يلتفت نحوها بغمزته المعهودة :
_مفاجأة !

_بيت جديد!!!
هتفت بها ريما مصفقة بكفيها بحماس لتسأله :
_فيه أوضة ليا .
_أوضة ليكي لوحدك ..بألعاب كتيييير .
يقولها بمرح مردفاً بابتسامة واسعة :
_أنكل سيف صاحبي هو اللي وضب كل حاجة ..بس بعتلي الصور ..هتعجبك قوي ..

كان يتابع حديثه وهو ينظر إليهما عبر المرآة وقد أصرت نشوى هذه المرة أيضاً على الجلوس بالخلف ..
يقابل عينيها بعينيه فتروعه هذه النظرة الخائفة في عينيها من جديد والتي تناقض حدة ملامحها ..
وغضبها الذي بدت وكأنها تقاوم كي لا تظهره أمام الصغيرة ..

يتوقف بالسيارة أخيراً في هذا الحي الهادئ الذي رصفها فيه ليتحرك بهما نحو أعلى بناية أنيقة بتصميم حديث ..

يفتح باب الشقة لتلحقه هي والصغيرة التي اندفعت كصاروخ نحو الداخل تتفقد محتوياته ..
بينما جذبته نشوى من ذراعه جانباً لتهمس له بحدة خافتة :
_انت بتتصرف من دماغك ؟! ماقلتليش ليه ع الشقة دي؟!

_انتي أد المسكة دي؟!
بحاجبين متراقصين يقولها لتكز على أسنانها بينما يغمزها هو هامساً ببطء مثير بينما يقترب من شفتيها :
_هنتكلم جد ؟!
_أيوة ..لأ ...يوووه !

تهتف بها بارتباك يجعله يطلق ضحكة عالية مجلجلة أثارت غيظها أكثر لتدمع عيناها حقيقة لتبتعد بوجهها عنه وهي تهمس له متحاشية رفع صوتها كي لا تسمع الصغيرة :
_نظام التنطيط ده مش هينفع عشان البنت ..هي اتعودت تعيش بنظام معين مابيتغيرش .

الخوف الذي امتزج بدموع عينيها يثير عاطفته نحوها من جديد ..
فيقول لها بجدية تامة مطمئنة :
_أنا اخترت الشقة دي مخصوص عشان البنت ..قريبة من مدرستها ومن المصنع كمان .
_ولحقت توضبها امتى؟!
تسأله بحاجبين منعقدين ليرد :
_أنا ماضي عقدها من تاني يوم جوازنا ..وسيف الله يبارك له تولى أمر الفرش بمجهود خارق يحسد عليه ..

ازداد انعقاد حاجبيها وهي تشيح بوجهها ليردف هو بنبرة عاد إليها عبثها :
_كان نفسي أسيبك تختاري بس قلت أخللي المفاجأة كاملة ..وبصراحة ..بمزاجك قبل السفر خفت تعضيني .
_أعضك ؟!
هتفت بها باستنكار وهي تعاود الالتفات نحوه ليضحك بغمزته العابثة :
_هو الاقتراح مغري ..بس مش دلوقت .

احمر وجهها بخجل من وقاحته لتعطيه ظهرها وتتحرك مبتعدة لكنه جذبها من ذراعها ليهمس جوار أذنها :
_اتكلمت جد شوية حلوين اهه ..مستنيين الحساب يا عسل!

يزداد احمرار وجهها وهي تنتزع ذراعها منه عاجزة عن الرد لتنقذها ريما التي اندفعت نحوهما من الداخل هاتفة :
_أوضتي حلوة قوي ..قول لأنكل سيف إني بحبه ..وهارسمه جوه جنينة كبيرة ..

يضحك إسلام وهو يتناول كف نشوى قسراً ليجرها جراً معه نحو الداخل قائلاً :
_استني لما نشوف رأي مامي ..يمكن ما تعجبهاش ..
ثم التفت نحو نشوى ليقول بجدية :
_لو مش عاجبك أي حاجة ممكن نغيرها ..مفيهاش مشكلة ..
ثم مال على أذنها مردفاً:
_وآدي كمان كام كلمة جد !!

تكتم ابتسامتها بصعوبة وهي تشيح بوجهها لتتفحص المكان ..
الشقة كانت صغيرة المساحة لكن الأثاث فيها تم توزيعه بشكل مريح للعين ..
تتحرك لتتفحص غرفة الصغيرة فتتنفس بارتياح وهي تجدها ملائمة لذوق الصغيرة ..
بطلائها الوردي وفراشها الأبيض ..وهذه الألعاب التي جمعت في زاوية الغرفة والتي اندفعت نحوها الصغيرة لتنشغل بها ..
هذا هو ما يهمها هنا ..غرفة الصغيرة !!

لكنه جذبها من كفها ليتحرك بها نحو الغرفة المقابلة ..
هذه التي فتح بابها لتتسع عيناها بتفحص وهي تميز الأثاث الأنيق كلاسيكي الطراز الذي يعجبها ..

_في دي بقا خدت رأي أشرف ..أنا عن نفسي بحب المودرن ..بس جبتها كلاسيك عشان خاطرك .

تلتفت نحوه ببعض الدهشة لتتفحص ملامحه وكأنها تراه لأول مرة ..
هل يهتم بتفاصيلها إلى هذا الحد ؟!
هل حقاً يرغب في إرضائها ؟!
لماذا إذن لا تصدق ؟!!
ألأنها لا تريد أن تصدق؟!!

_مالك؟!
يسألها بقلق وهو يلاحظ عودة الدموع لعينيها قبل أن يردف :
_انتِ اتضايقتي عشان مااخترتيش الشقة والعفش؟!

_أنا مااخترتش أي حاجة !
تقولها بحروف متحشرجة وهي تطرق برأسها في مشهد استسلام بائس غريب على تنمرها المعهود ..
لكنه يرفع ذقنها نحوه ليهمس أمام عينيها :
_أنا اخترت لنا احنا الاتنين ..وواثق من اختياري .

للحظات تتوه في عمق عينيه وهي تشعر حقاً أنها متعَبة ..
مستنزفة ..
تريد هدنة من هذا الحلم الغريب الذي وجدت نفسها فيه ..
تشعر بشفتيه تمسان شفتيها فتغمض عينيها باستسلام يائس ..
تشعر بحركة أنامله على طول ذراعيها من أعلى لأسفل فتسري بجسدها قشعريرة خوف باردة ..
يتقاذفها الموج بين حاجتها في تجربة هذا الشعور الفريد
-الذي اختبرته معه حسياً لأول مرة-من جديد ..
ورغبتها في الابتعاد عن كل هذا ..

_ممكن ما تخافيش ؟!
تسمعها عبر عينيها المغمضتين بصوت تكاد تقسم أنه ليس له ..
أين هذه الرقة ..هذا الإحساس ..هذا التفهم ..
من عبثه ومشاكسته ومزاحه المعهود ؟!!

_أنا ليا عيوب كتير قوي ..بس عمري ما خنت ثقة حد فيا .

هنا تفتح عينيها ببطء لتعود نظراتها للغوص في حدقتيه كأنما تختبر صدقه ..

_أوعدك ..مش هاخلليكي تندمي ..بجد ..
تشعر بكفيه يحيطان بخصرها فتعاود إسبال جفنيها ليصلها صوته من جديد :
_اتكلمت جد كتير قوي ..صح ؟!

لم ينتظر جوابها وهو يغلق الباب خلفه بقدمه ليلصقها به أكثر ..
يزيح عنها حجابها ليفرد شعرها فوق كتفيها ..
شفتاه تعاودان العزف اللذيذ الذي أطربها أول مرة ..
لكن "أذنيها" لا تزالان معطوبتين !!
تترنح في تجاوبها بين استجابة ونفور ..
كأنما انقسمت بداخلها لروحين متصارعتين ..
إحداهما خائفة ..وجلة ..تتمنى جداراً واحداً تختبئ خلفه فلا ينقضّ!
والأخرى نهمة ..عطشى ..أفاقت لتوها من سبات طويل وتفتح ذراعيها لأي عطاء تناله ..

هذا الذي شعر هو به تماماً ليجعله يتمهل مخففاً وتيرة غزوه ..
يبعدها قليلاً ليغمر وجهها بقبلات ناعمة قبل أن يعانقها بقوة مكتفياً بدفن وجهه في حنايا عنقها !!

أجل ..
هذا هو بالضبط ما كانت تحتاجه الآن !!
المرسى!!
الأرض الثابتة التي تعزز خطواتها !!
ربما لهذا استكان جسدها المتشنج أخيراً بين ذراعيه ليشعر بدموعها تبلل صدره ..
فيتخلل شعرها بأنامله هامساً :
_نفسي أحضنك من غير ما تعيطي ..أول مرة هتعمليها ساعتها بس ..هالبسك دبلتي وأنا مطمن .

يتركها لدموعها لبعض الوقت مكتفياً بشعوره بها بين ذراعيه ..
قبل أن يتحرك ذراعه على طول ظهرها ليهمس لها بتفهم :
_أنا عارف انتِ بحاسة بإيه ..نفس الشعور عشته لما اتفاجأت باللي حصل لحسين رجائي ..فجأة الدنيا لفت بيا ..أنا مش أنا ..حياتي مابقتش شبه حياتي ..الجبل العالي اللي كنت واقف فوقه اتهد بيا ..أقرب الناس ليا خذلوني ..مش عارف أروح لمين يواسيني وأنا اللي المفروض أشيل الكل ..ماما وهيثم واخواتي اللي مكنتش أعرف عنهم حاجة ..تعرفي إيه اللي فوقني وقتها ؟!

ترفع إليه عينين دامعتين فيبتسم وهو يمسح بقايا دموعها ليردف أمام عينيها :
_إن الفرج جه مع الهم في شيلة واحدة ..حسيت إن ربنا كريم قوي وبيعوض ..عوضني بعمي علاء وإيناس عن عيلتي ..عوضني بسيف صاحبي ..

ثم تذكر واقعة مرضه الذي شفي منه لكنه خجل من ذكرها ..
ليتغاضى عنها باستطراده :
_ساعتها بس عرفت إن أكبر غلطة ممكن نغلطها اننا نهرب من خوفنا ..وان الحل اننا نقف ونواجه ..واننا مهما خسرنا كتير لسه في ايدينا نكسب أكتر .

تأوهت بخفوت وهي تشعر بكلماته تمنحها سكينة لا تنكرها ..
هل هو صوته الآسر ..لمساته الناعمة ..عناقه الدافئ ..أم منطقه الذي يبدو لها شديد العقلانية ؟!

_إيه رأيك فيا بقا ..بعرف أتكلم جد ؟!

كادت تجيبه ب"نعم" لولا أن أدركت المغزى العابث لسؤاله قبل أن يعود ليبثها عاطفته من جديد بجرأة أكبر هذه المرة ..
فيعيدها لدوامة صراعها معه من جديد ..

_مامي ..أنكل إسلام ..انتو فين ؟!

هتاف الصغيرة من الخارج يقاطعهما فتنتفض بين ذراعيه كأنما أفاقت فجأة من هذا "السحر المؤقت" الذي لفهما معاً ..

لتهتف بأنفاس لاهثة :
_جاية يا حبيبتي .
تقولها وهي تدفعه ببعض العنف لتفتح الباب وتخرج للصغيرة فيزفر بسخط وهو يحرك كفه حول وجهه طالباً الهواء ليغمغم في نفسه بغيظ :
_فصيلة زي مامي يا ريما !!
======
يقف ناصر أمام باب شقتهما بتردد للحظات قبل أن يضع المفتاح بتثاقل فاتحاً الباب ببطء شديد كأنه يخشى ما سيواجهه ..
منذ تلك الليلة الكارثية وهو لم يأتِ هنا ..
يقضي لياليه في مقر عمله أو هائماً في الشوارع ..
النوم؟!!
النوم صار ضيفاً عزيزاً يناله جسده قسراً بصورة متقطعة ..

يلج للداخل بحذر وأمام عينيه ترتسم صورتها تلك الليلة عندما استدعاه بواب العمارة ليجدها في حالتها تلك ..
تصرخ بانهيار في المكان الذي حولته لحطام وجسدها -كقلبها- ينزف !!

يغمض عينيه بألم وهو يغلق الباب خلفه بعنف أصدر دوياً هائلاً لعله يطرد تلك الذكرى من رأسه ..
لكن ..كيف يفعل؟!
وهي تصر كل يوم أن تذكره أنه خسرها ؟!!

يتحرك وسط الحطام الذي لا يزال مكانه ليجد كرسياً سليما نجا من هذا الدمار فيجلس فوقه ليحني رأسه مشبكاً كفيه ..

_طلقني!

يسمعها بصوتها كما كررتها وظلت تكررها بعدها بهستيرية قبل أن يخرجوه من غرفتها قسراً ليمنعوه من زيارتها تماماً ..

يزفر زفرة يائسة وهو يحاول إقناع نفسه أنها مجرد أزمة ستمر ..
أنها ستهدأ لتعدل عن قرارها ..
أنه لن يفقدها أبداً !
لكن حدساً ما بداخله كان يخبره أن قصتهما قد انتهت !!
أن من طمع في كل شيء يخسر كل شيء !!
لكنه لم يطمع ..
كلتاهما كانت راضية ..
كلتاهما قالت "نعم" ..فلماذا كان ينبغي عليه هو أن يقول لا ؟!!

بطبيعته العملية يكاد يصرخ بها ..
لكن صوت ضميره يرد بالمقابل ..
أنه قد "كسرهما" معاً ..و"خسرهما" معاً !!

_انتِ أصلاً مش في وعيك ..مش ممكن تكوني تقصدي اللي بتقوليه ..مفيش بيننا طلاق يا سها ..الموت بس هو اللي هيفرق بيننا .

لايزال يذكر كيف صرخ بها في وجهها ..
بل في وجوههم جميعاً ..
لم يعنِ شيئاً في حياته بقدر ما عني هذه الكلمات !!
يرفع رأسه فتصطدم عيناه بصورة زفافهما معلقة على الحائط ..
ترتسم على شفتيه ابتسامة شاحبة وهو ينهض من مكانه ليتوجه نحوها متجاوزاً الحطام حتى يقترب منها ..
يرفع رأسه نحوها لتتسع ابتسامته وهو يتأمل ملامحها ..
لا تزال بعينيه أجمل امرأة عرفها ..
بل إنه لا يذكر أنه أحب امرأة قبلها ..ولن يفعل بعدها !!

_عودتيني لما أزعل من أي حاجة أجري لحضنك ..دلوقت وانتِ اللي زعلانة مني ..أروح لمين ؟!

يهمس بها بصوت مسموع وهو يعانق ملامحها عبر الصورة قبل أن يغمض عينيه بألم ..
قبل أن يقاطعه صوت رنين هاتفه ..
يتناوله ليجد الاتصال من عمه ..
كعهده يكلمه كل يوم محاولاً رأب الصدع بينه وبين أبيه لكن الأخير أعلن وسط العائلة قطيعته التامة له بعدما حدث منه تلك الليلة !

يفتح الاتصال بيأس ليرد على الرجل الذي هتف به بحزم:
_راضي أبوك ياابني واتجوز ..انت مش هتعرف قيمة كلامنا اللي بعدين ..لساتك صغير وفاكر بكرة زي النهاردة ..مش هتحس بالحسرة إلا لما شعرك يبيض وتلاقي نفسك بطولك .

يهز رأسه بقنوط وهو يشعر بالملل من هذا الكلام الذي يسمعه كل يوم بنفس الصيغة ..
لكنه يخاطب عمه بلهجة حرص أن تكون قوية الشكيمة لا تسيئ لواجهته :
_محدش بياخد كل حاجة يا عمي ..وأنا راضي بمراتي وعيشتي ...
ثم يصمت لحظات ليردف:
_أنا عارف إنك بتعزني زي ابنك ..اقنع الحاج يكلمني ..صحته مش مستحملة زعل .
_لو هاماك صحته راضيه انت ! مش عارف دماغك دي فيها إيه ..الله يهديك !

يهتف بها الرجل بضجر قبل أن يغلق الاتصال بعنف ليلقي ناصر الهاتف جانباً بنفاد صبر وهو يشعر أن رأسه على وشك الانفجار ..

خراب!
كل ما في حياته صار خراباً!!
حتى عمله لم يعد قادراً على التركيز فيه كالسابق ..
كيف وهو يتخيل في كل لحظة أنه سبب تعاسة كل من كانوا حوله ..
نشوى ..سها ..أبيه ..
وهو ..هو نفسه !!

يسمع رنين الجرس فيلتفت نحو الباب بمزيج من ضيق ودهشة ..
قبل أن يتحرك نحوه ليفتحه ..

_إسلام !

يقولها بدهشة لم تخلُ من ترقب وهو يتذكر ما علمه عن زواجه من نشوى ..في نفس الليلة التي كان يفترض أن تكون زوجته هو !!
العنيدة كررت فعلتها وتزوجت أول من وجدته كي ترد له ضربته لكرامتها ..
هو يتفهم فعلتها ..لكن ما يتعجبه حقاً هو موقف إسلام !!

إسلام الذي خطا نحو الداخل ليجول ببصره في المكان الخرب ..
قبل أن يعاود الالتفات نحو ناصر قائلاً :
_الشقة اتبهدلت قوي ..بس معلش ..بكرة تتصلح ..وسها تخف وترجع لك بالسلامة ..وتقوللك برافو ..أثبت لي إنك بعت الدنيا كلها عشاني ..وتكملوا حياتكم مبسوطين ..بس عارف إيه اللي صعب يتصلح ؟!

يغمض ناصر عينيه بألم ما عاد يطيقه وهو يتوقع عبارته التالية :
_سمعة الغلبانة اللي كانت بره حساباتكم انتو الاتنين ..كلام الناس وفضيحة العروسة اللي عريسها سابها ليلة الفرح !

_إسلام ..أنا ..
_انت واطي!

يقولها إسلام ببرود غريب على طبيعته المرحة حافظ عليه طوال وقفته ..
برود ناقض اشتعال ناصر وهو يتقدم منه ليهتف ملوحاً بذراعيه بعصبية :
_سهل قوي تحكم من بره ..انت ماتعرفش ظروفي ..ماتعرفش وضع سها كان إيه ليلتها ..أنا يمكن وقفت المهزلة دي متأخر بس أحسن ما كنت كملتها للآخر وخسرنا كلنا أكتر .

_في دي معاك حق ..يا صاحبي!

يقولها إسلام بنفس البرود ليزفر ناصر زفرة مشتعلة وهو يتحرك ليعطيه ظهره وكأنه ما عاد قادراً على مواجهة أحد ..أي أحد ..

_أنا عارف إنك شايل مني من ساعة القضية ..وأفتكر بعد جوازك منها خلاص ..ماعدناش هنبقى أصحاب تاني ..بس عايز أسألك سؤال وتجاوبني بصراحة ..اتجوزتها ليه ؟!
_بحبها .
يقولها إسلام قاطعة ليلتفت نحوه ناصر ببعض الدهشة ..
لم يكن يخفى عليه طبيعة إسلام العابثة مع النساء ..
نشوى ليست طرازه المفضل بالتأكيد !!

لكن إسلام عاد ليقول مؤكداً :
_بحبها ..وهاخلليها تحبني ..
ثم لوح بسبابته في وجهه ليقول بنفس البرود المشتعل :
_ماابقاش إسلام رجائي لو ما خليتش نفس الليلة اللي جرحتها انت فيها بندالتك هي هياها أسعد ليلة تفتكرها وهي معايا !

_ده ما يضايقنيش .
يقولها ناصر صادقاً وهو يطرق برأسه في خزي ..
يدرك جيداً حرج الموقف الذي هما فيه ..
يدرك أنه خسر نقاطه كلها مع إسلام ..ومع أشرف قبله !!
مسلسل خسائره يتوالى ..
كأنما كان ينقصه هذا اللقاء!!

_هاطلب منك بس تعتذر لأشرف بالنيابة عني ..مش هاقدر أحط وشي في وشه بعد اللي حصل !

فابتسم إسلام ساخراً ليرد بنفس البرود :
_طب كويس حقيقي إن لسه عندك شوية م الأحمر!

رفع إليه ناصر عينين مشتعلتين بغضب للحظات ..
قبل أن يطفئهما خزي لم يعد ينكره ..
ومذاق مرير بالخسارة لم يعد يغادر حلقه !!

_امشي يا إسلام . خلاص ..ماعادش بيننا كلام يتقال .

يقولها ناصر بملامح منهكة نال منها انفعاله كل منال ..
ليتحرك إسلام نحو الباب القريب قائلاً :
_هامشي ..بس سامحني ..فيه حاجة أخيرة ..هاموت لو ما عملتهاش .

يرمقه ناصر بنظرة تساؤل قصيرة قبل أن يشعر بقبضة الأول تمتد فجأة لتلكمه على فكه !!

كتم ناصر تأوهه وهو يتحسس فكه ليرفع عينين غاضبتين نحو إسلام ...
يعلم أن قوته الجسدية تفوقه بمراحل ..
لكنه لم يرد له لكمته ..ربما ..لأنه يعلم أنه يستحقها !!

فيما حافظ إسلام على بروده وهو يرمقه بنظرة مزدرية أخيرة ..
قبل أن يخرج ليصفق الباب خلفه بعنف تاركاً ناصر خلفه مطرق الرأس بألم ..
ألم من فقد فجأة أرضه الثابتة ليتهاوى في دوامة بلا قرار ..!!
====












=====
على باب غرفة سها ينتظر سامر بترقب ..
وما كاد يلمح ياقوت تخرج حتى بادرها بسؤاله :
_إيه الأخبار؟!

تبتسم بقلق وهي تعدل وضع نظارتها على أنفها لتسير جواره قائلة :
_زي ما قلت لك ..سها مش محتاجة علاج ..محتاجة ثقة ..هي ضغطت على نفسها زيادة عن اللزوم الفترة اللي فاتت ..من برة تبان قوية ومسيطرة بس هي من جواها نفسها تصرخ ..الصرخة دي للأسف جت في الوقت الغلط ..جت وهي حاسة إن الخيوط اللي كانت فاكرة نفسها ماسكاها اتفلتت فجأة ..

_كل ده تمام أنا عارفه ..أنا أقصد طلبها الطلاق من ناصر ورفضها إنها تشوفه !
يقولها بترقب لتتوقف وترقبه بنظرة متفحصة لم تخلُ من إشفاق قبل أن تقول بنبرة عملية :
_كل كلمة "ابعد" منها لناصر معناها "قرب واوعى تسيبني" ..ناصر هو العلة والدوا ..لا هو هيسيبها ..ولا هي في الحقيقة عايزاه يسيبها ..هي بس محتاجة تحس إنه جنبها ..

ثم صمتت لحظة لتردف :
_وجود سها هنا مكسب مادي لنا طبعاً ..بس ضميري يخلليني أقول إنها مش محتاجة علاج نفسي ..أعراض الصدمة اللي عندها ابتدت تختفي ..هي محتاجة معاملة خاصة بس شوية .

_سيبيها هنا شوية .
يقولها برجاء أغضبها رغم ما أثاره من إشفاقها لترمقه بنظرة حادة جعلت كلماته ترتبك :
_ع الأقل تفضل بعيد عنه شوية تهدا .
_ولو قلتلك إنها مش هتهدا غير معاه !
تقولها بنبرة عملية ليرد بانفعال مفاجئ:
_انتِ معايا واللا معاه ؟!
_أنا مع "الحالة"يا دكتور.
تقولها بصرامة وهي تضغط حروف كلمة "الحالة" بحركة ذات مغزى ..
ليتراجع لحظة للخلف وقد بدت كلماتها التالية وكأنها تصفعه على وجه مهنيته :
_أنا مقدرة مشاعرك اللي مالهاش محل م الإعراب هنا دي ..بس انت كمان قدر وضع الحالة كويس ..ده لو عايز علاج مش تصفية حسابات .

امتقع وجهه للحظات قبل أن يطرق به صامتاً لتتنهد هي قائلة بنبرة أكثر ليناً :
_عمري ما كنت أتخيل إني أقف قدام أينشتاين عشان أفكره بالخط الفاصل بين شغلنا ومشاعرنا ..مش انت اللي تعمل كده يا دكتور .

يبتلع غصة حلقه بمرارة فاضت بها ملامحه وهو يرفع إليها عينين معذبتين ..
لترمقه بنظرة طويلة مزجت عتابها بإشفاقها قبل أن تتحرك مبتعدة عنه وقد آثرت تركه لنفسه بعض الوقت ..

تفهم جيداً ما يعانيه ..تفهم حرقة هذا الشعور الذي جربته بفقدان قطعة من القلب مع حبيب رحل ..
لكن ..هل أحب سها حقاً ؟!
هل بقي يحبها طوال هذه السنوات ؟!
أم أن الأمر لا يتجاوز عقدة نقص كبرت بداخله مع أول كلمة رفض تلقاها ؟!!
لا يمكنها الجواب ..
بل تستطيع !
هي جربت الحب الحقيقي ..
جربت تشبع الروح بصبغة المعشوق حتى يكاد يمتزج برائحة الأنفاس ..
جربت اعتلاء هذه الموجة التي ترفعك لأعلى ثم تقذفك على ظهرك فلا يمكنك المقاومة إلا وأنت تعتليها من جديد ..
جربت متى تحل قيود الكبرياء عن جياد عشقها فتطلقها حرة ثم تعيد تلجيمها متى احتاجت ..
وجربت أن تتقبل الخسارة في سبيل ما تظنه له هو مكسباً ..
وما يفعله سامر الآن بعيد عن هذا تماماً !!

_انتِ شاطرة قوي يا شجرة الدر .

تسمعها بصوته الخفيض خلفها وبنبرته المذنبة نوعاً لتلتفت نحوه بنظرة مشجعة اختصرت عتابها قبل أن تهز رأسها وهي تنظر للساعة المعلقة في الجدار :
_هتروح دلوقت ؟!

ينظر بدوره للساعة قبل أن يتناول هاتفه ليقول بنبرة محايدة :
_يادوب ..الست "حلاوة" موصياني ما أتأخرش ..عاملالي "رز معمر" ..تتفضلي معانا؟!
كلماته الأخيرة يشوبها الكثير من الود الذي جعلها تبتسم وهي تتذكر ثمر لتقول بعفوية :
_ألف هنا ..سلملي عليها .

يشير بيده نحو رأسه في وضع التحية قبل أن يتحرك ليغادر المركز ..
خطواته تتباطأ بتثاقل يشبه تثاقل روحه وهو يتوجه نحو موقف الحافلات هناك ..
يشرد ببصره في حديث ياقوت الذي رد له بعض صوابه ..
لكن ..ألا يحق له القليل من الأمل ؟!
يزعمون أن ناصر يستحق فرصة أخرى معها ..
ألم يستحوذ من قبل على كل الفرص؟!
ألا يستحق هو الآخر فرصة ؟!

أفكاره تنقطع وهو يشعر بالسيارة التي هدأت سرعتها جواره ..
قبل أن تتوقف تماماً ليترجل منها أحدهم ويتوجه نحوه ..
تحفزت ملامحه باهتمام وهو يتوقف مكانه ..
ليرمقه الرجل بنظرة ثابتة قبل أن يتوقف أمامه مباشرة ليقول بنبرة مهذبة لم تخلُ من غموض :
_انت دكتور سامر مرزوق؟!
======
_هنعمللك أجمل ليلة حنة عرفتها البلد كلها !
تهتف بها ياقوت للجين عبر الهاتف وهي تجلس في غرفتها بالمركز لترد لجين بارتباك :
_قلبي بيدق يا توتة ..مش مصدقة إن الموضوع قرب كده .

فتضحك ياقوت ضحكة عالية سبقت قولها الماكر:
_الشيخ مستعجل بقا مش قادر يصبر يا جميل .

تقولها متعمدة غرس بذور الثقة أكثر في نفس لجين التي أدركت هي مؤخراً أنها كانت تعاني نقصاً منها ..
لهذا خفق قلبها برضا وهي تسمع صوت ضحكة شقيقتها الرائقة من الجانب الآخر للاتصال ..
لتردف بنفس النبرة :
_مين أدك يا عم ؟! بيت في البلد قدام بيت ستي ثمر ..وبيت هنا في مصر ..وبيت في ماليزيا ..اللي اداك يدينا يا سيدي !

فتتنهد لجين وهي تتذكر قبساً من ماضيها يجعلها تصمت قليلاً قبل أن تسألها بقلق:
_بس أنا لسه خايفة ..الدكتورة بتقوللي إني خلاص تقريباً خفيت ..لكن ..غصب عني مش قادرة ما أفكرش ..عابد طيب مارضيش يسألني عن تفاصيل تعبي ..إنما تفتكري يعني خلاص كده ؟! دماغي ما بتبطلش تفكير ..خايفة في يوم أعملها تاني وأجيب له هو فضيحة .

نفس الهاجس يؤرق ياقوت لكنها ترد مطمئنة إياها:
_مش بتقولي الدكتورة قالتلك خلاص ؟!..سيبيها لله وماتفكريش كتير ..افرحي بقا وانسي اللي فات .

تنهيدة لجين تقابلها من الجانب الآخر للاتصال لتتحول لضحكة قصيرة وهي تعود لمرحها تدريجياً:
_ستك ثمر فرحانة قوي ..كأنها صغرت ثلاثين سنة .
تبتسم ياقوت بحنان راضٍ بينما لجين تردف :
_وإسلام امبارح جه وجايبلي هدايا أد كده ..لبس وبرفانات وشنط وجزم ..كلها ماركات غالية .

_إسلام ده سفيه ..أنا هاحجر عليه أساساً .
تقولها ياقوت بغيظ مصطنع لتضحك لجين ضحكة عالية لترد بمرح:
_احنا نخلطكم على بعض ونطلّع اتنين طبيعيين .

شاركتها ياقوت الضحك للحظات أخرى قبل أن تغلق معها الاتصال بقولها :
_طيب يا عروسة ..خللي بالك من ستك ثمر كده لحد ما اجي ..اشتريت فستان أحضر بيه انما إيه ..هيعجبك قوي .
_برتقاني؟!
تسألها لجين بتوجس لترد هي بفخر بينما تلوح بكفها مستعيدة مشهد ثوبها :
_أخضر فوسفوري بيبرق تحت النور كده ..وليه حزام أحمر مهدي لونه شوية .

تكتم لجين ضحكتها مرغمة لترد :
_المهم توريه لإسلام عشان ما يعملش مشكلة زي المرة اللي فاتت .
_نعم ! هو هيلبسني على ذوقه السفيه ده واللا إيه !!
تقولها باستنكار لترد لجين بضحكة قصيرة محرجة قبل أن تغلق معها الاتصال ..

وما كادت تفعل حتى اختفت ابتسامة ياقوت تدريجياً وعيناها تعاودان التعلق بهاتفها ..
ماذا بعد يا زين؟!
ألم تكتفِ من عزلتك ؟!
تعلم أن إثمه عظيم لكن ..
أليس من الأولى أن يبادر بالإصلاح ؟!!

صوت طرقات خافتة على باب غرفتها يجعلها ترفع عينيها نحو الطارق لتبتسم وهي تراه يدخل :
_شجرة الدر العظيمة ..أخبارك إيه النهاردة ؟!

تمنحه ابتسامة ودود وهي تعدل وضع نظارتها على أنفها بحركتها المعهودة لترد :
_الحمدلله ..أخت العروسة بقا ..هاستناك في الفرح طبعاً ..دكتور مروان هيكون هناك ..ظبط معاه وتعالوا سوا .

_مروان؟!
يسألها بدهشة لترد بابتسامة :
_قريب العريس !

يصدر همهمة متفهمة ليقول باستحسان:
_كويس جداً ..ده واحشني ومن زمان عايز أشوفه ..مش عارف أتلم عليه من يوم ما اتجوز .

يقولها ثم يصمت قليلاً وقد ظهر بعض التردد على ملامحه ..تردد قرأته هي بذكائها لتسأله :
_شكلك عايز تقول حاجة .

_حاجاااات !
يقولها رافعاً حاجبيه قبل أن يخلع عنه نظارته ليفرك عينيه مردفاً بنبرة منهكة :
_ما نمتش طول الليل امبارح .
_سها؟!
تسأله بترقب ليسبل جفنيه وهو يسترخي في مقعده أكثر ..
قبل أن يهز رأسه نفياً ليرد :
_امبارح حصلت حاجة غريبة ..مستشفى استثماري كبير بعتلي رسالة إنه عايزني أشتغل معاهم ..

عقدت حاجبيها بدهشة مشوبة بالضيق الذي تحكمت به لتسأله بحيادية :
_لو العرض كويس إيه المشكلة ؟!
_المشكلة في الطريقة اللي وصلوا لي بيها ..مش منطقي أكون ماشي في الشارع وعربية تقف مخصوص تاخدني عشان أقابل مدير المستشفى نفسه ..مش منطقي إنه يعرض عليا الشغل من غير ما اطلبه أنا ..مش منطقي إنه يطلب مني التفرغ التام وإني أسيب أي مكان تاني شغال فيه في أقرب فرصة ..

يزداد انعقاد حاجبيها وهي تشم رائحة ما مألوفة في هذا الأمر ..
ليردف هو بابتسامة واسعة :
_ومش منطقي المبلغ اللي عرضوه ..تخيلي (.....)!!

تتسع عيناها بدهشة مع سماع الرقم قبل أن تحين منها نظرة لا إرادية نحو هاتفها ..
هو ..
زين !!
هو لم يخرج من عزلته لأجلها لكنه عرف كيف يفعلها !!
غيرة رجل مثله لن تكون طبيعية ..
هو لن يكتفي بكلمة غاضبة وانفعال مؤقت ..
بل سيحرص أن يبعد عن محيطها كل من يثير ريبته !

ابتسامة خاصة ..خاصة جداً ..
ترتسم على شفتيها وعيناها تشردان من جديد ..
ترسمان ملامحه في الهواء فتشعر أنه أمامها ..جوارها ..حولها ..
بل ..داخلها!!
دوماً داخلها ..كأنما اخترقها كسهم نافذ وأبى أن يغادر إلا بخروج روحها نفسها !!

_ما تخافيش ..أنا رفضت .
ينتزعها بها سامر من شرودها الذي أساء تأويله لتلتفت نحوه بسؤالها المحايد :
_ليه ؟!
يزم شفتيه بحيرة وهو يحك ذقنه بأنامله ليقول بأسلوبه العفوي:
_قلبي دليلي ! مش مرتاح ..وبصراحة ..حابب أشتغل معاكم هنا .

_أنا عارفة إن إسلام صاحبك ..واننا عشرة طويلة من زمان ..بس ده ما يمنعش إننا نحب لك الخير ..لو شايفها فرصة مفيهاش كسوف ..بس اتأكد من العرض الأول وخد ضماناتك .
تقولها بنفس النبرة العملية ليرد :
_أنا بلغتهم رفضي من شوية خلاص ...
ثم يضحك مردفاً بمرح :
_فقري من يومي ..الست حلاوة دايماً تقول عليا كده .
يقولها ثم يقف مكانه ليعاود ارتداء نظارته قائلاً بنفس النبرة :
_هاقوم أشوف شغلي بقا ..صبح الصباح فتاح يا عليم ..والجيب مافيهش ولا مليم !

يقولها محاكياً أغنية قديمة شهيرة لتضحك ضحكة صافية وتكملها له :
_بس المزاج رايق وسليم ..باب الأمل بابك يا رحيم .

يرد لها ضحكتها بمثلها وهو يشعر بإعجاب متزايد نحو روحها المميزة هذه ..
يعلم أن خلف هذه الواجهة المشرقة روحاً تعاني ..
كم تشبهه !!
يقولون إن الأقطاب المتشابهة تتنافر ..
لكنه هاهنا يثبت خطأ القاعدة ..
هو يأنس إليها حقاً ..
ليس كامرأة ..بل ...
لا يدري!!
هو حقاً لا يدري !!

يبتلع ما تبقى من أفكاره وهو ينتزع عينيه عنها ليتحرك نحو الباب مغادراً ..
لكنها تستوقفه بندائها قبل أن تسأله بنبرة ذات مغزى:
_مش هتسألني عن سها ؟!

يصمت للحظات بدا فيها صراعه على ملامحه قبل أن يرد بنبرة عملية :
_الحالة حالتك يا دكتورة ..اعملي اللي تشوفيه صح .

تهز رأسها برضا وهي تمنحه نظرة تقدير عوضته عن تأنيب الأمس ليغادرها بخطوات سريعة ..

فتتنهد بحرارة وهي تتناول هاتفها ..
هذه المرة ستبادر ..

_انت اللي ورا عرض المستشفى لسامر .
ترسلها مكتوبة وقد جبنت عن مهاتفته ..
لا تزال تذكر غضبته يوم افتتاح المركز وغيرته منه ..
ترسلها ك"خبر" ..لا ك"سؤال" ..
لعلها تستفز عزلته المستفزة هذه !!

انتظارها يطول رغم رؤيتها ما يفيد أنه قد رأى رسالتها ..
فينعقد حاجباها بقلق ..
لكن رسالته تصلها ..

_لو رفض ده ..هيقبل غيره .

تكاد تشتم رائحة ثورته عبر كلماته فتبتسم بغرور أنثوي لتعاود الكتابة وقد وجدت طرف خيط يستفزه لمعاودة ممارسة الحياة من جديد ..

_نسمي ده ..غيرة ؟! واللا خوف؟!

_أنا آخر راجل في الدنيا ممكن يغير عليكي ..انت بالذات ..
كلماته تصدمها للحظات وقد أساءت فهمها ..
لكنه يكتب من جديد ..

_لأني عارف كويس أنا إيه عندك ..كل الحكاية إني مابحبش حد يقرب من حاجة تخصني !

كأنما تسمعها بصوته ..
بغضبه ..
بتملكه ..
بغروره ..
بعقابه ..
بجاذبيته ..
وبطوفان حبه الذي لا يشبهه حب..!!

لا تدري هل تشعر بالغضب من يقينه هذا في حبها له ..
من كلماته الباردة هذه ..
من إصراره على عزلته هذه ..
أم تشعر بالإطراء لأنه وسط كل هذا لا يزال يحيطها بجناحيه رغم كل هذا البعد !!

هل تشعر بالسخط من قصتهما المبتورة ..دائماً مبتورة ..مفتوحة النهايات ..

أم تشعر بالأمل في ميلاد جديد يحمله القدر لكليهما ؟!!

ولما لم تجد جواباً ..لم ترسل له جواباً ..ليسودهما انتظار طويل ..
قبل أن يرسل هو رسالته ..

_الياقوت والمرجان .

ينعقد حاجباها بشدة وهي تعيد قراءة رسالته قبل أن تكتب ..

_؟؟؟؟
_دار رعاية للفتيات .

تتسع عيناها بإدراك وهي تفهم مراده رغم كلماته المقتضبة ..
هاهو ذا يتحرك في الاتجاه الصحيح ..
يختار التكفير عن أوزار ماضيه بزرع أمل جديد لغد جديد ..
أمل يسميه ب"اسمها" هي!!

يالله !!
لو كان قد نطق بألف "أحبك" لما أثرت بها كما فعل موقفه هذا !!

بماذا ترد ؟!
ماذا تقول؟!
تستعين بقناعها ك"طبيبة" فلا يسعفها ..
تستغيث بقاربها ك"عاشقة" فيزيدها غرقاً ..
كلماتها كلها تتهاوى ..
فقط دموعها تنساب ببطء على وجنتيها ..

_عمري ما اتمنيت أكون جنبك زي دلوقت !

تكتبها ببطء ..ببطء شديد كأنما تعيش كل حروفها ..
قبل أن تمسحها دون أن ترسلها !!
ليس بعد !!
لم يأن أوان بوح كهذا بعد !!
مادام يصر هو على إبعادها عن أسوار قلعته فلن تطرق لها باباً!!

_امتى؟!

لم تكن تدري عن أي "متى" بالضبط تسأله ؟!
متى يخرج من عزلته ؟!
متى يبدأ في تأسيس الدار ؟!
متى يعود لحياته ؟!
أم ..متى يرجع إليها هي ؟!!
_قريب.

كلماته مقتضبة كعهده لكنها تشتم فيها رائحة عذاباته ..
كما تتنفس فيها عبير أمل قادم ..
آه ..كعهد عشقهما الغريب دوماً يتأرجح ..
بين "عذاب" و "أمل"!


وفي غرفته بالمركز كان سامر قد أنهى أول جلساته ليستريح منتظراً حالته القادمة ..
أفكاره تسحبه نحو سها من جديد فيهم للمغادرة نحو غرفتها كي يراها ..
فقط يراها !!
لكنه يمنع نفسه قسراً فيتناول هاتفه محاولاً التشاغل به ..
ابتسامة خافتة تزين شفتيه لا تلبث أن تتحول لضحكة قصيرة وهو يميز هذا المنشور في صفحته ..
هذه "الأغنية" التي شاركتها ريتال على صفحتها منذ دقائق فقط ..
في توارد خواطر وتوافق روحي عجيب بينهما !!
نفس الأغنية التي جالت في باله منذ دقائق مع ياقوت !!
فيضغط زر تشغيلها ليسمعها بصوت فيروز ..

الحلوة دي قامت تعجن في البدرية ..
والديك بيدن كوكو كوكو في الفجرية ..
ياللا بينا على باب الله ياصنايعية ..
يجعل صباحك صباح الخير يااسطي عطية ..

ده الصبر طيب عال
ويغير الاحوال
ياللي معاك المال
برضه الفقير له ربنا كريم ..
======
يعود يامن من العيادة متعباً آخر الليل ليجدها تجول في صالة المنزل حاملة الصغيرة التي وصله بكاؤها من الخارج ..
فيهتف بها بمرح :
_البنت دي ما بتسمعش قراراتي الدكتاتورية ليه ؟! مش قلت بلاش زن !

لكن ياسمين ترمقه بنظرة مستنزفة لترد بإرهاق وهي تقترب منه :
_مش ممكن ..عايزاني أفضل شايلاها وألف بيها طول اليوم ..لو حطيتها ع السرير بترجع تعيط .

_ما عنديش أنا الدلع ده ..وريني كده اما أربيها !
تتأوه ياسمين بإرهاق أثار شفقته وهو،يتناول منها الصغيرة ليقبلها على وجنتها بحنان ناقض خشونة كلماته :
_اخرسي خالص ..شبعانة وهدومك نضيفة يبقى مااسمعش صوتك .

يقولها وهو يهدهدها برفق ليخفت بكاء الصغيرة تدريجياً وهو يمشي بها نحو الدرج الذي صعده لتلحقه ياسمين قائلة :
_مش هتاكل ؟!

فالتفت نحوها قائلاً بنبرة عابثة :
_لما أنيم البنت ..عشان عايزك في كام موضوع كده !

تبتسم له ابتسامة حانية وهي تتحرك جوارهما ليدخل هو غرفتهما ولايزال يهدهد الصغيرة التي هدأ بكاؤها تماماً ..
كأنما استكانت لرائحته !

_وحشتيني يا منمنمة ..طول النهار عايز أخلص شغل جري عشان آجي وأشوفك ..مش عايزة تكبري شوية بقا ؟!

لا يزال يخاطب الصغيرة بينما يتحرك بها برفق مع هزه الرفيق لها ..
فيشعر بتثاقل جفنيها ليبتسم ابتسامة انتصار وهو يستمر فيما يفعله لدقيقة كاملة ..
كانت كافية لأن تسقط الرضيعة في النوم تماماً !!

_يا ظالمة ! بنت حلال اهه ونامت على طول ..بلاش تطلعي ع البنت إشاعات مغرضة .

يهمس بها بخفوت وهو يلتفت نحو ياسمين التي كانت ترمق الطفلة بين ذراعيه بدهشة حقيقية ..
هل كانت تنتظره حقاً كي تنام ؟!!

_كانت مستنياك تيجي عشان تطمن وتنام ..
تهمس له بها بنفس الخفوت وهي تراه يتحرك بحذر نحو فراش الصغيرة المنفصل جوار فراشهما ..
والذي وضعها فيه ببطء قبل أن يلتفت نحوها هي فتحيط عنقه بذراعيها مردفة :
_انت أمانها وحبها ..من شابه أمه فما ظلم !

همساتها تشعله بعاطفتها كما تفعل دوماً فيعتصرها بين ذراعيه وهو يرفع جسدها نحوه ..
لتطلق آهة ألم حقيقية تجعله يبعدها ليسألها بحنان :
_ظهرك بيوجعك ؟!
_شوية .
تهمس بها بدلال متوجع مدركة أين ستودي بهما إجابتهما ..
هناك ..
حيث هي تستلقي على بطنها على الفراش ليشرع هو في تدليك ظهرها بأنامله ..

تغمض عينيها باستمتاع وهي تشعر بطيف أمانه يحلق حولها ..
لم تشعر يوماً بالسعادة كما هي الآن معه ..
تتأوه بخفوت فتشعر بأنفاسه تقترب منها ..دون أن تكف أنامله عن عملها ..

_أتحبني بعد الذي كانا ؟ !

تسمعها بصوته فتلتفت نحوه بوجهها دون أن تغير نومتها ..
عيناها تتسعان بترقب وهي تراه يكملها بصوته الأجش ..وبعزف أنامله على جسدها ..

_إني أحبّكِ رغم ما كانا ..ماضيكِ لا أنوي إثارتَهُ ..حسبي بأنّكِ ها هُنا الآنا..

تدمع عيناها بتأثر وهي تشعر بمزيج همساته ولمساته يهدهدها ..
قبل أن تشعر بوجهه يقترب أكثر ..
شفتاه تطوفان فوق عنقها ..
وأحد كفيه ينسل ليعانق كفها ..
ثم يشبك أنامله بأناملها ..

_تتَبسّمينَ.. وتُمْسكين يدي ..فيعود شكّي فيكِ إيمانا..

تبتسم وهي تشعر بخفقات قلبها تزداد جنوناً ..وبأنفاسها تزداد تلاحقاً ..
تشعر بطواف شفتيه يزداد سخونة وهما تعاودان التراقص فوق عنقها ..وجنتيها ..شعرها ..عينها ..

_عن أمسِ . لا تتكلّمي أبداً.. وتألّقي شَعْراً.. وأجفانا ..أخطاؤكِ الصُغرى.. أمرّ بها وأحوّلُ الأشواكَ ريحانا..

تشعر بأنفاسه تشاركها الجنون وطواف شفتيه ينتهي عند جانب شفتيها ..
_لولا المحبّةُ في جوانحه ..ما أصبحَ الإنسانُ إنسانا.

كل خلاياها تشتعل بعشقها ..تثور وتنبض بهذا الإعصار الكاسح الذي تفقد معه كلماتها ..
تذوب هياماً بهذا الذي تغير لأجلها ..لأجلها هي فقط !!
انفعالها كعهده تترجمه دموع مسحها بشفتيه لتجد نفسها تهمس ككل مرة تعجز فيها عن قول المزيد :
_شكراً يا طيب .

تشعر به يدير جسدها نحوه فتلتقي عيناهما بشغف مجنون يترجمه الجسد للقاء عاصف ..
ألف أحبك لم يقلها ..لكنها سمعتها ..
وردّتها !!
بكل جوانحها ردّتها !!

الأنفاس اللاهثة تستكين أخيراً لكن لحن القلوب لا يزال لا يعترف إلا بالصخب ..
تشعر بوجنته تلاصق وجنتها ..
وبشعيرات لحيته تخزها بنفس الوخز اللذيذ الذي تعشقه ..
هذه التي امتدت لها أناملها تداعبها فيرفع وجهه عنها يراقب هذا الاحمرار على وجهها فيهمس لها معتذراٌ :
_دقني ..
لكنها تقاطعه بأناملها على شفتيه مع همسها العاشق ككل مرة تفعلها :
_ما الحب إلا للحبيب الملتحي .

يضحك ضحكة راضية وهو يعود ليلصق وجنته بوجنتها بينما يضمها نحوه أكثر هامساً :
_مش هتبطلي تقوليها ؟!
_أبداً !
تمتمت بها بحسم وهي تقبل جبينه بنعومة لتسأله بدلال:
_إنما إيه الرضا ده ؟! شِعر ونزار قباني مرة واحدة ؟!!

فيعاود رفع وجهه نحوها ليزيح خصلات شعرها المشعثة عن وجهها هامساً :
_قراتها النهارده بالصدفة ..حسيت إنها لمستني قوي لدرجة إني حفظتها من غير ما أحس ..طول اليوم سامعها في وداني ..وشايف عينيكي قدامي .

الكلمات الأخيرة خرجت رغماً عنه منغمة ..جعلتها تطلق ضحكة مستمتعة لتهمس له بدلال ماكر :
_اووه ! يامن حمدي مش بس بقى بيقول شعر وكمان بيألفه !!

فيقرص وجنتها مداعباً لتدفعه عنها برفق قائلة :
_قوم انت خد شاور وأنا هاحضر لك الأكل .
_محشي؟!
يسألها بترقب لتضحك وهي تومئ برأسها إيجاباً ثم تقبل وجنته هامسة بغمزة شقية :
_وهتاكله على طريقتك .

يضحك برضا وهو ينهض من الفراش ليمد لها كفه فيوقفها معه لكنها تتأوه من جديد وهي تمسك بظهرها ..
فيبتسم لها بمكر هامساً:
_تحبي نعيده م الأول؟!

تلكزه في كتفه بخفة قبل أن تتحرك لتضع فوقها مئزرها ..
تلاحقها ضحكاته وهتافه خلفها :
_أنا بعرض خدماتي أي وقت !

فتشير له نحو شفتيها بسبابتها كي يصمت قبل أن تشير لفراش الرضيعة ..
فيبسط راحته على شفتيه بتهذيب مصطنع يجعلها تبتسم ..

وبعد دقائق كانت تجلس جواره على مائدة المطبخ ..
وشفتاه تداعبان أناملها التي تطعمه فتضحك بدلال قائلة :
_لسه ماشي ع السنّة ..اللهم قوي إيمانك يا شيخ .

فيضحك بدوره ليرد باهتمام :
_على ذكر الشيخ ..عابد قرر هيستقر فين بعد الجواز؟!

_هو عايز يقعد في البلد شوية ..عاجباه العيشة هناك .
تقولها برضا ليضحك قائلاً :
_وطبعا الست والدته زعلانة .
_هو راضاها وأخد شقة هنا كمان ..ووعدها يبقى بين هنا وهناك .
تقولها بنفس النبرة الراضية لتهتف كأنما تذكرت شيئاً هاماً :
_لما نخلص أكل هاوريك عملت إيه ليمنى تحضر بيه الفرح .
_فستان بألوان الطيف كالعادة !
يقولها بمطة شفتيه لكنها تضحك وهي تداعب أنفه بسبابتها هامسة :
_تؤ ..حاجة سبيشيال خاصة بينا احنا وبس !

رمقها بنظرة متسائلة وهو يشعر بالفضول نحو ما تقوله ..
لكنه ما كاد يسألها عن المزيد حتى سمعا صوت بكاء الصغيرة من الأعلى فهرعت ياسمين لتغسل يدها بسرعة قبل أن تصعد إليها ..

يلحق بها بعد دقائق ليبتسم بحنان للرضيعة بين ذراعيها قبل أن يتناولها هو بين ذراعيه ليقبل وجنتها بعادته التي يعشقها ..
ثم يقول لها مشاكساً :
_ماما عاملالك مفاجأة في فرح خالو ..عايز أشوفها !

فتضحك ياسمين وهي تتحرك نحو خزانة ملابسها هاتفة بحماس :
_طلع روحي عشان أعمله ..بس النتيجة تستحق !

تقولها وهي تستخرج ما رفعته أمامه لتتسع عيناه بانبهار ..
الثوب نفسه كان عادياً بلون أبيض وقد تزين طرفه المتسع بما بدا ك"زهور " صغيرة ..
لكنه عندما اقترب منها وجدها ..
الرمز الخاص بهما !!
حرف الياء الذي انثنى طرفه ليصنع ما يشبه شكل القلب الصغير !!
هذا الذي طرزته هي بنفسها على طول طرفه ..
وعلى غطاء رأس من نفس خامة الثوب ولونه !!
_يا أروبة !
يقولها ضاحكاً وهو يرمقها بنظرة منبهرة لتضحك وعيناها تدمعان بقولها:
_يامن ..ياسمين ..يمنى ..حرف الياء اللي جمع بيننا ده مش صدفة ..دي إشارة إننا هنفضل طول العمر سوا ..عشان كده هيفضل كده برسمته دي ..واللي عمرها قريب من عمري ..حاجة خاصة بينا احنا وبس!

تقولها بينما تستند برأسها على كتفه رافعة إليه عينيها وكفها يداعب رأس الصغيرة بين ذراعيه ..
فيبتسم لها بعشق فاضت به نظراته ثم يطبع قبلة ناعمة على شفتيها ..
قبل أن ينحني برأسه نحو الصغيرة فيقبله بدوره ..
ثم يرفع وجهه للأعلى بما بدا كحمد تمتم به قلبه قبل لسانه !!
الله رحيم بنا وإن قسونا على أنفسنا!
هذا بالضبط ما كان يشعر به وهو يتلقى عطايا قدره الأخيرة بسخاء لا يليق بالممنوح ..بل بكرم المانح !

وهو ما شعرت هي به هي أيضاً لترمقه بنظرة تقدير قبل أن تتناول منه الصغيرة لتقول بإشفاق:
_كفاية عليك كده سهر النهارده ..يادوب تنام .

فيقبل جبينها بحنان قبل أن يتحرك ثلاثتهم نحو الفراش ..

_برضه مصرّة تنيميها بيننا بالليل ..حطيها في سريرها ..بخاف غصب عني أتقلب عليها وأنا نايم !

يقولها بعتاب حنون وهو يستلقي على الفراش لكنها تصر أن تضع الصغيرة بينهما قبل أن تستلقي هي جوارها لتلتفت نحوه قائلة بتأثر:
_انت بالذات المفروض ما تقولش كده ..عايزاها تكبر وهي حاسة إنها وسطنا احنا الاتنين ..مش عايزاها للحظة تحس باللي احنا حسيناه واحنا صغيرين .

كان يفهم عقدتها التي يشاركها فيها فتنهد بحرارة وهو يمد أنامله ليداعب وجه الرضيعة بينهما هامساً :
_مقنعة قوي يا افندم !

تضحك وهي تمد أناملها بدورها لتداعب الرضيعة هامسة :
_وانت مطيع قوي ياافندم .

يبتسم وهو يشعر بتثاقل جفنيه فيغلقهما هامساً بعبث ماكر :
_طب أنا قدمت السبت وحكيت حدوتتي ..مش هلاقي الحد وتحكي انتِ حدوتتك ؟!!

فتضحك ضحكة عالية رائقة وهي تداعب خصلات شعره الطويلة التي تعشقها ..
لتهمس بهيام عاشق قبل أن تبدأ سرد حكايتها :
_عيوني ل"شهريار"!
======


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-19, 03:25 PM   #908

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

الفصل عندي مش ظاهر :-(
ليش هيك بيعطيني صفحة بيضا
متى المنتدى بصلح :-(


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-09-19, 03:04 PM   #909

فوفومون
 
الصورة الرمزية فوفومون

? العضوٌ??? » 336859
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 592
?  نُقآطِيْ » فوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond reputeفوفومون has a reputation beyond repute
افتراضي

رائعه بكل ماللكلمه من معنى فشششششششكرا ياطيبه امممممممممممممممممممممواه

فوفومون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-09-19, 10:41 PM   #910

apple pie

? العضوٌ??? » 374632
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » apple pie is on a distinguished road
افتراضي

رائع رائع رائع بكل ما تحمل الكلمه من معني

اسلام و نشوي و ريما بقوا عيله حلوه اوي و لجين اخيرا لقت العوض و يا رب يكمل الباقيين علي خير

نفسي اوي تكمل بس مش عايزاها تخلص

بجد دمتي مبدعه


apple pie غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.