آخر 10 مشاركات
استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          ودواهم العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : emy33 - )           »          369 - جزيرة الحب الضائع - سارة مورغن (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          شموخ لا ينحني -قلوب شرقي(خليجي)-للمبدعة: منى الليلي(أم حمدة) *مكتملة & الروابط* (الكاتـب : أم حمدة - )           »          أهدتنى قلباً *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : سامراء النيل - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-09-19, 10:49 PM   #931

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي


نيمو منتظرين على نااار



Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 19-09-19, 11:12 PM   #932

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار نيمو يا قمر

د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-19, 11:43 PM   #933

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الرابعة والعشرون
=======

على جبينكِ -دلوعتي- وجدت معجزتي !
تفتحين عينيك.. فتشرق للكون شمسان غير شمسه ..
تتبسمين ..فيولد بين شفتيك ألف فجر ..
تتكلمين.. فتنثرين الحروف سحراً للغواية ..
فأي تحية صباح ترضيكِ ؟!
صباح الخير؟! ..وأنتِ للصبح خيره !
صباح الحب؟ !..وأنتِ للحب صبحه !
لا صباح يليق بكِ إلا صباحك ..
فلا صباح خير ولا صباح حب ..بل صباحكِ "أنتِ"!


تتنهد بهيام وهي تعيد قراءة رسالته الصباحية التي تركها لها من حساب "العاشق المجهول" قبل أن تقبل شاشة هاتفها لتغادر فراشها ..
تعلم أنه لم يغادر للعيادة بعد فلاتزال حاجياته الضرورية هنا ..
تتفقده في الشقة لترى باب الغرفة الصغيرة التي يعدونها لأطفالهما في المستقبل مفتوحاً ..
تتحرك بخطوات حذرة نحو هناك قبل أن تتسع عيناها بانبهار وهي تميز الصورة الكبيرة للفتاة على الحائط ..
بشعرها النحاسي ..وقوسها الذي تمسكه بين ذراعيها ..
مع هذه النظرة المتمردة في عينيها ..
صورة "ميريدا"!



وأمامها كان هو ينهي آخر خطوط فرشاته وقد جلس على ركبتيه ولم يكد يشعر بها حتى التفت نحوها لينهض واقفاً ..
ثم يلقي ما بيده جانباً ليفتح لها ذراعيه ..

فتندفع نحوه لتتعلق بذراعيها في عنقه هاتفة :
_إيه ...
فتذوب بقية حروفها بين شفتيه قبل أن يرفع إليها عينين عاتبتين بمرح:
_قلنا أول ما نصحى نعمل إيه ؟!

فتبتسم بدلال وهي تغرق وجهه بقبلاتها السريعة ثم تعود ببصرها نحو الرسم على الحائط لتهتف بانبهار:
_عملتها إزاي دي؟! معقول رسمتها ؟!
_لا مش للدرجة دي ..دي رسمة جاهزة أبيض وأسود بس أنا درت عليها بالألوان .
يقولها بفخر تزايد مع هذه اللمعة الفرحة في عينيها ليردف وهو يتحسس بطنها المسطح بأنامله :
_كنت عايزها تبقى أول حاجة نعملها في أوضة "البيبي" المنتظر!

_هتشككني في نفسي ياعم ..أقسم بالله ما حامل !
تهتف بها بنزقها المعهود ليضحك ضحكة عالية وهو يعاود ضمها إليه قائلاً :
_باعتبار ما سيكون يا مجنونة ..
ثم عاد يبعدها ليطيل النظر في عينيها مردفاً :
_يا "ميريدا"!

لكنها تهز رأسها بدلال وتعلم الجواب مسبقاً :
_نفسك قوي كده في أطفال؟! أنا لسه صغيرة !

فيشدد قوة ضمته لها حتى تتأوه ثم يقول لها بدفء :
_ربنا حققلي نص الحلم لما بقيتي ليا ..فاضل النص التاني ..عايز زحمة ..عيلة كبيرة حواليا .

_طب والجامعة والمذاكرة ؟! هاقدر إزاي على كل ده لوحدي؟!
تهتف بها بعناد لا يزال يفرض هيمنته على شخصيتها ليرد باحتواء يجيده :
_وأنا امتى سبتك لوحدك ؟!

كلماته وحدها كانت تكفيها لينقلب عنادها وقلقها إلى هالة كبيرة من حب طوقتهما معاٌ وهي تسند رأسها على صدره هامسة بشقاوتها اللذيذة :
_غلبتني يا مارو !

فيضحك وهو يرفع ذقنها نحوه هامساً :
_عجبك صباح العاشق المجهول ؟!

لتتنهد بهيام متذكرة كلماته التي قرأتها منذ قليل لتهمس بنفس الشقاوة :
_عليه كلام يدوووخ يابووووي!

ضحكته تعلو من جديد لتشاركه إياها للحظات قبل أن تميل رأسها بدلال هاتفة :
_هتفطرني فين النهاردة ؟!

_قصدك أغديكي ..احنا داخلين ع الظهر سعادتك .
يقولها وهو ينظر للساعة المعلقة على الجدار فتهتف باستنكار:
_وهو مين اللي سهرني لوش الفجر وخلاني أصحى متأخر ؟!

تقولها وحمرة وجنتيها تغزوها مستعيدة تفاصيل ليلتهما المشتعلة بالأمس ..
ليرفع أحد حاجبيه بمكر هامساً في أذنها :
_نعم! فكريني كده مين اللي بدأ !

فتعض شفتها بخجل زادها عذوبة في عينيه وهي تخبطه بقبضتها بخفة في صدره ..
ليضحك من جديد وهو يضمها إليه ثم يتنهد هامساً بحرارة وأنامله تتحرك على طول ظهرها:
_السعادة اللي عايشها معاكي يتألف فيها كتب .

_امال أنا أقول إيه ؟! مش مصدقة إن ممكن حاجة تنغص علينا فرحتنا .
تقولها بهيام قبل أن تتغضن ملامحها فجأة لتسأله بحاجبين منعقدين:
_ثانية واحدة كده !..افرض طلعت مابخلفش ..وانت شكلك متعلق قوي
بالأطفال ..هتتجوز عليا ؟!

كتم ابتسامته بصعوبة وهو يشيح بوجهه مستعداً لتلقي واحدة من نوبات جنونها ..
إذ أمسكت بتلابيب قميص منامته مردفة :
_وساعتها هتقوللي حقي أبقى أب ..ومش هاقدر أستغنى عنك برضه ..بس هحاول أعدل بينكم ..فتجيبلي ضرة ..ضرة يا مروان ؟! هي حصلت ؟!

تقولها وهي تهزه من قميصه لينفجر بالضحك بينما هي تردف :
_وكمان بتضحك ؟! بتتجوز عليا وبتضحك ؟!

_داليا! انتِ مش انتِ وانتِ جعانة ! استهدي بالله وتعالي نروح ناكل .

يقولها وهو يربت على ظهرها فتبتسم ابتسامة واهنة قبل أن تتخذ كلماتها منحنى جدياً تماماً :
_بجد يا مروان ..انت ممكن تفكر ..
_اسكتي يا مجنونة !
يقاطعها بها حازماً وعيناه تمنحانها الجواب قبل لسانه ثم يرفع حاجبيه بسؤاله :
_طيب ..خللينا نعكس السؤال ..لو طلعت أنا مش بخلف ..هتسيبيني؟!
_لا طبعاً ..أنا مش فارق معايا موضوع الأطفال ده أساساً ..بلا وجع قلب!
تقولها باستخفاف ليمط شفتيه قائلاًباستياء:
_يعني لو كان فارق معاكي كنتِ هتسيبيني؟!

تراقص حاجباها بشقاوة وهي تتفلت من بين ذراعيه لتخرج له لسانها مغيظة متعمدة عدم الجواب ..
قبل أن تشده من ذراعه هاتفة :
_ياللا عشان هاموت م الجوع ..هنروح المول نتغدى وبعدين نختار فستان أحضر بيه فرح أخو ياسمين ..مادام الفستان اللي جبته ماعجبكش .

_تصحيح! ده ماكانش فستان ..ده كان قميص نوم !
يقولها بعتاب مستجيباً لخطواتها الراكضة وهي تجذبه خلفها نحو غرفتهما هاتفة :
_انت اللي حنبلي! فكّها كده ما تبقاش قفّوش !


يضحك من مصطلحاتها التي يشعر أنها لا تصلح لامرأة سواها ..
قبل أن تجتاحه نوبة من سعال مفاجئة جعلت
ملامحها تنقلب في ثوانٍ وهي تسأله بقلق:
_انت كويس؟!

يكاد يبتسم لها لكن نوبة أخرى من السعال تسبقه ..
وتجعل عينيها تدمعان بسرعة بما لا يناسب بساطة الموقف ..

_انت من امبارح واخد برد ..خلاص مفيش خروج .



تقولها بانفعال وهي تدفعه نحو الفراش لكنه يمسك كفيها بكفيه محتضناً هذه النظرة
"الأمومية" في عينيها "الطفوليتين" ..

مزيج غريب صار يتلذذ به وسط شعوره الحقيقي بأنها تغيرت حقاً لتكون أكثر تحملاً للمسئولية رغم هذه الواجهة المدللة لها ..
كيف يخبرها أنه يعشقها بكل وجوهها؟!
يعشق النزقة الطفولية ..والحنون المسئولة ..


لهذا جذبها نحوه فجأة ليعتقلها بين ذراعيه وعيناه تلتمعان بهذه اللمعة الخاصة التي تعرفها ..
_عارفة بتبقي لذيذة إزاي وانتِ عاملة فيها كبيرة كده ؟!

فتبتسم بدلال لايزال يمازجه بعض القلق ..
القلق الذي انمحى تماماً مع همساته اللعوب لها بعدها :
_تعالي أطمنك عليا إني كويس!

ضحكاتها تتعالى بعدها وهي تشعر بدغدغة أنامله لها والتي لا تقاوم أثرها ..
قبل أن تستجيب لطوفان عاطفته الذي يجرفها كل مرة كأنما هي أول مرة ..
عاطفته التي تشعر وكأنما تمنح ملامحها شمساً لا تغيب ..
تزينها بأجمل ما يمكن أن تتجمل به امرأة ..
الأمان !

هذا الشعور الذي رافقها في ساعاتها التي قضتها معه بعدها وهما يغادران البيت للتسوق في ال"مول" القريب ..
ضحكاتهما تتجانس رغم مزيج شخصيتيهما المتناقض..
هي بجنون طيشها وهو برزانة تعقله ..
هذا الذي جعلها تكاد تلقي له تعليقاً يناسب إحساسها لولا أن كادت تصطدم بإحداهن وهي تصعد الدرج الكهربائي ..
فترفع إليها عينيها بنظرة اعتذار لكنها تتبين
ملامحها فينعقد حاجباها بضيق لم تخفِه وهي تتمتم من بين أسنانها :
_ريتال !
==========





تتجول في صالة المنزل الواسعة تراقب الأثاث الفخم بشرود ..
ملامحها ترسم ألف لوحة من حسرة وقلبها يخفق بمرارة الفقد ..
تتوقف عند صورة بعينها ..
صورة علقت على الحائط وتود لو تحطمها ..كما حطمها صاحبها!!

_ليه يا حسين؟! ليه تعيشني العمر ده كله في وهم وتفوقني منه على القلم ده ؟!! ليه ؟! ليه ؟!!

كان صوتها يزداد ارتفاعاً مع سطوة انفعالاتها ليتحول لصرخات تقطعت ببكائها وهي تفرد ذراعيها حولها كأنما تبحث عن سند ..
فلا تجد سوى فراغ!!

ذكريات باهتة تجتاحها من صورتها القديمة ..
المرأة الكاملة التي كان الجميع يحسدوننها ..
الآن ينتهي بها المقام وحيدة ..
هجرها ابناها ..وقبلهم خانها رفيق دربها ..
أي مصير هذا الذي آلت إليه حياتها بعد طول ترف؟!!

_هيثم عند شهد ..زميلته ..البنت اللي ..
_اللي إيه ؟! مستحيل ..اللي ضحكت على باباك ؟! هيثم راح لها برجله ؟!!

تغمض عينيها بألم وذكرى لقائها الأخير بإسلام تطعنها بنصل بارد !!
ظن أنه يطمئنها على شقيقه فإذا به يجلدها بسوط من نار !!
تتذكر ثورتها حينها ..تهديدها إياه أن تقاطعهما معاً لو استمرت هذه المهزلة ..طردها له من البيت ورفضها الرد على اتصالاته ..
فتنهمر دموعها بغزارة أكثر وهي تتذكر الزيارة التي عادت منها لتوها الآن ..


إنه أحد كبار الأطباء الذي استشارته في حالة هيثم ليخبرها أنه من الأفضل له ألا يعلم الآن عن حقيقة الفتاة شيئاً مادامت هي الوحيدة التي صار يثق بها في متاهة ذكرياته الآن !!

آهة تلو آهة تغادر حلقها وهي تشعر بقلبها يكاد ينفطر ..
أي عذاب مضطرة هي أن تعيشه وهي تترك ابنها للمرأة التي غوت أباه حتى دمرته ؟!!
أي جحيم قذفوها فيه وهي عاجزة عن إخراجه من هناك وأكثر عجزاً عن زيارته وهو معها؟!!
لو استجابت لجرح أنوثتها فستهرع إليه هناك فاضحة له كل شيء كي ترده لحضنها ..
لكنها ...

صوت هاتفها يقاطع أفكارها لتجد الاتصال من سوزان ..
وحدها من بقيت على عهد صداقتهما القديمة بعدما انفضت عنها جموع المنافقين ..

_أهلاً يا سوزان !
تقولها بصوت خنقه بكاؤها لترد صاحبتها بعصبية :
_وبعدين ؟! العياط هو اللي هيرجعلك ولادك يعني ؟!
_وإيه اللي هيرجعهم ؟!
تهتف بها بين فيض دموعها لترد الأخرى بغيظ :
_انتِ إزاي باردة كده ؟! إزاي قادرة تسيبي ابنك للبنت دي ؟!
_أعمل إيه ؟!
_روحي دلوقت حالاً وطربقيها على دماغها ..فهميه حقيقتها وافضحيها في وسط حتتها هناك .

تهتف بها سوزان بحقد لتهز جيلان رأسها مفكرة ..
الخاطر يبدو لها براقاً بلمعة الانتقام ..
خاصة والأخيرة تنفث فيها المزيد من السم :
_هتفضلي لحد امتى الحيطة المايلة اللي الكل مستهون بيها ؟! جوزك وخانك ؟! ابنك الكبير خرج عن طوعك واتجوز من وراكي ؟! ودلوقت هتسيبي الصغير لحتة بنت مفعوصة ضحكت على باباه ؟! ويا عالم حصل بينهم إيه ؟!

سؤالها الأخير يحمل لصاحبتها من العذاب أضعاف ما حمله باقي كلامها فتنخرط جيلان في البكاء من جديد ..
فيما تهتف سوزان بنفس الحقد المسموم :
_هتسيبي ولادك لولاد الخدامة يمشوهم على كيفهم ؟! أنا متأكدة إن اللي اسمها ياقوت دي هي اللي واكلة دماغهم ..هاوديني واقلبي الترابيزة على دماغ الكل ..ما تخيبيش خيبتي ..انتِ ابنك لسه ع البر الحقيه ..لكن أنا ابني خلاص ..خطفته المجنونة من حضني!

_كفاية !
هتفت بها جيلان أخيراً لتلتمع عينا سوزان بظفر هاتفة :
_هتروحي لها وتفضحيها قدامه ؟!
_لا!
هتفت بها جيلان قاطعة وهي تتحسس دلاية سلسلة على عنقها حملت صورتها مع ابنيها لتردف بين فيض دموعها :
_مش هادخل هيثم في تصفية حسابات .
_هتسيبيه للبنت ال"بايظة" دي تضحك عليه ؟!
تصرخ بها سوزان باستنكار لتشهق جيلان باكية مع كلماتها :
_مش عارفة ..مش عارفة ..أصدمه فيها إزاي وهي الوحيدة اللي جري عليها لما زعل مننا كلنا؟! إيه يعرفني إنه لو اكتشف حقيقتها هيرجع لي ؟! مش يمكن أخسره أكتر؟!

_إيه البرود والسلبية اللي انتِ فيها دي ؟! دي فرصتك عشان تطفي نارك منها !
_مش على حساب ابني يا سوزان ..كفاية اللي ضاع مني ..

تتمتم بها بحرقة وسط فيض دموعها ليصلها هتاف صديقتها الساخط على الجانب الآخر من الاتصال :
_بكرة تندمي ..بكرة تقولي ياريتني وقّفت كل واحد عند حده ..الطيب في الزمان ده ..

لكنها تقطع الاتصال فجأة لتقذف الهاتف فينال أقرب ما طالته يداها ..
مرآة ذهبية فخمة عالية القيمة تذكر أنها اشترتها يوماً في أحد المزادات وكانت تتعالى على رفيقاتها بها ..
هذه التي توجهت الآن نحوها لترمق صورتها المشوشة فيها بنظرة خاوية ..
صورتها ك"أنثى" تكسرت ..تموهت ..تشوهت كهذه التي تبدو لها الآن في المرآة ..
لكن تبقى صورتها ك"أم" !!
هذه التي لن ترضى لها بعد الآن أن تتشوه ..


عيناها تصطدمان بأحد الأدراج فتفتحه لتستخرج منه عدة ألبومات للصور ..
"وحش الحنين" ينهشها بمخالبه وهي تكاد تذوب اشتياقاً لأيام مضت ولن تعود ..
صورة تلو صورة لها مع حسين ..تتأبط ذراعه ..تحتضنه ..تقف أمامه ..
دوماً ما كانت تقف أمامه في الصور ..
لكنها الآن تعلم علم اليقين أنه -حقيقةً- جعلها العمر كله خلف ظهره !!
شهد هذه لم تكن بالتأكيد أول خيانة نالتها!!
النار تنتشر بسرعة بين هشيم روحها فتود في هذه اللحظة لو تستمع لوسوسة سوزان ..
لو تطفئ لهيبها بفضحها أمام ابنها وأمام الجميع ..
سوزان محقة ..نعم ..
لكن ..
عيناها تنتقلان من جديد لبقية الصور ..
تتلمس صور ابنيها في مراحل مختلفة من عمريهما ..
تذوب حسرة على "ضحكة حقيقية" مرسومة على وجهها ووجهيهما بعيدة تماماً عن "ضحكتها" التي اعتادت تصنعها مؤخراً ..
فيرتجف قلبها ..
بل ينهض كالعنقاء من رماده موقناً أن هاهنا فقط المغنم الذي لن تفقده قط !
ابناها!
والخاطر الأخير ترافقه لمسة يدها من جديد لصورة سلسلتها في عنقها ..
قبل أن تعود لتستمد "زاد الصبر" من جديد بنظرات دامعة للمزيد من الصور ..



والقرار بداخلها يزداد تبلوراً ..
لا مجال للمقارنة ..
"صنم الأنثى" قد تكسره خيانة رجل ..
لكن "محراب الأم" لن يفتقد ناسكيه طوال العمر !
======










_ياللا يا مامي ..بابا جاب الفيلم !

تهتف بها ريما خلف باب "غرفتهما" المغلق لتهتف نشوى بضيق:
_حاضر ..جاية !

تقولها لتطلق زفرة ساخطة وهي تنظر لنفسها في المرآة ..
غرفتهما ؟!
صار لها مع إسلام هذا غرفة ؟!!
من كان يخبرها أن حياتها ستتبدل هكذا في بضعة أيام ؟!!
بضعة أيام شعرت هي بها وكأنها دهر بأكمله !!
دهر من خذلان وألم وفضيحة سيتحاكاها الناس طويلاً ..
لكن ..هل هذا ما حملته هذه الأيام فحسب؟!!

عيناها تختلسان نظرة للمرآة من جديد ..
منامة أخرى حريرية من مناماته التي اختارها لها لتجدها مرتبة في خزانة ملابسها هنا ..
منامات كلها ناعمة قصيرة السراويل عارية
الأكتاف بألوان مشرقة ..

هذه مثلاً بلون كريمي هادئ ومحلاة بتطريز رقيق باللون الوردي ..
الوردي ثانية ؟!
لا تستسيغ هذا اللون من صغرها رغم هوس النساء المعتاد به !!
لكن ما الجديد ..هذا هو شعورها بالذات نحوه هو !!
لا تستسيغه !!
لا تنفر منه كزوجها السابق ..لكنه لا يملك سطوة جاذبية ناصر عليها ..
ناصر ..
ناصر ثانية ؟!!
ألم تكرهه بعد مافعله ؟!
الغريب أنها لم تفعل!
بل على العكس ..ازدادت به تعلقاً وهي تراه يلقي العالم كله خلف ظهره لأجل امرأة أحبها ..
امرأة تمنت ..
تمنت لو كانت هي !!

تغمض عينيها مقاومة خاطرها الأخير بكل ما أوتيت من قوة ..
ستحارب ناصر بداخلها ..
إن لم يكن لأجل كرامتها فلأجل رجل تحمل اسمه وتريد أن تصونه !

_ياللا يا مامي ..عايزة أشوف الفيلم !

تعاود ريما هتافها من الخارج فتتنهد بقوة وهي تمشط شعرها لتربطه خلف رأسها فيما يسمى بذيل حصان ..
قبل أن ترمق نفسها أخيراً بنظرة راضية ..وساخطة !!
لم تعد تفهم نفسها حقاً !!

تفتح الباب لتخرج إليهما فتتعلق عيناها بمشهده وهو يجلس مسترخياً على الأريكة وقد ضم الصغيرة لصدره بأحد ذراعيه بينما وضع وعاء كبيراً من "الفشار" جواره أمسكه بذراعه الحر ..
هذا الذي أزاحه الآن ليضعه فوق ساقيه مفسحاً لها هي المكان بحركة صامتة ..
تحركت لتجلس جواره غافلة عن عينيه اللتين كانتا تذوبان هياماً بتفاصيل أنوثتها في هذه المنامة ..
يعترف أنها ليست أجمل امرأة عرفها ..
لكنها أكثرهن أنوثة ..أعظمهن فتنة على قلب لم يتعلق هكذا بسواها !!
لهذا ما كادت تستقر جواره حتى مد ذراعه ليضمها نحوه -كابنتها- قبل أن يهمس في أذنها بخفوت :
_جامدة !

شفتاها ترتجفان ب-شبه ابتسامة -!
رغم شعورها بالاشمئزاز من هذا اللفظ الذي يستخدمه دوماً في التعبير عن إعجابه ..
لكنها لا تدري لماذا صار يؤثر فيها إلى هذا الحد ..
ربما لأنه يداعب وتراً منسياً في قيثارة أنوثتها !!
لكنها مالت على أذنه هامسة باستنكار ساخط افتضح رغم خفوت نبرتها :
_ولا بجامة ببنطلون في الدولاب؟! كلها شورتات !!

فكتم ابتسامته وهو ينظر للصغيرة مطمئناً
لانشغالها بالشاشة قبل أن يميل عليها هي ليغمزها بهمسه الوقح:
_البناطيل دي تلبسها الستات اللي رجليها وحشة فبتخبيها ..لكن ..

_شششش!!
تلكزه بها في خصره مقاطعة همسه بمزيج من خجل وسخط ومحاولة تخليص نفسها من ذراعه لكنه يتشبث بها وهو يضمها نحوه بقوة أكبر ..فتعاود لكزه بكوعها في خاصرته ..

_Incredibles.2

تقرأها ريما بصوتٍ عالٍ مقاطعة سجالهما الخافت هذا ليتجه كلاهما ببصره نحو الفيلم الكارتوني على الشاشة بينما الأولى تردف بنبرة متحمسة :
_عايزة أشوفهم هيعملوا إيه الجزء ده ..
تنقطع عبارتها بضحكاتها وهي تميز تطور الشخصية الجديدة للطفل ابن البطلين الذي ظهر في هذا الجزء:
_عدنان ! عسل الجزء ده يا بابا ..
ثم صمتت لحظة تفكر لترفع عينيها إليه بسؤالها:
_هو أنا ممكن أطلع "خارقة" ومش عارفة ؟!
_ممكن جداً ..
يقولها إسلام وهو يطعمها الفشار في فمها لتضحك له الصغيرة قبل أن تعود للاستكانة على كتفه ..
فيما بقي جسد نشوى متشنجاً في جلستها هذه وهي تشعر بالارتباك ..
ارتباك ازداد وهي تجده يريد أن يطعمها مثل صغيرتها لتفاجأ بالفشار قرب شفتيها ..
فتتقبله مرغمة ..وراضية !!
تناقض لم تعد تتعجبه مع هذا الرجل!!
تحاول الاندماج مع أحداث الفيلم الذي تعلم أن صغيرتها ستصدع رأسها بالحديث عنه بعد انتهائه كما عودتها ..
لكنها رغماً عنها تغيب في شرود طويل يخطفها من كل ما حولها ..
إلا من حركة شفتيها الرتيبة مستجيبة لتناول طعامها منه!!

شرودها يبتلعها تماماً ..
يدخلها في دوامة عجيبة "قهرية"..
فترى نفسها في نفس الجلسة إنما ..مع ناصر !!
يحتضنها وابنتها بكلا ذراعيه ..يمتدح أنوثتها بإفراط ..
ويهمس لها بكلام غزل لم تسمعه ..ولم ترد أن تسمعه من غيره !!
ترى كيف هو رد فعله على زواجها من صديقه ؟!
تراها ردت له الصفعة حقاً ؟!
هل منحته هذا الشعور أنه مجرد لا شيء ؟!
أم أنها تخدع نفسها ؟!
وأنها هي ..هي عنده "اللاشيء"؟!!

أفكارها تنقطع بشعورها بأنامله تداعب خصلات شعرها فيزداد تشنج جسدها بين ذراعيه وهي تتحاشى النظر نحوه ..
لكنها تنتقل ببصرها نحو ابنتها لتجده يداعب شعرها هي الأخرى بذراعه الآخر !!
فتلعن نفسها وهي تشعر من جديد بالذنب!!
لو كان صادقاً حقاً فيما يفعله فكيف تجزيه عنه بخيانة ولو بأفكارها ؟!
لو ...؟!
ألازالت تسأل؟!
نعم ..ولا تزال لا تعرف الجواب!!

جسدها يسترخي رغماً عنها مع حركة أنامله المداعبة لمنابت شعرها ليستقر رأسها تماماً على صدره دون تشنج ..
وما كاد يشعر هو بهذا حتى طافت بشفتيه ابتسامة راضية وهو يزيد من قوة ضمته للاثنتين بين ذراعيه ..
لتفيق هي من تخبطها وتعود لها طبيعتها "الشوكية" فترفع رأسها نحوه هاتفة باستنكار :
_انت مش كنت ماسك الفشار بإيدك ؟! إزاي تحطها في شعر البنت كده ؟!

_ما احنا خلصنا الفشار من زمان ..ومسحنا إيدينا ب"وايبس" يا مامي !
تهتف بها ريما مدافعة وهي تتناول علبة "المناديل المبللة" من جوارها لترفعها في وجهها ..
بينما هتف هو وهو يناظر عينيها المشتتين بمزيج من إشفاق ومكر:
_الظاهر مامي كانت سرحانة ..
ثم مال عليها بغمزته الساحرة كالعادة هامساً:
_اللي واخد عقلك يا "عسل"!

ترمقه بنظرة ساخطة متشحة بخليط مشاعرها العجيب من امتنان وذنب ..
لكنه يتفهم كل هذا وهو يعود لمداعبة شعرها وتظاهره الفاشل بمتابعة الفيلم !

تعود هي الأخرى لتغرق في نفس الدوامة الخطيرة من جديد لتبتلعها لدقائق أخر ..
ناصر..ناصر من جديد !
يقولون إن زوجته انهارت تماماً وترفض رؤيته ..
هل يشعرها هذا ببعض الارتياح؟!
لماذا إذن لا تشعر بلذة الشماتة ؟!
بل بغصة كبيرة تخنق حلقها !!
لا تتمنى له عذاب فقد كالذي تعيشه ..
مهما كان جرحه ..صفحها سيغلبه !

من جديد تنقطع أفكارها وهي تسمع صوت شخير طفلتها الناعم فتدرك أنها استسلمت للنوم على نفس الصدر الذي يضمهما الآن معاً !!
ينتابها شعور غريب نحوه ينتزعها من "خيالاتها القسرية" لتراه ب"عين الحقيقة" أول رجل يراعيها وابنتها هكذا بعد أشرف ..
شعور زاده هو من سطوته وهي تحس بإنامله المداعبة لشعرها تنتقل بجرأة أكبر لتداعب بشرة كتفيها ..

جسدها يتحفز من جديد ل"معركة" لا تدري أين ستنتهي بها ..
ترفع إليه وجهها بعينين زائغتين من جديد ليتلقفه بشفتيه قبل عينيه !


لقاء شفاه قصير لكنه يزلزلها بهذا الشعور العاصف الذي لم تختبره من قبل ..
شعور بلا مسمى لكنه يجعل خلاياها تفور كأنما تغلي على مرجل !
شعور لذيذ ..لكنه يوترها ..
يوترها بهذا المزيج الذي لا تفهمه من نفسها بين استجابة ونفور !!

لهذا دفعته سريعاً بارتباك لتقول وهي تشيح بوجهها نحو الصغيرة :
_البنت نامت ..هوديها أوضتها .

تقولها لتنهض واقفة قبل أن تنحني لتحمل الصغيرة لكنه تحرك قائلاً :
_هاشيلها أنا .
يقولها ليقف وهو يحمل الصغيرة ليتحرك بها نحو غرفتها حيث وضعها على سريرها قبل أن يلتفت نحوها هي وقد لحقت به ..

_هنام معاها هنا ..هي متعودة تنام جنبي ..لو قلقت مالقتنيش هت..

كلماتها تتلعثم بما يشبه تخبط شعورها ..
ونظراتها الراجية تناقض ملامحها المتنمرة في مزيج لم يعد يدهشه ..
بل لا يبالغ لو زعم أنه صار يعشقه !!
يعشقه وهو مميز لها ..هي فحسب!!

لهذا داعب أنفها بسبابته مقاوماً ضيقه الطبيعي من طلبها ليهمس لها بغمزة كعهده :
_براحتك يا عسل!

ترمقه بنظرة تشكك ولا تصدق أنه سيتركها لحالها ها هنا لكنها وجدته يتحرك ليغادر الغرفة فعلاً ..


_يا ... !..يا باشمهندس!

نداؤها "الغريب" يستوقفه ليبتسم مكانه قبل أن يلتفت نحوها فيجدها محمرة الوجه خجلة ..
_يا عيون "الباشمهندس"!

يقولها بنبرة هزلية مبالغة وهو يكتف ساعديه لتعقد حاجبيها وهي تلوح بذراعيها قائلة بخشونة ظللت اعتذارها :
_لسه ماخدتش على إني أناديك باسمك .

خشونتها تحفزه للمزيد من استفزازها اللذيذ فيتقدم نحوها ليقول بنفس النبرة :
_قوليلي يا "سلمونتي"!

يقولها محاكياً مشهداً شهيراً لأحد المسلسلات القديمة فتكتم ابتسامتها بصعوبة وهي تتخيله بصورة "العمدة" صلاح السعدني !!

"شبه ابتسامتها" هذه يستقبلها هو بضحكة
عالية ليقترب منها أكثر ثم يحيط كتفيها بقبضتيه وعيناه الحنونتان تناقضان عبث كلماته :
_اؤمرني يا "عسل"!

تدمع عيناها دونما سبب وهي تحاول الحفاظ على تواصلهما البصري للحظات قبل أن تفقد تماسكها لتطرق بوجهها قائلة بخفوت :
_انت ..اتجوزتني ليه ؟!
_تاني؟!
يسألها بمزيج من تفهم وإشفاق لترد بنبرة عاد إليها تنمرها العصبي:
_هتستعبط ؟! وانت كنت جاوبت أولاني؟!

_عشان أكفر ذنوبي وأقابل ربنا وأنا نضيف !
يقولها مشاكساً وهو يمسد صدره بحركة دائرية لتلكزه في كتفه قائلة بحنق :
_كل حاجة عندك تقلبها هزار ؟!
_ماهو كلامي الجد بيوترك !
يغمزها بها بعبث لتزفر بسخط حقيقي وهي تشيح بوجهها شاعرة بالمزيد من التخبط ..
لكنه يمسك ذقنها ليقرب وجهها نحوه ..ثم يعود ليطوق كتفيها بقبضتيه ..
يصمت للحظات مرت عليهما طويلة ..حميمية ..دافئة ..
ثم يهمس لها بنعومة آسرة :
_اتجوزتك عشان تحبيني ..

عيناها تتسعان بصدمة من جواب لم تتوقعه ..
ليقترب هو بوجهه أكثر حتى يكاد يلاصق وجهها :


_عارفة يعني إيه ست زيك تحبني ؟! يعني أعيش العمر كله مطمن إني مسنود ..لو وقعت
هلاقي إيديها بتشدني ..بتوقفني تاني ..ست زيك يعني دفا ..أمان..حنيّة يمكن ماتبانش في الكلام بس بتتغرس في القلب غرس ..ست زيك يعني الدنيا كلها !

جسدها يرتجف بين قبضتيه بقوة لا تملكها وكلماته -على حرارتها- لا تصل لقلبها !!
لم تعد تدري هل تصدقه أم تكذبه فقد كانت هائمة في وادٍ آخر ..
ناصر!
هذه هي -بالضبط - الكلمات التي تمنت سماعها منه !!


_مش انتِ اللي عايزاني أتكلم جد ؟!
تشعر بهمساته تنتهي عند حدود شفتيها فتغمض عينيها مستسلمة لغزو تخافه ..وتشتهيه !!


تخافه بعمر أيام قضتها تنفر من لمسات "رجل "..
وتشتهيه بعمر أيام قضتها تنتقص من قدر نفسها ك"أنثى"!
مزيج غريب لكن مشاعرها الآن كلها تبدو لها غريبة ..متخبطة ..
والخطير حقاً في هذه اللحظة أنها لم تكن تراه هو !!

تارة تراه في صورة "زوجها السابق" فيتقلص جسدها نفوراً ..
وتارة تراه في صورة أخرى تجعلها تكاد تذوب ..بل تشتعل استجابة ..
صورة ناصر!!

شهقة عنيفة تطلقها عالية وهي تدفعه عنها أخيراً ببعض العنف لتسيل دموعها كالسيل على وجنتيها ..
أي جحيم هذا الذي ورطت نفسها فيه ؟!!
تكون بين ذراعي رجل وتفكر بآخر !!!!
إنها لم تفعلها مع زوجها السابق ..
فلماذا تفعلها الآن معه هو ؟!

بينما كان يرمقها هو بنظرة متفهمة لم تخلُ من إشفاق ..
لا تزال دموعها بين ذراعيه حاجزاً يود لو يتخطاه ..
يعلم أنه وقتها فقط يمكنه أن يرغب منها
بالمزيد ..
لو كان أحدهم قد أخبره من قبل أنه سيصبر على امرأة كما يصبر عليها لاتهمه بالجنون ..
لكنه يجد نفسه يفعلها طوعاً ..وقسراً !!
لأجلها ..ولأجل نفسه !!

لهذا زفر زفرة قصيرة وهو يمسح دموعها بأنامله صامتاً مكتفياً بنظراته المؤازرة التي لم تكن تدري هل تربت عليها ..
أم تلسعها بالمزيد من سياط الذنب !!

_طيب ..أنا هاوريكي عرض أكتافي ..بس عايز أسمع اسمي منك الأول ..مش معقول هتفضلي تناديني يا باشمهندس .

يقولها مشاكساً بمناورة لترد بصوت مختنق وهي تتحاشى نظراته :
_مش وقته دلوقت ..هاندهك ليه ما انت قدامي ؟!
_يا ساتر!

يقولها رغماً عنه ضاحكاً من فظاظتها قبل أن يميل على خدها ب"عضّة" خفيفة مفاجئة مردفاً:
_أموت في التين الشوكي !

تأوهت بخفوت وهي ترمقه بنظرة مغتاظة غلبت ألم ملامحها ليبتسم وهو يغمزها بينما يبتعد بقوله :
_تصبح على خير يا "شرِس" !

تتابعه بنظراتها بتوجس حتى يختفي عن ناظريها فتتنهد أخيراً وهي تشعر ببعض
الارتياح ..
ورطة !!

ورطة جلبتها لنفسها وتزداد خطورتها يوماً بعد يوم !!
======
استيقظت من نومها لتفتح عينيها فتجد الفراش خالياً من ريما ..
لابد أنها ذهبت إليه !
لم تعد تنتظر استيقاظها هي أو حتى توقظها بنفسها بيديها الصغيرتين فوق وجنتها ..
بل صارت تهرع فور إفاقتها من نومها إليه هو!!
هل تشعر بالغيرة منه على طفلتها ؟!
ربما ..
وربما تخشى أكثر أن يزداد تعلق الصغيرة به ..فيخذلها ..يخذلهما معاً!!

تنفض عنها الغطاء بسرعة لتصطدم عيناها بساقيها العاريتين في سروال منامتها القصير ورغماً عنها تتذكر عبارته الوقحة بالأمس ..

_البناطيل دي تلبسها الستات اللي رجليها وحشة فبتخبيها ..

عبارته التي قاطعتها هي ..ترى لو لم تفعل هل كان سيغازلها هو ؟!
هل يراها حقاً جميلة ؟!
تعض شفتها بارتباك وهي تعجز لأول مرة عن فهم تناقضات نفسها ..
هي لا تريده ..لكنها تريد سماع كلماته ..
هي لا تحبه ..لكنها تحب ما يفعله لها ..
هي لا تنجذب له ب"قلب" لا يزال لا يعترف إلا بمعشوق واحد خذله ..
لكنها تنجذب له ب"جسد" هو أول من يجيد فك شفراته !

هي إذن لا تراه هو ..إنما تحب رؤية نفسها من
خلاله !!

زفرة يائسة تغادر حلقها وهي تقف مكانها لتتوجه نحو الحمام القريب ثم إلى مرآتها ..
تعلم أن شعرها الجميل وجسدها المغري هما أفضل ما تملكه امرأة عادية الملامح مثلها ..
ربما لهذا اهتمت كثيراً بتصفيف شعرها لتعقصه كعهدها خلف ظهرها ..
قبل أن تغير رأيها في آخر لحظة لتسدله على كتفيها حراً ..دون أن تفكر في السبب !

تتحرك نحو المطبخ القريب لتجده واقفاً جوار ريما التي تلاحقه بثرثرتها فلا يتذمر ..
بل يضاحكها مشاكساً تارة وينصحها خفية تارة ..
والصغيرة في الحالتين تستجيب له بأكثر مما تفعل معها هي !!
الصغيرة كانت فعلاً تحتاج أباً ..
أباً مثله هو !!


_صحيتي يا مامي ؟! شفتي المفاجأة ؟!
تهتف بها ريما بحماس وهي تهرع إليها بينما تحمل أحد الأطباق بين كفيها :
_بابا خلاني أساعده في الفطار ..قشرت البيض ..وحطيت الكاتشاب على البطاطس لوحدي ..وصبيت العصير من الدورق وما وقعش غير شوية صغيرين ..شوفي ..

تقولها ريما بفرحة من "إنجازاتها" الصغيرة وهي تشير للمائدة التي رصت عليها أطباق الطعام ..
فانحنت نشوى لتعانقها بحنان وهي تتحاشى النظر نحوه ..
هو الذي طافت نظراته فوقها بعاطفة حارة وهو يتذكر -أحلام يقظته -العابثة معها في فراشه الخالي منها بالأمس ..

_أحلام يقظة ! خلاص ده بقا آخرك يا بتاع البرقوق!!

يقولها لنفسه بحسرة ساخرة وعيناه تعاودان دورانهما المتفحص فوقها ليردف لنفسه بحسم :
_فشر! محتاجين بس ندوس بنزين شوية بس ما نقرصش قوي عشان ما تقفشش!

_صباح الخير !
تقولها نشوى بخشونة لم تتعمدها ملاحظة دوران نظراته فوقها كعادته ليرفع عينيه نحوها بغمزته الساحرة كعادته :
_صباح العسل يا عسل!

_علمني أعملها يا بابا ..إزاي بتقفل عين وتفتح التانية بسرعة كده ؟!

تهتف بها ريما بانبهار لترمقه نشوى بنظرة ساخطة جعلته يطلق ضحكة عالية ثم ينحني ليحمل الصغيرة فيقبل وجنتها ..
قبل أن يعاود غمزته بقوله :
_هاعلمهالك ..دي مامي بتحبها قوي !

_أنا لا بحبها ولا نيلة !
هتفت بها نشوى بسرعة أفقدتها التحكم في فظاظتها لكن الصغيرة هتفت بحماس وهي تقبل وجنة إسلام كأنها تصالحه :
_مش مهم ..ما تزعلش ..مامي مابتحبش حاجات كتير حلوة ..بس أنا بحبها قوي .

_حبيبتي انتِ !!
يهتف بها إسلام وهو يغرق وجه الصغيرة
بقبلاته قبل أن يرفعها بين ذراعيه ليدغدغ بطنها بأنفه فتنطلق ضحكات الصغيرة بين صرخاتها في مزيج رجّ نشوى رجاً !!


المزيد من الغيرة -اللا مفهومة- هاهنا !!
المزيد من الانجذاب -اللا مسمى- لهذا الكيان !!
والمزيد من التخبط بين مشاعر لم تتخيل أن تتطرف هكذا بين امتنان وغضب ..والكثير من الذنب!
الذنب؟!
نعم ..وكيف لا ؟!
وهي لا تزال تجد نفسها رغماً عنها تتمنى لو كان ناصر مكانه !!
وليت الأمر يقتصر على التمني ..بل إنها صارت تتخيله !!

أغمضت عينيها بقوة تقاوم الخاطر الأخير بضراوة قبل أن تعاود فتحهما لتراه يجلس الصغيرة فوق أحد كراسي المائدة ..
قبل أن يتحرك فيسحب لها هي كرسياً ..
تهم بشكره وهي تجلس لكنه يسحب الكرسي خفية بحركة من ساقه فتكاد هي تسقط لولا أن يتلقفها بين ذراعيه بخفة سريعة ..

_اسم الله عليك يا عسل!

قلبها يخفق بقوة وهي تحاول استعادة توازنها بينما تستدير بين ذراعيه لترفع عينيها إليه بنظرة غاضبة فيستقبلها بحاجبين متراقصين :

_مايصحش تقعي وأنا موجود ..دراعاتي أولى بيكي!

_مفيش فايدة ..كل ما تعمل حاجة عدلة أشكرك عليها تبوظها بتصرفاتك دي !!

تهتف بها بانفعال لترد ريما مدافعة بقوة:
_هو ما عملش حاجة يا مامي ..الكرسي اللي اتزحلق لوحده .

دفاع الصغيرة يزيد سخطها فتدفعه ببعض العنف وتجلس مكانها فيغيظها بضحكة أخرى قبل أن يجلس بدوره ..
مشاكساته لها لا تتوقف طوال تناولهما للطعام ..
تماماً كضحكات ريما العالية التي بدت لها حيوية كما لم تكن من قبل !!

_ليلة الحنة بتاعة أختي لجين بكرة ..جبت لكم فستانين هيعجبوكم قوي !

يقولها لتصفق ريما بحماس طفولي فيما تتغضن ملامحها هي لتهتف به بانفعال مبالغ فيه :
_وتجيبلنا ليه من غير ما تاخد رأيي؟! مش هتبطل تفرض ذوقك عليا ؟! أنا مابحبش حد يتحكم فيا !

وصل انفعالها حد الصراخ العصبي في عبارتها
الأخيرة ليسود الوجوم للحظة قبل أن يلتفت إسلام نحو ريما قائلاً بحسمه الحنون :
_روحي أوضتك يا ريما واقفلي عليكي لغاية ما أناديلك .
_هتتخانقوا ؟!


تسأله الصغيرة بقلق ليرد بإشارة بالنفي صحبتها ابتسامة ..
ثم غمزة لها جعلتها تحاول تقليده بمحاولة فاشلة قبل أن ترفع له إبهامها بعلامة
الاستحسان ..
لتقفز من على مقعدها ثم تتوجه نحو نشوى فتقبل وجنتها قائلة برجاء:
_عشان خاطري ماتزعليهوش ..انا بحبه قوي .

يشتعل وجهها بغضب ممتزج بالغيرة وهذا المزيج المتصارع من مشاعرها ..
فيطرق برأسه متفهماً هذه الدوامة التي تجاهد للخلاص منها ..
يعرف جيداً أن أمخاخ النساء تختلف عن الرجال !


المرأة تسوقها عاطفتها ..يدور حولها عالمها كنواة ..فيما تبقى عاطفة الرجل مجرد "عاصمة"على خريطة تعجّ بالمدن !!

لهذا يرفع عينيه إليها عقب انصراف الصغيرة ليمد أنامله نحو كفها على المنضدة فيحتضنه برفق ..
تلتفت نحوه بحدة هدأتها نظراته الحنون التي ناسبت قوله الهادئ:
_أنا ما بفرضش ذوقي عليكِ ..أنا بس عايزك تحسي إني فعلاً مهتم بيكي وبريما .

عبارته كانت حسنة النية تماماً لكن "جرحها الطازج" يجعلها تتحسس "بطحة رأسها" فتهتف بصوت من على وشك البكاء:


_"عايز تحسسني إنك مهتم بيا"؟! قصدك إيه ؟! هه؟! إني مش لاقية حد يحسسني بكده ؟! إني ناقصة اهتمام..مجروحة ..غلبانة ؟! بتعايرني ؟! قلها بصراحة ..أنا من ليلة الفرح وأنا مستنياك ..

يرفع أنامله الحرة نحو شفتيها مقاطعاً بينما كفه الآخر يضغط أناملها في راحته ليرمقها بنظرة عاتبة امتزجت بحنان عينيه الدافق تاركاً لدموعها حرية الانطلاق ..
يعلم أنها تحتاج المزيد من الوقت لكنه ليس متعجلاً ..
هو اختار طريقه معها وسيكمله !

لهذا صبر لبضعة دقائق حتى هدأت حدة بكائها ثم وقف ليشدها فيوقفها معه قائلاً:
_تعالي شوفيه ولو ماعجبكيش ..ننزل نشوف غيره !

أشاحت بوجهها دون رد ليجرّها جراً نحو غرفتهما ثم يفتح لها الخزانة فتمط شفتيها باستياء وهي تميز لونه ..

_روز! كل حاجة تجيبهالي روز ! من صغري ما بطيقش اللون ده !!
تهتف بها باستياء اعترفت لنفسها أنه مبالغ فيه فالثوب حقاً كان مبهراً ..
ليرفع هو حاجبيه هاتفاً بنبرته المشاكسة :
_فيه ست مابتحبش الروز !! ده انتِ معقدة بقا !!
كلماته تستفزها لتنزع كفها منه هاتفة بانفعال:
_معقدة ..ومكلكعة ..ومش نافعة ..عاجبك واللا مش عاجبك !
_عاجبني موت يا عسل!

يهمس بها بحاجبين متراقصين قبل أن يسرق من شفتيها قبلة خاطفة تجعلها تشهق مبتعدة بوجهها ليقهقه ضاحكاً قبل أن يميل على أذنها هامساً:
_لما بتتعصبي بتبقي رهيبة ..مابعرفش أمسك نفسي ..فاهدي بقا سيكا عشان بتهور وبترجعي تزعلي ..يا عسل!

والكلمة الأخيرة ترافقها "عضّة" خفيفة لطرف أذنها فترمقه بنظرة أكثر اشتعالاً ..إنما أقل سخطاً !

يبتسم وهو يحك ذقنه في وضع التفكير ليقول كأنما يحدث نفسه :
_طلعت ما بتحبش الروز ! مممم ..امال هاعمل إيه في الحاجات اللي موصي عليها دي ؟! دي تقريباً كلها روز ..بجامات وقمصان نوم ..و "بيبي دول" و..

تشهق بارتياع وهي تضع كفها على فمه مقاطعة وقد احمر وجهها مدركة ما سيتفوه به بعدها :
_بس ..بس ..هتقول إيه تاني ؟! انت إيه ؟! لسانك ده مفيش عليه كونترول خالص ؟!
_خالص!
يقولها بحاجبين متراقصين بعدما قبّل راحتها على شفتيه لتبعدها بعنف هاتفة :
_ماشفتش خمس دقايق تربية ؟!
_ولا دقيقة واحدة !
يكرر تراقص حاجبيه وهو يحتضن خصرها فجأة ليلصقها به فيرتجف جسدها مع تلاحق أنفاسها ..
خاصة وهو يقترب بوجهه منها هامساً بمكر:
_أكمل بقية الحاجات اللي موصي عليها بقا ؟!
_اخرس!
تهتف بها وهي تدفعه ببعض العنف ..
جسدها يستعذب هذا "الهجوم اللذيذ" الذي يمارسه ..لكنها تكره هذا !!
تكرهه وهو يقذفها وسط لهب الصراع من جديد ..
فتهرب منه بقناعها "الشوكي" كالعادة :
_وبعدين ليلة حنة إيه دي اللي أحضرها ؟! أنا ما أعرفش حد هناك !
_اعرفيهم ..دول إخواتي!
يقولها ببساطة وهو يهز كتفيه ليدهشها هذا
الاعتزاز الذي يتحدث به ..
فتدفعها عصبيتها للمزيد من الحماقات :
_مش دول ولاد حسين رجائي من الخدامة !



وجهه يحمر فجأة بغضب اشتعلت له ملامحه كلها ليرتجف جسدها كله وهي تجده يتحول في لحظة واحدة ..
يعقد حاجبيه بقوة وهو يكز على أسنانه لتختلج عضلة فكه بينما تنفر عروق جبينه ..
فتتراجع عنه خطوة وعيناها تتكدسان بالدموع من جديد مدركة فداحة ما قالته ..
لكنه يتركها ليغادر الغرفة مندفعاً نحو غرفة المعيشة المجاورة !

تقف مكانها مترددة لدقائق ودموعها تغرق وجهها بينما تعض شفتها بندم ..
لقد تمادت حقاً هذه المرة ..
لكن ..أليست هي الحقيقة ؟!
الحقيقة !!
تهز رأسها بإدراك وهي تتبين وجهاً جديداً في شخصيته لم تنتبه له من قبل ..
هو حقاً يعتز بأختيه هاتين رغم ظروفهم الغريبة ..
واحدٌ غيره ربما لم يكن ليكترث لهما أبداً !!
واحدٌ غيره ..إنما هو ..هو يبدو وكأن خلف واجهته العابثة هذه قلباً لا يعرف إلا الحب!

الخاطر الأخير يزيد ضيقها لسبب مبهم لا تفهمه فتزيحه عن ذهنها قسراً قبل أن تزفر بقوة لتمسح دموعها وهي تتحرك لتتوجه نحوه بخطوات متثاقلة ..
تجده جالساً على الأريكة يعطيها ظهره فتتردد في مواجهته لتقف مكانها خلفه قائلة بصوت مختنق:
_آسفة .

ملامحه تلين رويداً رويداً وهو يميز ذبذبات جسدها المتوترة خلفه ..
لكنه لم يلتفت نحوها متعمداً ليصله صوتها الحانق :
_ماكانش المفروض أقول كده ..عيب قوي إني أتكلم عنهم كده ..بس انت اللي بتستفزني وتخلليني غصب عني أتغابى عليك .

يشعر بها تقترب أكثر فتلتمع عيناه بفكرة جعلته يقلب في هاتفه ليستحضر أحد الفيديوهات المسجلة ..

_رد عليا ..أنا ما بكلمش نفسي ! أنا غلطانة إني جيت أعتذرلك و..

تقولها وهي تقترب أكثر فتتشح شفتاه بابتسامة ماكرة وهو يتظاهر بالانهماك فيما يفعله..

_انت بتتفرج على إيه ؟

تهتف بها بارتياع وهي تقطع حديثها فجأة وقد انتبهت لما يشاهده على هاتفه ..
امرأتين شبه عاريتين تعتلي إحداهما الأخرى!
فيرفع عينيه إليها مدركا مشاعرها من ملامحا المشتعلة كعهدها ..
ليجيبها ببراءة مصطنعة :
_ده ماتش ..رياضة !
_رياضة ؟! دي رياضة ؟!
تهتف بها باستنكار ساخط ليرد بنفس البراءة المصطنعة :
_مصارعة حريمي ..
ثم غمزها كعهده مردفا:
_بحب ال"wild cats".


احمر وجهها بما لا تدري غيرة أو خجلا لتعاود اختلاس نظرة للهاتف زادتها اشتعالا وهي تميز الصراع العنيف للمرأتين ..قبل أن تستدير حول
الأريكة تحاول انتزاعه منه هاتفة :
_سيب القرف اللي في ايدك ده و رد عليا ..أنا مش ..

لتنقطع عبارتها وهي تشهق بينما تجده يسحبها إليه فجأة فتسقط على صدره لتقابلها عيناه الخطيرتان جدا ..الآمنتان جداا جدااا ..

_هاسيبه بس بشرط ..
يقطع عبارته ببطء متعمد ونظراته تجول على
ملامحها بعبث :
_تلاعبيني زيهم !

_سهلة !
تهتف بها بغيظ وهي تحاول تسديد لكمة لوجهه أوقفها بضحكة عالية سبقت غمزته بقوله :
_مش كده يا "شرس" ..تعالي أعلمك .


يقولها لتجد نفسها فجأة تسقط على ظهرها على الأريكة بينما هو يشرف عليها بوجهه ولايزال محتجزاً كفها في قبضته ..
تحاول تسديد لكمة أخرى له بكفها الحر لكنه يتناوله كذلك في راحته ليثبت كفيها أعلى رأسها قبل أن يحتل عينيها بنظراته التي اجتاحتها بجنون وهي تدور عليها بافتتان واضح ..

قلبها يخفق بقوة وهي تتعجب قوته الجسدية هذه التي لا تبدو على بنيته الأقرب للنحافة ..
لكن ماذا فيه كما يبدو؟!
"كله" لا يبدو كما هو!!
هل هذا ابن حسين رجائي تاجر المخدرات الذي دمر أخاها ومصنعه ؟!
هل هو الرجل الذي رفضت يده الممتدة لأخيها منتظرة أي شبهة تبعده عن مصنعهما ؟!
هل هو العابث الذي يكاد يذيبها خجلاً من وقاحته ؟!
لماذا إذن تستصعب تصديق كل هذا الآن وهي ترى خلفه دوائر كثيرة ملتفة تجذبها لدوامتها ..

أفكارها تنقطع وهي تشعر به يقترب من شفتيها ببطء مثير فتغمض عينيها بترقب ..
هاهو ذا نفس الشعور من جديد يجذبها في دوامته !


خلاياها كلها تفور استجابة وهي تتلقى عطاياه بنهم بينما يستغل كل هو خبراته ليقذفها في وسط النار !
موجة تتلوها موجة وهي وسطها تحاول القفز كي لا تغرق ..
لكنها تعود فتستعذب هذا الغرق!!
لماذا يفعل بها هذا ؟!
لماذا لا يخلع عنها ملابسها لينال حاجته ثم يرميها خلفه كنفاية كما كان زوجها السابق يفعل ..
لماذا يبدو وكانه يصر أن يمنحها هذه اللذة حتي ولو رغما عنها ؟!
لماذا تشعر معه وكأنها واحدة أخرى ..
واحدة تتفتح براعم انوثتها معه وتحت شمسه هو..
تماماً ..كما ظنت نفسها ستكون مع "ناصر"!!
ناصر!
"عين خيالها" تستجلبه للصورة من جديد ..فتجد نفسها رغماً عنها في ذات الدوامة ..
تارة تراه بصورة زوجها السابق فتنفر مقاوِمة..وتارة تراه بصورة ناصر فتقبل راغبة ..
وبينهما تجاهد نفسها كي تفيق من كل هذا دون جدوى!!


اللذة المستحدثة تتحول لعذاب هي الأخرى ..
عذاب فضحته دموعها التي وقفت حائلاً بينهما مرة أخرى ..
فتشعر به يبتعد ليمسحها بأنامله هامساً بضيق عبر أنفاسه اللاهثة :
_برضه بتعيطي ؟!

ضيقه لم يحمل عتابه بقدر ما حمل تفهمه الذي ذبحها وهي تشعر بالمزيد من الذنب !!

فتعض شفتها بقوة وهي عاجزة عن الرد لكنه يحرر شفتها من أسنانها بأنامله هامساً بنبرة امتزج فيها العتب بالعبث :
_افتحي عينك يا جبانة .

تفتح عينيها ببطء متعجبة سرعة تحول لهجته بهذه الطريقة ..
لكنها فهمت من فيض نظراته ما يناقض هذا العبث الذي تزخ به كلماته ..
عيناهما تلتقيان بحديث طويل تقاسمت فيه القلوب جنون خفقاتها ..
قبل أن تشعر بأنفاسه اللاهثة تزداد سكينة مع هذه الابتسامة التي شقت شفتيه وملامحها تظللها كغيمة بين رعد ..ومطر !


_قلتلك حسين رجائي خط أحمر ماتعديهوش ..قولي أنا آسفة.
_ما انا قلت .
تهمس بها بصوت متحشرج ترد على عتابه الجاد وهي تحاول تحرير جسدها منه ..
لكنه يثبتها بثقل جسده مردفاً بين إصرار وعبث ..
_قوليها بنِفس!
_لا .
تقولها بعناد فيعيد تكبيل كفيها بقبضتيه جوار رأسها هامساً لها :
_حلووو ..نعيد بقا الماتش م الأول .
_لا لا لا ..آسفة ..أنا آسفة !

تقولها بسرعة فيضحك ضحكة عالية قبل أن يعود ليقترب بوجهه منها صامتاً للحظات ..
عيناه تطوقان ملامحها بهذا المزيج الذي يقذفها وسط تنّور إحساس لاهب ..

_لو مش عايزة تروحي مش هاغصبك ..بس حضورك وسط اخواتي مهم قوي عندي ..
يهمس بها أخيراً بجدية دون أن يغير وضعه لتغمض عينيها محاولة استجماع شجاعتها :
_مش هاقدر أواجه حد دلوقت ..أنا لسه في عيون الناس العروسة اللي عريسها هرب فدورت على واحد تاني في نفس الليلة ..عشان ما تطلعش بإيدها فاضية !

حاولت مزج عبارتها الأخيرة بالهزل لكنها خرجت رغماً عنها أكثر مرارة ..
فداعب جفنيها بأنفه ليجبرها على فتحهما قبل أن يغرس نظراته في عينيها ولايزال يكبل كفيها بكفيه :
_م الناحية دي اطمني ..محدش هيضايقك بكلمة أو حتى نظرة ..كلهم أهلي وحبايبي ..ومصدعهم بكلامي عنك ..هم حبوكي بعيوني قبل ما يشوفوكي ..

هزت رأسها بعدم اقتناع رغم أن كلماته لامست جدران قلبها التي لا تزال صلدة ..
فابتسم ليردف بمزيج من حنان وحزم:
_اتفقنا ماعدناش هنهرب ..صح؟!

رفعت إليه عينين زائغتين ليدرك قرب انتصاره ..والصمت يظللهما للحظات ..بدا فيها أنها اتخذت قرارها بعدم الهروب فعلاً ..
فاتسعت ابتسامته وهو يغمزها بقوله :
_يعني ما عادتش بتعصبك "اتفقنا"؟!


كتمت ابتسامتها بصعوبة وهي تشيح بوجهها ..
لتنتهز فرصة انشغاله فتحرر كفيها منه بسرعة وتحاول النهوض عنوة ..
لكنه عاد ليحيط كتفيها بقبضتيه معيداً إياها مكانها قبل أن ينحني فوقها بوجهه هامساً بعبث :
_على فين "يا خِطِر"؟! كل ده كلام جد ..
ثم يغمزها مردفاً :
_الحساب يا "عسل"!
=======






_حلو يا مامي ؟!

تسألها ريما وهي تدور حول نفسها بثوبها الفضي ذي التنورة الواسعة الذي جلبه لها إسلام ..
فتبتسم وهي ترى صغيرتها فاتنة حقاً ..
تتقدم نحوها لتعانقها بقوة هامسة :
_حلو قوي .
_وانتِ كمان ..فستانك جميل ..بابا بيعرف يختار !
_طبعاً .
يقولها إسلام خلفهما بمرحه المشاكس فتلتفت نحوه نشوى لتجد عينيه كالعادة تدوران عليها بهذه النظرات التي تثير ارتباكها ..

_ماله "الروز"؟! حلو ويجنن اهه !
يهمس بها في أذنها وأحد ذراعيه يستريح على خصرها بينما الآخر يداعب به شعر ريما التي هتفت به بمرح :
_هنسافر تاني ؟! بلد حلوة زي مارينا ؟!
_أحلى .
_فيها ناس أعرفهم ؟!
_فيها إخواتي ..هتحبيهم قوي ..ياقوت ولجين .
يقولها لتكرر الصغيرة اسميهما كأنها تحفظهما قبل أن تتنحنح نشوى لتقول لها بحزم :
_روحي أوضتك دلوقت يا ريما لغاية ما أندهلك .
_حاضر يا مامي
تقولها الصغيرة بطاعة تجدها هي غريبة قبل أن تتحرك لتغادر غرفتهما ..
لكنها توقفت فجأة ثم التفتت نحو نشوى محاولة تقليد غمزة إسلام بحركة فاشلة صاحبت قولها :
_تؤمر يا عسل .

قهقه إسلام ضاحكاً باستمتاع وهو يراقب الغيظ الذي أشعل ملامح نشوى وهي تصرف الصغيرة لغرفتها بعبارة عصبية ..
قبل أن تلتفت نحوه هو هاتفة بانفعال:
_عاجبك كده ؟! شايف تأثيرك ع البنت ؟!
_عقبال اللي في بالي ما يتأثر كده !

يغمزها بها بنبرة رخيمة وهو يقرص خدّيها الممتلئين ببعض القوة فتزيح كفيه عنه بعصبية ..
ليردف وهو يعاود تفحص شكلها بالثوب الوردي:
_هو ضيق في حتت معينة بس معلش ..هاظبط المقاس بعدين ..المشكلة إن "
"امكانياتك " دي ما بتتدراش ..العيب مش في الفستان .

وجهها يحمر من وقاحته كالعادة لكنها تتمالك نفسها لتشيح بوجهها فيما يستطرد هو بنبرة أكثر جدية :
_الحاجة ثمر أول مرة تشوفك ..عايزها تبصم
بالعشرة إن ذوقي حلو .

هنا التفتت هي نحوه باستغراب حقيقي لتصمت للحظات قبل أن تسأله :
_انت إزاي قادر تروح وتقابل الست اللي قتلت والدك ؟! بجد مش فاهماك ..حتى لو كان معاها حق ..بس إيه كمية البرود اللي تخليك متقبل الوضع كده ؟!

ملامحه تشتعل ككل مرة تاتي علي ذكر حسين ..لكنه يتحرك مبتعداٌ نحو النافذة ليضع كفيه في جيبي سرواله مكتفياً بصمته للحظات ..
فينقبض قلبها ببعض الندم حتى كادت تهم باعتذار ..
لكنه بادرها بقوله عبر ضحكة عصبية ولايزال شارداً عبر النافذة :
_برود ؟! هه ؟! صحيح !!

ضحكته العصبية هذه المرة تخزها وهي توقن أنها تحمل عكس ما تظهره ..
تجد خطواتها رغماً عنها تقترب منه ببطء لتراقب جانب وجهه الشارد عبر النافذة ..
بينما هو يردف بنبرته التي يجيد جدّها كما يجيد هزلها :

_فيه حاجات كتير ماينفعش نقبلها أو نرفضها ..بتتاخد على بعضها كده وبس ..


ثم يغمض عينيه لتختلج عضلة فكه لثوانٍ قبل أن يتبعها بقوله :
_الحاجة ثمر ما غلطتش ..يمكن لو كنت أنا نفسي مكانها كنت عملت زيها ..يمكن اللي خفف عني الصدمة شوية إني من زمان عرفت وشه التاني اللي في الضّلّ لما سمعت كلامه بالصدفة عن بنتين مخلفهم في السر م الخدامة ..وقتها اخترت أهرب ..سافرت وعملت لنفسي دنيا تانية والقدر اختار لي عيلة تانية تلهيني ..قبل ما أكتشف بقية حقيقته اللي كان مخبيها ..

الألم الساخر بين حروفه يطرق أبواب قلعتها بقوة لا تنكرها ..
تقترب أكثر حتى تكاد تلاصقه لكن يبقى لسانها معقوداً وهي تستمع للقصة من جانبه هو هذه المرة :


_من يوم ما مات نفسي أحلم بيه ..بس مابيحصلش أبداً ..نفسي أسمع منه وأسأله ..هو فعلاً كان بالبشاعة دي ؟! لحد دلوقت مش قادر أصدق ..مش قادر اربط الصورتين ببعض ..الأب المثالي وتاجر المخدرات !! هو دايما كان مشغول عننا ..بس لما بيبقي معانا كان بيعوضنا ..مااقدرش أقول أبداً إنه كان أب سيئ ..يمكن عشان كده هيثم بالذات كان صدمته كبيرة ..وهرب منها أنه ينسى ..بس أنا اخترت إني ماعدتش أهرب !

يفتح عينيه فجأة ولايزال شارداً عنها في الفراغ لتميز فيهما دموعاً محتبسة ..
ولأول مرة لا تجد في الدمع ضعفاً بل قوة !
قوة رهيبة شعرت بها وتعجبتها في شخصية تبدو في ظاهرها بكل هذا الهزل !!
تماماً كما هي أول مرة تشعر أنها تقترب من دواخله هكذا ..
تتعرف على "الانسان" الحقيقي خلف هذا القناع من المشاكسة والمرح و..الوقاحة !

لهذا لم تشعر بنفسها وأناملها ترتفع ببطء لتحطّ على كتفه للحظة قبل أن تشرع في التربيت عليه ..
يلتفت نحوها بدهشة التمعت في عينيه للحظات وهو يراها أول شارة حقيقية منها
بالاقتراب نحوه ..
ليجد عينيها تهربان منه سريعاً ..تماماً كأناملها التي سحبتها فجأة من على كتفه ..
لكنه يتلقفها بنفس السرعة ليضمها في راحته للحظات قبل أن يرفعها نحو شفتيه بقبلات رقيقة ناعمة ولايزال يطوق عينيها بنظراته ..
_شكراً .


يهمس بها بنظرة آسرة أرجفتها لتسحب كفها منه بشعور أقرب للخوف منه للفظاظة ..
فيبتسم وهو يشير ل"شامة" سوداء غريبة المنظر تحت أذنه مباشرة ..

_شايفة دي؟! الوحمة اللي شكلها وحش قوي دي؟!

عيناها تنتقلان بتوجس نحو ما يشير إليه ..لكنها لم تجدها قبيحة كما يصفها ..بل إنها وجدتها -بصورة ما - تثير خجلها و..ماهو أكثر!

_مرة وأنا صغير وبنلعب ع الشط قابلنا واحدة م اللي بتقرا البخت وتضرب الودَع ..قالت لي الوحمة اللي عندي دي إشارة إن بختي هيبقى حلو قوي مع الستات ..

يقولها بنبرة دافئة اخترقتها مع ابتسامته وهو يردف بغمزة :
_دلوقت بس صدقتها !

ترمقه بنظرة دهشة ولاتزال تشعر بصعوبة تصديق ما يقوله ..
فتنفرج شفتاها بنفس السؤال الذي تسأله كل مرة والجواب لا يمنحها ما يقنعها ..

_اتجوزتني ليه ؟!

فيهز رأسه قليلاً بقلة حيلة ..
ثم يحتكر ذقنها بأنامله فيقرب وجهها منه هامساً ببطء :


_ماعدتش هارد ع السؤال ده ..المرة الجاية هاسيبك انتِ تجاوبيه .
=======












تتأمل لجين شكلها في مرآة غرفتها بنظرات مبهورة ..
لا تكاد تصدق أنها ترى نفسها بهذه الروعة !
هل ينبع شعورنا بالجمال من أنفسنا حقاٌ ؟!
أم من "أحبة قلوبنا" الذين يسدلون حولنا ستائر عاطفتهم الملونة فتصبغنا بصبغتهم ؟!!

ثوبها الذي جلبه لها إسلام معه بمزيج من اللونين الفضي والوردي ناسب لون بشرتها بصورة مذهلة ..
خاصة مع لون وشاحها وزينتها التي برعت في وضعها غير شاعرة بالذنب مادام الاحتفال كله للنساء فحسب !

_حلوة قوي ..اوعدنا يارب!


الهتاف يرافقه صوت التقاط صورة فتلتفت للزاوية حيث هرعت إليها رابحة هاتفة بشقاوتها المعهودة :
_أنا لو منك أبعت الصورة دي للشيخ ..هتخلليه مايجيلوش نوم الليلة دي !

خبطتها في كتفها مع نظرة عاتبة لتضحك ياقوت التي تقدمت نحوهما لتختطف الهاتف من رابحة هاتفة بمشاكسة :
_الشيخ لو شافها كده هيقيم عليها الحد ..
ثم عادت تتأمل الصورة بحنان لتعود ببصرها نحو لجين قائلة بصوت هدجته عاطفته :
_الصورة حلوة قوي ..خزنيها عندك ووريهاله بكرة بعد الفرح ..الذكريات الحلوة دي خسارة تضيع !


صوتها يتحشرج بغصة تأثرها وهي تميل على شقيقتها لتحتضنها بقوة مردفة :
_مبروك يا أحلى عروسة ..مبروك !

تضمها لجين بقوة هي الأخرى شاعرة بفرحتها الحقيقية لتمتلئ عيناها بالدموع لكن رابحة تهتف بهما باستنكار:
_هتخلليها تعيط والماكياج يبوظ ..الستات بره مستنيين نطلع ..
ثم دارت حول نفسها مردفة بفخر:
_ده أنا هاخربها رقص الليلة دي .

_ربنا يهديكي يا مطيورة .
تقولها ثمر وهي تفتح باب الغرفة لتتقدم نحوهن فتهتف ياقوت وهي تراها لأول مرة "مكحلة العينين" :
_حاطة كحل يا ستي ؟!

ضحكة ثمر عبر أسنانها المكسورة تبدو لها الآن أكثر صفاء من أي مرة تفعلها ..
خاصة وهي تتقدم أكثر لتضم لجين لصدرها قائلة بحنان:
_لو مش هاتكحل في فرح الغالية هاتكحل امتى؟!

ثم رفعت كفها ب"المكحلة قديمة الطراز" في يدها نحو ياقوت لتردف :
_ما عملتهاش من يوم ما أشواق قابلت وجه كريم .

فتأثرت ملامح ياقوت بهذا الشعور الجارف الذي تملكها وهي تشعر بحلاوة شعور "العِوض" في
ملامح ثمر التي تحمل الآن راية الرضا كما لم تحمله من قبل ..
حتى طريقة نطقها ل"أشواق" لم تحمل الألم العاتب بخزيه القديم ..
إنما خرجت ناعمة محتسبة راضية !

_عروسة أخوكم دي منشيّة كده وشكلها جاية
بالعافية !
تهتف بها رابحة باستياء لتنهرها ثمر هاتفة :
_لسانك ده عايز يتقص منه حتة ..الست ماشفناش منها غير كل خير من ساعة ما جت ..واللا فاكرة الستات كلها مطيورة زيك !

تختم قولها بقرصة خفيفة لأذن الفتاة التي تأوهت بخفوت لتهتف:
_خلاص يا ستي ثمر ..هاخرس أهه ..أنا بس صعبان عليا إنه راح يتجوز واحدة متطلقة ومعاها بنت ..ما أنا كنت قدامه !

تنفجر ضحكاتهن جميعاً من حماقتها لتهتف بها ثمر وهي تمصمص شفتيها :
_مستعجلة على إيه يا بنت امبارح انتِ ؟! لكن هاقول إيه ؟! بنت أفكار !!
فتضحك رابحة هاتفة :
_باب النجار مخلع ..أمي مش عارفة تجيب لي عريس عليه القيمة كده ..
ثم تعلقت بذراع لجين هاتفة برجاء:
_مادام طلعتِ انتِ بالشيخ ..شوفيله حد من أصحابه كده واللا كده !!

عادت ضحكاتهن تدوي من جديد مع كلماتها قبل أن تهتف ثمر بعجلة :
_ياللا عشان الست حضرت الحنة بره .


يخرجن جميعاً للنسوة اللاتي ازدحمت بهن
صالة الدار ..
واللائي شرعن في ترديد بعض الأغاني الموروثة من التراث القديم بلكنتهن الريفية
الأصيلة ..
ينتظرن انتهاء المرأة من تزيين لجين بنقوش الحنّاء كي تفعل بهن المثل ..

وفي مكانها جلست نشوى تراقبهن بعينين خاويتين بعدما تفلتت ريما بين ذراعيها لتخترق الصفوف نحو المرأة تطلب منها تزيينها بالحناء مثلهن ..

_مش هتتحنّي يا بنتي؟!


صوت ثمر الحنون يخترق مسامعها فتلتفت نحوها بنظرة مشتتة مست قلبها لتبتسم لها وهي تربت على كتفها قبل أن تجلس جوارها قائلة :
_مبروك جوازك إن شاء الله ..إسلام شكله طيب ..كفاية إن ربنا بعته عوض لإخواته .

تقولها ثمر بصوتها المهيب الذي يمزج حنانها بحكمتها ..
كانت قد علمت من ياقوت تفاصيل زواجهما العجيبة ..لهذا كانت تتفهم هذه النظرة الزائغة في عيني نشوى ..

_الشيخ الشعراوي الله يرحمه كان ليه دعوة حلوة بحب أسمعها ..(اللهم يا مصوّب خطأ الدعاء بألا تجيب ولذلك تحمي من الضرّ من يدعو بالشر دعاءه بالخير )..ياما بنتمنى حاجات تأذينا وربنا بحكمته بيشيلها من قدامنا ..

تتسع عينا نشوى بذهول لوهلة وهي لا تتوقع سماع كلمات بهذا العمق من امرأة بسيطة كهذه ..
هذه الدعوة بالذات للشيخ الراحل كانت تسمعها في إذاعة القرآن الكريم من صغرها لكنها لم تشعر أنها تفهمها كما سمعتها من ثمر الآن ..

لكن هذا وحده لم يكن ما أثار دهشتها ..
بل وقع هذه الكلمات من هذه المرأة بالذات في روحها هي ..
ربما لو كانت سمعتها من سواها لتنمرت
ملامحها واحتمت بقناعها الشوكي متقبلة إياها بكونها إهانة أو شفقة ..
لكنها لم تصلها كهذا أو ذاك ..
بل شعرت ولسبب ما لم تفهمه ..أنها تكريم !!

هذا الذي أكدته كلمات المرأة الصالحة بعدها ..

_الطيبين ساعات قلبهم بيغلبهم ..فربنا بيختار لهم الطيب اللي يليق لهم حتى ولو عكس اللي رايدينه ..القلوب بتتقلّب وده طبعها ..بس قدر ربنا واحد ونافد ..ويابخت اللي يرضى باختيار ربه ..مسيره هيهديله قلبه !

تمتلئ عيناها بالدموع فتضمها ثمر لصدرها بحنان وهي تمسد على ظهرها قائلة :
_ربنا يهديلك قلبك يابنتي .

لم تشعر بحاجتها لهذه "الدعوة" كما تشعر بها
الآن !!
امرأة بوضعها لم يعد لها عدوّ سوى قلبها !!
قلبها الذي يبدو وكأنه خنجر غرس بين ضلوعها ليبقى العمر ينزف بجرح واحد ..
جرح اسمه ناصر !!

_قومي بقا اتبسطي مع الستات ..واللا مابتحبيش الحنة ؟!

تقولها ثمر بطيبة وهي تبعدها برفق لتبتسم لها نشوى ابتسامة مرتجفة وهي تقف لتتوجه نحو المرأة هناك ..
لم تكن تحب الشكل التقليدي للحناء على الكفين لكنها خجلت من الرفض أمام ثمر فطلبت من المرأة أن ترسم لها شكلاً حول أحد كاحليها مجاملة فهو لا يظهر من ثيابها على أي حال !

تراقب ريما التي انخرطت في الرقص مع النساء بحيوية فترتسم على شفتيها ابتسامة راضية ..
لم ترَ طفلتها سعيدة كما هي هذه الأيام ..
هل تكون من الإنصاف أن تعترف أنه حقاً قد لوّن حياة طفلتها الباهتة ؟!
طفلتها ..فقط ؟!

_ما شاالله ع الزينة ..رجلك مصبوبة صبّ .


تقولها المرأة بلكنتها الغريبة بعدما انتهت فتلتفت نحو ساقها لتتسع عيناها قليلاً وهي تميز النقش المميز الذي التف حول كاحلها بلون الحناء الذي منح بشرتها فتنة مميزة ..
ورغماً عنها تخيلت شكل ساقها كيف سيبدو في مناماتها المستحدثة قصيرة السراويل ..
ذاك "الوقح" لن يرحمها من تعليقاته ال...!!


لم تجد وصفاً مناسباً لهذه الحمرة التي احترقت به وجنتاها بخجل ..
لتنهر نفسها بسرعة عن التفكير في الأمر ..
ماذا تركت إذن للمراهقات العذراوات ؟!
لكن ..أليست هي عذراء؟!
ألا تستشعر هذا في كل مرة يمسها فيها بهذه الطريقة التي لم تختبرها من قبل ؟!


_حلوة قوي يا مامي ..فين بابا يشوف؟!
هتفت بها ريما مقاطعة أفكارها لتلتفت نحوها ببعض العنف قائلة :
_بابا بره مع الرجالة ..هنا ستات بس .


_طب خلاص قومي ارقصي معايا مادام كلهم ستات .

تهتف بها ريما برجاء وهي تجذبها من ذراعها لتنهرها ببضع كلمات..
لكن لجين اقتربت منها لتمسك ذراعها وتندفع بحركات راقصة وسط الحلقة من النساء اللائي بدأن في التصفيق لها ..
هنا ظهرت إحداهن ب"طبلة" قديمة الطراز لكنها بدت ماهرة تماماً في الدق عليها بلحن صاخب استفز جسد نشوى لتجد نفسها تستجيب للرقص ..
تغمض عينيها بقوة وتنعزل عن هذا العالم بأسره ..
تتخيل "مفتاحاً" تضعه في ثقب باب -لا تراه- لكنها تغلقه خلفها وتستند عليه شاعرة بالأمان ..

روحها تبكي ..تبكي بهذه الدموع غير المرئية ..
بينما جسدها يتراقص بمهارة لا تفتقدها هاهنا ..
قلبها يصرخ ..يصرخ بهذا الصمت الموجع الذي يفتت الحنايا ..
بينما ذراعاها يتمايلان حولها بما يبدو كدلال خادع ..
لماذا تفعل هذا ؟!
هل هو المزيد من التظاهر الزائف ؟!
أم هي رغبتها في حصاد المزيد من
"شارات الإعجاب" في العيون ؟!
وربما لا هذا ولا تلك إنما هي فقط صارت تسير مغيبة دون هدف ..خذلها عقلها مرة وخذلها قلبها مرات ..فما عادت تدري بمن تهتدي!



وفي مكانها كانت ياقوت تراقبها بعينين متفحصتين ..
رغم المرح "الظاهر" على الموقف لكنها كانت تستشعر هذا "الوجع" على ملامح نشوى مغمضة العينين ..
تشعر بالمزيد من الشفقة نحوها وترجو أن يكون إسلام يفهم حقاً أي حقل ألغام يوغل فيه ..
خطوة واحدة طائشة قد تطيح بهما معاً !!

ومع الخاطر الأخير تراودها فكرة ماكرة تجعلها تتناول هاتفها لتصور رقصة نشوى البارعة خلسة ..
قبل أن ترسل لإسلام على تطبيق "الواتس آب"..

_عندي ليك فيديو حكاية ..بس ..مش هابعته
إلا لو وافقت إني ألبس الفستان الفوسفوري .

تبتسم وهي تتذكر رد فعله عندما رأى ثوبها الذي قررت حضور حفل الزفاف به غداً وكيف كاد يلقيه من النافذة لولا أن أنقذته في اللحظة الأخيرة !

_على جثتي!
يرسلها لها مع "وجه غاضب" يليه "وجه يخرج لسانه"..
فالتمعت عيناها بنظرة متحدية لتعاود الكتابة ..

_ولو قلتلك فيديو لمراتك وهي بترقص..عليها حركات !
تكتم ضحكتها وهي تتمنى رؤية ملامحه في هذه اللحظة ..
لتصلها رسالته المكتوبة بعدها بسرعة ..

_ابعتي ..ابعتي ..
_اعتذر عن رأيك في الفستان .."مع وجه يكز على أسنانه"..
_هو كان ماله الفستان ؟! ده حتى مبهج ومشع ونعرف نلاقيكي لو النور قطع ..احنا آسفين يا فستان ..إياكش تولعي انتِ والفستان ..ابعتي الفيديو .

تجلجل ضحكتها عالية مع كلماته التي تكاد تسمعها بصدى لهفته قبل أن تضغط زر الإرسال ..
======






تتقلب لجين في الفراش الذي تشاركها إياه ثمر وياقوت هذه الليلة بعدما تركتا الغرفة الأخرى
لإسلام ونشوى يبيتان فيها ليلتهما هذه ..
تبتسم وهي تراقب ملامح ثمر النائمة وقد غشى الرضا محياها ..
فتبتسم بدورها وهي تتلفت نحو الجهة الأخرى لتقابلها عينا ياقوت المفتوحتين :
_مش جايلك نوم يا عروسة ؟!
_خايفة قوي يا توتة !
تهمس بها بخفوت وهي تضع كفها على صدرها الخافق بقوة ..
لتبتسم ياقوت وهي ترى هاتف لجين ينير معلناً عن وصول اتصال وقد جعلته على الوضع الصامت ..
فتهمس لها بمكر:


_اهه قلب الشيخ حس بيكي ومتصل يطمنك ..أخلع أنا بقا ع السطوح عشان ماابقاش عزول ..وانتِ اطلعي كلميه في الصالة .

يحمر وجه لجين بخجل وهي ترى شقيقتها تغادر الفراش بحرص كي لا توقظ ثمر ..
فيما تتناول هي هاتفها لتفتح الاتصال وتخرج نحو الصالة القريبة ..
قدماها تسحبانها -كما اعتادت - نحو غرفة الخزين السفلية ..
لكنها هاهنا فقط شعرت أنها ما عادت تناسب مقامها ..بل مقامه هو !
هي ما عادت تلك القديمة التي تجد موضعها في غرفة سفلية منبوذة ..
بل صارت -معه - تحب نفسها الجديدة التي تراها في عينيه ..

لهذا تحركت بثقة نحو نافذة الصالة تفتحها لتراقب "القمر" منها كما تفعل شقيقتها الآن فوق السطح ..

_كيف حالك ؟!
قلبها يرتج بداخلها مع صوته الرجولي الرقيق فتزداد وجنتاها احمراراً وهي لا تصدق أنها غداً تكون عروسه ..
حلاله !
سيمكنها السير جواره كتفاً بكتف ..معانقة كفه بكفها ..
ملاحقة نظراته في "عينين تعشقانها وتعشقهما" دون أن تشعر بحرج !

_كانت ليلة حلوة قوي ..عمري ما فرحت في حياتي زي النهارده .
تقولها بصوت متهدج يلامس قلبه فيود لو يخبرها كم يعشق صوتها هذا ..
لكنته المميزة ب"براءة نقية" تشبه نقاء روحها ..
لكنه يتحكم في نفسه إذ عاهد ربه أن يبدأ طريقهما من أوله دون تجاوزات ..
لم تبقَ إلا سويعات قليلة ويصير من حقه أن يهمس لها بكل ما أراد ..

صمته الطويل يثير ريبتها فتسأله بتوجس :
_انت زعلت ؟!
_لماذا ؟!
_يعني ..تكون مش حابب الهيصة اللي عملناها ..
لا تزال تقولها بتوجس من طبيعته الجادة المتحفظة فيفاجئها بضحكة قصيرة سبقت قوله الرقيق :


_لو لم تفرحي ليلة عرسك فمتى ستفعلين ؟! نحن نتقرب إلى الله بالفرح وشكر نعمته كما نتقرب إليه بالصبر على بلاياه ..مادام الأمر لا يحمل مخالفة شرعية فهنيئاً لقلب يستحق الفرح .

"هنيئاً لقلب يستحق الفرح"!!
حُلوة !
بل شديدة الحلاوة في أذنها وهي تسمعها منه بهذه العفوية ..وبهذا النقاء ..
ألا يعلم هذا الرجل ما الذي يفعله بها ببضع كلمات بسيطة ؟!
ماذا لو ترك طوفان غزله حراً ؟!
سيغرقها لا محالة !!

_وانت ..فرحان ؟!
بخجل ..وربما بخوف قديم تسأله ..
ليصمت قليلاً قبل أن يصلها رده :
_غداً ..أخبرك .

فتبتسم وهي تشرد ببصرها في القمر "المكتمل" أمامها لتقول ببعض المرح :
_الفستان زي ما حلمت بيه بالضبط من زمان ..ديله طويل قوي ..وابيض ..ابيض بجد مش بتاع اليومين دول العكر ده ..عشان تنطقه بدلتك السودة وانت ..

_لكنني لن أرتدي بدلة !
يقولها بحذر كارهاً أن يقطع حديثها ..فتتلعثم حروفها بارتباك:
_افتكرتك ..يعني ..الطبيعي ..
لكنه يتنهد بحرارة ليرد :
_أحب ارتداء الجلباب ..أعتبره جزءاً من "هويتي الجديدة" ..تماماً كما أعتز بحديثي
بالفصحى ..ربما يبدو هذا للبعض غريباً لكنني أحبه وأحب التمسك به ..هل يضايقك هذا ؟!

_لا ..زي ما تحب .
تقولها بتسامح حقيقي ليتردد قليلاً قبل أن يقول لها :
_لا تضعي أي عطر غداً على ثوب الزفاف .

_بس القاعتين منفصلين ..وهنبقى ستات بس ..
تقولها مدافعة وقد أساءت فهم مراده ..فيهيأ إليها أن حروفه تبتسم مع رده :
_تعلمين أنني أحب تركيب العطور ..ركبت لكِ عطراً خاصاً سأسميه باسمك ..أحب أن تكون لكِ دوماً رائحة خاصة بكِ في أنفي ..كما هي بقلبي ..

شعر أن الزمام بدأ يفلت منه بعبارته الأخيرة التي جعلت خفقات قلبها تتجاوز حد الجنون فأسرع بغلق الاتصال بقوله :
_نامي جيداً .

تتأمل الهاتف في يدها بعد إغلاقه الاتصال بابتسامة لم تلبث أن تحولت لضحكة قصيرة مشتعلة ..
عن أي نوم يتحدث الشيخ بعدما قاله ؟!
أي نوم ؟!
======




_ع السطح يا عريس !! ده أنا قلت بعد الفيديو هنحتاج قوات إنقاذ عشان نخرجكم م الأوضة .

تهتف بها "العفريتة العابثة" بداخلها وهي تميز وجود إسلام هناك مستنداً على سور السطح ..
ليترجمها لسانها لعبارة أقل وقاحة :
_سايب عروستك ليه في ليلة مفترجة زي دي ؟!

فالتفت نحوها بابتسامة شاحبة قبل أن يفرك شعره بأنامله وعيناه تفضحان مشاعره التي تفهمتها هي لتقترب منه مربتة على كتفه بقولها الجاد :
_أنا عارفة إن الوضع صعب ..ومش سهل أي راجل يقبله ..بس انت قبلت بالحكاية كده من أولها ..اعذرها ..مشاعرنا مش بزراير عشان نضغط واحد نحب ونضغط التاني ننسى .

أخذ نفساً عميقاً محاولاً السيطرة على
انفعالاته وهو يشيح بوجهه متمتماً بتأثر :
_شفتي وشها وهي بترقص كان عامل إزاي ؟!
_عشان كده بالضبط بعتلك الفيديو ..هي حالياً مش متزنة ..لسة مخبوطة على دماغها ..أنا نفسي استغربت لما قامت رقصت ..بس لما راقبتها حسيت إنها كانت بتصرخ من غير صوت ..كأنها عايزة تقول إنها بتعافر رغم كل شيئ ..
تقولها بإشفاق لتردف :
_انت اللي اخترت تبقى معاها في المرحلة دي ..استحملها ..صعب قوي قصة سنين تخلص في كام يوم .

أومأ برأسه موافقاً رغم شعور الغيرة الذي يعصف به ويحاول قمعه بكل الصور ..

ربما ما يصبّره نوعاً ما أنه يعلم أن حبها المزعوم هذا ليس أكثر من "فقاعة" مزيفة ولا ينقصها سوى مسّة إصبع كي تتلاشى من حولها ..
لكن من يملك حق "مسّة الإصبع" هذه ؟!
هي ..أم هو ؟!!

لهذا تعمد تغيير الموضوع بقوله وهو يلتفت نحوها قائلاً:
_طمنيني على لجين ..موضوع تعبها ده خلاص فعلاً ؟!
_الدكتورة بتاعتها طمنتني ما تقلقش ..ظهور عابد كمان دلوقت في حياتها جه في وقته
بالضبط عشان يعوضها اللي كان ناقصها ..
تقولها برضا لتردف بامتنان حقيقي :
_وانت وهيثم كمان ..ماتعرفش هي فرحانة بيكم أد إيه !

فابتسم ابتسامة شاحبة وهو يشعر بالذنب القديم من تأخره عنهما ثم عاد يتفحص ملامحها بدوره ليقول باهتمام حذر :
_وانتِ؟! ..أخبارك إيه مع "الراجل الغامض
بسلامته"؟!

تجمدت ملامحها للحظات وهي تتبين من يقصد بسؤاله لتتردد في البوح له ..
لكن ابتسامته الحنون شجعتها !
لا تدري كيف توطدت علاقتهما هكذا في هذه المدة القصيرة حتى صارت تعتبره صديقها لا أخاها فحسب ..
لكنها تعلمت أن العمر في المشاعر تحسبه المواقف لا الأيام !

وعمره هو بالذات معها في هذا الشأن ليس بقصير ..
لهذا تنهدت بحرارة لتطرق برأسها ثم تحكي له عن تطورات أمر زين الأخيرة ..
بل إنها حكت له ما لم تحكِه لثمر عن "الياقوت والمرجان" ..
اسمها الذي اختار أن يكون نقطة انطلاقه نحو تكفير ذنوبه !!

كان يسمعها صابراً بتفهم محاولاً قراءة دواخلها واستكشاف ما تخفيه كلماتها حول زين هذا ..
ولما انتهت من حكايتها رفعت إليه عينيها بقولها :
_إيه رأيك ؟!
_في إيه ؟!



يقولها مشاكساً وهو يرفع أحد حاجبيه فلكزته في كتفه بقبضتها ليضحك ضحكة قصيرة وهو يحيط كتفها بذراعه ليضمها نحوه قائلاً بلهجة مفاوض خبير :
_طب نتفق اتفاق ..نفعيني وأنفعك ..
_عايز إيه يا مصلحجي؟!
تقولها بعتاب مرح ليغمزها قائلاً :
_واضح كده من غير لف ودوران إن الحلوة اتكعبلت والسنارة غمزت مع زين ده ..وأنا كأخ متفتح و"سبور" هاساعدك نسويه كده على نار هادية لحد ما ييجي هنا يطلب إيدك من الحاجة ..

كلماته على هزلها تحيي بداخلها أملاً ظنته يوماً قد مات ..
لكنها تستشعر به يزداد توغلاً بروحها يوماً بعد يوم ..
بل إنها لا تبالغ لو زعمت أنها صارت تحيا لأجله !!

ومع هذا رفعت أنفها وهي تزيح ذراعه عن كتفها ممازحة لتقول بكبرياء مصطنع :
_أنا مش واقعة قوي كده..بس ماشي ..طلباتك ؟!
فعاد يضحك ليجيبها ملوحاً بذراعيه بحركات تناسبت مع كلماته :
_عايزك تقوليلي مفاتيح "التين الشوكي" ..أعمل إيه ..عشان ..أقشره !

ضحكت رغماً عنها من تشبيهه لترفع له ظاهر كفها بإباء كي يقبّله..
لكنه خبطه بأنامله بخفة لتعاود ضحكها للحظات قبل أن تلوح بسبابتها في وجهه قائلة :
_وتسمع الكلام ؟!
_أسمع يا أبلة فضيلة !
يقولها بتهذيب مصطنع لتشد أذنه بخفة فيتأوه بمبالغة هاتفاً:
_بنت ..عيب ..أخوكي الكبير !!
فتضحك من جديد للحظات قبل أن يستعيد وجهها جديته لتقول :
_اتفقنا ..هاقوللك !
======









يدخل الغرفة التي تركتها له ثمر كي يبيت فيها مع ريما ونشوى..
نشوى التي رمق وجهها النائم بنظرة حرص أن تكون عابرة كي لا يفقد زمام سيطرته بعد "الفيديو المهلك" الذي رآه ..
لكنه ما كاد يغلق الباب خلفه ليتقدم نحوهما وهما نائمتان حتى اشتعلت عيناه وهو يميز ذاك الرسم المذهل للحناء على كاحلها ..
والذي بدا له ك"خلخال" يكاد يسمع صوته في رقصة صاغها خياله وهو يستعيد مشاهدها التي رآها وجسدها المغري يمارس أقصى سلطاته في الإغواء!

لهذا بالضبط تعمد ألا يقضي ليلته هنا !
لأول مرة يخشى أن يفقد حدود سيطرته معها خاصة بعد نصائح ياقوت ..

لهذا أشاح بوجهه مرغماً وهو يحاول البحث عن أريكة يستلقي عليها ..
لكنها تقلبت في نومها مع أنين خافت لتغير وضع ساقها في إغواء لم تتعمده ..
هنا وجد نفسه يتحرك كالمسحور نحوها ليجلس على طرف الفراش ..
قبل أن يتلمس كاحلها بأنامله في موضع زينته ثم يرفعه ببطء نحو شفتيه !

شهقتها المجفلة تشق سمعه وهي تستيقظ من نومها فجأة لكنه لم يغير وضعه بل بقي يطبع آثاره على بشرة ساقها وعيناه مسلطتان على عينيها ..
عينيها اللتين اتسعتا بذهول وهي تميز ما يفعله ..
يقبل كاحلها !!

خلاياها كلها تشتعل وهي ترى خيط قبلاته يستمر في طريقه المهلك على طول جسدها حتى يصل إلى ..ذقنها ..وجنتها ..ثم أعلى رأسها !!
هذه الأخيرة التي زلزلت جسدها كما لم تفعل
الأخريات !!
لم تتصور يوماً أن تحدث بها "قبلة رأس" هذا
الأثر!!
تشهق شهقة أخرى ثم تنخرط فجأة في بكاء لم تعلم سببه ..
بل تعلم!!
لا تزال كلمة السر هنا هي .."التقدير"!!
التقدير الذي لا تدري هل هو حقيقي هاهنا ..أم أنها فقط -من فرط ما تمنته- تتوهمه ؟!!



تشعر بذراعيه يندسان تحتها ليرفعا جسدها نحوه فيضمها بقوة حانية لتزداد كثافة دموعها التي لم يكن هو في حاجة للسؤال عن سببها ..
لكنها تبقى كعهدها حائلاً بينهما !!
يصمت للحظات محترماً مشاعرها ومكتفياً بلذة شعوره بها بين ذراعيه ..
قبل أن يبتعد عنها برأسه ليمسح دموعها بأنامله ويجعلها تتوه من جديد في عمق نظراته ..
وكعادته يستخدم مشاكسته دوماً لانتزاعها من هذا الحال ..

_أول مرة أشوف واحدة بترقص من غير ما تبتسم ..وكمان مغمضة عينيها !

_انت شفتني؟!

هتفت بها مع شهقة عنيفة لتدفعه بعيداً عنها بعنف قبل أن تنهض من رقدتها لتقف معطية إياه ظهرها وكأنها بهذا ستهرب من خجلها ..!!

فضحك ضحكة قصيرة وهو يقف بدوره ليحيط خصرها بكفيه من الخلف هامساً في أذنها :
_بس بصراحة الفستان كان مبوظ الرقصة ..
ثم أدارها نحوه ليغمزها مردفاً بمكر :
_اللي زيك المفروض ترقص ..

_بس ..بس ..انت مصيبة !
تهتف بها وهي تضع أناملها على شفتيه مقاطعة عبارته التي كانت واثقة من تكملتها الوقحة ..
لكنه قبّل راحتها على شفتيه كعهده كلما فعلتها فيجبرها أن تبعد كفها عنه ثم يعاود مشاكسته العابثة :

_وكمان شغل الطبلة والدف ده مش واكل معاكي ..انتِ عايزة مهرجانات ..
كزت على أسنانها بمزيج من غيظ وخجل ليتراقص حاجباه وهو يردف:
_سيب لي انت نفسك بس يا عسل ..انت عندك استعداد للانحراف وأنا مقدر امكانياتك وهاوجهك!

_اخرس ..اخرس خالص ..مش ممكن ..أنا في حياتي ما شفتش كده !

تغمغم بها وهي تحيط وجهها بكفيها فتجلجل ضحكته في أذنيها ..
قبل أن تشعر بقبضتيه على خصرها تزدادان ضراوة وهو يعاود تقريبها نحوه حتى يكاد يلصقها به ..

يضطرب جسدها بذات الشعور اللذيذ الذي يقذفها في الدوامة إياها ..
خاصة وهمساته تصلها هذه المرة جادة ..دافئة ..بل مشتعلة :
_عارفة أنا شفت في حياتي كام ست بترقص ؟! مفيش واحدة أثرت فيا زيك .

ورغماً عنها تجد نفسها تزيح كفيها عن وجهها ببطء لتنظر إليه بتشتت ..
هذا -بالضبط- ما تمنت سماعه ..ليس منه هو ..
بل من ناصر!

الخاطر الأخير يجعلها تلعن نفسها وهي تشعر
بالمزيد من سياط الذنب تجلدها ..


فتزيح قبضتيه عنها بعنف لتعاود إعطاءه ظهرها وهي تزيح خصلات شعرها للوراء ..
وليتها كانت تستطيع فعل المثل بمشاعرها ..
وأفكارها !!

_شكراً ..
يهمس بها من جديد فتعاود التفاتها الحذر نحوه بتساؤل ليردف بابتسامة واسعة :
_عشان لبستِ الفستان "الروز" وما كسرتيش بخاطري !
_ما كانش فيه وقت أصلاً أشتري واحد تاني .
تهتف بها بسرعة وبفظاظة لم تتعمدها كأنها تهرب من تهمة يسوقها إليها ..
فيضحك وهو يقتنص من خدها قبلة تنتهي ب"عضّة" كعهده قبل أن يغمزها بقوله :
_برضه متشكرين يا عسل!

يقولها ثم يتثاءب رغماً عنه وهو يتحرك مبتعداً عنها نحو الفراش الذي استقرت فوقه ريما النائمة هاتفاً :
_هالحق أخطف لي ساعتين نوم ..منه لله بقا اللي طير النوم من عيني امبارح ..

يتراقص حاجباه مع عبارته الأخيرة فتتغضن
ملامحها بحركة استهجان تجعله يرغب في أن يستفزها أكثر فاستلقى على الفراش يدندن :
_كعب الغزال يا متحني بدم الغزال ..

_اخرس ..البنت نايمة !
تهتف بها بغيظ ..لكنه يهز رأسه مستمراً في دندنته :
_ما تبطل تمشي بحنية ..لا يقوم زلزال ..زلزال ..زلزال ..زلزاااال ..آه !
تنقطع عبارته بتأوهه وهي تقذف أحد الوسائد في وجهه قبل أن تتحرك بسرعة لترتدي مئزرها وتتجه نحو الباب فيهتف من خلفها :
_خد أقوللك يا "شرِس" رايح فين ؟! لسه بقية الكوبليه هيعجبك قوي !

لكنها تخرج صافقة الباب خلفها ببعض العنف فيبتسم بجذل قبل أن يلتفت نحو ريما الغارقة في نومها فيهمس بخفوت وكأنما تسمعه :
_جامدة قوي مامي ! هه؟!

يقولها ليتنهد بحرارة وهو ينقلب على ظهره ليغمض عينيه محاولاً النوم لدقائق طالت ..
لكن مشاهدها تعود لتشعل مخيلته من جديد ..
فيزفر بقوة قبل أن ينهض من رقدته هاتفاً لنفسه بغيظ :

_مش باين لها نوم يا اخويا ..قوم اشطف وشك بشوية ماية ..وروح هات هيثم والعيلة عشان يحضروا الفرح .

و"العيلة" كان يقصد بها علاء وإيناس وسيف وغادة ..
هذه صارت حقاً عائلته الحقيقية ..
وفي مصادفة قدرية عجيبة يسمع صوت وصول رسالة لهاتفه فيجدها من جيلان كأنما قرأت أفكاره ..

_لما تفوق من الفرح اللي انت فيه هات مراتك وتعال ..عايزة أقابلها !

تتسع عيناه بدهشة لأول وهلة قبل أن ترتسم على شفتاه ابتسامة واسعة :

_بركاتك يا غزال ..الوالدة باشا شكلها هترضى علينا!
======












ألوان السماء في الغروب ..
طير يلاحق إخوته محلقين في طريق العودة ..
قرص الشمس الدائري يلوح لها بمودة وهو يتوارى خلف السحب ..
فتودعه عرائس الماء التي تلونت بلونه قبل أن يتعانقن سوياً ..
ورائحة خاصة لا يكاد يميزها سواها لهذا الشجن الذي يغزوها ..

كانت تقف في شرفة شقتها الواسعة المطلة على النيل تفتح ذراعيها كعهدها كلما أرادت احتضان مشهد جميل كهذا حرمت منه طويلاً ..
عيناها السوداوان تحلقان في الأفق الواسع حولها فتشعر أن الروح بداخلها كذلك تحلق في سماء بلا قضبان ..

تشم عطره خلفها فيبتسم القلب قبل الشفاه ..
تشعر بكفيه يعزفان على خصرها هذه الأنشودة التي هي بطول العمر ..
وبشفتيه تطوفان برحلة عذبة من كتفيها إلى عنقها ..ثم إلى وجنتها ..

_همسة !

يترنم باسمها كأنه يغنيه عن وصف اشتياقه ..
عن براهين عشقه ..
عن وعود غد ..واعتذارات أمس ..
فتستدير بين ذراعيه لتحيط عنقه بذراعيها ..
تملأ عينيها من ملامحه الحبيبة لتجري نظراتها سيلاً ينبت الزرع حيث حلّ ..
قبل أن تطبع شفتاها قبلتان عميقتان على وجنتيه ليستقر رأسها على صدره ..

_لسة بتخافي م الغروب؟!
يسألها هامساً وهو يضمها بحنوّ لترفع عينيها إليه دون أن تغير وضع رأسها على صدره :
_ماعدتش بخاف وأنا معاك .

تقولها وأناملها تتلمس طريق سكينتها فوق وجنته وعنقه ثم إلى صدره حيث موضع قلبه ..
خفقاته تدوي هادرة تحت أناملها فتدمع عيناها قبل أن تغمضهما بقوة متعمدة كأنما تستعيد لذة إحساسها به مغمضة العينين ..
أنفاسهما تتعانق ..تمتزج ..ثم تشتعل ..
شفتاها تنفرجان فيحلو اللقاء!



لحظات من العمر لا تشبه باقي ساعاته ..
هي بين ذراعيه وكفى ..
فليختفِ العالم ..كل العالم !

يبعدها أخيراً بعد بضع دقائق ليأخذ نفساً عميقاً يتمالك به نفسه قبل أن يحيط وجنتيها بأنامله هامساً:
_كل مرة بشوفك ببقى مستغرب إزاي قدرت أسيبك قبلها أو هاسيبك بعدها ..

يقولها بنبرة مشتعلة ..
وحدها من يمكنها تمزيق "قناعه المعدني" المعهود لتبث بداخله ناراً تنير ولا تحرق ..

فتبتسم ابتسامة كالسحر قبل أن تعود لتمرغ وجهها في صدره هامسة :
_عمرك ما سبتني يا رائد ..أنا في حضنك حتى وانت بعيد .

يتأوه بخفوت وهو يشدد من قوة ضمه لها ثم يزيح خصلات شعرها عن وجنتها لتحط شفتاه رحالها هناك للحظات ..
لكنها ترفع إليه عينيها بدلال عاتب :
_نسيت تجيبلي عقد الفل النهاردة ؟!

فيهز رأسه نفياً ليجيب :
_لما نرجع من المكان اللي هنروحه .

_فين ؟!
تسأله بترقب وهي تبتعد عنه بجسدها فيستخرج هاتفه من جيبه قبل أن تتلاعب به أنامله للحظات ..
قبل أن يرمقها بنظرة واعدة ..
الموسيقا الساحرة تداعب خلاياها بلذة حد
الألم ..
هذه الموسيقا بالذات تحمل لها شذى العمر البعيد ..

_عمر خيرت !

تهمس بها بشرود فيبتسم وهو يتنهد قائلاً:
_وعدتك زمان نحضر له حفلة سوا ..
يقولها ثم يستخرج من جيبه تذكرتين فتشهق بانبهار هاتفة :
_هنروح ..الأوبرا ؟!

يومئ برأسه في إيجاب لتطلق صيحة فرحة وهي تعاود التعلق بعنقه هاتفة :
_معقول ؟! أخيراً !! بس ..بس ..

فرحتها تتراجع مع هذا الخوف الذي عاد يلون نظراتها ..
الخوف الذي تفهمه هو مدركاً أنها لا تزال غير معتادة على التجمعات خاصة في أماكن مغلقة ..
لكنه -باستشارة ياقوت- كان يدرك ما يفعله ..

لهذا احتضن وجنتيها براحتيه ليقرب وجهها منه ..
يعانق نظراتها بحنان نظراته فينمحي هذا الخوف تدريجياً مع همسه الدافئ:
_انتِ عارفة بقالنا كام سنة بنحب المقطوعة دي بالذات ؟! متخيلة إحساسنا واحنا بنسمعها لايف ؟! واحنا سوا ؟! إيدك في إيدي قدام الناس كلها ..ومش خايفين ..

ثم يمس شفتيها بشفتيه مساً خفيفاً مؤكداً:
_مش خايفين يا همسة .

تأوهها الخافت يتوه بين شفتيه قبل أن يمسح بإبهامه دمعة فرت من طرف عينها ليسألها :
_مش قلتِ مش بتخافي وانتِ معايا ؟!

الخوف يستحيل لتردد ثم لسكينة ثم لقوة مستحدثة حلقت حول العينين البريئتين ..

وتلونت بها كلماتها :
_مش هخاف .

قلبه يطلق ضحكة غردت في أذنيها هي لتجزيه عنها بمثلها قبل أن تهز رأسها لتتمتم بين دهشة وفرح :
_التفاصيل الصغيرة دي ! معقول لسه فاكرها كده ؟!
فيغمض عينيه للحظة قبل أن تشعر بأنامله حول وجنتيها تزداد تملكاً وهو يعاود فتحهما هامساً :
_انتِ العمر اللي ما يتحسبش إلا بيكِ ..وكنت مستنيكي عشان أكمله .

حب الدنيا كله كان يترقرق الآن في عينيها وهي لا تجد رداً إلا أن تهمس باسمه ..
فتتلقفه شفتاه بكل المعاني ..

الدقائق التالية مرت بها كالحلم وهي تتحرك لتنتقي أفضل ثيابها ..
ذاك الذي بلون أسود لامع تناقض مع بياض بشرتها ليصنعا سوياً مزيجاً مدهشاً ..
عقدٌ ماسي تناسب بريقه مع "لمعة العشق" في عينيها ..
وحذاء بكعب عالٍ جداً لم تعد تخشى ارتداءه "كي لا تتعثر" ..
خطواتها واثقة ..معه ..وله ..وبه ..
تغادر شقتها "الآمنة" فلا تخاف ركوب "المصعد" مستأنسة بالدّرج كما اعتادت ..
بل إنها تتعمد فتح عينيها وهي تتأمل صورتها معه في مرآته ..
فلا ترى أربعة جدران ..
بل تميز فضاء شاسعاً برحابة الكون بين ذراعيه ..
تتأبط ذراعه وهي تسير جواره نحو سيارته ..
وما يكادان يصلان لوجهتهما حتى تتوقف قليلاً أمام صالة العرض ..
الوجوه الكثيرة الغريبة تثير بعض ارتباكها فيرتجف جسدها رغماً عنها ..
لكنه يربت على كفها الذي يتأبط ذراعه ليهمس في أذنها :
_ماتفكريش في حاجة ..أنا وانتِ وبس !

ترفع إليه عينين زائغتين للحظات وهي تلاحظ النظرات الفضولية للناس حولهما فيضخمها خيالها عنوة ..
لكنه يمد ذراعه الآخر فيطوق جسدها بدفء حانٍ يذيب ترددها لترتجف ابتسامتها وهي تتحرك معه نحو الداخل ..
رهبة عتيدة لا تملكها تجتاحها وهي تحاول اعتياد المكان لدقائق حيث جلسا في مكانيهما ..
قبل أن تبدأ الأوركسترا في العزف ..
قلبها يخفق واللحن يجتاحه فيعيد إليها النغم "قبساً قديماً من العمر "..
وجوارها يمسك بكفها "حبيب العمر" ..
فتتراقص الروح مستبشرة بما بقي من "العمر"..


أنامله تتشابك بأناملها وهو يغمض هو الآخر مستعيداً ذكرياتهما التي تضافرت مع اللحن الشجيّ ..
تشعر بإبهامه يداعب معصمها عند عروقها النابضة هناك ..
طالما عشقت منه هذه الحركة قديماً فكانت تهمس له أنه هناك..
في دمها !

لهذا التفتت نحوه بذاك الصمت الصارخ في العيون وهي ترفع أناملهما المتشابكة لتبتسم له بحب ..
قبل أن تعود لتغمض عينيها مستمتعة بهذا الدفء الذي أذاب جليد خوفها ..

_اتبسطتي ؟!

يهمس بها أخيراً وهو يقلها في سيارته عقب انتهاء العرض لتتحول ابتسامتها الحالمة لضحكة قصيرة وهي تسند رأسها على كتفه قائلة ببراءتها العذبة :
_سِحر !
ثم تتنهد لترفع عينيها إليه مردفة :
_بيتنا وحشني !
فيبتسم وهو يقبل جبينها بخفة هامساً :
_هانت ..أول ما زين يفوق هفاتحه في موضوع الفرح .

ابتسامته تنتقل منه إليها ليغزل الصمت بينهما ألف ثوب من عاطفة تفوق حدود العشق ..

_هاعدي عليكِ بكرة نروح فرح أخت ياقوت ..

يقولها لتزدان عيناها بالمزيد من الفرحة وهي ترفع رأسها عن كتفه مع هتافها :
_هاشوف "باربي" كمان .

تتسع ابتسامته وهو يميز لهفتها الفرحة على الرضيعة يمنى التي اختصتها هي باسم "باربي" هذا منذ واقعة اختطافهما ..
ليقول لها برقة :
_بحب أشوفك معاها ..بحس إنك رجعتِ فعلاً زي زمان .

تتنهد وهي تتأبط ذراعه بكلي ذراعيها لتعيد
الاستناد برأسها على كتفه هامسة :
_أنا مبسوطة قوي ..قوي يا رائد !
فمال برأسه على رأسها هامساً بصوت متهدج :
_عمري كله فدا لحظة زي دي يا حبيبتي .

وما كادت السيارة تتوقف بهما عند بيتها حتى فتح تابلوه السيارة ليستخرج منه عقد الفل الذي لفه حول معصمها ..
قبل أن تحيك لها شفتاه من قبلاته عقداً آخر ..
والقلوب تجدد وعداً بعد وعد ..
========









_شهد !
يهتف بها هيثم بدهشة وهو يراها واقفة تستند على سور السطح منكسة الرأس ..
ليفاجأ بها وقد خرج من غرفته ينتظر حضور
إسلام كي يذهبا معاً للعرس ..
تلتفت نحوه بعينين معذّبتين لم يفهم سرهما لترتجف ابتسامة شاحبة على شفتيها ..

_قلت أسلم عليك قبل ما ..تمشي !

الكلمة الأخيرة خرجت متحشرجة بمذاق الدموع لينعقد حاحباه وهو يقترب منها أكثر ليمسك كفها هامساً :
_وبتقوليها كده ليه كإني مش راجع تاني ؟!


كلماته تسكب المزيد من الدمع في مقلتيها لتشيح بوجهها دون رد ..
كيف ظنت أن الأمر سيكون بهذه السهولة ..
أن تبتعد عنه بعدما اقتربت إلى هذا الحد ؟!
أن تفقد مدارها حوله لتهوي كشهاب محترق ؟!

كيف تخبره أنها خائفة ..بل تكاد تموت خوفاً ..
اليوم سيقابل لجين ..وربما داليا ..
المزيد من الأبواب المغلقة سيفتح اليوم من جديد ..
ومن يدري ربما يكون بابها هو ما يغلق !!

_تحبي تستأذني مامتك وتيجي معايا ؟!



يقولها برقته المعهودة غافلاً عن سر هذا الحزن العجيب في عينيها ..
فتبتسم وهي تهز رأسها نفياً لتتصنع ضحكة مفتعلة ثم تعدل له وضع رابطة عنقه قائلة بمرح مصطنع :
_ابعتلي بس الصور .

لكنه يزفر بقوة وهو يضغط كفها في راحته
قائلاً بتشتت :
_مش عايز أروح ..مش حابب إحساسي إني أعمى وسط ناس كلها مفتحة .

_انت مش أعمى ..انت اللي رفضت تفتح عينيك عشان قلبك الطيب مش قابل الحقيقة ..روح يا هيثم ..يمكن لما تشوف وش تاني للحياة اللي رفضتها و تلاقي دافع إنك تقبلها ..وساعتها تفتح عينيك ..

تقولها بنفس الابتسامة الممزقة بين مشاعرها المتناقضة فتلتقي عيناهما في حديث طويل سبق قوله بابتسامة واهنة :
_بتتكلمي زي ياقوت .
_عشان عايزة مصلحتك زيها ..

تقولها ثم تسحب كفها منه لتنظر في ساعتها قائلة :
_هاسيبك أنا عشان ما أتأخرش ع المحل من أولها ..ما صدقت لقيت شغلانة سهلة ومرتبها حلو .

ظهر الضيق على ملامحه مع قوله :
_ضروري يعني حكاية الشغل دي؟!


_أنا بشتغل من زمان وجربت
حاجات كتير ..الشغل مش عيب بالعكس اتعلمت منه كتير..مش قصة فلوس ..احنا مستورين الحمد لله بس برضه الأمر ما يسلمش ..وبعدين فرصة الواحد يسلي نفسه في الأجازة .

ثرثرتها المعهودة تأتيه ممتزجة بمرارة لم يفهمها ..
ليسيئ تأويلها فيظنها فهمته يشير لتواضع
حالها مقارنة بمستواه المادي ..

_الشغل مش عيب طبعاً بس ..
يقولها مدافعاً ليردف بعد تردد قصير:
_خايف عليكي .

تغمض عينيها بقوة وجسدها يرتجف مع أثر كلماته عليها ..
هو صار غلالتها التي تقيها برد الدنيا دونه ..
ماذا عساها تصنع لو انتزعت منها لتبقى عارية وسط فضاء لا يرحم ؟!

_الآنسة شهد ما يتخافش عليها !

يلتفت كلاهما مع صوت إسلام الذي ظهر لتوه فتطرق شهد برأسها في خزي مدركة ما خلف عبارته ..
بينما يتوجه إسلام ببصره نحو هيثم قائلاً بمشاكسة :
_إيه الشياكة دي يا عمنا ؟! هتخطف الجو من العريس!

_ذوق شهد ..هي اللي اختارت البدلة .
يقولها هيثم باعتزاز وهو يعود ببصره نحوها ليبتسم إسلام بسخرية ماكرة :
_مش بقوللك الآنسة ما يتخافش عليها ..

لكنه يشعر بخزي الفتاة الحقيقي الذي تفضحه إطراقة رأسها ويتذكر حديث ياقوت عنها فيتنحنح ليقول وهو يتراجع بظهره :
_هاستناك تحت ما تتأخرش .

وما كاد يختفي عن ناظريهما حتى عاد هيثم ببصره نحو شهد ليقول بقلق:
_مش مستريح ..انتِ متأكدة إنك كويسة ؟!

_زي الفل يا ابني !

تهتف بها بمرح متكلف مغالبة حشرجة صوتها ببكاء ستؤجله لوحدة طويلة تنتظرها ..

لكنه يظل صامتاٌ يرقبها بنظراته فتدفعه برفق هاتفة بنفس النبرة :
_ياللا عشان ما تتأخرش على أخوك ..وأنا كمان ما أتأخرش على ماما .

فيتنهد بحرارة ليقول بحنانه الفطري:
_هاكلمك أول ما أوصل .
_وتصور لي العروسة والعريس .
بنفس المرح المتكلف تقولها ملوحة بسبابتها ليبتسم لها وهو يومئ برأسه فيما يشبه الوعد ..

هذه "الصورة" التي أغلقت عليها عينيها وهي تود لو تحتفظ بها للأبد ..
يعطيها ظهره ليتحرك مبتعداً فينقبض قلبها بوخزة قاسية ..
تستوقفه بندائها فيلتفت نحوها لتهرع إليه ثم تقف أمامه لتغرس نظراتها في عينيه هامسة :
_مهما حصل ..افتكر إني عمري ما حبيت ولا هاحب حد غيرك .

عيناه تتسعان للحظة والكلمات تصفعه ..
هو سمعها من قبل ..
أين ؟! متى ؟!

لهذا ارتعشت سبابته وهو يشير بها نحوها مغمغماً بنظرات زائغة :
_أنا فاكر ..انتِ ..انتِ قلتيلي الكلام ده قبل كده .
_فاكر!

وجهها يشحب بقوة مع كلمتها لتلتمع عيناه للحظات ..

فناء الكلية الواسع ..
عيناها الدامعتان ..
مهما حصل بيننا ..افتكر ..إني ما حبتش ولا هاحب حد غيرك ..
هروبها السريع بعدها ..
ثم ..
المطعم ..
عيناها الدامعتان من جديد ..
نظرتها المذنبة هذه المرة ..
مهما حصل بيننا ..افتكر ..إني ما حبتش ولا هاحب حد غيرك ..
وهروب جديد ..

باب زجاجي يحول بينهما ..
ثم ..
فراغ ..فراغ ..فراغ ..
ستار أسود يسدل على كل شيء!!


_هيثم ..فاكر ..فاكر إيه ؟!
ترددها بتلعثم انطفأت معه ملامحها ليعود إليها بحاجبين منعقدين ثم يزفر بقوة وهو يمسد رأسه هامساً بيأس:
_مش فاكر غير إني سمعتها منك قبل كده !

وأخيراً ترتخي ملامحها ببعض الارتياح لتتنفس الصعداء وهي تغتصب ابتسامة باهتة لتربت على كتفه هامسة :
_ما تستعجلش ..بكرة هتفتكر كل حاجة .

تقولها ب"ظاهر" عبارتها المواسي ..و"باطنها" الذي يحمل لها نهاية مؤكدة لا تحمل الجدل ..
بعض الحب خلق ليبقى مجرد سراب ملون ..نطارده وقت خلواتنا فنتلمس فيه براءة قديمة ..نسمعه في كل لحن شجيّ ..ونراه في نظرات سوانا من العاشقين ..نفتقده مع كل خيبة يلقيها في وجهنا العمر ..ونرسم به بسمة على شفاه تشققت بالألم .. لكننا نوقن أنه في النهاية لن يكون إلا ..سرابا..!
========






_الكوشة دي هديتي للعروسة ..عجبتك يا لوجي ؟!

تقولها ياسمين عصر يوم الزفاف وهي تشير ل"منصة العرس" التي صنعتها بنفسها لزوجة أخيها المنتظرة ..
كان يمكنها استئجار من يفعل هذا بفخامة أكبر لكنها فضلت مع شخصية لجين- التي فهمتها - شيئاً أكثر بساطة ..وحميمية !!

البالونات!!
كثير منها باللونين الفضي والأبيض رصتها
متلاصقة معاً على قائم خشبي بشكل "القلب" ..
مع كرسي العروس بنفس الشكل ..

_حلوة قوي !
تقولها لجين بتأثر وهي تتقدم نحوها لتعانقها ياسمين بقوة هاتفة :
_تستاهلي الأحلى ..عابد عرف يختار .

تقولها صادقة وهي تتبين فيها هذه الروح النقية التي تخترق القلوب دون استئذان ..
رغم البساطة الحقيقية التي تحيط بالمكان هنا في بيت ثمر لكنها تستشعر به دفئاً غريباً يشع من كل ركن فيه ..

_وصل وصل وصل ....!!وسع ل"الميكاب آرتيست" !
تهتف بها داليا بمرحها المعهود وهي تحمل حقيبة كبيرة من أدوات الزينة تقدمت بها نحوهما ..
لتهتف هانيا خلفهما بوجه بشوش :

_كان نفسي أعمل حاجة ..بس روح "بسطويسي" اللي جوايا مش مساعداني !

_اللي جواكي مش "بسطويسي" يا حبيبتي ..ده "جعفر" وبشنبات كمان !
تهتف بها رانيا وهي تضع كفها على كتف شقيقتها التي ضحكت لتلتفت نحوها هاتفة :
_جديدة جعفر دي ! هاقولها لرامز هيتبسط قوي !

ضحكت رانيا وهي تراقب داليا التي بدأت في تزيين العروس ..
ثم تحسست بطنها الذي انتفخ قليلاً لتهتف مخاطبة لجين :
_أنا في ظل ظروفي الحالية هاكتفي إني أقول رأيي ..بنت يا داليا ما تزوديهاش ..حاجات رقيقة كده على ذوق الشيخ !

فتقدمت منهما ياسمين لتبسط ذراعيها فوقهما هاتفة بمرح :
_كل ما تقولوا "الشيخ" دي ما ببقاش مصدقة إنكم بتتكلموا عن عابد ..سبحان من يغير ولا يتغير !

_أوباااا..أخت العريس هتفتن عليه .."نمّاية" صغيرة كده يا "ياسّو" تسلينا واحنا بنشتغل ..واهه العروسة تلاقي حاجة تمسكها عليه !

تهتف بها داليا بمرح وأناملها الخبيرة تعمل على تزيين بشرة لجين التي كانت مبتسمة بسعادة لا تكاد تصدق هذه الألفة السريعة التي نمت بينهن ..
لتشرع ياسمين في سرد بعض المواقف التي تذكرها لعابد في مراهقته في تلك الزيارات القليلة التي كانت تراه فيها مع والدها ..
ضحكاتهن تتعالى جميعاً بمرح فتراقبهن ياقوت من بعيد وهي واقفة في زاوية الصالة وعيناها معلقتان رغماً عنها بياسمين ..
شعور خانق بالغيرة ينتابها ولا تملكه وهي تجد نفسها رغماً عنها تراقبها بتفحص ..

هل هو نفس الشعور الذي انتاب زين وجعله يحاول إبعاد سامر عنها ؟!!
المغرور كان يخبرها أنه لا يغار عليها لأنه يثق بمكانته عندها ..
لماذا إذن -وهي أكثر ثقة بمكانتها هي عنده - تشعر بكل هذه الغيرة التي تكاد تحرقها حرقاً وهي تتبين تفاصيل ياسمين الأنثوية شبه الكاملة ؟!!

عيناها تصطدمان فجأة بعيني ياسمين التي انتبهت لمراقبتها إياها فخفضت ياقوت بصرها عنها بسرعة مشبكة كفيها بارتباك وجد ثغراته عبر قوة كيانها -على أي حال -!

شعرت بياسمين تترك صحبتها لثرثرتهن لتتقدم نحوها هي فعادت ترفع إليها عينيها بابتسامة مرتبكة استقبلتها ياسمين بتفهم وهي تقترب منها أكثر لتقول لها بودّ حقيقي:
_عقبالك .
تمتمت ياقوت برد تقليدي وهي تشيح بوجهها لتسألها محاولة الهرب من مشاعرها :
_فين يمنى؟!
_نايمة مع بيللا في الأوضة جوه .
تجيبها ياسمين ببساطة لتردف :



_يامن اللي زمانه هيتجنن عليها ..فكرة فصل الرجالة لوحدهم في بيت عمي حمدي دي حلوة جداً عشان ناخد راحتنا هنا ..بس هو روحه فيها ..أراهنك هيتصل بيا كمان شوية أخرجهاله .

ابتسمت ياقوت بسعادة حقيقية وهي تميز فرحة ياسمين وعلاقتها المستحدثة شديدة القوة بيامن بعد كل ما مرّا به ..

_ربنا يسعدكم .
تقولها بشعور صادق مس ياسمين التي ربتت على كتفها لتقول بامتنان :
_الفضل لربنا وبعدين ليكي يا "دكتور"!

فتخفض ياقوت بصرها بتواضع لا تدعيه لتصمت ياسمين للحظات قبل أن تسألها بخفوت :
_زين عامل إيه ؟! لسه عازل نفسه عن الناس؟!

المزيد من الغيرة يلسعها وهي تسمع اسمه من بين شفتيها ..
لكنها تومئ برأسها إيجاباً ..
لترد :
_اللي زي زين ما بيتكسرش ..هيرجع أقوى من
الأول بس بعدما اتعلم م اللي فات .
_فعلاً ..ورأيي إنه هيحاول يعمل حاجة تكفر عن ذنبه ..ملجأ أيتام مثلاً ..أو مؤسسة خيرية .


تقولها ياسمين بحماس من خبرتها بشخص زين ..
هذا الحماس الممتزج بالثقة والذي أجج المزيد من غيرة ياقوت لتجد نفسها ترد باندفاع وكأنها تثبت مكانتها هاهنا :
_دار رعاية فتيات ..هيسميها "الياقوت والمرجان".

شعرت ببعض الندم بعدما تفوهت به لتحمر وجنتاها بمزيج من خجل وحرج خاصة عندما التمعت عينا ياسمين بقوة للحظات سبقت همسها بنفس الحماس :
_أوه ! معقول ؟!
ثم ضحكت وهي تتناول كف ياقوت لتردف بشرود :
_قبل ما أفتح مطعم سينابون كنت بحلم بيه كمشروع أبدأ بيه حياتي أيام جواز من رامي ..كلمت عنه زين وقتها لإني كنت بثق في رأيه في السوق ..إداني رأيه ولما سألني عن الاسم مكنتش لسه اخترته ..ساعتها قاللي أول قاعدة "اوعي تسمي مشروع ليكي باسم حاجة أو شخص بتحبيه زي ما بعض الناس بتعمل ..
قاللي إن الحسابات بتتغير وإن اللي تحبيه النهارده ممكن تكرهيه بكرة فما تربطيش شغلك بقلبك وخللي لكل واحد فيهم طريق ..سمعت
كلامه في أول مطعم فتحته لكن في المطعم التاني سميته برمز خاص بيا أنا ويامن ..وكان معاه حق لإني مع أول مشكلة بيننا قفلته ..

نظرات الغيرة في عيني ياقوت تزداد كثافة مع احتراق وجنتيها لكن ياسمين تلتفت نحوها من شرودها لتهمس لها وهي تغرس نظراتها في عينيها :
_بس النهارده هو اللي غيّر رأيه ..عارفة ده معناه إيه ؟!
أسبلت ياقوت جفنيها دون رد ليصلها همس ياسمين الواثق:
_إنه متأكد قوي من شعوره ناحيتك ..واثق إن اللي بينكم أكبر من إن الأيام تغيره طول العمر ..

تقولها وهي تضغط كف ياقوت في راحتها أكثر فتغمض الأخيرة عينيها بقوة وهي تشعر في هذه اللحظة بالذات أنها تشتاقه ..
لماذا توقف "عدّاد العناقات" بينهما ؟!
هي لم تعد تحسبه حسياً بل صارت تضم إليه كل مرة تشعر فيها أنه يحتضنها رغم كل هذا البعد ..
فلماذا لم يعد يعانقها ؟!

صوت بكاء يمنى من داخل الغرفة يقاطع أفكارها فتفتح عينيها مع اعتذار ياسمين الصامت قبل أن تتركها الأخيرة بهمسها :
_حب زي ده مابنقابلوش في حياتنا غير مرة واحدة ..امسكي فيه بإيديكي وسنانك .

_يسلم فمك يا ست حلويات انتِ ..قوليلها أنا غلبت ..بقا ده راجل يتساب يا ناس!!

"العفريتة العابثة " تعاود عربدتها في حناياها من جديد فتبتسم من قلبها هذه المرة وهي تتابع انصراف ياسمين ببصرها ..

_شغل أسطوات يا حضرات ! مين أحسن "ميكاب آرتيست" ناو؟!

تهتف بها داليا أخيراً بفخر وهي تتنحى عن لجين التي بدت بزينتها المتقنة أكثر فتنة حقاً ..
خاصة مع هذه النظرة "الخاصة جداً" في عينيها ..
نظرة فرحة خالصة لم ترها ياقوت في عينيها من زمن!!

لهذا لم تشعر بنفسها وهي تندفع نحو شقيقتها لتعانقها بقوة ودموع فرحتها تغرق وجنتيها ..

_ولازمته إيه البكا ؟! ده يوم فرح !

هتاف ثمر التي خرجت أخيراً من المطبخ يدوي خلفهما ..
لكنها ما كادت ترى لجين بثوبها الأبيض وزينة وجهها التي زادتها تألقاً ..مع شعرها الذي أسدلته على ظهرها كشلال أسود ..
حتى اتسعت عيناها للحظات وصوتها يتهدج بدعائها :
_ما شاء الله لا قوة إلا بالله ..اللهم بارك ..اللهم بارك ..


كلماتها تنتهي بدموع تأثرها وكأنها لم تنههما عن فعلها منذ قليل لتندفع نحوها ياقوت ولجين لكنها هتفت بهما بحزم وهي ترفع ذراعيها محاولة تمالك مشاعرها :
_ماتقربيش منك ليها ..إيدي مش نضيفة .

_ما انتِ اللي مش راضية حد يساعدك في المطبخ يا ستي .
هتفت بها ياقوت باعتراض مشفق لكن ثمر رفعت رأسها للأعلى هاتفة برضا :
_"صباحية العروسة" لازم تبقى من إيدي .

فابتسمت لجين بخجل ولاتزال كلمات كهذه جديدة على مسامعها ..
لكنها فوجئت بياقوت تصفق بكفها وهي تغني وتدور حول ثمر هاتفة بمرح:

_ست الحبايب يا حبيبة ..يا أغلى من روحي ودمي ..

فالتقطت منها لجين الخيط لتدور خلفها حول ثمر هي الأخرى وتصفق مثلها ..

_يا حنينة وكلك طيبة ..يارب يخلليكي يا أمي ..

هنا شرعت داليا في الطرق على منضدة خشبية مجاورة لتحاكي اللحن معهن وتغني بدورها ..
فتتبعها رانيا وهانيا مصفقتين ..

_يارب يخلليكي يا أمي ..يا ست الحبايب ..يا حبيبة ..


الغناء ينتهي بالحفيدتين وهما تحتضنان جدتهما بعناق مازجته الدموع ..

وعلى باب الغرفة المجاورة المفتوح كانت نبيلة تقف تراقبهن بإجلال ممتزج ببعض الحسرة ..
كم تغبط ثمر على هذا الحب النابض في عيني الحفيدتين ..
تتمنى لو لم تكن أضاعت العمر لهثاً خلف سراب ..
هذا الذي شعرت به ياسمين وهي تحمل يمنى جوارها فالتمعت عيناها بحسم وهي تجذبها من ذراعها الحر نحو بنات شقيقتها لتصنع لها حلقة وسطهن ..

يتصايحن ثلاثتهن بمرح وهن يلتففن حول نبيلة ليعدن الأغنية لها هي هذه المرة ..

فيختلج قلبها بشعور كاسح لم تعرفه "بيللا" في أزهى عصور مجدها ..
إنما توقن أن "نبيلة" ستتنعم به ما بقي لها من عمر !!
=======











عقب صلاة العشاء بصالة بيت ثمر حيث اجتمعت النسوة تحتفلن بضرب الدف مع فرقة أغانٍ إسلامية ..
حول لجين التي بدت وسطهن كقمر يتباهى بنجماته ..
جلست إيناس تجاور غادة وهي تصفق بكفها معهن لتميل على أذن غادة قائلة :
_عقبالك !
فابتسمت غادة بخجل وهي تنظر للعروس قائلة بارتباك :
_هتعملي زي سيف ؟! كل شوية يستعجلني ..بس أنا لسة مش ..

قطعت عبارتها وهي تلاحظ تململ إيناس بضيق في مكانها لتهتف بها بترقب:
_مالك يا أنّا ؟!

_ الجيبة ضيقة ..وخفت أقول لعمك علاء يتريق عليا ويقوللي تخنت ..شوفيلنا حتة متدارية أهويها شوية ..

تقولها إيناس بحرج لتضحك غادة ضحكة عالية وهي تقف مكانها لتمد لها كفها مساعدة :
_وأنا كمان طرحتي فكت ..تعالي نسأل حد هنا ..هي مراة إسلام فين ؟!
فتلفتت إيناس حولها بعينيها وهي تقف مكانها لترد بإشفاق:
_مراة إسلام دي حكاية لوحدها ..تحسي عينيها بتعيط من غير بكا ..من ساعة ما شفتها ونفسي آخدها في حضني وأطبطب عليها ..بس هي شكلها متحفظة قوي ..هتلاقيها هنا
واللا هنا ..بنتها شقية هتلاقيها بتلف وراها ..

_عايزة حاجة يا بنتي؟!
تهتف بها ثمر بطيبتها المعهودة وهي تجول ببصرها بينهما فتقول غادة بحرج :
_عايزين مكان بس نظبط فيه هدومنا .
_تعالي يا بنتي اتفضلي .
تقولها ثمر وهي تشير لإحدى الغرفتين التي تقدمتا هما نحوها شاكرتين مبتعدتين عن الجمع المحتفل ..
فأدخلتهما ثمر لتغلق الباب خلفهما مع قولها:
_خدوا راحتكم ..البيت بيتكم ..حبايب إسلام حبايبنا .

_شكلها طيبة قوي الست دي ..يا ساتر ..الجيبة هتفرقع !

تهتف بها إيناس وهي تحل زر تنورتها لترفعها قليلاً فتضحك غادة وهي تحل وشاحها لتعيد ضبطه ..

_صبغتِ شعرك امتى من ورايا ؟!
تهتف بها إيناس معلقة على لون شعر غادة
الأحمر لتهتف بها الأخيرة باعتذار :
_لسه امبارح ..كنت عايزة أجرب اللون لأن سيف طالبه مخصوص .

عبارتها الأخيرة امتزجت بدلالها الفطري لتضحك إيناس مقلدة لهجتها :
_سيف طالبه مخصوص ؟! يااااعيني ..والله وبقينا بنطلب ياابن الناس الكويسين !

ضحكت غادة بالمزيد من الدلال وهي تعيد ضبط وشاحها لتردف إيناس بنبرة أكثر حناناً :
_امبارح حلمت بهاني ..طول الحلم بطمنه على إسلام وسيف وهو يا حبيبي بيضحك !

اغرورقت عيناها بالدموع كعهدها كلما تحدثت عن الحبيب الراحل لتلتفت نحوها غادة بنظرة مواسية ثم تنحني لتعانقها بقوة ..
فتتنهد المرأة لتردف :
_أكتر حاجة كنت حاملة همها إن سيف وإسلام يخسروا بعض بسببك ..لما رفضتِ إسلام وعرفت إن سيف هو كمان بيحبك قلت خلاص الصحاب هيخسروا بعض ونخسرهم احنا كمان ..

_سيف وإسلام عمرهم ما يخسروا بعض ..دول إخوات وأكتر ..واهه إسلام سبقه واتجوز قبله كمان .
تقولها غادة ببساطة وهي تربت على كتف إيناس التي هزت رأسها لتقول بحيرة :


_ماهو ده اللي قالقني عليه ..جوازته المتلهوجة دي ..مستنية بس يروق وأقعد معاه على جنب أفهم منه .

_مفيش فايدة ..على طول قلبك الطيب ده قلقان علينا يا "أنّا"!
تقولها غادة بحنان وهي تطبع قبلة على جبينها لتردف :
_ياللا بقا نطلع ..مايصحش نطول هنا .

تقولها وهي تلقي نظرة أخرى على المرآة لتطمئن على شكلها قبل أن تغادر الغرفة مع إيناس..




غافلة عن نشوى التي كانت هناك مختبئة في زاوية شرفة الغرفة وقد اختارت العزلة عن الجمع بالخارج ليختار لها القدر أن تستمع مصادفة لكلامهما كله ..

فيدرك عقلها جواب السؤال الذي طالما سألته إياه دون أن تجد له جواباً يقنعها ..
لماذا تزوجها ؟!
تماماً كما تزوجته هي ..
لأجل أن ينسى أخرى يعشقها!!
========







_الصالح !! افتقدتك يا صديقي!!
يهتف بها عابد بلهفة حقيقية وهو يعانق صديقه في بيت الحاج حمدي حيث تجمع الرجال
لاحتفال العرس ..
ليرد الصالح ببشاشة :
_عندما علمت الخبر لم أستطع إلا الحضور في أقرب طائرة ..بارك الله لك .

ربت عابد على ظهره بمودة حقيقية وهو يتذكر دوره الكبير في حياته ليقول له بحرارة :
_كنت ولا تزال نعم الصاحب.

يبتسم له الصالح برضا ليسأله باهتمام :

_عساك تكون وجدت بغيتك هنا ..أرى راحة القلب مرسومة على وجهك .
فيهز عابد رأسه وهو يتذكر أيام شتاته القديم ليرد بتأثر :
_لا أجد لي إلا دعاء نوح عليه السلام وقت استوى على سفينته بعد الطوفان ..الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين .

_الحمد لله .
يقولها الصالح ببشاشة فيتحرك به عابد وسط جموع الرجال ليعرفه على يامن وبقية أقربائه ..
ثم ينتهي به المقام لدى الشيخ أبي إدريس فيقول له عابد باعتزاز:
_هو صديقي الذي حدثتك عنه يا شيخنا .

يبتسم الشيخ وهو يصافح الصالح بقوة قائلاً :

_بارك الله لك يا ابني ..وزادك علماً وفهماً .
_سلمت يا شيخنا .
يقولها الصالح ببعض الخجل وهو يرى نظرات التقدير من الشيخ الجليل الذي طبقت شهرته الآفاق في العلم ومع هذا لم يزده ذلك إلا تواضعاً ..
تماماً كما يتحرك الآن مع الخدم ليوزع الطعام على الحضور بنفسه ويقول لعابد مداعباً :
_ألستُ أبا العريس !!

فيضحك عابد وهو يرد بامتنان :
_أبي وشيخي ومعلمي !!

يرمقهما الصالح بنظراته الذكية كالعادة مدركاً أن صديقه قد وعى الدرس و..
وشتان بين "الثرى" و"الثريّا" كما يقولون !!

لا تزال مصر كما يذكرها حميمية دافئة مميزة بهذا السحر الذي لا تشبهها فيه بلد سواها ..
ربما هي لا تزال تعاني سنين عجاف لكنه لايزال يرجو عاماً فيه يغاث الناس وفيه يعصرون !

يجلس وسط الرجال يتناولون الطعام الذي أعد بكرم والحاج حمدي عم يامن يتحرك وسطهم ببشاشة كأنما هو عرس ابنه من صلبه..
فيبتسم الصالح براحة وهو يسمي الله ليبدأ في تناول الطعام الذي اشتاقه بنكهته "المصرية" المميزة ..

_أين أغسل يدي ؟!
يسأله الصالح بعدما انتهى من تناول الطعام ليرد عابد وهو يشير له لمكان قريب توجه إليه ليغسل يديه ويخرج ..

فيدوي في أذنيه صوت الاصطدام قبل أن يسمع صوتها تولول:
_الصينية وقعت ! ستي ثمر مش هتبطل تقوللي يا مطيورة !

يتنحنح بحرج وهو ينحني ليساعد رابحة في لملمة الفاكهة التي تناثرت على الأرض:
_عفواً ..لم أنتبه !

_انت بتتكلم زيه ؟!
تهتف بها بانبهار وهي تتفرس في ملامحه ليرفع إليها عينيه متسائلاً :
_من تقصدين ؟!
_الشيخ عابد ..العريس!
تقولها بتلعثم احمرت له وجنتاها ليبتسم وهو يعود لينهمك فيما يفعله قائلاً :
_تقصدين التحدث بالفصحى ؟! إنها سنة مستحبة يا صغيرة .

_أنا مش صغيرة !
تهتف بها باندفاع طفولي ليعاود رفع عينيه إليها بفضول ثم يغضهما ببعض الدهشة ..
طفلة !! إنها مجرد طفلة !!

_أنا داخلة على خمستاشر سنة ..وأبويا كان عايز يجوزني من كام شهر بس الشيخ أبو إدريس الله يصلح حاله هو اللي وقف له .

كتم ضحكته بصعوبة مع ثرثرتها التي بدت له أكثر طفولية من ملامحها ..
ليرفع الصينية أخيراً ثم يناولها إياها قائلاً :
_أعتذر مرة أخرى ..
ولم يستطع منع نفسه من مشاكستها باستطراده :
_يا صغيرة .

عبست ملامحها في وجهه بغضب طفولي وهي تتناول منه الصينية لتعطيه ظهرها وتغادر ..
فاستقام بجسده أخيراً يرقبها من بعيد كي يطمئن أن لن تسقط ما بيدها من جديد ..
لتتسع عيناه وهو يميز ما سقط لتوه من جيب جلبابها ..

_يا صغيرة !
يناديها وهو يقترب منها من جديد لتلتفت إليه بنفس العبوس الطفولي ..
فيلتقط حلوى "المصاص" التي سقطت منها ليعطيها إياها عاجزاً عن منع ابتسامة تسليته :
_هذه وقعت منك .

احمر وجهها أكثر لتهتف به كاذبة بنزقها المعهود وقد ساءها أن يراها كطفلة :
_مش بتاعتي! شايفني عيّلة صغيرة لسه باكل مصاصة ؟! شوف وقعت من مين !

يكتم ضحكته وهو يهز رأسه محاولاً الحفاظ على وقار ملامحه لترمقه هي بنظرة متحسرة أخيرة قبل أن تشق طريقها وسط الزحام تاركة إياه خلفها يمسك عصا حلواها بيده ليديرها بين أنامله للحظات قبل أن يضعها في جيبه بخفة كي يعود إلى عابد ..

_بت يا رابحة ! خدي هنا رايحة فين !!



تهتف بها ياقوت وهي تستقبلها في بيت ثمر الذي عادت إليه لكن رابحة لم تلتفت إليها وهي تضع الصينية فوق المائدة ..
قبل أن تندفع نحو الحمام القريب لتغلق بابه خلفها ..
وما كادت تفعل حتى أطلقت سراح ضحكة أفلتت منها وهي تستعيد ملامحه لتبسط راحتها على شفتها متمتمة بانبهار:
_أشقر وعيونه زرقا !! كنتِ فرحانة بعابد وبتقولي شبه "سامي يوسف"! أهه جالك اللي شبه "عمرو يوسف"!!


تقولها لتطلق ضحكة أخرى كتمتها بكفها الذي وضعته بعدها على صدرها لتتنهد بحرارة هامسة :
_يا ترى اسمك إيه يا حليوة انت ؟!

تسمع ثمر تناديها من الخارج فتشهق متذكرة مصيبتها لتخرج بسرعة وتهرع إليها هاتفة بأسف:
_الصينية وقعت غصب عني والله يا ستي .

فتضحك ثمر عبر أسنانها المكسورة لترد وهي تلوح بكفها :
_هاقوللك إيه ؟! ما انتِ مطيورة !!

_طب أساعدك في إيه تاني؟!
تقولها بشعورها بالذنب لترد ثمر وهي تتفحص ملامحها بخبرتها :
_مالك يا بت ؟! وشك أحمر كده ليه وبتنهجي ؟!

فارتمت في حضنها فجأة بوضع تمثيلي لتهتف بها بلهفتها المعهودة :
_فيه حاجة في بالي ادعيلي تتحقق يا ستي ..دلوقتي ..والنبي ..والنبي ..والنبي ..
فتضحك ثمر ببشاشة وهي تحاول دفعها عنها :
_يابت ابعدي كده ..وبعدين قلتلك ألف مرة ما تحلفيش غير بالله .
_حاضر يا ستي ..ماعدتش هاقول والنبي ..بس والنبي والنبي ..تدعيلي دلوقت !!

عادت ثمر تضحك وهي تزيحها جانباً قائلة :
_أسيب الضيوف يعني وأقعد لدماغك الفاضي ؟!
_هي حاجة واحدة بس يا ستي ..قولي يارب حقق لرابحة اللي في بالها !


تقولها بتوسل وهي تتقافز حولها كالأطفال فتتنهد ثمر وهي ترفع كفيها في وضع الدعاء:
_يارب حقق لرابحة اللي في بالها ..لو فيه خير!

تقول عبارتها الأخيرة وهي تقرص أذنها برفق لتتأوه رابحة بخفوت ثم تبتسم وهي تراقب ثمر تبتعد لتضع كفيها المتشابكين على صدرها مغمضة عينيها بقولها الهائم :
_وهو فيه خير أكتر من كده ؟! أشقر وبعيون زرقا يا ناس!!
======







_وحشتني يا مارووو !! أنا عارفة لزومه إيه الفرح اللي فاصليننا فيه ده ؟!

تهتف بها داليا لنفسها بضيق وهي تجلس وسط النسوة في بيت ثمر يحتفلن بالتصفيق مع فرقة الإنشاد الإسلامي ..
تستخرج هاتفها لتكتب له رسالة :
_وحشتني .
ثم تبتسم وهي تراه يرسل لها الرد بسرعة كأنما كان يكتب رسالته معها في نفس اللحظة :
_انتِ وحشتيني أكتر .
_خلاص ..اللي واحشه التاني أكتر يتصرف !
تكتبها بشقاوتها المعهودة ليرد :
_اعقلي يا مجنونة ..هنا الغلطة بفورة .

تتسع ابتسامتها وفكرة مجنونة تراودها ..
تجعلها تتسلل عبر الجموع خفية لتغادر بيت ثمر ثم تستوقف صبياً صغيراً لتسأله :
_تعرف فين البيت الحاج حمدي اللي فيه قرايب العريس ؟!

يمسك الصغير بيدها ليرشدها نحو هناك فتتحرك جواره وذهنها منشغل بالمفاجأة التي ستعدها لمروان عندما يراها هناك ..

وخارج البيت عند مدخله كان هيثم يقف ضائق الصدر شاعراً بالغربة وسط الحضور وراغباً في المغادرة ..إليها !!
شهد!
يمسك هاتفه ليرسل لها صور العروسين كما وعدها فترد ببعض الصور الضاحكة لكنه كان يستشعر أن مرحها هذا ليس حقيقياً ..

يزفر بقوة وهو يحاول تفسير هذا الضيق الذي شعر به منذ رأى لجين هنا ..
لا ..ليس ضيقاً يتعلق بها نفسها ..على العكس إنه يستشعرها طيبة كشقيقتها ..
إنما هو شيء يدور حولها ..
يحسه ولا يفهم كنهه ..

طيف قديم ٌ ينتابه من الماضي ..
فيراها هي ..لجين !!
تعدو هاربة منه ثم تختفي ..
وبعدها تأتيه شهد تخبره شيئاً ..
شيئاً عن أبيه !!
أبيه ؟!!

الستار الأسود يسدل من جديد !!
فلا يعود يذكر شيئاً !!
تباً لهذه المتاهة التي تجعله يشعر أنه يدور في الفراغ بلا هدف !!

_هيثم !
الهتاف يأتيه من الجوار فيلتفت نحو داليا بعينين زائغتين مغمغماً :
_انتِ عارفاني؟!

_معقول ؟! مش فاكرني أنا كمان؟!
تقولها بإشفاق مستعيدة تاريخهما الطويل معاً منذ الطفولة ليتفحص ملامحها باهتمام ..
قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة ..
إنها هي!!
الفتاة التي تذكر طيفها منذ فترة ..
وكانت ..كانت شهد تغار منها !!

_فاكر شكلك ..بس الاسم ..
_داليا ..داليا يا روميو !

تقولها بسلامة نية وعيناها تدمعان إشفاقاً نحوه ليشعر بألفة غريبة تجتاحه نحوها ..
وتجعله يقترب أكثر منها قائلاً بتشتت:
_أنا حاسس إنك قريبة مني ..بس ..

_كنا أصحاب من ابتدائي لحد الجامعة ..ودلوقت بقينا نسايب ..انت أخو العروسة ..وأنا قريبة العريس .

تقولها بعاطفة دافئة لا تزال تحملها نحوه ليهز رأسه بعينين ملتمعتين :
_يعني عارفة عني كل حاجة ؟!

أومأت برأسها إيجاباً ونظراتها المشفقة المفعمة بعاطفتها الأخوية نحوه تطوقه ..
فيزدرد ريقه ليسألها باهتمام :
_تعرفي عني إيه ؟!
_انت برضه لسه مش فاكر ؟!
تسأله بالمزيد من الإشفاق ليشيح بوجهه في يأس فاقتربت منه وعيناها تلتمعان بعزم قائلة :
_هاقوللك كل حاجة ..هساعدك تفتكر !
========








_وسعوا للعريس ..واخوات العروسة !

الهتاف ينطلق مصحوباً بالزغاريد من كل صوب لتضطرب لجين وهي تقف مكانها ..
فتشد ياقوت على كفها داعمة وعيناها تدمعان رغماً عنها ..
بينما يتقدم عابد يحيطه هيثم وإسلام من الجانبين لتتسع عيناه بانبهار وهو يميز جمالها الذي يراه ساطعاً هكذا لأول مرة ..
بياض ثوبها المكشوف عن ذراعيها وكتفيها يناقض سمرة بشرتها الفاتنة ..
شعرها الأسود الناعم يبدو له كليل طويل سيحلو له فيه السهر ..
شفتاها مزينتان بأروع ابتسامة رآها في حياته ..
عيناها المكحلتان برموش طويلة تحملان له ألف دعوة بالاقتراب ..
أفلا يلبي؟!

فيما تتسع عيناها هي الأخرى وصدرها يعلو ويهبط كأنما تعدو في سباق طويل ..
لقد ارتدى بدلة !!
بدلة سوداء أنيقة كما حلمت بها !!
وجهه الوسيم يكاد يضيئ كقمر هجر العالمين وسكن سماءها وحدها !!
الدموع تتكدس في عينيها وهي ترى إسلام وهيثم يتقدمان قبله ليعانقاها بقوة ..
فيخفق قلبها وهي تتوجه نحو ياقوت بنظرة خاصة فهمتها ..
كلتاهما عاشتا هذا العمر الطويل بلا سند من رجل ..
والآن يمنحهما القدر العوض مضاعفاً ..
فسبحان من إذا أعطى أدهش بالعطاء!!

صوت الزغاريد يدوي في أذنيها من جديد قبل أن تختفي من حولها كل الأصوات وهي ترى
إسلام يمسك أحد كفيها بينما هيثم يمسك الآخر ليسلماها لعابد ..
بينما تشعر بكفيّ ثمر على كتفها من الخلف كما عاشت طوال عمرها تحيطها بجناحيها وتدفعها وشقيقتها للأمام ..
قبل أن تشعر بكفيه هو يمسكان كفيها ..

اللمسة الأولى!!
هذا السحر الذي ضمها الآن بفتنته ..
تسرق من عينيه نظرة تهزها من قمة رأسها
لأخمص قدميها ..فلا تجرؤ على المزيد ..
فيما تشعر به يقترب أكثر لينحني ويقبل جبينها ..

جسدها ينتفض كله لتنتقل ارتجافتها إليه فيميل على أذنها هامساً :
_لا تخافي ..أقسم بمن رزقني حبك أن تكوني قِبلة القلب والعين العمر كله !

ترفع إليه عينين مصدومتين وهي تسمع منه اعتراف الحب لأول مرة ..
لم تتصوره ولو في أقصى أحلامها جموحاً بهذه الحلاوة ..
دموعها تمتزج بابتسامتها في خليط عجيب يليق بروحها المحلقة في عليائها ..
فيمد أنامله بخفة ليمسح طرف عينيها وهو يمنحها ابتسامة بدرجة ألف عناق ..

ترى ياقوت تمد إليها يدها بإسدال مطرز أبيض جعلته كي تستر جسدها الذي يفصله الثوب ..فتترك دفء يديه مرغمة كي تساعدها شقيقتها في ارتدائه ..
قبل أن تناولها طرحة بيضاء أمسكتها هي بين يديها ..
ليتلقفها هو منها ثم يسدلها على رأسها من أعلاه ليداري وجهها بزينته كاملاً ..

_تماماً كما كان في رؤياي .

يهمس لها بها بصوت متهدج ليصله همسها عبر القماش الرقيق الفاصل بين وجهيهما :
_شفتني في رؤيا ؟!
_كنتِ تمدين لي يدك بطرحة كهذه وتهمسين ..أكمل الستر يا شيخ ..عساني أكمله حقاً !


لم يرَ ملامح وجهها صريحة لكنه شعر باختلاجة كفها الذي تناوله في راحته ليعاود تقبيل رأسها ..


سمعها يعود لكفاءته من جديد مع أصوات الزغاريد ..
وبقلبها تشعل الدقات زغاريد مشابهة ..
تتأبط ذراعه بمزيج من خجل وفخر وهي تسير جواره مرفوعة الرأس والعيون حولها ترمقها بنظرات إجلال طالما افتقدتها ..
تتحرك جواره كأنما خطواتها تحلق بانسيابية وكفه الذي يعانق كفها يمنحها أمان كنفه ..
يصلان أخيراً لبيتهما الذي يقابل بيت ثمر تماماً فترى الأخيرة تنحني لتعانقها بقوة قبل أن تنظر ثمر لعابد نظرة لن تنساها ما عاشت ..
كأنما تخبره بتجاعيد وجهها الغائرة أن هذه أمانتها أودعتها إياه فلا يضيعها !
ليومئ لها عابد برأسه قبل أن تشعر بعناق ياقوت الباكي يجتاحها بانفعاله ..

_افرحي ..افرحي قوي ..شفنا كتير ..بس عوض ربنا مفيش أجمل منه !

تهمس بها في أذنها لتقبل وجنتها بقوة قبل أن تنسحب ملوحة لها بكفها ..

خطوتها الأولى لبيتهما الجديد تختلط في أذنيها بصوت الزغاريد بالخارج ..
تشعر به يقترب ليخلع عنها طرحتها وإسدالها ..
فترفع إليه عينيها بمزيج من خجل وفرح ..

_يالله ! لو كان هذا حسنك في عينيّ في الدنيا ..فكيف بحور العين في الجنة !!

الصدق في كلماته ..!!
الصدق في كلماته بهذه الحرارة ماذا عساه يصنع لامرأة بتاريخها لم تكد تسمع في عمرها الطويل كله عبارة غزل واحدة ؟!!

لهذا دمعت عيناها وهي ترنو إليه بنظراتها هامسة ببساطتها النقية :
_زمان كنت بتضايق إني عمري ما حد عاكسني ولا قاللي كلمة حلوة زي بقية البنات ..بس دلوقت ..دلوقت ..بحمد ربنا إنها اتحوشت لي عشان أسمعها منك انت .

فابتسم وهو يحيط وجنتيها براحتيه هامساً :



_يشهد ربي أني لم أمس يوماً امرأة في حرام ..احتسبتها عنده لأجل فرحة ليلة كهذه ..لأجل امرأة أكون لها بكراً كما تكون لي ..فيرزقنا الله متعة حلاله .

يقولها ليقرب وجهها أكثر فيسنده على صدره لتكتم تأوه خجلها وأناملها تتلمس سترته فتتذكر ما يجعلها تسأله :
_غيرت رأيك ولبست بدلة ليه ؟!
فيرفع ذقنها نحوه ليهمس لها بحنان آسر :
_قلتِ إنه كان حلمك ..وأنا عاهدت نفسي أن أحقق لكِ كل ما تحلمين به مادام في غير معصية لربي .

خيط رفيع من الدموع يسيل من طرف عينها وهي لا تصدق كل هذه السعادة التي تغمرها بها كلماته ..

_سألتِني بالأمس إن كنت سعيداً وأجلت الجواب للحظة كهذه ..

يقولها وهو يرفع كفها ليبسطه على صدره حيث موضع خافقه لتشعر بدقات قلبه العالية تحت أناملها ..بينما هو يردف :
_لا يعرف مقام انشراح الصدر إلا من عاش عمراً باختناقه ..
ثم صمت لحظة ليكمل بما لن تظن نفسها يوماً ستسمع أجمل منه :
_يا "فضية" الاسم و"ماسية" المقام ..رزقني الله حبك وبشرني بكِ في رؤيا خير ..ثم ملأ بكِ قلبي قبل عيني ..فأي النساء قبلك ؟! وأي النساء بعدك ؟!


هنا لم تستطع منع تأوه خجلها وهي تخفي وجهها بين كفيها ..
تكاد تذوب بين ذراعيه من فرط هذه الحرارة التي تكاد تصهرها ..
رغماً عنها تستعيد هذه الأيام التي قضتها لا ترجو من الحياة سوى "ظل رجل" يؤويها من حمل وزر لفظة "عانس" ..
والآن يأتي هو وبين كفيه كنوز عاطفة لن يسعها الكون من المشرق للمغرب ..

تشعر به يزيح كفيها عن وجهها فتعاود رفع عينيها إليه بوجل ..
لم تتخيل أن يكون يجيد مثل هذا الكلام ..
إنما هو فقط كان يخفيه "تقوى" وليس "عجزاً"!!



_أنا مش عارفة عملت إيه عشان أستحق حد زيك ..بس بقول لنفسي يمكن هي دعوة ستي ثمر .

فارتفع حاجباه للحظة وهو يحاول إزاحة الكلفة بينهما بحرص ليقول مداعباً:
_هل هذا أفضل ما سأسمعه منكِ الليلة ؟!

تضحك ضحكة صافية توّجها خجلها لتعيد إخفاء وجهها بين كفيها لكنه يعاود إزاحتهما عنه ليهمس لها بحنان دافئ:
_لا تخفي وجهكِ بين كفيكِ بعد الآن ..صدري به أولى!

تشهق رغماً عنها وكلماته تثير ما يفوق خجلها ..
خاصة وهي تشعر بذراعيه يطوقانها كاملة بحنوّ فتسند رأسها على صدره..
الانتماء!!
هذا بالضبط ما كانت تشعر به الآن وهي على صدره ..
كأنه هو ملاذها وموطنها منذ الأزل!!
نفس الشعور الذي كان يشاطرها إياه وأنامله تأنس برحلتها بين خصلات شعرها الناعمة ..

_"لتسكنوا".."لتسكنوا"..
يكررها بخفوت لترفع إليه عينين متسائلتين فيبتسم لها تالياً الآية كاملة ..
_ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ..سبحان من هذا كلامه ..هكذا أشعر الآن تماماً ..أنتِ مني ..أنتِ سكني !

تحترق وجنتاها خجلاً وهي تشعر بتثاقل نظراته فوق ملامحها كما لم يكن يفعل من قبل ..

فيرتجف جسدها برهبة طبيعية بددتها همساته الحانية :
_أخبريني يا حوريتي ..كيف حلمتِ بهذه الليلة ؟!
تكاد تخفي وجهها بين كفيها خجلاً من جديد لكنها تتذكر ما قاله فتسند جبينها على صدره مع كفيها ..
لكنه يبعدها قليلاً لينظر لعينيها هامساً بنبرته الدافئة :
_تعالي نصلّ ركعتين أولاً ..ومادمتِ تخجلين .. سأخبركِ أنا بعدهما كيف حلمت بليلة كهذه !
=====




_باي يا "باربي" !
تتمتم بها همسة خارج بيت ثمر عقب انتهاء العرس وهي تنحني برأسها فوق رأس يمنى التي تحملها ياسمين فتقبلها بنعومة مردفة :
_هاشوفك تاني ..قريب .

_أكيد .
تقولها ياسمين ببشاشة ناقضت تحفظ ملامح يامن النسبية وهو يخشى تقاربهما مع همسة ..

ليس لأجلها هي ..بل لأجل أخيها ذاك!

لهذا تنحنح بخشونة وهو يودع همسة ورائد بودّ لا يدعيه خاصة للأخير الذي لا يزال يذكر فضله على ابنته ..
فرمقته ياقوت بنظرة متفهمة قابلها بابتسامة تقدير :
_مبروك يا دكتور ..عقبالك !

هزت له رأسها بود لترى في عينيه نظرة ذات مغزى نحو سامر الذي اقترب منهم مخاطباً ياقوت بقوله :
_مروان اختفى فجأة ..ما شفتيهوش ؟!
فابتسم يامن وهو ينظر حوله :
_داليا كمان مش شايفها ..هتلاقيهم مشوا سوا !

يقولها ليرمق سامر بنظرة تقدير حقيقية ..رغم تعارفهما القصير منذ ساعات فقط ..لكن مروان كان يشكر فيه كثيراً ..
ورغماً عنه -مع علمه بعمله هو مع ياقوت - تمنى لو تحمل لها الأيام نصيباً معه هو بدلاً من ذاك الوغد اللزج ..زين!!


لهذا صافح سامر بود لم تخطئه عيني رائد اللتين كانتا تراقبان بتفحص كعهده خاصة ويامن يخاطب ياقوت بقوله بنبرة ذات مغزى:
_اتوصي بدكتور سامر ..راجل قليل تلاقي زيه الزمان ده !

فارتفع حاجبا ياقوت ببعض الدهشة لتبتسم لسامر قائلة بمودة :
_بيوصيني عليك يا آينشتاين ..مش عارف إننا عشرة من أيام الجامعة .

_على يدي يا شجرة الدر !
يقولها إسلام بمرح وهو يحيط كتفيها بذراعه ليضمها بحنوّ بينما سامر يبتسم بطيبته المعهودة ..
فيرمقهم يامن بنظرة راضية قبل أن يتحرك مع رفقته نحو السيارة ليغادروا ...
فيما بقي رائد يراقب الوضع بحذر وهو يرى سامر يصافح إسلام بحرارة ليرمق ياقوت بنظرات ودية لم تفوتها عيناه هو الصقريتان ..
قبل أن يودعهما لتبقى ياقوت مع إسلام وهيثم الشارد بوجوم كأنه ليس معهم ..
فوضع رائد كفه على كتف همسة ليقول مخاطباً ياقوت :
_مبروك ..شكراً على كل حاجة .

يقولها بنبرته الرصينة التي ذكرتها ب-قريبه- لترتجف ابتسامتها ..
قبل أن تتسع عيناها بانفعال مع قول همسة العفوي :
_اليوم كان حلو قوي ..ما فرحتش كده من زمان ..كان نفسي زين يكون معايا .


هنا شدد إسلام ضغط ذراعه حول ياقوت بحمائية كأنما يمنحها دعمه ..
فيما تنحنح رائد وهو يودعهم بمباركة أخرى ..
لكن ياقوت ابتسمت له مغالبة شعورها بقولها :
_الفرح المرة الجاية عندكم بقا !

فابتسمت همسة وهي تعانق كف رائد بكفها وعيناها تفضحان فرحة حقيقية قبل أن تتحرك معه بدورهما ليغادرا ..

وما كادا يبتعدان بضع خطوات نحو سيارته القريبة حتى نظرت لقدميها قائلة وهي تهرول بخطواتها نوعاً :
_مبسوطة قوي ..ما عدتش بخاف ألبس كعب
عالي .

تقولها مشيرة لحذائها فيبتسم مجارياً خطواتها شبه الراكضة ليقول مشفقاً :
_بس ده عالي بزيادة ..استحملتيه إزاي طول اليوم ؟!

_مش مهم ..المهم ..آه ..

عبارتها تنقطع بصرخة قصيرة وهي تترنح مكانها وقد تعثرت بشيء ما ..قبل أن تلتوي قدمها فتسقط بكامل جسدها فوقها ..
=======







_الحمد لله جت سليمة !

تقولها ثمر بحنان لم يخلُ من قلق وهي تنظر لهمسة التي تمددت فوق فراش ياقوت في غرفتها ..
لتقول الأخيرة بنبرتها العملية :
_الدكتور طمننا ..ارتاحي بس الليلة دي وما تدوسيش عليها ..وبإذن الله بكرة تقدري تمشي عليها !

تأوهت همسة بوجع وهي تحاول تمسيدها بأناملها ليقول رائد بحرج :
_مش هينفع نبات هنا للصبح ..كفاية القلق اللي عملناه للحاجّة .

_ماتقولش كده ياابني ..البيت بيتكم .
تقولها ثمر بترحاب حقيقي وقد سكنت همسة
بالذات في قلبها منذ وقعت عيناها عليها ..

_الوقت اتأخر كمان ..خلليكو لبكرة وأنا قاعد معاكم ونسافر سوا.
يقولها إسلام مرحباً وهو يتحرك ليربت على كتف رائد بمودة ..
فابتسمت ياقوت وهي تجلس على طرف الفراش مخاطبة همسة بقولها :
_إيه ؟! مش عايزة تباتي معايا ونحكي حواديت للصبح ؟!

فالتمعت عينا همسة بلهفة اشتياق ناسبت قولها :
_وحشتني حكاياتك .
_وأنا كمان ..وحشتني ال...

رنين الجرس يقاطع عبارتها فتلتمع عينا رائد ببريق ماكر..
فيما تتحرك ثمر نحو الخارج لتفتح الباب قبل أن تلحق بها ياقوت ..

وما كاد الباب يفتح حتى شهقت ياقوت وعيناها تتسعان بذهول ..
فيما لم تبدُ ثمر بهذا الانفعال وابتسامة غامضة ترتسم على شفتيها وهي تتفرس في ملامح الزائر الغريب الذي بقي واقفاً لم يتفوه بكلمة..
لكنها رفعت رأسها لتقول بفطنة لا تفتقدها :
_أكيد زين بيه ..اتفضل !
========
انتهى الفصل






pdf
للفصل الرابع والعشرون

بناء على طلب القمرات

ولازم تردوا حتى يظهر لكم المحتوى المخفي



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 27-09-19 الساعة 12:21 AM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-19, 11:52 PM   #934

Moni13

? العضوٌ??? » 399101
?  التسِجيلٌ » May 2017
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » Moni13 is on a distinguished road
افتراضي

ما نزل الفصل ال ٢٤??

Moni13 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 12:01 AM   #935

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moni13 مشاهدة المشاركة
ما نزل الفصل ال ٢٤??



نزل يا قمر

تمتعييييييييييييييييييييي ي


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 01:17 AM   #936

Miush

? العضوٌ??? » 404902
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 228
?  نُقآطِيْ » Miush is on a distinguished road
افتراضي

بما إني متسرعه دي قفله طيب أي حركه وانا اجري وراها 😁
أبدعتي حبيبتي سلمت يداكي أتحفتيني ك العاده 💕


Miush غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 01:35 AM   #937

ايات يوبو

? العضوٌ??? » 370685
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 303
?  نُقآطِيْ » ايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond reputeايات يوبو has a reputation beyond repute
افتراضي

ممتع جدا جدا
كل تفصيله في الفصل رائعه بتحكي كانك أنتي كل شخصيه فيهم


ايات يوبو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 01:38 AM   #938

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

ممكن رابط pdf للفصل 24
المشكلة إلها أسبوعين وأنا مش عارفة أقرأ الفصول
بضل يعطي الفصل فاضي والصفحة بيضا!!
شو المشكلة ؟؟


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 01:46 AM   #939

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

رجاء
ممكن حد من الإدارة في المنتدى يضع الفصل pdf .. ما عندي فيس افتح منه وبقرأ بس من المنتدى
في حدا بعاني من مشكلة اختفاء النص في الصفحة وتصير بيضا مثلي؟؟؟


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-19, 02:04 AM   #940

Tamaa

? العضوٌ??? » 407831
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » Tamaa is on a distinguished road
افتراضي

شكله ما حدا بعاني من هالمشكلة غيري :'(
طيب شو الحل :'(


Tamaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:44 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.