آخر 10 مشاركات
567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          روايه روحي لك وحدك للكاتبه (ريم الحجر) روايه رائعه لا تفوتكم (الكاتـب : nahe24 - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          روزان (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          ذكرى ضاعت منه(132)للكاتبة:Dani Collins (الجزء الثاني من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          فِتْنَة موريتي(103) للكاتبة:Katherine Garbera(الجزء2من سلسلة ميراث آل موريتي) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          خذني ..؟ -ج1 من سلسلة عشقٌ من نوعٍ آخر -قلوب قصيرة - للرائعة ملاك علي(كاملة& الروابط) (الكاتـب : ملاك علي - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          وكأنها رملة..! (59) -قلوب نوفيلا- للآخاذة: eman nassar [مميزة] *كاملة &الروابط* (الكاتـب : eman nassar - )           »          الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-09-19, 11:05 AM   #961

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,824
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي


الله الله على الجمال والروعه



Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-19, 03:35 PM   #962

هالة الذكرى
 
الصورة الرمزية هالة الذكرى

? العضوٌ??? » 439522
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 313
?  نُقآطِيْ » هالة الذكرى is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أجمل الشخصيات التي أحبها فعلا، تلك العفريته العابثة..
يالله..
و كأن بداخل كل أنثى عفريته مجنونة مثلها، يتم إسكاتها بالقوة.
إقتربنا من النهاية صحيح..
كما قال لك أحد الأعضاء سابقا يا نيرمين بأنك تظلميننا بهذه الشخصيات الرائعة.
تزرعين الأمل بعد بذر التفاؤل، و جمال النهايات سواءا في الدنيا أو الآخرة.
الحاجة ثمر.. أسمها كحكمها التي تنزل على القلب بمذاق شهي و نكهة لاذعة، إيمان العوام كما قال عابد.
إختيارك للأسماء بحد ذاته جميل، كل له دوره.
أحاول القراءة بتمهل في هذه اللوحة الناضجة ، بينما تخونني عيناي للوصول لآخر نقطة.
ربما كان سر الكلمة هو الأرادة.. كلهم أرادوا وتغيروا ..
جزاك الله خيرا.


هالة الذكرى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-19, 12:49 PM   #963

apple pie

? العضوٌ??? » 374632
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » apple pie is on a distinguished road
افتراضي

لو ربنا مش رايد لك هداية ماكانش دلك ع الطريق ..هو وحده العالم بالقلوب ..خدعة إبليس من قديم الزمن معروفة ..يخللينا نصدق إننا زيه بعيد عن رحمة ربنا ..والعاقل اللي يرجمه بحجر إيمانه ..ده ربنا سمى نفسه التواب ..هيتوب على مين لو كنا كلنا صالحين مابنغلطش؟!



_شغلتي علمتني كتير ..ورتني آخر الطريق اللي الكل بيتكالب عليه ..فتحت عيني ع الصورة الحقيقية اللي نفسي كل الناس تشوفها ..كل ثانية في عمر البني آدم كنز ..كنز بيندم عليه لو ضيعه في غير طاعة ربه ..أنا شفت الموت وهو بيفضح المستخبي ..ياما شفت وشوش منورة وهي اللي كانت في الدنيا شقيانة ..وشفت وشوش سودها عملها وهي اللي كانت طايحة في الخلق من غير خشا ..شفت الخواتيم وسرها اللي ما يعلموش إلا ربي ..يمكن عشان كده اتعلمت ما أتسرعش في حكمي على خلقه .


كلام رائع في منتهي البساطه لكنه في منتهي العمق
فعلا ابدعتي


apple pie غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 12:03 AM   #964

jadbalilo

? العضوٌ??? » 394100
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » jadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم أخت نرمين هل هناك فصل اليوم أم لا متشوقة لمعرفة ماذا سيحصل بين مروان وداليا

jadbalilo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 12:06 AM   #965

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

في انتظار الفصل 😍😍😍😍

د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 12:09 AM   #966

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

:heeheeh:😘😘😘😘😘😘

د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 12:24 AM   #967

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الخامسة والعشرون
=========

شريد تخطفت ذيل عباءته غربان الغواية ..
وكاد نعيقها يصم أذنيه ..
لكن بلابل الهدى لا تضل طريق المخلصين !

نظرة ..!
ثم اهتدت روحي إليك فكنت لي بعد طول غربة سكنا..
كلمة..!
ثم تلمس القلب الطريق إليك عدوا لا حبوا ..
لقاء..!
ثم ابتسامة ..ثم تنهيدة ..
تنهيدة أخبرتني أن إليك المنتهى ..!
فلا تخافي بعد اليوم حوريتي ..
مهما طال الدرب ..مادامت القلوب قد تعانقت فلن تفترق الكفوف !
"عابد"
========










لم أصدق!
يوم قيل إن الحب غيثٌ لا يضل من استقاه..
قلت ما يجديه ؟! إن أرضي بور!
لم أصدق!
يوم قيل إن العشق كلماتٌ تعرف كيف تبدأ و لا تنتهي ..
قلت ..ما أشقاني! وقد نفد حبري ومزقت الورق ..
لم أصدق !
يوم قيل إن الغرام جناح يحمل العشاق لأعالي سماوات الجنون..
قلت ..ما تدرون أنتم عن ثقل حجر مربوط بقدمي ؟!
لم أصدق !
ثم جئت أنت وبين كفيك بعد العمر ..ألف عمر ..
جئت وبين عينيك حب ..ليس يشبهه حب ..
جئتَ ..
فأينعت أرضي وجددت دفاتري وحررت قدميّ وصرت جناحي ..
لم أكن أصدق ..
والآن صدقت ..بل آمنت ..
أن النور في آخر النفق الطويل ليس إلا قبساً من غرامك !
"لجين"
======







_أنتِ بخير؟!
يسألها بحنان مازجه بعض القلق وهو يطرق باب غرفتهما من الخارج برفق عقب اختفائها داخلها منذ دقائق طالت ..
يعلم أنها بحاجة لبعض الوقت كي تستوعب خجلها لهذا ما كادا ينتهيان من قضاء صلاتهما حتى هبت واقفة فجأة تستأذنه بتلعثم أن تبدل ثيابها في غرفتهما ..وحدها !

_لجين ؟!
يعاود هتافه بصوت أعلى ليصله صوتها المتحشرج من الداخل :
_ادخل .

يبتسم بترقب وهو يفتح الباب لتتسع عيناه بانبهار وهما تقعان أولاً على جسدها الذي ضمه مئزر حريري أبيض تناقض مع سواد شعرها الحالك الذي أسدل فوق كتفيها حراً شديد النعومة لينعكس الضوء فوقه بلمعة فضية تناسب اسمها ..

لم يشعر بخطواته تسحبه إليها وعيناه تجريان فوقها مأخوذة بما ترى ..
كفاها يحيطان وجهها كعادتها عندما تخجل فتتسع ابتسامته وهو يزيحهما عن وجهها ببطء لتسبح نظراته في حدقتيها :
_ما شاء الله لا قوة إلا بالله ..أقولها إذ دخلت جنتي !

يخفق قلبها بجنون وهي تميز هذه النظرة العاشقة في عينيه ..
تكاد تكذب هذا الإعجاب الذي يفيض كالسيل في نظراته ..
طالما قالتها ثمر فلم تصدقها ..

"ربنا خلق لكل جمال العين اللي تشوفه ..بتصدقي وعد ربنا يا بتّ ؟!"

تكاد تسمعها بصوتها في أذنيها الآن لتجد نفسها تتمتم دون وعي :
_مصدقاه !

يرمقها بنظرة متسائلة فلا تجيبه إلا بفيض من دموعها استقبله بحنان على صدره وأنامله تسرح في رحلتها بين خصلات شعرها بينما همسها يصله حاراً لاهباً:
_أنا عمري ما حلمت بفرحة زي اللي أنا حاساها ..عمري ما اتجرأت حتى أحلم إن حد يحبني ..كنت دايماً الصورة المطفية جنب ياقوت ..خيبة ورا خيبة جمدت قلبي ..حسستني إن اللي باقي م العمر تحصيل حاصل ..بس ستي ثمر كانت دايماً تقوللي "وفي السماء رزقكم وما توعدون "..تقولها وتسألني بتصدقي وعد ربنا ..

لم تستطع إكمال عبارتها مع ارتجاف جسدها بدموعه ليضمها إليه أكثر ثم يبتعد قليلاً ليقبل جبينها هامساً أمام عينيها :
_هذا هو إيمان العوام المذهل الذي يحكون عنه ..لا يسعني إلا أن أحمد ربي أن حفظ لي قلبكِ
لأكون أول من يسكنه ..
_وآخِر !
تقولها عفوياً قبل أن يغلبها خجلها لتعاود دفن وجهها في صدره ليضحك ضحكة راضية وهو يعاود ضمها إليه بقوة حانية ..
قبل أن يخفي وجهه في حنايا عنقها مكرراً :
_وآخِر !

جسدها يرتجف بين ذراعيه بخجل فطري و"اعترافها الأول" بالحب يذهله بعفويته وسحره ..
_أنتِ جميلة حقاً ..لا أدري من أين ينبع سحركِ ..من روح نابضة بالطيبة ؟! من عينين تحملان براءة الدنيا ورقّتها ؟! أم من شفتين لا تجيدان الكلام إنما تتقنان أثره ؟!!

_عابد !
تهمس بها بما لا تدري عشقاً أم رجاء ..رجاء له أن يتوقف عن هذا الحديث الذي يكاد يذيبها بحلاوته ..
بل يكاد يوقف قلبها فرحة وخوفاً ..
خوفاً من أن تفقد كل هذا بذنب تخفيه !

ربما لهذا رفعت إليه عينيها الشفافتين بهمسها الوجل:
_انت..ما سألتنيش عن تعبي اللي قلتلك عليه ..مش عايز ..
لكنه يمس شفتيها بشفتيه مساً خفيفاً مقاطعاً كلماتها لتزداد ارتجافتها وهي تغمض عينيها بقوة فيصلها همسه :
_ما تظهرينه يكفيني لأهيم بكِ حباً ..ماذا يعنيني فيما تخفينه ؟!

يقولها مراوغاً وكارهاً أن يفسد سحر ليلتهما هذه بحديث يدرك أنه سيؤذيها ..
ياقوت أخبرته -سراً- أنها قد تعافت ولا يريد أن ينكأ جرحها هي من جديد ..

لهذا أحاط وجنتيها براحتيه مردفاً :
_تعلمين ما يصنعه الخجل بالسمراوات يا فضية ؟!

نبرته الهائمة تنسيها خزيها وترفعها محلقة في أعلى سماوات فرحتها ..
بينما همسه يصلها دافئاً حنوناّ :
_يحيلهن قطع حلوى وردية لا تقاوَم !

شهقتها الخجول تتبعها ابتسامة وهي تسبل جفنيها اللذين طافت فوقهما شفتاه برقّة ..
قبل أن تشعر به يدفعها نحو طاولة الزينة القريبة ..
تفتح عينيها لتطالع صورتهما في المرآة لا تكاد تصدق أنها صارت له ..كما صار هو لها ..
جسده يحتويها بكنف أمانه بينما يلصق ظهرها لصدره ..
ووجهه ينحني ليقبل وجنتيها برفق قبل أن تراه يمد أنامله ليلتقط من فوق الطاولة زجاجة عطر لوح بها في وجهها هامساً بعذوبته المهيبة :

_عطرك يا فضية !..صنعته خصيصاً لأجلك ..لن تحمل رائحته أخرى غيركِ أبداً .

مزيجٌ من الخجل والفخر يغزوها فلا تدري أيهما يعصف بها أكثر ..
هو صنع عطراً خاصاً لأجلها هي!!
كم تتوق لشمّ رائحته ..
بل رائحتها هي ..في قلبه قبل أنفه !!

لهذا امتدت أناملها نحو الزجاجة تلتقطها منه لتنزع عنها غطاءها وترفعها نحو عنقها تهمّ بوضعه ..
لكنه وضع كفه فوق كفها الممسك بالزجاجة ليحتويهما معاً ..
قبل أن يهمس باعتراض ناعم :
_ليس هكذا تضعين عطركِ يا حوريتي ..بل هكذا ..

يقولها ليمسك زجاجة العطر فيلف سدادتها ليزيحها ..قبل أن يميلها ليسكب بعض العطر على أنامله ثم يمس بها عنقها ..جيدها ..كتفيها ..
قبل أن يزيح طرف مئزرها سامحاً لأنامله برحلة أطول ..


تغمض عينيها ورائحة العطر تداعب أنفها متزامنة مع لمساته الساحرة فيزلزلها هذا المزيج بين خجل ونشوة ..
توقن أنها لم تتنشق في حياتها رائحة كهذه ..ولن تفعل !!
رائحة امتزجت بعبير التفرد والعشق !!

_أعجبتكِ ؟!
يسألها وهمسه يزداد سخونة فتفتح عينيها لتومئ برأسها في خجل يكاد يصهرها ..

_أيهما ؟! الرائحة أم ..لمساتي؟!

ومن جديد تغطي وجهها بكفيها وهمسه الجريئ على مسامعها يحملها لعالم آخر لم تعرفه يوماً ..
فيزيح كفيها عن وجهها ليستبدل موضعهما بشفتيه اللتين نثرتا فوق بشرتها عبيراً أشد وطأة من عبير عطره ..
أنفاسهما تمتزج واللقاء تدعمه حنايا الروح قبل الجسد ..
لم تتصور يوماً أن يكون قد يخفي بركاناً مشتعلاً كهذا خلف تحفظ عباراته المعهود ..

تسند كفيها على صدره مستسلمة لطوفان عاطفته وخجلها يمتزج برهبة فطرية تجعلها تنكمش بين ذراعيه رغماً عنها ..

لكنه يجيد هدهدة مخاوفها وهمسه المشتعل يمتزج بحنان لا يبدو أن يجيده رجل مثله ..:

_كوني عادلة يا فضية ..ضعي لي عطري كما وضعت عطرك.

تنتبه حينها للزجاجة الأخرى التي لا تدري كيف وصلت ليده ..
فتعض شفتها بالمزيد من الخجل وهي تخفي وجهها في صدره لتغرد ضحكته في أذنها مع همسه :
_لا فرار يا حوريتي ..عطرٌ بعطر والبادي أكرم !
========


_أكيد زين بيه ..اتفضل!

صوت ثمر يصلها بالكاد فلا تكاد تميز إلا هالة وجوده هو..
قلبها يكاد يقفز من صدرها نحوه وهي تراقب نحول جسده الذي ازداد عن آخر مرة رأته فيها ..
ذقنه النامية ..شعره الذي استطال حتى كاد يلامس كتفيه ..
هيئته لم تكن بأناقتها التي اعتادتها كأنما جاء على عجل ..
لكنه احتفظ بسحر هيبته الذي يزلزلها بأي صورة كان !

زين ..
زين هنا ..
في بيتها ..
مع ثمر !!
ثمر!!

_آسف إني جيت من غير معاد بس رائد قاللي إن همسة ..

يقولها بصوت ملهوف وعيناه -حبيبتاها- تواريهما أهدابه كأنه يخجل أن يرفعهما نحوها ..
يخجل؟!
هذا هو بالضبط ما كان يشعر به وهو يدلف لداخل بيت ثمر "البسيط" ظاهراً و"المهيب" جداً بهذه الروح التي تسكنه ..
روح لم يخطئ رجل مثله تقديرها !

_بيت الحاجة ثمر ده زي بيت الأمة كده ..مفتوح للكل ..اتفضل!
بصوت إسلام- الذي تمازجه دوماً رنة هزله -تسمعها فترفع إليه ياقوت عينيها بنظرة عاتبة ..وربما مستغيثة ..
ليجيبها بغمزة مؤيدة خفية لم يرها سواها وهو يخرج من الغرفة ليتقدم نحو زين يصافحه بنظرة متفحصة لكن الأخير بدا وكأنه لا يشعر سوى بشخصين ..
إحداهما على بعد خطوات منه لكنه يستحيي أن يرفع إليها عينيه في وجود ثمر ..
والأخرى يكاد ينخلع قلبه قلقاً عليها وهو لا يدري ما الذي أصابها حقاً ..

_همسة !
يقولها زين بنبرة استئذان قلقة ليتقدمه إسلام مشيراً للغرفة المجاورة التي تبعه نحوها زين ..
وما كاد يلمح همسة مستلقية هناك على الفراش حتى اندفع نحوها بلهفة لينحني فوقها ويطوقها بذراعيه بقوة بينما يسبل جفنيه محاولاً السيطرة على انفعاله ..
منذ الحادث الأخير وهو يشعر بقلق هستيري نحو كل من يحبهم ..
صورة "المرأة" بسوطها تجلده يستحضره عقله آلاف المرات فيهيأ إليه أن القدر لا يزال يدخر له المزيد من الجلدات ..
لو كان الأمر يخصه وحده لاستقبله بشجاعة لا يدعيها مرحباً بقصاص يطهره ..
لكن أن يعلق أحبته بهذا الوحل فهو ما يكاد يثير جنونه !!

_أنا كويسة يا زين ..ما تقلقش !

تقولها همسة بصوتها البريئ والقلق يعصف بها هي من عناقه الذي بدا لها متشنجاً هادراً ودقات قلبه تكاد تدوي في أذنيها ..
تحس -بقلبها النقي- بفداحة هذا الخوف المبالغ فيه عليها ..
فتكرر وهي تربت على ظهره بحنان كأنه -هو المصاب- لا هي:
_والله كويسة جداً يا حبيبي ..ما تخافش .

تقولها لترمقهما ثمر بنظرة متفحصة خبيرة وهي تميز اختلاجة جسده وشعوره الذي لا يحتاج لتأويل ..
إنه حتى لم يرفع عينيه في وجهها منذ ولج لبيتها فاقداً ومفتقداً لباقته المتوقعة ..
رجل -بمكانته وخبرته الاجتماعية - عندما يعجز عن قول بضع كلمات مجاملة في موقف كهذا فهو يعني أنه حقاً مزلزل ..
مهلهل كهيئته الغريبة هذه !
هيئة رجل فقد أرضه الثابتة لكن ..هل هو صادق حقاً في البحث عن أخرى أكثر ثباتاً ؟!

وفي مكانه وقف إسلام يرقبه بذات التفحص ..
ولا يدري لماذا ذكره بموقفه هو نفسه منذ وقت ليس بالطويل ..
لا يستطيع لومه على حياة عاشها بالطريقة الخطأ وقد سبق أن عاش مثلها ..
لكنه كذلك لا يثق أنه قد يحتمل ما احتمله هو ..
صراعٌ بداخله لا يملكه بين "طبيعة شرقية حمائية" تجعله يود لو يحطم هذا الرجل الذي استباح حرمات أختيه ..
وبين "عقلية متفتحة متسامحة " عاش بها سنوات لا بأس بها في تركيا وتجعله أكثر تفهماً للموقف ..
فماذا عساه بفاعل؟!
كلمة السر ..ياقوت!!
لو كانت هي تثق به فهو سيؤيد حكمها لا محالة !!

لهذا التفت نحوها ليميز ارتجافتها ..
ارتجافتها التي شعر بها هو..
ووجهها الذي أطرقت به يمنعه رؤية ملامحها لكنه كان يحس بهذا البركان المشتعل بداخلها ..
لهذا عاد يرمق زين بنظرة متفحصة سريعة قبل أن يتحرك ليمسك كف ياقوت بقوة داعما فترفع إليه عينيها بنظرة امتنان ..
لكنه يحاول مشاكستها بمزاحه وهو يميل على أذنها هامسا بخفوت :
_مش قلتلك بلاش الفوسفوري؟ يعني الراجل بعد الغيبة دي يرجع يشوفك بالمنظر ده ؟!
_على قلبه زي العسل ..إيش فهمك انت ؟!
تهمس بها بنفس الخفوت وبفخر مبالغ فيه يجعله يمط شفتيه باستياء وهو يعاود الميل عليها بهمسه :
_جتكو القرف انتو الاتنين !
تلكزه بمرفقها في خاصرته ليكتم تأوهه بصعوبة وهو يعود ببصره نحو رائد الذي بدا وكأنه صقر متربص يترصد كل ردود الفعل أمامه ..

_رائد ده شكله سوسة ..أراهنك إن هو اللي حط التوابل عشان يجيبه هنا على ملا وشه كده !

يهمس لها بها لتبتسم بثقة وهي تكاد تجزم أن هذا ما فعله حقاً ..
خاصة وعينا الرائد الصقريتان تتمهلان قليلاً لتناظرا عينيها بنظرة خاصة فهمتها ..سبقت "شبه ابتسامته" الماكرة ..
والتي جعلتها تشيح بوجهها عنه ببعض الخجل وهي تنقل بصرها بين ثمر وزين ..
تشعر أن مواجهة قريبة بينهما ستحدث ..
ويالخوفها منها !

_نورتنا ..لو كنت بدرت شوية كنت لحقت الفرح ..بس ملحوقة ..
يهتف بها إسلام بمرح مصطنع محاولاً الانفراد بزين ليلتفت نحو ياقوت مردفاً :
_كوبايتين شربات من إيدك الحلوة دي ..ع السطح بقا ..الهوا فوق يرد الروح .

تجمدت ملامح ياقوت للحظات وهي لا تفهم سر تصرف إسلام قبل أن تفطن لنيته فالتفتت نحو ثمر بنظرة استئذان منحته لها الأخيرة قبل أن تتوجه بحديثها نحو زين الذي لا يزال مطرقاً برأسه مكتفياً بعناق همسة الصامت :
_الأصول نجيب عشا ..البيه أول مرة يشرفنا ..و..كرمه سابق!

تباطأت حروفها قليلاً في عبارتها الأخيرة ليرفع إليها زين عينيه أخيراً بتفحص وهو لا يدري ما الذي تقصده بعبارتها بالضبط ..
ظاهرها يبدو امتناناً على سابق ما صنعه لها بالسجن ..
لكن عتاباً خفياً يتشممه ذكاؤه بوضوح خلف الحروف البريئة ..
لهذا حاول قراءة خبيئتها بخبرته وهو يتفرس أكثر في ملامحها ..
بقايا جمال بائد يشبه كثيراً جمال ياقوت خاصة عينيها ..
أخاديد وجهها الغائرة تحكي ألف قصة من وجع وحكمة ..
وابتسامتها "الطيبة" تشبه كذلك ابتسامة حفيدتها ..
لكن نظرة أخرى في عينيها تجعلها مختلفة كثيراً عن ياقوت ..
نظرة تمزج الازدراء بالإجلال ولا يدري كيف يمكن أن يجتمعا!!

لو فهمها حقاً لأدرك أن بداخلها الآن كان الصراع بين صورة "قديمة" لحسين تفرض نفسها على ذاكرتها فتختلط بصورته هو ..
نفس الطلة المهيبة..الثراء ..المركز ..النفوذ ..و..العاطفة !
العاطفة "المؤقتة" لامرأة يراها في مرتبة دونية !!

لكن الصورة -للأمانة- تتشوش ..
فتراه يختلف عنه حقاً !
خاصة وهو يهرع إلى هنا بهذه السرعة فقط ليطمئن على أخته هذه بظروفها ..
بعدما كاد يضحي بحياته من أجلها !!

_مالوش لزوم التعب يا حاجة ..كفاية الشربات ..مبروك للعروسة .

يقولها زين بارتباك غريب على ثقته المعهودة ..
شيء ما في نظرات هذه العجوز يبدو له وكأنه يعريه ..
وكأنه يعيده أمام مرآة ضميره صفر اليدين !
ربما لهذا بقي عاجزاً حتى عن رفع عينيه نحو ياقوت ..
لكن إسلام أنقذه بعرضه للانسحاب معه نحو السطح بالأعلى تلاحقه نظرات ياقوت الملتاعة والتي اصطدمت بنظرات ثمر فغضت الطرف لتهرول نحو المطبخ ..

_عقبال شرباتنا يا غالي !

"العفريتة العابثة" تطلق الزغاريد بداخلها عالية وهي تصب لهما كوبين من الشربات فتجد صداها في قلبها ..لكن عقلها يزجرها بقوة ..
أفيقي يا غافلة ..!
هو هنا لأجل أخته ..!
نظرة واحدة منه لبيتك البسيط هذا قد تمحو أي أمل لكما !
لا تزالين بعيدة ..بعيدة تماماً عن امرأة يحلم بها لتكون سيدة قصر الفايد العظيم ..

_لما أعوز أتجوز أتجوز واحدة زي ياسمين ..اللي زيك أصطادها وبس!

العبارة اللعينة لا تدري من أين قفزت لتسمم أفكارها قبل أن تنتبه أن ال"شربات" ملأ الكوب حتى فاض على جانبيه ..
فابتسمت بمرارة ساخرة وهي تراقب السائل الأحمر وقد لوث الطاولة ..
ليس كل فيض من الحب يمنحنا الكمال ..
أحيانا يكون فيضه هو ما يشوه مظهر كمالنا !!


وعلى السطح وقف زين يراقب قمر السماء بشرود مستنداً على السور القديم ..
شيئ غريب بهذا المكان يمنحه السكينة ..
ربما كونه يخصها هي !
أنامله تتلمس السور خلسة بشعور رهيب بالمتعة وهو يتصورها قد وقفت هنا يوماً مكانه تلامسه ..
اشتاقها ؟!
كيف يفعل ؟! وهي لم تغادر قلبه وعقله منذ آخر مرة رآها فيها ؟!
وكيف لا يفعل؟! وقد صارت ملامحها وحدها "كنز" عمره ..بل وهواء يتنفسه وحده ولا يشاركه فيه غيره ..
أجل ..صارت أيقونة "الطهر والسكينة" في عالمه ..
الطهر والسكينة معاً لا يفترقان !
لو كان الأمر بيده لما خرج من هذا المكان الذي جاءه قدراً إلا وقد طلب خطبتها من جدتها ..
لكن كيف يفعلها وهو يشعر أنه لايزال مدنساً بذنبه القديم !!

ابتسامة ساخرة تطوف فوق شفتيه وهو يتذكر أياماً عاشها يستكثر حبه على امرأة بظروفها ولا يراها تليق بأن تكون نجمة عالمه ..
والآن يدور الزمان بلعبته فيجعله يشعر حقاً أنه هو من صار لا يليق بطهرها بعدما كان منه ..
لكن ..ما الذي يغيره هذا في قاعدة ثابتة كثبوت الكون في سننه ..؟!
أنها له ..وأنه لها ..
تماماً كما تشرق الشمس من مشرقها ..
فالحب يشرق من قلبيهما كل فجر ليرسم لكليهما نور حياته !

_أنا عارف كل حاجة .

يقاطع بها إسلام شروده بنبرة أقل مرحاً عن تلك التي كانت بالأسفل ليلتفت نحوه زين بنظرة مترقبة ..
هو يعلم أنه رافقها لمكتب محاميه هو يوم حصلت على الطلاق ..
فهل اعترفت له بكل ما كان ؟!
ذكاؤه يدفعه للصمت كعهده منتظراً أن يبوح إسلام بما في جعبته ..
ومكتفياً بقناع جامد لا يظهر بركان عاطفة يشتعل الآن بصدره ..

_ما تفتكرش إن ياقوت دلوقت هي هي اللي عرفتها زمان ..المنكسرة اللي مالهاش ضهر ..يمكن حسين رجائي فرقنا في حياته بس موته جمعنا تاني بأقوى صورة ممكنة ..عن نفسي مش هاتسرع في الحكم عليك ..بس واجب عليا أحذرك ..
يقولها إسلام بنبرة مهددة ليقترب بوجهه منه مردفاً بعينين ضيقتين :
_لو فكرت بس تأذيها هخلليك تندم ع اليوم اللي اتولدت فيه .

كز زين على أسنانه بغضب وعيناه تشتعلان بجنون كاد يفضحه لسانه لولا هذا الصوت من خلفهما ..

_بابا ..مش عارفة أنام في الأوضة تحت..تعال احكيلي حدوتة .

تهتف بها ريما برجاء طفولي لتتبدل ملامح إسلام لحنان جارف وهو ينحني ليحملها قائلاً :
_طب خمس دقايق بس ..
_ولا نص ثانية !..مش كفاية مش عارفة أشوفك طول النهار وانت مع الرجالة بره ؟!

تهتف بها بتنمر أنثوي يشبه ذاك الخاص بوالدتها ليبتسم وهو يقبل وجنتيها بعمق ليتحرك منتوياً المغادرة ..
قبل أن يرمق زين بنظرة جانبية سبقت قوله بنبرة عادت إليها جديتها :
_كلامنا ما خلصش ..يا زين.

يقولها متعمداً وقد لاحظ لفظة "بيه" التي أصرت ثمر على النطق بها وكرهها هو لما تعطيه من انطباع بفوقيته عليهما ..
ليشعر بقبضة زين تشتد على كتفه بقوة تكاد تكون مؤلمة ..
عيناه المشتعلتان تتوهجان حتى في هذه الظلمة ..
والكلام يخرج من بين شفتيه بارداً كنصل سكين :
_مفيش حاجة في الدنيا ممكن تمنعني عنها غيري أنا ..اللي واقف بيننا دلوقت أنا عايش بس عشان أنسفه ..وبعدها مش هاسمح لأي حد ولا هي نفسها إنها تبعد عني .

يتشنج جسد إسلام بغضب وهو يضم قبضته ليكاد يهتف بقول ما تراجع عنه مع وجود ريما بين ذراعيه ..
خاصة مع ظهور ثمر التي كانت تتقدم نحوهما حاملة صينية العصير ..
فرمقه بنظرة متوعدة لم تلبث أن تحولت لابتسامة مكتومة عندما أعطاه ظهره ..
هذا الرجل متيم بها حقاً !!
ردة فعله هذه أعجبته رغم ما أظهره من غضب !!

_مرزقة يا توتة ..بألواناتك دي لقينا اللي يرضى بيكي !

يهمس بها لنفسه سراً وهو يتحرك بالصغيرة ليهبط بها الدرج فيرى ياقوت واقفة هناك عند قاعدته تتململ وهي تفرك كفيها لتسأله هامسة باستنكار عاتب :
_انت سبته مع ستي لوحده ؟!
_وأنا شغال "بيبي سيتر" للراجل الغامض بسلامته ؟!
يهمس بها بنفس الاستنكار لتلكزه في كتفه فتهتف بها ريما مدافعة :
_ما تضربيش بابا !
_أصيلة وبنت أصلا ..آه والله !
يقولها إسلام وهو يقبل الصغيرة ليخرج لياقوت لسانه فتعاود لكزه في كتفه ليضحك من جديد ..
قبل أن يتنهد ليميل عليها هامساً بجدية :
_مابيحبكيش .
اتسعت عيناها بصدمة من قوله لينقبض قلبها قبل أن يغمزها بنبرة عاد إليها مرحها :
_ده مجنون بيكي !

تنهدت ببعض الخجل وهي تضربه على كتفه بكلتي قبضتيها هاتفة لريما:
_معلش يا حبيبتي ..باباكي لازم يتضرب .

ضحكاته تمتزج بضحكات الصغيرة التي اطمأنت لمزاحهما فبقيت تصفق بكفيها للحظات ..
قبل أن يتأوه إسلام ليقول مخاطباً ياقوت بنفس النبرة :
_بدل ما تضربيني دلوقت ادعيله ..
ثم رفع وجهه للسماء مردفاً بخشوع مصطنع:
_ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل !

عادت ياقوت تضربه بخفة على كتفه ليغمزها بمكر قبل أن يمضي في طريقه مدندناً بما كانت تسمعه بوضوح:
_يامّه القمر ع الباب ..نوّر قناديله ..يامّه أرد الباب ..واللا أناديله ..ياامّه ..

تكتم ضحكتها وهي تراقب ظهره المنصرف ثم تتنهد بحرارة ووجهها يكاد يشتعل بسخونته ..
تصعد بضعة درجات خلسة من السلم لتتراجع فجأة وهي تميز جسده من بعيد ..
والقمر "صديقها " هاهنا خلفه ..
نفس القمر الذي شاطرته حكاياها عنه ..
الآن هو يقف مثلها في نفس المكان ..مع ثمر ..
لا ينقصه سوى أن يضع رأسه في حجرها فترقيه كما تفعل معها !

عيناها تدمعان من "حميمية" التصور وهي تعود لتتأمل ملامحه التي يداريها عنها الظلام ..
لكن قلبها يحفظها كما يحفظ ملامحها هي !!
ترى كيف سيكون لقاؤه بثمر ؟!
عم سيتحدثان ؟!
تحاول صعود درجة أخرى خلسة لعلها تستمع محاولة التخفي عن عينيهما ..

_عنك يا حاجة !
الجملة التي بدأ بها حواره مع العجوز وهو يتقدم نحوها ليتناول منها الصينية التي لم يجد لها مكاناً سوى حافة السور ..
فابتسمت ثمر من بساطة حركته وهي تلم طرف ثوبها لتتقدم منه قائلة :
_عامل إيه دلوقت يا "بيه"؟!

يطرق برأسه بخزي لم يعد يتعجبه أمام امرأة بهيبتها ليستعيد كلماتها المهيبة التي وجدت أثرها في نفسه في المكالمة الوحيدة بينهما منذ أيام لا يدري عددها ..
سؤالها حمل المزيج من حنان فطري مع ترقب خفي استشعره بذكائه ..
كأنما هي لا تسأله عن حاله ..بل عما سيفعله بعد !

يحاول البحث عن جواب منمق يجيده مثله لكنه لا يجد !!
زين الفايد الذي التقى بوزراء ورجال أعمال من أغلب دول العالم تقريباً يجد نفسه متلعثماً كطفل أمام هيبة امرأة بسيطة كهذه !!

_خايف.

تخرج منه همساً رغماً عنه ولايزال مطرقاً برأسه لتلتمع عيناها بقوة وكأنما أعجبها الجواب ..
يصمت بعدها قليلاً لكنها لا تحاول أن تستنطقه ..
خبرة السنين علمتها أن بوح النادم كالمطر لا يمكن الجزم بموعده إنما بأثره !
لهذا انتظرت صابرة تتأمل وجهه المطرق بتفحص حتى همس أخيراً :
_خايف أمشي خطوة عشان أكفر عن اللي فات ألاقيني ما أستاهلهش بداية جديدة ..وخايف أفضل مكاني أبقى أنا اللي كتبت نهايتي بإيدي ..خايف أكمل عمري ..وخايف ما أكملوش.

همسه الصادق يمسها بدفئه خاصة مع هيئته الذابلة وخفقات صدره المجنونة التي كان يرتج لها جسده ..
فترتجف شفتاها بابتسامة خافتة وهي تقول بحكمة :
_ما هو الخوف ده اللي مخللينا بني آدمين ..لا احنا ملايكة ولا شياطين ..عارف لو كان الشر ماليك؟! ..كنت قلت غلطة وراحت واستسهلت طريق الرجوع ..لكن خوفك ده دليل قلب صاحي ..موجوع بذنبه وعايز يتوب ..ناقصه بس يتوكل ..

هنا وجد بعض الجرأة ليرفع إليها عينيه فيزداد وجهها مهابة في ناظريه ..
خاصة والقمر يبدو خلفها فيمنح شكلها قدسية خاصة في الظلمة النسبية المحيطة بهما ..

_عارف يعني إيه يتوكل ؟!
تسأله وهي تلتفت نحوه لتلتقي عيناهما بهذا القرب في نظرة طويلة ..
لم تكن تنتظر جواباً من رجل بذكائه لكنها كانت تنتظر قولاً كهذا الذي خرج من بين شفتيه مع ابتسامة شاردة :
_أنا لقيت أول الطريق ..بس كل ما أبص ورا ظهري أحس إن الذنب اللي في رقبتي أكبر من إني أمشي بيه ..
_يبقى ما تبصش !
تقولها ببساطة ثم ترفع عينيها للسماء مردفة :
_لو ربنا مش رايد لك هداية ماكانش دلك ع الطريق ..هو وحده العالم بالقلوب ..خدعة إبليس من قديم الزمن معروفة ..يخللينا نصدق إننا زيه بعيد عن رحمة ربنا ..والعاقل اللي يرجمه بحجر إيمانه ..ده ربنا سمى نفسه التواب ..هيتوب على مين لو كنا كلنا صالحين مابنغلطش؟!

عيناه تتسعان قليلاً مع سلاسة منطقها وكلماتها شديدة البساطة ..شديدة العمق في ذات الوقت ..
امرأة كهذه هي حقاً من تربي واحدة كياقوت !

إعجابه الحقيقي يزين ملامحه ويختلط بخزي لا يملكه ..
فيبدو كتلميذ متردد يعرض خطته على أستاذه :
_دار رعاية فتيات ..بدرس المشروع وقريب قوي هبدأ فيه .

فتعاود التفاتها نحوه بابتسامة استحسان وقولها الرفيق يصاحبها:
_ربنا يوفقك .

ابتسامتها تنتقل عفوياً إليه بشعور غريب بالحميمية ينتابه نحوها ..
إنها المرة الأولى التي يقابلها فيها لكنه يشعر أنه يعرفها منذ زمن ..
هل هو شبهها بياقوت ؟!
صلتها بها؟!
أم هو سحر كلماتها الذي منحه الدافع كي يجدّ فيما ينتويه بسرعة دون تخاذل ؟!!
أن ينفض عنه ركام الذنب الذي دفن نفسه بين أطلاله طوال الأيام السابقة ويضع قدمه على بداية الطريق الحقيقية ..

_شكراً .
يقولها صادقاً وشعور الخزي الذي بدأ به محادثته معها يتضاءل تدريجياً ويحل محله حماس غريب ..
كأنما يريد أن يثبت لها أنه حقاً أهلٌ لما تحكي عنه !
فتتسع ابتسامتها ثم تتنهد بحرارة وهي تعود للشرود في السماء لتقول بصوتها المهيب:
_شغلتي علمتني كتير ..ورتني آخر الطريق اللي الكل بيتكالب عليه ..فتحت عيني ع الصورة الحقيقية اللي نفسي كل الناس تشوفها ..كل ثانية في عمر البني آدم كنز ..كنز بيندم عليه لو ضيعه في غير طاعة ربه ..أنا شفت الموت وهو بيفضح المستخبي ..ياما شفت وشوش منورة وهي اللي كانت في الدنيا شقيانة ..وشفت وشوش سودها عملها وهي اللي كانت طايحة في الخلق من غير خشا ..شفت الخواتيم وسرها اللي ما يعلموش إلا ربي ..يمكن عشان كده اتعلمت ما أتسرعش في حكمي على خلقه .

كان يشعر أن عبارتها الأخيرة رسالة له ..
رسالة يقدرها حقاً وهو يشعر بها تمنحه فرصة !

لهذا وجد المزيد من الجرأة ليدرج ياقوت في الحوار ..

_صدفة غريبة قوي ! دلوقت بس افتكرت إن أول مرة قابلت ياقوت في مكتبي كعبها اتكسر ..والنهارده أول مرة أقابل حضرتك بسبب إن كعب همسة اتكسر ..بس ياقوت يومها ما وقعتش !

وكأنما حفز ذكر ياقوت وجهها لتبدو له -مع هذا السن- كقطة تدافع عن صغارها ..خاصة ولهجتها تتحول لتحدٍّ واثق:
_بنتي ما تقعش يا بيه !

ابتسامة إعجاب تطوق شفتيه وعيناه تقابلان عينيها بحديث طويل ..
كانت تبحث في ملامحه عن رجل عشقته ياقوت ..
بل والأهم ..عن رجل يمنحها الأمان الذي تنشده ..
فلم تجد سوى طرف خيط اكتفت به مؤقتاً وهو يكرر خلفها بما يشبه الوعد :
_بنتك ما تقعش يا حاجة .

تنهيدة حارة تغادر شفتيها وهي تعاود رفع وجهها للسماء كأنما تستمد من خالقها بصيرة تمنحها العون ..
لم تتصور يوماً أن تسلك ياقوت نفس الطريق الذي سلكته أمها ..
أن تعشق رجلاً يبدو -في ظاهره- كحسين ..
لكن ماذا عن باطنه ؟!
لا ..ستكون ظالمة حقاً لو شبهته بذاك الوغد !!
فلتصبر ..
وليقضِ الله أمراً كان مفعولاً!!

وكأنما تمنحها السماء البشارة فيعلو صوت الآذان فجأة حولهما ..
لتبتسم وهي تغمض عينيها بسكينة لفت قلبها ..
قبل أن تفتحهما لتنظر للبيت المقابل الذي خرج منه عابد لصلاة الفجر كعادته ..
فاتسعت ابتسامتها وهي تشير لعابد بكفها مخاطبة زين بقولها :
_العريس ساب عروسته عشان يؤم الناس لصلاة الفجر ..
ثم التفتت نحوه مردفة ببطء ذي مغزى:
_راجل زي ده هو اللي أتمناه لبناتي ..عشان أموت وأنا مطمنة إنه هيتقي ربنا فيهم .

نظراته تهتز ولأول مرة في حياته يشعر بعدم الثقة في نفسه ..
جبل غروره تنسفه كلماتها البسيطة فتشعره بالمزيد من الخزي الذي يجعله يعاود الإطراق برأسه ..
لكنها "تضرب وتلاقي" كما يقولون ..
فتبتسم وهي تقول له بطيبة لا تدعيها :
_انزل انت كمان الحق صلاة الفجر ..ربنا يتقبل منك .

قلبه يخفق بقوة وهو يعاود تفحص ملامحها المهيبة بمزيج من استغراب وإجلال ..
كيف يمكن أن يصف لقاء كهذا يبدو وكأنه أحياه في لحظات ؟!
لقد سمع عن المرأة كثيراً ..
ورآها في حب ياقوت المغالي لها ..
لكنه الآن يعذرها وكيف لا يفعل؟!
وهي قد وقعت في قلبه بمكان لم تبلغه امرأة سواها بعد أمه ؟!!

لهذا رمقها بنظرة طويلة حملت مزيج مشاعره لتردها له بابتسامة ..
قبل أن تجلس لتتربع مكانها مطرقة برأسها وهي تتلو وردها من التسبيح انتظاراً للصلاة ..

فيما تحرك هو ليهبط الدرج بخطوات متثاقلة ..
منذ ذاك الحادث وموت تلك المرأة وهو عاجز عن الوقوف بين يدي الله ..
يشعر بوزر ذنبه يكبله ..
ويسوّف توبته يوماً بعد يوم ..
لكن ..أما آن اللقاء ؟!

يشعر بها حتى قبل أن يراها ليرفع عينيه نحوها ..
أخيراً منذ جاء إلى هنا يجد الفرصة ليعانق "قمريها السجينين"..
فيجدد لهما الوعد أن يحررهما ..!
يده ترتفع رغماً عنه كأنما يهم بلمسها ..
لكنه يقبضها جواره بسرعة قبل أن يغمض عينيه بقوة كأنما ينتزع نفسه عنها انتزاعاً ليتركها وراءه تراقب ظهره المنصرف بلهفة وجلة ..

قبل أن تمد أناملها تتلمس قرط أذنها تحت حجابها كأنما تستمد منه شعورها المعهود بالأمان ..
خطواتها تسحبها نحو السطح الذي امتلأ بعطره ولا تظنه سيغادره ..
نظرة طويلة منها نحو القمر القريب كأنما تشكره أن جعله يتشاركها صورته ..
ترى ثمر واقفة مكانها تصلي بخشوع فترقبها بعينين متفحصتين ..
ترى كيف صار اللقاء؟!

_اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام .

تقولها ثمر عقب تسليمها من الصلاة قبل أن ترفع عينيها إليها ..
لتزدرد ياقوت ريقها بتوتر قبل أن تجلس على ركبتيها لتستلقي فتضع رأسها في حجرها ..
عينا ثمر الحنونتان تشرفان عليها من علوّ وهي تمسد على شعرها برفق ..
فتبتلع هي كل تساؤلاتها لتغمض عينيها هامسة :
_ارقيني يا ستي .
تبتسم ثمر مدركة ما يدور في خلد العاشقة في حجرها قبل أن تشرع في رقيتها بخشوع ..
ولم تكد تنتهي حتى رفعت ياقوت عينيها إليها بسؤال لم تجرؤ على البوح به ..
لكن ثمر بادرتها بقولها الغامض:
_قومي نامي يا "بنت قلبي" ..الصباح رباح .

وفي طريقه كان زين شارداً في لقائه الغريب بتلك المرأة ..
خطواته تسحبه نحو المسجد القريب فيخلع نعليه ثم يتوجه للحمام المرفق بالمسجد فيتوضأ ..
قلبه ينتفض بجنون كأنما هي أول مرة يصلي لكن ماذا عساه يصنع بهذا الشعور الذي يجتاحه الآن فيزلزله برهبته ؟!
وكيف لا ؟!
وهو يشعر أن كل قطرة ماء تتساقط معها ذنوبه ..
وخاطرٌ ما يقذف صدره بقوة ..
"لم يكن ليلهمك التوبة وهو يريد بك العذاب"!!

عيناه تدمعان رغماً عنه وهو يتحرك مبتلاً رافضاً أن يجفف ماء وضوئه ..
يقف خلف عابد قدراً في الصف الأول فتأتي المزلزلة :
_الله أكبر!

أكبر من ذنبه ..
من ماضيه ..
من وزره الذي ناء به كاهله !!
أكبر من ندمه ..
من يأسه ..
من قنوطه الذي حجبه عن العالم طوال هذه الأيام ..
الله أكبر ..
وأعظم ..
وأرحم ..من أن يرده وهو مقبل !!

خيط رفيع من الدمع يسيل من طرف عينه فلا يستنكف أن يبدو للعيان ..
بل يباهي به من هو أعظم منهم ..
من يراه من فوق سبع سموات ويشعر بحرقة قلبه وصدقه !!

"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"

بصوت عابد الشجي يسمعها فكأنها رسالته الخاصة ..
قلبه ينتفض بقوة بين ضلوعه وكأنما يسمعها لأول مرة ..
يغمض عينيه بقوة مع ركوعه فيشعر بهذا النور الذي يضرب صدره ..
يشتاق للسجود !
يالله !!
لم يشعر يوماً في حياته بلهفته للسجود كما يفعل الآن !!
لهذا ما كاد جبينه يلامس الأرض حتى فاضت عيناه بسيل سخي رفع معه دعاءه ونجواه ..
وكأنه دخل الصلاة بقلب ..وخرج منها بآخر!

رغم السخونة التي يشعر بها تفيض من جسده المنفعل لكنه كان يحس بها برداً وسلاماً ..

يلتفت عابد ليواجه المصلين عقب انتهاء الصلاة فتلتقي عيناهما ..
تعبس ملامح الأول قليلاً وهو يتذكر تاريخهما القديم وشجارهما لأجل ياسمين في ماليزيا ..
لكنه يعود ليذكر ما علمه عما حدث له مؤخراً ..
عيناه الخبيرتان تميزان في عينيه هو دموع توبة يعرفها فتتراخى ملامحه وهو يمد له كفه مصافحاً ..
يشعر بالغرابة من وجوده هنا بالذات تلك الليلة ..
لكن السؤال لم يكن يناسب جلالة المكان ..
لهذا اكتفى بأن يشد على يده بقوة قائلاً بسماحة :
_تقبل الله .

ليستقبلها صاحبه كدعوة لن ترد !
======







تفتح لجين عينيها على ضوء الصبح الذي ملأ الغرفة فتتسع عيناها بعدم تصديق ..
هل حقاً صارت زوجته ؟!
تلتفت بحذر لوجهه النائم جوارها بعمق عقب قدومه من صلاة الفجر لتعض شفتها بخجل وهي تتذكر تفاصيل ليلتهما السابقة ..
كم كان دافئاً شغوفاً ..وكذلك مراعياً وحانياً !
ترفع عينيها بدعاء صامت وقلبها يلهج بحمد لا تظنه سيفارق قلبها ما عاشت ..
كيف تحمد الله على فرحة كهذه أنستها مرارة ماضيها كله ؟!

تتنهد بحرارة وهي تعاود خفض بصرها ليزداد احتراق وجنتيها وهي تميز قميصها المكشوف الذي ترتديه ..
فتحاول النهوض بحذر لعلها تدرك مئزرها المعلق قبل استيقاظه إذ لم تعتد بعد هذا الجو الجديد عليها ..
لكنها لم تكد تتحرك قليلاً حتى شعرت بذراعه على خصرها يشتد مع غمغمته الناعسة :
_إلى أين ؟!

يرتفع حاجباها في حنان غلب خجلها وعيناها تطوفان فوق ملامحه الوسيمة بعشق جارف ..
هذه الهالة النورانية التي تحوطه تجذبها لعالم مريح ناعم تمنته كحلم ولم تظنه يوماً سيكون واقعاً أجمل !

_آسفة لو قلقتك ..انت ما لحقتش تنام .

تهمس بها بخفوت تشك أنه يسمعها مع عينيها المغمضتين لتعود لرقدتها بحذر ..
لكنه يدير وجهه ليدفنه بين خصلات شعرها الثرية المتناثرة على وسادتهما ..
ثم تشعر به يأخذ نفساً عميقاً وهو يمرغ وجهه في نعومة شعرها قبل أن تصلها تمتمته بنفس النبرة الناعسة :
_ألا تخجلين من نفسك ؟!

تشهق مصدومة من عبارته التي لا تعلم سببها لتسأله بتلعثم :
_ليه بتقول كده ؟! أنا عملت إيه ؟!
_لا تدرين ماذا فعلتِ ؟!
نبرته الناعسة تكتسب المزيد من الجدية ولا تزال عينيه مغمضتين ووجهه يتلمس طريقه بنعومة بين ثنايا شعرها ..
فتقفز الدموع لعينيها فجأة وقد غلبتها طبيعتها الشاعرة بالذنب دوماٌ لتحاول البحث عن خطئها ..
لكنه يفتح عينيه أخيراً ليعانق حدقتيها عبر هذا القرب هامساً :
_ألا تخجلين أن يسبقكِ شعركِ ويلقي عليّ تحية الصباح قبلك ؟!

فتضحك رغماً عنها وهي تتنفس الصعداء ارتياحاٌ ثم تمسح دمعة فرت من طرف عينها لتهمس بخجل :
_حرام عليك يا عابد خوفتني .
_حقاً ؟! لماذا خفتِ ؟!
يقولها ووجهه يقترب منها أكثر لتشعر بأنفاسه تداعب أذنها ووجنتها ..قبل أن تمتد أنامله لتداعب وجنتها الأخرى ببطء حانٍ لتضطرب خفقاتها وهي تجيب بنفس الخجل :
_مش واخدة عليك وانت بتهزر ..خفت أكون عملت حاجة زعلتك بجد .

فرفع رأسه ليشرف عليها من علو وابتسامة ساحرة تتوج شفتيه مع همسه :
_لا تخافي من هذا الأمر بالذات أبداً .
تتوه للحظة في لجة عينيه الدافئتين لكن خجلها يجعلها تغمض عينيها عاجزة عن المزيد لتهمس بخفوت :
_يعني عمرك ما هتزعل مني ؟!
_بل سأفعل .
تفتح عينيها مصدومة من رده لتتلقفها ابتسامته مع رده المتعقل :
_سأفعل وستفعلين ..سأغضب منك وتغضبين مني ..لن تخلو الحياة من المشاكل بطبيعة الحال ..لكن لا تدعي ذلك يثير خوفك ..
ثم عاد يقترب بوجهه منها يكاد يلاصقه لتشعر وكأنما اختزل العالم كله في عينين بهذا الحنان ..وبهذا النقاء :
_مهما حدث ..لن تهربي مني إلا إليّ ..ولن أبتعد عنكِ إلا لأقترب ..

لم تكن تعلم أي حال يصيبها مع كلماته هذه ..
خفقاتها تتجاوز حد الجنون لكنه جنون آمن ..مطمئن ..
كأنها لا تهرب منه بل إليه كما يزعم !
لكن هاجساً لم يفارقها منذ أيام طويلة يجعلها تسأله بتردد :
_انت بتمهد لحاجة حاسس إنها ممكن تعمل مشكلة ؟!
يرمقها بنظرة متسائلة لتسبل جفنيها هامسة بوجل:
_والدتك .

لم يرد عليها للحظات ليتأكد هاجسها فتردف مغمضة الجفنين :
_كنت حاسة إنها مش قابلاني ..واتأكدت لما ما حضرتش الفرح .

تقولها لتفتح عينيها فتعانقها ابتسامته السمحة مع جوابه :
_لا تهولي الأمر ..تعلمين أن خالي تعرض لحادث في ماليزيا واضطرت هي للسفر إليه إذ لا أحد يرعاه هناك ..وهي هاتفتك لتباركك عدة مرات .
ترمقه بنظرة متشككة تجعله يرفع حاجبيه بسؤاله :
_لم أقنعك ؟!
تبتسم رغماً عنها وهي تشيح بوجهها لكنه يدير وجهها نحوه هامساً بنبرته الدافئة التي خالطها
الآن بعض المرح :
_نحسب النتيجة ! أنا أخفتكِ منذ قليل وكذلك لم أقنعكِ بخصوص أمي ..وأنتِ لا تزالين لم تلقي عليّ تحية الصباح ..إذن ..اثنان لواحد ..وأنا الخاسر !

تضحك ضحكة قصيرة من مزاحه الغريب عليها بعد طول تحفظ عهدته لتشرق ملامحها مع ردها بطيبة :
_ما تقولش كده أبداً ..ربنا يجعلك على طول كسبان .

لكنها تشعر بذراعيه يندسان تحتها ليضمها إليه بقوة وهو يدفن وجهه في حنايا عنقها ليهمس لها بمزيج حنانه ومرحه الآسر :
_لا عليكِ..روحي رياضية ..الخاسر يجب أن يمنح للآخر ترضية مناسبة ..أريد تخليص ديوني قبل السفر .
_سفر إيه ؟!
تسأله باندهاش طغا على خجلها ليعاود رفع عينيه إليها بجوابه :
_هديتي إليكِ! سنسافر لآداء العمرة ..وبعدها سنقضي رحلة قصيرة في ماليزيا .

_بجد ؟! بجد يا عابد ؟! عمرة ؟! هاشوف الكعبة بعيني ؟! بجد ؟!

دموعها تتكدس في عينيها مع تهدج صوتها فتخفي وجهها في صدره لكنه يشعر بارتجافة جسدها بين ذراعيه فيهمس لها بحنو :
_لم أجد لزواجنا بداية أكثر بركة من هذه ..زرتها من قبل ..لكنني أحب أن أعيد زيارتها معكِ .

_شكراً ..شكراً ..مش عارفة أقوللك إيه !
همساتها تنقطع بدموع تأثرها وقلبها يرتج بداخلها مع فيض شعورها في هذه اللحظة ..
لكنه يرفع وجهها نحوه ليمسح دموعها بأنامله وابتسامته العذبة تغزوها كشعاع نوراني يناقض عبث عبارته :
_لكن هذا لا يغير من النتيجة ..لا أزال مديناً لكِ ب .."ترضية"!

تبتسم وسط دموعها وهي تجد بعض الجرأة لتحيط خصره بذراعيها بعاطفة لمعت في عينيها لتشعر بشفتيه تحلقان فوق بشرتها تمهيداً ل"ترضية" بدأت كنسيم ..وانتهت ..كطوفان !
======









على قبر "حسين رجائي" يقف بعينين زائغتين لم يلبث الدمع الكثيف أن ظللهما ليجثو على ركبتيه أمامه ..
لم يكن يصدق عندما كانوا يخبرونه أن النسيان نعمة ..
لكنه الآن يفعل !
وكيف لا؟!
وسوط الذكريات المتلاحقة يلسعه بقسوة ما تدركه روحه ..!!

كلمات داليا فتحت له باباً من العذاب تدفقت منه شلالات الذكرى لتجرفه في تيارها ..
الآن فقط يذكر كل شيء ..
يذكر ماضيه الذي انهدمت جدرانه واحداً تلو
الآخر بمجرد ضربة معول واحدة ..
ضربة بيد واحد ..بل اثنين ..
حسين ..و..شهد !!

يغمض عينيه بألم وهو يضم قبضتيه جواره محاولاً تجاهل الاسم الأخير ليرفع عينيه نحو شاهد القبر يحدثه كأنه سيسمعه :
_ليه عملت فينا كده ؟! ده أنا كنت عايش العمر ده كله واخدك مثلي الأعلى !! معقول خلاص مشيت ؟! من غير ما تفهمني عملت كده إزاي وليه ؟! مش كنت دايماً تقوللي إني صاحبك ؟! دي كمان كانت كذب ؟!
يهز رأسه بالمزيد من الضياع والاسم "الثاني" يفرض نفسه فرضاً على عقله ..
شهد !
"شوشو"!!
الآن فقط يمتزج الاسمان في ذهنه ليستجمع الصورة كاملة ..
الآن فقط يفهم سر خوفها من أن يذهب لزفاف أخته ..
يفهم سر الدموع التي كانت تملأ عينيها بخزي وهي تودعه ..
المخادعة !!
طوال هذا الوقت وهي تخفي عنه حقيقتها ..
منحته الأمان الذي جعله يهرب إليها هي من أهله ..
غافلاً عن أن الخنجر الحقيقي خلف ظهرها هي !!
فيما كانت تفكر ؟!
أنه قد يسامحها يوماً على فعلتها ؟!
أنه قد يغفر لها تلاعبها به ؟!
أنه قد ينسى أن -علاقة ما- قد نشأت بينها وبين أبيه ؟!
حتى ولو لم يمسها كما زعمت ..
كيف ينسى ؟!
كيف يغفر ؟!

_إزاي ؟! إزاي؟!!

يكاد يصرخ بها بجنون تتفتت له روحه وهو يدور بعينيه على ما بقي له من "أبيه" ..
الجبل العظيم الذي طالما رآه شامخاٌ ..
الآن ينهار فلا يبقى منه سوى مجرد حروف اسم على شاهد قبر ..
وفضيحة ستبقى ملتصقة بجبينه ..
و"جرح قلب" لا يظنه سيندمل !!

_وحّد ربنا يا ابني وقوم ..هم راحوا للي أحن مني ومنك ..ادعيله واطلب له الرحمة ..ده اللي باقي .

يقولها هذا الرجل حارس المقبرة الذي ظهر خلفه فيرفع عينيه نحوه ليهز رأسه بلا معنى ..
الرحمة !!
ليته كان يملك رصيداً منها يسمح له بالغفران !!
بعض الخطايا عصيّة على النسيان ..
ندبتها تبقى تشوه القلب العمر كله !!

يعاود الوقوف على قدميه بصعوبة ليرمق الاسم المكتوب على شاهد القبر بنظرة عاتبة أخيرة قبل أن يمضي في طريقه ..
إلى أين ؟!
هو لا يعرف إلى أين !!
لقد ظن أنه سيلملم شتات نفسه عندما يستعيد ذاكرته ..
والآن يجد نفسه أكثر تشتتاً ..وضياعاً !!

لكن المكان الأول الذي يجب أن يذهب إليه هو ..!!

_هيثم !

تهتف بها جيلان بلهفة فرحة وهي تفتح باب البيت لتجده أمامها فتدمع عيناه وهو ينحني ليعانقها بقوة فتتأوه بقوة هاتفة :
_وحشتني قوي يا حبيبي ..كده هنت عليك تسيبني طول الوقت ده ؟!

ينظر من خلف كتفيها للبيت الذي يراه الآن بصورة مختلفة ..
كل ركن فيه يقذف إليه بالمزيد من الذكريات ..
المزيد من السياط ..
المزيد من الألم ..
خاصة غرفة المكتب التي أغلق بابها منذ وفاة حسين ..
وليته يملك في قلبه غرفة مثلها يغلقها على جحيم ذكرياته !!

_ادخل يا حبيبي ..واقف ليه ؟! انت لسة زعلان مني ؟!

تقولها بلوعة قلب أم وهي تميز نظراته المشتتة لكنه فقد كلماته مكتفياً بصمته المشتعل بين ذراعيها لتردف هي بانفعال أكبر:
_لو زعلان عشان خبيت عليك اللي حصل فده كان عشان مصلحتك ..ولو عشان أخوك فأنا خلاص ماعدتش زعلانة من جوازته ..وطلبت أشوف مراته .

يغمض عينيه بوجع يجد صداه في نفسها وهي تحاول شده للداخل هاتفة :
_ادخل يا هيثم ..ادخل ..مش هنتكلم ع الباب زي الأغراب .

_مش قادر .
يتمتم بها ممتزجة بغصة حلق مريرة استحكمته ليكسو الألم ملامحها وهي تغمغم بحنان عاتب:
_للدرجة دي يا هيثم ؟! ما وحشتكش ؟!

فيتأوه بقوة وهو ينحني من جديد ليضمها نحوه فتهتف وسط شهقات بكائها:
_سلامتك من الآه يا حبيبي ..بكرة تخف وتفتكر كل حاجة ..ولو كان البيت ده هو مشكلتك ..نبيعه ..

يرفع إليها عينين زائغتين وهو يهم بإخبارها أنه استعاد كامل ذاكرته..
وكامل "وجعه"!!
لكنه يتراجع عن هذا لسبب لم يعلمه ..
هو لا يريد الكلام ..
بل لا يريد التنفس!!

بينما استمرت هي في حديثها المنفعل:
_أيوة نبيعه ..أنا كمان ماعدتش عايزة أعيش هنا ..لما أشوف إسلام هاكلمه في الموضوع ده .

يتنهد بإرهاق يثير المزيد من لوعتها فتتحسس وجهه بأناملها هامسة وسط دموعها :
_حتى لو مش فاكر حاجة يا هيثم مستحيل تنسى أد إيه أنا بحبك ..خلاص ..مابقاليش في الدنيا دي غيرك انت وأخوك .

فترتجف شفتاه وهو ينحني ليقبل جبينها بعمق فتمسح دموعها لتبتسم ابتسامة شاحبة مع قولها:
_هترجع بيت ..زميلتك ..دي؟!

المزيد من الألم يحفر خطوطه على وجهه مع كلمة "زميلتك" التي ألقتها مشبعة بمرارتها مدركاً أنه كان كالمستجير من الرمضاء بالنار ..
وأي نار!!

فتسيئ فهم هذا الوجع الذي يكتسحه لتردف وهي تربت على صدره برفق:
_براحتك ..اعمل اللي يريحك .

"اللي يريحك"؟!!
هو لم يعد يعلم ماذا يريحه !!
تنهيدته تخرج مشبعة بلوعته وهو يلقي نظرة أخيرة على البيت خلفها ..
قبل أن ينسحب للمكان الذي لم يعد يأنس
إلا به ..
ولم يعد يكره مثله ..

الحي الشعبي القديم ..
وجوه الناس التي بدأ يألفها ..
البيت الذي عاش فيه طوال الأيام السابقة ..
والآن تمتزج رؤياه بذكرى قديمة تشتعل بين ضلوعه كالنار!!

سيارة والده ..صورتها وهي تركب جواره بثوبها المكشوف ..قبل أن يختفيا معاً!!


قدماه تتوقفان مكانهما وعقله يستصرخه ألا يتقدم أكثر ..
لماذا يعود إليها؟!
لكن قلبه وحده يعرف الجواب ..
يعرفه وإن كان لا يشفع بما يكفي!!

شعور غريب ينتابه وهو يستعيد ذكرياته تباعاً فيكمل القطع المفقودة ..
والقدمان تعودان لحركتهما الرتيبة دون وعي نحو البيت ..
يصعد الدرج فيتوقف أمام باب شقة والدتها المغلق ..
يبتسم بمرارة وهو يدرك أن هذا هو الوضع الصحيح بينهما الآن ولما بقي من العمر ..
أن تغلق بينهما كل الأبواب !!

_مهما حصل بيننا افتكر ..إني عمري ما حبيت ولا هاحب حد غيرك .

يكاد يسمعها بصوتها فتتلاشى من حوله كل
الأصوات ..
الصراع بداخله يكاد يبتلعه وهو يقذفه بين نيران لا يحتملها ..
فيبتعد عن الباب بسرعة كأنه يهرب من شبح ..
قبل أن تسرع خطاه على الدرج نحو غرفته
الآمنة !

فليبقَ هناك فحسب !!
فليحاول أن يجمع ما بقي من شتاته !!
يصل للغرفة لكنه يفاجأ ببابها مفتوحاً فيرتجف قلبه بين ضلوعه بترقب وهو يقترب أكثر ليجدها هناك ..
على فراشه ..
جالسة تتلمسه بأنامل مرتجفة ودموعها تغرق وجهها!!

يغمض عينيه بقوة والإعصار المجنون بداخله يكتسحه أكثر!!
لماذا عاد إلى هنا ؟!
بل لماذا عاد إلى ذاكرته ؟!
ودون وعي يجد نفسه يرفع عينيه للسماء بدعوة اتشحت بعذابه ..

_يارب أنسى تاني يارب ..خلاص ..ماعدتش عايز أفتكر!

يتمتم بها بعذاب وهو يخبط بكفيه على صدغيه بقوة كأنه يريد أن ينتزع عقله من مكانه ..
لتشعر هي به فتندفع نحوه هاتفة بلهفة :
_انت رجعت ؟!

يتجمد مكانه وهو عاجز عن النظر إليها ليصله صوتها الملهوف ملطخاً بدموعها :
_ماكنتش بترد عليّ ليه ؟! اتأخرت هناك قوي ..ياقوت قالت لي إنك مشيت من
بالليل ..كنت فين ؟!

جسده يرتجف غضباً ..حزناً ..وحيرة !!
لتزيد هي من عذابه وهي تمد كفها لتمسك كفه هامسة :
_هيثم !

ودون وعي يجد نفسه يمد كفه الآخر ليحتضن كفها بقوة آلمتها ..
وآلمته قبلها ..
لكنه نفضه عنه بسرعة كمن لدغته أفعى لترمقه بنظرة مصعوقة هامسة :
_حصل إيه ؟! انت زعلان مني ؟!

لم يكن يعلم عن الرعب الذي تعيشه منذ البارحة وهي تخشى أن يعيد إليه أحدهم ذكرى تنعش بقية ذكرياته ..
ربما لهذا لم تتمالك نفسها وهي تراه قد تأخر رافضاً الرد على اتصالاتها لتهرع إلى هنا متلمسة بقاياه ولو في ..غرفة خالية !!

_هازعل منك ليه ؟!
همسه يخرج متحشرجاً ولازال عاجزاً عن رفع بصره نحوها ..
لتعاود سؤاله:
_انت ..قابلت حد هناك ؟!

داليا!
لا تخشى سواها !!
تعلم كيف كان متعلقاً بها ..وتعلم أن طبيعتها الثرثارة لن تكف عن الحديث متى رأته !!

_حد زي مين؟!
يسألها مراوغاً وهارباً من جحيم نظراتها لتغتصب ابتسامة باردة وهي تتصنع المرح:
_أي حد ..انت مش هتحكيلي كالعادة عن اللي حصل ؟!

مزيج المرح المختنق بدموعها يقبض قلبه بقسوة فيجد نفسه يرفع إليها عينيه أخيراً لتتوه نظراته فوق ملامحها ..
كيف لوجه بريئ كهذا أن يخدعه هكذا ؟!
ليس وحده ..بل أباه كذلك!!

الخاطر الأخير يعاود جلده بوحشية فيشيح بوجهه عنها بعنف لكنها تتحرك لتقف قبالته هاتفة بحذر:
_مالك يا هيثم ؟!

سيقذفها الآن في وجهها أنه يعلم الحقيقة !!
أنه تذكر خداعها !!
أنه لن يرضى أن يكمل طريقه مع امرأة اشتهاها أبوه قبله !!
أنه لن يأتمنها على قلبه ولا على اسمه !!
فليذبحها بها كما ذبحته هي من قبل !!

كل خلاياه تستصرخه الآن أن يفعلها ..
أن يغمد الخنجر المسموم في صدرها فيقتلها ويقتل نفسه معها !!
لكنه بدلاً من هذا وجد نفسه يصمت طويلاً ليقول أخيراً بنبرة ذبيحة :

_يمكن عشان كان عندي أمل الذاكرة ترجعلي لما أشوف هناك وشوش جديدة ..بس ..ماحصلش.
يراقب الارتياح الذي كسا ملامحها بمزيج لم يعد يتعجبه في نفسه من رضا وسخط ..
لتأخذ هي نفساً عميقاً وهي تسحبه من كفه نحو أريكة قديمة هناك لتهتف بمرح ما عاد مصطنعاً:
_طب احكيلي بقا عن بقية الفرح ..فيه صور تانية ما شفتهاش ؟!

فترتجف ابتسامة مريرة على شفتيه والرد المراوغ يصلها منه :


_صور كتير باظت ..كانت حلوة وأنا بلقطها بس لما جيت أشوفها لقيتها...لقيتها مضلّمة قوي !
=======











_صباحية مباركة يا ابني .

تقولها ثمر بحنان وهي تعانقه على باب بيته إذ وقف لها عابد مستقبلاً مع إسلام وياقوت التي شردت ببصرها وهي تستحضر رغماً عنها صورة آخر مكانه ..
آخر تتمنى لو تراه يوماً يعانق ثمر عناقاً كهذا فيمنحها مذاق الابن والحفيد الذكر الذي لم تحظَ به !
آخر غادر منذ قليل مع أخته ورائد ولا تدري إن كان يوماً سيعود إلى هنا ..
لقد سألت ثمر منذ قليل عن فحوى حوارهما لكن الأخيرة اكتفت بابتسامة غامضة مع قولها :
_ما تستعجليش يا بنت قلبي ..ربك كاتب كل شيئ بمعاد .

كانت تود لو تعرف تفاصيل حديثه معها لكن يكفيها -مؤقتاً- أن ثمر لم تنفر منه ..
خبرتها بجدتها تجعلها توقن أن اللقاء الأول بينهما آتى ثماره من ناحيتها على الأقل ..
لكن ..ماذا عنه هو ؟!

وكعادته يبدو أنه يقرأ شفرة روحها رغم كل هذا البعد ..
لتشعر باهتزاز هاتفها في يدها معلناً عن وصول رسالة ..

_حبيتها جداً.

كعهده كلماته مقتضبة لكنه يدرك أنه يتحدث لامرأة لا تحتاج منه لكلمات !

_يا خيبتك التقيلة ..قالها لستّك قبلك !

العفريتة العابثة تعاود عربدتها في حناياها فتزجرها بعمق يقينها أنه يحبها حتى ولو لم يقل ..
يحبها فوق الحب وأكثر !
ابتسامتها تولد صغيرة على شفتيها ثم تتسع رويداً رويداً وهي تضم الهاتف لصدرها بشرود ..

_تفضلي ..لماذا تقفين هكذا ؟!

يقولها عابد مرحباً لينتشلها من شرودها فتلتفت نحوه بمباركة تقليدية قبل أن تدلف إلى الداخل لتتسع ابتسامتها وهي تميز وجه لجين !
وكأنها تحولت لأخرى!
وجهها يكاد يشع بنور فرحتها وهي تستقبلهما بحرارة لتلتمع عينا ياقوت وهي تشعر بفرحتها تنتقل إليها هي ..
تعانقها بقوة لتهمس في أذنها خفية بمرح عابث مستغلة انشغال عابد بالحديث مع ثمر :
_نصايحي نفعتك واللا الشيخ طلع خبرة وقام
بالواجب ؟!
فلكزتها لجين في خاصرتها مع همسها :
_عيب!
_ومكانش عيب وانت بتترجيني قبل الفرح أنصحك ؟!
تهمس بها باستنكار عابث لتعاود لجين لكزها في خاصرتها هامسة :
_لن أجاريكِ في سفاهتك ..وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً .
_ياولد! مش قلتلك الشيخ هيبهت عليكِ ؟!
صوتها كان عالياً نسبياً فجعل عابد يلتفت نحوهما بتساؤل :
_ماذا تقصدين ؟!
فاحمر وجه ياقوت خجلاً لكنها تمالكت نفسها بذكائها المعهود لترد بجدية تامة بعيدة تماماً عن فحوى الحديث السابق:
_كنت بقوللها ما شاء الله يعني ..الفرحة منورة وشها ..بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .

ضحكت لجين غير قادرة على منع نفسها وهي ترى قناع ياقوت الجاد بظاهره الملتزم الخادع والذي رده عابد غافلاً عما يحدث بينهما :
_بوركتِ أختي ..العقبى لكِ .

رمقته ثمر بنظرة راضية وهي تشعر بفرحة لجين الظاهرة تغنيها عن أي سؤال ..
خاصة والأخيرة تهتف بلهفة بينما تنهض من جوار ياقوت لتجلس جوار ثمر :

_هنسافر نعمل عمرة يا ستي ..عابد خلاص حجز التذاكر .

فضحكت ثمر برضا عبر أسنانها المكسورة لترد وهي تميل عليها تعانقها :
_الله أكبر ..مبروك يا بنت قلبي ..
ثم التفتت نحو عابد مردفة بفخر :
_كنت حاسة إنك هتعملها يا ابني ..ربنا يبارك لك .

_الله عليك يا فخر الشيوخ ..احنا هنسميك "عو وجدي" زي "مو صلاح" كده !

مداخلة مرحة من إسلام الذي كان يصفق بكفيه بإعجاب ..

فابتسم عابد وهو يمد كفه المضموم كقبضة ليقابل به قبضة إسلام التي تكورت بنفس الشكل في تحية مزدوجة ثنائية انتهت بضحكتهما معاً ..
قبل أن ينحني الأول نحو ثمر ليربت على كفها قائلاً بود :
_لو تسمحين لي أن أناديكِ أمي ؟!
ارتفع حاجبا إسلام بالمزيد من الإعجاب فيما ابتسمت ثمر لتدمع عيناها وهي تومئ برأسها ليضحك عابد وهو يعاود التربيت على كفها
قائلاً:
_مادمتِ قبلتِ الأولى فاقبلي الثانية ..عندما يحين موعد الحج هذا العام سنذهب ثلاثتنا ..أنا ولجين وأنتِ !

دهشت ثمر للحظة من عرضه وإن كان قلبها قد خفق من دعوة تمنتها على مدار العمر الطويل ولم تظنها ستتحقق الآن ..
ليردف هو بحنانه الآسر :
_أرجوكِ يا أمي ..اقبليها مني .

تتبادل مع ياقوت نظرات مفعمة بعاطفتها ثم ترفع عينيها للأعلى بحمد صامت ..
قبل أن تعود له ببصرها قائلة برضا :
_ربنا يبارك لك يا ابني ويرضى عليك .

صوت رنين هاتفه يصدح فجأة فيستأذنها ليرد وما كاد يفتح الاتصال حتى ابتسم وهو يتعرف لهوية المتصل ..يستمع قليلاً ثم يرد بترحاب :
_لا بأس ولا حرج ..تعال ودعني قبل سفرك .

_هاللا هاللا العريس زهق من أولها وهيجيب صحابه !
يهتف بها إسلام مشاكساٌ عقب إنهائه هو
الاتصال ليرد عابد بضحكة قصيرة سبقت قوله :
_إنه صديقي الذي أتى خصيصاً لحضور الزفاف ..سيسافر اليوم ولابد من وداعه قبل سفره ..
ثم التفت نحو لجين مردفاً بمزيج من عاطفة وإجلال:
_لا تقلها ولو هزلاً ..أختك لا يُملّ من صحبتها .

_قشطة جداً ! حان الآن بقا موعد الخَلع حسب التوقيت المحلي لعرايس الهنا !
يهتف بها إسلام بهزله المعهود وهو يخبط بكفيه على ركبتيه لينهض واقفاً قبل أن يمد كفه نحو ثمر ليعينها على النهوض لكن عابد سبقه لفعلها وهو يضحك هاتفاً :
_لا يزال الوقت مبكراٌ ..تناولوا الغداء معنا !

_علموك في ماليزيا عزومة المراكبية يا عريس ! لا ياعم أنا أخلع بكرامتي قبل ما أتطرد !

يقولها إسلام وهو يتقدم نحو لجين التي كانت تضحك من قلبها بسعادة وصلته كاملة ..
ليحيط كتفيها بكفيه ثم يقبل رأسها قائلاً بحنان جاد :
_مبروك ..أنا مسافر دلوقت بس انتِ عارفة لو احتجتِ حاجة ساعة زمن وهابقى عندك .
فابتسمت وهي تربت على ظهره برقّة لتومئ برأسها دون رد وقد غلبتها دموع تأثرها كالعادة ..

فيما تقدمت ثمر منهما لتعانق لجين بدورها قبل أن تنسحب منها للزاوية في حديث خاص ..
استغله إسلام ليميل على ياقوت هامساً :
_عمل إيه الراجل الغامض بسلامته في
"الانترفيو"؟! زمان الحاجة عصرته .
فابتسمت وهي تهمس له بدورها :
_محدش فيهم قاللي حاجة ..بس ستي شكلها ممكن ..ممكن ترضى عنه .
_قشطة جداً ..ننقل بقا للخطوة الجديدة .
يهمس بها بحماس وهو يميل على أذنها لترمقه بنظرة مترقبة فيبادلها بنظرة طويلة متفحصة لثيابها مبهرجة الألوان ووشاحها الذي لا يقل عنها بهرجة ..
قبل أن يزفر بقوة ليعاود همسه :
_دولاب هدومك ده يتنسف ..أول ما ننزل مصر نشتري هدوم جديدة .
ظهر الاعتراض على ملامحها لكنه خبط بسبابته بخفة على شفتيها ليعاود همسه المغتاظ:
_ولا نفَس! اتهدي واسمعي الكلام بقا يا شيخة .
======



على باب بيت عابد يقف الصالح بتردد دون أن يرن الجرس ..
يشعر ببعض الحرج وهو يقتحم خصوصية صديقه صبيحة يوم كهذا لكنه يريد وداعه قبل عودته لكوالا لامبور ..
طائرته بعد ساعات قليلة ولا يريد التأخر !

ينتفض مكانه فجأة بدهشة وهو يميز ضوء
"فلاش" يسطع فجأة وسط الظلمة النسبية لمدخل البيت ..
قبل أن يختلس نظرة جانبية للغرفة الصغيرة التي فتح بابها في قاع السلم ..
يتحرك بحذر نحوها لتتسع عيناه بدهشة وهو يميزها مكانها غافلة عنه منهمكة في تفحص هاتفها ..
تلك الفتاة ..بماذا كانت تدعو نفسها ؟!
"مطيورة"!
ترتسم على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يظهر لها نفسه ليفرد ذراعيه في وقفة استعراضية هاتفاً فجأة :
_ألا تخبريني كي أستعد ؟!

تشهق بدهشة وهي ترفع عينيها البريئتين نحوه لتشحب ملامحها أول وهلة مع إدراكها أنه قد انتبه لها ..
قبل أن يحمر وجهها بشدة لكنها لا تزال عاجزة عن إزاحة بصرها عنه..

_أريني الصورة ..هذا أبسط حقوقي .

يقولها مازحاً ومحاولاً تخفيف حرجها لتطرق برأسها أخيراٌ وهي تمد له ذراعها بهاتفها في وقفة مذنبة ..
فضحك ضحكة عالية خطفت قلبها وهو يطالع صورته التي التقطتها ليمط شفتيه قائلاً :
_لا بأس بها .
_لا ..انت أحلى!

تهمس بها مطرقة الرأس وعبارتها الجريئة -ظاهراً- تناقض ارتجافة جسدها الصغير وحمرة وجنتيها الخجول ..
فيكتم ضحكته هذه المرة وهو يحاول استكشاف هذه الصغيرة الغريبة بسؤاله :
_لماذا تختبئين هنا هكذا ؟!

زمت شفتيها فبدت كطفلة على وشك البكاء ..
ماذا عساها تخبره ؟!
لقد كانت تتتبع أخباره في بيت الحاج حمدي وعندما علمت أنه في طريقه إلى هنا انتهزت الفرصة لتسبقه وتختبئ كي تلتقط له الصورة التي عجزت عن التقاطها منذ رأته ..

_لا تقولي إنكِ هنا فقط كي تلتقطي لي صورة !
يقولها بعجب ازداد مع جوابها الصريح دون مواربة ولاتزال مطرقة برأسها :
_أنا بحب أصور كل حاجة ..وانت خلاص هتسافر ومش هاشوفك تاني .

حاجباه يكادان يلتصقان بشعره من فرط دهشته لهذه الحرقة العاطفية التي تتحدث بها ..
وكأنها تعرفه منذ زمن !
هذه الفتاة ..معتوهة !
هي حتماً كذلك !

كاد يقذفها بعبارة نقد لاذعة تناسب شعوره لكنه تراجع وهو يرى دموعاً حقيقية تسيل على وجنتيها مع همسها :
_ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟!

من جديد يكتم ضحكته وهو لا يدري بماذا يرد ..
هذه الصغيرة تشاهد الكثير من الأفلام حتماً ..
معدل "الدراما" لديها عالٍ كثيراٌ !!

ماذا يصنع الآن ؟!
إنها المرة الأولى التي يقف فيها موقفاً كهذا ..
ومع طفلة !!
الإدراك الأخير يجعله ينتبه لما ترتديه هذه المرة والذي بدت فيه مختلفة عن الأمس ..
فقد كانت ترتدي ثوباً أنيقاً بلون أبيض زاده حزام خصره أنوثة ..
ويبدو أنها ترتدي حذاء بكعب عالٍ منحها بعض الطول ..
الحمقاء يبدو أنها وضعت بعض مساحيق التجميل كذلك كي تبدو أكبر سناً !!
حالتها مستعصية حقاً !!

لهذا تنهد بحرارة وهو يشيح بوجهه غاضاً بصره عنها ليقول برفق:
_اسمعي يا صغيرة .
_تاني هتقوللي صغيرة ؟! ألبس لك إيه يعني عشان تصدق ؟!

تهتف بها بنزق طفولي زاد عمق فكرته ليضحك وهو يهز رأسه محاولاً ألا ينظر إليها من جديد ..

ثم تحرك ليعطيها ظهره قائلاً بنبرة جادة لم تخلُ من رفق:

_تعلّمي ألا تتعجلي في شيئين : العمر والحب ..كلاهما قطار يجدر بنا ألا نستبق موعده .

حروفه امتزجت بشجن غريب وكأنه تذكر مأساته الخاصة لهذا عاد يتنهد بحرارة وهو يطرق برأسه ..
يتمنى لو يستدير فيرى ردة فعلها متسلياً لكن غصة ما بقلبه ذكرته بجرح قديم لم يبرأ منه بعد ..
وذكرته به وقفتها الطفولية هذه !

لهذا مد يده يناولها الهاتف من خلف ظهره دون أن يلتفت ليشعر بكفها ينتزعه منه بعنف جعله يبتسم من جديد وهو يبتعد ليمضي في طريقه نحو الباب ثم يطرق الجرس ..


يفتح له عابد الباب فيعانقه بود وهو يتقدم معه نحو الداخل قبل أن ينشغلا بحديث قصير لهاه كثيراً عن تلك الصغيرة العاطفية التي لا يدري أين ذهبت ..
تراها لا تزال قابعة في الغرفة تنتظر التقاط صورة أخرى له ؟!
أم تراها يأست وذهبت لتتناول "مصاصة" أخرى غير هذه التي اقتنصها هو بالأمس وسيحتفظ بها كذكرى من هذا البلد الطيب ؟!

ينهض أخيراً لوداع عابد الذي تحرك معه نحو الخارج حيث سيارة تنتظره لتقله نحو المطار ..

_اعتن بحالك يا صديقي ..قريباً أزورك في
ماليزيا .

يقولها عابد وهو يعانقه مودعاٌ ..
ليعانقه بدوره قبل أن ينتبه لذيل ثوبها الأبيض الذي يبدو جلياً خلف إحدى زوايا سور البيت التي اختبأت خلفها ..
ابتسامة مشفقة تمتزج بشعور لم يفهمه وهو يحاول البحث عن وجهها لكنه لم يرها ..

يستقل السيارة التي تحركت به فيعود برأسه للوراء حيث عابد يلوح له مودعاً ..
لكنه الآن لم يره وحده ..
هناك كانت هي وقد ظهرت له من مخبئها تلوح له ببطء خفية بأحد كفيها بينما الآخر يمسك بهاتفها ..

_معتوهة !
يهمس بها سراً وهو يجد نفسه يلوح بكفه فيما يراه الناظر أنه لعابد ..

لكنه كان يدرك في قرارة نفسه أن جزءاً منه يفعله لأجل تلك الصغيرة التي لن يراها مرة أخرى ..
المعتوهة ..ال..لذيذة !
======
_بت يا رابحة ..خدي هنا تعالي .
تهتف بها ياقوت وهي تستقبلها في مدخل بيت ثمر ملاحظة هيئتها الغريبة بثوبها الأنيق ووجهها الذي تلطخه مساحيق التجميل ..
و....!!!!

_إيه ده بقا بالظبط ؟! اوعي يا بت يكون اللي في بالي !!

تهتف بها باستنكار مشيرة لمحيط صدر الفتاة التي احمر وجهها بحرج وهي تتحسس صدرها بملامح مذنبة واشية بجريمتها ..
لقد حشت القطعة العلوية من ملابسها الداخلية بالقطن كي تمنح نهديها مظهراً أكبر !!

_خلاص بقا يا دكتورة ..مرة وراحت لحالها .
تتمتم بها بمزيج من خزي وخيبة لتشدها ياقوت من أذنها هاتفة باستنكار لم يخلُ من مرح:
_شربتِ بانجو واللا لسه يا سعدية ؟! كنتِ فين كده يا مطيورة ؟!

دمعت عينا رابحة بانفعال عاطفي مبالغ فيه وهي ترفع شاشة هاتفها في وجه ياقوت تريها صورة الصالح مع قولها :
_مشي ..سافر وسابني ..ما استناش حتى نكمل الحلم ..

قهقهت ياقوت ضاحكة من الفتاة التي بدت لها في هذه اللحظة أكثر حمقاً من ذي قبل ..
لتهتف رابحة بنفس الانفعال المغالي:
_اضحكي اضحكي ما انتِ مجربتيش إحساسي!
_إحساس إيه ياللي لسة ما طلعتيش م البيضة ؟! آدي آخرة الفرجة ع المسلسلات التركي ..روحي يا بت غيري هدومك دي ..ستك ثمر لو شافتك كده هتعلقك قدام باب البيت !

هتفت بها ياقوت زاجرة لترتجف شفتا رابحة بحزن مس قلبها ..
فتنهدت بحرارة لتضمها لصدرها قائلة بحنان :
_مستعجلة ع الهم ليه ؟! بكرة تكبري وتحبي وتتجوزي وتتمرمطي وتقولي ولا يوم من أيامك يا طفولة !

لكن رابحة بقيت ترمقها بملامح جرْو بائس فعادت تضحك وهي تخزها في صدرها المتضخم -اصطناعيا- لتحاول مشاكستها بقولها :
_حاشياهم مناديل ؟!
_لا قطن !
تقولها ببساطة لتضحك ياقوت وهي تبتعد عنها لتضرب كفيها ببعضهما هاتفة :
_لا ناصحة ! ادخلي يا مطيورة وظبطي حالك جوة قبل ما أمك واللا ستي يشوفوكي وتبقى فضيحتك بجلاجل!

_ما تخللي الست لجين تكلملي الشيخ يتوسط لي عنده ..والنبي يا دكتورة ..من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة .

رفعت بها صوتها بنبرة "خطابية" كما تسمعها في المساجد لتقهقه ياقوت ضاحكة قبل أن تعاود شد أذنها قائلة :
_وذنبه إيه الغلبان ندبسه فيكي ..من غشنا فليس منا ..عايزانا نغشه ؟!

ترمقها رابحة بنظرة بائسة لعلها ترقق قلبها لكنها تلمح أمها هي قادمة من بعيد فتشهق بخوف قبل أن تهرع نحو الداخل كي تداري جريمتها ..
تدخل الحمام القريب لتنزع عنها ثوبها ثم تفرغ صديريتها مما حشتها به لتعاود ارتداءها بسرعة مع الثوب ..

ثم تغسل وجهها لتزيح عنه أثر زينته ..
تبتسم رغماً عنها بشرود وهي تستعيد ملامحه الوسيمة ..
فترفع هاتفها نحوها من جديد تتأمل صورته ..
ترى هل يعود يوماً ؟!

تتنهد بهيام قبل أن ينتابها خاطر ما يجعلها تتلاعب بهاتفها حتى تجد الحساب الشخصي بعابد على الفيسبوك ..
ثم تبتسم بانتصار وهي تميز حسابه هو بصورته الشخصية في قائمة أصدقائه ..
لقد وجدته من جديد !

"الصالح حبيب"!

_حتى اسمك حلو زيك .
تهمس بها لنفسها بهيام وهي تحاول البحث عن بقية معلومات تخصه لكنها كلها كانت محجوبة ..
حتى جنسيته !!
تراه يكون مصرياً ؟!
فليكن من يكون المهم أنه هو فحسب!




تبتسم ابتسامة ظافرة وهي تضغط زر متابعته قبل أن تتنهد بالمزيد من الهيام وهي ترسم لنفسها ألف قصة معه ..
ألف قصة تنتهي بنهاية واحدة ..الزواج !
======











_زين بيحب ياقوت ؟!
تسأله همسة ببراءتها المعهودة وهي تستقل معه سيارته في طريق عودتهما للقاهرة ليرد رائد بابتسامة ماكرة و..حسب!
ابتسامة فهمتها وهي تلتفت للخلف حيث سيارة زين تتبعهما لتشرق ملامحها للحظات وهي تعود ببصرها للأمام ثم تقول بسعادة طاغية :
_يا ريت ..ياقوت دي بحبها قوي..
لكنها تعود لتتنهد تنهيدة طويلة وهي تتحسس قدمها الموجوع لتردف ببعض الأسف:
_بس ما أفتكرش زين يتجوزها حتى لو بيحبها .

عاد ببصره نحوها يرمقها بنظرة خاصة فهمتها لتهتف بتردد حائر :
_تفتكر معقول؟! زين اتغير بجد ..لو كنا زمان ما كانش رضي أبداً يمشي ورانا ..ولا يسيبني معاك .

فاتسعت ابتسامة رائد وهو يحاول التركيز على الطريق أمامه قائلاً بذكائه المعهود :
_هو فعلاً اتغير ..ومقابلته مع الحاجة ثمر حاسس إنها فرقت معاه ..حاسس كمان إنه مش هيرجع المنفى بتاعه ..وإنه دلوقت ..

قطع عبارته بدهشة وهو يلاحظ تقدم سيارة زين التي كانت خلفهما ليشير له بيده أن يتوقف ..
ولم يكد يفعل حتى ترجل زين منها ليتقدم منهما بعينين حازمتين وكأنه قد اتخذ قراره :
_هترجعي معايا بيت الفايد .

يقولها وقد انحنى على نافذة السيارة المجاورة لهمسة التي لينعقد حاجبا رائد بحذر لكنه يؤثر الصمت مكتفياً باحتضان كفها بحمائية ..
بينما شحبت ملامحها وهي تتذكر غرفتها هناك ..
قفصها الذهبي الذي قُصّ فيه جناحاها طوال عمرها ..
لتطرق برأسها كارهة قول ما يسوءه لكنها مرغمة :
_مش عايزة أرجع .
لكنه يفتح الباب المجاور لها ثم يرفع ذقنها نحوه قائلاً بحسم :
_مش هترجعي أوضتك القديمة ..

ابتسامة خافتة ترتسم على شفتي رائد متوقعاً عبارة زين القادمة :
_هتدخلي بيت الفايد زي ما كان المفروض يحصل من زمان قوي .
=======

قلبها يخفق بجنون وهي تتوقف أمام البوابة الكبيرة للبيت بحروف اسم "الفايد" المذهبة ..
تستند بجسدها فوق أحد ذراعي زين بينما يطوق خصرها بذراعه الآخر ..
تعود برأسها للخلف تستمد المزيد من الدعم من نظرة رائد الذي بقي في سيارته وقد آثر ترك هذه اللحظة الخاصة لهما وحدهما ..
تطلق آهة متوجعة قصيرة ووجع قدمها على هنته لا يساوي شيئاً مع هذا الوخز الذي تشعر به في قلبها ..

_أشيلك ؟!
يسألها زين دون أن ينتظر الجواب وهو ينحني كي يهم بحملها ..
لكنها ترفع عينيها الممتلئتين بالدموع نحوه ثم ترفع كفها باعتراض قوي ناقض همسها المتقطع الواهن :
_عايزة.. أدخله ..برجلي .

همساتها تجلده بمدلولها والدموع تنتقل من عينيها لعينيه ..
لكنها "تغلبهما معاً" بابتسامة شقت طريقها على شفتيها البريئتين وهي تربت على ذراعه برقّة ..
فيعاود الاستقامة بظهره لتبدأ هي بالتحرك مستندة عليه ..
قدماها تتوغلان في حديقة البيت وعيناها تتحاشيان رؤية غرفتها القديمة المنعزلة هناك ..
تتوقف أخيراً أمام البوابة الداخلية ل"البيت المحرّم" ..
"فردوسها المفقود" الذي لفظوها منه بغير خطيئة جنتها !
الدموع الحبيسة تتحرر أخيراً لتسقط على وجنتيها وذكريات متفرقة تغزوها من الماضي القديم ..
النبذ الذي عاشته طفلة هاهنا يعاود خنق روحها بقسوة ..
لكنها تشعر به يضمها إليه أكثر وهو ينحني فوق رأسها بقبلة أرجفتها لترفع إليه عينيها فيصلها همسه المعذب:
_عشان خاطري ما تعيطيش.

_البنت دي ما تدخلش البيت طول ما أنا عايشة ..وحتى بعد ما أموت ..اوعدني يا زين ..اوعدني .

يكاد يسمعها بصوت أمه الراحلة فيتشدد جسده في وقفته وهو يغمض عينيه بألم ..
لكنه يعاود فتحهما بعد لحظات بنظرة جديدة ..
وصية ظالمة !
لم يكن يجدر به أن ينفذها ..ولن يفعل !

يمد أنامله ليمسح الدموع عن وجهها فتبتسم له بوهن وهي تدلف معه إلى الداخل ..
عيناها تتراقصان فوق الأثاث والجدران رقصة مجنونة كأنما تحاول اصطياد ذكرى قديمة لها هنا ..
قبل أن تتوقفا أمام صورة أبيها على الجدار وصورة أم زين على الجدار المقابل ..
تتخطى الثانية بألم لتتركز نظراتها على الأولى لدقيقة كاملة احتملها زين صابراً مدركاً عظم شعورها ..
كانت المرة الأولى التي تتأمل فيها صورته منذ استعادت عافيتها ..
إعصارٌ هائج من الذكريات يضرب صدرها بقوة مستعيدة كل لحظة نبذ ..
كل لحظة قسوة ..
كل لحظة نفور ..

_مش هاخلف!
تهمس بها فجأة لتتسع عينا زين بصدمة وهو يلتفت نحوها بحدة ..
لكن ابتسامتها تمتزج بدموعها وهي تردف
ولا تزال عيناها معلقتين بالصورة على الجدار :
_لو مش هاحب ولادي أكتر من نفسي مش هاخلف ..لو مش هاحميهم من أي حزن يدبح قلبهم مش هاخلف ..مش هاسيبهم يعيشوا اللي عشته .

آهة خافتة تنفلت من بين شفتيه وهو يعتصرها بين ذراعيه فجأة وقد فقد كلماته ..
ماذا عساه يقول؟!
وأي كلمات قد تمنحها العوض عما لاقته دون جريرة ؟!


تنتفض بين ذراعيه شاعرة أن الموقف حقاً أكبر من احتمالها ..
أن تقف الآن بعد هذه السنوات في هذا المكان ..
أن تنال حقها المسلوب وتملك الحرية أن ترفع رأسها ..
أن تملك حق الصفح ..
وتمنحه !

_أنا ..أنا ..مسامحاه !

تهمس بها وسط دموعها كأنما تريد تخفيف الوزر عنه هو وقد شعرت بما يعانيه لأجلها ..
قبل أن تغتصب ضحكة انفعالية وهي ترفع رأسها هاتفة بصوت عالٍ وسط أنفاسها
المتلاحقة :

_خلليهم يفتحوا الشبابيك يا زين ..كلها ..يفتحوها ..كلها !

فيأخذ نفساً عميقاً يتمالك به مشاعره قبل أن يعلو صوته منادياً أحد الخدم كي ينفذ لها ما طلبت ..

ابتسامة مشعة تولد على شفتيها كنجمة صغيرة ثم لا تلبث أن تتسع رويداً رويداً وهي ترى أشعة الشمس تغمر المكان كله ..
الهواء يدخل صدرها فتعب منه عباً وهي ترتجف حرفياً بين ذراعيه هامسة بشرود :
_ما تخلليهمش يقفلوها أبداً ..أبداً يازين .

يقبل جبينها بعمق وعيناه تمنحانها وعده بما "ظهر" من حديثها وما "خفي" ..
قبل أن يتحرك معها نحو الأعلى ..
وبالتحديد نحو غرفة شديدة الاتساع فتحها ليدخلها معها قائلاً بما يشبه الاعتذار :
_يمكن مش حلوة زي بيت رائد اللي عملهولك ..بس ..كفاية أحس إنك قبلتِ تعيشي معايا فيها هنا .

ضحكت بامتنان وهي تتفحص الغرفة الكبيرة التي فتحت نافذتها العريضة مع شرفتها الواسعة التي اصطحبها إليها لتأخذ نفساً عميقاً وهي تراقب الحديقة من علوّ ..

_نفس الشجر ..نفس العصافير ..نفس المكان
..بس ..
ثم تلتفت نحوه بنظرة عميقة لتستطيل على أطراف أصابعها وتقبل وجنته مردفة بنبرة ذات مغزى:
_من فوق أحلى .

فيعتصرها بين ذراعيه من جديد بعمق شعوره الذي يشاطرها إياه ..
هو ذات القصر الذي عاش فيه عمره كله لكنه يشعر اليوم أنه مختلف ..
عادت إليه "أحد شمسيه" مشعة متوهجة كما لم تكن يوماً..
وبقيت "الأخرى"!
لكنه يقسم أنه لن يبرح حتى يعيدها كذلك !

تأوهها الخافت ينتزعه من شروده فيبعدها قليلاً ليراها ترفع قدمها المصاب بتوجع يجعله يقول بنبرة حانية :
_مش كفاية كده بقا وتستريحي ع السرير ؟!

لكنها تضحك وهي تستند على سور الشرفة بوضع استعراضي ناسب ضحكتها البريئة :
_صورني الأول ..

فابتسم وهو يخرج هاتفه من جيبه ليلتقط لها الصورة وحدها لكنها جذبته نحوها هاتفة :
_وانت معايا ..

_بشكلي ده ؟!
يقولها بنبرة مرهقة مشيراً لهيئته الذابلة لتتنهد وهي ترمقه بحنان هامسة :
_عمري ما شفتك جميل زي النهارده .

يتنهد وهو يدرك أن جماله الآن في عينيها من نوع آخر ليبتسم وهو يرفع هاتفه ليلتقط لهما صورة معاً وفي خلفيتها تبدو البوابة الخارجية للقصر مع الحديقة ..
فتتأمل الصورة بإعجاب لتهتف بعجلة :
_هابعتها لرائد ..

تقرن قولها بفعلها بسرعة قبل أن تميل رأسها برقة لتردف بنبرة ذات مغزى:
_وياقوت!

وعلى فراشها كانت ياقوت تستلقي شاردة وهي تفكر فيه ..
تتحسس قرط أذنها تستعيد نظرته الأخيرة التي منحها إياها وتتساءل نفس السؤال الذي تمزقها إجابته ..
هل وحده الحب يكفي؟!

تشعر باهتزاز هاتفها فتبتسم وهي تتلقى رسالة من رقمه بوصول صورة تفتحها بلهفة ليخفق قلبها برضا وهي تميز صورته جوار همسة والخلفية وراءهما تخبرها أنه حقاً قد بدأ طريقه للتغيير ..
همسة دخلت بيت الفايد أخيراً !

الدموع تملأ عينيها بما لا تدري هل هي فرحة
لأجل شبيهتها في المعاناة ..
أم هو فخر بإنجاز لا تبالغ كثيراً لو زعمت أن لها اليد الطولى فيه ..
أم هي غيرة خفية لا تملكها وهي تود في هذه اللحظة بالذات لو تكون هي جواره ..
من يعانقها هكذا بهذه النظرة "المطمئنة" في عينيه !

تغمض عينيها بقوة على صورته و"عداد العناقات" يعاود ممارسة عمله ..
العناق "السادس عشر" ..ليس حقيقياً هذه المرة كذلك لكنها تستشعره بكل حواسها ..
بنكهة "الوعد " هذه المرة ..
الوعد أن يكون لها ..ولها فقط طوال العمر !
=======












_أنا اللي هاحلق لك دقنك .
تهتف بها همسة بمرح وهي تقفز لتجلس على حافة طاولة الحوض في حمام غرفة زين ..
ليبتسم الأخير وهو يمسك ماكينة حلاقته قائلاً بمرح :
_انتِ زعلانة مني قوي كده ؟! عايزة تخلصي حقك يعني ؟!

لكنها تضحك وهي تختطفها منه هاتفة برجاء طفولي:
_عشان خاطري يازين ..نفسي أعملها ..
ثم صمتت لحظة لتردف بنبرة أكثر حناناً:
_عايزة أنا اللي أرجعلك شكلك حلو تاني ..عشان خاطري ..

رجاءها الرقيق يمس شيئاً ما بداخله وهو يشعر بحضورها حوله يغير جو غرفته ..
يمنحه دفئاً غريباً عن البرودة التي اعتادها هاهنا ..
خاصة وضحكتها البريئة التي يعرفها تمتزج الآن بحيوية مستحدثة تجعله يدرك أي تغيير نالها ..

يتقدم نحوها برفق وهو يمنحها بقية الأدوات راضياً لتضحك بحماس وهي تضع "جيل الحلاقة" على وجهه فيتراجع به للحظة هاتفاً بينما يلوح بسبابته :
_بس اعملي حسابك ..كل جرح بيوم يتأخر في معاد فرحك ..فكري بقا في الغلبان رائد قبل ما تتهوري .

ضحكتها تدوي عالية في أذنيه فيتنهد بارتياح مع هذه الفرحة المشعة في عينيها ثم يقرب وجهه منه طوعاً هذه المرة ..
يبتسم وهو يشعر بتردد أصابعها بمجرد ملامسة الماكينة لوجهه ..
لكنه يدعم معصمها بكفه وهو ينظر لعمق عينيها هامساً :
_الملايكة اللي زيك ما بيجرحوش ..ما تخافيش .

يقولها لتكون ابتسامتها آخر ما يلمحه ثم يغمض عينيه تاركاً لها مهمتها ..
قبل أن يبتلعه شروده وهو يتصور أخرى مكانها ينتظر لو تقوم يوماً بما تفعله هي الآن ..
قلبه يخفق بجنون لجموح خياله ورغماً عنه يستعيد مذاقها الذي اشتاقه بين ذراعيه ..
ويكاد يموت لهفة عليه ..
لكن لم يحن الوقت بعد !
ليس قبل أن يشعر أنه قد تطهر من ذنبه القديم وصار كفئاً لها ولتربية ثمر لها ..
ثمر !
اسم المرأة يستجلب هيبة جلية تسري في جوانحه وهو يستعيد لقاءه الأول بها والذي لن يظنه سينساه ما عاش ..
إن كانت ياقوت أعادت قلبه للحياة ..
فثمر أعادت له رغبته في الحياة نفسها ..
ترى ماذا ستفعل لو علمت عما كان بينه وبين ياقوت كاملاً؟!

الخاطر الأخير يجعله يعقد حاجبيه بضيق حقيقي ..
لكنه يقسم لنفسه ألا يجعلها تعلم أبداٌ ..
شيء من الكتمان هو ما يمنح بعض الحقائق رونقها ودونه هي مجرد نصال جرحها لا يخيب !

_مكشر ليه ؟! وجعتك ؟!

تهتف بها همسة بجزع وهي ترفع يدها عن وجهه فيبتسم وهو يفتح عينيه ليتأمل جانب وجهه الذي أنهت حلاقته في المرآة قائلاً باستحسان :
_بالعكس ..هايلة ..بس أنا هاخد على كده ومش بعيد تلاقيني بعد جوازك بطلبك عشان تحلقيلي .

ورغم مرح عبارته لكنها تقبلتها بجدية وهي تميل عليه لتضمه بذراعها الحر هاتفة بنقائها المعهود :
_أي وقت يا حبيبي ..مش ممكن أتأخر عنك أبداً .

فيربت على شعرها برفق وبابتسامة ممتنة لتبتعد وهي تعاود ممارسة عملها بحرص ولم تكد تنتهي حتى وضعت ما بيدها جانباً لتهتف بلهجة انتصار :
_عملتها !

تقولها ثم تقفز على الأرض لتصفق بكفيها مردفة :
_شوف شكلك بقا ..هو ده زين اللي بحبه .

يبتسم لحيويتها المرحة لا يكاد يصدق أنها هي ..هي نفس الصورة المنزوية القديمة حبيسة الجدران قليلة الكلام ..
لو لم يكن يدين لياقوت إلا بهذه ..فكفى به معروفاً!

_هاصورك وابعت الصورة لرائد وأقولله .
_بلاش !
يقولها محذراً كاتماً ابتسامته مدركاً ما قد يصيب قريبه من غيرة فتضحك وهي تأخذ طريقها لتخرج من الحمام هاتفة :
_لازم يشوفها ..

يتنهد بعمق وهو يرمقها بنظرة حانية مصطبغة
بالرضا حتى تختفي عن ناظريه ..
بعد أيام سيسلمها لرائد أجمل عروس تخرج من بيت الفايد ..
ربما وقتها فقط قد يسامح نفسه على ما فرط فيه قديماً من حقها ..
يعود ببصره نحو المرآة فتولد ابتسامة لا يدري مبعثها ..
لكنه يستشعر أثرها في روحه ..
الآن فقط يمكنه مصالحة صورة مرآته ..
يمكنه الحلم بعمر جديد وفرصة جديدة ..
هو وجد أول طريقه ..ولم يعد ينتظره سوى أن ..يركض!
=======













_دكتور مروان عنده حد ؟!
تقولها داليا لمساعدته التي جلست خلف مكتبها في مدخل عيادته لتقف الأخيرة وقد تعرفت إليها لتقول بترحاب:
_أهلاً ..اتفضلي حضرتك اقعدي ..هابلغه حالاً إنك هنا .

تتململ في وقفتها وهي تشيح بوجهها الذي حمل أثر بكاء وسهر الليلة السابقة ..

لم ترَ مروان غاضباً منها يوماً إلى هذا الحد منذ تلك الليلة التي أنقذها فيها من ذاك المخرج الوغد ..
لقد فوجئت به واقفاً يرمقها بنظرة غاضبة بينما هي تتحدث إلى هيثم ..

قبل أن يندفع نحوهما ليقف جوارها هي صامتاً بغضب شع وسط ملامحه قبل أن تقرر هي أن تنهي الحوار خاصة وقد بدا هيثم مشتتاً بحديثها لأبعد حد ..
لكنه ما كاد يبتعد عنها حتى جذبها مروان من كفها بخشونة غير متوقعة نحو سيارته القريبة ليدفعها بداخلها وينطلق بهما خارجاً من البلدة كلها ..

_ما تتعصبش كده ..افهم الأول ..أنا كنت ..

تهتف بها مدافعة ليلتفت نحوها مقاطعاً بثورة هادرة :
_كنتِ وهتفضلي طايشة وتصرفاتك من غير حساب ..انتِ عارفة أنا خرجت أصلاً م البيت ليه ؟! عشان سمعتهم جوه بيتكلموا عن البنت الجريئة اللي سابت الستات في البيت التاني وجت عشان تكلم واحد قدام قعدة الرجالة ! عرفت إن مفيش غيرك ممكن يتهور ويعمل عملة زي دي !

دمعت عيناها بقهر وهي تتخيل حرج موقفه بينهم لكنها هتفت بمكابرة :
_أنا ماعملتش حاجة غلط .
_لا عملتِ! وأنا حذرتك وقلتلك هنا غير هناك ..وحذرتك قبل كده تتكلمي مع هيثم ده بالذات .
يصرخ بها بانفعال وهو يضرب مقود السيارة بعصبية لتهتف بعصبية مماثلة :
_حذرتني منه عشان كنت خايف يطلع مش كويس بسبب قصة باباه ..لكن دلوقت طلع أخو صاحبتك وكنت بحاول أساعده وأفكره ..

_مش صاحبتي ..وهو مش صاحبك ..افهمي بقا وصلحي مخك الخايب ده !

يلكزها معها بسبابته في صدغها لتتراجع للخلف مصدومة من ثورته قبل أن تشيح بوجهها وقد آثرت الصمت ليصرخ هو بنفس الانفعال:
_وبعدين تساعديه في إيه ؟! تعرفي انتِ إيه عن حالته ؟! تعرفي إيه اللي ممكن ينفعه وإيه يضره ؟! هنفترض إنه افتكر وانتكس ودخل في صدمة عصبية ..هيبقى ذنبه في رقبتك !

شحبت ملامحها بإدراك للمصيبة التي فعلتها دون قصد لكنها عادت تهتف بمكابرة :
_وممكن برضه ده اللي يرجع له ذاكرته ويتقبل الواقع ..أنا حاولت أساعده باللي قدرت عليه .

_اخرسي يا داليا دلوقت عشان ما أعملش حاجة أندم عليها .

يهتف بها بغضب هائل أعماه عن رؤية الفزع الذي ارتسم على ملامحها وهي تدرك لتوها ما فعلته ..
لو تغاضى عن إحراجها له أمام أهل القرية الذين استنكروا فعلتها ..
فكيف يواجه ياقوت لو تسبب حديثها مع هيثم بكارثة ؟!!

الصمت المشحون بالغضب يظللهما طوال الطريق حتى وصل بها إلى بيتهما ولم تكد تترجل من السيارة حتى عاود الانطلاق بها ليبيت ليلته هنا في العيادة ..

_دكتور مروان بيقوللك هو مشغول ومش هينفع تدخلي دلوقت ..الحالات النهاردة كتير .

تقولها مساعدته بالكثير من الحرج وهي تعود إليها بعدما دخلت إليه ليحمر وجه داليا بخزي وهي تشعر بالإهانة ..
خاصة وهو يرسل رسالته عبر مساعدته دون أن يتصل بها ..

_وبيقوللك ممكن تروحي أو تستني لما الحالات كلها تمشي .

تقولها مساعدته بالمزيد من الحرج لتشتعل
ملامح داليا بانفعال ساخط وهي تتحرك نحو الباب تهم بالخروج ..
ستخرج حقاً لكنها لن تعود لبيته ..
ستعود لبيت نبيلة ولترَ من منهما الذي سيتوسل رضا الآخر!!

تعلم أنها أخطأت لكنه لم يعاملها يوماً بهذه الطريقة وكأنها مجرمة منبوذة ..
إنها تحاول الاتصال به منذ ليلة البارحة لكنه لا يرد عليها وقد اكتفى برسالة مقتضبة تخبرها أنه سيبيت هنا ..
يعاملها وكأنها طفلة مذنبة ولا يتفهم أنها حقاً كانت تريد مساعدة إنسان تحمل له مشاعر أخوة بريئة وتشعر بالشفقة نحوه بعد صداقة امتدت بينهما لسنوات تقارب عمرها !!
لكنها لن تسمح له أن يمتهنها أكثر !!
ستخرج كما طلب !!

خطواتها تتوقف فجأة أمام باب العيادة مع زفرة ساخطة غادرت حلقها مشبعة بضيقها ..
لو غادرت الآن فلن تختلف عن "داليا القديمة" المدللة المتهورة التي لا تنساق إلا خلف مارد طيشها ..
لن تغادر!

ستبقى وتثبت له ولنفسها -قبله- أنها حقاً تغيرت ..
أنها صارت تحتمل تبعات أفعالها كاملة دون هروب !

خطواتها تتراجع وهي تعود لداخل العيادة لترفع رأسها بإباء زائف أمام مساعدته التي ترمقها بنظرة مترقبة فتقول باقتضاب:
_هاستناه هنا لحد ما يخلص .

تقولها وهي تتجه للنافذة القريبة المطلة بأحد جوانبها على "برج الحمام" الذي أعجبها أول مرة زارت المكان هنا ..
كم يبدو لها الآن مختلفاً موحشاً وسط هذه الظلمة من الليل ..
فتغمض عينيها بقوة محاولة رسم صورة أخرى له في ضوء النهار ..
صورة ذكرتها بما -قد ينبغي عليها فعله الآن-

تسمع صوتاً خلفها يجعلها تدرك خروج الحالة من عنده فتستخرج هاتفها لترسل رسالة ..
ليس له ..إنما ل"العاشق المجهول" ..

_مروان زعلان مني ..أنا غلطت ..قوللي أعمل إيه عشان أصالحه .

ترسلها بترقب وخفقات قلبها تدوي بحماسة كانت تنطفئ رويداً رويداً مع كل دقيقة تمر دون أن يصلها الرد رغم يقينها أنه قد رأى رسالتها ..

الدموع تتكدس في عينيها ودون تدبير أو تفكير تجد نفسها تبحث في صور هاتفها لترسل له تلك الصورة التي رسمها لها بنفسه وهي تجلس على الدرج تبكي !

ولم تكد تفعل حتى شعرت بالندم وهي لا تعرف كيف سيفهمها ..

_اتفضلي استريحي ..ما ينفعش تقفي كده .

تقولها مساعدته بحنان مشفق وهي تراقب وقفتها البائسة لكنها تهز رأسها بكبرياء مصطنع ناسب ظاهر عبارتها :
_مرتاحة كده .

فترمقها المرأة بنظرة أكثر إشفاقاً تذبحها أكثر فتفكر بالخروج من جديد لكنها تغالب نفسها بعزم منتظرة خروجه ..
ساعتان كاملتان قضتهما واقفة هكذا مكانها وألم قدميها يجبرها أن تستند أخيراً على سياج النافذة ..
حتى سمعت صوته خلفها يخاطب مساعدته بقوله :
_تقدري تمشي دلوقت ..أنا هاقفل العيادة .

يقولها وهو يختلس نظرة لتلك الواقفة هناك وقد بدا على محياها التعب الذي تجاهله مرغماٌ وهو يتقدم منها ليقول بنبرة جافة :
_ياللا!

فالتفتت نحوه بألم مستنكر استنفر كل أسلحة عنادها لتشتعل ملامحها وهي ترمقه بنظرة عاتبة قائلة وقد اطمأنت أنهما وحدهما :
_هتبات هنا النهارده كمان ؟!
لكنه تخطاها متجاهلاً سؤالها ليغلق النافذة بعصبية قبل أن يتحرك ليغادر العيادة وهي خلفه ..
تستقل السيارة جواره فينطلق بها دون أن يلتفت نحوها لتستخرج هي هاتفها محاولة البحث عن رد وصلها منه أو من "العاشق المجهول" لكنها لم تجد شيئاً ..

فزفرت بقوة وهي تهتف به بانفعال:
_أنا كلمت ياقوت الصبح واطمنت منها على هيثم ..واعتذرت لها كمان ع اللي حصل ..وقلت لها إني ممكن أساعدها في أي حاجة بخصوصه ..خلاص كده راضي؟!

لكن ملامحه الجامدة لم تتغير كأنه لم يسمعها ..
فمدت أناملها لتمسك كفه المجاور لكنه أبعد كفه بحركة واهنة لم تخفف عمق ألمها وهي تشعر بتباعده ..

تصمت لدقائق طالت لا تدري عقاباً له ..
أم بدافع عجزها ..
لكنها تلمح على جانب الطريق ما يجعلها تقول له دون أن تلتفت نحوه :
_عايزة دره .

تشتد ملامحه نوعاً وهو يختلس نظرة نحو الرجل الذي يبيع الذرة المشوية هناك لكنه يتجاهل حديثها ماضياً في طريقه كأن لم يسمعها فتلتفت نحوه ببعض الدهشة وكأنها لم تتوقع أن يرد لها مطلباً مهما كانت الظروف ..

دهشتها الممتزجة بغضبها منه ومن نفسها قبله تطوقها طوال الطريق حتى يصلا إلى بيتهما ..
ليستمر في تجاهله إياها وهو يبدل ملابسه ليستلقي على ظهره فوق فراشهما مغمضاً عينيه ..

تقف مكانها للحظات تتأمله وهي لا تدري ماذا تفعل ..
هو يرفض اعتذارها ومبرراتها بل ويرفض الحديث معها ..
هل هكذا سيكون عقابه صعباً؟!!
تتحرك لتبدل ملابسها فترتدي قميصاً قصيراً بلون فضي تعلم أنه يحبه رغم أنه لا يروقها كثيراً ..
ثم تمشط شعرها لتضع عطرها وتتحرك لتستلقي جواره على الفراش ..

_نمت؟!
سؤالها الهامس لا يجد رداً سوى الصمت فتعقد حاجبيها بغضب لتهتف بما بدا لها -قبله- جنونياً :
_حتى لو انت مخاصمني مش من حقك تحرمني منه ..أنا حبيته قبلك ..ليه خليته ما يردش على رسالتي ؟!

تشعر بعضلة فكه تشتد وقد فهم ما ترمي إليه ..
الحمقاء!!
لا تزال إلى الآن تفصل بينه وبين"العاشق المجهول"!!
متى ستفهم أنهما واحد ؟!
لكن ..ألم يهاودها على هذا كما هاودها على كل شطحات جنونها من قبل حتى كاد الزمام يفلت من يده ؟!!

_مروان !
تهمس بها أخيراً بيأس وأناملها تتحرك بحذر على صدره لكنه لم يحرك ساكناً لتهتف هي بانفعال غاضب:
_خلاص براحتك ..عايزنا نتخاصم مفيش مشكلة ..ماعدتش هافرض عليك نفسي تاني ..لما تحب تتكلم ابقى تعال .

تقولها وهي ترقب ملامحه التي اشتدت كأنما يقاوم انفعالاً عاصفاً بداخله ليفاجئها وهو يتحرك ل...يعطيها ظهره !!

لم يكد يفعلها حتى فوجئ هو الآخر برد فعلها الهستيري!!
أناملها تتشبث بذراعه قبل أن يشعر بها تتحرك جواره ثم تنزلق فوق جسده ليجدها متكورة بين ذراعيه ..
ذراعاها متشبثان بخاصرته ووجهها مدفون في تجويف عنقه مع كلماتها الهستيرية التي امتزجت بدموعها :
_اوعي تديني ضهرك أبداً ..أبداً يا مروان ..مهما عملت ..أنا عارفة إني بعمل مصايب مش غلطات بس ..بس ..اوعى مهما حصل تديني ظهرك .

دموعها الهستيرية تصيبه في مقتل خاصة وهو يشعر بها تضم جسدها إلى جسده بقوة كطفلة تنشد أمانها فيه ..
فيزفر بقوة وهو يحاول بشق الأنفس الحفاظ على يديه مكانهما ..
لكنها تعاود هتافها الهستيري :
_هترجعني أعيط لوحدي تاني ؟! عشان كده ماردتش ع الصورة اللي بعتهالك ؟!

ينعقد حاجباه بدهشة وهو لا يفهم ما تحكي عنه ..ولا أي صورة تقصد ..
فيمد ذراعه جواره ليتناول هاتفه وينظر في الصورة التي أرسلتها ..
قبل أن يغمض عينيه بقوة وهو يحرر يديه أخيراً ليضمها إليه بقوة هامساً بصوت لم يغادره ضيقه بعد :
_ما كنتش شفتها !

شهقات بكائها الهستيري تتتابع وذراعاها يرتفعان يكادان يعتصران عنقه وهي تلصق نفسها به أكثر ..
فيزفر بقوة ثم يتناول منديلاً قريباً يمسح به وجهها هامساً بخشونة فجرتها انفعالاته :
_ممكن تبطلي عياط ؟! ماهو مش كل مشكلة بيننا هتخلص بإنك تعيطي ونتصالح .

_امال هتخلص بإنك تقاطعني وتديني ضهرك ؟!
تهمس بها بعتاب حار ليتنهد وهو يربت على ظهرها وقد غلبته بسؤالها ليهمس لها بنبرة أكثر ليناً :
_وبعدين معاكي؟!



_أنا غلطت واعتذرت ..وحاولت أصلح غلطتي ..وجيتلك لغاية عندك عشان أصالحك ..المفروض أعمل إيه تاني؟!
تهتف بها بين دموعها التي عادت تنهمر من جديد ولا تزال تتشبث بعنقه بقوة فيتنهد بقوة هاتفاٌ بدوره :
_انتِ أحرجتيني قدام الناس كلها .
_وانت رديتهالي وأحرجتني قدام الناس في عيادتك .
_انتِ بتقولي إيه ؟! انتِ إزاي فهمتيها كده ؟!
يسألها باستنكار لتعاود دفن وجهها في عنقه لكنه يرفع ذقنها نحوه هامساً بمزيج حزمه وحنانه :
_أنا عمري ما أقصد كده مهما يحصل بيننا ..أنا من امبارح وأنا بسحب نفسي عنك ما أذكيش ..لو لسه مش فاهماني يبقى محتاج منك اعتذار كمان .

نظراته تعود لتغزل ثوب الأمان الخاص بها ..
فتعض شفتها وهي تغمض عينيها ليخف ضغط ذراعيها الهستيري حول عنقه ..
لكنها تشعر بشفتيه تمسان شفتيها مساً خفيفاً وهو يعاود التربيت على ظهرها هامساً :
_آسف عشان اديتك ضهري ..ماكنتش أعرف إني هاخوفك كده .

فتمرغ وجهها في صدره تتنشق عبير أمان لم تعد تشعر به إلا في كنفه ..
لكنها تشعر به يبعدها ليقوم ويغادر الفراش ثم يمسك ذراعها ليوقفها معه هاتفاً :
_هي الساعة كام دلوقت ؟!
تتلفت حولها بدهشة لتجده ينظر في ساعة هاتفه قائلاً :
_لسه فيه وقت .
_لإيه ؟!
فابتسم وهو يقرص وجنتها مداعباً :
_غيري هدومك هننزل ناكل دره ..مش هانيمك نفسك في حاجة .

تضحك وسط بقايا دموعها وهي تطوق خصره بذراعيها بقوة فيتنهد وهو يسند رأسها على صدره متخللاً شعرها بأنامله هامساً:
_كنت هاتجنن م الغيظ منك ..بس كنت هاتجنن أكتر وأنا نايم بعيد عنك ..
ثم رفع ذقنها نحوه من جديد هامساً :
_وحشتيني !




همسته تنقطع بآهات متقطعة مع ضحكاته وهو يشعر بقبلاتها المجنونة تطوف على وجهه وعنقه وما تناله شفتاها منه بينما تدفعه ببعض القوة ليسقط على ظهره على الفراش خلفه فيشعر بها فوقه تهلكه ببركان عاطفتها ..

يضحك وهو يحاول السيطرة على جنونها وقد بدت له كقطة شرسة يغلب جنونها عاطفتها ..
_مش كده يا مجنونة..آه ..ماعندكيش اخوات
ولاد ..الدره طيب ..مش كنتِ عايزاه ؟! آه ..

كلماته بتنتهي بضحكة أخرى راضية وهو يستمتع بجنونها الشهي ليطلق زمجرة مهددة قبل أن يتحرك ليعكس الأوضاع فيشرف عليها من علو ونظراته تتجول فوقها بعاطفة دافقة تفجرت مع همسه الذي اتشح ببعض المرح:

_قبلنا اعتذارك ..سيبيلنا فرصتنا نصالح احنا بقا .

"مؤتمر قمة للصلح" امتد بعدها لساعة قبل أن يغلبها النوم بين ذراعيه أخيراً ..
لتستيقظ صباحاً فتفتح عينيها على رسالة من حساب "العاشق المجهول"

_يا مَن لا أشهى من وصالها إلا لذة عتابها ..
أحبك للأمس ..واليوم ..وما بعد الفناء ..
رضيت بحبك فضاء جنوني ..
فلا تعيديني لسجن العقلاء!
======





لم أكن ماهراً في "الجغرافيا" ..
لكنني منذ تعامدت شمس حبك على خطي ..عرفت استوائي !
لم أكن ماهراً في "التاريخ"..
لكنني فهمت من عينيكِ كيف يمكن أن ينتهي عصرٌ ويبدأ آخر !
لم أكن ماهراً في "الحساب"..
لكن حبكِ الغريب أخبرني أن الواحد يساوي العشرة والمائة والألف بل ..والمليار ..
لا يهم في أي خانة تضعينني ..فاسمك وحده في أحد طرفي المعادلة يجعل الطرف الآخر يساوي الدنيا بأسرها!

لم أكن ماهراٌ في "العربية"..
لكنكِ السلطانة التي لم تخلق لها لغة بعد ..ماتت الحروف على أبواب قلعتها ..وسخر لؤلؤ تاجها من بريق الكلام !

لم أكن يوماً ماهراً إلا في شئون النساء ..
وعندما لقيتكِ أدركت أي ساذج كنت ..أي غرّ صرت ..وأي عاشق سأصبح !
يا إعصاراً تجسد في كيان امرأة ..
سألتكِ ألا تكفّي يوماً عن اجتياحي !
"إسلام"
=======






لا تلمني!
إن تشبث القلب بنفس الثوب القديم ..
غير مدركة أن لم يعد يناسبني "المقاس" !
لا تلمني !
إن فقدت أنفاسي في تسلق جبل لا ينتظرني أحدهم على قمته ..
غير أن قدميّ أدمنتا صعوده !
لا تلمني ..
إن عشقت -بغير مرآتك- صورة ..
لما اقتربت وجدتها ليست أنا !
لا تلمني ..
بل انزع عن عيني الغشاوة ..

واضغط زر مصباحي ..
فكم أود لو أراك حقاً !
ربما لو رأيتك ..أجد ما فقدته من بقايا صورتي!

"نشوى"
=========











_مامي ! شفتي بابا جابلي إيه ؟!

تهتف بها ريما وهي تدخل عليها المطبخ حيث وقفت تعد الطعام في مطبخ بيتهما ..
لتلتفت نحوها فينعقد حاجباها وهي ترى إسلام يدخل معها ..
كلاهما يرتديان نفس الملابس تقريباً ..
"تي شيرت" بخطوط مستعرضة باللونين السماوي والأبيض مع سروال مع الجينز و"غطاء رأس" رياضي بنفس الشعار !

_شفتي شبه بعض إزاي؟! فرق الشعر ..بس أنا لميته كحكة تحت الكاب عشان ما يبانش ..

ثرثرة ريما الطفولية تفضح عاطفتها السخية نحو إسلام فيزداد انقباض قلبها جزعاً ويزداد معه انعقاد حاجبيها خاصة والصغيرة تتعلق بذراعيها في خاصرته هاتفة بسعادة :
_وريها جبت لي إيه كمان .

فيبتسم وهو يرفع نظارة
VR "Virsual reality"

أمام وجهها ليجيب بمرح :
_دي نظارة للأفلام "الثري دي" ..بننزل عليها
أفلام مختلفة حسب ..

_عارفاها!
قاطعت بها عبارته وهي تعطيهما ظهرها ببرود منطفئ صار يميز لهجتها مؤخراً وبالتحديد منذ عودتهما من القرية ..
ليرمقها بنظرة حائرةوهو لا يدري سر التغيير الجديد الذي أصابها ..
لم تعد طبيعتها "شوكية" كما اعتادها ..
بل صارت منطوية ذابلة منطفئة ..لا تكاد ترد عليه إلا بأجوبة مقتضبة ..تحبس نفسها في غرفة ريما أغلب الوقت ..بل وتغلق الباب عليها
بالمفتاح ..
المفتاح اللعين الذي يقسم أن يكسره يوماً!!
_شغللي فيلم البحر يا بابا ..لا الجبل يا بابا ..لا ..الغابة يا بابا ..الغابة أجمل ..صح يا بابا ؟!

تهتف بها ريما باندفاع طفولي لتندفع الدموع لعيني نشوى فجأة وهي تعد سراً كم مرة ذكرت الصغيرة كلمة "بابا" ..كأنما تعوض بها حرمانها ..ليس عدلاً أن تحرمها سعادة كهذه ..
لكن هل بيدها القرار حقاً ؟!
لقد فهمت سر زواجه الغريب منها ..

فهمت ما جعله يحتمل ما لم يكن ليحتمله رجل غيره ..
فهمت لماذا يصبر على أن ينال جسدها ..
فهي مجرد واجهة أنيقة يخفي بها إخفاقة حب فقده ..
لكن ما لم تفهمه حقاً هو مشاعره نحو ريما ..
عطاءه السخي معها ..
ليته لا يعلقها به أكثر ..
ليته لا يدخلها في حسابات لا تخصها ..
إن كانت هي اعتادت "شعورها بالنقص" في عيون الرجال ..
فما ذنب ابنتها كي تذوق فقد الأب مرتين ؟!

_مالك؟!
يسألها وكفاه يحطان على خصرها من الخلف فتتحاشى النظر نحوه وهي تطرق برأسها محاولة التشاغل بما تفعله ..
وإن عجز قلبها عن تجاهل أثر قربه هذا عليها ..
هذه اللمسات التي ظنت أنها ستحيي رميم عظام أنوثتها ..
لتكتشف أنها لا تزال كما عهدت نفسها ..
مجرد سلعة بائرة في سوق الرجال !

تتجاهل الجواب وهي تلتفت نحو ريما التي ارتدت النظارة الخاصة ومضى رأسها يتحرك ببطء متزامناً مع ما تراه على شاشتها ..
قبل أن ترفعها هاتفة بانبهار :
_ما حصلش! رهيب يا بابا ..تعالي يا مامي جربي ..
ثم حاولت تقليد غمزته مردفة :
_هيعجبك يا عسل!

فتغمض عينيها بالمزيد من الألم ولا تدري ماذا تفعل ..
لو كان الأمر يخصها وحدها لصارحته بما سمعته ..
لأخبرته أنها علمت الحقيقة ..
بل ولطلبت منه الطلاق !
لكن ماذا عساها تصنع بالصغيرة ؟!
فلتصمت !
ولتبتلع خيبتها وحدها !
هي تدفع ثمن سعادة ابنتها ..ولو كانت مؤقتة !

_أنا حضرت لكم العشا.

تقولها بنفس النبرة المنطفئة وهي تخلع عنها مريلة المطبخ تحت نظراته الحائرة لتهتف بها ريما بانطلاق:
_بيتزا وسندويتشات ..هناكلها قدام كارتون سيمبا ..جاي دلوقت .

لكنها تتحرك لتقبل الصغيرة بعمق وبابتسامة مصطنعة :
_كلوا أنتو ..أنا مش جعانة .

يعقد حاجبيه بقلق حقيقي وهو يميز حالها الغريب الذي لم يره من قبل ..
هو رآها في أشد حالاتها انكساراٌ ليلة زفافهما ..
ورآها بطبيعتها المتحفزة الهجومية في أغلب الأوقات ..
لكن هذه أمامه تبدو مختلفة ..
ميتة تسير على قدمين !


_هي مامي مالها؟!
تسأله ريما بقلق طفولي ليبتسم لها تصنعاً فترد بعفوية وهي تشير له بإصبعها أن يقترب فينحني لتهمس في أذنه :
_امبارح بالليل قعدت تعيط قبل ما تنام ..كانت فاكراني نايمة ومش سامعاها ..

انقبض قلبه بلوعة مع كلمات الصغيرة لكنه اغتصب ضحكة مفتعلة ليطمئنها بقوله :
_المهمة لسة مستمرة يا محاربة ..على العهد ؟!
يقولها وهو يخلع "الكاب" خاصته ملوحاً به في وجهها لتخلع خاصتها بدورها وتلوح به مثله قائلة بحسم :
_على العهد .
_تمام ..روحي بقا روقي أوضتك ولمي اللعب عشان تفرحيها .
_وهارسم لها رسمة بتحبها .
تقولها ريما وهي تقبض كفها في وضع حماسي لتهرع إلى غرفتها ..
فيما تحرك هو باحثاً عنها ليجدها -كعهدها- واقفة في تلك الشرفة الضيقة التي تطل على جدار قريب للبناية المقابلة ..
لا يدري سبب حبها لهذه الشرفة بالذات رغم أن الشقة تحتوي على أخرى واسعة تطل على الشارع الواسع بحديقته الرائعة ..

عبر عن خاطره الأخير بسؤال مباشر اقتحم به خلوتها وكفه يحتضن كفها المستند على السور ..
لتغمض عينيها فتفر منهما دمعة وارتها بابتسامة باردة :
_ما بحبش الأماكن المفتوحة ..بتخوفني ..
الأماكن المقفولة بتطمني أكتر .


_سبحان الله ..دماغ ماشية خِلف خلاف! عكس البشر!

يقولها بمرح مصطنع محاولاً مشاكستها لعله يخرجها من شرنقتها الغريبة هذه وقد توقع منها رداً "شوكياً" كعادتها ..
لكنها لم تفعل سوى أن سحبت كفها منه لتتحرك مبتعدة :
_ما تسيبش ريما تنام من غير عشا ..هي بقت بتسمع كلامك أكتر مني .

_نشوى!
هتف يناديها بحزم غريب على هزله المعهود لتقف مكانها فيتحرك ليقف قبالتها متفحصاً
ملامحها باهتمام مع قوله :
_من ساعة ما رجعنا م البلد وانتِ مش طبيعية ..إيه اللي حصل؟!
_أنا على طول مش طبيعية .
تقولها بنفس النبرة الميتة وهي تمشط شعرها بأناملها للخلف متحاشية نظراته لتردف بابتسامة باردة :
_مستنية اليوم اللي تزهق فيه وكل واحد يروح لحاله ..بس مش مخوفني غير البنت ..
قبضة باردة تعتصر قلبها عند الخاطر الأخير لتغمض عينيها بينما شفتاها تشاركان جسدها ارتجافته بهمسها:
_انت وعدتني ..انت وعدتني حتى لو سبتني ما تسيبهاش .

_أنا ماقلتش كده .
يقولها بنفس النبرة الحازمة فتفتح عينيها بنظرة ارتياع وقد أساءت فهم عبارته لكنه يحيط كتفيها بقبضتيه ليهزها بقوة هامساً وهو يسلط نظراته في عينيها :
_أنا قلت مش هاسيبكم انتم الاتنين .

تأخذ نفساً عميقاً تقاوم به بكاءها وتود لو تقذفها الآن في وجهه أنها تعلم ..
تعلم أنه يكذب ..
أنه ليس أفضل منها ..
كلاهما هرب من حب ضائع لزيجة فاشلة ..
كلاهما يرى في صاحبه مجرد رقعة للثوب الممزق ..
أي عدل هذا !!
بل ..أي ظلم !!
تشعر به يقربها نحوه فتنتفض أنوثتها بهذا الشعور الذي لم تعرفه إلا معه ..
لكنها ستقاومه بكل ما أوتيت من قوة ..
ليس بعد ما عرفته ..
ليس وهي تعلم أنه يرى فيها سواها ..
كما ترى هي فيه سواه ..
كلاهما خائن ..
لكنها لن تستبيح الخيانة بعد الآن !

كفاها يقفان حائلاً بين تماسّ جسديهما وهي تبتلع غصة هائلة في حلقها بينما تبتعد عنه ما استطاعت ..
لتشتعل ملامحه وهو لا يفهم سر نفورها هذا ..
هي لم ترفض يوماً عناقه فماذا أعادهما لنقطة الصفر ؟!

ممزقٌ هو بين قلقه لأجلها وكبرياء رجل يستشعر نفورها فيتنحنح ليغير الموضوع بقوله :
_ماما طالبة تشوفنا ..عايزة تتعرف عليكِ .
_بلاش دلوقت ..مش مستعدة أقابل حد .
تهمس بها بقنوط ثم تتحرك مبتعدة أكثر لتعطيه ظهرها فيزفر بقوة وهو يشعر بالعجز معها لأول مرة ..
حائلٌ غريب لا يدري من أين ظهر بينهما ليجعله يشعر وكأنما يضرب الصخر بقدمه ..
لكنه لم يستسلم وهو يعيد القول بنبرة أكثر ليناً:
_طيب براحتك ..بلاش ماما مادام ماشفتوش بعض قبل كده وانتِ لسة مش مستعدة ..بس عمو علاء وأنّا عازميننا ع العشا مع سيف وغادة ..انتِ شفتيهم وعرفتِ أد إيه هم طيبين .

فالتفتت نحوه بحدة لم يفهمها وعيناها
تشتعلان بالجذوة القديمة التي عشقها ..
لكنها لم تلبث أن خبت مع ابتسامة باردة عادت تحتل الشفتين المشققتين :
_أكيد ..الزيارة دي طبعاً ما يتقالهاش لأ.

المرارة الساخرة الذائبة بين حروفها تثير ريبته فيسألها بتشكك :
_قصدك إيه ؟!

لكنها تعود لتختبئ في شرنقتها مكتفية بقولها :
_ما تشغلش بالك ..شوف تحب نروح امتى وعرفني .

تقولها لتتحرك مغادرة الشرفة لكنه يستوقفها ممسكاً ذراعها وعيناه تجولان فوق ملامحها بتساؤل صامت ..
تساؤل هربت منه مجبورة لتقول بصوت متحشرج:
_عايزة أرجع المصنع بكرة ..ماعدتش مستحملة قعدة البيت .

فيحتضن وجنتها براحته ليقول بحسم دافئ:
_نروح سوا من بكرة ..زي ما تحبي .

تشعر بخلاياها كلها تقشعر للمسته مفتقدة نبضة خاصة لم يعرفها رسم قلبها إلا معه ..
لكنها تعض شفتها بقوة كادت تدميها وهي تزيح ذراعه عنها لتبتعد من جديد متمتمة بصوت
بالكاد يسمع :
_تمام ..شكراً .

يراقبها تنصرف بجزع وهو يكاد يلحق بها من جديد لكن حدسه يخبره أن قربه منها هذه اللحظة لن يزيده إلا بعداً ..
ما الذي تغير بينهما ليطفئها هكذا ؟!


هو ليس غراً ساذجاً ليدرك أنه كان قد بدأ يجد مكانه في قلبها ..
فما الذي طرده من جديد هكذا ؟!
=======











_الشاي بلبن يا عم جميل .

تهتف بها ريتال وهي تهبط الدرج الداخلي الذي يفصل بين شقة أبيها و"المحل" الصغير الذي يتخذه ورشة لخياطته ..
فيبتسم الرجل البشوش بطيبة وهو يجلس على ماكينة الخياطة ممسكاً بعباءة سوداء في يده ..
لتقترب هي أكثر لتقبل رأسه مردفة :
_جميل جمال ..مالوش مثال !

تقولها وهي تضع الكوب في يدها على سطح المائدة أمامه فيضحك ضحكة رائقة وهو يتناول الكوب ليرتشف منه رشفة قبل أن يعقد حاجبيه قائلاً باستياء:
_حطيتي اللبن قبل الشاي ..قلتلك ميت مرة ..الشاي يتحط الأول .

فتضحك وهي تجلس على الأريكة الصغيرة أمامه هاتفة بتعجب:
_أموت وأعرف بتفقسني إزاي ..تفرق في إيه الشاي واللا اللبن الأول ؟!
لكنه يهز رأسه وهو يرتشف رشفة أخرى قائلاً بصوته العذب:
_عيب يا بنت! الشاي بلبن ده علم لوحده ..الطعم بيفرق طبعاً لما تحطي الشاي أو اللبن الأول ..بس جيلكم المعفرت ده ماعادش بيعرف يستطعم ..خلليكي انتِ في النسكافيه و"البسكويك" بتاعك.

_نسكويك يا بابا ..ما أسمحلكش تغلط في مشروبي زي ما أنا بحترم مشروبك .
تقولها مصححة بضحكة رائقة نسبياً تجعله يتفحص ملامحها للحظات قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى:
_أخيراً ضحكتك مظبوطة ..بقالك يومين مش عاجباني .

ملامحها ترتجف واشية بحزن تخفيه منذ ذاك اليوم الذي التقت فيه بمروان وداليا مصادفة في ذاك ال"مول" ..

لا تنكر أنها لم تسعَ لهذه المقابلة بنفسها فقد كان بإمكانها تفاديهما منذ رأتهما من أعلى السلم الكهربائي هناك ..
لكنها تعمدت أن تحدث هذه المواجهة ..
أن تراه وهو يضع كفه على ظهر امرأته التي اختارها وابتسامته تملأ وجهه لتوقن أن هذا آخر طريقهما ..
تماماً كما تعمدت الابتسام لهما وتهنئتهما لتختم اللقاء بقولها لهما أنهما ستنتظر عودتهما للجمعية التي افتقدت نشاطهما ..
أجل ..هي تعودت ألا تتوقف كثيراً أمام الجروح ..
أن تحتمل ألمها حتى تشفى من تلقاء نفسها ..
إنها حتى لا تعلم إن كانت أحبت مروان حقاً ..
ربما كان فقط مجرد "إطار مناسب" للوحة فارس الأحلام !!

_مش بقوللك مش عاجباني !

يقولها والدها بعينين متفحصتين تجيدان سبر أغوارها ليخرجها من شرودها بابتسامة صاحبت تنهيدة مع قولها لتغير الموضوع بنكهة "ثوريتها" المعهودة :
_محدش في البلد دي مبسوط يا عم جميل ..ريحة الظلم فيها فاحت قوي ..نفسي أنام وأقوم ألاقيني سبتها وسافرت ..
ثم غمزته هاتفة بمرح :
_ماتشوفلي عريس حلو كده وانت زباينك كتير ياخدني معاه ونهجّ سوا من هنا ؟!

فيبتسم ابتسامة واهنة وهو يرتشف رشفة أخرى من الشاي ليشغل ماكينته بهذا الصوت الذي أدمنته من صغرها وهي تشعر بها يمنحها
الأمان ..
ليقول بحكمة لم تخلُ من أسى:
_ولما كلنا نمشي يا بنتي هنسيبها لمين ؟! من صغري وأنا شايف فيها أبويا وجدّي ..يشتكوا آه ..بس عمر ما حد فيهم قال نسيبها .




_لا معلش! طالما قرية "ظالمٌ أهلها" يبقى نسيبها ونشوف غيرها مادام احنا مستضعفين فيها ..الكبير بياكل الصغير ..والفقير بيتداس تحت الرجلين ..انت ما بتشوفش اللي أنا عايشاه في "رسالة" كل يوم ..مناظر تقطع القلب .

تهتف بها بحمية ثائرة ليبتسم وهو يوقف ماكينته ليرمقها بنظرة ظافرة ناسبت قوله :
_بتتكلمي وتردي على نفسك ! البلد زي ما فيها الوحش فيها الحلو ..فيها البخيل وفيها الكريم ..العيب مش في البلد يا بنتي ..انتو اللي عقولكم بقت غريبة ..كأنكم اتبرمجتم تعترضوا وتتمردوا وبس !




_احنا الجيل اللي شاف صحابه بيموت قدام عينيه عشان بيقول رأي وكلمة حق ..الجيل اللي خرج شايل روحه على كفه في وش ظالم وبيقولله ارحل ..الجيل اللي اتغفل وهو حاسس إنه اتعمل ساندوتش بين "أجندات" ناس تانيين خطفوا حلمه ..البلد دي ما بقتش بتاعتنا يا عم جميل .
تقولها بيأس ليهز رأسه بأسف ثم ينهي آخر رشفة من الكوب ليقول وهو يعيد تشغيل ماكينته :
_البلد هتفضل للي عايز يعمرها يا بنتي ..سنة ربنا في الكون معروفة إن الظلم مهما طال عمره قصير ..بس لازم نفهم إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

فتتنهد بيأس من عقم الحوار الذي يدور بينهما كل مرة بهذه الطريقة ..
لتختار أن تنهيه بسلمية فتتحرك لتفتح المذياع القديم جواره فتنطلق النغمات وكأنها تجاري حديثهما قدراً ..

في قعدة الصبح ع الكورنيش
في كوباية شاي إنما إيه ..
في طيبة ناس ..
في لقمة عيش تجمع الفقير والبيه ..
على طول تلاقيك فاكرها !


يبتسم كلاهما والكلمات تمسهما كل ٌ -بطريقته - ليقطع الموقف هتاف امرأة دخلت لتوها:
_خلصت العباية يا عم جميل ؟! ..فرح أختي بكرة وأمي حالفة ما تلبسش غير من إيدك .

فيضحك وهو يرفع العباءة بيده هاتفاً:
_صاحي من صباحية ربنا اهه أخلص فيها
..ماليش بركة غير الحاجة .

تدعو له المرأة بالبركة قبل أن تنتبه لريتال فتهتف بحماس :
_عقبالك يا ريتال بابن الحلال اللي يسعد قلبك .

فتضحك لها ثم تغمز أباها هاتفة :
_ويخرجني م البلد دي .

تقولها لتتوجه من جديد نحو الدرج الذي يفصل المحل عن شقتهما التي دلفت إليها لتتوجه نحو غرفتها ..
تنظر في الساعة ثم تتناول هاتفها ببعض الضجر لتبتسم عفوياً وهي تراقب آخر ما نشره سامر على حسابه كمعلومة نفسية يشارك بها متابعيه على حسابه من آن لآخر ..

تصدر هاشتاج The Duck Syndrome "متلازمة البطة"، على أحد مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وهو اسم أُطلقوه بعض الخبراء من جامعة ستانفورد، على متلازمة يعاني منها 87% من الناس في الفترة الآخيرة.

قال بعض الباحثين في الجامعة أن البطة تظهر بصورة الهدوء والرصانة بشكل دائم، ولكن مع البحث وجدوا أن البط يعيش معركة حياتية تحت الماء، وهي معركة التجديف.
أوضح الباحثين أن تجديف البطة يكون بشكل هستيري، حيث أنها تداوم الدفع بأرجلها في اضطراب شديد، في محاولة منها للوصول إلي مكانها النهائي.

وأضاف الباحثين أن هناك كثير من الأشخاص يعانون من متلازمة البطة، حيث تراهم من بعيد هادئين و متّزِنين و سعداء، إلا أنهم في الحقيقة يعانون من صخب وضغط واضطراب لم يستطع أحد اكتشافه غيرهم.


ابتسامتها تتشح بالمرارة وهي تجد شبهاً لنفسها فيما يحكي عنه لترسل له عبر "الواتساب" :
_عندك واحدة "بطة" هنا .

وفي غرفته وجد نفسه يبتسم عفوياً لرسالتها فيردها :
_تعالي جنب أخوكِ على الدكة ..مرحباً بكِ في جزيرة البط .


تضحك ضحكة عالية ثم تتردد لتكتب له :
_قابلت مروان مع مراته .

ابتسامته تختفي ليكسو الضيق ملامحه لسبب لم يفهمه ..
ربما لأنه يرى فيها توأم مأساته !!
لهذا بحث عن كلمات مواساة مناسبة قد ينصحها بها لكنها فاجأته بعبارتها:
_ما انهارتش زي ما كنت متوقعة
بالعكس ..ساعات فعلاً لما بنبعد بنشوف الصورة أوضح .

_مممم...أعتبرها "سياسة البطة" برضه ؟!

يكتبها لينتظر طويلاً دون أن يصله ردها فيدرك أنه على صواب ..
وانها -بطبيعته الثورية- لا تقبل الاستسلام في الحب ..
إما تنتصر أو تقبل الهزيمة تمهيداً لنصر جديد !
تعجبه هذه الصفة فيها ويتمنى لو يكون يوماً مثلها ..
ربما وقتها فقط ..
يقبل هزيمته في حربه الخاسرة مع سها !!
سها!!
أفكاره تسحبه لتلك اللحظة التي رآها فيها وهي تخرج من المركز ..
عيناها دامعتان وجسدها يرتجف بين ذراعي
والدها ..
لكنها -كعهدها- ترفع أنفها بشموخ ..
كأنها تدعي أن بداخلها قلباً لم يكسَر!

_سمعت آخر أغنية ل"كايروكي"؟!
رسالتها تنتزعه من شروده فيبتسم وهو يميز هذه الفرقة المميزة التي اشتركا سوياً في
الإعجاب بفنها المميز الذي يمزج الكلمات الشرقية بالموسيقا الغربية ..

تتسع ابتسامته وهو يراقب الملف الذي أرسلته بأغنية "يا أبيض يا أسود "
فيشغلها ليستمع قليلاً ..

أسئلة عايشة معايا مكملة..
والإجابة متأجلة ..
سلسلة وكل حلقة للتانية مسلمة..
بلف في دايرة ومهما بعدت أرجع هنا ..
بصيت في مرايتي لقيتها سودا ومضلمة...
يا أبيض يا أسود قصة حياتي كل حكاياتي
مع إني عادي عايشها في النص رمادي


مقطع مميز يشرد فيه مع اللحن الغربي الغريب ليقطع شروده صوت منبهه الذي ضبطه على ميعاد مهم ..

فيوقف الأغنية لينهض لكنه يرسل لها قبلاً :
_مانتحرمش من ذوقك يا بطة ..عايزين كل يوم بقا اصطباحة من دي .
======






_ناصر تحت ..عايز يقابلك .
تقولها أمها بحزم رفيق وهي تدخل عليها غرفتها في بيت والدها لتقسو ملامحها الباهتة مع جوابها البارد :
_وإيه الجديد ؟! ماهو كل يوم ييجي عايز يقابلني وبيرجع من غير ما أشوفه .

تزفر أمها بقوة وهي تراقب هزال جسدها الذي يزداد يوماً بعد يوم لتتقدم منها وتجلس على طرف فراشها قائلة برفق:
_ياما نصحتك ما سمعتيش كلامي ..دلوقتِ بتحاسبيه على إيه ؟! انتِ كنت شريكته في اللي عمله م الأول ..كل حاجة كانت بموافقتك .

_هتقولي زيه ؟!
تصرخ بها بعنف نسف البرود الظاهري الذي تدعيه لتحتقن ملامح أمها وهي تربت على كتفها تحاول تهدئة هذا البركان الذي تفجر بين حروفها الثائرة :
_أنا قبلت أضحي عشان أديه الحياة الكاملة اللي هو عايزها ..دست على قلبي وكرامتي وقبلت وضع مفيش واحدة غيري تقبله ..كنت بروح معاه نقابلها وأرسم ضحكة على وشي وأنا قلبي بيتقطع وأقول معلش ..عشان حقه يبقى أب ..عشان ما يخسرش باباه ..أنا اللي اخترت له بدلة فرحه والقاعة اللي هيتزف لها فيها ..وبعد كل ده ..أسمعه بوداني بيقول لباباه إنه لعبها صح ..إنه هيمسك العصاية م النص ..إنه هيحبها زي ما حبني !!

تنهي عبارتها وهي تقذف كوباً جوارها ليتهشم مصدراً دوياً هائلاً فتنتفض أمها مكانها لتطوقها بذراعيها هاتفة بيأس من مجادلتها العقيمة :

_خلاص يا سها اهدي ..أنا هنزل أقولله يصبر شوية لحد ما ..

عبارتها تنقطع وهي ترى ناصر واقفاً عند الباب بملامح ليست أفضل بكثير من
ملامح ابنتها ..إن لم تكن أسوأ ..
يالله!!
ما الذي فعله هذان الاثنان بنفسيهما ؟!

_انت دخلت هنا إزاي؟! اطلع بره ..بره ..مش عايزة أشوفك .

تصرخ بها سها بهياج وهي تنتفض من فراشها لتتوجه نحوه لكنه لم ينتظرها ..


بل اندفع ليطوقها بذراعيه محاولاً السيطرة على ثورتها الهائجة لتراقبهما الأم ببصرها للحظات بقلق قبل أن تتردد لتخرج من الغرفة مؤثرة تركهما وحدهما ..
وبين ذراعيه كانت هي تتخبط كطير ذبيح تحاول التخلص من قيد عناقه بقوة لكنه يتشبث بها بقوة هامساً في أذنها بحزم :
_اطرديني ألف مرة وهارجع تاني ..مفيش حاجة هتفرق بيننا غير الموت .

همساته بدت وكأنها قد سكبت دلواً من الماء فوق نيرانها لتسكن حركة جسدها بين ذراعيه للحظات ..
قبل أن تستحيل لبكاء هستيري استقبله هو على صدره وهو يخفف ضغط ذراعيه حولها ليدفن وجهه في حنايا عنقها هامساً بألم :

_حرام عليكِ يا سها ..أنا بموت كل ثانية بشوفك فيها كده ..أنا آسف ..بقولهالك وهاقولهالك بكل طريقة ترضيكِ بس ارجعي ..ارجعيلي .

_أبداً .
تهمس بها بشراسة وهي ترفع إليه عينين شاردتين يظللهما جرج تركه ولا تظنه سيندمل ..
سبابتها التي رفعتها في وجهه ترتجف وهي تردف بنفس القسوة الغريبة على طبعها معه :
_أنا عرفت إنك وقفت في وش والدك وقلت له إنك مش هتتجوز ..
يومئ برأسه إيجاباٌ وهو يشعر ببعض الأمل الذي صفعته هي بقولها الذي حمل من الألم أضعاف ما حمله من السخرية :
_ولما انت قادر تعمل كده ما عملتوش م الأول ليه ؟!

يسبل جفنيه بعجز لتردف هي بنفس النبرة :
_ليه ما طمنتينيش؟! ليه سبتني أتحرق لوحدي وانت واقف تتفرج عليا بس بتقوللي إني صعبانة عليك..لا كتر خيرك !

_ما تبقيش ظالمة يا سها ! انتِ عارفة إني
م الأول مكنتش راضي عن الجوازة دي .
_بس رضيت ! وافقت تاخد وما تديش .
_ما انتِ كمان رضيتِ!
_عشانك!
_لا عشان نفسك ..عشان تفضلي حاسة إن الدنيا كلها في إيدك ..انتِ اللي هتختاري كل حاجة وتمشيها بمزاجك .



يهتف بها بثورة تشبه ثورتها لتتجمد ملامحها للحظات غير قادرة على إنكار أنه قد أصاب بعض الحقيقة ..
لكن أخذتها العزة بالإثم لتحرر نفسها من بين ذراعيه وهي تبتعد بخطواتها قائلة :
_بقا كده ؟! آخرتها شايفني كده ؟! خلاص ..أنا ما أرضالكش تفضل مع واحدة متسلطة وقاسية زيي .

فيزفر بقوة ليعاود الاقتراب منها قابضاً على ذراعيها بكفيه هاتفاً بعصبية:
_ارحميني وارحمي نفسك بقا ..بتكابري ليه ؟! احنا الاتنين غلطنا وعندنا فرصة نصلح غلطنا ..
_أبداً ..أبداً ..مش هنسى اللي خلتني أحس بيه ليلتها وانت سايبني عشان تروح لواحدة غيري ..لو بموت..لو بموت مش هارجعلك تاني يا ناصر .

تهتف بها بعناد قاسٍ اصطبغ بجرحها لتقسو ملامحه وهو يضغط ذراعيها بقبضتيه أكثر هامساً من بين أسنانه :
_وأنا مش هاسيبك يا سها ..وافهميها زي ما انتِ عايزة .

عيناهما تتلاقيان للحظات توقف العشق فيها حائراً بين قسوة وعناد ..
قبل أن تتراخى قبضتاه حول ذراعيها ليقتنص منها نظرة أخيرة قبل أن يعطيها ظهره ليغادر الغرفة مقاوماً كل ذرة في جسده تستصرخه أن يبقى !

ولم يكد يختفي عن ناظريها حتى انهارت ساقاها فجأة لتسقط على الأرض كأنما ذهب كل ما كانت تدعيه من قوة أدراج الرياح ..
تتأوه بخفوت وهي تشعر بأحد شظايا الكوب الذي كسرته يصيب ذراعها لينزف منه الدم ..
لكنها تتأمله بنظرات زائغة كأنها لا تأبه ..
أعماقها الثائرة تصرخ بشعورها بالغدر ..
كيف يظن الأمر بهذه البساطة ؟!
كيف يظنها ستعود إليه ؟!
هي فقدت أمانها معه ..
هل بعد فقدان الأمان عيش؟!

يزعم أنه لن يتركها ..
حسناً!
ستذيقه نفس الكأس الذي أذاقها إياه ..
ربما ساعتها فقط قد تسامحه على ما فعله بها ..



تنهض من جلستها متعثرة بجسد ليس أكثر قوة من عقلها في هذه اللحظة وهي تترنح لتتناول هاتفها وتتصل برقم ما ..
ولم تكد تسمع صوته حتى قالت بصوت ارتجفت حروفه:
_سامر ..أنا عايزة أشوفك.
======
انتهى الفصل الخامس والعشرون



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 10-10-19 الساعة 10:38 PM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 02:26 AM   #968

Miush

? العضوٌ??? » 404902
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 228
?  نُقآطِيْ » Miush is on a distinguished road
افتراضي

كتير عليا كدا مشاعر وعاطفه ورمانسيه أتستني أسمي 😁 أبدعتي حبيبتي سلمت يداكي ❤

Miush غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 03:00 AM   #969

jadbalilo

? العضوٌ??? » 394100
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » jadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond repute
افتراضي

شكراااااااات إبداعاتك يعجز اللسان وتعجز الكلمات عن وصفها دمت مبدعة

jadbalilo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 08:57 AM   #970

amira_adel

? العضوٌ??? » 271425
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 254
?  نُقآطِيْ » amira_adel is on a distinguished road
افتراضي

اول حاجه عايزة اقولك ما شاء الله عليكي ربنا يديم عليكي موهبتك و احساسك بكل جملة بتكتبيها..
معاكي بس فصول الختام بتبقي ملحمة .. مش قفلات عادية متوقعة لرواية .. ختام فيه ابداع تقريبا مشفتوش غير في رواياتك

عابد .. الأمان.. المؤازرة .. العفو .. الاحتواء .. التفهم .. الطمأنينة ..المودة و الرحمة كما أرادها رب العالمين بين الزوجين
هدية ربنا للجين و مكافأة ربنا لثمر ..
نجح بامتياز في امتحانه و بقي عون للجين في امتحانها


لجين .. ربنا راضاها بانسان حبها قلبا و قالبا .. خلاها تشوف جمالها في عينيه .. غض الطرف عن عيبها و شاف روحها الحلوة ... علاقتهم تشرح الصدر لانها مكلله بطاعة الله و تقواه و طلب رضاه 💚

نيجي بقي لمشهد زين في بيت ثمر.. المشهد ده رواية لوحده ..

دخول زين البيت و هو مش قادر يرفع عينه من إحساسه بهيبة روح ثمر ..


اسلام و هو متفهم لحالة زين رغم غضبه من سابق علاقته بياقوت و ابتزازه ليها و دعمه لياقوت

همسة و هي بتطمن زين علي نفسها 🌼 و رائد السوسة اللي عرف يخرج زين من منفاه و يجيبه بيت ياقوت

ياقوت _اللي الله يسامحها علي الفسفوري المنيل اللي هي لابساه و هتنقط اسلام بعمايلها 😅 _ و هي ما بين فرحة برؤية زين و قلق و ترقب لنتيجة لقائه بثمر

ثمر .. رؤيتها ليه مزيج بين كل المشاعر زي ما وصفتي.. بحدسها حاسة بحاجه غلط حصلت مع ياقوت و ان كانت مش متيقنة.. في نفس الوقت فاكراله وقوفه جنبهم و شايفة قدامها شخص خايف علي اخته و شعوره بالندم علي اخطائه مدمره مش قادر يستعيد نفسه .. كل ده ممزوج بشعورها القديم ناحية حسين رجائي و من هم علي شاكلته بس بروحها الشفافة أدركت الفرق بينهم و ان اللي قدامها شخص مختلف

لقاؤهم علي السطح و كلامها معاه .. لو ربنا مكانش رايدلك التوبة مكانش دلك ع الطريق .. يا الله علي صبر ربنا علينا و حبه لتوبة عباده .. قشعرت حقيقي من كلامها له.. الامل في عفو ربنا و قبول توبته هو اللي هيقويه يكمل هدم الباطل و بناء الحق بداله..

بنتك متقعش يا حاجه.. تقدير لياقوت و لثمر و وعد انه ميخذلهاش

آذان الفجر و استقبال ثمر لاشارة ربنا بفطرتها النقية حسيت اني شايفاها فعلا و شعورها بالراحة اتنقللي

مشهد صلاة زين بكاني حقيقي .. الله أكبر من ذنبه .. الله أكبر من قنوطه.. الله ارحم ان يرده و هو مقبل .. ايه روعة تعبيرك ده
صلاته و لهفته للسجود شعور دايما بحسه في أعلي درجاته في ليلة القدر و كلنا عشم في رحمة ربنا و عفوه . اجدتي الوصف ربنا يكتبلك نصيب من عفوه و رحمته 💚


نرجع تاني بقي لباقي الرواية .. هيثم فقد كل حاجه بس أمانه في حبه لشهد و حبها له صعب عليه يواجهها اول ما عرف .. مش عارفة حقيقي هتعالجيها ازاي مستنية اشوف في الفصول الجاية

ثمر و فرحتها بفرحة لجين و موافقتها انها تحج معاهم لانها حست انه ابنها.. شعور جميل بعوض ربنا علي تعبها عشان تعدي بيهم لبر الامان

رابحة و الصالح .. تناولك ليهم موضوعي .. جايبة فكرة انبهار المراهقة بصورة لطيفة .. ممكن يكون وقتي و ممكن مع نضجها يستمر اعجابها بيه و نشوفهم بعد كده في جزء تالت مثلا 🤔


رائد .. اكتر حد فاهم زين و عارف ايه اللي بيحس بيه صداقتهم مميزة و داعمة .. و ده بان في انسحابه عشان يسيب مساحة لزين و همسة محتاجينها

دخول همسة قصر الفايد .. موجع و مبهج في نفس الوقت.. عين همسه و هي بتجري في المكان و محاولتها لتفادي اسباب وجعها.. رغبتها في فتح النوافذ و دخول الضوء .. رغبتها انها تسعد زين و تشيل عنه حمل ذنبها و مسامحتها لباباها .. أصرارها انها تحلقله دقنه عشان يرجع بصورته الجميلة علي ايديها .. همسة و هي همسة ناعمة و جميلة و حنينة 🌼

مروان و داليا .. كانو محتاجين الخناقة دي .. اختبار ليهم هيعدو ازاي و خصوصا داليا هتعمل ايه لو مروان مداهاش كل الاهتمام اللي معودها عليه .. و نجحت لما مستسلمتش لنزقها المعتاد و فضلت لما صالحته ..


اسلام و نشوي .. جرح نشوي لاحساسها انها كانت بديل مع انه شعور مؤلم جدا بس هيخليها تقدَّر بعد كده جمال احساس انه يكون يحبها لشخصها لما تفهم الحقيقة

ريتال دي بقي بتتكلم بلسان حال جيلنا حقيقي ربنا يزيح الغمة عن بلدنا .. عم جميل كلامه برضو معبر عن جيله شايفيننا خلقنا لنعترض 🤦‍♀️


سامر و ريتال .. يا رب يا مسهل يشوفوا في بعض اللي هما بيدوروا عليه في وهم الحب اللي موصلولوش

متلازمة البطة 🦆 تقريبا كلنا عندنا المتلازمة دي 🤣

سها و ناصر .. الجرح لسه بيندمل بس لسه وجعها أكبر من انهم يرجعوا.. و بصراحة جرح هما الاتنين يستاهلوه عشان يفوقوا ..

فصل يستحق الانتظار اسبوعين.. شكرا علي تعبك عشان تطلعي عمل كل كلمه فيه بتحترم عقولنا 💙💙💙


amira_adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.