آخر 10 مشاركات
عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          3-المطاردة العنيفة - ساندرا فيلد -روايات نتالي (حصرياً) (الكاتـب : Just Faith - )           »          دوامة الذكريات - فانيسا غرانت - روايات ناتالي** (الكاتـب : القصايد - )           »          13- حب أم واجب - كاى ثورب - روايات ناتالي (حصرياً لروايتي ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          [تحميل] إمــا "شيطـــان" أو شـخـص مــهـزوز الـكـــيان/للكاتبة Miss Julian(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree10Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-02-19, 02:40 PM   #11

Walaa faisal

? العضوٌ??? » 356087
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 302
?  نُقآطِيْ » Walaa faisal is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

Walaa faisal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-19, 10:29 PM   #12

Sase

? العضوٌ??? » 408008
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 369
?  نُقآطِيْ » Sase is on a distinguished road
افتراضي

❤😘😍💙❤😘😍💙❤😘😍💙❤😘😍💙😘❤😍💙😍❤😘😍💙😍😍

Sase غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-02-19, 10:12 PM   #13

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل الأول
جلست مادلين في الظلال المظلمة في مؤخرة قاعة المحاضرات الكبيرة، ذقنها مرفوعة وعيناها مغمضتان. عندما تنفست، تحركت بمحاذاة ذقنها خصلة شعر خطها الشيب، ولكن، ما خلا ذلك ولولا ارتعاش أناملها الخفيف في حركة الية على حضنها لكانت ساكنة تماما.
بدا الشحوب على قسمات وجهها الباهت كلون شعرها. تعتريها هذه الحالة كلما غادرت شقتها في مانهاتن. فنظرات الغرباء المحدقة إليها بازدراء قد دفعت بها إلى تفضيل البقاء في بيتها، ولكن هذا اليوم كان خاصا في حياتها، فهي لم تهتم بالنظرات الفظة، وهي في الواقع، لم تتنبه لها.
عادت قسمات وجهها لتستعيد صفاءها في تلك الأثناء الأمر غير المألوف في تلك القاعة، حيث كانت الوجوه، في معظمها مشدودة باحكام. وطافت مادلين بنظرها على شتات المتبارين الآخرين الموزعين بين مئات المقاعد الشاغرة. وتكون لديها رأي في أن معظمهم من عازفي البيانو المحترفين ولكنهم يغردون خارج سربهم في مباراة سوف يحظر عليهم فيها عزف الموسيقي الكلاسيكية. وقد تناهى إلى مسمعها تذمر بعض الذين كانوا جالسين في المقاعد القريبة منها.
ماذا يريد مؤلف موسيقي مشهور مثل الياس شيبرد من
عازف بيانو كلاس”يك”ي، بحق السماء؟» تمتم شاب صغير.
"ومن تراه يابه؟» أجابه رفيقه: طالما انه يملك المال ليسلم جوائز كهذه، والله لأعزف أي شيء يرغب في سماعه. إلا أن المشكلة تكمن في أني لست متأكدا من كوني أستطيع عزف الموسيقى التي تروق له.»
راحت مادلين تتفرس في وجوههم وهي تسبر غور التوتر الظاهر فيها... الذي امست تتنشقه مع روائح العطور التي كانوا قد تخضبوا بها... و بتجرد مطلق، شعرت بالشفقة عليهم. فهي لم تحضر الاحتفال لتنال رضى أحد، بل جاءت من أجل الجائزة المالية فقط، حتى أن الجائزة المرصدة لمن يتبوأ المركز العاشر كانت تعتبر ثروة في حد ذاتها؛ أما امكانية احتلالها للمراكز الأولى المتقدمة، فلم تخطر على بالها قط. فهي، على أية حالة، لم تكن محترفة وإنما مجرد مدرسة بيانو تعمل في نيويورك وتعيش عيشة مقتصدة. التفاؤل كان حالة ذهنية ذهبت مع أيام طفولتها
ذكريات الطفولة هذه قد وضعت على رف النسيان وقد مهرها الزمان بختمه وصارت أشبه بأوراق قديمة لا جدوى منها، مزدحمة داخل علبة دفعت إلى أقصى الخزانة. ولكن، في أوقات كهذه، عندما تكون محبطة، كانت هذه الذكريات تزحف إلى صدر أفكارها، كبقعة على بساط تظهر مرة بعد الأخرى، مهما تعرض ذلك البساط للتنظيف والفرك.
غير شرعية العبارة طبعت في ذهنها وكأنها تعليق على وجودها إثر ظروف ولادتها، فقد كان أبوها رجلا غير معروف. أما أمها فكانت مراهقة يائسة لم تنعم بطفولتها... ودلفت مادلين إلى هذا العالم، غير متوقع حضورها وغير
مرحب بوجودها، محطمة بذلك حياة أرواح شابة قبل أن تتنفس أنفاسها الأولى
قد علمت بعد سنوات أن مؤسسة التبني الخيرية قد أضفت عليها لقب آخر أكثر سوءأ من سلفه: «صعبة التبن”ي.» فلم تدر ك”يف حازت على هذا اللقب الجديد، بل شكت في أن سمتها الغريبة الشاحبة قد كانت السبب في نفور الأزواج الشبان الذين يحلمون بأطفال متوردي الوجنات، ممتلئين صحة، ذوي عيون زرقاء صافية وثغور كالبراعم.
لكن مهما كانت الأسباب، فقد كانت طفولتها سلسلة من الذكريات عن بيوت التبني، أماكن جيدة، في معظمها، صالحة، ويشرف عليها اناس خل”يقون بالمهمة المناطة بهم، لكنهم ظهروا وغابوا من حياتها كالرمال المنسابة من بين أناملها. مادلين الطفلة تعلمت باكرا أن ليس هناك من اتحاد دائم؛ لا عاطفة، مهما تناهت في صدقها، تدوم. ومادلين الشابة لا تجد سببا يدعوها لأن تتحول عن معتقدها هذا العلاقة الوحيدة التي أتيح لها أن تسبر غورها كانت تلك القائمة بينها وبين تلك الآلة الجامدة البيانو، مع أن معظم الناس قد يعتبر هذا اعترافا ماساويالحياة فارغة، مادلين لم تنعم بأكثر من ذلك، وقد كان كافيا بالنسبة لها
فأمها الأولى بالتبني كانت قد أجلستها على مقعد البيانو عندما كانت لا تزال طفلة تحبو. وقد كوفئت في حينها بابتسامة فيها الكثير من الدهشة والشفقة من راعيتها الوحيدة الصغيرة. فلوحة البيانو بمفاتيحها البيضاء، والتي كانت تبدو لها كأسنان شريرة، راحت تعطي الحانا سحرية
مدهشة، وهكذا عشقت مادلين تلك الآلة ووقعت في غرامها.
الظروف التي رافقت حياتها لم تكن لتسمح لها بغير القليل من الدروس الأساسية، ولكنها كانت كافية، متسلحة بمعظم التعليمات الأساسية، لقنت مادلين نفسها العزف لأسياد الموسيق”ي، باخ، وشوبان، وبيتهوفن وموزار، والآن، وهي في ربيعها الخامس والعشرين، أصبحت بارعة بصورة تكفي لتقوم بمحاولة تدريس الأطفال ما اضطرت أن تدرسه لنفسها. وقد كانت على العموم راضية. أو على الأقل هكذا كانت حتى السنتين الماضيتين. حين بدأت تعزف موسيقى الياس شيبرد، و على حين غرة، وقعت في الحب للمرة الثانية في حياتها.
مجرد ذكر اسمه يجعلها مرهفة. فتحت عينيها الواسعتين الرماديتين اللتين كانتا أشبه ببراري المناطق الباردة، رمقت المسرح المشع بأنواره، بعيدة أمامها، وشاهدت أحد العمال وهو يفتح غطاء البيانو الضخم، ويجهز منصة الموسيقي ويتفحص الميكروفون على المنصة إلى يمين المسرح
سوف تبدأ قريبا مباراة الياس شيبرد السنوية الأولى للعزف على البيانو، وستصدح قاعة المحاضرات، لهذه الأمسية على الأقل، بموسيقاه
بل موسيقاها هي، لأنها هكذا صارت تنظر إلى أعماله الجديدة، عروض الألحان، موسيقى الأفلام والأغاني الشعبية جعلت منه إنسانا مشهورا . ولكن فجأة، ومنذ ما يقارب السنتين، تغيرت طبيعة الموسيقى التي كان يعزفها، وصارت أكثر اصطباغأ بالحزن. شعرت بصدي يأسها
يدوي في ألحانه الحزينة والمثيرة للمشاعر، وسمعت رجع وحدتها في صوت الأنغام: كأنه كان يحدثها عبر موسيقاه وكانها هي الأخرى تكلمه حين تعزفها. للأسف، العالم لم يشاطرها رأيها. فقد حمل النقاد على آخر أعماله الموسيقية بالنقد والتجريح، وتوقف منتجو الإذاعة والتلفزة عن الاستعانة به لإستخدام موسيقاه في أفلامهم ومسرحياتهم، ولم تعد الجماهير تحتشد لحضور حفلاته.
"جوناثان باركس؟» وجاءت المناداة من المسرح الذي راحت أنواره تخبو رويدا رويدا فيما أخلى أحد المتبارين مقعده وسط القاعة ومشي بخطى ثابتة في الممر.
تململت مادلين قليلا في مقعدها وشدت على ذراعي ذلك المقعد، وقد استعادت هدوءها، لكن عينيها شعتا بانتظار ما سيكون.
كان جوناثان باركس رجلا طويل القامة، نحيل الوجه، ذا شعر طويل أشقر، وقسمات بارزة - الصورة النموذجية لعازف البيانو الطموح فيما يجلس أمام الآلة، رأسه مردود إلى الخلف وأنامله الطويلة مترامية على المفاتيح
أغمضت مادلين عينيها للنغمات الأولى المتألقة، متهيئة للانتقال مع الجمال البائس لإحدى مقطوعات شيبرد، لكن بعد فاصلة موسيقية، فتحت عينيها وتجهمت، كان باركس يعزف المقطوعة التي أخطأ في اختيارها ببراعته المشهودة، كان لا يتبع التوقيت الصحيح مدخلا عاطفة مفرطة لم تكن متناسقة مع روح القطعة في سهولتها وايقاعها.
أخيرا أنه”ي باركس مقطوعته. فتبعه متبار آخر، وآخر ,
فاخر، إلى أن توقفت مادلين عن سماع الموسيقى الصادحة من المسرح وسمعت الموسيقى فقط في ذهنها، كما يمكن أن تعزفها.
أخيرا، وبعد ساعات، جاءت المناداة على اسمها. مادلين شمبرز؟» خصائص المسرح الصوتية قد امتصت اسمها لتجعله أكثر رونقأ.
«أنا هنا.» وقفت مادلين بتؤدة وقد تصلبت بعد جلوس طويل. فقد كانت تقريبأ آخر المتبارين. ولمحت، وهي تدنو من المسرح، أن القاعة قد باتت خاوية تقريبا.
هل أنت جاهزة، يا آنسة شمبرز؟» جاءها الصوت من وراء وهج الأضواء في مقدمة خشبة المسرح فيما كانت تجلس أمام البيانو، صوتا أنثويا ناعما واختير خصيصا للمناسبة، لتهدئة أعصاب المتبارين المرهقة. " نعم.» أومات مادلين برأسها وهي تبتسم باحترام كلي أمام الآلة الموسيقية الرائعة، والتي كانت تختلف عن التها القديمة في البيت.
هذه القطعة مهداة لك، يا سيد شيبرد، فكرت بصمت. أتعرفت عليها أم لا، ولكن هذه هي الطريقة التي ستصدح بها موسيقاك.
لمست أناملها المفاتيح في مداعبة لطيفة، وأصلحت جلستها قليلا إلى أعلى، وبدأت، فيما روح إنسان لم تكن قد التقته، تنبعث من بين يديها.
في الصف العاشر من القاعة، بدا الهدوء فجأة على وجه رجل فيما عيناه الخضراوان الداكنتان مسرتان إلى المسرح
بعد ساعتين، كانت مادلين في شقتها الصغيرة المؤلفة من غرفة نوم واحدة وشرعت في تبديل حذائها ذي الكعب الواط”يء ومئزرها الأسود، وانتعلت خفأ ولبست فستانها الأبيض المجعد. وأزالت الأصباغ عن وجهها، ثم وقفت أمام المرآة في غرفة نومها وراحت تمشط شعرها، إلى أن أصبح شبيها بهالة متكسرة حول كتفيها وقد خبا لونها.
توقفت وسط حركاتها النظامية المتكررة، وضاقت حدقتاها وهي تتفحص رموشها الداكنة الكثيفة حول عينين كالأحجار الرمادية المثلجة. لم يكن يعيبها أن يكون شعرها وعيناها وبشرتها فاتحة اللون حتى الشفافية برغم أن رموشها الداكنة تبدو كأنها تعود لشخص آخر...
تنهدت وهي تتحول عن المرأة، وقد آنست ارتياحا في شقتها بعيدا عن نظرات الغرباء
لم تكد تخطو وسط فوضى أثاثها في الصالون وهي في طريقها إلى المطبخ، حتى سمعت قرعا عنيفا على الباب. فتغيرت ملامحها.
شدت على حزام مئزرها ومشت إلى الباب وفتحته قليلا بتردد، وألقت بنظرة خاطفة من جانب الباب
" مبروك.»
ارتفعت عينا مادلين قليلا إلى أعلى لتطلا على قسمات رجل في الظلمة لم تره من قبل. فقالت وهي تنظر بعين واحدة في الضوء الخافت في الرواق: «أستميحك عذرأ؟»
" لقد قلت مبروك، فهذا لك.» كان ممسكا بمغلف أبيض لم تستطع تمييزه. وبحركة
بسيطة من رأسه استطاعت مادلين أن تتبين عينيه وقد غمرهما النور، فحدقت فيهما، وقد سحرها لونهما الأخضر المفرط في بريقه، لا يمكن أن تجد له مثيلا إلا في خضرة البساتين في عز ربيعها.
أخذ تحديقها الصامت إليه بعض الوقت، وهو على ما يبدو قد آنس به. ثم أحني رأسه قليلا." يوجد شيك بقيمة كبيرة من المال طي هذا المظروف يا آنسة شمبرز.»
تنهدت مادلين وقد تقوس أحد حاجبيها. "حقا؟ حسنا, إنه شيء بديع، ولكنني لست بصدد بيع أي شيء، شكرا.»
ظهرت على وجهه ضحكة فيما كانت تهم بإغلاق الباب. "إنها الجائزة الكبرى لمسابقة العزف يا آنسة شمبرز. أنت فزت بها .»
توقفت أنفاسها وضاقت حدقتاها وقد ارتابت للأمر. "هذا مستحيل. لقد قيل لي إن النتيجة ستبلغني بواسطة البريد.»
كل المتبارين الآخرين سيبلغون بواسطة البريد. اما الفائز الأول فيتسلم جائزته، ألا توافقينني الرأي؟»
أحست مادلين أن قواها قد بدأت تخونها وهي تحاول استيعاب النبأ وتتذكر القيمة المالية للجائزة الأولى. «أحقا ربحت؟» همست وتضايقت من تهدج صوتها، لكنها لم تستطع التحكم بنبرته: «هل أنت متأكد؟ »
"بالطبع. أنا جازم في ذلك.» أومأت برأسها ببطء، وقد تخدرت أفكارها. فقد كانت تحلم بأحلام عادية جدأ فيما مضى ولم يخطر ببالها فكرة أن يكون الياس شيبرد قد اصطفاها للمركز الأول، هذا
فضلا عن إرسال أحدهم لتسليمها الجائزة في تلك الليلة.
تنبهت فجأة إلى أنه لا يزال واقفا في الرواق، ففتحت الباب على مصراعيه. «أرجوك، تفضل.» قالت، وأشارت بيدها إلى بعض الأرائك والكراسي التي كانت محتشدة في إحدى زوايا غرفة الجلوس وقد بدت هزيلة في حجمها أمام البيانو الضخم الذي اقتصدت كثيرا كي تبتاعه: تفضل بالجلوس، فقد كنت في صدد تحضير بعض القهوة الإيرلندية...»
اختنقت العبارات في حنجرتها حين استدار فجأة ليواجهها، فوقع نظرها عليه للمرة الأولى وقد غمره النور. وعلى الفور، على الرغم من أنها لم تلتقيه قبلا أو ترنو إلى صورته، لقد عرفته، إنه الياس شيبرد. فما كان يجذبها في موسيقاه وجدته في وجهه، وقد أدهشتها سرعتها في التعرف عليه. فقد كانت متيمة بفكر الياس شيبرد وروحه اللذين كانا وراء موسيقاه خلال السنتين الماضيتين، إلا أنها لم تكن لتتوقع أن ترتسم تلك الروح على وجه رجل.
"أنت الياس شيبرد.» تمتمت وهي تخشي، أن ترف عيناها فتزول الرؤية من أمامها.
حملق بها إلى ما بدا أنه زمن طويل، ثم هز برأسه. بدا في تعابير وجهه الداكنة، حزينا مثل موسيقاه، بحاجبين كثيفين فوق عينيه الخضراوين الرائعتين وفم مشقوق وسط فكه المربع. إلا أنها أحست أن هناك شيئا ما وراء تلك الصورة القاتمة - ش”يء نظيف وبراق وقاس، جعلها تفكر بلمعان أشعة الشمس فوق المحيط.
دهشت حين تكلم وتساءلت كم مضى عليها وهي واقفة هناك، تحملق به في صمت. "تبدو القهوة في أوانها. شكرا "
«أنت على الرحب والسعة.» أجابت بصوت خال من التعبير إلا أنها بقيت ساكنة، عاجزة عن رفع نظرها عنه. وأخيرا أجبرت نفسها على الذهاب إلى المطبخ.
تحضير القهوة الإيرلندية أمر سهل، قامت بتحضيرها مئات المرات قبل ذلك، إلا أن عملية تحضيرها تلك الليلة كانت معقدة، ومتجاوزة قدراتها .
عندما عادت إلى غرفة الطعام، وجدته جالسة على الأريكة، وهو يتابع بنظره اقترابها بارتباك حذر، وتلامست أناملهما للحظة وهو يتناول كوب القهوة من يدها. أما هي فغرقت في كرسيها مقابل الأريكة وقد أربكتها الحرارة التي سببتها ملامسته.
راحا يرشفان القهوة من كوبيهما حين قال: «لقد هزني أداؤك اليوم.»
اهتز رأسها لصوته المتماوج في بحة، تجنبت عينيه، وركزت على شعره الأسود المرفوع وراء أذنيه والملفوف على مستوى ياقة القميص الأبيض الذي تراه للمرة الأولى حله عند العنق وأرخ”ي ربطة العنق ليضعها جانبا .
لم تشتركي في مباراة كهذه قبلا، أليس كذلك؟ »
"كلا.» بدأت تهز رأسها، ثم كان عليها تذكير نفسها بالتوقف. «وهل كان ذلك واضحأ؟»
"بالطبع لا.» قال وهو يحاول أن يبتسم: «أنا أتابع كل المباريات. ولكنت تذكرت عازفة مثلك.»
أخذت مادلين رشفة أخرى من الشراب و شعرت بالدفء يسري في حنجرتها. «أنا في الحقيقة مدرسة بيانو ولست بعازفة ".
ابتسم هذه المرة ابتسامة خفيفة. ولم يكن شكسبير بأكثر من كاتب»
لم تتح لحدقيتها أن تتسعا بعد تلك المقارنة الصارخة في محتواها، إذا عاد ليصدمها ثانية.
"أريد أن استخدمك، يا آنسة شمبرز. أريدك أن تعملي معي دواما كاملا في مشروع مهم، تعزفي موسيقاي، أو ربما تسجيلها، إذا اقتضى الأمر.»
ترددت هنيهة. «حسنا»
" حسنا؟ أهذا كل ما عندك لتقوليه؟»
تجهمت مادلين وهي لا تدري ما تفعل، فيما انطلق لسانها ليبلل شفتها السفلى وهي تتساءل لم ردها قد ادهشه
"ألا تريدين أن تسألي عن الأجر؟ وشروط العمل؟ أي شيء آخر؟»
هزت برأسها غير مكترثة.وقالت: « إنك الياس شيبرد.»كان هذا كان يفسر كل شيء،
تفحصها بهدوء للحظة."ماذا تعرفين عنى ؟"
" كل ش”ي.» همست، ثم قطيت جبينها وقد فقهت كم كان أحمق ما تفوهت به: «لا شيء .» أردفت بارتباك.
"أيهما الجواب الصحيح؟»
نظرت في كوبها وقد تغضن حاجباها الشاحبان، وعضت على شفتيها وقد تملكها الرعب. ماذا تعرف عن
الياس شيبرد؟ فقد كان اطلاعها على موسيقاه خجولا ألحانه الاستعراضية، وأغانيه الشعبية، وموسيقى الأفلام التي كتبها على مدى العشر سنوات الماضية، لم تؤثر عليها. «إني على اطلاع فقط بالموسيقى التي كتبتها خلال السنتين الأخيرتين. هذا كل شيء .»
"هذا كل شيء . » قال بهدوء. وشعرت في أعماقها بشيء يخفق بقوة.
"حسنا.» سمعته يقول بعد لحظة: «هذه القواعد الأساسية. سنعمل في روزوود، بيتي في الجبل. فهناك لن يزعجنا أحد.» حاولت الابتسامة أن تجد زوايا فمها.
عليك أن تتركي بيتك، ورفاقك، وأهلك، وتلامذتك، وحياتك الاجتماعية، كل حياتك، في الواقع، طالما العمل يدوم.»
أومأت برأسها بصمت، وهي تنظر إلى كوبها وتتساءل كيف بإمكانها احتواء كل هذه السعادة وكيف لها أن تبقى جالسة وهي تتكلف الهدوء في حين أنها تريد القفز والصراخ و...
سوف تكون الساعات رهيبة، فأنا عديم الصبر، حاد الطبع ويستحيل العمل معي...»
جازفت مادلين بنظرة إلى أعلى، إلى حيث مخرج صوته الخشن: «في الحقيقة، الشيء الوحيد اللائق في هذا العمل هو الأجر. أستطيع أن أعدك أنه سيكون ممتاز .»
راحت مادلين تحدق في شرخ بارز في ورق الجدران خلفه وهي تبتسم لما كان يعتقده مهما من أمر الساعات وشروط العمل والأجر. كيف عليها أن تخبره؟ وكيف لها أن تفسر له أن موسيقاه هي أملها الوحيد في حياتها الرتيبة؟
وأنها أحست بانتمائها إليه منذ اللحظة التي بدأت تعزف فيها موسيقاه؟ وما هجران حياتها من أجل اللحاق به سو”ي الجانب الشكلي للإلتزام المعنوي والروحي الذي كانت قد قطعته على نفسها منذ زمن طويل.
قالت أخيرا بهدوء وهي تحاول التحكم بعينيها: «لقد عرضت علي عملا، وأنا قبلت به، فهل أنت تتراجع عن عرضك الآن؟»
راح يتفرس وجهها وكأنه يفتش عن علامة وهن فيه. «لا .» قال أخيرة: «فلا يزال العرض قائمة، لست هازلا.»
حسنا . أومأت برأسها بحزم ولسبب ما أحبطت ثقتها عزيمته.
راحت حدقتاه الخضراوان تضيقان قليلا وقال محذرا: نحن لسنا في مجال اللهو، “يا آنسة شمبرز. موسيقاي هي الشيء الوحيد الذي يهمني. ليس لدي الوقت أو الرغبة في أن أدغدغ عواطف النساء في الحقيقة، لا أطيق صبرا على التعاطي معهن، والعمل معي هو الاقتراح الوحيد الذي لدي .»
نظرت مادلين إليه بهدوء وهي تحاول أن لا تبتسم.
حسنا، يا سيد شيبرد، لقد ربحت. كم تريد لقاء عملك؟ أنا سأدفع لك.»
استغرق في ضحكات خرقاء ناشزة حتى كادت أن تتساءل في ما إذا كان ضحك قبل ذلك، ثم قال وخيال ابتسامة لا يزال مرتسمأ على زوايا ثغره: «حسنا، يا آنسة شمبرز، وضبي أغراضك، لمغادرة المدينة لفترة من الوقت ... "
"كم من الوقت؟»
هذا يتوقف على أمور كثيرة. قد يكون لشهر ...» توقف
لحظة وهو يبحث في وجهها عن تعبير غريب: «أو لأكثر ،»
نظرت إليه من دون أن تتفوه بشيء وقطب جبينه عندما لاحظ شيئا على وجهها.
"أعتقد أننا سننجح بالعمل معأ، يا آنسة شمبرز»
وانحنى قليلا إلى الأمام، أمسك بإحدى يديها ووضعها بين يديه وشرع يقلبها ضمن راحتيه وهو يتفرس فيها بإعجاب وكأنها قطعة ثمينة بين يديه. وكانت ملامسته لها متجردة فقد كان في صدد تفحص الآلة التي ستنجز موسيقاه، أما هي، ربما لذلك السبب، لم تمتعض كما كانت تفعل لدى ملامسة أحد ما لها.
"أعطني يدك الأخرى.» أمرها من دون أن يرفع نظره.
وضعت فنجانها على طاولة قريبة منها ومدت له يدها الأخرى صاغرة. أمسك بهما بين راحتيه وبسط أنامله تحت أناملها لتبسط أناملها هي أيضا. كانت بين يدي طبيب يقوم على فحصها، وراحت تراقبه وهي غافلة وكانها قد سلخت عن تلك الأجزاء من جسمها التي كان قد لمسها
وسألها فجأة: " ما هو مدى أصابعك؟»
"عشرة مفاتيح» مطت أناملها على وسعها فوق راحته
لتبيان ذلك، وفجأة، من دون أي إنذار، حدث شيء.
شعرت بأطراف أناملها وكأنها تحترق وهي ترسم خطوطأ من اللهب على طول راحتيه الدقيقتين. وبدا
واضحا أن الشعور عينه قد انتابه، إذ جحظت عيناه وقد أثقلتهما الدهشة تماما كما فعلت عيناها، وانسحب في سرعة خاطفة متنفسا بصوت مسموع.
جمدت مادلين في مكانها عاجزة عن الإتيان بأية حركة وهي مأخوذة بالإشارات العجيبة التي كانت تتسابق طردا
وعكسأ من يديها إلى دماغها، إضافة إلى طبيعة نظرته المغناطيسية. وراحت حدقتاه تتسعان حتى كاد اللون الأخضر أن يزول تاركا مكانه لونا أسود على شكل دائرة. ولسبب ما أرعبها كل ذلك.
أخلت يداها من قبضته بخوف ظاهر وعيناها متسعتان من الدهشة.
بقيت عيونهما معلقة في نظرة طويلة، وأخيرا أغمض
عينيه، وتحول برأسه بعيدا عنها ورفع منكبيه إلى أعلى
وكان شيئا لم يحدث، وفي حال حدث، فهذا غير ذي بال.
"كوني جاهزة في العاشرة من صباح غد.» قال بإختصار، ووقف عند الباب. تقريبا قبل أن تتنبه لحركته.
"سأريك روزوود، ثم نعمل على التفاصيل.»
فيما كان يهم بولوج الرواق، استدار وحدق إليها وهي ما
تزال جالسة حيث تركها. أما ملامحه فكانت قاتمة وواعدة وكأنها توجه إليها إتهامة خطيرا.
«لا أعتقد أني سمعت عزف موسيقاي حقيقة إلا يوم سمعتك تعزفينها.» قال وفي نبرته إشارات و عيد: "لن أسمح بشيء آخر أن يتعارض مع ذلك.»
أما مادلين فقد بقيت لفترة طويلة بعد مغادرته وهي ساكنة في كرسيها، تحملق في يديها.
*********************




التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 19-02-19 الساعة 10:42 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 16-02-19, 03:08 AM   #14

serenade
 
الصورة الرمزية serenade

? العضوٌ??? » 417926
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 2,246
?  نُقآطِيْ » serenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond reputeserenade has a reputation beyond repute
افتراضي

يسلمووو متابعينك

serenade غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 18-02-19, 12:12 AM   #15

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثاني
استيقظت مادلين في صباح اليوم التالي وقد غمرتها مسحة من الحزن. وأجفلت لدى سماعها ضوضاء السيارات في الشارع، ونظرت شزرا إلى نور الصباح الغريب في اشعاعه وهو يدخل من خلال النافذة، على الرغم من خفة وزن الدثار، شعرت به ثقيلا لا يحتمل فوق جسمها. فبدأت بإزاحته جانبا، ثم توقفت وقد تجهمت أساريرها وهي لا تزال مستلقية على فراشها، تحاول أن تتذكر متى انتابها هذا الشعور قبل اليوم، علها تقبض على تلك الذكرى المحيرة المختبئة في تلافيف دماغها.
لقد كان ذلك منذ زمن بعيد... لقد علمت ذلك... جيدأ، إلا أنها لم تستطع أن تتذكر أوان حدوثه. فقد كان أشبه بشعور طفل صباح عيد الميلاد، إلا أنه لم يكن الميلاد. مهما يكن، فقد كان أمرا أكبر من ذلك وأكثر منه وعدأ.
قطبت جبينها، وهي تستجمع ما انقضى من ذكرى، إلا أنها عانت كل ذلك لتستسلم للنسيان. فهي ستعمل من الآن فصاعدامع الياس شيبرد، وستعزف موسيقاه وستسكن معه في بيته، وستشهد معجزة خلقه الموسيقي. وقد كان التبصر في كل ذلك جل ما تستطيع فعله.
إرتداؤها الثياب السوداء لم يكن متعمدا، ولكنها أومات برأسها علامة الرضى وهي تتفحص انعكاس صورتها في
المرأة بعد أن ارتدت ملابسها، إنه يومأ أساسيا في حياتها وأصبح من اللائق أن يعكس مظهرها الخارجي احتفالية المناسبة.
انتعلت حذاء أسود وارتدت بنطال جينز ضيقا، وقميصأمن الصوف يصل إلى أعلى رقبتها في تحد منها لبرد فصل الربيع الذي اقترب حلوله. فهي لم يكن عندها ما يناسب من الثياب للإقامة في بيت جبلي، إلا ما يجب عليها ارتداؤه لعبور الطرق الموحلة والحقول المليئة بالأشواك، والتي كانت قد رأتها في الصور وقرأت عنها في الكتب. فقط شعرها، افسد الصورة الرزينة. رفض البقاء على شكل هامة متعالية، فثار حول كتفها في خصلات ساكنة براقة وبدا عبثية بسخافة. وكعادتها في كل مرة، تناست مادلين كل شيء عن مظهرها الخارجي في اللحظة التي تحولت فيها عن المراة .
في تمام الساعة العاشرة فتحت الباب لدى سماعها طرقة شيبرد الحازمة، فابتسمت بارتباك. لقد كان مختلفة تماما عما كان عليه في الليلة الماضية.
لقد ارتدي معطفة خفيفة فوق كنزة من الصوف بلون الزهر الداكن، مصنوعة من وبر الأرنب، أو من صوف الغنم، أو غيرها من الحياكات الثمينة التي تجعل المرء يرغب في لمسها، وقد أسبغ هذا اللون على وجهه حالة من الدفء أخفت حزنه الذي بدا عليه في الليلة الماضية. أما شعره فبدا صبيانية، وقد ردته ريح ربيعية رعناء إلى الوراء، في حركة مفاجئة، كموجة لطيفة متماوجة فوق جبينه، فالتف حول أذنيه هازئا
بما كان عليه في الأمس بتصفيفته الزلقة المردودة إلى الخلف.
" تبدو مختلفأ.» بادرته بنبرة حادة.
وأنت أيضأ، تبدين رائعة في الأسود.» كانت ملاحظة محض شخصية، لم تستعد لها. ولم تكن مستعدة لنظرته الثاقبة وتأثيرها عليها. فقد كان ذلك يشبه إلى حد بعيد تلك اللحظة الغريبة في الليلة الفائتة حين تحولت العلاقة بينهما، من منطقة الأمان الروحي إلى منطقة الخطر غير المالوف للجسد. وهذا ما يفسر ردة فعلها العنيفة حين مد يده إليها قائلا: «هل نذهب؟»
كان سؤالا بريئة، لم يخدشها في مضمونه، إلا أنها شعرت على الفور بطعنة من الشعور الذي لازمها في طفولتها، شعور أملت أن لا تختبره مجددأ، لأنه كان يحمل في طياته احتمال خيبة أمل.
حملقت بحزن في يديه الممدودتين وهي تتذكر تينك اليدين اللتين امتدتا إليها في الماضي من أمثال الأندرسن والكروغرز والميلرز وغيرهم من الأوصياء المؤقتين الذين جاءوا بها إلى بيوت هي أيضأ مؤقتة. «هل نذهب “يا مادلين؟» كانوا يسألونها جميعا ويأخذون بيدها ويملأون قلبها أملا في أن بيتهم سيكون مقرها الدائم وفي أن حبهم لها هو الأبقي على الدوام، إلا أن ذلك لم يكن ليحصل، لأن لا شيء يدوم إلى النهاية.
"مادلين؟» كان يمعن نظره في وجهها وقد تغضن جبينه. «هل من خطب؟ هل غيرت رأيك؟»
تنهدت مادلين بعمق واجبرت نفسها على ابتسامة
خجولة، ومدت أناملها إلى راحة يده. «لا.» قالت بهدوء: لم أغير رأيي،»
"هل أنت متأكدة، أنك جاهزة؟»
«أنا مستعدة.» قالت بحزم، فيما كانت تتساءل إذا كان ذلك هو أهم سؤال قد طرح عليها في حياتها أو بدالها كذلك.
قاد الياس السيارة بصمت إلى عنوان في الايست سفنتيز وهو أحد الأحياء العصرية ذات الأرصفة المرصوفة والأبنية المرممة من الحجر الرملي الأسمر والقرميد الأحمر، وهي مختلفة عن زحمة مانهاتن المجنونة، مثل بعد المسافة بين المكانين
ترجلت مادلين من السيارة فيما الياس يحاول مساعدتها قائلا: «هذه هي الوقفة الأولى. هناك شخص أريدك أن تتعرفي عليه قبل أن نتابع سيرنا إلى روزوود.»
عبث النسيم بشعره مضيفا عليه شكل شاب هازل فيما هما يرتقيان الدرج الموصل، إلا أن ذلك لم يكن إلا مجرد وهم من نسج الخيال. فلا شيء كان يدل على ذلك على كل تعابير وجهه، وهو يدق على الباب بالمطرقة النحاسية المصنوعة من الحجر الرملي، كما أن لا شيء من طيش الشباب بدا في عينيه الخضراوين واللتين كانتا تثنيان عليها بصمت وهما منتظران في الردهة
فتح الباب رجل، مثل آلاف الرجال، فكرت مادلين، ومع ذلك شعرت بأن الباب قد فتح عل”ي منظر خلاب لإشراقة شمس يصعب التحديق إليها.
تعلقت نظرات الرجل بنظراتها، فتوردت وجنتاها خجلا ولم تستطع تفسير ما حصل. وغمغم من دون أن
يحول بصره عنها ولو للحظة: "مرحبا، الياس. »
رد الياس بغمغمة مبهمة، فيما ظلت مادلين محملقة في الرجل الواقف في الرواق. كل شيء فيه كان يبعث على الاطمئنان، شعره ذو الخصلات البنية فوق عينين مرحتين ضاحكتين، ابتسامة طبيعية تقول بأن الشفاه خلقت للابتسام ليس إلا. على الرغم من انزعاجها، فقد ردت مادلين على ابتسامته بمثلها، غير قادرة على أن تفعل أي شيء آخر. لقد ملأ شغاف قلبها قبل أن ينبس ببنت شفة.
أدهشها كيف كان ممسكا بيديها الاثنتين وهو يشد عليهما برقة. «أنت ساحرة، يا مادلين. يا الهي، يا الياس، شعر ملائكي وملامح سحرية. إنها رائعة!»
أما هي فلم تدر أتضحك أم تعبس لإطرائه المستفيض هذا.
«لا تكن سخيفا، يا دافيد. إنها عازفة بيانو، لا عارضة أزياء، وما هو رائع فيها، كامن في يديها. إلق نظرة عليهما، فلديها إبداع عظيم.»
بقيت يداها مغلولتين بشدة في يديه. وابتسمت بارتباك فيما كان ياخذها برفق إلى الداخل ويغلق الباب خلفه
و الله يا الياس، أحيانا أعتقد أنك مت منذ زمن ولم تدفن. امرأة كهذه، وتريد مني أن أنظر إلى يديها.»
رفت عيناها وهي تحدق به وقد أدهشها ما كان يتفوه به. فقد كانت كاللعبة المطواعة المتخدرة، الفاقدة لحسها عندما أخذ بيدها المطوية عند المرفق باستئثار ظاهر، وقادها إلى غرفة الجلوس المفروشة بفخامة حيث يوجد كرس”يان مزدوجان متقابلان في مواجهة موقد للنار. شاهدت على الطاولة المنخفضة بينهما، فنجانين للقهوة
وصينية فضية، وضع عليها حلوى صنع هولندا. قادها دافيد لتجلس بجانبه، وعلى الرغم مما كان يثيره التقارب من رجل من انزعاج إلا أنها شعرت بالارتياح بالقرب منه
قام الياس بتقديم دافيد لها: «مادل”ين شمبرز، أقدم لي دافيد ويتني، مديري.»
والنصف الدافيء والودود لتلك الشراكة» أضاف دافيد: «نوع من التوازن أمام هذا العبقري الشرير، إذا فهمت قصدي .»
عبس الياس في وجهه. حدثها عن المشروع، يا دافيد. فمن أجل ذلك أحضرتها إلى هنا.» سكب لنفسه فنجان من القهوة، ثم وقف فجأة. سأقوم ببعض الاتصالات الهاتفية قبل أن نغادر إلى روزوود.»
راقبه دافيد حتى غادر الغرفة ثم انشغل بسكب القهوة. اعط”ي مادل”ين فنجانا ، وهو يستدير نصف استدارة، مثنيا عليها بضحكة غريبة: «يا إلهي، تعزفين على البيانو، أيضأ؟»
قطبت جبينها وهي تنظر إليه من فوق حافة فنجانها مستغربة سؤاله، فما كان منه إلا أن ضحك لسبب ما
«أنت واحدة من مليون، أليس كذلك؟ أشعر وكأني أمام نعجة بين يدي ذئب شرير العمل مع الياس لن يكون سهلا البتة، كما تعلمين،»
" هذا ما قاله لي.»
تلك هي الحقيقة بعينها. لقد أصبح ناسكا حقيقيا خلال السنتين الماضيتين، وإن كان قد تعلم قليلا كيف يتعاطى مع الناس، فإنه الآن نسي ذلك من دون شك.
فالموسيقى في كل ما يهمه في هذه الحياة الدنيا.»
" أعلم ذلك.»
تجهم وجه دافيد وهو يتململ في كرسيه مغيرة جلسته. الغرابة في الموضوع هو موافقتك للعمل معه بهذه السرعة... لست مغرمة به أو شيء من هذا القبيل، اليس كذلك؟
اتسعت حدقتاه
ا وكادت أن تختنق وهي ترشف قهوتها. يا إلهي، لا. فنحن ما كدنا نلتقي. أنا فقط... أنا فقط... من عشاق موسيقاه، ليس إلا.»
نظر دافيد إليها بإمعان. «إن الياس نسخة عن موسيقاه.»
عضت على شفتيها بتوتر، وهي حائرة فيما تقول
حاول أن يبتسم، ثم غير الموضوع فجأة: مهنته متوقفة على مشروعه هذا، كما تعلمين. ونوعا ما، عليك أيضا.»
«علي؟» همست مالين: ماذا تعني؟»
شرب دافيد ما تبقى في فنجانه وكأنها جرعة شراب وأعاد الفنجان إلى الطبق. شعرت مادلين كيف كان يزن كل كلمة بتؤدة قبل أن يتكلم: لقد مر وقت لم يستطع فيه أن يؤلف، ليلبي كل الطلبات المنهمرة عليه. كل الفرق الموسيقية كانت تريد أن تسجل له، وما من منتج إلا وكان يريد شراء اسطواناته...» تنهد وارخى كتفيه. «.. ثم بعد ذلك بسنتين تغير كل شيء. المشكلة تكمن في أنه لا يفقه السبب. لا يستطيع أن يتبين الفرق بين ما تعود أن يكتبه من الحان أحبها الجمهور، وبين ما يكتبه الآن. اعتقد بان عازف البيانو الكلاسيكي عليه أن يتلون مع
مقتضيات العمل. ولهذا السبب قام بتكفل المباراة.»
كانت مادل”ين شاردة، تفكر كيف أنها بدأت تعشق موسيقاه فيما الآخرون أخذوا يكرهونها. «وماذا حصل بعد ذلك بسنتين؟» سألت.
نظر إليها دافيد لبرهة ثم قال بصوت منخفض: «لقد أنهى زواجه.»
جعلت تلك الكلمات مادلين تفكر لبرهة. فلم يطرأ على بالها، قط، بأن يكون مبدع الموسيقى والذي أحبته كإنسان سرمدي هو في الحقيقة إنسان كباقي البشر.
قالت بهدوء: لم أكن أعلم أنه كان متزوجا .»
لقد كان كذلك... لوقت ما. وبانتهاء الزواج انتهت أشياء كثيرة بالنسبة له، تغيرت موسيقاه، تغيرت حياته...» أبعد بقية الفكرة واجبر نفسه على الابتسام بطريقة مشرقة: «إلا أن ذلك كله أصبح جزء من الماضي، ويفترض بنا أن نتكلم عن المستقبل الآن.» أعاد سكب القهوة في كوبيهما واستدار على كرسيه المزدوج ليواجهها. ستعملين على اسطوانة معدة لأحد الأفلام، فالمنتج صديق قديم لا لياس، والحقيقة أنه سيخاطر مخاطرة كبيرة في إعطاء الياس هذا العقد، أخذا بعين الاعتبار النمط الموسيقي الذي بات الياس يكتبه العامة مؤخرة. فالجميع أضحي في كره له.»
"أما أنت فلا، اليس كذلك؟»
هز دافيد بكتفيه وحول نظره بعيدا بحركة خرقاء أحيانا... ليس غالبا، لكن أحيانا... أستمع إلى ما يكتبه وأعتقد أن له القدرة على أن يكون من الموسيقيين العظام. هل تعلمين ذلك؟» رمقها منتظر جوابا.
انه واحد منهم، على ما أعتقد.» قالت بهدوء.
إرتفع حاجباه قليلا مما أضفى عليه منظرا وقورا
سرعان ما زال. من الوجهة التجارية، عليك أن تكوني جيدة التسويق كي تصبحي عظيمة.»
أعتقد أن في ذلك نوعا من الجشع. وماذا بشأن... الفن من أجل الفن؟»
هز بكتفيه مستنكرة: «عندما يروق الفن للجميع، وعندما يلامس كل قلب، فتلك هي العظمة، أليس كذلك؟ وهذا ما فقده الياس في موسيقاه... هذا الشيء المحير الذي يدغدغ شعور الناس. فلا أحد ينكر براعته التقنية في العمل، إلا أن العديد من الناس يعتقدون أنه من دون قلب، من دون مشاعر على الإطلاق.»
ابتسمت مادلين بحزن. «إذا فهم لا يستمعون إليه.»
شعرت كم كان دافيد آسف لها، برغم أنها لم تستطع فهم
السبب.
دخل الياس عليهما ونظر إلى دافيد ثم إلى مادلين. لقد اتصلت بالاستديو وأفدتهم بأنه سيكون لديهم نموذج من الشريط
في مهلة شهر، مما يعني أن علينا أن نعمل من دون أن نضيع ثانية. “يا مادلين. تناولي قطعة حلوى وسنأكل في السيارة في طريقنا إلى روزوود، وسنتكلم في سائر البنود، بعد أن تطلعي على المكان. هل تأتي معنا، يا دافيد؟»
ليس الآن.» هز دافيد برأسه وهو ينظر إليها بابتسامة خفيفة غير مقروءة على شفتيه، وعندما أدار الياس ظهره متوجهة إلى الباب، دس دافيد في يدها بطاقته الشخصية وقال ببساطة: «اتصلي بي كلما احتجت لصديق."
*********************



samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 22-02-19, 11:59 PM   #16

لبني سرالختم
 
الصورة الرمزية لبني سرالختم

? العضوٌ??? » 337108
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 202
?  نُقآطِيْ » لبني سرالختم is on a distinguished road
افتراضي

ننتظر باقي الفصول❤

موفقة بأذن الله 🌷


لبني سرالختم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-19, 01:44 AM   #17

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث
فيما كان الياس منهمكا في قيادة سيارته وسط زحمة سير خفيفة، صبيحة نهار الأحد، أخذت مادلين تنظر إليه خلسة من مقعدها في سيارته الفخمة. هذا هو الياس شيبرد، اخبرت نفسها مرارة، أحد كبار مؤلفي الموسيقي في هذا العصر، على الرغم من النقاد، وإنك جالسة الآن إلى جانب رجل مقدر له أن يصبح أسطورة.
لسبب ما كانت تلاقي عناء كبيرأ في تخيله أسطورة. فهو لا يبدو، من طينة الأساطير، وهو جالس خلف المقود يركز اهتمامه فوق الطريق أمامه مثل بقية السائقين العاديين، إنه إنسان من لحم ودم كسائر الأحياء من بني البشر. وكانت مادلين تشعر بإحباط وهي تدغدغ هذه الفكرة.
"قد لا نعود في وقت قريب.» قال منبها ولم يتجاوزا شارعين.
لا بأس في ذلك. فأنا لا أدرج مواعيد جديدة لتلامذتي في نهاية الأسبوع.»
أليس لديك مشاريع هذا المساء ؟ »
أخفت ابتسامتها وقالت: «لم يكن لدي متسع من الوقت للقيام بما يمليه الواجب الاجتماعي.» أردفت بعد تردد بسيط: كما أنه ليس لدي موهبة كبيرة في ذلك.»
استغرب ردها وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، وسرعان ما حل صمت مطبق بينهما فيما أخذت السيارة تنهب الأرض
على الطريق العريضة التي تربط كل المراكز الموجودة على خارطة ولاية نيويورك. غابت أخيرا وراءهما آخر نقاط حدود المدينة وبدأت الطريق تنعطف يمني ويسر”ي بزوايا منفرجة، باتجاه قمم الجبال المستديرة، السحيقة في قدمها والتي لا يمكن مشاهدتها بسبب بعدها.
استغرقت مادلين في مشاهدة الطبيعة من خلال نافذتها وقد أخذ بمجامع قلبها مشهد الريف وهو يعانق الربيع بعد شتاء طويل قاس. وكانت قطعان الماشية تثب مرحة في مراعيها الجديدة، وفاضت الجداول بمياه الثلوج المتدفقة في الأخاديد التي حفرتها، أما هدهدة الأوراق الخضراء فقد كانت توحي للمشاهد بأن كل شجرة كانت تتمخض استعدادا لولادة ثانية.
كان المنظر لمن سكن الأبنية الحجرية في المدينة أشبه بسجادة سحرية من عالم الجن، مزدانة بالرسوم والصور، لكن بالنسبة لمادلين، فقد كانت الموسيقى معيارها للجمال حتى أنها كادت أن تنسى كيف تقدر الأشياء الأخرى حق
قدرها
بعد مضي ساعة تقريبا، استهل الياس حديثه الذي كان قد انقطع بينهما منذ مغادرتهما المدينة. نحن على وشك أن نصل.» قال فيما راحت السيارة تخفف من سرعتها لتلج مخرجا في موازاة الطريق السريع.
"حقا؟» رقت عيناها كمن يستيقظ من شبه حلم. فقد كانت
شاردة لمسافة أميال وهي تحدق في مكان ما من أجهزة القيادة أمامها وهي تدندن إحدى مقطوعاته في ذهنها.
أطلت برأسها من نافذة السيارة وراحت تتأمل طريق
الأسفلت الضيق الذي كانت السيارة تنهبه نهبا. ونظرت شزرا إلى خميلة من أزهار الربيع في صفرتها الصارخة والمتكوكبة على جانبي الاسفلت.
رمقها الياس بنظرة، فيما كانت السيارة ترتقي صعودا إحد المرتفعات ثم تنحدر إلى قرية بدت في منظرها أقرب إلى الصورة الفوتوغرافية منها إلى الواقع المرئي. «إنها برايتون سكواير.» قال لها، شارحا فيما راحت السيارة تخفف من سرعتها وصوت عجلاتها الواهن ينبه إلى التحول عن طريق الاسفلت إلى آخر من الحجارة المرصوفة. «بيتي على بعد كيلومتر في الجهة الأخرى من البلدة.»
هزت مادلين رأسها بصمت وعيناها مأخوذتان بروعة المحلات القديمة وبمظلاتها الملونة الممتدة على طول الشارع الرئيسي وإلى أعمدة الإنارة المصفحة بالحديد والتي كانت تعيد إلى الذهن قرن من الزمن مضى، فيما كانت أزهار التوليب البري تفترش مساحة كبيرة من مرج الضيعة, فكرت مادلين، وهي تستدير، لا شك في أن كلمة فاتن قد صيغت لأماكن كهذه، ثم استدارت لتشاهد من خلال النافذة الخلفية في السيارة، الضيعة وهي تنسحب وراءها. «إنه المكان جميل حقا.» قالت: «لقد بدأت أفهم لماذا تعيش هنا »
«أعيش هنا لأن هذا يناسبني.» أجابها بنبرة باردة جعلت مادلين تتساءل ما إذا كانت قد أخطأت بما قد تفوهت به
أخيرة أدار مقود سيارته بخفة ومضي في طريق خاصة ضيقة مصفوف على جانبيها، شجيرات متشابكة أخذت
تورق حديثا. «هذه روزوود. سترين بيتي بعد هنيهة.»
لم آت إلى بيت يحمل اسما قبل الآن.»
تقلصت عضلات فكه لبرهة، عادت بعدها للاسترخاء. «لا تكوني فكرة خاطئة. فهذا البيت ليس قصرا أمي كانت مولعة بالأسماء، هذا كل شيء. وقد أعطت اسما لكل شيء كانت تملكه، بما في ذلك هذا المكان، وقد بقي الإسم ملازما له بعد موتها.»
هل كان هذا المكان ملكا لوالديك؟»
لوالدتى.» قال مصحح ومشددا على ذكر المفرد: «لقد انفصلا بعد ولادتي بوقت قصير، ولم تتزوج أمي بعد ذلك. »
عندما انعطفت السيارة على أحد المنعرجات التي توصلهما إلى البيت مباشرة، استرخت مادلين واتكأت على النافذة والتصق أنفها على الزجاج. قد تتذكر هذه اللحظة فيما بعد، وستكون شاكرة لأن وجهها قد تحول عنه، إذ إنها شعرت بأن قناعها الدفاعي يسقط عن وجهها ليحل مكانه شوق الطفلة التي كانت هي في يوم من الأيام، ودهشة تلك الطفلة نفسها المثيرة للشفقة، عندما تكتشف أنه في بعض الأحيان تصبح الأوهام حقيقة
البيت. رسمت على شفيتها تلك الكلمة الغريبة عنها بصمت، فيما لهاثها قد صير الزجاج أمامها ضبابية وجعلت ترمق القرميد الأحمر والمظلات ذات اللون الأخضر الباهت، لذلك البيت الذي كان أشبه بكعكة الزنجبيل. لقد كان ذلك تجسيدا لحلم ظنت أنها نسيته، وهو حلم من سنين بعيدة جدا، وقبل أن تعلمها الحياة كيف تحلم.
كان الصمت، فيما خلا قرقعة محرك السيارة وهو يبرد،
مطبقة داخل السيارة بينما راح الياس يتفحص وجهها وهي تحملق من خلال النافذة إلى البيت، وقد بدت صورتها الجانبية أكثر ارتياحا وانفتاحأ، كأنها تظهر للبيت جانبا من ذاتها لم تكن تسمح لعامة البشر برؤيته. وانتفض حاجبا الياس بفضول.
"لقد ترعرت في هذا المكان.» قال بهدوء
همست: «عظيم،" وأدهشتها نبرة صوتها بما كانت تحمله في طياتها من عاطفة جياشة. قال، فيما كان يحدق إلى كتلة متشابكة من الشجيرات المحتشدة أمام شرفة المنزل: «لقد كان كذلك في ما مضى، » ثم تنهد وهو يرفع مسكة الباب: «هيا بنا نقوم بجولة في المكان.»
راحت مادلين تفكر بأن دخولها هذا المكان بالذات وهي البالغة، كان أشبه بدنوها من شباك التذاكر حين تكون آخر البطاقات قد ب”يعت. لقد تدبرت أمرك جيدا، لكن بعد فوات الأوان. لو كان عندها بيت كهذا يأويها وهي طفلة لكانت حياتها مختلفة عما هي عليه الآن، ولما كان العالم مدرسة باردة لا ترحم ودروسها قاسية مستعصية. إلا أن كل نحلات شهر أيار نفقت في حزيران كما كانت إحدى أمهاتها بالرضاعة تردد على مسمعها.
فيما كانت تمشي خلفه في أرجاء البيت كانت أفكارها تردد بحزن أن الأوان قد فات. وارتسم على وجهها خيال ابتسامة مهذبة ولكن باردة. وكانت يدها تمتد، بين الفينة والفينة، وعن غير قصد منها لتلمس الجدار، لتطال قبضة الباب البورسلين المصنوعة من قبل مولدها بمئات السنين.
وخلال هذه الهنيهات من ملامستها الجسدية تلك راحت تفكر كم كان كل شيء رائعا فيما مضى، وكم كان حزينا ما يبدو عليه اليوم.
كانت معظم غرف الطابق الأرضي من المنزل صغيرة ودافئة ومزدحمة بأثاث قديم، عتيق الطراز. وأعمال تطريز، صنع أمه تملأ المكان وأحست فجاة بعامل الغيرة الشديدة من طفولته ومن الدفء والحب اللذين يحوز عليهما كل طفل ينمو في بيت كهذا، وحتى ولو كان فاقدة لأبيه. شعرت بلمسة الأم في كل غرفة وكأنها لا تزال حية ترزق تقوم على الترحيب بها واستقبالها...
أزاحت عنها فجأة وبحركة متوترة تلك الفكرة الخيالية التي كانت تراودها، وهي مغتاظة كونها تدغدغ فكرة صبيانية كهذه. وتوقفت عن التفكير وهي تحاول اللحاق به في الرواق الذي كان يقسم البيت إلى قسمين ابتداء من المدخل الأمامي مرورا بالسلالم وصعودة إلى الطابق الثاني وانتهاء بباب متما”يل مصمم على الطراز القديم.
المطبخ. » أعلن الياس بشكل غير ضروري وتنحي قليلا ليدعها تدخل إلا أنها جمدت في مكانها بعد أن تقدمت خطوات قليلة في داخله. سألها وهو واقف خلفها: «هل من خطب ما؟»
هل من خطب؟ ترددت كلماته في ذهنها. كلا بالطبع لا. إلا إذا كان في نيتك أن تبكي من دون سبب وجيه وأن تدفني رأسك بين يديك وتنتحبي حتى يأتي أحد ممن يحبونك فيضع يده على كتفك ويهدىء من رو عك. وقد يكون هناك شخص من هذا القبيل في مطبخ كهذا، شخص
يتأكد من أن الفتيات الصغيرات لا يبكين بمفردهن.
كان على يسارها بهو تحتشد فيه الخزانات القديمة من خشب السنديان، فيما كان الموقد المصفح بالحديد يحتل إحدى الزوايا قبالتها وبدا باب الفرن الضخم كفم مقفلا على ذكريات الخبز والكعك والحلوى التي كانت تملأ جوفه فيما مضى. كانت هناك طاولة خشبية مستديرة تجمع حولها كراسي متناسقة الألوان، طويلة كالسلالم، حشدت كلها داخل مختل”ي مظلل، وقد حضنتها نافذة ناتئة. كل زاوية من زوايا البيت كانت تحمل ذكريات من تلك المرأة التي جعلت من هذا المكان بيتا ، كتلك الآنية الفخارية الموضوعة على حافة النافذة والتي كانت تحوي فيما مضى نباتات ذكية الرائحة عطرة، وكتلك المطرزات التي كانت تتدلى من الجدران والتي كانت إحداها تقرأ: «الطبخ هو الحب.»
«مادل”ين» كان صوته ينم عن القلق وهو يردد: «هل من خطب؟»
أدارت رأسها ببطء لتنظر إليه وقد أعادت قناعها إلى وجهها فيما كانت إماراتها باردة. «لا، بالطبع لا »
عندما استدارت، لمحت طبقة من الغبار تغطي كل شيء، الرائحة العفنة توحي بأن البيت خاو. أدركت أن لا أحد أقام في أرجائه منذ زمن طويل وإذا كان المطبخ يوحي بشبه حياة فقد كان ذلك مجرد وهم.
لم يسكن أحد هذا المنزل لسنوات.» قال الياس، كأنه يقرأ أفكارها. مر قربها ليقف عند المجلى وعيناه مركزتان على نقطة بعيدة خارج زجاج نافذة المطبخ الذي بهت لونه
كنت أخالك تعيش هنا.»
هز رأسه فجأة مما جعل شعره يسترسل إلى الوراء. «لا ليس هنا. ساريك أين.» الحقت به إلى الخارج عبر باب خلفي واستقبلهما ممر من الحجر القرميدي قاد خطواتهما في رحلة لولبية عبر الفناء الخلفي حيث شاهدت بقايا مئات الورود التي ذبلت منذ زمن بعيد.
هل ماتت؟» سألت وهي تشعر بالأسى عليها وهي تشرئب من خلال كومة الأوراق والأعشاب اليابسة.
لا أدري.» قال بفظاظة وهو يحث الخطى: «بعضها مات، والبعض الآخر لا.»
انعطف الممر بزاوية حادة إلى اليمين مارا بارض خالية من الأشجار باستثناء مجموعة من أشجار الصنوبر الأبيض ثم انعطف ثانية خلف العشب البري الذي يغطي المروج المترامية الأطراف. وعلى بعد لا يتجاوز العشرين ياردة بانت بناية بيضاء الشكل أكبر مساحة من البيت وكأنها تشرئب من الأرض.
هذا هو مسكني.» قال وهو يخرج مفتاحأ من جيبه ليفتح به الباب الأمامي: لقد بنيته منذ سنوات عدة »
شعرت مادلين بمتانة السجاد تحت قدميها فيما راحت تخطو بضع ، طوات في المدى الرحب للمكان وهي تدور متمهلة. كان البناء خاليا من الجدران الداخلية ومن الأثاث والنوافذ. لا شيء من شأنه أن يملي الفكر أو يشده الصوت.
شاهدت بيانو ضخمة موضوعا على منصة عالية في وسط البهو المفتوح. لاحقت نظراتها البيانو بشيء من
الإحترام. ثم تحول نظرها إلى الأنبوب الفخاري الرمادي الذي كان يتسلق الجدران والعوارض الخشبية الصاعدة إلى قمة السقف التي كانت تؤلف غرفة للصوت المرتفع من أدن”ي. ارتعشت أناملها وقد انتابتها رغبة جامحة في أن تسرع إلى البيانو وتبدأ بالعزف، لتأليف الموسيقى في مكان معد لتلك العمل فقط. كان الياس واقفة وراءها يراقب يديها وهما موضوعتان على جانبيها وابتسم ابتسامة باردة.
«الاستديو .» همست مادلين، وقد شعرت بأن نبرة صوتها قد تبخرت فجأة.
"وبيتي أيضأ.» قادها إلى الجدار البعيد حيث أزاح عنه قطعة من العارضة السميكة التي كانت تغطي الباب. دخلت مادلين إلى غرفة طويلة ضيقة تمتد على طول المبنى. كان يوجد فيها مكتب عليه شمعدان وسرير وخزانه وبعض الأشياء الأخرى.
هز رأسه وهو يشير إلى باب في الجهة الأخرى قائلا: «يوجد مطبخ صغير هناك.» هز رأسه وهو يشير إلى باب في الجهة الأخرى: «وحمام، طبعا. كل ما أحتاج إليه.» أما ابتسامته فلم تكن ممتعة وهو يتكلفها.
خرجت من الغرفة الصغيرة وقد ضاقت ذرعا فجأة بجوها المزعج. «ألا تستعمل البيت أبدأ؟»
أغلق الياس الباب و علت شفتيه ابتسامة صفراء: «كلا. سيكون البيت بيتك، ما دمت تعملين معي.» مشى إلى حيث كان البيانو، دون أن يلاحظ كيف تسمرت مادلين في مكانها وقد فغرت فاها.
راحت تفكر وهي ترتجف، البيت سيكون بيتها. ليس
إلى الأبد، ولكن لفترة من الوقت، البيت سيكون بيتها.
" مادل”ين؟»
رفت بعينيها وراحت تنظر إليه، متكئا على البيانو وعيناه مركزتان على عينيها عبر المسافة التي كانت تفصل بينهما. "تعالي واعزفي لي.» قال بهدوء، ومن دون تحذير. شعرت مادلين بقلبها يخفق بسرعة.
أخذت تنظر إليه عبر الغرفة وقد بدا أكثر طولا، أكثر عرضأ، أشبه بالعملاق، وكأن ارتفاع المنصة أو شيئا ما عبر المسافة التي كانت تفصل بينهما قد جعله يبدو كذلك، وشعرت فجأة بالخوف. اقترب منها وقد أيقظ من طفولتها ردات فعل عاطفية، قديمة، أرعبتها حقا.
مشت نحو المنصة وقد فارقتها الأحاسيس، وعندما جلست في مقعدها إلى البيانو، كانت يداها ترتعشان .
سرعان ما توقفت الرجفة عندما لمست أناملها لوحة المفاتيح
بعد ربع ساعة من الوقت، أرخت يديها عن لوحة المفاتيح وأغمضت عينيها وقد شعرت بتلاش”ي قواها.
"شكرا.» همس من وراءها واستدارت ببطء على مقعدها وهي تنظر إلى عينيه الخضراوين الصافيتين كصفحة ماء ساكنة في إحدى برك الغابات. وارتسم على شفتيه طيف ابتسامة.
لقد عزفت هذه المقطوعة كما تصورتها في عقلي عندما كتبتها.» قال بهدوء. وأدركت مادلين أنها عزفت مقدمة المقطوعة بطريقة فريدة من نوعها. قال النقاد إنه أخرق وتعوزه الرشاقة، وينجز أعماله بغير تفكير. وبسبب ذلك
أخذت شعبيته بالانحدار. لم تتذكر أنها قررت أن تعزفها قبل أن تفعل. إلا أن النوتة انسابت من أناملها إلى لوحة المفاتيح، وكان تلك القطعة هي التي قدر لها أن تعزفها في هذه المناسبة الخاصة.
"أي شيء تريدين، يا مادلين.» كان يقول بحماس فيما هو يقترب منها: «سأعطيك أي شيء تريدين، مقابل أن يسمع العالم موسيقاي بالطريقة التي تعزفينها»
راحت تنظر أمامها وأفكارها تتسارع. فقد أمضت حياتها وهي تريد أشياء من الناس إلا أنها لم يكن لديها ما تقدمه في المقابل. أخيرا، جاء من يطلب منها أن تعطيه ما
هو ثمين عندها، وللمرة الأولى أتيح لها أن تختبر هذا الاندهاش المرعب في أن تكون مشاركة في السباق البشري بدلا من أن تكون مجرد مشاهدة
دعني أعيش في هذا البيت الرائع، دعني أعزف موس”يقاك. دعني أكون على مقربة منك وأنت منكب على عملك، دعني أحوز على كل هذا إلى الأبد، كانت تفكر، إلا أنها كانت تعلم أن لا تسأل عما هو دائم. فلا شيء في عرفها يدوم.
أنت وأنا لن نربح أية جائزة ونحن نتناقش هكذا.» قالت وهي تتظاهر بالدهشة: «سأعمل أي شيء لأعزف موسيقاك وستقدر جهودي حق قدرها »
ضحك ضحكة خفيفة وأزاح يديه عن كتفيها ثم أدارها لتواجهه وقد جلس على عقبيه قرب المقعد وهو يحدق في عينيها: «نحن ثنائي ناجح، أنت تعلمين... ثنائي لا يهمهما شيء إلا الموسيقى، ومن أجل الموسيقي سنضحي باي شيء. سنكون فريقا ولا أنجح.»
شعرت بوهن ضحكتها. نعم. ينبغي علينا أن نكون كذلك.» راح صوت في ذهنها يؤنبها، إن ذلك لن يدوم، لأنك تريدينه كثيرا، وعندما نرغب بتحقيق أشياء أو نحتاج إليها، أو نتعلم أن نحبها، فهي سرعان ما تزول.
أحست بتوتر حين راحت يداه تنزلقان من يديها إلى معصميها، احتضن يديها وهو يحدق فيهما بتعبير من الرهبة. فشعرت أنها لم تعد تملكهما، كأنهما صارتا كيانا مستقلا عنها يقوم هو على عبادتهما. انحنى على يديها، ولثم باطنهما وكانه في عبادة، وكادت أن تغيب عن وعيها.
حملقت في رأسه وهو منكس. وبدأت موجة من الدفء تتحلل في داخل معدتها لتشيع الدفء في رجليها وصدرها ووجهها في وهج ظاهر، وشعرت إذ ذاك بتسارع بسرعة تنفسها
راحت تفكر في انخطاف كلي. هذه هي الموسيقى والشعر ومعنى الحياة، وأنت تشعرين بها لأول مرة. تمالكي نفسي. وهي ربما لن تنتهي أبدا.
وقف فجأة ودفعها برفق لتقف إلى جانبه وشعرت مادلين لأول مرة بطول الرجل الذي بجانبها.
"انظري إلي، “يا مادلين.»
رفعت عينيها صاغرة، وأمسكت عن التنفس عندما رأت أن عينيه قد أصبحتا قاتمتين، وتحت تأثير تلاعب الضوء تبدوان سوداو”ين لا اخضرار فيهما وتضجان بالحيوية والدفء.
"ال”ياس» نادته لأول مرة وشعرت بأن اسمه صار مألوفا على شفتيها.
تصلبت إماراته فجأة وهو يحملق بها مصدوما، وكانه أحس بأنه ارتكب ذنبا، «أنا آسف، لا أدري ما الذي دفعني لأن أفعل هكذا، ربما دافيد على صواب. فقد كنت وحيدا لمدة طويلة.»
كانت كلماته أشبه بأصابع باردة سوداء تضيق الخناق حول قلبها، فهل هذا كل شيء؟ لا شعر، لا موس”يق”ي، لا اتصال عميقأ كتبه القدر؟ مجرد انفعال بسيط لرجل قضى كل هذا الوقت بمفرده؟
راح يحدق إليها لبرهة. نظرته ثابتة، وتعبيره مبهم. لقد تأخر الوقت.» قال أخيرا وهو يستدير نحو الباب: «علينا أن نعود إلى المدينة.»
جلست مادل”ين قربه وهي ذاهلة. عرض عليها أجرا لائقا مع الوعد بحقوق الفنان في المستقبل. هزت رأسها من دون أن تنبس ببنت شفة. فلا شيء كان يهمها، ولا شيء سيؤثر
على رحلتها إلى روزوود .




التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 25-02-19 الساعة 06:55 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 25-02-19, 11:40 PM   #18

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي











الفصل الرابع
شغلت مادلين في الأيام الثلاثة التي تلت، كل لحظة من وقتها بالأعمال المنزلية فوضبت ملابسها القليلة وأعادت إدراج مواعيد جديدة لتلامذتها معأساتذة بيانو آخرين ونظفت شقتها استعدادا لغياب طويل، أي نشاط لتبقيعقلها منشغلا عن ذكرى تلك اللحظات في الاستوديو التي دفنتها بأمان. إلا أنومضات من تلك الذكري كانت تتصاعد إليها فجأة، لتقطعها عن العمل،فتتوقف مكرهة وتصر على اسنانها وهي تحاول جاهدة أن تنسى ذلكالإحساس الجامح وهي في عناق مع الياس.
مرارا وتكرارا، خاصة اثناء الليل عندما كانت تتمدد متعبة على سريرها وقدجفاها النوم، تعود فتستعيد تلك اللحظات الثمينة في ذهنها. فقد لمسها الياس،محطمأ بذلك دفاعاتها، جعلها تحلم بأشياء كانت على علم بأنها لن تصبحملكها. وفجأة تراجع القهقرى غير آبه للاحساس الذي هز عالمها. فقد كانهذا الأمر بالنسبة إليه مجرد زلة بسيطة، ردة فعل بسيطة لا قيمة لها. وقد
كرهته من أجل ذلك، إذ إنها كانت لم تزل تحت تأثير لمسته، في حين كانهمه الشاغل هو الذي يلازمها لحزم حقائبها.
كانيتصل بها من عند دافيد في كل يوم، مع كل مخابرة كان صوته يزدادغضبا استشاط غضبا هذا الصباح
وصرخ عبر أسلاك الهاتف: «ما الذي يحتاج إلى كل هذا
التأخير؟»
"إنها حياتي!» أجابت بحدة، وهي تشد بقوة على السماعة. وأضافت: «لا بدمن بعض الوقت لنغلق الباب على حياتنا، أنت تعلم ذلك!» ثم اقفلت السماعةفي حركة تحد ليست من شيمها، بعد ساعات، لم تصدق بانها أقدمت عليها.
جلست متعبة على الأريكة في صالونها ذي اللون الداكن ويداها حول
فنجان من القهوة، كان فارغأ منذ وقت طويل، تحاول أن تستجمع قواها
لتقف وتجر نفسها إلى السرير . قفزت على عقبيها لدى سماعها رنين
الهاتف على المنضدة قريبا.
" مادلين.»
رفت عيناها عندما سمعت صوته ثم أجابت بهدوء: نعم.»
«إني أتصل كي أعتذر، يا مادلين. فقد كنت عديم الصبر هذا
الصباح. إني آسف.» بعد هنيهة من السكوت المطبق أضاف:
«مادلين؟ ألا تزالين على الخط؟»
غمغمت أخيرا ببضع كلمات: «إنني آسفة بشأن ما حدث هذا الصباح. ما كان
يجب أن أقفل الخط. »
«لا تكوني سخيفة. فقد راح دافيدينعتني بأبخس النعوت إزاء عدم
صبري هذا. وهو على حق.»
إرتسمت ابتسامة كئيبة في إحدى زوايا ثغرها وقالت بهدوء: «أشكر دافيد عني.» فهي لم تجلس معه أكثر من خمس دقائق وها هو قد أصبح وكيلها المدافع عنها.
قد تشكرينه بنفسك. فأنا متأكد من أنه سيأتي إلى
روزوود لزيارتنا من وقت إلى آخر، إلا إذا... لم تغيري رأيك بالنسبة للعمل معي؟»
لقد أربكها سؤاله، إذ إنه لم يخطر على بالها قط أن تغير رأيها، إلا أن نبرة صوته العالية هذه جعلتها تدرك أنه كان يتوجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار خيارا كهذا،
لأنها كانت تضع نفسها على مشارف خيبة أمل جديدة. سوف تقع مجددا في غرام مكان آخر، يجب عليها إخلائه في وقت قصير.
أصلحت من جلستها وشدت على السماعة وقد أصبحت إماراتها أكثر قساوة. قر رأيها أن لا تأخذ الأمور هذا المنحى في الوقت الحاضر، إن كل ما عليها عمله هو
ان تبقى غير معنية وبعيدة، عن كل شيء، وقد صارت عندها سنوات خبرة في هذا المجال. وقد أبلت البلاء الحسن في ذلك.
هتفت أخيرا: «لا، لم أغير رأيي.»
" كميلزمك من الوقت حتى تحزمي حقائبك؟ »
رمقت الحقائب المتراكمة قرب الباب وقائمة الأشياء التي عليها أن تقوم بها، وغطاء البيانو الذي بات يشبه كفن
مشؤوم. "لقد انتهيت.» قالت وقد أخذ التعب منها مأخذا وهي تتوقع أن تبقى ليلة أخرى في سريرها، متسائلة إذا كان سيجفوها النوم في تلك الليلة أيضا.
أجاب: سأكون عندك في خلال ثلث ساعة.»
أقفل الخط قبل أن تتمكن من تسجيل اعتراضها بأن الساعة قد دقت العاشرة، وأن لا لزوم للقيادة ساعتين في الظلام، حينيمكنهما الانتظار حتى الصباح...
أعادت الاتصال به مجددة، فلم يجب أحد وفي أقل من ساعة كانا في السيارة متجهين شمالا.
نامت مادلين طوال الطريق إلى روزوود، واستفاقت بشكل حسن لتتعثر على سلالم البيت الضيقة، ذاك البيت الذي يشبه في هندسته كعكة الزنجبيل. كان الياس ممسكا بها تحت مرفقها بيد باردة متجردة لا إحساس فيها .
لم تلمح اللمعان اللطيف للخشب المصقول حديثا وهو يعكس نور القمر المتسرب من خلال نافذة غرفة النوم ولم تعر انتباهأ لرائحة الشراشف العطرة، المجففة في الشمس والهواء ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها وهي تدفن رأسها في ثنايا وسادة الريش، ونامت تلك الليلة وهي تحلم بالورود .
الأصوات التالية التي سمعتها كانت غريبة ومرعبة، نعيب أجش، خفيض أو أنين متذبذب ومتواصل في وتيرته. فأجفلت وفتحت عينيها على مداهما وراحت تحدق في الأشعة المتشابكة في ظلالها الغريبة على السقف، عندما عادت تلك الأصوات أغمضت عينيها وراحت تضحك من نفسها بصمت. فقد كان باستطاعتها أن تنام وسط عويل صفارات الانذار أو أصوات الأبواق في ضوضائها التي تصم الآذان، ولكن كان يصعب عليها سماع صياح الديك أو خوار بقرة بعيدة.
تنبهت إلى أنها في الجبل الآن وراحت تتساءل إذا كانت قد نامت نوما هانئا كهذا من قبل. فلا ضوضاء الشارع تتناهى إلى مسامعها ولا تضج في اذنها مشاحنات الجيران عبر جدران شقتها الرقيقة، ولا القناني الزجاجية الموجودة
فوق المنضدة تجلجل بصوتها لدى سماعها لخفقات الموسيقى الصادحة من مكان ما... طرحت الدثار جانبا, وارتعشت عندما صفعها الهواء البارد. ولا غرو، فهي مستلقية من دون قميص نوم، فاستقامت في جلستها وراحت تفرك يديها بنشاط. وتذكرت كيف هزت برأسها عندما سألها الياس إذا كانت تريد حقيبتها وكيف أن شعورا انتابها بأن تتعرى وتندس في فراشها. لكنها سرعان ما أزاحت عنها طيف هذه الذكرى وتحولت لتناول ثيابها عن الكرسي بجانب سريرها ثم تجمدت .
كان الياس واقفا على عتبة الباب ولم يكمل خطواته، وقد غاب عن باله بانه ممسك بصينية الفطور التي راحت تهتز بين يديه، وجعلت عيناه تطوفان عليها ثم جمدتا علي وجهها في دهشة صامتة .
لبرهة من الزمن، كانا جزءا من لوحة صامتة، شخصين مندهشين يحملقان بأعين بعضهما بعضا، خائفين من النظر بعيدا، تحركت مادلين اولا ورفعت الغطاء إلى أعلى. رمقها بنظرة فيما كانت يدها متشبثة بالدثار، ثم انتقل إلى عينيها وقال وهو يمشي بهدوء واضعا الصينية على الطاولة بقرب السرير: «إني آسف.»
جلست مادلين على سريرها وقد أخذت منها الدهشة مأخذا وأحست بوجهها الدافيء وكأنه أتون من النار في معمعان تاججه وهي تراقب كل حركة كان يقوم بها، قالت من غير تفكير ومن دون أن تتمعن بما تقول: «لقد قلت لي بأنك ستسكن في الاستديو، وان البيت سيكون لي۰۰۰»
رفع أحد كتفيه بلا مبالاة و كأنه غير آبه لعريها وقال :
" هذا الفطور هو للترحيب بك في اليوم الأول.» نفض منديل المائدة الموضوع على الصينية، فهفت رائحة القهوة والبيض لتملأ الغرفة. «أستميحك عذرا إذا كنت قد أربكتك . تمتعي بفطورك. سأراك في الطابق السفلي »
بقيت لمدة طويلة ساكنة على فراشها بعد انصرافه وهي اذاهلة وقد تخدرت أعصابها من تصرفاته، فهي بالطبع لم تتوقع أن يتأثر أي شخص لدى مشاهدتها عارية، لكن لم تتوقع أيضأ هذه اللامبالاة الشديدة من أول رجل يجدها في هذا الوضع.
فقد كان ذلك أكثر من مخز بالنسبة لها، وكأنها قد تحولت إلى نكرة في هذا الوجود فهو لم يرها على الإطلاق. ذلك كان دليلا كافيا على أن اقترابه منها وملامستها لم يكونا بدافع قصدي.
لم يكن من طبيعتها أن تغضب، فقد كان الغضب هو الملاذ الوحيد حين يدرك المرء عدم انتاجية باقي الأحاسيس والحقيقة أن الدخول في سورات غضب الآن ليس مناسبا. إنه ضرب من الجنون أن تستشيط غضبا بمجرد أن رجلا لم تهتز مشاعره عندما دنا منها وهي على ما كانت عليه، ومع أن الطريقة التي عبر فيها عن تصرفاته كانت غير مريحة. فكرت مادلين أن نظرة فاسقة منه أفضل من لامبالاته الباردة تلك، إلا أنه سرعان ما اعترتها حمرة الخجل وهي تفكر بمثل هذا التفكير.
طرحت الدثار جانبا وقامت من سريرها وهي غاضبة من نفسها ومنه، وعكفت على حقائبها التي وصلت بطريقة ما إلى غرفتها في الطابق الأعلى. وقبل أن تعي ماذا كانت
تفعل، كانت كل قطعة من ثيابها مرمية في أرض الغرفة في فوضى ظاهرة. ارتاعت من تصرفها هذا وهو الشاهد الحسي لأحاسيس لم تكن تدرك أنها أحاسيسها هي وارتدت بنطال جينز وقميصا مبقعا ببقع شتي كانت تنوي استعماله كخرقة لتمسيح الغبار. فلتكن ملعونة إذا كانت من الآن وصاعدا ستعتني بلباسها من أجل رجل، ما يكاد يدرك وجودها.
قال لها وهو يخفي ابتسامة متهكمة فيما كانت تدخل المطبخ: «أنت متلونة بألف لون اليوم، أليس كذلك؟»
أجابت بسخرية: «لا أدري لماذا لم آبه لشكلي الخارجي. ولكن يبدو أن ذلك لا لزوم له إذا كنت ستدخل متطفلا إلى غرفتي في كل مرة.» رمت بالصينية جانبا وهي تشاهد البيضات المسلوقة تقفز من الصحن. لم تكن قد تذوقتها.
قال وقد عيل صبره: «قلت لي إني آسف، إذا كنت قد أربكتك . وما الخطب إذ رأيتك هكذا؟ فأنا لن آخذ صورك الأبيعها في الشارع.»
أدارت ظهرهاله في حركة متعمدة لتسكب لنفسها فنجانا من القهوة، في الواقع كانت تريد أن تخفي الإرتباك في قسمات وجهها. فهي لم تغضب لدخوله عليها متطفلا ولكنها غضبت لأنه لم يعرها شانا، فأية امرأة هي إذا؟
أعاد ترداد اسمها بنبرة خفيضة: مادلين، لم أقصد أذيتك، فالحقيقة أني استعجلت باستقدامك من المدينة، ولم يكن معي حق في ذلك. وما اتياني بالفطور إلا على سبيل المصالحة ومد جسر السلام معك، وليس ذلك تطفلا على عزلتك أو تدخلا في حياتك الخاصة،»
تنهدت مادلين طويلا. فقد كان يحاول الاعتذار، ومن الأفضل على المدى الطويل أن لا يعرف أنه يعتذر عما لم يرتكب.
تناولت فنجان القهوة وجلست قبالته. كان مرتدية بنطال جينز وكما قميصه مرفوعتين لتظهر عضلات ساعديه. تساءلت مندهشة، كيف يمكن أن ينمي ساعديه بهذا الشكل وهو يجلس إلى البيانو طوال النهار، وقالت: «لا يهم، لقد تجاوزت حدودي. لننسى ذلك،»
أشرق وجهه بابتسامة سريعة لم تدرك مغزاها
قالت متطلعة إلى النافذة حتى لا تلتقي نظراته: «لم أكن أعلم أنك تطبخ.» .
«أفعل ذلك مكرهة، كان باستطاعتنا أن نتناول الفطور في الخارج، ولكنني لم أكن أرغب في إضاعة وقتي هذا الصباح. أود أن أذهب إلى الاستديو لنبدأ العمل.»
أخذ فنجانها يقعقع في صحنه وقالت: «اليوم؟ لكنني لم أفرغ حقائبي بعد، ولم أرتب غرفتي، وإذا كنت سأسكن في هذا المكان فإنه يحتاج للتنظيف.» مسحت باحد أناملها الغبار عن الطاولة ورفعته ليتحقق بنفسه.
أوما برأسه قائلا: «إن بيكي ستهتم بذلكز. »
"بيكي؟»
أومأ برأسه مرة أخرى وقد أنارت ابتسامة دافئة وجهه: ستحبين بيكي، فهي تعيش في القرية، ولكنها ستأتي كل يوم لتطبخ وتنظف وتقوم بكل ما يحتاجه البيت...» ورفع أحد حاجبيه الداكنين في مواجهة تعبيرها المرتبك وأضاف: «بالطبع لم تأت إلى هنا كي ترعي شؤون
المنزل؟ فليس لديك الوقت لهذا. لدينا الكثير لإنجازه في وقت قصير .»
راقبته وهو يتكلم بسرعة، لاحظت حركاته السريعة وهو يشرب القهوة، ولاحظت كيف يقوم بكل شيء بسرعة، وكان الحياة نزهة قصيرة، لا وقت فيها للراحة وتذوق ملذاتها.
علينا أن ننجز مقدمة المقطوعة في خلال شهر لتسليمها إلى المنتج وإذا أعجبته وحازت على رضاه فعند ذلك يبدأ العمل الحقيقي، يلزمنا كذلك شهر، إلى أبعد تقدير، كي ننهي الأسطوانة ونسجلها. وقد يطلب منا، بعد ذلك تأليف بعض الموسيقى الدعائية لتسويق الفيلم وليس هذا إلا أول حبة في العنقود... هل تعتقدين أن باستطاعتك القيام بذلك؟ »
هزت رأسها بسرعة وقالت وقد روعتها الفكرة: «أنا لست بمحترفة. فأنا مدرسة بيانو، لقد قلت لك ذلك. لم أحترف وليس لي هوى في ذلك. ولم يكن باستطاعتي القيام بإعلانات دعائية أو...)
لقد خلقت من أجل الإحتراف.» كان يحدق في عينيها، وقد أحست بهذا التقارب معه، مثلما شعرت به لدى عزفها الموسيقاه.
فجأة، قطب جبينه، أشاح عينيه بعيدا عنها وكأنه أدرك أنهما تكشفان الكثير، وقال بفظاظة: «إشربي قهوتك ثم نبدأ بعزف الموسيقى.»



samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 27-02-19, 05:04 AM   #19

tahany1970

? العضوٌ??? » 429481
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 224
?  نُقآطِيْ » tahany1970 is on a distinguished road
افتراضي

شكرااااااااااااااا

tahany1970 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-02-19, 08:49 PM   #20

evebedwawi

? العضوٌ??? » 434835
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 147
?  نُقآطِيْ » evebedwawi is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة randodarony مشاهدة المشاركة
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


evebedwawi غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.