آخر 10 مشاركات
مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )           »          قلبُكَ وطني (1) سلسلة قلوب مغتربة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          مع كل فجر جديد"(58) للكاتبة الآخاذة :blue me كـــــاملة*مميزة (الكاتـب : حنان - )           »          255- ثقي بي يا حبيبتي- آن هولمان -عبير الجديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          493 - وعد - جيسيكا هارت ... (عدد جديد) (الكاتـب : Dalyia - )           »          506 - والتقينا من جديد - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          442 - وضاعت الكلمات - آن ميثر ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات أحلام العام > روايات أحلام المكتوبة

Like Tree4Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-02-19, 03:50 PM   #21

soha ahmed

? العضوٌ??? » 398020
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 237
?  نُقآطِيْ » soha ahmed is on a distinguished road
افتراضي


....................

soha ahmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-19, 01:39 AM   #22

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

2- عنيدة!
سأل ايزاك وهما في طريق العودة :
- هل أقدم لك الغداء؟
هزت ميلاني رأسها رافضة:
لدى الكثير من العمل لأقوم به، وأنت كذلك. شكرا لك .
لم ينكر انشغاله، فلديه مواعيد كثيرة، رغم أن عمله كمحامي لا يقارن بعملها لأنه يقتصر على أشخاص عدة، ويفضل ايزاك أن تكون زبائنه من الأغنياء
سألها وهو يوقف سيارته أمام شقتها:
أتعتقدين أن لك القدرة على التعاطي مع تلك الفتاة؟
لست أدري، لكن من الممتع أن أخوض هذه التجربة .
قال ايزاك بعصبية:
- إنها لا تطاق
ردت بلطف :
- لأنها تعيسة .
نزلت من السيارة .. آه، إن رفيقة سكنها لوسيل لن تكون الآن في المنزل، وبإمكانها أن تستمتع ببعد ظهر هاديء دون الاضطرار إلى الكلام مع أحد.. كانت لا تزال على غير استعداد لتمارس حياة طبيعية بين الناس .. التفتت مبتسمة لأيزاك :
. سأراك فيما بعد ايزاك.
حضرت لنفسها وجبة غداء خفيفة، وكانت مستلقية على سريرها حين رن جرس الهاتف.. فردت عليه دون اهتمام.
۔ آنسة فرايزر؟ "
إنه ذلك الصوت العميق الاجش، لم يكن هناك مجال للغلط وغار قلبها . سيقول لها إنها لن تحصل على الوظيفة .. فتنهدت قائلة: أجل،
قال مؤكدا :
- بيلانوس يتحدث.
ردت بصوت رنان :
- أوه.. مرحبا
كادت تركل نفسها لغباوتها.. وقال لها:
۔ آنسة فرايزر، أظن انه علينا التحدث في أمر معين .. هل يمكنك المجيء إلى مكتبي في لندن؟
. الآن؟
اجل.. سيقول لي إني لن أسافر إلى أوروبا.. أوه.. لا بأس كانت فكرة جيدة، رد باقتضاب :
- الان.
اين ..
قاطعها بصوت حاد :
- استقلى سيارة أجرة، وقولي للسائق إنك تريدين الذهاب إلى مبني وارلد وايد تراست، ساحة درايدون» -
أخذت ميلاني تعيد العنوان :
- ساحة درايدون..
وفيما هي تكرر العنوان أخذ الهاتف يرن بنقطع.. فتقطب جبينها غيظا ثم أعادت السماعة إلى مكانها.
كانت تنورتها قد تجعدت قليلا حيث نامت عليها، فقد اعتادت أن ترتاح في فترات متقطعة خلال فترة النقاهة، بعد أن سرحت من
المستشفى.. في البداية أزعجها إحساسها بالتعب إثر أعمال بسيطة كالتسوق والعمل المنزلي، لقد قال لها دكتور والنغهام، إن كل شيء سيعود إلى طبيعته بالتدريج
- سيستغرق هذا بعض الوقت .. ولأنك بالغت في الأمور سابقا.. ها أنت تدفعين الثمن .
كانت تراقب حالتها، وأدركت أنه محق.. أيقنت كذلك ورغم أن أوقات راحتها كانت تقل يوما بعد يوم، إلا أنها كانت تتحسن.
اختارت بدل بزتها تلك بزة بسيطة من الكتان البني، تعطي انطباعا باردا ورسميا. دون أن تغير البلوزة الحريرية الكريمية اللون التي ارتدتها تحت البزة السابقة، والتي كانت كافية للتخفيف من قتامة اللون، وهكذا رضيت عن الألوان التي ستكون فيها بعد الظهر .. ولقد أدت الاستراحة القصيرة ومكالمة السيد جوليانوس بيلانوس لها، إلى تورد وجنتها .. مشطت ميلاني شعرها الأشقر إلى أن أصبح منسدلا تماما فرأت انها تبدو أفضل حالا مما كانت عليه مؤخرا.
كما قيل لها استقلت سيارة أجرة، وشق السائق طريقه عبر زحام السير في لندن إلى ساحة "درايدن" وكانت خلف شارع «اوكسفورد" ، وليس بعيدا عن "ماريل آرك" حيث رأت مبني"وارلد وايد ترست" قبل أن تصله.. ذلك المبنى من الحجر الأخضر والصفوف الكبيرة من النوافذ الظاهرة فوق سطوح المباني الأخرى.
اسارت ميلاني إلى المبنى، عبر أبواب زجاجية قائمة متحركة، تعطي البرودة إلى البهو الرخامي العاجي اللون.. وبدا لها وكأنه مدخل فندق فخم أكثر من أن يكون مدخلا لمكاتب. وكانت تجلس خلف طاولة عريضة مصقولة، فتاة في فستان حريري أسود، ابتسمت لميلاني بترحاب بعد أن توقفت لتتطلع حولها:
- هل أستطيع مساعدتك؟
أنا هنا لمقابلة السيد بيلانوس.
رأت عيني الفتاة تلمعان قبل أن تبتسم مجددا بطريقة مختلفة تماما :
هل من موعد سابق؟
_ أجل .
- تفضلي بالجلوس، أرجوك؟ هل لي بمعرفة اسمك؟
جلست ميلاني على مقعد مريح مثير، حين رفعت الفتاة هاتفا، وتكلمت بصوت منخفض .
قالت الفتاة بعد أن استدارت نحوها بابتسامة أكثر دفئا :
- سيأتي أحد لاصطحابك .
وأخذت ترتب مفرش الطاولة الجلدي وهي تتفحص ميلاني من بين رموشها المنخفضة.
فكرت ميلاني: إنها تموت حشرية لتطرح على الأسئلة .. نظرت ميلاني إلى الصورة خلف رأس الفتاة، وتابعت الخطوط الحمراء والسوداء متسائلة عما تعني هذه اللوحة ، أو ما تمثل .
_انسة فرايزر؟
لشدة استغراتها في التفكير فيما تمثله هذه اللوحة، لم تلاحظ وصول رجل، وانحناءه إلى جانبها، وقفت مجفلة، فابتسم لها بحنو .. إنه رجل طويل ، نحيل، محدودب قليلا، أصلع مع شعرات صغيرة سوداء، وجهه خال من أي تعبير ، قال :
- من هنا.. أرجوك.
أشار إليها نحو الجانب الأبعد عن صفوف المصاعد، فلحقت به إلى ممر جانبي ليتوقف أمام مصعد آخر، أشار لها الرجل أن تدخل، ثم انضم إليها، ليرتفع المصعد بصمت
قدم الرجل نفسه بابتسامة خفيفة:
- أنا تشارلز وايزلي .. مساعد السيد بيلانوس الخاص ..
ابتسمت ميلاني له محيية، تتساءل ما إذا كان عليها إبداء الشفقة عليه أم أن تبدو متأثرة.. في النهاية هزت رأسها فقط.
كان رجلا في نهاية الأربعين أو بداية الخمسين. يرتدي ملابس فخمة جدا. إنه يعطي انطباعا بأنه يختبيء، ومن الصعب معرفة حقيقته . صوته منخفض دون توتر، حركاته ناعمة لدرجة التسلل.
ربما هذا ما يدفعه له جوليانوس بيلانوس، ليكون كتوما، صامتا، متحفظا ومختبئا؟ تساءلت ما مدى أهميته، ولماذا جاء هو لمقابلتها ومرافقتها إلى الحضرة الملكية، أم أن هذا هو قراره؟ هل صاح به بيلانوس أحضرها إلى هنا، وقرر تشارلز وايزلي أن يقوم بهذا بنفسه كي ينظر إليها جيدا ؟
وبينما كانت تتفحصه، كان يبادلها الأمر عينه لأن عيناه الزرقاوان الشاحبتان جعلتاها تحس كمن يتعرض لأشعة أكس.
قال بلطف محدثا :
طقس جميل .
- رائع .
أتعيشين في لندن آنسة فرايزر؟
- في "فولهام" .
حقا.. أنت ممرضة في مستشفى سانت إيدان؟
أجل .
اينوي بهذا أن يظهر لها أنه يعرف كل شيء عنها، أم أنه يحدثها فقط؟
سالته ..
- هل هذا مصعد السيد بيلانوس الخاص؟
أوه .. أجل.
وكان يجب أن يكون هذا واضحا..فالسيد بيلانوس، الشهير ، لا يمكن أن يشارك المصعد مع موظفيه
توقف المصعد، وانزلق الباب منفتحا. خرجت ميلاني إلى رواق عريض، بألوان زرقاء شاحبة، تنيره أشعة الشمس المتدفقة من نافذة كبيرة إلى اليسار.. أشار إليها السيد وايزلي نحو باب... طرقه عليه أجيب
بصوت عميق .. ادخل ..
فتح لها الباب ، وقال :
الانسة فرايزر سيدي .
تراجع إلى الوراء لتمر، ولتقع عيناها على جوليانوس بيلانوس على الفور. كان يجلس في أحد جوانب الغرفة وراء طاولة، وخلفه صورة ضخمة لرجل بشبه الرجل الجالس وراء الطاولة، تساءلت ميلاني وهي تتقدم نحوه: والده؟ وعيناها تنتقلان من الحي أمامها إلى الصورة، تحاول أن تقرر ما هي علاقتهما.
الحي مال إلى الوراء وأسند رأسه على مؤخرة مقعده الجلدي، بتأملها بعينيه السوداوين، كانت أصابعه تضرب برتابة على أسفل وجه الطاولة ..
وتمتم :
۔ اجلسي .. أرجوك.
كان لديها إحساس أنه أضاف الكلمة الأخيرة بعد تفكير ، جلست نواجهه ويداها مضمومتان في حجرها كتلميذة مدرسية أمام المدير
وإلى أي حد أخبرتك أمي عن تصرفات ابنتي في الآونة الأخيرة؟
تركها السؤال المفاجيء دون قدرة على الرد للحظات.. بعد تجميع أفكارها قالت تلوي فمها أمام سخرية عينيه
- القليل.. أعرف أنها طردت من المدرسة وأنها صعبة المراس.
صعبة المراس؟.. اجل هذه احدى الطرق لوصف الأمر على ما اعتقد
- وأنت كيف تصفه؟
عض على شفته السفلى للحظات، ثم تركها وهز كتفيه
- لنقل فقط ، إنك وقبل أن تقرري ما إذا كنت قادرة على القيام بالمهمة، أظن أنه عليك أن تعرفي بطريقة أشمل ما تعنيه صعوبة المراس مع ستيلاو ...
صمت يفكر. وكأنه پرتقب ردة فعل ، فهزت ميلاني رأسها
- أفهم هذا .
- أقالت لك أمي إنها طردت من مدرستها؟
اطرقت ميلاني موافقة، فأكمل :
وهل أطلعتك على السبب؟
فهزت رأسها نفيا، ورأت فمه بلتوي مرة أخري .
- كان لدى إحساس أنها لم تقل لك.. لقد طردت بعد قضائها ليلة كاملة في حفلة لم تحصل على إذن بحضورها.
لم يبد هذا فظيعا.. ربما مزعج، شرير ، لكن بكل تأكيد ليس من النوع الذي لا يمكن غفرانه
حذفت العينان السوداوان في وجهها، وابتسم بتجهم.. هز رأسه، ثم قال بنبرة مؤكدة
. لا.. ليس الأمر هذا فقط . حين عادت في الصباح كانت في حالة وصفوها لي تأدية «حالة اهتياج".
نظر مباشرة إلى ميلاني، في عينيه لمعان شديد ثم تابع :
- كانت تتعاطى المخدرات .
صاحت ميلاني بذهول
- يا إلهي !
ألم تقل لك أمي هذا؟
تجهم وجهها، فهذا الخبر يغير الصورة كلها:
- بكل تأكيد لم تفعل.. أكانت أول مرة؟
. لم يكن هذا واضحا.. لقد سألتها بنفسي، وادعت أنها المرة الأولى، لكن الله وحده بعرف إلى أي مدى أستطيع تصديقها ،
وماذا كانت تتعاطى؟
هز كتفية العريضتين. وأرجع رأسه إلى الوراء مجددا .
. من الصعب معرفة ذلك .. ولا أظنها تعرف بنفسها.. استدعت المدرسة طبيبا بالطبع، لكنها لم تكن في حالة تعطي معها ردة مقنعا ..
فيما بعد قالت إنها لا تتذكر .
انعقد حاجبا ميلانى بشدة، واضطربت عيناها .
وهل ناقشت هذا معها؟
جعلتها لهجته الصارمة تحس بالاسي لستيلا، وأكمل:
. واتصلت كذلك بالمدرسة هاتفيا .. مع أنهم لم يستطيعوا إخباري بأكثر مما أخبرتني به.
ردت ميلاني مفكرة :
- أظن أن هذا كان نوعا من الإيحاء للفت الأنظار إليها...
كانت تحاول ربط المعلومات الجديدة التي سمعتها، بما كانت تعرفه، ومال جوليانوس بيلانوس إلى الأمام بغضب، وعيناه ملتهبتان ليقاطعها
. لا تتكلمي هكذا أبدا أمامها! لا أريدها أن تظن بأننا سنغفر لها فعلتها تلك
ردت عليه، ونظرة الأمعان ذاتها في عينيها:
لم أكن أحاول إيجاد عذر لأي شيء. كنت أحاول فقط أن أفهمها.
- ليس من المطلوب أن تفهميها .. أنت موظفة لتراقبيها كالصقر وإبعادها عن المزيد من المتاعب !
سالت، بشيء من السخرية :
- ألا تظن أن من الأفضل أن أفهم ما الذي يجعلها تتصرف هكذا؟ جفل جوليانوس في مكانه ، وضاقت عيناه السوداوان وقال بحدة :
- أستطيع أن أقول لك ما الذي يجعلها تتصرف هكذا.. تنتقم ممن حولها بإثارة المتاعب
تمتمت . وعيناها الزرقاوان تستقبلان نظرته القاسية :
أتساءل عن سبب هذا .
رد بسخرية لاذعة:
-انها انثى !
ارتفع حاجبا ميلاني أمام لهجة العداء في كلماته ..تايع يقول:
- ما تحتاجه ستيلا ليس التفهم، بل الانضباط .. لو كان لدي الوقت، لفعلت هذا بنفسي.. لكن لا وقت لدي في الوقت الحاضر، أردت رؤيتك لأتأكد من معرفتك بحقيقة الموقف. أتظنين أن بإمكانك أن تكوني قاسية معها ؟
لم ترد ميلاني، لكن اتساع عينيها تكلم عنها .. الرجل الجالس قبالتها لم يجد صعوبة في فهم معاني تعبيرها . . وقال :
. أنت لا تعرفين شيئا عنا، آنسة فرايزر .. ولو كنت مكانك.. لتحفظت في حكمي إلى أن تتعرفي علينا
- قابلت ستيلا.. ورأيت أنه لن يكون سهلأ تأسيس علاقة جيدة معها .. لكنها ليست سعيدة.. وفي سن السادسة عشر يجب أن تكون سعيدة
. لا تكوني بلهاء، لا يمكن للمراهقون أن يكونوا سعداء.
ردت ميلاني :
. قد يكونون سريعي التأثير .. لكن لا يجب أن يكونوا في حالة تمرد طوال الوقت.
مرت عيناه على بذلتها البنية المحتشمة، وعلى شعرها الأشقر الأملس، والساقين الطويلتين الملتفتين فوق بعضهما بشكل متميز وهي تستند إلى ظهر كرسيها .. ورأت حاجباه يرتفعان ليرتسم على وجهه ملامح الارتياح.. وقال معلقا:
. لا شك عندي بأنك كنت مراهقة مثالية، دون أي تمرد، لكن، لا يجب بناء حكمك باتخاذ نفسك المثال.
احمر وجهها .
وإلى أي مدى تعرفها؟
حدق بها قائلا:
- أنا رجل مشغول.
. هذا ما قيل لي .
. حسنا.. سأقول لك هذا مجددا.. إن كاهلي مثقل بأعمال يومية تكفي لتوزع على عشر رجال ولقد اعتدت على ذلك لدرجة أنني قد أنوب عن آخرين أيضا في بعض الأحيان. وليس لدي الوقت لأشرف على حياة ابنتي. حين ماتت زوجتي، كانت ستيلا لا تزال في الرابعة .. وبدا لي من الطبيعي أن تتولى أمي رعايتها، وهذا ما كان .
- ألا زلت تظن أنه قرار حكيم؟
لم يبد ارتياحه لذلك، فتنهد وقال :
۔ آنسة فرايزر، لسنا هنا لتستجوبيني. أردت رؤيتك لمناقشة أفضل الطرق للتعامل مع ستيلا .
ردت بنفس الهجته :
- إلى أن أعرفها بشكل أفضل، لا أستطيع التخمين .
دفع كرسية إلى الوراء ووقف، يطل عليها من فوق، كان يزيد عن الستة أقدام طولا، رجل طويل رشيق بكتفين عريضتين وخصر يستدق تدريجيا لشخص في قمة اكتماله الجسماني، بذلته السوداء مفصلة بأناقة ، لتزيد من تفصيل الجسد الذي يملأها ، . ثبت نظره عليها، ثم دس يديه في جيبي بنطلونه وأخذ يتأرجح بتفكير واضح.
بعد لحظات، قال:
. لا استطيع أن أحسم ما إذا كنت تستطيعين التعامل معها أم لا. نبدين لي رقيقة المشاعر جدا. كنت أتوقع منك أن تكونى أكثر رجاحة.. أنت ممرضة، كما عرفت؟
ردت، باحساس عميق من العداء نحوه
. أجل. أنا رئيسة ممرضات، ولدي رجاحة عقل تكفي لأن أدير قسما كاملا من أقسام المستشفى، مليء بالمرضى. لذلك، أتصور أنني قادرة على العناية بفتاة مراهقة مهما كانت صعبة المراس.
قال بلهجة من يشك كثيرا في كلامها:
. هذا ما قد يعتقده المرء .
وسيكون هذا المرء محقا باعتقاده .
التقت عيونهما ،، للحظات . ظنت أنها ترى الضحك في عينيه . لكنه سرعان ما أبعدهما دون أن يبدو على وجهه أي تعبير محدد .
تابع كلامه بجفاء :
- حين كانت ستيلا طفلة . كان لها سلسلة متعاقبة من الممرضات، ثم كان لها مربية إلى أن ذهبت إلى المدرسة .. لكن، ما من واحدة منهن بدت قادرة على التعامل معها .. كن يأتين ويذهبن طوال الوقت
- لا بد أن هذا أثر كثيرا في إحساسها بالاستقرار
. ها قد عدت لهذا .. أنت تقفزين بسرعة إلى العديد من الاستنتاجات، وعلى أساس ضعيف من الدلائل
. أنا أركز وجهة نظري على أسس تعطيني إياها بنفسك .
بدا وكأنه أخذ يتضايق منها:
. هذا النوع من النقاش لن يوصلنا إلى شيء، وأنا لست مضطرة لتبرير نفسي أمامك، آنسة فرايزر، تذكري أن ما في شخصية ستيلا هو نتيجة تربيتها
صحيح ؟
.
أدار ظهره نحوها وسأل بنفاذ صبر :
- أتريدين هذه الوظيفة أم لا؟
أجل .
. إذن .. بحق الله ، توقفي عن مهاجمتي .
استدار مجددأ ليواجهها، وهو يرمقها بنفس النظرة القاسية الساخرة، ثم أكمل :
. أرجو أن تكوني عنيدة مع ستيلا كما كنت معي .
ردت وهي تبتسم له:
- أنا عنيدة مع الجميع .
تأمل العينين الزرقاوين. وأشعة الشمس تمنحهما ذلك الوميض البراق ، و تحول شعرها الناعم إلى إطار ذهبي رائع حول وجهها ... و قالت له مكملة
- إذا كنت سأساعد ستيلا. يجب أن أفهمها أولا.. ويجب أن تكون واثقة من أنني إلى جانبها .
رد بجفاء :
- بدأت أشك أنك إلى جانبها.
- لن أحوز على ثقتها لو ظنت أنني سأهرع إليك أو إلى جدتها لاخبر كما بكل ما تقوله أو تفعله .
عاد ليجلس وراء طاولته، شاهدت ضوءايلمع على طاولة صغيرة قرب مرفقه، ورأت جوليانوس يستدير نحوها. ثم ينظر إليها:
بكلمات أخرى: تطالبين باطلاق يدك بحرية معها؟
فكرت ميلاني قليلا .
. ضمن شروط محددة .. أجل.. .
وما هي هذه الشروط؟
ابتسمت له:
أن أبقيها بعيدة عن المتاعب .
- وإذا تورطت في المتاعب على أي حال؟
سأحاول إخراجها منها.
- دون أن تلجأي إلي أو إلى أمي؟
- بالضبط . .
تطلبين الكثير .
- كل ما أطلبه هو أن تثق بي .
. هذا يجعل الأمر يبدو بسيطا .. لكنه ليس هكذا. أنت تتكلمين عن ابنتي وأنت تريدين تفويضا في التعامل معها، فلماذا أعطيك هذا التفويض ؟
نظرت إليه بهدوء
- هذا أمر راجع إليك ... بالطبع
وإذا رفضت .. ألن تقبلي بالوظيفة ؟
هزت رأسها إيجابا ، فأخذ يضرب بأصابعه على الطاولة بنفاذ صبر:
- جنت بك إلى هنا لأعطيك تعليمات عن عملك. لكني أشعر أن الأمر قد انعكس .
لم ترد ميلاني على هذا.. بدأ الضوء على الطاولة الصغيرة يلمع مجددا، ومجددا نظر إليه دون أن يفعل شيئا .. بل سأل
. وهل تسمحين لي أن أسأل بالضبط ما هي خططك للتعامل؟
. ليس لدي خطط محددة .. ولست أرى كيف يمكن أن أضع المخطط قبل أن أعرفها، وهذه هي الخطوة الأولى، أليس كذلك؟
بقي ينظر إليها للحظات مطولة، ثم قال أخيرا:
- ربما ستعطينني ملخصا عما ستجدينه
ثم مد يده يضغط زرا على الطاولة الصغيرة .
- نعم.. ما الأمر تشارلز؟
رد صوت منخفض
- نيويورك معك سيدي .
أوصل لي المخابرة نظر إلى ميلاني:
. سأكون ممتنا أن يبقى في ذهنك أنتي بالرغم من كل المظاهر أهتم بما يحدث لابنتي .
فهمت ميلاني أنه عليها الانصراف، ووقفت. فهز رأسه لها وتحدث في الهاتف:
- تيم؟ مرحبا.
سمعت ميلاني الباب ينفتح وهي تتحرك نحوه. تراجع تشارلز وايزلي إلى الوراء ليتركها تمر.. ثم أقفل الباب، ورافقها إلى الرواق ، ثم إلى
المصعد. وسألها وهما ينزلان إلى الطابق الأرضي :
- هل جواز سفرك صالح آنسة فرايزر؟
أجل .
- هل سافرت كثيرا؟
- سافرت إلى الخارج عدة مرات. لكن في إجازات قصيرة فقط .
توقف المصعد، وانفتح بابه .. خرجت ميلاني إلى المدخل الرئيسي مع تشارلز وايزلي.. وتساءلت إذا كان يريد أن يتأكد من رحيلها، أم أنه يتصرف بلباقة وحسب؟
فتح لها الباب الخارجي وانحني لها.
. كنت مسرورا جدا بلقائك، آنسة فرايزر .. مساء سعيد.
لم تستقل ميلاني سيارة أجرة أخرى بل ركبت الباص وعادت إلى منزلها وسط تدفق العائدين إلى منازلهم.
رمت لوسيل نفسها على سريرها بعد ساعتين، واغمضت عينيها متأوهة
قدماى !
يوم سىء ؟
- محموم! إنه من أحد الأيام الذي يسير فيه كل شيء على غير ما يرام. كاد جهاز التعقيم ينفجر، وأصيب أحد التلامذة بالهستيريا... ووصلت حالة زرع كلية، وحصل التباس وكادت الحالة تدخل غرفة العمليات على أساس حصوة في الكلي .. وفوق كل هذا تمزق لي زوجين من الجوارب، واحد بسبب سلة الغسيل والآخر لجلوس على الكرسي الخشبي في الكانتين
بدأت ميلاني تضحك :
- بالمقارنة مع هذا كان يومي مريحة للغاية .
جلست لوسيل، وقالت متفاجئة :
- نسيت أن أسألك .. ماذا حدث؟ وكيف جرت الأمور؟
. لست واثقة، كانت متحفظة، كما يقول ايزاك.. وأظنني أحببتها. مع أنني لست واثقة من...
نظرت إليها لوسيل متأوهة بسخط :
كيف هو شكل الفندق؟ لم أدخل يوما إلى مبنى مثله .
ردت ساخرة:
. كان فخما. . لها شقة فخمة في طابق علوي يطل على الحديقة العامة، ويزين الشقة أثاث فاخر لا ترينه إلا في المجلات.. الأمر الذي يجعلك تجزمين أنه ما من إنسان بمستوانا المالي يستطيع العيش فيها .. .
. اوه .. وماذا كانت السيدة هافري ترتدي؟
ثوب زهري اللون، كما أذكر.
ليعطني الله نعمة الصبر .. ثوب زهري اللون !
لكن الحلي طغت عليه .
أية حلي؟ هيا.. تابعي. لا تقولي إنك لم تلاحظي ما هي !
. بل لاحظتها.. من الالماس، معظمها، والكثير منها .. الكثير الكثير .. لكن المسألة مسألة ذوق.. لو كانت لديك مثلا، أعتقد أنك كنت سترتديها كذلك.
ردت متأوهة :
سأرتديها .. حتى في الحمام .
ضحكت ميلاني:
وهذا ما سيفقدها بريقها!
- وهل كانت متكبرة؟
ردت بدهشة:
لا.. بل ودودة، ومتوترة.. كما أظن.
بدت لوسيل محبطة .. وتساءلت ميلاني، ما الصورة التي كانت تجوب في ذهنها،. وتابعت لوسيل تسأل:
- والفتاة؟ كيف كانت؟ أهي بالسوء الذي توقعته؟
ترددت ميلاني ثم قالت :
لا.. بل أنني شعرت بالأسف عليها .
- ردات فعلك ليست طبيعية .. إنها ثرية كريهة .. ومما يقوله ايزاك إنها مدللة وصعبة المراس.. فلماذا تشعرين بالأسف عليها؟ أعرف.. لا تقولي لي المسكينة الصغيرة الثرية! فأنا لا أصدق على الأرجح تهوى أن تجعل الجميع يدور في فلكها.. وهذا ما يعطيها الرضي.
لم تجادلها ميلاني، لوسيل لم تر وجه ستيلا أو تكور شفتيها، أو مرارة نظراتها لأبيها عند وصوله.. وتابعت لوسيل تسأل:
- ما من أثر للأب.. كما أعتقد؟
لكنه ظهر.
وهل قابلته؟
امضيت ساعة بأكملها معه لوحدنا اليوم
رمت لوسيل نفسها على الفراش، وذراعيها مفتوحتان، ثم جلست مجددا، وجهها محمر باهتياج :
- إنها تخبيء الأهم حتى الآخر! كيف هو؟ ماذا قال لك؟ أين قابلته! ميلاني، ماذا حدث؟
ضحكت ميلاني .
حضري في القهوة، وسأقول لك كل شيء .
انسانة انتهازية
هرعت لوسيل لتحضير القهوة، وعادت بعد لحظات مع فنجانين .. ثم قالت بعينين متسعتين
. هيا، هاتي ما عندك .
حين انتهت ميلاني من سرد ما حدث معها، سالتها لوسيل:
- أهو وسيم كما تظهر صور الصحف؟
لا بأس به .
- دعك من هذا؟ كان هناك نظرة غامضة في عينيك حين كنت تتحدثين
عنه.. إنه أكثر من «لا بأس بها " صح؟
صح.. ويعرف هذا
استوت لوسيل في جلستها .
-هل عبث معك؟
. لا تكوني مجنونة .. فلست على قائمته من المؤهلات للاعجاب . كان جادا وعمليا.
لكنه، وحسبما تذكر، تفحصها بدقة بعينيه الساخرتين ومن ثم قرر أنها لا تثير اهتمامه، وهذا بدوره، ما أثار سخطها .
- وهل استهواك؟
ردت بثبات:
ما كنت لأرغب به ولو توسل إلي .
التأثير الأساسي الذي كان له عليها، كان ذلك الاحساس بالعداء .. فتصرفاته النافذة الصبر، وغضبه الجامح لم يؤثرا عليها.. ولو أنها سمحت له بان يملي عليها تفاصيل مقابلتهما لكان سيطر عليها وكأنه الأمر الناهي. ما من شك أنه معتاد على اصدار الأوامر بذلك الصوت الاجش، الأمر الذي يجعل الناس يهبون للتنفيذ.
نطقت لوسيل وهي تتثاءب
- أنت إذن واحدة من أقلية .. فلديه فتيات في كل زاوية من العالم
. أعتقد هذا.. لكن، بالنسبة لي، ينقصه السحر.. لا يعجبني تصرفه مع ابنته.. ولا مع أمه، كذلك لدي إحساس بأنهما يخافانه . ، إنه قاس كألسنة اللهب.. خال من المشاعر الإنسانية الطبيعية.
. لكنه أعطاك حرية التصرف مع الفتاة
. أتمنى أن يعني ما يقول.. لكني أراهن أنه عند أول دليل على المتاعب، سينقض علي كالذئب على قطيع الخراف.
********************



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 25-02-19 الساعة 06:49 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-02-19, 02:11 PM   #23

Loolaah

? العضوٌ??? » 372149
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 63
?  نُقآطِيْ » Loolaah is on a distinguished road
افتراضي

شكرا جزيلا على الرواية الجميلة التي تقومي فيها

Loolaah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-02-19, 01:04 AM   #24

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي










3- لقاء آخر الليل
يستطيع المرء من نوافذ الشقة التطلع إلى ممرات "غابة بولونيا" الخضراء الظليلة. انها إحدى أفخم المناطق في باريس، الشقة التي تقع ضمن وحدة بناء مستقلة حديثة بنوافذ ضخمة وجدران بيضاء مرتفعة ، تعطي الانطباع بالسعة والضوء.. كانت ملكا لشركة بيلانوس ويستخدمها معظم أفراد العائلة خلال إقامتهم في باريس.
كان بإمكان ميلاني ليلا أن تسمع عن بعد هدير السيارات تنطلق على الطرقات خارج المدينة. كانت تستلقي لتستمع إلى الأصوات كطفلة تصغي إلى صوت البحر من المحارة، وكأنما نهدهدها لتنام، لقد كانت
تلك الأصوات بمثابة جزء رئيسي من حياتها .. فهي فتاة ولدت في المدينة، ونشأت مع ذلك الهدير المكتوم في أذنيها.
لقد مضى على وجودهم في باريس أسبوعين، كانت الأيام قد اتخذت وجهة مألوفة: تتناول ميلاني الفطور كل صباح مع ستيلا، بينما تتناول السيدة هافرى الفطور في سريرها.. الكل يتناول نفس الوجبة طعام
خفيف مع عصير البرتقال، القهوة والكرواسان. بعدها نخرج ستيلا وميلاني للتفرج على معالم المدينة والتسوق معا، بينما تنهض الجدة متكاسلة لتخرج في جولة على بيوت الأزياء
أعلنت ستيلا منذ أول يوم :
لن أرتدي أي شيء من تلك الملابس..
كانت تفضل شراء ملابسها من محلات صغيرة في زوايا غريبة من
المدينة:
- أفضل أن أرتدي ملابس فضفاضة .
تمتمت ميلاني وهي تنظر إلى لون فستان ستيلا البني الذي يبرز تفاصيل جسمها.
. ظننت هذه ملابس فضفاضة .
تنفست السيدة هانري أنفاسا قلقة، لكن ستيلا وبعد صمت طويل، ضحكت وقالت لميلاني :
. أوه .. تظنين نفسك ذكية ، أليس كذلك؟
هكذا أدركت ميلاني أنه من الصعب مصادقة الفتاة مثلما ظنت.. فقد بدا لها، أن ستيلا لديها روح المرح، تخفيها تحت قناع مركب وتعبير مقطب الجبين، لكن تلك الروح موجودة، تبدو كلؤلؤة داخل الصدفة.
كانت ستيلا مستوحدة. لكنها تموت ولا تعترف بهذا.. تغييرها الدائم للمدارس، توترها، أخلاقها الصعبة، تركتها تقريبا دون أصدقاء لم يكن لديها يوما من تتحدث إليه، فكتمت امتعاضها، ألمها، وغضبها في نفسها .. وكان ضغط هذه المشاعر المكبوتة يظهر على وجهها الصغير الشاحب، وذلك الضغط بالذات هو الذي قاد إلى هذا التصرف المتحدي .
كان على ميلاني بالطبع أن تعمل على هذا الأساس .. فستيلا لن تمنح ثقتها لأحد دون دليل على صدق نواياه.. يمكن أن تحدث ميلاني لنصف ساعة بطريقة ودية ثم تتراجع، ويعود لوجهها العبوس مجددأ، وكأنها تخاف أن تترك نفسها تحب احدا.
هذه اللحظات الحساسة هي ما أدت إلى تعميق الصداقة بينهما.. فقد قالت ستيلا ذات يوم وهي تنظر إلى ميلاني بمرارة
.ثيابك بشعة.. تجعلك تبدين كممرضية خارج عملها
ردت ببساطة: وهذا ما أنا عليه
. لا أريد الخروج مع ممرضة خارج عملها. . فقد يعتقد الناس أنني لا زلت طفلة.
سألتها ميلاني، مبتسمة ابتسامة سخيفة :
- ومن سيظن هذا؟
حاولت ستيلا إخفاء ابتسامتها وسألت:
لماذا لا تحصلين على عدة جديدة؟
- ماذا يعني قولك هذا؟
أحسست ميلاني بارتياب مفاجيء للبريق الخبيث الذي ظهر في عيني الفتاة الصغيرة، التي قالت:
_ تعالي ...
وجرتها إلى أحد المحلات المفضلة لديها، لتشتري لها ما ترتاپه ستيلا مناسب أكثر من الملابس، مجموعة من البنطلونات الواسعة والضيقة ، قمصان وبلوزات قطنية قصيرة.
وجدت ميلاني، أنها لو أرادت الذهاب إلى مكان ما مع ستيلا عليها أن تغير من طريقة لبسها ليتناسب مع ما يعجب ستيلا، لتجعلها مرتاحة أكثر معها .
في اليوم التالي، حدقت السيدة هافري غير مصدقة حين ظهرت الفتاتان قرب فراشها، وهي تتناول الكرواسان ومربى الكرز الذي تحبه.. وسألتها ميلاني :
- كيف أبدو؟
مررت السيدة عينيها ببطء فوق البنطلون البني، المربوط عند الخصر بحزام أبيض عريض، والقميص الحريري العاجي، والسترة القصيرة التي نضعها فوقهما. وتمتمت بارتياب: فانتة.
صاحت ستيلا
- رائعة ... أليس كذلك... سنذهب إلى فرساي، اليوم اترغبين بمرافقتنا جدتي؟
.لا.. شكرا لك عزيزني، فهذا متعب لي جدا.
ارتمت ميلاني بعد ظهر ذلك اليوم، في كرسي كبير، تحت ظل
شجرة جميز وارفة الأغصان، وتأوهت:
- أنا ميتة! لا أستطيع السير خطوة أخرى ، . كم عدد الغرف في ذلك المكان؟
نظرت ستيلا إلى جدران القصر البيضاء وقالت موافقة :
- الكثير . . أعتقد أن لويس الرابع عشر كان لديه جيش من الخدم.
كانت الفتاتان قد امضتا ساعات طويلة تجوبان الغرف المزخرفة بالذهب، تتبعان صفا طويلا من السواح.. وكان اليوم حارا، أشعة الشمس لاذعة والناس من حولهم يشربون المرطبات أو ياكلون المثلجات خلفهم، كان هناك تمثال فارس على صهوة جواده للويس السادس عشرة يلوح بيده لجيش السواح وكأنه يقول لهم أدخلوا هذا المكان.
استطاعت ميلاني رؤية ذلك التمثال، من المقهى الذي كانتاتجلسان عنده وقالت معلقة :
- يبدو وكأنه يحاول وقف المد بيده . لكن المد طغى عليه
بدت ستيلا مشمئزة :
- يستحق ما حصل له .. الاناني. لماذا يحتاج إلى قصة بهذا الحجم؟ لا يمكنك إنهاء الجولة فيه في يوم واحد .
قال شخص من طاولة قريبة :
على الأرجح كان يتجول فيه وهو على جواده.
بدأت ستيلا تضحك، وفي عينيها السوداوين بريق يتراقص. نظرت ميلاني إلى الغرباء، ولم يبد أحدهم ذو شكل مريب لكنها مسؤولة عن
ستيلا وسلامتها. كان الشاب الذي شاركهما التعليق قد أدار كرسبه ضاحكا، وسأل:
- أكنتما في الداخل؟
رفست سيلا حذائها من قدميها، وأخذت تحرك اصابع قدميها بطريقة مبالغ فيها:
. ألا يمكنك أن ترى؟ قد لا أتمكن من السير مجددا.. بدأت أعتقد
أننا لن نخرج منه أبدأ .
قال الشاب :
- رأيي أنه مبتذل جدا .
هزت ستبلا رأسها موافقة :
- و كل ذلك الذهب!
والغرف الواسعة!
- أنها ضخمة جدا .. ما كان الخدم يحتاجون إليه هو مزالج. ألا يمكن أن نتصورهم يتزلجون من غرفة إلى أخرى، يحملون أوعية الحساء؟
وضحكا لبعضهما.. نظرت ميلاني إلى مرافق الشاب الصغير فوجدته يراقبها، كان نحيلا أنيق الملبس، مع أنه خلع سترته الرمادية وفك زر ياقته. وقد كانت بشرته السمراء محمرة بفعل حرارة الجو المرتفعة..
وقال مبتسما: ۔
- أرجو أن لا نكون متطفلين ،
رغم أنه يتكلم الانكليزية بطلاقة، كانت لكنته كما مظهره تدل على انه فرنسي .. تعلو قسمات وجهه سخرية ساخرة وبريق جذاب في عينيه الداكنتين أضف إلى أنه يتمتع بصفات شخص معتاد على العيش في المدن الكبيرة..
ردت ستيلا، بينما كانت ميلاني تفكر كيف ترد بأدب، فهي لا تريد الانخراط بحديث مع غرباء.. ذلك لأن وظيفتها هي أن تتأكد من أن لا تلتقي ستيلا أحدا لا تختاره جدتها بحذر.
. أبدأ .. من اللطف التحدث إلى الآخرين بنفس لغتك. هل لاحظت أن لا أحد في باريس بتكلم الانكليزية؟
ضحك الرجل:
. قد لا يستخدمونها في الإجابة على الغرباء، وهذا نابع من اعتزازنا وتمسكنا بلغتنا الأصلية، رغم انهم يفهمون جيدا ما يقوله الغير لكنهم مصممون على ألا يتركوا الانكليز ينجحون..
سألت ستيلا بحدة :
- ينجحون بماذا؟
- في السيطرة على العالم بلغتهم
عبست ستيلا وردت قائلة :
صعب أن أقول إننا نحاول هذا هذه الأيام.
- اللغة الانكليزية هي كالطحلب.. تنتشر في أي مكان بسرعة ،، ونحن نحاول جاهدين أن ننزع جذورها من لغتنا، لكنها تعود إلى التواجد ثانية في مكان آخر..
رجال مع انه كان يرد على ستيلا، إلا أنه كان ينظر إلى ميلاني، وجهه ممازح، فاضطرت للرد قبل أن تفكر:
. وماذا عن الكلمات الفرنسية التي تستعيرها، انها لا تزعجناء فالانكليزية تستوعب الكلمات بسهولة ... على أي حال نحن نترك المجال للتطور في حياتنا.. فلماذا لا نفعل هذا بلغتنا؟
قال الرجل بجدية :
. أستطيع القول إن هذا أمر جيد بالضرورة، والمشكلة في العالم اليوم هي فقدان الهوية.. إذا أن الناس لم يعودوا واثقين من هم، وإلى أين ينتمون. واللغة ليست حقا وسيلة اتصال.. انها وسيلة لتثبيت هوية.. على أي حال، ماذا نعني حين نقول إن أشخاصا يتحدثون لغتنا؟ هذا يعني أنهم يشاركوننا الانتماء إلى نفس البلد.
سألت ستيلا:
ألا تشعر بأنك في وطنك معنا؟
أتقيمين في باريس؟
أجل.. وأنت.. أتعيش هنا؟
- كم ستدوم إقامتك؟
هزت كتفيها:
. لم نقرر بعد.. أسبوع أو أسبوعين، على الأرجح.
- ثم تعودين إلى وطنك؟ أين تعيشين؟
- في لندن.. لكننا ستذهب من هنا إلى إيطاليا
علق الرجل وهو ينظر إلى ميلاني:
- إجازة طويلة .. هل أنتما شقيقتان؟
بدأت ستيلا بالضحك، وقالت بسرعة قبل أن ترد ميلاني :
- نحن صديقتان
كانت عيناها السوداوان تتحديان ميلاني أن نقول العكس، فستيلا حساسة جدا حول الدور الذي تلعبه ميلاني في حيانها، ولا تريد أن يعرف أحد أن عائلتها تظن أن على راشد أن يقتفي أثرها أينما ذهبت. وقالت مكملة :
- أنا ستيلا، وهذه ميلاني.
رد الشاب بسرعة:
وأنا رينيه وهذا عمي جان بول. أقيم معه بينما يمضي والداي إجازة في الجزائر .
قال جان بول بعصبيه :
. وهذا سبب وجودي هنا اليوم لرؤية قصر فرساي .. ليس لدي رينيه أي عمل يقوم به، وواقع أنني مشغول جدا لا يهمه
عبس رينيه وقال لستيلا:
- كل ما يفكر به هو العمل
ردت :
أعرف هذا الصنف.. مثل والدي ...
تابع رينيه موافقا :
- ما إن يبلغوا سن الثلاثين، حتييسيطر جمع المال على تفكيرهم.
سأله جان بول :
- وبماذا تفكر أنت؟ يصرفه؟
سخرت ستيلا .
- هو هو .. هذا ما يعرف عند الكبار بروح النكتة
نظرت ميلاني بسرعة إلى ساعتها، وشهقت بصوت مرتفع
- يا إلهي! انظري إلى الساعة
- استعادت ستيلا تلك النظرة العنيدة مرة أخرى
- وإن يكن لسنا مستعجلين للعودة
نظر رينيه بأمل إلى ستيلا
كيف جئتما إلى هنا؟ نحن جئنا بالسيارة .. فهل نستطيع أن نعيدكم ؟
كان ولدا نحيلا، شعره قصيرة اسود متجعدا، عيناه سوداوين كبيرتين فيهما توسل ولهفة، وبشرته سمراء ، ومن الصعب أن لا يعجب المرء به. ردت ستيلا على الفور:
. جئنا بالتاكسي، وسنحب جدا أن توصلانا في طريق العودة
قالت ميلاني، تحاول مخالفة ستيلا دون أن تبدو فظة ، مبتسمه لجان بول
. هذا لطف منكما .. لكن لا .. شكرا من السهل أن نحصل على تاكسي يعيدنا .
ضاقت عيناه تفهما، وشاهدته بهز كتفيه، بينما لم يقبل رينيه برفضها . . فوقف يقول:
- لا.. لا.. لماذا تزعجان نفسيكما بأخذ تاكسي بينما
ستحصلان على توصيلة أكثر راحة معنا؟ السيارة هي في موقف السيارات هناك
وقفت ستيلا بدورها. وجاء النادل يعطى الفاتورة لميلاني. فأخذتها تنظر إلى ستيلا المبتعدة بنفاذ صبر .. لكن جان بول أخذها من يدها ودفع الفاتورتين، وهو يبتسم لها مطمئنا
. ستكونان بأمان تام. أعدك. فأنا لست سائقا أرعنا والسيارة مريحة جدا
علا الاحمرار وجهها ومالت لتعتذر .
أنا واثقة من هذا.. ولطف منك ..
فهم التردد في صوتها:
. لست بحاجة للقلق ، وتعلمين هذا.. نحن محترمان جدا.. ولا نخطط لخطفكما واحتجاز كما في فندق قذر.
بدأت ميلاني تضحك
- لم أفكر بهذا
رد بلهجة ارتياب : لا؟
هزت رأسها بحزم:
لم يخطر هذا ببالي.. الأمر فقط أنني مسؤولة عن ستيلا و ..
صمتت، فكيف يمكن أن تشرح بأدب أن عليها أن تكون حذرة من الناس؟ أكمل لها جان بول كلامها بهدوء:
- وترغبين في بعض الضمانات؟ أنا رجل أعمال أملك عدة محلات وفندق صغير في باريس، والد زينيه شريكي في الفندق. ونحن أهل للثقة أؤكد لك
أثار حذر ميلاني استغرابه وبدا ذلك على ملامح وجهه، ولا شك أن الأمر يبدو مضحكا له. لكنها لا تستطيع أن تقول له بصراحة إنها مضطرة للحذر بسبب ستيلا .. ومن الأفضل أن لا يعرف أن والدها غني جدا. فلباسها، تصرفاتها العفوية والودية، لم تكن تعطي انطباعا انها ابنة مليونير مدللة وهذا أفضل .
عندما وصلا إلى السيارة وجدا الصغيرين يتجادلان بحدة حول موسيقي البوب واستمر جدالهما طوال طريق العودة إلى باريس ،، ولم يحاول جان بول أن يشارك في جدال ستيلا ورينيه، بل كان بين حين وآخر ، يبتسم لميلاني وبيدي ملاحظة مؤدبة، إذ لا بد أن يكون قد أخذ ترددها في العودة معهما على محمل شخصي، وتركها لأفكارها طوال الطريق .
حين توقفت السيارة أمام المبنى حيث تقيمان رفع رينيه رأسه وصاح: - واو ..! أنت تقيمين هنا؟
بدت ستيلا حيوية أكثر من عادتها، وهزت رأسها إيجابا، ثم خرجت من السيارة قائلة:
. شكرا للتوصيلة.. إلى اللقاء
دهشت ميلاني للطريقة العفوية التي انطلقت بها ستيلا، فحدقت فيها، ثم استدارت وهي تبتسم لجان بول بأدب وتقول:
. شكرا لك.. سررت بلقائك.
كان وجهه جافا
- وأنا سعيد بلقائك.
أدار المحرك ثانية وابتعد، فلحقت ميلاني بستيلا إلى باب المصعد، وحين وصل المصعد راقبت ميلانى ستيلا نضغط الزر، وقالت بحذر:
- رينيه شاب لطيف
لم تلتقط ستيلا الطعم، بل هزت كتفيها، ترد بموضوع مختلف تماما
. أتساءل ما إذا كان سيقدم لنا اللسان المسلوق على العشاء الليلة.. فقد استمتعت به بالأمس
لم تكن ميلاني تتوهم أبدأ.. فمحاولتها الصيد فشلت وبتعمد.. إذ أنه لم يكن جزء من عملها التساؤل عن مشاعر ستيلا الداخلية، وهكذا تركت الأمر. رغم أنها كانت تتوقع منها أن تأخذ وقتا أطول للوداع، لكن لربما أزعجها رينيه خلال جدالهما الطويل حول الموسيقى، ولا يمكن لأحد أن يعرف ماذا يجري في داخل راسها الصغير
كانت السيدة هافري تحس بانتعاش هذه الليلة.. وحين انضمتا إليها، سألتهما عن يومهما بطريقة لا مبالية، قبل أن تخبرهما بحماس شديد أنها تلقت مخابرة من زوجها الذي سينضم إليهم في إيطاليا.. كانت ميلاني قد قابلت برنارد هافري لوقت قصير ذلك السيد الذي يبدو
كأحدى قطع النقانق، أحمر ناعم، لكنها أحست أن له قلب طيب . كان ينظر إلى ستيلا وكأنها بركان على وشك الانفجار، لكنه كان يهتم بها في الوقت نفسه.. وأخذت ميلاني فكرة عنه انه رجل لطيف، پود التقرب من ستيلا لكنه لا يعرف من أين يبدأ .. أما رأي ستيلا به فهو مختلف عن رأيه بها قليلا؛ كانت تتثائب فيما هو يخبرها عن روعة باريس في الصيف تتنهد محتجة حين يحذرها من التجول بمفردها هناك، ومع ذلك لم يكن يبد على وجهها عداء خاص له..
وأكملت السيدة هافري
. أنا ذاهية لتناول العشاء مع أصدقاء هذه الليلة.. لهذا ستتعشيان لوحدكما.
ردت ستيلا باستهزاء :
- ستعيش.. امضي في طريقك وامرحي.. جدتي ..
سالت ميلاني السيدة :
أرأيت كم تهتم ستيلا لأمرك؟
ابتسمت ستيلا:
- أوه.. بالك من ماكرة!
سألت الجدة مبتسمة وهي تنظر من واحدة إلى أخرى
- اواثقتان أنكما لا تمانعان؟
قالت ستيلا:
كوني حذرة.. ولا تتأخري في العودة.. ولا تتحدثي مع رجال غرباء
ابتعدت السيدة هافري ضاحكة، كانت ستيلا في مزاج جيد جدا هذا المساء.. وشاهدتها ميلاني تضع يدها على جبينها مقطبة، فسألتها بدهشة
- صداع ؟
- قليلا .. لا بد أنها الشمس
. كان الطقس حارا اليوم.
. أظن أنه من الأفضل لي أن أخلد للنوم باكرا.. لكن يجب أن أرى اولا اذا كان هناك لسان مسلوق على العشاء
- ليس بالأمر الصحي أن تتناولي اللحم قبل النوم مباشرة إذا كنت لا تشعرين أنك بخير
- كفي عن لعب دور الممرضة معي .. اللسان المسلوق لا يزعجني وسأبقى للعشاء
لكن مدبرة المنزل اعتذرت بحزن .. فقد حضرت طبقة من الكركند البحري، فتنهدت ستيلا قانعة بتناوله، بعد أن قبلنا السيدة هارفي، التي خرجت إلى حفل العشاء، تناولنا الطعام بمفردهما، ثم أخذت ستيلا بعض المجلات وصعدت إلى غرفتها. تركتها ميلاني لمدة نصف ساعة ، ثم لحقت بها لتتأكد من أنها لا تعاني من أكثر من صداع بسيط. فوجدت الضوء منطفىء، وستبلا متقوقعة في فراشها.. أصغت ميلاني لأنفاسها المنتظمة، ثم تسللت إلى الخارج، وأقفلت الباب بهدوء
بدلت ملابسها، وغسلت شعرها وجففته فيما هي نشاهد فيلم رعب صامت قديم يعرض على التلفزيون، ويعتمد في تأثيراته على الظلال القائمة وتعابير الرعب على وجه البطلة، ليتملك ميلاني الضحك. حبن انتهى الفيلم، أطفات الجهاز، وكانت على وشك الصعود إلى غرفتها حين انفتح باب غرفة الجلوس فاستدارت مذهولة
. آسف .. هل أخفتك؟
ولأنها كانت قد خففت الانوار خلال مشاهدتها للفيلم فقد فاجأها ذلك الطيف الأسود عند الباب، مما سرع من نبضات قلبها فإذا بها تري جوليانوس بيلانوس عند الباب .. وحاولت جاهدة أن تخفي ملامح الذهول عن وجهها.
ثم قالت برباطة جأش :
مساء الخير سيد بيلانوس ، لم أكن أعرف أنك قادم .
هل من عادته أن بصل دون أن يتوقعه أحد؟ يوم الثقت به أول مرة أحست أن وصوله المفاجي، كان عاديا منه ومتعمدا .. فهو يحب أن يفاجيء أمه.
رد بخشونة :
لم يكن أحد يتوقع قدومي .. أين أمي؟
خرجت مع بعض أصدقاء للعشاء.. وستيلا نائمة
وفكرت : من المؤسف أنني لم أذهب إلى الفراش أيضا.. لكنت تمكنت من تجنب رؤيته حتى الصباح، فأكون أكثر قدرة على التعامل معه،
ارتفع حاجباه بحدة:
في مثل هذه الساعة؟ أهي مريضة؟ أم أنها غاضبة؟
- تشعر بصداع خفيف .. ذهبنا إلى فرساي اليوم وسرنا كثيرا و كانت الشمس شديدة الحرارة، فأحست ستيلا بالتعب.
ظهرت في عينيه نظرات خبيثة وسألها:
لكنك لم تتعبي؟ تبدين مرتاحة، هاه!
- تمتعت بالزيارة .
شعرت بالقشعريرة تتسلل إلى جسمها فيما كان يحدق بكل شبر من جسمها من فوق ثوب نومها الأسود، وكأنه يرى من خلاله .. ألديه عينين بأشعة أكس؟
ثم عاد ينظر إلى وجهها، وفهم التعابير المرسومة عليه، فالتوى فمه وعلق قائلا:
۔ مثير جدا.
إنه بتعمد إحراجها، الأمر الذي جعلها تكره تلك النظرات التي كان يرمقها بها، فجفلت وقالت ببرود:
- مديرة المنزل ذهبت للنوم أيضا.. هل تناولت الطعام؟ هل أحضر لك شيئا؟
-لقد تناولت الطعام.. لكنني أرغب في بعض القهوة .. أتشار كينني؟

- لا شكرا. فأنا سأخلد للنوم ..
راقبته وهو يضع الأبريق الكهربائي في المقبس، قال:
- هيا، تناولي القليل فقط .
لا .. شكرا.
نظرت إلى كتفيه العريضتين .. وتأملت سترته التي تلفت الأنظار . كان يتصرف بديناميكية شديدة حتى دون أن يقوم بأدنى حركة. تلك الطاقة التي يحركها وفق ارادته دون أي تهور... فهو على يقين تام مما يريد وما يفعل.. ووجدت ميلاني هذا مخيفا
حين استدار إليها كان في بده فنجانين من القهوة السريعة التحضير، مدلها يده بواحد منهما، وفي عينيه سخرية. قالت بنفاذ صبر:
لا أريد القهوة .. شكرا لك
وضع الفنجان من يده، ثم أخذ الآخر ورفعه إلى شفتيه، ثم نظر إليها وهو يرشف منه القليل.. فاستدارت نحو الباب قائلة :
- تصبح على خير سيد بيلانوس
رد ساخرا :
- بالتاكيد لست ذاهبة إلى غرفتك؟ كنت أتوقع منك تلخيصا لحالة
سألت بدهشة :
- الليلة؟
لوح بأصبعه الطويل:
ليس هناك وقت أفضل من الحاضر
عادت ميلاني على مضض نحوه، وجلست على الأريكة بينما وقف هو أمامها، وفنجانه في يده يتفحصها وكأنها عينة غريبة تحت المجهر .. وسأل:
- إذن.. كيف تسير الأمور معها؟
- أظننا نتقدم.. لزمها بعض الوقت لتعتاد علي، فهي لم تكن تحس
بالإثارة لملازمتي لها طوال اليوم. لكن يبدو أننا تغلبنا على هذا ، ولم يعد لدي شيء أقلق عليه
جلس إلى جانبها
- جيد. . كم من الوقت تمضي والدتي معها .
معظم الأمسيات.
- لكن ليس الأيام؟
. خرجنا نتفرج على معالم المدينة مرات عدة، والسيدة هافري تتعب بسرعة.
التوى فمه ساخرة: صحيح؟
في طريقة سؤاله شيء غريب.. قطبت ميلاني:
- إنها في السبعين.
لماذا تبرر موقف أمه له، بحق السماء ؟ فهو يعرفها تماما.. وبكل تأكيد لا يتوقع من امرأة في مثل سنها أن تخرج لتسير خلف السواح في باريس تتفرج على معالمها وكأنها مراهقة؟
خلع سترة بذلته السوداء الأنيقة ورماها دون اكتراث على ذراع الاريكة.. راقبته يتمدد باسترخاء تام وتعب شديد باد عليه.
- يا له من يوم متعب. أنا منهك القوي
وقفت قائلة:
- السفر يتعب .
امتدت يده بسرعة لتمسك معصمها، وقال:
ليس بهذه السرعة .. أتمانعين؟ أحتاج إلى الاسترخاء. تحدثي الى
كم يحب إملاء الأوامر ! نظرت ميلاني إليه متمردة.. وإلى أصابعه الرشيقة تشد على معصمها:
. ظننتك متعبا .
فعلا.. أنا متعب أكثر من أن أستطيع النوم.. ألم تكوني يوما متعبة
لهذا الحد؟
معظم الأحيان. .
وماذا كنت تفعلين ؟
أستحم بماء ساخن وأنام
تراقصت في عينيه نظرات لغوبة مشاغبة وقال:
أمر ممكن! لماذا لا نفعل هذا؟
استغرقها الأمر بعض الوقت قبل أن تتمكن من الرد عليه، لكنها بعد أن استوعبت ما كان يعنيه، ردت بهدوء
- ليس الليلة.. شكرا لك
ضحكته كانت حقيقية:
- لم تهتز شعرة منك! كنت أتساءل ما ستكون ردة فعلك
ماذا كنت تتوقع؟
- لست واثقا.. لنقل شعور بالاشمئزاز ... ربما بسبب تجاوزي حدود الأدب معك؟ أو حتى صفعة على الوجه.. اجلسي .. أنا لا أعض أخبريني عن رأيك بقصر فرساي .
ردت ببساطة:
- إنه مدهش.
فك ربطة عنقه ووضعها فوق سترته، ثم فك حزامه وسأل باهتمام : . أخبريني ... ماذا تفعلين عندما تتوقفين عن العمل؟
قلت لك.. أستحم وأنام
تنامين كقطعة حطب.. كما أعتقد؟
هزت راسها موافقة فأكمل:
. أمر لا يصدق أحسدك .. نومي سي، جدا.. فأنا مريض بداء الأرق. كيف تتمكنين من النوم؟
- عملي متعب
- وكذلك عملي.. مع ذلك لا أستطيع النوم .
بدأ بخلع قميصه، فراقبته بحذر .. إلى أي مدى يخطط أن يخلع ثيابه؟ سألها بنبرة فيها أكثر من حشرية عادية :
- وهل تنامين دائما لوحدك؟
- هذا سؤال خصوصي جدا.
ابتسم :
- لكن، ما رأيك بالرد عليه؟ أؤكد لك أنه مجرد فضول.. ما هو نمط الحياة العاطفية التي تعيشها ممرضة؟
- حياة طبيعية .. الفارق الوحيد هو عدم توفر الوقت لها كباقي الأشخاص.
رماها بابتسامة فيما عيناه السوداوان تحدقان بها من رأسها حتى قدميها، تتوقفان هنا وهناك في طريقهما نزولا. لقد كان التقييم متعمدا وبكسل .
-أنا واثق تماما أنك تتلقين عروضا كثيرا... فأنت فتاة جذابة جدا
-شكرا لك.
لم تجد جدوي لتحديقه بها، لكنها لم تتفاجأ حين شعرت به يقترب منها .. ثم أضاف وعيناه تمازحانها
- والان.. ألديك المزيد من الوقت؟
ردت بهدوء:
- لدي الوقت، لكن ليس لدي الميل .
من المفترض أن تشعر بارضاء لغرورها لمغازلته الخفيفة لها، لكنها لسبب ما لم تكن تشعر بالرضى .. فهو متعب ويريد أن يتسلي، وهي امرأة وقد تكون مستعدة.. ولم يكن يستخدم ضغطا.. بل ترك الاقتراح معلقا في الهواء بينهما.. لذلك لم تفكر ميلاني بالأمر كثيرا.
أخذ جوليانوس يمرر أصابعه الباردة على جانب خدها.. وقال هامسا:
- قد يروق لك هذا
وصلت أصابعه إلى فمها، ولسبب ما وجدت هذا مثيرا للاضطراب بشكل غريب.. هناك إحساس قوي بأنه يسيطر على نفسه، ويعي تماما ما يفعل، وهذا يشير إلى معرفته مدى تأثير ذلك على امرأة، ومما زاد في رهبتها منه تلك العينان السوداوان المبتسمتان، والصوت الاجش الدافيء، واللمسة المداعبة لأصابعه إلا أنها رفضت أن تدع ذلك يؤثر عليها، فقالت له، بعينين باردتين
- إن ذلك لا يؤثر على !
آه، حقا؟
- أكنت تظن غير هذا؟ أعرف أنك بحاجة للاسترخاء .. وأنا أرفض أن أكون مهديء للأعصاب.
ضحك . أعتذر إن كانت تصرفاتي أوحت لك بذلك
أمسك ذقنها، وانحني نحوها بنوايا واضحة.. تراجعت وهي تهز رأسها محاولة إبعاده،
. لا.. شكرا لك سيد بيلانوس.. أنا لا أحب هذا العبث، بما أن ذلك لا يعني شيء لأي منا.. فلماذا نزعج أنفسنا؟
تراجع إلى الوراء يهز كتفيه، محاولا بنجاح إخفاء خيبته ان .
حسنا.. هل نغير الموضوع؟ ما الذي جعلك تمتهنين التمريض؟
ضحكت لهذا التغير المفاجيء. لكنها اجابت مندهشة من نفسها حين وجدت نفسها تخبره عن الحادثة التي قتل فيها والديها ووجدته مستمعا جيدا لأن عيناه كانتا تستوعبانها وهي تتكلم بنظرات ثابتة.. ووجدت نفسها تروي له أمورا لم يسبق لها أن أخبرتها لأحد من قبل، رغم أنها ليست من النوع الذي يثق بالناس بسهولة.
وحين توقفت فجأة قال:
لك صوت ناعم ومهديء
بدأت تضحك
-حسنا.. أنا مسرورة أنتي قمت بتسليتك.
وقفت:
- علي أن أخلد للنوم.. تصبح على خير سيد بيلانوس
- يمكنك أن تناديني جول.. تصبحين على خير ميلاني
لاحظت ميلاني أن النبرة العصبية التي سمعتها في صوته عند أول لقاء لهما لم تكن موجودة الليلة . توجهت نحو الباب، تتساءل إن كانت معجبة به، ، وعندما رمقته بنظرة أخيرة وجدته مستلقيا على الأريكة باسترخاء تام وكانه نائم... "
عندما دخلت غرفتها خلعت روبها. أطفأت النور واستقرت في الفراش متثائبة .
فجأة، انفتح الباب بعنف .. ولمع النور فجأة، فجلست ميلاني في فراشها، مشدوهة، تنظر إليه
كان من الصعب التصديق أن تلك العينين، اللتان كانتا تبتسمان منذ قليل، تظهران كل هذا الغضب. لقد بدا متوحشا ذو وجه قاس
- إذن، "ليس هنالك أي متاعب؟ أنت سعيدة جدا بالطريقة التي تتصرف بها ستيلا؟ أقلت إنك تنامين بعمق شديد؟
لم يعطها فرصة لتسأله ما الخطب .. وتابع بصوت غاضب:
.با إلهي، أيتها الغبية. لقد كانت الفتاة تحاول الإيقاع بك في شركها قلت لك أن تراقبيها كالصقر ... لا يمكن الثقة بها، حذرتك.. لكنك أدعيت أنك أكثر حكمة مني.. طبعا.. كنت تبتلعين كل شيء تقدمه لك.. الصنارة والخيط والطعم.. صداع؟
ضحك مجلجلا بسخرية:
- قد يهمك معرفة أن ستيلا ليست في فراشها تعاني الصداع.. حتى أنها ليست في الشقة كلها .. الله وحده يعرف أين هي, لكنها بكل تأكيد جعلتك تبدين حمقاء !
****************************




التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 25-02-19 الساعة 06:50 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 25-02-19, 08:12 PM   #25

نرمين داوود يوسف

? العضوٌ??? » 387795
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 754
?  نُقآطِيْ » نرمين داوود يوسف is on a distinguished road
افتراضي

روايه روايه روايه جميله 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️ 💛 ❤️

نرمين داوود يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-02-19, 10:53 PM   #26

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي











4-- العمر الضائع
استوعبت ميلاني ما قاله ببطء، وسألت باستغراب :
- ليست في غرفتها؟
زمجر قائلا :
ألا تفهمين الانكليزية؟
ما الذي جعلها تظن أنه رجل يسيطر على أعصابه؟ لقد انكسر ذلك المظهر الخارجي المتمدن ليظهر مكانه شخص بدائي.. قد يعامل النساء الأخريات ببساطة، لكن فيما يخص نساء عائلته هناك رد فعل عنيف
قالت له :
- هلا انتظرتني في غرفة الجلوس، سأنضم إليك،
ما كان هناك من سبب يجعلها تترك سريرها وهو ينظر إليها لانها كانت ترتدي ثياب نوم اختارتها لها ستيلا، قميص رياضي يصل إلى أعلى من خصرها بقليل، وهي لن تستعرضه أمامه وهو في مزاجه الجالي
نظر إليها ساخرا، حاجباه السوداوان يلتقيان
- إذا كان هناك شيء لا أطيقه، فهو النساء المتظاهرات بالخجل،
استدار بحركة عصبية وغادر الغرفة مما دل على نفاد صبره.
أجفلت ميلاني لصفقة الباب بشدة، وقامت بسرعة من الفراش وارتدت روبها القطني الطويل الذي يمكن إغلاقه بسحاب من الامام
حين انضمت إلى جوليانوس، كان قد فتح الستائر عن النوافذ الكبيرة، ووقف هناك متأملا وعلى وجهه نظرة متوحشة.. انتظرت ميلاني تراقبه، ما هي إلا لحظة، حتى أستدار وصاح بها:
هل لديك فكرة أين يمكن أن تكون؟
قبل أن تفتح فمها لترد أكمل صائحا:
- الحقيقة .. لو سمحت .. أين هي؟
ها قد فقدت وظيفتي.. لا بد أنه سيضعني على أول طائرة عائدة إلى لندن قبل أن أستطيع أن أتنفس
- ليس لدي أي فكرة.
- لا يمكن أن تكون خرجت لوحدها لا بد أن تكون مع شخص ما . ولا بد أنه رجل .. ومن كانت تقابل
- لا أحد
ثم توقفت، فاغرة الفم حين عاد إلى ذاكرتها ذلك الشاب الذي التقتاه في فرساي.. بالتأكيد لا ؟
لاحظ جوليانوس نظرة الدهشة في عينيها:
- هل فكرت بشيء؟ بشخص ما؟
- التقينا بشاب في «فرساي "...
قاطعها بنبرة فظة
أوه.. هكذا إذن! أي شاب؟ أظنني أوضحت لك أنك يجب أن تمنعيها من لقاء أحد إلا اذا كنت موجودة معها؟
- كنت موجودة، وبكل تأكيد لم أشجعها.
ما اسمه؟
- رينيه .
كانت تعلم ما هو السؤال التالي، ونعرف أن الرد لن يعجبه .
- رينيه ماذا؟
۔ لست أدري .
نظر إليها نظرة موبخة:
- لا تدرين؟
ابتعد عنها، سأل وهو يدير ظهره
- كيف خرجت دون أن تلاحظي أنت ذلك؟
لست أدري .. ربما وأنا أغسل شعري...
آلمتها نظرته الحادة الساخرة، فأكملت صائحة
. لا يمكنني مراقبتها أربعة وعشرين ساعة في اليوم.. ماذا تريدني أن أفعل؟ أنام على باب غرفتها؟
تجاهل سؤالها الساخر الحانق، وسأل:
أي نوع من الشبان هو؟
- شاب لطيف .. أعجبني، كان لطيفا و ودودا.
. أنا واثق من هذا.. فأنا التقي بالكثير من اللطفاء والمتوددين .. فالمال له هذا التأثير على الناس.
أحسست بالانزعاج، فصاحت:
- أوه، لا تكن سخيفا. لم يعرف أن ستيلا لديها مال.. لم تكن تحمل يافطة تقول تعال وخذني، أنا محشوة بالمال
لم يبد عليه الاقتناع، وقال:
. لعلك أدركت الآن سبب عدم ثقتي بها.. تذهب بصحبة شاب بالكاد تعرفه إلى مكان لا يعرفه سوى الله .. ليفعلا ما لا يعلمه كذلك سوى الله .. رغم أن لنا فكرة خبيثة عما قد يفعلان، إذا لم نكن نعرف أين أليس كذلك؟
نظرت ميلاني إليه بحدة، وعيناها واسعتان باردتان
- أظنك تقفز إلى استنتاجات خاطئة .
رد بعدائية
- أوه.. تظنين هذا؟
. أجل.. أظن هذا، ذلك لأن ستيلا في السادسة عشر ومع أنها قد تكون متمردة فأنا لا أرى أنها مراهقة مستهترة.
- وماذا تظنين أنها كانت تفعل في تلك الحفلة طوال الليل؟ تلعب الداما؟
ازدادت غضبا
. ترقص على الأرجح.. لماذا لا تتوقف عن رؤية الأمور من زاويتك، وتحاول أن تراها من زاويتها؟ كم من الوقت أمضيته معها في السنوات الأخيرة؟ أستطيع القول إنني اصبحت أعرفها أكثر منك.. وإن لك فكرة خاطئة تماما عنها، إذا كانت مستهترة قليلا، فربما مي تتخذك مثالا لها..
صمتت ، تلهث مرتجفة لما قالته فال بحدة: ماذا؟
أدركت بيلاتي آنها تجاوزت حدها ويجب أن لا تتراجع فتابعت:
- لأن صدي الجنس الآخر يتردد في بيتك.
. أنا لست في السادسة عشرة .. ومن تظنين نفسك لتتكلمي معي بهذه الطريقة؟
- يقلد الأولاد تصرفات ذويهم في سن معينة ، وإذا كانت ستيلا تظن أن العلاقات العابرة بين الجنسين أمر جيد، فهذه غلطتك أنت. إنت تفكر هكذا.. صحيح؟
وبدا وقد فقد النطق، ينظر إليها بعينين ضيقتين .. فأكملت ميلاني بهدوء
- أنت لم تلتق برينيه .. أنا التقيت به .. ولا أرى أنه يغويها .. لعلهما جالسان الآن في مقهى على الشارع بسمعان إلى موسيقى البوب ويتحدثان .. في مثل هذا السن، من المثير جدا مجرد الحديث .. أم أنك لا تذكر هذا؟
نظر إليها مذهولا ، فقالت في نفسها: لا.. لا يذكر هذا أبدأ .. ربما لم يعرف يوما الإحساس بالإثارة التي يحس المرء بها في مراهقته لمجرد الحديث دون انقطاع مع الاصدقاء واكتشاف النفس كراشد لأول مرة، ثم رمقته بنظرة متأملة فإذا بتلك العينان الضيقتان، والقسمات المتجهمة، مع الثقة بالنفس البارزة في عظام الوجه تعكس قساوة ذلك الشخص، وتساءلت ما إذا كان يوما مراهقا مضطربا بحث عن نفسه.. أم أنه كان
راشد حتى في المهد؟
. أتريدين مني أن أصدق بأنهما يتحدثان فقط؟
. وما هو الذي لا يصدق في هذا؟ يبدو لي أنك تجد الرغبة هي نقطة الالتقاء الوحيدة بين رجل وامرأة.. لكنك، ربما، لا تملك روح الفضول
التوى فمه :
- الفضول؟
- الفضول في التعرف على الجنس الآخر الذي قد لا يكون جسديا بالضرورة
. لكنه هكذا عادة. يا إلهي! كم تفكيرك طاهر!
- لي طاهرا.. بل عملي، أنت تدين ستيلا دون أن تسمعها ، ألا يمكنك الانتظار إلى أن تعود وتتركها تقول لك أين كانت وماذا كانت تفعل؟
. وهل من المفترض أن أصدق أية قصة مختلفة قد ترويها؟
يجب أن تقرر هذا بنفسك، بعد أن تسمعها
مع كل هذا كانت تبدو تصرفاته غريبة .. فأضافت:
. أنت تتصرف بقلق مبالغ فيه نحوها.. معظم الفتيات في مثل سنها يخرجن مع شبان، فماذا تتوقع؟ لا يمكنك إبقاؤها مربوطة إلى طوق إلى أن تبلغ السن القانونية
. هذه فكرة سديدة ...
خفت الحدة في نبرة صوته وبدت بعض السلاسة على ملامح وجهه المتجهم... ظل يتحرك بقلق، ويداه في جيبه مطاطيء الراس. راقبته ميلاني يسير نحو النافذة ثم يعود، بحركة تشبه حركة السجين في زنزانة ضيقة .. ثم توقف، واستدار نحوها:
. أنا لست معتادا على الكلام مع الناس عن حياتي الخاصة ... لكن
اترين ...
لكن صوتا ما قاطعه، فسكت ونظر إلى الباب ، فجفل لرؤيته السيدة هافري في المدخل، محمرة الوجه مبتسمة .. مشلح من الفرو الابيض والفضي يلتف حول كتفيها، وحقيبة سهرة فضية تلمع في يدها
اختفت ابتسامتها وبدت ملامح الذعر في وجهها:
_ جول ...
عادت تلك النظرة الباردة الى وجهه .. ونظر إلى الساعة المرصعة بالأحجار الكريمة الخضراء الموضوعة على الطاولة قربه
متأكدة .. هاه ؟
كادت أنفاس ميلاني تنقطع.. لم يعد لديها أدنى شك بأن تصرفاته فائقة الغرابة ... من المؤكد أنه لا يظن أن أمه كانت تعبث كذلك!
ردت الأم:
. صحيح؟ أوه يا عزيزي . لم ألاحظ الوقت. متى وصلت إلى هنا جول ؟ لو عرفت أنك قادم لما خرجت .
رد ساخرا:
- أنا واثق أنك ما كنت خرجت
نزعت السيدة هافري مشلحها، ولاحظت ميلاني بقلق أن يديها كانتا ترتجفان .. وسألها:
. أين كنت حتى هذه الساعة؟
راقب والدته وهي تضع مشلحها وحقيبة يدها، ثم تعبث بشعرها بتوتر .
فكرت ميلاني: لماذا لا نقول له أن يغرب عن وجهها؟ لماذا تتحمل منه كل ذلك؟ إنها في السبعين من عمرها وهو يكلمها وكأنها في السابعة عشرة.. لماذا؟
. تناولت العشاء مع أصدقاء .
- مع أصدقاء أم مع صديق؟
كم هو بغيض..! إنه يشعر ميلاني بالقشعريرة. ما الذي بفعله بأمه؟
نظرت إليه السيدة هافري. والدموع تتراقص في عينيها السوداوين، وقالت بوقار
أظنني سأخلد للنوم
صاح بها فجاة
- يبدو أن ستيلا هربت مجددا.
شهقت من المفاجأة، ثم نظرت إلى ميلاني وسألت :
- ما الذي حدث؟
ردت ميلاني بلطف
. لا نعرف بعد. أظن أنها خرجت لمقابلة شاب التقيناه في فرساي .. لكنني واثقة أنها بخير .. إنه شاب لطيف، وستكون بخير معه . .
ضحك جوليانوس ساخرا
- تعيشين في عالم الأحلام!
- تجاهلته ميلاني وقالت للسيدة :
لا تقلقي ..
لكنني لست أفهم.. لماذا تركتها تخرج؟
شرحت لها ميلاني كل الظروف، وأصغت العجوز لها بوجه متجهم متألم، ويدها على عنقها تمسك بعقدها المرصع بالماس والذي بزيد بريقه من شحوب وجهها.
وأنهت ميلاني كلامها: لكن، لا يجب أن تقلقي
فابتسم جوليانوس ساخرا مرة أخرى، وقال:
لا.. لا تقلقي، ماما، لا نريدك أن تقلقي.
نظرت السيدة هافري إلى ميلاني متوسلة -هل اتصلتم بالشرطة؟
- لم يتأخر الوقت إلى هذه الدرجة بعد... ستعود قريبا .
صاح جوليانوس :
إنها في السادسة عشرة من عمرها. والأرجح أن تكون جثتها عائمة في نهر السين ؟
تأوهت السيدة هافري، وترنحت.. فسارعت ميلاني لتضمها إليها وهي تنظر إلى جوليانوس قائلة بحنق :
- لا تكن مأساويا هكذا!
- يبدو لي أنك تأخذين الأمر كله ببساطة
. شخص ما يجب أن يفعل هذا.. إنك تختلق مشكلة كبيرة من الأمر. صحيح أنه من المقلق أن تخرج ستيلا دون أن تخبرنا إلى أين أو مع من.. لكنك تتجه إلى أقصى التطرف، ونتصور الاسوا، قبل أن تعرف ما حدث فعلا
رد ببرودة، وعيناه على أمه :
لدي أسباب كافية لأن أعرف نوع الدم الذي يجري في عروقها.
ارتجفت السيدة هافري، وأحست ميلاني بالحركة وهي تسندها لتقف، فازداد عبوسها.. ما معنى كل هذا؟ هناك الكثير لا يقال، لكن الابن والأم يفهمانه جيدا؟
سمعوا صوت إقفال باب الشقة . فخرج جوليانوس من الغرفة كالبرق، ثم علا صراخه مستخدمة كلمات يونانية قاسية ورنانة .
همست السيدة هافري
- لا تدعيه يقول لها كلمات كهذه
ودفعتها بلطف إلى الخارج.. بينما استلقت العجوز على الأريكة ، خرجت ميلاني إلى الردهة لتري ستيلا في بلوزة دون اكمام وبنطلون جينز، تواجه والدها متحدية وشفتها السفلي متدلية إلى الأمام في استياء دون أن نتفوه بأية كلمة، كانت كلماته تجعل ستيلا غاضبة جدا.. لتتفجر قائلة :
- أكرهك!
ثم ركضت نحو غرفتها.
ولحق والدها بها، لكنها صفقت الباب وأقفلته بالمفتاح فتوقف

عنده ، ثم استدار على عقبيه واختفى في غرفة اخرى، يصفق بابها بدوره
عادت ميلاني ببطء إلى السيدة هافري التي كانت تنظر إلى لا شيء وترتجف. فجلست قربها وراحت تفرك يديها اللتين كانتا ببرودة الثلج، ثم قالت بقلق:
. إنها غلطتي
. بالطبع لا.. لا يجب أن تفكري هكذا، كيف يمكن أن تكون غلطتك؟
قلقت ميلاني عليها لأنها كانت شاحبة جدة وباردة.. والصدمة قد تكون قوية على من هم في مثل سنها.
. أوه .. إنها غلطتي، عزيزتي، أنت لا تعرفين شيئا
مررت يدها المرتجفة على وجهها وتنهدت :.
. أترين ... أنا لم أحب والده يوما.. حتى أنه لم يعجبني.. كان زواجا مدبرا، وأجبرتني عائلتي على الزواج منه .. كان يجب أن أرفض لكنني كنت ضعيفة جدا، على ما أعتقد.. كان ثريا جدا، والجميع كان متحمسا لذلك.. فاستسلمت، لكن الزواج لم ينجح. لم يكن رجلا يمكن أن يحب فقد كان يخيفني.
نظرت إلى ميلاني باكتئاب:
- ثم حملت.. وحين أجريت الفحوصات، اكتشف الأطباء آن دمي لا يتمازج مع دم زوجي .
عبست ميلاني
- يا إلهي .. يا لسوء حظك
التوي فم السيدة هافري بابتسامة مريرة
- بدا لي يومها رائعة ،، فقد أجهضت الطفل، وقيل لي إن هذا سيحدث دوما. لكن زوجي لم يصدق هذا.. وجعلني أحاول مجددا، وحملت مجددا، ليحصل ما حصل سابقا، ، يا عزيزتي .. كم كنت يائسة
وتعيسة. واستمر هذا لسنوات .. وتقبل حقيقة أنني لن أستطيع حمل الأطفال، كانت سنوات رهيبة.
فكرت ميلاني باللوحة في مكتب جوليانوس، الوجه البارد القاسي والعينين الفاترتين.. فهل هناك شبه أكثر من الظاهر بين الأب والابن؟
. لكنك حملت بجوليانوس أخيرة
نظرت السيدة هافري إليها بصمت، عيناها ممتلئتان بالتعاسة حتى الأعماق، مما جعل ميلانيتتألم اشفاقا
- أوه.. أجل، حملت به أخيرا. حتى أنني لم أكن أرغب به . ساعتها. أظن أن الطفل يشعر باحساس والديه، كنت في حالة من الاحباط والاكتئاب العميقين حين ولد، ولم أطق رؤيته لأشهر
تنهدت السيدة هافري:
ثم.. تغير كل شيء,, قابلت شخصا آخر.. في الواقع كنت أعرفه منذ سنوات.. لكن، وبشكل غريب، تطورت الأمور بسرعة. كان أفضل صديق لزوجي، ويعمل معه. كنت أعلم أن زوجي قد يجن غضبا. ولم أكن أريد أن أفقد جوليانوس.. كنت قد نسيت وقتها أنني لم أكن أرغب به، وأحببته بشدة ... كان عمره ثماني سنوات فقط. وعرفت كيف ستكون ردة فعل زوجي.. سيأخذه مني ولن أراه ثانية .. وكان موقفا لا يحتمل .
قطبت ميلاني .
لا بد أنه كان هكذا .
- انفجر كل شيء ذات مساء .. كنت وديمتري مضطرين للقاء بعضنا من وقت إلى آخر. وعرف زوجي بالأمر. وحدثت فضيحة رهيبة ، وضربني، فضربه ديمتري، بعدها هربت مع ديمتري، وبعد أسبوع تعرض زوجي لنوبة قلبية .. فكتب وصية يترك فيها رعاية جوليانوس لعمه، شفيق أبيه، ثم مات زوجي ولم يسمحوا لي برؤية جوليانوس.. وتزوجت ديمتري، لكنني لم أتوقف عن محاولة رؤية ابني.. لأنني كنت أعلم أنهم .
يسممون أفكاره ضدي ... لكن دون جدوي ..
نظرت إلى ميلاني وعيناها مغرورقتان بالدموع.
- لا أستطيع أن أصف لك كيف كنت أشعر حيال هذا الأمر
- هل كنت سعيدة مع زوجك الثاني؟
ابتسمت السيدة هافري:
. جدا .. ولولا جول، لكانت حياتي جنة .. لكن ديمتري كان أكبر مني سنا .. ومات بعد عشر سنوات، وعدت وحيدة مرة أخرى.. كان جول قد بلغ سن الرشد يومها، لكن حين كتبت له تجاهلني، وأظنه ما كان ليراني ثانية لولا أنه تزوج فيكي.. أترين، كانت فيكي ابنتي بالعرابة ، ، أمها ابنة عم لي، وهي التي أقنعت جول بلقائي
وتملك ميلاني فضول غريب حول زوجة جول الميتة .
هكذا إذن .. كيف كانت؟
ابتسمت السيدة هافري:
جميلة .. جميلة جدا، فتاة نشيطة قوية لها عينين بنيتين.. كان جول يحبها كثيرا، وكذلك الأمر بالنسبة إليها. لكنه كان دائم الانشغال كوالده تمامأ .. وكان يتركها لوحدها كثيرا.
أحست ميلاني ببرودة شديدة تتملك جسدها، وأحست أنها تعرف ما سيأتي، وأكملت السيدة، وكأنها تحدث نفسها
. لم يكن الأمر يعني شيئا.. أنا واثقة.. رغم شعورها بالضجر إلا أنها كانت تحب جول كثيرا.
وهل تورطت مع شخص آخر؟
تنهدت السيدة هافري:
. لست واثقة تماما من الذي حدث. لم يخبرني جول الكثير ، ، فقد كان هناك كلام كثير في ذلك الوقت، كانت فيكي تخرج دائما مع رجل آخر، وترافقه إلى الحفلات، والعشاء، وحين سمعت الشائعات قلقت وحدثتها بصراحة، فضحكت ، فأحسست وكأنها تحاول أن تثير غيرة جول
ليس أكثر .
قالت في نفسها با للفتاة المسكينة! أنا واثقة أنها نجحت في ذلك.
لكن يا الغباء محاولتها لجذبه إليها؟
ابتسمت السيدة هافري بكابة :
ضرب جول رأسه بالسقف. كما أظن. لشدة غضبه
استطاعت ميلاني تصور الثعابير المتوحشة في تلك العينين السوداوين
وأكملت السيدة :
. وبعد أن تركته فيكي أخذت ستيلا معها.. ثم قتلت بعد ستة أشهر ووصل جول ذات ليلة ومعه سنيلا طالبا مني الاعتناء بها، فهو لم يكن يريدها معه .. مدعيا عدم توفر الوقت .
تمتمت ميلاني بعبوس :
رائع !
- كان يستشيط غيظا، ولم يكن يرغب برؤيتها... جول رجل قاس ، مثل أبيه ، وكانت ستيلا تذكره بما مضى، وهو لم يكن يريد أن يتذكر
. لا يمكنه لوم ستيلا على ما حدث.
نظرت السيدة إليها ببؤس
- لا أظنه يلومها. لكنها ابنة أمها .. وكان لجول رأي وضيع بالنساء.
- ليس هذا بالأمر الغريب كما أعتقد
تنهدت السيدة مرة أخرى
. لا.. لقد كان صغيرا جدا حين تركت أباه .. وعندما تحطم زواجه ، ثبتت لديه فكرة ألأ بثق بالنساء.
- هل ناقشت الأمر معه؟ هل قلت له ما تقولينه لي؟
. حاولت، لكنه كان دائمة يرفض الاصغاء.. يقول إنه لا يريد أن يعرف.. وهو رهيب حين يكون مزاجه هكذا.. تماما كما كان والده وبالاسلوب ذاته .
نظرت السيدة إلى إحدى الساعات المعلقة حولها
. أوه عزيزتي.. إنها الثالثة صباحا؟ لقد أبقينك دون نوم حتى الآن، وأنت تستمعين إلى... أعتذر فعلا !
ابتسمت ميلاني :
- لا تعتذري .. أرجو أن يكون كلامك قد أراحك قليلا.
حين وقفت بعد عناء قالت:
. لقد ساعدني كثيرا عزيزتي . وشكرا لإصغائك بكل عطف، وأسفة الإضجارك بمشاكلي
أكدت لها ميلاني، وهما تخرجان من الغرفة .
- لم يكن الأمر مضجرا .. تصبحين على خير
همست السيدة هافري وهي تتجه إلى غرفتها:
- نصبحين على خير ميلاني، وأشكرك على رحابة صدرك
بعد أن دخلت غرفتها، خلعت ميلاني الروب المنزلي، وجلست على السرير، تحيط وجهها بكفيها وإحدى ساقيها تعلو الأخرى قائلة في نفسها: يا لها من ورطة! لو كان لديها فكرة عن هذه الأمور لما فكرت أبدأ في التورط معهم، اعتقدت أن تمرد ستيلا مرده إلى حالة مراهقة طبيعية ، ومما يزيدها تعقيدا، عدم اكتراث أبيها بها لكنها الآن ترى الأمور بشكل مختلف تماما.. وإلى حد ما كان جوليانوس مصيبا في كلامه عن الدم الذي يجري في عروق ابنته .. وإذا فكرت بالأمر من ناحية أخرى، قد تتساءل عن فرص حياة سعيدة طبيعية لستيلا مع مثل هذه الخلفية العاطفية المتشوشة؟
لا يمكن للمرء أن يخلع نفسه من جذوره.. حتى ولو لم يكن يعي وجودها. كم تعرف ستيلا من كل هذا؟ كم خمنت؟ وما تأثير ما تعرفه عليها؟
اطفات النور، واستعدت لتنام، لأنها مرهقة جسديا، حين نامت أخيرا، نامت بعمق جعلها تستيقظ متأخرة، جسمها متوتر، غير قادرة على
التفكير، تشعر بحرارة في داخلها . إضافة إلى أن رأسها كان يؤلمها وتشعر باحباط .
كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة حين تركت غرفتها .. لتجد جوليانوس بمفرده، يأكل الكرواسون، ويشرب القهوة، ويقرأ الصحيفة، ، رفع نظره إليها وهز رأسه باقتضاب . فقالت وهي تجلس إلى كرسي قريب
- صباح الخير
تحققت من سخونة القهوة، وصبت لنفسها فنجانا، أين هما السيدة هافري وستيلا؟ الا زالتا في الفراش؟ لم تجرؤ على السؤال.. فلتبقيا نائمتين.. وأخذت قطعة كرواسون
بقي الصمت معلقا بكل ثقله في الغرفة.. مما جعلها تتوتر. ورغم أنها لم تكن تري جوليانوس، إلا أنها كانت تحس به مكتئبا وراء صحيفته . , انه رجل لا يبعث الارتياح في النفس
كان الكرواسون لا يزال ساخنا، هش ومليء بالزبدة. كان صباحا جميلا السماء زرقاء وأغصان الأشجار تتراقص مع هبوب نسيم الصيف العليل إنه يوم مثالي لركوب الخيل في الغابة، والشمس تتسلل عبر الأوراق الخضراء، لتوزع نورها في نقاط مختلفة من المكان
فجأة سمعت جوليانوس يقول: يجب أن نتكلم حين تنهين فطورك
قفزت مجفلة .. لقد آن الأوان إذن .. إنها على وشك أن تطرد.. انها أول مرة تمر بمثل هذه التجربة، ولم تكن تواقة إليها أبدا.. إنها تتمتع برحلتها في باريس.. تحب ستيلا وتحب السيدة هافري.. لكنها لا تحب جوليانوس بيلانوس.. فمعرفة خلفية عائلته المعقدة، قد يجعلها تفهمه أكثر، لكن تصرفه مع ابنته جعلها تنفر لأن ستيلا تستحق معاملة أفضل من التي يعاملها بها.
طوى صحيفته، ونظر إليها .. فمسحت ميلاني أصابعها بمنديل المائدة وهو يراقبها، مما جعلها تتوتر .
قال دون إضاعة المزيد من الوقت:
- لقد فكرت بالأمر مليا.. الآن وقد رأيت ما يمكن لستيلا أن تفعله، لنرجو ألا تكوني مهملة بعد الآن.
ردت ساخطة:
- لم اكن مهملة
- أفهم وجهة نظرك إنك غير قادرة على مراقبتها أربع وعشرين ساعة في اليوم.. لكن حاولي أن تتوقعي مثل هذه الأعمال منها، ، وجدي كل شيء عن... رينيه هذا، فقد رفضت أن تخبرني عنه حين سألتها،
تمتمت ساخرة:
- يا للعجب!
نظر اليها بحدة :
- وماذا يعني هذا؟
وماذا كنت تتوقع؟ بعد أن قفزت تمسك بخناقها لحظة دخلت من الباب
أنا واثق من أنك لن تتصرفي مثلي.. فهي ليست ابنتك.
- أنت فقط. لا تعرف كيف تتعامل معها.
نظر ساخرا إليها وابتسم ببرود:
- وأنت.. تعرفين؟
- لا يمكن أن أكون أسوأ منك.
تراجع إلى الوراء، ينظر إليها مفكرة فيما قال :
لك رأي رفيع جدأ بنفسك.. أليس كذلك؟
ابتسمت:
ليس بالضرورة .
- ورأي وضيع بي؟
كم يبدو مختلفا تماما حين يبتسم هكذا، وكأنه رجل آخر.. ليلة أمس التقت الرجل المحنك الساحر، القادر على الاصغاء والكلام معا
بشكل بارع، والقادر على العبث دون ابتذال.، لكن كان هناك جانب آخر منه، الجانب المتوحش، الذي برز فيما بعد.. فأيهما جوليانوس الحقيقي؟ وهل أحدهما قناع لإخفاء الآخر؟ قالت له :
. أظن أن أمامك الكثير لتتعلمه .
فأطلق ضحكة رنانة وفي عينيه بريق عابث
يا الهى ! حقا ؟
- فيما يتعلق بابنتك
تلاشت الابتسامة ولم يعد وجهة ساخرا
- ستيلاانثي .
- تجعل هذا أمرا مروعا، لا يجب أن نحكم على كل بنات جنسنا لمجرد أنه كان لك تجربة مؤلمة
وقف قائلا بحدة :
وما الذي تعرفينه عن تجربتي؟
اننى انثى .
نظر إليها بسخرية:
. سأحتاج إلى دليل على هذا
سار نحو الباب، وقال من فوق كتفه
.لا تفقدي ستيلا مرة أخرى.. ففي المرة القادمة لن أكون مستعدا للنسيان بسرعة .
*********************




التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 08-03-19 الساعة 03:31 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 02-03-19, 01:12 AM   #27

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

ه - ما وراء الجدار
كان التجهم جليا على وجه ستيلا حين رأتها ميلاني فيما بعد ذلك الصباح بعد أن انتهت من تناول فطورها.. مما لا شك فيه، أنها كانت مضطربة جدا بعد ذلك الشجار مع والدها .. وعلى الأرجح بقيت مستلقية صاحبة في حالة توتر.
قد تكون ستيلا صعبة المراس ومشاكسة، لكنها حساسة ويمكن أن تجرح بسهولة، خاصة من أبيها. ذلك لأن مشاعرها نحو جوليانوس مزيج من الحب والكراهية .. معظم المراهقين يمرون في مرحلة تمرد، وفي حالة ستيلا هذه المرحلة خطيرة
حين دخلت ستيلا الغرفة، أدهش ميلاني أن تراها قد اختارت واحدا من ملابسها الأكثر استفزازا .. وكانت ستيلا تفعل ذلك حين ترغب في تحدي الآخرين وإغاظتهم. لذلك ارتدت بلوزة برتقالية حريرية عارية الكتفين، تكشف نصف صدرها.. وبنطالا أخضرة فضفاضة، لكن ميلاتي لم تعط دليلا على ما أدركته من نوايا في نفس ستيلا لأنها تعرف أن عينا ستيلا المنحرفتان تراقبانها لترى دليلا واحدة على أنها نجحت في هدفها
السوء الحظ، لم تكن السيدة هافري مهيأة لخوض نقاش مع حفيدتها حول ثيابها . نظرت إلى تضارب ألوان ثياب ستيلا واتسعت عيناها رعبا
ثم قالت:
- صباح الخير عزيزتي
أشاحت بوجهها عن المنظر المؤذي بسرعة. فتقدمت ستيلا لتلامس
بشفتيها خد جدتها، قبل أن تلتفت إلى ميلاني متحدية إياها وتسألها بوقاحة :
. أتعجبك بلوزتي؟
- مذهلة.
نظرت ستيلا إليها بعينين لامعتين.. قأضافت ميلاني :
- بكل تأكيد لا تنوين أن تختبئي من الناس .
أتكرهين ملابسي؟
- وهل قلت هذا؟
اتظنينها رهيية؟
نظرت إليها مبتسمة:
. أنا؟ تبدين رائعة .. حسنا .. تابعي، لم تقولي يوما إن لك قدرة على قراءة الأفكاره
صاحت ستيلا غاضبة .
آه.. أيتها اللعينة.
بدا الذهول على السيدة هافري، وقالت:
- ستيلا عزيزتي! لم يكن هذا مهذبا.
صاحت ستيلا، وهي تخرج من الغرفة:
حسنا.. يا لكما أنت ومن يدعى أبي من مهرجين بارعين !
رفعت السيدة هافري يديها في الهواء وبدت عاجزة .
إنها جد منزعجة !
سأتحدث إليها.
لحقت ميلاني بستيلا إلى خارج الغرفة بابتسامة مطمئنة للسيدة هافري، ووجدت ستيلا في غرفتها بثيابها الداخلية فقط، أما البلوزة البرتقالية، والبنطال الأخضر، فوجدتهما مرميان على الأرض. وقد بدا واضحا أن ستيلا كانت تدوسهما لتوها.
استدارت ستيلا بحدة تسأل ويديها تتوسطان خصرها النحيل :

. ألا يمكن لك أن تطرقى الباب قبل أن تدخلي؟
- ألم أطرق الباب؟ آسفة .. ظننت نفسي فعلت .
ميلاني متاكدة من أنها طرقت الباب ، وكذلك ستيلا، لا بد أن هذا اليوم سيكون واحدا من تلك الأيام العصيبة . قالت ستيلا بحدة :
- أجئت تساعدينني في انتقاء شيء مناسب أكثر؟
ثم اختارت فستانا مصنوعا من قماش عسكري، أحست ميلاني أنه يناسب مزاج ستيلا الحالي لأن بريق عينيها بحذر بأنها معلنة الحرب على مختلف الجهات
جلست ميلاني على حافة السرير
- توقفي عن التصرف وكأنك اليتيمة المسكينة التي لا يفهمها أحد، واصغي إلي..
دست الفستان فوق رأسها، واختفت في طياته تقول :
- ولماذا أصغي إليك؟
حين انتهت من ارتداء الفستان أضافت :
سمعت كيف تحدث معي.. والكلمات القذرة التي قالها .. فما قولك بهذا؟
لم أفهم منها ولا حتى كلمة، لأنه كان يتحدث باليونانية. أتذكرين؟
إذن دعيني أترجمها لك. لقد نعتني ..
قاطعتها بحدة:
- لا تقولى شيئا !
- هو من استخدم الكلمات. , وليس أنا!
- ربما فعل، لكن هذا لا يعني أن تكرريها
- أوه.. من المفترض أن أتقبلها ولا أقول شيئا، أليس كذلك؟
. لا.. من المفترض أن تنتظري حتى يعود إلى أبيك صوابه ليصغي إليك فتخبريه الحقيقة بكل تفاصيلها.
وقفت ستيلا تنظر إليها بحدة:
- أنت لا تصدقين هذا!
قالت ميلاني مبتسمة:
اصنعي لي معروفا ..
تراخت ملامح التوتر على وجه الصغيرة وقالت:
ظننت ..
. حتى لو كنت مستعدة لتصديق هذا عنك، أنا لا أفعل بالطبع. ما علي سوى أن أنظر إلى رينيه لأعرف أنه ليس من النوع الذي قد يطلب منك مشاركته الفراش منذ أول لقاء لكما
ضحكت ستيلا:
- أوه .. لا.. لن يفعل
ابتسمت ميلاني لها:
- ربما في اللقاء الثاني؟
تظاهرت ستيلا بالتفكير:
أتظنين هذا؟ لا أستطيع الانتظار لأعرف. أتودين معرفة ما فعلناه حقا
- أذهبتما إلى حفلة راقصة؟
. تناولنا العشاء في مقهى في الحي اللاتيني، حيث يلعبون الشطرنج .. إنه ماهر في الشطرنج. بعد أن أكلنا بدأنا باللعب وهزمني ثم لعب مع شبان آخرين وجلست إلى جانبه أنفرج ،، وقد استمرت مباراة واحدة ساعة ونصف.
- إنه محترف.. ألم تضجري؟
ترددت ثم ضحكت:
- شعرت قليلا بالملل، لكن رينيه أحب ذلك.. و..
- أعجبك رينيه؟
ابتسمت ستيلا بحرارة
. أو لم يعجبك؟.
. بدا لي لطيفا وذكيا.. لكنني لم أتصور أن يكون محترفا في الشطرنج ابتسمت ستيلا مجددا، ثم نظرت إلى ميلاني باعتذار
. آسفة لتسللي هكذا.. أعني، أرجو أن لا يكون هذا قد تسبب لك بمتاعب مع أبي؟ كان غاضبة جدا، وأظنه ثار في وجهك حين لم يجدني في المنزل.. لقد ارتعبت جدا حين شاهدته هنا.
. أنا واثقة من هذا .
كنت أعلم أنك لن تسمحي لي بالخروج مع رينيه
- لكنك مخطئة .
صحيح؟ ألن تمانعي بذلك؟
بدا الذهول على ستيلا، غير مصدقة .. وقالت ميلاني:
كان يمكن أن نرتب الأمر.. لو حاولت إقناعي بالطريقة المناسبة .
سألت ستيلا بارتياب:
- وأية طريقة هي تلك؟ لم تبد عليك ملامح القبول حين التقينا .
هذا لاننى مسؤولة عنك ,وقطعت وعدا بالاتقابلى اى كان , او ان
تفعلي شيئا لا يحبه والدك
اذن ؟
. إذن .. الطريقة الصحيحة هي كانت أن تخبري جدتك كل شيء عن رينيه، وأن تطلبي منها الإذن أن يأتي لتناول الشاي أو القهوة معنا كي نتعرف إليه.. لتتمكن حينئذ من أن تكتشف بنفسها ما إذا كان مناسبا أم لا، وهذا ما أنا واثقة منه، ولتمكنت أنت من معالجة الأمر من هذه النقطة .
. ماذا لو لم يعجبها؟ أنا أراهن أنه لن يعجبها
- إذا فكرت هكذا يكون عندئذ ليس لك ثقة بحكم جدتك أو جاذبية رينيه .
ضحكت ستيلا:
- أتعلمين.. أنت ذكية جدا، لك طريقة في وضع الأمور بحيث تتمكنين من تجنب أي جدال قد أفكر به، أنت ماكرة..
أدركت أن كلام ستيلا هو من باب الإطراء. وأكملت ستيلا
- في أي وقت أكون قد استعديت لضربك، تجعلينني أضحك. هذا ليس عدلا
- إنه عالم غير منصف.
وتنهدت، فضحكت ستبلا ثانية :
ها قد عدت لهذا مجددا!
نظرت ستيلا إلى ميلاني مفكرة
. أتظنين أنني قادرة على البدء مجددا؟ أعني مع رينيه؟ لو قمت بدعوته لزيارتنا، أنظنين أنهما سيطردانه؟
فكرت ميلاني قليلا
. قد يشعر والدك برغبة بهذا.. لكن، قد تمكن من إقناعه .
كيف؟
سادعوه آنا .
- اوه .. حقا؟ متى؟ اليوم؟ لدي رقم هاتفه .. لا.. رقم هاتف عمه.
توجهت مسرعة إلى طاولة زينتها، بحثت عن رقم الهاتف وكتبته على ورقة ثم قالت: تفضلي
أخذتها ميلاني .
دعي الأمر لي.. ما اسم عائلته؟
-تريكارد .. تهجئتها هكذا..
كررت تهجئتها ببطء فهزت ستيلا راسها .
- هذا صحيح
- أنت صديقة مخلصة
شكرا لك .
وأنا آسفة، لم أفكر كثيرا بالأمر من وجهة نظرك .. أعني حين
خرجت خلسة.
- أعرف.
أنا معتادة على أن أكون على عداء مع عائلتي
ورغم كونه تصريحا مشوشا، إلا أن ميلاني فهمته وقالت:
- تذكري في المستقبل أنني لست من معسكر الأعداء
ابتسمت ستيلا
- أنت في معسكري إذن.. عظيم !
أرادت ميلاني أن نصحح لها ما قالته، وتقنعها بأنها لا نرى ضرورة لوجود معسكرات .. لكن ستيلا كانت سعيدة مرحة، فقررت ميلاني ترك الموضوع كما هو حاليا.. فإذا تمكنت من تلطيف الأجواء بين ستيلاوأبيها، ستتمكن حينئذ من أن تفهم ستيلا بأنه لا يجب أن تكون الحياة معركة .. بالضرورة
عادت ميلاني إلى غرفة الجلوس، لتجد السيدة هافري لوحدها، تنظر ببؤس إلى سماء باريس الزرقاء عبر نافذة الغرفة.. فتوجهت نحوها،
ونظرت السيدة اليها وسالت :
- كيف حالها؟
ابتسمت :
بخير .. سيدة هافري .. أريد أن أخاطر بشيء
أوه..؟
- أريد دعوة رينيه وعمه إلى هنا لشرب القهوة هذا المساء
صاحت السيدة بذهول :
اوه !
- أظن أن الأجواء ستكون أوضح كثيرا لو قابلتموهما أنت وابنك.
- يا عزيزتي ا تودين القيام بذلك حفا؟
على الأقل، سيفهم السيد بيلانوس أن رينيه مراهق لطيف، وليس
وحشا .
لم تبد السيدة راضية لهذه الفكرة، وقالت :
أعتقد أنه من الأفضل أن نترك الأمور كما هي
. لأجل علاقة أفضل بين ستيلا ووالدها، أظن أن علينا دعوته إلى هنا ليلتقيا.
. حسنا.. لكن..
تحركت ميلاني نحو الباب قائلة :
- سأتصل به الان
اوه .. ميلانى ..
لكنها لم تنتظر سماع المزيد .. فأغلقت الباب بهدوء وأكملت طريقها لتتحدث إلى رينيه الذي كان مهذبا ودودا، وقبل الدعوة بابتهاج قائلا :
لكنني لا أعرف ما إذا كان عمي مرتبط بأي مواعيد هذا المساء .. إنه يعمل بجهد في الفندق
. تذكر .. هذا ما تقوله أنت.
ضحك رينيه، وقال بصوت ناعم ممازح :
- إنه يعيش لعمله .. لكني سأعلمه بالأمر .. قال لي إنك فاتنة، وأنا واثق من أنه سيرافقني إذا استطاع
وضعت ميلاني السماعة مبتسمة.. ولم يشاهد أحد منهم جوليانوس خلال النهار .. قالت السيدة هافري إنه مشغول في ترتيب صفقة ما، وهذا ما أني به إلى باريس، لكنه قال لها إنه سيحاول العودة هذا المساء .. وتنهدت السيدة هافري:
. وقد لا يعني هذا شيئا.. فجوليانوس يأتي ويذهب دون أن يزعج نفسه بالإيضاح
سرت ستيلا لذلك، لكن نظراتها المتواصلة لساعتها كانت تقول لميلاني إنها متوترة
كان يمكن لميلاني أن تقول لها: لا تكوني متوترة، لا تقلقي
سيجري كل شيء على ما بر ام! لكنها تعرف أن ستيلا لن تصغي إليها ولن تصدقها. ففي سن السادسة عشر، كل ثانية من كل دقيقة من الساعة، هي صراع مع الممكن والمستحيل. دون شك، بعد بضعة أعوام، لن تتذكر اسم رينيه، أو شكله، لكنه اليوم أهم شخص في العالم. وزيارته لتناول القهوة أو الشاي ، مع العائلة هذا المساء هو الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة لستيلا .
تساءلت ميلاني إذا ما كان هناك طريقة أخرى للعيش؟ ربما خلال فترة المراهقة فقط يمكن تفهم سر الحياة .. لأنه بالنسبة لستيلا، كل لحظة في الحياة فيها ما يكفي من البهجة لعيش عمر بأكمله.. الأمر الذي جعل ميلاني نحسدها على هذا الإحساس العميق رغم بعد ستيلا عن الانخراط في الحياة بهذا الشكل، بسبب طبعها الحاد.. إنها تعاني الكثير من التقلبات العاطفية
لكن ميلاني سخرت حياتها للعمل.. فقد كانت بالكاد ترفع رأسها لتنظر خارج المستشفى. لأنها كانت تعيش معظم أوقاتها خلف قناع بارد متكتم، أضفي عليها صبغة السلطة المتجهمة التي تتطلبها وظيفتها وأصبح وجهها وتصرفاتها، وأسلوب حياتها تدريجيا جدار رقيق لا يمكن اختراقه.. «زي، يخفي ملاني الحقيقية! وحين يمضي المرء سنوات عدة في عزلة يصبح من الصعب اختراق ذلك الجدار.
تمكنت ميلاني أن تفعل هذا لأجل ستيلا فقط، ولو جزئيا، وفي هذا الوقت بالتحديد، لأن ستيلا تحتاج إلى المساعدة لكن، حتي في ذلكالوقت، لم تظهر ميلاني أي جزء من حقيقة نفسها . ولا زالت ستيلا لا تعرف شيئا عن ميلانى الحقيقية
خلال سن المراهقة، يكون هناك ميل قوي لرؤية الأشياء بالأبيض والأسود، بعين ناقدة إذ أن ستيلا تكره أباها بمرارة ... تتحمل جدتها.. وترى ميلاني كصديقة ، حليفة لها.
وهذا بالضبط ما أرادته ميلاني. إنها خطوة على طريق إيصال ستيلا
لأن تدرك أن العالم كله ليس مؤامرة خبيثة ضدها، وان حياتها، بطريقة أو بأخرى بين يديها. ويجب أن تنال المساعدة لتسير في طريق مختلفة قبل
فوات الأوان
وصل رينيه وجان بول، في الوقت المحدد، ولم يكن هناك أي أثر لجوليانوس .. لكن السيدة هافري، كانت متشوقة للقائهما، تحت ستار ابتسامتها المهذبة .. وكانت مستعدة لتحيتهم.. بينما كانت ستيلا تحوم حولهم وعلى وجهها تعبير مرتجل
تحدثت السيدة هافري مع جان بول وهي تبتسم .. لكن عيناها كانتا دائما تتجهان إلى رينيه .. وبالتدريج استراحت، وأصبحت ابتسامتها حقيقية. كان رينيه يرتدي بذلة خفيفة زرقاء اللون، وقميص أبيض وربطة عنق .. بدا أنيقا وأصغر مما يبدو بالجينز .. كانت كياسته بالكاد تخفي حذره القلق للقاء عائلة ستيلا.. تأملته السيدة هافري واستطاعت أن ترى أنه صاف لا ضرر منه كوب الحليب.
كان يبدو على وجه جان بول ملامح التسلية وهو يجلس قرب ميلاني، قائلا لها مبتسما :
أتظنين أن رينيه سينجح في الامتحان؟
ردت له الابتسامية قائلة:
- أظن أن السيدة هافري تود فقط التعرف إليه.
أفهم الآن سبب ترددك حين التقينا في فرساي عائلتها ثرية جدا
لم تحاول ميلاني الرد على هذا. كان سؤالا أكثر منه مجرد كلام.. وقد خمن جان بول ذلك من فخامة الشقة والألماس الذي ترتديه السيدة هافري .. وأكمل يقول ببرود
- يجب أن يكون المرء حذرا.. مع فتاة مثلها.. يجب أن يكون حذرا جدا .
- عائلتها حذرة جدا
هز راسه
قال لي رينيه إن والدها يوناني .
- أجل
رفع حاجبه متسائلا:
. لكنه لم يستطع تذكر الاسم
- بيلانوس
تغير وجه جان بول، وعض على شفته بصمت.. ثم قال :
. إذن هذا يفسر كل شيء .. لا ينتمي رينيه إلى الطبقة الاجتماعية ذاتها.. أليس كذلك؟
نظرت ميلاني إلى رينيه، الذي كان يتحدث إلى ستيلا وجدتها، وكانوا يضحكون ووجوههم مرحة لم ترد ميلاني على ملاحظة جان بول، لكن عيونهما التقت، وتبادلا نظرات التفاهم.. سأل بقلق:
. وأنت؟ هل أنت أيضا فرد من هذه العائلة الثرية؟
ابتسمت ميلاني قائلة:
- أنا ممرضة، لا عائلة لي أبدأ
- لا عائلة؟
ولا مال
تمتم ، بحشرية واضحة .
هكذا إذن.. أنت مجرد صديقة للعائلة؟
- أنا أعمل لديهم.. أنا هنا مرافقة لستيلا.
تنهد بعمق:
آه .. لقد بات كل شيء واضحا الآن.
أجل.
راقبت وجهه، متسائلة عما يدور في ذهنه، ثم قال بارتياح:
. إنن، هل تتناولين العشاء معي في إحدى الأمسيات.. أريد التعرف إليك أكثر .. أتعلمين، لقد فكرت حين حاولت تجاهلنا في فرساي أنك لم تعجبي بي .. وأسفت لهذا لأنني اعتبرتك فاتنة وجميلة .. ولقد ارتحت
حين أيقنت أن لا شيء شخصي في محاولتك صرفنا ۔
. كنت أقوم بواجبي فقط.
- إذن هل تتناولين العشاء معي؟
ابتسمت
. أجل، لا مانع لدي ...
مساء الغد ؟
فكرت قليلا.. فهي لم تكن قد حصلت على فرصة منذ وصولها إلى باريس، ومن المتفق عليه أن يكون لها أمسيتان راحة في الأسبوع
. أجل. شكرا لك .
أيمكن أن أصطحبك من هنا ؟ في السابعة والنصف؟
سيكون هذا رائعا
نظر إلى ساعته متنهدا .
أخشى أن أكون مضطرا للذهاب. لدي موعد آخر . سأراك في الغد.
تقدم يودع السيدة هافري وهو يبتسم لها ويبادلها كلمات مهذبة ... وسألته:
ايجب أن تذهب؟
أخشى هذا، سرني اللقاء بك. أرجو أن تسمحي لي أن أدعوك إلى عشاء في أمسية ما.
ابتسم بطريقة جعلت السيدة مافري ترد له ابتسامته بسعادة.. ثم سال:
ألم يحن الوقت للذهاب رينيه؟
وقف رينيه بتردد.. فقالت ستيلا بسرعة :
أوه .. وهل أنت ذاهب أيضا؟
لم يعرف رينيه ما يقول، فنظر إلى السيدة هافري، التي نظرت إليه ، ثم قالت باستدراك
- ابق هنا رينيه، وتناول العشاء معنا
ابتسمت ستيلا، ودست بدها في ذراعه :
- أجل،، تناول العشاء معنا
كان جان بول يراقب السيدة هافري .. وقال : ربما..
لكنها ابتسمت له وقاطعته :
- نرحب ببقائه معنا
هز جان بول رأسه بوقار قبل أن يخرج .. وفهمت ميلاني سبب تردد جان بول بترك رينيه معهم.. فهو يرى بوضوح أن لا مستقبل لهذه الصداقة، وكان يفضل إيقافها قبل أن يتألم رينيه.. لكنها لم توافقه الرأي .. فرينيه وستيلا، صغيران جدأ وليس من المحتمل أن تؤلم صداقتهما أيا منهما
جرت ستيلا رينيه ليستمعا معا إلى آخر الصرعات الموسيقية في غرفتها، بينما نظرت السيدة هافري إليهما بذهبان، بارتياب.. وقالت لميلاني
. أرجو أن يكون ما نفعله هو الصواب.. سأذهب لأتمدد قليلا قبل العشاء ، عزيزتي.. أشعر بالإرهاق بعد كل هذا.
ضحكت ميلاني
- أنا واثقة أنك مرهقة. فالأمر مرهق للأعصاب.. أعجبك رينيه أليس كذلك؟
تنهدت
- إنه شاب وسيم.. لكنني أرجو أن يكون هذا رأي چوليانوس أيضا
استلقت ميلاني على الأريكة، وأغمضت عينيها .. إنها تفهم تعب السيدة هافري النفسي، لأنها تشعر بالتعب ذاته. فلقد قامت بمخاطرة كبيرة بقبولها مجيء رينيه وجان بول إلى هنا.. لكن المخاطرة، أثمرت كما يبدو
متعبة؟
جعلها الصوت تنتصب، وقلبها يخفق بنغم مجنون. تقدم جوليانوس
إليها، ويداه في جيبي بنطاله، وهو يبتسم ، بدا لها مثيرا جدا، تملكتها الدهشة من نفسها لتفكيرها هذا, لكنها تمكنت من أن تقول بصوت أجش
- مرحبا
كانت تعرف أن وجنتيها توردتا وأن عينيها الزرقاوين اتسعتا ارتباكا .. سألها بصوت منخفض:
. هل أنت هنا بمفردك؟
حاولت أن تستعيد رباطة جأشها لتسيطر على سرعة نبضات قلبها :
اجل
سالها ساخرا :
. أرجو أن لاتكوني قد فقدت ستيلا ثانية .
أوه .. أنا أعرف تماما أين هي
تقدم إلى الطاولة حيث إبريق القهوة الكهربائي، وصب لنفسه قليلا من القهوة.
وأين هي؟ أتشاركيني؟
لا.. شكرا.. أفضل كوب عصير .
عاد بعد لحظات وهو يحمل كوب عصير لها، وفنجان قهوة له. وجلس، ينظر إليها من فوق حافة الفنجان وهو يحتسي القهوة.
- تبدين فاتنة جدا
أخذت عيناه السوداوان تجريان فوق شعرها الأشقر الناعم، ثم أخذنا تهبطان ببطء إلى وجهها وجسدها مما جعلها تقشعر .. كانت ترتدي فستانا أسودا بسيطا .. جعلها تبدو نحيلة، هادئة ، وتتبع جوليانوس تقاسيم جسمها دون أن يخفي إعجابه
حين عادت عيناه إلى وجهها التقتهما برود . . فضحك:
- أنت سيدة هادئة جدا , لا؟
سألته ببرود:
صحيح ؟
أوه .. كثيرا.. أتعلمين، لم ألتق يوما بامرأة تسيطر لهذه الدرجة على نفسها.
هل هذا نفد أم تقدير؟
لا هذا ولا ذاك .. مجرد قول
بدا أنه نسي موضوع مكان وجود ستيلا، ولم ترغب ميلاني في إثارته مجددا، كانت ترغب في أن تتسلل بعيدا عن القرب الحذر من جوليانوس پيلانوس، لكنها بقيت جالسة تمسك بكوب العصير ، تفتش في ذهنها عن موضوع مستساغ تطرقه معه.. فهي تخشى لو تركته، أن يتجول، ويعرف أن رينيه مع ستيلا في غرفتها.
أدركت ميلاني أنه قد آن الأوان لأن تخبره بوجود صديق ستيلا. لكنها ولسبب ما لم نستطع مواجهة الأمر، ربما لأنها لا تريد أن ترى هذا الرجل الساحر، المهذب بختفي فتواجه ذلك البربري المتوحش الذي يحل محله في لمحة بصر .
- ماذا فعلت أنت وستيلا اليوم؟
ليس الكثير .. تجولنا وتسوقنا قليلا.
وضع جوليانوس فنجان القهوة من يده وقال :
لماذا لا نتناول العشاء في مكان ما الليلة؟
أحست ميلاني بأعصابها متشنجة، فقد فاجاتها الدعوة وفقدت القدرة على النطق ، . فوقف ينظر إليها بسخرية:
- خائفة؟
ضحكت .
بالطبع لا .
أثبتي هذا
مد يده لها، ليساعدها على الوقوف فأمسكت بيده وفيما هي تنظر إليه، ابتسمت عيناه لها بسخرية .
- أنا واثق من أننا سنجد الكثير لنقوله.
حذرتها غريزتها من أنها تلعب بالنار إذا ما قبلت الدعوة. فالنظر في تلك العينين السوداوين ساحر ومثير معا، إن خرجت معه ستواجه مشكلة في التعامل مع كلامه الرقيق لأنها أدركت ليلة أمس أنها تستهويه.. ومع أنه لم يلمسها، كانت عيناه مثيرتان، وصوته مداعب.. ولو خرجت للعشاء معه الليلة، سيعتقد أنها تشجعه، فيتمادي
بينما كانت تراجع الموقف بسرعة وتردد . بادر جوليانوس قائلا: . سأخبرهم أننا لن نكون هنا للعشاء، أحضري معطفك.
لكن ..
لم يتوقف لسماع ما تريد قوله... فتردد، لحقت به وأخذت معطفها . جاهزة؟ لا داعي لهذا التجهم فأنا لست بهذه الوحشية .
هذا يطمئنني
ضحك وهو يمسك يدها، مصطحبا إياها خارج الشقة .
- فيك صفات كثيرة تروق لي غير التي تراها عيناي ..
شكرا لك سيد بيلانوس.
- قلت لك جول.
حدقت به ثم قالت بعد صمت قصير: جول.
رماها بابتسامة دافئة جعلتها أكثر اضطرابا، لأنها لا تود الإعجاب بجول إلى درجة كبيرة ولا أن تلاحظ البريق المثير في العينين السوداوين، ولا جاذبية جسده الطويل الرشيق، إنه خطير جدا.. ولا يمكن أن يكون هناك مستقبل لكل هذا، ولا تريد أن تجد نفسها مع قلب محطم تحاول شفاؤه خلال أسابيع من السهل جدا أن تترك نفسها تقع في حب رجل جميل الطلعة وساحر مثله .. فالوقوع في الحب أمر رائع.. كله سعادة . لكن إذا ما اختفت هذه السعادة، يشعر المرء بأنه سقط في بئر فلا يسمع سوى الصدى ولا يبقى له سوى الآثار.. وآثار الحب فظيعة مزعجة، وهي
لا تريد تلك الآثار..
تمتم جوليانوس بينما كانت ميلاني تركب في الليموزين السوداء وهو ينظر إليها بمرح فيما هي تتأمل فخامة السيارة:
- أتحبين المغامرة؟!
أنا.. أحب المغامرة! لا.. سيد بيلانوس .
************************




التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 08-03-19 الساعة 03:31 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 04-03-19, 01:19 AM   #28

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6- هل تقول لا؟
كان المطعم الذي تعشيا فيه، في الطابق الأرضي لواحد من أكثر فنادق باريس شهرة.. بطل على ساحة الكونكورد، التي كانت، حتى تلك الساعة، تعج بالناس والسيارات، خالج ميلان إحساس بأن وجودها في هذا المكان مع جوليانوس يتناولان العشاء بمفردهما هو حلم لا يصدق.. ولكم أذهلها ذلك فاستدارت لتنظر الى الرجل الجالس الى الجانب الأخر من الطاولة والذي رفع حاجبه متسائلا..
. أهناك شيء يسليك؟
- الحياة نفسها ...
أتجدين الحياة مسلية؟
- أحيانا.. ألا تجدها هكذا؟
رد بصوت جاف:
- ليس بشكل خاص.
لعلك لا تمنحها فرصة لذلك
تساءلت ما هي حقيقة هوية الرجل الذي يخفيها خلف هذا الوجه الوسيم القوي، أهو هذا الساحر المحنك المبتسم لها الآن، أم هو المتسلط القاسي مع أفراد عائلته ، أم هو يدير امبراطورية تجارية ضخمة .. ؟
أبعد جول نظره عن عينيها المبتسمتين إلى فمها الدافيء، وتمتم : - ساعطيك يوما فرصة لتسليتي .
وأحست بحرارة شديدة تتصاعد إلى وجهها . راقبها، والسخرية في ابتسامته، وكانه لا يكفيه تورد وجنتيها .
- هل هناك رجل في حياتك؟
ردت ببرود:
- المئات !
شهق وكرر غير مصدق :
- المئات؟
- أعمل في مستشفى تعج بالناس .
ضحك بنعومة:
- تعرفين ما أعني .
التوى فمها .
أعرف ما تعني .
لكن تفضلين أن لا تجيبي على هذا السؤال.
ارتشفت قليلا من العصير
- لماذا تريد أن تعرف؟
رجع في كرسيه إلى الوراء
هل أنا مضطر لتوضيح ما أعني؟
أجل.. أرجوك، فلي تفكير بسيط، ومباشر
قال ببطء :
- أنت .. كاذبة.
ضحكت:
هذا قول غير لائق!
- تفكيرك بعيد جدا عن البساطة وليس مباشرا بكل تأكيد. في الواقع، قد أقول أكثر.. قد أقول أن لك تفكيرة ملتويا .
عبست.
فسارع إلى القول:
تحدثت طويلا مع أمي .. ومما قالته لي، إنك تتعاملين مع ستيلا ببراعة ومراوغة.
- إنها براعة .. هذا كل شيء
هز كتفيه
- إذا كنت تفضلين تسميتها هكذا، إن والدتي تتغنى بالثناء عليك، وما كنت ألاحظ هذا لولا أني رأيت بنفسي كيف توليت أمر الحديث ببراعة
لم يعجبها وصفه لها، والتقى حاجباها مقطبة ، لكنه قال:
. أنا أقصد المديح من هذا. ظننت أنك لن تتمكني من التعامل مع ستيلا.. وأنا اسحب كلامي.. إذا تمكنت من التعامل معي، يمكنك التعامل معها.
تمتمت بهمس :
لم اكن اخطط لأن أتعامل مع أي منكما .
أتمنى أن تفكري بهذا.. بالنسبة لي
تقدم النادل لأخذ الأطباق الفارغة، بينما كانت تحاول استيعاب ما قاله، دون جدوى فقد كان كل شيء يسير بخفة، في صباح الغد قد تتمنى لو أنها بقيت في الشقة حيث تكون آمنة.
لم تكن قد التقت برجل مثله، ومع أنها كانت قادرة على أن لا تفقد هدوئها، كان لديها ارتياب مريع بأنه يخطط لأن تفقد هذا الهدوء فيما بعد.. كان هناك صوت يحذرها على الدوام من أن هناك خطر حقيقي بأن ينفذ جول ما ينوي
ما إن نظرت إليه حتى وجدته يراقبها.. يا إلهي إنه وسيم جدا.. توقفي عن النظر إليه.. فقد تعتادين على هذا، وهو أمر خطر .
تأخرا في تناول القهوة .. يتحدثان حول فرنسا وباريس والأماكن التي شاهدتها مع ستيلا في الأسبوع الماضي.. فهو يعرف المدينة عن كثب ويتحدث عنها بإعجاب ومعرفة، فيما ميلاني مصغية إليه ومحدقة به . .
كان يبدو مدمرا، كان يخفف من حدة خطوط فمه القاسية ابتسامة خفيفة ، وبشرة وجهه السمراء ناعمة وعيناه السوداوان ساخرتان مغريتان
في طريق العودة إلى الشقة، كانت متوترة، مع أنها كانت تخبيء هذا وراء ابتسامة هادئة، وحديث عادي خفيف.. وعندما وصلا وجدا المكان مظلمة هادئا. فقال دون أن يكون لما قاله ضرورة
- الجميع نائم .
بعد دخوله غرفة الجلوس الأنيقة قال:
سأتناول كوبة من العصير .. ماذا يمكنني أن أقدم لك؟
ترددت قليلا، ثم قالت:
- علي أن أخلد إلى النوم
نظر إليها شزرا، ثم ابتسم ممازحا
- تعالي واجلسي لترتاحي. لم يتاخر الوقت كثيرا بعد.
- ربما يجب أن أتحقق ما إذا كانت ستيلا في غرفتها .. لا نريدها أن تكرر ما فعلت ليلة أمس.. صحيح؟
رد بنفاذ صبر:
- انسي أمر مستيلا.. فقد نسيته أنا نفسي، اجلسي ولا تكوني متعبة
هزت كتفيها وجلست، تملس فستانها الأسود الذي يحتضن جسدها بشدة، بينما كان يتأملها مبتسما:
- أنت نحيلة جدا.
آسفة لهذا.. أعرف أن من تخرج معهن من السيدات يكن عادة مغريات أكثر مني
ارتفع حاجباه
يبدو في نبرة صوتك الاستياء
ضحكت من نفسها
أليس كذلك؟ كم أحب لو يكون لي جسد مثل جسد مارلين مونرو .
- أنت مثيرة وإن كنت نحيلة ..
ارتشفت قليلا من شرابها. ورغم إدراكها أنه لا يجدر بها الحديث عن مثل هذه الأمور، إلا أنها شعرت بعدم الاكتراث.
كان جوليانوس قد أضاء المصباح إلى جانب الأريكة لتوه .. فأصبحت الغرفة تشع نورا من حولها كمثل النور الذي يشع في داخلها، أسند رأسه إلى الوراء بالقرب منها، وأخذ يتحدث حول فيلم سينمائي شاهده في الأسبوع الماضي..
حين أنهى شرابه و ووضع الكوب من يده أحست بمزيد من القلق، ثم مال نحوها بأخذ منها گوبها، ويضعه قرب كوبه .. كانت حركته عقوية، لكن مدروسية، كانت تعلم أنه سرعان ما سيعانقها وهو يعرف أنها تعرف وكانت عيناه تحملان ابتسامة ساخرة وهو يتحرك نحوها.. ثم تمتم وأصابعه الطويلة تحيط بوجهها:
- الأن. دعينا نرى كم أنت باردة حقا.
كان ذلك سؤال يزعجها معظم الأمسية. لم يكن أحد من الرجال الذين عرفتهم في الماضي قادر على إغوائها . رغم أن بعضهم كان لطيفا جدا، والبعض الآخر وسيم.. لكن ما من واحد منهم أثارها .. غير أنها كانت تحس بارتياب بأن جوليانوس سيفعل
كانت تعرف أيضا أن عليها أن توقفه قبل أن يتمادى في هذا، فقالت في نفسها إنها لا بد وأن تكون مجنونة، فهي تخطو إلى مخاطرة مجنونة .
قالت لنفسها إن عليها أن تتذكر، أنه ثري جدا، له تجارب سابقة ، محنك، شخص ينتمي إلى عالم غريب عنها تماما، ومهما حدث بينهما الليلة، فهذا لن يعني له شيئا سوى التسلية بينما بالنسبة لها قد يعني الكارثة
لطالما تفاخرت ميلاني بنفسها لرصانتها ورجاحة عقلها .. لكن يبدو أنها فقدت ذلك، ورغم أنها لطالما كانت كذلك إلا أنها الليلة لا تملك شيئا من هذا
نظرت إلى ذلك الوجه الساخر القاسي، الوسيم، وعرفت أن عليها
معرفة حقيقة شعورها وهي بين ذراعيه.
حبست أنفاسها، شاهدت وجهه بضبابية، للحظة من الزمن قبل أن تغمض
جفنيها.. ببطء وإثارة، شدها نحوه، مما دفعها إلى أن تندفع نحوه أكثر، أحست بالضحك يتفجر داخله، ثم أصبحت ذراعاه الرقيقتان قاسيتان ملحتان ولم يعد فيهما شيء من المزاح أو اللعب وهو يشدها بالكامل بين ذراعيه .
لقد تساءلت عما يمكن الإحساس به بين ذراعيه. وها قد عرفت .. إنه إحساس مذهل، مشتت، حتى أنها تاهت، يداها تتحركان دون توقف تستكشفان شعره، كتفيه.
ولم تدر كيف أصبحت مستلقية إلى جانبه فوق الأريكة، فقد استولي الوهن على عقلها وجسمها.. وسجنتها السعادة لتجعلها عاجزة بين يديه ،ولا تحاول الخلاص .
في أعماق عقلها الواعي، اعترفت لنفسها أنها لن توقفه، أو أنها لا تريد أن توقفه
ما إن واجهت هذه الحقيقة حتى بدأت تحس ببدء انحسار مشاعرها المحمومة.. كيف وصلت إلى هذه النقطة ؟
عاد ذلك الصوت في رأسها يقول لها بإصرار عنيد، إن عليها وخلال دقيقة واحدة أن تحسم أمرها لأن جول لن يكون سعيدا لو قالت له "لا" الآن. إذ أن كل ما فعلته ، كل ردة فعل حصل عليها منها خلال الربع ساعة الماضية كانت تصيح بصوت مرتفع واضح
"نعم ".. ما كان يجب أن تتركه يقترب منها أصلا، فأوصلها ذلك الاندفاع المتهور إلى هذه اللحظة .. وهي تدرك ذلك فهي ليست طفلة
رفع جوليانوس رأسه فجأة، متصلبا :
- ما الأمر؟
فتحت عينيها تنظر إليه بقلق:
ما الأمر؟
قال بنفاذ صبر:
- لقد تحولت إلى ميتة بين يدي، وكأنني أعانق تمثالا منذ دقيقة كاملة
أنزلت ميلاني بديها عنه، وتمتمت بعينين منخفضتين
- أنا آسفة.
سأل بصوت قاس أجش :
آسفة؟ ما الذي تعنينه .. آسفة؟ ما الذي جرى؟
قالت بصوت ضعيف رفيع:
لا استطيع .
- لاتستطيعين؟
ساد صمت رهيب، ورفع ذقنها بيده ينظر إلى عينيها المتوترتين : أتحاولين قول "لا" ؟
أنا لا أحاول، بل اقول "لا" بالفعل، سيد بيلانوس!
المتها أصابعه وهو يشد عليها، ثم تمتم ساخر :
- ليس في هذه المرحلة المتأخرة من اللعبة.. منذ دقيقة كنت معي بالكامل .. ماذا جرى؟
بعد أن جلست جاهدة، قالت: .
لا بد أنني جننت.
رد بحدة :
ولا بد أنك مجنونة الآن لتظني نفسك قادرة على رفضي هكذا. أنا لا أحب المداعبات المزعجة الباردة. أي نوع من الرجال تظنيني؟
أدار رأسها المشاح عنه، لكنها قاومته، بغضب شديد الان، تؤلمها أصابعه وهو يشدها إليه، فسارعت ميلاني إلى الوقوف على قدميها وهربت، تقطع الشقة المظلمة وجوليانوس يركض خلفها ، بصمت مطبق.
أمسك بها بوصولها إلى باب غرفتها، ثم أمسك بكتفيها ليديرها إليه لكنها دفعته بقوة حتى أنه تراجع إلى الخلف، فدخلت مسرعة إلى غرفتها،
وأقفلت الباب بالمفتاح، تسند وجهها إلى الخشب البارد، في وقت أخذ الخوف يتملكها. حاول فتح الباب لكن دون جدوى. وسمعت أنفاسه من الجهة الأخرى .. كان يتمتم بكلمات يونانية لم تفهم منها شيئا، لكنها أدركت المعني لأنه كان يجعل مما يعني واضح جدأ
سمعته يبتعد.. ببطء استدارت نحو السرير وجسدها برتجف، والضعف يتملك ركبتيها
حين استلقت على ظهرها، مرتجفة، اعترفت لنفسها أن جوليانوس ليس لوحده من يعاني الإحباط.
رفعت الغطاء فوق رأسها، راجية أن يتوقف عقلها عن التفكير، لكن ذلك لم يحصل بالطبع، لقد تمكن جوليانوس أن يقودها إلى حافة الاستسلام بسهولة، لأنه يعرف بالضبط ما يفعله. وذلك بفضل خبراته السابقة مع نساء أخريات.. غير أنها في النهاية وبعد التفكير في الأمر، أثار ذلك اشمئزازها.. فقد كان يعرض عليها متعة بمثابة عملية الية مجرد روتين، وهذا ما لن تستطيع أن تتحمله
نامت لوقت قصير، لتستيقظ مع الفجر، وتتسلل من فراشها .. وتقف أمام النافذة تنظر إلى باريس، بينما كان قرص الشمس الأحمر يتصاعد من الأفق، ويرسل انعكاسات من الأبنية حول "غابة بولونيا".. كما أن زحام السير كان قد بدأ بالتدفق إلى باريس من مختلف الاتجاهات ..
استحمت باسترخاء، وارتدت ملابسها لتخرج وتتناول فطورا مبكرا، فأعصابها متوترة، وكانت تخشى من مواجهة جوليانوس الأن، فهي لا تستطيع أن تتصور الطريقة التي سيعاملها بها بعد ما حدث ليلة امس .. بدا الإحراج جلية على وجهها بينما هي تسير في الشقة، وتمنت أن لا يبدو هذا على وجهها.. لكنها لم تجد له أثرا على مائدة الفطور، كانت أول المستيقظين، وبعد ذلك شربت قهوتها وعينها على الصباح الوهاج .. بعد خمس دقائق، ظهرت ستيلا، وجهها مشرقي كإشراق ذلك الصباح .
. صباح الخير .. هل نمت جيدا؟ نمت دون حراك طوال الليل ..
أوه.. جيد، مربى الكرز، إنه المفضل لدي. إنه الله من البرتقال.. أتساءل لماذا لا يأكله الإنكليز؟
ردت ميلاني بذهول، بينما كانت ستيلا ندهن المربي الأسود على قطعة الكرواسان
- الكرز عندنا لا يصلح لتحضير المربي .. فهو للأكل فقط .
قضمت ستيلا الكرواسان بأسنانها البيضاء. فأشاحت ميلاني نظرها عنها وشربت المزيد من القهوة، سألتها ستيلا
- ما رأيك بالذهاب إلى "شارتر" اليوم؟
"شارتر"؟ إنها بعيدة جدا عن باريس
سيحاول رينيه إقناع جان بول بأخذنا إلى هناك. صحيح أن رينيه يجيد قيادة السيارة، لكن جان بول لا يسمح له باستعمال سيارته.. أليس شريرا؟
- بلي إنه شرير فظيع!
لكنها كانت تدرك سبب رفض جان بول، لا شك أنه تصور سيارته حطاما.. صحيح أن رينيه شاب متعقل، لكن خلف مقود سيارة سريعة ، حتى أعقل الرجال يتحول إلى متهور. وكأنما الإحساس بكل تلك القوة في متناول اليدين يثير .
رن جرس الهاتف، فسارعت ستيلا لتجيب، والإثارة على وجهها، ثم عادت فرحة
- قال جان بول إنه سيأخذنا .. سيأخذ بوم راحة وسياتيان لاصطحابنا بعد ساعة من أمام المبنى وسنترك رسالة موجزة لجدتي.. الوقت مبكر الإيقاظها
ركزت ميلاني عينيها على فنجان القهوة، وحاجباها معقودان، ثم سألت ببرود
وماذا عن والدك ؟
لن يعجب جوليانوس الأمر، وستيلا تعرف .. لذلك لوت ستيلا فمها
وقالت :
- على الأرجح سيعمل طوال اليوم .. فأنا أعرفه. هذا كل ما يفكر به.. العمل، حتى أنه لن يلاحظ غيابنا۔
- وإذا لاحظ؟
ابتسمت ستيلا:
- ستقول له جدتي إننا ذهبنا إلى "شارتر".. وسيتقبل هذا. على أي حال لن يهتم طالما أنت معي
هذا صحيح، على الأرجح وإذا خرجت هي وستيلا طوال اليوم، لن يكون هناك خطر أن نواجه جوليانوس. وسيؤخر هذا الساعة اللعينة التي ستضطر فيها لمواجهته
كانت ستيلا تنظر إليها، وبسمتها تتحول تدريجيا إلى عبوس
- أنت قادمة معي.. أليس كذلك ؟
ابتسمت لها ميلاني
طبعا .. سأحب هذا، فأنا متشوقة لرؤية "شارتر "
جلا وجه ستيلا، وعادت الإشراقة إليه
. هذا ما ظنته .. يمكننا أنا ورينيه، التجوال في البلدة، بينما تتفرجين مع جان بول على الكاتدرائية
م ن لم تكن ميلاني بحاجة إلى تخطيط .. فقد فكرت ستيلا ورينيه بهذا اليوم في "شارتر" ليتمكنا من قضاء الوقت لوحدهما دون اعتراض من عائلة ستيلا. و"شارتر" هي الصنارة، وميلاني هي الطعم لجان بول. با له من تفكير منظم، وذكي جدا.. مع أنهما لا يزالان صغيرين، فهما يتمتعان بخبث شديد وبراعة في التنفيذ
قالت معلقة . وبريق المرح يتراقص في عينيها.
- أنت ذكية جدا
فهمت ستيلا قصد ميلاني وضحكت. وقالت بعد أن علا الاحمرار وجهها
- أجل .. حسنا سأذهب لأستعد .
سأكتب الرسالة لجدتك
لم يكن لديها اعتراض على خطة ستيلا.. وواقع أنها فكرت بها يدل على أنها أدركت أنه ما من عداء سيحصل مع عائلتها لو أنها خططت للقائها بربنيه بحذر، وبوجود ميلاني.. ومن الأفضل لعلاقتها معه أن تكون علنية، فهذا ينزع عن هذه العلاقة صفة الإثارة ويجعلها صداقة عادية
كتبت رسالة حذرة للسيدة هافري، واستعدت لتلتقي بستيلا وهي تخرج من غرفتها، تقفز وترقص كفتاة في الخامسة من عمرها،
حين التقتا برينيه وجان بول... أخفت ستيلا ذلك التوتر المحموم وبدت فجاة باردة وفظة . قالت وهي تجلس في مؤخرة السيارة مع رينيه . مرحبا
- مرحبا
غمز جان بول لميلاني وابتسم، هامسا:
- يجعلانك تشعرين بالصغر. أليس كذلك؟
مالت ستيلا إلى الأمام تطلب أن تعرف ما قال فرد عليها وهو يدير محرك السيارة:
لاشيء !
اتجهت بهم السيارة إلى الطريق العام المزدحم، ثم إلى خارج باريس كانت الطريق تتلوى بين أميال من الحقول الواسعة الممتدة إلى مسافات تبدو لا نهاية لها، والضباب الأزرق لطل الصباح بتارجع وكأنه الدخان الخفيف في الأفق
ما إن خرجوا من ضواحي باريس حني أسرعت السيارة تطوي الأميال.. وحدث جان بول ميلاني وعيناء الخبيثتان تكادان تلامسان وجهها .. فجأة قال:
. هناك.. ها هي شارتر .. أترينها؟
نظرت ميلاني إلى حيث أشار، وحبست أنفاسها ذهولا وغبطة.. كانت البلدة تبرز من بين الأراضي المسطحة حولها وكأنها السراب، في النور الذهبي الوضاء، قبابها المستدقة تشق طريقها إلى عنان السماء الزرقاء.. وكأنما كاندرائيتها وسط حقول القمح سفينة هاجعة .. حتى أن اللونين الأزرق والذهبي كانا يغطيان الكاتدرائية .. لتظهر وكأنها لوحدها، لا أبنية حولها ولا إلى جوارها، و استدارت ميلاني لتسال جان بول بصوت أجش
. ألا يوجد هناك مدينة؟
ابتسم :
طبعا .. لكنك لن تتمكني من رؤيتها من هنا.. فالكاتدرائية مبنية فوق تلة، والمدينة تحيط بالتلة وتتسلق جوانبها.. كل ما يمكننا أن نرى من هنا هو الكاتدرائية نفسها.
قالت ميلاني مغرورقة العينين للجمال الذي لا تترجمه اي كلمات:
- إنها أجمل ما رأيت في حياتي
ابتسم جان بول ثانية راضيا عن ردة فعلها.
. أتعلمين، مضى على وجود هذه الكاتدرائية قرون طويلة، لكنها أحرقت في القرن الحادي عشر، والتي نعرفها اليوم بنيت على أنقاضها.. لم يكن هناك مال كثير، فالدولة لم تكن تمول كل شيء .. لذلك بناها الناس بأنفسهم.
فتحت ميلاني فمها عجبا .
هذا المكان الرائع الجمال، بناء أشخاص عاديون؟
ضحك:
. لا.. لم يقوموا بالبناء الفعلي.. فقد كان معهم أفضل المعماريين في أوروبا .. لكنهم دفعوا المال.. القرى الصغيرة في كل فرنسا، أرسلت المال قدر ما تستطيع، وكل ما تملك. كانوا فقراء جدا، أكثر فقرا مما نفهمه اليوم، لكنهم ضحوا حتي بطعامهم لأجل «شارتر".. وكان كل هذا
طوعيا..
أمر مذهل في روعته .. لم يكن لدي فكرة عن هذا
. آه .. اليوم سترين ما فعلوا بأيديهم وأدوات بناء بسيطة في القرن الثالث عشر ..
- ما هو سر "شارتر" ليرغب الناس في التضحية بهذا القدر لإعادة بنائها؟ ..
هز جان بول كتفيه .
هناك شيء سحري في شارتر نفسها، في التلة، في البلدة الصغيرة. أشار باصبعه إلى خطوط الكاتدرائية الدقيقة المحفورة
يصعب القول ما هو هذا الشيء.. لكنه موجود .. وبإحساس مميز جدا
حين دخلوا البلدة نفسها، تسلل بعض من السحر الذي لا يصدق من "شارتر»: كانت شوارع البلدة الرمادية المكتظة عادية. تبدو البلدة كاي
بلدة صغيرة، لكن عندما استدار جان بول نحو شارع ضيق ملتوي، بدأت ميلاني تري أن هناك مكانان اسميهما شارتر .. أحدهما البلدة الصغيرة
الكثيية تحت التلة، والأخرى ذات شوارع مذهلة من القرون الوسطى، وهم يتسلقون التل الذي ترتفع فوقه الكاتدرائية
أوقفوا السيارة قرب الكاتدرائية، ووقفوا ينظرون إليها بذهول.. وصاحت ستيلا فاغرة الفم:
- واو .. هذا ما أسميه كنيسة.. انظر إلى نوافذها !
قال جان بول :
- إنها أشهر نوافذ مخرمة في العالم على شكل وردة .. ألوانها رائعة .. هل ستدخلان معنا إلى الداخل؟
أمسكت ستيلا يد رينيه، وردت بسرعة :
- أظن أننا سنتمشى قليلا في الخارج أولا. اذهبا لوحدكما.. نراكما لاحقا.
في الواقع مرت ساعة قبل أن يلتقيا بهما ثانية. رافق جان بول ميلاني في جولة على الكاتدرائية. ليريها كل كبيرة وصغيرة حني أدق التفاصيل .. أحست ميلاني أن العمر كله قد لا يكفي لمعرفة كل شيء،. فهناك المنحوتات والزجاجيات والخشبيات الرائعة التي صنعت بإتقان ومهارة
فائقان.
كان ستيلا ورينيه في أحد المحلات الصغيرة يتجادلان حول بعض التذكارات حين رآهما ميلاني وجان بول.. وقالت ستيلا:
مرحبا، هل أمضيتما وقتا ممتعا ؟
- وقت رائع.. هل تفرجتما على الكاتدرائية؟ لم نركما !
ردت ستيلا مراوغة:
أعجبتني من الخارج أكثر
ضحك جان بول
يا لك من محتالة ! والآن، ماذا عن الغداء ؟ هناك العديد من المطاعم هنا
وجدوا مطعما في شارع ضيق تحت الكاتدرائية تقريبا، وتناولوا وجبة لذيذة. عادوا بعد الغداء، إلى باريس، لينعطفوا مجددا عن الطريق الرئيسية لاستكشاف حزام الريف الذي يحيط بالعاصمة فوصلوا وسط المدينة بعد الظهر، قالت ستيلا:
. لماذا لا نتناول شيئا في مكان ما؟ الوقت مبكر
قالت ميلاني بهدوء:
- أظن أنه من الأفضل أن نعود.. ستقلق جدتك إذا بقينا وقتا أطول.
هذا دون ذكر والدها.. وارتجفت لمجرد التفكير بردة فعله .. وكيف ستكون .. رغم أنه كما قالت ستيلا، قد يكون لا زال يلاحق أعماله المالية، ولن يأبه لما كانتا تفعلانه.
همس جان بول بشيء من العصبية لميلاني:
لا تنسي أننا سنتناول العشاء مع هذه الليلة .
ورغم صوت جان بول الهام سمعت ستيلا الكلام ور أتها ميلاني تبتسم لرينيه.. فردت بهدوء، آملة أن لا يحمر وجهها. ونغضب من نفسها لاهتمامها بما تفكر به ستيلا
- لا.. لن أنسي .
سأمر لاصطحابك في السابعة والنصف
هزت رأسها.. فأكمل
- من حيث أخذتك هذا الصباح؟
هزت رأسها مجددا
شكرا لك. وشكرا لك لليوم الرائع في شارتر .. لن أنسى أبدأ أول نظرة لي إليها، إنها تجربة لا تنسى.. وأنا ممتنة جدا لأنك أريتني شيئا حس بهذا الجمال
قال جان بول
. تمتعت بوقتي.. أحس دائمة بالإثارة لأن آخذ شخصا إلى مكان أحبه، خاصة إذا كان هذا الشخص مرهف الحس مثلك.
التفت إلى الوراء مكشرا في وجه الصغيرين :
- بعض الناس لا يعرفون كيف يقدرون الجمال .
فعلقت ستيلا بسخط الشباب
- هذا غير عادل! لقد أحببتها .. لكنني أكره التجول في المباني القديمة.. أحبها من الخارج أكثر.
. ها أنت تكررين ما قلنبه سابقا !
وأوقف السيارة أمام المبنى. ابتسم جان بول لميلانى بحرارة، وقال" رينيه لستيلا
. سأراك فيما بعد
وانطلقت بهما السيارة .. فقالت ستيلا كأنها تهنيء نفسها وهما تسيران إلى المبني
. قلت لك إنك ستستمتعين بالرحلة. أعرف أن جان بول معجب
بك.
- أوه .. أكنت تعرفين؟
ما كان ليواعدك الليلة لو لم يكن معجبا، أليس كذلك؟
. أعتقد أن كلامك فيه شيء من المنطق .. لكن قد تكون دعوته لي من باب اللياقة
ردت ستيلا بإصرار:
- وأنا أقول إنه ما من سبب لدعوته لك سوى إعجابه بك.
ضحكت ميلاني لما بدا من تعابير على وجه ستيلا وهما تتجهان إلى باب الشقة الذي انفتح بقوة قبل أن تصلاه، فتوقفت ضحكتها وهي تنظر إلى عينين لامعتين كالمعدن المصقول.
أطبقت ستيلا بحركة طفولية على يد ميلاني وتحركت لتقترب منها أكثر لتحميها ضد العدوان الرجولي الذي يهددها لكن جوليانوس لم يكن ينظر إلى ابنته.. بل كان ينظر بحدة إلى ميلاني، ، وشفته متكورة بعيدا عن أسنانه، يسأل بتكشيرة خطرة
. أين كنتما بحق الجحيم؟
**************************



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 08-03-19 الساعة 03:32 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 07-03-19, 12:52 AM   #29

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

7- لا يخطىء الهدف
رفعت ميلاني نظرها إليه محدقة ثم قالت:
ألم تريك أمك الرسالة؟
رد بحدة
- أرتني إياها .. لكنها كانت تنقص بضع نقاط، أليس كذلك؟
شدت ستيلا على يد ميلاني لخوفها، فنظرت إليها بطرف عينها وعبست . رغم كون جوليانوس في حالة غضب مثيرة للخوف، لم تكن ميلاني تنوي أن تجعله يشعر أنه يخيفها . فنظرت إليه بحدة وقالت:
الا يمكن أن نبحث هذا داخل الشقة؟
ازداد غضبة، والتهبت عيناه، لكنه بعد تردد بسيط، تراجع إلى الوراء، فدخلت ميلاني أمامه تجر ستيلا المترددة معها .. وصفق الباب . فتركت ستيلا يد ميلاني، وهرعت إلى غرفتها تتعثر إلى أن غابت عن الأنظار.
كبتت ميلاني ابتسامة صغيرة وهي تراقب الفتاة الهاربة.. ثم نظرت إلى جوليانوس الذي لم يعجبه هروب ستيلا على الإطلاق.
أمسك بذراع ميلاني بعصبية وجرها إلى غرفة الجلوس. لم يكن هناك أية رحمة في الطريقة التي أمسكها بها وكأنها فتاة صغيرة شريرة ، ثم حدق بها وقال بنبرة موبخة :
حسن جدا.. أين كنتما؟
- في "شارتر". لقد ذكرت هذا في الرسالة .
لكن رسالتك لم تذكر أنك ذاهبة إلى هناك مع ذلك الشاب وعمه .
رفعت نظرها إليه، فأكمل والعدائية جلية على وجهه :
أجل.. رأيتهما.. لقد رأيتكما تخرجان معا من سيارتهما، فلا تكذبي
لم أكن أنوي أن أكذب !
صاح بصوت أجش
هناك أكثر من طريقة للكذب، لكنني واثق من أنك تعرفينها كلها
كان في عينيه غضب ثائر، لا يمكن جمحه أو السيطرة عليه ومن المؤكد أنه غير مرتبط بما حدث.. وقد كان مزاجه الحاد الثائر بشبه مزاجه ليله تسللت ستيلا خارج الشقة.. فقد تفجر جوليانوس كبركان ثائر، ينفث غضبا مخيفا، وهذا يدل على أن الغضب هو في أصل طباعه وأن أية حادثة بسيطة قد تفجره. وقال بنبرة فظة
- النساء يكذبن بسهولة تماما كما يتنفسن. إنها طبيعتهن الثانية .
ردت عليه بنظرة هادئة ، لكن قلقة
لأتم الرسالة أقول إنتي وستيلا ذهبنا إلى «شارتر» مع رينيه وجان بول تريكارد
لم تتحرك عيناه عنها
- أظن أنتي أوضحت عدم رغبتي في أن يكون لابنتي أي صلة بهذا الشاب
. لأنك كنت قلقا من أن يكون له تأثير سلبي عليها.. لهذا دعوته إلى هنا لتناول الشاي معنا بالأمس..
- ماذا؟
والتقى بأمك
- ماذا؟.. فعل ماذا؟
كان الغضب قد شوش تفكيره، ولونه القاتم يزداد وأكملت ميلاني
بهدوء
لقد أعجب السيدة هافري .. وتأكدت من أنه تماما كما وصفته أنا بالضبط .. شاب عادي لطيف.
.با إلهي! كيف تجرؤين على عصيان أو امري؟ قلت لك..
- أنت لم تلتقيه ، ولو فعلت، لكنت أعجبت به.
أنا واثق أنه لن يعجبني .
هذا لأنك لا تنوي محاولة الإعجاب به
صاح وقد ضاق ذرعا
- أنت محقة تماما بأنني لن أحاول .
لكن هذا قصر نظر منك.
- قصر .
وسكت لا يستطيع الكلام، فأكملت:
. لا يمكنك سجن ستيلا .. قلت لك هذا منذ أول يوم التقينا فيه .. إنه القرن العشرين .. ستبلغ ستيلا قريبا سن الرشد، ولن تتمكن من إجبارها على شيء.. فلماذا تدفعها إلى التمرد في وقت يمكن أن تصادقها؟ أنت والدها، أقرب قريب لها، وأظنها تحبك، لكن إذا بقيت تتصرف معها بالطريقة ذاتها، فسينتهي بك الأمر لأن تصبح غريبا عن ابنتك
تحرك بقلق .. ثم سأل:
من هم هؤلاء على أي حال؟
- جان بول تريكارد يملك فندقة ويقوم بعدة أعمال أخرى.
التقطت نظرة الازدراء في عينيه فأكملت:
- لا، ليس ثريا.. أهذا هو دافعك الرئيسي للحكم على الناس؟
. بالطبع لا. لكن بإمكانك فهم أن ابتي ستصبح أمرأة ثرية جدا في يوم ما.. ويجب حمايتها
- أفهم هذا.. وأعتقد أنك تأخذ الأمر بجدية أكثر من اللازم.. إنها معجبة برينيه .. لكنها في السادسة عشرة من عمرها، أصغر بكثير من أن
يعني هذا لها شيئا، إنهما صديقان، وهذا كل شيء ..
سألها بعدائية باردة :
- لماذا تشجعينها؟ ربما لك أسبابك الخاصة؟
- ماذا تعني؟
ما مدى اهتمامك بالعم..؟
نظرت إليه، والمكر في عينيها:
يعجبني.. إنه رجل لطيف جدا, وهو مثلك، يعمل بجهد.. لكنه يملك ميلا رومانسيا ..
كانت تفكر برد فعل جان بول أمام كاتدرائية "شارتر" وإعجابه وحفظه لتاريخ ذلك المكان .. لكن جوليانوس كان يسيء فهمها تماما .. فثبت عينيه عليها بقسوة والتوى فمه بسخرية
آه.. إنه رومانسي جدا.. أليس كذلك؟ كان يجب أن أعرف أنك تستغلين ستيلا لتحقيق مأربك.
ثارت ميلاني، وراحت تنظر إليه بكراهية :
أنا لا أفعل شيئا كهذا !
- لا؟ أليس كل ما يجري لهذا السبب؟ أنت تستهوين العم، فترمين ستيلا في ذراعي أبن أخيه؟
- إن تفكيرك لقذر.
- سيدتي! دماغي يعمل جيدا جدا بحيث لن تتمكني من خداعي
بسهولة .
. أنا لا أحاول خداعك.. لقد أخبرتك الحقيقة بالضبط، وإذا لم تصدقني، فهذه مشكلتك.
سالها بازدراء :
وهل أخبرك ما هي الحقيقة؟
لم ترد ميلاني عليه بل التقت نظرته دون أن يرف جفنها .. لم ترغب في أن تسمع وجهة نظره.. لأن كلامه، مما لا شك فيه ، سيكون قاسيا
ومؤلما.. رغم يقينها بأنها لن تتمكن من منعه عن الكلام
أحاط وجهها بكفيه ورفع رأسها نحوه، وقال ببرود:
. الحقيقة أنك امرأة.. وهذا يجعلك كاذبة، مخادعة، مزعجة باردة الدم، تتمتعين بإيصال الرجل إلى حافة الجنون، ثم تراقبينه يهوي، قبل أن تتركيه بابتسامة حلوة، راضية
لم تستطع ميلاني أن نحرك راسها، لدرجة أن نبضاتها كانت تضرب تحت أصابعه، وهي تراقبه، وترى الجنون في عينيه.
كان لغضبه، جذور أكثر تعقيدا مما نستطيع أن تفهمه... هناك إحساس خاص بالعدائية نحوها، لأنها رفضته ليلة أمس .. لكن، كان هناك كذلك ذكرى تجاربه الماضية مع النساء المكبوتة في نفسه ابتداءا
بوالدته ومن ثم.. لا يحب جوليانوس النساء ولا يثق بهن .. لقد تعلم كيف يسحرهن، يمازحهن، يعبث معهن .. لكن في أعماق ذاته، كان يحس بالمرارة والعدوانية نحوهن
قالت له بصوت منخفض .
أنا آسفة لما حدث ليلة أمس.
عاد الأحمرار يتسلل إلى وجهه :
- اوه.. أنا واثق من أسفك.. وواثق من أنك أرضيت غرورك .
ردت باضطراب .
لم أود أن نتمادى إلى ذلك الحد
كانت تزيده غضبا بدلا من أن تهدئه ، فقد اختارت كلماتها بشكل أخرق.. وسألها غاضبا :
- إلى ذلك الحد، ليس أبعد؟ أهذه هي طريقتك؟
- أنا لست معتادة..
قاطعها بحدة:
- لست معتادة؟
هزت راسها:
- سيد بيلانوس.. أدرك أنك غاضب مني ..
تمتم :
هذا بعد نظر منك!
لكنني لم أكن أقصد ما حدث.. لم أكن أنوي..
- التورط في هذا؟
تنهدت:
لا تنسب إلي ما لم أنوي قوله أو فعله.
حدقت عيناه بشفتيها الورديتين فأحست بنبضات قلبها نتسارع.
قالت بسرعة :
طلبت مني الاعتناء بستيلا وشؤونها .. وأنا أبذل بحرص شديد كل ما بوسعي.. وقد لا توافق على طريقتي..
ودون أن تترك عيناه شفتيها، رد باقتضاب :
- أنا غير موافق.
طلبت منك أن تثق بي .
رفع رأسه لينظر في عينيها، بابتسامة واهية :
أنا لم أثق بامرأة يوما.
حاولت جاهدة استجماع الكلام في ذهنها فقالت:
- إذا كنت لا تريد أن تجعل من ستيلا عدوة لك، يجب أن تثق بها أن تجعلها تتصرف بحرية .
سأل بنفاذ صبر:
حرة أن تجعل من نفسها حمقاء؟
ابتسمت ميلاني وكأنها تتوسل:
هذا ما أخشاه
هز رأسه :
- هذا أمر غير وارد
تنهدت:
- صدقني، سيد بيلانوس، ليس هناك من طريقة أخرى.. لا أحد يتعلم من أخطاء الآخرين .. نحن نتعلم فقط من أخطائنا .
تغيرت تعابير وجهه :
- إنها صغيرة جدا لأن أسمح لها بارتكاب الأخطاء .
ردت بهدوء :
- إنها الأخطاء الوحيدة التي ستقتنع بها.. لن تصغي إليك بأخطائك
التقت عيونهما، وكان في عينيه دهشة، وقالت ميلاني، بغيظ وعيناها تمازحانه
. هذا إذا كنت ارتكبت الأخطاء .. لأنني واثقة أنك لا تخطيء
- أوه.. هل أنت واثقة فعلا؟
- مهما كانت أخطاؤك، فلن تعتبر ستيلا أن فيها درسا لها.. وإذا حاولت أن تقول لها قستسخر منك، ولن تصغي إليك.. كل ما تعرفه هو الحاضر، وما يحدث لها الآن، وإن كان هذا يغضبك.. يجب أن تتركها تكتشف الحياة بنفسها.
تركها ليسير مبتعدا، بمشية قلقة متسائلة يداه في جيبي بنطاله، محني الرأس. راقبته ميلاني منتظرة، متساءلة، ما الذي يجري داخل دماغه الغريب
استدار فجأة ليقول لها :
من الأفضل أن التقى به شخصيا.
ابتسمت: فكرة جيدة
التفت إليها بسخرية:
لقد توقعت أن ذلك سيعجبك.. لكن، دعيني أوضح لك، أن هذا لا يعني أنني موافق على خروج ابنتي مع شاب, لأنها في رأيي صغيرة جدا على القيام بمثل هذه الأمور .
- هي صغيرة بالطبع.
- لماذا تشجعينها إذن؟
لايمكنك اغلاق باب الاسطبل بعد ان ينطلق الجواد .. تظن ستيلا انها اصبحت كبيرة ,ولن تستطيع اقناعها العكس فى مرحلة متاخرة .
قال بهدوء :
حاولى النظر الى المسالة من وجهه نظرى .. انها ابنتى ,وانا مسؤول عنها
ولا اريدها ان تدمر حياتها قبل ان تعرف بالضبط حقيقة ما تفعل .
_ افهم هذا .و اذا ابقينا المراقبة خفيفة ,فانا واثقة من اننا سنتمكن من توجيهها فى الاتجاه الصحيح , دون الكثير من المشاحنات .. لكن هذا سيتطلب الكثير من الصبر واللباقة .
نظر اليها مفكرا :
_ولديك الصبر واللباقة ؟
لم ترد ,لكن عيناها الزرقاوان كانتا تبتسمان, فاكمل ساخرا :
لعله يمكننى القول بانك تتمتعين بقدر واف من المكر الانثوى .
ردت برزانة :
_ شكرا لك .
ضحك ,لكن الابتسامة تركت عينيه :
لكن , لاتتصورى للحظة اننى قد نسيت كيف هربت منى ليلة امس فانا لم انس .
كادت تقفز لرؤيتها وجهه المتجهم .لكنه تابع النظر اليها بعينين قلقتين ثم رسم ابتسامة واهيه على فمه وقال :
انا لا انسى دينا .. وانت مدينة لى بشىء الان.
صاحت مضطربة مرتجفة :
انا لا ادين لك بشىء .. واسفةاذا كنت قد ضللتك .
لم تضللينى .. بل كنت تدركين تماما ما انت فاعلة .
_ لا !
اوه .. بلى .. كنت تقوديننى متعمدة فى طريق جميل , وانا واثق من هذا ..لكن ما لست واثقا منه هو لماذا .. قد يكون هناك عدة اسباب ..
فقد تكونين من النوع الذي يحب الملاحقة المطولة قبل الاستلام. او، من ناحية أخرى، قد تكونين من النوع الذي لا ينوي إبداء الاستسلام، لكنه يحب رؤية الرجل في حالة من الجنون.
تصلبت ميلاني ساخطة، وقالت له بغضب:
وقد اكون من النوع الذي يطيح برأسك لو كلمتني هكذا !
تحرك بسرعة السوط، وقبض بقوة على ذراعيها خلفها، حتى أصبحت عاجزة عن مقاومته. انحبست أنفاسها للحظات ثم اخذت تلهث بسرعة، وعيناها متسعتان لشدة غضبها وذهولها. وقال بابتسامة ساخرة مرسومة على وجهه بعد أن توقفت عن التلوي بين يديه:
- مهما فعلت، لا تستهيني بي آنسة فرايزر .. لقد عرفت عن النساء ما لم يكتشفه معظم الرجال بعد.. أنا أكثر خبرة من أن أترك امراة تخدعني وتنجو بفعلتها. كما قلت لك، لست أدري ما إذا كنت تحاولين أن تجعليني أهتم بك فاستمر في ملاحقتك، أم أنك تحصلين على لذة في تعذيبي.. لكنني أعدك.. أنني سأستمر في هذا حتى أعرف أي نوع من النساء هو أنت.
كانت بشرتها تحترق، وهي تحس بعينية المتحديتين تتفرسان في وجهها
اتركني.. أرجوك.. أنت تفقدني صوابي
لكنه استمتع بذلك فتراقصت الابتسامة في عينيه، وهمس:
لقد أخفتني!
شد ذراعيها إلى ظهرها، وسأل بلؤم
- والآن.. ماذا ستفعلين بي؟
تطلعت إليه بضعف غاضب.
- هل من المفترض أن يبرز هذا أنك أقوى مني؟ حسنا، لكن ما الذي يثبته هذا؟ من المؤكد أنه لن يدفعني إلى الإعجاب بك أكثر.. هل ترضي غرورك بمعاملتي بخشونة وأن تظهر لي أني سأخسر أمامك إذا ما
تواجهنا؟ أعتقد أن هذا هو السبب الوحيد لغضبك مما حدث ليلة أمس، أليس كذلك؟ لقد جرحت كبرياءك حين قلت لك لا. حسنا.. أنا آسفة.. فأنا لم أكن أنوي أن أفعل هذا.. أدرك أنني لامست وتر حساسا، لكنني أخشى أن تكون آراؤك بي بعيدة جدا عن الحقيقة أنا لا أدعوك إلى ملاحقتي سيد بيلانوس، ولا أحاول أن أعذبك.. لقد أخبرتك الحقيقة المطلقة .. لكن أمر واحد ناد إلى آخر ليلة أمس دون أي تخطيط مسبق مني، وأنا آسفة.. لكن بالنسبة لي، أفضل أن ننسى ما حصل.
و استمع جوليانوس إليها وعيناه تتطايران شررا وحاجباه معقودان ، بينما كانت كلماتها السريعة الغاضبة تتدفق.. حين صمتت مقطوعة الأنفاس، استمر بنظر إليها بينما وجهها يزداد حرارة، ونبضاتها تتسارع بشدة. بعد قليل، قال بصوت منخفض:
عظيم, السيدة ليست باردة كما تحب أن تظهر
كان الرضى باد على وجهها، وأحست بنفسها تسترخي، ترسم ابتسامة باردة على وجهها.. وقالت:
آسفة .. لقد فقدت أعصابي، وهذا ما لا يحصل لي عادة. .أخشي أن تكون أنت المسبب لهذا، سيد بيلانوس.
إذن فهذه واحدة بواحدة.. لأنك بكل تأكيد أثرتني.
قالت بإصرار:
- لم اكن اقصد ذلك.
هز كتفيه، لكنه تركها، وتحرك بعيدا.
- أنت مزيج مثير للاهتمام آنسة فرايزر .. من الخارج أنت رابطة الجاش، وقوية. لكن، هناك الكثير خلف هذا الوجه الهاديء. . أليس كذلك؟ ساورني الإحساس، بأنك لست كسواك من النساء، وهذا ما يجعلك فريدة من نوعك.. لم أظن يوما أنني سألتقي امرأة مثلك.
ردت مبتسمة، وقد عاد لونها إلى طبيعته:
- الحياة مليئة بالمفاجآت .
رد ابتسامتها :
أليست كذلك؟ أعطني رقم هاتف رينيه إذا كان معك. وسأتصل به لأدعوه إلى الشاي .
كتبت الرقم على ورقة وأعطتها له، وأخذت تراقبه يتجه نحو الهاتف.. قال وظهره إليها :
- سأدعو عمه كذلك.
قالت دون أن تفكر :
- عمه سيصطحبني إلى العشاء هذا المساء .
التفت ذا الرأس الأسود بحدة نحوها، وقد ضاقت عيناه ، لكنه لم يعلق ، فسارت نحو الباب وساقاها ترتجفان
وجدت ستيلا جالسة على سريرها وقدماها عاريتان وشعرها الأسود يلمع بنعومة حول وجهها الشاحب.. حين رأت ميلاني قالت بصوت عال: ماذا قال؟ ما الذي حدث؟
حدث الكثير
- أكان غاضبة؟
كلهيب النار!
تأوهت ستيلا .
وهل سيضرب بقدمه الأرض ويمنعني عن رؤية رينيه؟
خلعت فستانها:
وهل تفعلين إن طلب منك هذا؟
ردت بحسم قاطع
- مستحيل.. لا يمكن أن يجبرني.. مهما فعل
ابتسمت ميلاني، فيما كانت ستيلا تبحث بين كومة الملابس في الخزانة عما ترتديه
لحسن حظك لن تضطري للاختيار، فوالدك سيتصل الآن برينيه ليدعوه إلى هنا .
جثت ستيلا على ركبتيها
- لا بد أنك تمزحين؟
لا.
قفزت ستيلا عن السرير تحتضنها
- أنت ساحرة.. إنها معجزة.. كيف فعلت هذا؟
- والدك ليس صعب الإقناع كما تظنين .
لم يبد الاقتناع على ستيلا، وهذا ليس بمستغرب أمام بربرية وجهه وهو يلاقيهما.. بدت نظرة ساخرة على الوجه الصغير:
- لا؟ .. لا بد إذن وأن يكون هذا أحد أيامه الطيبة
- إنه قلق عليك.
عضت شفتها:
لقد أدرك ذلك متأخرا، لم يقلق على من قبل، فلماذا بقلق الآن؟
قالت بهدوء :
- ربما لم تفهميه من قبل، كنت طفلة. أما الآن وقد كبرت. فإنك بدأت ترينه بوضوح أكثر.
نظرت ستيلا إليها
- صحيح؟ لكنني كنت أراه بوضوح من قبل.. وهو لم يهتم يوما بما يحدث لي .
ردت بلطف :
- لكنه يهتم.. وليس من السهل إظهار اهتمامه، كما أنه رجل مشغول جدا صححت ستيلا لها معلوماتها
مشغول أكثر من أن يزعج نفسه ليهتم بي
رفعت شعرها إلى الوراء وغادرت الغرفة بنفاذ صبر.
تنهدت ميلاني قائلة في نفسها إن ستيلا لا زالت طفلة. وغير مستقرة بعد ، ويستحيل الان التنبؤ أي نوع من الشخصيات ستكون عليها، لكن
من الضروري قطعا، إبعاد السحب من سماء حياتها كي لا تحجب النور
عنها .
يمكن لهذا أن يحدث بسهولة. . لأنه سبق وأن حدث مع والدها.. حين أظلمت حياته وهو صغير بسبب خيانة أمه، وموت أبيه المبكر.. لذلك كبر ونفسه ممتلئة بالعدائية، وكراهية واهمة للنساء.. ذلك لأن العلاقات العائلية لا تؤثر فقط في تشكيل نفسية الطفل، بل أنها تضع الأساس لكل العلاقات التي تأتي فيما بعد.. لذلك لم تستبعد ميلاني إمكانية أن تتحكم تلك الأحاسيس المكبوتة بحياة رجل صلب وقوي الإرادة .
لقد قبلت الوظيفة، لتلهي نفسها إلى أن يحين الوقت وتعود إلى عالمها الحقيقي، إلى الحياة التي بها لنفسها، ومن الحري لها أن تبقي في ذاكرتها أن هذه الوظيفة هي مجرد نزهة قصيرة في عالم لا تنتمي له.. لقد تورطت عاطفيا مع ستيلا والسيدة هافري؛ مشاعرها نحوهما دافئة مهتمة . لكنها أكثر خطرا بالنسبة لجوليانوس.. إنه رجل ناضج .. وليحاول حل مشاكل عائلته وعلاقاتها المضطربة بنفسه
كان الفستان الأبيض الذي اختارته يلتف بنعومة حول ساقيها النحيلين، وهي تسرع بعد ربع ساعة، لتمر أمام باب غرفة الجلوس ويرتد طرفها إلى الداخل، كان جوليانوس يقف عند النافذة ينظر إلى سماء ليل باريس، لكنه استدار نحوها.. وقف بطريقة عفوية في بذلة المساء ، وكتفاه مستقيمان تحت سترته الناعمة، وراح يتأملها.
أحست ميلاني باللون الأحمر الساخن بزحف إلى وجهها تحت تقييمه الساخر الوقح .. وغضبت من نفسها، إذ أن لديها خبرة سنوات تجعلها تتمكن من الحفاظ على هدوء أعصابها وتساعدها على إخفاء ردة فعلها ولم يعجبها أن تعترف لنفسها بأن نظراته كانت تبعث في نفسها القشعريرة
تمتم بصوت أجش .
أتشربين شيئا؟
. لا مانع لدي.
حولت نظرها عنه، وجلست بهدوه وهي تضع ساقة فوق الأخرى ..
تقدم نحوها ليعطيها الكأس، وأحست بنبضات قلبها تتسارع مجددا حين لامست أصابعه الباردة يدها.
لم يجلس، بل بقي واقفا ينظر إليها، وكأسه في يده يرتشف الشراب :
- هل قلت لستيلا؟
هزت رأسها مبتسمة.. فسال بسخرية:
- ابتهجت.. أليس كذلك؟
- يمكنك قول هذا.
بدا عليه الخبث:
أرجو أن لا يفسر هذا كموافقة مني .
ردت ساخرة :
أنا واثقة من أنه يرتجف الآن.
نظر إليها شزرا، وتمتم :
- قد أصاب بالإدمان على هذا..
نظرت إليه بحيرة .
على ماذا؟
- على طريقة ابتسامتك.
عاد المد الأحمر يلون وجهها.. فأشاحت بوجهها قائلة :
أنا واثقة من أنه سيعجبك.. إذ لا يوجد ما يستحق كرهك له .
- اوه .. تملين على الأوامر؟ عليك أن تعجب به وإلا؟
لا شيء من هذا.. قابله فقط بتفكير منفتح.
- هذا أكثر مما تفعله ستيلا مع أصدقائي، خاصة الإناث منهن .. إنها في العادة تحتقرهن .
تغضنت جبهتها:
صحيح؟ إنها الغيرة على ما أعتقد.. وهذا لا يدهشني
رن جرس الباب .. وضع كأسه من بده، وتحرك إلى الباب بينما كانت مديرة المنزل ترد.. جلست ميلاني وكأسها في بدها تصغي إلى جوليانوس يتحدث بهدوء وأدب.
كان على وجه رينيه ابتسامة قلقة حذرة وعيناه مرتبكتان، هز رأسه الميلاني وقال :
- مساء الخير .
تقدم جان بول بهدوء ليجلس قربها، يبتسم لها ساخرا.. لأنه يفهم تماما ما يحدث .
صب جوليانوس كاس عصير مثلجة لكل منهما، دخلت ستيلا بسرعة إلى الغرفة، مشرقة قلقة، ثم توقفت لرؤية أبيها، ولاحظت ميلاني نظرة القلق التي أطلقتها نحوه. راقبها جوليانوس دون كلام، وانفتح فم ستيلا، وعادت تلك النظرة القديمة إلى وجهها؛ فهي تبدو بشعة حين تعبس ويبرز شحوب بشرتها وسواد عينيها هزال جسدها وصغر وجهها. لكنها حين تتحرك، يمكن لقسمات وجهها أن تأخذ دفئا حيويا وإثارة تغير كل مظهرها.
سألها جوليانوس وهو يصب عصير البرتقال مع القليل من الصودا لها.
ما رايك "بشارتر»؟
أخذت الكاس منه، وأصابعها مشدودة عليه: جميلة.
فنظر إليها نظرة حادة، ثم التفت إلى رينيه وسأله:
- هل زرتها من قبل، أم أن هذه هي المرة الأولى؟
رد رينيه متوترة، يجلس إلى حافة كرسيه
- زرتها من قبل
بدا لميلاني وكانه في الثانية عشرة، ولا يمكن أن يكون له تأثير سيء على ستيلا.. بل على العكس، من المحتمل أن يكون لها تأثير عليه ..
أكمل رينيه بحماس: إنها رائعة .
قال جان بول ساخرا:
خاصة من الخارج.
وجه رينيه إليه نظرات حادة ، فسأل جوليانوس بقطب حاجبيه :
- من الخارج؟
قال جان بول.
لم يدخلاها.
نظر جوليانوس إلى ستيلا، التي احمر وجهها أكثر، ونظرت إلى جان بول وعيناها عدائيتان:
- تفرجنا جيدة على الزجاج المزركش والأبراج الدقيقة، إضافة إلى المنحوتات. لقد بدا كل ذلك رائعا.
قاطعتها ميلاني:
لقد ذهلت بالزجاج المزركش .
وطفقت تتحدث عن الأشياء التي تتذكرها كثيرا .. وتعمدت أن تطيل في حديثها كي يبتعد الاهتمام عن وجه ستيلا الغاضب.. ثم أضافت
لكن، ما سأتذكره أكثر من أي شيء آخر، هو أول نظرة لي للكاتدرائية ونحن نتقدم نحوها.. كان منظرا رائعا.
ابتسم جان بول لها:
- إنه منظر جميل جدا
ابتسمت له، ثم نظرت إلى جوليانوس الذي لم يكن وجهه مقروءا
لكنها لسبب ما أحست بقلق . سال جوليانوس رينبه
فهمت أن والديك في عطلة؟
إنهما في الجزائر .
كم سيغيبان؟
- ثلاثة أسابيع.
رفع حاجبيه بدهشة ساخرة:
أبقياك هنا؟
فرد برزانة : لم أرغب في الذهاب.. سأذهب في عطلة للتخييم مع أصدقاء لي خلال هذا الصيف أفضل أن أمضي أيام العطلة لوحدي هذه الايام .
وكبحت ميلاني ابتسامتها. قالت ستيلا وعيناها تتحديان والدها : فكرة رائعة
تمتم جوليانوس:
وأنت مقيم مع عمك؟
هز رينيه رأسه، وراتبه جان بول مبتسما.. ثم أدار جوليانوس رأسه ببطء ينظر إليه ويسأله:
- قيل لي إنك في العمل الفندقي؟
وافق جان بول بخشونة، فأردف جوليانوس:
- أملك بضع فنادق بنفسي
رد جان بول بخشونة أكثر أنه يعرف هذا، وسمي له فندقا شهيرا في باريس، وأردف:
أخشى أن يكون هذا بعيد عن مستواي .
ابتسم جوليانوس
- إنه فندق جيد جدا.
نظر جان بول إلى ساعته، ثم ابتسم لميلاني قائلا:
- إذا كنا سنخرج للعشاء، فأخشى أن نكون مضطرين للذهاب الآن.
وقفت، تضع كأسها على الطاولة الصغيرة.. ووقف رينيه كذلك محمر الوجه فنظر جوليانوس إليه:
- ألن تشاركني وستيلا طعام العشاء؟
بدا القلق على رينيه، لكن ستلا شدته من يده إلى مقعده .. وقالت بثقة
- سيحب هذا .
توجه جان بول وميلاني إلى الباب يرافقهما جوليانوس كظلهما .. كان في تصرفه عدائية لجان بول، إذا لم نقل الميلاني، مما دفع جان بول للقول بهمس :
لا أفهم لماذا ينظر إلى هكذا .. !
لم يسمع جوليانوس ما قاله ، لكنه عرف أن تعليقا ما قد تم همسا .. وأصبح عبوسه خطيرأ وهو يفتح الباب لهما. نظرت إليه بطرف عينها، ونلفت نظرة جعلنها تشهق ، وقال لها:
لا تتأخري.
ثم صفق الباب بقوة، ولم تكن ميلانى على ثقة ما إذا كان ذلك متعمدا أم لا. صفر جان بول بصوت منخفض وقال :
- إنه لا يطيقني وهذا غريب .. يمكن أن أفهم شكه برينيه لكن لماذا يوجه إلي نظرات حادة كالخناجر؟
- أنت عمه
- وهو يشك في كل من يقترب من ابنته؟ ربما أنت محقة، أفهم وجهة نظره .. إنها وريثة ولا زالت صغيرة.. كنت لأتصرف بالطريقة ذاتها لو كنت والدها.
سألته بدهشة: صحيح؟
- طبعا.. لأنه من السهل أن يهرب شخص عديم الضمير معها.. أرأيت كم كان سهلا على رينيه كسب ودها. إنها بريئة جدا، وتثق بالناس .. وأنت كذلك، وإلا لما سمحت لهذا أن يحدث
وابتسم لها، فقالت:
حاولت منعه ۔
صحيح، لكن ليس بطريقة حازمة .
لم تبد لي خطيرا .
ضحك
شكرا لك، أرجو أن يكون هذا إطراء لي.. مع أن ما من رجل
يعجبه أن لا يبدو خطيرا
. أوه .. أتريد أن تبدو خطيرا إذن؟
- سيكون هذا إرضاء لغروري ... أعتقد أنه يكمن داخل معظم الرجال "دون جوان" ينتظر فرصة للظهور
. لم أفكر كثيرا بدون جوان .. فقد كان شخصا مملا، من وجهة نظري، وهو ليس بالبطل الرومانسي أبدأ .. ليس لديه مشاعر، والبطل يجب أن يكون له فيض من المشاعر إذا أراد أن يكون رومانسيا حقا
قال لها وهيا في السيارة
أعتقد أننا سنكون من البوهيميين الليلة، ستتناول العشاء في الحي اللاتيني .
يبدو هذا رائعا .
من الطعام هناك لذيذ.. والأجواء المحيطة هي مزيج لعدة نماذج بشرية، مما سيعطيك نظرة جديدة إلى باريس .
و عندما وصلا المطعم الصغير كانت ميلاني شديدة الاحمرار، ساخطة من اللطمات التي تلقتها وهي على الطريق، فالشوارع الضيقة القذرة كانت مكتظة بالناس، وكلما مرت برجل كان يبتسم لها وكأنه بدعوها إليه، ويتمتم بالإطراء بلغة أو أخرى.
كان جان بول ينجح على الدوام بإبعادهم عنها بكلمة أو كلمتين حادتين، لكن كان هناك الكثير منهم ويحومون كالنحل حول العسل ما إن يشاهدوا شعرها الأشقر وجسدها النحيل الجميل. وقال ممازحا:
- أخشى أنك تدفعين ثمن جمالك.. أتريدين أن ألكم الرجل التالي على أنفه؟
- لا تزعج نفسك.
لكنها تأوهت حين أخذت مجموعة من الشبان تتحرش بها، وصاحت بهم اغربوا عن وجهي فضحكوا، وتابعوا سيرهم.
ضحك جان بول :
. هذا مؤثر جدا.. لقد التقطت اللغة بسرعة.
لكن هذا ما كنت تقوله لهم باستمرار. أليس كذلك؟
صحيح.. وستجدينها جملة مفيدة.. ها قد وصلنا.
ثم مرا عبر مدخل ضيق معتم.
نظرت ميلاني إلى الداخل المعتم حيث كانت أضواء الشموع تتراقص على الطاولات.. وعازف الغيتار يعزف بصخب عند الزاوية، ومزيج من الأصوات يعلو المكان، والوجوه محدقة بهما.. سألها:
هل أعجبك؟
ضحكت:
- إنه .. ساحر .
هناك مأخذ واحد على المكان وهو أنه مظلم حتى أنك لا ترين ما تأكلينه . . وهذا أفضل. طالما الطعام لذيذ المناق، فماذا يهم منظره؟
جيء إليهما بالطعام على صواني خشبية واسعة، وعرفت ميلاني أنها لن تتمكن من تناول نصف هذه الكمية الكبيرة من اللحم والسلطة والأرز والبطاطس المشوية. كان الطعام لذيذا جدا، والجو في المطعم الصغير، جعل من الأكل أمر ممتع .
سارا بعد ذلك معا عبر ساحة الحي اللاتيني مجددا ثم إلى "نوتردام"، حيث دخلت إلى مكتبة لبيع الكتب الإنكليزية قرب نهر السين لتفتش في الرفوف المكتظة بالكتب، قبل أن يعاودوا التمشي قرب ضفاف النهر .
وقفا على الجسر ليتطلعا إلى المياه السوداء الراكدة كالزيت لنهر السين.. كان هناك أناس يجلسون على مقاعد خشبية مثبتة على ضفتي النهر .. وتهادي قارب ببطء تحت الجسر تتلألأ أنواره على صفحة الماء..
كان الهواء سلسا دافئا رغم تأخر الوقت. أكملا السير نحو واجهة نوتردام»، حيث صفوف التماثيل تحدق بالحياة دونما اكتراث.
هناك أمام الكاتدرائية كان هناك تدفق مستمر من السواح، يتجولون ويتحدثون وآخرون يغنون، مجتمعين حول شاب ملتحي يرتدي الجينز الممزق ويعزف الغيتار، وكانت مجموعة صغيرة تتفرج على الحركات الرشيقة لممثل إيمائي أبيض الوجه في قبعة سوداء مستديرة وثياب البهلوان. وكان هناك بعض الأطفال يلعبون الكرة، ويتناثر هنا وهناك عشاق يتهامسون ويتعانقون. نظرت ميلاني حولها مبتسمة .. وبدا لها أن باريس تعيش في الشوارع، وكان كل يوم هو عبارة عن حفلة كبيرة اجتماع حاشد لا يحسب حساب الوقت .
استدارت إلى جان بول بعينين براقتين قائلة:
أحب باريس..
وتبادلا الابتسام .
**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 08-03-19 الساعة 03:32 PM
samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 07-03-19, 05:38 PM   #30

اللهم اهدنا

? العضوٌ??? » 420304
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 281
?  نُقآطِيْ » اللهم اهدنا is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته(اللهم اهدنا) جزاك الله خيراً ع للمجهودات ننتظرالتكمله
abeer Abdel monem likes this.

اللهم اهدنا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.