|
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
14-02-09, 09:37 PM | #15 | ||||
| الفصل الخامس لن تستطعي الرحيل! نامت كولين معظم النهار... كان يقطع نومها لحظات صحو.. تحاول فيها إعادة جمع شتات أفكارها ، و تعود تتذكر ذلك العناق الذي تشاركت فيه مع جوليانو إنريكو ، كان عناق رجل لإمرأة، بغض النظر عن أنه عاملها فيما بعد كطفلة. لم يكن عندها وقت للتفكير لماذا ام تدفعه عنها ، ولماذا لم تجد عناقه مزعجا في وقت كانت تظن أنها تكرهه كثيرا . فكلما كانت تفتح عينيها و يجول هذا الخاطر في ذهنها كانت تجد إما تينا أو ايما تنتظر صحوها. و عندما استيقظت تماما ، وشعرت بأنها أكتفت من النوم ، وبأن طاقتها قد عادت إليها ، كانت الشمس قد غابت في الخارج ، ولأول مرة هذا اليوم لم تكن لا تينا ولا ايما في غرفتها. و عادت تفكر بالعناق بينهما، و أدركت عندها ، والدماء تدفئ خديها ، أنها لن تستطيع مواجهته على طاولة العشاء . هي فقط غير مستعدة بعد لؤيته. و اكتشفت، سريعا بينما كانت تسمع وقع خطوات رجالية في الممشى، أن جوليانو ليس من النوع الذي ينتظر دعوة لزيارتها. و فتشت بسرعة عن فرشاة الشعر ، و لم تجد الوقت كي ترتب خصلات الشعر المشعثة ، ولا أن تسرح شعرها على كتفيها . فبدون أن يزعج نفسه بالقرع على الباب ، فتحه ودخل متقدما من سريرها ، وقال بخشونة وهو يرمي لها ساعتها على الفراش : -لقد كذبت علي . و انتقلت عيناها من الساعة التي كانت قد نسيتها حيث كانت تعمل إلى وجهه ، فقال : -اعتقدت أنك ستحتاجينها. و علمت أن اللحظة غير مناسبة لشكره ، فقد كان غاضبا جدا! -لا بد أنك أرهقت نفسك كي تنجزي ما أنجزتيه من عمل . و لا عجب أن أصبحت مريضة! و كأنما لم يتحمل النظر إليها ، اتجه نحو النافذة لينظر إلى الخارج . وأدركت أن عليها قول شيء ما . ولكنها لاحظت أنه على وشك فقدان السيطرة على أعصابه . و كانت معتادة على استرضاء أبيها . و أوشكت أن تستخدم نفس الأسلوب معه ، عندما أتتها فكرة... لماذا تفعل ؟ منقسمة ما بين الشخص الذي كانته و بين ما تريد أن تكونه ، أدركت أنها لن تستطيع التخلص من آثار الماضي لو أنها استسلمت عند أول صعوبة.. لماذا قد تفكر باسترضائه بعد كل الأشياء الفضيعة التي قالها لها في الماضي... و لماذا يجب أن تخاف من غضبه على كل الأحوال؟ -متى كذبت عليك ؟ -لقد كذبت علي بصمتك.. كان بإمكانك القول لي ، بالأمس وقبل الأمس ، أنك قررت تنظيف ذلك المكان ابتداء من فوق . ولم تقولي كلمة واحدة عندما دعوتك بالكسولة المثالية . هذة الكلمة أزعجتك و أناأعلم هذا ، ومع ذلك لم تقولي كلمة واحدة. -لقد توقعت منك أن تتجول في المكان لترى بنفسك ما فعلت .على كلٍ.. لقد أفادك هذا.. وما كان يجب أن تظن... -و لكنني لست أنا من عانى من التعب ، أيتها الحمقاء! و هكذا أضاف لقبا جديدا مما يحتفظ به لها من ألقاب في جعبته. -أجل لقد عانيت.. ولكنني بخير الآن . لذا لا حاجة للجدال في الموضوع... وأرجوك أن تغلق الباب و أنت خارج. النار التي لمعت في عينيه لهذه الإهانة جعلتها تتمنى لو أنها لم تقلها ، و بدا و كأنه على وشك أن يخنقها ، وصاح : - أيتها ال... و صمت فجأة.. و استعدت لتصرخ... أنا آسفة.. آسفة.. آسفة! ثم شعرت بالسرور لأنها لم تفعل.. فبطريقة ما استطاع أن يسيطر على أعصابه ، و ربما لاحظ كيف شحب وجهها لعدوانيته. و قال : -أنت على حق... إذا كان لم يستخدم العقاب الجسدي عليها ، فهذا لأنها سوف تضطر إلى تحمل لسع لسانه . -كنت مخطئا في افتراض أنك كسولة . أنت مستعدة للعمل الشاق لتحصلي على ما تريدين.. أليس كذلك يا جميلتي ؟ -أحصل على ما أريد؟ -ألست كذلك ؟ ألا تسعين للحصول على انطباع جيد عنك ؟ ألم تعملي على غسل وكوي الستائر وأنت على وشك الانهيار ، بقصد واحد و هو الظهور بمظهر البائسة عندما وجدتك منهارة ليلة الأمس؟ و تطلعت مشدوهة و شهقت قائلة : - أتظن أنني... -إنك أدركتي أن هناك أشياء تستطيعين الحصول عليها أكبر مما كنت ستحصلين عليه عن طريق شقيقك... على كل ، سأترك لك مهمة إثبات أنني على خطأ.. كولين شادو. و تركها تغلي بالغضب و خرج . استيقظت كولين باكرا في اليوم التالي . وغضبت من نفسها لأن رأي جوليانو لم يهمها . و لم تكن تنوي كذلك أن تبرهن له عن شيء. و كل ما كان في ذهنها و هي تنزل إلى الطابق الأرضي ، رغم شعورها بأنها ليست على ما يرام تماما ، أنها كلما عادت إلى العمل أسرع، أنها كلما كسبت ثمن تذكرتها بسرعة أكثر ، وتستطيع عندها أن تبتعد عنه و عن انتقاداته المريرة. وخرج جوليانو من خلال أحد الأبواب عندما وصلت إلى أسفل السلم فقال لها فورا ونظرة ساخرة تطل من عينيه : -و ما هي الملاحظات الطريفة التي تجول في رأسك هذا الصباح؟ -قبل أن تعتقد أنني أتيت لأبرهن لك شيئا.. أقول لك إنني سأعمل اليوم . و مرت نظرة السخط على وجهه بسرعة ، لكنها لم تدم طويلا . و أصبحت نظرته فجأة مفكرة ، و عاد الشيطان إلى عينيه : -ظنوني حولك ثبت أنها كانت خاطئة . ألم تكوني محرجة يوم أمس؟ هل خدعتني عيناي لرؤيتك محمرة الوجه عندما عانقتك قبل وضعك في الفراش؟ -ما.. ماذا تعني! فقال بحدة: -سأعطيك عشر ثواني للعودة إلى فوق .و إذا لم تتحركي سأحملك إلى غرفتك . و سأضعك بنفسي في فراشك. -لن تفعل! -أربعة.. خمسة... و صرخت بغضب : - أيها القذر!.. أيها المكسيكي القذر! -ثمانية.. تسعة... و في منتصف طريقها على السلم ، سمعت ضحكته من خلفها ، وتمنت لو أن في يدها شيء تقذفه به. كما سمعت ، الرجال المكسيكيون يتوقعون من نسائهم الخضوع التام ، و لكنها ليست إمرأته، و لا تنوي أن تكون خاضعة له. لقد كانت خاضعة طوال حياتها... و لم يقع اختيارها إلا على المكسيك من بين بلدان العالم لتحقق حريتها! و شاهدته من نافذة غرفتها و هو يخرج.. ليس بالسيارة كما هي عادته ، بل سمعت وقع حوافر جواد فقفزت إلى النافذة ، و رأته يبتعد على ظهر جواد أسود رائع ، كم تمنت أن يرميه الجواد عن ظهره، ولكن لا أمل بأن يحدث هذا ، كما لاحظت ، فالجواد و خياله كانا يسيران و كأنهما جسم واحد . يبدو أنه ذهب إلى المزرعة ، وسيبقى هناك طوال النهار ، و كانت مصممة أن لا تخضع لإرادته بالعودة إلى الفراش ، فنزلت إلى المطبخ لتعرض المساعدة في اللحظة التي اختفت فيها أصوات وقع حوافر الجواد. و أخذت تشير لتينا ، و كأنها تكنس و تغسل و تنفض الغبار ، متمنية أن تفهم ما تريد . و ظنت أن تينا فهمت عليها ، عندما أشارت إليها لتتبعها. و لكن أملها خاب بعد أن لحقت بها عبر الردهة إلى الباحة المرصوفة خارج المنزل ، حيث أشارت إلى كولين بالاستلقاء تحت الشمس على كرسي نوم و ترتاح ، و كانت كلمة "السنيور" التي مرت من خلال تدفق الكلمات بالإسبانية منها ، كافية لتوضيح أن السنيور أمر بأن لا تمد يدها إلى شيء هذا النهار. و لم ترد أن تزعج تينا التي كانت كالملاك معها يوم أمس ، فتمددت على الكرسي . و ابتسمت لها تينا ابتسامة مفاجئة ، و انسحبت لتكمل عملها . و تمددت كولين تحت الشمس أكثر من ساعة ، دون أن تفكر بشيء . المناظر الخلابة من حولها ، للمزارع على التلال العالية ، الخضراء التي تحيط بها السماء الزرقاء الصافية ، لم تترك مجالا لأية أفكار مزعجة في نفسها ، بالقرب منها كان بركة سباحة ، مياهها مغرية ، مع أنها لم تكن سباحة ماهرة ، وراء البركة تمتد مروج خضراء ، و زهور ، ملونة بكل الألوان ، وورود ومارغريت ، بينما الهدوء يلف المكان كله من حولها . و انتقلت عيناها عن مساكب الزهور الجميلة ، ليشد انتباهها رجل يقوم بالحفر ، كان في حوالي الخمسين من عمره ، و شاهدها بدوره ، و كان قريبا منها بحيث أنه رآها تبتسم . و لكن شيئا ما في الطريقة التي كان ينظر بها إليها جعل ابتسامتها تختفي . شيء ما جعلها غير مرتاحة ، شيء يجب أن تعرف ما هو مما جعاها تقرر أن لا تجرب بركة السباحة اليوم . و كانت على وشك أن تقرر أنها لم تعد تتمتع بالاستلقاء هنا ، عندما خرجت ايما تحمل صينية قهوة . -لم أعلم بأنك وصلت . و قابلت ايما هذه الكلمات التي لم تفهمها بابتسامة ، ثم لاحظت أن الفتاة شاهدت البستاني ، و علمت أنه مسالم عندما نادته ايما : -ماركو.. القهوة! و ارتشفت كولين قهوتها ، و لم يعد ماركو موجودا ، فعاودها الشعور بالارتياح، حتى أنها بدأت تشعر بالسعادة عندما ركضت الصغيرة بيلا إليها، و قد تغلبت على خجلها من كولين ، و هي تصيح بسرور ، دون اهتمام إذا كانت كولين تفهمها أو هي تفهم عليها مكررة كلمة "فياستا" أي الاحتفال مرات ومرات ، و علمت بعد أن خرجت ايما وراء الصغيرة ، أنهم سيقيمون لها حفلة عيد ميلاد قريبا ، و رفعت ايما يدها إشارة إلى أن الصغيرة سيصبح عمرها أربع سنوات . و عندما بلغت الساعة الثامنة , كان شعور بالجوع يسيطر عليها ، بالرغم من أنها لم تفعل شيئا هذا اليوم ، فتناولت طعاما خفيفا ، و كان امادو و ماركو يأكلان في المطبخ عندما أدخلت الأطباق الفارغة ، وسط احتجاجات ايما وتينا ، و علمت عندها أن ماركو هو من يقوم بالأعمال المختلفة في المكان. و قررت أن الاستلقاء طويلا تحت الشمس أمر غير حكيم ، فخرجت لتتمشى بعد الظهر ، و قامت بجولة على العديد من المباني و الاسطبلات حيث يعمل العديد من الرجال ، ذوي الشعر الأسود و العينين البنيتين على عكس رب عملهم ، و كلهم يرتدون قبعات القش ، و لم تكن من طراز (سومبريرو) المكسيكي المشهور كما تصورت كولين . عند المساء ، ارتدت فستانها الطويل الذي ارتدته يوم تعشت مع جوليانو آخر مرة ، كانت متأكدة أن تينا قد أخبرته بما بكل ما فعلته خلال اليوم . و لم ترغب في أن يأتي إليها بنفسه ليأمرها بالنزول ، فدخلت غرفة الجلوس عند الساعة الثامنة إلا ربع ، ووجدته هناك يصب لنفسه كأسا من الشراب... و بدأت الكلام معه لتظهر له أنها على استعداد لأن تكون مؤدبة : -يبدو أنك غير معتاد على الشراب الوطني.. كما أرى؟ -في بعض الأحيان.. يبدو أنك تحسنت.. ماذا تحبين أن تشربي؟ -أشرب مثلك. و أشار إليها بالجلوس ، ثم قدم لها كأس الشراب ، و جلس في المقعد المقابل لها . كانت مصممة على البقاء هادئه و عادية ، و تريده أن يبقى هادئا إلى أن تجد جوابا على سؤال ظل يجول في ذهنها طوال اليوم ، و قالت اه: -لون شعرك أفتح من بلقي المكسيكيين الذين قابلتهم. و شعرت بالندم فسارعت للقول: -آسفة لم أقصد أن أكون غير مهذبة معك؟ -هل يحيرك لون شعري؟ -أجل.. أنا لم أشاهد مكسيكيا لون عينيه أزرق أيضا. -هناك الكثير هكذا في الشمال.. و من المعروف أننا أخذنا هذه الألوان من أسلاف فرنسيين و ليس من أسلاف اسبانيين. ثم بدأ يروي لها كيف تلقى الامبراطور مكسيمليان الدعم من الفرنسيين ، و كيف أن البعض منهم بقي في البلاد و تزوج من فتيات محليات. عذوبة حديثه جعلت تفكيرها يبتعد عن السؤال الذي كانت ترغب حقا في طرحه عليه ، ووجدت نفسها تسأله عما إذا كان قد تعلم الفرنسية عن طريق أسلافه . فأجاب بالفرنسية "وي" ، و ابتسمت مرغمة ، لأنه تلفظ بهذه الكلمة بطريقة مضحكة. خلال هذا عيناه بقيتا مثبتتان عليها ، و لم تفهم لماذا ، ثم قال : -تصبحين أجمل عندما تبتسمين يا كولين ، يجب أن تبتسمي دائما . و أزعجها هذا التعليق الذي يجب أن يكون إطراء ، فهو قد جعله يبدو و كأنه تقرير أمر واقع ، فربما لم يكن يقصد به الإطراء . و قالت له : -أنت تتكلم الإنكليزية بطلاقة أيضا . -لقد تلقيت تعليمي لسنوات في أمريكا... أرى أنك أنهيت شرابك ، فهل ترغبين في المزيد أم نذهب لتناول العشاء -أفضل العشاء. و قال لها بعد أن رآها تبتسم : -أعتقد أن فكرة ما أضحكتك ؟ -كنت.. أفكر فقط بشيء ما . و انتظرت كولين إلى نهاية العشاء لتسأل السؤال الذي كان يلح على الخروج من لسانها: -جوليانو... كنت أتساءل... -أنا مصغ إليك . -حسنا... لا يبدو أنني أعمل بشكل جيد لكسب ثمن تذكرة سفري. -غريب.. و لكن من رأيي أنك قمت بعمل أكثر من جيد فيما طلبته منك . -و لكنني لا أظن هذا . لذا كنت أتساءل.. إذا... و نظرت إليه ، و انزعجت لأن تعبيراته لم تتغير ، و انزعجت أكثر لأنه قنع بالجلوس و تركها تجمع شتات تفكيرها لما ستقوله : -هل تستطيع أن تقرضني ثمن تلك التذكرة ؟ و هكذا خرج السؤال منها ، وانتظرت رده مقطوعة الأنفاس . ورفعت رأسها عاليا بانتظار رفضه. و سألها بعد توقف بدا لها طويلا : -أقرضك ؟ ووجدت بعض التشجيع لأنه لم يجابهها برفض قاطع . و بدا أن كبرياؤها قد فارقها وهي تقول له : -سأعيد لك ، كل قرش منها.. و أعلم أنك لن تتضايق من دفعها.. -هكذا إذا... لقد كنت تتجولين بفضول اليوم لتعرفي مدى ثرائي . -لا.. ليس الأمر هكذا. لقد خرجت لأتمشى ، صحيح، و لمن ليس لأتجسس ، كما تسمي الأمر. اللعنة عليه ، لقد فهم بشكل خاطئ ، و ابتعد كثيرا عن محاولة فهم وجهة نظرها . وكل ما نجحت به هو أنها أكدت له بأنها تسعى وراء المال تماما كأخيها. و لم يكن عندها أدنى فكرة عن كيفية إقناعه كم هي مخلصة ، و لكن مهما يكن ، عليها أن تحاول . وعليها أن تجلس و تتحمل كل ما سيتهمها به ، فهي لن تتمكن من الصراخ في وجهه كما ترغب . فعليها أن تخرج من هنا , وعن طريقه هو فقط يمكن تحقيق هذا . و لكن قبل أن تتمكن من ترتيب الكلام الذي ستقوله ، كان يسخر منها قائلا : -يبدو عليك أنك متشوقة للذهاب... هل هذا يعني أنك لا تحبين هذا المكان ؟ -منزلك في منطقة جميلة جدا... و لو.. أن الظروف كانت مختلفة ، فأظن بأنني سأكون مسرورة جدا لهذه الفرصة.. لقضاء بعض الوقت هنا.. ولكن... -و لكنك أدركت أنني لست فريسة سهلة لعينيك؟ و ازداد غضبها ، فصاحت و قد آلمها اتهامهلها ثانية بأنها صائدة فرص. -اللعنة عليك! و كان رده مع ابتسامة باردة لأنه نجح في تحطيم برودها . -تقولين بأنك ستردين المبلغ لي.. فهل يجب أن أقبل بطلبك؟ و هكذا بهدوء ، أطفأ نار غضبها بالعودة إلى الموضوع المهم ، و بدلا من أن ترميه بكوب الماء تنفست الصعداء ، و بدا لها أنه على استعداد لبحث الأمر. -أجل بالطبع. سيكون هذا مجرد قرض . -و هل لي أن أسأل كيف تنوين أن تدفعيه؟ مما فهمته منك ، فوالدك هو معدم مثلك تماما ، وإلا لكنت أبرقت له لتطلبي المبلغ عندما كنت في الفندق في (كواريتارو). -والدي لا يفتقر إلى المال! -و لكنه لا يميل لإرسال أي مبلغ من ماله لك ؟ -لقد دفع ثمن تذكرة سفري إلى هنا . -بالنسبة لرجل بخيل هكذا ، يبدو أنه كان مستعدا للدفع لمجرد الخلاص منك . هل كان سعيدا للخلاص منك؟ و آلمها السؤال ، مما أجبرها أن تدافع عن والدها ، فقالت بهدوء : -لم يكن في منزله الجديد مع زوجته مكان لي. -ألم يكن والدك يحبك ؟ و جاء دورها للسخرية، فلم ترغب في أن يلاحظ أن الرد على سؤاله يؤلمها أيضا : -لم يقل لي هذا ابدا. -عندما يكون الحب موجودا فلا حاجة للكلام فيه ، فمعرفته غريزية . و عادت إليها كراهيته ثانية وهي تجيبه: -إذا..قد أفهم من هذا أن والدي لم يكن يحبني . و شعرت بالغضب من هذا الحديث ، واستمر جوليانو بالنظر إليها دون أن يرد ، فتابعت: -و أفضل أن لا نتكلم عن والدي أو عن نقص عاطفته لي ، لو سمحت . -حسن جدا... و لنعد إلى ما تقترحينه لرد القرض الذي قد أفكر بأن أعطيه لك . -سأحصل على وظيفة.. عندما أعود إلى بريطانيا. -و ماذا ستعملين ؟ إذا كنت قلت لي الحقيقة ، فإنك لم تعملي من قبل . -أعترف بأنني لم أعمل من قبل لقاء أجر ، و لكنني كنت مدبرة منزل والدي و كنت أنظفه أيضا . و عرف جوليانو أنها لا تخاف من العمل أبدا . -لا شك في هذا . وبدا صادقا ، و علمت أنه تذكر ما قامت به في منزل المدير . -لم أكن أريد أن أطلب منك ، و لكن بما أنني لم أجد رايان.. فأنا... ها قد أفسدت الأمر . وأدركت هذا عندما ذكرت أسم رايان فكل ما سيتذكره الآن هو ايذاء شقيقها لفرد من أفراد أسرته، و استنتجت هذا من تصلب فكه الفجائي . يبدو أن كراهيته لرايان و كل ما فعله أكبر من أن ينساها ، ودفع بكرسيه إلى الخلف ووقف: -أرى أن شهيتك قد تحسنت ، و لكن بما أن الوجبة قد انتهت فأرجو أن تعذريني.. فلدي أوراق يجب أن أدرسها. -و لكن.. ماذا عن تكاليف سفري ؟ ووقفت بسرعة ، وتقدمت نحو الباب لتصل إليه في نفس الوقت الذي وصله. فهي لم تجلس هنا طوال السهرة حتى يخرج في النهاية و يصفق الباب في وجه آمالها. -تكاليف سفرك؟ لقد اقترحت بنفسك أن تعملي لاكتسابها. وهكذا ستفعلين ، و لمن ليس في بلادك. -و هل سأبقى.. هنا؟ -لبعض الوقت كما أظن... هذا إلا إذا كنت تنوين ان تتبعي مثال ما فعله شقيقك. إذا.. فتفكيره لا يزال مركزا على رايان ، و أجابته: -أنا.. لم أفهم عليك. -لم تفهمي؟.. شقيقك ظن أنه وجد لنفسه إمرأة ثرية ، ألم يفعل هذا؟ -وهل تعتقد... هل تظن أنني قد أمثل عليك كي أحصل على تكاليف سفري دون أن أعمل بالمقابل؟ -لا أذكر أنك عارضتيني يوم أمس عندما عانقتك . و لم تدري ما لذي يزعجها أكثر ، أهي عجرفته التي لا تطاق ، أم الخجل الذي غمرها لأنه كان يقول الحقيقة، و لكن يدها اليمنى التي تلهفت أكثر من مرة للوصول إليه ، لم يعد باستطاعتها إسكاتها ، و قبل أن تفكر ، اختارت يدها اللحظة المناسبة لتنطلق في الهواء . وصفعته على وجهه تماما ، و هي بالكاد تعرف ماذا تفعل ، فيدها كانت تتصرف باندفاع ذاتي عنيف . و قالت بعد الصمت الذي تلا : -بما أننا لا زلنا في مجال التذكر ، أتذكر أنني نسيت أن أعطيك هذا بالأمس . الابتسامة التي ظهرت على وجهه لم تعجبها أبدا . و قال بنعومة : -أنا أشعر بالفعل يا كولين شادو ، أن هذه العقوبة أكبر من الجريمة . لذا اسمحي لي يا عزيزتي كولين أن أصحح هذا التوازن. و لم يكن لديها أية فكرة عما سيفعل ، مع أنه قد خطر في بالها أكثر من مرة بأنه يرغب في ضربها، و لكنها لم تكن تظن بأنه سيرد على التحية التي قدمتها له لتوها. مع ذلك ، فقد أسرعت بالتراجع ، و اكتشفت أنه أسرع منها في الحركة ، و لكن ليس ليضربها.. و في لحظات لم تدري بنفسها إلا و هي ما بين ذراعيه . و جسده الذي لامسها يوم أمس قد عاد ليلامسها ثانية. و لكن هذه المرة لا تقارن بالمرة السابقة ، و قاومت كي تتخلص ، فهي لا تريد أن تبقى بين ذراعيه.. و لكن يا للسماء.. مالذي يحدث لها ؟ إنها تشعر بالسلامة و الأمان بين ذراعيه ، و مع ذلك فلا يجب أن تشعر هكذا. و شهقت : -لا تفعل هذا! و استطاعت أن تبعد نفسها قليلا عنه ، و لكنه عاد ليحكم ذراعيه من حولها ، و حاولت التخلص بقوة ، و أن تجذب جسدها بعيدا عنه ، و لكنه استمر في الضغط عليها بشدة ، ثم ذهلت لشعورها بأن الخوف قد بدأ يختفي من داخلها ليخلي الطريق أمام مشاعر جديدة . و لم تعد تقاوم بل أحست بالدوار ، و عندما تركها ، و جدت أنها تحدق بغباء في عينيه اللتان بدتا وكأنهما تكشفان كل ما يدور في أعماقها . -ألم تكوني تتوقعين وجود هذه المشاعر في داخلك ؟ و أحست بغضب شديد لأنه يسخر من سذاجتها . و أخذت تفكر بماذا سترمي في وجهه، ثم قفزت إلى ذهنها فكرة قد تكون الحل لكل مشاكلها . -بإمكانك الأحتفاظ بمالك... فأنا لست بحاجة إليك! أول شيء سأفعله في الغد أن أذهب إلى القنصلية البريطانية . فهم موجودون هنا لحل مشاكل مثل مشكلتي ، و لمساعدة البريطانيين المقطوعين هنا . و تمنت أن تكون محقة... و لكن غضبها لم يؤثر به أبدا.. و لاحظت على الفور أن ما يجري وراء عينيه الذكيتين لن يعجبها أبدا . -بعيدا عن أن ليس هناك قنصلية بريطانية في "دورانغو" فعائلتك مدينة لعائلتي سنيوريتا . و أخذ يحدق بها ، و الجليد في عينيه على عكس المظهر اللامبالي الذي كان يتقنع به . يجب عليها إذن أن تدفع الدين قبل أن يوافق على ذهابها . لكنها ستحاول إيجاد قنصلية بريطانية في مكان ما ولو كلفها هذا المال القليل الذي تملكه ، و لكنه قال لها : -لو حاولت الخطو خطوة واحدة خارج أملاكي ، أيتها الآنسة الشامخة الأنف ، فسوف أضع شقيقك في السجن قبل أن تحصلي على مقعد في أية طائرة . -السجن ؟ لا تستطيع ، فأنت لا تعرف مكانه . -لدي اتصالاتي ، و أستطيع معرفة أين ذهب . و لن يكون صعبا على البوليس أن يلقي القبض على رجل إنكليزي . و تمنت كولين أن يبقى شقيقها مختفيا ، بالرغم من رغبتها في أن تجده . و أخفت خوفها ثم قالت متحدية : -لا تملك شيئا ضده... و لم يرتكب أي خطأ! -لنتخلى عن الجدال الأخلاقي ، بما أنك ملوثة مثله.. و يكفي أن أقول ، إنني أستطيع التفكير بشيء سيبقيه في قبضة البوليس إلى أن يقدم للمحاكمة . -و لكن.. بإمكان محام بارع أن يظهر بأنه اتهم زورا. -ربما.. و لكن ليس قبل أن يختبر الحياة في سجن مكسيكي . و بينما كانت تحاول فهم ما يقصده ، تركها و توجه نحو الباب ، و فتحه منتظرا أن تخرج منه و تابع : -قوانينا مختلفة عن قوانين بلدكم ، فهنا نعتبر المسجون مذنبا حتى تثبت براءته . و تحركت كولين و كأنها إنسان آلي ، مذهولة ، لا تستطيع التصديق بأن هذا الرجل الذي عانقها بكل لطف يمكن أن ينقلب إلى رجل بارد يجري الثلج في عروقه . و نظر إليها و قد لاحظ كم أثرت كلماته بها . -و هل ذكرت لك أن جدول محاكمنا مشغول جدا ؟ و أن على شقيقك مواجهة وقت طويل في السجن قبل ... و تركته إلى غرفتها قبل أن يكمل كلامه.. لقد هزمها ، وهو يعرف هذا . و ليس أمامها أية فرصة سوى أن تطيعه في كل شيء إذا كانت تريد ان لا يختبر رايان شكل السجن في المكسيك من الداخل . ******************* يتبع.... | ||||
17-02-09, 12:24 AM | #20 | ||||
| الفصل السادس بدون خبرة خلال ثلاثة أيام ظل قلب كولين مليئا بالمرارة على جوليانو إنريكو.وعند وقت تناول الطعام لم تكن تتكلم معه إذا استطاعت تجنبه ، و تشعر بفرح قلبي عندما يظهر الانزعاج منها . و كم كانت تفضل أن تتناول طعامها في المطبخ مع الآخرين . ولم تكن الأمور بينهما تتحسن حتى على تتبع تعليمات الطبيب حرفيا ، وترتاح .وبعد هذه الأيام الثلاثة أصبحت كولين متلهفة لعمل أي شيء . في اليوم الرابع جلست في الفناء الخارجي ترتشف قهوتها الصباحية ، يبدو أن هناك بعض الفوائد من تكاسلها الإجباري .و إحدى هذه الفوائد هو تعرفها بالموجودين في المنزل أكثر . و توقف تفكير كولين عندما خرجت بيللا الصغيرة ، كعادتها كل صباح ، لرؤيتها . وتذكرت أن الطفلة الحبيبة قد أتمت الرابعة في هذا اليوم . و مدت كولين يدها إلى حقيبتها و أعطتها قطعة شيكولاتة بالحليب من النوع الذي يفضله شقيقها رايان ، و الذي جلبته معها ظنا منها أنه غير متوفر في المكسيك . وكان هذا كل ما تستطيع أن تعطيها إياه . و أخذتها بيللا بسعادة و أمسكت بها بيديها و هي تركض إلى الداخل و تصرخ "مامي" . و كان ماركو في المطبخ عندما دخلت كولين لتعيد صينية القهوة ، واحجت تينا كالعادة ، وتقدمت ايما لتشكرها على الشيكولاتة التي أعطتها لبيللا و حاولت كولين أ، تفهم ما كانت تقول ايما بالإسبانية عن الاحتفال . فقال ماركو و ابتسامة على وجهه تبرز أسنانه الصفراء : -ايما تسألك عن الحفلة . لقد برهن ثانية على أنه مفيد . و إذا كانت قد فهمت بشكل صحيح ، فهي مدعوة لحفلة عيد ميلاد بيللا بعد ظهر هذا اليوم . و بمساعدة ماركو ، وإشارات من ايما تأكدت أنها فهمت بشكل صحيح . و بعد قبولها الدعوة بابتهاج ، تركت المطبخ ، على الأقل سيكون هناك نوع من التغيير في حضورها الاحتفال . يبدو أن ساعات عمل ايما كانت مرنة و بما أنها لم تكن تعمل بعد الظهر ، فقد تم الاتفاق على أن يرافق ماركو كولين إلى الكوخ الذي تسكنه ايما مع زوجها . وعند الثالثة صعدت إلى "فان" قديم بدا بدهانه الباهت , و محركه ، صالح لتسلق الهضاب أكثر من السير في البلد . و خففت العربة من سرعتها بينما بدت مجموعة الأكواخ على مرمى النظر ، و مد ماركو يده ليغير يرعة السيارة ، فلامست يده الضخمة ركبة كولين ، و يبدو أن الأمر كان عفويا ، و كان تفكيرها مشغولا بأشياء أخرى ، فالتفتت إليه مبتسمة ، و نسيت الأمر ، و عاد تفكيرها ثانية إلى الحفلة . -سأعود لآخذك سيدتي . قال ماركو هذا بخليط من الإسبانية و الإنكليزية ، و كلنت كولين تفكر بما قاله حتى أنها لم تلاحظ الطريقة التي كان يلعق بها شفتيه. -موتشاغراتسيس ماركو . و توجهت نحو الكوخ الذي أشار إليه حيث تعيش ايما ، وزوجها و فوجئت عندما دخلت الكوخ الصغير الساحر . فقد كان هناك جيش من النساء.. لا بد أن عيد ميلاد طفل في المكسيك حدث كبير ، و أدركت كولين هذا قبل أن يقع نظرها على قالب الحلوى ذو الثلاث طبقات . لم تكن قد حصلت على عيد ميلاد لها طوال حياتها . و لكنها حفلة قبل وفاة والدتها ، و قالب الكاتو في تلك الحفلة ، كما تتذكر لم يكن مشابها بأي حال لهذا القالب الضخم الجميل . و ابتسمت ايما مرحبة بها بحرارة ، و شعرت بأنها ضيفة مميزة . ثم خرجت من المطبخ إلى الحديقة حيث الطاولات و الكراسي ، و البعض منها مستعار من الجيران ، كما لاحظت كولين ، و الأطفال ثيابهم الملونة يلعبون و يمرحون . كانت الحفلة قد بدأت عندما حضر الرجال من عملهم باكرا . و قدمت ايما زوجها لكولين ، ثم تجمع الأولاد من حوله و أعطوه قناعا من كرتون يمثل مهرج السيرك صائحين "بيناتا.. بيناتا!". فربط القناع على وجهه وحمل الدمية على عصا ، و أخذ يدور بها ، و الجميع يرقصون ويغنون و يدورون حوله ، و هم يضربون الدمية بالعصي . ذروة هذا الحفل كان بعد أن قطعت أول ساق للمهرج الورقي الذي كان يدور به زوج ايما ، ثم إحدى ذراعيه ، و قام الأولاد بضرب الدمية بقوة ، و تساقط كل أنواع السكاكر و الحلويات من رأس الدمية . و نتج عن هذا تجمع مضحك للأولاد على الأرض ليحصلوا على ما وقع على الأرض . و تكوم الأولاد على الأرض ليجمعوا ما يقدرون عليه حتى أن ابتسامة كولين اتسعت ثم انفجرت بالضحك . و أمسك أحدهم بذراعها فأدركت ، بعد أن خفت ضحكتها و لا زالت الابتسامة عريضة على وجهها ، أن شخص ما قد وصل و أنها تسد عليه الطريق . فالتفتت ، الواصل المتأخر كان جوليانو إنريكو ، و لاحظت أن نظرته مثبته على فمها الضاحك ، الذي بالكاد كانت تفتحه للحديث في رفقته خلال الأيام القليلة الماضية . و اختفت الابتسامة . -هل تتمتعين بالاحتفال ؟ لقد كنت أتمتع... فلماذا جاء إلى هنا؟ و برز تحفظها البارد بكامل قوته . فقالت ببرود : -أجل.. كثيرا. و لكنها لم تعد كذلك . فهي الآن راغبة بترك الحفلة، فوجوده قد أفسد سعادتها ، و قالت بخشونة و لكن بأدب : -اعذرني... و حاولت الابتعاد عنه. سوف تودع الجميع ، ثم تبدأ بالعودة إلى المنزل ، و قد تلتقي بماركو في الطريق . و لكن نيتها في الابتعاد عن جوليانو لم تصل إلى نتيجة . فعندما وصلت إلى حيث والدا الطفلة الفخورين، كان جوليانو إلى جانبها . وتمتم لهما ببعض الكلمات ، ثم وجدت نفسها تسير معه ويده تمسك ذراعها بحزم ، بينما كان يتبادل التحيات مع الحاضرين . ماذا يظن أنه يفعل.. يمسك بذراعها بحزم ، بينما كان يتبادل التحيات مع الحاضرين . ماذا يظن أنه يفعل.. يمسك بذراعها هكذا ، و أمام الجميع يظهر بأنه مرافقها ؟ وغضبت... و لم تتردد عندما أصبحا خارج المنزل في أن تجذب ذراعها من يده ، و هي تستعد لتوديعه ببرود . وقالت : على الأرجح سأراك وقت العشاء. و كانت هذه إشارة صرف له ، و لكنها أدركت من نظرته الغاضبة أنه لم يعجبه ما قالته. -سأصطحبك بنفسي إلى المنزل . -لا.. سيأتي ماركو لمرافقتي.. وسأذهب الآن ما... -ماركو لن يأتي ليأخذك . و أنت لن تمشي إلى أي مكان في هذا الحر . -لقد اتفقت مع ماركو أن... -و أنا قلت له أن يتابع عمله. و فكرت كولين بغضب.. يا لّهي كم تكرهه! و اضطرت ، قبل أن يقوم بجرها بالقوة ، أن تتجه إلى سيارته . و لكنها لم تنظر إليه و هي جالسة بقربه . و لم يقم بتشغيل المحرك على الفور ، مما دفعها للنظر إلى وجهه المتجهم . -في المستقبل لا تخرجي إلى أي مكان مع ماركو.. هل هذا مفهوم ؟ و لم تكن تنوي أبدا الذهاب مع ماركو إلى أي مكان . و لكن هذا لم يمنعها من إجابته على الفور : -من تظن نفسك. -أنا الرجل الذي سيدفع أجرة سفرك . فردة عليه بحدة : -أنت تحب أن تكرر هذا دائما! و ضرب بيده بقوة على المقود . لقد أثارته أكثر مما يحتمل . و قال راعدا: -ابتعدي عنه! و أدار السيارة بعنف. و استغرقت رحلة العودة نصف الوقت الذي استغرقته مع ماركو ، و بصمت ثقيل يجثم كالقلعة ما بينهما. توقعها أن تشاهد جوليانو عند العشاء كان خاطئا . و شاهدت النور من تحت باب مكتبته ، لا بد أنه أمضى عدة ساعات هناك . وربما سيتناول عشاءه وهو يعمل..و هذا أفضل لها فبقاؤه داخل مكتبته، سيوفر عليها ضرورة تحمله أكثر مما تستطيع. و اكتشفت مستغربة أن لا شهية لها على الطعام ، و لا يمكن أن يكون السبب ما تناولته في الحفلة ، لأنها لم تأكل الكثير هناك. في اليوم التالي كانت مشاعر الثورة تغلي في داخلها. فقد سئمت وتعبت من فرض جوليانو لقوانينه الخاصة عليها . و ها هو يوم آخر من الكسل و عدم الحركة يواجهها . عند الساعة الحادية عشر من هذا الصباح ، أحست بالقلق و هي تقاوم أوامر جوليانو بأن ترتاح ، و فكرت بأن تنظيف منزل مدير المزرعة أفضل لها من أن لا تعمل شيءا ، و كانت في الباحة الخارجية عندما برز ماركو من جانب المنزل . و فكرت أن تعتذر له لأنه تلقى تأنيبا من جوليانو بالأمس . و سارت نحو المرجة لتفعل هذا. و بعد الاعتذار ، رأت من ابتسامته التي تبرز أسنانه الصفراء أنه لا يحمل أية ضغينة ، وقال لها بالإنكليزية المكسرة : -نزهة في السيارة ؟ و اعتقدت أنه يعني بأنه ذاهب إلى البلدة لعمل ما ، و أنه يعرض عليها أن يأخذها معه . و كان يحمل قطعة خشب في يده ، فربما هو بحاجة لمسامير أو أي شيء لهذه الخشبة . و بأسف هزت رأسها بالنفي . فهي لن تستطيع بسهولة أن تنسى ما يستطيع جوليانو فعله لشقيقها لو أنها خطت خطوة خارج حدود أملاكه . و لكن التمرد في داخلها , و عرض ماركو أخذها إلى البلدة أعطاهافكرة أخرى . فقالت : -أنت.. تأخذني إلى الكاسا الخاص بالمشرف؟ فقال لها ماركو على الفور : -سي.. سي . و فكرت كولين ، كم هو لطيف لأنه لم يحمل ضغينةضدها لتسببها بأن يلذعه جوليانو يوم أمس بلسانه . فقالت : -مومنتو.. دقيقة واحدة. و بشعور مبهج لأنها سترد الكيل لجوليانو إنريكو العظيم التبجيل ، أخذت تفتش في المكتبة حيث كانت قد شاهدت رزمة مفاتيح ، و لم تأخذ وقتا طويلالتتعرف إلى مفتاح منزل المشرف . فأخذته و أسرعت إلى حيث يوقف ماركو عادة سيارته . و كان من عادتها أن تخرج من المنزل من باب المطبخ نحو الفناء الخارجي ، و نظرت إليها تينا باستغراب فقالت لها كولين : -منزل المشرف... ماركو سيأخذني إلى هناك . و عندما استمرت تينا تنظر إليها باستغراب أبرزت المفاتيح ، وكان رد فعل تينا عندها مهتاجا و صاخبا ، فقالت صائحة : -لا.. لا.. فضحكت كولين وأجابت : -سي!.. سي.. بلى. و اتجهت نحو الباب.. فلتقل لجوليانو , فلماذا ستهتم به ! سوف تعلق الستائر اليوم.. و جلست إلى جانب ماركو في السيارة ، وانطلق بها ، متجاهلا خروج تينا و هي تصيح به بملء فمها بالإسبانية . مرة أخرى خلال قيادته للسيارة ، لمست يده ركبة كولين . و لكن الابتسامة على وجهها هندما استدارت لتنظر إليه تلاشت فجأة ، حتى و لو ظنت بأنها تخيلت تلك النظرة على وجهه. و فكرت.. لا بد أنني مخطئة ، و بدأ السرور يتلاشى ، و تحركت نحو الباب أكثر ، حتى و هي تظن بأنها تخيلت تلك النظرة في عينيه، و دفعها الشعور بالقلق للقفز فورا من "الفان" عندما أوقفها ماركو قرب المنزل . و قالت : -غراتسياس ماركو . و اكتشفت أنها اختارت المفتاح الصحيح ، إذ فتح باب منزل المشرف و دخلت ، الطابق الأرضي كان كما تركته ، و شعرت بطاقتها الكاملة ، فتوقفت في المطبخ حيث كانت تعليقات الستائر ، و حملتها ثم صعدت إلى الطابق العلوي و هي تتشوق لتعليقها. و كانت تقوم بتثبيت العلاقات على الستائر عندما استدارت لسماع صوت . -لنمرح.. ايه سنيوريتا ؟ و قبل أن يستوعب عقلها ما قاله ، و ماذا يفعل هناك ، بدأت يداه الغليظتان تفكان أزرار قميصه.. و تصاعد الذعر فيها ، وشعرت بالغثيان ، و جف فمها.. يا إلّهي.. يمكن أن تصرخ حتى ينفجر رأسها هنا ولن يسمعها أحد ، و قالت ، محاولة أن تجعل صوتها حازما : -لا.. ماركو . لقد فهمت كل شيء بشكل خاطئ . و بدا أنه لم يسمعها أبدا ، و ضحك ، وعيناه تجولان فوق جسدها و كأنهما تعريانها ، و اقترب منها . و تحركت بسرعة بينما كان يفك حزامه ، و قفزت من فوق السرير إلى الجانب الآخر ، و التفتت إلى النافذة ، و تذكرت أن هذه النافذة بالذات لم تنفتح معها المرة الماضية . فقالت : -لا.. لا مرح. و هو بالتأكيد أقوى منها ، و لكن يجب أن تبقى بعيدة عنه ، فلو تقدم منها وأمسكها فلن تستطيع المقاومة ضد جسده الضخم . وقال : -سي... فياستا.. إذا فهو يريد أن يحتفل . و لم تتحرك عيناها عنه ، و التقطت قضيب الستارة . قد لا يكون سلاحا فعالا ضده ، و لكن هذا كل ما استطاعت أن تجده. و شاهدته ينظر إلى القضيب في يدها ، وبدأ يضحك ، ثم فجأة ، بعد أن ماتت ضحكته ، ظنت أنها سمعت في الصمت الذي تلا صوت محرك سيارة . و انبعث الأمل فيها ، ولكنها كانت خائفة من أن تذهب إلى النافذة لتنظر إلى الخارج. فيتمكن ماركو عندها من الإمساك بها . فهو لم يسمع شيئا ، كما لاحظت ، فقد أخذ يقترب منها بالتدريج و شاهدت النظرة النهمة في عينيه . ثم توقف فجأة ، فقد سمع بدوره هدير صيحة : -كولين! و تبع الصيحة وقع أقدام تصعد السلم الحجري . و خفق قلبها بشكل أعنف ، و هذه المرة من الارتياح ، و انهمرت الدموع من عينيها بعد أن دخل جوليانو الغرفة ، و نظرة غضب شيطاني على وجهه وقد شاهدها تدافع عن نفسها بقضيب ستارة رفيع . ثم نظر إلى ماركو الذي انفجر بالثرثرة. ما كان يقوله ماركو ، لم تفهم كولين منه شيئا. ربما يقول بأنها هي من أتت به إلى هنا . و لكن جوليانو لم يهتم بتفسيراته، إذ أخذ يزأر و كأنه الثور البري ، و جر ماركو إلى خارج الغرفة بعيدا عن نظرها . و من أصوات الضرب واللكم و الصراخ تمكنت أن تحزر ما حدث . و لم يكن هناك شك في ذهنها ، على الرغم من ضخامة جسد ماركو ، أنه سيحصل على أسوأ عقاب من جوليانو ، و شعرت بالأمتنان و الدفء لمخدومها الذي أسرع لنجدتها ، و أتى من حيث لا تدري لإنقاذها . و لم تكن كولين معتادة على الاستسلام للبكاء ، و لكن خلاصها من الرعب الذي تملكها ، عبر عن نفسه بنحيب عنيف أخذ يهز جسدها هزا ، ولم تستطع إيقافه . و كانت الدموع لا تزال تنهمر على وجهها عندما عاد جوليانو بعد دقائق . و سمعت صوت محرك سيارة ماركو ، و علمت أن جوليانو لم يقتله . و لم تستطع السيطرة على نفسها لأن دموعها ظلت تنهمر . و تجاهلت نظرة الغضب في عينيه و أخذت تصيح بانفعال : -جوليانو.. أوه جوليانو! إنها غلطتي.. أنا.. أنا لم أفهم.. كان علي أن أعرف... و من خلال دموعها لاحظت أن الغضب زال عن وجهه ، و بخطوات سريعة أخذها بين ذراعيه القويتين المريحتين ، و أخذ يربت بيده على ظهرها ليهدئها ، ثم قادها نحو السرير ليجلس معها هناك ، وهمس بنعومة : -و كيف يمكن أن تعرفي هذا و أنت تفتقرين إلى الخبرة ؟ و مد يده ليضع رأسها على كتفه . فبكت قائلة : -كان علي أن أعرف ما هي نوعيته.. لقد شككت أنت فيه.. لذا قلت لي أن لا أذهب معه إلى أي مكان . أليس كذلك ؟ و أسكتها بسرعة محاولا تهدئتها : -لقد طردته.. انتهى أمره الآن.. لا تفكري به . -أنا.. آسفة.. و لكن المشاعر التي بقيت لسنوات طويلة مكبوتة خرجت من قوقعتها العادية و لم تعد تستطيع أن تسيطر عليها بأي شكل كان . و أصبح تحفظها من الماضي ، فقد كانت عطشى إلى كل ذرة من الراحة والأمان اللذان توفرانه لها ذراعه الملتفة من حولها ، وضمت نفسها إليه ، و التفت ذراعاها حول وسطه و هي تتمسك به بلهفة . و رفع يده عن شعرها، و وضعها تحت ذقنها ليرفع رأسها كي ينظر إلى عينيها . كم يبدو غريبا أن شخص تكرهه كثيرا يمكن أن تشعر بمثل هذه الراحة بين ذراعيه . و كل ما خطر ببالها تحت نظرته المتفحصة، كم أنها تبدو سيئة المنظر له : -لا بد أنني أبدو مريعة . و كان هذا كل ما استطاعت قوله ، و أصابعه الرقيقة تمسح الموع عن وجهها المبلل . و قال بنعومة : -أنت تبدين جميلة . و من حيث لا تدري ، استطاعت أن ترسم ابتسامة على شفتيها ، لأنه قال لها مرة أنها تبدو جميلة عنما تبتسم . و ساد الهدوء الغرفة ، و لم تعد كولين تبكي ، و لم تعد تشعر برغبة في البكاء . كانت ملتصقة به ، لأن شيئا ما كان يحدث لها و لم تكن واثقة ما هو . و كل ما أصبحت أكيدة منه أنها قطعا لا تكرهه أبدا . لأن التصاقها به هكذا لم يكن يبدو لها أمر خاطئ . و قال جوليانو: -أعتقد.. أن علينا الذهاب الآن . -أجل.. و لكنها لم تبعد ذراعيها عنه ، كما لم يبعد هو أيضا ذراعيه عنها . و قال وهو ينظر إلى عينيها : -أنا.. ثم صمت ثانية و مد ذراعه الأخرى ليلفها من حولها في عناق ناعم طويل . و همس في أذنها : -لا تخافي.. و أرادت أن تقول له بأنها ليست خائفة ، و لكنها لم تكن متأكدة من هذا ، فلم تقل شيئا ، بل همست بصوت مرتجف "جوليانو" فقال بنعومة : -هل ضايقتك ؟ و ردت عليه هامسة "أوه.. لا" . و احمر وجهها لما قالته ، و ابتسم عندما شهد احمرارها . و همس لها : -تي كويرو . -و ماذا يعني هذا ؟ فابتسم بحنان : -أريدك... تي آمو . و عانقها من جديد ، و أحست بشيء في حنجرتها حاولت أن تهدئه فلم تستطع... كانت على وشك الانفجار بنوبة سعال حاد مؤلم . و انتابها الذعر لهذا ، فدفعته بصدره ليبتعد عنها ، و تركها على الفور لتجلس مرتاحة . نوبة السعال لم تحدث . و لكنها علمت أنها أفسدت كل ما كان يجري بينهما . و كانت على وشك أن تقول إنها آسفة ، و لكن العبوس الذي شاهدته على وجهه منعها ، ثم عاودها تحفظها من جديد . و قال لها بخشونة : -أنت دائما تختارين اللحظة المناسبة يا كولين شادو ، لتذكري الرجل بأنك مريضة مؤخرا.. و تحتاجين للراحة! كيف تستطيع أن تقول له أنها بخير ؟ منذ دقائق كان بإمكانها أن تقول هذا، ولكن هذا قبل أن يعود تحفظها إليها ، فالفتاة التي عادت لتكونها الآن لن تحلم أبدا بالقول له أي شيء قد يفسره و كأنه دعوة له . و سألته و هي بحاجة لأن تبعد تفكيرها عما حدث للتو ، أو عما أرادت هي أن يحدث : - و كيف عرفتبأنني هنا ؟ و ابتسم لها ابتسامةأخبرتها بأنه أصبح يعرفها معرفة أكثر مما تفضل أن يعرفها ، و أجابها بقسوة : -لقد عدت إلى المنزل لأجري مكالمة هاتفية حول حفلة عشاء عمل هذة الليلة.. و لكن قبل أن أقترب من مكتبي ، ركضت تينا إلي و أخبرتني أنك خرجت للتو مع ماركو.. لقد استطعت أن تري بنفسك ماذا يحدث عندما لا تطيعين أوامري يا كولين ؟ و تمنت كولين لو أنها تستطيع أن تكون قاسية مثله ، لو أنها تستطيع أن تكون تجد ذلك التمرد السابق في نفسها لتقول له إنها ليست أنثى مطيعة ، حتى و لو أن أوامره بأن تبقى بعيدة عن ماركو ثبت بأنها مصيبة . و لكنها كانت قد مرت برعب حقيقي ، لم يترك في نفسها ذرة تمرد . و قالت له : -لقد قلت إنني آسفة! و أملت أن يترك الحديث في الموضوع ، و لكنه لم يفعل بل سألها : -لماذا أتيت إلى هذا المنزل ؟ لقد ظننت أن منزلي مريح أكثر . -المكان يعجبني . -أتقولين بأن منزلي لا يعجبك ؟ -ليس الأمر هكذا . -و ما هو إذا؟ -أردت.. ان أعمل شيئا . فأنا أشعر بخير الآن ، ومليئة بالحيوية . لم أسعل منذ أيام . و احمر وجهها عندما تذكرت الوخز الذي شعرت به في حنجرتها في لحظة غير مناسبة أبدا . و بشكل لا يصدق وجدته و قد عاودته روحه المرحة عندما تذكر بدوره تلك السعلة الصغيرة التي لم تكن في وقتها المناسب ، و أخذ يضحك و هو يقول : -يجب أن تفعلي شيئا حول هذا السعال المثير للأعصاب . و ترك لها أن تستنتج كل ما تريد من وراء ملاحظته . وعادت بسرعة إلى الموضوع الذي كانا يتحدثان به : -أنا.. لست معتادة على الكسل . و أردت أن أقوم بعمل ما . و لحسن الحظ نجحت في دفع تفكيره إلى إتجاه آخر ، و أختفت ابتسامته ، و لكن قسوته لم تعد ، وقال عابسا : -لن تعودي إلى هنا ثانية . و لم تعرف كيف ستعده بهذا ، فقلة الحركة قد أثرت على أعصابها ، و بما أن هناك الكثير من العمل هنا ، و ماركو مطرود ، فهي لن تستطيع أن تعده بأن لا تعود إلى هنا لتكمل عملها ، و لكن عليها أن تجد وسيلة أخرى إذا لم يقبل جوليانو بأن يوصلها إلى هنا... وسمعته يقول : -هل سمعتني يا كولين ؟ -لا أستطيع.. أن أعدك. و رفعت إليه عينيها العنيدتين ، و لاحظت أنه لا يهتم بعناد المرأة. و لكن الأمر الآن في قبضة يدها و لن تدع هذه الفرصة تفلت . و قال لها : -حسن جدا... تعالي إلى هنا إذا أحببت. و ظنت أن الحديث انتهى ، فوقفت ، ولكنه لم يكن قد أنهى كلامه : -مع أنني يجب أن أحذرك ، حتى لو طردت ماركو خارج أملاكي ، إلا أن الأملاك واسعة جدا و لا أستطيع ضمان أن لا يتسلل إليك في ليلة مظلمة . لقد قلت من قبل إن هذا المنزل كان محتلا ، ألم أقل لك هذا؟ هل هو يخدعها أم أنه جاد ؟ و هل يعتقد حقا أن ماركو قد يعود ، أم أنه قال هذا كي يخيفها و يتأكد من أنها لن تقترب من هذا المكان ثانية ؟ و اعتقدت أن الفكرة الأخيرة هي الراجحة . ولكن حتى ولو كانت راجحة ، فهي لن تخاطر . و ظهر على وجهها ذلك الوعد الذي أراده جوليانو بأن لا تقترب مرة أخرى من هذا المنزل . لكن روح التمرد عاودتها أخيرا: -أنت كذاب قذر. و بدأ يضحك : -هذا ليس لطيفا منك أبدا يا سنيوريتا . بعد كل ما فعلته لأجلك! *** و تناولت كولين عشاءها وحيدة ، و عادت إلى غرفتها ، وهي منزعجة لأن رفيقها الوحيد على العشاء كان مرتبطا بموعد عشاء عمل في الخارج ، أو ربما هو يتناول العشاء مع إمرأة ، لا ينتابها سعال عصبي في اللحظة غير المناسبة . عندما اتلقت في فراشها عاودتها ذكرى ما قاله ساخرا "بعد كل ما فعلته لأجلك!" و لم تستطع أن تجد سبيلا إلى النوم . بالنسبة لها ، ما فعله كان أكثر من إنقاذها من ورطتها في (كواريتارو). فهذا الصباح أيقظها من طفولتها و أدخلها إلى مرحلة الأثارة و العاطفة . عند منتصف الليل ، سمعته يعود ، عندها استطاعت أن تنام . و لكنها استيقظت عند الواحدة ، و شعرت بأنها لن تستطيع النوم ثانية فأضاءت المصباح الصغير قرب السرير و جلست . و عاد التفكير في جوليانو يشغل ذهنها ثانية . و أسترعى انتباهها دخول حشرة طائرة ضخمة تبلغ الثلاث انشات طولا ، عبر النافذة لتقف على الطاولة الصغيرة قرب السرير. و بقفزة واحدة خرجت من سريرها و اتجهت نحو الباب ، و فكرت بذعر أن لسعة هذه الحشرة قد تكون سامة ، و تحركت كولين بسرعة أكثر ، و لم تتردد سوى لحظة قبل أن تفتح الباب و تخرج ، ثم اتجهت إلى الغرفة التي أشارت إليها ايما مرة على انها غرفة جوليانو ، و صاحت : -جوليانو.. جوليانو! و حاولت أن تسيطر على رعبها ، مع أنها أقفلت الباب على تلك الحشرة الخضراء المخيفة . و عندما فتح الباب و هو يلف الروب من حوله أكملت : -هناك.. شيء.. شيء في غرفتي! -شيء ؟ لا بد أنه كان لا يزال نصف نائم ، و لكن عندما شاهد ذعرها استيقظ تماما : -ما هذا الشيء... ابقي هنا. و أزاحها جانبا و سار با تجاه غرفتها ، و لكنها لم تستطع تركه يدخل دون أن تنذره . -أنها حشرة خضراء كبيرة ، و لست أدري إذا كانت سامة أم لا . و دون تردد فتح جوليانو الباب ، ودخلت كولين معه و قلبها يخفق رعبا . رأت، كما رأى هو ، أن الحشرة لم تتحرك من مكانها ، فهمست و هي خائفة أن تبعد عيننيها عن الحشرة . -ما هذه ؟ هل هي خطرة ؟ -عادة.. مثل هذه الوحوش ، تجد لها مسكنا في شجرة الخوخ. -أعلم هذا. فهناك شجرة خوخ خارج غرفتي . -يجب أن نتخلص منها يا كولين.. و عليك أن تكوني شجاعة جدا... فهل أنت شجاعة يا كولين؟ كانت تعلم أنها ليست شجاعة أبدا . فلو كانت مصنوعة من معن البطلات لكان عليها أن تترك والدها عندما طلب منها شقيقها ذلك ، وقالت كاذبة : -أجل.. ماذا تريدني أن أفعل ؟ -أعطيني يدك. ووضعت يدها على الفور في يده ، و هي تتمنى أن لا يشعر بارتجافها . و تقدم جوليانو نحو طاولة السرير ، فأخذ العرق البارد يتصبب على جسدها ، و هو يرفع يده الأخرى و يمدها ، و راقبته حابسة أنفاسها ، و هي ترغب في الهرب ، كلما اقتربت يده أكثر من ذلك الشيء . و شجعت نفسها كي تطبق أي تعليمات يصدرها بالحرف الواحد. ثم ، و بعد أن بلغت أعصابها درجة الانهيار ، أطبق جوليانو يده على الحشرة بسرعة و أمسك بها ، واستدار نحو كولين و ابتسامة تملأ وجهه من الأذن حتى الأذن.. و قال: -أيتها الحشرة البريئة غير المؤذية ، لقد أخفت كولين حتى الموت! و بينما كانت كولين تقف مشدوهة و فمها مفتوح ، ترك يدها و تقدم نحو النافذة حيث أطاق الحشرة. حشرة خضار غير مؤذية! و تحول خوف كولين الفظيع إلى غضب شديد لم تعرفه من قبل فأخذت تصرخ : -أنت خنزير! أنت شيطان كذاب قذر ! لقد أرعبتني! غضبها كان أكبر من أن تحتويه الكلمات ، و كالوحش الكاسر تقدمت منه و أخذت تضربه بقبضتيها , وأمسك بمعصميها و قال ضاحكا : - أوه يا كولين! لقد كذبت أنت أيضا . و لم أستطع أن أقاوم هذا المزاح ، ليس بعد أ، قلت لي كم أنت شجاعة . -هذا ليس عذرا! و أخذت ترفسه بقدميها العاريتين ، و هي تتلوى كي تخلص نفسها ، و كان لا يزال يضحك عندما سمعها تقول "أيها الهمجي المكسيكي" فرد عليها : -لقد ظننت أنك عاطفية هذا الصباح أيتها القطة المتوحشة ،و لكن... -أترك ما حدث هذا الصباح خارج هذا الموضوع! و لم تلاحظ أن مقاومتها قد تسببت في الوقوع كرسي على طاولة الزينة و أن حلية مكسيكية أثرية وقعت على الأرض. و زادها الفشل غضبا ، لأن محاولاتها للإفلات منه كانت دون جدوى . و عادت ترفسه ثانية . و لكن هذا أكد لها أكثر ، و بألم، أنها حتى لو خرجت عن طورها ، فجوليانو يعرف تماما كيف يسيطر عليها . فبدون أي جهد ، التقط ركبتها من خلف بقدمه ، وقبل أن يسقطا إلى الأرض لوحها كي يسقطا معا فوق السرير . و ما استردت أنفاسها حتى أحست بالفراش الثابت من تحتها و جسد جوليانو القاسي من فوقها . و عندها فقط ذهب عنها غضبها ، بعد أن اجتاحتها أحاسيس مختلفة تماما . وقالت : "جوليانو" ووجدت نفسها عاجزة عن قول المزيد فقال لها وهو ينظر في عينيها : -لا بأس عليك.. سأتركك حالا ، و لكن دعيني أرتاح بقربك للحظات لأتمكن من الأعتذار عما فعلته . ما فعله كان يتلاشى من ذهنها أكثر فأكثر، و كل ما كانت تفكر به الآن أنها لا تريده أن يذهب . أرادت بقاءه ، و هي تعلم أنه يريد أن يبقى ، و قال لها : -يجب أن لا نتعانق.. هل بإمكانك مسامحتي على تخويفك هكذا؟ -و لماذا.. فعلت؟ -أكثر من مرة نظرت إلي نظرة ازدراء . و عندما أتيت بك إلى المنزل اليوم لم تكن هذه المرة الأولى التي تنظرين إلي فيها بازدراء. وكنت أخشى أن لا استطيع مقاومة مشاعري عندما تصبحين دافئة أكثر معي . رده أدهشها و جعلها تتحرك ، و أحست به يتوتر ، و سمعته يقول بانفعال: -ابقي جامدة.. يا كولين.. بحق الله. -أظن.. أظن أن عليك الذهاب . الابتسامة في عينيه أعلمتها بأنه يعرف أنها تكذب ، و لكنه تجاوز عن كذبتها ، ربما ليعوض عنها الخوف الذي أصابها، وقال و هو يبتعد عنها : -أظن أنك على صواب . و لكن قبل أن يتحرك أكثر ، سمعا صوتا عند الباب ، و أدركت كولين عندها أنه إذا لم يكن قرعها على باب جوليانو، و صراخها له بأعلى صوتها قد أوقظ أحدا ، فإن صوت الكرسي يقع و الحلية المكسيكية تصطدم بالأرض كافيان لإيقاظ كل من في المنزل . و لكنها لحظتها كانت مرعوبة و لم تفكر بكل هذا . و نظرت بسرعة إلى الباب و رأت تينا لم تكن لوحدها بل أن أمادو معها يقفان أمام الباب . و لم يكن هناك أي شك من التعبير الذي برز على وجه تينا ما قد ظنته حول ما كان يفعله السنيور في غرفة نومها . و قبل أن تصدر كولين أي صوت ، و كذلك جوليانو ، الذي لم يقم بأي مجهود ليشرح لهما عن موضوع الحشرة ، ودون أن يصدر عن تينا و أمادو أية كلمة ، ابتعدا عن الباب و اختفيا عن النظر . -لماذا لم تقل شيئا؟ -و ماذا كان علي أن أقول ؟ -لقد ظنا.. ظنا أننا كنا.. كنا نائمين معا. -أولم نكن هكذا؟ و رفع حاجبه بطريقة ساخرة كانت آخر قشة تقصم ظهر البعير ، فقالت : -ليس بالطريقة التي ظناها. -و هل يقلقك ما تظنه تينا و زوجها الطيب ؟ و تذكرت وجه تينا غير المبتسم ، و الابتسامتين الوحيدتين اللتان رمتها بهما ، و علمت تماما أي منها تفضل . فقال: -نعم.. نعم يهمني . و أدركت عندها من النظرة في عينيه أن ما سيقوله لها ، إما أن يجعلها تضربه أو يسكتها.. ثم قال و هو يهز كتفيه دون اكتراث : -حسن جدا... إذا كان رأي تينا و زوجها يقلقك لهذه الدرجة... فسأتزوجك. ******************* يتبع.... | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|