آخر 10 مشاركات
ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          ندوب من الماضي ~زائرة~ || ج2 من وعاد من جديد || للكاتبة: shekinia *كاملة (الكاتـب : shekinia - )           »          1060 - زهرة الربيع - ناتالي فوكس - د ن (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          حَــربْ معَ الــرّاء ! (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          لا زلت صغيرة - كاثرين جورج (الكاتـب : ΜāŘāΜ ~ Ś - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-19, 11:54 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مــدخل الفصل الثـامن:

بغداد تصرخ والأعراب يشغلها
حكم العبيد بعيد العزّ والكرمِ
يا روح دجلة للأرواح مالكة
تبكي عليك عيونٌ قلّ ما تنمِ

.
.

عاد مجدداً لصراخه ألا أن هُناك من أسكته ماسكاً به بيده العريضة التي تُغطي رقبة مُصطفى حتى تكاد خنقه : شبيـك تعيط عليـها ؟
- صارخاً به - اش كنت تقول عن صدام يا زفت . . . .

ضغط مُصطفى بيديه الاثنتين على يد ألن الممسكة به،
يُبرر بفارسيته وبصوت مُختنق: أنا لا أعلم ما الذي أغضبك!

حرره ألن بعدما تحدث كاظم إلى مُصطفى: يقول لك لماذا أنت غاضباً من مهتاب،ولما سبابك لصدام!

وما أن وجد ذلك سبباً ليكمل صراخه السابق: لأنه صدام وهذا يكفيني أن امقته أن احرق كل ما يتعلق به!

وما أن سمع الأخر اسم صدام دون فهم ما يقول عنه!
أنقض على مُصطفى مُجدداً..
يبُدو أن الصُراخ والكلام في لغتين متضادتين لم يجدي نفعاً,
فأصبح العراك هو الحل بنظر ألن المُلقي بمصطفى أرضاً موجهة له لكمة على فكه السُفلي فيُرد الآخر وتنقلب الآية فيصبح ألن على الأرض ومُصطفى جاثياً على صدره..
صرخت عندما رأيت مُصطفى يستعين بزجاجه عصير بالية ويضرب بها جبين ألن!
وكأن صرختي أنهت المعركة عندما نهض مُصطفى ماسحاً بكم قميصه دمّ يخرج من فمه نتيجة ضربة قاسية تلقاها على فكه!
بينما ذلك الآخر جلس على الأرض يتأمل دماً خرج من جبينه،
دماً يتدفق بشكل مُخيف!

دنوت منهُ بعد رحيل مُصطفى وكاظم، مُخرجة منديل من حقيبتي, ولكن ذلك المتغطرس لا يكفُ عن غطرسته: ما أريد، أني أطبب نفسيّ. " أعالج نفسي".
وقف أمامي وذهب إلى بيت العمة وأبناءها !
***
تأخر كثيراً، قال أنه سيأتي بمحفظته من موقع الحراسة ويأتي!
لكن تأخيره ينبئني عن حدوث مُصيبة من مصايبه التي ترافقه كثيراً هذه الأيام!
سمعت صوت فتح أبواب المنزل و تقفلها بعصبية لا يتحلى بها إلا ألن!

ذهبت أبحث عنه ورأيته يقف بجانب أحد المغاسل مدخلاً رأسه تحت فتحة الماء كأنني رأيت دماً في حوض المغسلة : عزززه ، شمسوي!
شهالدم ياللي فيك؟

أجابني وهو يرفع رأسه والدم يعاود بالنزول من جديد: تعاركت مع جلب إيراني,
خرب حظه وخرب حظي هامتين "هامتين = وأنا بعد".

سحبته مع عضده: مشي وياي دمك ما راضي يوكف!

***
استسلمت لصادق وهانحنُ ذاهبين إلى أقرب دائرة صحية ، ولكن صادق غيّر رأيه يريد الذهاب إلى المستشفى حتى لا يتعب نفسه يبحث عن دائرة صحية وسط هذه الحرب!

لا أعلم لما ضربت ذلك الشخص!
هل سبّه لصدام سبب؟ أم رفع صوته بوجهها ورعبها الواضح على ملامحها سبب!
لا أعلم لما .. ولكن كُل ما أعرفه أنه إيراني تطاول على سيد أرضاً يقيم بها !
فما حق الضيف أن تطاول على صاحب المنزل!
بالتأكيد صدام هو سبب عراكي.. لا هي!

***
هذا كثيراً يا الله!
تفجيراً وأناساً تُزهق أمام عيناي، ثم حماقة مُصطفى التي لا يتخلى عنها
وبعدها يأتي رفض ذلك المتغطرس لمساعدتي!
لو رفض تلك المساعدة بأسلوباً لبق لتفهمت ، ولكن عنجهيته كما هي لا تتغيّر!
أقسم انه يتقاسم نفس الصفات مع مُصطفى وليس مع العمة الجميلة.

لا علي!
لا يُريد مساعدتي .. فقط قدمتها له من باب انني السبب بذلك العراك!
وهل كُنت فعلاً السبب، أم أنه يدافع عن صدامه وجعلني سبباً آخراً حتى يطول العراك بينهما.
دلفت الباب باحثة عن تلك العمة، منذ أن رأيتها ارتميت بحضنها من ألم ما رأيت، ومن ألم ابنها الذي لا أعلم كيف أصبح لها ابن!
ومن مُصطفى الذي كان سبباً بحدوث جميع هذه الأمور

شهقت بعدما رفعت رأسي بين يديها : شفت تفجير ، ناس تموت هيج بالهبّـل، ولد ماتت أمه جدامه، وفي شايب همين مات ابنه عند رجوله بس ما شايفه هو لأنه على أمل أنه يطلع من باب السفـارة . . .

***
أراها تدلف الباب مُسرعة، وتسقط بين أحضاني باكية، رفعت رأسها وأرى الدمع تمكّن أكثر من لون الجنة الذي يسكُن في عينيها :
شفت تفجير ، ناس تموت هيج بالهبّـل ، ولد ماتت أمه جدامه، وفي شايب همين مات ابنه عند رجوله بس ما شايفه هو لأنه على أمل أنه يطلع من باب السفـارة ، في واحد ديصيّح على الحسيّن واتهمني مُصطفى أني أشمت بيه!

أعادت رأسها في حجري باكية مجدداً ..
لا أعلم بما أواسيها ففتاة لتوها بدأت عامها الرابع والعشرون ليست بحمل لتلك المواقف!
فهي لم ترى بغداد قبل أربعة أشهـر عندما انقطعت عنها الكهرباء أثر الهجمات الصاروخية الأميركية فأذكر وقتها أتى ألن من بعقوبة إلى بغداد ولم يشتكي من العُتمة!
بل أشتكى من قوة الإضاءة الناتجة من الصواريخ، ففي طريقاً يُقدر ستين كيلو متراً يهتدي به من ضوء الصاروخ التي يسقط وما أن يطفئ نوره يأتي آخر ينوّر المسير أمامه !
وحينها حتى أن جارتنا أم سالم أتت من آخر الحي بابنها ذو الخامسة واستضاء طريقها من الصواريخ التي عقبها كيماوي ، وعقبها أيضاً سقوط تمثال صدام حُسين من ساحة الفردوس!
فأصر ألن أن يذهب بصادق بعدها بيوم إلى الصـلاة في جامع 17 رمضان!
فبقيت وقتها خائفة عليهما ، ما الذي جعلهما يذهبا إلى ذاك الجامع ألم تكفيهم جوامع بغداد القريبة!
وألن ما الذي ذهب به أيضاً ؟ هل سيُصلي مثلاً ؟
أم ذهب حتى يزيد من قلقي وخوفي عليهما
تكفيني فجيعة واحداً , لا أريد أن أُفجع بالآخر أيضاً ..
دعُوت اللهّ أن يرد للعقيلة أبناءها حتى لو فقدت بغدادها ..
فأخسر بغداد الأرض ولا أخسر بغداديّ اللذانِ علماني ما قيمة الحيـاة .. فلا حياةٌ بعدهما ولا بغداد أيضاً.
فعدا لي مساءً بعدما قضيا هُناك ستة ساعات حتى يقتنع ألن أن التمثال سقط!
ليلتها أصابته حمى وبقيت متشبثة في جسده ثلاثة أيام، بقيت ملازمته خلالها فلا ينكف عن هذيانه بثلاثة أسماء : صدام وأمه وأبيه!
حتى خُفت حينها أن يفقد عقله!
فلا طبيباً يساعدنا في حالته ولا مشفى فاتحاً أبوابه مرحباً بأبناء الوطن الذين تضررا ضرراً فادحاً كإصابتهم بشظايا صاروخية أو أصابتهم في القلب بشظية لا تنتهي كما أصاب ألن،
فإلى الآن وذلك الفتى يتجرع مرارة فقد أبويه الذي عقبها فقده لبغداد وحاكم بغداد
أصبح من بعدها غاضباً لا يعرف للمزاح طريقاً عكس سابقه كان هو وصديقيه بلسماً تُطيب به الجروح وتلتئم!
ولكن عندما غار جرحاً في ثنايا روحه لم يجد من يداويه، فبقى كما هو الآن غاضباً غامضاً محتاطاً من كل شي!
يفزع من دخول الغريب الذي كان يُشرع له قلبه قبل أبواب بيته.
***
خرجنا من المشفى بأربع غُرز وسمت جبيني, وخرجنا بعدها من بغداد كاملـة ذاهبين إلى مُحمد..
أرى الحرب الأخيرة كانت حرباً تُنذر عن وجود مُحتلاً دائماً كمحتل فلسطين الذي أكمل بها ما يقارب التسعون عاماً،
ولكن هل يشابه احتلال الأرض .. احتلال الروُح؟
أخشى أن الكره الموجود في النفوس للرئيس السابق يتطور ويصبح حباً للأمريكان،
هذا ما كُنت أخشـاه وهذا ما حدث!
إذا كان صداماً مخطئاً هذا لا يعني أن أميركا على صوابّ،

نطقت وأنا أسترجع تلك الكلمة في نطق الرئيس التي لا أرى في هذه الكلمة جمالاً إلا عندما ينطقها فنطقتها كما ينطقها : أمريكيا ما خلت اشي!
تعرُف ما باقي إلا أسبوع و يفوّتوا القايم مقامية لبعقوبة!

أجاب صادق: ما عارف ليّش حاسسني قلبي أن روحتنا لبعقوبة هاي وراها مصيبة،
يا ولد نخ ، خلاص دخيل ربك ما ناقصين لويه. " نخ= أترك عنك تلك الاعمال"

أجبته ممتعضاً : دتريني أسكت وهو يفوت على كيفه!
وبتأييد من المحافظ والنواب.

أجاب مؤكداً حديثي: نواب ومحافظ ما انته كدهم علمود تحط عينك بعينهم.

أسندت ظهري على المقعد متجاهلاً حديثه الذي لا يخلو من الصدق!
فجميع ما قاله صحيح .. وانا المخطئ عندما ظننت ان حربي التي أريد أن أشنها ضد الاميركان .. بل سأتصادم بها أولاً مع قادات بلدي الخونة الذي حافظوا على الكرسي دون مراعاة من يَرأسه !
***
استيقظت متمللة، من الحرّ الذي غزانا فجأة،
للتو استوعبت، أن الانارات مُغلقة . . .
هذا لا يدلُ إلى عن انقطاع الكهرباء الذي لازمنا منذُ بداية أغسطس.
فنحن في بغداد الحوراء التي تنعمت بالكهرباء أربع شهور دوناً عن باقي المحافظات التي تُعاني من انقطاعه في منتصف مارس المنصرم.
تحركت من مكاني باحثة عن أم علي أو زينب كما أحب مناداتها،
فقد تخليت عن كلمة عمّة عندما علمت أن عُمرها لم يتجاوز السادسة والأربعون!
تبدو صغيرة ولا يجوز أطلاق كلمة "عمة" عليـها،
إلا أن أبناءها التي تقول بأنهم أبناءً لها هم من أسموها عمة وهي في منتصف الثلاثين وهم في بداية العشرين!
يا لهم من أبناء عاقّين أ يدثرون جمال الخَلق والخُلق والاسم أيضاً حتى ينادوها بـ "عمة"
وعندما أجادلها في هذا الموضوع تقول " لو طاعوني وتجوزوا جان حفيدي يكولي بيبتي".
رأيتها في مجلسها الذي كان مكان لمعداتي الصحافية ، إلا أنها احتلته ونقلت أدواتي على الجلسة
الأخرى: زينب أروح لج فدوة باوعي لي حل مع هالكهرباء ، الماتنكطع إلا الظهر.

أجابت وهي تبتسم: من كالج أحنا الظهر؟
ما باقي إلا ثلث ساعة ويأذن العصر، تعالي يمّي تكهوي.

جلست مقابلها متكشفة خبر أبنها : ما كلموج ولَدج؟

أجابت بشيء من الفزع: عزززه، اشبيهم ولديّ؟

هدئت من روعها: على كيفج زينب، ما بيهم شي بس هيج شفت واحد وأني فايته هنانا يتعارك صوب بيتجّ. . .

وقفت وهي تتناول عباءتها: وبحق علي تكولي لي خوما تأذى!

أ تعارك ناحية بيتها، لما كذبت عليها ولم أقل أنني سبب عراكه الدامي الذي كان تحت مرأى عينيّ!
كيف لي أن أنزل لألئ وجنتيها وهي من ونستني في غُربتي، أ أرد جميلها هكذا؟

تكلمت هي بعدما طال صمتي: أني دروح أصلي وعود أمرهم! "عود= لاحقاً".

ابتسمت مخففة من توترها: طيب صلي هنانا وبعدها روحي.

أنزلت عباءتها من يدها مُديرتني وجهها: مخبلة لولا ؟
تريدين أصلي هنانا , ولج هاذ بيت مسيح ما يجوز.

صُعقت لما قالته تلك الـ زينب!
شهراً بكامل أيامه ولياله وأنا أصلي هُنا ولم أفكر أبداً أن كانت تجوز الصلاة هُنا أم لا،
لما لم يخبرني أحد، كاظم على الأقل،
لا ضير أن الصحفيين يصلون في جماعة ناسين أمري!
وكيف لفتاة متعلمة تجهل هذا،
رفعت رأسي قليلاً فكان نظري واقعاً على صليباً كان باتجاه قبلتي التي أصلي بها كل يُوم!
لما لم أفكر أن البيت المُزين بالتماثيل والصور لا يجوز به الصلاة!
هدأت من روعي بتلك الآية القرآنية التي تعقب كُل ذنباً لم نكن نعلم به "إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ".
نهضت محكمة حجابي وذاهبة مع زينب التي أراها كثيرة الخروج ولكن توقعت لزيارة بنيها وليس إلى الجامع الذي لا يُبعد سواء خمسمئة متراً.
***
أعتذر محمد الذي يتقيد كثيراً بعائلته: أني ما أقدر أروح الأسبوع هاذ كلش ما أقدر.

أجاب ألن بعد خيبته كان موكلاً تلك المهمة لمحمد: خلاص ولا يهمك أني أروح، وصلّ صادق لبغداد وأني دروح بسيارته.

تقدم مني ماد يده حتى أعطيه مفتاح السيّارة: بس هاا ألن دخيل ربك تخبي السـلاح ، ولا تفكر مجرد تفكير أنك تعترض وفد القايم مقامية، أروح لك فدوة خلك من هاي الأمور.

لم يجب فقط هزّ رأسه موافقاً على ما قلت مستلماً مفتاح سيارتي ذاهباً إلى شـقلاوة ليأتي بقطع من الـسلاح ليخبئها لـ اليُوم الأسود كما يقول!
لا أعلمّ ما اليُوم الأسود بنظره!
فكُل أيامنا سُود..

رنّ هاتفي: هلاااو عمـ. . .

قاطعتني: صادق أنت وين؟

أجبتها بشيء من الخوف الذي بدأ يدبّ بروحي: أني بديالى عند محمد.

أجابت وكأن هدأت قليلاً: وألن وين؟

نظرت إلى سيارتي التي بدأت تختفي: هستوه ماشي لشقلاوة عده أمور بيخلصها ويرجع المساء.
خف القلق عندها وبدأ التحقيق: ومين منكم متعارك اليُوم واشبيه؟ خوما صابه أشي."اشبيه= ماذا به"

غضبت من تلك الفارسية التي لا تحترم قلق عمتي وخوفها علينا حتى تنقل لها خبر هكذا ونحنُ كلانا بعيدين عنها : ألن، ماكو شي عمة بس شوي مفجوخ، وهذا هو تحرسه الزهراء رايح لشقلاوة مابيه شي. " مفجوخ = مضروب على راسه".

***

عائداً إلـى بغداد،
الليل بدأ خيوطه مزيناً سماءنا الزرقـاء،
ليلاً يغزو السمـاء, وليلاً يغزو النفُوس!
ليليّ الذي حلّ منذ ست سنوات ليس مثلهُ ليل، فقد انطفئ به وهج حياتي، ورحيل أبي كان شيئاً ثقيل على الروُح حتى جعلها لا تعيّ شيئاً سوى الفقد ، ولا تتجرع شيئاً غير المُر.
أو رحيلَ البـلسم .. أمي.
التي لا أُطيل سهرتي حتى لا أتعبها في السهر وهي تنتظرني.
أُعود محملاً بهموم عملي، وما أن أتوسد فخذها تزول الهموم وتستلم عنيّ بقـايا عملي، حتى باتت تعرفه أكثر مني..
فكثيراً ما تدوُن الملاحظات التي لم ألحق على تدوينها، فحجرها الدافئ لا يهيأ أحداً بالقيام عنه والعودة إلى الورق!
وكأن ربيّ رحمني عندما أسقط الرئيس وسقط عملي بعد رحيلها ، ربي يعلم عن عجزي بتدوين ملاحظات يومي المكتبي المُمل
ويعلم أيضاً أن من تدونه لي قد رحلت.
فرحمني وأغلق الوزارة بأكملهـا.

توقفت على الحاجز العسكري ممداً إليهم بتلقائية بطاقتي التي مددتها اليُوم أكثر من سبع مرات..
ولكن يبدو الاختلاف في هذه المرة .. وكأن القاعدة تكسر لتقول "الثـامنة ثابتة"..

تحدث لي الجُندي بانجليزيته: توقف يمين.



مخرج البارت الثامن
دَمعٌ لبغداد .. دَمعٌ بالمَلايينِ
مَن لي ببغداد أبكيها وتبكيني؟
مَن لي ببغداد؟.. روحي بَعدَها
يَبسَتْ وَصَوَّحتْ بَعدَها أبهى سناديني





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 11:56 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كبّروا ليبلغ تكبِيركُم عنان السّماء،
كبّروا فإن الله عظيم يستحقّ الثّناء,
الله أكبر. الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله
الله أكبر ،الله أكبر .. ولله الحمد ..


.
.
.
مدخل الفصل التاسع

عائدٌ إلى بغداد والجُروح عوائدُ

.
.
.


تجاوزت الساعة الثانية عشر ليلاً،
وأنا أقف يميناً كما قال، متكئا على باب السيـارة،
وكُل الاحتمالات ما بين قادمةً وغادية.
ماذا لو كشفوا السـلاح؟
ماذا لو فتشوا السيارة من أساسها؟
ماذا سيكون مصيري أنا؟ بل ومصير صادق صاحب السيّارة؟

أتاني نفس الجُندي الذي أوقفني: تعال إلى صفوف الموقوفين.

تقدمت إلى ما قال وأنا لا أعلم ما سبب إيقافي، وهل كُل الموقوفون بنفس وضعي؟
لكَ الله يا عراق!
يصطف أبناؤك ملبين أمراً جندياً في الجيش الغازي!
لك الله يا عراق!
وما أنت عُراق الجواهري بل عُدت كما كُنت عِراق.
لكَ الله فوق كُل ظالم، فوق كل حكومة الفسّاد،

كان الجُندي على مقربةً منّـا، الجـو بدأت حرارته تزداد شيئاً فشيء بحكم قُربي من بغداد .. أو بسبب قدومي من الشمال البارد إلى الوسط الحار.
ذاك الجُندي لا يكفّ عن مراقبتي، هل تُراه كشف أمري؟
أم ماذا يُخبئ!.
الليل بدأ بالزوال والساعة التي تعتصم فوق ذراعي تخبرني أن الوقت شارف على الرابعة فجراً
وذاك الشابّ يتقدم قليلاً عن صف وقوفنا ويؤذن الفجر بإذن ربّ الفجر، جاعلاً الاميركان خلف ظهره حتى يؤذن بكامل الصف المأسور!
عاد بعدما انتهى وعاد السكُون إلى سابقه فوجود جندياً يمين الصف الممتد إلى عشرون رجلاً ثم جندياً يختتم الصف يساراً كسابقه يحدّون من الكلام بين الصف ولو كان لأمر بسيط،
فالكل هُنا مُحتاطاً ومتأهب لأي أمر.
تقدم ذاك الرجُل .. أو الفتى إلى مكانه قبل قليلاً مقيماً للصلاة بتقدم جميع من في الصف للصـلاة إلا أنا.
وكأن الحظ يوحدني مجدداً، ولأول مرة أحس بشعوري عند هجرة أهلي!
هل لأن العراق بأكمله أنضم لصفوف الصلاة وبقيت وحيداً؟
أم لأنني أنتصف المساحة بين جنديين أميركيين!
تقدمّ الذي أوقفني وهو أيضاً من راقبني لفترة ليست بالقصيرة!

: هل أنت من أتباع الربّ يسوع؟

تحدث بانجليزيته التي أتقنها: بالطبع!

سحبني من عضدي مبتعداً بي عن صف العراق الموحدّ الذي ما زال يُعيذ العراق بآيات قُرآنه !
لم يكفّ ذلك الجندي عن سحبي حتى أوقفني بجانب سيّارتي ممدني ببطاقتي الشخصية وهاتفي الذي
صادره منذ مجيئي إلى هُنا: أذهب من هُنا بسرعة، فالآن وقت استراحة الجُند .. لا أحد سيشعر بكّ!

ثم أمددني بورقة صغيرة جداً، صفراوية اللون يوجد بها ختمّ لا أعلن ماذا يعني لولا أن تحدث مجدداً : هذا الختم يخُص مركزنا، وستبقى صلاحيته معك أربعة ساعات، فأسرع بالذهـاب..
يحفظك الربّ.

لا أعلم ما هو شعوري حينها، هل هي تلك التي يسمونها فرحة!
لبقاء السـلاح في أمانه، ولعودتي إلى بغداد قبل وصول القائمقامية
وعدم طلبهم إثبات السيّارة التي تعود مُلكيتها إلى صادق، ولخروجي من الصف الذي سينُقل على أقرب مركز، أو لخروجي بسبب انتصار أحد الجنود لدينه .. ديني!
منذُ ولدتُ وأنا لم أشعر بانحياز له، ولكن هذا الجُندي جعلني انحاز اليوم ويخرجني من صفوف الشباب اليافع بسببهّ
بل أنني أشعر بالأسى أيضاً، فتلك الصف لم ينتهي من صلاته بعد ليعود في وقوفه كالبنيان المرصوص إلى أن يُقضى أمرهم بعد ساعات تشابه وقوفي معهم!

فتحت هاتفي فإذا بالرسائل والمكالمات تنهال عليه!
فكلاهما من ثلاثة أرقام أعرفها، بل وبتُ أحفظها أيضاً..
فهذا رقم صادق المُلح أكثر منهم جميعا .. يبدو خوفه ليس علي فقط .. بل على سيارته أيضاً !
وهُنا أيضا مكالمات تتجاوز العشر من مُحمد،
وبنفس عددها من عمتي..
ولكن ما هذا الرقم الذي لم يرنّ إلا مرة واحدة!
بل من صاحبه؟ ..

ضغطت على أزرار إعادة الاتصال فأتاني صوتاً أنثوي ناعساً يخبرني بإزعاجي لصاحبته : هلااو .. مين؟

تعجبت من تلك المُتصلة التي لم يتجاوز اتصالها بي الساعتان وتقل من أنت: أني المخابر عليج لولا أنتي؟ "مخابر = مُتصل"
لقيت لج مكالمة.

تحدثت وكأنها ادّكرت: أي هاي عمتك المخابرتك بعد ماطفى تلفونها شحن.

أجبتها بتلقائية بعد معرفتي بهويتها: ودي لها التلفون خل أخابرها.

أجابت بنبرة استنكار : خابرها على تلفونها، ما موديته لها.

ثم قطعت الخط قبل أن أجبرها على ذلك.
صبراً يا مهـتاب .. فأنا والوقت وبغداد كفيلين بتربيتك من جديد!
كيف يُـقال لسيد القومِ "لا".

عُدت الاتصال بعمتيّ: شلونج حجية؟

أجابت متلهفة: هلاو يا حبيب عمته, وينك رحت؟
قالوا راح للشمال.. بس تأخرت هوايه!

أجبتها: وقفوني الاميركان عندهم وسحبوا موبايلي علمود هيج تأخرت ولا خبرتج أني بتأخر.

أسمع صوت يدها تلطم جيبها: عزززه العزاك، سمشوي؟

أجبتها مبتسماً وكأنني أرى تلك النجل متوسعة لنتيجة لصدمتها والدموع تملأها لكي تسترق السمع من الأذن حتى إذ استوجب الأمر لهطولها: ما بيه شي باجي!
هيني راجع لج، باقي لي فد حاجر وأكون ببغداد.

أعلم أنها تقف مجدداً فكانت أذني لها القدرة العجيبة بحفظ تحركات تلك المرأة من صوت أنفاسها: تعرفي، روحي لبيتج الحين جايج.
ابتسمت وأنا على علماً بأن الكُون جله يبتسم: أني ببيتي عند صادق،
تعال ماما لا تتأخر بساوي لك فطور.

أغلقت هاتفي بعدما وضعت تلك المرأة سحرها عليّ!
وجعلتني مبتسماً حتى عند تسليمي البطاقة للجُندي الذي استغرب ابتسامتي، فهو لا يرى من شعب بغداد إلا تكشيرة تتبعها "مسبات" فيراها جُرعة له يتزود بها من شعبي كما يتزود براتبه أخر الشهر.
***
أخبرتني زينب باتصال ألن،
وهـل تراني قلقة عليه حتى تكلف على نفسها وتتصل لكي تخبرني به!
أو الفرحة لم تسعها حتى تتصل على الجميع وتخبرهم بعودته
عجيباً أمرها ..

تنعيه طوال ليلها وتلطم عليه، وعندما عاد إليها قالت لي " ولج رجع المصخم"

بل .. وكانت تندبّ حظ والدته التي لم تراه منذُ ست سنوات إن علمت بخبره!
تبكي أختيّه اللواتي لم يظفرن بحنانه كثيراً،
وتبكي أخوه وأبوه اللذان فقدا ساعدهما الأيمن!
وتنعى أثنين.. لم يكونا إلا صديقاه "صادق ومحمد".
وتنعى أثنين آخرين لم أعرفهما جلّ ما عرفت أن أسميهما "آدم وألن".
وقبل أن تنعي هؤلاء نعت نفسها كثيراً عليه ولم تكف عن قول " عزززه لعزاك يا زينبّ ، وين دتولين بعده يا أم علاوي!"
وكأنه هو ابن أخيها لا صادق!
صادق الذي عرفت أنه ابن أخيها وأنه هو من ساعدني وأتى بهذه المرأة لتسكن معي،
بل هو من أجبر ألن على وجودها بجانبي،
لا أدري ما هو حالي لو لم تظهر هذه المرأة بطريقي!
أ كاد أجُن من وحدتي عندما تذهب لبنيها،
فحتى الصلاة أصبحت أرافقها لها ..
ولم تفارقني إلا للذهاب إليهم، فتعود منهم وهي محملة بابتسامات لو وزعت على أهل العراق لأنستهم بأسهم الذي حلّ بهم منذ دخول الاحتلال إلى أراضيهم!
***
تلقفته بأحضاني بعدما انتهى من السلام على عمتي، لا أعلم لما شعرت أنني فقدت ليلة الأمس روحي!
كنتُ أعلم أن فقده مُرّ ولكن ليس لهذه الدرجة، فغيابه سويعات لا تُعد رغم جهلي بمصيره أوعاني على ماذا لو فقدته بحقّ!

وهذه رسالة ربّانية تجعلني أقف حائلاً بيني وبين عزائمه التي جعلته تأتي محملاً بالسلاح : هلا بالضلع الماينشلع.

أجاب مرحباً : هلاو بيك.

وما أن عُدنا إلى مجلسنا أخذت عمتي تحقق في أمره وتسأله عن كل ثانية تركني بها في ديالى ذاهباً إلى شقلاوة،
فهي لم تسأله عن نهاره السابق في بغداد قبل ذهابه إلى شقلاوة لأنها بقيت ساهرة ليلها تهاتفني حتى أسرد عليها طلعة الشمس على ألن وحتى مغيبها عليه في ديالى!

: ما قلت لي، شموديكَ لشقلاوة.

يبدو أن هذا ألن لا يكفّ عن إرعاب عمتي في مصيره: عميمة قولي يالله .

أعلم أن كلمة "قول يالله" بقاموس هذا الرجل تأتي بعدما مُصيبة من الطراز الأول كجلبة للسلاح وسط 10 حواجز أو ما يزيد بقليل بين أربيل وبغداد،

تحدث مجدداً ممسكاً بيد عمتي: أني رجُل حكومة صح؟

أجابت بتقرب مُخيف: صح.

أكمل مستدرجها بحديثه: وهم أني زلمة ما ينخاف عليه صح؟

أجابت بشيء من الفخر بمحدثها .. فخراً لم يكن في محله: هم صح يا روح عمتك انته.

رمى قنبلته بوجهها: أني رحت لشقلاوة لأن رجال الوزارة اللي كانوا ويايه مأمنين معاي فد سلاح ورحت أجيبه من هناك،
تعرفي الحياة هنانا صعبة بدون سلاح ولا حماية!
والخطر مو بس من الاميركان، لا يا أم علاوي أنتي أدرى ببلادج وتعرفي يالصـار بيها من عصابات وإرهـاب،
صح!

أجابت وهي تومئ برأسها ودمعتها تشق طريقها على خداً منذ ولدت والدمع سالكاً طريقه معه: صح،
بس حرام عليك أمك خطيّة ما رايدتها تفجع بيك.

صمتت قليلاً وسط صمته: حباب انته،
عيني والله حرام هاي أمك اش دتسوي لو كالوا لها ألن استشهد وسلاحه على جتفه!

أجاب والغضب يتملكه : عميمة لا تخبليني وتكولين أمـك،
طول الليل وأنتي هنانا تبجين عليه،
وهي أصلا ما فكرت تسأل عني، تخابرني إذا احتاجت شي من بغداد،
طول هالسنين تخابرني أساوي لها معاملتها هي وولّدّها ولا فد مرة سألتني متعشي لولا، بردان لولا ، وين تكعد وين تروح!
تجي سنوية وتروح وهي ما همها ولدها الباقي هنانا . . . "ولّدّها = أولادها"

تحدثت و موضوع اليتمّ يجرحني فأنا لم أظفر بأمي وفرقنا الموت لا إرادة أحدنا، لو كنت مكان ألن للحقت بها بأول طائرة مغادرة البلاد!
بل ذهبت معها بنفس الطائرة: ألنّ!
عيب عليك الحجايات هاي أمك يا أثول،
وما انته صغير تخابرك تسألك عن عشاك وغداك!
وأنته اختاريت تكعد تحمل اختيارك.

أنفجر بي: عاشوا حياتهم وجّني ميت ما باقي!
وعلمود يتذكروني يسمون ولد ينال بأسمي، لا هيج أرضوني عفية عليهم!
سامحتهم عشان سموا جاهل باسمي وهم مطشرني ببغداد ورايحين!
مو معناته اني زنكين ما محتاج شي! "زنكين = غني"

سكت!
فهو محق بكل ما قال، لا أعلم لما ذهبوا جميعهم إلى بلجيكا وتركوه خلفهم، كان وقتها بداية عمله الوظيفي ولم يستقر بعد!
فخيروه بين بغداد وبينهم .. ولم يكن يعلم بأن والدته جادة وستتركه وتذهب!
فقال أريدُ بغداد، فحملوا أسفارهم تاركين له بغداده.

أراه يتوسد فخذ عمتي واضعاً ذراعه على عينيه: ألن!
قوم أفطر ما كليت شي من العصر.

أجاب بصوتٍ أهدى من سابقه ولكنه لا يخلوا من الغضب: ما رايد أتسمم.

وما هي إلا بضعة دقائق ورفعت عمتي يدها التي تتخلل شعره الأسود الكثيف الذي يخالطه بعض الشيب .. مشيرةِ بخفوت حتى أجلب له غطاءً..
وتذهب هي الأخرى لتجلب لنا الفطور في الجلسة الأخرى ..
***
أمر السـلاح أصبح حديث جلستنا الثُلاثية في مقاعد حراسة ألن،
ما بين غضبي و تحليلات محمد للموضوع وإصرار ألن عليه!
كما هي نهاية كُل نقاشٍ بين مُحمد وألن!
يدير محمد وجهه لجهة أخرى ويحرق ألن نفسه بسجائره.
وأنا بقيت اكتشف شركات الأسلحة وتاريخ صناعتها، وكُلنا ننتظر وصول زملاء ألن في الوزارة حتى نبت في هذا الأمر .
وأتأمل الأسلحة والخط المُذهب الذي يعلو زنادها " صُنعت خصيصاً لوزارة الخارجية العراقية"
وأخرى من طراز كلاكنشوف حديثة الصُنع،
يضعها ألن كثيراً على كتفه وكأنه يخاف عليها.. كُتب عليها
" اهديتُ هذه البارود إلى ألن بن آدم المنصور مـع التحية".
تبدو أنها هدية من وزيره الأسبق!
وهذه كُتب عليها أسم رجل آخر وتلك أيضاً..
إلا أن هُناك صوتاً تسلل لنا .. وقف ألن رامياً سيجارته أرضا وداعساً عليها بقدمه، ينفث بقايا دُخانها وهو يلتفت يمينا ويساراً لذلك الصوت الذي وكأنه دبك خيولاً في أرض، ما بين ضربة وأخرى،
وكأنه أيضاً صوت زُمـارة تُعلن الحربّ فتقرع طبولها بنفس هذا الصوت.

بل أنه أتضح له الأمر وأتى يخبرنا على عجل: الشباب ياللي ننطـر متعاركين مع الاميركان،
وين دنروح بالسـلاح؟

وكأن مُحمداً وجد الليلة معنا حتى يُخلصنا: دخله لبيتك بسرعة!

تسآل ألن الذي شُحن توتراً: ولك كيف والفُرس هنانا ؟

أجاب محمد موضحاً له ما يقصد: أنته قلتها هنانا فُرس ما تفتشهم القوات لأنهم بحماية ووصاية من إيران
فرضاً لو خبيناها ببيت صادق، ديتفتش خاوة! فهمت عليّ؟

وكأن ألن فهم ما يعني محمد فذهب مسرعاً يحمل سلاحين على كتفه الأيمن وبنفس عددهما على كتفه الأخر وبيده اثنين،
وأنا خلفه أحمل مثلما يحمل!
ومحمد أيضاً يأتي بالبقية ويلحق بنا. . .

فتح ألن المدخل الخلفي للبيت ووضع الأسلحة على جداره الأول،
وذهبنا بحركة تلقائية إلى موقع الحراسة، مكملين طريقنا إلى بداية الفرع السكني .. حيثُ العراك بين جيب عسكري تابع للقوات الأميركية يقل خمسة جنود مع ضابطهم وصحبّ ألن الذين لا يتجاوز عددهم أربعة!

***
أرى مع نافذة غُرفتي حركات أيديهم المبنية عصبية أصحابها!
ثم أرى سكون صادق على عكس ما كانا صاحباه،
وهناك يمثلّ المتغطرس واضعاً بين شفتيه سيجارة تمتص من عافيته كما يستنشق منها دُخاناً لكي ينفثه في سماء بغداد الصافية!
وذاك محمد الذي لا يشبه أحد منهم، فهو يملك شعراً يميل للون البني، وكذلك عوارضه الخفيفة جداً بنفس اللون، تحمل بينها عيّنان واسعات بلون الليلَ وأنف عربيّ وحاجبان ثقيلان يحملان اللون نفسهّ!

أما صادق فهو شبيهاً بالعمة زينبّ ..
يمتلك وجهاً دائرياً ناصع البياض يُكاد يُرى ما خلفه!
وعينان بلون السماء الصافية التي زادها بياضه جمالاً ورمشـاً أسوداً كثيفاً جعلني أسبح الله على ما عطاه من عينين وجملها برمش يظلها. . .
توقفتُ عن تلك التأملات كما وقف ألن ولحق به صادق ومحمد وقوفاً،
ومن ثم حاملين بين أيديهم سلاحاً ضخماً، راكضين به إلى ما لا أرى، فقد اختفوا عن نظري!
نزلت الدرج الخلفي مُقتصة آثارهم ،
توقفت عن سماعي لصوت شيئاً توضع أرضاً، بدأ لي أنها أسلحتهم!

لم تفتني نبرة ألن الذي قال: بنروح لهم قبل تزيد العركة.

دبّت بي روح الصحافية الموثقة للأحداث، أسرعت الخُطأ إلى الأعلـى حتى أعود مُجدداً واضعةً على رقبتي حامل الكاميرا ممسكتها بيديّ واضعتها على وضع الفيديو،
لاحقة بمن ذهبوا حتى تبين لي من بعيد أنهم في معركة أيدي مع القوات!
وقفتُ على مقربة منهم يفصلني عنهم ما يقارب الخمسة أمتار،
مُقربة "زوم" الكاميـرا على وجوههم لأشاهد الحدث بجودة عالية ولأوثق الحدث لأظفر برضاء رئيسي!
أحسست بثقل على كتفيّ نظرت بطرف عيني لها، إنها يد رجُل!
تسحب الكاميرا من خلال حاملها، وما أن أدرت وجهي ناحيته ورأيت رتبه العسكرية التي تخبرني انه نقيباً،
حتى تهاوت جميع أمالي الصحفية وجهزت حالي لمرحلة الانتقال التي يتبعها اعتقال . . . .


مخــرج الفصل التـاسع
سُئل محمد الجواهري : لماذا عندما تقول عراق تلفظها بـ ضم العين (الـعـُراق)
فقــال : " لأنهُ لا يعزّ على الجواهري ان يكسر عين العراق "



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 11:58 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



لا تلهيــكم الرواية عن ذكر الله ..
قــراءة مُمتعة



مــدخل الفــصل العـاشر:



من أسكن الشاعر الولهان موطنه
بغداد أنت نجوم الليل والظلمِ
بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ
بغداد أنت لقاء الله بالأممِ

×المتنبي×

.

.
.

أحسست بثقل على كتفيّ نظرت بطرف عيني لها، إنها يد رجُل!
تسحب الكاميرا من خلال حاملها، وما أن أدرت وجهي ناحيته ورأيت رتبته العسكرية التي تخبرني انه نقيباً،

حتى تهاوت جميع أمالي الصحفية وجهزت حالي لمرحلة الانتقال التي يتبعها اعتقال : ما الأمر؟
لم يرد، عُدت سؤالي : ما الأمر يا أيها النقيب؟

سحب الكاميرا وسحبني خلافها دون أن تنطق شفتيه بكلمة واحدة!
لا أعلم لما يسحبني هكذا بظلمة الليل الحالك!
أشعر بأن عضدي تخلت عن موقعها التي فُطرت به لتلتحم بين أصابع ذاك النقيب!
وهل نقابته تُخوله لما يفعل؟
حجابي بدا ينفلت لولا إمساك يدي المُحررة له
لا أعلم ما الذي يجري، جُل ما أعرفه معركةً تدور خلفي..
وبقيت كاميرتي الواقعة أرضاً توثقها، ولكني أتحسر أيضاً على تلك الكاميرا التي لا يوجد لها مثيلاً!
كما أنني أتحسر على سوء وقعتها وسوء ما توثق!
فلن تظفر أبداً إلا بفيديو عبارة عن أقدام تقاربت كـ" أمعاء" بطوناً خاوية ابتلت بشيء قليل بعد ظمأً فاحش و تقاربت مواصلة عراكها من يظفر بالماء أولاً!
أركبني ذاك النقيب في أخر الجيب العسكري الذي لم يكن جيباً عادياً بل كان من أضخم السيارات العسكرية التي قامت أميركا بإنتاجها،
انه الهامفي لا غيره!
الذي امتاز بسرعة الأداء والقوة التي تجعله حامل للأسلحة الثقيلة،
يبدو انه لا وقت لديه فقد نقل أسير في جيب عسكري غالباً ما يكون للسـلاح فقط !
أن الذي ينقلني الآن لم يكن إلا حاملاً لـ (rpg) ولكنه قد أُفرغ!
بالتأكيد أطلق النقيب مع جُنده هذا القاذف وأتوا يسامرون باقي السرية على الحاجز،
ومتناسين جراحاً خلّفها هذا القاذف بعد منتصف الليل!
ففي بغداد يبدأ الوجـع بعد منتصف الليل . . .
***
أتينا سنداً وعوناً لصحبيّ الذي بالتأكيد هم المظلومون في هذه المعركة!
لأنهم أهل الأرض .. ولا يجوز التطاول على صاحب "المحل".
عراك الأيدي كان سهلاً يسيراً لشبابٍ أفنوا فتوتهم في هذه العراكات الصغيرة التي تتبعها انتصارات صغيرة وهتافات متناسين ذاك الدامي الراكض الى أمه وهو منذ قليل يقول انه فتى مُعتد لم يحتاج أمه بعد اليوم!
من تلك الأيام وجدنا فائدة من تلك الاشتباكات الكثيرة..
أنها تنصرنا اليوم على ثُلة جند أفنوا فتوتهم في مراكز التأهيل العسكرية لا شوارع الشرق التي تصقل الفتى على قوة البأس!
عراكنا الذي كان بادئ أمره عراكاً عادياً ولكنه يخفي خلفه أسلحة تجعلنا نسكن أبو غريبَ!
لم نبقى وقتاً في عراكنا الذي أدمى ساعد أحد صحبي نتيجة اصطدام يده بأحد أنواط الجندي المعلقة يمين صدره!
أشتغل محرك الجيب الأقـصى فأنسحب الجند من جهة أُخرى!
يبدو أن هُناك إشارة لم ننتبه لها وصلت إلى العالقين بهم.
أنسحب الجند،
فأخذنا نلقط أنفاسنا بعد عراكٍ أخرج معه ما في صدورنا من غضب وحسرة على وطننا الذي ظفرت به دولتهم!
وأتحسر أيضاً من "حيدر" حسرة يسبقها " شر البلية ما يضحك" الذي عزمنا على بقايا شاي من انسحبوا، يبدو أنه فقد عقله!
أ نجلسُ في مكاناً ضمّ قبلنا عديميّ الإنسانية والشرف؟
فنحن أكثر شعوب الأرض أخلاقاً، وعندما أقول أخلاقاً فأنا أعني هذه الكلمة جيداً،
ليس كما يقولها الجندي الأميركي من قمره طائرته إلى قائده : "أصبت الهدف بدقة، دون المساس بالمدنيين فنحن الجيش الأكثر أخلاقاً في العالم !"
***
تحدث أحد صحب آلن الذي يكبرهم عمراً وعقلاً، فهو لا يتمتع بطيش الشباب كما يتمتع به البقية، يبدو أن عُمره أجبره على التعقل، الشيب الذي غزا رأسه وتجاعيد ترتسم حول عينيه حينما يضحك تخبرني أن عمره جاوز
الخمسون بعدد قليل: العركة هاي دتجيب لنا هوايه مشـاكل، لها أول ولا لـها تالي، لازم نأخذ حذرنا كلش!

ثار حيدر الذي كان شبيهاً لصادق بأفكاره وتفاصيله الطريفة، وكأنهم خُلقا من بطناً واحد فكلاهما لا يجيدان التعقل في
أمراً كهذا : ما علينا بيهم،
أبو آدم بلا زحمة جيب لنا السلاح دنتيسر !

تحدث آلن المنشغل في تضميد جراح صاحبه المُصاب بعدما تكرم عليه صادق وجلب من بيته قطع شاش ومعقم جروح: أني حاسس انسحابهم ورة طركاعة مساوينها،
ما انسحبوا هيج لأننا أقوياء!!
كل واحد منهم سـلاحه على جتفه يكدر يروحنا برصاصتين،
بس هم وراهم سودة ما رايدين نعرفها هسه! "طركاعة + سودة = مصيبة".

لقد صدق آلن بحديثه، نطقت بعد صمتاً لم ينتج إلا كما قال آلن:
علمود هيج خلونا نشوف صرفة للسـلاح قبل ما يفتشون!
تحدث ألن آمراً: اخذه وياك لبيتنا بديالى.

عزمنا الأمر باتفاق الجميع ورحيل "الجماعة" تاركين خلفهم ميثاقاً لا ينقطع وعراكاً لا تُعرف عواقبه!

وما أن رحلوا حتى سكب صادق الشاي مُجدداً : ما كلت لي متى ديولون الفُرس؟ اشتاقيت لعمتي هوايه!

أجابه الآخر على مضضاً: بداية سبتمبر.

سألته مُجدداً بسؤال يختلف عن سؤال صادق: ها خوما لقيت عليهم ممسك؟ "ممسك = دليل".

أجابني أيضاً و مضضه نفسه: لهسه باقي،
- ثم أردف واضعاً يمينه على غُرز الخياطة الحديثة- تعاركت مع واحد هنانا . . . خميني أصل وفصل!

يرى كُنية رئيسهم مسبّة!
ما الحال لو أحد شتمه بمقولة صدامي أصل وفصل؟
وكأن صدام من يجلب لنا حماقات الدُنيا ولعناتها السبع وتخرج للملأ على هيئة شتائم لا توسعها دواوين العقاد ولا مواويل فيروز لتخرج بكلمة واحدة " صدامي"..
هذا هو الحال مع الإيراني عندما يُسب بالـ "خميني"..
أخشى أن تلك الغُرز الواسمة جبين صاحبي لم يكن سببها إلا هذه الكلمة!

إلا أن صادق أراحني ولم يرحني أيضا عندما أجاب ألن على سؤاله: مدري هيج مشيت من عدك علمود محفظتي،
و اجيت هنانا لكيته يتعارك ويا الإيرانية وأسمعه يكول صدام وقربت دأفهم اش صاير،
إلا يعيد نفس جلمته عن صدام، وما شفت حالي وكتها إلا وأني مطيح له أسنانه بالكاح طاح حظه!

المسألة نفسها، فالعراك لم يكن إلا بسبب صـدام!
هذا وهو لا يعلم ماذا قيل بقائده .. كيف لو عرف؟

***
أجبت على تلك الاسئلة التي تُطرح شبه يومي وبشكل أملُّ من سابقه!
متى يفهما صاحبيّ أنني لا أريد أن ترحل إيران من منزلي!
أريد أن أقتص منها أكثر من خلال شبيبتها المملوكة لي حاليـاً .
متى يفهمون أنني أريدُ أن أقتص من ابنتها الحمقى التي لم تكفُ عن مجادلتي بشأن صدام حتى وأن كفت زيارتاها لي !
ليتُ صادق لم يأتي بعمته، وبقيت كما كانت. . .
وضعت يدي على رقبتي بعدما أحسست بفراغ!
كان للوهلة الاولى فراغ .. ولكنه مكان الصليب خالياً منه
ذاك الصليب الذي يرافقني منذُ ولادتي..
لا أريدُ أن افقده هو الآخر، لأول مرة أحسُ بالضياع
لأول مرة أحسُ بالتية!
كان رفيقي في كُل نكباتي ونكساتي ودمعـاتي وقبلهم رافق ضحكاتي وألعاب طفولتي .. وإنجيلاً أتوسده قبل أن أنام !
كان هديتي من والدي عند ولادتي وأصر على أن لا أخرج من المشفى إلا بعدما أتقلده !
لقد ضاع وذهب حيث ذهبوا!
ولكنه لا يستطيع قطع الأميـال والبحار إلى بلجيكا كما فعلوا،
بل سأبحث عن قطعة ذهبية سقطت أرضاً وتنتظرني أنتشلها من قارعة الطريق مُعيذها من الوحشة والوحدة ومُعيدها إلى صدري!

صرخت بصاحبيّ المنشغلان ببعض الأحاديث: الصليب!
***
زنزانة سوداء الطلاء، وساعة تتجاوز الواحدة ليلاً!
في هذه الزنزانة سأضلُ إذن!
تمنيتُ لو لها نافذة تطل على اللا شي . . .
فقط أريدُ أرضاً بيضاء قاحلة التي تتمتع بها منطقة سجني!
تلك السماوة المنطقة الحدودية مع المملكة العربية السعودية،
فكسبت من تلك الأرض القُحل الذي تجهله العراق!
لم أتي السماوة ولم أزرها .. بل أنني في نقرة السلمان
السجن الذي حضن مُظفر النواب أعواماً لا تُعد
هل تُرى قراءتي لسيرة مُظفر في عامي الماضي تمتلك الجاذبية حتى تُسير الأقدار – بعد الله – لكي تمنحني مكانه!
ولكنني لا أعلم ما هي الجريرة التي جرّتني إلى هُنا ، فهذا السجن يعتقل السياسيين والمعارضين،
فأنا لست سياسية ولا معارضة أيضاً !
ما سبب اعتقالي إذن؟
وكأن الله رحمني من هذا الوسواس في زنزانتي التي لا تتجاوز 3×3
وبلباسي الذي يتكون من حجاب كُحليّ و بنطال وكنزه سوداء ويضفي فوقهم جلباب بدايته من أعلى أكتافي ونهايته

أعلى الكعب ولونه أيضاً كحلي : السيدة مَهتاب يوُسف،
استدعاء.
***
قطع حديثنا صرخة آلن : الصليب!

تحدث محمد وهو ينظر إلى مكان الصليب الفارغ منه: على كيفك،
بلكي وكع هنانا لو هناك.

تحدثت مبتسماً، مستغرباً من هلعه وكأنه فقد أغلى ما يملك!: يروح لك فدوة ألّون!
نجيب لك غيره، وقيراط 24 لو تريد همين.

تحدث ناهيني عن ذلك بلطفٍ لم يعتاده : دخيل ربك صادق، جيب لي إياه هو ما أريد غيره !
لم أره من قبل مسالماً هكذا, يبدو أن العدوانية في صليبه!

محمد: بنروح ندوره عند الأسلحة بلكي وكع منك،
وإذا ما حصلناه نروح للحاجز قبل يرجعون العسكر.

ذهبنا جميعنا خلسة إلى خلف المنزل فالساعة تقارب الثانية صباحاً والجميع أصبح مكتفياً من نومه فقط ينتظر حراك شيئاً قريب حتى يصحو!
وخوفي يكون هذا الأحد عمتي أو ذلك الذي تعارك معه آلن،
لسنا بناقصين مصائب حتى تنُبش السفارة الإيرانية عن أسم الناطور الغير أمين وتُخبر عنه صاحب المنزل الذي جلبه لهم تجد انه هو صاحب المنزل أيضاً !

تحدث محمد متسائلاً: أنته تارك الباب هيج؟

نظرت إلى الباب المفتوح وإجابة آلن: لا تارسة عدل!

بدأت الشكوك تلعب لعبتها في عقولنا، حتى وصل الأمـر إلى تشكيك آلن بنفسه، هل أغلق الباب كما يقول أم تركه هكذا على مصراعيه!

ثم يعود يثبت لنا صحة قوله، ماسحاً وجهه بباطن كفه نتيجة لقلقه: ولك والله أني ما افتح الباب هيج،
وأني متأكد مو بس تارسه إلا قافله.

خطيراً ما يتفوه به هذا الـ آلن لو لم يوهم بنفسه بقفل الباب،
فربكته وفركه لعارضيه تنبئني عن حدوث مشكله لا خلاص لها،
يعلمها هو وحده!

محمد بتوتر أقل وكأنه تأكد من توهمات آلن: لك يالله فوت شوف سنسالك هنانا لولا. " سنسال = سلسال أو عقد".

دخل آلن وهو يمشط المكان بعينيه عائداً لنا بلا جدوى، بالكاد يُفكر كيف له أن يبحث عن عقداً في ظلمة الليل!

وما أن قال لم أجده
توجهنا مُباشرة إلى الحاجز الذي لا يبعد عن بيت آلن سوى أميالاً قليلة!
من بعيد رأينا لمعة الذهب تُبرق على ضوء إنارات الشـارع الصفراوية!
ذهب إليه آلن مسرعاً قاطعاً الشارع الرئيسي الواقع بين الفرع والحاجز،
بينما توقف محمد وأنا على بداية الفرع السكني مُنتظرين عودته من الموقع.
***
دخلت إلى المكتب الذي أشار لي الجُندي بالدخول إليه.
مكتب فخم، مُهيب ..
بارداً في منتصف أغسطس، برودته ليست بفعل المكيفات بل من فراغه الموحى إلي!
فارغاً من كل شي ، حتى من الحياة في الخارج!
كأنني في مكاتب عُظماء نيويورك لا في السماوة العراقية،
مكتب ضخم ، يحمل اللون الاسود الجلدي طابعاً لمكتبه وخزانة صغيرة على يمينه تحتوي على ملفات لا أعرفها!
ولكنني عرفت نظرات الجاثم خلف هذا المكتب،
مُخيف بما تحمله الكلمة من معنى!
يملك في وجهه عيون وساع رمادية اللون،
وعارضاً أشقر كما هو لون شعره أيضاً..
ومنكبين عريضين تمنيت لو الله أبدل ذات النطاقين بها حتى لا تحس أنها حاملة شي !
أشار لي دون أن يتحدث على المقعد الذي أمامه،

جلستُ حيث أشار، ثم انه بدأ حديثه مسنداً ظهره إلى كرسيه الجلدي واضعاً قدماً فوق الأخرى: ما أسمك؟

وكـأنه لا يعرف! : مَهتاب يوُسفّ.

تسأل مرة أخرى بسؤال أغبى من سابقه: ما الذي جاء بكِ إلى هُنا؟

تحدثت بنفس طريقته رافعه عينيّ على أنواطٍ تعلو منكبيه: وهل هذا سؤال يسأله جنرال ؟

يبدو أنه داهية لا أجيد اللعب معه، ويبدو أيضاً أنني أتيته ومزاجه جيد وإلا دفنني بمكتبه: أُليس من حق المُدان رفع التُهم عنه؟.

غبائي هو جريرتي التي جلبتني لهذا السجن، وغبائي أيضاً من جعلني أصدقه برفع التُهم: لم أفعل شي يا حضرة الجنرال،
فقط كل ما فعلت وثقت اشتباك بين الجنود وشباب في الشـارع!

أفزعني عندما ضرب الطاولة معدلاً وضعيته متقدماً نحوي صارخاً: بل وثقتي لحظة ضعف من جندنا،
ألا تُخبرك صحافتك عن منع تصوير الجند الاميركان بأية حال!
لقد علمتم هذا الشيء قبل دخولكم العراق..
- أخفض صوته قليلاً – ولكننا لم نخبرك ما هو جزاء من خرج عن القانون،
- أبتسم متشفياً - : جزاءه أبو غريب!

هل يعقل أن أفني شبابي ويقضي عُمري تحت التعذيب والاضطهاد في أبو غريب،
من الأوائل السجون التي تنافس جوانتانامو ..
سحبني الجندي مرة أخرى وأنا لا حراك ولا حول لي.
كيف يحاكمني بليلة واحدة ؟
ويكون حكمي في أبو غريب!
ما هذا الحُكم المستعجل؟ الظالم المُستبد!
للتو شعرت بظُلم الأسرى هُنا، فطول طريقي مع هذا الجُندي أسمع صراخاً مكبوتاً وصوت سوطاً يقرع فوق أجسادهم!
إذا كان هذا حال أسرى نقرة السلمان فما حال أسرى أبو غريب!
هذا ما تبادر إلى ذهني وجعلنني أنتفض بين يديّ الجندي الذي حسّ بي وأوصلني بشكل أسرع إلى زنزانتي لكي أقضي بها "أيام الهناء" قبل جحيم أبو غريب . . .
***
رأينا آلن يعُود أدراجه بعدما حُبست أنفاسنا خوفاً من عودة الجند إلى موقعهم الذي غابوا عنه ما يقارب السّاعة،
قدم آلن وهو يبرر تأخيره بسبب انقطاع الكهرباء المفاجئ وهذا ما جعله يتأخر بإيجاد ضالته،
ولم يخلو تبريره من لعن وشتم الاميركان والرؤوس الكبيرة في البلد!
يبدو أن ضياع الصليب قد لوّن مزاجه.

تحدثت بشيء من اللباقة بعد نصف الليل: ها شباب دتسهرون عندي؟

تحدث آلن الذي علمت موافقته قبل أن أتحدث أصلاً : بس قبلها بنروح ناح بيتي دنشوف سالفة هالباب وأريد أتطمن على عمتي،
تعرُف ما لهم آمان.

الخوف جعله يقول لها عمهّ بغيابها.
ليت مزاجك دائماً متلوّن ومترصد حتى تعرف مقامات الناس وتسميها بأسمائها !

أوقفنا محمد مشيراً إلى ضوءً خافت يمينه: شوفو هاي شنو ؟.

وما أن رفعها حتى بانت له كاميرا، أوقف وضعها فقد كانت تُسجل فيديو ،
اتجهنا مباشرة إلى بيتي، بحجة انه أأمن من حراسة آلن لموضوع هكذا.
***
مسكت الكاميرا متوسطاً محمد وصادق.

بدأ الفيديو: دصور لكم اليُوم حدث تاريخ، هيج عركة شمدريني مال شنو.
سمعته يكول هيج!
بس ما ناشره الفيديو لاني أخاف على ولّدّ عمه المسودنين،
- ثم أردفت بعد صمتاً قليل - لا صادق خطية حباب.

وبدأت تتابع المعركة المنصرمة منذُ ساعة وتخالط صوت أنفاسها التي تُنبأنا بقطعها لمسافة طويلة بأنفاسنا المترقبة بمصير هذه الكاميرا بعد علمنا لمن تعد ملكيتها، انها لمَـتهاب !
التي لأول مرة أنطُق أسمـها التي أسماها والداها به!
هل قلقي من مصيرها يفعل بي هكذا؟
ومن قال أنني قلقٌ على مصيرها ، بل أنني قلقٌ على مصيري أنا وصحبي بعدما بانت ملامحنا في هذا الفيديو الذي أحمد الله أن عثرنا عليه قبل أن يقع في أيدي من لا يخاف فينا ربه!

شدتني حركة الكاميرا مغيّرة وجهتها عن اشتباكنا ثم ملحقتها بكلمة: ما الأمر . . .
ما الأمر أيها النقيب .

ثم سقطت الكاميرا أرضاً مظهره فقط أرجلنا وسط هذا العراك وصوت خُطى سريعة خلفها .
لم نحتاج إلى تفكيراً عميقاً أو سطحي حتى نعرف لما وجدنا هذه الكاميرا ، فنطقها بكلمة نقيب تخبرنا بأنه هو من تسارع بالخطى جانبها،
وحديثها بالانكليزية تخبرنا أنه نقيباً في الجيش الأميركي لا العراقي.

: علمود هيج انتهت العركة!
هذا ما نطق به صادق ، وسط صمت مُحمد وذهولي مما حدث.

بقينا على هذا الحال، ما بين شاردة وواردة..

ثم تحدث ذاك الصـادق مُجدداً: ما عليكم بيها، وراها دولة تطالعها بساعة،
مو مثلنا بطيحة حظ !

الأمر ليس سهلاً كما يقول صادق،
إيران لن تستطيع إلا بعدما تأخذ أميركا حقها الكامـل في معاقبتها،
ثم تُرحل إلى إيران لتُعاقب على "سواد الوجه" الذي جلبته للصحافة الإيرانية و الوزارة التابعة لها، هذا إن خرجت من معتقلات أميركا!
هذا كثيراً عليها يالله!
فهي هشّة لا تستطيع تحمل ذلك،
رغم عنادها لي وقوة بأسها إلا أنها تغضب من كلمة واحدة ضد مبادئها فترتحل من أمامي وهي كطيرٍ جريحٍ دامي .. رغم أنها تتحفظ على قوة شخصيتها ولكنني اعرف الانكسار من نظرة العيون!
فهي مشتتة بين عرب وعجم وإيران وعـراق،
الآن حملاً ثقيلاً تستند عليه عندما تتشتت بين سجون ومعاقل العراق هذا أن لم ترحل إلى المعاقل هُناك في أميـركا،
فكرة ذهابها إلى أميركا موجّعة، كيف ستتقبلها وهي لم تستطيع تقبل شخصاً واحد، لا معاقل وحرس وضباط ومحققين ومحاكمات ومحققين.
هذا كثيراً عليها يالله!
فهي لم تذنب، فقط أرادت أن تحفظها ذكرى لأنها سترتحل إلى إيران بعد عشرين أيام كما قالت.
يجب أن أفعل شيئاً لن أتركها تذهب هكذا من يديّ .. ليس لشيء فأنا لا أكُن لها أي شُعور!
فقط أريد أن أقنعها بسلامة نهج صدام التي تُمحق!
وهل ترى هذا سبباً؟
نعم هو وحده السبب،
أنا مقتنع أنه هو صدام السبب .. لا هي
***
رعشتي التي نتجت بين يدي الجُندي، تطورت إلى أن أصبحت حُمى!
أتمدد على فراشيّ البـالي الذي أظن أنه أُستخدم في هذه الزنزانة عندما تكونت أسوارها للمرة الأولى.
الحُمى جعلت العاشـر من أغسطس صقيعاً وكأنني في أواسط فبراير،
طلبتُ من ذاك الجُندي "الحليم" غطاءً، ولكنه خرج ولم يعد،
فبُدلَتُ بجندي آخر !
وكأنني اسمعه طلبهم ما طلبت، و زجروه وأرسلوا هذا الجلمود الذي لا يرد على نداءاتي بدلاً من ذاك العطـوف،
أخطئت عندما أسميت آلن جلموداً،
فهذا الجلمود لا ذاك . . .
وما الذي أتى بذكر آلن، يبدو أنني اشتقت لتمجيد صدام اللا منتهي!
أو ربـما اشتقت إلى العمّة التي تُقاسمنا المعشر فقط دون رابطاً آخر.
بل اشتقت إلى سماع أصوات أهلي التي لم أنقطع عن مهاتفتهم يومياً حتى خالد تتظاهر أمي بالحديث معه وهاتفها في يدها القريبة من خالد تنقل لي أثير صوته التي أفتقد محاورته لي!

***
خرجا صادق ومُحمد يُصليا الفجر، فعاد الأول لوسادته والأخر عاد إلى ديالى،
بقيت أنا في مكاني حيثُ الكاميرا، متنقلاً في صوراً عدة،
بدأتها من تصوير العراك الذي حصل إلى صورة تجمعها بعمتي،
وأخرها لعمتي وحدها، وهُنا فيديو تفجير حصل قبل ثلاثة أيام في السفارة الأردنية، ضغطت مطولاً على سهم الانتقال، حتى خرجت لي وجوهاً غير مألوفة وأرضاً أعرفهـا .. إيران التي تشابه شقلاوة كما قال مُحمد!
صورة لرجل ثلاثيني يشبهها كثيراً حتى في لون الجنة التي يسكُن عيناهما، وهذا الآخر غاضباً بوجهاً صغيراً يخبرني أن صاحبه فتيّ في وقت مراهقته .. لم يتخطى حاجز الـ 18 .
وهذه صورة جماعية، تضُم أربعة رجال اثنين منهم قد برزا لي بصور سابقة، ويتوسطهم رجلٌ وقـور وامرأة تُشبه نساء الاهوار – منطقة عراقية حدودية مع إيران – بتطريز لباسها الذي يعود إلى التراث العربي وعُصبة سوداء تتوسد جبينها مُحكمة تحتها خماراً أسود يفيض إلى أن يصل خمص قدميـها.

ضغطت السهم بشكل بطئ فبدا لي فيديو: هلو عمّور.
ذاك الرجل الذي يقاربها عمراً ما زال يتخبط في منتصف العشرينات يغطي وجهه عن عدسة كاميراتها وتحدثه مرة
أخرى: شوكت بتطلع وجهك لكاميّراتي ها ؟

أجاب الآخر مازحاً : بجادرج اقولهم شقد جنتي صحفية مثابرة،
حتى متقنة الدور داخل بيتج. "جادر= مكان يوضع به العزاء أمام البيت".

أدخلت يدها في الفيديو ملقيته ضربه خفيفة على مؤخرة رأسه : أدب سز! "قليل أدب".

تحدث الآخر ضاحكا من غضبها: أخوج الكبير يابتّ.

أغلقت الكاميرا فقد اكتفيت بهذا القدر،
وكأن الله جلبها لي حتى تهوّن عليّ مرارة الوحدة فصادق الخائن نامّ قبلي!
وكأنني لم أطرده من ساعة حتى أختلي بكاميراتها،
لا أريدُ أن تستنقصني أمام أحد، أو لا أريدُ أن تفضل علي أحد!
لمـا رأتني "مسودن" وصادق الـ "حباب".
رغم ان مقابلتها له لم تتجاوز الدقائق حتى!
ونكرت أنيس وحدتها السـابقة الذي سامرها ستة عشر ليلة وتتشفى منه وهي تصوره في عراكٍ وتصدر ضحكتها القصيرة الخافتة عندمـا يُلكمّ أو يصرُخ شاتماً . . .
أ هذا حق الأنيس يا مَـهتاب ؟
إذٍ ، حلالٌ ما فعله بكِ الاميركان حتى يشعروكِ ما معنى الوحدة.
***
عصر اليُوم التــالي. . .
أقف مكملاً صفهم لأصبح الحادي عشر بحكم أنني ناطورهم!
تحدث المخول القادم إلينا منذ عشر دقـائق متحدثاً بفارسيةً لا أفهمها،
اسمع أسم مهتاب يتردد كثيراً في كلامه، هذا يعني وصول الخبر له!
أرسلت إلى صادق أن يخبر عمته بضرورة خروجها من المنزل،
وما هي بضع دقائق ألا عاد الرسالة بأختها مفيدني بوصـولهم إلى بيتهمّ.

تقدمّ لي رجلاً قد حادثته مرتين قبل هذه، مرة عندما تسلّم مني المفاتيح، ومرة أخرى عندما كان يخبر مصطفى بحديثي قبل عراكنا : سيدي، حدث هنا أمراً لابد أن تعرفه،
أحد منسوبين الصحيفة الذين أتوا معنا إلى هنا، أخلفت الشروط التي اتفقنا عليها مع الاميركـان وقد سُجنت ليلة البـارحة، وقطعت علينا رحلتنا في هذه الأرض، علينا العودة بأسرع وقت إلى طـهران.

- ثم أردف بعد ما تحدث مصطفى – لا عليك ،
تستطيع الرحيـل الآن حتى قبل أذن صاحب القصر، سلمني المفاتيح وأذهب.

سألته: اش كان يكول مُصطفى؟
أجابني بربكة وضيـاع لا أعلم سببه، جميعهم غاضبون ولا أعلم لما: لا عليك بما يقول، فقط نفذ ما سمعت، انه أمر القائد لك.

سألته مُجدداً : بروح بس بعد ما تخبرني شنو قايل؟

تحدث بعدمّ صـبر: لا علاقة لك بذلك، لقد كان يسبّ تلك الصحفية التي قطعت جولتنا بفعلتها الغبية .. فقط هذا كل الأمر.

وتقولها هكذا "فقط"
وكأنها شيئاً عادياً لا يهمكم أمرها وكأنها غير التي رافقتكم وقتاً ليس بالقصير هُنا،
ستشدون رحالكم وتمضون إلى إيران، وتبقى رفيقتكم إلى معاقل الحجيم ، لا عليهم, كما يقول هذا الرجُل.

دلفت باب منزل صـادق متسائلاً: شوكت يروح القائمقامية والحاكم العسكري لبعقوبة؟

أجابني: بعد ثلاثة أيام ليش؟

رددت تسأله بأمر: دنولي هـناك يمهم.

رأيت الجزع يعلو ملامحه وكأنه فهم ما أرنو إليه: آلن،
لا تخبلني ويـاك، روحة لبعقوبة ماكو ، تعرف شمعنى ماكو يعني ما تعتب بغداد خطوة.

أجبت بغضب لا أعلم لما يقف بطريقي مرة أخرى.. انه لا يفهم لما لا يفهم : مو على كيفك، بنروح يعني بنروح،
خلاص خالي انته لا تروح اني بروحي بروح!

تحدث بعدما فقد صبره: هاذ اللي مجنني أكولك الروحة من أساسها ماكو ،
تريد تذبح روحك انته؟ تريد تروحنا وياك؟
ياخي كافيك لويه، هه شفتك بعينك شصااار حميتهم ببيتك وطلعت بنتهم شلايتية وباقية عند الاميركان.

لم يعدّ يفهم، بل وزادت بجاحته أكثر من سابقها، كيف يسبّها هكذا وهي في المعاقل، يكفيها ما تُعاني هُناك: و سسم إن شاء الله!
هذا بدل ما تروح تطالب بالافراج عنها،
خاف ربك! إسلامكم يأمركم بهيج ، انته تشمت وربعها طشروها وراحوا، هيج إسلامكم !

وقف صادق ذاهباً إلى عمته في المطبخ بفقدان صبـر لا يُريد أن يستهلك حباله الصوتية أكثر من ذلك،
مصيره سيقتنع وهو من سيذهبُ بي إلى ديالى أيضاً . . .
***
حرارة تسكن أعماقي وتجعل مني طريحة فراش لا حراك لها منحتني القُوة بتأخير النطق في حكمي ونقلي إلى أبو غريب حتى أتماثل بالصحة الكاملة.
حمد لله!
حمداً للذي لا يُحمد على مكروهاً سـواه.
هل يُعقل أن أهلي لم يفقدونني، لم يبحثوا عن رقم أحداً يدلهم علي،
والصحيفة أيضاً والصحفيين وكاظم، لما لم يذكرونني!
وآلن أيضاً وعمة صادق ماذا فعلوا؟
وماذا عليهم أن يفعلوا لما أنتي متأملة بهم هكذا يا مهتاب؟
ماذا ترجين من ناطور وقريبة له أتت لتسليكِ في غربتكِ!
***
بعـد ثــــلاثة أيــام. . .

نتناول مائدة الغداء بهدوء لم يسبق بمثله، خصوصاً بين مثلث برمودا!
أنا وآلن وعمتي، ليسجلها التاريخ في سجلاته !

قطعت عمتي تلك السُكون المميت: تره ساكتة عنكم يومين أريد واحد بيكم يحجي،
مخليني هيج مثل المسودنة بينكم، أريد أفتهم شنو هاي الالغاز ياللي بينكم، وليش رجعتوني هنانا ، مو جنتم تكولون لبداية أيلول؟
ها للحين باقي عشرين يوم؟

تحدث صادق مازحاً وممتصاً من غضبها : افاا يا أم علاوي نستج هالإيرانية أيامنا الخوالي!

لم ترد، رمقته بنظره جعلتني أغص بلقمتي أثر تعابير وجهه المصدومة!

مدت لي كأس الماء: انته البله من تحت راسك بتكولي الحين كل شي تفتهم!

أجبتها بعد ما وضعت كأس الماء جانباً: ليلة اللي خذيناج من هناك، هاي الايرانية ياللي عدج.

قاطعتني: أي مَهتاب اش بيها؟

أ تراكِ متلهفة عليها يا عَمتي؟
أ كان الهـوى يُعيد لنا قصة يعقوب ويُوسُف.
بل يعيد لكِ وليس لنا !

أكملت حديثي مظهراً اللا مبالاة: أي يكولوا لج أنها سوت لها هذيج الليلة صخام ويا الاميركان واعتقلوها.

لطمت صدرها : سوده عليج يا زينبّ!
سوده عليج يا أم علاوي.

لم تفتني تلك الدمعات التي نزلت من وجنتيها : قولي يالله!
أم علاوي اتشبيج ؟ قابل أني مبسوط يعني،
كلنا متضوجيـن، بس ياللهَ شدة وتزول.

وما أن كفكفت دمعاتها استأذنتها أو أخبرتها : ترى اليُوم بنروح أني وصادق لديـالى لا تنطرينا على العشـاء، واترسـي الباب عدلّ أو اقفليه بالمرة!

أومأت برأسها، ثم بدأت بنقل الأواني الى المطبـخ،
نهض صادق وأنا مساعدين لها بمهمتها الصغيرة !
لا أعلم لما أريدُ أن أُشبع عيني بها ،
هل هو خوفاً من مجهولاً لم يأتي، أو أن عقلي الباطني يفسر حماقاتي على هيئة خوف ورهبة!
لا أعلم .. لما كل هذا الشُعـور.



مخرج الفصـل العاشـــر
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ
بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
بغداد أنت هوى العصفور مهجته
كالريح تعزف ألواناً من الحلمِ


×المتنبي×


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 01:43 PM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفــــصل الحــــادي العـــاشر ..

حين يكون رحيلك وأنت تساعد رجلا مقطوعا في طريق ...
وحين يصادف أن تكون عائدا من بيت أخيك تصله بالعيد... إنسانيتك أكبر وأعظم من فنك الأصيل...
وداعا #ياسر_المصري
هو الرحيل سيد الخسارات ..


كل العزاء والمواساة للشعب الاردني والعربي لفقدهم لنمــر الشاشة الفنية
رحمكَ الله يا أبا زيــد


.
.
.
.



أومأت برأسها، ثم بدأت بنقل الأواني الى المطبـخ،
نهض صادق وأنا مساعدين لها بمهمتها الصغيرة !
لا أعلم لما أريدُ أن أُشبع عيني بها ،
هل هو خوفاً من مجهولاً لم يأتي، أو أن عقلي الباطني يفسر حماقاتي على هيئة خوف ورهبة!
لا أعلم .. لما كل هذا الشُعـور.
***
وقفتُ مُجدداً بعدما صليتُ العصر محاولة بثّ الطاقة في جسديّ،
حتى تستحي الحمى من طاقتي وترتحل!
مسكت قضبان زنزانتي مراقبة الوضع خارجها،
هذا يُسحب على وجهه، وآخر يُضرب بين منكبيه ليصلب طوله الذي فقده نتيجة ضرب السّوط الذي داعبه ليلة أمس!
هل تراهم أخروا عذابي لجحيمٍ ينتظرني في أبو غريب؟
وهل تراني سأصلب طولي عندما يضربني الجُندي طالباً هذا الأمر
وهل تُراني مستعدة لكل الذي علمته، والذي لم أعلمه بعد!
غريبٌ سجني والأغرب سجّاني، والأغرب من كل هؤلاء سجينهم،
لا أعلم لما كُل هذا!
وكأن الصحافة اقتادتني من أرضي وأهلـي،
اقتادتني وكأنها تجرّني بالانتصارات والضحكات البائسة القليلة الى الهاوية
هاوية النسيان .. فقد أكون منسيا في يوما من الأيام.
بل نُسيتَ اليُوم، لا أحد يذكرني
لا صحيفتي التي خدمتها سنوات عدةّ، ثم انتدبت معها إلى أرض الرافدين التي تخلت عني بها،
ولا أهلي الذين بقيت في حجرهم سنوات وعزّ عليهم فراقي شهر ونصف و يهاتفونني يومياً، وعندما أقول يهاتفونني فأنا أقصد الجميع ما عدا خالد،
يبدو أنهم تلبسوا قناع البرود والتبلد كما فعل ابنهم الأصغر من شهر.
***
ديالى .. حيثُ بيتنا المهتري
يقف آلن بيننا في الغرفة الوحيدة السالمة من القصف موزعاً قطع السـلاح الذي بحوزته علينا، يعدنا أكثر من مرة وكأنه يتأكد بأننا لم ننقص في بضع ثـواني!

موجهاً أوامره لنا، ويغير بين الدقيقة وأختها من وظيفة كل واحد مننا،
فكلنا معه بما يقول، والبعض معه في إبعاده عن ما ينوي فعله بعد ساعات!

عاد موشحه الذي مللنا سماعه منذ عصر هذا اليُوم:
أحنا عشرة، بس الزلم بقلبها مو بعددها،
أبو صابر وحيدر وصادق تأخذون الناح الشمالية من الطريج "الطريق"، "الناح= الناحية او الجهة"
وسالم وراشد وكرار تتمركزون همين بالناح الجنوبية،
وحسين وعُمر ومحمد أترسوا الطريج حجر كومات وهيج – موسعاً بين يديه دلالة ضخامة الحجر الذي يُريد –
و أكو وايرات جبتها وياي تحطوها بجنب الحجر وتعبوا الشارع بيها من الحجر لي مكانكم بنزين،
وإذا باوعتوا الجند ترفع الحجر اجدحوا بالبنزين وتشتغل وياه الوايرات. "اجدحوا = أشعلوا بالقداحة". " الوايرات = اسلاك غليظة"

-أردف متسائلاً موجهاً حديثه لمحمد: وياك جداحه ؟ "جداحة = قداحة".

أجابه محمد بنعم : وانته شتريد تساوي ؟

زفر الآخر وكأن روحه ستخرج من ضيقه الواضح على معالم وجهه المكفهرة: وكتها بس كولوا يالله وادعو لي.

أتساءل اختطاف القائد موال برأس آلن منذُ زمن،
أو بعد اعتقال مَهـتاب ؟
أراه مضطرباً، خائفاً ليس من فكرته ولا من الجند وحاكمهم ولا من القائمقامية الذي يرافقهم!
بل خائفاً على من معه، وخصوصاً مُحمد . . .
يُداريه وكأن أحداً أأتمنه عليه!
لا يُريد أن يوكله بحمل السـلاح ولا إدخاله في نقطة الصفر!
أوكل إليه عرقلة الطريق بالحجر فقط،
وأوكله أيضاً بقدح البنزين وإضرام النار ثم الابتعاد عن المنطقة بأكملها والعودة إلى بيته الذي لا يبعد عن بيتنا سوى عشرات الخُطى، لا يُريد بقاءه بجانبنا إلى انتهى معركتنا.
أحتاج خلوة به حتى أساله عن سبب ذلك، فالبريق الدامع الذي يشعُ من عينيه عندما يُخاطب محمد عن عدته وعتاده وجاهزيته مثيراً للسؤال ..
غريباً على رجل مثل آلن!
وغريب هذا الخُوف أيضاً على رجل كمُحمد !
أعلم أن آلن حريصاً جداً على أحبابه ولكن لم أراه قط بهذه الحال.
***
السـاعة تقترب من العاشرة مسـاء وجميعنا التزم موقعه الذي حدده له آلن،
ذاك المغامر جداً، يعزم على أمراً وهو ناقلاً روحه بيمينه!
فقد طلب منا السمع والطاعة فقط،
جاريناه بما يقُول ونحنُ مغمضين أعيننُا، ليس حماقة!
ولكن ثقة بهذا الرجل الذي يفتدي الجميع بروحه،
ويحصن كل واحد منا بإنجيله وتراتيل صلواته قبل تمركزه بموقعه.
بلباسه الأسود المكون من بنطال وقميص طويل الأكمام بنفس اللون والشمـاغ العراقي جاعلاً منه عُصبة لرأسه، وصليباً لا يُرى قماشه الاسود بسبب لون قميصه،
فقط أرى الذهب التي تعكس إنارات الشارع بريقه بسبب تقدم آلن إلى الشارع والوقوف بجانبه منتظراً مرور الموكب بعدما يُودع حاجز بعقوبة!
الطريقُ الذي نتمركز به لم يكن إلا الطريق المؤدي إلى بغـداد،
فساعدنا ظلام الليل والنظام الجديد الذي أقره الاهالي، لا خروج بين المناطـق ليــلاً .. فهذا يعني أن لا سيّارة ستمر "عراقيـة".
لذا يتوجب علينا إغلاق الطريق قبل كل شي.
***
أجلسُ في بيتي متمللة يبدو أني قسوت اليُوم على أبنائي لغضبي وحسرتي على مهتاب،
فأن قسوت على صادق في نظرة ضحك منها، لم أقسوا على آلن بمثيلها، بل وبخته وجعلت كل أمراً سيئاً نمر به بسببه وهو "رأس البله" كما قلتُ له!
ولم أكتفي بذلك جادلته أيضاً عندما ساعدني في غسيل أواني الغداء،
لا أعلم لما تحجّر قلبي اليوم تجاهه!
هل هي وصية أمه صباحاً التي هاتفتني باكية تقول أحسُ أن مكروهاً أصابه!
وكأنها علمت بمجافاة النوم لعينيه مساء البارحة وبقاءه ساهراً حتى أيقضني لصلاة الفجر،
وكأنها علمت بهموم كالجبال تستوطن صدره وسببها الأول هيّ!
نعم.. هي، كيف تترك ولداً كآلن خلفها متجهة إلى الحياة ولا تعلم أنه زينة الحـياة التي تخبرني أنها فقدتها في بلجيكا!
أريدُ أن أشكرها على تركه خلفها وعدم بقاءها بجانبه ولو أدمت قلبه بفعلتها،
أريدُ أن أشكرها على تركها جوهرة زينت حياتي وعادت إليها رونقهـا،
فهو وصاحبيّه نجوم في سماءِ زينبّ..
لا غيب الله عن ناظرها أحدى نجماتها الثـلاثة!
***
عاد آلن بسرعة إلى الجهة الأخرى نازلاً من السياج الأسمنتي الذي يقع بجانب الشارع،
بعدما مرّ بنا موكب القائد العسكري الذي يلحق به جيب عسكري ويسبقه آخر..
أسمع صوت الأسلحة توضع على وضع الاستعداد لإطلاق النار،

"وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ"..
هكذا ردُدت وارتادت على مسامعي هذه الكلمات من أبو صابر وحيدر
منتظرين الإشارة من آلن الذي أنظم للجهة الجنوبية،
وما توانى عسكر الجيب الأول بالنزول إلى الشارع لإماطة ما يعرقل سيرهم، إلا أن الرصاص كان أسبق منهم عندما أطلقه آلن ومن معه!
ثم أبقوا لنا مهمة الجيب الثاني الذي نزل من فيه لكشف الأمـر والنزول إلى نقطة الصفر حتى يفهموا عدوهم لغة الـرصاص.
متناسين حجراً يعرقل سيرهم ، باحثين عن من كان سبباً في وضعه!
***
نزلت من السياج مسرعاً، داعياً الربّ الهُـدى والثبات والقـوة..
القـوة يالله ثم القُوة ثم القوة..
انتهت مهمتنا من الجيب الأول ونزلنا إلى أسفل أكثر مشغلين الجُند بالبحث عنا وسط ريبة الحاكم العسكري الذي وبالتأكيد طلب المدد من حاجز بعـقوبة ..
اشغلنا جُند الجيب بالبحث عنا،
حُبست أنفاسُنا فنرى أقدام الجُند من خلال إضاءة الشـارع،
أقدامهم تنبأ عن بحث مُستميت،لا محالة من وجود طرف خيط بآخره،
يتقدم الأول منهم وأرى سلاحه حديث الصُنع الذي لا تُضاهيه أسلحتنا جميعها !
ثم يتبعه الآخر بنفس الحركة وبسـلاح آخر، أحدث من سابقـه صُنعاً وقوةً،
وكذلك الثالث والرابع أيضاً . . .
هكذا تُسلح الغُزاة!
لتسلب الأرض من أصحابها بـ "بوز" بارودة لا يفهم حاملها إلا لغة الحربّ والسلب والنهب،

أريدُ أن أستحلف أحدهم " بربكَ ما أنت فاعلاً عندمـا يسألك الربّ عند دمعِ الثكلى والأيتـام، بربكَ ما أنت فاعلاً وهم يذوقون بسببك ويلات الأيام"..
هل تعلموا معنى الحُب يوماً ، ومعنى الولاء!
ولائهم لبلدهم لا يُعد ولاءٍ وهم يحاربون هُنا لرفع رايته ظلماً وعنجهية !
لا يُعد ولاءٍ وأنت تاركاً طفلاً يتضور جوعاً بعد قتلك لمعيله،
لا يُعد ولاءٍ وأنت تاركاً ثكلى تتوجع حسرة بعد قتلك لفلذة كبدهـا..
القتلُ بكَ مُباح..!
ليت الدُنيـا تدور كما يقولون، فالقاتل يُقتل والغازي يُغزى والظالم يُظلم!
ليتها تأخذ حق مظاليمها. . .

قطع علي تفكيري الذي ذهب لبعيداً في وسط معركة! همسُ كراراً بعدما أوجس خيفةً: أبو آدم باوع القائد نزل.
علمت حينها أن المُوت قادماً لنا، لولا – الله- تدخل صادق وصحبه من الجهـة الشماليـة ..

وقفتُ متناسياً وقوفهم على أقرب رصيف لي، ولكنهم لن يروا مني إلا أعلى صدري .. هذا أن رأوا شيئاً بسبب لباسـيّ،
خوفي على من معي قبل خُوفي على نفسي منحني الوقوف لكي أُشير إلى صادق بالبدء..
أشرت إلى محمداً بإضرام النار، حتى تشغلهم إلى أن يتحرك صادق ومن معه!

أرعبني صوت الرصاص الذي لم يكن إلا من كلاكنشوف حديثة الصُنع لا تلك التي أملك، يبدو أنه سلاح القائد.
بلا شُعور .. مُددت يدي إلى الأعلـى طالباً من شباب الجهة الشمالية التحُرك لإطلاقّ النار، ولكنهم فعلوا قبل أن أطلبُ منهمّ
لا أعلم لما رفعت يدي!
وكُل ما علمته أن هُناك رصاصة لم أرها بظلام الليل استقرت في العضل الفاصل بين إصبعي الإبهام والسبّابة!
مريراً ذلك الوجع، والأمر موقعه اللي لا يحتمل حتى الضغط القوي بيدك الأخرى..
ذاك الوجع .. تحسُه يدخل بين حنايا روحك وينتزعها من موقعها ،
بل تحسه يتغلغل في يدك أكثر رغم خروج الرصاصة من ظاهر الكف التي دخلت من باطنـها ..
نظرت إلى جُرحي بإضاءة بسيطة تُرى من لهيب النـار، بسبب حجز الرصيف لها، أو بسبب نزولنا أسفل!
لا يجُوز لي .. ان التفت لجرحي وسط هذا الزخم!
لا يجُوز لي ذلك أبداً، تقدمت مع صحبي بعدما رأينـا سقُوط جميع الجُند الثلاثة أرضاً،
لا يهمُني موتهم أو حياتهم!
كل ما يهمني فقدهم الحركة التي يستعيدون منها السيطرة على الوضع الراهن،
تقدمت والجرح يتقدم بوجعه أكثر و أكثر ،
لا أريدُ أن أفقد توازني بسب جُرح ضئيلاً في يدي اليُسـرى . . .
أحمد الله أنني أشغلت يدي اليُمنى بالسـلاح مما جعلني أرفع الأخرى وتُصاب ،
وأحمد الله أيضاً أنني لم أصرخ ولم ألفت انتباه صحبي قبل انتباه الجُنـد حتى ينشغلوا عن ما بأيديهم ..
تقدمنا وسط قدوم صادق وحيدر وأبو صابر من جهة أُخرى والنـار تحاصر جهة واسعة من الطريقّ،
محاصرين الحاكم العسكري والجندي الذي بقيَ في ساحة المعركة..
تحدث أبو صابـر الذي لم يمنحه كبر سنه الثـبات أكثـر ،

أرى الاجهـاد يغزو ملامحه : نزل سلاحك ولك .. – ثم أشار بسلاحه على الجُنـدي – همين نزل سـلاحك انته!

لم يفهما ما قــال أبو صابر ، ولكن حركته بالسلاح وهو يشير على السلاح ثم على الأرض أخبرتهم
بذلك،
أو ربـما خبرتهم العسكرية التي لم يمتهنها أحداً منا أخبرتهم أن أوائل الحصار استسلام. . .
***
الواحدة والنُصف ، البيت. . .
بعد جهادٍ كبير يساوي جهادنا على مداخل بعقوبة منذ ساعتين وصلنا الى المنزل !
رحل صحب آلن إلى بغداد، وبقيتُ مع محمد نجمع الأسلحة لنغيّر من وضعها السـابق عندما جعلنا الغرفة السليمة مخزناً لها،
الغرفة احتلها القائد وجُنديهُ كما احتلا العراقَ من قبل!
خرج آلن بعدمـا وثقّ رباط العسكري والجُندي وأغلق الغُرفة بمفتاحها أيضاً ..
دُهشت عندما رأيت يده اليسرى ملفوفة بشماغه الذي يعصب به رأسه في وقتٍ سابـق..

دنوت منه ماسـكاً يده: شو هاي؟

أجاب والعرق يغزو جبينه رغم بروده البيت الذي تحسُ إنك في الشـارع بفضل القصف الذي اخذ من كل جداراً به نصفُه: ماكو،
لما تأخرت أنته وياللي وياك بالضرب رفعت ايدي علمود تشوفني وتنتبه، وما دريت إلا رصاصة تدخُل بيها.

أجاب مُحمداً مصعوق: وللحين باقي هنانا، ديلاا روح المستشفى ما بعيد.

رد الآخر: لا..
بروح بغداد تعرفُ من هستوه خُطف قائد بيراقبـون كل اشي حتى المستشفيات، وما غشيمين إصابة سلاح واضحة!
***
العُودة إلى بـغداد . . .
أقوُد سيارتي ذاهبين إلى بغداد سوياً كما كُنا صباحاً،
ولكن بشيء آخر،
يُسمى الفخـر .. الاعتزاز!
أسميه بكُل أسماً يندرج تحت أسماء الفخر!
وفخري أيضـاً يتجلى بالذي يقعد بجانبي مُسنداً رأسه إلى مرتبة السيارة مغمضاً عينيه من ذلك الألم الذي أشعر به أيضاً، كلما ضغط على يده اليُسرى بيمينه ليمتلئ شماغه بالدم مُجدداً بعدما نشـف الدم الذي علق به منذ ساعات ..
أدرت وجهي قليلاً جهته: خوما خفّ الوجع؟
أومأ برأسه بمعنى نعم.
صدقته مع علمي بأنه لم يخف وجعه أبداً .. هذا إن لم يزد!
ولكنني أوهمت نفسي كما أوهمني بذلك!
روحيّ تشاطر روحه الوجعّ، حتى ولو كان وجعها نفسيّ لا جسديّ!.
***
تظلم الدُنيا في عيناي كلما حلّ الليل إلى أن يفلق ربّ الصـباح صباحاً من عنده يُنير عتمتي ..
وقفت مكبّرة ربـي مبتدأه صـلاتي .. كما كبرته سابقاً على هموم الدُنيا ومتاعبها.
لقد ضـاع مني كُل شي عندما أتى الجُندي أو الجلمود كما أحب مناداته بصفحة جريدة صادرة من الأردن الشـقيق كُتب في سطورها الأولـى..

"عندما تعتقل الوسيـلة وتترك الغــاية"..

أعلم أن هذا الموضوع أصبح من أحدى الإدانات الصادرة بحقي!
كيف لمن يقف بصفي أن يرى ظلماً في القانون الأميـركي،
اتهموني بأن من كتب ذلك صحبي "الصحافيين" بحكم عملنا المشترك.
ولكنهم لا يعلمون بل يتجاهلون تلك المعلومة التي تنُص على أنني لأول مـرة أخرج بصحافتي خارج طهـران !
أنني صحفية عظيمة،
لم أخرج من طهران إلى باقي المُدن الايرانية، بل قدمت إلى بغداد ثاني محطاتي..
واختارت لي محطتي الثانية، محطتي الثالثـة " نقــرة السـلمان"..
***
الوجع أخذ من جسدي ما أخذ!
لم يكفيه لحماً مُمزقاً في يدي، ولم تكفيه أيضاً عظــاماً تُسمى أصابع .. أحسُ بتهشمها وكأنها أصبحت طحيناً!
وفوق كُل هذا صُداعاً يعصُف رأسي ويثقـله أكثر من همومه التي تعتريه!
لم أعد أستطيع فتح عيناي، فالصُداع تمكن من عروقها أيضاً!
حتى أصبح صادق من يُمدد هويتي عند كل حاجز نمُر به،
وكأنني من أعطاه الهوية التي يستلمها منهم وأحسُ بها فوق فخذي حتى لا يشكُ أحدهم بإصابتي. . .

***
صليتُ الفجـر منتظرة انتهى المساجد حتى أتصل على صادق أساله ماذا أخر مجيئهم إلـى ساعات الفجر الأولـى..
رنّ هاتفه حتى انقطع الخط بيننا بلا مُجيب!

عاودت الاتصـال ولكن برفيقه الأرعن آلن: ألــو حبيبي.

رفعت الهاتف أمام عيني أتأكد أن كان اتصالي لآلن أم لصادق!: وين آلن ؟،
وانته وينك عن موبايلك من اليوم أدق ما ترد؟ وآلن ليش ما يخابرني!

أجاب بسكُون: الحين جايينج .

استغربت ذلك السكُون الذي استنتجت انه بسبب نقاش حاد بينهما أفقده حباله الصوتية : متعارك ويا آلن؟

أجابني مرة أخرى : لا ..

أغلق الهـاتف والشك بدا يزورني،
من الذي افقده روح المرح بصوته غير ذلك الـ آلن!
من الذي كدّر خاطر حبيب عمّته ..
***
فتح صادق باب منزله، دخلت قبله بحركة ثقيلة وروحاً أثقل باحثاً عن عمته حتى لا يفجعها كعوائده!

ولا كنني اليوم فجعتها عندما دخلت المطبخ وسمعت شهقتها: خرررب حظج يا زينب،
اشبيك ماما ؟ تعال يمي تعال.

لم أصدق تلك الكلمة "تعال" حتى ذهبت لها، وهـي بدورها ضمتني إلى صدرها ودموعها تبلل صـدري
ولا تفتأ عن ندب حظها : سودة عليج يا أم علاوي، اشصار بولدج وانتي ما دارية بيه!

أمسكتني مع عضدي الأيمن ساحبتني خلفها إلى الصالة: تعال خليني اباوع جُرحك.

وما نطقت كلمتها حتى دخل صادق متسـائلاً: وين صارت الضربة؟

أجبته وأنا أفتح رباط الشـماغ المقيد يساري: باوع هنانـا.

صدت عمتي مخبئة وجهها بكتفي دموعها تنهمر على عضدي من منظر يديّ الذي أحسست وأنا أراه بالغثيان،
فمنظر اللحم العالق بعضه بالشـماغ يقشعر البدن،
فما بالك .. وهو دمـك و "المُنتفّ" لحمك إن صح التعبير..

هذا ما جعل صادق ينطق وهو ينظر إلى جرحي بتكشيـرة : أني رايح أجيب لك دكتور أعرفه هنانا،
ما مطول ثواني بس..

أجبته وأنا أشعر بأن روحي تهوي أرضاً من ألماً لا يُطاق عادوني مُجدداً وكأن الرصاصة للتو استقرت في يدي ، وزاد علي ذلك منظر يدي الخالي من طبقة جسدي الاولـى "الجلد" وقطع اللحم وكأنه دماً متخثراً، ويبدو أيضاً .. إنفجار العِرق الذي يوصّل بين الوريد الموجود في ذراعي وبقية الأصابع : دخيلك بسرعة، لعبت نفسي .. " دليلاً للقـرف والحاجة إلى الاستفراغ"..
***
وسدته فخذي حتى والطبيب يعالجه، لا أريدُ أن يذهبوا به بعيداً عني ولا إخراجي إلى حُجرة أُخرى كما يحاول صـادق.
أراه يُخبئ وجعه عنيّ ويصُد إلى الجهة الأُخرى ..
صغيري.. الذي لم يزلّ صـغيراً .. حتى وإن أشتد عوده، حتى ولو رأيت الشيب يتخلل سواد شعره!
لا أعلم لما أبكيه وهو حياً بحضني!
يبدو أنني أحببته مرتـان .. بقلبي وقلبّ مـريم التي تبكيه من بلجيكا !

أسمع صوته يحادثني بعد رحيل الطبيب: أم علاوي قولي يالله!
اشبيج؟ ما عارف أن قلبج ضعيف هيج!!

تحدث ابن أخي أيضاً: هه ، شوفي جدامج يومين ويصير مثل الحصان،
لا تخافي عليـه، فد جرح صغير يساوي بيج هيج!

تحدث الآخر محاولاً سلوتي : ترة احنه المسيح قلبنا نازك هسة ابجيلك و تحييرين بية وما تقدرين تسكتيني.. "نازك= رقيقة

ضحكت من حديثه كما صخب بالضحك ابن أخي،
رفعت رأسه ضامته إلى صدري، ما لبثَ حتى غفى بفعل حُقنة الطبيب منذُ قليل، الذي أوصاني بتعويضه عن كل ما فقد من دمّ بعد رفضه هو وصادق ذهابه إلى المستشفى..

غفى .. وغفت ابتسامه رسمها على شفتيّ
غفى .. وغفت اأإمـاني بداخلي عندما تمنت له مستقبلاً يُشابه وجهه الجمـيل، ولكنني امرأة لا يخفاها مرأى رصاصة قنـاص بعد مُنتصف الليل.



مخرج الفـصل الحــادي عشر

لروحك الســلام يا أبا زيـــد..
اللهم ارحمه واغفر له وتجاوزعنه يـارب العالميـن


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 01:49 PM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




مدخل الفصـــل الثــاني عشر :
اودعكم يا اهل بغداد والحشا
على زفرات ماينين من اللذع
وداع خنا لم يستقل وانما
تحامل من بعد العثار على ظلع

× ابو العلاء المعري ×










لا تلهيـكم الروايــة عن أداء فرائضكمّ
قــراءة مُمتعة



أراه يتصدد وجعاً حتى لا تراه عمّتي في هذه الحال!
يعزُ عليه أن يراه أحداً في حالةٍ سيئة.
يُخفي وجعه حتى تذوبّ روحه من شدة الألم، لا يُريد تودد أحداً إليه، لا يحتمل نظرات الخوف من عمتي ويفسرهـا على إنها شفقة ورحمة!
يرى إحسانـها ردُ جميل على سنوات تعللت بها مع والدته،
متى يفهم أنه أصبح منها وإليها . . .
متى يفهم أنه شاركـني قلبها وحجرها؟
متى يفهم!

رنّ هاتفي مما جعل غضب عمتي يستشيط خوفاً من إزعاج النائم في حضنها، لم تستجيب لي عندما أحضرتُ له وسادةً، تُريد مشاطرته الوجع عندما يئن في حضنها، فتذوي روحهـا إلى أخمص قدميـها :
هلاو بيك.

سمعتُ الآخر ملهوفاً: هلاو صادق، دخيل ربـك كيف صار هسه!

أجبته مُلقياً نظري على وجهه ذا العينين المغلقتين والحاجبـين المعقودين، والوجنتين الحـمراء والجبين الذي ندى عليه العرق نتيجة حرارة اعتلته تُخبره عن صدمة جسده بتلك الرصاصة: سَبع،لا تخـاف عليه!
- ثم أردفت وأنا أدلف الباب خارجاً عن مسامع العمة- : ها كيف الوضع عدك؟

أجابني الآخر: كُلش زين،
من هستوه اجيتهم، خطيّة لكيتهم نايمين !

أ تراهم "خطيّة" كما يقول مُحمد،
قائد العسكر الآمر بدخول الدبابات والمُدرعات والمُخبر عن نقص الأسلحة والمؤيد لوجود الكيماوي المُوزع للعسكر على الحواجز لكي تقتل الجميع بتهمة فدائيون صدام يُصبح "خطيّة"!
***
صُداعٌ شديد يجتاح رأسـي نتيجة محاولتي لفتح عيـناي،
أغمضتها مُجدداً مخللاً شعر رأسي لأجد مقدمته مبتلّة بقطرات ماءٍ بارد.
للتـو سُكب!

تحـدثت وأنا لا أعلم هل من أحدٍ هُنا: أم عـلاوي.
لم تجبني!

سمعتُ صوت صادق القريب .. البعيد يبدو أن مقابـلاً لي، لم يفتني نهوضه: دتسوي الغداء.

أحسست بجلوسه بقربي أرضـاً متحسساً جبيني، لقد علمت سبب الماء يبدو أنني مُحموماً صـباح اليُوم: ها كيف صرت؟

أجبته وأنا أفتح عيناي: الحمّدلله زين،
- همست له وعيناي ترقُب الباب- : شو ساوا محمد؟

رفع كتفيه دلالة عدم معرفته: ما أعرف، من الفجر مـا خابرته!
***
نجلـس ثلاثتنا على الغداء كما كُنا بالأمس،
ولكن بجرحٍ غائرٍ يُتلف يسار صـاحبي، وبصمتٍ تخالطه الدموع من عمتي التي لا تكُف عن تقديم الأكل لآلن الذي لمّ يقدر خوفها ويرفض جُل ما تُعطيه!
أراه متغضن الجبين، يهمس بصلاته التي علمت إنها "صلاة ما قبل الأكل"، كُنت أشارك عائلته في وقتٍ مضى غدائهم بعد عودتنا من المدارس، أرى الجميع يهمس بكلمات قصيرة ثم يبدأ غداءه، بينما أنا أجلسُ كالأطرش في الزفة لا أعلم ماذا يقولون ولما يقولون؟ سألت عمّي "أبو ينـال" عن هذه الكلمات فقال لي إنها شكر لله وللصـالحين، فأصبحت أُردد معهم في تالي الأيـام ولكن بألفاظ تخُص
محمد وسبطه الحُســين .. أنا أول من سنّ العادات الحُسينية حسب الطقوس المسيحية! : أقول آلـن.

رفعه رأسه لي بابتسامه شح بأكثرهـا : قول.

سألته وأنا أرى عمتي تمسح على كفّه بماء مقرياً به وسط استجابة الأول مُرغماً بعدمـا أنزلت دمعتين تتوسل إليه بذلك: عدكم بالمسيحية طوائف؟!

استغرب سـؤالي .. هذا واضحاً على وجهه الذي بدأت ابتسامته تتوسع: أي، اكو طوائف بكل دين،
وأنت اش عليك؟

تجاهلت سؤاله، متسائلاً مرة أُخرى : شنو هي طائفـتك؟

أجابني بتلقائية: كاثوليكي
- ثم ضحك سـاخراً من أسئلتي- تريد تتنصر؟

الطرف الثالث الصـامت، بعد هدوء سبق العاصفة: شهالصخـام التحجون بيه، عيب هاي الحجايات ،
كلكم عبيد الله!

لم أجد مُبرراً لغضبها !
أعلم أنها تُعادي الطائفية ، ولكن أمراً كحديثنا، تعلم أنه خالِ من الجدية تماماً !.

تحدث آلن مازحاً : اشبيج أم علاوي،
خايفة ينتصر ويعوفج!

ضربته على كتفه: تسودن انته اللاخ
"تسودن = انجنّ" , "اللاخ = الثاني أو الآخر" !

ضحك الآخر: عميمة حرام عليج، متصاوب وتسـاوي بيه هيج!

أجاب بعـدما وقفت : حييــل بيك.
- خرجت ثم عادت مُجدداً- شيلوا أكلكم بعد ما تخلصون.

هذا ما جعلني أصخب ضحكاً من وجه آلن الذي تلقى صدمتين خلاف بعضهما ، الأولـى تشفيها من أصابته والأخـرى إسنـاد وظيفتها اليومية إليهّ!
***
استأذنت من والديّ للخروج عشر مرات في أقل من ساعتين!
هذا ما جعله يشكُ في أمري، بل وأرسل أحدى العُمـال خلفي ليعلم أين ذهبت!
كُل يوم أدفع ثمن حماقةً جديدة يخلفها أبناء بغداد وراء ظهورهم وتُدبس في ظــهري،
أوهمت العامل في نزولي أمام البيتَ مما جعله يعُود أدراجه ناقلاً الخبر إلى أبي ، وما توارى عن ناظري حتى عُدت مُجدداً إلى سيـارتي ذاهبـاً إلى وديعة البغداديـون!
دخلـت محملاً بالغـداء واضعة أرضاً حتى أفُك قيدهمّ،
وتحدثت إلى الجندي أن يخبرني فور انتهاءهم من الأكل، ثم فككت قيده عائداً إدراجي مغلقاً الباب،
هكـذا أوصانـي صادق أن لا أبقى بجانبهم حتى لا يحتالوا عليّ ويقتلانني ويهُربـا.
***
المـساوية كما يسمُونها أهل العـراق بدأت تحلّ،
لا تظنـوا إن في يديّ ساعة حتى أعلم الـوقت!
لا لم تكن أميركا لطيفة إلى هذا الحد. . .
بل كُنت أسمع صوت الآذان الضئيل يأتي من أحدى الزنازين يخبرني بقدوم وقت الصـلاة!
حتى صُرت أحسبُ كم صلاة صليتَ حتى أعرف عدد ركعات التالية.
آذانه يخبرني بقدوُم صـلاة المـغرب وقدوم المسـاء معه!
وما كبرت لصلاتي حتى أتاني صوت إقفال الزنزانة تُفتـح،
ولكنها لم تُوصد في دقيقة كوضعهم للطعام،
بل إنه لم يكن وقت طعام أصلاً !
أحسستُ أن ظهري يُخـترق بنظراتٍ نارية تستقر بقلبي وتجعلني متخبطة في صـلاتي داخلـياً،
عكس الثـبات والبطء المبالغ به الذي حلّ بها خارجيـاً .
لا أعلم هل ركعت قبل سجودي أم لا ،
لا أعلم أيـضاً هل سبقت ركوعي بـالفاتحة أو لا !
سلمتُ بعد ثلاث ركعات لا علم لي بما قلتُ في أولـها ولا أوسطها ولا حتى تسليماتها لا أعـلم أن كانت اليمين قبل الشـمال أو العكس!
سجدتُ سهواً .. وسجدتُ سهواً يجبر السـهو الذي قبله
هل علمتمّ أحداً يصلي السهو مرتين لأنه سها بالـسهوِ الأولـى!

أدرت وجهي وأنا في موضع سجودي إلى الخـلف، ولكني لم أرَ أحد!
ألم يكُن هناك نظرات تخترق جسديّ،
ألم يكُن الجلمود أو قائده خلفي!
ولكن هُنـاك وضـعَ شي، أنه دفــتر متوسط الحجم ذا غلافٍ أسود، ويعلوه قلمـاً أزرق!
فتشتُ في صفحات الدفتـر وجـدتها خالية من أي حرف!
وكأنهم أرادوا أن أسطرُ بطولاتي الحمقـى في سجـونهم، حتى أخرجُ براءة وتنشر إدارة السجــن
" مُذكرات الصحفية مَهتــاب يُوسف".
صبراً يا مهـتاب، أرادوا أن تُـدوني شيئاً يعتبرونه إدانة حتى يزيد عذابكِ في أبــو غريب!
أبقوا الزنزانة مشرعة الباب حتى تخرجي ويُسجل العُصيـان والتمرد على عزلــكِ الانفرادي ،
صــبراً يا مـَهـتاب صبراً.
***
افتقدت حراستي الليلة أمام منزلي الخالي من الحيــاة!
ذهبتُ إليه عصر اليُـوم،رأيته خاليـاً من صُلباناً تعبنا أنـا وينـال في تنقيتها مـن مصانع الذهب،
وأتعبنا صائغاً ما يقارب الستة أشهر في صنع الصليب الأكبـر الذي لم أرى اليُوم إلا بقايا من هشيمه في الجـدار!
تمنيت لو أنني علمت بهذا الأمر قبل رحيـلهـم،
بـل سأخرج مهتاباً من سجنها حتى تخبرني عن ذلك الأمر!
لقد وجدتُ سبباً آخر لإخراجها. . .

وقفتُ حامـلاً عن عمـتي صينية الكأسات بيدي السليمة، يبدو أن وقفتي المائلة هذه كانت عربـون رضا اشحذه من العمة : أخيراً نزلتي من برجج العاجي دتتعللي ويا ولدج!

رفعت نظرها إلى السماء التي تلونت بلون الغروب الواضح أمامنا بسبب جلستنا في فنـاء المنزل، الجـو الساكن سواء من نسمة هواء قليلاً ما توجد في صيف بغداد : طالعة هنانا أشم هواء مو لسـواد عيونكم.

يبدو أن غضبـها لم تهدأ نوباته،
تحدث صادق : على كيفج أم عـلاويّ، يقطع حجاية تضوجج!

ابتسمت قليلاً مُديرة وجهها لي: أقول ألوّن خابرت أمك؟

اختفت ابتسـامة كانت ترتسم فوق شفتيّ محاولاً إرضاءها : لا،
شاكية لج!

هزت رأسها بالنفي،
يبدو أنني أنا من شكُوت لكِ صباح اليُوم،
قد سرقتي كلماتٍ تتبع ونيني البائس!
أهلي خرجوا إلى بر الآمـان،
وأنا كمن يجرّ روحه اللينة في حقل الشوك،
حتى يصل إلى نـهاية المطاف لتحتضر روحه بين يديّ أمه!
أدموا روح غريبٍ، غربوه في وطنه، وهـل يستحق منهم ذلـك!

تحدثت مُجيباً زينب التي رأت الغمّ يرسم خطوطه في ملامحي : علمودج بس دخـابرها .

ألم تشبع كذباً ومكابـرة حتى تخبئ حنينك واشتياقك إلى إرضاء زينب!
رفعت الهـاتف مـتصلاً على رقمها البلجيكي الذي أغض بصري عنه حتى لا أحفظ أرقامه، فهي من أبدلت هويتها فلا مكان لهوية غير هوية بغداد في قلبي،
لا أنسى رغبتها في التخلي عن الجنسية العراقية واستبدالها بأخرى بلجيكية!
والله لن أنسـى كل حبلاً يربطنا تتعمدين بتره يا أم ينال!

: ألــو .

أجابت بصوتٍ يحول سماءِ الصيف إلى أخرى تُغازل الغيم وينهمر المطر: هلاو حبيب ماما،
أخبارك إن شاء الله تمام؟

أجبتها ببعض الصمود الذي يتحجر به صوتي حتى لا تُبان نبرة الشوق وتنحر ما كوّنت من كبرياء: شلونج، وأبوي وخواتي ويـنال وولّده هم كيفهم؟

ضحكت: على كيفك ألون، خل أتنفس! " على كيفك = مهلاً"

على كيفي؟, والـشوق على الكيف يا أمّ يـنال !
على كيفي بماذا يا جارحتي ومعذبتي؟
بربكِ كيف أقـول للـروح "على كيفك" وهي تحتضر من الشوق الذي تلبسـها منذ نصف عقد وليس بالقليل!

سمعتها تُجيب: كلنا بخير ماما، وانته ما تعبت من البُعد ؟

أصبتي القلب في مقتل يا مالكته!
من الذي أختار البُعد، من الذي حرمني من لذة نومي!
من الذي لوّن حياتي السمـاوية ورحل عندما عصف بها السـواد ؟

غيّرت حديثي وروحي تثقل قبل لسـاني من جرحاً مريراً يقبض الروح حتى تحتضر ويتركها تتألم من وجعاً أحاط بها : شو اللوية يالصوبج!

بتلقائيتها أجابت: دوخوني البنات ونفسي لعبت من الاسواق،
عذبنا ينـال معانا، بس الله يتممّ لها خير حبيبة ماما.

سألتها وأنفاسي بالكـاد تخرج!
كيف يخبون علي أمراً هكذا : منو هاي؟

أجابت وهي تتلعثم وكأنها عرفت خطيئتها ولم تُمسك لسانها،
لقد زلّ ذاك اللسـان وأدمى قلبي: اليُوم كتب كتاب ياسمين،
كنا بنخبرك بس مافي وكـــ . . . .

قطعت الخط لم أحتمل!
تخطبّ صغيرتي التي ربت بين يدي كُل أعوامها وأنا أعرف بمحض صُدفة!
فهي صغيرتي ومدللتي، تعبت أمـي بعد ولادتـي وبقيت عقداً كاملاً لم تنجب!
فأتت بالياسمين وتلتها بالزُمرد،
فكانتا مُهجة روحي ومدللاتي الصغــار اللواتي يطلبن الروّح فترخـص!
وكأنهما علما برخص روحي لهما،
وتركنها خلافهما ورحلتا مع صفـوف من رحلوا

رفعت رأسي مُجيباً صادق : ماكــو،
اليُوم كتب كتاب يــاسمين!

تساءل الآخر بشيئاً أُضيف إلى باقي الخيبات التي تجرعتها من أُمـي: عــراقي؟
***
ليـتَ عمتي لم تتطلبه فمزاجه الورديّ للتو اعتدل!
أراه أمامي يبتسم ثم تكفهر ملامحه ثمّ يعقد حاجبـاه متسائلاً،

حتى سمعت صوته الذي سُلبت منه الحـياة: منــو هاي؟

وما لبثَ قليـلاً حتى سُحبت الحـياة من مـلامحه وانتفخت أوداجه نتيجة غضبه: خيـر آلن،
خوما بيهم شي!

أجابني مُطرقاً رأسه للأسفـل : ماكو،
اليوم كتب كتاب ياسمين!

لقد شاركتي أهله الجُرم يا عمتي لما تطلبي منه اتصالاً بالكاد يرفعون سماعته وسط انشغالهم بأفراحهم العائلية متجاهلين وحيداً في العراقَ، وهل تُرى ضممتم شخصاً إليكم يذكركم بالعراق أو جاهلاً بها يقودكم معه إلى نسيانها، هذا ما سألتُ آلن عنه: عـراقي؟

وقف الآخر باحثـاً عن حيـاه!
عن هواء يستنشقه يردُ له الحياة، هكذا هو عندما يضيق، تضيق الدُنيـا في عينيه وتجثم علـى صدره، وتُنازع قصباته الهوائية تبحث عن هواء ، فيستجيب لها العقل البـاطن ليترجـى العقل بأن يصدر أمراً للـجاثي أمامي بالـوقوف، ويقف في ثانية واحدة بينما بقيَ نزاع قصباته أكـثر من خمس دقائق وهذا ما جعلها تخنقُه فيحمُر وجهه ويسعل!
أراه يميل قليلاً إلى الأمام بعدما ولانا ظهره مُستجيباً لسُعال مرير،

تقدمت إليه ماداً له كوب ماء صببته لي عمتي الدامعة من حاله: آلن،
شبيك خويّه ، الحمدلله ما بيهم شي!

بترت كلماتي لأنني وبكل بسـاطة لا أعرف أن أواسيه، أو ابدأ في تبسيط الأمـر ، الذي لم يكن سهـلاً أبداً !
تتزوج أُخـتك التي كُنت لها بمثابة الأب والأخ والصـاحب وأنت آخر مـن يعلـمّ ، وكيف علمت يا عزيز قلب أخيك ، مُجرد صُدفة دبرتها لك عمتي حتى يأتيك الخبـر من أهلك بعدما استصعبت الأمـر في إخبارك!
***
أراه يترجل عن كبرياءه المزعوم ويلتقط أنفاسـاً سرقتها أمـه التي أخبرتني منذُ يومين بموعد عقد قران ياسمين..
تلك الفتـاة الخجلة، التي تخجل من ظلهـا أيضـاً،
كثيراً ما تختبئ في صغرها خلف ظهر أخيـها عندما ترى رجالاً تملأ الطرقـات،
حتى وفي كبرها كان آلن لها بمثابة الغطـاء تمشي خلفه لا تحيدُ عن خُطـاه !
كثيـراً ما يكيد لها مع زُمرد بسحبها من عضدها لتجاورهم في الخُطـى،
ألا أنها تغضب هي الأخـرى وما أن تعوُد إلـى المنزل حتى تشكي لوالدها سوءه عملتهم بها!
فيُعاقبـا الاثنان عقاباً يبقى حديثاً فكاهياً تتناقله والدتهما أياماً في مجالس النساء!

تلكَ كانت حياته السّابقة يواري أختيه من شمس بغداد التي تتمركز في كبد السمـاء ناشـره سمومها الحارة في وجه شعب هذه الأرض!
ويواريـهم أيضاً من برد فبرايـر الذي يتخلله بعض الثـلج!
لا أنسى قدومهما لي في ذلك اليُــوم :

عــودةَ إلـــى 1987م ..
أنتظر قدوم صادق الذي لم يكمل شهـرين في هذه المُدرسة،
أو بالأحـرى كلانا لم نكمل شهرين في بــغداد،
تلك المدينة العظيمة التي كانت حديثَ الشعراء وسلوى لياليهم
تلك المدينة العظيمة التي أصبحت مأوى لنا في زمناً يقتل الأخ أخيه بحجة الطـائفية،
ضيّقت عيناي قليلاً منتظرة اكتمال الرؤية لمن يمشـون بجانب صـادق،
أوه!
أنهم أبناء المسيحية التي جاها المُخـاض صباحاً وأوصتني بأولادهـا،
فقد غيّبت أبنهـا الأكبر حتى يذهبُ معها وسط سفر والده!
غضبُت مـنها كثيــراً،
كيف أن تهمل دراسة ولداً يستعد "للبكالوريـا" فأبنها لم يعد صغيراً حتى تُصبح دراسته آخر اهتماماتها،
أنه شاباً يافعـاً يملك ثمـانية عشرا عاماً قضى أكثرها في مقـاعد الدراسة!
حرام، أن يذهب ما رام إليه سُــدى!


استقبلتهم نافضة أفكـاري البائسة التي لم تجدي نفعاً مع تلك المرأة "قوية البأس" : هلاو حبايبي ، فوتوا جوه هنانا بـرد.

شدني منظر الفـتى الذي كان بعُمر صادق بوجنتين حمراء وشعراً أسوداً داعبته قطرات الثلج وبيدين جافة بسبب البرد يدعكهما ببعض باحثـاً عن حرارة تُنسيه صقيعاً أتى منه،
وشدني أكـثر منظر الصغيرة التي للتو بدأت أولى فصولها الدراسية تتسـربل برداء أخيها الواصل إلى كعبيها، وكتفيه تصل إلى نصف ذراعها ، ويديها تتغطـى تماماً بسبب حجم الكبير جداً على طفلة ذات الستة سنوات ،
ذاك البـالطو الذي يتحدى البرد أن وجد لجسده منه طريق ولو كان بحجم ثقب الإبرة !
فقد كان لباسه "بالطـو" يشابه لبـاس العسكر اشتهرت به فـترة أواخر الثمانينات.

سألته: ليش ماما طالع هيـج!

أجابني وابتسامته ترتسم على وجه نتيجة محاوطـة أخته إليه : ياسمينه، عافت جاكيتها بالمدرسة،
أني أتحمل الحمـى وهي لا!

استعجلته حاثته على الدخول : روح يمّ الصوبة عند صادق بصبّ لكم الغداء .
" الصوبة = المدفأة" , "أصب = أسكب".

بعـدها بيومين أتيت أم ينـال أرى زهرتها الجميلة وعلمت حينها بإصابة آلن بحمى بقيت متشبثة في جسده أسبوعـاً كاملاً بسبب خروجه بقميصٍ خفيف القـماش وسط معاقبة الثلج له مما جعله يتغيب عن مدرسته وتفوته اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول!
***
هُنـاك في أرضاً لا تُشـابه أرض الرافـدينَ!
تقطن من ثّكلت نفسها بنفسهــا . . .
وهل يُعقل أن هُناك امرأة تختار علـى نفسها فقد أحد أبناءها،
نعمّ أنا من تركته مُخيرة ولستُ مسيّرة!
أنا من مسحت مـلامحه من عيّنـاي لتستقر في قلبيّ
أنا من جرحته اليُوم وأمس وأسبـوع وشهر وسنة وسنتين وأربع وست!
أنا من سمعتُ صوته مبحوحاً، غريباً على صاحب الصوت الجهوري الطـاغي فأردت بحُته تُجرح حباله الصـوتية وأخبرته بقران أخته
التي حلفت علـى الجميع أن لا يخبروه!
أوكلت المهمة إلى زينب حتى تحضنه عندما يفزع من قلبه النابضّ بشكل فُجائي معاكس لنبضٍ نبضه 32 عـاماً،
أردتها تمسح دمعاً نشف على وجنتيه قبل أن ينـامّ!
أريدها تحفظ تعابيره وتهوّن عليه،

يـا ليتها أخبرتني أنها لم تخبره!
يا ليتها أوصتني أن لا أجرحه،
بُت أغار من زينب التي تتفوه بكلماتها تظن إنها تُخمد ناراً في صدري عندما تقول نام ليلته أمس في حضني دون أن يشعر،
كما أنها تقول أيضـاً لم يتعشى مساء البـارحة إلا بعـدما كُدت عليـه بكيد النـساء .. الدمُـوع!
لم تعلم أنها بحديثها هذا توقد النار في صدري أكثر،
أنا من دللته خمسة وعشرون عاماً لا يحق لزينبٍ سرقته!
أنا من هدهدته صغيراً في مهاده لا يجوز لـها أن تربُـت فوق كتفه لكي ينـامّ في حجرها ، لا يحق لأحدٍ ذلك . . .
كنتُ اتساءل في وقتاً مـضى أكثر من أثنـا وعشرون عاماً لما اعتلاني مرضاً يُخبرني أن لا قدرة لي على الانجاب ولم أجد له دواءً وهكذا فجأة بعد عشرة أعواماً من اليأس حملتُ بياسمين!
الآن وجدتُ تفسيراً لذلـك،
أن الله يعلم بالبعد الذي كتبناه على أنفسنا وأراد أن يتدلل مُدللَي ويتفرد بحضني عشرة سنوات وحده!
لقد دفـع قيمة ست سنوات من الـدلال وبقيتَ أربعة!
لعل الله يكتب بعدهـا اللقاء!

صحيتُ من سفري الذي ذهب إلى بلاد النهرين وسط احتفالاً بهيج بـإنضمام ابنتي إلى عُش الزوجية ، صحيت على من يهزُ قدماي عبثاً بيـده الصغيرة: ماما مريم ردي علي!

حضنتُ آلن الصغير بين يدي ذاهبة به خـارج الضوضـاء مُجددة عهدي بالأسم الذي فقده شفاهي منذُ سنوات.
كنتُ مصدراً سُخريـا عند نُطقي لاسمه بكُل أمراً اسنده إليه!
يقولون لي " يفهم من نظرة لا داعي لنطق اسمه".
لا يعلمان أني اسميته حتى أجدد عهدي بعمه الذي قطعت على نفسي أن لا أذهبُ إليه ..
كما هو قطع على نفسه أن لا يأتي إليّ
لم أورثـه من طباعـي إلا العِــناد وقوة البـأس،
كثيراً ما يلومانني على عقوقه الذي أشقـاني به ليقولوا
" هذه نتيجة دلالــه ، وتمجيده أكثـر من أخـوته".
لا يعلما انه الغائبُ عن العين الأقرب إلى القلب،
كذبتُ زينب مساء أمس عندما قالت لي لا أذى أصابه!
ولكن وجعه أيقظني من نومي لكي يخبرني عنه،
وأكد لي ذلك أمرين: صوت المبحوح واتصاله الذي لا يأتي إلا بعد صراع مع نفسه يُخلفه مرضاً أو عراكـاً أو مُصيبة!
***
الثانية عشر صباحا ..
بعد مرور يومــان على قران ياسمين ، ثلاثـة أيام على خطـف القائد، وأنـا لا أعلم ماذا أفعل به!
وهـل أسلمه لأمر مَهـتـاب ، أو أدع سفارة بلادها تتدخل بعد انتهاء محكوميتها في السجـون العراقية!

فتحتُ كاميراتها التي آخر عهدي بها صبح اعتقالها،
في طـور النـهايـة وجدت فيديو تتحدث به وهي مُثبتة الكـاميرا على أبيها، وبعدها وجدتُ صورة جماعية لأهلها وأخرى لكل واحدٍ على إنفراد ،
لما تشح بصورها؟
وكأنـها مخلوقة من الجنة يُستعصى على العاصي رؤيتها !
وهـل عينيها التي تلونت بلون الجنة أوهمتها أنها حورية؟

أغلقت الكاميرا بعد سمـاع صوت هاتفي: هلا كرار، هسه جايلك.

كتبت ورقة مُفيداً بها صادق بذهابي إلى ديـالى بُصحبة كرار .
وضعت الورقة على سريري ملتقطاً هـاتفي ونازلاً إلى صاحبي.

رددت تحيته بمثيلها, راداً على سؤالي الذي يخُص يدي : أحسن من قبــل بهوااايه،
***
ديــالى الثانية صبـاحاً ...
لقد تعبت كثيراً، والمُتعب أيضاً أن عملـي يقتـصر على يدي اليمين مُبعداً يسـاري عن الأتربة حتى لا تتلوث.
أحفر حفرة صغيرة تسع قنينة بحجم علبة البيبسي ولكنها مختلفة جذريـاً بما تحمله ... فلم تكن تلك القنينة ألا لغماً متفجـراً ندفـنه تحت الأرض!

أنهيـا ما يُقـارب العشرون قنينة في ساعتين،
هذا جيد، وقد أكتفينا بهذا القدر ، لكي نعود أدراجنا إلى بغداد قبل بزوغ الفجر الذي سنبدأ معه تنفيذ خُطتنا وليدة الأمس التي جاراني بها كراراً وحدهَ . . .
***
ماذا يفعل بديـالى ذلك الغبي!
جرحه لم يطيب ولن يحتمل دفعةً بسيطة من الجندي أو قـائده!
ولمـا ذهب مع كرار لما لا ينتظرني حتى أصحى .. أو على الأقل يوقظني للذهاب معه!
أعلم أنه لا يستطيع القيـادة بيداً واحدة فهـو سائقاً متهور لا يحلو له التأني!
سمعتُ أبواب البيت توصد بعد فتحـها والسـاعة تقـترب من الرابعة،

ذهبت إليه مُسرعاً بعدما رأيت تراباً عالقاً بأطراف بنطاله وبقايا قليلة بين أنامل يده اليُمنى: ساويت
اللي ببالك آغاتي!

أجــابني بابتسامة واثقة أمقتها أن وضعت في غير محلها : باجر دتشـوف شنو راح يصير من وره هاي الشغلة.

رفع هاتفه طالباً مُحـمد ليبدأ تنفيذ خطته:
أسمع حمود تأخذ لك ورقة وأطبع عليها مو بخط أيد علمود ما يبلشوا بشغل تطابق الخـط،
وبعــدها أكــتب هاي الكلمــتين " ......................."
وأدبـسها بظهـر الجندي ووصلـه لحاجز بعقوبة قبل يطلع الضوء بسرعة.











مخــــرج الفـصل الثاني عشر:
لبست حدادا بعدكم كل ليلة
من الدهر لا الغر الحسان ولا الدرع
اظن الليالي وهي فود غوادر
بردى الى بغداد ضيقة الذرع


×ابو العلاء المعري×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:07 PM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مـدخل الفـصل الثـالث عشـر :



قــراءة مُمتعة .. لا تلهيكم الرواية عن إداء فرائضكمّ ..

أهـدي الفصـل أحد المتابعات التي أهدتني هذه الكلمـات واصفة حال آلن ..



ايه يا سـرب الحمـام
تجتـوِل بيـن الغمـام
تارك عنـك غريـبٍ
من همومه مـا ينـام
يا تـرى أهلـه بكـوه
هم يبونـه أو جفـوه
وإلا راحوا عن غريبٍ
غاب عنهم ثـم نسـوه
يا حمام السرب ليـت
تخْبر إني مـا سليـت
تخبر إنك من غريـبٍ
جيت وليتك له ما جيت
قلبي يلقى هموم ثـار
من هوا ذيـك الديـار
من يلومك يا غريـب
ٍحسّ بين ضلوعي نار
وين شمسٍ ما تغيـب؟
وين عمرٍ ما يشيـب ؟
ويـن يلقاهـا غريـب
ما لقى لهمـه طبيـب
كل ما حـل المسـاء
أظلـم الليـل وقسـى
ضمّ في صدره غريبٍ
للقرايـب مـا نسـى
ما حلاها مـن حيـاة
بالسنيـن الماضيـات
وش بقى لك يا غريبٍ
شيء غير الذكريـات؟
يالله إنـك يـا كريـم
تلطف بـقلـب كظيـم
تفـرج الهـم لغريـبٍ
يشتكـي بعـدٍ وظيـم



.
.
.

رفع هاتفه طالباً مُحـمد ليبدأ تنفيذ خطته:

أسمع حمود تأخذ لك ورقة وأطبع عليها مو بخط أيد علمود ما يبلشوا بشغل تطابق الخـط،
وبعــدها أكــتب هاي الكلمــتين " إطـلاق سراح القائد لا يتمّ إلا بتسليم مَهتـاب يُوسف .. لا نرضى إلا بتبادل أسرى"
وأدبـسها بظهـر الجندي ووصلـه لحاجز بعقوبة قبل يطلع الضوء بسرعة،
- ثم أردف- دخيل ربك انتبه على نفسـك.

أغلق هاتفه وسألته : انته ليش خايف على محمد هيج؟

أجـابني وهو يوليني ظهره صاعداً إلى أعلى : لان عده أهل .
***
أُصلي العـصر جمعاً مع الظـهر،
بسبب القرار الذي صدر صباح اليـوم ..
9:00

تحدث ذاك الضابط الكريه وهو ينصب نظره إلى عينيّ: لقد أسندتي أمركِ لشخصاً يُحاول أن يضع عينيـه بأعيُننا !
ألا يعلم أحمقكِ أننا أميـركا ؟
ألا يعلم أن القوات المعـادية التي ينتسب لها لن تنفعه .. ولن تنفعكِ.
لا تظني أننا سنُخرجك خوفاً منه!
لا .. هذا حلماً لا تستطيعون رؤيته حتى في منامكم
- ضرب الطاولة – أنتم تجابهـون القوات الاميركيـة، ذهبتم إلى الموت بأرجلكمّ .
سنُخرج المأسور لديكم، ونسلمه أمركم ويبت في حكمكم كيفما شاء.
وبمحكمـة عسكرية لا سجن أبو غريب .


لا أعلم لما دبّ الخُوف في قلبي، علمت منه أن هناك أسيراً سيفدونني به!
ولكـن من الذي فدانيّ وأسر أميـركي؟
سلّمني روحه على طبقاً من ذهب!
هل تُـرى الأرواح تُهدر عندما تأتي مقابلها عشرة أنواط تُزين لبـاس العسكري؟
من الذي فكّر بي بعد هذه المُدة؟
أ هم أهلي ؟ أم بلدي؟ أم تلك المُسمـاة بالسفـارة المُغلقة أبوابها وتتواصل مع رعاياهـا عن طريق الهـاتف . . .
لا أعلـم من يكون!
ولكنني أعلم أني مَدينة له طـوال عُمري.
فهو من أنقذني – بعد خالقه – من سجن أبو غريب وجحيـمه !

أخذتني الأفكار إلى هوية الشخص "المنقذ" وأنستني سجاني الذي يفتح الباب حـتى ينقلـني إلــى المجهول!
***
لقد أخبرنا الحاجز من خـلال الورقة بأن ميعادنا بعد ثـلاثـة أيامّ،
وهاهـي تنصرم الأيـام ونجيء في عصر اليوم الثـالث إلى ديـالى حتى نترقب مجيئهم أو عدم استجابتهم!
تلكَ المهمة اُقتصرت علـينا ثلاثتـنا فقط،
يراها آلن بسيطة لا تحتاج كل ذلك التعقيد كسابقها، ومحمد يرى كذلك أيضـاً.
مُحمد، الذي بقيَ يحرسُ القـائد ما يقارب الخمسة أيام منذُ أسره،
يتضجر كلما راءانا يصفها بأنها أتعس لحظات حياته عندما يقدمَ له وجباته،
يُخبرنا برعبٍ يخالجه عندما يتقدم بكامل قواه إلى وضع المائدة أمامه، وسط عيونٌ متفحصة مُدققة في ملامحه!
لقد أخطأنا .. لم نُنبه محمد على إخفاء هويته أمامه، وهو أيضاً أخطأ عندما نسي هذا الأمر الذي أغضب آلن واعتبره أمراً بديهياً لا يحتاج تذكير!

تقدمتُ إليهـم داخـلاً إلى المـطبخ المـعدوم بشكل مُرتب، فطاولة الطعـام سلمت إلا من خدوش خفيفة، بل المطبخ بأكمله سلم عدا من جداره الأيمن المُنقض وكأنه أحد التصاميم الأوروبية التي تجعل من المطبخ مطلاً لصالة الجلوس!
أرى آلن مائلاً بجثته الضخمة يُحرك قهوته التي بدأت تنضج ، ومحمد يراقب فقاعات القهوة بجانبه بجُثة تشبه سابقه ولكن بملامح ألـطف يُحيطها الهدوء والسكينة التي تسكن صاحبها، الذي بدأت لحيته البُنية بالظهور بشكل أكثـر من سابقه بسبب هماً سكن قلبه البريء، ذاك الهمّ الذي يُدين به أبناء بغداد . . .
مُحمد البسيط .. ابن ديـالى لا يملأ حياته إلا خطوات المسجد، وعد محصول اليوم ليسلمه لأبيه آخر النهار،
ولكننا جعلناه يُأمن لنا بيت أو مخـزن أسلحة ، وحارس لأسيرٍ لا يعرف من الدنيا الا الانتقام!

: شبـاب، لو ما إجو الاميركان الليلة تره بروح لشـقلاوة علمود السـلاح!

تحدث محمد: وإذا إجو ؟

بكُل تلقائية ينطق آلن: كلياتنا نروح شـقلاوة.

التزمن الصمت بعدما قال مُحـمد : احنا سلمناك الخيط والمخيط وبديت تخربط تره،
كل اشي مشيناه الك وقلنا يالله، أكو احد يعتقل قائد عسكري!
عبـالي بس بتروّح القائد وجُنده، وطلعنا باعتقاله! "بتروّح = تقتل".

تحدث الآخر غير آبه بما يقول : وصيت أمك على أم علاوي؟ لا تحسسها أننا راجعين لها الليلة، ترى قلنا لها روحي معانا غيري جو وبنكعد يومين هيج، لاتحسسها باشي.

محمد: يابا أكو أحد يدخـل النسوان بشغله؟

آلن: كتبت الورقة بيدك؟ ولا طابعة مثل ما وصيتك؟

صمت محمد بقلة حيلة، بينما توجه الآخر للطاولة واضعاً قهوته عليها،
يُنزلها ثم يبدأ يسكب لنا بحركة بطيئة بسبب شماله التي لم يعوّدها على العمل.

جميلاً هو تناقضهم الذي بات مُحبباً على قلبي بسبب سلاسته وقلة حدته، يبدو أن الاثنان للتو فهموا على بعـض!
فتتعارك ألسنتهم بـلا فائدة ولا إشباع الروح بإجابة تساؤلاتها التي بدأت تُقلقها،
ولكن غض النظر عن الموضوع بحد ذاته يعني أن الوضع عـلى ما يُـرام!
***
ابنة أم مُحمد أعادت لي بهجتي، بل أعادت لي ذكرى مَهـتابـ (ي) .
تلك هي الأنثى الأولى في حياتي..

فأنا أختُ الصبـيان، أمُ الصبـي ، مُربـية الصبي ، عمة الصُبيان اللذان اهديها لي جـوهرة أُخرى غير الذي فقدت: تعالي يميّ حبيبتي.

تحدثـت تلك الفـتاة التي أعطاها الله جمال الخلق والنـطق: ان شاء الله عجبتج القهوة عمتـي؟

بكُل ما أحمله لأخيـها من حُب، بكُل ما أحمله للأرعنين من امتنان: أكيد عمتي بتعجبني، كُل شي من ايدج حلو.

جلست بجانبي ذات الشـعر البُني والعينين السوداء الكحيلة فطرةً والجبين المُصـفى كاللؤلؤ بصفائه، والأنف العربي العزيز الشـامخ، والثـغر المزموم كعقد كرز : تسلمي عميمة!
شو هاي الصدفة يالجابتـج ، لو أعرف أن روحات محمد لبغداد الج جان ما راح فد خطوة إلا رجلي على رجله .

ضحكتُ كما ضحكت أمـها : ما عليج بيها أم عـلاوي ، هيج هي مـلاذ من يوميتها مخبـلة حجاياتها.

ضممتها إلي جانباً: يخلي لي المخبلة، كلها عقـل وكلام مثل الذهـب،
دتشـابه أخوهـا كثير أروح له فـدوه، حجيه عسل على قلبي مو مثل المخبل يالعندي!

تحدث أم مُحـمد متسائلة: آلـن لهسه عايـش عدج؟

أجبتها بابتسامة تشق دربها عند ذكره: أي لهسه،
معند بيروح لبيته من بعد روحة يالكان مأجرهم، بس حلفت عليـه ما يطلـع خطوة برات بيتي،
خطيـة لوحده لا أم ولا أهل، مين ديطبخ له، مين ديشوف أحواله لو تعب لو مــرض، خطيـة هالولد!

علقت أم محمد بحذر : ولو، ما يصيـر هيج يا أم علي،
هاذ مسيــحي، لعد كيف تأخذي راحتج ببيتج!
ما يــصير ..



أسائلي من أخذ راحتي معه وأرتحـل
لا تسأليني هكـذا وتُقلبي جروحـي وتُرشيها بملح ذكراه!
أسائلي من أجبرني على احتضانه، هو من جعله يتيميّ وأرعاه كما أرعى صادقُ ابن أخــي!
هو من جعله نديمي، وحسرتي، وبُكائي، ووجدي!
هو من جعلني أرى بملامح آلن وجهه ورسمه وأسمـه،
أسائلي القـاتل ولا تسألي المـقتول!
***
الساعة تقتربّ من العـاشـرة،
تلك السـاعة التي يبدأ بعدها كُل شي غير مألوف.
فهي تعادل في الوضع الراهن الواحدة ليـلاً !
نقف في الجانب الأيـسر من الشـارع العام المؤدي إلى بعقوبة وأيضاً هو طريق بغداد-ديالى الرئيسي، بينما ننتظر الجانب الأيمن تملأه سيارات عسكرية تودعنا أمانتنا فنودعها أمانتها.
يقف صادق بجـانب القائد الجاثي أرضاً خلف صخرة إسمنتية من بقايا أعمال الطُرق!
بينما خلفنا وخلف الأحراش التي كانت تُزين طريق العابرين من بغداد وتخبرهم ببساطة ديـالى عندما يعلو يسار طريقهم أحراش وتتلوها مزارع وأنـهار.. هناك خلف الأحراش يقف محمد بسيارته منتظراً مجيئنا بعد انتهى المـعركة ذاهبين إلى ديـالى ..
حبيبة البُسـطاء، التي يزورها أبي بين حين وآخـر في الثمانينات بسبب شُح الطُب بهـا وعزوف أطبـاء المناطق المجاورة لهـا عن خدمتها.
فكان يأتيها أبي ويصطحبني أنا وصـادق في مشواره الذي "يُطبب الناس به"!
صادق لم يكمل عامه الأول في بـغداد، وأصبـح قريـن الروح وثالث أبناء أبي.
ومن ضـمن المرضـى كانت جدة مُحمد -رحمها الله-
وفي ذلك الوقتُ تعرفنا على مُحمد،
كما تعرف أبي على والده، وزاره مراتٍ عديدة حتى يداوي والدته إلى أن زاره بعدها بسنتين يعزيه بـها،
فكانت تلك اللحظات والآمـال المتعلقة بشفاء المُسنة المحبـوبة تحت نـاظرنا نحنُ الـثلاثة!
فكان أبي يُدخل معه أطفال التسع سنوات حتى يحبـوا الطبّ ويمتهنوه في قادم الأعوامّ
لا يعلم أبـي أنني سأتمهن سياسةً يمُحقها ويرتحل رئيسي وأبقى أجمع شتاتي "الوظيــفي".
كما أن مُحمد أمتهنه والده في سُوق الخضرة التي أمتهنها هو منذ الصغر حتى أصبح من أشهر تُجارهـا .
وأمـا صـادق لم يتوظف طيلة حيـاته، فهـو يكره الروتين والاعتيادية..
يبدو إن كرهه للاعتيادية .. أحد أسبـاب وجودنا هنا وانتظارنا للقوات الأميركيـة!
***
في وسط جيباً عسكرياً مُغطى بسياجٍ حديدي، لا أرى به حتـى عُتمة الليل،
لأنني أتوسـط عُتمةً داخلية أحاطاني بـها الضابط والجلمود الذي كان سجّاني!
وهل يُعقل أن يُصبـح حديثي عنه "كـان"..
فتاةٌ عـربية!
لم تعد ممشوقة بهامتها اليعرُبية ، لم تعد ترى شقُوقاً تتوسط قدميّ فـلاح يعتزّ بصحاري جرداء وسمت قدماه!
لم تعد تشـعر بسوادٍ يسكن الشـعر والعيُون، لم تعد تشعر بقباب تزينت بالزخارف العباسيّة والأمويةّ.
لم تعد تشعر أيضـاً بالكنائس التي لا يأكُل الخارجين منها نهـار رمـضان علناً خوفـاً من جرح صيام جارهم المُسـلم!
لم تعد تشعر بكُل هـذا، بل فقدت عروبتها التي سُلبت منها في أرضها ، حتى تُسلب منها في أربعة حيـطان وقضبانُ سجن!
سـحقاً لهذا الشُعور الموجع .. موجعاً كوجع بيتاً عربي بدأ يتقلص أناسهُ يوماً عن يوم، حتى بقيَ به أثنين تصارعا مع الحيـاة طـويلاً للبقاء..
حتى تعب البيت من هذا الصراع وأنقض على رأسيهما، ويا ليته يعلم أنه أوجع نفسه عندما ضربهـا بسـوطه قبل ضربهما !

ذاك الشـعور المُنعدمّ .. حُكم عليه إعدام ليُدرج في قائمة مشاعري المتوسلة مراعاتها قبل تنفيذ حُكمي عليها.

- هـل تعلمين أحداً في ديــالي؟
قالها الضـابط الذي أدار وجهه خلف تجاهي.

- لا،
لا أعرف ديـالى كُلها.
***
نرى في بداية الطـريق إنارة سيارة لم تظهر لنا بعد!
فقط نرى إنارتها عن ما يقارب كيلو متـر ، بسبب شُح الكهربـاء المؤدي إلى نُدرتها.
عـاد آلن إلى الخـلف حيثُ أنـا .
تقدم الجيب شيئاً فشي، حتى توقف قليلاً ينتظر جيباً آخراً بدأ ضوءه يسطع في بداية الطريق كسـابقه!
***
وقف على الطريق ضابطـاً بأنواطاً لا تُعـد، بنظره سوداوية للحيـاة "العراقية" وسوداوية لنـا أيضـاً .. وبجانبيه يمتثل جُنديين حاملين على أكتافهما سلاح!
ويصطلب خلافهما ستة جـنود أقـل نوطاً ورتباً من سابقيهما .
وهُـناك في الخلف .. خلف الجُنـد تقف بجلباب أسود وحجاب مثيله وبوجهٍ كـ "ضوء القـمر" .. لم يُخطئ والداها أبداً عندما أسماها مَهـتاب !
فهي جديرةً بضوء القمـر ، بل القمر وضوءه جديران بهـا .
تقدمـت قليلاً منتصباً في أول قطعة رصيف يتوسطون شارعها ،
بلباسي الأسود و شماغاً عراقياً مُبيناً لهما هـويتي الروحية وهوية ملامحي .

تحدث الضـابط عندما رآني: لا نُسلـم أسيرتنا حتى تُسلموننا القـائد.

تحدث بانكليزيته : بل أسيرنا – نظرت إلى رتبته – أيهـا الجنرال.

أشرت إلى صادق الذي لم يكن بذاك البعيد ولا القريب بجلبه للقـائد،
وما أن تقدم صادق حتى تقدم جُندياً من عندهم مالئاً كفه بذراع مَهـتاب،
لما يسحبها وكأنها نعجةً تُسحب ليُضحى بها ؟
لمـا يسحبها هكذا ولم يضع لحجابها حُرمة؟
لما يسحبها هـكذا ولم يعيرنا اهتمام بمنظرها ؟
***
عرفتُ صوته، والله انهُ هـو !
هو ذلك الأرعن .. هو ذلك البغيض ، هو اللينّ الهيّن.
هـو آلـن، لو لم أرى وجهه بسبب ضخامة أكتاف الجنود أمـامي!

سحبني الجندي مع ذراعي، دافعنـي إلى الأمـام،
حتى ألتقي أنا والقـائد باتجاهـين متعاكسين وكلٍ منا يذهب إلى مُنقذه ومخلّصه!
وقفتُ بسبب ظلمة الليل التي تحجب عني ما ورا الرصـيف،
لمَ لم يبقى بمكانه حتى يأخذني معه أسفل!
أخـاف النزول وأخاف الليل أيـضاً ..

تحدث من أسـفل مُمداً يده: تعــالي بَـسعاد.

هـل أنا بَسعـاد؟
أُكون له بَسعـاده أن أراد، فقد نذرت نذري وعقدت حلفي أنني مَدينة له بعُمري كله .. فما حاجة الاسم عند العُمــر!
سأغـفر له الليلة فقط .. حـتى أوفـيَ بنذري!
فأنــا مَهـتاب الليلِ وجالية ظلمته.
***
تـاهت خطواتها مُضيّعة دربي، تـاهـت نبراتها مُهدرة تعبي!
شحت علي بصـوتها ولم تجادلنـي كسابقهـا !
أرى جمودهـا عندما أسمـيتها باسم غير أسمـها .. ولكنها لم تعترض كما كانت!
هل قَصوا لها لسانها ؟
أو أزاغوا لها عقـلها..

سحبـتها حيثُ كُنـا : صـادق،
خُذ البنيّة وطلعوا لمحمد وره الأحراش بسرعة، وروحو لبيتنا وخذوا الاسلحة ومروا بيت محمد وخذوا عميمة ووجهكم على شقلاوة قبل تسكر المخـارج

صـادق: وانته ؟

آلن : ما عليك بيه!
خذ لبنية وطلعوا بسرعة قبل يروحو الاميركان ولا خذيت بحقي.

صادق: وانته كيف نعرف وضعك؟

آلن: ثلاثة أيـام وإذا ما اجيتكم دوروني مع المعتقلين لو الشهـداء .

لم يكن من صديقَ عُمـري إلا النزول لرغبتي حتى وهو كـاره!
أراه يختفي راكضـاً بها وهي تائهة!
هي تائهة منذُ وصـولها ..

رفعـتُ سـلاحي مشتبكاً مع الجُند محاولة رجوعهم خلف الشـارع حيثُ الألغـام.
أطلقتُ أول رصاصة واختبأت خلفُ الصخرة،
هـَطل عليّ وابـل الـرصـاص من كل الجهـات وسط تقدم البعض وتأخر الآخـر،

رفعت جهاز التحكم ، مستعيناً بالربّ: يا الله!

سطع من الشـارع نوراً صفراويـاً يخالطه السواد وتشوبه القطع الحديدة التي كانت قبل قليل سـلاح فتاك يحمله الجنود، بفعل ألغاماً تكونت وأصبحت مثابة قُنبلة عالية المُستـوى حتى أنها أخرّت الصخرة التي احتميت بهـا .. وصابني منها خدوشـاً عميـقة بكل أنحاء جسمي كأنني فقدت السيطرة على نفسيّ أيـضاً فأنا لم أعاقبهم وحدهم بل عاقبت نفسي معهم في مثولي خلف هذه الصخرة التي تبعد حوالي 500 متر ، ولكنها قريبة جداً مقارنة بانفجار سيارتين، أحسُ بدوارٍ عجيب يتخلله صوت الموت والحشرجة التي بصقتها من فمي على هيئة دمّ!
وسط صُراخ مكتوم ونحيباً مقهور واستنجاد موتى بالـرب في السـماءَ !

لقد قتلتَ أنفسّ!
ومن قتلت؟
قتلت أبناء دينيّ فمن لم يمتُ بفعل اللغمّ مات بفعل انفجار السيارتين!
فليرحمكم الربّ .. فليغفر لكم نهبكم وسرقكم لبلادنا .
فليغفر لكم تشردُ أطفـالاً قُتل أباهم على الحدود نتيجة رصاصة قنـاصة من الدول العربية المجاورة التي نشرت على صورته قتـيلاً " إرهـابي يحاول الدخول بلا تصريح"!
فليغفر لكم الربّ صرخات نساء ديـالى، حوبة ديـالى وحدهـا تسحبكم من جوار الربّ في الجنة إلى قُعر جهنم!

فليغفر لكم الربّ وليغفر لي..
يجمـعنا الديـن وتفرقـنا حدوداً ومسـاحات!
يجمعنا الديـن وتفرقنا حداثة كلاكنشوف !
فليغفر لي الرب وليبارك خُطـاي،
فقد أخطأت اليُـوم . . .
***
ركب صادق بجانبي، بعـدما أغلق الباب على مَهـتاب وسط انفجار ضخم خلف الأحراش علم مصدره
صـادقّ وذرف دمـوعه: شبييك صادق شصـار ،
مَهـتاب عليج الله كولي شــصار؟

لم يجيباني إلا بنحيب الأخيـرة وسط صمت الأول موارياً دمعه، كأني عرفت ماهية الأمر .. أين ثالثهم .. أين ثالث أثنين؟ : خرررب حظكم وين آلـن ؟

تحدث صادق بقليلاً من التمـاسكُ وسط دموعه: تذكر لما كالك أرسل الجُندي ؟
ليلتها زرع ألغـام بالموقع .. و هسه فجّرهم.

تحدث بقل صـبر : وهو وينه هسه ؟

تحدث الأخر بقلة حيلة: ما عرف ما عرف،
قالي روح للبيت وجيب السلاح وخذوا عمتي وروحو لشقلاوة .

لم يكنّ مني إلا استجابـة ما تعاهـدا عليه مُجبـراً. . .
أعتذر يا صاحبي من تركك خلفي وسط ألسنة اللهب، واللهَ لو كنتُ بجانبك ما تركتكُ لحظة!
أعتذرُ يـا صاحبي من إدارة ظهـري لك واحتمالية موتك تنصب أمامي عينيّ أكثر من حيـاتك.
أعتذر من شوارع ديالى قبل شوارع بغداد الذين شهدوا هذيان الطفـولة، وشقاوة المُراهقة، وفتوة الشبـاب، ونضج الثـلاثـين!
أعتذر يا صاحب عُمـريّ فقد خذلتُك . . .
***
لقد أخافتني دموع صـادق، دمـوعُ شرقياً فقد أعز ما يملُك،
وأرعبتني أكثر عيون مُحمد المتحجرة بلون الدمّ وسرعته الجنونية وسط شارعاً خالياً من الحيـاة البشرية ولكنه لم يخلو من عوامل التعرية التي جعلت من كل متراً بـه نُدبة،
نُدبة حرباً قوية لم تكن إلا من أثر دبابةً كالجرافة لا تتحملها شوارعٍ صُنعت بأيدي مُسالمة وسيارات خفيفة كأنفس أهـلها،
كذاك الجلمود الذي أصبح بعينيّ ليّناً، لمَ تركته وحده هُناك وأنا أرى بيده جهاز تحكم مُتفجرات، لمَ اتركه ينقذني ولا أردُ دينه!
ليتني سحبت الجهاز منه راكضة به كما فـعل بي صـادق!
سرق لحظاتي الاخيـرة معه ، لا يهمني هو ولا صـاحبه ، بل أريدُ أن أردُ له جزءٍ من عرفانه وأقول له "أنت ليّن كاسمك".
***
تحدثت أم محمد مودعة: عليج الله تزوريني كل ما اجا صادق لديـالى،
تعرفي أني مرة راعية بيت و اولاد ما أكدر أعوفهم، بس أنتي إذا جاوا صادق وآلن ما يبقى لج أحد ببغداد، تعالي يميّ والله دخلتي قلبي وحبيتج هوااايه!

تحدث مودعة أبنتهم المُدللة: إن شاء الله، أصلا ما أكدر ما أزوركم مرة لخ.

خرجتُ بعد وداع نساءٍ مليئاً بالدمـوع حتى وهم لم يتعرفوا على بعض إلا من بضع ساعات!

وصلتُ إلى صـادق الذي ترجّل عن السيّارة يدلني عليها وسط ظلمة الليل: مو كلتوا بنكعد يومين، شاللي غيّر حجيكم؟

تقدمّ محمد قليلاً من أمام السيارة: شلونجّ خالتي؟

حييته: هـلاو حمود ، الحمدلله وانته ماما شلونك؟

تأخر قليلاً مًدخلاً رأسه مع النافذة الخلفية للسيارة، فترجلـت حبيبةُ زينبّ،

أتتني مُسرعة، باحثة عن أحضاني، وسط نحيبها واكفهرار وجوه الشابّين: هلااو والله بحبيتي، هلاو بالغالية خوما أذوج؟
يا روُح زيّنب أنتي . . .
***
تخاف علي من الأذى وهي تراني بأحضانها، ما أنتي فاعلة بي يا زينب عندما تعلمين بمصيـر أبنكِ؟ ما أنتي فاعلة بي يا أمّ البنين وجوهرة حياتهم!
فقد ضحيّنا اليوم بابنك مُقابل خروجي إلى أحضانكِ سـالمة،
لم أضحي به وحدي!
بل شاركني أبناءك بالتـضحـية ، ما أنتي قائلة لأمه التي أسمع مكالمتك لها كُل مساء تخبريها كيف شرقت الشمس على وجه أبنها وكيف غَربت..
ما أنتي فاعلة بعد جنونكِ بسبب خدش بسيط أعتلى جبينه!
لن أبقى حبيبتكِ، فأنا من رد الإحسـانُ بالإساءة، إنه القَدر ولكنني قبل ساعة كنتُ أستطيع فعل شي يغيّر من موقفنا هـذا . . .
كُنت أستطيع سحب الجهاز من يده حتى يرحل الأميركان، كنتُ أستطيع كل شي قبل ساعة!

ركبنا السيـارة وسط دموعُ شوقاً هطلت من أعين زينب تُخبرني عن مدى حُبها لي ومدى صدق دعاءها الذي غلّفني بالهدوء والسكينة طوال سجني!
ووسط دموعي النادمة على تركي لأبنها خلف ظهـري.

تحدثت وكأنها تقتلني بحديثـها : هلاو والله بحبيبة عمـتها، والله ما تعرفيّ كيف صار البيت بدونج!
فقدتج وكعدت مع هالمصخمين لحد ما لعبت نفسي.

كانت تُريد رداً من صـادق يلوم مزاحهـا المُعـتاد، كانت تُريد ضحكةً تعلو شفاهي أنا ومُحمد ، كانت تُريد وكانت تُريد .. وكأنها للتو فقدت من يتلاسن معها على اللاشيء : صادق، وين أخُوك؟

الصمـت سكن السيارة بعدما صمتت الزينب تنتظر رداً من صـادق، عادت تساؤلهـا على مُحمد: محمد يُمـه، آلـن وين؟
هو كايلي بنكعد يومين، واجيتو أخذتوني وهو ماكو .

تحدث مُحمد بعد تنهيدة قطعت أنياط قلبيّ، لم أكن عطوفـة لهذا الحـد، لم أكن "أم دميـعة" بهذه الصـورة : عميمة، آلن ديتأخر شوي عند صحابه ، ديعاود باجر المساويات! "المساويـات = المسـاء".

شهقتُ الفقد الموجع الذي لم تعلمه زينب إلى الآن، أقنعها مُحمد وشهقتي أكدت لها أن هُـناك أمراً آخـر : عليج الله يا مَهـتاب تكولي شصاار ؟
أني ما أعرف كيف طلعتي من السماوة واجيتي لديـالـى ، أعرف أن ولديّ وره الموضوع، بس سكتت لوقت لخ،
بس آلـن ما ساكتة عن غيبته هيج!
هو ما يعرف بديالى إلا محمد ، ومحمد كاهو كدامي، لعد وين راح الولد ؟
عليج الله لتحجين ، صادق حبيبي ليش ساكت كولي وين راح آلن؟

تحدثَ صـادق : عميمة ، قولي يالله.

رددت على مسـامعي وهي تلطم جيبها بخفة مُنتظرة وقوع المُصيبة: ياربيّ دخيلك.

أكمل حديثه : آلـن ترّكنا اياه، وبقى يتعارك ويا الاميـركان!

صرخت بجزع : وتركتوه وحـده!
لا تكول ترّكنا ، انته ياللي تركته, يا ويلـي عليج يا زيـنبّ ..
سودة عليج يا أم عـلاوي.

- ثم بدأت تلطم جيبها وفخذيـها : ياويلــي عليك يا آدمّ ، طركاعة وطاحت على رأسك، يا ويلي عليك ما انته حمل اشي!
سودة عليك يا آدم سوودة عليك ، عززه لعزاك.
***
زحفتُ على بطني تحسباً لمرور عسكر بعقوبة، وصـلت إلى الأحـراش بعد ساعة من الزحـف الذي لم يكنّ إلا مـوت بطئ يتغلغل في روحي المتوجعة أكثر من وجع جسدي ، الذي أصبح كله علامات حربّ لم تنته!
نُدب حرباً اعتلت جسدي لا أعلم لها عدداً ولا أعلم لها موقعاً ، كل ما أعلمه أنني أُصبتُ إصابات هائـلة، لو لم تعالج ستلتهب، وتزيد من لهب روحي وتُحرقـها، كما أحرقتني تلك المـسافة التي لو مشيتها لم تتجاوز العشر دقـائق!
لقد تجاوزاها صادق ومَهـتاب في دقيقة ركـضاً ، بينما زحفتُ لها في سـاعة!

اتكأت على أول شجـرة وجدتها رافعاً بلوزتي السوداء التي بدأت تهتري بسبب الحجر الصغير الذي وسدته بطني قبل قـليل، لمستُ جروحاً كانت بفعل الحجر وأخــرى بسبب الكـارثة التي وليتها ظـهري.
خلعت بلوزتي فلم يعد رفـعها قليلاً سُيخفف الوجع فحركتي الكثـيرة تلطُم جروحي من قمـاش بات يتهرأ ويدخل خـيوطه في عقر جروحي الدامية!
جروحي التي أراها تتكتل وجـعاً أعلى كتفيّ إلى ذراعي، إلى وجعاً أُضيف لوجع عندمـا انقطعت شاشةً ضمدت جرحي من أسبوعاً ليس ببعيد.
***
أنبني ضميـري بعد عويلاً تشـارك به امرأتين كباقي النسـاء تنتظر وقتاً لتنظُف أعينها بمائها، يبدو أن مَهتاب تشـارك عمتي الوجـع،
الذي لطمت له وهي لا تعرف ماهية عراكه مع الاميركان، تعتقد انه سلاحاً يواجه سلاح ، لا تعلم إن ضوء الانفجار أضاء لنا طريقنا من خلف الأحـراش!

تعديـنا مفترق طُرق بـغداد، مُكملين طريقنا إلى شـقلاوة، هذا ما جعل عمتي تتحدث: محمد، تجاوزنا مفرق بغداد ، وين رايح؟

أجابها الآخـر بخفـوت: مـا رايحين لبغداد ، دنروح شـقلاوة!

تحدثت وسط دموعها التي تمسحها بطرف حجابها : أني أريد بغداد ما رايده أروح وياكم!

أدرت وجهـي لها مُشفقاً على احمراراً يعلو جفنيهـا وأنفـها، وذبولاً يسكُن عينيها الدامعة بعدما تزينت بالكُحـل لزيارة أم مُحمد : عميمة اش لج ببغداد ؟

خل نروح هناكا يومين لتهدأ الأوضـاع .

تساءلت وكأنها بدأت تقتنع: وإذا اجا ألّـون وين ديروح ؟
أكيد بيروح لبيتي وما يلكاني ، لا لا ما رايحة وياكم .

تحدث هذه المرة مُحمد : أصلا آلن كال لنا رأساً تروحوا شقلاوة ووصانا ناخذج ويانا هميـن . "رأساً = مُبـاشرة".

رفعت هاتفها باحثة عن اسم آلن: الحين بخابـره، بكوله أني رحت وياكم!

رنّ هاتفه الذي لم يكن إلا في ديكـور الأمامي للسيارة مما جعلني أرفعـه وأغلق الخـط،
شهقت تلك الفتاة، وكأنها تعلن إنذار الدموع لتُشاركها عمتي حفلة الدموع البائسة!
***
مُددت يدي إلى جيـبي قاصـداً مهاتفة أبو مُحمد، لم أجده!
حمدتُ اللهَ كثيراً أنني لم أجده، لو كان بحوزتي لأنفجر في جيبي أثر قوة الانفجار. . .
مشيتُ على مهـل بقارعة الرصيف المؤدي إلى ديـالى التي تبعد حوالي خمسة عشر كيلو، مشيتي العرجاء لا تساعدني على قطع المسافات الطويلة خلال ساعتين أو ثـلاثّ .. سيأتـي فجراً وتخرج شمساً وتتوسط كبد السـماء وانا لم أصـل!
***
وقفتُ على رابع تفتيش، ماسكاً أربع هوايات حفظتها ما دوُن بـها وما كُتب!

الأولـى تحـمل أسمي مُحمد بن خالد ، مواليد 1971مّ في ديـالى.

الثانية تحملُ أسم صـادق بن كاظم بن علي، مواليد 1971مّ في الكاظمية.

والثالثة تحمل أسم الروُنق والحياة عمّتنا الباكية .. زينب بنتُ علي مواليد 1957مّ في الكـاظمية ..

والرابعـة هوية أخرى، لا تُشبه سابقـها كُتبت بالإيرانية لم أفهم منها إلا مكان الميـلاد خوزسـتان 1979مّ.

رفعتُ نظري إلى المرآة التي تعكس ما خلف السيارة منتظراً قدوم الجُندي، إلا أن مهتاب لم تُبقي بي عقـلاً وهي تلف كامل جسدها إلى الخلف تُناظر حركة الجُند ، نحنُ ليس حمل شُبهة تُخضعنا للتفتيش

حتى يؤخذ سلاحُنا: مَهتاب،
اندااري لا تخليين أحد يشك بينا ، يلا بسـرعة انداااااري. "انداري= التفتي".

تحدث متضجرة: اشبيك ؟ ماراح حدا يحس بشي، خليك بحالك .

تحدثت من جديد : كلت لج انداري بسـرعة .

سمعتُ "أوف" المتضجرة وسط اعتدالها، وقدوم الجُنـدي الذي أخبرنا بإكمال مسيرنا.
***
دخلتُ البيت المهتري كلباسي، أرى الساعة المُعلقة على نص حائط تُشير إلى السادسة صـباحاً ، قد أخذ مني التعبُ ما أخذ ، أخذ وقتاً طويـلاً لوصولي، منذ الواحـدة ليـلاً وأنا أمشـي حتى الآن وسط استراحة بين كل عشر خُطوات بسبب ألم قدمـي المتخدشة،
ذهبت إلى أول غُرفة ، خلعت سترتي طارحاً نفسي على فراش القائد الذي غادرها عصـر أمــس.
لما يُغـادر الميتُ ليورثَ مكانه حياً آخر !
هي سُنة الحيـاة يُغادرها لتُورث لشخصٍ غيره، ما عدا أنا ورّثني أبائي لأبن أخـي،
أسمي وقدري وذكرياتي ومنزلــتي،
جعلوه ينام بينهما كما كُنت، فيتقلب في ليله من يد والدي الممدوة له على شكل وسادة، الى حجر أمي الذي ينتظر فلذة كبده!
***
استيقظتُ صـباحاً رغم اننا لم نصل إلا الثانية ليـلاً، الجـو عليلَ لا يتناسب مع نهاية أغسطس وقدوم سبتمبر ، يشابه صباح نوفمـبر الخريفـي، بحركة الأشجـار التي تتراقص بقدوم صباح بهيج،
لقد قطفتُ قبل قليل خُضارٍ عديدة من المزرعة التي يتوسطها هذا البيت الريفي،

دخلتُ المطبخ حيثُ زينب: هاا زينب هذا اللي تريدين.
مُمدة لها طماطم وجزر وفلفل أخضـر.

تحدثت زينب : أي عفيه حبابه، كطعيهم لحد ما يجي حموّد بباقي الاغـراض.

هذا حال صباحاً استيقظت به امرأة تطرق باب الخمسين ولم تجد في مطبخها أي شي، تُعلن حالة استنفار وتطلب من مُحمد الذي لم ينم الذهاب إلى أقـرب سوق وشراء مُستلزماتٍ كتبتها بورقة طويلة .. بل كتبتها على وجهيّ الورقة بطـولها !
***
علـى مائدة الإفطار الذي انقسم إلـى قسمين، في بداية غرفة الجلوس يفطر اا*ثنين وسط همساً مستمر بينهم، وأنا وزينبّ في المطـبخ،
ندمتُ على اختياري المطـبخ وسط اقتراحات زينب أن نذهب إلى آخر الصالة بجانب الشـابينّ.
استوقفني صوت مُحمد وأوقف اللقُمة في بلعومي وأحسُ بشوكٍ ينخر ظهـري وحرارة تسري داخله من

حديـثه: ومن متى صار هالحجي؟
طيب انته لهسه عده، هو كيفه؟
يُبه .. الله يخليك لا تعُوفه يروح لوحـده تره ما يعرف شي بديـالى،
تره مسودن يسويــها
.
.
.

انتهى


مـخرج الفــصل الثالثَ عــشر
وما العجب لو خان الفؤاد ضلوُعه؟
إن الذي خان العراقَ عراقي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:09 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مــدخل البارت الرابع عشـــر
بغْدَادُ يادَارَ النهى
وَالْفَنِّ يابَيْتَ الْقَصِيدِ
نبتَ الْقَرِيضُ عَلَى ضِفَافِكِ
بَيْنَ أفْنَانِ الْوُرُودِ

×علي الجـارم×


أعتذر على التأخير .. تو أنتهيت من كتابة البارت..
لا تلهيكم الرواية عن ذكر الله

.
.
.
في وسط حديثاً هامس بيني وبين صادق حتى لا تسمع العمة ما يُقال عن قُرة قلبـها، رنّ هاتـفي.. أبيّ يتصل صـباحاً هذا يعني أنه خارج من المحل!

وهذه من أندر الحالات التي تخبرني بوقوع أمراً جلل: هلاو يبه.

تحدث أبي على عجل : انته وينك؟

منتظراً وقوع المُصيبة: بأربيل، ليش؟

أبو محمد : خابرني آلن، ورحت له ولكيته بخرابة ومعطوب!

أعرف استخدام أبي للجمل فقوله "معطوب" يعني انه أُصيب بجروحٍ غائرة!: شوكت هالحجي؟

أبو محمد : من شي ساعتين – ثم أردف- فاتوا العسكر ديـالى.

تحدثت وأنا أرى بعيني عمـتي الثكلـى، وصادق فاقد أخٍ، وأنُاسٍ من ورا الأمـصار والأنهـار للتو شعرت بمكانة أبنها: وطيب انته لهسه عده، هو كيفه؟

تحدث أبي من جديد بشكل أسرع وكأنه يريدُ أنهى المكالمة: لا هسه راح من عدّي،
جبت له طبيب، وعقبّ انهزم لخان بني سعد ،أني كلت له يروح هناك، انتبه علـى حالك وعلى اللي وياك حاسسني قلبي أن آلن مطلوب . . .
"انهزم = هرب".

صرخت بعدما سمعتُ صوت سيارات عسكرية تتمحور حول موقع أبي: يُبه.
الله يخليك لا تعُوفه يروح لوحـده تره ما يعرف شي بديـالى.

أنقطع الخط بيننا، وما زادني هذا الاتـصال إلا رُعباً !
يبدوُ أن آلن أخبر أبي بكُل شي، هذا ليس بالأمر المُهـم،
ولكن كيف تُعرف هوية آلن ويُطلب، وهو لم يُرى إلا من المقتولين!

رجعتُ لواقعٍ فرضه علينا سلاحٍ غيّر مجرى حياتنا وقلبها رأساً على عقب، سمعتُ صوت زينب: محمد، شبيييك يمه؟ ليش مختبص هيج، شكال أبوك؟

لا أعلم ماذا أقول لكِ ، وهل لمثلكِ حديثاً كحديثي يُقال! : ماكو،
بس القوات دخـلوا ديـالى وآلن منهزمَ.
وهل تُرى ربـع حديثاً كهذا يُسبق بـ "ماكو"!

تحدثت وهي تدخُل إلى الصـالة والدمُع يأخذ مجراه بعينيها : اللهَ يحميه ويبعده عن عيون الظـلام،
خومـا تأذى البـارحة، والله قلبـي على نـار من أمـس!

وهل لمثلكِ يُقال لها كـمقولة أبي "معـطوب" وجراحه لن تندمل في يوم أو أسبـوع ، هل أقول لكِ أن أبنكِ الهـارب مجروحٍ!
جراحاً لا تُسـاعده على الهـرب والتخفي فقد تنزُف في أي وقت ويفقد وعيه، قد تكشف أمره وتكشف سبب وجودها في جسده!
قد تودي به هذه الجراح إلى أبو غريب: لا، عميمة، شوية خدوُش ما شي، باعي منهزم ما فيه إلا العـافـية "باعي = شوفي".

عادت العمة تُخبر تلك المُنادية لها من المطبخ تستكشفها الأمر، بينما عُدت كما كُنت هامساً لـصادق: أبوي يكول آلن مطلوب، أمره أنكشف، لا وفوكٍ منها يكولك الولد معطوب ، وما بعيدة كلنا مطاليب!

تحدث صـادق المُصدوم بما يُقـال: خرررب حظنا على حظه،
كيف يكشفونه؟ تتـوقع أحد نجا من التفجير ؟ ولا كييـ . . .
- قطع كلمته مبهوتاً- ليكون مراقبين!
أي أي أكيد مراقبين علمود القائد والضابط ، خرررب حظنا تتوقع لاحقينا لشقلاوة!

جد جديداً بعدما أنـار صادق عقلي بمـوضوع المُراقبة، وهل لهم ان يصمتوا ليلة وربع يوم بـلا مداهمة؟
بعيد كل البعد هذا الصبر عن القوات الاميركية، فهي تقتل القتيل قبل أن تتأكد أن كان من "فدائي صدام" أم لا .
***
لم يخلف التفجير الذي رأيت خدوشـاً خفيفة كما تقول زينب،
أعلم أنه موجوع.. وليس وجعاً عادياً ، الويل لكِ يا مهتاب قد ألقيتِ به إلى التهلُكة!
الويل لكِ من دموع عمته، الويل لكِ من فقد الاثنين له. . .
الويل لكِ من حسرة رجلاً يُدعى "آدم" تتحسر عليه زينب طوال ليلها .
أنتي من جره إلى أمرٍ كهـذا ، لم يكن إلا ناطوراً بسيطاً وحولتيه إلى مجرم حرب!

سألتُ زينب: أم علاوي، ميين آدم؟

أجابت بخفوت وهـي تجمع الأواني: أبو آلن.

هكذا إذٍ !
تتحسرين عـلى الراحل من هوّل ما يسمـع وأنتِ صدقـتي أبناءكِ بأمر آلن!
لم تكوني حاضرة المـشهد ولم ترِ نظرته التي حلفتُ يميناً أنها لا تُشابهه،
هل تُراها نظرة وداع؟
ولكن هل للمودع أن يُناديني بَسـعاد ؟
***
تحدث الصـامتة منذُ علمها بما حدث لآلن : أم علاوي، ميين آدم.

وضعتُ الذي كان بيدي، ملقـية نظري إليها، ما الذي خطر على بالكِ يا صغيرتي؟
من الذي أخبـركِ به؟ هل حدثكِ أحدٍ عنه،
قد ذكرته لكِ سابقاً عندما أخبرتكِ أنه صاحب البيت!
لمـا تسألين عنهُ مرة أُخرى؟

تداركت نفسي ثم أجبتهـا : أبو آلن.

صمتت تلك الفتـاة مرةً أخـرى مما جعلني أكمل عملي، ثمّ لحقت بي وهي تحمل بيدها ملعقتين: أم علاوي، مين بَسـعاد؟

أنه يُوم المُفاجآت يا مَهتاب ، بكل كلمة تقوليها أمسـك قلبي من التي بعدها، من سمح لكِ بنبش شيءٍ أصبح ماضي، ولكن حقاً من هي بَسعاد؟ : مين بَسعاد؟

تحدث وهي تبتسم رافعة كتفيها : أني اسألج .

فعلاً أنها تسأل عن شي تظنُ مني معرفته! : مَهتاب، أني ما فاضيـة لحجايات الزعاطيط هاي ،
نوُبة تسالي عن آدم ونُوبة عن هـاي بسعاد!
رأسـي ترى مو مال صـخامج ، تحجي زيـن ولا وليّ.

تعوُد إلى إزعاجها الطفولي الذي عهدتهُ منها قبل اعتقالها : شعلييه يا أم علاوي، أني دولـي من عدّج ،
بس هاا ترى باقي فطور ولدج ما جبته!

جاريتها بما تقول وأنا أكرر أسم "بَسعاد" بقلبي حتى اسأل عنهُ من أراه أسماً خاصاً به: : ولي يلاا .. مسودنـة.
***
خرجتُ من ديـالى بمساعدة أبو مُحمد ، الذي دلّني على منطقة يقول
" لا يتواجد بها أُناس كثـير ولا يوضعوا في محل شبهة !
هذا ما يجعل العسكر لا تتكلف بزيارتها".
دخلتُ الخان "خان بني سعد" صباحاً والآن يُؤذن العصـر،
أريدُ الذهاب إلى بعقوبة بأي ثمنّ، فلن أجد مُطبب لجراحي إلا بـها ، أعرفُ طبيبها وعلاجـها الذي لن يغدُر بي ولو تُؤخذُ منه روحه،
وقفتُ أمام المسجد وأنا أُخفي عرج أمال استقامة رجلي اليُمنى خوفاً من مرور جاسوس في هذه البلدة المتوسطة،
متوسطة الحال، متوسطة الشعب، متوسطة الحركة، متوسطة البلـد !
سمـعتُ الأمـام يُعلن ختامه الصـلاة، تحركتُ مسرعاً إلى الجدار الآخر، هارباً عن وجه المُصـلين الذين بدؤوا انتعـال حذائهم مُتفرقين بخطواتهم راحلين إلى حيث أتوا، تقدمت وأنا أرى الأمام يتبعهمّ ثم يدير وجهه إلى المسجد مُغلقاً بابه،
أخفيتُ الصليب في لبـاسي الذي أتى به أبو مُحـمد صبـاحاً، لا أعلم هل هذا شيخاً فضيلاً، أم من كهنة المساجد الذي لا يعرفُ من الدين إلا أن يرفع رايته في المكان الخطأ، لا ضير أنه يستعد لقتلي لو كان منهم!
فأنا مسيحياً ، أي أنا عدواً لله!
أنا مسيحياً ، أي أنا كـافر!

تقدمتُ إليه وأنا أضع يدي حول رقبتي مُخفياً جروحها: هاي حجي؟

أبتسم قائلاً : هلا أبـني.

طلبتهُ وأنا مُتردد من هذا الطلب الذي لا يقبل خيارين أما السـلام الأبدي، أو الموت المُحتم: عمي، أني داخل على الله ثمّ عليك،
أريدك توصلني لكنيسة بعقوبة.

أنـزل رأسه قليـلاً، لا يعلم لما طلبتهُ ذلك، ولا يعلم ماهية الأمر الذي أريد منه الوصول إلـى الكنيسة، هل أُريح حيرته وأقول له أني محط اعتقال!
هل لي أن أُفصح لهُ عن أمرٍ لم يكن بالحُسبان،

تحدثت بعدما وجدتُ حيرته: عمي، أروح لك فدوة أني من بغداد وانهزمت من جماعة يريدون يقتلوني، فما لي بعد الله إلا أنت.

تحدث وهو يرفع يده كأنه ناهي عن إكمال حديثي: انتظرني هنانا، ثواني.

لم يُدخلني المسجد ولم أنتظر منه ذلك، ولكني أخاف وقوفي هُنـا،
نعم.. بدأت أخاف كُل شيء، ما هذه الحرارة التي تسري في جسدي؟
ويدبّ معها الوجع مُجدداً !
لا ضيّر إنها حرارة تستقر في جسديّ بعدما اختلفت عليه هيكلته!
لابُد للشيـخ أن يقدم قبل أن يتطور الأمر، فباديهُ وجعاً ضئيل ، وآخــره .. وحده الربّ يعلمّ ما هو آخــره!
***
وقفتُ في فناء البيت الريفي بجانب مُحمد الذيّ لم يلقى جواباً من هاتف أبيه منذُ آخر مكالمة حادثه بها صـباحاً .
أخذتنا الظنون إلى اعتقاله، فصرير السيارات الذي سمعه محمد لم يحمل وراءه إلا أمراً هكذا.

تحدث مُحمد إلي : ما راضي يرد!

اقترحت عليه حلاً آخـراً : طيب، خابر المحل بيكون موجود فيه للمساويات مو هيج ؟
أومأ برأسه وهو يبحث عن رقم المحل.. ولكـنهُ لم يجد إجابة!

نظر إلـي بقلة حيـلة، لقد انتقل الخُوف إلي وكأن دائرة السوء تتمحور حول أبي .. نعم أنه أبي بعد رحيل أبويّ .. كاظم و آدم!

سألته وكأنني وجدتُ طوق نجاة لا أعلم كيف تناساه مُحمد : خابرت أمك؟

رفع هاتفه الأخر ملهوفاً وهو يضرب مقدمة جبهته: انسيييت!

نظرتُ إليه وهو يردُ متلهفاً : هلااو مـلاذ .

تسلل لي صـوتها: هلاو بيـك حمّود.
***
هذا كثيراً يالله..
يكفيني مصيرُ آلن المجهـول، حتى أجهل مصير أبـي!
مضت سبع ساعات وهاتفهُ مُغلق، أبي يندُر إغلاق هاتفه حتى أنه يواظبُ على شحنه مساء حتى يصحو وهو ممتلئ، يكره إن يفرغ منه جيبه حتى ولو كان موصولاً بالكهـرباء، خصـوصاً بعد السـقُوط الذي دمّرنا ..

اتصلت على أمي كما أقترح علي صادق، كيف لي أن أنسى اتصالاً يُخبرني عن مصير أبي المتعلق منذُ
سبع ساعاتّ، ردت علي تلك الصغيرة المُدللة: هلاو ملاذ.

ردت عليّ تحيتي: هلاو بيك حمّود.

إن أخشـى أن أفتح عيناها على شيءٍ لا تعلم عنه!
ماذا لو كانت تعتقد أن أبي في دكانته إلى الآن ..
ماذا لو كانت تنتظره عـلى قهوة " المغرب" كعادتها..
ماذا لو فجعتها به وفجعت أمي وهن وحيدات في البيتّ

سألتني: هاا كيف أربيل؟
لـيكون متزوج كُردية ورايح لها، كثـرت روحـاتك آغاتي محمد!

رددتُ على مزاحهـا بعدما أراحتني، فعلمها بأنني في أربيل .. يعني أن والدي أخبرهما بذلـك، تحدثت زاجرها: يا بت.. عيبّ هالحجي بعدجّ صغيرة، لا تزعلين باجر أخذج أربيل تتنقي عريسّ!

علمت أنها استحت، وإن خدّيهـا تلونت بالأحمر القاني: أدبّ سزز ،
وبعدين لا تكول صغيرة صغيرة، باوع وصلت الـ 23 وبعـدك تكول صغيرة.

أغضتها مُجدداً : مو بس صغيرة.. همّ زعطوطة!

أغلقتُ الهاتف وهي لم تُنهي شتيمتها..

حدثتُ صادق الذي يبتسمّ لحديثٍ عرفه كامل حواره من خلال طرفٍ واحد: الحمدلله .. أبوي طلـع عدّهم.

أخذ شهيـقاً ثم زفر وكأن روحه للتو عادت له: الحمدلله،
- ثم أردف- تُعرف آلن كالي ثلاثة أيام وإذا ما اجيتكم دوروني بالسجون ولا مع الشُهـداء .

تحدثتُ مطمأن له وأنا أحتاج من يهدئ روع قلبي على ذلك الرفيق: معليييك بيه،
آلن سَبع، مينخـاف عليه الحمدلله هستوة الصبح مابيه الا العافيـة .. وتعرف أنه بخان بني سعد، وأني باجر بحاول أمر عليه وأجوف وين راح وأخـابرك ..
***
ودعتُ محمد الذي لابُد له العودة إلى ديـالى قبل المسـاء .. ولا أعلم متى سيعُود!
فمشوار يُقارب 300 كيلو ليس بالقريب أبداً حتى يسلكه يوميـاً..
رحل وهو يكرر " آلن سبع مينخاف عليه!".
ولأنه سبع لا يرتضي لنفسه خدشاً إلا يأخذُ بحقه أخافُ عليه!
ولأنه سَبع لا يرتضى لنفسه هوانٍ أخافُ عليه!
ولأنه آلن السَبــع أخافُ عليه

عدتُ أدراجـي إلى المنزل .. رأيت عمتي تخلع حجابها، بينما مقابلتها تتأكد من إحكامه على رأسها
بسبب تنبيهي الذي أخبرها بقدومي: السـلامّ عليكم.
ردنّ السـلامّ بصوتين خافتين: أني دروح أشتري حاجيـات تريدون اشي؟

تحدثت عمتي : دنروح معـاك .. جينا خالين!

كُلنا أتينا خالين الأيدي والوفاض يا عمّتي ..
خالين الروّح أيـضاً ..
***
نقفُ إلى أول شارع رئيسي ننتظر قدوم سيارة توصلنا إلى أقرب مُجمع تجاري،
فقد تأزم صادق من وجوده بلا سيّارة، أتينا ليلة البارحة مع مُحمد الذي رحل قبـل دقائق .. ولم تبقى لنا إلا أقدامنا التي أوقفتنا على الـشارع الرئيسي منتظرين السيارة التي بدأت تتوقف ويتقدم لها صـادق..
ركبَ صادق أمام، بعدما أشار لنا بالقُدوم، ركبتُ بجانب عمتي خلفّ، متأملة منـاظـر شقـلاوة الصيفية التي تُخبرك أنك في شـتاء بغداد وطهران،
أراضِ خضـراء، تظلمها الشوارع والمباني التيّ تقطع أشجارها حتى تُعمـر!
سُرعة السائق "الطبيعية" كانت مُزعجة لي ولم تدعني أتأمل كيفما أشاء،
من أول نظرةً أُلقيها على مبنى أو سفحٍ، يقطعها بسرعته ولم تتبعها ثانية!
هذا ما جعلني أنظرُ أمام وأتأمل سواد الشارع من واجهة السيّارة التي بدأت تنحدر وتنعطف كثيـراً وسط صمتاً مُهيبٍ،
لم يكن سببه إلا كُردية السـائق وعربية الرُكـاب!
توقف السائق عند المُجمـع دهشتنا .. ليس لأنه توقف!
بل من سُكان هذه المنطقة ولباسهم .. أعني النساء ..
فهنّ يلبسنّ ألواناً صارخة جُلها ما بين الأصفر والبرتقـالي مع حجاب يُغطي نصف الشعر بنفس اللون !

أما لباسهن فكما وصفه صادق: شبه لبس الأفغـان!

مُحقاً في ذلك.. فلباسهن هنّ والرجال يتشابه ، سواءً رجال الأفغان أو رجال الكُرد، فهو يحتوي على قميصاً طويل يصل إلى مُنتصف الساق وتحتهُ سروالاً عريضاً ..
تحدثت زينب وهي تنظرُ إلى اللافتـات: تعالي مَهـتاب للمحل هذا.
مشيتُ معها بينما ذهب صادق إلى آخر بعدما أوصى عمته بالاتصال به فور انتهاؤنا .
***
أركبني ذلك الشيـخ في ظهر سيارة تقلّ أكياس شعير وحنطة، لقد وضع خشبة في المنتصف وأركبني تحتها، ثم وضع أطنان الشعير والحنطة فوقهـا،
ستوُن كيلو وأنا في هذه الحـال، ومع حركات السيارة وميلاتها تميلُ تلك الأكيـاس وتتحرك الخشبة فوق ظهـري فاتقه جراحي لقد آلمتني كثيراً، أحسُ وجعها وهي تسيل دماءٍ وكأنها تصرخُ بي تقول "كـافي" ..
فقد كفى نفسي وجعـاً .. وكفى جسدي وجعاً أيضاً ،
فأوجاع الجسد تندمـل ولا يـبقى لها أثراً، ولكن جروح القلب باقية لن يُخفف وقعهـا مُرّ السنين أن مـرت!
ولكن طبيبي الذي ذهبتُ قادراً إلى مداواتها بلا كللٍ ولا ملل ولا غدرٍ ولا منة. . .
***
عُدت إلى منزلنـا .. الذي كُنت به مسـاء البارحـة مُجهـزاً لرحيل أوجع روحي قبل روح عمتي زينب وروح صـادق .. وتلك التي نُسيّرها معنا حيثُ سرنا ولم نردُ لها رأي!
ربـما كانت تُريد البقاء في المُعتقل والذهابُ إلى إيران بعد انتهاء محكوميـتها ..
ربـما كانت تُريد مُفارقة أرض العراق فهي لا تحمل لها ما نحمل من ولاءٍ وحب!
لما نسيرُ خلف رغباتنا غير آبهين برغبتها ؟
لقد ظلمـناها كثيـراً وجاوز ظُلمها المـدى، يبدو أننا ندفع حوبتها بانتظار خبراً عن آلن. . .

سـألتُ أبي الذي كان يمدُ فنجانه إلى أُخـتي: ما عرفت خبر جديد عن آلن؟

أجابني أبي: لا،
وصله أحد العُمـال للخـان السـاعة 8:30 هذا أخر شي عرفته!

سألتني أختي: شمسوي هو علمود ينهزمّ؟

سبقني أبي بإجابتها: سوُالف عيـال، منهزم من أهليته! "أهليته= أقاربه".

الصمتُ ساد مجلسنا بعد آذان المغرب مما جعل أبي يضع فنجانه ونقوم سوياً إلـى المسجد .
***
عُدنا مُحملين بأكيـاس وذكريات وأموراً جديدة لم نعهدها جميعنا، رغم اختلاف جغرافيتنا . . .
طريقة التعامل تُختلف ، واللباسُ أيضـاً يختلف، وطريقة الحديثُ بين بعضهما البعض، كلُ شيئاً مُختلف . . .
هذا ما جعلنا نبقى بالسُوق طـويـلاً، نتبضعُ دقيقة ونتأمل النـاسُ عشرا حتى أنضم صادق إليـنا ولم يخلو تأملاتنا من تعليقاته التي جعلت الناسُ يديرون وجههم لـنا وسط توبيخ زينب لضحكاتنا العالية.
أنتظرُ عودة صادق من المسجد الذي ذهب رغم تحذير أبو محمد الذي أوصله لنا أبنه أن لا يخرُج أحدنا إلا لحاجة ضرورية!
ذهبتُ إلى زينب التـي تعدُ قهـوة المـساء، تلك القهوة العربية التي بدأت تعدلُ مزاجي، وما علمت زينب بذلك .. قالت "قهـوة بغداد هي من عدلت مزاجك.. أم تلك القهوة العربية تعملها أمكِ منذُ سنين!".
لقد اغترت امرأة بغداد ببغدادهـا ..

دخلتُ: اللهَ .. شو هالقهـوة يا زينب!
جابت رأسي وأني بداري ونزلت لج.

تحدثت الأخرى وغرورها يزيد ولم ينقص وهي تسكب لي فنجاناً: اشعبالج ؟ هااي بغدادية
- ثم دمعت عينها- ما تدرين قد ايش اشتاقيت لبغداد !

أجبتها ضاحكة، مُقللة من شأن بغدادها: على شو تشتاقين؟ كلها كرخ ورصافة!!

ضربتني على كتفي بعدما شربتُ من قهوتها التي سببت مصـدرها .. بغداد : سم وزقنبوت على قلب العدو!
***
أنزلتني تلك السيـارة بعـدمـا شكرتُ صاحبها كثيراً، فهو منقذي من جحيم أميركا التي سوف يوصلني محاكمتي إلى منافيها . . .
دخلتُ كنيسة "أم المشورة الصالحة" الكنيسة الوحيدة التي تُزيّن ديـالى ومركزها بعقوبة.. فقرع الأجـراس كفيـلاً بمهاداة أرواحهم وسُكناها من هماً يعتريهـا..
تخطيت البابَ الكبيـر المُشرّع، وأمامي تتجلى صورة العذراء وأبنها المسيـح متخطياً الكراسـي الواسعة الكثيرة التي تملأ باحات الكنيسة، ثم خرج لي دليلي وهادي سبيلي – بعد الله – تقدمتُ إليه ثم سلمت

على يده وهو ينظر إلى جراح أدمت ظهري وبانت له لما انحنيت: عليك السـلام يا أبونـا ..

أجابني : شبييك هيج يا بني، من اللي تـطاول عليكَ؟

لم ينتظر إجابتي على تساؤله فمسكني مع يدي مُدلفاً السـتار الواسع الذي يُغطي جزء كبيراً من الكنيسة، آخذني معه إلى قسمـه الذي يعيش به في آخر الكنيسة.
***
السادسة صباحاً في صـباح الأول من سبتمبر .. أيلول الشُعراء وحادي اصبوحاتهم
أيلول المغتربين كغُربتي.. المظلومين كظُلمي!
ها أنا أسكنُ أربيـل .. متمركزة في شـقلاوة وقلبي ينظرُ إلى حاج عُمران الذي يحدّ بلدي العزيزة .. إيـران.
اشتقت إلى نسمـة هواء طهران، اشتقت إلى أمي بعصُبة رأسـها التي تُشابه نساء البادية في العراق!
اشتقت إلى الأهـواز.. أريدُ أن أعتذر منها، فقد قُلت لها أنني لا أريد أن أعيشُ بها يوماً واحدٍ ، قلتُ هذا وأنا أتوسد ترابها وأفترش سمائها !
عُذراً يا أهواز طفولتي .. أن خدشتُ عروبتكِ عندما فضلت عليك فارسية طهران!
عذراً يا أرجوحة طفولتي التي تشبثت بها أرض الأهواز حتى لا توقعني وأنا أمرح.
عُذراً يا أهواز .. عُذراً يا إيران ..
عُذراً يا أبي .. عُذراً أمي وأخــوتي!
عُذراً من خالدٍ الذي جرحت شبوبيته التي للتو بدأ مراهقتها ، وأراد أن يظهر رجولته برفضه طلباً هكذا من أختهُ ، ولكنها جرحته جرحاً لا أعلم كيف أقابله بعده!
وهل لي أن أقابله بعد الآن؟
عذراً مرة أخرى لكم .. لكم جميعاً من أُناس وشوارع وجمادات ومُدن!

عُذراً يا أهواز الطـفولة ، عُذراً يا طهران الشباب..
فالعـودة المحـتومة، لم تحنّ .. وحان الغيــاب!
***
استيقظت على صوتُ عمـتي: صاادق يله قوم، موبايلك من اليوم يرنّ!
وقفتُ ملهوفاً .. متشوقاً، أريدُ خبراً يهونّ روعـي .. أريدُ خبراً عن آلن،

رأيتُ المتـصل محمد : هلاو محمد.

تحدث محمد: صادق قفل موبايلك ، وشوف مهتاب إذا معاها مُوبايلها تقفله، أو تدري أشرم الخط بعيد عنك لو أكسره " الخط = الكرت أو الشريحة".

تحدثت متسائلاً مرعوباً من عاقبة هذا الطلب! : نزلت أسمائكم مطلوبين.

أغلقتُ هاتفـي بتلقائية ناظـراً إلى عمـتي المتسائلة: خييير ؟

أجبتها وأنا لم أستوعب بعد كيف كُشفنا : طلعنا مطلوبين!

وقفتُ باحثاً عن مَهـتاب حتى اخبرها متجاهلاً نداءات عمتي المتسائلة..
كيف، ولماذا، ومتى!
وجدتُ الأخـرى تدخلُ المنزل بعد انتهاء جولتها الصباحية في الفناء مُحملة بالخُضار التي جلب محمد مثيلها مساء أمس وسط عزوف عمتي ومهتاب عن أكلها .. لا يريدان إلا شيئاً قُطف للتو!

وكأنهم شهورهم الماضية في بغداد يقطفانِ من أشجار مُثمرة كهذه: مَهـتاب، وين موبايلج؟

أجابتني وهي تبتسم: النـاس تكول صباح الخـير!

نحنُ مطلوبين والأختُ تستظرف! : مَـهتاب، علمود النبي وين موبايلج؟

تحت وهي تُقطب حاجبيها : اشبيييك ؟
وبعدين موبايلي ما أنطونياه الاميركان .. الله لا ينطيهم!

تجاوزتها خارجها، وأنا أُخرج شريحتي كاسرها، مما جعلها تستفسر : ليييش؟
أجبتها : لاننا مطلوبين!

ضربت جيبها بيدها : خرررب حظظك!
أمانه صج؟

ابتسمت على صدمتها الباهتة ومازالت تستجوب تضنني أستظرف! : و محمد !

أوشكت عيناها على الهـطول مُديرتني ظهرها، مُجيبه عمتي التي للتو نزلت أسفـل عن تساؤلها ، وكأن الحديث في لغة النساء يقطع وابل الدموع حتى ينتهي!
لقد تلاقيا ثرثارتان وهذا ما يجعل الأمـور تسيء بنظري أكثـر، فقد أطلقت تلك العنان للسانـها حتى تُخبر عمتي عما جرى ..
وما هي دقائق حتى تنتهي من حديثها وأسمع عويلهما !!
***
لقد وقع صحبي في الفخّ وأصبحوا مطلوبين لدى القـوات الأميركية ، التي

ستدفع الغالي والنفيس حتى تُمسك بمن غدروا بجنودها وكُبار ضباطها،
فمن رحلوا ليس برجالاً عاديين!
فهمّ قائداً عسكرياً .. ثالث رجل أميركي في أرجل العراق ويشاركه الرحيل ضابط أفنى حياته حتى تقلّد رتبه جنرال !
لقد أخطى آلن بقتلهم، وضع رأسه برأس أميركـا.
تحدثت أختي وهي تحمل الجريدة فاتحة صفحتها التي تحمل الخبـر ..
" عشرة ملايين عراقيـة لمن يقبض على هؤلاء"..
ثم ينساب الكاتب بكاتبته عن حدثٍ مشين قامـا به شـابّان أطلقا سراح فتاةً مُذنبة .. ثم ألحقوا ذنبها ذنباً
آخر وفجّروا بالمركبتين وما تحمله : أقـول محمد، عمتي زينب وين تروح ؟

رفعتُ رأسي لها : وين دتروح؟

تحدثت وهي تتحدث بخفوت وهمس: يعني لو مسكوا صادق هي وين بتروح؟

لا تتفاءلي بالشـر يا أُخيتي ..
فقلب أخيكِ لا يحتمل فراق رفيقي دربـه!
كيف إذا حملاه بأمانةً لا يرون النور إلا من عينيها،
ولا يحضون بالدفء إلا بين يديهـا ..
فهي من تقلبهم يميناً وشــمالاً كيفما أرادت وهم عليهم سمعها ولو أخطـأت ..
فيقـول آلن قبل سنـوات " زينبُ لا تُخطئ الرأي لو أخطأ ألفُ رجـل".
هي أمهم وهي والدهم وهي كل ما أرادوا ..
لا توجعي القلب بحديثٍ كهــذا، أجعلي تساؤلكِ حديث نفساً ولا تُلقيه على مسامعي!
لا توجعي القلب يا مهجته.
***
صحيتُ الخامسة فجـراً، صحوت بسبب علةً أحاطت بقلبي وأفزعتني، تلك النغزات تزدادُ مما جعلني
أُوقظ النائم في جواري: أبو ينـال .. آدم،
دخيلك ربك قوووم .

صحا ذلك النائم متضجراً: شبيييك؟ في أحد يقعد خمسة الفجر!

تحدثتُ والدموعُ تسكن عيناي : أبو يـنال دخيل ربـك شوف آلن اشبيه،
حاسسني قلبي بيه شي!

تحدث والنُوم يذهب من عينيه وكأنه لم ينمّ: عطيني موبايـلي، ما خابرتيه؟

لم أستطع محادثته، ماذا لو صابه مكروهاً وهو من ينقله لي!

ماذا لو لم يردُ وأنا من ينتظر كلمةً منه: لا .. ما أريد.

أحترم رغبتي رافعاً هاتفه على أذنه منتـظراً إجابة .. ولكنه لم يجد !
أراه يبحث عن رقمـاً آخر ولكنه لم يجد أيضاً : خابرته هو وصادق ما يردوا!

تحدثت إليه وقلبي يعاود ألمه ويصرخ باسم ثاني أبناءه : دخيل ربك خابر محمد، أو تدري خابر زينب.

رجفةً تسكن يده تحت أنظاري!
هل ترى خوفي أنتقل إليك أيضاً .. أم أن للأبوة أحساس يتجسد أيضاً ؟
رفع هاتفه متصلاً على مُحمد، ولم يجد إجابة ولكن الرقم لم يُغلق كسابقيه،
هذا لوحده أملاً صغيراً يؤنس الروح ويزيل بعض كدرهـا .

أتصل على آخـر رقماً رشحتهُ لهَ، مُمداً لي الهاتـف: خابريـها .
***
قطع علي حديثُ مهتاب الذي جرح روحي أكـثر وجعلها تسقط أرضاً،
كيف لهم أن يتركوه يشعل النيران وهو وسطـها ..
لهذا ألاحظ الشـرود يسكن عينيّ محمد وصادق!
لهذا بُكى مهتاب المتواصل ونحيبها طوال الطريق ، لهذا كُنت بلهاء بينهم .. مُغفلة ..

رنّ هاتفي مما جعلني أرتبك وسط أنظار أبن أخي الذي للتو أزال دمعاً يسكن عيناي ، ووسط أنظار
أخرى للتو سكبت دموعي بحديثها، تحدث صادق : شبييك عميمة، ردي على موبايلج!

نظرت إليه تائهة: هذا آدم، ما ادري شيريد.

تحدث مرة أُخرى: خطية تلاقيه خايف على ابنه، خابريه.

رفعتُ هاتفي أمام أنظارهم : هلاو أبو ينال.

ردت تلك المريـم: زينب .. دخيلج وين آلن؟

لُجمت .. أنا للتو علمت به، هل تُريدين أن أُعيد لك سيمفونية مَهتاب المُبكية؟ هل تُريدين أن أخبركِ بكل هذا ؟

هذا كثيراً عليّ يا مريم: هلاو أم يـنال .. الحمدلله آلن بخـير.

تحدثت متسائلة: هو عدّج؟
ليش ما يرد على موبايله

أجبتها وأنا لا أعلم بما أُجيبها : لا، راح من عدّي أمس هو وصادق لديـالى!
وهناكا ماكو تغطية كلشّ.

أنهت المكالمة بقولها : دخيل ربج من يرد لج كولي لي .. واه قلبي عـلى نـار حاسه بيه شي.

انتهت المكالمة من هُنا .. وابتدأت سيل الدمُوع!
هي أمهُ وتحسُ به حتى ولو كانت بعيدة، هي من فزعت من سُباتها بسببه!
***
صحوتُ على صوت "يوحـنا" : الحمدله على السـلامة يــا ..،
ما كلت لي أسمك؟

أجبته وأنا أتناول من يده صينية إفطار : آلن .. أسمي آلن.

حيّاني بقوله : أهلاً وسهلاً..
من شو منهزم!

أجبته وأنا أترقب ملامحه، أعلم أنه لن يتخابر عليّ مع اارميركان .. هذا وحده ما يُريحني : من الاحتلال!

أومـأ برأسه بخفوت، ثمّ بدأنا نُصلي ..

وما انتهينا من إفطارنا حتى سألني : تعرُف صادق ومَهـتاب؟


انتهى


مـخرج الفصــل الرابع عشــر
بَغْدَادُ يَابَلَد الرَشِيدِ
وَمَنَارَة َ الْمَجْدِ التَلِيدِ
يَابَسْمَة ً لَمَّا تَزَلْ
زَهْرَاءَ في ثَغْرِ الْخُلُودِ

×علي الجـارم×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:12 PM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصـل الخامس عشــر


هذا الـوطن برواحنا يعلى فوق
هذا الوطن دمو يجري بالعروق
هذا الوطن يعشق علي والفاروق
هذا الوطن يعشق عثمان والفاروق
×عبدالباسط ساروت×
.

.
.
صحوتُ على صوت "يوحـنا" : الحمدلله على السـلامة يــا ..،
ما كلت لي أسمك؟

أجبته وأنا أتناول من يده صينية إفطار : آلن .. أسمي آلن.

حيّاني بقوله : أهلاً وسهلاً..
من شو منهزم!

أجبته وأنا أترقب ملامحه، أعلم أنه لن يتخابر عليّ مع الاميركان .. هذا وحده ما يُريحني : من الاحتلال!

أومـأ برأسه بخفوت، ثمّ بدأنا نُصلي ..

وما انتهينا من إفطارنا حتى سألني : تعرُف صادق ومَهـتاب؟

فزعتُ من نوميّ أو من هُذياني باحثاً عن قسّاً أو عن إفطاراً فلم أجد ..
شتت نظري إلى الغُرفة فرأيت إناءٍ مُلئ بالماء ويُخالطه بعض الدمّ وبجانبه أقمشة بيضاء استخدمت كماداتّ!
لقد كُنت محموماً البارحـة، بل وتفتقت جروحي مرةً أُخرى،
هذا ما جعلني أهذي بصادق و مهتاب،
هذا ليس هُذيانـاً ولا حلماً، فقد تكون رسالة من الربّ حتى أطمأن عليهما.
اليُوم الثالث منذ آخر مرة تلاقينا بها.. اليُوم يومنا المُنتظر للقاءٍ آخر!
أعلم أنهما ينتظرانني على أحر من الجمّر، ويعدا الدقائق لقدومي الذي تعهدت به، أعلمُ أن صادق ينتظر منذُ أن بزغت شمس اليُوم التي بدأت ساعتها تطرقُ التاسـعة..
وقفتُ!
ثم انحنيت قليلاً بسبب صلبي لظهري بشكل سريعاً مما جعل جراحي تشتدُ.
بقيتُ هكذا مُنحنياً ما يُقارب الدقيقة، رافعاً رأسي رويداً رويدا،
وكأنني أتغافل الجروح حتى لا تصُرخ بي مرةً أُخـرى !

في هذه الأثـناء .. دخل "يوحنـا" ودخل معهُ الخـوف مرةً ثانية، ربمُا كان هذياني منذُ قليل سيتحول إلى حقيقة !
وهل كان تنبؤ بالمستقبل القريب جداً ؟

تقدم لي قليـلاً: الحمدلله على السـلامة يا ...
ما كلت لي أسمك؟

والله هو الحوار نفسهُ!
لقد كُشفتَ يا آلن على يد قسيسك،
لقد "كبيت عشاءك" أمساً في إناؤه وسط هذيانك!

نظرت إليه ورأيته يرتقب الإجابة.. أجبته بريقاً ناشفاً: آلـن .. أسمي آلن!

نفسه الحوارُ يدور ولكن دون مائدة إفـطار!
هذا هو الشيء الوحيد الذي بدأت أرى الأمل من خلاله،
نعم!
حلمي لن يتجسد واقعاً أبداً.

تحدثَ مرة أُخرى وهو لم يرى ارتباكي ولون وجهي المخطوف وعيني الملقية نظرها أرضاً إلا وجـعاً ضمن سلسلة الأوجاع التي أتيته بها: تعال وياي نصـلي!
وبعدها نفطر

سأصليّ معك .. ورب الصـلاة سأصليّ، ولكن أعفني من إفطاراً يُعيد لي كابوساً للتو أرتحل!
***
أحس روحي غريبة بلايا ديرة!""
هكذا نطقتُ بعدما سألني ابن أخي عن صمتي المُطبق منذُ ليلة البارحة..
نعمّ .. أصبحت بلا "ديرة" وكأنني لا أستوطن أحد مناطق بلادي!
ولكنه لا يعلم أنني بقيتُ بلا "قلب" بعد ليلة البارحة،
تجددت جروحي وعادت بي الذكرى بسبب أثنين جنا معاً على تلك الروح وجددا أوجاعها ..
ليتها تعلم معنى اتصال من زوجها يُنير هاتفي!
ليتها تعلم معنى ربكتي عندما سألني صادق لما لم أقطع رنين هاتفي بالرد عليه!
ليتها تعلم معنـى أن تتعلق روحك بأملٍ بصيص ثم تأتي لموعد أملك .. فتجد الرد منّ مَن شاركت ذلك الرجل، لا هو!
ليتها تعلم أنني سلبت منها روحها وهي لا تعلم .. ليتـها تعلم!

فقد سرقت منها واحداً ثم ألحقته بالآخر .. سألت صادق عنهُ : صادق،
ما تعرفُ خبر عن آلن؟

تحدث ابن روحي والهم بادياً على وجهه: ما أعرف ..
كالي إذا جاء اليُوم الثالث وأنا ما أجيت، وقتها يا مُعتقل يا شهيد.

هذا ما جعلني أشهقُ الموت .. وتُعاد لي صورة استشهاد أبني علي مع أخي كـاظم،
فمنظر الدمّ المُراق التي تتخطاه قدامي ذاهبة إلى فلذةُ كبدها بعدما تشبثت دماءه بحذائي وتُغرق قدميّ..
رفعتُ رأسه عن الأرضِ مُحيية في روحي أملاً صغيراً عندما أضعُ رأسي على صدره فأسمع صوت نبض قلبي القـوي وأظنُ أن هذا النبضُ خارجاً من ذلك الصدر الصغير!
رفعتُ يده ولم أستطع أطلاقها خوفاً من سقوطها أرضاً وأعلم حينها أن النبضُ .. نبض قلبي الملتاع لا قلبه!
نظرتُ إلى عيناه التي مُغلقة نُصف إغلاقٍ .. فعوّلتُ الأمر إلى أن عيونه كباراً ونُجلّ، هكذا في منامه تبقى شبة مفتوحة لا عيون شهيد!

كنتُ كأسيرة رأت والدها بعد طول غياب، فلما أطلق سراحها الجيشُ تقدم شوق والدها إلى منطقة محظورة فقُتل قبل أن يستقبلها وقبل أن تودعه!

كنتُ كامرأة منعوها من لطم الخدود وسكب الدموع، وليتهم منعوا الحياة من لطم روحهـا التي باتت لا تشعر إلا بالغياب.. وتأتي إلى مآتم لا تنتمي إليها حتى تُجدد البُكاء الذي أصبح لها عادة وتشارك به البواكي!
كُنت زينب التي مُنع منها البُكاء في جادر أخوها وأبنها .. كُنت زينب التي أخرجوها من بيتها في عزاءِ زوجة أخيها الذي جدد في قلبها ذكرى جادر أخيها وأبنها.. أخرجوها حتى تحتضن أبـن أخـيها الذي أصبح بلا أب!
ليتهم يشعرون بي كما شعروا به،
ألم يعلموا أنني أمٌ بلا ولد!
ليت سنين عُمـري تعود وأعُوض كل حديثاً سبقته بـ ليت!
***
خرجتُ بعد ما مللتُ صمت عمتي، وسط غياب آلن المُريبّ،
مـهلاً يا صادق .. للتو ابتدأ صباح يومك الموعود!
فقد تبقى لك من الانتظار ظُهراً وعصراً ومغربٍ وعشاء .. بل حتى صلاة الفجر من اليُوم التالي تُعتبر مُكملة لليوم الثالث!
ربّ لا أسالكُ رد القـضاء ولكن أسالك اللطفَ فيه..
أدرت رأسي إلى الوراء سامعاً ضحكات صاخبة تخرجُ من البيت لم تكنّ إلا ضحكات مَهتاب التي لم أراها اليُوم!
عُدت والفضول يقودني إلى معرفة سرّ ضحكتها الرنانة التي لا تنقطع إلا بسبب شهقةً أُخرى تستنجد بها قصيباتها إلى الهواء .. ثم تعوُد ثانية إلى ضحكاً أعمق وأطول من سابقه!

دلفتُ البـاب بعدما نبهتها لدخـولي فإذا بها تستبق لدى الباب وضحكتها للتـو ابتدأت من جديد : صادق دخيل ربك، باوع يلبق لي!

فلم أرى ما تُشير إليه.. إلا لباساً فضفاضاً يُســمى "دراعة" لونها زيتيّ ويـعلوها حجاباً أبيض!
ما المُضحكُ في الأمر، لا أرى سبباً لضحكها وابتسامات عمّتي التي تتخللها ضحكات قصيرة، يبدو أن هذه الفتاة لم تعتادُ على لباسٍ كهذا فأنا لم أراها إلا بجلبابها الذي تُخفي خلفه بنطالاً !

انتشلتني من تأملاتي: جني دولمة!

صخبت ضاحكاً مشاركـها بسبب تشبيها الأعمى الذي قرنت به لون لباسها بلون أوراق الشجر ..
ما هذه الفـتاة العجيبة، التي تغرقُ عينيها بسيل الدموع، بسبب أمراً تافه كهذا ،
أ تراها تضحكُ حتى تدمع بسبب تشبيهً لم يكن في محله!
وماذا لو قالت إنها شبيهة الدولمة!
هل تراه أمراً مُضحكاً لهذا الحد، ولما ضحكتُ خلاف حديثها ؟
لقد جُننت كما جُنت هي!
***
آن لي الرحيـل،
فأعلم إن هناك من يحسب الدقائقَ بانتظاري!
يريدون منني خبراً عن آلن، الذي توقعوا أن قدومي إلى ديـالى لن يحين له العـودة إلا بـآلن،
ذلك الغائب الذي لم يجد أبي له أثراً، كما بحثتُ أنا أيضاً !
فبحثـنا لن يكون إلا بحثُ أعينٌ عن إبرة في وسط قش، أخافُ أن اسأل عنه وأفتح عليه العيُون ويعتقل بسببي، ربمـا وجد له مختبئ ولا أريدُ أن أنبشُ وراءه وأكشف مكاناً جاهد على أن يلقاه وسط جروحه وزوبعة تسكن عقله لا تفتأ بالرحيـل أبداً .. فتلك الزوبعة الجنونية لم تكن شبيهة إلا بدموعِ رجلٍ فقد أغلى أبناءه فكلما سلى ونده لأبناً آخـر خانته الأحـرف تُسطر على شفاهه أحـرف الأول .. فتذرف الدموع وينتهي الطلب .. فلا حاجة له بابن سماه باسم أخيه!
هذا حالُ آلن .. عندما يسلى قليلاً مُخففاً عن روحه وجعاً وهماً وما أن تّذكر أحداث السقـوط فينقلب ويتعهد بأخذ الثأر لروحه بشكل غير مبـاشر!
فكلما سلى عن أهله تذكر رئيسه سبب رحيلهم، وكلما سلى عن رئيسه تذكر السقوط الذي أودى به للهاوية!
لعلُّ مخبأه يُسليّ روحه قلـيلاً عن هذه الأمور ويعود خالي الذهـن.. سليم البصر والبصيرة!
قدمت أمي بالغداء لاحقةً بها ملاذ التي ما زالت تُحلل أحداث الكارثة التي وقعت على رأس صُحبتي!

لا تفتأ عن أسئلةً تُمزق روحي وتنثرها أشلاءٍ أمامها : أكول حمود،
لهسه ما عرفت مكان آلن!
بلكي متخبي له بمكان قريب.. دورت عنه بالمزارع ياللي بالخان أو ديالى أكيد يكون هناك.

أجبت تساؤلها: مـلاذ عفية كافي!
والله لعبت نفسي وداخ رأسي وأني أدور عليه، ثلاث أيام وأني ألف ديالى كلها ما لكيت له أي أثر،
تريدي أسال الناس علمود تعتقلوه؟

تحدثت هي البلسمُ والأخت الندية: يووه حمود اشبيييك؟
لا تضوج!
ما تكول انه سَبع، خلاص السبع يدبّر حاله، تعال تغدى.

نزلتُ من الكنبة أرضاً حيثُ سفرةً قصيرة يتقابل عليها أمٌ وبنيها، وسط غياب زوجها في محله الذي بات محل استخبارات يبحث به عن آلن من الزبائن الذي "يموُن" عليهم، ومن إرسال العامل في البحث عن من رافقه إلى خان بني سعد منذُ ثلاثـة أيام.

تحدثت أمـي: دتروح اليوم أربيل؟

أومأت برأسي بمعنى نعم.. وسط تساؤل ملاذ: وين هم ساكنين؟

أجبتها بتلقائية: شـقلاوة!

عادت الحديث برجاءٍ : دخيل ربك دروح وياك، دنشوف حجيه زينبّ،
دخلت قلبي من أول ما شفتها ، وهميـن دشوف مَهتاب!

قاطعتها أمي ناهيتها مُريحتني من غضب تلك الصُغرى التي لا أجرؤ على غضبها : لا ماما ، شيوديج هناك.. بعدين أربيل بعيد، محمد وهو زلمة مالي مكانه أخاف أني عليه من الفوتة والطلعة من هنانا تريدي أعوفج أنتي .. لا ماما ما أكدر دخيلج!
***
ضحكَ صادق على "الدولمة" التي وصفت بها نفسها، اعلم إن عقله لا يتجاوز اللون الزيتيّ .. تمنيتُ لو إنه رأى الدولمة من جهة أخرى..
ماذا لو رآها بقدهـا الميّاس الملفوف بالدراعة!
ماذا لو رآها أجمل الجميلات بعينه؟
والله لن أتوانى في أن أخطبهما لبعضهما من نفسي
أتسنى عودة آلن فقـط .. حتى أفاتحه بهذا الموضُوع ليقنع صادق!
أعلمّ أن ابن أخـي لن يقنع أبـداً .. إلا عندمـا يحدثاه آلن أو محمد،
ولكنني أستحي من محمد كيف لي أن أفاتحه بموضوعٍ هكذا يجلبُ للمرأة خجلها حتى لو كانت تطرق بابَ الخمسـين .. لا خيار ليّ إلا آلن!
بحثتُ عن مَهتاب التي تكرمت اليُوم بغسل أواني الغداء، فهي أجادت دور بنتُ الأهواز عندما طلبت مني عُصبةً سوداء تربطها على مقدمة رأسها ولكنها لم يزيّنه بشـعرها، فوجود صادق يلزمها بالحجاب يحدّ من دورها الذي تضحكُ هستيرياً بكل خطوة تخطيها.
دخلتُ المطبخ فلم أجدها !
وخرجتُ من باب آخر يخُرج للدور العلوي، فأرى أمامي خمسة غرف،
غرفتي تتوسط غرفتيّ صادق ومَهتاب، بينما اثنتين منزويات قليلاً واحدة وجدتُ بها أشياءً تعود لآلـن والأخرى فارغة!
ذهبتُ إلى غرفةً شعّ النور من خلالها يُخبرني بوجود صاحبتها، دخلتُ فوجدتها تخيطُ جوانب دراعتها الزيتية "الوحيدة": ولج مسودنة اش دتعملي؟

أجابت بعدما رفعت رأسها بابتسامٍ قليل: ما أعرف أمشي بيها هيج كاملة،
كطعت جوانبـها هيج مـثل الجلباب،
عشان أقدر أتحرك كثير بالبيت بدون جلباب يخنكني! "يخنقني".
تعرفيّ زينب لوما ولد اخوج حبّاب جان طردته عشان آخذ راحتي، بس فدوة لقلبه حبّاب وخفيف نفس وظل هميّن . . .

هذا ما زاد اصراري لما عزمتُ عليه، فيبدو أن مَهتاب لا تستسيغ أحدٍ بهذه السهولة، ولا تُبدي كامل إعجابها بشخصٍ ما ، فقط تكتفي بقول "حبّاب".
أعلم أن مُفردة حباب في قاموس هذه الفتاة تعنيّ دواويـن ومعلقات الشُعراء التي كُتبت لمي زيّادة!
***
صليتُ معه صلواتٍ عدة!
بُت لا أُحصيها، صلاة شكر، صـلاة نجاة، صلاة خَلاصٍ، صـلاة حمد.. ثم تتابع الصلوات خلفها ..
أشكُر الربّ أن طقوس عبادتي تتجسد في مثولي أمام نجماتٍ بصليبي،
وإلا صُلب ظهري وتورمت قدمّاي كما يفعل عبداً "مسلماً" عندما ينوي صلاة التراويح للمرة الأولـى، فيقف خلف أمام يقرأ طوال السُور في ركعة واحدة!

وضعتُ يده على كتفي: موعد الزوّار، أدخل.
هذه الكلمات التي تلت صلاته .. فقط!
لا أريدُ النّوم حتى لا تزورني أحلام اليقظة والحُمـى، فالهذيـان بسرٍ لم يعد سر وحده مرض!

دنُوت منه: أبونا،
أني أريد تأمن لي روحة لـشقلاوة!

نظر إلي: وليّش شقلاوة؟

عليّ مجاراته حتى أحصلُ على مُرادي: أهلي هناك بشقلاوة، أبُوي يشتغل بأربيل!

صدق ذاك الحليمُ كذبتي، وأنا أستغفر الربّ .. فهذا القسّ لا يجوُز الكذب عليه في أي حالاً من الأحـوال، فهو من التابعين لتلاميـذِ يسوع!

تحدث مُخبراً: أسمع يـا آلن .. أني جاني خبر أن القوات تطارد ولد مفجّر بجُند،
وعرفت منهم أنه باقي بـديالى، وجروحكَ شككتني بيك!
إذا انته نفس الولد خبّرني وراح أساعدك .. والعذراء بساعدك.

زادت مخاوفي من هذا القسّ الذي بدأ "يحشر" نفسه بأمرٍ لا يعنيه!
يبدوُ أنه حزيناً على أولئك الجُند الذين بقيت صُلبانهم الحديد لم تحترق،
يبدو أنه بائساً من قتل مسيحي العراق لمسيحيّ الاحتلال.

أومأتُ برأسي بمعنى لا : أني مالي بالأمور هاي!
أني شـارم حالي من بنايـة شارد من أهليتي، عمـيّ انته ما قصرت وفضلك ما راح أنسـاه .. تريد توصلني شقلاوة لو أدبر روحي؟ "شارم= أوقعت".

تحدث القسّ وكأن تأنيب الضمير غزا روحه، عندما ظن بي السوء "كما يرى"، وربما حزنه على وضعي الذي جعلني أُسقط نفسي من فوق بناية سبب ذلك : خـلاص ولا يهمك ، انته تريّح عندي الليلةّ علمود جروحك ما تعورك مرةً لُخ!

لقد كسبتُ وداده ثانيةً، عليّ الصبر إلى غدٍ حتى أضفر بمأمنٍ يوصلني إلى شقلاوة بسـلام..
***
السادسة مساءً .. قدم مُحمد إلى شـقلاوة مما جعلني أهرع إليه مستقبلته قبل صـادق: هلاو محمد، شلونك؟

أجابني وهو يُنزل نظارةً يُخفي خلفها عينانٍ بلون الليلِ الذي بدأ يُخيم في الأجواء: هلاو بيج!
شاكو ماكو؟

أجبته وأنا أسيرُ بنفس خُطاه إلى الداخل : على حطة ايدك.

تقدم صادق منذُ أن راءه : ماكو أخبار عن آلن؟

توقف الآخر .. ناظراً لي ولصادق: أني اللي مفروض أسألكم،
مو كلتوا اليـوم يجـي!

تحدث صادق: بلا، بس شمدرينا وينه؟

مُحمد والخوف يتسلل إلى قلبه: لعد وين راح؟

ثم دخلا إلى المجلس مُكملين حديثهم .. تركاني خلفهما حتى أعود أدراجي إلى المطبخ أُقدم له واجبة الضيافة والصبر والأمل بدا يتشبثا بشيء قليلاً في روحي..
***
تحدث صادق فاقداً بعض صوابه: دخيل ربك انته بتجنني!
كيف تكولي ما لقيته، يعني وين راح؟
هو أكيد ما طلع من ديـالى .

تحدثت وأنا أهدي من روعي وفزعي على أخَ دُنيـاي قبل أن أُهديّ صادق: على كيفك صادق،
إن شاء الله ماكو إلا الخيــر، وتعرف آلن زلمة قد حاله، ودام طلع أسمه مع المطلوبين معناته ما أُعتقل ولا استشهد .. فهمان علي! "على كيفك = مهلاً"

أومأ برأسه شارداً .. والأفكار تُشرق به ثم تُغرّب، أعلم مدى تخوفه على آلن، وعلى الحياة الجديدة الذي لم يتكيف بها ، لقد ألتزم الصمت ورضي بوضعه بحكم أنه "رجل" في منزل تسكنه امرأتين!
يجب أن يتعايش بسببهنّ، لا يسخط ولا يجزع من وضعه حتى لا تشتلي أحد النساء بوضعه وتحسُ بالخطر أيضـاً.

حادثته بشيء من اجل أن يحتاط : صادق،
عمتـك وياها مُوبايلها ؟

ألتف الآخر التفاته كاملة ناحيتي: شتريد؟

تحدثت وقت دخول مَهتاب: خلها تقفله، شي وارد يراقبوك من خلاله!
لا تنسى إنها عمـتك فحتى هي تتراقب.

تحدثت مَهتـاب قبل صادق جازعـة: لا دخيلك شو هاي دتراقب،
لا ما عليك بيها أنا الحين أقفله واشرمه همين!

ابتسمت على ذلك الخُوف الذي تجسد بنظراتها قبل لسـانها : وينها عمـتج؟

تحدثت وهي تميل تسكبّ لنا الشـاي: بمـصلاها ، دتنظـر المغرب يأذن.
- ثم وقفت- إذا عازكم شي صيّحوا علي! "عازكم= احتجتم" ، "صيّحوا = اندهُوا ".

خرجتّ مَهتاب وبدأ حديث صادق من جديد : أني دروح وياك لديـالى!

لقد جُن!
أ يذهب وهو مطلوب للقوات التي نصبت عشرات الحواجز بين ديالى وشقلاوة ؟: إذا انته عايف روحك عمتك ما عايفتك، مالها غيرك بهاي الدنـيا،
شكد كلت لك آلن قد حاله ولا تخاف عليه!
ليش انه متضوج هيج ؟
***
صعدتُ منادية لها : زينبّ،
عميمة وينج؟

تحدثت وهي تخرج من غرفةِ آلن مكفكفة دموعها: هاا عمتي، شتريدين ؟

هرعتُ إليها مُسرعة: اشبيييج ؟ ليش هالدموُع!

تحدثت وهي تُدير وجهها جانباً حتى لا أرى بريق الدمع يحرق وجنيها : لا ماكو،
بس اشتاقيت له!
***
لا تسألي القلبَ لما حنّ، لا تسألي الجفنَ لما أبتلّ.
لا تسألي وتُريقي جروحاً دامية للتو توقف جريانها في ثنايا الروح!
الشُوق يا مَهـتاب مُضني، كيف وأن كُنتي تشتاقيّ لأثنين وتجسدي الشوق لرجل واحد!
تُحبي الولد وتدلليه وتسامريه وتبالغي في حبه!
ليس لأنه ولداً ، أو لأنه "خطيّة" كما وصفته، بل لأنهُ ابن أبيه،
أبوه الذي جنيت عليه، وأذقتهُ المُر من كأسي، ورشحت زوجه الغُربة ولم يتوانى عن الرحيــل الموجع الذي ظن انه سيغادره الألم حالما غادر هذه الديار!

تحدثتُ إلى مُجددة الجراح فيني : ماما ، وين صادق؟

أجابت وهي تتفحص تلك النُجل الدامعة: عند محمد، تركتهم بروحهم تحت!

أسرعتُ خطاي ذاهبةً إلى أبنائي المفقودُ ثالثهم، مستنجدتهم، وطالبة منهم الذهاب وعدم العودة إلا بثالثهما، وحده من يستطيع إطفاء نار الالتياع التي بدأت تضرم في روحي منذُ يومين.
وحده من يأخذُ روحي من سعيـرها إلى صقيعاً بارداً ، يجعل قلبي يقرّ برؤيته!
لطالما وسدتهُ أحضاني، سارحة بأحلامي إلى بعيداً مـضى يُجدد ذكراه آلن كُل ليلة!
أُليس آلن شبل .. فالشبلُ من ذاك الأسـد!

دلفت الباب المُغلق : السـلام عليكم.

وقف مُحمد مُقبلاً رأسي، وسط تفسح صادق لي بجانبه : تعالي،
وينج من اليُوم، ولج والله فاقدج!

ضربتهُ مع عضده بعدما جلستُ بجانبه: لا تكول ولج!
ما أصغر عيالك أني.

ضمنّي جانباً إليه : محشومة عميمة، ولج أنتي تاج رأسي.

وسط غضبي "المفتعل" وضحكات مُحمد الصادقة!

تحدث إليهم ونظراتـي تنتقل بينهم: حبايبي دخيل الله أريد منكم تجيبوا لي آلن،
والله ما يهنى لي نُوم ولا أكل وهو بعيد عن عيوني.. ولك والله ما أكدر على بعاده!

تقدم محمد الذي لم يزل في وقفته عندما حيّاني، جلس أمامي: واللي خلقج أني ما خليت مكان ما دورت بيه،
تكرم عينج يا أم عـلاوي ، بس أرجع ديـالى ولا أرجع إلا بيه!

أعلم صدقه، فهو الوحيد بينهما الذي لم ولن يكذب: بصـلاة محمد؟

تحدث بابتسامة: أفا عليج زينب، تحلفيني.
- ثم أمسك بشاربٍ يُزين ذلك الوجه الرضيّ : وهي مسكت على شواربي.

قبلت رأسه القريب مني: الله يرضـى عليك، ويخليك لعين ترجيـك .

وقف بعدما رنّ هاتفه: ألو.. هلاو بيج.. لا جاي عالعشـاء.
- ثم أغلق هاتفه- : هاي أمي تنطرني ع العشـاء،
تريدون شي قبل أروح ؟

أمسكت بيده القريبة منيّ حيث جلستي وسط وقوفه: دخيل الله ما تطول علي ، الله حافظك يُمـه ..

كل هذا وسط نظرات صادق الصـامت وما أن خرج مُحمد لحق به،
يبدو أن ابن روحي بدأ يُخفي علي أمراً !
مهـلاً .. يا صادق، ما يُخفي قلبك سوُف تبوح به عيناك التي بُت تصدُ بنظراتها عنيّ!
***
وقف القسّ مع رجـلاً يُدعى مسـعود لا أعلم ماهية الأمر الذي طلب مسعود له ، ولكن يبدون أن الأمر مُتعلقاً بـي، أو بالأحرى بطريقة وصـولي إلى شـقلاوة بعدما أوهمتهم أنني فاقد إثباتي قبل سقوطي من البناية!

كان القسّ ومسعود يتحدثا جانباً بين أحد الكراسي التي تُزين الكنيسة،
بينما أنا كُنت أنا في الواجهة الرئيسية للكنيسة.
شتتُ نظري في أنحاء الكنيسة بعدما سُلطت عينيّان مسعود ناحيتيّ،
رجلاً غليظاً شديداً، قوي البُنية، وسيع المنكبين..
يملك حاجبان عريضـان مرسومان بدقـة، تحت عينان يُقدر حجمهما بحجم فنجان القهوة!
كل هذا كان مُلكاً لرجـل حنطي اللون مائلاً إلى السـمار القاتم قليلاً.

أدرتهم ظهري متوارياً خلف السـتار الذي أصبح مأواي لثلاثة أيام!
***
الواحدة ليـلاً ..
رحل مُحمد باكراً، وسط خلود عمتي للنوم بعده بساعتين.
لم يتبقَ إلا أنـا .. خجلتُ أن أطرق الباب على مَهتاب حتى تُسامرني!
رغم إنها بدأت تتأقلم مـعي، وسط تعديلها لموديل دراعتها عندما قصتها مع أطرافـها حتى تُصبح جلباباً أخف من جلبابها الأساسي ..
وسط مواراة ساقيها بقُماش أسـود، عجيبةً تلك الفتاة والأعجبُ روحـها التي لم أجد فتاةً بهذه الروُح رغم المصائب التي وقعت بـها،
فلك ان تتخيل فتاة في منتصف العشرين تخرج من بلدها لحلماً بسيطٍ جداً وثم تُعتقل وتُحرر وتقاد إلى معقلاً من نوع آخر،
لقد ظلمها آلن كثيـراً .. ولم يأخذ رأيها بأي شي.. فقد رسم حياتها كما يريدُ هو وسط صمتها المُطبق .. لا أعلم هل هو طاعة مُطلقة أو تبلد أعمى.. أعمى بصيرتها وقلبها حتى جعلت ذاك الآلن يُسيرها حيث أراد، ويختار لها أسماً غير أسمها.. وأرضاً غير أرضها،
فلم أرى منها إلا الابتسام والمرح اللطيف، حتى اعتقالها لم تعلق عليه كثيراً، ولم تبكي ولم تنوح ولا تبوح!
عجيباً أمر تلك الفتـاة..

لمحتُ شخـصاً موليني ظهره مـاثـلاً على كُرسي متمماً لثلاثته ثم تتوسطها طاولة خشبية، تقع بين الأشجـار، فعنّ يمينها زيتون وعن يسارها ليمون!
رائحة الليمون المُنعشة من جعلت هذا الشـخص يقعدُ حتى مُنتصف الليل في المزرعة!
لم أخف من هذا الرجل، لأنني أعتدت وجود الحـارس الذي يعمل فلاحاً في نفس الوقت!
فهو يحرس المزرعة الثانية ولكنه لا يطيب له السمر إلا في هذه!
وقد استأذنني للسـهر بها .. فأذنتُ له، علّه يسـامرني حتى عودة آلن.

تقدمت إليه ولكنه لم يكن ذلك الفـلاح.. إنها مَهتاب.
تلك التي قطعت حبل أفكاري التي تدور حولها !
تقدمت جاراً قدماي خلفي حتى تسمع قرعها في الحجر وتعدلُ حجابها،
حتى لا تخجل عندما أفاجئها بقدومي ويحد ذاك القدوم من الترابط الذي حصل بيننا في هذه الفترة.

تحدث بعدما رأيتها تُدير لي وجهها : شو مسهرج للحين؟

أجابتني وهي تنظر إلى مدخل المزرعة الذي خلفي: انتظر آلن،
ما كال يرجع اليوم ؟

جلستُ مقابلها: إلا اليُوم يرجع .. يارب.

عاد الصمتُ بيننا لا يخلو من أحاديثٍ قصيرة تبدأها مهتاب وتموت الأحرف عندما تخرج من فمـي .. ونصمت حزناً أمام ضريح الأحرف المحتـضرة!
***
الساعة الخامسة فجراً ..
قدم إلي القسيس مودعاً : العذراء تحميـك.
حضنته شاكراً ومودعاً .. فقد طاب لي الرحـيل!
لقد طابت لي الحيـاة وابتسمت في وجهي الذي لطالما صفعته بكلا يديها،
قدمتُ إلى ذلك المُسـمى بمسعود مُصافحاً: هلاو بيك.
وسط صمتاً مُطبقاً منه.. فقط شدّ على يدي إلى أن بتُ أشعر بتلاحم أصابعي مع بعضها البعض!
ركبتُ في مكان الراكب .. بينما تولى مسعوداً القيـادة.
صمـتاً مُطبقاً يخنقني لا يخلو من صداعاً يتسلل إلى رأسي بسبب عزوفي عن التدخين خلال تواجدي في الكنيسة!
لا أحمل بكتٍ يُهدئ أعصـابي، ولا أرى غلظة مسعود إلا حاجز يمنعني عن طلبه ذلك ..
فقد أكون وقتها "طـرار ويتشرط".

ولكنني صدمتُ عندما تحدث وكُنت أضنه لا ينطق! : تريد زقارة؟

من الذي أخـبره بذلك .. حتى يوحنا لا يعلم أنني مُدخنٍ شره .. بل لا يعلم أنني مُدخناً .
تناولت منهُ السيجارة الممدودة، ثم أعطاني بعدها القداحة التي لم يكن جيبي يخلو منها ..
ولا أعلم أيضاً أين وقعت!
هذا ليس مهمّ، الأهم كيف سأعبر حاجز بعقوبة وهوية ظاهرة لهم هكذا.

سألته وأنا مُضطر على السؤال، نظرتُ إلى حاجباه المعقودان وسيجارة تتوسط شفاهه وعينان مُحدقة
في الطريق: مسعود،
كيف أبقى هيج وحاجز بعقوبة كدامي؟

أجانبي ونظرته لم تتزحزح من مكانها، وحاجباه في نفس انعقادها : دامـك ويـاي لا تشيل همّ!

كيف " لا أشيل هم" وأنت أساس الرُعبّ!
لم تكنّ مسعوداً في يوماً .. بل كُنت رعباً تجسد في كيـاني وأستقر.
كيف سأمر بحواجز الاحتلال العشرة دون إخفاء هويتي..
لن أبقى هكذا، حتى ولو كان هذا رجلاً جلبه لي قسيساً به رحمة وعطفاً على أتباع دينه!
لن أبقى هكذا، حتى ولو كان هذا الرجل مسيحياً .. لن أبقى في مأمن ما دُمت معه.
هل سيبرر وجودي بجانبه لأحد الحواجز أو سيساعدهم بتعليق مشنقتي؟

صُدمت عندما رأيته ينحدر من الطريق الرئيسي إلى آخر صحراوي، صرخت به وأنا أحسُ حـياتي أصبحت في بيرٍ لا قاع له : مسـعود .. دخيلك وين دتروح؟


أنتهى



مخرج الفصل الخــامس عشر

صبرج يا بلد صبرج
نقدم ارواحنا مهرج
لا تنسينا حنا علينا
داخل قلوبنا نصرج


×عبدالباسط ساروت×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:19 PM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مــدخل الفصل السادس عـشر
أعـاين على الديـرة من مسافات
بصير العين بس ايدي قـصيرة

×محمد العزاوي×



.
.
.
صُدمت عندما رأيته ينحدر من الطريق الرئيسي إلى آخر صحراوي صرخت به وأنا أحسُ حياتي في بير لا قاع لهُ: مسعود..
دخيلك وين دتروح؟

تحدثَ المُسمى بمسعود: اشبيييك يا رجُل؟
ما كايل لك دامك وياي لا تخاف، - ثم تحدث مجيباً تساؤلي- قبل كُل حاجز دننزل صحراء ومن نتجاوز الحاجز نرجع عالطريق العام، علمود ما نضيع همّين.

تحجج بعودته للشارع الرئيسي بسبب الضياع الذي رُبما يتوه به، وأنا أعلم انه سيعود للشارع الرئيسي حتى يطمئن قلبي أنه صادقاً في وعده ولن يغدر،
فالغدر في هذا الزمان مُخيفاً جداً ، خصوصاً بعد اختلاط الحابل بالنابل، وسط ضياع القوات العراقية التي بدأت تتلاشى وأخرى أميركية بدأت تظهر بشكل أكثر من سابقه فكل يوم يزيد تشبثها في أرض الرافدين، وأخريات وجدت لها طريقاً لتعُيث فساداً في أرضٍ حرسها سيدها سنينٍ طوال حتى لا يعم فسادها، يبدو أن سقوط سيد بغداد اسقط معه كل المبادئ والمحرمات التي يحذرنا منها في كل مجلسٍ يجلسه، فقد حرّم علينا قهر المرأة العراقية الذي لا يتفوه باسمها كما نناديها "امرأة" !
بل يقول لها "الماجدة" ويحيي نساء بلده بقوله "كل التحايا لماجدات العراق العظيم".
وما عاد في يومنا هذا لا ماجدات ولا عراقٍ عظيم يا سيّدهم.

نظرتُ إلى مسعود الذي لا يدل على مسيحيته إلا صليباً مُعلقاً زينة في المرآه الأمامية في سيارته!
كيف لمسيحياً أن يمضي بلا صليبٍ يرافقه ويحميه من آفات الزمان وفتنه التي لا تنتهي إلا وتلحق به أُخرى: مسعود،
وين صليبك؟

تحدث وكأنه يستغبيني: مخبل لو مسودن؟
تريدني ألبس صليب بوضح نهار بعقوبة، والله لأروح فيها قتل.

لقد خشيَ مسعود ما خشيته قبل بضعة أيام، يخشى إرهاباً شوّه صورة الإسلام، فلو لم أكن أعرف الإسلام من صادق ومحمد لحلفتُ ان الإسلام بُني على قتل وتفجير المفخخات وتهجير من لا ينتمي له!
لقد بزغَ هذا الفكر الشيطاني مؤخراً في العراق بسبب الأحزاب والعصابات التي نشرت وبائها بشكل سريع مجرد علمها بحدوث زعزعة في أرض الرافدين.
ليت تلك القوات كانت درعاً مؤصد في وجه الغازيّ!
لا سلاحِ يوجه رصاصته على صدور العراقيين بسبب عقائد ذاك المغدور ومبادئه.
***
صحوتُ وحدي، كما بقيتُ هُنا وحديّ!
كأنني لا أستأنس بوجود رجلٌ وفتاة بجواري طوال تلك الأيام الأربع الماضية،
رأيتهم يدخلا بعد أن قضى ساعة ما بعد منتصف الليل في فناء منزلنا الريفي، الذي أتت منه مَهتاب تكابد السهر باحثة في أوراق جريدة أودى بها مُحمداً في آخر كنبة وُجدت في الصـالة، فكانت أسماء أبنائي تُزيّن الصُحف في قائمة المطلوبين، هذا ما جعل مَهتاب تُصدم عندما وجدت أسم آلن يعلو بيته الذي حُجز للقوات الأميركية..

أتتني مُسرعة: زينب، الحين آلن ما ناطور؟
خرررب طلع هو صاحب البيت!

ابتسمت لها ضاحكة: أي هو صـاحب البيتّ، اشبييج ملسوعة هيج!

وضعت كفها على ثغرها وكأنها نادمة على ما قالت: يوووه، ما تدرين كم مرة عايرته وأكوله ناطـور..
– ثم اردفت – هو اللي كلتي لي أهله عافوه وهاجروا؟

أجبتها بنعم، وودعتني بعد ما أخذ منه السهر ما أخذ هي وأبن أخي حتى جعلهما يغطا بنومهما ويتركاني وحدي بعدما أنتصف صباحي أيضاً وجاوزت الساعة التاسعـة .
مائدتي أمامي، ولكن لن يطيب لي طعاماً وأنا وحيدة هكذا!
لم أصبح وحيدةً طوال حياتي، فمن بيت أبي وجوار أخوتي انتقلت إلى بيت زوجي، ثم عُدت مرةً أُخرى إلى بيت أبي بعد فقدي لزوجي،
ثم سافرتُ إلـى بغداد بعدما صدر تعييني مُمرضة في أكبر مستشفياتها،
في بغداد وجدتُ حياةً أُخرى، مغايرة لسابقها تماماً، لم أعش طفولتي أو صبايّ وشبابي بهذه الصُورة..
هُنا عُشت حياتي مُغامرة، مُغرمة ..
في بغداد وجدتُ طعم حياتي بلا قيود اقتادتني إلى بيت زوجي وأنا في الرابعة عشر من عُمري ..
في بغداد وجدتُ طعم الحُب الذي لم اتعلمه في الكاظمية، ذلك الحب الذي لم اتعلمه على يد زوجي!
زوجي الفـلاح المُناضل الذي يبني قصره الرئاسي بفأسه في بداية مزرعته مُنتظراً ترشيحاتٍ انتخابية تقضي أمره أي حقلٍ يبتدأ به يومه!
وأي فاكهة يقطفُ قبل، وأي شجرةً يحصد !
وأي محصولٍ يحرث.. هذه فقط حياته التي علمني، يخبرني متى مواسم قطف كل نوع من الفاكهة، ومتى تُقطف، وكيف.. وأين يبيعها؟
فأن أتى له موسمٍ زاهرٍ بالعطـاء، هو الموسم الذي يذهب به إلى بغداد حتى يبيع قطافه هُناك .
كان يأخذني بين حينٍ وآخر إلى بغداد العظيمة حتى أتأمل أشجارها المظلومة بسبب البنيان الجائر الذي حطمها ،
ذاك البُنيان الذي اراه ساعة ويظل حديثي لأهل الكاظمية حتى أعود مرةً أخرى بموسمٍ آخر لبغداد وأرى شيئاً آخر أعظمُ من سابقه وأتحدث به!
هكذا كُنت بسيطةً جداً مع ذلك الزوُج الذي لم يعرف من الحداثةِ إلا اسمها .. كمعرفتي ببغداد !
ذاك الزوج الذي لا يريدني زوجةً فقط .. بل يريدني ماسحة جوخ لهّ!
يراني عبدةً بين يديه، تفكيره وعقليته تعود إلى أحقابٍ ولت ومضت، وكأنه لا يعيش في سبعينات القرن الفائت!
لقد جُننت وأنا أتحدث عن ميتٍ هكذا !!
فالميت لا تجُوز عليه إلا الرحمة.. والحي لا يبقى كالميت لابُد أن يبحث له عن جليسٍ يؤنسه!

وقفتُ باحثةً عن جليس يؤنسني وأنا أنوي الذهاب إلى أبن أخي حتى أضعه في زاوية من التحقيق .. ماذا أراد بمحمد مساء أمس عندما فز من مكانه لاحقاً به ..
ما هو الأمر الذي لا يريد سماعي له..
لن تكبر .. حتى تُخفي على زينبك أمراً، فأنت ما زلتُ صغيرها المُدلل الذي دللتهُ مرتـان.
فأني أرى بك صادقاً ابن شقيقي مرةً!
وأرى بك علياً ضنى روحي مرةً أُخـرى ..
يحقُ لك الدلال يا صغير عمتـك الثكـلى..
يحقُ لك الدلال يا صغير عمتك اليتيمة، التي لطالما شاركتك بكاء الليالي فأنت تنعي أمك وأنا أنعي ابني..
فعلمتك الليالي أن تصبح ابن لي تُسليني ..
وعلمني الوفاء أن أُخلص لأبني الجديد!
فتحتُ باب غرفة ابني الجديد .. القديم، فلم تكن تلك الحدود قائمة بيننا حتى أطرق بابٍ يُخفي خلفه ولديّ!
تقدمتُ إليه وأنا أأكد كلام روحي قبل دقائق .. نعم انه أبني فهو يمتلك رموشاً كثيفة سوداء كرموشي.. يجذبك طولها الذي يرسمُ على تحت جفنه الغافي قصص اشتياق عُقدت في سنيناً ماضيه بيني وبينها ..
نعمّ!
كُنت أسامر رمشه إذا غفـى،
كُنت أهاديه حتى ينامّ وأبقى طوال ليلي مراقبة تلك الرموش التي تخفي خلفها جوهرتان زرقاء لطالما تعبت وظمأت ماءها الذي يُهدره كل ليلة على أمهّ،
ابن السبعة يعي الفقد جيداً، فهو ليس أول فقدٍ يتجرعه،
لقد هادته أمه في أيام استشهاد ابيه، كما هاديته أنا في أيام استشهاد أمه ..
قُدر له أن يشهد بُكى النساء ويبقى جرحاً في قلبه الصغير الذي لا يعي شيئاً سوى الفقد والوداع ..
لقد اوجعنا قلبه الفتي.. لقد اوجعنا عظامه عندما نشدهُ باكين الفقد الموجع الذي اصبح عنواننا بعد فقد أبيه..
فكلما دخل مجلس نساء احتضنته الأخرى بعد سابقتها ناثرة على أسماعه أسم أبيه ويلحق ذاك الاسم عويلاً لا ينتهي..
لقد أخبرتني ابنة أخي الأكبر أن صادق ابن الخمس سنوات يسالها لما تبكي تلك النساء على أبيه المُسافر للبصرة منذُ أربعة أشـهر .
شككن الطفل بكلام أهل بيته .. فهذا البكُاء الذي يحدث لا يكون على مسافر!!
قُدر له أن لا يحضر مآتم ابيه، فلم تُقصر نساء الكاظمية عن إقامة مآتم له بكل عزيمة تطرق أبواب منزل والدهّ أو أحد أعمامه!

قربت ثغري إلى أذنه: صـادق!
ماما يله كافي نومّ، يلا قوووم يكفي المصخمة اللُخ نايمة! "اللُخ = الأخرى".

تحرك في نومه متمللٍ من إزعاجي له: أم علاوي بسج إزعاج!
حرامات من هستوه نمت.

هززتُ كتفه : لا ما حرامات يلا، أريدك تفطر ويايّ،
لا تكسر بخاطر عمتك!

جلس ابن أخي والنُومِ يسطر ملامحه على وجهه وعلى عيناه الزرقاويتين، فقد تتلبد على عيناه وابلٍ من دموع النُعاس التي ما زالت تُقاوم يقظته!

تحدثُ إليه وأنـا أنهض: صادق،
أم ينال تكولي خبريني عن آلن، وموبايلي من أمس مُغلق!
أخاف يروح بالها لبعيد . . . .

قاطعني ابن أخي : ما عليج بيها، لو رايدته ما عافته!

مُحقاً ابن أخي بما قال، ولكنني أعرف عنفوان تلك المرأة الذي يلزمها الرحيل ولو تركت خلفها رضيع لا رجلٌ في منتصف عشرينياته!
كبريائها هو ما يجعلها لا تتراجع عن شيئاً فعلته، لطالما قررت أمرٍ بشأن أبناؤها وأتتني حتى أُمثل معها مشهدٍ أكون به وساطةً لذلك الولد الشقي الذي توافق أمه على وساطتي مباشرة وتقول " لو ما خالتك زينب جان ما وافقت!".
وهي موافقة قبل خروجها من بيتها ، ولكنها رسخت في عقل أبناؤها فكرة "مريم لا تتراجع !"
هذا ما جعل آلن يشابهه طباعها، ويعاندا الاثنين حتى تفرقا وكلٍ منهم ثابتٍ على ما آل إليه!
فقد بقيت قدماه متشبثة بأرض العراق، بينما هي ذهبت قدميها تبحث عن أراضٍ تتشبث بها .. فهذين الأثنين أن عشقا .. عشقوا حد الجنون!
لا يحلو لهم العشق العادي .. فأن عشقوا ماتوا عشقاً ..
نزلتُ مرةً أخرى مُنتظرة قدوم ابن أخي.

ذاك الرضيّ الذي لا يحلو له ان تبقى عمته منتظرة قدومه وقتاً طويل: صباح الخيـر يا أحلـى عميمة.

تحدثتُ بعدما رأيته يُقبل رأسي: وانته بخيـر حبيبي.

جلس مقابلي يسكب لنا الشـاي: اشعدج عميمة، ما عادتج تصحيني هيج؟

عرفتُ انني أقلقته، فقد عادت له الذكرى عندما أيقظته قبل عشرة أعوام حاملة معي فاجعة وفاة أخي الوحيد وعمه الوحيد الذي بقيَ لنا، فأنا عندما أيقظه دوماً أخبره بما اريد أن كان خبزاً أو نواقص المطبخ المُهمة!

للتو أدّكرت انها المرة الأولى بعد وفاة أخي أيقظه دون أخباره بماهية أمري، تحدثت مُخبرته أن لا
فاجعة هُناك ولكن بطريقة تليق بأبن الثلاثين عاماً: خلاص فوت نام، ما عجبتك الكعدة ويـاي!

رأيت ضحكته ترتسم وهو يفز واقفاً مُقبلاً رأسي: لج الحشيمة أم علاوي،
دتشاقى وياج ، يابا صحيني وكت ماتريدين فجر ظهر ليل أني تحت أمرج!

ما دُمت تحت أمري إذٍ أخبرني بخبرك أمساً : اش كنت رايد من محمد أمس؟
ليش ما تحجيت جدامي!

بعدما نظر إلى أسفل مُنزلاً كأس الشاي: ما أريده يدور على آلن بديالى!

أوجست منهُ خيفةً: ليش؟

أجابني وهو ينظر إلي: آلن كالي موعدنا ثلاث أيام بس!
وبعدها ما رح تلاكيني إلا بالمعتقلات أو شهيـد.

لم أتوقع ان ابن أخي يتمتع بغباءٍ فاحش! : ماما صادق، نكول آلن مُعتقل لو شهيد، ليش نزلوا أسمه مطلوب!
هاا ليش ؟
هذا معناه انه باقي حر ولا أحد عرف مكانه، اكيد يتوقعون ويـانا.

لقد اشغلت نوراً في صدر هذا الفتى الذي بدأ يؤمل على عودة رفيقه،
لقد ايقظت القلب النائم الذي توسد الفقد من جديد!
طرق الباب في وسط انشغال صادق بأفكار تغيّر مجراها عن ليلتها،

ووسط اشغالي به هو ، تحدثت ناظرةً إليه : منو يعرف البيت؟

تحدث وهو يقف: ما أعرف ..
آلن ما كال لنا أن أحد يعـرفه!
هو بيت صاحـبه، أكييد هو.

آلـن .. ذاك الرجل المُعتمد عليه في حضوره وغيابه، لا شيء هُنا يحدث دون أن يتخلله أسمّ آلن!
فالبيت مأمن من قـبل آلن، والوصايا التي يتبع صادق أوصاها به آلن، ومَهتاب التي خرجت من أسر الاميركان لأسر آلن !

سمعتُ صادق يهتفّ: ولج زينب رجع ولدج!
***
الطريق الذي كنا نسلكه أنا وصادق في ثلاث ساعات سلكتهُ مع مسعود في خمس ساعات ولم نصل إلى الآن فقط وجدتُ يافطة أربيل تأخذ قلبي إليها حيث مالت..
يا لطيبة قلب مسعود الذي يتجاوز كل الحواجز يظن أنني فقدتُ هويتي عند هروبي من جماعتي، لا يعلم أنه يحمل بسيارته من قلبت أميركا "العراق" عليه الدُنيـا ..
فهي تُريده هو .. وبالتأكيد إنها تُريد مَهتاب التي فُديت بالقائد المقتول!
فعندما قُتل راح من فداها ، وبقيت في معقلها ..

نظرت إلى مسعـود الذي يسألني أن كُنت اريد اربيلاً أو أحد اقضيته: أريد شـقلاوة!

تحدث مشاوراً ومخبراً بعض الشيء: بنروح لكنيسة الكلدان ومنها أرجع بعقوبة مع الطريق العام وأنته تتيسر لأهلك ..

هكذا اصبح وضعنا يا مسعود !
نغادر مدينة من خلال كنيسة وندخل الأخرى من خلال كنيسةً أيضاً ..
ها هو عراقنا الذي ربينا به يخوّفنا من غدر الصديق قبل عداوة العدو ويجعلنا لا نحط رحالنا إلا بالكنائس والمزارات !
ها هو عراقنا الذي علمنا في الصغر أننا أجيال المُستقبل، وهل هُناك مستقبلاً يا عراق حتى نكون أجياله؟
طرق عُمره بوابة الثلاثون وهو يبحثُ عن مستقبل ، يدخل في دهاليز الوطن ويخرج منها بعدما يُصفع على وجنتيه وتحط رحاله في كنيسة!
ابن بغداد التي نُردد نشيدها " أنا أم المآذنِ والكنائس"
أصبحت بغدادُ ثكلى بعدما تذابحت المناطق على ابناءها ثم ذبحوهمّ!
يا ليتُ قرع أجراس الكنيسة الباكي يخبر عن حال أبناءها،
ليت مآذن المساجد الحزينة تُشكو فعل أبناؤها الذين فجّروا مفخخاتٍ عند قبابها.
***
خرجتُ وأنا اقدم خطوة وأعود بالأخُـرى، لم أظهر خوفي أمام عمتي ..
ولكنني بدأت أخاف عندما كُنت وحـدي!
لستُ سيئاً حتى أخاف على نفسي، بل خائفاً على حُرمة امرأتين أوصدت الباب دونهما ..
فتحتُ الباب فإذا رفيقي يقف نصف وقفة مائلاً على الجدار،
دنوتُ من نصف روحي لتكمل روحٍ احتضرت أربعة أيام!
دثريني يا روحي الأخرى كما دثرت خديجة مُحمدها، وخففي عني روعـي!
دثريني يا نصفَ روحي من هموماً لم أستطع حملها وحـدي..
تعالي يا ايتها الروح وشاركـيني الهمّ ..
تعال يا أيها الرفـيق، تعال يا إيـها الصديق..
فزينبُك قد تعاهدت مع مُحمد على ان لا يعود إلا بك، تعال لنُخبر زينب سوياً عنك،
تعال حتى نُهاتف مُحمد أن يعود لنا فقد وجدناك ..

احتضنتهُ بعدما ساد الصمتُ إلا من ابتسامته الباهتة على شفاهه التي طالها شُحوب وجهه : أشتاقيييت لك .. ولك مسودن!

هكذا حيّاني .. كطباعه لا يتخلى عن "مسبّاتهُ " حتى وهو في حالة اشتياق: ولج زينب ، رجع ولدج!

استبقَ رفيقي الباب "المدخل" في بيتنا الريفي، باحثٍ عن زينب بعدما حررته من احتضانـي ..
لقد عاد آلـن ، لقد عادت البهجة والحيــاة..
لقد عاد ليُكمل صفوف المطلوبين بهذا البيت!
فلتنحني الحيـاة، منحنياتها التي تُريد، فقد وجدتُ سندي بعدما تخطفتهُ مني!

دخلتُ مُكحلاً عيناي بـه، فهو زينة العين بعد رمدِ : على كيفج أم علاوي، الولد معطوبّ.
قلتُ هكذا بعدما رأيتها تشدُ من احتضانه وسط بكاؤها المُنكبّ على صدره، لم تفتني وقفته المائلة قليلاً

يدو انه يُعاني من مشكلة في أحد قدميه: ولك كييف تتركني هيج وتروح ؟
ما تقول وراي أم علاوي تسأل علي!

تحدث الأخر وابتسامته "الغير معهودة" تطلُ مُجدداً: أروح اني فدوة لأم عـلاوي، والله حاولت أجي من اول ليلة فت ديـالى ..
الله ما كاتب لي إلا اليـوم ..

أفلتت نفسها من أحضانه، محتضنة كتفه الأيمن: تعال ماما،
كولي كُل شي صار وياك ، وين رحت، كيف نمت، جروحك كيف طببتها .
***
صحوتُ على ضجة أصوات غير معهودة على البيت الريفي الذي يحتضن بجوانبه امرأه وابن أخيها .. لا يصدر منهن ضجةً هكذا ..
نزلت أسـفل .. دلفتُ باب المطبخ فلم أجد زينب كعادتها عندما تتجاوز الساعة الحادية عشـر .. خرجتُ

مُتجهة إلـى الصالة، فقُلت مازحة وأنا اقترب من الباب: اشبييكم؟ ، اشبيج أم علاوي من صباح الله وصوتج يلعـ.......

بُترت كلمتي بعدما رأيت ثالثهما مُسلطاً نظرة علـى الباب..
ليس لأنه ثالثٍ بُترت جُملتي .. بل لأنه آلـن!
آلن الذي سامرت صاحبه مساء امس منتظرة قدومه بين الدقيقة وثانيتها ،
آلن الذي عاهتُ نفسي أن لا أخالفهُ برأي .. شرط أن يعود ..
ها هو عاد ويتـوسط مجلسهم كعادته، وزينب تحتضن كتفه وهو يقبل كفها بين الدقيقة وأخرها .. للتو أحس هذا الأرعن بقيمة زينب!
زينب .. التي ندهت وأنا غارقة في بحر ابنها الذي لا اعلم كيف أصبح لها ابن: اشبييج بلمتي هيج ؟
فوتي ما عدج أحد.

دخلتُ وجلست مقابلة لهما : السـلام عليكم ، شلونك آلن ؟
***
جاءت مُعذبتي في مقعدٍ يقابلني، يا لوقاحتهـا .. تتعثر أحرفها في فمها شاحه عليّ بها ،
لما تذهبين وتجعلين قصائدي شبه مقبـورة؟
ثم تأتين شاحةً عليّ بالوصال والحديث، لقد دفنتِ قصائدي التي جهزتها لكِ قبل ولادتـها ..
أين الوصـال الحيّ الذي تزوريني به كل ليلة!
كيف السبيلُ إلى وصالاً هكذا ؟
أين موقع حراستيّ .. أين قصـري التي تسكنين وتأتينني كل مساء تشكين من اختناقكِ وحدك وسط باحاته!

تخطت من أمامي مارةً : السـلام عليكم، شلونك آلن ؟

وما تضنين لوني ؟ وأنتي أمامي يا جوريةً تُزين أرض شقلاوة الصيفية : الحمدلله، وأنتي أخبارك خوما تأذيتي بسجنج؟

تبسـمت، ولا أعلم لما ؟ هل هو لذاكرتي المعمرة وسط الاحداث التي جرت إنها تُنسي الرضيع حليب أمه .. فكيف لذاكرتي المعمرة وسط غيابي الذي تبدأ موافقه اللا منتهية في كل دقيقة من دقائقه، أجابت بعد
ابتسامتها : الحمدلله، هم ما تأذيت بس أنخنكت من الحبسة ! "أنخنكت = انخنقت".
***
رأيتهُ كيف تغيّر ..
تغيّراً لا أحد يراه ولا أحد يعلمه سوايّ ، لقد كبّرته لياليه الماضية، أو عيناي لم تبصره إلا لتوها!

شبيهاً به .. يحمل ذاك الشعر الأسود الكثيف الذي بدأ يخالطه الشيب، تماماً كما كان ذاك حينها، وله عيـنان تبرق بنظرة حادة تقطع السيف الأصـيل من حدتها، وله حاجبان قُل ما تنفردان ..
هذا هـو قـاتلي الذي سعيتُ بقتله، فالقاتلُ يقتلُ ولو بعد حيـن، ها هو إلهي يقتص منه ويجعل أبنه متوسدٍ لكتفي حتى أُقتل في الثانية ستين مرة!

تحدث إليه بعدما رأيته يُنهي حديثه مع مَهتاب: تره محمد ما راجع هنانا إلا ليلكاك .. "ليلكاك = ليلقاك".

تحدث وهو ينظر إلى صـادقّ : اليُوم العصر نروح لأقرب كبينة ونخابره – ثم نظر إلي- إذا ناقص شي خبرينا نجيبه ويانا .

سبقتني بالحديثُ مَهتاب قبل ان أتحدث : د أروح وياكم .

تقدمّ آلن إلى الأمام مُحدقاً نظرة بها : وييين؟

دموعها تخالط أحرفها قائلة: أريد أخابر أهلي همين، من قبل اعتقالي ما خابرتهم!

تحدث جازماً : لا ، ما تدخابريهمّ .

وقفت غاضبة: وليش إن شاء الله؟

تحدث بعدما عاد إلى الوراء مُريحاً ظهره على الكنبة: لأنهم عافووج ولا سالوا عنج لا وكت سجنج ولا بعد ما هربـتي!
تحدث وهي مُمقتة آلن: على الأقل أهلي عفتهمّ بطـهران وأجيت هنانا،
ما عافوا البلد كلها لأني موجودة بيه!

ألقت كلماتها وخرجت!
كانت هذه المواجهة الأولى بينهم وانتهت بهذه الحدةّ، وليست أي حده فقد مسكت يد آلن التي توجعه،
علمت مني صباحاً أنه هو ابن آدم الذي هاجر مع أهله وفجرت قنبلتها بوجهه ظهـراً ..
خرجت كما أتت ولكن بعد هدوء سكن المـكان التي أتته صاخباً، سأنبهها لاحقاً أن لا تتطاول على أحد أبنائي بهذه الطريقة، لقد جرحت فؤادي قبل جرح هذا الولد الذي يُظهر عدم مبالاته وهو تتقطع أنياط قلبه نوطا نوطا ..

وقفتُ هاربة لا اريد أن أرى الخيبة تسكن ملامحه، ثم أمسك بيدي: وين رايحة؟
باقي ما سولفت وياج.

نظرت إليه وابتسامتي تُعيد رسمتها على شفتيّ : بعد عُمري والله، بروح أساوي لكم الغداء.
حرر يدي كعادته التي نُسبت لكل رجلٌ شرقي، ساوموه على كل شيء إلا على ما يملئ بطنه!
خرجتُ وأنا أسمعُ صادق يسأله عن جراحه وعن منامه وقدومه .. كيف أتى ومع من ..


انتهى


مــخرج الفصل الســادس عشر


عراقي اني ولقيت بعشرتك بغداد â‌¤
هم شايف عراقي يعوف بغداده ؟


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:25 PM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مـــدخل الفـصل السـابع عشر

أ شبَّانَ العراق لكم ندائي
ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى
ألستم إنْ نبا بالشعب خطبٌ
نضيناكمْ له قضباً حدادا
وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداً
وبعد الله بالنشء اعتضادا
لساني نافثٌ سماً وطبعي
يلطفُه فتحسبُه شِهادا
لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ
فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا

×الجـواهري×
.
.
.
.

لن تطول هذه المعاملة التي لا أجد نفسي بها إلا بلهـاء، تأتي من لا تربطها صلةً به، المُـسماة عمته حتى تنهرني عن ما تفوهت به!
ألا تعلم تلك العمة أنه جلمود لا يهتم لما قـيل، ولو أهتمّ هل سيجدي اهتمامه؟
هل سيعود لأهله ؟
هذه مرت ستة أعوام ولم يهتز له طرف باكياً، ولم تقوده خُطاه إلى حيث كانوا، مُفارقهم .. فراق من أراد الـفراق!
كيف يكون هذا الجلمود واصلاً رحمه ومحفوفاً وسط أجواءٍ عائلية،
لا أتخيل شكله إلا وسط زينب وصادق،
هل يملك من الحنان ما يخولّه لاحتضان ام وتلبية "دلالٌ" أخت!
هل يملك من البـر ما يجعله ملازماً لأبيه بما أراد؟
هل يملك من الأخوة ما يجعله يحمل الأثقال عن أخيه الأكبر ؟
لا .. يبقى الجلمودُ جلموداً لا يتغير .
تلك الطباع التي تُولد مع المرء ، لا يحلو لهُ تغييرها ، فترتبط به حتى تراه منتشيٍ عندما يُنادي بطباعه .. العصبي ، العجول ..
ولكن الناس لا تقرن هاتين الصفتين الغالبة في أغلب البشر بثالثة خُصصت لسجاني وآلن
نعم هم جلاميدُ ، ولا بُد من مناداتهم بذلك حتى ولو كان أسمه نقيضاً !
لابُد أن يعلم الجميع بالجلمود اللين!
***
لقد قسوتُ عليها كما قسَت على آلن،
كفانا يا مهتاب نبش جروحاً ماضـية، فلم تنبُشي جرحه وحده!
فقد نبشتِ في قلبي جروحاً عدة ، لا اريد أن تتلقى تلك العائلة جروحاً سببها نحن!
شابهتيني كثيراً يا مهتاب ، فقد قسوتُ على ابوه ثمّ قسوتِ عليه انتي ،
دعيه فالجروح التي تلقفها آدم كافية..
دخل أبن آدم الذي للـتو عاد ، وهرمونات الشوق تتدفق في وريده
لا تظني ذلك طويلاً يا زينب ، فقط اليُوم وبعدها انتي من تسعين لرؤيته!

تحدث غائبي .. حاضري: اش طابخه اليُوم؟

لم ينتظر اجابتي وأخذ يفتح الأغطية واحداً تلو الآخر، رأيت قدمه اليُمنى بطيئة الحركة، وعندما يقف لا
يستقم عليها فقد يقف معوجّاً قليلاً : الّون، اش بيها رجلك؟

تحدث إلي وهو ينظر إلي : ما كو ،
شوية جُرح بسيط .. يومين ويروح !

ليت جروحنا الروحية هكذا يومين وتتلاشى، وأن تأخرت وتضجرنا منها بقيت أسبوعاً .. أو شهراً .. أو سنة !
لا جرحاً بقى عالقاً ست وعشرون عاماً .. بلا طبيباً يداويه!

سألني آلن الذي سحب أحد الكراسي بالقرب من موضع جلوسي: عميمة،
ما عليج بيها ، زعطوطة وهمّ مسودنة!

كان يقصد مَهتاب في قوله، يراها شغلت بالي في حديثـها ، لا يعلم أن ما شغل بالي هو مسبب حديثها .. رحيـله هـو سبب انشغال بالي يا ابن والدك! : باجر تعرف قدرك حبيبي،
وانته ليش ما تخليها تخابر أهلها "خطية"..
***
تحدثت عمتي بعدما هّونت عليها بحديثي : باجر تعرف قدرك حبيبي،
وانته ليش ما تخليها تخابر أهلها خطية.

أنا الـ " خطية" أن جعلتها تهاتف أهلها وترحل!
أنا لـ " خطية" يا عمتي أن تمسكت أسيرتي بخيط الحرية،
أعدكِ أنني لا أعشقـها، فقط أريدُ أن تبقى وتزيل حبها .. ثم ترحل،
فلترحل إلى إيرانها البغيضة ، أو أن أرادت تعود إلى معقلها ..
ولكن قبلها .. عليها أن تمسح حبها الذي احتل قلبي، كما حاولت بلادها احتلال أرضي!
اصابت عندما خابت بلادهـا ..
بنتُ بـلادها التي ورثتها التمسكُ بالأشيـاء القاحلة، الجافة، معدومة الحـياة!
كما أنني أيضاً ورثت من بلادي قُحلاً لم تكن تعرفه ،
ورثت منها يأسٍ لم يكن في قاموسنا ..
ورثتُ منها حبّ ايران .. التي ورثتها للنواب و"كلاب الكراسي" وأنا .
ما الذي اشقاكِ انتي وبلادك .. حتى تمتصوا دمـاء من عدموا الحيـاة؟
إلا تعلموا أنهم معدومون حتى تأتون وتنشفون دماء قلوبهم،
ولكن أخبري بلادك لن ندعكم ترحلون ابداً ، حتى تعيدوا الدماء على مجاريها التي سلبتمّ!

رددتُ على عمتي بسبب آخر يقنعها : مو هسه عميمة،
دنروح مشوار أني وصادق ما يصلح لها!

***

من أمام الكبينة الغريبة كغربة ديارها !
لم أتوقع يوماً أن العراق "عراقي" تضم أجناس مختلفة كل الاختلاف عن أهل بغداد وما جاورها ..
نرى أهل الجنوب غُرباء ، ولكن بعد رؤيتي للشمـال أصبح الجنوب لبغداد أقرب من العين لمائها
لم يهاتفني أخي الذي اعدت اتصالي به حوالي عشرة مرات!
و الكبينة "اللصة" لم تشبع من أكلها لدينارات قدمتها لها،
تستغيث وتقول هل من مزيد؟ كلما انقطع الخط،
ما الذي أخّرك يا ينال عن مهاتفة أخيك الذي تركتم الديار من أجل بقاءه بها كما قالت مَهـتاب،
لا تقل لي أن غيابـي بان على وجوهكم، أو مقعدي على سفرة الطعام خلا !
لا تقل لي أن أمي بكت فراقي! أو ابي أنحنى ظهره وبدا يفقد ذاكرته المليئة بالطبّ والعقاقير مما جعله ينسى ابنه عندما قيل له هُناك مقعداً شاغراً لطبيبٍ في بلجيكا ، ثم هرع باحثاً عن ذاك المقعد .. وهو لا يعلم ان ابنه الذي ترك بحاجة لطبّه اكثر من غيره.
لا تقل أن أخوتي ناحا سوياً على بُعدي!
فطيلة سنواتي الست الماضية لم تهاتفني ياسمين إلا مرتين تهددني بأن تقطع صلتها بي وتنسى ان لها أخ في العراق،
و تظن أن تهديدها يجعلني أتيها راكضاً إلى بلجيكا حتى تضُمني إلى شجرة العائلة التي تعترف بها .
وحدها زُمردتي من تواصلت معي .. فأنا لم اخطى عندما دللتها، وجعلتُ منها اخت بارة!
كانت تمدني برباط العائلة التي افتقدته، يا لحلمها وصبرها ،
تمدُ حبلاً من أراضِ أوروبا إلى العراق، وتعلم انه سينقطع بالعراق ويجافيها من يُمسك به .. لكنها بقيت أخت لي!
ولكن مهاتفتي الأخيرة معها كانت دامـية.. بدمـاء الأخوة التي بدأت تجف بسبب خوفها الذي جفف الدماء بعروقي من نبرة صوتها التي تناديني .. تناجيني،
طالبة مني إسعاف ابيها "الطبيب" بعد نوبة سُكري حادة!
لا ترشّي ملحاً على جراحي يا زُمـرد ..
لا تطلبي مني العونّ وبيننا بحار وانهار وسبع بـلاد!
أنتم من سنّ البعد .. وأنا على سنتكم أتبع.

حادثني صادق المُتملل من وقوفه ولم يراعي لهفتي التي تأخذ دقائقها من روحي، ليته يعلم معنى أن لك أخٍ كان قرين روحـك .. وفجأة بلا سابق إنذار يكون ابعد عليك من قولك كلمة "أخ" ..
بُت أستحي أقول لجراحي "اخ" ولم ترى بجانبي أخٍ يفتديني بروحه: هاا ، ما ديخابرون ؟

فركت يداي ببعضهما، وأنا أشعر بالبرد !
نعم البـرد .. لما كل هذا التعجُب يا روحي ؟
أنا بارداً داخليـاً .. لا أمتلكُ مشاعـراً دقيقة، تجعلني أبكي وأضحك بسبب شيئاً داخلياً عصف روحي ،
بُت أضحك على جـراحي ، وابكي أن وجدتُ شيئاً يسليني .. خوفاً من فقدانه: لا لهسه ما خابروا .

صـادق، وهو يطرح عليّ حلاً آخراً : خابر أمك لو خواتك، لو أبوك بلكي أحد يرد!

لا أحبُ كلمة "بلكي" التي تخرج من شفاهك وكأنها مُستحيلة،
أعلم أنك تعلم أن لم يردُ ينال .. لن يرد أحداً غيره..
سأخذلكِ يا روحي وأيقظُ من كلمة "بلكي" املاً جديداً ..
تقدمتُ إلى الكبينة مرةً أخـرى، راجياً من عقلي أن يتذكر أرقاماً لطالما صددتُ عنها حتى لا أحفظها !
اليُوم أريد تلك الأرقـام، من بين كل أرقام العالم ..
إنها ليست أرقام عادية، تُسجل في سجلات الهواتف، أنهُ رقم أميِ التي اختارت بين الآلاف الأرقام "البلجيكية" كما كانت تُنقي رقمها في أسواق بغداد!
تختار الرقم بعناية فائقة .. تُريد من الجميع حفظه بسهولة ،
لم أعد آلن الذي يحفظ رقمها لحظة استخراجه من شركة الاتصالات،
لم أعد آلن الذي تصطحب في أغلب مشـاويرها ..
كُنت آلن .. وأصبحت غريباً يهاتفها من كبينة وينتظر منها إجابة !

ردت متضجرة : ألو .

اجبتها وأنا أحفظُ كل حرفٍ نطقه فاها: هلو ، اخبارج يُمه ؟

شهقت أمي ..
لقد فزعتها باتصالي بعد غيابٍ أخبرتني زينب عن مرارته في قلب هذه المرأة .

سمعتُ حشرجة صوتها باكيةً: أني بخير ماما،
انته شمسوي ، ليش ماما ساويت هيج؟
ما صدقت ينال لما كالي أنك مطلوب، فدوة أروح لك ..
ليش هيج تخليني مقهورة عليك ماما .

لا أحتمل العتاب الرقيق يا أمي ، ابنك الصلف لا يحتمل نبرة حنية تخترق أذنه ذاهبةً إلى قلبه!
عادت تساؤلها: آلن،
ماما تسمعني، صوتك يكطعّ! "يقطع".

بل قلبي من تقطع يا أم ينال .. قلبي لا حبالاً صوتية عجز الأثير عن ايصالها : لا، اسمعج عدل ، ما عارف ليش ساويت هيج!
-أردفتُ بلا وعي- يمكن لأني وحيـد ..

انفجرت بي غاضبة، ثائرة، باكية من جديد: أي طبعاً وحيد يا حبيب امـك،
كم مرة اكولك تعال وتُرفض،
ولا ياسمينه اللي تكول أخوي يحبني دون عنكم كلكم وترجتك ترجع ولا تكطع صلتها بيك.. وانته ولا اهتميت بيها، ست سنوات وانته تكابر زعل أختك، زواجها بعد أسبوع بدل ما توكف وياها .. مطارد من الاميركان!

ولا الخطية الثانية زُمرد شافتك عون وسند وخابرتك بوكت حاجتها، جانت مفزوعة تكولك بابا بيموت وانته تقول عطيني أحد يمج!
ولا حتى فكرت تهون عليها فجيعتها ..

ولا أخوك ينال اللي رايدك توكف معاه بزواجه قبل خمس سنوات ولا رضيت ترجع!
وتعرف أبوك شصار بـيه من غيبتك؟
أبوك تضاعف عليه السُكري، نحلّ جسمه .. صرت ما اعرفه يا آلن ما اعرفـ.....

ثم انخرطت ببكاء لا أستطيع أن أواسيـها ، عليها أن تواسيني قبل!
لا تحملني خطية ما جرى لهم، هم من رحلوا وليس أنا ..
لو كُنت أنا في بلجيكا مُغترباً تاركهم خلفي في بغداد .. لكانت امي على حق!

أغلقتُ السماعة، لا أريدُ أن أسمع عويلاً بات مُشتركاً مع أحد أُخوتيّ،
نظرتُ إلى صادق الذي ابتعد قليلاً ، محافظاً على خصوصية مكالمـتي: صادق،
تعال خابـر محمد.

لا طاقة لي بالحديث يا صاحبـي !
ليتني لم اتصـل .. ليتني لم أسمع عتابها الذي كذبتُ عندما قلت رقيقاً ..
***
أرى وجههُ يسود من هول عتابٍ تأتيني تذبذبات منه!
عُدت إلى الخلف، حتى لا يعلم أنني رأيته وأمه تسقيه علقم حديثها ..
لن اسمح لك بجرحه حتى وان كُنتِ أمه!
لا تُهمليه سنيناً وتهاتفيه بوقت فراغكِ .. وليس أي حديثٍ يُقال،
لقد جرعتيه العلقم على مر سنين رحيـلك..
ها أنتِ سألتيه ثانيةً عن أمر جللٍ .. مطاردته!
وبقيتي عشرات الدقائق تلوميه على ما حل بكم،
لا أنـسى مكالماتكِ السقيمة عندما تتصلين فيرد الملهوف وتقتليه بلومكِ وشتمك، والسبب!
يكون احد ابناؤك التي تحتضنين حل به واقعة!
هو يستحق منكِ الحضن .. وآلن اللوم بلا سبب.

نظر إلي والحياة قد خطفت لونها منه: صادق،
تعال خابر محمد.
***
في جلستنا الخارجية، التي سامرني بها صادق ليلةُ البارحة !
أقعدُ مقابلة لزينب.. التي بدأ القلق يعصف بها ،

تحدث عائدة لي حديثٍ حفظته! : تأخروا ما ؟

أجبتها أيضاً عائدة حديثي : زينب، حبيبتي!
اشبييج مختبصة ؟ ولدج ما بيهم إلا العافية ، لا تنسين إنهم رايحين بلا سيارة!
متى على الله يلاكـوا تاكسي ومتى يرجعون؟
وهمين أحنا بآخر شـقلاوة وهم رايحين لأولها.

صمتُ عندما رأيتُ أن حديثي لا يجدي بتلك التي باتت تفرك يديها ببعضهما، مفرقعة أصابعها .. ناضرةً إلى الباب الرئيسي ..
كحالي البارحة!
كُنت مثلكِ تماماً يا زينب.. وكان صادقٍ يهون عليّ ، وهو بحاجة لمن يهوّن عليه!
كحالـي الآن يا أم البنين!
سمعنـا صوت سيارة .. تُمسك مكابحها بقرب الباب، وقفت زينب .. ثم وقفت!
دخل الاثنين .. وسط ابتسامة قليلة على وجه أولهم!
ووجه غائم كان ثانيهم .. ما الذي أغام لون وجهكُ البهي؟
ما الذي أغضبك وأهمّك بنفس الوقـت ؟
لما كل هذه العُقدة التي تعلو حاجبيك، هل انزعجت من محادثة أهلك؟ أو من محمد ؟

أجاب على تساؤلي .. مُجيباً زينب : أي خابرتهم، - ثم أردف بعدما جلس على يمينها وعلى يساري- خابرت أُمي، تسلم عليج .

تحدث صادق : اليُوم بيجي محمد، وكالي يريد خطوط موبايلاتكم كلها. " خطوط = شرايح – بطاقـات".

سألته وأنا لا أملك هاتفاً.. فضولاً يقودني لذلك: ليييش ؟

التفت عليّ صادق: يكول ما مرتاح .. خصوصاً أن عميمه ما راضية تشرم خطها.

تحدث آلن : صادق، وين موبايلي؟

أجابت زينب: عدّي، أني ضامته " محتفظة به".،
شوفه بغرفتي على الجرباية "السرير".

وقف.. ثم أنتظرت قليلاً حتى أرتحل .. وقفتُ: هاا زينب،
تريدي شي دروح عندي شغلة.

اجابت تلك الحانية: لا، حبيبتي سلامتج؟

ذهبتُ مًسرعة أريدُ أن أراه .. فحديثي معه لم ينته!
لما لم يأخذني معه أكلمُ أهلي .. هل سينقصه ذلك شي؟

ذهبتُ إلى أعلى حيثُ كان .. وجدته خارجاً من غُرفةِ زينب .. ابتسم عندما رآني، تلك ابتسامة تُذيب الصخر، وتُشفي القلبُ من كمدِ : هلااو شجابج ؟

تحدثتُ وأنا أغضُ بصري عن ابتسامته وملامحه التي تأسر القلب وتُميت الحديث: ليش ما خذيتني وياكم أخابر أهلي ؟

تحدث وهو يتكئ على الجدار ويكتف يديه على صدره : ياباااي يا مَهتاب ،
شفتي شكد كنت أطيب منج!
أهلي عايفيني وأضل وراهم وأخابرهم وهم عايفيني ..
وأنتي عايفة أهلج ولا اهتميتي بيهم !

اللعنة!
يراني هكذا ؟ وهو من تسبب في قطع الوصال بيننا !

لا لن تنال مُرادك .. تظنني سأنوح الفقد الذي سلكتهُ معي:
انته ما رضيت أروح!
أنصحك لا تلعب هيج ويـاي ، أني عارفة أن أخوي يامن لو عرف ما راح يسكت لك.

تحدث وابتسامته البهية تتوسع وتخطف قلبي أكثر : وليش شديسوي أخوج؟

تحدثت وانا ابتسم مجاريته في حرق الاعصاب : بكوله أنك خاطفني!

تحدث وهو يديرني ظهره : هو لو فيه خير ما عافج ببغداد وحدج،
ومين كال انه بيساعدج ؟
خلي إيران تساعدج وبعدها هو .

تظنُ أنك انتصرت علي!
نعم.. يا ابن بغدادك التي تنتشئ بها ، لقد انتصرت كما انتصرت بغداد في حرب الثمانين ..
ولكن من يضحك أخيرا .. هو المنتصر الأول ..
لقد أوجعني حديثكُ عن "قلة مروءة" أخي، الذي لا أراه أخطأ ابداً ،
أنا من أخطئت عندما منعته من السفر معيّ
ماذا لو كان يامنٍ معي ،لن ألجا إليك وأطلبك مُهاتفة أهـلي ،
لن أُسجن ، لن أسكُن بيتك وأسامرك لـيلاً ..
لن أذُهب في أنصاص الليالي لتوثيق عراكك الذي جلبنا إلى هُنا..
***
في وقتُ المغيب، لا أعلم ما الحالُ الذي أصبحنا به،
أبنائي وثالثهم مطلوبـين، ومحمداً يقطع الأميـالُ من الوسط إلى أقصـى الشمـال كل ليلتين ..
وآلن .. الذي أصبح قُنبلة موقوتة لا يتحدث مع أحدٍ إلا سعّره بنيرانه!
لقد ذهبتُ اوقضُ مَهتاب التي ظننتها نائمة، فوجدتها تمسـح أثار جرحه الذي ظهر من قلبها على هيئة دُموع!
يُعايرها بايرانيتها ، ولا يعلم أن إيران في قلبها مثلُ ما العراق في قلبه،
لقد سنَّا بينهما حرباً لسانية، وكل منهما مُشهر سكينه في وجه الآخر ويُجرح في قلبه ..
لقد انتصرت صباحاً .. فحُق له الانتصار مساءٍ..
ليت آلن يبكي كما تبكي هي .. ليته يتوسدُ مخدته وينثر عليها لألئ عينيه كما تفعل،
جرحهُ أعمق لانه لا يُعبر عنه .. ولو بكلمة!

دلفتُ الباب على أبنائي الذي للتو أنضم إليهم ثالثهم: هاذ موبايلـي،
ما طايعني قلبي أعوفه!

ضحك مُحمد مُداعبـاً: اللي يسمعج يكول زُمرد ما موبايل!

جاراه صادق: وموديله فوق 30 سنة،
عييب عليج يا عميمة البُخل!

لا تعلم بما بخلُت يا ابن أخي .. وإلا ما تفوهت بكلمتك هذه!
لقد بخلت بأخر هدية جلـبها لي..
نعمّ!
يحقُ لي أن أبخل وهو من أتى به مُنتقية من بين أحدث الإصدارات حتى يقول " لفيت بغداد كلها علمودج!".

تحدثت بعدمـا جلست بجـانب صادق: أريد منكم تعينوني على صاحبكم!

تحدث محمد الذي يمتلك شيئاً من الجدية ، عكس آلن الصامت: شتريدين حجية واحنا حاضرين.

تحدثتُ وعيـناي ترقبهما جميعاً : أريد أخطب له مَهتاب وما راضـي ..

مُحمد: ليش مو راضـي آغاتي صادق،
عشانها سُنية؟

تحدث صادق بإندفاع، ربما بسبب سُنية رفيقه : لا ..

مُحمد والحديث بدأ يقتصر عليهما : لعد ليش ؟

تحدث ذاك الصامت وصوتهُ يعلى .. أعلم أنه يريد أن تصل الكلمات لها، بحكم قُربها .. فقد اعفتني من عمل عشاء اليوم : لآنها إيرانيه!

ساد الصمت ، وسط همسات محمد الغاضبة ونظراتُ صادق اللائمة،

دخلت بعدما طرقت الباب، مُحرقة ذاك المُبتسم بنظراتها: زينب،
أصب العشاء ؟ "أسكب".

أجبتها : أي حبيبتي صُبيه.
***

مَهـلاً يا مَهـتاب .. فأول الغيثُ قطرة!
لا تثوري عند أي كلمةً قالها، وإذ رفضكِ حتى لا تكوني زوجة لصاحبه لأنك إيرانية!
فقد تفضل عليّ، فأنا لا اريدُ صادق زوجاً ، ولا استطيع أن اردُ الاحسانُ بالإساءة وأرفض ابنهم!
صادق الذي اتخذتهُ اخاً "مؤقت" بدلاً من يامن

دخلت زينب المطبخ خجلة من فعل ابنها الذي تركت مجلسه خلفها: مَهتاب، ماما ما عليج بيه،
تره مسودن هو، مخبل ما يعرف يثمن جلمته!
اش بيها إيران؟ هاا اش بيها علمود يسبّها هيج ؟

هل ستقنعني أنها لا ترى إيران كما يراها ؟
هل ستقنعني أنها لا يحمل نفس الضغائن والكره لإيران!
لا عليّ بكم، إيران "إيراني" وأنا أكفيها حُباً ..
مزقوها كُرهـاً .. وسأجمعُ شتاتها حُباً : لا عادي،
ما كال هيج إلا لأنه مقهور من إيران، كسرنا خشمه أيام الـ 80 وقلبه المريض للحين ما نسـى .

صمتت العمة وبدأت تأكل بعدما ظنت انها صافت القلوب ،
وأنا أكلتُ معها من قهراً تغلغل في روحي!
***
أنارنا محمد بفكرة شعّت في قلوبـنا هدفاً وموضوعاً جديداً سيحُل من أزمتنا: أكول آلن، ليش ما نأجره بيت ديالى لأحد .
منها يكون دخل لنا ، خمسة مليون ياللي انته ضامّ ما تكفي، ما انته عارف لمتى بنضل! "خمسة مليون عراقي = 15 ألف سعودي – 3 آلاف أردني".

تحدث آلن : مخـبل، نأجر خرابه!
محمد كول شي..

تحدث مُحمد الذي طالما كان العقل المُدبر: صح، البيت ما يتأجر ،
بس نكدر ندبره، بنطيه أبوي.. صاحبه يريد يفتح فرع ثاني لمحلـه.

آلن الذي وضع يده على رأسه : يوووه نسييت،
عقد البيت ببيت صادق، راح عن بالي مـا خذيته وياي . . .

وقف محمد راحلاً: ما عليك أني أدبرها.
ثم خرج مودعـاً .. منهياً بخروجه يومي الأول في شـقلاوة!
***
صُحوت باكراً بسبب نحيبي ليلاً، الذي نمتُ بسبب صداعاً خلفه ذاك البُكاء..
لبستُ جلبابي فوق بنطالٍ أسود، ويعلو رأسي حجاباً باللون الأسود ومقدمته بيضـاء،
اليوم سأذهبُ للكبينة ولو كُنت وحـدي!
لا كلمة تمنعني، ولا طاعةً لأحد تُجبرني على البقـاء هُنا ..
نزلتُ أسفل متسللة خوفاً من صحوة أحدٍ يمنعني،
إلا أن هُناك يداً أمسكت بيدي أسفل الدرج : الله جابج،
تعالي وياي محتارة أي زقنبوت أطبخ !

هذا يُنبئ عن غضب زينب، لن تسمح لي بالخروج حتى لو أوقظت أحد ابنيها.
سأقنعها بذلـك ..
لن أبقى اسيرة الجدران هكذا ، فاعلم أن أهلي لن يكنوا ولم يرتح لهم بال وسط غيابي المجهول!

فتحت الثـلاجة باحثةً عن شيء سريع تعمله، وأذهب قبل صحوتهما،
صُدمت من ما رأيت، من الذي أتى بهذا "العفن" في هذا المنزل؟
من الذي تجرأ يضعه في الثـلاجة التي ستُفتح أولاً من قبل زينب!

نظرت إلى زينب بعدما رفعتُ واحدة منهما : منو اللي جايب البـطلّ هنانا "البطل= الخمـر – المُسكر ".

تحدث وهو يدخل المطبخ : عوفيـها من أيدج..
شي مو الج لا تحشري نفسج بيه!



انتهى





مخرج الفصـل الســابع عشر

نحن الذين أعرنا الكون بهجته
لكنما الدهر إقبال وإدبارُ
سبحان ربك كيف الأمر منقلب
وكيف تلعب بالأدوار أدوارُ
أنا العراق لساني قلبه ودمي
فراته وكياني منه أشطارُ

×الجواهري×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.