آخر 10 مشاركات
فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          لُقياك ليّ المأوى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          حين يبتسم الورد (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة سلاطين الهوى (الكاتـب : serendipity green - )           »          هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          379-لا ترحلي..أبداً -سوزان إيفانوفيتش -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          378-ثورة في قلب امرأة -تامي سميث - مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          نصيحة ... / سحر ... / الأرملة السوداء ... ( ق.ق.ج ) بقلمي ... (الكاتـب : حكواتي - )           »          377-حب من أول نظرة -بات ريتشارد سن -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          376 - الهروب من الواقع - جودي بريستون - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-19, 02:28 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مدخل الفصـل الثامن عشـر
بغداد، يا هزج الأساور والحلى
يا مخزن الأضواء والأطياب
لا تظلمي وتر الرّبابة في يدي
فالشّرق أكبر من يدي وربابي
قبل اللقاء الحلو كنت حبيبتي
وحبيبتي تبقين بعد ذهابي

×نزار قباني×


.
.
.

صُدمت من ما رأيت، من الذي أتى بهذا "العفن" في هذا المنزل؟
من الذي تجرأ يضعه في الثـلاجة التي ستُفتح أولاً من قبل زينب!

نظرت إلى زينب بعدما رفعتُ واحدة منهما : منو اللي جايب البـطلّ هنانا "البطل= الخمـر – المُسكر ".

تحدث آلن وهو يدخل المطبخ : عوفيـها من أيدج..
شي مو الج لا تحشري نفسج بيه!

هكذا يقولها بوقاحة، وأمام زينب أيضاً !

نظرتُ إليها، منتظرة حديثاً منها ، لم تتحدث لم تقل شيئاً !
تقدمّ إلي .. أقصدُ إلى الثـلاجة، فأخذ أربع علب تاركاً خلفه أضعاف ذلك العدد،

خرج مع دربه الذي لا أعلم أين .. نظرتُ إلى زينب وأنا مندهشة مما رأيت: رايد يتزقنب .. شوفي ولدج ديتسمم بسم الهاري !

لم تجبني زينب بإجابة كافية .. فقط قالت : اشعليج بيه!
مو يكول لا تحشري حالج ؟ خلاص لا تتدخلي بيه.

هكذا يأتيني ردها ، بارداً باهتـاً ،
ثم تُلقي إلي بخُضارٍ إفطارها، لن اقطـعها وأنا أعلم أن أبنكِ سكيراً ،
كيف تسمح له ، وهل يسمح له دينه أيضاً ..
وأن سمحَ له .. لن أسمح له !
وبصفتكِ من يا مَهتاب حتى تُقرري عنه أمراً هكذا ؟
ألم يقل لكِ لا علاقة لك به ؟ كفاكِ عبـثاً بأمورٍ لا تعنيكِ ..
عليك التفكير بأمركِ وحدكِ .. لقد نسيتُ أمراً أتيت من اجله!
نعم .. أنا لم استيقظُ باكراً من أجل طهو طعامهم.. أريدُ الذهـابَ إلى الكبينة،
وقفتُ تاركة ما في يدي من خُضار بعدما قطعت نصفها وسط نداءات زينب اللا منتهية..

خرجت أبحث عن ابنيها اللئيمين.. أريدُ الذهاب إلى أهلي ، فهم لم يقولوا لي لا تتدخلي بأمـرنا!
يراني غريبة وهو من شرع غُربتي ، يراني نجسٌ لا بد أن يتطهر منه وهو من أغرقني بوحل الطائفية!
وقفتُ خارجاً في الفناءِ باحثةً عنه ، أعلم أنه لن يسكر في البيت حتى لا نسمعُ هلوسته المريرة!
وجدتهما خارجاً في مكان جلستنا عصر أمس!

تقدمتُ وبانت لي الرؤيا.. انه يُناول صادق الخمّر ،
كفاك عبثاً يا آلن .. أفعل بنفسك ما تشاء ولكن هذا الناشئ اللطيف لا تفسده!
لا تُفسد على زينب تربيتها .. إنها في الداخل تطهو لك الطعام غاضبةً!
وأنت هُنا تُسقي ولدها خمرا !

سمعتُ صادق من بعيد : تعالي مَهتاب حياج .

يعزمني على حفلة سُكرهما الصباحية !!
يا لوقاحته ، وانا للتو لا أريد له الغرق في وحل آلن،
قدمت وأنا ناكرة عليه هذا الفعل ، ولكن علي أن لا أهتم لأمرهما ، فقد أريد أن أخبرهما أنني ذاهبة إلى الكبينة ،

تقدمت أكثر فوضحت لي الرؤيا أكثر .. لقد ظلمتهما، فكانا ينظفا السـلاح بالخمر، يا لبهتانكِ يا مَهتاب !
يا لظلمكِ لهذا الرجل النبيل .. وصاحبه اللئيم ،
لقد افتريتِ عليهما ذنباً لا يُغتفر ..

تقدمتُ وأنا خجله من ظنوني التي يعلمها آلن .. وسط نقاءٍ في نوايا صادق: السـلام عليكم .. صادق أروح لك فدوة أمن لي سيارة دخيلك، أريد أروح الكبينة أخابر أهـلي .

تحدث البغيض، المظلوم من ظنوني الحمقى : وين تريدي تروحي حجية بسعاد؟

يا له من وقح ، يسميني باسم لم يكن لي!
إلا يعلم أنني جالية الليل بصبحٍ قريب ، ألا يعلم أنني مهتاب العالم الذي ينتظرون مجيئه!
يا لوقاحته يسميني باسم لا أعرف معـناه ولا استسيغه،
يظن أن سكوتي السابق موافقة؟

والله لن اوافقك بشيء يعنيني بعد اليُوم .. فحتى انت لا علاقة لك بشيء يخصُني : أولاً أني مَهتاب ما بسـعاد ،
ثانيـاً دروح الكبينة والحيـن، ما أحد له عهدة عـلي ولا ولاية!

تحدث وهو يرمي على الطاولة مسدس ذهبـي مُطرز جانبه باسمه بعدما نظفه بخمره، ثم يقول ببرودة أعصاب: أسميج باللي رايد مالج خص!
ومن كال مالنا عهدة ولا ولاية عليج هاا ؟
أني متعهد بأمرج لما توصلي طهرانج فاهمة .

لقد تجاوز حدوده كثيـراً .. لن يكون أمري بين يديه ولو على موتي،
يقول أن عهدتي بيديه ، لن يطول من المهتاب إلا نورها من بعيـد: بأحلامك حبيبي .. أني مَهتاب ما مخبلة أرضخ لك ..
***
اقبلت الشمسُ البهية قبل موعدها ، لقد اقبلت مهتاب الليل بنهارنا ،
وحدها من تحيي بليلِي نهاراً .. وبنهاري ليلاً ..
استجابت لنداء صادق .. أرى بنظراتها الندم على ما ظنتُ بي!
كانت تراني منذُ قليل سكيراً والآن شريفُ مكة، حتى أنها أغضت بصرها عني محادثة صاحبي بحديثٍ أزاغ عقلي عن مكانه .. ليتها تفهم أن ذهابها لن يكون!
ليتها تفهم أن اسرها بين يديّ حُرية، تجادلني بالعهدة والولاية ولا تعلم أن قلبي ولايتها وهي رئيسته، لا تعلم أن عهدة دينـي في يدها .. فقد جرحت ديني بإسلامها، لقد هَمشت صليب بيتي .. ثم هَشمت بعدهُ قلبي!
تركتك تتطاولي على الصليب فهان علي .. وهان بعده قلبي الذي لم تضخُ دماءه يوماً معلنة حبّ امرأه ..
كُنت غافلاُ وأفزعتِ القلب من غفلته، سلبتي الروح ألوانها ..
باتت لا تشعر إلا بحضورك .. ثم تعود سوداوية بغيـابكِ، لا تستغربي حديثاً هكذا، ولا أستغربُ قولهم عندما قالوا "الحبُ من النظرة الأولى" ..
بل الحُب ..
حب الحرب الأولـى.. لقد تحاربنا حرباً طاحنة في ليالي مسامرتنا،
خسرتِ بمجادلتي وربحتِ قلـبي ..

أ يا بسعاد القلب .. رُدي للروح ألوانها وللقلب بهجته ..
أ يا بسعاد الروح .. رُدي للعقل صوابه وللعين بصيرتها ..

رايتها متهكمة بعد حديثي لها عن عهدةٍ امتلكها : بأحلامك حبيبي ،
أني مهتاب ، ما مخبلة أرضخ لك ..

ليتني حبيبك بحقٍ يا بسـعاد .. لما تقل مَهتاب وانا أسميتها بسعاد ؟ : بسعاد باعي زيين ، طلعة اليوم من هنانا مـاكو ،
عادت موليتنا ظهرها .. وسط غضبها الذي يذكرني بغضبٍ ماضٍ ..
كانت تعود بهذه السرعة والطريقة عندما أشتم ايرانها ..
أصبح أسم "بسعاد" اغاضةٍ جديدة تنضم إلى مسمياتٌ عديدة ..
" صدام، حرب الـثمانين ، شتمي لإيران ..."

تحدث صادق بغيضٍ: شدينقصك إذا ما ضوجتها ؟
خطية مغتربة وهاربة .. وفد مخابرة ما راضي لها ..
وبعدين من سمح لك آغاتي تتولى أمرها؟ "مخابرة= مكالمة".

اجبته وأنا أرى الجميع ضدي!
حتى هو لم يفهمني.: أني ما أريدها تولي لإيران،
وأني وره هريبتها مثل ما تكول .. يعني أني وليها..
***
لا أعلم لما قدومها يجعل مزاج صاحبي "ورديّاً " لا يحتمل أي كلمة!
يتوقع محمداً أن آلن وقع في فخها وأحبها، ولكن الحُب لا يجعله يشاجرها ويمنعها من محادثةِ أهلها !!
الحُب لا يجعله يشتمها ويقلل من قدرها على مرأى الجميع، فالمُحب لا يريد أن يرى أحدٍ انكسار حبيبه،
الحُب .. وأن كان بينهم حباً سيوردهما للجحيم لا محالة.
لقد وقع صاحبي "ولا أحد سمى عليه"!
عليه أن ينفذ من شراك "السُنية" قبل أن يجرح "مسيحيته"..

نظرت إليه وأنا أُبعد علبة الخمر بعدما نظفت بها نصف الأسلحة: نشرمها؟

تحدث مُستغرباً : شحقه!
بلكي نحتاجه، خليه ما ضـارنا، كل فترة ننظف سلاحنا عشان ما يصدأ !

انه يضر يا صاحبي، فأنت ليس في البيت وحـدك حتى تُدخل الممنوع إليه!
أنت في البيت يحوي امرأتين معـك ..
فقد تجرح ديُن عمتي عندما ترى هذه العلب!
عمتي المتدينة، التي لا يرضى بشيء يمُس دينها ، وماذا عن مَهتاب يا صاحبي!

بالتأكيد لن يعجبها هذا الأمر بتاتاً: وأم علاوي بتخليها ؟

تحدث آلن وهو يأخذ قطعة قماش بعدما بلّها بالخمرَ يزيد لمعان صليبه: أي شي يرضى بيه محمد ترضى بيه أم علاوي!
لو وراك ألف مصيبة ومحمد راضي أعرف انك كسبت رضاها . . .

مُحمد .. المُقدر عند عمتيّ،
الذي أصبحنا نستند جميعنا على ظهره، الذي أشغلنا باله عن تجارة ابيه،
أصبح يتردد كل يومين إلى شـقلاوة!
رغم وجود العسكر والحواجز التي لم تمنعه من مجيئه هُنا ،
ليت مَهتاب تستند عليه كما تستند علينا ونحنُ لا حراك لنا !
ليتها تعلم أن محمد لا يرد شوره لأحد .. حتى صاحباه .

لابُد لها أن تلجئ إليه .. فهو الوحيد الذي سيساعدها : أكول آلن،
القصة هاي ما مطولة ، مَهتاب دتخابر أهلها إذا جاء محمد ،
فلا تعارض عشـان ما تطيح هيبتك كدامها ..

أومأ براسه وأنا أعلم أن سكوته لا يُنبئ عن خير
***
صُحوت على صوت ملاذ الذي أصبح أحد أجزاء صباحي،
فقد بدأت هذه المشاغبة بنبشِ قضية أصحابي ، تُريد الذهاب معي إلى شـقلاوة فقد خطفت قلبها عمتي زينب من أول جلسةٍ تحادثا بها .
وتتوق إلى مرأى مَهتاب التي تراها نموذجٍ رائعاً لفتاةٍ عصامية،
لا تعلم أن مَهتاب هُناك تذوق الأمريـن .. مرارة غُربتها عن إيران التي لا تُبعد عن ملجأها إلا بضع الكيلوات ، ومرارة أخرى تجرعها إياها آلن الذي لم يقدرها ولم يحترم غُربتها ووحشتها وزاد عليها الغُربة غربتـين ..
تحدث مُنزعجاً من ملاذ التي قادتني معها إلى فناءِ منزلنا، بتوقيت قهوتها الصباحيـة : ملاذ، بحق محمد عوفيني أنام.

بابتسامتها المعتادة: لا، حبيبي بتكعد وياي دتحجي لي اش ناوي تسوي ويا ربـعك.

حادثتها بأمرٍ شُغلت به: آلن يريد أبيع له بيته ياللي بديـالى قبل ما ينتبهون عليه الأميركان ويحجزوه!

سكبت لي فنجان: معقولة!
للحين ما حجزوا عليه ؟

أجبتها موضحاً : لأنه باسم أبـوه، ولأن أبوه خارج البـلد ما اهتموا بالبيت،
بس هذا ما يمنع انه تحت المراقبـة ..

تحدث مستجوبة: وبيته ياللي ببغداد ؟

مددتُ لها فنجاني : لا هذا بأسمه هو، أبوه انطاه إياه قبل يطلع بأيام،
علّيتي قلبي باسالتج ولا قلت لج المُشكلة ياللي واكعين بيها .. "واكعين= واقعين".
- - أردفت بعد ما رأيت اهتماماً يعلو ملامحها
هذا سلمج الله آلن لما أجر بيته للصحيفة نقل كُل حاجياته لبيت صادق،
ومن ضمنهم عقد البيت .. وما عارفين كيف نجيبه بعد ما أنحجز البيت ..

أجابت هي بعدما عرفت ماهية الأمر: بسييطة هاي خليها عليّ..
بس بشرط أروح معاك اليُوم شقلاوة أريد أسال زينب أو صادق عن أشياء لازم أعرفها ببيتهم ..

أومأت برأسي: لا لا ما اليوم ولا باجر،
لازم أعرف شاللي براسج وبعده أروح اكولهم عنه وإذا وافقوا تروحين ويايّ..

أبصم لكِ بالشعرة أنهم لم يعارضون،
لقد حققتِ ما أردتِ يا بنت أبـي ، أردتِ الذهاب إلى شـقلاوة وأنا مُمتنع!
والآن يجب أن أعلم ما قررتِ ومُجبراً على إقناع أهلي بذهابك ..
هذا ما يجعلني أُصر على ذهابك رغم أني مسكت خيطاً من خطتك،
ستذهبين إلى بيت صادق المُحتجز !
لا نخشَ شيئاً ما دُمنا بجوار بعض يا ابنة الروح..
***
عُدت إلى الأعلى وسط تجاهلي لنداءات زينب المُلحة،
فلتذهب إلى ابنيها أن ارادت، لا عليّ بهما بعد اليُوم ..
صادق الذي ظننتهُ أخاً يصمتُ عند رغبة صديقه ، وهل تضنين يا مَهتاب أنه سيقدم رغبتكِ على رغبة رفيق عُمره!
لقد أخطأتِ عندما ظنيتي أنه أفضل من صاحبه، كلاهما نفس الطيّنة ،
ولكن الفرق بينهما ان آلن يجرح بالحديث المُباشر، والآخر يلتزم الصمت على مضضٍ..
طرق الباب .. لن أفتح وأنا غاضبة حتى لا يتشفَ بي الطارق أن كان آلن،
لن يطرق الباب من أجلي، فقط يريد أن يرى الخيبة التي تغزو ملامحي..

لقد خاب أملي عندما سمعتُ صادق: مَهتاب عليج الله أفتحي،
لا تضوجين من هالمسودن!
أوعدج أول ما يجي محمد تروحين.

هرعتُ إلى الباب مُسرعة، فتحتهُ ببطء وابتسامة برود تكسو ملامحي عكس تلك النار التي تضطرم في جوفي: لا !!
ما قصرت يُبه ، ما رايـده منك شي.

تحدث ذاك الملاك الذي يشابه كاظم في الطيبة والأخلاق: الحين لو رحنا وأحنا مطلوبين بنكون محل شبهة!
عددنا ثلاثة .. شبّين وبنت، واضحة صح؟

خجلت ان أقول له سنذهب وحدنا دون آلـن، يكفي انه أمس تحدث بخطبتي، لن أجرؤا على طلبه أمراً هكذا : خلاص صـادق عفيـه، والله لعبت نفسي من كثر ما رجيتكمّ! " لعبت نفسي = أشعر بالغثيان ".

تحدث وكأنه يشحذ رضاي : وإذا تريدي هسه، أروح أقنع لج آلن،
هو تره ما يقصد انه ما يريدج تروحين ويعاندج!
هو خايف عليج .. وعليـنا هميـن .

كفاك كذبٍ يا هذا .. أعلم انك توافقه الرأي : خلاص عمّي لا ترقع لصاحبك، الله لا يحوجني له..

عاد الآخر حيثُ أتى .. شعرتُ بتأنيب الضمير
والله! لم أشعرُ به قط مثل ما شعرتُ به الآن!
كفاكِ يا مَهتاب خلط الحابلِ بالنابل ، هذا اللطيف أتى إليك يسترضيك ،
مع علمي أن رفيقه دخل معه ليستلقي بحجر زينب كعادته عندما ينقلب مـزاجهّ!
لم يأتي يستلطفني بكلمة مثلَ صاحبه، وزينب أيضاً نستني وجعلت من نفسها وسادة لذاك البليـد ..
***
أقعدُ أمام عمتي، أراقب تحركاتها في المطبخ ، الذي تقول إنها عاشت وترعرعت في داخله!

لقد جلبت لي صُداعٍ بكثرة حركتها التي تصدر أصواتٍ في حديد الأواني: أم علاوي متى دتخلصين ؟

نظرت إلي تساءل سؤالاً "ابلهٍ" خُصص لأمهات الشرق الأوسط بعدما يسألها ابنها عن انتهاءها من وجبتها التي تُعد : جـوعان ؟

ليستِ أم ..
تمنيتُ لو أنني رأيت تعاملك مع علي الذي ارتحل قبل اوانه،
تمنيتُ أن أرى تمييزاً وحُباً أعظم مما اعطيتينا،
لقد ربّيتي صادق في صغره حتى بلغ ما بلغ من العُمر ،
ثم ربّيتني على كبر .. "كل يوم" تُربينني على شيء جديد يا زينبّ!
ماذا سيكون حال عليٍ وهو يمتلك أُمٍ بهذه الصورة؟
كثيراً ما تمتدحك هذه الأم رغم رحيلك المُبكر وأنت لم تبلغ أعوامك السبع.
كُنت أكبر مننا بعـامّ!
تُشبهه برزانة مُحمد .. رغم انه طفلٍ لا يُعرف عقله من بلاهته ..
تُشبهه بعينيّ صادق .. الذي عرفتُ منه أن عينيه لم تصبح زرقاء إلا بعد بلوغه العاشرة من عـمره .. هكذا كان وراثتهما للأعين ، تبدأ رمادية وتبدأ مع الطفولة المتأخرة زرقاوية !
كيف لأبن السبع سنوات ان يمتلك عينين زرقاء لم تسمح له جينات عائلته بامتلاكها قبل سن العاشـرة ..
لم تقل لي في يوم من الأيام انه يُشابهني بصفة، أو خلقه، سألتها متجاهلاً سؤالها: أم علاوي،
ما كلت لي ابنج علي بشو يشابهني؟

نظرا إلي باسمة بعدما تأملتني قليلاً : الحمدللهّ ما يشبهكَ بشيّ!

لقد تعمدت شتميّ هذه الزينب!
ولما لا يُشبهني ؟ لم أكن الولد المثالي بعينها، ولكنني رأيت نظرةً معاكسة لما قالت.. نظرة يشوبها الحنين من جهة، والحُب من جهة!

يحق لها أن تحن لشهيدها.. ويحق لها أن تحبّني : أفا عليج يا أم علاوي، أني أحسن ولدج ..

دخل صادق: ومن كال أنك أحسن ولدها ،
أني أحسنكم وفوكها ولد أخـوها ..

قالها وهو يقبّل رأس زينب، تلك التي انهت تجهيز إفطارها موليتنا نقله إلى صالة الجلـوس ..

ابتسمت مُداعبة لنا بابتسامتها التي تكشف خلفها عقد اللؤلؤ: من حلاتكم !

تحدث صادق المتشدق ابتساماً : لعد ميـن الحلو؟

يقلها هكذا واثقاً من "حلاتـنا " ، ثم أتاه ردها : تروحون له فدوة .. حمودّ.

رفعت يدي مُستسلما : لا عاد هنانا ما نكدر نكول شي .. حبيبج يبه من حقج.

نظرت إلي نظرة تأملية ، تشابه سابقتها التي نظرتني بها عندما سألته عن رابطٍ يربطني بعلي : دتشـابه أبوكّ!

تحدث صادق مخالفها : يمكن كشكل ولا بالطبع يشبهج أم علاوي ..
***
رفع يديه مستسلماً بعد قولي، كُنت فما زلت بنفس الابتسامة الصباحية المعهودة على شفتيك، كُنت بنفس مزاحه لم تتغيــر، مزاح الرجال الثقيل على قلب المرأة، سرق لساني أفكار قلبي فاضحني أمامهم: دتشـابه أبوك!

نظر إلي نظرة استغراب .. دهشة!

ليس استغرابٍ من حديثي عن والده ، لا فأنا جارته وبنظرهم أختٍ له ولزوجته ، تحدث أبن أخي قاطعاً
تلك النظرة المُرسلة الي بعيون آدم: يمكن كشكل ، ولا بالطبع يشبهج أم علاوي.

ألم أخبرك يا ابن أخي انني تطبعت بطباعه؟
ألا تعلم أن عمتك تدربت وتربّت على يديه .. تشبهني بطباع آلن بين الحين والآخر ولا تعلم أننا اكتسبنا نفس الطباع من النفس الرجل ..
ولكن الفرق يبقى بالاكتساب .. فآلن اكتسبها وراثةً!
وأنا كسبتها عنـوة!
ما الذي أتى بـ "آدم" هذا الصبـاح؟
ا يعقل كلما رأيت ابنه تذكرتهّ! ، أ يعقل ان ابن ابيه بقيَ بجواري حتى يقتص لأبيه مني؟
ليت ينال شبيه والدته من بقيَ بجانبي ورحل ابن ابيه معه!

تحدث ابن ابيه بنظرة متفحصة: أم علاوي؟
اشبيييج شاردة ما عوايدج!

أجبته وأنا أغُض بصري عن عينيه : مَهتاب ،
وين مَهتاب ما شفتها، ومرت من هنانا وأصيّح عليها وما ترد! "أصيح = أنادي".

تحدث بعدمّ مبالاة: مضوجها ، تريد تروح الكبينة! "مضوجها = مزعلها ".

لا علم لما كل هذا العناد الذي يكسر قلب الفتاة يوم بعد الآخر : وليش ما تخليها تروح ؟

تحدث مُنهياً الحديث وكأنني أتحدث بعظام روحه لا عظام لساني!: خلاص إذا جاء محمد تروح وياه!

تحدثت إلى ابن أخي : صادق روح خليها تجي تفطر ويانا – ثم وجهت كلامي لآلن – وتراضيها همين ولك مصخم!

مسك آلن يد صادق : لا لا عوفـها ،
خل تأخذ حقها من الزعل وبعدها أني أعرف كيف أراضيها
***
ذُهلتُ من تلك الخطة التي قالتها لي ملاذ!
لا تخطُر على قلب بشر .. هكذا تكون عقول النسـاء في الحربَ،
ولكنها ليست من النساء ، هذه طفلتي الصغيرة ، كبرت وأصبحت تفكر مثلما أفكر ، أصبحت تُدير شؤون حكومات وتُنير عقول الزعامات بتلك العقل المُدبـر .. الذي تغلب على كل ذي عـقل: متأكدة تنجح؟

ضحكت متعجبة : شو هاي تنجح، خلينا قبل نجربّ،
وبعدين انته تعرف هي دقيقة أي غلطة بيها توقعنا بطركاعـة ..

تحدث وأنا أنظر إلى الساعة التي تُشير إلى الحادية ظُهراً : لا ما عليج ، بكون حامي ظهرج بعد الله !
أني اليوم لازم أنزل على شـقلاوة..

ابتسمت تلك الحالمة بشقاوة : يعني أعجبتك فكرتي ، وباجر أو عقبه أني أروح معاك صح ؟

ابتسمت لها أنا اعبث بشعرها : همّ صح.
***
وقفتُ أمام باب غُرفـتها ، عزّت علي نفسي أن أعتذر ، ولكن أعرف ان أُلين رأسها بلا اعتذار : بَسعاد ، بسج عناد فتحي الباب،
ليش ما راضية تفتحي لعميمة ؟
باعي أني جايج أكول طلعي حاجيـني ..

لم أسمع رداً منها ، وسط تحريات صادق الواقف بعيداً ..

تحدثتُ مجدداً : بتفتحيـن ولا أكسر الباب على راسج!

فتحت الباب بقوة وهي مُمسكة بقبضته، بوجهٍ ملائكي وحجاباً عنابيٍ زاد من نور الشـمس نورا !
وبعينين أو بالأصح جنتين تملأها المدامع مستعدة للهطول : إذا بيك خير كِسَره!

ابتسمت لـها .. فاتنتي الشقية : بعدج زعـلانة!
يووه بسـعاد ما يسـوى ، كلت لج وعد إذا جاء محمد تولين وياه اش تريدين بعد تدلليّ! ..

تحدثت مُمتعضة وهي تقلد صوتي : تدللّي – ثم عادت لصوتها الطبيعي- أحد كالك دمك ثقييل ، وبعدين شو هاي تولينّ!
وللمرة الأخيرة لا تكول بسـعاد..

أغلقت الباب ، فدفعته بيدي : اشبييج حبابة !
نتشاقى وياج ، تعالي ويايّ – ثم أردفت- ويـانا ما تحلى كعدتنا بلاج!
يلاا مَهتـاب ، ما بقى وكت على الغداء .. "نتشاقى = نمزح".

ابتسمت!
وربّ عيسى ابتسمت ..
أ ترى أسم مَهتاب كان حلماً تريدي أن يخرج من بين شفاهي!
تحدث وابتسامتها لم تزل عالقة : إذا هيج يلا روح وأني جايـة وراك ..

أعلم أنها تخجل من المشي بجواري .. فلذا حافظت على رضاها السريع الذي لا أمان له ورحــلت ..
***
لم أعهده لطيفاً هكذا، يبدو أن صادق نقل له عدوى اللطافة ..
أ يُعقل أن آلن يتنازل عن كبرياءه ويأتي يترجى نزولي إليهمّ!
هل يُعقل أنه مُجبر على فعل ذلك .. ليس مُجبر بالمعـنى الاصح ،
ولكن رُبمـا صادق طلب منه ذلك .. أو زينب ..
هذا لا يهمّ .. الأهم أنه أتى !
نزلتُ إلى اسفل بطاقةً جديدة ، تشابه التي خرجت بها صباحاً ..

مررتُ إلى زينب التي انتهت من الغـداء ، تقول ضاحكةً : تخيلي مَهتـاب ،
آلـن نزل من برجه العـاجي وغسـل ماعون الفطـور!
يبدو أن هذا الـ آلن سيجلطنا جميعاً يا زينبّ..

ظننتُ ان لطافته معي بأمرٍ منك، أصبح أيضاً لطيفٍ معك! : أني بروح أكعد وياهم قبل ينقلب مزاجه.

ضحكت زينب : لا دخيلج!
هذا بدل ما تكولي الله يثبته!!

أدعي لقلبي بالثبـات يا زيـنبّ ، أبنكِ لم يجعله بي ثباتٍ ..


مخــرج الفصــل الثامن عشر
كــل عام ووطـني بخـــير ..
اللهم احفظ بلادي من كل شــر.
وانصر المستضعف من المسلمين واحفظ أمن الآمنين




* الخمر كان وسيلة لتنظيف الأسحلة وتعقيم الجروح في 2003 وما قبلها وما بعدهـا ..
حتى اليُوم تستخدم في أواسط ثوار سـوريا




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:37 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مـدخل الفصل التاسع عشـر ..
يوم كلٍ قرر ينحني
بغداد اختارت تطيـح

×طلال الرشيـد×






مرّ اليُوم بسلامٍ نتيجة لطافة آلن الغير معهودة، رغم القلق الذي دبّ في نفوسنا من غياب مُحمد ، الذي كان موعده لنا اليُوم!
رُبما كُنت وجه شؤم على مُحمد،
عندما تعهدوا إلي أن أذهب معه .. غاب!
ولكن ما ذنبي بغيـابه!
يبدو انه نسيَ نفسهُ وسط اسرته، فهو الوحيد الذي يمتلك أُسرةً بيننا ..
وسط غُربتي المُخيرة ، وغربة أهل آلن المُسيرة ، ويُتمّ صادق
يقولون أقسى شعور هو شعور اليتيم!
ولكنهم لا يعلمون كيف هو شعور اليتيم الذي تركه أباه باختيارهمّ،
أرى ملامح الأثنين عندما تذكر زينب أسم أباءهم
صادق يعلم انه رحيلٌ إجباري تحتمّ عليه، فيُخالط حنينهُ ابتسامة رضية تترحم على والديه،
أما آلن، فيتجهم وجهه تسودّ الرؤيـا أمامه، وينقلب مزاجه إلى أعسرٍ لا يلين إلا في أحضانِ زينب!
ماذا لو كانت أُمه في مكان زينب، أتمنى رؤيتها مرةً أخرى فلم أتمعن بالنظر إليها طـويلاً ، فقد أغار مُصطفى على صلبانهم مُشوشٍ تفكيري!
ليتني علمتُ أنها والدته ، لكنـتُ بحثتَ عن شيء لها في ذلك المنزل الذي خلا من كل شيء ما عدا متـاع سفري الذي أتيت به من طهـران!
لبـاسي، صوريّ ، مُذكراتي ، كاميرتي ..
كاميرتي التي تحوي على صور أهلي .. لو كانت هُنا لما أوقعني الحنين ضحيته!
بالتأكيد إنها ستُخفف أعباء الشُوق الليلية .. اللا مُنتهية..
لابُد من إحضارها .. ولكنّ كيف والبيت محتجز!
احتجاز البيت يُشابه احتجاز قلوبنا بيدِ مـن لا يشـتاق،
فما الفرق بين جنود تُعسكر أمام البيت .. وبين صلف المشـاعر التي تُعسكر بين شرايينه وتمنعه أن يشتاق؟
***
وسط ضجةً صـادق المسائية .. تحدثت عمّته غاضبة : عليمن طالع انته؟

تحدث وسط صخبٍ صـادر من الراديـو الذي يُمد ببطاريـات وسط انقطاع الكهربـاء : عليج الله ما حلوة هاي.

تحدث الوالجة حديثـاً وسط عتمةٍ لا يُنيرها إلا بعض الشـموع الضئيلة: تخببل.. ما عليك بزينبّ،

لم يصدق ذاك حديثـاً فأقترب من مَهتاب جاعلاً الراديو بينهما وهو يصدح بأُغنية .. أو ما يُقـال لَطميه،

غير آبه بحزن عمته .. فيُصادف اليوم استشهاد السيـدة زينب بنت علي كما تقـول.. تحدثتُ بعدما رأيته يتمادى بالحديث مع تلك التي تنزع الحدود بين الرجل والمرأة عندما ترى صـادق: يلا طفي الصخام اللي وياك وتعال رايدك ..

همـست ولم أسمع همستها .. ولكني سمعتُ ضحكة صادق مجاوبها : متضوج لأننا خذينا شمـوعه..

تستفسر عن غضـبي .. ولم تعلم أنها سببهّ!
كُنت منذُ قلـيل أمازح زينبّ التي "حادّت" على رحيـل امرأة قبل 1360 عامّ، والآن أغضب من عدم احترام صادق لذلك الحـزنّ "البـاهت"..
ما الذي جرا ليّ وجعلـني أناقض حاليّ هكـذا؟

تحدث زينب التي صدقتّ حديثُ صادق: ماما آلن، خذ شـموعك.. هسه الكهرباء ترجع،
عبادتكَ أولـى حبيبيّ.

يبدو أنها جادةً فيما تقول !: تصدقي هالمـسودن ولج زينبّ؟
بس أني هيج متضـوج من الله!

تحدثت مرةً أخـرى: بسم الله علـيك .. اشبييك ماما من هستوه تضحك ويانّـا شاللي مضوجك ؟

وقفتُ من هول الاعتراف الذي جاء على لسان زينب!
لا تخبريها أنها السبب،
لا تُصغري قدر قلبـي "الحجري" أمامها،
لا تعلم انه يرتجف بحضورها، ويدق دقاته المُملة بغيابها الذي لم أعد أطيقه وأخلق ألف عذر وعذر لمجيئها ..
***
انقباضاتُ قلبك البائنة على وجهكَ أعلمُها ..
تشابه انقباضات اباكَ أمـامـي، أعلم أن هُنـاك شعوراً قاتلاً يتملكك..
فقد ذقت ما تذوقه انت الآن!
قريباً من العين ويسكن في القلب.. ولكنه صعب المـنال ..
عقولنا تحذرنا من قُربه الخطر على عقائدنا المستميتة في دواخلنا،
وقلوبنا تضخُ من أجل ذاك الخـطر!

تحدثتَ مُعذبته التي للتو علمتُ عذابها الذي أذاب قلب بُنيّ .. فبريق عينيه الهائل يشابه بريق عينيّ أباه، وغضبه من مجالستها لرفيقه يشابه غضب اباه: اشبيه آلـن ؟

تحدثـتُ وهي تراه يرتحل، وأنا أراها تمتلك مخالبٍ تُمزق آلن كلما نظر إليـها ، تحدثتُ ماحقة : ما بيه شي!

لقد رأيت صدمتها من نبرتي التي لم تكنّ لها في ما مضى إلا نبرة عطـوف: لعـد ليش هيـج راح؟
أني مضوجته!

لقد عرفتِ تهمتك يا قاتلته، ولكن أثبت براءتها ابن أخي بعدما قال: ليش مختبصة؟
انتي مالج خص ، آلن من يومـه هيج يوم صافي وعشرة معكّر، والحين راح علمود سمّه ويرجع مروّق!

تحدث وهي محدقة انظارها به : يسكـرّ!

ضحك الآخر : لا ويييين يبه،
دخـان مو بطـل!

وكأنك هكذا هوّنت الأمـر، وأصبحت السيجارة التي تُحرق قـلباً انتفخ من الأوجـاع هيّنة!
كأن السيجارة التي تقتات من رئته تطبطب على أوجاعه بعدما نثرت سُمها في قصبته الهوائـية..
***
صباحٍ في محل الخُضـار ..
بعدما ألزمني أبي بشغُل اليوم نتيجة سفره إلى بغداد،
أخبرني عصر أمس أن لا أذهبّ فهو بحاجتي..
أعلم أن قلوبهما هُناك تلفظ النار التي التهمتها نتيجة غيـابي الذي حدث بعد خمسة عشـر يوماً من الحيـاة الجديدة الريفية في ربُوعِ شقلاوة..
لقد أخبرني آلن أنهم بحاجة إلى سيارة مجهولة المُلكية!
خُنق ذاك الرجل الذي لا يطيق أسوار البيت، يراها تجثـو على صـدره ،
وكيف له أن يطيقُها وهو لم يسكن في جنباتها منذُ ستة أعـوام،
حتـى النُوم يحلو له خارجـاً في مقر حراسة بيت بغداد ..
وبيته في ديـالى ساعده كثيراً عندما انحـنى لرغبته الداخلية وقضّ جُدرانه وبات مثقوباً كقلب رفيـقي الذي طاله الجفاء وثقب قلبه وسيّل دمّه مع تلك الثقوب ..

رفعت هاتفي بعدما سمعتُ رنيـنه : ياللهَ صـباح خيـر!

تحدثت الأُخـرى ضاحكة من داخل أسوار جامعة ديالى التي تُكمل بها دراسة القـانون: اشبيييك؟

تحدثتُ ومزاجي يتعدل بشكل نسـبي بسبب صوتها الذي لم يكنّ إلا طربـاً يستقبله الأب من ابنـته .. فهي ابنة روحي وقرةُ قلبـي: أبوج، عافيني هنانا ورايـح بغداد ، لو مخليني أروح بغداد أحسن من كعدتي.

ضحكت شامتة : حيييل بيك حمود، تعلّم الشغل مضيع وكتك وره روحات أربيل..

يبدو أنها نسيت موافقــتي على ذهابها مـعي : أربيل مضيعة وكت!
لعد ليش أخذج ويايّ .. خليج بديالـى يا أم وكت ثمـين.

ضحكت .. ضحكةً صفـراوية : عفيييه حمّود دتشـاقى،
بـصلاة محمد خذني ويـاك.

تحدثتُ مُنهياً مكالمـتي عند قدوم رجل يتبضع : مرة لُخ أخابرج. "مرة لُخ = مرة أخرى".
***
صديقيّ الذي بهت لونه من مسـاء البارحة، هل يضيره مخاطبـتي لها ؟
وكيف يضيره وهي قد رُشحـت لي زوجة ؟
لابُد أن أضع حداً بيننا حتى لا يغضب، فهو لم تكتمل بحياتـه قصةً سعيـدة،
وهل سيكتبَ مع مَهتاب قصته السعيدة؟
أم تحترق أقـلامه بشموُع عبادته، أو هي من تحرق أقلامه بسُنـة إسلامها ..
وقفتُ قاصده في صباحـنا الباهت الشبيه بسابقهَ،
رجالٌ شرقيـون سكنوا البيوت واحتجزوا بها متناسين حياتهم السابقة،
حياتنا التي كانت طفولتها بين "بسكليت" و "طـوبة" في الشـارع ،"طوبة= كرة قدم"
وفتوتنا على أرصفة الشارع ذاته، نحسب العائد والذاهـب، وإن حدث شيءٍ تاريخي يُغير روتين حياتنا ما هو إلا سرقة آلن لسيجارتين من باكيت أبوه ..
الدُخان نفسه .. الذي صحب آلن من فتوته إلى شبابـه!
بينما أنا تركتُه من أجل تلك الزينب ، التي لا تُطيق رائحته ، وتعاقبني ليالٍ وتُجلسني في فناء المنزل بعد إغلاقها لباب المدخل!
بحثـي عن صاحبي لم يطول، وأنا أراه يقعد على رصيـف يشابه ذاك الذي احتضن فتوتنا ومراهقتنا .. ولكنه ليس ببغداد ولا بحيّنا "الفاخـر" ، إنه في شقلاوة الأكراد كما يُسميها آلن!

حادثتُ الماثـل على الرصـيف بعجز ، وسط شرودٍ في عينيه وسيجارةٍ في فمهّ: صباح الخـير.

أجابني.. وأنا لا أعلم كيف لروحٍ استساغة شخصٍ هكذا ؟
كيف صبرت عليه روحـه .. فأن لم يغضب ، أصابه البرود القاتل الذي يُجيب من يحادثـه بتلقائيـة باهتة، مُميتة لخلايـاه التي تضجُ منها طاقة الشباب : هـلا.

سألتهُ وأنا مُشفقٍ على تلك الـروُح التي ستعتل يوماً ما نتيجة تصرفاته الحمقاء التي يتبعها غضبٍ أو برود: اشبييج متضوج من المـساويـة؟

تلقائيته نفسهـا لم تتغيـر .. فقط الذي تغير أنه حرك قدمه اليسار داعسٍ على سيجارته المُنتهية مُخرجاً أُخـرى من باكيته الذي يحمل في جيب بنطاله: مابي شـي .. – ثم أردفّ – اليـوم عـرس ياسمينهّ ..

هذا ما أوجـع روحكَ ؟ أو قطاعتها لكِ منذ ست سنوات هي الموجعة حقاً؟ أو رحيـلُ أهلك تجدد وجعه مرة أُخـرى؟ تحدثت وأنا لا أعلم ما أقول له،

هل بحديثٍ يُجدي! : الله يهنيـها ..
***
هكذا تقولها ببساطة يا صـاحبيّ "الله يهنيهـا " ..

وكأن الأمر أنتهى عندك عند أخر حرف نطقته، لا تعلم عن شُعوري المُر وأنا لم أكن أنتظرهـا بمللّ أسفـل بينما هي في صالون التـزيينّ، لم أكـن ذاك الذي يُخاطب عريـسها بنبرة جدية موصيه عليها ..
لم أكن ذاك الـذي يعوُد للبيت فاقـد صوتها بين أسـواره، لقد فقدتِ قبل ست سنوات ولم يعد اليومّ يُحيي بداخلي الفقد ..
لقد مللت الانتظار ست سنوات ولم يعد اليوم يُشعل بداخلي ملل الانتظار!
لقد سئمت يا أختاه!
من صدكِ الذي ضربت به عرض الحائط في مـا مضى ..
ليتني سمعتُ حديثكِ وهرعتُ إلى بلجيكا ، مُخفياً حنيني لأمـي وأبـي الذي يختبئ خلف المكابرة السقيمـة.
***
عـصر اليُوم ..
أقفّ في الفـناء مُنتظـرة مُحمد كما كُنت أمس،
حنيني لم يسمح لي بالجلوس جانباً انتظره ، كلما استرقت السمع لمحركات السيّارة فزّ قلبي من أقـصاه .. يتنبأ قدوم مُحمد ثم يخيبُ أمله ويعود إلى مكانهّ!
ماذا لو أتى مُحمد ، ووقفت أمام الكبينة، هل سأتصلُ بأمي؟
لا، لن يكون ذلك .. أنني أخاف فجيعتها .
سأتصُل بأبي إذٍ .. ولكنه لا يُنتهي من جلسة رفاقه التي تلحق بصلاة العصـر مُبكراً وأنا أُريد محادثة جميع أهلي ، حتى خالد سأحادثه رغماً عنه!
سأتصل بيامنّ، فـهو أرقُ أخوتي قـلباً .. وأكثرهم فقداً ..
سأتصل بـهَ وأقُول لهُ كل مـا مر بيّ من مشاكـل ..
سأخبره بالاعتقـال المُرّ وذاك الجلمود الذي يقف على باب زنزانتي، وأخبره أيـضاً عن جنرالهمّ الصعلـوك .. وأخبره أيضاً أن آلن قتلهم لأجـل إطـلاق سراحي!
وأخبره أيـضاً عن آلن .. الصديق والعدوّ،
الجارح والمجروح، الهائم على وجهه ورا قائده اللعينّ،
وهو أيضاً لا تنقصه لعانةَ أخرى حتى يتطبع بالرئيس!

سمعتُ صوته ورائي : اش عدج واكفة هنانا ؟

نظرُت إليه، متكئ على بـاب المدخل في وقفته المائلـة، التي ظننتها سابقاً بسبب عرجة قدمه، ولكنها تعافت قدمه وبقيت وقفته نفسـها: انطر محمد.

تقدم قليلاً وهو لم يزل خلفي: نطري داخـل .. زعطوطة!

قالها هكذا ثمّ عاد إلى البيتّ ، ما الذي أخرجه هذا الوقت؟
ولما حادثنـي؟
ألم نتفق أننا لا علاقة لنا بالآخر؟ لا لم أتفق معه!
لقد اتفقت مع روحي ان لا علاقة له بنـا.. لم أتفق معه ..
وهل أملك من الجُرأة ما يجعلني أخاطبه كما خاطبني قائلة " مالك خـص"!
لا أملك الجرأة .. ولا أملك النظر لعينيه أيضـاً..
سمعتُ صوت زُمارة السيارة، إنه مُحمـد ..
ركضتُ مســرعة إلى الباب الرئيسي الذي لا يُبعد كثيراً ، مشرّعة بابيه على مصراعهما حتى يُدخـل سيارته إلى كراج السيارات الذي يتوسط المزرعة..






مخرج الفصل التاسـع عشر
يا أبا الحضاراتِ الأولِ وسيدها قد
كنتَ للبشريةِ دومـا نبراسا ودليلا
فأنتَ العراقُ الأشمُ يا أسدا.. ببابلٍ
تناقلت الاجيالُ شجاعتهُ جيلا فجيلا


×شمعة×

يتبع....


تتمة الفـصل التـاسع عشـر


لا تلهــيكم الرواية عـن ذكر الله




سمعتُ صوت زُمارة السيارة، إنه مُحمـد ..
ركضتُ مســرعة إلى الباب الرئيسي الذي لا يُبعد كثيراً ، مشرّعة بابيه على مصراعهما حتى يُدخـل سيارته إلى كراج السيارات الذي يتوسط المزرعة..
أوقف سيّارته باسماً لهذا الاستقبال "الجديد" ..
لم يعهده!
فقد كان دائـماً هو من يترجل عن مركبته فاتحـاً الباب ومن ثم يوّقفها داخلاً ويعوّد لأغلاق البـاب.. لقد تعوّد على رفيقه عديميّ الضميـر واللباقة!

تحدثَ مُحييٍ: شلونـج مَهـتاب؟

حييته وابتسامتي التي كانت محط استغرابـه لا تُفارق شفاهي : الحمد لله زينة،
وانت أخـبارك؟

أومأ برأسه وكأنه يقول بخيـر، ثم تسأل: شاكو ماكو ..

رفعت منكبيّ ونحن نتقدم بالسير إلى البيت: على حطة أيدكَ!

دخلنا ثم افترقنـا .. دخل إلى المجلس حيثُ صـاحبيه وأنا صعدتُ أعلـى ..
لا أعلم لما لُجم لساني ولم أطلب منه محادثة اهلي!
كُنت أتوعد آلن "في حديث نفسٍ" وأقول سأخبر محمد عنه، فقد يكون لي بمثابة يامن الذي توعدت آلن به جهراً ..
***
تحدث مُحـمد بعدما سألتهُ عن أمر البيت: تكفلـت مـلاذ بيه!

تسألت كيف لصغيرةً أن تتكفل بأمرٍ بقيت ليلتين أُفكر بطريقة تدلنا عليه! : وكيف هاي بالله؟

أجـاب عـلى تساؤلـي، وسط صمت صادق مستمعاً : بعـدين أكولكم كيف،
رايد لها كعدة .. وين عمتي زيـنب؟

وما ان انهى حديثه حتى دخلت بصينية القهوة والشاي مُرحبة : هلاو بحبيب عمّته،

وقف الآخر مقبلاً رأسـها: شلونج عميمة؟

أجابته وهي تُلغمّ حديثها ضدي!: لوني من لون هالخطيّة ياللي لا نومها نوم ولا مقـامها ومقـام .

جلـس مقـابلها والجدية تُسّطر على ملامحه : مَهتاب؟ اشبيها،
من هستوة كابلتها . . .

تحدثت زينب وهي تنقل نظرها "الغاضب" بيني وبين صادق: أسأل هالمصخمّ ويا صاحبـه، - ثم أجابت ولم تنتظر سؤال مُحمد ولا إجابتنا – حارمينها من مخابرة أهـلها،
رايـحين الكبينة ومخابرينـك وهي تاركينها مقهورة من وره كعدتـها .. "مقهورة = حزينة".

تحدث مُحمد بعدما رمقنا بنظرة: صيّحي عليها رايـدها ..


وما ان انهى جملته حتى نهضت عمتي مُسرعة وسط نداءات لا تنكـف،
فقد انتصرت لمَهتاب بوجهة نظرها، وهي تعلم اننا من أقرّ ذهابها مع محمد.
***
نداءات زينب التي تخالطـها الفرحة جعلتني أنهض من سريري راكضة اسفل!
وما أن وصلت إليـها حتى خرج مُحمد وسحب يدي: تعـالي ويايّ!
خرجتُ إلى حيث قـصد .. عُدنا مرة أخرى أمام السيـارة في ظرف نصف ساعة،

تحدث وهو يتكئ على مُقدمتها جاعلني أمامـه: متضـوجة من كعدتج هنانا؟

صوته الذي تملأه الحنيّة اسكب مدامعي .. فانتصب واقفاً من هول دمعٍ راءه،

ظاناً أن سؤاله سبباً فـي ذلـك: لا،
أروح لك فدوة .. هوايه مـرتاحة!

تحدث وهو لم يزل ومنتصباً أمـامي: مـتأكدة؟

أومأت برأسي وأنا أطرقه إلى أسفل، خشية أنا يرى مدامعـي ثانـية،
يمتلك نبرة حنانٍ تشابه نبرةً تسكن في صوتِ يـامن،
يمتلك اهتمام يُبان من انفعالاته كـذاك الاهتمام الذي يملكه عُمر ..
وعينينِ تتفحص ملامحي .. كعيـون خالـد الذي تسألني كلما قدمت من الجامعة أن تعرض لأي بكلمة أذية أم لا ..
هذا كثيراً علي يا مُحمد .. لا أحتمـل تلك الحنـية!

رفع رأسـي قائـلاً : مسحـي دمع عيـنج،
ما أنخلق اللي يضيمج .. – ثم أردف موضـحاً سبب ذاك الحـنان اللا مُنتهي – تعرفين أنج بحسبة أختي .. ولا تكولين لي أنج متضوجة ومقـهورة،
لا ما تنضـام أخت محمد وهو يـباوع!

لولا الحيـاء والديـن لأسندت رأسي على هذا الأخ الذي أصبح "أخ" غُربـتي،

الذي لم ينقضي حنانه، عندمـا قـال: يـلا روحي جهـزي حالج علمود تخابرين أهلـج.

ركضتُ من أمـامه وأنا أتمنى لو استطعت طبع قبلة على جبينه،
لو استطعت احتضان الأمـان وسط زعزعةٍ بيني وبين آلـن وتفرض تلك الزعزعة نفسـها وتجعل من زينب وأبن أخيها أنصارٍ له!
***
تلك الفرحـة التي دخلـت على قلـبها كان سبباً في ابتسامـتي،
تلك الرقيقة كيف هان على آلن جرحـها؟
فقد تنزل أدمعها وتتخالط فرحة وقهرٍ على أيام مضـت لم تكن قليلة!
فقد نصفت الشـهر بسجنها الجديد ، ولم يكن سجانها إلا رفيقي الصلف منذُ نشأته،
لابُد لي أن أحاسبه على كل جرحٍ تسببه لهذه اليافعة، فأنا تعهدتُ أمامها أن أحمي قلبها من شظايا آلن التي تتلظى في فؤاده وتخرجُ سكاكينٍ غادرة على قلب هذه الفتـاة..
لابُد له أن يُراعـي يُتمـها "الجديـد" بفقدها لأمٍ وأب لا تفصلها عن ديارهم إلا بضع الكيلوات ..
لقد أخطأ رفيقيّ عندما أختارَ شقلاوة .. فلم يكن ذاك القُرب إلا عذاباً لمهتاب.
***
عـاد مُحمد وابتسامةٍ تغزو ملامحه التي خرج بتجهمها،
لما لا أغضب أن جالست مُحمد كما يشتعل غضبي لهباً عندما تجالسُ صادق؟
هل جديةُ محمد سبباً؟
أو امر ادعاءه لها سبب آخر ؟

لا علي بـها .. تعمل ما تشاء فلن أحرق أعصابي خلفـها : مـحمد، أريد موبايلـك.

أخرج هاتفه : سلمّ لي علـيهم..

منذُ ليلتين علمت من مُحمد أن ارقام أهلي لم تُراقـب ، وأنا أنتظر مجيئه كما كانت بَسعاد تنتظر،
أصبح مُحمد وسيلة اتصالنا بأهلنا..
صعدُت أعلى وقلبي يحثُ قدميّ على المسيـر بشكل أسـرع،
فالمشيّ بالبطء لا يتناسب مع ملهوفاً ينتظر كلمة تُطيّب خاطره!
ولا يتناسب مع أخ عروسٍ تتجهز الآن قبل زفافها ببضعِ سـاعات..
وصلتُ إلـى غُرفتـي بعد خطواتٍ كانت تقتص من روحي ويُذيبـها،
ما بال يدي ترتجف هكـذا ؟
ولم تستطع الضغطُ على أرقام الهـاتف المبتدأ بخط بلجيكا 32، وكأن هذين الرقمين تُذيب عُمري الذي يحمل نفس الرقم !
لم يردُ ينـال كعادته التي لازمته الفترة الأخيـرة، قطعت الاتصال وهو لم يتجاوز رنته الثالثة،

كاتباً أرقامٍ أُخرى.. ردت مُبكراً قلبُ أخيـها: ألـو،

صمتّ!
فالصمتُ أبلغ من أن أقول لهـا "أنا آلن"..

لم أسمع صوتها منذ بدايات آب المُنصـرم، لقد مرّ شهراً وأنـا لم أزوّد قلبي بهذا الصوت .. الذي تحدث مُجدداً: منـو معاي ؟
لما تجبرني على التعريف بنفسي؟
ألم تكن دقات قلبي كافية ؟ يا أخت قلبـي ..

تحدث بعصبيةً معهودة في مـا مضـى بحكم أنها آخر العنقود "المدللة": د تتحجى ولا أكطع الخط؟

تحدثت خوفاً من قطـعها للخط بعدما خاب أمـلي برد ينال : أني آلـن ..

شهقةً تبعها بُـكى: يا روُح أختـك انته،
وينك شخبارك؟ شمسويّ حبيبي؟ سمعت انك مطارد ،
عسى ما أذوك؟

لا أحتمل هذه الحنّية يا أُخيه، فأخيكِ عودته أمكِ على العتـاب فقط..
فيعـود الملهوف بكسرةِ قلباً وبقايا حنـــين: لا الحمدلله كُلش زيـن،
أنتي اش أخبارج وأمـي وأبوي وأخـواني؟

أجابت وأنا أسمع تلتقـط أنفاسـها : الحمدلله بخـير ، ما ناقصنا إلا شـ......،

بترتي جملتك التي تكون دائمـاً خلف السؤال عن الحال!
كُل هذا خوفاً من غضبـي ؟

لا تعلمين يا أختُ أخيـك انه لم يعد يطيق الفراق، وينتظر إشارة منكمّ تطلبُ منه العـودة!
لا تعلمين بكل هـذا الضُعف الذي زاره وأدخل معه ضيفٍ غير مُرحبٍ به يُسـمى الحنين .. تداركت قـولها قائلاً: حبيبتي والله ..
ياسمـين شلونهـا ؟

تحدث من جديد بعدمـا رأتني أنقذتها وتجاوزت عبارتها: الحمدللهَ،
أنـي هسه ويـاها بالصـالون،
- ثم أردفت قاتلتني بأجوائها - لعبت نفس ينال وهو ينطر تحت.

حنينٍ أذاب قلبِ أخيك لتلك الفرحة العـائلية التي تُحدث استنفاراً وضجة لأيـام عدة: قولي لها أريد أخابـرها..

شعرتُ بوقوفـها، ثم صوت خطواتها التي تقرع في الأرض تخبرني عن استعدادهـا الكامل للزفـاف .. حتى لباسـها للـ "كعب" في منتصف النهـار..

سمعتُ صوتـها البعيد قليلاً الذي لا يُسمـع لولا السكون الذي يسكن الغرفة ويسكنني أيـضاً : ياسمـينه، - لم ترد الأخـرى -،
حادثـتها بمزاحٍ عهدتهُ مـنها وصوتها البعيد نفسه : حرمّ قُصي عطينا وجه!
نسيتينا هسّه ..

سمعتُ ضحكةً خجلا تمنيتُ لو قلتُ لزمُرد ان تبقي الهاتف هكـذا وأسمع ضحكت ياسمين تنساب بحرية وهي لا تعلم عن أذني المتطفلـة لحديثهمـا ..
سمعتُها توقف ضحكتها قائلـة : مو أني ياللي ينـسى أهله يا اخت آلـن..

ليتني لم أسمـع يومـاً ،
لقد جرحتكِ بالبُعد يا روُح أخيـك، وجرحنـي "تعييب" أختي بيّ ،
وكأنكِ تجردتِ من آلـن وبقيتي أُخت ينال لوحـده!
لا ، يبدو أنها لا تقصد ذلـك .. أبي جعل الأخ الأكـبر يعتزيّ بأخته الكُبـرى..
من أجل ذلك قالت ياسمين لزُمرد أُخت آلن ..
نعم من أجل ذلـك .. فالياسمين لا يـجرح!

تحدثت زُمرد وصوتها يتضح أكثـر من سابـقه: آلـن حبيـبي، ياسـمين مشـغولة شوي ما تكدر تخابرك.

عذركِ باهتٍ!
لقد سمعتُ ما دار بينكمّ رغم بُعد الهـاتف عنكما ..

تداركتُ الوضع مُودعهـا : ميخالف حبيبتي، بـاركي لها بالنـيابة..
وسلـمي على الكـل ، وانتبهي تتصلـي على هالخط .. مال محـمد.

تحدثت مُودعة: حبيبي انته، انتبه على نفسـك ولا تشغل بالك بشـي،
تدفـه عدل اروح لك فدوه تره نهاية أيـلول دتشابه تشرين غدارة!
كُل شـيء غدار يا اخـتي، ليس تشـرين وحده من يغدر،
***
أوقفت احكام حجابي وأنا أسـمع صوته مُنبعث من غرفةً مـجاورة!
فتحت الباب قليلاً وأنا أتخفى خلفه وصوته الذي أوصله الهدوء لي واضحاً،
أسمـع صوته الملهـوف الذي تخالطه بحةً لا أعلم ما الذي خالج صوته وجعله مبحوحاً هـكذا ..
بحته تلك تُذكرني بليلة الوداع التي تلت الحرية.
نفس البحة ونفس الكلمات التي تكنّ بلسمـاً، هكذا يُحادث أختهُ التي تركته!
تمنيتُ لو عرفـته وهو بيـن أهله ، هل سيبقى غاضباً كما هو الآن ؟
كيف كانت علاقته مع والده الذي تقول زينب انه هو الوحيد الذي يعدُل آلن عن دربٍ أراده!
لا يسمع قول أحدٍ مثل قولِ أبيه ..
خرجت بعدما سمعتُ صوت إغلاق البـاب الذي توارى خلفه عن أنـظارنا حتى لا نعلم بجـنون المُشـتاق التي تُبان على وجهه وتبُح صوته،

تحدثتُ وأنا أراه ينوي النزول أسـفل: د تروح ويـانا ؟

نظر لي نظرة لا أعلم ما تحمل خلفها ولكنها تُشبه نظرات التفحص: لا.

لا أعلمّ لما تمنيتُ ذهابه، رغمّ أني أصبحت أمتلك أخٍ يُغنيني عن هذا الجلمود!
ولكنني أريدُ ذهـابه معـنا ..
يبدو أنني طبقت المثل الشـعبي " الكلب يحب خنّاقه"!
***
في الطـريق إلـى وسطِ شـقلاوة..
تجلـس زينب بجواري، وتقعدُ خلافـها "مَهتـاب" التي ظُلمت في شقـلاوة كثـيراً،
يبدو أن الظُلم لم يقتصُر عليها .. فقد ظُلمت زينب بين ثلاثة مطلوبين تُداري خواطرهما ، بينما هم لا ينكفون عن مُعاقبة بعضهما بالكلام الجارح!
ما الذي جعل عمتي تتبنى هؤلاء الذيـن لم يكونوا يوماً "أبناءٍ" لهـا ..
تقول لي لو شرع الإسلام تبنيّ لجعلُت آلـن ابناً لي..
ألم تكفيها سنواته السـت التي عاشها بين أحضانها ؟
عمـتي ترحمه كثيراً كأنه يتيماً، حتى أنها توسده حجرهـا ويـنامّ به أكثـر من نومه في غُرفته!
تدلل كثيـراً حتى أصبحتُ أغار بدلاً من صادق!
ويا ليتهُ يُكافئ دلالـها بتقديرٍ لهـا .. أصبح يحادثـها كما يُحادث صديق له.

سألـتها وغرضي الأول مـن هذا السؤال، تخفيف الجو المشحون بالنسبة لمهتاب التي بانت ربكتها وأسمع تخلج صوتـها بدعاءٍ مكتومّ: عميمه،
تريدون اشـي من السـوق؟
دامنا بالبلد

أجـابت عمـتي سـائلة الأُخـرى: ناقصج اشـي مـامـا ؟

تحدثت بصوتٍ ذابلٍ مختلطٍ بدموعهـا التي مازالت تملأ جفنيـها ولم تسمح لهم بالهـطول : لا .
***
ياللهَ!
أنني ذاهبةً لأسمـع صوت أُمـي، وصـوت ابي الذي ضعُف قبل عـامين نتيجة جلطة آلمت به!
لن أنـسى وسط حديثـي أن اسأل أمـي هل عادت هذه اللعينة تنهش بجسده أم سـمعت بكائي السـابق واستحت من العودة إليه..
سأسالها أيضـاً عن خـالد هل أكمل جامعتـه أو نفذ تهديده الذي سبق رحيـلي بقليـل،
سأحادث عُمر واسأله هل التـقى بفاطمة؟
تلك الناضجيـن بعقـل مُراهقيــن .. أصبحت لهم ساعي بريد لسنواتٍ طوال!
سأحادث يـامن وأسأله عن كل شيءٍ فقدتـه ، وعن كل شيءٍ كان تحت التنفيـذ،
حتى مشروع زواجـه الذي تعسّر حتى تعـود خطيبته من مزندران التي تكمل بها دراسة الماجسـتير مبتعدة عن ضجة طـهران ..

تحدث محمد : يلا مَهـتاب وصلـنا ..

لم أكن مسـتعدة يا مُحمد بهذه السُرعة .. وبعد زمنٍ طويـل!
لو لي القُدرة على طول "لا" لقُلتها وعُدنا من حيث أتيـنا، محتفظة بأسئلتي التي لا أودُ طرحهـا الآن!

تحدث محمد بعدما توقـع اعتصامي في المقعد "خجلاً منه"! : يالله حجية نزلي وياهـا .


انتـهى



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 02:39 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصـل العشـرون..




ياللهَ!
أنني ذاهبةً لأسمـع صوت أُمـي، وصـوت ابي الذي ضعُف قبل عـامين نتيجة جلطة آلمت به!
لن أنـسى وسط حديثـي أن اسأل أمـي هل عادت هذه اللعينة تنهش بجسده أم سـمعت بكائي السـابق واستحت من العودة إليه..

سأسالها أيضـاً عن خـالد هل أكمل جامعتـه أو نفذ تهديده الذي سبق رحيـلي بقليـل،
سأحادث عُمر واسأله هل التـقى بفاطمة؟
تلك الناضجيـن بعقـل مُراهقيــن .. أصبحت لهم ساعي بريد لسنواتٍ طوال!
سأحادث يـامن وأسأله عن كل شيءٍ فقدتـه ، وعن كل شيءٍ كان تحت التنفيـذ،
حتى مشروع زواجـه الذي تعسّر حتى تعـود خطيبته من مزندران التي تكمل بها دراسة الماجسـتير مبتعدة عن ضجة طـهران ..

تحدث محمد : يلا مَهـتاب وصلـنا ..

لم أكن مسـتعدة يا مُحمد بهذه السُرعة .. وبعد زمنٍ طويـل!
لو لي القُدرة على قول "لا" لقُلتها وعُدنا من حيث أتيـنا، محتفظة بأسئلتي التي لا أودُ طرحهـا الآن!

تحدث محمد بعدما توقـع اعتصامي في المقعد "خجلاً منه"! : يالله حجية نزلي وياهـا .

نزلت زينب والفرحة تخالجها وكأنها هي من ستحادثُ أهلها،

فتحت الباب الخلفي الذي أقعدُ بجواره: يلا نزلي ماما، اليوم سعدج،
عكبال رجعتج لهم سالمة يـارب..

حديثها وحده كان إنذارٍ لدمـعي!
حديثـها وحده كان بلسـماً ينتاب الروح ويدغدغ مشاعرها فتتحدث تلك المشاعر على هيئة دمُوع!
نزلتُ إلى الكبينة وأنا لا أعلم كيف ابتدئ فرحتي، وعلى من أتصلُ أولاً ..
الاتصالُ الذي كان اعتيادياً في حياتي الماضية ومن ضمن روتينها ، أصبح أُمنية!

أُمنية .. تحققت وجعلتني أتخبط أمام كبينتها ، مترددة أي رقمٍ أطلب، وعلى من يكون اتصـالي الأول..
ضغطتُ على عجلٍ .. ووجلٍ أرقام هـاتف أخـي يـامن الذي أجاب من الرنّة الأولـى وكأنه يعلم بوقوفي ودمـعي، ورعشةً تسكُن قدماي .. وتجعلني كُدمية لم تحسُ أبداً .. وارتعشت اليُوم من رذاذ المـطر: ألـو.

أجبته مُسرعـة .. مُتلهفة لذاك الحنُون: ألو يـامن، أني مَهـتاب.

شعرتُ بصوت ارتطام حولـه، يشابه ارتطام الكراسي التي توقع بعدها القلب ويرتطمُ أرضاً : هلااو يا قلب أخوج،
وينج؟ كيفج ؟ شغلتي بالنا عليج

أجبتُ على أسئلته المُتقطعة التي تتداخل حروفـها ببـعض! : كلُش زين، لا ينشـغل بالك ، انت كيفك.. وأمـي ، وأبوي وأخـوانـي ،
خالد كيفه صح ما ضاج؟"زعـل".


يبدو أنه يامن الذي "ضاج" وليس خالد!: كلُش مثل ما تحبيـن، لا ما عليج بيـنا تضوجنا ولا رضينـا .. الُمهم ترجعي طـهران بأقـرب وكـت، أمي ما خلت مكان ما دروت عليج، وكل يوم تنطر رجعتج!
تكَول ما هربت إلا علمود ترجع لي، كل عـصر تروح لبيت كاظم تسأله مته أخر مرة شافج ووين رحتي وكيف رجعوا وخلوج .. لعبت نفس الولـد.
مو بس أمي تدور .. همّيـن الخارجية تدور عليج!
روحي سلمي حالج، كبل يصير اشي ما يعجبنا ويتلوج الانتربول!


ما هذا الهُراء الذي يتحدث به أخـي؟
كيف يجعل أمي تبحثُ عني وهو يعلم انني لم أدخلُ أرض إيران؟
كيف يجعل قطعة الجنة تذهب تتوسـل كاظماً أن يُخبرها عن آخر أخباري التي رأى!
لماذا يسمح لها أن تذهبُ إلـى بيته!
وهكذا تكون مكالـمة أخٍ لأختـه الغائبة من شهرين.. المُنقطعة شهر!
كيف أن تُطالب بـي دولتي وتطالب الانتربول تبحث عني وأنا لم أقضَ محكوميتي هُنـا ؟
لقد جُنت إيــران .. لقد جُنت تلك البلد العجوز !

يامـن الذي يؤكد لي العُودة .. لم يعد يامن أخي الذي كُنت انتظر،
لم يعد ذاك الذي اتيه في خضم همـومي وتسقط الهموم على كتـفه التي أتوسـد دون أن أشعـر ..
لم يعد ذاك المُحامي إذا تجادلـتُ مع أخوتـي ..
لم يعد امانـي .. لم يعد ملاذي!

لقد كانت لهفته لدقيقتين فقط!!
أمـا باقي حديثهُ كان أوامـرٍ لا يُجيدهـا من بين عائلـتي .. إلا خـالد
وهن الشُوق في روحي وشـاب!
وهنّ المـلام .. وهن العــتاب .. أُخت يامن لن تحتمل كل هذا، يكفيها ما كانت تجابه من آلـن،
كُنت درعـي الذي أُهدد به ذاك الأرعـن، لم تعد درعٍ لمغتربـة عانيت الأمـرين حتى تظفر بهذه المكالـمة .. الـجافة الباردة!
لقد صدق آلن يا أخـي .. لن تدافع عني.. بُت تطالب بي كما تطالبُ بي دولتـنا !
رددتُ على سؤاله: كاعـدة ويـا حجيـة .. ببغداد!
لن أوافـيكِ بكل ما كنت سأقُول لك، أنت أوفـى لإيـران مني!
أنت رجُل شُرطة ربـما تكسب بي قضيةً احتاجت الانتـربول،
لن أثقُ بك بعد الآن!
لن أثقُ بك وانت جعلت من أمي "متسولة" لكلمتين من شفاه كاظم،
ولو كانت هذه الكلمتين تُجدي نفعاً لما عادت له مراراً وتكراراً ،
لقد نحرتُ أختك بيدك يا عزيزهـا ..


تحدثَ مُجدداً : عليج الله ما تضوجي حالج!
بس لازم ترجعـي، لازم، إيـران ما راح تخليج، وهمّ مهددينا لو أحد كلمج وما خبرهمّ!

هل هذا خبراً تقـوله ليّ، أم أنك ستُخبرهمّ؟
لم أعد أعـرفك!

ودعتـهُ: يلا يـامن حبيبـي أني ما أكدر أتأخر.. إن شـاء الله أخابرك مرةً لُخ!

ودعـني وكأنه يجمع شتـاتي الذي نثر قبل قلـيل: انتبهي على نفـسج، ولا تطلعين كثـير، وهم لا تضوجين من كلامي .. تره مصلحتجّ!

أومــأت برأسي وكأنه يرانـي: سلم لي عليـهم.

عدتُ إلى مُحمد بروحٍ أخرى.. غير تلك التي انتظرتُه بـها في الفناءِ عصـراً،
غير تلك الروح التي جادلت آلـن كثـيراً من أجل مكالمـة! ..


تحدثتَ زينب بعدما صعدتُ السيـارة: هاا كيـف أهلج ؟

هذه الكلمة وحـدها كانت جرحٍ تخترق الروح ويدميـها، شهقتُ الفقدّ!
شهقت العودة إلى إيـران التي حلمتُ بـها ..
شهقتُ ولم تمنع يدي تلك الشـهقة، هذا ما جعل مُحمد يقول لزينب أن تعود للخلف .. بجانبـي .
لم أصدقُ قُربـها بجانبي، حتى اختبأت بحضنها مواريه سوئي الذي جعل يامن يغضبُ مني!
إذا كان ألطفهمّ هـكذا .. ما حالُ البقيـة !
الويلُ لي، لم أسألهُ عن حـال أبي.. رُبـما عاودتـه جلطته بسببي!
بالتأكـيد هذا ما أغضب يـامن .. وجعلـه لا يفكر إلا بعودتـي ، الويل لكِ يا مَهتاب مما جنيتيه على أهلك..
لن اسامح نفسي لو حصل لهم مكروه!
ولكنني يا ربُ لم أنوِ الهرب.. هو من هرّبنـي من معقلـي ..
ماذا لو بقيت وحُوكمت في أبو غريب وعُدت إلى إيـران!
ليتني لم أعرفه يوماً،
سُجنت بسببه وهربت بسببه وأغضبتُ أهلي بسببه!
لقد تسبب بحوادثٍ كثيرة في حياتي .. لابُد لـي أن أدفـع ثمنها حتى أمـوت..

***


لقد غـيرتني هذه الإيرانية على رفيق طفولتي!
بُت لا احبُ قربه لها، رغمُ إنها هي من تقترب إليه..
أعرف أنه لا يراها إلا أختٍ له ، ولكنني لا أريدُ تلك الأخـوة التي بينهما،
لم تكن جديرةً به حتى تكن أخته!
هـي تبقـى إيرانـيةً وفيـةٍ لأرضـها، التي كانت حكومتها قبل أعوام تحت هذه الأرض بمدافعها ..

لم يكونوا إلا كـالكلاب .. أوفيـاءُ حـتى الموت!
حـتى لم تكتفِ إيران بوفاءِ أبناءها واتخذت كلاب الكراسي لها أبناءٍ مُخلصين!
وقفتُ على نداءاتِ صادق الذي يغلي لـنا شايٍ في الداخل، دلفتُ باب المطبـخ الذي لم يخلو من آثـارهـا ..

لابُد لروحي أن تكره كُل مكان احتضنهـا، اليُوم حادثت أهلـها وغداً سترحلُ إليـهم!

خرجتُ من المطبـخ كالملسوع وأنا أحادث صـادق: شـتريد ؟

تحدث وكأنني أرى عيناه متوسعة ومحدقة بي: اشبييك طلعت هيج،
كان ما دخلت من اول!

لابُد لي أن اخبأ عـورة قلـبـي في جدالٍ مازحٍ معه: الصوج مو صوجك.. صوج اللي يجيك من تصيّح عليه!

أكملت خُطاي خارجاً : انتظـرك بالمزرعة..


***


نحيبهـا القـاتل أدمـى روحي!
ماذا لو كانت ملاذ مكانها، بماذا يعوضها غريبٍ راءها تنتحب بعد مكالمة أخيهـا،
وما انا فاعلاً لو حادثتـني والدُموع تحشرج صوتـها ؟
لابُد لنا من تعويضـها ذاك الحنان المفقود، ولابُد لي أن اُعيدها إلى طهـران بأقربِ وقت..

سألتـها أن تكفّ دموعـها: خـلاص مَهـتاب عفية،
حبـابة والله ما يلوك لج الدمع!

ضحكتَ وسط نشيجها الذي خلف نحيبٍ طـويل، وهي تكفكف دمعها بيدٍ مُرتجفة: الله يجبـر بخاطرك خويه!

لقد استشعرت كلمة "خـويه" يا مَهتـاب، لقد شعرتُ بحاجتكِ لهـا،
لا أعلـم لما قسـى عليكِ صادقٍ بعد قسوة رفـيقه!
تمنيت لو لي قُدرةً على أخذكِ لـديـالى .. فهناك ستنعمين بامرأتيـن، واحدة لم تكن إلا أمٍ حنونة، والأخرى فتاةً ستكون اخت غربتكِ ..

وجودكِ بين صاحـبيّ وزينب .. وحدهـا مشكلة لابُد من حلـها.
تحدثتَ زينب بوجهٍ مُتهلل بعد محاولاتٍ بائسة لإخـماد ثورات بُكاءهـا: حمّود،
وكـف على أقـرب مـحل جيب لنا بزر "البرز مُصطلح قديم يستخدم للمُكسرات بأنواعـها"..


***


حبابة ما يلوك لج الدمع"!"
سمعتُ عُمراً يناشدنـي، هذي النداءات نفسـها نداءات عُمر، التي تنقلني من كوكب بُكائي إلى عالمـه الذي بئس عن اضحاكي والتجئ إلى كلمـاته هذه!
لو لم يتحدث مُحمد بهذه الشيفرة لما ركنت حزني جانباً ضاحكةً كما كُـنت،
نقطت كلمة "خـوية" وأنا أراه عمراً وليـس مُحمد..
سمعتُ زينب تطلب منه بزراً، فهذا الغرض في الأهـواز يخصُ السمَـر،
أ يُـعقل أنـها ستترك نومهـا باكـراً لتسـامرني،
أقـصدُ تسامر أوجاعـي التي زرعـها أخي في ثنايا روحي!

تحدثتُ إليـها طالبتـها: زينب حبابة،
كَولي لولِدج يودونـي بغداد!

تكلمت زينب بوجلٍ: لييش؟
تحدثتُ قبل قدوم مُحمد الذي أراه من بعيد يُحـاسب: بس هاا ما تكَولي لهم!
أريد أسلـم حالـي للخارجيـة..

تحدثت بكلمة: وبعـدين؟

قلتُ لها ما لا أود قوله، ولكـن تلك الكلمات التي قالها يـامن لا زالت ترنُ في أُذنـي: ما أعـرف ..
يسلموني أميـركا ، يرحلـوني طـهران، مـا أعـرف المهم أرجـع!

بترت كلامي بعدما أحسيت بتقوس شفاي، موشحي التي كُنت أرتب في صدري لن أقـوله حتى لا أبكي مُجدداً..

كُنت كزهرةً بيد عُبادِ الشـمس ينقلونها إلى النور حيث ما كان، وأصبحت مُصحفاً في بيت مُسلـم يُغـطيه بيت العنكبـوت!


***


أرى تقلبات مزاجـها التي لم اعتدها منها،
فكانت ريّانة تُـزين حياة امرأة تطلب رضاء ولديـها إلـى حيـاة أخرى متلونة بألوان الحـياة التي كُنت أجهل قبـل وجودهـا،
أراها تبـكي وتشهق الموتُ في حُضـني، ثم ترفع رأسـها ضاحكةً لمُحمد الذي جبر خاطرها اليُـوم كثـيراً ..

لقد رأت به ما لم ترى بآلن وصادق، لقد رأت به ما رأيتهُ به!
كُنت طوال عُمري أراهنُ عليه وأمـجدّه بين صاحبيه، الذي يقولا ان رضيَ مُحمد رضيت زينـب..
ها هي مَهتاب تُثبت نظريتي، وتجعل من مواقفه الرجولية "اللا منتهية" شمعةً تُحيي بداخـلي فخـراً واعتزازاً وأن لم أكن مُربيته ولا أمه!

يحقُ لأمـه أن تفخـر به، لقد رأيتها وقت تحرير مَهتاب كانت امرأة رضية، مرضيـة،
سمحة المُحـيا، أم ولـد احيـا بداخـلي أملاً لا مُنقطع،
وأمُ فتاةً لا تشابه غيـرها، رأيتُ فيها في جلسةً واحدة ما لم أرى في مَهتاب ولا في سابقاتها زُمـرد وياسمين!

فتـاةً عصامية، تشقُ طريقهـا وحـدها، لقد أخبرتني بكفاحها في مجال القانون الذي جعل جامعة ديـالى تُسجل أسمها ضمن المتفوقين على مدار سبـع مستوياتٍ دراسيةِ .. وها هـي تنتظر مرتبة الـشرف بعد إكـمالها للمستوى الثـامن، ثم تبدأ بقرع السجـون والمحاكم لتخفف الظلم الذي تعرض له العراقيين على مدار سبعة أشهـر،
والداهـا وأخيـها والقانون .. أكسباها كاريزما لا تنبغي لغيـرها أبـداً ..
تُشـابه مُحمد كـثيراً ..

بل نسخة مُصغـرةً منه .. هذه "البنية" من أخيـها "الكَبد" ..

" كلمة كبد تُقـال في العراق كما نقول: القلب والروح والـعيـن وهكذا ".


***


نجلسُ أنا وصـادق في جلستنا التي كانت منذُ الخامسـة عصـراً،
لم نحس في الوقتِ كعـادتـنا .. فـي نفس جلستنا وفي خضم أمورٍ عديدة تصارعت حناجرنا بسببها، معظمها عن الوضع السيـاسـي القـاتل..


قطـع عليـنا ذاك صـوت الراديـو الذي كان صـامتاً وسط فراغ "إذاعة" من أي منشـورٍ سـابق ..

تحدث المُذيع على غفلـة : كما وردنـا قبل أسبــوع تسجيلٍ صوتيٍ للرئيس البـاقي، للرئيس العراقي.. للرئيس الأشـم صـدام حسين المجيدي..


ثم بدأ القائد "قـائدي العظيم" حديثه ..


"قتل جيوش الأجنبي واجب شرعي ووطني وانساني ولا مجال للغزاة الا ان يخرجوا خاسئين ملعونين من بلادنا أرض العراق.. بلاد العرب والإسلام."
ثم أكمـل قائـلاً ..
"فو الله ان طريق الجهاد والمقاومة هو أفضل طريق عند الله والناس والتاريخ وهو وليس غيره الذي يضمن جلاء قوات الأجنبي الغاشم من بلادنا مع الحرية الكاملة لشعبنا والسيادة الكاملة له على أرضه وفي وطنه."


حقاً يا الله ..

هذا صوتُ صـدام، أعرفه بين ألفٍ صوتٍ وصوت!
حقـاً يا الله..
قائـدي عاد، قـائدي تحدث .. صدامـي نطق!

هرعتُ واقفـاً وأنا من عقد على صادق أن لا نقوم إلا بمجيء مُحـمد


***


اراه يقف وسط كلمـاتٍ باهتة قالـها الرئيس
يحرض الشباب والمقاومـة على الجهـاد وهو مختبئ كالأرنب!!

يبدو أن صاحبي صدقه، اراه يرفع يده قاصداً صليبه الذي يضعه على منكبيه وجبينه كصلاةٍ شُكرٍ!
لقد غُررت به يا آلن، لم يكن الرئيس المطلوب الذي تفديـه بروحك، وتصلـي لربكَ شُكـراً من أجل سماعِ تذبذباتٍ صوتية تخصهُ،

أن كان رئيسكَ صادقاً لما أختفى كل هذا الوقت.. ألم أخبرك؟
لم أعد أنتمي له، وأصارح روحك أنني سعيداً بخلعه!
أراه يختفي من أمـامي بسرُعة، ذاهباً إلـى الداخـل لحقتُ بذاك المجنون الذي يُثير جنونهُ هوساً أسمه
"صدامّ حُسيـن"..

لقد جُن بحق!
رأيته يدلف الباب الخارجي للمنزل ذاهباً إلى المُحلق الصغير الذي يضمُ الأسلـحة،

هرولتُ أمامه لأقف حائلاً بينهُ وبين باب المُحلق: بحق الحُسين ما دتسوي شي!
انته مسودن ما بعقلك، ولكَ ناسـي أنك مطلـوب؟
دتروح الموت برجليك؟ ما كـافيك موت بهالبلد؟

وقف أمامي وصدره يعلو ويهبط، صدره يعاني من لوعة اشتيـاقٍ ساحقة!
شـوقاً ليس عاديـاً .. وكيف يكون عادياً عندما يشتاق الأنسـان لنفسه ؟
كيف يكون الشـوق عاديـاً عندما يشتاق الأنسـان لروحٍ كانت تزهر بين ثناياه؟
كيف يكون الشـوُق عادياً وهو يخُص الأوطـان التي شرع الله حُبها وقرنه في إيماننا،


الشوُق الكافـر .. كفر بصاحبي، الذي تحدث بنبرة غير اعتيـادية تُذكـرني بآلن الذي دُفنت روحه قبل
سبعة أشهـر، نبرة تعلوها البهجـة: صـادق،
انته سمعته شيكَـول؟ ديريدنا نقاوم، يريدنا نحرر البـلاد،
ما صعبة لو اجتمعنا كلنا تحت أيـده من جديد .. صح ؟
ونرجع بغداد وتسقط قضيتنا اللي مفتوحة ملفاتها وظلينا مطلوبين من وراهـا..
انته فاهم علي صح ؟


اراه يهذي ليـس إلا !
وهل حديثاً كهـذا يُنسب لعاقل؟
صدامه لم يجعل به عقـلاً،

كيف يريدني أن أعود إلى يد صدام التي اغتالت الكثـير من عائلتي؟
كُنـت أحمد اللهَ كثيـراً أنني لم أخرج عليهّ ، وهل تظنون انه طاعة؟
بل خوفاً من تعليقُ مشنقتي أمام بيتنا تحت أنظار عمـتي التي لم تهنى في حياتها أبداً من ورا جرائر هذا الرئيـس!

أفكـاري التي جرتني إلى هـذا الحديث شغلتني عن آلـن الذي للتـو رأيتهُ يخرجُ من المُلحق ، وبيده مسدساً صغـيراً أرى لمعته البراقة من بعيد تُنبأ انه مسدسه لا غيره الذي طُليَ بالذهـب!

لحقتُ به مُجدداً وأنا لا أستطيعُ فعل شيء سـواء مراقـبة ما سيعـمـل،
متـى سيقدمُ مُحـمد وعمـتي ليرا هـذا الجُنون ..
لم نحسب له حسـاباً أبداً توقيته خطأ ، لقد أوعـدنا محمد أن يقول لـنا ما نوى فعله هو وأخته حـتى يجلبا وثيقة البيت!

أما الآن فلا نُريد شيئاً سوى دحر هذا الثائر عن جنونه..
استجاب الربّ لنداءاتـي وسمعتُ صوت سيارة محمد، ذهبتُ إلى الفنـاء منتظرة قدومه بهذه الواقعـة تاركـاً خلفي آلن مُنشـغلاً بفحص سلاحه الذي رأى انه لا يحتاج تنظيف فلـم يعد على تنظيفنا له مع بقية الأسلحة إلا أيامٍ قليلة ..

أسرعتُ خطاي عندما رأيـت سيـارة محمد تتوقف في مكانها المُعتاد وسـط المزرعة،

فتحت البـاب القريب منه: محمد، لحق علـينا طلع بهالصـخام خطاب لصدامّ يكَول جاهدوا، وأبـو آدمّ ما صدكَ هالكلمتيـن وطلع سـلاحه وناوي علـى أقرب دوريـة..

وما انهيت حديثي حتى سمعتُ شهقة من مَهتـاب، وندب حظ عمـتي: عزززه!
هذا اللي بوكعنا بطركاعة جديـدة – ثم أردفت – وهالمصخـم وينه؟ توه دتحجي ؟من شهـور مختفي تو يـبان !

حادثتها من نافذة مُحمد الصـامت : ما بعد بان عميمة .. للحين مخـتفي!

بدأت دعواتهـا: الله لا ينطـيه، الله لا يوفقك يا صـدام،
اش رايد من هالشعـب علمود ينهش بلحمهم؟ ما كفاه الشُهداء كل يوم على الحواجز.. الله لا ينطيــه!

ابتعدت عن النافـذة حتى ينزلُ مُحمد الصـامت .. الذي بدأ حديثه: وينه ؟

أشرتُ له: داخـل ..

مُحـمد المحايـد، الذي لا تعلم ماهيـة توجهاته هل كان صـدامي أم لا !
"صـدامـي"
تلك التُهمة الجديدة التي تم اختيارها من قبل القوات الأميركيـة بعدمـا تُريق دم الشـهيد وتكتب في الخط العريـض "ينتمـي للقوات المعـادية" أي "فدائون صدام"..
أصبح الرئيس المخلوع تُهمة تُسجل في المحاكم !

لحقتُ بهم بعدما خلى عليّ الفـناء ..
فلم أرى أمامي إلا مُشادة كلامية بعدما أخذ مُحمد مسدس آلن الذي تحدث: بحق نبيك لتنطيني ،
يا أخـي رايـد أمـوت اش عليكم؟

تحدث مُحمد الواقف متجاهلاً حديثه وهو يضع المُسدس خلف ظهـره: ما أنطيك إياه!
إلا لتوعدني أنك ما تسوي السـودة اللي براسـك .. "السودة= المُصيبة".

تحدث آلن بنفاذٍ صبر: الرئيـس كَـال جاهـدوا ..
ينطرنـا نحرر العراق ، وانته تقول ما انطيك، دخيل ربك حمّود لا تصير زعطوط!

تحدثت مَهـتاب وهي ترش الملح على الجرح: خـوش رئيس والله !
متخفي مثل الخفافيـش وينطر منكم التحـرير؟

تقدم آلـن إليـها متجاوزاً مُحمد : وانتي شعليييج ؟ رئيسج لو بلادج؟
ما يـخصج .. خليج بإيرانج وطركاعاتهـا ،
ما كلت لج؟ أسيـادج كاعـدين يدورون عليج التهي فيهم؟ ما قصروا والله عوض ما يحامـون عنج وياخذوج من أيد الاميركـان جايبين لج الانتربـول! "عوض= بدل".

لم أرى الصدمة تلعو ملامحـها، يبدو ان عندها خبـراً بذلـك: على الأقـل يكَومون بواجباتهم بأنفسـهم ما يوكلون أمرهـم للشـعبّ الضعيف، بهذلكم بأيد الأمريكان سبع شهور وهسه يطلع !
– ثم أردفت ضاحكة – أقصد يتحجى بعده متخفي الخُفـاش ..


ثم خرجت، وسط صراع آلن بين يدي مُحمد الذي منعه من اللحاق بـها : مسـودن لو مخبـل؟ تحط راسـك براس بنية؟


تحدث آلـن الذي أحمرّ وجهه غضبـاً وأيـضاً من مقاومته لمُحمد،
فلم أرى امامي إلا جثتان تتنازع! : ما تعرف مَهتاب انته ولا ما تحجيت!

مدّ مُحمد السـلاح لزينبّ التي تنوي الخروج دون أن ينظرُ إليـها ،

موجهاً حديثه لنا: خلـوكم من مَهتاب هسّه، عقـب باجر بجيب مـلاذ علمود تعرف وصـف البيت من عمـتي زينبّ..


جلسنا وسط غصب آلـن المكبوت، وحديث مُحمد الذي بدأ يسرد لنا خطة أخـته ..


***


لقد أحرقت دمـه تلك الغبية!
لا تعلم أن ذهابـها للتو إلى محادثـة أهلها لم تكن إلا بموافقتـه،

أعرفُ ابن آدم، لن يتراجع عن الجـهاد الذي أمر به قـائده ولو سكنَ لدقائق!

وأعرف أيضـاً أنه لن يمر حديث مَهـتاب مرور الكرام، لابُد من معاقبـتها ..


صعـدتُ أعلـى، رأيتها في تأخذ الراديـو الموجود في غُـرفتي وما أن رأتني حتى سحبتني مع يدي الى غُرفـتها : وين البـزر اللي ويـاج ؟

تحدث وسط تعجبـي من فرحتـها وابتسامةٍ تتشدق: شعدج؟

ضحكت ولم تكتفِ بابتسامة، تحدثت وهي تستلقي بشكل مُعـترض على سريـرها بعدما نزعت حجابها عن شعرٍ أسـود يصل إلى منتصف ظهرها: أخ يا زينبّ، ما تدريـن شكد فـرحانة.

عولت الأمـر إلى محادثـتها مع أهلـها: علمود هيـج كل يوم أوديج تخابـري أهلج..

قـعدت وهي تسحب يدي حتى أقعد جانبها: صح مبسـوطة عشان خابرت يامن أروح له فدوة!
بس همّين انبسطت هوااايه لمـا عرفت أن صـدام ماله حيـلة أبـد، - ثم بدأت تمدُ كلماتها بسـعادة- طــاااار الكُــرسي خلاص..

تحدث وأنا أمسك يدها: قابـل أني ما مبسوطة إلا طايرة من الفرحة!
ما كان منها إلا أن تحضنني وسط ضحكاتها التي تُخبرني أنها أسعد فـتاةً في الكُون!


***


ما هذه الخُطـة التي يقولـها مُحـمد، لقد جُنـت!
أ ترى كـذبها على "أبـونا" بسيطاً ؟

تحدثت وأنا لم أزل غاضباً على مُحمد عندما تشبث بي ناهيني عن تأديب تلك الإيرانية: بس ولـو،
حرام تجذب على أبـونا.

تحدث صـادق: من كَـالك دتجذب عليه؟
هو بيخبر القسيس بكُـل اشي .. يكون جذبهم بس على الجنـود اللي محاوطـه البيـت!

أومـأت برأسـي متفهماً: لعـاد اش تستنا باجر روح ليـوحنا بكنيسة أم المشـورة الصـالحة عـدكم ببعقوبة وكَوله أني من طـرف آلن آدم المنصـور، وإن شاء الله ما يقـصر..

تحدث مُحمد مُعـترضاً على التوقيت : لا باجر بجيب مـلاذ هـنانـا، وعقبها أروح له ويـاها ..

تحدث صادق من جـديد: علـى خيـر إن شـاء الله!
ثم وقفنا جميعنا خارجين مُـودعين لمُحـمد وسط أحاديثٍ تخص تلك الخـطة الجهنمية!



***


أنتصـف الليل، وصـادق يغدرُ بي للمرة الثانيـة ويـنام مُبـكراً،
لا أنيس لي سوى علبة سجائري الأخيرة التي نسيت أن أوصي مُحمد بأخرياتٍ تشابهها،
تلك السيجارة التي تقتات من رئتيَ، تشابهَ بسعاد التي تقتات من روحُي هي الاخرى ..

كتب الرَّبُّ عليَ عشق قـاتليَ!
أيا قاتلة الروحَ،
أيا ذبحة القلب،
الى اين ستصلينَ بعدما مصصتيَ دماء الروح وباتت جوفاء خالية !


صعدتُ أعلـى بعدما نفثتُ آخر هواء تعبئت منه قصـبتيَ الهوائية،
الويلُ لهِا ان رأيتـها قبل ذهـابي غداً للجهـاد..
سأجاهد رغماً عن الجميع !
فلا احد يستطيع إمساك يداي عما اريد، سأذهبُ كل مساء الى معاقلهم في شـقلاوة وبصلاحيات الطي نهاني محمداً عنه !

وصلتُ إلى غرفتي بنفسٍ خالية كروحهِا،

لقد سمعتُ شيئاً ارتطـمّ..

ذهبتُ اكتشف الامر رأيتها في أسفل الدرج مُنزّلة رأسِها لشيء سقط في يِدها..
أسرعتُ إليِها وانا لا زلتُ متوعداً بها ان رأيتها ،

مسكتُ ذراعها مُلصِقها على الجِدار: هاا خانُوم بَسعاد شلونَي ويـاجَ،
خليتجَ تخـابري اهلجَ.. وعضيتيَ اليد النمدتَ لـج!


.
.
.
انتهى



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 03:43 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الواحد والعـشرون:


يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري
في دموعي تجنبَتكَ العَوادي
سِر على الماءِ كالمسيحِ رُويداً
واجر في اليمِّ كالشعاع الهادي


×أحمد شـوقي×




أنتصـف الليل، وصـادق يغدرُ بي للمرة الثانيـة ويـنام مُبـكراً،
لا أنيس لي سوى علبة سجائري الأخيرة التي نسيت أن أوصي مُحمد بأخرياتٍ تشابهها،
تلك السيجارة التي تقتات من رئتيَ، تشابهَ بسعاد التي تقتات من روحُي هي الاخرى ..

كتب الرَّبُّ عليَ عشق قـاتليَ!
أيا قاتلة الروحَ،
أيا ذبحة القلب،
الى اين ستصلينَ بعدما مصصتيَ دماء الروح وباتت جوفاء خالية !
صعدتُ أعلـى بعدما نفثتُ آخر هواء تعبئت منه قصـبتيَ الهوائية،
الويلُ لهِا ان رأيتـها قبل ذهـابي غداً للجهـاد..
سأجاهد رغماً عن الجميع !
فلا احد يستطيع إمساك يداي عما اريد، سأذهبُ كل مساء الى معاقلهم في شـقلاوة وبسلاحي الذي نهاني محمداً عنه !
وصلتُ إلى غرفتي بنفسٍ خالية كروحهِا،
لقد سمعتُ شيئاً ارتطـمّ..
ذهبتُ اكتشف الامر رأيتها في أسفل الدرج مُنزّلة رأسِها لشيء سقط في يِدها..
أسرعتُ إليِها وانا لا زلتُ متوعداً بها ان رأيتها ،

مسكتُ ذراعها مُلصِقها على الجِدار: هاا خانُوم بَسعاد شلونَي ويـاجَ،
خليتجَ تخـابري اهلجَ.. وعضيتيَ اليد النمدتَ لـج!

ردت وأنا أشـعر بها تذوب حياءٍ من هذا القـُرب، وأحمرّ وجهها نتيجة مقاومتها لوجعٍ كان بسبب
قبضتي القوية على ذراعـها: فُـك يدي.. عورتني!

رفعتُ يدي بتلقائية وأنـا الذي لا اؤمر!
تفعل بي هكذا، تجعلني أرفع يدي حيال انتهاء جملتها .. تحدثتُ بعدما أسندتُ يدي إلى الجدار محاصـراً لهـا..

كذاك الحصار الذي فرضـته على قلبي الذي يتضوع جـوعاً لنظرة أو بـسمة: ما خبّرتيني كيف أهلـج؟
من خابـرتي؟ عُمـر منشغل عنج من يُومـه حتى أضواء كاميرتج ما كان طايكـها ،
ولا خالد الصغيـر هستوه بادي شبوبيته ويتمرجل، ومن طلعتي من إيـران وهو نـاسيج !
أكـيد خابـرتي يامن .. بس واضح ان المخابرة ما جابت لج نتيجة!
وكع على راسج طركاعة ،- ثم أردفت- هسه عرفتي ليش ما أريدج تخابريهم؟

لمحت دمـعٍ يبلل خديـها، الجنةُ تفيض لؤلؤاً لم يسبق لأحـد أن يتـمعن به،
أ هذه اللآلئ من جنة الربّ التي بـها " ما لا عينٌ رأت"..


***

من الـذي أخبـره بشـأن علاقتـي بأخوتـي ..
من الذي أخبره بانشـغال عُمر عن أضواء الكاميرا التي لطالمـا ترجيته مراراً أن تلتقط له صـورة!
كيف عـرف بأمـر خالد المُراهـق .. المندفع للحيـاة بوجهٍ عابس يتصف به نصُف شباب العـرب ..

من الذي قـال له حصيلة مكالمتـي مع يامـن ، وهل خبراً من هـذا يُخبئ حتى يقول
"هسه عرفتي لييش ما أريدج تخابريهم"..

مـن هو حتى يكون درع حماية لـي من سوء يخفيه،
ويخاف من اظهار أهلي له!
لقد نسـي ذاك العهد الذي قطعة على نفـسه أن لا علاقة لي به .. كما عقدت أنا ذاك العهد بيني وبين نفسـي، لابُد لذاك العهد ان يكون جلياً أمامه،

ابتسمت وسـط خجلٍ من قُربـه الذي لم أعد أحتمله، وأُنفة الكبرياء التي تجعلني لا أطلب منه البُعـد لأنه نوى بذلك مضايقتي، هكذا تُعايرني بأهلي يا آلن؟: خـابرتهمّ، وكلهم يسلمون عليـك ..
لا تشغل بالـك ماكو أحسـن من عُمر وخالد ويايه.. وكـعت هنانا ورضـوا عليّ وهمّ بطهـران، وما وكعـوني بإيديهم وعافونـي!


رأيت ذاك الفتـور الذي بدأ على وجـهه كتـأثيـر صدمة، كبرمجة عقله الذي عرف ماذا أعنـي .. أو تجديد عهدٍ ذكرى سيئة!
لا أعلم ما هـو .. جُل ما أعرفه أنني ذبحته للمرة الثانيـة بعدما طعنته بخنجر أخوتـه الذي سلوه وتركـوه على رفّ بيتـهم .. حتـى أتيَ من طـهران وأستلم ذاك الخنجـر وأُكمـل ما بدأه أهله به!
لقد قسـوُت عليه..

قسوة لا يعلمها إلا نحنُ ، ليس بمقدورِ زينب ان تدمُـل جراحـه الآن و توسده فخذهـا .. وليس بمقدورها أيضـاً مخاصمتي على هذا الهـراء الذي ندمت للـتو عليه!

أراه يُنزل يده المُسندة على الجدار، ثم ينصب جسده عن ذاك الاستـناد: تظنيج هيج كسرتيني ؟
لا يا بت أبوج، بعدج ما عـرفتي آلـن! – ثم همسّ بعدما أقترب أكثر من قربه السـابق- لهسـه ما عرفـتيني يا بت يُوسـف ..


لقد أربكني وأخافني هذا الحديث المكسور الهامـس الذي يشبه زئير أسدٍ لم تدعهُ الأيـام يتمتـع بأُسـده الذي أعـطاه الله!

تحدثتُ وكأنني أغلف حديثـي بباقة اعتذار، وأنا أسبّ وأسخط من هذا الحـصان الـذي كبـا ولم ينهضُ
بـي، لسـاني كباه جواده وجعله عاريـاً من الإنسانيـة: آلـن..

لم ينظُر لي وأنا للـتو محاصرةٍ بين يديه!

أراه يتقدم لجلسةٍ بجانب الدرج مخرجاً سيجارة التي تبدو الأخيـرة، فقد رمـى ذاك الباكيـت على الطاولـة تاركه مفتوحـاً : اش عدّج!

تحدثتُ وأنـا اقترب قلـيلاً : عفيـه والله ما قصدت أضـوجك بس انته حديـتني!

لم أرى منه تجاوبـاً .. فقط رمـى سيجارته التي للتو أشعلها، داعسٍ بها تحـت قدمه مارٍ بجنبي إلى أعلـى: مـا عليج بيـه.. جبـل!

لا أعلـم ما الذي يرنـو إليـه بكملته الأولـى،
هل قاصـداً أن لا أحمـل همّه .. أو يقصدُ أن لا أتدخل به مرةً أخرى!

لكنهُ فعلاً جبـل ..
هذا الكملة الوحيـدة التي صـدق بـها، وخرجنا بها من معركة منتصف الليل الباهـتة!
لم نخرج بهذه الكلمة وحدهـا .. بل خرجتُ وحدي بجرح آلـن !
ليتني كسبتُ وده وعرفت من اين حصـل على أسمـاء أخوتـي ، وكيف عرف بغضب خـالد وشُرودِ عُمر الذي خلفته فاطمة!


***


لم يرضَ أحدٍ من ابنائي ان يستيقظ ويـشاركـني افطاري،
رأيتُ صادقاً عندما أيقظني أُصـلي، ورأيتُ آلـن الساعة الثانية عندما طرق الباب طالبـاً مُسدسة الذي اودعنياه مُحمد!

ما الذي جعل آلـن لم يحترم التوقيت حتى يأخذ مني شيءٍ بعد منتصف الليلّ
يبدو ان الدلال الذي دللتهُ جعلهُ لا يعرف من الاحترام والادب إلا طرق الباب حتى ولو كانت الساعة الثانيـة فجراً ..

أوهّ!
لقد نسيت ان اوقظ مَهـتاب تُصـلي، رغم نومـها المُبكـر إلا أنها لم تصحُ مبكراً كعادتـها ..
صعدتُ أعلى إليـها .. إلا أن هُنـاك شيئاً أوقفني، سقوط سلسال ذهـب الذي لم أره من قبل!
لقد جذبتني لمعته ولفتت نظري، رفعتهُ فإذا بـه تزيّن بكلمة إنكليزية عرفت أول ثلاث أحرفها المعقدة جاهلة الرابـع الذي استدرجني للجلوس في الجلسة الجانبيـة مكتشفه ذاك الحرف المُعقـد .. التي شوهته زيّنته ولم تزيّنه!
هذا هو الحـرف الذي سيكشف لي هوية صاحب هـذا العقد..

***


أتيت مُسرعاً لتلك العمّة التي نـادراً ما أتأخر على موعد افطارها!
لقد تـأخرت اليُوم وسأجهزُ حالي لـلومها الذي حفظت..
لومـها الذي عهدتُ من أولِ أيام الدراسة الابتدائـية، هذا اللومّ الذي جعلني رجلاً كسـولاً بـلا عمـل!
يكتفي براتب أبيه "الشـهيد"، وراتب عمتـه الذي لازمـها منذُ وصولنا إلى بغـداد.. حتى لم ينقص عندما تقاعدت، لأنها تقاعدت عن العمل مُبكراً من أجلي!

كـان مسؤولها رجلٌ يعرف معنى أن امرأة تُعيل ابن أخيـها اليتيمّ، فلم ينقص منه شيئاً..
قدمتُ أسـفل حيثُ عمـتي التي لم تشعر بوجودي ولم تسمع طرقات حذائي العجولة على بلاط الدرج!

جلستُ بجانبـها مُقبـلاً رأسـها: كيف أصبحتِـي حجية؟

اجابت مُبتسمة: صبحت بوجهـك الحـلو ، كيف تريد صباحي يكون!- ثم وقفت مُقلية ذاك العقد الذي بيدهـا على الطاولة- دجهـز لك فطورك وانته حل لي لغز هالسنسال!
دوخت راسي وأنا ما أعرف شمكتوب بيه!

استملت منها العقد، مستلماً مهمتي التي كلفتني بها، غريباً أمـره!
كُتب باللغة الإنكليزية، الكلمة تقتصر على كلمتين : أما العراق او إيـران!
لا أعلـم ما هذا الفـن الذي سنّه النحات حتى يجعل من الـنـون قـاف أو القـاف نون!
لن أوجع رأسـي كثيـراً ، لن افكر به!

يصحو أحدهم ويأخذ عقده الذي اصبح لغزنـا الصباحي، رفعت صوتي لعمتي : عميمة، آلـن عده سنسـال هيج!

تحدثت الأخـرى بنفس النبرة العالية: مــا اعرف بس هوه يلبس الذهـب..

ناديتهـا وأنا أراها تغسلُ يـديها بعدما انتهـت: خليج من هالمسودن،
تعالي ولد أخوج رايدج بسـالفة!

تلك العـمة التي يبدو أنها "نست" ابن أخيـها، وسط ضجيج الاثنين مـن حولـها،
يحق لي أن أغار وأنا الوحيد الذي بقيَ لـها ..
أنا الوحيـد الذي تمسكت به، ما هي سنين حتى تشبثت به فعلاً بعد موت أخيـها الأصغـر وهو لم يزل غضبانٌ عليـها،
ذاك الغضب الذي ورثـهُ أبـي لبقية أخـوته!
لا أعلم سببه ولكنني أعلم أن عمتي بريئة، هم المخطئون لا هيّ،
تلك النزيهة لا تُخطئ أبـداً ..فما باليّ بخطأ يموتون أخوتهم وهم محملينها ذنبه وحارمينـها من السـماح!

تلك التي قدمت لي جديرةً أن تُسامِح، ولا يحق لها ولا لهم خنوعها أمامـهم طالبة السـماح، منعتها مراراً مـن الذهـاب إلى عمّـي حتى تستمح منه !
لا أُريـد أن تُقلل من قيمتها على ذاك المحسوبُ عليـها أخ ،
ولو كان يعرف حجم الأخـوة لما هجرها سنينٍ طوال تتعدا العشرون عاماً كما تقول!

تحدثتْ وهي توزعُ الفطور على الطاولة التي تركنُ امـامي : اشعدكّ؟

أجبـتها : اليوُم محمد ديجيب أخـته علمود تروح لبيتنا ..

ضربت زينب صدرهـا: وكرطاعة على راسك انته وياه! " طركاعة = مُصيبة".
اش رايديـن بالبنيه ؟ خلوها عد أمهـا ..
وهي مكابلة دراستها لا تشغلونـها، - ثم تصمت من هـول ما سمعت- لك والله خطييية لا تفوتوها ويـاكم.

تحدثتُ وأنا أحاول أن أمتص غضبـها : ام عـلاوي هي اللي رايده،
وبـعدين محمد اللي ديجيبها يعني هم هوه موافق تجي!

كأنها للتـو استوعبت وجـود مُحمد: محـمد راضي؟

ابتسمت لها: يروح لج فدوة الزمـال، من اليوم شدتحجى؟ "تقال هذه الكلمة لتشبيه أفعال المخاطب بأفعـال الحمـار"..

ضربتني على كتفي: وصخام إن شـاء الله!
أني تكولي هيـج ؟

نهضتُ مقـبلاً رأسـها ضاحكاً: نتشـاقى وياج.

دفعتني بيدها: اكعد اتزقنب اكعـد ..

سميتُ بالله وسط ضحكاتي المكتومة ونظراتها الغاضبـة، وأمرهـا الذي لا ينكف كلما كففت يـدي .. آمرتني بأكـل المزيد!


***


أسيـرُ خلف مُحمد بتلك السيـارة التي "زوّر" مُلكيتها بـاسمي!
موصيـني لحظة وصولنا لشـقلاوة أن أُحرق تلك الورقـة ..

شـقلاوة .. العروُس الشـمالية التي تُزيّن أرضُ أربيل،
لطالما تغنى الأكراد بها ورددتُ أغانيهم حالمة بهذه العـروس!
صعبة المـنال، لا ننولهـا إلا بهجرةً تُشـابه هجرة زينب وأبناءهـا ..
لا أعلـم هل طـال الشـمال العذب ما طالنا من حربٍ شرسة، ومن كثـرة الجُند "الغـازي" على أرضـنا..
وهل يعانون أيـضاً من انقطاع الكهرباء؟

لقد خرجتُ قبل قليـل من ديـالى وسط انقطاع الكهرباء الذي صار ضمن روتين يومنـا، ستنصرمّ سنة على هذا الحال!
أخشـى أن تأتي عشرون سنة والحـال كما هـو، والكهرباء كما هـي،
كان العالم مُنحدرٍ والعراقُ تتطـور!
وتطور العالم الآن وانحدرت العِراق..

عراق الأوليـن .. مُنـى الآخـرين!
ها أنا أتجول في ديـارها خلف أخـي في مهمةٍ سريةٍ متجاوزة بغداد وكركوك مُقبلة علـى أربيل..


***


لقد نَفَذت أختي بملكية السيّارة المزورة في ظل انزعـاج العسكر الإميركان من "شوب" أحاط بهم ..
شاكرٍ لتلك الشركة التي الآن أمتنن إليـها بقطع الكهرباء،
مما جعل الجنُود يستقرون في مراكزهمّ وخروجهـم إلى السيـارات يوردهم المشّقة "الحارقـة"،
فنظرةً يسيرة للبطاقة دون قراءة محتـواها تفي بالغرض!
فهم لا يريدون أن تسقط هيبة دولتهم أن لم نجد أحدٍ على هذا الحاجز ..
هذا وأن كان لدولتهم هيبة!


***


صحـى وليدُ قلــبي قريباً من الظـهر، مما جـعل مزاجه متقلباً ، وهذا ما جعله أيـضاً يُغضب صـادق .. أو
يغضبا بعضمهـا بسبب ذاك الجـهاد "المزعوم"!
الذي سنّه قائد مختبأ على شباب للتـو تفتحت زهرات أعمارهم،
ما ذنبُ آلـن حتى يذهب للمـوت برجليه؟
حتى يطيع صدام الذي لا نعلم ارضه من سماءه، ولا نعلمُ أيـضاً هل هو في البلادِ أم خارجـها ..

دخلـت عليّ تلك الـرضيّة التي للتـو تفتح عينـاها مـن نومة عيشةّ: هلااو زيـنب.

أجبـتها وأنا أُخفض النار على القهـوة حتى لا تنسكب: هلاو بيج!
شهالنوم الطايحه بيه؟ أكو أحد ينام المساويات ويصحـى العصـر؟

تحدثت وهي تبدأ تُشغل يدهـا بالكاسات والفناجين كعادةِ أي عربية تدخلُ المطبخ وهي تنشغل بحديث، حتى ولو كان المطبخ ليس مُلكاً لهـا، كيمائية بينهما تجعلها تتكيف مع أي مطبخٍ .. تقدرُه وتشركهُ أمر حديثها الذي غالباً ما يكون مُهماً وهذا ما جعلها تلحقُ بصاحبة البيت حتى تصب بأذنها ذاك الحديث: لا شـدعوه أم علاوي!
ما نمت إلا بـعد الفجـر ..

سألتـها وأنا أسكب القهـوة: شاللي مسهرج يُمه؟

أجـابت بسكون خالي من أي مشـاعر: تعاركـت مع آلـن، وبقيت طـول الليل مقهورة علـيه،
تخيـلي عميمة .. عيرته بعوفة أهله له -ثم أردفت مُمتعضة .. بائسة- صرت شُمات! "الشُمات الذي يفرح بمأساة غيره".

الويـلُ لهـا ، ألم تسمع لتنبيهي السابق؟
ما الذي جعلها تعود لحديثٍ ينحرُ بنـيّ !
تعلم أنه جرحٍ غائرٍ في حيـاته.. تعلم أنه أمرٍ لم يستطع أن يتجاوزه!
الويلُ لها من ربّ تواجهه ، فيسألها بأي حقٍ لوعتـي قلب الملـتاع ؟
الـويل لها منهُ أيـضاً .. لن يصمتُ لها، فهـو "ركّع جيش أميـركا"..
ولن يعجز عن فـتاة مُشـردة!
لقد لعبتي بالنـار يا مَهـتاب..

تحدثت إليـها وكأنني أرى عينيه بائسة ، مكلومة بعد حديثها : عفيه ماما،
حبابة أنتـي .. بس نطري عزاه وتعالي بوسـطه وهلهلي..
هذا البـاقي ما سويتي والله! "هلهلـي = زغردي، غطرفي"..

أراها تتقدم وتُقبل رأسـي: أريـدج عـونّ وصـرتي فـرعـ.....

قاطعتها : خـلاص مَـهتاب .. أنتِ اللي زرعتي وبيجي يوم حصـادك!

رفعتُ الصينية التي جهـزت قبل قليل، مُضيـفة عليـها القهوة والشـاي، متوجهه إلى أبنائي في المزرعة .. منتظرين قدوم مُحمد وأخـته!

أسمعُ صوت ركل رجلها بالارض خلفي دلالة على غضـبها،
فلـتغضب أن ارادت ، فلتفجر البيت غضـباً ايضـاً ..
ولكن لن أسمح لها أن تتطاول على ابن آدم مرةً أخـرى،
فأن سكتْ فقد مرر حديثـها "بمزاجه" .. ويلها لو غضـب!
فغضب الحليـم نارٍ تورد الجحيـم..

لا تعلم تلك البلهـاء أن هذا الذي تُجرّح ليلاً وتبتسم بوجههِ نهاراً ، وكأنها تتلاعب به، هو من أطلق سراحها وإلا عُلقت الآن في اسـلاك كهربائية شائكة يصعقها بها الجُندي كلما رأهـا تسترد عافيـتها ..
ليتها تعلم ماهو جحيم أبـو غريب .. وقـتها ستعرف قيمةُ آلـن!


***


تحدثت إليـه: مخبل لو مسـدون؟
انته مجنـون هذا حجي واحـد صـاحي، بغداد بترجع !
هه وعد يا سيدي بترجع وعلى هالأيـد .. – قلتها بعدما وضعت يميني أمامه-.

تحدث الآخـر وهو يحبُ الهزيمة والروح الانهزامية التي لا تقبل روحٌ عربية: كـفو أبـو آدم!
بس ما قصدت هيج، أصبر لك شوي، بكلي تتكون كتائب ثوار!
أو الجيـش العراقي يرجع .. ما تعرف اش مكتوب لك بكرا،

قطعت حديثـنا بعدما رأيت زينب والتي تمشـي خلافهـا: هلا بأم علاوي،
تعالـي يمّي..

وضعت عمتي ما بيدهـا : مـحمد ما جاي؟

تحدثتُ وأنا أرخي جسدي على الكُرسي، متحججاً بحركتي حتى أراقب تلك التي للتـو قعدت مُقابلاً لي: إلا .. أمس يكول اليـوم يجي.

تحدثت عمتي والخوف ينتابهُا : لعدّ ليش تـأخـر.

تحدث هذه المرة صـادق: ما بيه الا العـافية، وغمضة عين وهو جـاي ..
ثم أردف وهو يُدخل يده في جيبـه – عمتي اليُوم لكيت سنسـال مشروم ولا تعرف لميـن .. شوفوه بالله ؟

"سنسال = سلسال ، ولكنه يُلفظ بهذه الطريقة في دول الهلال الخصيب" .. مشروم = سـاقط".

مددتُ يدي إليه، أعلم أنه ليس لي.. فأنا لا ألبسُ عقدٍ غير الذي يحوي بداخله صليب.. يبدو أنه لبَسـعاد ..
وفضـولي اقتادني أرى ما كُتب عليه!
لقد كتبت عليه أبنة أبيـها "Iran" ، وبكُل جُرأة تُعلقه في صدرها ، مسكته من المُنتصف مُمسكة بقوة وأنا أقطعه كما أردت ، ثم سلّمته لصـادق : ما أعرف لمين ..

لقد كذبت يا لسـاني وأنت تعلم انه لهـا ، لقد كابرتي يا جوارحي وأنتي تقطعين ذاك الرابط الضئيل الذي يربطـها ببلدها.

سمعتُ شهقتها تعلو حنجرتـها ثم تكتمها وهي تُمدد يدها إلـى صادق: انطينـي
مدهُ لها وسط صمت عمتي ودهشةُ صادق.. وحديثـها المصدوم: حرام عليـك،
هذا مال تخرجـي .. انطانياه بـابا..
تعرفين زينب، أني ما أعرف إذا بابا بيه اشي لو لا، يامن ما خبرني عنه ،
قلبي حاسسني بيه شي .. ما مرتاحة والله!

انهت حديثهـا ثم قامت مُتخبطة، يشبه تخبطي البـارحة أمامها،
ولكـنه أُنـثى لا تُداوي جراحـها إلا بدمعٍ يخنقُ الروح ويجدد لوعتـها ..
وأنا أيـضاً أعرف فقد الأب وهو حيٍ لقد تجرعت فقده كُل ليلة وأنا أعلـم انه على قيد الحيـاة!
فكيف هي التي لا تعلمُ عنه شيئـاً ..
ما الذي جعلك تُفكر هكذا يا آلـن؟ ما هذا الألـم الذي أجتاح يسار صدرك؟
هل هذا ما يُقال له تأنيبُ ضمـير ؟

تحدثت عمـتي: خطية شوف كيف زعلـتها !!
ما يسـوى تكطع آخر حبـل لها مـع أبـوها .. خطية هالبنت شدتتحمل لتتحملّ!

تحدثتُ وأنا أُصـارع روحي .. أقصد ضميري الذي أنبني : أني كطعت إيـران ما رقبة أبـوها ..

سكب لي صـادق كأسة شـاي: بسيطة أبو آدم بسيطة!
الذهـب يعوض عنه ذهب .. بس الروح ما تتعوض!

يا لبساطة تلك الروح التي تمتلك يا صـاحبـي، تظنُ أن انقباضات صـدري التي بالتأكيـد بانت لك .. بس طوق ذهب كُتبَ عليه أسم أقبح الديار !
توهمت يا صاحبي..
ولم تضع نفسـك موضعهـا لو جهلت مصـير أبيــك!!
ولكـن حال ما يأتي مُحمد سأحادث أبي وأُريّح قلبـي المتوهنّ ،
لقد نقلت لي داء الخوفّ على أبيـها وأصبحتُ أخاف علـى أبي..


***


كيف سولت له نفسه ان يفعل هكذا ؟
ماذا لو قطعتُ صليبه ؟ ماذا لو أخفيت قُطعة تربطـه بأبيه ؟
لم يفكر بكل هذا ..
فقط فكر بالانتقام من إيـران حيالُ قراءته لأسمها،
لا يعلم أن أسم إيران يشرفه ويشرف كُل شبرٍ من تُراب دولته الواهـنة.
بُت أستحـي من قـول أنـي "عربية" !
بسبب هذا التخلف العُنصري الذي تشبعت منه أرواح العربّ..
لما نسيَ أنـي أهوازية ؟
ولما يُجـالس مسلمين وهو عُنصـري..
ما أرذلُ تلك العُنصرية التي تأتي على الكـيف والمزاج.

طـرق البـاب .. يبدو أن عمته أتت تُكمل عليّ ما بداه أبنها، وتحاسبني على عراكي معه ليلة البارحة،
تحدثتُ بصوت يصل إلـى الباب وأنا لم أتحـرك من مكاني: زيـنب عفيه روحي،
ما مبطلة البـاب، إذا جايه علمود سالفة عراكنا البارحة خذا حقه ابنج وكدام عيـنج،
وإذا جايه تراضيني علمود ابنج ما يتضوج !
يتضوج وعمريـنه ما يرضـي .. خل يبلط بحر قبل يدخل وسيط دتراضـيني .

لم أسمـع جوابٍ من عمـتي..
سمعتهُ من فتاة قالوا أنها ستصلُ بعد قليل، ما هذا الحديث الذي استقبلتيها به يا مَهـتاب: أنـي ملاذ .. ما زيـنب!


***


صمتٍ أحاط بنـا بعد آخـر كلمتين نقطها ابـن أخـي!
لقد قتلها بسيفٍ مقابل طعنها له بسكين ليلة البـارحة كـما قالت ،
لا يعلم مدى حبُ الفـتاةِ لأبيهـا وإلا ما فعل هذا التصرف الصبياني،
الذي يرد بعده ببرود مُخبرني انه لم يقطعُ رأس ابيهـا .. فقط قطع له عقدٍ بسيـط!
ليته ردت عليه وشمتت به، ألم تقل انها أصبحت "شُمـات"..
ليتها لم تهذي وتخبره عن شيءٍ أخافهـا ولم تجد لها كلمة أمان تُطمنـها عليه..
سيأتـي مُحـمد ونجد لآلـن حدٍ يقف عنده ولا يتطاول عليهـا بعد الآن!

أتـى حبيبُ عمـته عند ذكـره ..
وقفتُ وأنا أرى صـادق يُسـرع لفـتح البـاب حتى يُدخلا سيارتيهمّ،
التي للتـو تبيّنت لـي!
ويحـها كيف تقودُ سيارتها هكذا وحـدها وسط الحواجز التي أصبحت أكثر من الشعب نفسـه!
قدمـتُ إليـها وأنا أحملُ لهـا مشاعر الأعـجاب والشوق الذي حظيت به من أسابيع عندما ألتقيتها أول مرة!

قدمتُ إليـها وأنا أحـملُ مشـاعر الأمّ التي ترى أبنتها الوحيدة تُخـاطر وتقود سيارتها في هذا الوضع الراهـن ..
قدمتُ إليها محتضنتها : هلااو بحبيـبتي.. هلااو بأمـي!

تحدثت هذه الفتـاة التي تُشابه أخيها بطريقةُ حديثهـا فضلاً عن مظهرها الخارجي الذي يخبرك من الوهلة الأولـى بتؤامتهما: هلااو بيج خالة زينب..
شلـونج؟

ابتعدتُ عـنها وأنا أرى بريقُ عينيها الضاجّة بالحيـاةِ عكس البؤساء الذين أُعـاشر : الحمدلله كُلش زيـنة.

امسكت بيدي، مُكملة طريقهـا الى الشـباب الذين قد اخذوا مقاعدهم،

وما ان وصلـنا حتى مدت مفاتحـها على آلـن، مُنبهة له إشارتها إليـه: أبـو آدم!
وما أن رأها أو رأى ما في يدها حتى وقفّ آخذه ثم مُصافحـاً لها: شلـونج؟

أجابت بابتسامتها البراقة : الحمدلله .. وانته شلونك – ثم نظرت إلى صادق – وانته صادق شلـونك ..
اتتها اجاباتهم مُتفرقة : ويـن مَهـتاب؟

تحدث آلـن: باعيها فوك، ثالث غُرفـة ع اليميـن ..

خرجت تلك الفتاةُ من المزرعة دالفة باب المنـزل مُنادية باسم مَهتاب،
كدلالة على تنبيهها بوجودهـا..

نظرت إلـى مُحمـد : محمد دخيـل اسمك شوف لي حل مع صـاحبـك،
كل يـوم مضوج هالبنية ،
الله وكيلك ما تحلى لها نفس إلا يجي ويخبص الدنيـا بيها ..
اليوم لكيت سنسال مشروم وسألنه له وما كال لا كطعه كدامها لانه مو مالته!
تباوع صخـامه وين وصل!
انا ما عاد لي قدرة عليـه .. تفاهم ويـاه.

تحدث مُحمد بقليـل من الابتـسام : ما عليج بيـهم يا عمّة،
أني سمعتها أمس شكد لسـانها طـويل وتعرف تتحجـى!
ما ضعيفة ندافع عنـها .. حيلهـم بيـنهم ما لنا خـصّ ..

تحدث آلـن وهو يجد من ينتصر له : يسلم لي أبـو خالد..


***


خجلتُ أن افتح لهـا البـاب بعدما قُلـت لهـا حديثاً غاضبٍ هكـذا ..
لطالما تمنيتُ رؤيـة أختُ محمد العـطوف ولكن ليس بهذا الصورةِ أول لقـاء!

فتحت الباب علـى خجل: هـلااو بيـج مـلاذ، - سلمتُ عليـها- أعذريني خيّه،
كلـه من صخام ولّد زينب.

تحدثت الأخـرى ضاحكة وهي تخفف الأحراج عني : أي واحـد بيهمّ!

جاوبتها وأنا افسـح لها الطـريق : آلـن..

توقفت عن المـشي: حراام عليج .. الولد حبّاب ويخـبل!

رفعتُ لـها عقـدي : باوعي اش سوى.

انفجرت ضاحكة : عليج الله متضوجة عشـان عقد وأنكطع !
ما عليـج فدوة لأبـو آدمّ باينته ما يقصدّ..

لم تعرفيـه و إلا لم تتحدثـي هكـذا..
لم تعرفي قسـوته التي جرحت معنى اسمـه!

تحدثت : انطيني السنسال أصلحه لج وأرجعه مع محمـد..

أجبتها وأنا أخبأه بين يـدي: لا عفـية،
عشـان تتورطـين بيه ما احد يقبل يصلحه، نطلع من آلـن ونطيح بيج!

تحدثت مرة أخرى : وليييش ما احد يقبل؟

هل أخبركِ عن سبب قطعه؟
أو أخبـرك بالعنصرية التي ستذهب بك إلـى أبـو غريب لو عرضتيه على صائغ!
رفعـت إليـها العقد مُبنيّة لهـا ما يحمــل،

رأيـت الصدمـة تعلو ملامحـها ، ثم تصدمني بقـولها : الله يخبببل !
تعُرفي روح قلـبي النقـش اللي هيـج !

هذا ما قدركِ الله علـيه !
لا تصدمينني وتقولي وحده آلـن من يحمل ذاك الكُره لإيـران!
قولي نحنُ العرب وأخرجيني منكم .. ولا تقولي آلـنَ وحده ..






مخرج الفصل الواحـد والعشـرون

وفي الارض ببغداد هواء هو المنى
وعيش هو السلوى وماء هو الخمر
انس زمان الكرخ والكرخ معرس
وتذهب عن ذكرى الرصافة والجسر


×الشيخ محمد رضا الشبيبي ×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 03:50 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مـدخل الفصـل الثـاني والعشـرون

دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا
كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ.

×احمد شوقي×

.
.
.


عرفت مـلاذ كيف تراضـيها وتُنزلها من برجـها العـاجي إلى جلسـة أرضيـة تحت شجر المزرعةّ!
جميعهم مشغولون باحاديثٍ متفرقـة،
ملاذ تُحادث صادق عن خـطتها وتطلب منه تزويدها بإحداثيات البيت الدقيقـة،
وعمـتي تحاور مُحمـد بما وصلت لهُ العـراق وماذا سيحصُل!
وهي تبقى وحيدة بـلا جليسٍ تستمع لحديث مـلاذ الذي يبدو وكأنه من المغامرات الأسطورية الخالـدة!

قدمّت إليـهم بعدمـا أرسلـني مُحمد لجلب سلاحٍ ضمّه في ما سبق إلى المجموعة التـي نُخبئ .. دنُوت
منه جالسـاً : هذا اللي رايـد؟

أومأ براسـه مُخـرجاً تصريح سـلاح من جيبه: إذا ناوي تـجاهد لا تأخذ وياك إلا السـلاح هذا .. وهذي رخصـة هميـن..

نظرتُ إلى جنونه الذي بدأت بجانبه عاقلاً : هذا سـلاح أبـوك!
تريد تورطـه ؟

تحدث وحاجبـاه لا زالت مُنعقدة وهو يُشرف على مخزن الرصـاص: أني مطلع عليـه تعميمّ سـرقة،
يعني إذا حسيـت أنك انكشفت أشرم السـلاح وانهزمّ!
كل اللي بيديهم أنهم يجيبون السـلاح لأبـوي،
وبكذا خسروا جنودهم وأنت كسبت السـلاح للمرة الثانيـة!

بحقّ عيسـى انه داهيـة .. سيوصلنا هذا الدهـاء الخارق إلـى الموتّ،
دهـاءٍ لا يقبل الغلطة .. وأن حدثت تلك الغلطة أصبح غباءٍ خـارق

***

لقد جُنـا .. اثنينهم تقاسمـا الجـنون!
إنّ جُن محمداً من سيبقى عاقـلاً في صفّ هؤلاء المجانين،
كيف يقول له خطةً هكـذا، وإنّ حُبكت .. وإن تحدث بها مُحمد
هذا لا يعني نجاحـها التامّ!
إن لم يستطع الهرب وأمسـكت به القوات لم ترحمه وهو متلبس بجريمةً جديدة فضلاً عن جرائمه السـابقة..

لـن أتركُ ابن آدمّ يضيع من بيـن يدي، فقد أوصـاني به: شهالصخـام التحجون بيه!
يُبه ما يصيـر، تره بتلعب بالنار بيديـك، طيب فكـر بمصيرنا من وره عمايـلك..
راح تتسكـر منافذ شقلاوة قبل ننهزمّ مرة ثانية،
ولو ضلت مفتوحة .. شكد حواجز بطريقـنا وصادق ومَهـتاب مطلوبين!

يبدو أن انفعالي وصل إلى صادق وملاذ والثالثـة التي تستمع، فبدأت ملاذ بالحديث الذي لا يقل جنونٍ عن سابقيّها: لييش خالة؟
خليه يجـاهد .. الرئيـس طـالب من الشبـاب تجاهد علمود يقوى العـراق ويـرجع!

يبدون أنها "صـدامية" كـ آلن وإلا ما تحدثت بهذا الهراء.
صمتّ كما صمت صادق ومَهـتاب ممتعضين من ذاك الذي فرض الجهاد على المجانين .. فصدقه آلـن وملاذ وسط حيادية مُحمد..

تحدثت مـلاذ قاصـده آلـن: شنو نوع سـلاحك؟

قلب المعنيّ ورقة الـتصريح: سـوفيتي.

ابتسمت مـلاذ برضاء يبدو انه تعبيراً عن جودة السـلاح الذي صدر في منتصف الأربعينيات المنصرمّة .. وقت الحـرب العالميـة الثانـية.

***


أنهُ ليضـيق صدري من هذا الحديث الذي يكتمّ على أنفـاسي ..
كيف سيبيع رفيق روُحـي نفسـه من أجل جهادٍ باطـلاً، نعمّ باطل!
كيف له أن يُجـابه عساكر أقـوى قوى العـالم بسـلاح من قطعة قديمة أمام سـلاحهم الـذي صُنـع عامنا هذا ..

تحدثتُ وأنا أعني بحديثي الصدامية الجديدة التي لا تقل عن صديقي ولاءٍ: صـدام ما نافعـكمّ ، إذا شحطوك ونفوك لواشنـطن كَول صدام طلب نجاهد

تحدثت مَهـتاب الصامتة مؤيده: هذا إذا كان صدام موجود هـنانـا ما بواشنـطن!

غضب آلـن من تصريحـها بخيانة صـدام ومولاته لأميركا : وصخـام يسد حلكّج،
كَـالوا لج خايـن، ولا عـميل مثلهمّ!

تحدثت مُتحدية : لا والله كَالـوا لي بـعثي، وهذي أكبر خيانة ..

غمـز مُحمد لآلـن طالبـه السكُوت، وسط تصدد عمتي بابتسامتها التي يبدو انها ابتسامة انتصار على صـدامّ..

ردتّ ملاذ قاصدة مـَهتاب بحديثٍ يقال له مزحةً برزحة: من هسـتوة صـرنا حبايب .. لا تضوجيـني و أضوجج.

تحدثت الأخـرى ويبدو أن كيد النـساء بدأ بينهما: معج حق،
ما يسـتاهل نتضوج علمودهَ !

وقفَ آلـن بعدما طفح كيله من حديثٍ يمسّ بصـدامه، فلأول مرة يتعقّـل صـاحبي .. ولا يُـرد !
لم يـكن ذلك تعقلاً محمود، بل أمرٍ من محمد الذي نوى حديثٍ آخر أهم منه.

***


ما زالت الإيرانية تمتص من دمـاءِ صدام فيطلبون مني الصمّـت!
ليت مُحمد يعلمّ ما معـنى أن توالي قائداً تفتديه بروحك قبل أن يطلبّ،
ليتَ صادق وعمـتي لم يشهدا حرب الطائفية التي أدمت الكاظمية وإلا ما تحدثا هكذا ..
ليت تلك الإيرانية تعرف حدودهـا،
الحدود لم تكن خطـوطاً رُسـمت بين أرضي وأرضـها، بل جعلت من بلادي قُدسية مُحرماً عليـها المساسُ بـها ..
كيف لها أن تتجرأ وتتحدث هكـذا، أيـن سُنتيها؟
ألم تشفع لها كلمات الرئـيس التي تتحدث عن قُـدسية السُني في بلاديّ!
ألم يشفع لها أن الـرئيـس يعتنقُ مذهبـها ..
لا تواليـن حكامك الشـيعة على حسـاب السُني .. نصيحةً يقدمها لكِ مسيحي الدين !

***



رَاق لـي ذلك الحـرب الكـلامي الذي بدأ بين آلـن ومَـهتاب!
لقد بدأت امـتهنُ تخصصي دفاعاً عن صـدامّ ..
لا أودُ مجابهتـها بخصـامّ لا نعودُ به إلا بخفيّ حُنـيـن،
أعلم أنها قد تشبعت بالفكر الخميني والـصفويّ وهـذا ما يجعلها تستنكر أي كلمـة تُقال بحق الرئيـس..
حديثي معها لن يزيد اللهب إلا وقوداً، فحربٍ استمرت بالنيرانِ عشر سنوات لن تنطفئ عن ألسنـة الشعـب طوال العُـمر ..
سوف نُقبر ولن يُكتب على قبورنا تلك المُسـميات الدنيئة ،
لن يُكتب على قبري "ناصبية" ، ولن يُكتب علـى قبر شيعيةً بجانبي "رافضـية"..
كلانا سنُقبر بمقابر مُسلـمين فلما الفُرقة التي قامت بيننا !!
ناهيـك عن حرب الأعـراقِ التي تضامنت مع حرب الطوائـف ،
فأنا الآن أقعدُ على أرضِ قُنبلةً موقوتة تُصنّع بيد الاكـراد يقولون أنها لن تنتهي الحرب إلا وقد أقامت الاكراد إقليـماً خاصاً بـها ..

حتى أن الغـازي أصبـح يُسمينا بأسماءٍ "إرهابية" طائفـية!
فمن عاشـر قوماً أربعيـن يومـاً أصبح منهمّ. . .

***


قَدمت إلـي أُخـتي الصُغـرى التي كانت شبيهةٍ بالزُمـرد!
فقد تلاقيـا هذين الفتاتين مرة واحدة عندما أتت زمُرد معي أنا وصادق إلـى ديـالى، وبقيت ملاذ محفورةً في ذاكرتها أياماً بلياليـها ولا نتحدث بشيءٍ إلا وقالت لنا هكـذا قالت مـلاذ وهكذا فعلت .. فتاتيّ الرابـعة عشـر لم يلتقيا بعد!
ولكن التقت الأخـرى بأخ زُمرد بعد مرور تسعِ سنوات على اللقاء الأول ..

تحدثت مـلاذ: أبـو آدمّ عليك الله لا تضوج،
ما يلبكَ لك الزعـل يا جمـيل !

ابتسمتُ على مزاحـها اللطيف: أروحن لـج فدوة،
ما متضوج بـس شايلّ هم روحتكمّ باجر لأبـونا .

تحدثت وهي تلفظ أسمه كما ألفظه: أبـونا حبّاب من نكول له راح نسـاعد مطلوبين راح يوافكَ .. وهمين أبـوي يعرفه.

تحدثتُ إليـها وأنا أعلم أن يُوحنا وطنيّ لن يردُ من أتاه ناصيه بأمر مطلوبين : مـلاذ أريـد منج شـغلة.

ابتسمتّ وهي تقول : تأمر يابو آدمّ ما تطلبّ ..

يا لطافة هذه الفـتاة!
ليـتها تُخبـر تلك الصلفة عن اللطافة التي تجهل!: كَالج صـادق وصف البيت ؟
أومـأت برأسـها .. ثم أكملت شارحاً لـها : بالطابكَ ياللي فوق ثـلاث غُـرف.. صح؟

أجابت بكلمة واحدة : صح.

أكملت حديثي: تلاكي بالغرفة الثـانية كاميـرا وسنسـال ذهب جيبيهم،

ثم أكملت مُحذراً : محـمد لا يدري لهمّ!

ضحكتّ: ومن اللي ديجيبهم لك؟
مـحمد حالف ما أطب شقـلاوة عقب اليومّ..

ابتسمت على ضحكتها التي لا تشابه إلا ضحكات طفلةً تحادثُ والـدها ،
شعرتُ بحديثي معـها بشعورٌ لم أشعر به إلا بوجود أخوتيّ ..
شُعـور الأبـوة الذي يخالطه طيش الشبـاب .. لقد ملأنـا الطيش يا مـلاذ ،
طيشاً من نوعٍ جديد!
طيش الحـرب.. لم يعشُه أحداً قبلـنا،
نتسـامر على تركيب ذخيرة رشاشٍ سوفيتي ، ونتضاحك انتصاراً على رُفـات جُنـدي!
هكذا غيّرتنا الحرب وصيّرتـنا ..
تُناقضـنا الحرب وتبحث خفايانا..
لا تُفكري بما أُفكـرُ يا صغيرة، لا تتعمقي بكل هـذا فقط نفذي لـنا خطتنا القادمة وعودي إلى مُجلدات القـانون التي تملأ أدراج غُرفـتك وأنكبي عليها ..
لا تعودي هُنا ثانيةً .. لا ترين الحرب من قربٌ وعن كثب!
لا تُسجل ذاكرتك كل هذه الأمـور ، فقط اشغليها بسطور تملأ كُتب الدراسة..
وأجعلـي من هذه الكُتب جنداً .. وأنت محارب يريد القضـاء عليـها ..
لا تعودي ثانيةً يا صـغيرة!
هكـذا أصـبحنا نقف في أرضِ شـقلاوة مستعينين بشخصٍ من ديـالى حـتى يُنفذ معـنا عمليةً فـي بغداد ..
رأيتِ التناقض الذي سيّرتنا له الحرب ولم تخيرنـا !

***

لما كل هذا الرضـاء الذي يكسـو ملامحه عندما تدنُو منه !!
كيـف لغضبانٍ أن يبتسـم في ظرف ثوانّ،
غريبِ الأطـوار أن صح المـعنى .. تمتلك هذه أبنة ديـالى سحـراً أضفته على الجميع..
بدايةً بزينب التي استقبلتها فور وصـولهـا..
ثم بصادق الذي يحادثـنا وعيناه تنتقل إليـها خلسةً،
وما أثار أعجابي أحدٍ مثلُ آلن !
يتركاه رفيقيه بغضبـه لأنه كما تقول زينب " لا تواطـن "..
لكنها لا تعلم ان هذه المـلاذ واطنته وفردت حاجباه وبينت صفّ اللؤلؤ الذي قليلاً ما يُبـان!
ماذا قالت له حتى دنا منها ضاحكاً ،
ما الذي حذرها منه بلطفٍ وجعلها تضحك وسط تأملاته البـاسمة!
كيف يكون ذلك على مرأى أخيـها؟
توقعتكِ امرأة ناضجة يا أخت مُحـمد !

***


الصُبـح لم يكنّ كسابـقه!
فضـلاً عن أنه بداية أكتـوبر الخريفـية التي بدأت تُشتّي بها أجـواء شقـلاوة،
صدقت أختي زُمرد عندما قالت نهاية أيلـول غدارة!
فقد بدأت الحُمـى الموسمية تنهش بقوته صـادق، مما جعل زينب تسهر بجانبه طـوال الليل ، متخذة طور الممرضة التي لم تمارس منذُ عشرين سنة فائتـة،
دلفتُ البـاب ناظراً إليـه، لقـد نامّ بعدمـا أوصتني زينب أن أرعاه حتى تصحو!
بوجهٍ أبيضاً اعتلت وجنتيه الحـرارة، يعُود صـاحبي إلى أيامّ مراهقةٍ يتضجـر بها بوجهه إلى أحمرٍ ..
نتيجة غضبه ، لعبه ، مرضه!
كان ممتعضاً من هذا اللون الزهري الذي يراه عائقـاً من لعبه مع شبيبة المتوسطة التي بدأت تُسـمي نفسـها بأسماء الأبـوة!
لا تجد طالبـاً إلا وأتخذ من أسم أبوه إلا أسم ولده ، وقـتها كنيتُ نفسي بأبو آدم!
بينما كنّا صادقـاً نفسـه بأبو كاظمّ!
فبقينـا إلى يومنا هذا بهذه الأسـماء ..


دنُوت منه بعدما جلبت له إفطاراً جهزت زينب قبل أن تنمّ : صـادق،
يلا قووم!
النّوم يزيد الحمـى.

نهض صادق بثقل: عوفـني، ما نمـت إلا الفـجر.

مددتُ يدي منتظراً يده تلقفني حاثه على القيـام: كَوم أفطـر وبعده نامّ.

أمسك يدي، وبدوري أوقفته..
ماذا لو رحلَ صادق؟
هذا الشيء الذي نبهتني عليه زينب مساء البارحة ولم القِ له بالّ!
زُكـامٍ طرحه في فراشـه أيقضني من مخدعي،
كيف لو ذهبتُ مُجاهداً واستشهدت أو اُسرت!
أين سيذهـب بزينب ومَهـتاب؟
أعرفُ صاحبي ينتظر الموت ولا يخاطر بنساء!
فان كان لطيفٍ غير عدائي ، هذا لا يمنع انه شهمٌ ضرغامٌ أمام من يعاديه،
لا أجد أحدٍ أكفئ من صادق استند عليـه حتى ولو كان أخي ينـال،
يصدقُ ما يُعـاهدّ!
لقد عاهد بَسـعاد أن لا تبتئس وهو بجانبهـا ، عاهدها قديمـاً عندما طلبت منه مجيئ امرأة تُسلي غُـربتها..
عربيٌ غـيور!
يرى بَسـعاد العروبة التي لا أحد يُدنسها ولا يُنزل لها دمعـة!
لقد أخطأت كثيـراً بحقـها فكان صادقٍ ظاهرياً غير مُـتهم، وما أن ترتحل حتى يُدافع عنها دفاع المُستميت الذي حلف أن لا يعودّ إلا بما أراد !

لن أجـاهد وصادق هُنـا ..
فأنا أعلم خطر جهاده ، كما أعلم أيضاً خطر بقاءه!
لا أود له الرحـيل مُبكراً ، ولا حـتى التغييب الذي أفقد أغلب العراقيات مصير ابناءهم ، فلا تعلم هل هو في معقلٍ او شهيدٍ .. أو نفيَ إلى اميركـا .
لا أود هذا الطريقُ الشـاق له،
فقد تجرع ما يكفيه في حيـاته..

حدثنّي بعد عودته وجلـوسه على السـرير أمامي بينما أنا في مكاني على الكرسي وقتما أيقظته: اشبييك احاجيك ولا انته وياي؟

نظرتُ إليـه متفحصاً وجهه الذي رسمّ الوجع تقاسميه في تلك الملامح: شلون صرت الحيـن؟

تحدث مُبتسماً ، ابتسامة أخذ منها التعب رونقـها ولكنه إبقاء بها حياة لا تشابه شيئاً آخـر .. تُشابهه صادق وحدهّ: لا الحمّد لله هسّه احسنّ.

قطع عليـنا حديثنا إضـاءة إنارة الغرفة المنقطعة من أربعة أيام،

وقفـنا جميعنا بعد قول صادق: تعـال نفـطر تحت فرصة ما تتعوض!

نقلت الفطور معي، أصبـح التلفاز ومتابعة الاخبار صوتٍ وصورة فرصةً لا تتعوض !
هكـذا أصبحت فرصنا التي ننتهز بين حينٍ وآخر..
وهل يُعقل أن عراق الأعـراب أول بلدٍ أنارت بيوته الكهرباء يفتقدها في القرن الواحد والعـشرون!

***


ماهذا الصخّب الذي عكّر عـلي نومتي، نصفُ ساعة والصوت يرنّ في أذني،
الساعةُ لم تتجاوز التاسـعة!
تناولت حجابي الموضوع جانباً تحسبٍ لطرق البـاب، أحكمت حجابيّ مكتشفة هـذا الصـوت الغيـر مألـوف وكانه صوت مُذيـع اخباري!
مُذيعٍ اخباري في هذا البيت؟ وفي شـقلاوة التي تُعاني من نقص الوقود ونقص الكهربـاء ..
نزلت أسـفل، ووجدتُ زينب وأبناؤها في جلسة جانبية، يتابعـا التلفاز الذي أصبح أحد أُمنيـات هذا العصـر ..

صبحت عليهمّ بصوتٍ هـامس، ثم شاركت زينب الإفطار،

وسط أتكأ صادق على أحد الصوفيات مُسنداً رأسـه للجدار، وملازمه عاقدٍ حاجبـيه متمعنٍ بقول المُذيـع: وآخـر خبر سجلته الصُحف عن الرئيس في منتصف أيلول الماضـي عندما أمـر شباب العراق اليـافع بالجهـاد . . .
ثم ابتدأت بعده أنـاشيد الثـورة التي قد سمعت معظمها مع أخـي يـامن الذي يجمع لي الأخبـار ومصادرهـا حتى أنشرُ خبراً ..

يا كـاع ترابج كـافور
ع الساتر هلهل شاجـور ..


أرى ابتسامته تتوسـع وحاجباه تنفرج!
أ هكذا يفعل حُب العراق في قلبك؟
أنت لا تعلم دسائس هذه القناة التي ذكرتك بمقولة الرئيس الأخيـرة ثم قرنوها بأناشيدهم الثورة التي لا تُشابه نشيدٍ قبله!
فقد أقترن بحرب الخليج الأولـى التي عشتها في أواسط طهـران،
لقد مرّت من فوقي صواريخٍ مذعورة منها .. وبنفس الوقت قبل أعوامٍ أحتفل هؤلاء الجلوس أمامي بهذه الصواريخ!

نظرت إلى زيـنب هامسةً: اشبيه صـادق؟

تحدث زيـنب بحنان الأم وقلقها : أروحن له فدوة،
من المسـاويـات وأني حاسه بيه تعبان، ما دتشوفيه كيف جان ما يتحرك كثـيرّ؟
هوه هيج من يومه ما يقول أخ!

تحدثتُ إليـها وأنا أشعرُ بما تشعر به تماماً، فقد فقدت الاتصالُ بأبي وأنا كل ليلة ينتابني شعور الفقد أكثر من أي شعور : ما يشوف شر إن شاء الله..

شدّني تغيير آلـن محطة التلفاز متنقلاً بين القـنوات، حتى أتت قناة إيـران الرسمية، بمذيـعها الذي أعشَق حديثه، فهو أسطورة الحوارات السياسية فزّيت واقفة : عليك الله ما تغيّر!

لا تهمّني نظرة الاشمئزاز التي تسكُن عينيه!
وقفت جانباً بقرب التلفاز ، قارئة ذاك الشـريط الاخباري الذي أثـار غضب آلن لجهله بما كُتب بـه،
وجهله أيـضاً بفارسية المُذيـع فلا يعلم من حديثه إلا كلمتي " صدام وبوُش".

ومما أثار غضبه وجعله يقف بجانبي عندما قرأ كلمة عراق في الشـريط الاخباري : اش مكتوب؟

نظرتُ إليـه وأنا أتلاعب بأعصابه: ما أعـرف فارسـي ..

نظر إلي نظرة أرعبتني .. ليس أنها مُرعبة!
بل لأن بهـا الكثـير من الـرجاء الذي لم أعهده، أ هكذا تفعل بك عراقك ورئيسها، تتابع الشريط الاخباري الفارسي حتى تجد زلةً عليهم وتنتقم من إيرانيةً عربية بين يديك!
تحدثتُ بعد تلك النظرة التي أماتت بداخلي شعورٌ لا أعلم ما هـو،

يبدو أن لهفته تشابه لهفتي التي جعلتني أطلب منه أن لا يُغيّر ما وضَع حتى ألمح خبراً يخبرني عن طـهران: يكَولون بُوش متوعد بكل واحد تابع لصدام،
وهمّين بعد – ازدرت ريقي من نظرته – يكَولون العراق كلها راحت بإيده!

عاد إلـى مكانه، ويبدو أنه مسـالمٍ اليوم لولا انعقاد حاجبيـه مُجدداً : يديهمّ وما تطـول صدام ما تتحـداه هالـشواربّ!


أيا لصدامك العجيـب!
لا تستطيع ان تتحداه اميركا وهو مختبئ ولم يواجهـها..
أي شواربٍ تتحدث عنـها يا هذا ؟
هل تقصد الشـوارب التي اقتادتنا من بغداد إلى بيتٍ ريفي في شـقلاوة!
هل تقصد الشـوارب التي ذهبت بك من فرعك السكني الذي يضمّ كبارية بغداد إلـى وقوفك بجانبي تتهجأ أحرفٍ فارسـية تخص قائدك!

***


وقفت بـجانب مُحمد
وأنا أحكم حجابي المُحكمّ، أمسـكت بعضد محمد بعدما عتبّنا باب الكنيسة!
هذه الكنيسة التي قال آلـن انها بسيطة، لا أعلم لما شعرت بالعظمة عند رؤيتـها، وهل يرون المسيح هذا الشـُعور روحانية؟
لا أعلـم لما أحسُ أنني أخطو خطواتٍ خاطـئة!
هل لوجودي بمعبدٍ غيـر المسـجد؟

سميّت بالله مارةً بجانب مُحمد وسط الكراسـي الضخمة التي تملأ الكنيسة،
ثم خرج علينا رجلاً يتسربلُ بالسوادِ ، وقبعة سوداء طويلة ممدودة إلى الأعلـى تتوسط رأسـه، وذاك الصليب الذي يشابه صليب آلن..
لولا ضخامته وكبر حجمه الذي يبين من بعيد .

قَدم إليـه مُحمد بعدما عُدت خلفه : السـلام عليكم .

تحدث الآخـر بعدما عرف ماهية الدين الذي نعتنق بعدما استغرب عدم تقبيلنا ليده : وعليـكم السـلام!

تحدث مُحمد شارحاً له مجيئنا له : احنا جاييـنك من طـرف آلن!
تعرفه ؟
اللي جاك منهزم من كم أسبـوع.

أدّكر القـسيس ذاك الهارب : حيـاكمّ الله!
شخبـار آلن ، وصل أهله ؟

تحدث مُحمد بعدما أشار لي أن الحق بهما بعدما أشار له القسيس أن يتفضل داخـلاً : يسلـم عليك ..
***
ما ذنبها حتى يعاقبـها صاحـبي بهذا البروُد الذي يخاطبه بها ،
ما ذنبها إذ نشرت قناةُ إيران حديثاً عن صدام!
فكل العالم يتحدث عنه اقتصر الإساءة فقط لإيـران ..
أوعدتُ مُحمد ان لا أتدخل بينهمـا فلم يزيد ذلك النار إلا لهبٍ،
نظرت إليـها وهي لم تزّل تقرأ ذاك الـشريط الاخباري بتمعن،
مع علـمي ان الكلام أُعيد لأكثـر من مرة.. ولكـن ما زلت تقرا !

سألتـها .. أو سألت لهفتها ولمعة عينيها التي تأتي بعد كل خبراً تقرأه : هاا لكَيتي خبـر شـيرين؟ "شيرين = زين بالفارسـية".

نظرت إلـي ضاحكة : كُلش شيـرين .

وما قالت جُملتها حتى عادت بجانب زينبّ ، محادثتها بصوتٍ هـامس،
مما جعـل آلـن يُعيـد التلفاز على محطته السـابقة ببدء أغنيةً ظهـرت بها صور صـدام التي شبّعت الفيديو حتى الموت!

مما جعل صاحبي تنهال سرائره وتنفـرج: أكَول أبو آدمّ.

ابتسامته لا تزلَ عالقةً بالتفاتته التي تُنبئني انه صبّ جُل اهتمامه لحديثيّ : لازمّ نخـابر مـحمد ، بلكي ما لقى يـوحنا أو تعرض لهم أحـد.

أعـاد نظرة إلـى التلفاز: العصـر ان شاء اللهَ ، وكتها يكونون خلصوا كل اشي..

فزّت الأخـرى بلهفة : دتروحوا الكبينة ؟

نظر إليـها آلـن بعدما اكفهررت ملامحه ، ثم اجبتها : ان شاء الله – ثم عرضت عليها – دتروحين ؟

تقدمـت قليلاً: أي اروحن لكمّ فدوة،
بخابـر بابا .

تحدث آلـن : مرةً لُخ!

لم استطع ان اُحيده عمـا نوى ،
أعلم انه ينوي تأديبها بهذا الأمـر .. حرمانها من مكالمة أهلها بحد ذاته وجعاً على فتاةٍ فزّت بعدما ايقظها الحنين لهفةً!

***


لن تذهبـي الى مُحادثتهم مُجدداً ،
فعودتك إلى محادثتهم .. تعبي عودتك إلى طـهران!
والله لن تعودي إلـى طهران قبل أن تشفِ القلب من كمدٍ،
ابقي هكذا بجانبي أقطعي صلتك بأهلك كما قطعتي أوتار قلبـيً!
قلبي القوي خرج من صدرٍ قـوي ثم خرج إليـك ضعيفاً ينتظر لمسة حنانٍ من يديكِ!

نظرت إليـها : مرةً لُخ "مرة ثانية".

أراها تعود دون ان تناقشـني وتُكمل حديثـها مع عمـتي وصادق الذي يشاركهم الحوار من بعيـد . . .

***


عصـر 1 أكتوبر..
عُدنـا إلى القسيس الذي قال لنا صباحاً عودوا إلى الرابـعة،
حتى أجهز لكم هوياتٍ جديدة تحمل الديـن المسيحي !
لبستُ لبـاسٍ سلمني إياه للتـو "يوحـنا"،
لم يكن إلا عن تنورةً سوداء تعلوها سترةً بنفس اللون، وفوقهما صليباً ضخم يصـل إلى منتصف بطـني،
وأرد مني نزع حجابـي حتى تكملّ الصورة للجُـند،
لولا أنني غطيت شعري بعدما لففت عليه الحجاب، مستغفرة ربي على ظـهور عُنقي الذي لم اخرجه لأي رجل منذَ أحدى عشـر سنة !
ذهبت إلى أخـي الذي ساعده اللبـاس الحضاري على أن يكتفي بلباسه الذي جاء به وهو عبارة عن بنظال أزرق يعلوه قميصاً أبيض .. فقد أضاف الصليب الذي حملت أخـاه!
كُتمت انفاسي طـول الطريق الطـويل الذي لم يكن ستين كيلو كما يقول مُحمد ،
بل ستـون قرنـاً . . .

لم أستطع أن أتحدث وأنا اراه يتجاذب أطراف الحديث مع أخـي،
لم أكن مستمعة ولا مستمتعـة أيـضاً،

خائفة من هذه الخطـة التي للـتو علمت بجنونها عندمـا رافقنا القـسيس الذي سألني : تعرفي تحجي انقليزي ؟

أجبته بصوتٍ هامسٍ فلو خلعت حجاب عُنقي لم أخلع ديني،
بل تركي لجزء من أجزاء الحجاب جعلني متوحلّه بوحل الذنب الذي استحي أن أقـابل ربـي به!
ولكن ياربّ أنها نصرةً مـظلوم! : أي عمّي أعـرف.

أومـأ برأسه : خـلاص ما تتحجين ولا حرف عربي،
هوياتكمّ بلجيكية .
***
أصبحت هذه العراكات جُزءٍ لا يتجزأ من يومي،
حتى أنني فقدتُ ردها على آلن عندما رفض ذهابها ،
بل وبقيت مسالمة حتى انهت غسيل أواني الغـداء، وذهبـت أعلـى إلى غُرفتها حتى تنمّ متحججة بإيقاظها مبكراً بصوت التلفاز !
حملت فناجين القهـوة التي الحقـتها بقهوة العـصر التي تمتد إلى صلاة المغرب في فناءِ المـنزل ..
أسمع همس أبنيّ من بعيد ، وأنا أعلم أن هُنالك أمرٍ يُخبئانه ولا ريث انه عن مُحمد ..

تحدثت إليـهم : محمد اشبييه ؟

تحدث آلـن بابتسامة : ما فيه إلا الخيـر،
توه بدري الوكـت .. واحنا ما نعرف متى يطلع من هـناك،
علمود هيج أجلنا روحتنا بالليل .

قعدت مقابله لهما وأنا أسكب لهم فنجاين القهوة مستودعه الله في سرّي لذلك الـولد وأختـهّ!

***


رافـقنا عسـكر آخر حاجز ، ذلك العسـكر الذين قد تعاركنا معهم ليلة اعتقال مَهـتاب ، يتقرب العسكر من القسيس ويتبركون بلباسـه ،
وسمحوا لنـا بالدخـول وتسلمينا مفاتيح البيت التي كانت بحوزتهمّ بحكم قربهم من المـنزل ، تحدث

أحدهم بانكليزيةً أفهمـها : قلت لي أن هذا البيت يحمل آثـار مسيحية؟

أومأ يوحـنا برأسـه،

ثم عاد ذلك حديثه: سأدخل سُياحك وحدهمّ ولكن بشرط.
نظرت إليـه بقوةً لا أعلم أن لاحظـها أم لا.

ردّ عليـه يوحـنا : وما هو شرطك أيـها الجُندي؟

تحدث مُجدداً بابتسامة حالمـة : تُصلـي لي أن عُدت للكنيسـة،
وتدعوُ لي أن أتزوج عشيقتيّ التـي تركت في أميـركا ..

تمتم القسيس كلماتٍ أرضت العسـكري الذي وعده أيـضاً أن يُصلي له فور عودته للكنيسة.

***


أرى مُحمد الذي تعلقت عيناي به خوفاً من فقده بين هؤلاء المسيحيين،
ماذا لو خطط هذا القسيس مع عسكره !
لقد تقرّبا منه بما فيه الكفاية، وهذا دلالة على معرفةٍ سـابقة بينهما ..
لما مُحمد غاضبٌ هكذا ، ما الذي دار بين الجُنـدي والقسيس !
حاسـتي السادسة لا تخـيب ..
لابُد من الهـرب، حتى القسيس لا أمانٍ معه!
كيـف أُنادي أخي من بينهم وأخطفه عن الأنظـار ، كيف تسلموا مفتاح البيت وهم لا يعلمون اننا سنطلبه؟
هل هذه دلالـة على وجود كمينٍ في الداخل؟

وقفنا أمام البـاب حتى أشـار لي محمد بين جمـوع العسكر والقسيس أن أدخل!
وددت لو لي القدرة على قول أدخل معي،
ولكن أنعقد لساني وخفت ان يشتلوا علـى أمرنا ..
سميّت اللهَ ثانية وأنا اردد اسمه في قلـبي ثم دلفت الباب متألمة هذا البيت الذي كـان سكناً لزينب وابنها ،
علي انهاء المهمة بأسـرع وقت ، وما ان تحركت قاصدةً السـلالم حتى
فـزعت بعدمـا أحسست بأن يدٍ تمسـك بعضدي ثم تهمس بإذنـي : .........

انتـهى




مخرج الفصـل الثاني والعشـرون:

ايه بغداد والليالي وكتاب
ضم افراحنا وضم المآسي
عبث الدهر في بساتينك الغناء
والدهر حين يعبث قاس
فتصديت للغزاة وجابهت
اذا هم مثل الجبال الرواسي

×احمد رامـي×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 04:40 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الثالث والعشـرون

أبشرْ عراقُ ففي الغيوب وعودُ
وكأنها بشراكَ جاء العيدُ

أبشرْ عراقُ فإن مجدك راجعٌ
نضراً عليهِ من الجلالِ برود

×حيدر الغدير×



لا تلهيكم الرواية عن ذكر الله ..



أرى مُحمد الذي تعلقت عيناي به خوفاً من فقده بين هؤلاء المسيحيين،
ماذا لو خطط هذا القسيس مع عسكره !
لقد تقرّبا منه بما فيه الكفاية، وهذا دلالة على معرفةٍ سـابقة بينهما ..
لما مُحمد غاضبٌ هكذا ، ما الذي دار بين الجُنـدي والقسيس !
حاسـتي السادسة لا تخـيب ..
لابُد من الهـرب، حتى القسيس لا أمانٍ معه!
كيـف أُنادي أخي من بينهم وأخطفه عن الأنظـار ، كيف تسلموا مفتاح البيت وهم لا يعلمون اننا سنطلبه؟
هل هذه دلالـة على وجود كمينٍ في الداخل؟

وقفنا أمام البـاب حتى أشـار لي محمد بين جمـوع العسكر والقسيس أن أدخل!
وددت لو لي القدرة على قول أدخل معي،
ولكن أنعقد لساني وخفت ان يشتلوا علـى أمرنا ..
سميّت اللهَ ثانية وأنا اردد اسمه في قلـبي ثم دلفت الباب متألمة هذا البيت الذي كـان سكناً لزينب وابنها ،
علي انهاء المهمة بأسـرع وقت ، وما ان تحركت قاصدةً السـلالم حتى

فـزعت بعدمـا أحسست بأن يدٍ تمسـك بعضدي ثم تهمس بإذنـي : وين رحتي و عفتيني وحدي بينهم ؟ كلت لج انطريني !

ابتسمتُ لصوته الذي همس به خوفاً من وجود أحدٍ قريبٍ يلتقط لكنته العربيةّ : انته شاللي أخرك ؟

تحدث وهو ينقل نظره بين أزقة البيت خوفاً من مرأى أحد : ما عافني القسيس إلا هسـه !

صعدتُ معه أعلى : محمد،
قلبي ما مطمنّ مدري ليش!

سبقني وهو يُعلي صوته قليلاً : ما صاير إلا الخـير، خل نخلص بدري ونمشي!

ذهبتُ معه أولاً إلى غُرفةِ زينب مُخرجيـن الصندوق الأثـري الذي يحوي ذهبها لقد قالت ان هذا الصندوق هدية جهازها من أخيهـا كاظم!
خرجـنا وإذ بمحمد يفتح أيـضاً الغُرفة التي دلّني عليها آلن ..
غُرفة مُرتبة لا تليق بآلنّ الفوضوي!
يوجد بها صورة مريـم العذراء ، ولكنني لم أرَ صليبٍ وصفه لي،
يبدو انه أحترم اسلام البيت وأهله ولم يستطيع أن يُعلق صلبانه،

سألت مُحمد الذي أخذ له مَقعداً بعدمـا حصل على عدةِ أوراقٍ وصور وبدأ مهمته بالبحثِ عن ملكية البيت: محـمد،
آلن وصاني أجيب له سنسال وكاميـرا ، ولا أعرف وين ظامهم والغرفة عودة! "كبيرة".

تحدث منشغلاً : لحظة خل أخلص اللي بيدي..

قعدتُ بجانبـه على الـسرير منتظرة انتهاءه من البحث،

لفت انتبـاهي صورتين خلف بعضها، مددتُ يدي: انطينـي .

مدّهما لي دون أن ينظُر إليـهما، كانت الصورة الأولى تحوي صورة آلن في فتوته وبجانبه شابٌ يشبه آلن أكثر من آلنَ نفسه!

خرجت كلمتي عفويةً : حبااب، باوع يخبل .

نظر مُحمد إلـى ما أرنـو إليه، كان آلنٍ مبتسماً ابتسامةً لم أعهدها، ابتسامةً صادقـة ، وعينين تلمع بهجةً بهذه الحـياة،
من عينيه وتفاصيل وجهه يبدو انه عاش حياةً مترفة لا تخلو من الشـقاوة!
ابتسم مُحمد بعدما تأمل الصورة بشكل آخـر : ضميها وياج! "خبيها".

فتحتُ حقيبتي وخبأتها هي وثانيتها دون ان اراهـا،

أخيـراً أخرج محمد ورقة المُلكية التي أتينا من أجلها ،
ثم قال لي: شاللي وصاج آلن عليـه؟

هل أقول له أمر الكاميرا ؟ رغم توصيات آلن أن لا يعلم محمد بشيءٍ عنها !
ولكن كيف لا يعلم عنها وهو من سيوصلها له؟: رايـد سنسال وكاميـرا ..

رأيت استغرابٍ يعقد حاجبيه: كاميرا مال شنـو؟

رفعت كتفاي دلالة اللا ادري : هيج كال لي ..
تقدمّ مُحمد باحثاً عنهما، وسط خجلي من "تفتيش" مستلزماتِ رجل!

فتح مُحمد أدراجٍ تحاوط السريـر ، فوجدت ضالتي الأولى بها : باوع هذا السنسال اللي رايد .

رفعه مُحمد ولم يكن إلا سواء صليباً يشابه الذي نلبس بشكله ولمعته، فضلاً عن حجمه الصغيـر نوعاً مـا : متأكدة هذا اللي رايد ؟

أومأت برأسي مُردفة : دخيلك يالله دور الكاميرا ، تأخرنا .

لم نتأخر ولكن قلقي كان أسرع ،
ماذا لو نزلنا تحت وطلبوا منا رؤية الآثار التي يتوقون إليـها ويبحثون عنها كبحثنا الذي اتى بنا من بلجيكا !
ماذا لو كشفوا الكاميرا وعلموا انها تعود للصحفية المطاردة،
وقتهـا نسأل الله أن يُمنن عليـنا بأبو غريب بدلاً من النفيّ ..
لقد تهورتِ يا مـلاذ بهذه الخُطة التي لا تعرفي شيئاً عن خطوتها القادمة!
أصبحنا نخطي خُطانا على البركة كما يقولون..
نظرت إلى مُحـمد الذي أخرج مُجلدٍ يشابه مجلدات الطبـري العظيـمة، اقتربت منه واستغرابي يزيد من هذا الرجل غريب الأطـوار يحمل بين طياته أشياءٍ غريبة!

سألت مُحمد الذي أغلق الكتاب حالاً بعدما عرف ماهية أمره: شنو؟

تحدث وهو ينظر إلـي: مُذكـرات!

ابتسـمت،
هل آلن قادراً على مسكةً القلم ليدون مُذكرات ،
هل تطيعه الأحرف على الكتابة!
تقدمت إلـى مُحمد: عفيه حمّود، انطينياه.

عقّد حاجبـاه : اش رايده بيـه؟

وهل هذا سؤالاً يُسـأل : دقراه،
قابل اش رايده بيه؟ "قابل = يعـني".

تحدث وهو يغلقه ثم يعاوده إلى مكانه: عيب بابا ما يصير!

وما هو العيب؟
هل هي مُذكرات صديقه ، أو تطفلـي عليها؟
ليس تطفل!
أريد أن استكشف هذا الرجل الغريب الذي ظننتهُ أبسط من ذلك .

نظر إلـي محمد: هاي الكاميـرا ياللي قالج ؟

نظرت إلى ما في يده: أي!

مشـى بخُطاه مُخرجاً مفـتاح الغُرفـة: يلا مشيـنا .


أخيـراً أتاني الفرج!
وأكملت خُطتي وخرجت "ببياض الوجـه" أمامهم.
خرجت مُسرعة خلف أخـي الذي بدأ ينده عليّ طالبنـي الخروج وسط سرحاني!
نزلنـا اسفل وأنا أحملُ بين يدي الصندوق الذي بدأ للجُند أنه الآثـار!
ولكنه ذهب زينب أم المطلوبين!
بينما مُحمد يحمل الكاميرا على كتفـه وكأنه أتـى بها ..

وقفَ مُحمد بجانب القسيس متحدثاً بانكليزية : لقد وجدنا ضالتنا يا أبونـا ..

ابتسم القسيـس: هـذا جـيد، أعطني المفـتاح !

تناول المفتاح مُسقطه بيد رئيس الجُند : شُكراً لكمّ،
لقد خدمتمّ يسوع هذه الليلةّ!

تحدث الجُندي الذي تفوه منذ قليل: لا تنسـى صلواتك لي يا أبونـا .

أومأ القسيس برأسه مع طيف ابتسامة حل : أعدك بذلـك .

خرجنا من هذا البيت .. العراقي الذي ملك أقفاله أميركان!
وكأنه باب حرمٍ أشرف عليه يـهودٍ،
وهل لليهـود من سقاية في حـرمـنا ؟
وهل للإميركان مكـانٍ في مساكننا حتى يشرفوا على بيت صـادق وآلن !
بيتُ آلـن الذي حُوطت أسواره بأسـلاكٍ شائـكة،
مع وجود جُنديين في غُرفة في فناءه!
هل هذه الغرفة التي قال مُحمد أن آلن استخدمـها للحراسة !

نظر إلـي مُحمد والمكان قد خلا من الجُند : اشبييك صـافنة يلا مشيـنا .


***

لقد تأخرا ولم يذهبـا إلى الكبينة،
ما الذي أخرهما إلـى هذا الـوقت .. رُبـما أراد آلـن أن يُراضيني ويأخذني معهما ..
عليّ ان أذهـب وأجلسُ بجانب زينب حتى يُراضيني من قريبّ!
نزلت أسـفـل باحثـة عنهمـا .. لم أرَ أحداً مـنهم من الظهيـرة،

ندهتُ بصوتي كأحد الواجبات حتى أن كانا يتحدثانِ بحديثٍ خاصٍ يُغلقاه قبل مجيئـي : زينـب .. أم عـلاوي!

أتاني صوتها من قريب : تعالي ماما،
احنا هنـانا ..

لقد علمت مصدر الصـوت الذي أتـاني من الصالة المُغلقة،
فقد بدأ أكـتوبر وبدأ يبرد الجو ليلاً، برودة تتنافـى مع الجلوس خـارجاً تحت الأشـجار : السـلامّ عليكم ..

تحدث أولا آلـن : وعليـكم السـلام ، حي الله الخانـومّ !

الآن سيراضيني .. أعلـم نظراته وما تحوي!
رُبـما أستصعب رضائي في وجود عمـته وصادقّ، علي أن أصبر قليلاً حـتى يتحدث بذلكَ..

تحدثت زينـب: اش رايديـن عشـاء؟

صادق مازحاً : امّ عـلاوي اش هالرضـاء دتشاوريـنا !

ابتسمت: ولك مصخم،
فد مرة كليت شي ما عاجبكّ، حـتى أكلنا صار على مزاجـك ومشتهاك !

هل هذه دلالة على علم زينب بذهابي معهما وتلمح أنها هي من ستعمل العـشاء؟
عليّ ان أصـبر حـتى يتحدث آلـن!
لو طلب رضاي لن أتردد، فذهابي للكابينة عربون رضاء دائمّ ..

تحدث وأنا أسمـع لحديثه كلمة تلـو كلمة: يالله عميمة ، دتوصينا بشي !

تحدثت زينب : روح الله يسهل طريقكمّ،
بس هاا ماما انتبهوا من الطريج ورجـعوا بدري ، ما ضل وكت على العشـاء ..

لقد خرجا ..
لقد تركاني وحدي!
لم يطلب رضـاي كعادته، لم يلقِ لي بالاً ، لم ينظر إلـي !
حتى صادق لم يتحدث معي بشيء، لما؟
وأنا أتيت من أجل أن يكسبا رضاي ويأخذني معهّما!
لقد خُذلتي يـا مَهـتاب للمرة الثانية،
خذلكِ أخـوكِ أولاً .. ثمّ أبناء زينبّ ..

تحدث زينب التي شعرتُ للتو "لصفنتي" كما تقول : اشبيج حبابـة؟

ماذا أقول لكِ؟
أتيـت أُكسبهم رضائي وخرجـا دون أن يطلبـاه ؟
أم أقـول لكِ عن خيبتي بالذهاب معهما ..
لا تعلمي معنى أن يكون أباكِ مجهول الحـالِ بالنسبةِ لك..
وهو من عصا الجميع وجعلكِ تذهبي وحدك!
هو من علّمت يداه على خدِ أخي خالد أثر كفٍ جازاهُ به لأنه رفع صوته علي!
هو من أرغم أخوتي الأربعة على المثـول لأمرٍ سلكتهُ ولم يقتنع به إلا أبـي ..
كفاني كذباً .. لم يقتنع ولكنه لم يعصِ أمـري،
وكأنني أنا من وهبني الله رضـاء الأبناء !
لقد وهبني الله في ما مضـى رضـاء والديّ .. فقد كان يشحذا رضائي!
لا يخالفا قراري أبـداً .. وكيف يخالفاه وكان أبـي شيخٌ لعشيرتنا في الاهواز وتخلى عن مشيخته وعن بيته العامر حتى يذهب إلـى طهرانِ غريـباً ،
لا يستسيغه الجميع بحكم عربيته المريـرة!
لقد تحامل على بقاءه غريبـاً من أجلـي ، بعدمـا كانت أبواب بيته لا تغلق من كثـرة الضيوف!
كُل هذا جازيته بالهرب من السـجن وعدم اكتراثي بأمره!
ظاهراً لكم وله عدم اكتراثي .. ولكنني والله أحترق في اليوم ألف مرة بسبب مصيره المجهـول لدي !
لو طلب ابائي رضـاي لن يطلب أبن ابيه رضائي!
لقد خاب أملـي وخـابت اعتقاداتي التي ظننت بها ان الرضـاء واجباً على الجميع كما قُلب الحال واصبح اهلي يبحثون عن الرضـاء اللي اشح عليهم به،
لن يطلبهُ آلن ولو تكرمت عليه به!
لقد أصبحتِ مسخرةً يا مَهـتاب ..
ضحكت من روحكِ جوارحك!
هل هذا يستحـق دمعةً بللت وجنتيك ..

سمعتُ صوت زينب من جديد : ماما اشبييج ، والله وقعتي قلبـي ..

وقفتُ : ما بيه اشي .. بس اشتاقيت لأهـلي..


لا تتعبنا الأصوات الداخلية التي تستصرخ بـنا،
بل يعتبنا صدى هذه الأصوات أن خرجت !


***

من أمـام الكبينة التي تتوسط شقـلاوة!

أسمـع تلك المكالمة التي بدأها آلن: شكو ماكو ؟

تحدث مُحمد: كُلش مثل ما تريـد..

أردف الآخـر : للحيـن القسيس يمّك؟

تحدث مُحمد الذي أسمـع صوته بسبب التذبذبات التي تصلني بسبب ميـلان السمّاعةِ بيننا : الحمدلله كُلش تمـام ..

لقد علمت انها "تصريفه" وأن القسيس لم يزل بجانبه ،

تحدث آلـن مودعـاً : متى تجي؟

ابدأ الآخـر استياءه من أسئلة آلن التي ليست في محلها ولا وقتـها، لابُد ان القسيسَ يسترق السـمع! : اشبييك صاير طـرن – ثم همس- عقب باجـر .

بالكاد سمعنا صوته!

استياءه لم يقف على ذلك، فقد أغلق الخـط فور انتهاءه، وسط انزعاج آلـن من شكّنا في "قسيسه" : تره القسيس حبّاب اش بيكم انته وصاحبك؟

لن نراه كما تراه!
تراه الشـيخ الوقور الصالح، ونراه رجـلاً مهما أمنّا له سيحابي الجُند أكثـر مننا ..
لا تقُل لي دع عنك العُنصرية،
عليـك ان تعلم لو لم يخبره مُحمد انه من طرفك لم يقمّ بفعل كُل هذا ..

تحدثت إليـه مُجيباً : يمكن الحـرب افقدتنا الثقة !

استاء هو الآخر أيـضاً : شكو ؟
باوع خـالي ، كلهمّ يغدرون إلا القسيس ما يغـدر .

أجبـته وأنا أراه ينحاز لهُ : طيب ليش خبّيت على أمام المسـجد أمرك وطلبت منه تروح القسـيس؟ ليش ما بقيت يمّه وهو يوصلك لشـقلاوة؟

تحدث بصدقه الذي لا يعرف المجاملة كما اداري خاطره أغلب وقـتي : وانا اش عرفنيّ بيه؟
كل من لَبس لبس الدين مشكوك بأمره!

لقد افار الدمـاء في رأسـي .. يستوجب علينا الثقة بشيخه، بينما شيخنا أصبح احتمالية ارهابه اكثر من اسلامه : يُبه علمود هيج ما وثقـنا بقسيسك!

بدأنا نتلاسـن أمام الكبينة بسبب العُنصرية: ما باوعت بعُمري مسيحي إرهابي.

تحدث وأنا أتقن البرود الذي تلبس آلن : والإميركان شـنو ؟

لقد أجاب بصدقه: بس احـنا ما نستخدم المسيحية بالإرهـاب !
فد مرة باوعت مسيحي قبل يفجّر يقول يا عذراء ؟
فد مرة باوعت مسيـحي يقتل وهو رافع صليبه ؟
فد مرة باوعت مسيحي يـسافر لروسيـا ودول المسيحيين علمود يقتل المسلمين بيـها ..


لقد صدقت!
لا يوجد أحدٍ جعل من دينه إرهاباً إلا نحـنّ!
حتى اليـهود جعلوا من كـلابهم صهاينة وليس يهـود..
فقد نحنُ من احتمى شرذمتنا بالديـن، جعلـوا ديننا محط استهزاء وذعراً يسكن الجميـع !
لا ألوم الدول الغربية ان خلعت حجاب المسلمات وهذه اعمال رجالهنّ!
لا ألوم الدول الغربية ان حولت المساجد إلـى كنائسٍ ومتاحف..
لا ألوم أحدٍ ..
بل ألـوم انفسنا عندما تفرقنا بين سُنةٍ وشيعة متناسين من ينسب ديننا إليه ليواري سوءته ارهابه !

***


عُدنـا وانـا لم ازل ألوم نفسـي علـى ما حادثت صادق بهّ،
لن يضرني صمتي وسط شكوكه بالقسيـس، أغضبت صاحبـي وجرحته بدينه!
أعلم انني مُحقٍ بما قلت ولكن يتحتم علي أن اجعل رائي لنفسي ولا أفصح به،
يكفينا من النزاع ما حدث،
ويكفينا من الطائفية ما جرت ..
حتى أقوم انا وأدُمي قلب صـاحبي بدينه!
ما ذنبـه هو؟ هو لم يقتل ، لم يفجر .. لم يسلب، فقد دافع عن دينٍ يعتنقه مثلما أدافع عن ديني ،
ما الذي جعلني احادثه هكذا وأنـا أعلم أن دينه الآن في وحل الفتنة !
دينـه الذي جعلني أبقى بارضه وشرع في احكامه أن لي في الدولة مثل حقهم،
دينهم الذي كُتبَ في صحفه ان الحق حق وأن كان لـغير مُسـلم ..
لا أنـسى سجنِ مُسـلمٍ اعتدى على خـالي .. سجنوه بعدما دفع ديته!
هذه شرائع الدين الذي ينتمي له صادق .. وليس دين الإرهـاب،
اُنسيت ذاك الشعار البالي الذي لا يغني ولا يسمن من جـوع،
تُعلقه الأمم المتحدة على جُدرانها .. "الإرهاب لا دين له ".
لقد صدقت ولأول مرةً تصدق !

حادثت صادق السّاكن بجانبي: أكَول صادق،
اش رايك باجر نطلّع عمـتي من البيتّ.. خطيّة من زمان ما طلعت..

تحدث اللطيف الذي يبدو انه "تناسـى" حديثـي: نروح جبل سفين اش رايك ؟

وافقته الرأي: همّ أبعد عن النـاس علمود ما احد ينتبه عليـنا ..

***


لقد عادا احباب عمتهما بالوقت الذي حددت!
ما الذي سيضرهما لو ذهبتُ معهما ، هل به ضرر على احد؟
لا أجد سببٍ مقنعاً لبقائي هُنا.
لابُد ان اسألهم عن ذلك .. لقد قُهرتُ بأهلـي!
يشفي غليله بتركي خلفه وهو يعلم لهفتي .. وهو يعلم حاجتي إليـهم..
هو لا يشعر بي لأنه يحادث اهله كلما اتى مُحمد، ويجد هذا سببٍ لبقائي هُنـا لان لا احد يحتاج الكبينةَ غيري!
وانتظرت ذهابهم لأجل محمد .. وعندما حان الوقت لم أذهب.
الحقُ عليّ أنا ، لمَ أغضبه بيومٍ كهذا، لمَ أسمح له أن يشفي ما في صدره من غضب بهذه الطريقة!
لقد أوصاه مُحمد ان لا يحادثـني بشيء كحديثنا السـابق ، هذا ما جعله يعاقبني بطريقـة أُخرى!

ذهبتُ إلى زينبّ : وين ولّدج؟

لمحت بي العصبية ، مما جعلها تبتسم: بالصـالة!

ذهبتُ إليـهم وأنا لم أرَ طريقي من دموعٍ تكومت مُغشيـة بصري وبصيرتي،
دلفت البـاب دون أن اطرقـه: لييش ما اخذتوني وياكم؟

تحدث آلـن مبتسماً : على كيفج!
أني كَلت لج الظهر مرةً لُخ ولا أعترضتي .

اللعنة!
أخذ سكوتي رضاء!: قابل اعتراضي ديجيب نتيجة !

ابتسم لاغاضتي : بلكـي.

تحدث صادق: وحياتج لو قلتي لي ان لج خاطر بالروحة ويانا ما تضلين هنانا دقيقة!

لقد جنيتُ على حالي عندما صمتّ ..
خرجتُ بعدما شعرتُ أن دموعي أحرقتني!
لا أريد أن أشعرهم بضعفي .. أعلم انه يأخذني هزواً ويصفني بالصغيرة التي بكت لأنها ضيّعت على نفسـها مكالمة!
ذهبت إلـى المطبخ حيثُ زينب التي تُقطع خُضارٍ تعتبر كماليـات العشـاء !
لا فـائدة منها .

***

دمعهـا لم يكنّ سهلاً حتى ينزله صاحبي بين دقيقةٍ وأخـرى!
دمعـها غاليٍ جداً .. لم أسمح له بعد الآن أنزال دمعها ..
لقد عانت ما كفاها ، وليست أحد شموع المسيحي التي يحركهـا كيفما أراد للعبادة!
ليست صليبه الذي يُبدله بالأخر متى ما ملّ مـنه!
ليست فتاةً عادية حتى يعاملهـا هكـذا ..
لمَ لم أشعـر انها فتاةً محجبة مُحرمٍ عليه لمسـها ومجادلتها كما هو الحال مع ملاذ!
وقفتُ ناهضٍ إلى تلك المسلمة التي لم تعد مسلمةً بيننا ..
لقد سلّمنا أمرها لمسيحيٍ فرض عليها عهدته!
أُولم يشرع ديننا ان لا ولايةً ولا عهدةً لمسلمة بيد مسيحـي ..
نعم سأعاملك يا آلـن كما فرضت علي معاملتـك!
ترانـا إرهابيون وأنت شريف مكةَ بيننا .
كما انحزتُ لقسيسك سأنحاز لمَهتاب ..
وقفتُ مشتتاً بين رفيقي وبين عدوته التي تعتبر أختي من الديـن..

نظر إلـي ذاك الرفيق الذي مهما فكرت أن أقسـو عليه أعود من جديد إلى محاباته والوقوع فـي شراك ابتسامته الباهتة : وين رايـح ؟

حادثـته وكأنني لم أحادث نفسي منذُ قليل عن معاقبته ومعاملته بمثل ما يعاملـني : دشـوف مَهـتاب خطيّة!

تمدد على الكنبـة التي يستقل واضعاً ذراعه على عينيه : لا تتأخـر .

***


أراها تدخل المطبخ مواريتني دمعها ، لا أريد أحراجها والسؤال لما كل هذا البكـا ؟
لستُ غشيمة حتى لا اعلم ما سببه، لقد أتت من آلـن ..
لقد أبكاها كما أبـكاني أبيه سـابقـاً ، يا ليتُ أمرٍ يُكنّ في الصدورِ يُكشف!
ليت قلوبنا التي أصبحت مِلك النصـارى تعود لدينها بعد رِدة..
ليت الهـوى ينصاع لنـا ونُعيد قلوبنا إلى مكانها الصحيـح
أعلم العشـق.. وأعلـم ان ما بكِ عشقه هو،
لقد جنينـا على نفسنا يا أختُ يـامن !
لم يعد يهمني حالكِ وأنتي هُنا أمامه ، بل كل الخُوف عليكِ لو عُدتي إلـى بلادك تاركه قلبك متوجعاً من قبضة محبوبه!
انتي ستتركين قلبكِ هُـنا وتختارين البُعـد .. هذا أهون بكثيرٍ على من ترك دياره وأخذ قلبي معه!

هل أخبرك أن قلبـي أصبـح يتمتع بالهـواء البلجيكي ،
هل علمتي أن قلبـي البـغدادي عشق بغداده من أجل سيّد بغداد ،
فلم يجد سبباً لبقائه أسـير بغداد، ثمّ أرتحل مع آسره إلى بلجيكا ..

نظرتُ إليـها وهي مُسندة ظهرها على الجدار مُغلقة عينيها تاركة لدموعها حُرية الانسيـاب : ماما مَهـتاب ما عليج بيـه،
وحيـاتج باجر لتروحي للكبينة وهمّ غصبٍ عنه،
وكَولي عميمة زينب ما كَـالت ..

رأيت طيف ابتسامةً اكتسحت ملامحها رغماً عنها : تسلم لي زيـنب ..

لا زالت على وضـعها حتى دخـل صادق، فإذا بها تتعدل في وقفتها مُمسحة دموعها : حيـاك خويّه!

رأيت تأملات صادق المكسورة لها ، وكأنه يقول لها "ما حيلة المأسور للمأسورِ".
أعلمّ ان ابن أخـي لا يُغضب صاحبه ، كما انه لا يُريد أن تنكسر هذه المَهتاب التي كُسر اعتزازها
بنفسـها منذُ ان دخلت هذا البيـت: واللي خلقج دتروحيـن وياي وهسّـه..

ابتسمت تلك الكسيرة : أروحن لك فدوة!
خليـها بـاجر هسّـه ليل ما تدري شالمخبيه لنـا .

تحدثتُ بعدما رأيت مزاجهـا افضلُ من سـابقه : ماما مَهـتاب باعي كيسة السُكر الجبيرة افتحيها وحطي بالـشاي.

استغربت الأخرى طلبي: شاي مع العشـاء ؟

ابتسمت مُجيبتها : هاي أوامر ألّون!

أرى اشمئزازها من أسـمه وتحركها البطيء إلى المخـزن حتى تجلب السُكر،
ومـا ان بان لصـادق حجم الكيس الذي ستحمل حتى صرخ بها : لحظة،
أنـي اجيبها لج .

توقفت مُنتظرة مجيئه لها ، وما أن توسطت المطبخ حتى جلبت مَهتاب السّكين الكبـير مما جعلني أضحك : لشو هاي ؟

تحدث وكأنها بدأت تنسى ما أهمها منذُ قلـيل: علمود تنفتح بسرعة ..

أمسـك صادق طرف الكيس منتظرها حتى تقطعهُ ، أكملت تقطيعـي للفـواكه وما رفعت رأسي إلا على صرخـتها وحديثُ صادق المتألم : لج ، لج !

لقد ذرفت دمعتيها وهي تُمسك بيده التي رأيت من بعيد جرحها الغائر،
يبدو ان السكينة الكبيرة دخلت في يده!

تُمسك يده وتُدخلها وسط الماء، ثم ندهتُ عليـها : عوفيه وجيبي لي من فوكَ ضـماد .

تحدثت باكية : عميمة جرحه مو مال ضمـاد .. عودّ "كبير".

وقفتُ وانا أشعـر ان روحي ذوت إلى أخمص قدميّ، لقد غضبتُ!
كيف تجرح وحيدي وتبكي على جراحه : روحي بسرعة وجيبي لي أبره وخيط وهمين ضمـاد .

ركضـت مُسـرعة، بينما أنا ذهبتُ إلى ابن أخـي الذي نزفّ من الدمّ ما جعل وجهه يصفرّ قليـلاً : عميمة ،
حرام عليج حاجيها زين ، هي مو مال هيج حجي!
يكفيـها ما جاها من آلـن ..

سحبتُه مُخرجته إلى الجلسة الجانبية، قدَمت مَهـتاب بما طلبت، وسط خروج آلـن الذي سـمع صُراخي منذُ قلـيل : اشبيكم ؟
شـنو هالدمّ ؟

لم أجيبه وأنا أنظمُ الإبـرة بخـيطها ، ولم يردُ صادق الذي أعاد رأسه للخلف مُستنداً على الكنبة مُسلمني أمره ..

بينما ردت عليه تلك الشـقية : أني جرحت أيده !

***


رفعتُ يدي التي جعلتها حاجزاً بيني وبين الضوء بعدما سمـعتُ صوت زينب العالي ، رغمّ انني لم أفهم من حديثهـا شيء!
خرجتُ وأنـا ارها تقتادُ صادق وتُجلسـه وهي تضع يدها فوق يده اليُمـنى المُغطية كفّه الأيـسر : اشبييكم؟
شنو هالدمّ

لم أجد إجابة إلا من تلك التي للـتو جلست : أني جرحت أيـده !

كفاكِ عبثٍ بـنا يا مَهـتاب .. ماذا لو كانت عمـتي لا تمتهن الطب،
هل سأطببه في مستشفيـات تخضع سجلاتها لأميـركا ؟
أو أترك صاحـبي ينزف دمـه حتى ينشف!

سحبتها مع يـدها : انتي ما تتوبين ؟
ما كفاج اللي جانا من وراج ؟ كلنا مطلوبين من وره راسـج !
اش رايده بيـنا !

تركتها على صوت زينب الحازم وهي مُخفضة رأسها لكفّ ابن أخيـها الذي ينظر إلـى دخول الخيط وخروجه بصمتّ : آلـن!

ماذا تُريدين وانتي تجرحيـن قلبي ، وتعودين تجرحين صاحبي!
ما الذي ستعمليـن في قادمّ الأيـام ؟
ابتدأتي بجرح كفّه وغداً ستقطعي رأسه..
ألم تكفيكِ تلك الجراح التي تضخمّ بسببها قلبي؟
قلبي الذي شابّت أوردته مما فعلتي بـه،
الوريد العجوز لا يستطيع ضخ الدمّ إلا أمامك، لقد أوجعـني هذا النبض الـسريع الذي يتدفق دمٍ يُحيي قلبي من عدمّ.. تجاوز سُرعة اقتحامك لحياتي وقلبها رأساً على عـقب ..
كفاكِ عبثاً ولهواً.

جلستُ بجانب صادق بعـدما انتهت زينب من جرحه الذي ضمّدت : يعـورك ؟

تحدث : لا ..
عليك الله يا أبـو آدم لا تحاجيـها هيـج .. خطيّة!

صمتُ على مضضٍ وسط وقفة صادق المتخبـطة غاسـلاً أثـر الدم الذي علق بيـده، أسرعتُ إليـه أسانده حتـى يعود إلـى مكـانه ..
ذهبتُ إلـى المطبخ حيثُ عادت الحياة كما كانت، تتجول في المطبخ وتبتسم في وجـه عمتي سألتها عن قدرتها على خياطة جرحه !
وتجيب الأخرى انها مُمرضة سابقة..
نسيَ خلفهـا جريحٍ تحامل على نفـسه الخياطة بلا مُـخدر، ثم تحامل على نفسـه وراعى مشاعر جارحتـه، لم يغضب ، لم يعبر عن ردة فعلٍ طبيعية !
أن صمـت صادق ما الذي يجعلـني أتحدث!

رأيتـها تتقدم لي بعصيـر ليمون: انطيه صادق.

ليس لها عينٍ حتى تواجهه!
كيف لها أن تحادث عمته التي بان على وجهها القلق وآثار الدموع لم تزل على وجهها ،
ان فقدت صادق لن تنفعها هذه الإيرانية التي لابُد ان تعود إلى أهلها طال الزمن أو قـصر !
أخذتُ العصـير منـها ذاهبـاً إلى صاحـبي ،
لولا إمساكها بعضدي موفقتني بعدمـا خرجت من المطـبخ ثم همست: آسـفة ما كنت اقصد!

***


شحوبٍ يسكن وجهه!
وكأنه هو من جُرحت يده، أراه يتصدد حتى لا يرى وجه عمـته الباكي، قدّمت إليه العصـير طالبة منه تقديمـه لصـاحبه!
قتلت القتـيل ومشيت بجنازته ، هذا ما تفكر به يا آلن، ليتك أفرغت بي غضبك ولم أبقَ هكذا دون مُعاتبّ!
حتى زينب لم تغضب منـي وتكف دمعها وتُجيبني على اسئلتي السخيـفة !
صادق همس لك بكلمة أوقفت غضـبك ..
أعلم أنني جرحتكم جميـعاً،
لحقتُ بـه بعدمـا خرج مُمسكة به: آسـفة، ما كنت أقصد
أفلت يدي من عضده ثم وضع ما في يده على الطاولة التي بقرب صادق ثم عاد إلـي


انتهى
مخرج الفصل الثالث والعشرون
أأبكيـكَ يا وطني أم أُبكيَ نفسي؟
فما على الأسى غيرَ البكـاءِ دليلا
أواسيكَ بالصبر يا وطني فلا بدَ للفجر
أن ينبثقَ وان كانَ ظلامُ الليلِ طويلا
أواسيكَ بالصبر يا وطني فالله لن يخذل
أرضَ انبيائهِ ولا المؤمنينَ باللهِ وكيلا

×شمعة×



+



صبـاح الخـير ..

أولاً : العزاء كُل العزاء لشعبنا العراقي المكلوم على ما يمر به من أحداث اغتيالات كان أخرها أمس !

ثانيـاً : كُل الشُكر والثناء لله ثم للكاتبة الجميلة اللطيفة "نبـض أفكـاري"،
فقد اغرقتني بجميلها عندما أعلنت لروايـتي في صفحات روايتـها ..
تلك هي الانسانة العظيمة التي تعلم قدر موهبتها وحجمها التي وهبـها الله،
كتبت " القمة تتسع الجميـع " ولا تعلـم انها استاذتـي التي اتعلمّ منـها الكثيـر والكثـير..
شكراً مرةُ أخـرى ... مدينة لكِ بهذا الجميـل .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 05:22 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مدخل الفـصل الرابع والعشـرون

يا ساكنه حينا .. والله قتلتيني
خافي من رب السما وحدي لا تخليني
أنتِ على دينكِ .. وأنا على ديني
تصومي خمسينيكِ .. وأصوم ثلاثيني

×فلكلور×
.
.
.
شحوبٍ يسكن وجهه!
وكأنه هو من جُرحت يده، أراه يتصدد حتى لا يرى وجه عمـته الباكي، قدّمت إليه العصـير طالبة منه تقديمـه لصـاحبه!
قتلت القتـيل ومشيت بجنازته ، هذا ما تفكر به يا آلن، ليتك أفرغت بي غضبك ولم أبقَ هكذا دون مُعاتبّ!
حتى زينب لم تغضب منـي وتكف دمعها وتُجيبني على اسئلتي السخيـفة !
صادق همس لك بكلمة أوقفت غضـبك ..
أعلم أنني جرحتكم جميـعاً،

لحقتُ بـه بعدمـا خرج مُمسكة به: آسـفة، ما كنت أقصد

أفلت يدي من عضده ثم وضع ما في يده على الطاولة التي بقرب صادق ثم عاد إلـي: شنـو ؟

حسيت بشعور البلهـاء وأنا أعيد أحرفي اليتيمة لهُ : آسـفة، ما كنت كاصدة أأذي صادق.

اقترب بانحناءةٍ بسيطة تجعلني أعود إلى الخلف حتى ارتطم بالجدار: ليش هي وكفت على صادق!!
يتهمني بكُل مـاحلّ بهم ، ولكن بطريقة غيـر مُباشرة!
لا يهمني رأيه بي وجُل ما يهمني ان لا ترانا زينبّ بهذا الحـال.

وضعت يداي على صدره دافعتـه: بعـد هيج، زيـنب لا تباوع علينا!


***


أراهـا تضع يديـها على صدري تبعدني عنها : بعد هييج ، زينب لا تباوع عليـنا .

بقيتُ ساكنـاً أنظر إلـى تلك النجـل التي لم تكن دامعةً كعادتها،
مليـئةً بالـتحدي والإصـرار !
يبـدو أن ابعادها لي لم يكن إلا بسبب واحـداً فقط،

زينب هي سببها ، متجاهلة صادق الذي يلقينا ظهره أو نحن من أتى خـلف ظهره إن صح القـول : خايفـة من زينب؟

تحدثت وهي مـا زالت تحاول ان تدفع بـي: خايفـة من ربّي!

عدتُ إلى الخلف بسرعة وكأنها هي من دفعت بي، وأرى ابتسامتها تعلو ملامحها، جميلٌ هو اللعب في مشاعر هذه الفتـاة والأجمـل من ذلك خداعها.
إنـها لا تُجـيد اللفّ والدوران وهذا ما جعلني أخادعها باليـوم الفِ مرة ، وأكسب ودها بكملة، وأجعل منها بائسـة في كلمة أخرى أيـضاً.

سمعتُ زينب من بعيد: اش عدكم واكفيـن ، - ثم أردفت مبتسمة -
تنـاقشـون قضيـة فلسـطين ؟

ابتسمت لها وأنا أُدير لها وجهـي : وانتي الصادكَـة نناقش قضية صـادق..

تقدمـت تلك الحنينة إلى ابن اخيـها الذي يبـدو انـه غفـى: صادق،
صادق يـمّه قوم تعـشى.

استيقظ وهو يـمسـح وجهه الشـاحب بيده دلالة على أرقـه، فأنا أعرف تفاصيله، تلك التفاصيل التي بُت أراقبها من بعيـد بسبب فجوة حدثت اليُوم وكان سببها الرئيسي تلك الإيـرانية التي وقفت بيننا في المُنتصف وكلما اردت ان أبعدها يعاتبني صاحبي ويساعدها على توسيع هذه الفجـوة، تحدثت إليـه : شلونك هسه؟

كفاك يا صادق ابتسام شاحباً هكـذا، هذه الابتسامة تتـوغل في لُب قلبي وتنزعُ كل جمـيلاً امتلأ به!
كفاك خداعاً لـنا .. فأنت لست بخير وأن قُلت ذلك.
أنت لست بخير ما دامت تلك السكينة التي لا تستخدم إلا للذبح وأصبحت مؤخراً أداة طعن .. تخترق يدك!
أخـشى أن أحدى مفاصلك قد تهشـمّ، فجرحك ليس ببسيط فهو يساوي رصاصة قنـاصٍ مـاهر..
تشابه تلك الرصاصة اخترقت يدي بتلك الليلة الظُلمـاء التي خرج بها صادق باحثـاً عن طبيب، ونامّ تلك الليلة بجانبي تاركة سريره الوثير أعلـى ليستقل كنبةً قاسية بجواري!

مع تلك الابتسامة التي تُريح قلب عمته وتذبُح قلبي: الحمّدلله هسّه أحسن،
أصـلاً هـو ما شي .. بسـيط .

تُبسط الأمر حتى لا يُؤنبها ضميرها؟
لا تعلم انها برأت نفسها من ذنبٍ اقترفته بك!


***

هل حقـاً عُدنـا ؟
دون أي ضرر يمسُ بـنا، لقد انتابني الخوف مُجدداً عندما تجاوز مُحمد ديـالى قاصداً بعقوبة حتى يوصل القسيس إلى كنيسته !

وقتها اغلظتُ يميني ان هُناك مكيدةً تنتظرنـا، ولكن عُـدنا منهـا كتلك العـودة التي قدمنا بـها إلى بغداد.
كُنت كالأسيـر الذي تحرر من قيودهَ، يـرى أرضـه من بعيد ويتوق إليـها ولكن الجُـند تُخطئ المسير وتتجاوزهـا قاصدةٍ مكانٍ آخـر !
لا يعلم هذا الأسيـر أن الجُند تسير به إلى موقع إطـلاق الأسرى..
لم اصدقُ عودتي إلـى ديـالى .. صرتً ألتمس جُدران البيت حتى أعلم أنني حقاً بهّ !
أن كان هذا حال الغائبة عصـراً وعادت قبل مُنتصف الليل ، ما حال مَـهتاب التي تعيشُ خطراً حقيقاً وليست هي من جرّت قدميها خلفها إليـه ..
كيف عاشـت ليالي أسرٍ ، ثم عاشت شهور الغمّ في شـقلاوة كما تقول خالـتي زينبّ!

صـحيح !
على ذكرُ شـقلاوة نسيت صُور ساكنُ شقلاوة التي وضعتها في حقيبتي، وقفتُ مُسـرعة إلـى حقيبتي مُخرجة منها تلك الصـورتين، متجاهلة الأولـى التي رأيت ببغداد قبل ساعات .. موجهة أنظاري إلـى هذه التي لم يسبقُ لي رؤيـتها ..
تحوي تلك الصـورة رجـلاً وسـيماً بحق، يتجاوز وسـامة آلـن الشبيهة لوسامته، لولا شيباً يسكنُ عارضيـه.. بل أن هذا الشيبُ وقـاراً لهذا الرجـل الذي بان لي انه والداً لآلـن، تلك المرأة التي تُحيط كتفيّ الرجل الوسيم بيديها لم تكن إلا زوجـته وأمُ آلـن ..
جميلة هذه المرأة التي يشـع من عينيها حنانٍ جلياً أمـامي، بعينيها التي تحمل لون عينيّ ابنها ، وبشعرها الأشـقر القصيـر الذي بالكاد يتجاوز رقبتها، لقد أعطاها هيبة الأميرات الأوروبيـات وجمالهنّ .. بل هي أجمل بعربـيتها التي جعلت من أنـفـها شامخاً وثغراً مكتنزاً بلون التوت وجسمٍ ممشوقٍ بالكـاد أراه في تلك الصـورة، بل رأيت من كان بجوارها انه آلـن ..
بشكل أبـهى وأجـمل وأصـغر، لم يتغيـر به شيئـاً إلا أن مـلامحه صُقلت أكثـر وازدادت جـمالاً، ولكن هُـناك شيئاً لم أره أمـس !
بريقاً يسكنُ عينيه .. بـريقاً تشـع منه الحـيـاة، يبدو انه مُدلل أمـه أراه يحاوطـ خصرها بيمينه!
وهي تحاوط كتفيّ أبـيه ضاحكةً لهذا الشقـي الذي بجانبها ..

غير ابهين بمن رأى الصـورة رسميةً بحق!
رسميةً سكنت ملامحه زادته وسـامة ورزانة، وبيّنت به حـنان أبيه وجمال أمـه التي لم أرى ملامحها بأخيـهّ السـابق،
في عينيه لمعـانٌ غـريب.. يبدو أنه لمعان حُزن!
فأنا أعرف نظرة العـين عندما تكنّ عاشـقـة، والله انها نظرةُ عـاشق..
بوركـت عشيقةً غابت فملأت عيناه حزناً وخطفت ابتسامته التي لم تضحً بها صورةً عائلـية!
هذه العائلـة غريبة الأطـوار كيف لها أن تلتقط صورة شخصية،

لقد رأيت ابنتيها واحدة تبدو الكُبـرى تحـتضن كتف أخيـها البائس الذي يبدو انه نقل لها بؤسـه وجعلها تتكرم على المُصـور بنصف ابتسامة!
بحثت عيـناي عن الصُغـرى الشقية التي شاركتها يومين من حياتها، زُمـرد.
التي كانت بحق زُمـرد ..
تجلـس أرضـاً أمام أبيهـا بابتسامةً عذبـة جمـيلة من تلك الفـتاة التي كانت مزيـجاً بين أبيـها وأمـها ، أخذت منهمـا ما جمّلهما .
لم تكن شبيهة بأبيها الذي طابقهُ آلـن !
ولم تكن شبيهة أيضـاً بأمها التي طابقاها ينال وياسـمين..
كانت حكايةً أخـرى لم تزل حديثُ آلـن الذي فقدها ست سنوات ،
لم تزل ترنُ ضحكتها بأذنه..
كلما عاد مُحمد من شـقلاوة وجـدت رقـمها على قائمة الاتصال، ولم أجد أي رقماً آخـر.
يبدو انها حلقة الـوصل الذي توصله بأهله.


***


العصـر المُـوعود .
أرى عمـتي تُجهـز مـا نوت أخذه إلـى رحلتنا التي تبدو انهـا مشؤومة منذُ بدايتـها،
فآلن لم تهدأ شيطان لـيلته إلـى الآن!
فقد تشـاجر مع الجميـع صـباحـاً بسبب اختفاء سـلاحه ..
صـباحه الكئيب الذي لم ينمّ ليلته، لقد صحوتُ مراراً متقلباً بسبب وجـعي ورأيته جالـساً أمامـي ..
وعندما فقدتهُ وقفت أتطلع أين ذهـب رأيته خارجاً حتى يستنشق ذاك السّم الـذي بدأت تذوي روحه بسببه!
يعـلم أنه مُضـر .. فأبوه سـابقاً كان محط ضحكاً يتناقله أقرانه الكبـار عندما يقولون " طبيب ويدخـنّ!".
لا يعلمون أن الطبّ لا يُغني الروح ولا يذهب قليلاً من كبتها،
عكس الدُخـان الذي يأخذ من الروح حزنها ويُعطيها الوجع!
سـألت عـمتي عن تلك الغائبة أيـضاً: وين مَهتـاب ؟

تحدثت عمـتي بعدما تنهدت: خطيّة،

محمّلة روحها خطيتك و ما تريد تكابلك تكَول خجلانة مـنه!

ضحكت على من تحمل بداخلـها عقلُ طفلـة،
هل هذا سبباً ؟
كان يتوجب عليها الاعتذار ان كان هذا سبباً حقيقاً ولـيس تهرباً من عمتي: وآلـن ما صحـى ؟

هذه المرة دمـعت عينيّ عـمتي : لا والله من قهره على سـلاحه نام،
حتى ما تغـدا !

دعيـه يا عمتي يعيشُ همّه بعيـداً عن عيناكِ ..
نوى الجـهاد وأخبـرنا انه عزم عليه وأخبره محمداً أن لا يأخذ سـلاحه معه، فسمعَ نصيحة صاحبه من جهة وسُرق سـلاحه من جهةً أُخـرى!
لقد أخـبرني أنه ذهب بعد مُنتصف الليل لشراء الدخان ، وعاد ولم يجده!
لا يعلم هل أخذه معه، أو لم يُحـركـه من موضعه!
بل بات لا يُجـمع حديثـه وهو يـقول لعمتي انه أبقاه عنـدها ثم ترد الثانيـة انه أخذه فجراً قـبل يوميـن ..
هذا ما جعله يـغضب ولم يُركز أيـن وضعه في المرة الأخيـرة ..
كُل الخـوف من سرقته !
فقد نُحتَ عليه أسم آلـن بالكـامل، ومن سرقه بالتأكيد أنه سرقه وقت نزول آلن إلـى السـُوق..
فهذا الاحتـمال يضعنا على المـحك، لأن ذلك يجرّ السارق إلى مراقبـة آلـن ..
ومعرفة البيت وموقـعه!
وبالـتأكيـد ان خروجنا إلـى الجبل سيثبت ظنون السارق ويُخبـر عن ثـلاثةِ مُجرمين بدلاً من واحدٍ لقاه في محضِ صدفة!


***


أيـن ذهب سـلاحـي؟
لقد وضعتهُ هـنا تحت وسـادتي خوفاً من سرقـته في مخزن الأسلحة!
لقد سُرقّ!
وهل سارقه دخـل إلـى غُرفتي متجاوزاً جميـع الغُرف !!
وهـل سارقه كان على علماً بوجوده هُـنا بجانبي؟
كيف لم تشعر زينب بخطواته، كيف لم يراه صـادق المُعتكف أسـفل !
كيف مرّ هكـذا..
يبدو أنني مُخطئ !
ولكن أين عقلي وأنا أحمل السـلاح معي إلى تلك السيارة المجهولة..
لا أتذكر أنني فعلتُ ذلكّ!
وبنفس الوقت لا أتذكر أنني أخذت سلاحي من زينب قبل يومين، بل أنني أتذكر وضعي لهُ تحت وسادتـي،
ربـما كان وضعي له هُـنا قبل أخذ زينب له !
يا ربّ أرحمّ ضعفي وقلة حيـلتي..
كيف لي أن أخرج بهما وأنا لا أعلـم ان كُنت مراقـباً أم لا !
كيف أن أُخلف بوعدي وأقتلُ حمـاس عمتي التي أعلم أنها تعدُ العدة لتلك الرحلة..
لا يهمني أن مُـت أو حييت، كُل ما يهمـني أن لا تعلم زيـنب بقـتلي ولا بسجنــي،
أن رُقبتَ فـعلاً .. فهذا يعنـي أن ابن أخيـها أيضـاً وقع!
يا أيـها الربّ .. المُقـدس !
لا تفجعها بـنا على مرأى عيـنها ..


***


اعتذرت لـزينبّ أنني لا أستطيع النزول أسفل بسبب ما فعلتُ بصادق،
يا لطيبتها !
تُصدق هراءٍ هـكذا، وكأنها لا تراني أتعشـى أمامه ليلة البـارحة..
بل وتحدثت كثـيراً وبررت موقفـي،
لا علاقةُ بي بقطـع يده ، ثم تُردف تحادثني عن طيبته وعن نسـيانه للأمـر أيضاً ..
لا تعلم أنني أتحاشـى أن أنظر إلى عينيها هـي، وحـدها من يُقبضُ قلبي عندمـا أرها ، لا أعلم لما وهـي كانت سلوة غُربتي!
هل تراه بسبب جرحي لأبنها ، أم بسبب الدمـع الذي لا ينكف كلما تحدثت لها عن صادق ووجعه ليـلاً ..
أو بسبب آلـن الذي لا ترضى عليـه ولو بكلمةً تُقلل من قـدره !
تأتيني دوماً تراضيني حتى لا يـنزل قدر ابنها عندما يعتذرُ لـي ، لا أعلم سبب اللهفة التي تسكنها وهي تحادثه!
تُداريـه طول الوقـت كالطفل الذي يُدارى بغيـاب أمـه..
تتجنب عينيه كمـا تجنبت أنا عينيها !
هل تُرى هُناك ذنباً تُخفيه تسببت به لتلك العينين كالذي أخفيه عنها ؟
لا أعلم ما الذي بينهما ولكن كل ما أعرفه ان هُـناك أمراً عظيـماً تُخفيه زينب،
وتـخشى معرفة آلـنٍ به !
أو تخشـى على آلن من معرفته ..


***


أبنـائي لم يعـدوا هؤلئك الأولاد الذي تربوا في حجري ولعبـوا في فـناءِ منـزلي!
لم يعدوا اللذانِ يذهبانِ سوياً للخطـر .. لأنه واحداً منهما أراد ذاك الطريق ،
لا أنسـى ذهابهم عند سقوطِ تمثالِ صدام وبقائهم هُنالك ساعـات ..
متناسين الخطـر الذي يحدق بهم والانظار التي تتفتح عليـهم،
كـل هذا من أجلِ رغبة آلـن !
وذلك يشابه ذهابهم يوميـاً إلـى ديـالى الذي عادوا أخيـراً بطامتهم الذي جعلتهم مطـاردين!
بإمكان ابن أخـي أن يعتذر عن هذه المهمة.. ولكنه أراد أن يُحقق لآلـن رغبته فأصبح مُطارداً مثلـه ..
يبدو أنهما نسيا تلك السنين التي جمعتهم منذ أربع وعشـرون سنة حتى يبيعوا تلك العشرة بسبب عراكٍ سببته فتاةً إيـرانية!

نعمّ سأقول لها إيرانية !
فهـي من تسببت بعراك أبنيّ، هي من جعلتهما يفترقا رغم قربهما من بعض، وكل من أتيت يسألني عن الآخـر !
ما الذي سكنّ قلبيهما وغيرهمـا على بعض، لم يتغيـرا إلا بعد إصابة صـادق..
هل تُراها أخذت آلن جانباً وحادثتهُ عن شيئاً لم يكنّ.
ولكن آلـن لن يتغير بسبب حديثٍ لم يسمعه !
خُلق ليواجه،
وأن لم يجد ما يواجه ، واجه نفسه وعاقبـها !
كمعاقبته لها اليُوم بسجائره وغضبه المكتوم..
ولو رفـع صوته بوجهـنا مُلقياً كلمتين بائسـة، هذا لا يعني انه موجةِ غضباً ومرّت!
بل هذا يُنبئ عن قدوم عاصـفة لن تهدأ ولن تكنّ حـتى تُسكن في قلبه لوعةً وهلعٍ جديـدين .
لقد عانا ما يكفيـهّ!
لقد صمد ثم وقع ووقع ثانيةً وصـمد ثم صمد وصمـد ..
صموده الدائـم لا يُنبئ إلا أن وراءه سقوطاً دائمـاً اعيذه منه!


***


نزلتُ أسـفل متحرية عودة مُـحمد وأبـي، فالسـاعة تجاوزت الخامسة عصراً فوقت عودتهم حلّ ..
أخـذت قهوتي التي للتـو اعددت متجهة بها نحـو الصـالة، بعدما حرمني تشرين من جلسةً في الفنـاء.

رفعتُ صوتي مستجوبة أمي: مـاما
جنـهم تأخروا ؟

ردت أمي التي كانت في المطبخ: لا مـاما، هي حزّتهم "وقتهم".

وما انهت أمي جملتها حتى دخلـوا،
أبي بوجهٍ خالي من أي تعبيرٍ ، بينما مُحمد الذي بان على وجهه العبُوس!

تحدثتُ: بـابا، اشبييه ؟
صاير اشي.

تحدثت أبي بعدما جلـس: لا، ماكـو إلا الخـيـر.

سكبتُ له فنجانٍ تناوله بشكل تلقائيـاً ثم صمّت على غير عادتهّ!
وما ان قدمت أمي حتى قُبضَ قلبـها كقلبـي: اللهم أجعله خير،
اشبيكم تحجو !

نطق ابي بعدمـا وضع فنجانه على الطاولـة : مـاكو ،
بس آدم تخربط علـى أهله، ووكَعته شينة ! "وقعته".

تحدثت أمي بعدما ضربت جيبها : أبو ينال؟
أومأ مُحمـد، مما جعل أمي تُردف: ما تدري وش سبب وكعته .

أجابها مُحـمد : إلا السُكري!
وهاي ثانية مرة يتخربط هالسـنة.

تحدث أبي مُسترجعاً حديثُ ينالُ معه: يكَول ابنه أول مرة يوكَـع هيج
شكلها عـودة !

دمعت أمـي: سودة عليـك يا آلن،
كيف دتخبرونه !

تحدثَ أبـي لمُحمد: لا تخبره،
أعطيـه موبايلك يخابر أهلـه ويسمع منهم.

تحدثتُ متدخلة: لا حمّـود، همّ ما كَالوا لك إلا عشـان تكَوله ، خطيّة تلكاه متلهف عليه ، ويفجعونـه اهله !

جميعنا نعلم علاقةُ آلن بوالده التي تجاوزت علاقة الاب بأبنه ،
وأصبحت علاقة جميلة سطرتها أرضُ بغداد وشهدتها أرضُ ديـالى!
كان يصطحبهُ كلما خرج من بيته، وعندما يُلام على ذلك يقول لهم " ما أكـدر على فراقه"..
تلك القدرة التي جعلته لا يفارقـه وهو لا يبعد أميالٍ عن بيته ، جعلته يقدرَ على تركـه في العراقِ ذاهباً إلـى بلجيـكا ..
الرجل الوسيم الوقور الذي رأيت مساءً لا تليقُ لـهُ القسوة!
رُبـما هُنـاك سبباً لا نعرفه عن تركه أرضه ودياره تاركاً خلفه ابنه ..

***


في قـمة سفيـن ..
هل حقاً تلك الأعـمدة البعيدة الـتي بالكـاد تُـرى هي الأهـواز؟
هـل تلك الأرض الخضراء .. الجنةُ بعيني هي الأهـواز ..
لقد وجدتِ سلواكِ يا مَهتاب،
فقد كذبتي عندما قُلتي زينب تُسلـيني ، لقد كذبتي عندما رأيتِ الصحافة تسليـة.
إيـران وحدها سلوتي ومعشوقتي ..
إيـران وحدها محبوبة الصغر وغرام الصِـبا،
إيران فقط لم تتغيـر عليّ مهما فـعلت!
لم تقحّلُ أرضهـا عندما رأيتها ، لم تُزيل منارات الأهـواز غاضبةً مني!
إيـران وحدها من ستستقبلني إن عُـدت..
هذا إن عُدتي يا مَـهتاب!
لما فُرض عليك ثلاثة سجُوناً في العـراق ؟
وهل أنتٍ أهلٌ لهذه السجون؟
أثنين باختياري والثالثُ مُرغمةً ..
دخلتُ ذاك القـصر الذي سُجنتُ به حتى بحثت عن امرأة تُسليني برغبتي،
ودخلت أيـضاً سجن الـسماوة الذي جنيت على حالي عندما عبثت بما لا يعنيني وكان ذلك برغبتي..
ولكن تهريبي من السـجن وقتل العسكر وسجناً مجدداً في شـقلاوة لم يكن برغبتي!
ولما استصعب الأمـر ؟
هل شخصيتي التي لا تسمح ان يُفرض عليها شيئاً كان سبباً ؟
لا أعلـم ما السبب ولكـن أعلم انه لا يحقُ لي أن أُفكر بشيءٍ خلـفي وإيرانُ تتجلـى أمـامي..

عُذراً إيـرانـي!
أن فكرتُ بأرضٍ تنقصكِ هيبةً ومنظر،
عُذراً إيران!
إن فكرتُ بقصرٍ يتوسط بغداد لا يضاهي شوارعكِ جمالاً .
عُذراً إيـران!
من محادثـتي لهذا المُتطفل الذي قطع خلوتنا : في أحد الله ميّزه بعقل يعوفّ العراق ورا ظهره علمود يباوع هالـمنارات ؟

تحدثتُ إليـه بعدما رأيته يجلس بمحاذاتي ناظراً إلى العراق الواضحة والجليةُ امامه واضعاً إيران خلف ظهره: البـلد لو هي قطعة أرض صغيرة ما احد يساوم عليـها، عاد كيف بالله لو صارت هالبلـد إيران ؟

تحدث بنبرة مستفزة تلك مُتغابياً بعض الشيء: و إيران ينساومّ علـيها؟

يساومنـي على بلادي بهذه الطريقة!
وكأنك لم تُغربني عن بلادي وتُنفيني بـاختطافك لي!!
والله لو لم تطالب بـي أميـركا ، لسلمتُ نفسـي إلى إيـران، أ تعلم ان الموت في الـوطن جنة؟
وأن نار الوطن خيراً من نعيـم البلدان أجـمع !
بغدادك لم تخبرك بهـذا كما اخبرتني طهـرانـي، تُراك مُخلصاً لبلدك وبقاؤك هنا من اجله ؟
كذبتَ فأنت بقيت حتى تُـعاند أمـك، وتريد ان تحارب من أجل صدامك لا وطـنك، أشبـع بصدامك ولكن لا تجادلني بما يخصُ إيـران فحفنة ترابٍ من أرض إيران تسوى عراقك وسبع بـلاد !
وقفتُ نافضة غباراً تعلق بجلبابي : عقلّ سـز . " لا عقل لك"

توجهت إلـى زينب وصادق وسط سماعي لضحكته التي خُلقت من أجل تبسـمي الذي لا يشعـر به وأنا أعطيهُ ظهري مُكملة سيـري ..
نـظرت إليـه بعدنا جلست بجانب زيـنب ، فقد اختفت ابتسامته التي لابُد انها خُلقت بسبب ضحكته!
أرى شروداً يسكنُ عينيه التي تنتصب أماماً حيثُ شـقلاوة،

تحدثت زيـنب: اش بيج متضوجة ؟

تحدثتُ إليـها وأنـا أعلم أنها تُريد معرفة شرودَ آلن ولكن بطريقة غير مباشرة: يساومنـي على إيـران هالمـسودن " المجنون".

ابتسم صـادق وسط ضحك عـمتي التي أعلم انها للتو ارتاحت انني لم أزعج ابنها بكلمة، تحدث الأول: ما عليج بيه،
هو هيج ما يشوف بـلاد الا العـراق – ثم أردف بكلمـة للتو سمعتها من هؤلاء الأشـخاص بعدما أكملت معهما شهري الثـالث – وما عده دين إلا دينه،
هيج عـقله جـاريه .


***


جـاريه قبل ان تخسريه!
فقد ناقشته بدينه فغضـب وتكونت بيننا حواجزٍ حديدية لن تُـزاح حتى يحينُ لها ربـها ،
وقفتُ عازمـاً على إزالة تلك الحواجز حتى لو خُـذلـت .
سرتُ بُخـطى بطيـئة وكأن ثُقلَ قلبي توزع على اعضائي ولم اعد قادراً على الحراك،
أحمالٌ القلب تتوزع مع الدمّ وتضخمّ كُل الأعضـاء بعد شكوى القلب وتجعلهـا نائحة،
فبعض الأعـضاء يُصيبها خلل من فرط البُكاء ويجري الدمُ مجدداً للقلب مخبره بحال الأعـضاء حتى يحزنُ القلب فوق حُزنه بعدما ضغط عليـه الدم بحال الأعـضاء .. فيصابُ بعدها بضغط الدمّ!
ليست الناس من تشكي لبعضها فقط ، بل حتى الأعضـاء بين بعضها البعض تشـكو..

وقفتُ بجانبه : اللهَ بالخيـر حجي!

ابتسم وهو يرفع رأسـه لي ويزيح جانباً وكان المكان مزدحمّ : حي الله أبو كـاظمّ!

يبدو أن هذا عربون اعتـذاراً أيـضاً، هذا اعتذار الرجال التي تكابر ثم تكابر ولا تكسر غرورها، فينتهي ذاك الهُجران بعزيمةَ أو مكالمة!
انه اعتذارا حقيقاً يُصدر من شخصاً يكابر : تعرف صـادق لـو أنسرق المسدس بنروح فيـها !

تحدثتُ وأنا أضرب فخذه بخفة : هونها أبـو آدمّ،
ما أظـن مسروق، بلكي انته حاطه بمكان هيج ، ولا شامرة، إذا رجعنا ان شاء اللهَ ندوره عـدل! " شامرة = مُسّقطـه".

أومـأ الآخـر برأسـه : إن شاء الله ..

***


تحدثتُ متوسلتها: عميمـة دخليج كَولي لآلن ينطيني الراديـو ماله.

نظرت إلـي : طلبتي منه وكَال لج لا ؟

ما الذي ترنو به الداهيـة حتى تسأل ذلك: لا ،
بس يهون عليج أروح أطلبه ولا ينطيني ؟

وقفت تلك المرأة بعد رجائـي لها ، وما ان وقفت حتى لفت انتباه الاثنينِ معـاً ، فأشارت لهما بالقـدوم..
وما ان قـدموا حتى طلبت من آلن: عفيـة ماما جيب لي الراديـو .

ابتسمّ ثم "شلـع قلبي" كما يقولون بلهجتهم: اش تريدي بيه،
ما عوايدج عميمه !

تحدثت بابتسامة بالية، صفراوية تتنبأ بما يحدث: مَـهتاب خطيّة أريدها تتونس بيه ، من اليوم ضايـجة .

وما انهت كلمتها حتى زفـر الآخـر وذهب إلى سيارته قادمـاً بالراديـو : خليها تتونس.

***


لا أعلم لما ترغب سماع الراديـو !
فضـولي اقتادني لتلبية رغبتها، وما ان وضعت الراديو بيد عـمتي، حتى التقطتهُ الأخـرى من عمتي مُلقيته بين يديّ صـادق: عفيـه افتحي لي إذاعة طـهران.

اخذه الآخر مُغيراً محطته التي كانت عليـها ، لقد فـاتني ذلك!
رُبـما تصلها التذبذبات الإيرانية فضلاً على جلستها على سفح جبلاً يصلها بإيـران !
لقد فاتتك هذه يا أبـو آدمّ ..
جلستُ بمـكاني القريب منها ، بعدما سمعتُ المذيع يتحدث بفارسية لم ألتقط منها الا اسم العراق ..
اصغيتُ السمـع مع علمي انني لن أفهم شيئاً مما يُقـال!
تبـدو انها نشرةُ أخبـار ..

لقد سمعتُ أسمـاً آخـراً ، لقد قال مَهتاب يُـوسف.
لا أريدُ سؤالها عن ذلـك، فقد سألتها سابقاً وكُنت كالأبـله أمامها.
فلتحـترق هي وإيـرانها التي تعشق أن ارادت.
ثم بدأت موسيقـى تُعلن نهاية النشـرة، ثـمّ بدأ بعدها برنامجٍ حوارٍ يُبث من بريطانيا كما قال مُذيـعه، سائلٍ ضيفيّه عن ذاك الخبـر الأخيـر الذي أختص مَهـتاب قائلاً انها حديثُ إيران والشرق الأوسـط، ثـمَ


أجاب الآخـر بإنكليزيته:
" مَهـتاب صحفيةً عظيمة، أرى الشـوارع الإيـرانية تضـجّ بصورهـا ولم يفتأ أطفالها وشبابها عن الهتافُ باسمـها من طهران الـى الأهـواز ، إيـران ولو طالبـت بـها فهي لا تقصـد إيذائها بل أرسلت الانتربـول لحمايتها .. وليس لمعاقبتها،
كيف لإيـران ان تُحاكم إيرانيةَ؟
فما بالكم عندما تُصبح هذه الإيرانية فتـاةً عصامية ذهبت حتى توثقُ مقتل الطاغيـة التي تاقت لرؤيته قـتيلا ".


تحدث الآخـر..
" ولا أنسـى أيـضاً حديثٍ سابق لمسؤول كبير عندما سُئلَ عنها فقال انها ابنته وابنـة الأرض ويضع كل لومه على صحيفتها التي همّلتها في تلك الأرض كما انه تكفّل بحمايتها حـتى وهي في أرض العراق ، ولا زالت هناك مباحثات بينه وبين الخارجية الأميركية لعودتها سالمة لأرض الـوطن !".



أ تراها مسرحيةً لُعبت بينها وبين الحكومات فكان ضحيتها أنا وعمتي وصادق!
لقد أكد لي ابتسامة على ثغـرها .. يبدو انها تبتسـمُ تحدياً ابنة ايرانها.

سحبتُ الراديـو مُغلقه، على صوت عمتي: عليج الله كَولي ديتشاقون ،
كَولي مسرحية .. أي صـخام!
مو صج صح ؟
لا أنتي بتـي ما جاسوسة، ولج شلوون هيج يتحجون وتسمعين بقلب بارد،
باعي ولّدي اللي عافوا حياتهم وتطاردوا علمودج،
باعيـني تركت بيتي وبغدادي علمـود ما يصيبج أذى، جنت بموت لما كَـالوا مَهتاب بالسـجن، كنت أعرف ان ولّدي من طركاعه لطركاعه بس لما عرفت انه علمودج كَلت ولّدي يضحون لأختهمّ!

تحدث صادق المندهـش الذي يبدو للمرة الأولى بشكل جلفٍ معها: واحنا نطلع من انجاز لإنجاز ونكَول عفارم عليـنا ، محمد يكَول ما دا يسلمونكم مَهتاب بالسـاهل طلعت مَهتاب مسلمتنا حالها !!

***


ما بالهمّ يهاجمونني هكـذا !
حتى أنـا لا أعلمّ ما المقصد من حديث الصحفيين، هل يقصدون إطاحتي بالفخ؟
أعلم ان دولتي ليست بالضعيفة حتى تتجاوز خطأً فادحاً كخطأي !
أعلم أيـضاً ان ما قاله أخـي يامن صحيحاً .. يامـن لا يكـذب.
إن كذب الجميـع أخي لا يكذب!
لا أريدُ تبريراً سخيـفاً ألقيـهُ على مسامع العراقييـن،
فليظنوا ما شاءوا .. هذا حديث زينب وابن اخيـها ، ماذا لو تحدث آلن!
ما الذي سيقول؟
لا أريدُ رداً مني باهـتاً يعقبهُ حديثٍ قاسيـاً من لسـانه اللاذع!

***


عُدنا إلـى البيت بعد فوضويةً داخلية في قلب كلُ واحداً مننا، بدءٍ بعمتي التي تصدُ جانباً حتى لا تنظر إلـى مَهـتاب مبتدئة العقاب الأزلـي التي بدأت به!
وآلـن الذي تبيضُ مفاصـله نتيجة ضغطه على مقوّد السيارة بشكل غاضب وكأنه هو من أغضبه!
لا أعلم لما نطقتُ كلمتين وصمتّ، هل هذا دليلاً على حنيّتي السابقة لها ،
والله لن تريَ بعد اليُوم إلا وجهاً آخـر تحنّي لآلـن بسببـه ..

دخلت عمـتي الغاضبة في مجلسٍ نتقاسمه انا وآلـن بصمتٍ مُطبق: طلعوا هالإيرانية من هنانا ما أريد اشوفـها مرةً لُخ



انتهى ..

مخرج الفصل الرابع والعشرون :

سَهِرْتُ وَ طَالَ شَوْقي لِلْعَـراقِ
وَ هَـلْ يَدْنُـو بعيدٌ بِـاشْتِيَــاقِ
وَ مَـا لَيْلـي هُنَــا أَرَقٌٌ لَـدِيْغٌ
وَ لَا لَيْلي هُنَـاكَ بِسِحْــرٍ راقِ
وَ لَكـنْ تُربَـةٌ تَجْفُـو و تَحْنُـو
كَمَــا حَنَتِ المَعَاطِـنُ لِلنّيَــاقِ

×الجواهريّ×

لا تنسـوني من دعـواتكم ..
اليُوم يبدأ أول اختباراتي : (



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 05:32 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفـصل الخامس والعشرون

رائعـةٌ كُلُّ فعـالِ الغربِ والأذنابِ
أمّـا أنا، فإنّني
مادامَ للحُريّـةِ انتسابي
فكُلُّ ما أفعَلُـهُ
نـوعٌ مِـنَ الإرهـابِ !

×احمد مطر×



.
.
.

صــلاتكم أولأً. . .



عُدنا إلـى البيت بعد فوضويةً داخلية في قلب كلُ واحداً مننا، بدءٍ بعمتي التي تصدُ جانباً حتى لا تنظر إلـى مَهـتاب مبتدئة العقاب الأزلـي التي بدأت به!
وآلـن الذي تبيضُ مفاصـله نتيجة ضغطه على مقوّد السيارة بشكل غاضب وكأنه هو من أغضبه!
لا أعلم لما نطقتُ كلمتين وصمتّ، هل هذا دليلاً على حنيّتي السابقة لها ،
والله لن تريَ بعد اليُوم إلا وجهاً آخـر تحنّي لآلـن بسببـه ..

دخلت عمـتي الغاضبة في مجلسٍ نتقاسمه انا وآلـن بصمتٍ مُطبق: طلعوا هالإيرانية من هنانا ما أريد اشوفـها مرةً لُخ

تحدث آلـن الصامت على غير عادته: ما نكدر نذبـها، رأسـاً بتروح أقرب حاجز وتبلغ علينا ! "نذب= نرمي"، "رأسـاً = مباشرة".

تحدثت عمتي المصدومة إلـى الآن: لك كيييف طلعت هـيج؟
ما تكول إيـران تطالب بيها ؟ كيف هسه يريدون يحموها ؟

تحدثتُ مُجيبها : يمكن ملعوب عليـنا من أول،
ولا شتريد بيج تونسيها وهي جاية لعمل صحفي !!
أكيد شافتنا صيده سهلة وكالت العب على الحجية وولّدها.

عمتـي بعدما لطمت جيبها: خرب حظها على حظ إيـران،
يعني مجندة!


نعم يا عمـتي!
مُجنـدة لصالح من حبكت سيناريوهاتها معهم،
كيف لها أن تبقـى هُـنا وترحل صحيفتها في يوم اعتقالها ؟
كيف لم تتدخل الخارجية الإيرانية وقت اعتقالها في نقرة السـلمان،
دخل آلـن المسرحية بشهامته، وخرجنا منها وجميعاً "مضحوكاً" علينا بغبائه!

***


ما الذي جعلهم يفكروا بي هكـذا ؟
هل هو من أجل سياسيين إيرانيين مغتربين في نعيمُ لندن نُقلت آرائهم على إذاعة طهران!
أعلم ان إيران ليست بالضعيفة ولا ركيكة السُلطة ومهزوزة الأركان حتى تغفر لي غلطةً كُبرى كهذه!
أعلم انها ستطالب بي لمعاقبتي أولاً ،
ثقتي بإيران القـوية ويامن الصادق جعلتني أعلم أن ما سمعت هو فقط آراء وليست حقائق!
ولكن من هو ذاك المسؤول الذي طالب بعودتي وتمجيـدي؟
بالطبع انه أهوازيٍ كره سُلطة الـفُرس الناقمـة مني، التي أعادت أبناء عرقها إلى أرض الوطن غير ابهين بعربيةً أسيرةً في ارض العرب..
يجب أن أوضح ما حصل لزينب وبنيها ، لن أبقَ هكذا متهمة بشيءٍ لم يكن!
يا لسوء حظٍ أملكه،
أتلهف لسماعِ خبراً عاديـاً صادراً من أرضِ إيران، فيُذاعُ خبراً ليست عاديـاً،
خبراً يخصني .. بل ويراني متعاونة مع إيـران في كل ما حدث!
ليت هذا حصـل وكُنت خير سفيرةً لبلادي .. في أرض ضجّت بها الفتن وخوّنَ بها من صدق ، وصُدّقَ بها من خان!
لا أريد اتهاماً جميـلاً كهذا ..
فانا سمعتُ مذيع الاخبار ينعتني بالُمطاردة!
وهم لم يسمعوا إلا حديثٍ من سياسيين أقوالهم وآرائهم تخصهم وحدهم لا تنتمي لجهة ولا لكيـان ..


طُرقَ البـاب .. بالتأكيد أنـها زيـنب، ولكن ماذا ستقولُ لي وهي نعتتني بالجاسوسة قبل ساعة!
لا ألومها ولا ألومُ أبنيها، فجميعهما عانا الامرّيـن بسببي، لابُد أن أرحـل ..
سأفاتحها بالموضوع فـواحدةٍ مثـلي لا يحق لهم أن يكسروا عزتها بذلهم وامتنانهم باحتضانها ..
لا يجوز لهم إذلالي هكـذا..
وأن قَتَلتْ بلادهمّ مليونَ إيـراني ، هذا لا يعني أن أقتلُ عزةَ نفسي مِن أجلهم ،
فعُزتـّي أن كُسـرت تساوي مليـون إيرانيٍ آخـرين!
فهل سيصمت برلمان دولتي عندما تُذبح عـزتي .. أقصد مليون إيراني آخرين!
المَهـتاب جديرةً أن تساوي أرواح بني البشـر أجمع ، فهي لهـا مميزات تميزها عن الجمـيع وأولها إيرانيتها التي ستصبح في قادم الأعوام حلماً لكل مواطن في بلاد الـعرب!

فتحت البـاب وأنا لم أزل بجلبابـي فتحدث الطـارق: حي الله الصحفية العظيـمة، أو المتخابـرة العظيمة! "متخابـر = مصطلح يستخدمه العرب لمن يتعامل مع العـدو ".

ابتسمت مستفزته: واللي يساعد بلاده يسمـى متخـابر!

تحدث وأصبـح هو من يستفزني : دا يتـسمى خاين للعشرة..

أردت أن أردُ أصمتني قائلاً : انطيني تردد إذاعة الصخام مالتج !

أعلم انه يقصد إذاعة طهران التي سمعتُ منذُ قلـيل، ولكن لن يـنالُ مني ذلك،
فطهران لا يُقال لها "صخام" أيها البغدادي: ما اعرف تردد الصخام أني!

هممتُ بإغلاق الباب فإذا هو يدفعهُ بكتفه الأيمن مُعيدني إلى وسط الغرفة ويتقدم أيـضاً ليتوسطـها بفحيحٍ الأسـد الآسـر : مدا تسكرين الباب بوجهي!
ولج أني آلـن .. التنفتح بوجهه أبـواب وزراء ورؤسـاء.

أرعبني بحق مُحـمد !
لما هو آسـرٍ حتى بغضبـه، أرعبني غضبـه وأرعبني جماله الذي تهجمّ علي،
بحقِ عيـناك النجل التي خُلقت لتُكـملّ جمال وجهٍ يوسفـياً لا مثيل له !
نظرته القـاسية الجميلة،
تلك هي الخيبات والخسارات التي تورث في وجه محبوبي القسوة المُمتعة.
نعمّ!

لقد خسرت محبـوبي انتشلني من أفكاري إلى عالمي الذي يحتويه : اشبيج ؟
ما تسمعيـن ؟ أكلـج وما راح أعيدها مرةً لُخ !

علمت أنه يريد تردد الإذاعة، ألقيت أرقامها على أسماعه وكأنني لم أعزم منذُ دقائق علـى تركه بلا إجـابة حتى ينطقُ أسم طهران !

أمسـك يدي مُلصقني به: أخر مرة تسكرين الباب هيج،
افتهمتي ؟

أعلم أنني تجاوزت حدودي للمرة الثاني وأنا أراه يوليني ظهره خارجاً فأمسك به: آلـن دخيل الله خليني أطلع من هـنانـا .

***


كفاكِ قرباً يُميت القلب!
كفاكِ حُبـاً .. كفاكِ تقرُباً .. كفاكِ أيتها الإيرانية الـغازية،
كفاكِ تمسكاً بي لما عزمت الرحـيل ، أُغربي عن وجهي قبل أن تُحيطُ بكِ جمرات عشقـي وتحرق ملككِ ونفسك وسبع أجيـال من ذراريك.
لا تكوني ضحيتي أيـضاً ، كفاني ضحـايا وأهلٍ شـامتين!
كفاني وجدٍ على ما مضـى !
لا تجعلي العشـقَ يصل ذروته بلمساتك المجنونة هذه ولا نحمد عُـقبى ما تخالج في الصـدور .
ما الذي تُريدين بعد خيانتك؟
هل ستضنين قُربـك ورجاءاك الكسـير سيغفر ؟
وهل ستغفر أرض بغداد؟
وتُنّسِيني أرض ديـالى ندب الحرب التي اعتلت جسدي بسببك ،
ألم أُريـك عشرون ندبةً ملأت ظهري تُذكرني بك كلما تناسيتك،
ألم تري جرحاً أعتلى ظاهر كف أخي.. ستكون ذكراه واضحةً وجليةً أمامي!
تطبعي ذكراك كعلامات لا تزول وتطلبين الـزوال من عالمّ ملأتيه أسى، وجرعتي سُكانه الخيبـة!
لا مـثيلُ لخيبة من أخرجك من نقرة النعمان قاتلاً جيبين عسكريين من أجلـك..
يعترف لكِ انه لم يأخذ ثأر بـغداد، بل كان ثأرك انتي وحدك .
ألا تعلمين انه عشق الواحدة ليلا التي لقاك بها في موقع الحراسة ذاك ؟

تحدثتُ إليـها وأنا أشتت نظري في كل شي عدا عينيها : مـاكو طلعة من هنـانا ،
لين أعرف الحق!

تحدثتَ متمللة، أو غاضبة لا أعلم: حق شـنو؟
مو سمـعتوا باذنكم حجي الإذاعة !
عوفني انهزم دخيـلك ..

نظرتُ إليـها هذه المرة وأنا أعلم لو كان تهمتها التي اتهمناها صحيحة لبررت ذلك!
وهذا أيـضاً لا يعني إنها بريئة: وأنتي خرج خيانة؟ "هل انتي أهلٌ للخيانة".

أعلم أن نظرتي تلك تُربكـها وتجعلها تتفـوه بما لا تعقل، أراها تمسحُ وجهها وتصدُ وكأنها تسمح شيءٍ سيءٍ من ذاكرتها: ما أعرف دخيل الله ما أعرف اشي أني.
لا أعلم لما كل تلك الرجفـة والشُعـور القاتل الذي مررتِ به!
ولكن كل ما أعرف أني صدري بدأ يضيقُ بي، بألمٍ لا أستطيع مجابهته، وقلبي الذي ثُقبَ حتى المـوت لم يعد هُنالك متوسعـاً به لثقوبٍ أُخـرى ..

خرجتُ ناهيٍ نفسي عن قُربـها الذي أصبح في الآونة الأخيـرة مُميت ..
ما تفـسير ذلك يا قلبّ !
هل هي وطنيتُك التي بدأت تنجرف وتتبخر عن وصـولك إلى شـقلاوةّ !
أم شيءٍ يتملكك بوجودهـا لا تعلمّ ما هو ، كل ما تعلمه أنك لا تستطيع قربـها إلى هذا الحد !

***


مـسافرٌ من تلك الأوطـان المُشـعة بالحيـاة والمُكـتظة بالموت أيـضاً، لقد مررتُ ببغداد منذُ قليل وهي في حالةِ تـأهبٍ يسبق عـاصفة، بتُ أعرف لُغة الشـارع قبل أن يتحدث !
وها هو المذياعُ يُعلن عـن هجوم مُسلحين على سوقٍ مركزيٍ ويُخلفّ ذاك الهجوم مقـتل العشـرات وجراح الآلاف .. ونواح المـلايين!
ها هي العـاصمة التي تُفهم بحياة الغيـر على أنها تتطور بشكل ملحوظٍ غير مسـبوق، إلا بغداد كلما تقدم بها الوقت عادت إلى الوراء!
إلـى أيـن يا بغـداد ؟
أن سلمتي من التفجير المفخخ لم تسملي من مسلحيّ الشوارع الرئيسية!
إلا تُخبريهـم أنكِ دُرة الـشرق والشـرف؟
إلا تخبريهم أنكِ بغداد الرشـيد وقـلاع هـارون وبيت المنـصور ؟
أخبريهم يا منوّرة .. أخبريهم يا مدوّرة من أنتِ !
لقد نسيَ الأبـناء أمهم التي حبلت بهم سنوات ولم تزل تحـبل، ولكنهم أوقفوا مخاضها المتعسـر عندما قدّوا بطنها قاتلـيها هي وأبناءها الأوفـياء ..
الوفـيّ المُختبئ في أحضـان بغداد وداخل أحشائها لا يريد الخروج منها، وأن مسها ضررٍ فداها بنفـسه، ها هـو يُقتّل بشوارعها ..
لم يبقَ ببغداد إلا قُلة غادرة .. وقليلٍ من النازحيـن!
هل رأيتمّ حربـاً ينزحُ أهلها إلى حرباً أعمـق؟
نعمّ انه عراقيٍ شعر بالخطر على بغداد فنرح لها حتى يُضمّد جراحها ..

***


لم أزل في مكاني صبـاحاً الذي نُمت به مجاوراً لآلن الذي لم ينم حتى الآن، مُصغيـاً سمعه لتلك الإذاعة التي أنارت بصيرتنا على حقيقة صحفيتها ..
أراهُ متشتتاً يـفهم كلمة واحدة ويجهل مئات الكلمات، مرتين فقط أصـغى سمعهُ مُحقاً لعربيٍ تحدث عن قطـع الكهرباء في الأهـواز وآخرٍ إنكليزيٍ يحكي إضـرار خسـارة الاقتصاد العالمـي على إيـران!

لم يكن ما نسمـع مُجدياً ، فلربـما كان مُوضوعاً عابراً ولن يُذاع ثانيةً ،
أو ربـما كانت حلقةً أسبوعية تُنـاشد أمـر مَهـتاب من خلال الإذاعـة!

تحدثتُ إلى آلـن المُمسك بسيجارته وأمامـه كأس شـاي : شكد الساعة؟

نظر إلى ساعته: سـت المـغرب – ثم أردف مُبرئاً نفسه – حاولت أصحيك تصـلي ما كنت راضـي تكـعد !

هذا يعني أن صـلاتين فاتتني وهذا اللئيم بجواري، أين تلك الحنينة التي تقرع رأسـي بصوتها حتى أفيق لصلاتي: وين عـمتي

تحدث بعدما أتكأ إلى الخـلف وهو يستنشق سيجارته: ضوجتها ..

لا أريدُ سؤاله عن سبب غضبها منه ولا أريدُ معاتبته، فأني أرى باكيت السجـائر مرميـاً بجانبه، فهذا دليـلٍ على ندمـه أو غلطةٍ قيلت بحقه من مخاصمـه الذي لم يكن هذه المرة إلا عـمتي !!
لم أستفسر عن مكانها لأنني أعلم أين ستلجئ،
علي أن أُصلـي ثـم أذهـب إليـها ..

***


له الحق ابـن آدمّ!
فقـد طلبتُ منه محادثة اهله أن أتـى مُحـمد وهبّ في وجـهي سائلي ان كان ذلك شيئاً مُهماً ويقال أمام مصائبنا التي بدأت تأتينا من كل صُوب..
لا يعلم معـنى انقباض القلب الذي أشـعر به منذُ صـباحي، لو شعر بما شعرت لذهب إلى أسـرع كبينةً محادثهمّ!
يسألني عن تعلقي بأهله فأجيبه بسبب أختيه وأمـه !
وهل تراني سأقول لك لأنني عاشقة أبيـك؟
وما هي ردة فعله!
يٌعاشر عمة صديقه وتصبح فيما بعد عمـته ثم يكتشف آخر الأمر أنها عاشقـةً لأبيـه ، وأنه أوصاها بـه قبل رحيـله!
ما هي ردة فعله !
عندما يعلم انني خُنت أمه وملكت قلب زوجـها ..
ما هي ردة فعله !
لو عرف ان العذاب الذي يقاسيه من غيابهما كُنت سبباً رئيسياً به ؟
لن يعلم بكُل هـذا ..
مريم وأدم انتهيَ مـن حياته وأصبح ابني وحـدي!
أبني الذي تمنيت انه ابنٍ حقيقياً وليس صـورياً ، لكم تمنيتُ أن يصبح لي ولدٍ من أدم ، وها هو أتـى على طبقٍ من ذهـبّ
تتخلـى مريم عن أبنها .. فأحتضنه لتحقيق حلـمٍ مضـى !!
هذا الولد الذي جعلني أمس أُسعّر جمرات غضبي بوجه مَهـتاب،
نعمّ!
لقد غضبتُ من أجله، ماذا لو سُجنَ أبن أبيه؟ من سيبقى لي إذن؟
سيُنفـى وتعود الغادرة إلى بيت أهلها سـالمة!
سأبقـى أعاني منفى أبيه الاختياري ومنفاه الاجبـاري .
سأبقـى بغداديةٍ بـلا بغداد، سـأبقى أسيرُ في المشـاية بلا مساجد كربلاء تَهديني طريقي!

دخل أبن اخي مما جعلني أمسح دمعٍ طفر من عيني إلى وجنتي: هـلاو بالضلـع !

دخل ابن اخي مُستغرباً مدامـعي، وأظنه عرف سببها قبل قدومه سببها الظاهر البسيط "السـخيف نوعاً ما" ، ما الذي يُغضب امرأة ان رفض احدهم محادثة أهله ، أو بالأصـح ما الذي يُبكيها ؟: اشبيييج زينب ؟ لا حبّابه ما أريد أشوف دمعج مرةً لُخ،
خبريني هالمسودن اش كَايل لج، والعبّـاس ليصير اللي تريدين.

قبّلت رأسه وأنا أشـعر فـعلاً أن ابن أخـي هو من سيبقى لي!
وهو وحده من يخاف على عمته من مصائب الزمن وشوائبه، مهما أحببت آلن وأفرطتُ في حبه لن يأتيني مثلُ صـادق، ومَهتاب الغريبة ستعود يوماً إلـى ديارها ، لن يبـقى لي إلا ابن أخـي على المحافظة عليه بعيداً عن طور الأحـداق المرعبة: أروحن لك فدوة حبيبي،
لا ما كو .. آلـن حبّاب ما كَال اشي، بس أني حنيييت لأيـامي مع أمـه وأهلـه علمود هيـج بس!

نظر إلـي متفحصـاً : بس؟

ألم تكُف عن تكذيبي أيها الوغـد ؟
ليس هذا كل الأمر ان أردت ، فأنا اشتقت حقاً وليس لمريم لآخر لو علمته لغضبت كـغضب أباك وباقي عمومتـك : أي مـاما بس.

وقف: لعد يلا نزلي ويـايه محمد على وصـول،
د نـشوف شسوى مع اخته ببغداد.

***


لو بقيت ساهراً يومين لا يهمّ،
الأهمّ ان أثبت براءتها او عدمـها ، لن نبقى هكـذا لا نعلم هل نحنُ ظـالـمين أو مظلومين!
لا بُد من معرفة الحقيقة ، أيتها الأذاعة اللعينة أعرضي جدول برامجك واريحي قلبـي من لهفة الانتظـار .. أعرضي ذاك البرنامـج وحده أو اجعلي أحد مُذيعيك يُخطئ وينطق براءتها أو خيانتها ..
لا تُبقيني هكـذا أسيراً لأثيرك ، لمَا لم تبحثُ مَهتاب عن هذه الإذاعـة إلا على سفح سفين!
مع العلم انها تصل تذبذباتها إلى هُـنا ، هل هي خُطةٍ مدروسة من أسيادها ؟
أم صدفت !
وكيف لا تصدف وأنا من أقترح الخروج للجبـل ..
ولكن كيف لم تبحث عن تلك التذبذبات من قبل ؟ لما لم أسـمعها متلهفة على هذه الإذاعة إلا أمـس؟
الويل لها لو كـانت حبكتٍ تتم ما سـبقها ، والويل لي أن ظلـمتها ..

أغلقت الراديـو على صوت صادق الذي ينده علي: آلـن..

وضعت الراديـو جانباً ، مُطفئٍ سيجارتي التي للتو أشعلت !
مُحـمد يكره هذه الرائحـة، فلن أجبـره عليها حتى نعـرف " ساسنا من خلاصـنا" بـلا حرق أعصـاب تتبـع هذه الرائـحة التي يراها بحاسته إنها نتنة !
لا يعلم أنني اتنفس الحـياة من تلك الرائحــة !

***


وجوههم تُنبئ عن شـيءٍ سـيءٍ قـد حدثَ!
أعلم حالة الوجوه ان اكفهررت، كوجهِ أبـي أمـس عندما زفّ لنا خبر أبو آلـن ،
لا أعلم كيف سأخبر آلـن بأمرٍ هكـذا ..
لو لم يكن مطلوباً هان الأمـر، أما الآن لو أراد الذهـاب لم يكنّ بمقدوره ذلك،
وأبيه أيـضاً فضلاً عن صحته السيئة لقد مُنَع هو وأسـرته من دخـول العراق ما دام ابنهم مُطلوب..
جلسـنا في تلك الجلسة الداخلية بعدما قرصنـا برد تشرين خـارجاً، شـقلاوة أبرد من ديـالى وتفوقها برودة بعشـر درجات وأكـثر!
كُل عام أرى الثلوج التي تُغطي أرضَ شـقلاوة من بعيد، فهل سيبقى صاحبيّ مطلوبـين حتى أتمكن من رؤية ثلوج شـقلاوة؟
يا لسـخافة ما يتفوه بـه عقلك!
صاحبك وعمتـه يشوبهم الأسـى وأنت تتمنى رؤيـة ثلج شـقلاوة..

تحدثتُ سألهم : شاكو ماكو ؟

تكلم صادق أولاً : والله أخبـار ما تسـر يا أبـو خالد !

هل علمَ بما حل بأبو آلـن، وأين آلن: وين آلـن ؟

بدوره رفع صادق صوته مُنادياً : آلـن .

وما هي دقيقتين حتى دخل الآخـر: مسـاء الخيـر .

وقفتُ مُسلّماً ومحيياً : مساء النور، هلا بيك .

جلـسَ بعدما قال: هاا شصار عليكم ؟
كدرتـوا تأخذوا الـملكية ؟

***


جميعهما في الأسـفل مُستمعين لحديث مُحمد الذي يبدو انه عن مغامرته هو وأخته في بيت صـادق !
ليتني أستمع لما استمعا إليـه .. لا علي بتلك القـصة ، فأنا قادمـة علي شيءٍ أهم!
مُحـمد هو الأهم ..
لا بُد له أن يُخلصني من سوء ظنهم الذي أحاط بي وجعل زيـنب لا تحادثني إلا عندما تخبرني بأن عشاءها أو غداءها أصبح جاهزاً ..
لما لم تناديني لأسـاعدها؟ هل لأني جرحت يد ابن أخيـها في المرة الأخيـرة ؟
أو بسبب خيانتي الوهمية ؟
تلك الخيانة الباطلـة المُحببة إلى قلبي لو كانت صحيحة، وهل يشين المرء خدمة دياره؟
قدماي تحُثني للسـير أسـفـل، وكرامتي تقول لا تعودي لمثل هذا ، هم لم يندهوا عليك كعادتهم، هم لم يجعلوك كسابقكِ تنتظرين مُحمد بلهفـة!
عودي أدراجك فأنتِ مَهـتاب التي لا تستسيغ المهانة ولو كانت غير مُبـاشرة..

***



تحدثت زينب أولاً من هول ما سمعت: خرب حظكم كيـف ما خفتوا يغدر بيكم؟

تحدث مُحمد وهو يسرق النظر إلـي: شو هاي يغدر ما يغدر ؟
عميمة هـو فـضيل، مو معناته مسيحي يعني ما فاضل وعالم!

صمتت زينب وكأنها تداركت وجودي قائلـة: طيب حبّاب ليش ما جبت مَـلاذ وياك؟
تجي تشوف لنا هالمصيبة اللي وكعنا بيها .

نظر إلـي مُحـمد أولاً وكأنني انا من يتبنى تلك المصائب: شالحجاية ؟

تحدثتُ وأنا أرمقُ زينب بنظرة!

نعم عمتي ولكن لا يجوز لكِ تصرفٍ هكـذا، أعلم ان مُحمد يطالب رضاءها أولاً ثم يحل مشكلتها: هذا يا صاحبي .. بَسـعاد طلعت شلايتية ! "سيئة الخُلق".

زجرني مُـحمد : آلـن،
تحجى عدل بلا طيحان الحظ مالك !

لقد طاح حظي!
عندما أحببتها ، عندما أمسكت عضدي للمرة الأولـى: عـواينية .. يا محمد،
طول وكـتها تلفق هالقصص ويا إيـران .

تحدث مذهولاً مما سـمع : كيف ؟ احجي عدل!

ما الذي تريدني أحكيه يا مُحـمد ؟
أقول لك بالمعـنى الصريح خذلتني!
وقفت عاكفاً على بابها حتى طعنتني عندما تسللت من الخلف حتى لا أراها؟
أم أُريـك دمـاء القلب التي بدأت تؤلمني حتى دقاته ولم تغفى عيني بسببه!
ما الذي أقول لك يا أخي.. وما هو القول المنـاسب لمثل هذا الحديث،
أعلم انها ليست كفواً لخيانةً كهذه، ولكن بنفس الوقت لا أملك دليلاً على براءتها.


تحدث صادق بعدما ملّ مُحـمد من صـمتي: أمس المساويات طلعنا لسفين،
وطلبت مَهتاب تشغل إذاعة طهران بحكم انها فوك مرتفع وهيج!
ولـما اشتغلت الإذاعة جان برنامج سـياسي ديتحجى عن نظالها وصمودها بالأرض هاي ،
وهمينه بعد يكولون بيه هناكا نائب ما أعرف مسؤول تكفل بحمايتها وكلهم ناطرين رجعتها من مهمتها سالـمة..

تحدث مُحـمد : هذا ما يعني أنها خاينة .

تحدثتُ مُجدداً وأنا أصارعُ قـلبي: أكولك إيران جانت مرسلة لها الانتربول يتلوها من راسها لهناكا ، كيف هسه بقدرة قـادر صاروا رايدينها ؟
بالله فسـري لي هاي كييف ؟

أجاب الآخر على تساؤلي: بلكي افتهمتوا الخبـر غلط!

صمتُ تاركـاً ساحة النقـاش لصادق ومحمـد وتدخلات زينب البسيطة التي لا تفتؤا هي وابن اخيها عن إقناعه بخيانة بَسـعاد،
بينـما الآخر يُبرر ثم يُبرر تلك الخيـانة!

إلـى أن وجَد حلاُ عادلاً بوجهةٍ نظرة : عميمة ، حبابة كـومي صيحي عليـها .

فززت من متكأي معتدلاً : طبها مرض ، شتريد بيها؟

تحدث مُحمد ناقمـاً من فكرٍ نحمله : قابـل شريد بيها؟
دا حاجيها عن هالصخام مالكمّ !

قطع حديثنا نداء عمـتي المتكرر لتلك الفتاة التي تظنُ أن كبريائها أكبـر من فرصـةً كهذه!
مُحـمداً هُـنا ..
يعني أن جميـع ما تشكين سيزول، حتى ولو كان أحد صاحبيه!
ألم أخبرك انه حلفنّي بيـسوع ان لا أعقد معكِ حرباً كلاميةً تضر أحدى مقدساتكِ ؟
مقدساتك التي تفتقد القُدسية،
وهل كانت إيرانُ قدّسية في يوماً مـا ، كلما اتجهت القداسةُ غرباً اتجهت بلادك شرقاً .. أعلمي جيداً ان القداسة أختصها الله في بـلاد العربّ!
وأختص العراق بأقـدس معاركـها .. معركة القادسيـة التي كانت ضـد فُرسـك..
دخلت وهي بجلبابها الذي لا تلبسه إلا إذا حضـر مُحـمد !
لا أعلم ما وجه الشبه بين زينب وبَسعاد ، فكليهما يحترمان مُـحمد ، عمتي لا تجعله متوسداً فخذها كما تفعل مـعي ، ولا تخضع معه بقولٍ ساذجٍ كـما تقولّ!
والأخـرى تُضيف للباسها لباساً في حضرةِ مُـحمد !
لا أعلم هل هو إجلال يرنّه يتجلـى بـه، أو بسبب بُعده المكاني عن موقعـنا ..
لا أعلم ولكن كُل ما أعرفه أن طلـة صاحبي تجعل النساء أستر من ما كانَ عليهّ.

تحدث مُحمـد إلى الواقفة ولم تحدد لها مكانٍ : تعالي باباتي يمّي.

أ يُـقال لتلك الفاتنـة "باباتي " ..
وهـل أنت تراها صغيـرةً حتى تُناديهـا كما تُنادي أُختك؟
وهل تلك أيـضاً صغيرة حتى يُقـال لها هـكذا !
كفاكِ دلالٍ تدللهما إياه .. فقد دللتُ اثنتين وكليهما تخليا عنـي في أقرب فرصة سُنحت لهما ..
لا تُدلل المرأة ، فدلالك لها يجعلك في أوائل قائمة المغادرين من عالمـها .


***

قضيةُ مَهـتاب وانشغالهم بهما تجعلني أخبئ خبر أبو آلن عنهم جميعاً .
فشُرود ابنه الذي يُبنيني عن تفكيرٍ لا ينقطـع يجعلني أتكتم على الخـبر فقد فقد صاحبـي من أعصابه ما يكفيـه .. هذا فـضلاً عن هالاتٍ تُحيـط عيـنيه تُخبرني أيـضاً انه لم ينمّ ..
ابـوُه سيكسر ظهره لا محالـة، فلو كان الأمـر أبسط من كونه مُطـارد لأخذته بيدي إلى مـطار أربيل أو مطار دهـوك وإلى أول طيـارة تتجه إلـى بلجيـكا ..
ولكن وضعك أختلف يا صاحبي عن سنين الست الماضـيـة!
كُنت مُخيـراً بها ،
وتستطيع الذهاب وقتما شئت !
ولكنك لم تذهب .. والآن أعلم فور أخبارك بما جـرى ستنوي الرحيـل إلـى بلجيكـا ، وهذا ليس بمقدورك ولا مقدور الجـميع ..

دخلتَ تلك الذابلة أيـضاً ، لقد شبعت منكم أسـى .. لقد شبعت أيضاً في ليلتها الماضيـة خيبة!

ناديتها وأنا أشعر بها حائرة لا تعلم اين تذهب : تعالي باباتي يمّي..

رأيت نظراتُ صديقي تنتقل إليـها وكأنها من ارتكبت جريمةً بحقهّ !
كفّ عن ذلك يا آلـن .. فما أتاها مـنك يكفيـها .
جلست بجانبي وهي ترجفُ كورقةٍ خريفيـة بللها المـطر، نظرتُ إليـها وأنا أرى بعيـني مـلاذُ تبكي ، ملاذُ ترتجف!

وذاك الغريب ما زال يلتهمها بعيـنيه: حبـابه لا تصيحين ..
شاللي تريدينه وراح يـصير ؟
أني عارف براءتج ما عليج بيهم ، وهاي بالله تُهمة دا يتهموج ؟
اكو واحد ما يحنّ لبلاده ؟ أكو واحد تعوفه بلاده بلا حماية بأرض كلها حرب !
من حقج ومن حق إيران ياللي صار ، صح لو لا ؟

جحدت كُل حديثي السـابق وهي تتحدث بصوتٍ يختنق: مـحمد عفية حباب،
بحق الله وحق القُران لا تخليني هـنانا ، خذني ويـاك دخيلك والله لو بقيت هنانا أمـوت دخيـلك .

رجاءها الكـاسر كسـرني ، وكسر تلك الطاولة التي وقـعت أثر وقفة صاحـبي مُلقياً لهيب غضبه على مسامعـها :





مخرج الفصل الخامس والعشرون

نَعَـمْ .. أنا إرهابـي .
أنصَـحُ كُلّ مُخْبـرٍ
ينبـحُ، بعـدَ اليـومِ، في أعقابـي
أن يرتـدي دَبّـابـةً
لأنّني .. سـوفَ أدقُّ رأسَـهُ
إنْ دَقَّ ، يومـاً، بابـي !

×احمد مطر×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 05:36 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



كل العزاء والمواسـاة للشعب الادرني الشـقيق على حادثـة البحر الميـت،
اللهم أرحم من فُقد وأربط على قلبِ من فَقد ..


مدخل الفصل السادس والعـشرون

عانقي يا قدس بغداد ونوحي
واشربي الأحزان من نزف جروحي








جحدت كُل حديثي السـابق وهي تتحدث بصوتٍ يختنق: مـحمد عفية حباب،
بحق الله وحق القُران لا تخليني هـنانا ، خذني ويـاك دخيلك والله لو بقيت هنانا أمـوت دخيـلك.

رجاءها الكـاسر كسـرني ، وكسر تلك الطاولة التي وقـعت أثر وقفة صاحـبي مُلقياً لهيب غضبه على مسامعـها : دا ولي من وجهي كـبل أطيح حظ حظج!
د تروح ديـالى ناقصنا بلاوي هنانا علمود تكمل علينا هناكا !

لا أعلم لما كُل هذا الغضـب والزجاج الذي تناثر أمامـه، بإمكانه أن يعرب عن غضبه بشكل أفضل مما كان عليه!

تحدثت عمتي الـمستمعة منذُ البداية: يمـه مَهـتاب عودي لدارج!

هذا ما قدركِ عليه المولى يا عمـتي؟ أوقفي ذاك عند حده ولا تصبّي مرارة الوجع التي تصهر قلبك بهذه المسـكينة!

شعرتُ بمَهتاب تتشبثُ بذراعي وسط غضبٍ يعتري آلـن: دخيـل الله لا تخليه يضوج عليـه هيج، من حقي أنهزمّ مو بس أروح وياك كم يوم لديـالـىّ.

لقد وجدتـها!
هي قصدت تغيير جـو فقط أو ما يسـمى بالاستجمام، حتى يعقّل الجميـع عقولهم بعيداً عن مشاحنات بائسـة كهذه !

وقفتَ وأنا أنظرُ إلـى آلـن الذي ما زال غاضباً وفي وقفته حافـياً بلا حذاءٍ يحمي قدمه من ذاك الزجاج المنتثر وكأن الأرض خُلقت من زجاج : آلن عليك الله ما تضوج !
هي اش دا تسوي بديـالى؟ كلها تروح ويايه وتكـعد يومين يمّ ملاذ تغيّر جو وترجع!

تحدث وأنا لم أشهده بتلك العصبية التي شنَجت عروق رقبته: والعـذراء انها ما تعتبّ خطوة من هنانا الا وهي محمّلة!

صاحبي أعرفه سيفعلها ، لاشـك!
نظرتُ في صادق طالبـاً منه التدخل بعدما أغلظ الآخر يمينه ، رأيته عاقداً حاجبيه ويمسدُ يده بأصابعه، لقد ضُمدت يده ما خطبـها؟

نظرت إليـه : كَولك كلمة باوع هالمسودن !

تحدث آلـن وهـو يُخرج باكيتـه: مسودن وطـرن همينه ،
بس طلعة لبَسـعاد من هالبيت ما كو ! "طرن = غبي".

صرخت به وهي تنشجُ دموعها وتحرر ذراعـي من قبضتها وكأنها لبوة فقدت قبل قليل احدى نابيها وعادت من جديد تنهشُ بالآخـر: لا تكَول بَسـعاد، أني مَهـتاب.

رمـى باكيته أرضـاً و بسـرعة البرق كان ملاصقـاً لـها مُمسك رقبتها من الخلف: صوتج لا تعليـه يا بت يُوسـف لا تعليييه ، أصيّح عليج باللي أريـد مالج خـصّ!

دفعتُ به مُبعدة عنها: استح على هالـشوارب اللي بوجهـك،
تضرب بنيّة، لا وبـعد محجبة، ولك من الله ما يجـوز!

في هذه الاثنـاء خرجت زينب التي لم تكف عن مناداة آلن الذي لم يستمع لها مما جعلها تُغادر المكان غاضبة!
وسط صمت ابن اخيـها أو تبلده فلم أرَه يُحرك ساكناً ، فقط شرح لي ما حدث وأتكـأ صامتاً .

انحنى الآخـر يسعُل بعدما عاد إلى باكيته واشعل سيجارةً جعلته هكذا منحنيٍ، تقدم إليـه الصامت .. صادق: صحـة أبـو آدم!
ثم ذهب من أمـامـنا آتيٍ بكأس مـاء،

ترتجف التي بجانبي وهي تنظر إليـه: كَوله ما رايحة وياك خلاص!
لا يكَتل روحه علمودي .

رحلت من جانـبي وهي تعاكس صادق سيره الذي قدمَ بكأس المـاء،
مما جعل الآخـر يتقدم إليـه بوجهٍ قانٍ تضجر بلون الدمّ..
أرى سيجارته التي سـببت له سعالٍ ليس بالبسيط ما زالت تتوسط أصابع يمينه!
تقدمتُ وأنـا اقتلعها من بين أصابعه: بسـك زفـت .. دا يمتوك والله !

جُنَ عندنا رآني واقفاً أمامه : ما من حقك تدافع عـنها ، اش لك بروحتها هناكا هاا .

تحدثتُ بموضـوعي السـابق: هالزفـت ما نافعك فاهم،
لو تموت مدا اجيب لك، وخلك على الزفت مال شـقلاوة !

تحدث بعدما تفجّر غضـبـاً: تتمنن عليّ!
الله الغني عنك ما رايـد منك شي ..


***


تواجهـا الاثنين وسط عزوفي عن الحديث بشأن مَـهتاب، فهي لا تستحق أن أغضب أحد صاحبيّ بسببها،
من تكون حتى يخرج محمد إلـى ديـالى غضبانٍ على حديثٍ أمليته ألمٍ بسببها،
من تكون حتى يغضب آلن زيادةٍ على غضبه الذي لا ينتهي!
لقد حدّت من صداقتنا .. ولو تدخلت ثانيـةٍ رُبـما قُطعت العلاقة من أساسـها..
رفعت رأسـي عندما بدأ عراكهم الكلامي .. فزيتُ عندما رأيت آلـن يدفع مُـحمد،
ثم يبدأن هؤلاء الرجـال بعراكٍ دامـي، جثثٍ تقابلت!
كأنك تحكي عن أسـدٍ يهاجم الآخـر بعد رحيل لبوة،
كـأنك تشاهد نسران جارحيـن يتشاجرا على لقمـة عيشٍ اصطاداها سوياً ..
وقفتُ وأنـا أرى آلـن قد تمادى مثل آخـره، لم يبقَ إلا اسالة دماءهم !

وقفت بالمُنتـصف مفرقـاً بينهم: بسكم حركات جـهال انته وياه . .

تحدث مُحـمد وهو يشـتم آلـن: كَول للي كَـدامك يبطل أكـلان الزفت ويعتكَ هالبنـية !

همّ الآخر لضربة وأنا ماسـكاً به: انته شعليييك؟
اش لك بي وبيها، طبـنا مرض اشعليييك.

وما انهى ذاك جُـملته حتى رأيت مُـحمد ماداً يده من خلفي حتى تطال الآخر ضربةً معتبرة: أني اشعليه؟

يبدو ان آلـن للتـو حس بحجم زلة لسـانه، أ يقال لمُحـمد ماذا تريد مننا؟ فلا علاقة لـكّ!
أ نسيت يا آلـن من تحادث؟
مُـحمد من قطع مسافات تُطال الثلاث مائة كيلو بين يومٍ وآخـر حتى يقف ساعةً أمامك يتطمن بها علـى حالك!
ثم يـعوُد مشواره المضنِ في خضم الحواجز التي لا تنتهي ..
جَلـسَ مُحمد وأنا لا أعلم ما الذي جعله هكـذا، شحيح اللون!
بالطبع ان كلمة آلـن لن تأثرُ به.. فقد اعتادا على حديثٍ أكـبر منه، ولكن هُـنالك ما يخفـي.


***


يقـول لي "اشعليك" وهو لا يعلم "اشعليه" !
لا يعلم انني أهون أمر مَهتاب حتى أُهيئ له أمر أبيه،
أعلم أن ابيه أن لم تضعف حـالته .. فقد يكون يُنـازع، لابُد ان أخبـره حتى لا أندم طوال عُمـري!
فأكون سبباً يحد علاقتهم المحتضرة!
لو لم أخبره وتوفيَ أبيه سأحمل نفسي خطيئة غضب والده . . .

تحدثتُ إلي وأنا أراه واقفاً حيث تركته وقد أشعل سيجارةٍ أُخـرى : سلاحي ضاع!

ما الذي فعلت حتى تأتيكَ الخطوبُ خلاف بعضهـا..
ضيـاع سلاحك يوصلك إلى حبـل المشنقة!
ووجود الجاسوسة إن ثبتَت إدانتها أيـضاً يوصلك إلى النفـي ..
وذهـابك إلى بلجيـكا سيجعل من أهلك مطلوبين أيـضاً للأمن البلجيكي.
ما الذي فعلت حتى تجتمع عليـك كل هذه الأمور في يومٍ واحد!

كيـف تُضيّع سلاحٍ نُقشَ عليه اسمك؟ : دورتـه زيـن؟

تحدث وهـو ينفثُ دخانٍ جعل من سقف الصالة غيمةً ضبابية تُضيق النفس: ما خليت مكان بهالبيت إلا ودورت بيه،
الله وكيلك قلبته فوق تحت!

حثثتُ خطاي إلـى أعـلى: أني دروح أدوره.


***


اللعنة!
يقتلُ نفسه بدخانٍ من أجلـي، كيف تجرأ ومدّ يده علي، هذه أول مرة يكون قريباً بهذه الدرجة!
قربهُ مُـرعب، ضوضاءٍ في داخلي تحدث عندما يقترب، حالما يرحل ترتحل وهي تسرق شيئاً مني وتؤتيه إليـه!
تؤتيه قلبٍ مليء بالأسى، قلبٍ تضخمت أوردته من هول ما رأيـت،
قلبٍ يعـشقُ قاتله، وجسدٍ يعشقُ جلّاده!
طُرقَ البـاب وعلمتُ انه الغاضبة التي لم يسأل أحدٍ عن غضبـها، تغضب بل تتفجرُ غضبٍ وتعود أخيراً إلـى من أغضبها حتى ينامُ أول ليله في حضـنها، هذه زينب لم تتغير !
هذه من قوّت بأسُ آلـن وجعلتهُ يتمادى اليوم ويضربني،
لن أسـمحُ له وأن سمحـت له ..

هذه زينب التي هجرتني ليلة أمس والآن عائدة لي بعدما أغضبها ابنها : ماما مَهتاب أني أم عـلاوي.

فتحتُ لها بعدما كسرت ذاك الحاجز بصوتها الحنّون الذي يشابه وجهها الحانّي، تقول انها زينب تظنُ أنها بعيني لا تفوق ابناءها ذنباً وخطيئة: حيـاج زينب.

دخلت وهي تنظرُ إلـى كل شي عداي: ماما ، أني ظلمتج!
مدري ليش صرت متأكدة من براءتج ..

أعلم انكِ تأكدتِ بعد سحر محمد الذي يلقيه على مسامـعك وكأنه تعويذات تحميكِ من هراء آلن الذي لا ينتهي : وليش هي تهمة علمود تدورون براءتي!
تأكدي حبابه لو جنت صدك أساعد إيران بأي معلومة ما راح اندم ولا راح أقصـر!

تغاضت عن كلامي ممتعضة ولو لم توضّح ذلك: ما عليه لا تأخذين بخاطرج والله كـلامهم لعب بمخـي صرت صافنه طول يومي بيه!

تحدثتُ إليـها وأنا أجلس على السرير مُخفية ما يجب اخفاءه إلى أن يحين وقته! : كَـعدي زينب.

جلست وهي تجمع شتاتها الذي شتته بنيها منذُ قليـل، أعلم انه ليس بالهيّـن أن لا يستمع إليـها ابنها .. وهي كانت محور حياته!
أعلم أن آلـن جرح بداخلها شعُور الامومة التي نَمَت بداخلها بسـببه، لم تلحق ان تحنّ إلى علـي .. فحنتَ عليه!
لم يكن الأبن الذي تتمناه كُل أم ، ذاك الأبـن الذي من تنادي اسمه يوقف حياته ولو كان في خضمها ويلتفت لها ..
لم يلتفت لها اليُوم وهي ترجيـه أن يوقف عراكٍ صاخبٍ يشابهه


***


صعدتُ أعلى باحثاً عن قطعة فضـيةً زُينت بالـذهب!
لا أعـلم لما الوزارات تتكلف بسلاحها ولبـاسـها، والشعبُ عن يمينها وشمالها يتضور جوعاً ،
سلاحُ آلـن وحده يُعيـل أسرة على المـدى البعيـد ..
لما كل هذه التكلفة الباهظة التي تجعل السـلاح مُصنّعٍ بدقةٍ عجيبـة تأخذ من وقتُ صانعها أيامٍ بلياليها ومن ثم تحملها سيّارة من مصانعها إلى مقر الوزارة مارةٍ بطريقها أُنـاس تبحث فقط عن ألفي ديـنار تشتري بها خبزاً لجياعٍ خلفتها بالبيت تنتظر منها رغيفٍ ناشف! "الفين دينار عراقي = دولار ونصف امريكي"
دخلتُ غرفة آلـن التي بان على جدرانها الأسـى من هذا الشـابّ الذي بتُ أشك بشبوبيته!
يحمل قلب طفل وعقل شيخٍ ومن بينهما تجيء نزوة المراهقة والشباب وتجعل أحوال صاحبها في الحضيض !
لعدم تمكنه من توافق عقل وقلبٍ يحملهما في جسـده . . .


***


رحل مُـحمد وآثـرت الصمت على حديثٍ مع صـادق!
الذي بدأ يتحاشاني من آخـر حديثٍ تحدثناه في الكبينة، الحقُ علي كيف أحادثهُ بدينه، مع أنني أعلم ان لا أحد سيغير وجه نظره بدين الآخـر ..
لما الحديث المهترئ الذي لا يُجدي نفعاً أن لم يجلب مضـرة!
لقد تضررت تلك الصُحبة العميقة التي تقاسمنا أيامها في فرعنا السـكني ..
وتقاسمـنا حلوها في مقاعد الدراسة ، وتجرعنا مرارتها في حروب العراق اللا منتهية!
ابتدأت بحرب الـ 80 ولم تنته ونحنُ في 2003 ..
ابتدأت الألفية وابتهجت بها البُلدان واشتعلت الأضـواء، ولم تكن بغدادُ عاديةً حتى تفعل مثلهم ..
بل أشعلت ضياءها الأرض وضوت الدُنـا بدمـاء الشهداء التي خلفها تفجير مفخخـة في شوارع المدينة المبتهجة على بقايا أوجاعها.
لم يكتب للـعراق ان تبتهـج!
لم يكتب لنا أن نُنشد أناشيد الوطن ونحنُ لا نعلم ما معنى فقده، لا نُنشد النشيد الوطـني في طابور الصـباح ونحنُ بائسين من خروجنا باكراً ،
بل ننشده ونحن بائسيـن من شُـهداء خلفناهم في المقابـر ونُردد وكأن الأرض لنا "نحنُ أشرقنا ، فيـا شمسُ أغربي".
أي شروق نقـصد ؟ وكيف نتجرأ ان نقول للشـمس تغرب، وهل لنا نورٍ نهتدي به أن غرُبت !
كيف نهتدي ونحنُ نكبّ على وجوهـنا اليأس وروح الثأر التي قُتلت في داخل عربيٍ ثائراً .. يريد أن يتأثر لأخيـه أو أبيـه، فيلقى أمامه قانونٍ يـقول الأرضُ تنعمّ بحربٍ لم يُسبـق ان شهدتها البـشرية، فأن عُمتَ في وحلها لن تخرج إلا قتـيلاً..
تلك أغانينا وما ورثت خلفـها، ليت النشـيد الوطنـي لم يحفر في الأذهـان !
ليتنا لم نردد " يا سرايا البعثِ يا أُسـد العرين "..
أصبحت تلك السـرايا جريمةً نُدان بها، كيف يكون الدائنُ يوماً مـدين،
كيف يقف القانونيين يتهموننا بهذه التُهمة وهم في يوماً ما يتبركون في أثر أقدام الرئيس البعثيّ!
ليتنا لم نغني في يوم ، وحناجرنا بُحت من الصمت لا علو الصوت الذي يصدح من جدران المدارس !
بل غنينا أغانيه والدمعُ يتسربـل كتلك الليلة التي فقد بها كُل واحد عائلـته وفدانٍ من أرضـه..

نظرتُ إلـى صادق وانا أراه يخلـع شاش غطى يساره ليوم ونـصف ليخرج ما تواري خلفه،
جرحٍ عمـيق سيبـقى محفوراً في يـده ما حُيي: تـعورك؟

نظـر إلـي بابتسامته التي بُت أكرهها لكثر مجاملتها وإخفاء وجع صاحبها خلفها: لا، بس ما حبّيت أخليها هيـج!
أحسـها ثقيلة ..

ثُقـل شاشٍ لم تتحمله لا يسـاوي شيء عند ثُقلٍ ملأ قلبـك!
صاحبي وأعرفك مـجروحٍ بمـا فيـه الكفاية، لقد وقعت في وحل الوجع الذي أغرق به من ست سنواتٍ مـاضية ، وهل ستكتفي هذه الجروح ولا تزاورني في سنيني القـادمة؟
أم انها ستقطع صلتها فيني وتبتدأ بـك ..

قطع علينا الصمت الذي اقتحمته بضعة كلماتٍ منذُ قلـيل دخول مُحـمد الذي رمـى بجسـده بجانبي بعدما تجنب شظايـا الزجاج المتناثرة: انته متأكد انه هـنانا .

علمتُ انه يقصد المُسدس المفقـود: كبلك دورت ليـن داخ راسي .. ما لاكيـه!

تحدث وأنا أعلم انه يتحدث بما يدور بباله خوفاً منه : ان شاء الله نلاكيـه هنانا .. أهم شي ما يكون برات البيت.

تحدثت وأنا أتأمل وجهه المقُبل على صدمة: أني خايف أنه برات البيت،
جنت رايح اجيب لي دُخـان ولما رجعت ما لكيـته ، ما ادري أني خذيته ويـاي ولا باكـي هنانا ، ما عدت أجمـع!

بيّنت له ضعفٍ اعتراني، ولأنه مُـحمد ضعفي أمامه قوة، لأنني أعلم أنه لن يتركني هـكذا.

تحدث صـادق: اني أتوقع ما طلع من البيت،
وفرضـاً لو طلع وانسرق، وين اللي سرقه؟ له يوميـن ولا بلغ عليـنا.

احتمالٍ صائب!
ولكن أين ذهب أن لم يكن خارجاً، لقد قلبنا البيت عالياً إلى أسفله ولم نجده، لم نترك مكانٍ إلا وبحثنا عنه.

تحدث مُـحمد : آلـن،
ما تريد تـخابر أهلك؟

تحدثتُ وانا لا زلتُ منشغلاً بموضوعيـن مصيرييـن أهم: ما ناقصني وجع راس!

تكلم مُـحمد مبرراً وملقياً افتراضاته اللا منطقـية: بس ...

قطعت حديثه: خلاص مرة لُخ!


***


مرت يوميـن على العراك الكبـير الذي حدث !
ولم تزل مسبباته على ما كـانت عليه، لم يكشـفوا حقيقتي ولم يجد آلـن سلاحه، كُنت أريدها له "قرصة أذن" كما يقولون بعدما رأيت السـلاح على طاولةٍ تتوسط المزرعة، لو أعطيته لهُ الآن تأكـدوا من خيانتي لهم..
ولو ابقيته معـي .. بقيَ آلـن على أعصابه وبقيَ حاله أشـد !
أراه لم ينم إلا قلـيلاً ثم يصحو فاتحاً بجانبه الراديو على إذاعة طـهران، أن لم يكن يسـتمع لشيء منه ، يفكر بسـلاحـه!
حتى انه ضعـف .. ذبُلت عينيه التي كانت محط إعجابٍ وذعر!
تلك العيـون الذابلة أصبحت أكثـر شيء يقيدني في مكاني المقابل له حتى استرق النظر إليـها، عيُون ذابلـة يسكنُ بها بريقٍ أشبـه بمن "يهلهل" وسط عزاء..
لا أعلم لما ذاك البـريق الهائل الجاذب بعينين يئست من الحيـاة وتحمل سوادٍ لو وُزعَ على كل بياضٍ في العالم لملأه سوادٍ ولم ينتهي!

حادثتُ زينب التي استقل معها جلستنا في تلك الصالة التي تعاركنا بها أمـس: ويـن صادق ؟ مو مبيّن من الصبـح.

زفرت الهمّ ثم قالت: صـادق ما ابني اللي أعرفه، متغيّر عليه، طول الوكَت صافن ولا يعرف صباحه من مسـاه !

لم اتجرأ وأسالها السبب، لأنني أعلم ان احد الأسبابُ أنـا..
لقد طفح الكـيل، الجميـع متـأذين مني بشكل مباشـر وغيـر مُبـاشر!
من يصدق ان صادق الضحوك الفكاهي يبقى شارد الذهـن كصاحبـه، باتت العمة تفتقد بنيـها والسبب أنـا ..
أعلم أن عراكهم بدأ بسببي ولكن لا أعلم على ماذا رست سفينته ، وهل كُنت أنا أيـضاً رُبانها، لم أقصدُ غضباً يجعل منهما قنبلتين موقوتتين تنتظر من يضغط زر تحكمهما وينفجرا ببعـض ..


***


لم استطع ترك صاحبيّ في أرض الشـمالِ حائريّن .. ولن أترك آلـن هكـذا بلا خبراً عن والده، لقد حادثتُ يـنال اليوُم وقال لي أن ياسمين قطعت سفرها عائده إلى بلجيكا بعدما ساءت أخبار ابيها..
هذا يخبرني ان حاله لم تكن مستقرة.. بل وتتردى بين الحيـن وآخر !
يجبّ أن أخبر آلـن، ففاجعة مرض ابيه أهون من فاجعة موته.
سألومُ نفسي ما حييت ان مات ابيه قبل ان اخبره أولاً بمرضه، علـي ان أعـود أدراجيّ إلـى شـقلاوة، ولكن كيف أخبره وهو حائراً بقضية مَهتاب وقضية سلاحـه،
سأجعل هميه ثلاثـة!
لن يذهب إلـى ابيه لو أخبرته، ولن يغيّر شيءٍ في حالته ، لذا عليّ أن اتروى ولا اخبره حتى نـحلّ ما شـغل بال الجميـع أولاً .

قطع عليّ افكاري صوتُ مـلاذ: حمّود، اشبييك من رجعت من شقلاوة وانته صافن!
خوما صايبهم اشي، لو متأذين؟

تحدثتُ اطمئنها وأنا ابحث من يطمن روحي، ليت لي حيلة وأقدر على كشف القـدر وأعلم أن كـان لأبـو ينالُ حياةً أخـرى.. أم يعيشُ الآن أيامه الأخيـرة: لا ما بيهم اشي،
بس أكل هم آلـن .. ما كَدرت أخبره عن ابوه!
خطية متعلق بيه كومه.

تحدثت مـلاذُ والتأثـر قد علّم على ملامحها: أي والله خطيّة،
الله لا يفجعه بيه!

تمتمت خلفها بـ "آميـن" لتلك الدعوات التي تقفز إلـى حُنجرتي وأكبحها وتعود إلـى قلبي حتى لا يعلمُ أحـداً بما حلّ في تلك الأرض!


***


يستمعُ إلـى الإذاعةُ بصمتٍ مُطبّق وكـأنه يفهم ما قيل بـها، تحدثتُ وأنا أعلم انه لن يقبل منّي ذلـك: أبـو آدمّ!
اش رايك نكَطع الشـك باليقين؟

أخفض صوت الإذاعة مُلقياً جسده وعقله حيثُ أنـا: كيف هـاي؟

تحدثتُ: دتروح هسـه لمَهـتاب وتكَولها انك دتخابـر أهلك وإذا لها خاطر تروح ويـاكّ.

لم يفهم صاحبي ما أرنُـو إليـه: طيب؟

أكملت ما ابتدأت به: وإذا هي متخابرة مع إيـران بتعرف أنها انكشفت وما في داعي تخابـر أهلها، لان يكون أول سالفة أهلها فصل من المسرحية،
وإذا صادكَـه ما تصدق متى تروح تخابرهمّ

لم تدخُل هذه الخُدعة رأسـه: لا لا، حتى المتخابـرة تشتاق لأهلـها .
وما أخذ ثانية حتى قـامّ: دنـجرب وش ورانا يا سيد صادق!


***


طرَق الباب، ماذا تُريد زينب وأنا للتـو صعدتُ من جلسـتها؟
فتحتُ الباب، ولكنني لم أجـد زينب، وجدتُ آلـن!

والله انه آلـن، الذي لم يستحِ فقد تمادى في ضربي قبل يومين حتى يأتي اليوم يطرق بابي: اش تريد؟

تعدل في وقفته التي عشـقت تفاصيلها، نعم!
أعشـق تلك الوقفة المائلـة التي تُعطي صاحبـها جبروتاً وعناداً يُشبـه ميلان مأذنة الملوية.. التي باتت حـضارةً وعلماً يحيط سـامراء: له يا بَـسعاد!
هيـج تستقبليـن خطارج! "ضيـوفك".

تغاضيتُ عن اسم بَسعاد الذي كـان سبباً في ضربي: خطـار وأهل بيت كيف تجي هاي؟

ابتسم مُعذبـي فتهاوى قلبي بين قـدميه: ضايجه علينا ؟ ما عوايدج.

لم أرد..
مما جعله يكملُ حديثه وهو ينظرُ أسـفل حيثُ قدميـه مُدخلاً يديه بجيبيّ بنطاله : أني رايد أروح أخابر أهلـي .. واشتهيت لج الروحة وياي دتخابرين أهلج همينه – ثم رفع رأسـه – هاا اش رايج ؟

هل هذا عربوُن رضـاء ؟
لن أرضـى .. فلستُ سلعةً بيـنَ يديك!
ولسـت لعبة تُحركها كيفما شئت: ما رايحـة.

تحدث بعدما وضع يده على حافة الباب عاقداً حاجبيـه: وليش ان شاء الله؟
حتى محمد ما طلبتي تروحيـن وياه!
ما حرام عليج تخابرين أهلج بالشـهر فد مرة؟

الآن عرف الحلال والحرام!
وهو ذهب قبل يومين لمحادثةِ مُـحمد تاركنـي خلفه وهو يعلم مدى شوقي لهم: آغاتي أصحى على حالـك، أني ما لعّابه تنكلها من يمينك لشـمالكّ!
أني مَـهتاب، إذا بخـابر أهلي أخابرهمّ متى ما أريـد ، مو انته تحدد متى أخبرهمّ. "لعّابه = لعبـة"

أغمـض عينيه بفقد صبر، أعلم تحركاته و خلجاتٍ تسكن صدره،
هل تراه غضب من قولي أنني مَهتاب وليس بَسعاده؟
عاد أدراجه بلا حديثٍ ينطقُ بـه!
لقد وضعني في محـل قوة وانتصار قليلاً ما يحدث في حوارٍ بيننا ..


***


ليتني لم أذهب، ليتني لم أسمـع كلامك يا صـادق!
لقد كُنت ممسكاً بخيط براءةٍ أدينك به وأثبت براءتها، الآن ثبتت لي تهمتها .
بلسانها قالت انها لا تريد مهاتفة أهلها، تقولـه وهي ترمي رفضـها إلـى رفضي الدائـم، وكأنني أقدم لها هديةٍ بـلا مقـابل!

وصلتُ إلـى صادق وأنا أرمـي بجسدي بجواره، ويا ليت لي القدرة على رمـيَ أثقال روحي هكـذا : رفـضت تخابرهم!

فُجـع صادق وكأنه قبل قليلٍ ممسكٍ بخيط أملاً بترته بمجيء إليه: ولك كيف ترفض؟
ما هي كل نوب تصيح وتنوح علمود ناخذها ويانا ؟

لقد نَثرت أوجـاعي يا صاحـبي، قيدتني بـها وبدأت تغرس سكاكينها بقلـبي، أكـاد أجزمُ أنها تعلم ما أحمله لها من حبّ .. باتت تعاقبني به!
لم تكنّ هكـذا إلا عندما علمت بذلك: ما أعرف ما أعرف،
رفـضت و .... خلاص!

لا استطيع ان أقول لك أخطأت يا صادق عندما ضننتها بريئة،
لا استطيع ان أقول لك أخطأت يا صادق عندما اعطيتها فرصةٍ أخرى!
بل أخطأت عندما ذهبتُ أحادثـها ..
ليتني لم أسمع خيانتها بلسـانها، ليتني لم أطعك وأذهبُ إليـها.
ان عاديتها فأنا أُعـادي روحي!
وهل علمتَ انسان يسلُ سكينه ويقتل نفسـه بيداه؟
هل علمتَ شخصٍ أرادها و صفعته ديانة وأرضٍ ورئيسٍ فكُبلت يداه؟


***


ذهبَ ويا ليته لم يذهب!
عاد محملاً بالأسـى، تكاد تصرخُ روحه من همٍ لبّسها إياه وتقول له أعتقني،
عاد مُحملاً بخيبة لا مثيلُ لـها،
خيبةُ عـاشق، دعتهُ روحه لإثبات براءة معشوقتها، ثم يأتي هذا المتعجرف ويقول انه ذهب من أجليّ!
كذبتَ يا صاحبي .. فالعشقُ أدلى إليـك بدلوه وشربت منه غُرفـة جعلتك ضـاميٍ كل هذه الأيـام العجـاف.
قبـح اللهَ العشـق فقد يودي بصاحبـي إلى هاويـته . . .


***


أشعـرُ بشتاتي لم يجتمع إلـى الآن!
شتاتي الخارجي وليس الداخلي ، شتات ابنائي الذين لا أعلم إلى أين سترسِ قواربهم على ميـناء السـلام،
أرى بأكبرهم نظرة أبيـه العاشقة عندما تصافح عينيه وجهها، واللهِ بُت أجزم وأحلف انه عاشقٍ !
وكيـف لا يعشق وأبوه أسـتاذ العشق والغرام؟ كيف لا يعشق وأباه من علّقني بالهوى سبعِ سـنوات، ثم بدأت أتحلى بنسيانه وصرتُ أبحث عن بيتٍ يواريني أنا وابن أخـي في أرضِ بغداد ..
وتفاجأت عندما عرض علي رجلٌ كان يساعدني بيتٍ في أفخم احياؤها السكنية وبسعرٍ معقول!
طمعتُ بالبيت فهو يقطن في حيٍ في بدايته عسـكر، هذا عرضٌ مُغري لامرأة وابن اخيها الذي لم يتجاوز الثامنة.
اسرعتُ في إجراءات السـكن، ولا تغرب علي شمسٍ ولا تشرق حتى أدعو لصـاحب البيت بالخيـر والنعيـم .. فقد عرضَ عليّ عرضاً يسمى صفقة العُمر!
نعم صفقة العُمر !
وما ان سكنت البيت حتى اتتني "صفّعة العُمر"،
الآن عرفت لما استأجرت بيتٍ بسعرٍ رمزي في هذا الحـيّ، لقد كان بيت مُعـذبي الذي تركـتهُ منذ زمنٍ لـيس بالبعيـد، هل تجرأت وفعلتها يا آدم ؟
هل كُنت مراقبٍ لتصرفاتي وتحركاتي حتى علمت انني ابحث عن بيتٍ للإيجار ببغداد وعرضتُ علي بيتك ؟
لم أكن أصدق ذلك الجنون وجعلته في قائمة المعجزات!
لم أصدقه إلا عندما رأيت جنون أبنك مـساء أمس عندما افصحت مَهتاب عن رغبتها في الـذهاب إلـى شـقلاوة ..
نفس الجنون ، نفس الغضب .. عندما تحدد مصير حياتنا رغماً عنا .
بُت تعاقبني عليه حتى الآن!
وأخر عقوباته وصيتك التي خلّفت ورا ظهرك ذاهبـاً إلـى بلجيـكا،
أصبحتُ تعاقبني بقرب ابنك يا آدم!
تعلم انني لن استغني عنه وتعلم أيـضاً أنني اتعذبُ بقـربه، سـامحك الله يا آدم.
لقد حلمتُ بك قبل يوميـن ورأيتك تحتـضر وتنازع وتطلب مني أن أحمي آلـن!
أخافني الحلم.. وهرعتُ إلـى أبنك حتى أطمأن عليك ولكنه لم يستجب لي،
المعذرةُ يا آدمّ،
فأنا لا أتجرأ وأفصح لأبنك عن ذاك الحلـمّ، فهو لا يعلم من انت بالنسـبة لي!
ولا يعلم لما الحاحي الذي ادبسـه بظهر الشـوقِ لأمـه التي لا اطيقُ أن يقترن اسمها بك..
فهي ملكتك قلبـي، ولا زالت تملكك وتقاسمك سنين غُربـتك!
بينما انا تركتم برقبتي ابنكم الطائش الذي عذّبني حتى تتسامرا بعـيداً عن طيشـه!

انتهى




مخرج الفصل السادس والعشـرون

- من ذا أصابـك يـا بغـداد بالعيـن
ألـم تكونـي زمانـا قـرة العيـن


- كريم العراقي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-19, 06:47 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مـدخل الفصل السـابع والعشـرون ..


قد كنتَ دومـا لبني ادم ٍ دارُ
أمنٍ وسكينـةٍ وظلُ سلام ٍ ظليلا
فأجتباكَ اللهُ بالفراتينِ ألقــاً
يزهوانِ بمجراهمـا عذبينِ سلسبيلا

× شمـعة×





غربت شمس يومـنا وأشرقت أخرى وأنا ما زلتُ أتحسر، لما لم أوافقُ وأذهبُ مـعه؟
ما الذي سيضرني لو وافقت وذهبت أحادثُ أهلي ..
أبي لا أعلم عن أمره شيئـاً من مدةٍ ليس بالقصـيرة، وآخر مكالمةٍ لي سيمُر عليـها الشـهر ، بالطبع ان أمـي قلقة ولا تعلم ما حلّ بي!
بالتأكيد ان الأخبـار تهوّل الأمـر وتخبرها ان الحرب في كل أرجـاء العراق ولن يسلمُ مـنها أحد!
صحيحٍ أنها لا تخلو من الانفجارات ولا تخلو أيـضاً من خطرٍ نواجهه نتيجة خروجنا عن القانون ومطالبة العدالة لنا ،
لقد شعرتُ أنني أنانية!
كيف أُقيّد حياةُ امرأة وابنيها بي، وتُقيّد رغم انها حُرة طليـقـة، وأما عن ابنيها اللذان قيّدت بتهمتي ...
يدانُون والتهمة: مَهـتاب يُوسف!
لقد أصبحت تهمة تتداولها اميركا وتخبر بها إيران..
لابُد ان أخرج زينب من شراكِ المطاردة التي دُبسـت بظهرها وبقيت هُـنا ترعانا، ومن أجل من؟
هل هو من أجل صادق ابن أخيـها ؟ أو من أجل آلـن الذي لا تربطه بها صلة قرابة ولا رابطٍ دينيٍ!
أو من أجلي!!
وهذا يزيد تأنيبَ ضميـري ويزيد انانيتي، بالطبع انه من أجلي، وإلا بقيت في بيتها أو بيت محـمّد وبقيَ ولديها مطاردين يتنقلون من بلدٍ إلـى آخر كحال المطاردين العراقيين..
ولكنني جعلت مطاردتهم تضجُ رفاهية وهم يسكنون بيتاً ريفيـاً من أجلـي!

أتت من أجليتها من بغداد إلى شـقلاوة: اشبيج صافنه ؟ ما كفاني هالمسودنين علمود تكملين عليه!

ما بالي اليُوم أنظر إليـها شفقةً لحالٍ أوصلتها إليـه: ما بيه.

جلست مقابلي : متضوجه لانج ما رحتي وياه؟
كلت له يأخذج بس كَال ما تريد!

كأنها قالت " اسكبي دمعـك" ، وما صدقتُ قولها حتى سُكب كل ما جمعته منذُ ثلاثة ليالٍ .. عندما اتهموني بالخيـانـة.
رأيـتها تهوّن عليّ وتشد بعضدي!


***


وحدها تتقاسم الوجع بينها وبين روحهـا، تنزوي في مجلسي ذابلةً كأنها ورقة خريف تمسكت بجذع النخلة خوفاً من هطول المطر!
قدمتُ إليـها اسألها عن ذاك الهمّ الذي اعتراها، اختصرت قولها بكلمة " مابيه"..
بل بك ما لم تتجرعهُ أنثى غيرك، بك هم الغربة ووحشـة الدار، وخيانة لبسكِ إياها أبني وجحدها مُـحمد!
بك يا فتاة الأربعة والعشـرون همومٍ لا تحملها مناكب ذات الستين عاماً ..
بكتّ الغريبة!
هل تبكي غربتها الموحشة ولا تفصلها عن ديارها إلا بضع كيلوات لا تتجاوز حتى المائة!
هل تبكي سوط آلـن الذي لا يكف عن معاقبتها ، أتسال ان شرع لها عقابٍ جديداً ماذا سـتفعل !
تمنيتُ ذهابهـا حتى تثبت براءتها فقد أخبرني صادق ان بقاءها يعني خيانتها ..
لا يعلم أي جرحٍ يسكن قلب الفتاه حتى يجعلها لا تقبل من جلادها أي أمرٍ ولو كان اسعادهـا ..
أن عزت الفتاهُ عن أمراً ، لا تستطيع العودة إليـه وان كان به نجاتها وحياتها،
لقد ساموها على أهلها كـما تظن!
لا تعلم نيته الخفية التي بتَّ بها أمرها ان كانت خائنة أو لا ..

مسحتُ على رأسـها: خلاص كافيّ،
ما يسوى هالدمع، عيني انـتي حبّابة كافي.

وقفتَ وهي تمسـح دمـعها بعنفٍ وكأنها تعاقبـه على نزوله، أكملت مسيرها إلـى أعلى حيثُ تطلق العنان لدمعها بلا مُراقب ، وبـلا لحوحٍ يطلبها كفّ الدمع!


***


تهتَ بشوارع شـقلاوة بـلا دليل!
أوهمتها هي وعمتي بالذهاب لمحادثة أهلي.. إلا أنني لا أستطيع ذلكّ، هناك مانعاً قويمّ يردني عن إقدامي على هذا الأمر.
لا أعلم لما والشوق قد اضناني، وجعلني ثمّة تائهٍ يتطلع لدروب الحيـاة من خلال أرقـامٍ كثيرة تكونت فأصبحت رقماً بلجيكياً ..
لقد تاقت روحي أن اتصل بوالدتي برقمٍ يبدأ بـ 007
لقد أصبحت هذه أمنية، رقماً محليـاً أتصل من خلاله بأمي .. أعلى طموحاتي!
هل تُرى بيننا لُقـياء بعد كل هـذا العُمر ؟
هل تُرى سيجمعنا بلدٍ نتداول رقمه المحلي باتصالاتنا ؟
هذا لـن يكون إلا بعودتهم إلى بغداد، لن أذهب هُنـاك إلى من صُبغ شعري بالبياض بسببها، أعلم انها امـيّ ويا ليتها تعلم ان ابنـها شابّ وشاخ وهو لم يتجاوز منتصف الثلاثين التي تعتبر سنّ الشباب!
عن أي شبابٍ أتحدث؟
عن الرحيـل الموجع الذي شهدتهَ؟ أو عن تلك الاتصالات الدائمة في سنة رحيلهم الأولـى، لا تخلو تلك الاتصالات التي كانت على مدار السـاعة من طلب أمي لمعاملاتٍ لأحد بينها نسيتها في وزارة، وعن استقالةٍ لم توقعها في وزارةٍ أخـرى!
وعن ورقةٍ نسيتها وطلبت مني قراءة ما دُونَ بها حتى تنقله على ورقةٍ بين يديـها، كل هذه الأمور الكثيـرة حدثت ، ولكن لن يحدث بعد انتهاؤها أي اتصالاً عادياً.
تتصل علي مـن أجل معاقبتي على أمرٍ اقترفاه أبناؤها وغضبت من اجلـه ولم تجد إلا آلـن المغضوب عليه حتى تُفرّغ نيـران غضبـها بقلبه!
لا تعلم كم انكـوى قلبه من الهجران المُميت السـاحـق، بلا إنـذارٍ أتى!
لقد كان يضع أحماله الوظيفية في حجرها حتى عرفت معـنى كُل كلمةً كُتبت في أوراقـه!
وأصبـح يتوسد فخذها حتى يـنام وهي تُكمل عنه تدوين ما غفى عنه..
ثم في يومٍ وليلة تُعلن الرحيـل مع ابناءها وزوجها تاركته خلفـها بلا حجرٍ يتوسده ولا أمٍ تدون له ما تعاجز عنه !
هـكذا غرّبتنا الأيامُ يا مريم.. ست سنواتٍ وأنتي ما زلتِ صامـدة، أعلم انكِ لن تتناسيني، فهـل تنسـى الأمُ مُدللها ؟
ولكن سيأتي الأيـام وتخبرك من فقدتي، تعلميـن انه مطلوب ومطارد ولم تكلفي نفسـك باتصالٍ على مُـحمد يخبرك بحالي!
وهل تخبرك زُمـرد باتصالاتي الشحيحة؟ أم كُنتِ كتلك الياسـمين التي جحدت ما كان بيننا وقالت بحرفٍ واحد " لا أريـد محادثته"!
لقد قُلت لزمرد ان لا تطلبُ ذاك الهاتفُ باتصالٍ لأنه يعود لُمحمد ، ربما هذا سبب عزوفهم عن سؤالاً يُسكّن روحي بعد ألمٍ أحاط بـها،

لقد وقعّ صوتاً أوقفتُ بسببه عجلات سيارتي، وأخفضتُ رأسي أسـفل!
كنتُ يوميـاً أسمع ذاك الصوت في بغداد، لقد افتقده من شهرٍ وأكـثر!
أنه صوت انفجارٍ مدوّي، انفجـارٍ أرى معالمه البعـيدة، أرى غبرته التي تلونت بالسـواد وكأنها تواري عن الأمـهات دمـاء ابناءهم التي سيّلت الشوارع ماءٍ..
سوادٍ يتكون تحته لهيب ألسنة النار التي أن لم تحرق الـجميـع أحرقت قلوب أهلهم شظاياها التي استقرت في الأجسـاد وخلفت خلفها حرقة قلبٍ ونوح وجع!


***


كفاني دمعاً وكفاني لـوماً ، أنا من جنـى على حاله بحاله!
لما لم أذهبُ مـعه؟
ما الذي دغدغ مشاعري وجعلني أتحدث بروح الكرامة التي هُدرت بهذا البيت!
سأنتظرُ عودة مُحمد الغائب منذ يومين وأذهب معه، لن أتوسل لصاحبيه اللذانِ يتراقـصا على جراحي!
نزلتُ أسـفل باحثةً عن صادق، لقد تاقت روحي لحديثٍ معه ذاك الأرعن الشبيه بصاحبه، واجهتُ زينب التي رحلتُ عنها قبل ساعة باكيةً: وين صـادق؟

ابتسمت وهي تحتضن كُراتٍ من الصوف مُمسكة بسنارتهما بادئة خياطتها التي شكت لمُحمد سوء حال وصلت إليـه، وأتى بهنّ حتى تتسلى قليلاً: تلاكَيـه برا، جايب لي بزّونة من ساعة من الشـارع.. تلاكَيـه يأكلها . "بزونة = قطة"

لن يسليني شيءٍ غير هذا الحيـوان الأليـف الذي سخّره الله لي، حتمـاً سيسليني ويُنسيني أيام بحثي السابقة عن أنيسٍ في غُربتي!
ذهبتُ مسرعة وكأنني سأقابل أهلاً وليست مجرد قطةٍ تائهة ووجدت ضالتها بين يدي صادق!
رأيت ابتسامته الحنونة التي فقدتُ منذ بضعة أيام تتلقفني، لن أجازيه صداً فربما أكسبُ وده، وينتصر لي بدلاً من محمد الغائب الذي علمت من العمة انه تأخر عن موعده المُقرر له نُصفَ يوم!


***


نظرت إلـى تلك المتهمة التي أثبتت تهمتها اليوُم، تركضُ كأنها طفلة العـاشرة المُكافأة بحيوانٍ ألـيف يؤنسـها . . .
أ لها الحد أوصلناكِ يا مَهتاب؟
لم نكتفي بالعتاب حتى جعلناكِ شفافةً رقيقة، هشةً بكاءة في وجود صاحبي الذي لا يفتأ عن معاقبتها بكلامه اللاذع !
لقد جرح اسلامها قبل يومين عندما تطاولت يده عليها، لقد جرح اسلامنا جميعاً..
لا أحد يحادثه بدينه وأن حادثناه بديننا اشمئز منه ووصفه بالإرهابي ولا يحترم حُرمة مُعتنقاته!

تحدثتّ قائلة: وين البزونة؟

ابتسمت لها : ومن كَالج عدّي بزونة؟

تحدثت وسط نرفزتها: اووهو عليـنا !
عمـتي تكَول عدك ، والله لهف قلبي على ما أشوفها، من زمان عن الحياة الطبيعية هاي!

لقد ظلمناكِ كثيـراً، فالعُذر لا يُقـبل لنا أبداً، لما نسيد على امرأه لا تملك من أمرها شيئاً ؟
وهل ترى السيـادةُ بهذه الطريقة لا تجرح رجولتنا العربية التي سئمنا منها عندما رأينا رئيسـنا التي أبغض بين يدي الاميركان ومختبئ بجحورٍ لا أحد يعلم لها طريقٍ ، و "رجال" العرب تجتمع كغـثاء السيل في جامعة الدول العربية ولم تحرك ساكناً، بل وتتابع الاحداث من بعدٍ وعن كثبٍ كما نتابعها نحن!
لو تحدث أحدٍ منهم بشأن العراق لكـان رجلاً ، تبرت منهم الرجولة وبدأت العروبة تلمَ ما علّمته من مواريـها تنوي الرحـيل!
الرحيلُ لقلب رجلاً لا يعرف من الأعراق إلا عربَ ، لرجلٍ يفتدي عروبته بـدمه، ذاك الدمّ الذي لو جُرحَ لكتب في الشوارع " عربي"..
ليست دماء الحُكام التي بدأت تتقرب يوماً عن يوم إلـى بني صهيـونَ بائعةً خلفـها صدام والعراق أجمـع!
يحقُ لنا كشعب المطالبة بحاكمنا من خلال جامعتهم، ولو كان صدامَ ظالماً هذا لا يعني عدل اميركـا !

سألت العربية التي بدأت تداعب القطـة على مرأى مني وهي ليست بالبعيد أيـضاً : مَـهتاب؟
تضنين العرب بتسكت هيج، وتخلينا صيدة سهلة بأيد أميـركا ؟

تحدثت بعدما أطلقت القطة التي انتهزت الفُرصـة وأخذت تتجول في الأرجـاء: كَبلها باعوا الأهواز ما تريد يبيعون العراق؟

جرحكِ أعمق يا يعربيةّ، جرحكِ أسـمـى، أن ضعفتُ العراق فهويتها لن تتغير بينما أرضكِ تحاك لها المؤامرات حتى تعترف بفارسيتـها "الوهمية" ..
تحدثتُ وكأنني أطبب عليها : معـليه!
بتعود عربية غصبٍ عن اللي ما يرضى .. كل شي بيعـود لأصلـه ، كل شيّ!

كُل شيءٍ سيعُود، لا نشغلُ بالاً ولا نتعب قلباً..
حتى أنا سأعودُ لبغدادي، وأنتي ستعودين لإيرانك، طال الزمـن أو قـصر!
فتلك الأمور أقرها الله من قبل !
حـتى نحنُ .. أنا وأنتي ، سنعُود إلى حيثُ خُلقنا سنعُود طيناً كما خلقنا طينٍ ..
ولكن بعد ماذا ؟
بعدما شهدت الأرض لنا دماراً أو إعماراً ثم تعيدنا بجوفها ثانيةً ..

سمعتها تنهض قائلـة: هه .. صاحبك إجـا ..

رحلت قبل قدومه!
هذا أفضلُ بكثير ، فوجودهما سويةً هُنا سيزيد النار لهباً ويزيد القلوب حرقةً!
أعلم ان قلبيهما جميعاً محترقا على الآخر، أعلم الحُب واعلم تفاصيله، فقد عشتُ حبّاً منذ أسبـوعاً .. حباً عظيمـاً طاهراً لا يشوبه حديثاً مائلاً ولا حديثاً غليظاً كما هو بين مَهتاب وآلن!
ولا يشـوبه أيضاُ تطاولات وتجريحٍ ببعض..
ذاك هو الحبّ السامي الذي لا يجب ان يُدنس بأمور كهذه!

كتلك الأمور التي يرتكبها من تحدث: مسـاء الخـير.

رددتُ تحيته وأنا أرى وجههُ مكفهراً بشكل أشـد من سابقه الذي خرج به قبل سـاعتين: مـساء النور،
خابرت أهلك؟

أتكئ على جذع الشجـرة وكأنه من سقطت على رأسه أحمالٍ كثيرة لا يستطيع حملها وتوقف سيـره مستريحاً تحت هذا الجذع، ثم يعاود حمل أثقاله مُكملاً سيره في الدُنـيا الشقيّة : لا .

تسألتُ مُجدداً : لـعد ليش متضوج؟

تحدث بشيءٍ قلب الموازين: التفجيرات وصلت الشـمال، - ثم اردف – وبالأخص شقـلاوة، خرب حظنا لو الأميركان تعمل أحصاء مثل بغداد!

لقد وقعـنا مُجدداً يا صاحبي!
وقعنا ولا أحدٍ هُـنا "يُسمي علينا": إن شاء الله ما بيه إلا الخـير لا تأكل همّ.
تمتم بـ " إن شاء الله" وهو يخفض رأسـه ويجد ما جعلهُ يرفع رأسـه مُبتسـماً : هاي من وين جايـبها ؟

انه يقصد القطة التي سرقت قلب محبوبته قبله: لقيتها كَدام الباب وجبتها هنانا خطيّة جوعانة!

رأيته يرفعها ثم يمسح على ظهرها وابتسامته لم تزل مُعلقة على شفـتيه: صعنونة، - ثم اردف واقفاً- نخليها بالمخزن عن البرد؟

تحدث مُـعارضـة: لا خليها جوه عدنا، لا تروح المخزن . . .
تعرف المخزن متهاوي شـمال ومن تحفر بيدها ينفتح الجدار، خلينا هيج مستورين أحسن وره ما يعرف احد مكان السـلاح، الفلاحين كثيـر!
قنـعَ بما قلتُ له وأخذها داخلاً ثم لحقت به لنُكمل مساءنا البـارد وكأننا في أواسط ديسمبر!

***


أسـمع أبي يأمر بمحمد أن لا يذهب إلى شقلاوة اليوم حتى يـتأكد من وضع أبو ينال الصحـي.
أعقبتُ حديث أبي سائلته: بابا ، ما خابرك ينال؟

تحدث بعدما زفـر وهو يجلسُ: لا والله بابا،
خايف أبوه صاير له شي وأنشـغل، حتى خابرت عليـه ولا ردّ!

تحدث مُـحمد : آلـن دايم يخابر عليـه ولا يرد، - ثم أردف- ليش ما نخلي مـلاذ تخابر أحد خواته، خطوطهم بموبايلي!

اعترضت على ما قال: لا حبيبي فدوة، أني ما اخابرها، عود أسالها عن أبوها لو طلع بيه شي كيف بتكلمني؟
لا عفيـه ما أريد.

وضـع أبي مُـحمد في زاوية ضيقة: خلاص انته خابرهـا.

خروج أمي إلـى جارتنا وضع مُـحمد أمام خيارين أما الاتصال على أخت آلن والاطمئنان على أبيه ، أو البقاء هكـذا حائرين بأمر ابيهم منذُ يومين!

خرج مُـحمد بعدما توعدني بحركةً خفيةً عن أبي، مما جعلنـي اضحكُ شـامتةً ، فيزيد غضب ذاك الراحلُ إلـى حديثٍ أشبه بحديث الموتى..


***


يجلـسا ابنيّ في جلسةً فقدها في أيـامي السـابقة، اللهم اجعلها ميثاق عهدٍ لا ينقطع بين أبنائي الذيـن ساومتهم على روحي .. فرجحت كفتهما !
فكيف لا ترجح واحدهما سارت به دمـاء عروقي، والآخر سارت به دمـاءُ عـشيقي..
ما بالي لا أكفُ هذه الأيام عن حديثٍ عنـه؟
ألم يكفني انني طويت صفحته عام الـ 77 .. كفاكِ عبثـاً يا زينب وأن انطوى من حياتك قبل ستة وعشرون عاماً هذا لا يعني انه أنتهى روحيـاً،
كيف ينتهي وابنه يعيش بين عينيك ويكبر يوماً عن يوم ويشابه أبيه أكـثر..

قطعتُ تلك الأفكار المؤلمة: يمه آلـن، ما خابرت محمد الـيوم؟
تأخر ما ؟

أجابني صادق هذه المرة وسط انشغال الآخر بمذياعه: ما راح اليوم للكبينة!

يبدو ان حيلة ابنيّ وذكاءهم أوقفهم إلى استدراجها، وعندما امتنعت من الذهاب لم يكلف نفسه الآخر بمكالمة لأهله تخبرني عن حال آدم الذي لم يغيب عن منامي منذ بضعةُ أيـام.
ما بالكِ اليومّ يا زينب كلما أردتِ البدء بحديثٍ آخر ينتهي ذاك الحديث به!
اللعنة!
هل هذه بوادر الشوق القديمة؟
أم شيءٍ جديدٍ لم يكن بالحـسبان، آلـن لم يرحمني أبـداً ويطمن قلبي على أبيه .. أقصـد أهله!
فلو وقع آدم وقـع الجمـيع ، هـو الأب " الخيمة" التي يستظلها ابناءه، وتستظلُ زينب في طرف ضلالها الذي بقيَ لها في العراق ولم يهاجر معهم..
افٍ من تلك الأفكـار التي تجرني إليـه، فليذهب كيفما شاء، فهو من أختار الرحيل ما بالي أصحبت أفكر به وأنا قد قطعتُ علي نفسي أن أرى آلن وحده فقط، لا أراه ابن آدمّ ، ولا ابن مريمّ التي ورثتهُ عنادها وجعلتني أقع في وحله وهي تبدأ حياةٍ جديدة في بلجيكا بعيـداً عنه . . .
ما خطبُكِ اليوم يا زينب؟
ما هذه الأفكار التي توارد عقلكِ .. فليعودوا ويأخذوا ابنهم أن أرادوا.
لا علاقة لي بهم.. فعلاقتي بهم انقطعت قبل معرفتي بمريم.

ما هذا الجنون يا زينب؟
دعيكِ من تلك الأفكار التي لا تفتأ أن تزاور عقلك حتى تجعله عجوزاً لا يفكر إلا بـه، وتتضخم الأمـور التي تعنيه داخل عقـلك فينطق بها لسـانك رُغـماً عنك.. وينعتك الناس بالمجنونة التي خرّفت على صِغـر !
ما حالُ عجوزاً خرفت وهي تهذي باسم مُعذبها ، ويا ليـته أي حبـيب!
بل تحتم عليها أن تعشق واحدٍ منعها الله من عشقه، ليتها لم تمتهن مهنتها التي وصلتها إليـه . . .


***


كيف لي أن احادثُ فتاةٍ عن أمرٍ يخصُ أبيها، ويا ليتهُ أي أمر!
بل أمر حياته ووفاته .. يا لقسـاوةِ قلبي وانا أتصلُ سائلاً " هل مات أبيكِ؟"
طلبت من الله العُون تعدية الأيـامُ هـذه على خير حتى تنتهي مصـائبُ آلن ليبدأ مصيبة مرض أبيه أو موته.
صديقي لا يحتملُ كـل هذا انا أعرفه أكثر من سواي !
لقد كان شغوفاً بوالده .. تعدا مرحلة الحُب والجنون والولع ، كان لا يفارقه ثانيةً.
يجالسُ الأطبـاء في نقابتهم الذي كان أبوه عضواً بهـا، تعلم العقاقير وهو ابن العاشـرة، وعرف ان هُـنالك تجارة طبية في أوروبـا تسمـى تجارة الأعـضاء..
فكافأه الزمـن ورحّل ابيه إلى أوروبـا، وأتى بتجارة الأعـضاءِ إلـى العراق!
تلك التجارة التي تُطرح على البائسين على الشوارع الذين يضعون أمامهم "بسطةُ شـاي" أو يبيعون المـساويك والمسابح في أيام المـشاية الأربعينية التي تختص بالشـيعة!
كان موسم تجارةً لا بأس به، ويتاجر به من سرقَ أعضـاءه اللصوص ولم يفوا له ولم يقدموا له المـال الذي اتفقوا انه مقـابلاً لها ..
ذهبَ معهم مُحملاً بعيشٍ كريماً، وعاد إلـى "بسطته" مسروق العضـو ويحمل معه كيس عقاقيـر مُمتلئ!
لا شـك انه يُعاني من نقص ذاك العـضو في جسده، وقد يؤثر ذلك على خروجه شتاءٍ لكي يطلب المال مُقـابلاً لبضاعته المزجاة !
استرسلتُ بالحديث إلى ان وصلتُ الشـارع العراقي الذي أقف على أحد سفلته ولم أعي ذاك الاسترسالُ
إلا عندما سمعت صوتٍ يحادثـني: هلاو ألـون حبيبي شلونك؟

هل أقول لها "لستُ بألون" !
ما الذي جعلني أورطُ حالي كل هذه الورطة وأحادثها: السـلام عليكم.

ارتعبت تلك الفتاة ولمستُ ذلك من صوتها الذي بدأ يرتجف حيالُ ما علمت انني لستُ بأخيـها ، او لأنني ألقيت عليها سلاماً! : هلاو مين؟

لم تزل تلك صغيرةً على الفجيعة!
يتحشرجُ صوتها فقط لأنها ظنت بأني أخيها، ماذا لو كانوا مُخبئين عنها وفاة والدها واُفتّح عيونها على شيءٍ لا تعلمه: أني محمد،
رايد اسألج عن أبوج شخبـاره؟

زفرت الهم الذي كان بداخلها، تبدو لي شفافةً تُبثُ مشاعرها لي بهذه الطريقة، تبكي لعدم معرفتها بمن الطارق على أرقام هاتفها، ويخرجُ خوفها صعداً عن معرفتها بهوية التي ربطها بهوية أخيـها حتى لا ترتعبُ أكثـر: لا الحمدلله كُلـش زين، بس لهـسه ما كَعـد .

والله شعرتُ بتقوس شفاهها وهي تخبرني انه لم يصحو من غيبوبة السـكري التي اعترته منذُ أيامٍ قلال!

رددتُ عليـها القولَ مواسيٍ .. مهنتي التي امتهنتُ من قريب من أجل مَهتاب وعمّتي وآلنُ أيـضاً .. أخيها الذي لا أعلم كيف يقسو عليها هي وأختها ويمَحي أسمه من عقولهم ولا تبقى لهم إلا الذكرى التي لابُد ان تنمحي في يوماً ما : معليه باباتي .. لا تخافين عليه، حطي عينج بعين الله وكَولي يا ربّ، أني متفائل بيه ان شاء الله، هاا تره انطر منج تبشريني عـود ، ماشي ؟

ضحكت بين دموعها الخجلة: الله يسمـع منك، وأبـشرك وانطيك البشـارة همينه!

أغلقتُ هاتفي بعدما ودعتها، تحلم بعودة أبيها ونذرت انها تُبشرني وتُعطيني نيابةً عني البـشارة!
عجيبٍ أمرها تشبه غرابة أخيـها .. أين العجبّ وهي أخت آلـن!
تأملتُ أرقام هاتفها الذي سُجل في هاتفي بحرف "ز"، يا لغبائك يا آلـن تُريد ان تخبئ عن أسم أختك من سجلات هاتفي وأنت تحاكي زينب عنها أمامي !
لا ضيّر انك غيّرة الشرقي تسُكنك ولكن ليس بهـذه الطريقةُ الحمقـى..
أُنسيت ان ابيك يقول لك "أخو زُمـرد"؟ بينما ينال كان نصيبُ أخوّته ذهب إلى يـاسمين ..
ما هذه التُراهات التي ينطق بها أبيك رغم حمله لدرجة الدكتوراه في الطب!
أُنسيت ان الشرقي لا تحكمه لا شهادات ولا أموال !
فقط تحكمه شرقيته وعشائريته المُميتـة ..


***


جلستنا خالية الوفاضُ والشُعـور، آلن عاكفاً على الإذاعة التي تسرقه من حلوِ كراه!
وعمتي واضعة يديها في حجرها متأملةً له، ما الذي تخفيه عمـتي في وجود آلن؟
وخصوصاً عندمـا يكون بوضعيةٍ لا يشعر بتأملاتها، كحاله الآن أو كنومه في حجرها ، ما الذي تخفيه وتكشفه لي عينيها التي تغرق بالدمـع العصيّ الذي يأبى النزول، لقد اوهمتني سابقاً أنها تعاني من فرطِ في القنوات الدمعية من أجل ذلك تدمعُ كثيراً.. وهل هذه القنـوات لا تفرزُ دمعها الا بوجود آلن؟
أصبح الجميـعُ من حولي لُغزٍ لا يُصدق !
عمـتي لا تخلو حياتها من غموضٍ قاتل منذُ عرفتها، تمنيتُ لو انني لحقتُ على أبي وأنا بشبابي هكـذا حتى أساله عن غضب أعمامي المُستمر لها، لقد دُفنوا جميعاً كما دُفنَ أبي.. دُفـنوا أخوة زينب والغضب يتملكهم بسببها ..
لم تقابل أحدٍ منهم، ولم تعتبُ خطوةٍ في بيته إلا عندما يُعلنُ عزاه!
ليتني أعرفُ ما اقترفت يداكِ يا عمّاه ، أعلم انه سبباً لا يستحق، وإلا لم يتزوجكِ أبو علي بعده، وأعلم أيـضاً أنه أمراً لا يمسُ الدين ، فأنتي خير من تديّن وخير من سُميّ .. سميّة زينب لا يحق لها ان تقترف ذنوباً عظيمة، لابُد ان تشابه السيدة زينب بالأقوالِ والافعالِ أيـضاً. . .
قدمت مَهتاب إليـنا لعله يُرحب بها ولا تعود مكسورة الجناح كسابقها ..
نظرتُ إلى آلن أو استمعت إلى ما يستمع آلن، الذين بان لنا أن هُناك صوتاً عربيٍ يتحدث!
أعلى آلـن على صوت المذيـاعُ مما جعلنا نعُود أنا وعمتي إلـى حاضرنا الذي يتمحور حوله!
لا نعلم ماهية حديثه، ولكن جُل ما نعلمه ان هُنـا عربيٍ يتحدثّ، يتحدثُ العربي فليصاب العالم أجمـع بالخـرس!
فهم غير قادرين على فهم لسـانُ العربي ولكنهم مجبورون على سمـاع حديثـه، أليس للبيان سحراً ، ها هو البيانُ وهذا هو سحره. . .

***


مللت من هذا الحالُ يا أيـها الربّ، سئمتُ من سماعي لأصوات هؤلاء الفُرس حتى أصبحتُ أُميّز أصواتهم وأعرف كُل واحد وتوقيت برنامـجه!
سأنتظر يوماً زيادةً ويكمل لسماعي خبر خيانتها أسبوعاً، فأن لم يرد أسمها في هذه البرامج الكثيرة .. فثبتْ عليها الخـيانة!
ولو قال مُحمداً غير ذلك ولو اقتنعت عمتي بقوله، ولو اقنعني شيئاً بداخلي ببراءتها لم أصدق إلا عندما يأتي برهانٍ حقيقاً من نفس الإذاعة التي أصدرت خيانتها ..
قدمت الخائنـة إلى مجلسـنا محاذيةٍ عمتي، يبدو انها تُريد منها أمرٍ ما وتعود أدراجها، فلا يحلو لها مجالستنا بعد كشف حقيقتها التي لا أعلم ماهي!
لقد شدّني شيئاً آخـر غيرُ بَسـعاد!
مـهلاً انه صوتٍ عربيٍ افتقده بهذه الإذاعة إلا من قلائـلٍ يتحدثون!
رفعتُ صوت المذياعُ وإذا بعمتي وصادق يصغُون السـمع أيـضاً ..
أنه نفس المذيع الذي أدانها في برنامجه السابـق، والله أنني أعرف صوته من بين كل الأصوات!
نفسه من أخبرنا بخيانتها، ولكن هل سيكون ضيّفيه نفسهما ؟

تحدث المُـذيع : من قلب الأهـواز نُحييكم.

ضخّت الدمـاءُ بقلب من تنحني بجانب عـمتي، متناسـية غضبها الذي لا أعلم ما الذي سيفيدها به : عفيه ، عليّ الصوت شوية.

لم يكنّ لي إلا ان استجيبُ لأمـرها، فأنا اتسمتُ اليُوم باسمي وأصحبتُ ليّناً ..
مسكتُ المـذياع بيدي وكأنه الصوت سيصلني بشكلٍ أكبر !
لا اعلم لما هذا الاهتمام العارم الذي أكنّه لهذا الحوار الذي بدأ مذيعه به، لا أعلم لما ؟
هل لأنني اتهمتها بالخيانة وانتظر دليلاً ينافي كلامي!
أصغتُ سمعي للمـذيع وانا استرق النظر لتلك الباسمة حيالُ قوله "الأهواز" ..

" ما رأيـك بما قاله السياسيون بشأن الصحفية مَهتاب يوُسف في حلقتنا الماضـية؟"
تحدث ضيفه قائـلاً: " لا أعلم لما يُسمع من سياسيين يقطنون لندن يبدو انهم لا يدركون الوضع الحالي كما نشـهده في أرض إيران الـطيبة!
كيف يقولون لمجرمةٍ خرجت عن العدالة وجعلت إيران في وضعٍ حرج بعدما علّقت امالها على صحفيين سيجلبون لها وثائقٍ توثق سقوط صدام، أتحدثُ حديث الشعب والشارع الإيـراني .. أتحدثُ حديث الجميـع لا بد ان تعود ويُسلط عليها ضوء القـانون وتحكم بحكم العدالة التي جعلتها خائنة لتعاليم بلادها التي تطلب منها العودة بأسرع وقت"

انتهى




مخرج الفصل السابع والعشـرون


فهـا هنـا ادم ونوحٌ وصالحٌ وهودَ
وذو النونَ ويونسَ وابراهيمَ الخليلا
وها هناك شيتٌ وجرجيسَ ودانيالْ
والعزيـر وذي الكفـل ِ الكفيلا

×شمعة×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.