11-04-19, 07:47 PM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| مذكرات شخص _ نبيل فاروق مذكراتـ شخـص بقلم : د-نبيل فاروق * رابط التحميل * https://www.mediafire.com/file/49r2o...8%AE%D8%B5.pdf | |||||||||||
24-12-19, 12:43 AM | #3 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| أنجبتني أمي .. أظن أن هذه هي البداية الطبيعية، بالنسبة لتاريخ كل شخص, على الرغم من أنني أذكر جيدًا الكثير من الأحداث، التي حدثت قبل مولدي, عندما كنت أرقد منعمًا هادئ البال، في رحم أمي، لا أفكر في غذاء، أو كساء، أو مسكن، وكل شيء يصلني بانتظام ودقة وجودة.. آه .. يا لها من أيام ! ولكن دعونا ننسى ـ أو نتناسى ـ تلك الأيام السعيدة، قبل أن تملأ الحسرة قلوبنا، ونتحدث عن أيامنا في الدنيا .. كل ما اذكره عن البداية هو أن وصولي إلى الدنيا لم يرق لي كثيرًا، فقد انفجرت باكيًا، وحاولت أن أركل كل من حولي، وأضربهم، معترضًا على إخراجي من منزلي، الذي عشت فيه تسعة شهور كاملة، ولكن الجميع تجاهلوا اعتراضي تمامًا، وراحوا يتبادلون التهنئة في سعادة، وكان رأيي هذا لا قيمة له، وافترضت إحدى الزائرات أن بكائي يعود إلى عامل الجوع، وحاولت الاعتراض على هذا أيضًا، ولكنهم أغلقوا فمي بمصدر غذاء، قاومته في البداية، لأعلن أن هذا ليس سبب الرفض، ولكن إصرارهم جعلني أستسلم، وأرضع غذائي في صمت .. أدركت أن الوقت لم يحن بعد للاعتراض، ولا لأن تتكون لديّ شخصية مستقلة، فآثرت الصمت، انتظارًا للحظة المناسبة .. وطوال الأشهر التالية لم يستمع إليّ أحد، كلما بكيت معترضًا، أو محاولًا إبداء رأيي، وأنا أشعر بالغيظ، لأنني لا أستطيع التعبير عن موقفي، وبدا من الواضح أنني لن أمتلك تلك الشخصية المستقلة، التي أحلم بها، إلا عندما أتعلم الكلام .. وانتظرت .. | |||||||||||
24-12-19, 12:43 AM | #4 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ومع مرور الوقت، رحت أكتسب القدرة على الكلام، فأنطق كلمات مفرد، أو مجتمعة، وأصبحت هذه الكلمات واضحة، واستطعت أن أصنع جملًا مفهومة، كان الجميع يصفقون سعادة بها في البداية، حتى أنني تصورت أن لحظة إبداء الرأي قد أتت، ولكن .. فجأة أصبح كلامي سخيفًا وثقيلًا بالنسبة لهم، وكلما أردت توضيح وجهة نظر، أو مناقشة أمرٍ ما، فصرخت أمي تطالبني بالصمت، وثار والدي، لأنه مشغول، وضربني شقيقي الأكبر، أو يتطلَّع إليَ الجميع بسخرية، ويقولون في استخفاف: ـ كلام عيال . وابتلعت غضبي، ولذت بالصمت مرة أخرى، وأنا أتساءل: لماذا كانت سعادتهم بتعلّمي الكلام، مادام يرفضون الاستماع إليَّ دائمًا .. والتحقت بالدراسة، ولم يتغيَّر الأمر كثيرًا، بل زاد عدد الذين يعترضون على حديثي، ويسفهون آرائي، فلم يعد من المسموح أن أتحدث في الفصل أو بعد الفصل، أو في أثناء عمل الواجبات المدرسية، أو حتى بعد الانتهاء منها .. لم يعد لي رأي خاص على الإطلاق .. إنهم يضعون المقررات الدراسية، ثم يعدلونها، ويضيفون إليها بعد بدء الدراسة، ثم يحذفون ما أضافوه قبل منتصف العام، ويغيرون المقررات كلها قبل الامتحانات بأيام، ثم يحذفون عامًا من سنوات دراستي الابتدائية، ويضيفونه إلى الثانوية العامة، ويقسمون الطلاب إلى أقسام علمية وأدبية، ثم يقسمون طلاب المواد العلمية إلى قسم للعلوم وآخر للرياضيات، وفجأة يعلنون أن هذا كله خطأ، ويبدأون من البداية، دون أن يأخذ أحدهم رأيي، ولو مرة واحدة فيما يفعلونه بي .. ولكن لكل شيء نهاية .. | |||||||||||
24-12-19, 12:44 AM | #5 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| وانتهت مرحلة دراستي الثانوية، وحصلت على شهادتها بتفوق، وأدركت أن مرحلة شخصيتي المستقلة قد حانت، فأعلن بكل حسم أني سألتحق بكلية الحقوق، على الرغم من المجموع المرتفع الذي حصلت عليه؛ لأنني أرغب في أن أصبح محاميًا شهيرًا .. ولكن النيران تشتعل في منزلي .. أبي يصرخ في وجهي، ويتهمني بالغباء، وأمي تلطم خديها في حسرة، وتولول سوء حظها، وجدي ينهار، ويصاب بأزمة قلبية، وشقيقي الأكبر يقترح بكل جدية إيداعي مستشفى الأمراض العقلية؛ لأنني أرفض الالتحاق كلية الطب، التي يلتحق بها أصحاب المجاميع المرتفعة عادة .. ولا يصبح أمامي سوى الاستسلام .. ودخول كلية الطب.. وفي الكلية أدركت منذ البداية أنها ليست ـ بالتأكيد ـ مرحلة تكوين شخصية قوية، أو مستقلة، أو أية شخصية على الإطلاق؛ فالكل يطالبني بحفظ المقررات عن ظهر قلب، دون مناقشة أو استفسار، بغض النظر عن الفهم والتفكير، حتى أنجح في الامتحان، وإلا ... ولأنني خبير في هذا الأسلوب، فقد نجحت في كل سنوات الدراسة بكلية الطب، وحصلت على شهادة البكالوريوس بدرجة جيد، وتصورت أن هذا هو آخر المطاف، وأنني سأصبح أخيرًا طبيبًا مرموقًا، يُشار غليه بالبنان، ويقف الجميع احترامًا له، وله رأي مستقل، وشخصية مميزة، و ... ولكن هذا لم يحدث .. لقد أصبحت مجرد طبيب امتياز، لا يشعر، أو يأبه به أي مخلوق في المستشفى، حتى الممرضات والمرضى، والكل يعتبرني مصدر خطر، ينبغي تفاديه، وتجاهل أفكاره وآرائه تمامًا .. | |||||||||||
24-12-19, 12:44 AM | #6 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| وتنتهي فترة الامتياز، وتبدأ مرحلة التكليف الإجباري، فأتقدم بطلب لنقلي إلى أقاصي الصعيد، متصورًا أنني سأحظى هناك بالشخصية المستقلة، الرأي المحترم، نظرًا لندرة الأطباء الشديدة هناك .. ولكن حتى المسئولين في الوزارة يتجاهلون رغبتي، وينقلونني إلى (الإسكندرية)، التي تكتظ بالأطباء، ولست أدري لماذا فعلوا هذا؟.. وفي (الإسكندرية) ألتحق بمستشفى ضخم، شديد الازدحام بالمرضى والأطباء، ويتجاهلني الجميع، ولا أجد الوقت أو المكان لإثبات شخصيتي، ولكنني ألتقي هناك بفتاة لطيفة، يخفق لها قلبي، فأنسى الطب والأطباء، وأتقرب إليها، وأطلب منها مقابلة والدها، ولكنها تخبرني أن هذا لن يفيد، وأن الخطوة العملية هي مقابلة صاحبة الكلمة الأخيرة في البيت .. أمها .. وأقابل الأم، التي تنظر إلىَّ من أسفل، وتقلب شفتيها في امتعاض، وتهز رأسها في حسرة، ثم تسألني عن راتبي، ودخلي الشهري، ومؤهلاتي، فألتقط نفسًا عميقًا، وأجيب أسئلتها .. وما أن تسمع الأم الجواب، حتى تصرخ في ذعر، وتضرب صدرها بكفها في ارتياع، وتسقط فاقدة الوعي، فأسرع بإنعاشها، وزوجها يبتسم ابتسامة خبيثة متشفية، حتى استعادت وعيها، فرسم الجزع واللهفة على ملامحه، وتظاهر بالخوف الشديد عليها .. وبدأت جولة جديدة من المباحث، استطع إقناع الأم خلالها أن أبي سوف يساعدني ماديًا، وإنني سأفتتح (بإذن الله) عيادة طبيعة؛ للحصول على مزيد من الدخل، حتى وافقت الأم في حسرة؛ لأن ابنتها توافق على الارتباط بس .. | |||||||||||
24-12-19, 12:45 AM | #7 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| وتمت الخطبة في حفل عائلي بسيط، اكتفت أم وحماتي فيه بتبادل بعض عبارات التبكيت ولتسخيف الملتوية، دون أن تتشابكا بالأيدي، احتراما للمناسبة .. وبعد كفاح مرير، للحصول على شقة صغيرة، ودفع الشبكة والمهر وخلافه، وحان موعد الزفاف، وأبلغتني حماتي أنها ترغب في عقد مؤتمر قمة مصغر، لمناقشة تفاصيل حفل الزفاف، فأذهب إليها صاغرًا مستسلمًا، لتملي عليَّ شروطها، كأية دولة منتصرة، حتى نبلغ ثوب الزفاف، فتطالبني بأن يكون مرتفع الثمن للغاية، حتى يتجاوز تكلفة حفل الزفاف كله .. ولأنني غبي، ولم أستوعب القاعدة بعد، فأنا أسألها في سذاجة وبراءة عن سبب إنفاق كل هذا المبلغ؛ لشراء ثوب زفاف، ولن يتم ارتدائه سوى مرة واحدة .. وهنا أيضًا تصرخ حماتي، وتمصمص شفتيها، وتتحسر على ابنتها، ثم تبدأ في ذكر ثمن ثوب زفاف ابنة عمها، وابنة خالتها، وابنة الجيران، وحتى ابنة (سبارتاكوس) محرر العبيد .. وأستسلم كالمعتاد .. ويتم الزفاف .. | |||||||||||
24-12-19, 12:46 AM | #8 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ومنذ اللحظة الأولى أردت أن أذبح القط كما يقولون، ولكن زوجتي، التي بدت رقيقة طوال فترة الخطوبة، ذبحت قبيلة من الأسود، وأغرقتني بدمها، وأثبتت لي أن قلب القدرة على فوقتها، يجعل الأم مثالًا لابنتها .. وبدأت أحلامي في الشخصية المستقلة تنكمش وتتلاشى .. وأنجبنا ابننا الأول .. واختارت له زوجتي اسم جدها، على الرغم من أنني أردت منحه اسم جدي أنا .. ثم قررت حماتي أن تقيم حفل (السبوع) .. وسألت في سذاجة: ـ هل (السبوع) عادة إسلامية؟ وجاء الجواب على هيئة نظرة صارمة من حماتي، وشهقة من زوجتي، و ... وكان حفل (السبوع) كبيرًا، التهم معظم مدخراتي كالمعتاد .. ومضت السنوات على النمط نفسه، وأصبحت فكرة الشخصية المستقلة مجرَّد ذكريات، استعادها ذهني وأنا على فراش الموت، فابتسمت، وبدأت أضحك بصوت مرتفع، جعل الورثة يتطلعون إليَّ في دهشة، حتى لفظت أنفاسي الأخيرة بينهم، وهم يناقشون فكرة توزيع الثروة بالتساوي، ويحسبون الأرقام بالآلة الحاسبة، دون أن ينتبه أحدهم لموتي، قبل ربع ساعة على الأقل، و ... وماذا تنتظرون بعد كل هذا؟ .. لقد انتهت رحلة البحث عن شخصية مستقلة، و .. وانتهت المذكرات. | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|