شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   499 -أكثر من حلم أقل من حب- لين غراهام -دار الفراشة ( كتابة /كاملة ) (https://www.rewity.com/forum/t442918.html)

Just Faith 17-01-17 01:53 AM

499 -أكثر من حلم أقل من حب- لين غراهام -دار الفراشة ( كتابة /كاملة )
 
https://upload.rewity.com/upfiles/pe672740.png

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ازيكم يا قمرات معي اليوم رواية جديدة جدا
للحق منقولة



499 -أكثر من حلم أقل من حب

للكاتبة لين غراهام

من إصدار دار الفراشة


الأسم الأصلى للرواية : The Dimitrakos Proposition

اول تاريخ نشر في المملكة المتحدة اول يناير 2014



الملخص


تابى كلوفر, الفتاة العنيدة و السليطة اللسان مستعدة ان تفعل اى شئ كى تجعل البليونير اليونانى آشرون ديميتراكوس يدعم طلبها لتبنى ابنة قريبه الصغيرة, لكن آخر ما تتوقعه هو عرض الزواج!
لم يكن امامها من خيار سوى القبول.... حتى لو لم يتوقف الثرى المتعجرف عن النظر إليها بتعالِ للحظة واحدة! يمكن لـ تابى ان ترى ان الرجل الوسيم مستفيد من هذا لاعرض أكثر مما يبدو للعيان. إنما مع ارتفاع الستار الذى يفصل بين الحقيقة و الكذب. هل سيتحول زواجهما إلى أكثر من زواج صورى؟


روابط تحميل الرواية


https://upload.rewity.com/upfiles/uV672740.png



يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 17-01-17 01:56 AM

1-لن افسد حياتى !




أعلن ستافوس فانو, محامى آش, بصوت ثقيل مختقاً الصمت المشحون بالتوتر, فيما فيما هو يرمق بقلق الرجل المتجهم, الطويل القامة, القوى البنية الذى يجلس قابلته على المكتب "هذه الوصية غير عادلة ابداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تاريخ توسع الشركة و نجاحها."
لم ينطق آشرون ديميتراكوس, المليونير اليونانى مؤسس شركة (دى تى الكبرى للصناعة) و المعروف باسم آش بين المقربين منه, بنبت شفة. لم يكن يثق بقدرته على الفولاذية على التحكم باعصابه إلا ان هذه القدرة خانته اليوم. لقد وثق بوالده انجيلو , بقدر ما يمكن له ان يثق بأحد ما, اى ليس كثيراً, إنما لم يخطر له ابداً ان الرجل العجوز يمكن ان يهدد الشركة التى بناها آش بجهده الخاص بهذه القنبلة التى شكلتها وصيته الأخيرة . إذا لم يتزوج آش خلال عام واحد, فسيخسر نصف الشركة و سترث زوجة أبيه و اولادها هذه الحصة, علماً بأن وصية والده منحتها الكثير. هذا لا يُعقل, إنه لطلب غير عادل يتناقض مع الضمير و النعايير الاخلاقية العالية التى ظن آش ان العجوز يتمسك بها. برهن ما حدث انك لا تستطيع ان تثق بأحد و كأن آش يحتاج إلى برهان و دليل, كما اثبت ان المقربين منك هم أقدر الناس على طعنك في ظهرك في لحظة لا تتوقعها.
أكد آش من بين شفتيه المطبقتين "دى تى شركتى."
فعارضه سنافوس بصوت أجش : إنما ليس على الورق للأسف. لم تجعل والدك ينقل اسهمه لك على الورق, على الرغم من انها الشركة التى بنيتها انت, و لا نقاش في هذا."
لم يجبه آش. و قطب حاجبيه فوق عينيه الداكنتين و الباردتين بروموشهما الطويلة جداً وراح يتأمل المشهد الشامل لمدينة لندن التى يشرف عليها مكتبه فيما بدت ملامحه الوسيمة جداً والنحيلة متحفظة و كتوترة للغاية.
و عندما تكلم في نهاية الامر قال "إن الطعن بالوصية امام المحاكم سيتطلب وقتاً طويلاً و يُضعف كثيراً فدرة الشركة على العمل."
اقترح المحامى بضحكة خافتة ساخرة: "إختيار زوجة لك هو الحل الأقل ضرراً بالتأكيد. هذا كل ما تحتاج لأن تفعله كى تعيد الأمور إلى نصبها."
فأجابه آش من بين اسنانه المطبقة, و قد اطلق العنان للحظات لطباعه الحادة فيما هو يفكر في المرأة المشوشة تماماً التى توقع منه والده المضلل أن يختارها للعب هذا الدور "كان ابى يعلم اننى لا انوى الزواج ابداً. و لهذا السبب تحديدا فعل فعلته هذه. لا اريد زوجة ولا اريد اولاداً. لا اريد لأىّ من هذا ان يفسد حياتى!"
تنحنح ستافوس فانو و نظر إلى رب عمله نظرة مشوشة وراح يقيمه. لم يسبق له ان رأى آشرون ديميتراكوس غاضباً او لعل الأصلح أنه لم يره يُظهر اى شعور. فالمليونير, رئيس شركة دى تى, بارد كـ الثلج, بل لعله أشد برودة منه إذا ما صدقنا النساء العديدات اللواتى تخلى عنهن في قصصغرامه القصيرة. كانت تصرفاته الباردة و المنطقية, و تحفظه و انعدام الشعور الإنسانى لديه مضرب مثل بين من عرفوه. و تقول الشائعات إنه طلب من إحدى مساعداته, التى شعرت بآلام المخاض أثناء اجتماع عقده, ان تبقى حتى انتهاء الاجتماع.
علق المحامى بحذر, و هو يفكر في زوجته التى قالت إنها ستصاب بالإغماء إن رأت وجه آشرون حتى في صورة "أعذرنى على بلادة ذهنى لكنى أرى ان النساء سيقفن صف كى يتزوجن بك. و التحدى يكمن في اختيار زوجة وليس في العثور على واحدة."
اطبق آش شفتيه في رد حاد على هذا الكلام, رغم انه ادرك ان الرجل اليونانى القصير القامة يحاول ان يقدم يد العون. كان يعلم انه يكفى ان يشير بإصبعه ليحصل على زوجة بسرعة و سهولة كما يحصل على اى امرأة لفراشه. و كان يدرك تماما ما يجعل المسألة بهذه السهولة: فالمال يشكل عاملاً جاذباً. فهو يملك اسطولاً من الطائرات الخاصة و مجموعة من المنازلحول العالم, فضلاً عن الخدم الذين يبقون دوماً على اهبة الاستعداد لخدمته و خدمة ضيوفه. و هو يدفع جيداً لقاء الخدمات الجيدة. كما كان عشيقاً كريماً لكنه يتخلص من المرأة بقسوة و سرعة كلما رأى علامات الطمع و السعي خلف المال أكثر و أكثر قبل ان يلاحظ الجسد الجميل ما جعل الجنس أقل مما يرغب على جدول اعماله. فهو يحتاج الجنس كما يحتاج الهواء ليتنفس و لم يستطيع ان يفهم لِمَ يجد الطمع و النفاق اللذين يترافقان معه منفرين للغاية. يبدو أن اثراً من الحساسية المفرطة التى يكرهها مدفون في مكان ما في اعماقه, و راسخ بحيث يعجز عن اقتلاعه من جذوره.
و لعل الأسوأ هو أن آشرون عرف السبب الكامن خلف الوصية, و لم يسعه سوى ان يتعجب عن عدم قدرة والده على ان يفهم أنه يعتبر المرأة التى يحاول أن يدفعه نحوها بغيضة. قبل ستة اشهر من وفاة الرجل العجوز, حصلت مشادة عنيفة في منزل والدهـ, فتجنب آشرون زيارة المنزل منذ ذاك الحين مما شكل إسفينا إضافياً دُق في نعش عروس المستقبل. حاول أن يناقش المشكلة مع زوجة أبيه لكن أياً منهما لم يكن مستعداً للاستماع للمنطق و لغة العقل, لا سيما والدهـ الذى أثرت فيه قدرة السيدة على التمثيل ليقرر ان الشابة التى رباها منذ الطفولة ستشكل الزوجة المثالية لأبنه الوحيد.
و عاد المحامى يقترح بعفوية "يمكنك طبعاً ان تتجاهل الوصية بكل بساطة و تشترى حصة زوجة ابيك في الشركة."
رمق آش الرجل الذى يكبرهـ سناً بنظرة تهكميه و اجاب "لن ادفع ثمن ما هو حق لىّ. شكرك على وقتك."
فهم ستافوس إشارة آش فهب واقفاً على عجل ليغادر بعد أن قرر أن يُطلع زملاءه على الوضع فوراً بغية وضع خطة عمل "سنجد أفضل الأدمغة في المؤسسة لإيجاد حل لهذه المعضلة."
اطبق آش أسنانه فبدا فكه قاسياً و كأنه صخرة منحوتة, و أومأ برأسه على الرغم من أنه لم يكن يأمل كثيراً في إيجاد خطة إنقاذية. فقد علّمته التجارب أن والده ما كان ليتصرف من دون أن يلجأ إلى مستشار قانونى ليطلب نصيحته وما كان ليضع شرطاً ملزماً كهذا في وصيته لولا ثقته بأنه غير قابل للنقض.
زوجة! أثارت هذه الفكرة اشمئزازه. علم منذ صغره أنه لن يتزوج يوماً و لن يكون اباً لطفل ما. فهو لم يرث جينات الرعاية و الاهتمام و المحبة, و لم يرغب يوماً ان يكبر أحدهم على صورته و مثاله أو ان يكمل طريقه كما لم يشأ أن يورث طفلاً ما الجانب المظلم من شخصيته, هذا الجانب الذى لطالما حبسه في داخله و دفنه في اعماقه. في الواقع, هو لا يحب الأطفال حتى, و إحتكاكه المحدود بهم أكد قناعته بأنهم يسببون الإزعاج و الضجيج و أن التعامل معهم صعب للغاية. لِمَ قد يرغب أى عاقل بشئ لابد من رعايته على مدى اربع و عشرين ساعة في اليوم, شئ يحرمك النوم لـ ليالٍ؟ و لِمَ قد يرغب أى رجل بامرأة واحدة فقط في سريره؟ المرأة نفسها, ليلة تلو الأخرى, و أسبوع بعد الآخر. و ارتعد آش حين تراءت له صورة هذا القيد الجنسي.
ثمة قرار عليه ان يتخذه, فقرر ان يتصرف سريعاً قبل أن يشيع خبر هذه الوصية السخيفة في سوق الاعمال و يلحق الضرر بالشركة التى تتمحور حياته حولها.

كررت عاملة الاستقبال الرشيقة و الباردة كلامها "ما من احد يقابل السيد ديميتراكوس من دون موعد و علم مسبقين. إن لم تغادرى يا آنسة غلوفر فسأضطر لاستدعاء الأمن كى يخرجوكِ من المبنى."
ما كان من تابى إلا أن ارتمت بجسدها النحيل على الآريكة الوثيرة في قاعة الأستقبال فيما جلس قبالتها رجل يكبرها سناً, يتفحص وثائق اخرجها من حقيبته و يتحدث بلغة اجنبية على هاتفه الخلوى. كانت تعلم ان مظهرها مزرِ إلا أن هذا لم يؤثر على ثقتها في نفسها في هذا المحيط الفخم , فهى لم تنم جيداً منذ بعض الوقت و لم تعد تملك ملابس لائقة كما أنها يائسة. وحدهـ اليأس التام جعلها تقصد شركة دى تى لتطلب مقابلة ذاك الرجل الذى رفض باختصار ان يتحمل مسؤولية الطفلة التى احبتها تابى بكل جوارحها. إن آشرون ديميتراكوس حيوان أنانى و متعجرف و ما قرأته عن علاقاته النسائية في إحدى المجلات التى تنشر الفضائح لم يحسن رأيها فيه. هذا الرجل الذى يملك مالاً لا يُحصى أدار ظهره لأمبر من دون أن يُبدى أىّ رغبة في لقاء تابى بصفتها وصية عليها معه او من دون أن يسأل عن وضع الفتاة الصغيرة.
استدعت عاملة الاستقبال رجال الأمن بنبرة واضحة و رنانة تهدف دون شك إلى إخافة تابى قبل وصول الحراس. انقبض وجهها الصغير لكنها لازمت مكانها و قد توتر جسدها النحيل فيما هى تحاول التفكير سريعاً بمقاربة أخرى لأن خطة اقتحام مكتب آش لم تكن تسير جيداً. لكن لم يكن أمامها خيار, على الرغم من أنها أدركت أن الوضع خطير للغاية بما أن هذه الشخصية القاسية الفؤاد أصبحت املها الوحيد.
تدخل القدر حين لم تكن تتوقع هذا و اضاعت لحظة في التحديق حين رأت الرجل طويل القامة الذى اعتادت أن تراه في المجلات يقطع ردهة الاستقبال و في إثره بعض الرجال الذين يرتدون بزات رسمية. هبت تابى واقفة و ركضت خلفه و هى تنادى بـ اسمه الذى وجدت صعوبة في لفظه "سيد ديميتراكوس! سيد ديميتراكوس!"
ما إن توقف الرجل طويل القامة و القوى عند المصعد وراح ينظر إليها بعدم تصديق, حتى وصل رجال الأمن مسرعين و هم يتلعثمون بالاعتذارات للرجل الذى يقف قبالتها!
"
أنا تابى غلوفر, الوصية الثانية على أمبير!
راحت تابى تشرح له بعجلة فيما امسك الرجلان اللذان برفقته بذراعيها فجأة و أبعداها خطوة عنه. و تابعت تقول "يجب أن اتحدث إليك.... حاولت أن آخذ موعداً لكنى لم أستطيع رغم أنه من المهم للغاية أن اتحدث إليك قبل نهاية الأسبوع!"
خطر لـ آش بـ استياء أنه لابد من تعزيز الحراسة و الآمن إذا ما سُمح ل امرأة مجنونة أن تستوقفه في مبناه الخاص. ارتدت المرأة الشابة سترة باليه و سروالاً واسعاً و حذاء رياضياً فيما ربطت شعرها الفاتح اللون إل الخلف و لم تتكبد عناء وضع اى مساحيق تجميل على وجهها الشاحب. بدت صغيرة و نحيلة اى انها ليست من النوع الذى يجذبه او يلفت انتباهه.... لكن ما إن جزم بذلك حتى لاحظ عينيها الملفتتين بلونهما الازرق الذى يتدرج ليحاكى البنفسجى و اللتين تطغيان على ملامحها الأخرى الصغيرة.
و أضافت تابى لاهثة "أرجوك! لا يمكن ان تكون بهذه الأنانية... لا يمكن لأحد أن يكون كذلك! والد أمبير كان فرداً في اسرتك..."
فاجابها آش بنبرة جافة "ليس لدى عائلة." و أضاف متوجها إلى رجال الآمن الذين حلوا محل مرافقيه في اعتقال تابى رغم انها لم تبدى أى نقاومة "رافقوها إلى الخارج و احرصوا على ألا يتكرر هذا الامر."
أخذها سلوكه على حين غرة فهو لم يمنحها خمس دقائق من وقته كما بدا جلياً انه لم يعرف حتى اسم آمبير, فألتزمت تابى الصمت للحظات, لكنها سرعان ما استعادت قدرتها على الكلام و انهالت عليه بالشتائم, مستخدمة عبارات لم تتلفظ بها قط من قبل. التمعت عيناه بعدائية غاضبة صدمتها للحظة إذ ما اكتشفت ان الواجهة الباردة التى يختبأ خلفها تخفى اعماقاً مظلمة.
و تدخل صوت آخر "سيد ديميتراكوس...؟"
أدارت تابى رأسها لتتفاجأ برؤية الرجل الذى رأته من قبل يجلس إلى جانبها في قاعة الانتظار.
اندفع ستافوس فانو إلى الأمام ليُذكر آشرون ديميتراكوس بصوت هادئ يدل على الاحترام "الطفلة.... هل تذكر طلب الوصاية من قريبك الذى توفى و الذى رفضته قبل أشهر؟"
تحركت ذكرى غير مترابطة في مكان ما من عقل آش مما جعله يقطب حاجبيه و يسأل "ماذا عنها؟"
صرخت تابى في وجهه و قد استفزها ألا يقوم بأى رد فعل و ألا يبالى بمصير أمبير و ما لهذا السلوك من تبعات على الفتاة "أيها السافل الأنانى! سألجأ إلى الصحافة.... أنت لا تستحق سوى هذا. كل هذا المال المكدس و لا تحسن استخدامه للخير!"
"
أصمتى! اصمتى!" نهرها آش باليونانية و من ثم بالإنكليزية.
فأجابته غير متأثرة و قد انتفضت فيها روح المقاومة التى جعلتها تتجاوز سنوات من الخسارة و خيبات الأمل و قوّت عزيمتها "ومن سيجعلنى اصمت, أنت و جيشك الجرار؟"
التفت آشرون إلى محاميه ليسأله و كأنها غير موجودة "ما الذى تريده؟"
رد ستافوس بنبرة حملت تلميحاً خفياً "اقترح ان نناقش هذا في مكتبك."
شعر آش بصبره ينفد. قبل ثلاثة ايام فقط, عاد من جنازة والده و لم يتمكن من أن يحزن على الرجل المسن الذى تةفى فجأة جراء أزمة قلبية إذ غرق في مشاكل أسبوع يثير الإحباط. آخر ما يحتاجه هو مشكلة إضافية بشأن طفل لم يلتقطه قط ولا يأبه لأمره. تروى فالتينوس, نعم, لقد تذكر الآن هذا القريب الذى لم يلتقيه أبداً و الذى توفى فجأة محاولاً ترك طفلته تحت رعاية آش. إنه تصرّف مجنون لا يمكن تفسيره! هذا ما خطر لـ آشرون و هو يتذكر الحوار المقتضب الذى دار بينه و بين ستافوس قبل أشهر. إنه رجل عازب, من دون أسرة, و دائم السفر, فكيف يمكن لأحد على وجه الأرض ان يفترض انه قادر على التعامل مع طفلة يتيمة؟
لجأت تابى إلى الكذب بشجاعة في محاولة منها لبناء جسر من التواصل بينهما و دفعه للاستماع إليها "أنا آسفة لأنى شتمتك. ما كان علىّ أن افعل هذا..."
فأجاب آش بصوت جليدى أشبه بالفحيح "كلامك كتلة من القذارة. اتركوها. يمكنكم أن ترافقوها إلى الخارج عندما أنتهى منها."
صرّت تابى على اسنانها, و رتبت سترتها ثم مررت يديها بتردد على فخذيها. تأمل آش بسرعة وجها البيضاوى الشكل, و تركز اهتمامه على فمها الزهرى الجميل فيما تراءت له صوراً عن استخدامات افضل من الشتائم لهذا الفم. شعور الإثارة الذى تملكه زاد من عصبيته و من سوء مزاجه, و ذكره بأن وقت طويل مر منذ استسلم آخر مرة لرغباته. و أدرك أنه في حالة سيئة للغاية إن كان يتفاعل مع امرأة جاهلة كهذه.
اضاف بنفور بارد "سأمنحك خمس دقائق من وقتى الثمين."
فردت تابى بنبرة ساخرة "خمس دقائق فيما حياة الطفلة و سعادتها على كف عفريت؟ يا لكرمك!"
اجتاحت آشرون موجة من الضغينة لأنه لم يعتد مثل هذا السلوك الفظ, لا سيما من النساء "أنت وقحة بقدر ما أنت فظة و سوقية الألفاظ."
"
لقد اوصلنى هذا إلى بابك, أليس كذلك؟ لم يوصلنى التهذيب إلى أى مكان."
و راحت تابى تفكر في الاتصالات الهاتفية العديدة التى اجرتها لتحصل على موعد إنما من دون جدوى. هل يهمها فعلا إذا ما نعتها هذا المتكبر المدلل الذى يملك ثروة طائلة بالفظة و السوقية؟ إلا ان عقلها كان يؤنبها على مقاربتها العدائية و البعيدة كل البعد عن التصرف الحكيم المناسب لهذه الظروف. ليتها تستطيع ان تتجاوز الواجهة الجليدية التى يضعها آشرون ديميتراكوس بينه و بين العالم, فهو قادر على مساعدة أمبير في حين أنها لا تستطيع ذلك. فالشئون الاجتماعية ترى أنها لا تُعتبر وصية مناسبة على أمبير لأنها عزباء و لا تملك المال كما لا تملك بيتاً مناسباً.
استعجلها آشرون بعد أن اغلق باب مكتبه "هيا تكلمى!"
"
أحتاج مساعدتك كى تبقى أمبير تحت رعايتى. أنا الأم الوحيدة التى عرفتها و هى متعلقة بىّ, تخطط الشئون الاجتماعية لأخذها يوم الجمعة و وضعها في مركز حضانة حتى يتم تبنيها.
تدخل ستافوس فانو, محامى آشرون, قائلاً بصوت متعقل كما لو انه يتوقع منها ان تكون مستعدة لتسليم الطفلة التى تحبها "أليس هذا افضل حل في ظل الظروف الراهنة؟ اتذكر انك عزباء و تعيشين بفضل الإعانات الاجتماعية و ستشكل الطفلة عبئاً كبيراً عليك..."
شعر آشرون بالدم يتجمد في عروقه ما أن سمع عبارة (مركز حضانة) إلا ان الشخصين الموجودين معه في المكتب لم يلاحظا ردّ فعله. إنه سر دفين, فلا احد يعلم أن آش أمضى سنوات من عمره في الحضانة, بالرغم من أن امه كانت واحدة أثرى الوريثات في تاريخ اليونان, فأنتقل من منزل إلى آخر, و من عائلة إلى أخرى, و أختبر الرعاية الصادقة و اللامبالاة كما عرف القسوة المفرطة و حتى الاستغلال. و لم ينس يوماً هذه التجربة.
اعترضت تابى و رمقت وجه آشرون بنظرة تعكس الجرح الذى لحق بكبريائها "لم اعش على الإعانات منذ أن توفيت صونيا, والدة أمبير. اعتنيت بـ صونيا حتى لحظة وفاتها و لهذا السبب لم استطيع ان اعمل. اسمع! أنا لست فتاة استغلالية. قبل عام, كنت املك انا و صونيا عملنا الخاص الذى بقى مزدهراً حتى وفاة تروى و إصابتها هى بالمرض. و خسرت مع خسارتهما كل شئ. أمبير هى اهم ما لدى في عالمى, لكن و على الرغم من أن تروى اختارنى كـ أحد الوصيين عليها, إلا أن ما من روابط دم تجمعنى بها بما يحدّ من حقى في المطالبة بحضانتها بحكم القانون."
استفهم آش بنبرة جافة "لِمَ جئتِ إلىّ؟"
فتحت تابى عينيها و قد أثار موقفه اعصابها رغماً عنها "لطالما اعتبرك تروى شخصاً رائعاً....."
توتر آش, مذكرا نفسه بأن كل ما قالته لا يعني, إلا ان فكرة إرسال طفلة بريئة إلى مركز حضانة اثار الكثير من ردود الأفعال المتنوعة و القوية في داخله, ردود افعال ناجمة عن ذكرياته الخاصة.
"
لكنى لم ألتقِ تروى ابداً."
"
حاول ان يقابلك لأن والدته أولمبيا كانت تهتم بشئون والدتك بحسب ما اخبرنى."
و فجأة, قطب آشحاجبيه السوداوين المستقيمين فيما عاودته الذكريات القديمة. تذكر جيداً أولمبيا كاروليس التى عملت لدى والدته. لم يُدرك عندما أُثيرت مسألة الوصاية أن تروى هو ابن أولمبيا لأنه عرفها باسمها قبل الزواج فقط, على الرغم من أنه عاد بذاكرته إلى حدّ أنه تذكر بشكل ضبابى أنها كانت حاملاً عندما تركت عملها لدى والدته. هذا الولد هو تروى على الأرجح.
قالت له تابى بإيجاز "كان تروى تواقاً لإيجاد عمل هنا في لندن إذ كنت مثله الأعلى في الأعمال."
كرر آش بسخرية "كنت...... ماذا؟"
و تدخل ستافوس فانو قائلاً بثقة بعد ان شعر أنه قادر على التعامل مع هذه المسألة بسهولة أكبر من تعامله مع تلك الوصية التى تتطلب الكثير من البحث و الجهد لإيجاد مخرج مناسب لها "الإطراء الكاذب لن يُجدة نفعاً و لن يحسن الوضع."
عارضته تابى بحدة و غضب و هى تركز انتباهها مجدداً على آش "ما قلته لم يكن إطراء و لا كذباً. أنها الحقيقة. كان تروى معجباً جداً بإنجازاتك المهنية حتى انه درس و نال الشهادة نفسها مثلك. كما انه لطالما اعتبرك رئيس اسرته مما يفسر اختياره لك كوصى على ابنته."
عندئذ همس آش بنبرة ساخرة, فيما نظراته تتأملها و تزيد من توترها "و انا بسذاجتى المعروفة ظننت انه اختارنى لأنى غنى."

صرخت تابى في وجهه بغضب عارم و قد التهبت عيناها البنفسجيتان بمشاعر متقدة "أنت شخص بغيض و ملئ بالحقد و الكراهية! كان تروى رجلاً رائعاً. هل تظن فعلاً انه كان يدرك انه سيموت في حادث سير في سن الرابعة و العشرين؟ أو ان زوجته ستُصاب بجلطة بعد ساعات من إنجابها طفلتهما؟ ما كان تروى ليأخذ قرشاً لم يكسبه بعرق جبينه من اى شخص كان."
ذكرها منتقداً "لكن هذا الرجل ترك ارملته و ابنته من دون مال."
"
لم يكن يعمل فيما كانت صونيا تكسب ما يكفى من المال بفضل عملها. لم يكن أياً منهما يتوقع بالطب انهما سيموتان بعد عام من كتابة الوصية.
"
لكن من العدل ان يسمينى وصياً على ابنته من دون ان يناقش المسألة معى. كان عليه ان يطلب الإذن منى اولاً فهذا هو التصرف الطبيعى."
لم تعلق تابى على كلامه بل التزمت الصمت. أقرّت في داخلها أنه محق لكنها رفضت ان تعترف بذلك.
و عاود تافو ستافوس التدخل و قد اربكه مستوى العدائية بين رب عمله الذى لا يفقد عادة رباطة جأشه و زائرته الغريبة الأطوار
"
ربما يمكنك ان تخبرينا كيف يمكن للسيد ديميتراكوس برأيك ان يساعدك كى نتجنب إضاعة المزيد من الوقت؟"
"
اريد ان اطلب من السيد ديميتراكوس ان يدعم رغبتى في تبنى أمبير ."
فسأل المحامى على الفور "لكن هل هذا هدف واقعى يا آنسة غلوفر؟ فـ أنتِ لا تملكين منزلاً أو مالاً أو حتى شريك حياة. و خبرتى مع مصلحة الشؤون الاجتماعية و قضايا الوصاية على الأطفال تقول إنك تحتاجين كحدّ أدنى إلى حياة مستقرة لتعتبرى مرشحة مناسبة لتبنى طفلة."
إتخذت تابى موقفاً دفاعياً و سألته بحدة "ما علاقة أن يكون لدىّ شريك حياة بهذا؟ كان لدىّ العام الفائت ما يكفى من الانشغالات لأضيع وقتى في البحث عن رجل......"
قاطعها آشرون من دون تردد "و يُعتبر العثور على رجل تحدياً مع اسلوبك في التعاطى."
فتحت تابى فمها الشهوانى و اطبقته بغضب ثم دنت خطوة من الثرى اليونانى لتقول بحنق "أتتهمنى بأننى قليلة التهذيب و بأنى لا احسن التصرف؟ و ماذا عنك أنت؟"
تأمل ستافوس هذيين الشخصين الراشدين اللذين يقفان قابلته, يتشاجران و يتبادلان الشتائم تماماً كولديه المراهقين ثم اشاح ينظره عنهما قبل أن يسأل "آنسة غلوفر؟ وجود شريك في حياتك سيشكل فرقاً كبيراً في طلبك. إن تربية طفل في أيامنا هذه مليئة بالتحديات و من المعروف أن وجود الوالدين يجعل الأمر أكثر سهولة."
ردت تابى بحدة "من المؤسف ان العثور على شريك بين ليلة و ضحاها ليس بالامر السهل !"
تمنت لو يفكر هذا الرجل البائس في شئ آخر غير وضع العراقيل أمام سعيها لتبنى أمبير. أليس لديها ما يكفيها من هموم؟ لمعت فكرة غريبة في عقل ستافوس فنقل نظره إلى آشرون متوجها إليه بالحديث باللغة اليونانية "أتعلم, يمكنكما ان تساعدا بعضكما البعض..."
عبس آش و سأله "كيف هذا؟"
"
هى تحتاج إلى حياة مستقرة و شريك كى تنال الوصاية على الطفلة.... و أنت تحتاج زوجة. و مع بعض التنازلات من كلا الجهتين و التفاوض القانونى الجدى, يمكن لكل منكما ان يحصل على ما يريد ولا حاجة لأن يعرف أحد غيركما الحقيقة."
لطالما كان آشرون سريعاً في تلقف الفرصة و في امتصاص الصدمات لكنه بقى لثوانٍ مذهولاً, لا يُصدق ان ستافوس تفوه بهذا الكلام, أو حتى تجرأ على ان يقترح مثل هذه الفكرة المجنونة. رمق تابى غلوفر و عيوبها الظاهرة بنظرة إزدراء ثم قطب حاجبيه قبل ان يقول لمحاميه بنبرة تُعبّر عن الشك "هل جننت؟ إنها فتاة بذيئة اللسان, عديمة التهذيب!"
فأجابه الرجل الأكبر سناً على الفور "لديك المال الكافى لتنظيفها و تظهر معها امام الناس. أنا اتحدث عن زوجة تدفع لها لتكون زوجتك, و ليس عن زوجة عادية. إذا تزوجتما فستنتهى مشاكلك المتعلقة بملكية الشركة كلها..."
في الصمت المتوتر, ركز آشرون على المشكلة الوحيدة الضخمة التى لن تزول في هذه الخطة و هى تابى غلوفر. لم تثر مسألة الزوجة وحدها ذعره, بل كان يفكر في ما عرفه عن تروى فالتينوس و امه المرحومة اولمبيا مما جعل ضميره يؤنبه.
"
لا استطيع ان اتزوجها, فهى لا تعجبنى...."
"
و هل ينبغى ان تعجبك؟ ما خطر لىّ أن هذا من المتطلبات الأساسية كى تفى بشرط قانونى لحماية شركتك. لديك الكثير من الممنازل. أنا واثق من أنك تستطيع ان تضعها في واحد منها فلا تلاحظ حتى وجودها."

فاجأ آشرون محاميه حين قال بحزم "في هذه اللحظة, يجب ان ينصب اهتمامى على الطفلة. أريد أن اطمئن عليها و على وضعها. لقد تجاهلت مسؤولياتى و اهملتها."
و فيما رمق ستافوس آش بنظرة قلقة بعد انحرافه المفاجئ و البعيد كل البعد عن شخصيته نحو الاهتمام بوضع الطفلة, شبكت تابى ذراعيها على صدرها في إحباط و حدقت في الرجلين بعينين تقدحان شرراً و قالت "إذا ما استمريتما في تبادل الحديث بلغة اجنبية و بالتصرف كما لو انى غير موجودة...."
همس آش بصوت ناعم "ليتك لم تكونى هنا."
كورت تابى قبضتيها و قالت "أراهن ان قلة من النساء ضربنك في صغرك!"
تحدتها العينان السوداوان اللامعتان فيما ارتسمت على وجهه القوى النحيل ابتسامة مفاجئة "لم تجرؤ واحدة...."
ذكرت تابى نفسها بـ أمبير, و اعتصرت قلبها لمجرد التفكير في الطفلة التى تحب. لقد جاءت تطلب مساعدته من اجل مصلحة أمبير و حاجات أمبير اهم من أى اعتبارات اخرى, و اهم من شعورها نحو هذا الرجل البغيض. نزلت عليها ابتسامته المذهلة كـ طوفان من المياه الباردة. كان وسيما بشكل لا يُصدق, إلى حد يقطع الألنفاس و آلمها أن يجد ردود افعالها مسلية. في الواقع, لم تكن تابى يوما واهمة بشأن قدرتها على إثارة رغبات الرجالكـ امرأة. و على الرغم من أنها اقامت العديد من الصداقات مع شبان في مثل سنها إلا أنها لم تخرج مع الكثير من الرجال و حاولت صونيا ذات مرة أن تلفت انتباهها إلى انها قد تكون سليطة اللسان و مستقلة جداً و ميالة إلى النقد إلى حد لا يجذب الرجل العادى.
سارع ستافوس إلى التدخل قبل ان يحتدم الصراع بين الأثنين "أتريد ان ترى الطفلة؟"
فجأة ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه تابى اشبه بأشعة الشمس المتلألئة فراح آشرون يتأملها بشكل مركز, مطيلاً النظر إلى ملامحها الناعمة, مدركاً أنه قد يجد امرأة تحت هذه الواجهة من حب القتال. لطالما احب النساء اللواتى يفضن أنوثة, انوثة فعلية. اما هذه المرأة فغير ناضجة و غير مصقولة و هى ايضاً الوصية على حفيدة اولمبيا كما ذكر نفسه بعناد, مكافحا كى يركز على العنصر الأهم في المعادلة كلها. و العنصر الأهم هو الطفلة أمبير. أطلق في سرّه شتيمة لأنه لم يكتشف العلاقة من قبل, و لعن كرهه الفطرى للارتباط بأى شئ آخر عدا عمله. لم يكن لديه اقارب, أو علاقات حب أو حتى مسسؤوليات خارج إطار شركته و هذا ما يحبه في حياته, إنما ليس على حساب الحد الأدنى من اللياقة و الأصول. و تبقى ذكرياته عن اولمبيا التى طالما كانت لطيفة و ودودة مع الصبى الذى اعتبره الآخرون مزعجاً و مصدراً للمتاعب, من الذكريات الجميلة التى احتفظ بها من طفولته.
أكد آشرون "نعم. أريد ان أرى الطفلة في اسرع وقت ممكن."
أمالت تابى رأسها و قد أخذها هذا التغيير في موقفه على حين غرى "ما الذى جعلك تغيير رأيك؟"
آخذ آشرون نفساً عميقاً و قد تملكه الغضب لأول مرة من نظام الحماية و الدعم المتقن الذى اقامه من حوله إذ يحرص الأشخاص الذين يعملون لحسابه على ألا يشغلوا باله بأى تفاصيل من شأنها ان تلهيه عن العمل "كان علىّ أن اتحقق شخصياً من وضعها عندما علمت بشأن الوصاية, لكنى سأهتم بذلك الآن. و اعلمى جيداً يا آنسة غلوفر أنى لن ادعم طلبك لتبنى الطفلة ما لم اقتنع بأنك الشخص المناسب لرعايتها. اشكرك على مساعدتك يا ستافوس, إنما ليس على الاقتراح الأخير...."
التقت العينان الداكنتان الساخرتان بنظرة المحامى العابسة قبل ان يردف "أخشى ان تلك الفكرة تنتمى إلى عالم الأحلام."


نهاية الفصل الأول

Just Faith 17-01-17 01:59 AM

2-لــســت أنــانــيــة !




قالت تابى بصوت ضعيف بعد ان اعطت السائق عنوان الشقة التى تقيم فيها في الطابق السفلى و التى سمح لها صديقها جاك باستعمالها "ليتك انذرتنى قبل ان تأتى للزيارة."
جمعت جاك و صونيا وتابى صداقة متينة بعد ان امضوا سنوات مراهقتهم في دار الرعاية نفسه.
جلست تابى ببطء في المقعد الخلفى لسيارة آش الليموزين الفخمة و تجنت بشكل متعمد أن تتأمل ما يحيط بها من ترف. لقد استمتعت بلحظة تفوق مجيدة عندما خرجت من ابواب الشركة الرئيسية التى فتحها لها رجال الأمن أنفسهم اللذين تعاملوا معها بفظاظة قبل ساعة في الداخل.
"
إعطاؤك أى إنذار ليس بالامر الحكيم. أريد أن ارى كيف تعيشين من دون ان ترتبى لى مسرحية ما."
و اخرج حاسوبامحمولاً و وضعه على طاولة صغيرة ظهرت بعد ان ضغط على زر في قسم ما بين المقعدين الأمامى و الخلفى.
صرت تابى بأسنانها لصراحته. إن اى استعراض مزيف ليس بخيار متاح أمامها في الغرفة الضيقة التى تعيش فيها أمبير.
فالفضل يعود لـ جاك الذى يعمل في البناء و تطوير الxxxxات في تمكنها من الاحتفاظ بـ أمبير. فلولاه لإضطرت إلى الانتقال إلى أحد ملاجئ المشردين و إلى التخلى عن أبنة صونيا. و آلمها ألا يُعتد بصداقتها الطويلة مع صونيا بقد ما يُعتد بصلة القرابة البعيدة التى تربط آشرون ديميتراكوس بـ تروى. ما هى صلة القرأبة هذه؟ جدة تروى كانت ابنة عم والدة آشرون, أى ان آشرون... أبن عم من الدرجة الثالثة أو ماشبه بالنسبة لـ أمبير؟ لكن تابى عرفت صونيا و احبتها منذ كانت في العاشرة من عمرها. التقيا في مركز الاطفال حيث شعرت كلتاهما بالخوف الشديد من الأولاد الأكبر سناً, و قد اعتادت تابى التى نشأت في منزل يسوده العنف على ان تدافع عن نفسها على عكس الفتاة الأخرى التى تصغرها سناً. فـ صونيا كانت فتاة محبوبة, تعيش في كنف عائلة لائقة, لكنها فقدت والديها فجأة في حادث سير في حين أن تابى عاشت في منزل تعرضت فيه لسوء المعاملة فأضطرت السلطات إلى فصلها عن والديها اللذين لم تعد تعرف إن كانا حيين أو ميتين. بعد انتقالها إلى مركز رعاية, تم تنظيم زيارات خاضعة للمراقبة و جرت محاولات عدة لإعادة تاهيل أمها و ابيها و لإعادة لم شمل العائلة, إنما تبين أن والديها متعلقان بأسلوب حياتهما اللامسؤول أكثر من تعلقهما بطفلتهما.

عمل آشرون ديمتراكوس بجد على حاسوبه, و لم يبذل أى جهد لتبادل أطراف الحديث معها. زمت تابى فمها الجميل و راحت تتأمله. علمت أنه صنفها كـ شخص من حثالة المجتمع. ألقى عليها نظرة واحدة و أطلق أحكامه بناء على مظهرها الخارجى... و مما لا شك فيه أن الألفاظ التى استعملتها ساهمت في تعزيز قناعته.
لكنها شكت في ان يعرف ما هو شعور المرء حين يصل إلى شفير الهاوية. قرت بأمتعاض أنه شديد .... الهدوء و صاحب رباطة جأش ملفتة. و راحت نظراتها البنفسجية تهيم على جانب وجهه الذى أضفت عليه الشمس سمرة جميلة, ولاحظت التجعيد الخفيف في شعره الأسود الكثيف و الطول الملفت لرموشه السوداء الكثيفة فيما هو يدرس الشاشة التى امامه. تخيلى ان تكون رموش صديقك اشد كثافة و اجمل من رموشك, هذا ما خطر لها فزمت فمها الناعم بإزدراء.
أزعجها أن يبدو شخصياً أكثر وسامة مما يبدو عليه في صور المجلات. ظنت أن الصور تخضع لبعض التعديلات لإبراز مظهره الغامض لكنها رأت أمامها دليلاً على عكس ذلك. لقد ورث الملامح الارستقراطية بخديه العاليين و انفه المستقيم و الطويل, و فمه المثير الذى يشبه فم التماثيل اليونانية الكلاسيكية. كما أنه طويل القامة و عريض الكتفين و طويل الساقين.... في الواقع, لقد من الله عليه بكافة الخصائص الرجولية الجذابة.
فكرت في محاولة منها لمقاومة سحره و التركيز على عيوبه فقط أنه ليس بالشخص اللطيف الذى يهتم بالآخرين, و خطر لها كيف رفض ان يهتم لأمر أبنة تروى و صونيا, فوجدت صعوبة في ان تفهم اهتمامه المفاجئ بالمسألة و تكليف نفسه عناء الانتقال لرؤية أمبير الآن. و قررت أنها جعلته يشعر بالذنب و ان لديه ضمير بالتأكيد. هل هذا يعنى انه سيدعم طلبها لتبنى أمبير؟
لم يستطيع آشرون أن يفهم ما أثار حفيظته. فـ تابى غلوفر لا يمكن أن تبقى هادئة في مكانها و قد تسببت حركة جسدها الصغير و النحيل على المقعد إلى جانبه بإلهائه مما اغاظه. و خطر له بنفاد صبر أنه شديد الماحظة و ذلك بعد ان لاحظ الأظافر المقضومة في يديها الصغيرتين, و حذائها الرياضى الرث, و سروالها البالى الضيق على فخذيها النحيلين, فكتم تنهيدة. شعر انه غير قادر على فهم ما يحدث و المنحنى الذى تتخذه الأحداث, و على الرغم من انه طلب من ستافوس أن يعود إلى مكتبه إلا أنه لم يكن سعيداً بالمسار الذى يسلكه. فما الذى يعرفه عن حاجات اى طفل صغير؟ و لِمَ شعر بالذنب إلى حد جعله يقرر أن هذه الشابة ليست مؤهلة لتكون الوصى الوحيد على الطفلة الصغيرة؟
عندما توقفت السيارة, ترجلت تابى من السسيارة بخفة و اندفعت لتنل السلالم و تضع المفتاح في قفل البوابة المؤدية إلى الطابق السفلى. قالت بتوتر و هى تفتحها على اتساعها "ها قد وصلنا."
جمد آش بعد ان خطا خطوة إلى الداخل بعد ان فاجأه المكان الذى تقيم فيه إذ رأى سقالات و دلاء و ادوات عدة في الأرض فيما تدلت الأسلاك بشكل خطير من السقف. فتحت تابى أول باب يقع إلى الجهة الشمالية من المدخل فتبعها آشرون إلى غرفة صغيرة, بالكاد تتسع للأثاث و لطاولة تحمل أبريقاً و فرناً صغيراً و تكسوها كسرات صغيرة من الخبز. و شغلت التجهيزات الخاصة بالطفلة ما تبقى من المساحة تقريباً. هبت الفتاة المراهقة التى كانت تجلس على السرير و من حولها الملفات واقفة و هى تبتسم ثم جمعت اوراقها و تأهبت للرحيل
"
أمبير كانت رائعة. لقد أكلت و استمتعت بزجاجة الحليب كما بدلت لها حفاظها."
ردت تابى بهدوء على الفتاة التى تعيش في الشقة الواقعة في الطابق العلوى "شكرا هيثر. أنا ممتنة لكِ على مساعدتك."
كانت الطفلة جالسة في سرير صغير حُشر بين السرير و الحائط من جهة. راقبها آشرون من مسمافة آمنة, ولاحظ كتلة الشعر الأسود المجعدة و العينين البنيتين الكبيرتين و الابتسامة المشرقة التى ارتسمت على وجهها ما إن رأت تابى.
سألت تابى و هى تنحنى فوق السرير لترفع الفتاة الصغيرة و تحتضنها بقوة "كيف حال فتاتى العزيزة؟"
التفت الذراعان الممتلئتان حول عنقها فيما راحت العينان البنيتان الفضوليتان تتأملان آشرون من فوق كتف تابى.
استفهم آش "كم تبلغ من العمر؟"
ردت تابى بنبرة جافة "ينبغى ان تعلم. لقد تجاوزت الستة أشهر."
"
هل تعلم السلطات أنك تقيمين معها هنا؟"
احمر خدا تابى انزعاجاً و هى تجلس على السرير إذ أن وزن أمبير يزداد يوما بعد يوم ثم اجابت "لا. اعطيتهم عنوان جاك. و جاك صديق اشترى هذه الشقة ليجددها و يبيعها و قد سمح لنا بكل طيب خاطر ان نقيم هنا. ليس لديه مساحة كافية لنا في منزله."
"
كيف يمكنك ان تعيشي في مثل هذا المنزل القذر مع طفلة صغيرة و تعتقدين انكِ تعملين من اجل مصلحتها؟"
انفجرت تابى قائلة و قد اتخذت موقفاً دفاعيا فيما وقفت على الفور لتضع أمبير مجدداً في سريرها "أولاً, هذا المكان ليس قذراً. إنه نظيف. لدينا تدفئه و إضاءة و ثمة حمام مجهز وراء هذا الباب."
و أشارت بيدها إلى الجدار المقابل لكن هذه الحركة لم تكن مجدية إذ ارتجفت ذراعها فسارعت إلى إنزالها. و تجمعت الدموع فجأة في عينيها و بدأ الصداع الناجم عن الضغط النفسي يقرع طبوله في رأسها قبل ان تضيف "أبدل حاليا ما في وسعي لكننا نتدبر امورنا."
علق آشرون باقتضاب "لكنك لا تتدبرين أمورك بشكل جيد. ينبغى ألا تربى طفلة في مكان كهذا."
أحست بألم شديد اثار التوتر تلف جبينها, فرفعت يديها لتحرر شعرها المربوط علها تخفف بذلك الضغط الذى تشعر به. راقب آشرون شلال الشعر الأشقر الطويل و هو ينزل إلى خصرها و رأى اخيراً ما اعجبه في مظهرها : شعر اشقر طبيعى إلا إذا كان مخطئاً, فهذغ الكتلة الفاتحة اللون لا جذور سوداء لها كما لا تتخللها خصلات مغايرة.
عارضته تابى بحزم و هى تتساءل لما يحدق فيها بهذا الشكل الذى جعلها تشعر بمظهرها الرث أكثر من أى وقت مضى ول ما لا تزال كرامتها مجروحة من كلامه عن نظافة المكان "أنا ابذل قصارى جهدى."
سألها آشرون بتكشيرة "وكيف تعلين نفسك؟"
"
ما زالت انظف. و ما زالت أعمل لحساب الذين بقوا. أنا اصطحب أمبير معى إلى العمل. غالبا ما يكون زبائنى خارج المنزل فلا يزعجهم وجودها معى. انظر إليها. إنها نظيفة و سعيدة كما انها تشعر بالشبع. نحن نادرا ما نفترق."
سجل آش المعلومة بتكشيرة ارتسمت على فمه المعبر و قال "أنا آسف, لكن أفضل ما لديك ليس كافياً. و لا شئ مما رأيته هنا يمكن ان يقنعنى بخلاف ذلك. انت لا تملكين منزلاً مناسباً لطفل, و يبدو جلياً أنك تعيشين على خط الفقر...."
اعترضت تابى بعنف "المال ليس كل شئ! أنا احبها و هى تحبنى."

راقب آش الشقراء النحيلة و هى تنحنى فوق حافة السرير لتداعب شعر الطفلة الصغيرة و لاحظ الابتسامة المشرقة التى أثارتها هذه اللمسة. اعترف في سره بأنه لم يختبر في طفولته مثل هذا الحب أو هذا الحنان, لكنه شخص عملى إلى أقصى حد و لمم يعتد أن يغير رأيه بسهولة "الحب لا يكفى وحده. لو كان لديك عائلة لتدعمك و منزل مناسب لتربيتها لاختلف شعورى لكنك تعيشين وحدك في هذه الغرفة الصغيرة و تجرجرينها معك إلى عملك, و هذا خطأ."
و تابع يقول بقناعة راسخة "يمكن ان تحصل على ما هو افضل, يجب ان تحصل على افضل من هذا و ينبغى ان ترجحى كفة حاجاتها و ليس حاجاتك الخاصة."
صاحت تابى غير مصدقة ما سمعته و هى التى تخلت عن الكثير لتعتنى بـ صونيا بعد إصابتها بالجلطة و لتعتنى لاحقاً بطفلتها "هل تعنى انى أنانية؟"
اغرورقت العينان الزرقاوان بالدموع, فزم آشرون فمه و رد بإصرار "نعم. بذلت على ما يبدو قصارى جهدك و اعتنيت بها منذ وفاة أمها لكن الوقت حان كى تتراجعى و تُقدمى مصلحتها على مشاعرك الشخصية."
تدفقت الدموع التى حبستها تابى في عينيها, فشعر آشرون لأول مرة في حياته بأنه نذل حقير علماً أنه اخبرها الحقيقة كما رآها. أنا احبها و هى تحبنى. نعم, رأى بوضوح قوة الروابط التى تجمعهما لكن هذا الحب لم يستطع ان يخفى حقيقة انها تصارع من أجل البقاء. حفيدة أوليفيا تستحق ما هو افضل من هذا.
"
كم تبلغين من العمر ؟"
"
أنا في الخامسة ة العشرين من عمرى."
اعترف آشرةن بتجهم, و هو يفكر في أنها صغيرة جداً و غير ناضجة بما يكفى لتتحمل, و هو يفكر في انها صغيرة جداً و غير ناضجة بما يكفى لتتحمل مثل هذا العبء و أنه كان عليه ان يتدخل فور معرفته بقضية الوصاية هذه ليحل المسألة "كان علىّ أنا تولى هذه المسألة منذ البداية."
ناقشته تابى "لن تتولى المسألة إن كان هذا يعنى الانفصال عن أمبير. ألا تستطيع ان تفهم كم اهتم لأمرها؟ أنا و أمها صديقتان من الصغر, و سأتمكن من أن أشاركها ذكرياتى عن والديها حين تصبح كبيرة بما يكفى لتطلب بمثل هذه المعلومات. يمكنك بالتأكيد أن تفعل شيئاً ما لتساعد؟"
لكن آش لم يشأ ان يتورط على المستوى الشخصى. لطالما تجنب المواقف العاطفية وسؤليات التى تندرج ضمن اعمال الشركة, و هذا الموقف بالتحديد هو ما أثار قلق والده إذ رأى أن ولده الوحيد اختار ان يسير وحيداً في درب الحياة.
تأملت تابى ملامح آشرون الوسيمة, متوقفة بدهشة امام كماله الرجولى.
"
أنا مستعدة ان افعل اى شئ لتبقى أمبير معى....."
قطب آشرون حاجبيه و سأل "ماذا تعنين بكلامك هذا؟"
"
ماذا تظن؟ أريد الاحتفاظ بـ أمبير بأى ثمن. إن كان لديك أى اقتراحات تقدمها لىّ كى اكون أفضل والده لها فأنا مستعدة للإصغاء و لإخذ النصيحة بعين الاعتبار."
اعترف آشرون بصراحة "ظننت أنك تعرضين علىّ ممارسة الجنس."
أختنقت تابى بكلماتها لسوء الفهم هذا و قالت "أحقاً؟ هل يحصل لك هذا غالباً؟ أعنى.... النساء.... يعرضن و حسب؟"
أومأ آشرون برأسه إيجاباً.
اتسعت عيناها دهشة و رفعت رأسها فتساقط شعرها الاشقر الطويل كشلال من حرير على كتفيها. و انتقلت للحظات من إمكانية ان تكون جميلة إلى جميلة بالتأكيد بحسب تقويم آشرون و اتقدت الرغبة في داخله, رغبة لم يكن يريدها أو ينوى إشباعها. إلا ان جسده عانده. صر أسنانه البيضاء الجميلة, كابحاً الأحلام الفاضحة, و قد تملكه الغضب لأنه فقد القدرة على التحكم في نفسه و هى سابقة خطرة بالنسبة إليه لا سيما في وجود هذه الطفلة البريئة.
علقت تابى بعجز, و قد شعرت بالتوتر السائد في الجو دون ان تدرك مصدره "النساء يعرضن انفسهن و حسب؟ لا عجب إذن في ان تكون واثقاً من نفسك إلى هذا الحد."
و حدقت فيه فوجدت انها تحب ان تنظر إليه, و لم تعرف ما الذى يسحرها إلى هذا الحد في هذه الملامح المنحوتة بيد فنان عندما التقت نظراتها بنظراته الداكنة كمنتصف الليل, شعرت باحاسيس شديدة تتملكها و تثير حواسها كلها, شعور لم تتمكن من تجاهله او إنكاره. إنها تشعر بالانجذاب نحوه. هذا اليونانى الثرى بنظراته الرائعة و القلب القاسي بقساوة حجر الغرانيت يجذبها. خطر لها و قد احمرت وجنتاها الشاحبتان احراجاً و خجلاً ان هذا الانجذاب الجسدى احمق و مخيب للآمال.
انا مستعدة ان افعل اى شئ لتبقى امبير معى... و فجأة, استعاد آشرون سيطرته على نفسه وراح يفكر من منظار جديد لم يعتده.... و خطر له: لِمَ لا حقاً؟ لعل فكرة ستافوس ليست غريبة ولا مجنونة بقدر ما بدت له في بادئ الأمر. هو و هذه الفتاة الغريبة يحتاجان بعضهما البعض, و يمكنه بالتأكيد ان يحرص على ان تستفيد أمبير من الصفقة إلى اقصى حد فيرضى بذلك ضميره المتعب بشأن الطفلة.
رمى آشرون الطعم على الفور, تواقاً للوصول كعادته إلى صلب الموضوع
"
ثمة طريقة كى تبقى امبير معك."
انحنت تابى إلى الأمام و هى تحدق فيه بعينيها البنفسجيتين المفتوحتين على اتساعهما
"
كــــيـــف؟"
"
يمكننا ان نقدم طلبا كـ ثنائى لتبنيها....."

رمشت تابى بعينيها و قد اخذها هذا الاقتراح المفاجئ على حين غرة
"
كـ ثنائى؟"
قال آشرون بنعومة
"
ستحصلين على ما تريدين إذا ما دعمتك انا لإنما ينبغى ينبغى ان نتزوج اولاً."
قدم هذا الاقتراح بعد ام قرر ألا يعترف لها بحقيقة انه سيستفيد هو ايضاً من اتفاقهما فموازين القوى في علاقتهما ستنقلب إذا ما اكتشفت الحقيقة و هو يرفض ان يقوم بهذه المجازفة التى لا داعى لها فيجد نفسه ضحية الابتزاز. كلما قلت المعلومات التى تعرفها كلما قلت سلطتها عليه.
ارتسم الذهول على وجهها الصغير البيضاوى و سألت
"
نــــتــــزوج؟"
"
من اجل طلب التبنى."
اخذت تابى نفسا عميقاً يعكس بصراحة عدم تصديقها
"
دعنى افم جيدا.... انت تقول إنك مستعد الزواج منى لتساعدنى على ان افوز بحضانة أمبير؟"
رمقها آشرون بنظرة ساخرة قبل ان يجيب
"
انا لا اقترح طبعاً زواجاً حقيقياً بل اقترح مراسم قانونية و طلباً مشتركاً لتبنى الطفلة. بعدئذٍ, علينا ان نبدو للآخرين اننا نعيش تحت سقف واحد حتى إنتهاء الاجراءات."
إذن هو لا يعرض عليها زواجا حقيقيا بل زواجا مزيفا. لكن و على الرغم من ذلك, بقيت فكرة الزواج و فكرة انه مستعد للذهاب إلى هذا الحد كى يساعدها, تشلان تفكيرها.
"
لكن لِمَ قد تفعل هذا من اجلنا؟ قبل بضعة اشهر, رفضت كلياً فكرة ان تتحمل اى مسؤولية تجاه أمبير."
"
لم اكن اعلم انها حفيدة اولمبيا كاروليس..."
قاطعته لتسأل "اولمبيا...... من؟"
"
والدة تروى. لم اعرفها إلا بشهرتها قبل الزواج. عرفتها في طفولتى لأنها علمت لحساب امى و عاشت معنا." و تابع آش كلامه معترفاً على مضض "فقدت اى اتصال بهذا الجزء من العائلة بعد وفاة امى. لكنى احببت اولمبيا فقد كانت امرأة طيبة."
علقت تابى عابسة "لكنك غير مهتم بـ امبير فعليا. انت لم تحاول حتى ان تحملها."
"
لست معتاداً على الأطفال و لا اريد إخافتها."
ارتجل آشرون هذا العذر و وقف يتأملها و هى تحاول استيعاب كذبته ثم تابع كلامه قائلاً "كان علىّ ان اهتم أكثر بالطفلة عندما علمت أننى احد الأوصياء عليها. ما كان وضعك ليصل إلى هذه النقطة الدقيقة لو قبلت بهذا الالتزام و تحملت جزءاً من المسؤولية."
اعترافه بالخطأ أرضى تابى و جعلها تهدأ إذ لم تكن مستعدة لهذا القدر من الصدق و الصراحة من جانبه. لقد ارتكب خطأ و هو يتمتع بما يكفى من الرجولة كى يعترف بخطأه, و هو أمر احترمته. و اقترب خطوة من السرير الصغير فابتسمت امبير له ابتسامة مشرقة و هى تتوقع منه ان يحملها إلا ان يديه السمراوين بقيتا ملتصقتين بجانبه, و ادركت تابى ان الشخص الخائف هنا هو آشرن و ليس امبير. كان طفلاً وحيدا بالطبع و افترضت انه لم يحتك كثيراً بالاطفال الصغار فوقفته الجامدة قرب الطفلة عكست هذه الحقيقة بوضوح.
"
إذن, غيرت رأيك و تعتقد و تعتقد أن علىّ ان اتبناها؟"
اعلن آشرون بصدق "ليس تماماً. إذا قررنا ان نكمل فسأحرص على ان اُشرف على وضع امبير و إذا وجدت أنكِ أم قادرة على تحمل المسؤولية فسأتركها في رعايتك كلياً بعد طلاقناً. و من الطبيعى ان أؤمن لك بعد طلاقنا منزلاً مناسباً لتربيتها."
قرر آش برضا انه سيصيب عصفورين بحجر واحد, و سيحل مشاكله كلها بقرار واحد. سيختار مكاناً هادئاً بعيداً عن الانظار لعقد القران لكن إذا اراد ان يصدق الآخرون انهما زوجان و ان زواجهما صحيح فلابد من ان تخضع اولاً لعملية تغيير كبرى.
قال آش بنبرة واضحة لا تقبل الجدل "سأصطحبك معى إلى البيت. احضرى الطفلة و اتركى ما عداها. سيوضب العاملون لدىّ مقتنياتك."
"
هل تمزح؟ اتريدنى ان ارافق رجلا غريباً و انتقل للعيش معه؟"
و اخذت تابى نفساً عميقاً قبل ان تردف "هل ابدو لك ساذجة و إتكالية إلى هذا الحد؟"
تأملها آشرون من دون مواربة قبل ان يقول "لديك فرصة واحدة فقط معى, و احذرك من انى ليست رجل صبور. لا استطيع ان اتركك تعيشين مع الطفلة هنا. و إذا قررنا ان نمضى قدماً في مسألة الزواج و التبنى فثمة امور لابد من ان نقوم بها و ارواق لابد من تحضيرها دون إضاعة المزيد من الوقت."
انبعثت منه شرارات عكست عدم صبره و ملأت المكان بالتوتر. ظن انه يقدم لها خدمة و ان عليها ان تستغل الفرصة و ان تتبع تعليماته و هو محق في هذا. لذا, لن تجادله و ستضطر لأول مرة في حياتها لأن تبقى لسانها الحاضر دوما للرد في فمها و ان تتصرف بلطف ليبقى سعيداً و مستعدا لتقديم العون. نعم, عليها ان تثق به, و لكن المنطق يشير إلى ان رجلاً ثرياً و وسيما بقدره سيجد من حوله من نساء مثيرات اكثر منها هى المرأة العادية.
وضعت تابى حفاظات ورضاعة و علبة من الحليب في حقيبة رثة مخصصة للأطفال ثم دست ذراعى أمبير الممتلئتين في سترة بدت صغيرة بعض الشئ قبل ان تضعها و تثبتها في المقعد المخصص للسيارة و الذى لم تستعمله منذ ان باعت سيارتها
اتصل آشرون بمساعدته الشخصية طالباً منها ان تستعين بخدمات مربية كفوءة إذ لم يكن ينوى ان يجرر الطفلة معهما اثناء رحلة التسوق
بقى آشرون يتحدث عبر الهاتف طيلة الدقائق العشر الأولى من رحلتهم, فاعطى التعليمات و اجرى الترتيبات اللازمة و طلب من ستافوس ان يبدأ بإعداد الأوراق اللازمة. و احس لأول مرة منذ اسبوع بأنه استعاد السيطرة على حياته و هو شعور جميل افتقده. استرق النظر إلى تابى التى عملت على إشغال امبير عبر الإشارة من نافذة السيارة إلى الاشياء التى يصادفونها. اطبق فمه بشدة بعد ان ادرك ان تابى غلوفر ستفيده جدا إذ كان مقتنعاً بأن التعامل معها لن يكون سهلاً
سألت و هى لا تزال مشوشة بسبب النقاش الذى دار حول التبنى و الزواج
"
إلى اين تأخذنا؟"
بالكاد استطاعت ان تصدق ان الحظ ضحك لها و لـ آمبير و اتخذ منعطفاً سحرياً لأن آشرون ديميتراكوس لا يشبه ابداً الجنية الصالحة.
اجابها آشرون على عجل "سنعود إلى شقتى حيث سنترك.... آمبير."
شرعت تابى تقول بحدة "و مع من تنوى ان تتركها؟ العاملون لديك؟ لن يحصل هذا."
"
لقد استخدمت مربية ستكون في انتظارنا. بعدئذٍ, سنخرج للتسوق لنشترى لك بعض الملابس.

"
آمبير لا تحتاج مربية و انا لا احتاج ملابس."
قوّم آشرون مظهرها بنظرة سوداء جعلت الأحمرار يعلو وجنتيها و قال "بالكاد تكون ملابسك لائقة. إذا اردنا ان تكون التمثلية مقنعة فأنت تحتاجين إلى ملابس."
التمع الغضب في عينيها البنفسجيتين و ادارت رأسها بحدة و هى تقول "لا احتاج....."
قاطعها آشرون بنبرة تحذيرية هادئة و قاطعة "الفظى الكلمة و سأعيدكم إلى قبوك النظيف و الصغير."
أخذت تابى نفساً عميقاً و حبسته, معترفة في سرها بأنها وقعت في الشرك, و هو امر لم تسمح به يوماً لأن الوقوع في الشرك يعنى ان تكون ضعيفة. لكن إن قالت لا, إن رفضت ان تطاوعه فستفقد آمبير إلى الأبد. و لن تتمكن من استعادتها فإذا ما اُخذت آمبير من رعايتها ستخسرها إلى الأبد.........
هل كان آشرون ديميتراكوس محقاً حين شعر بأنانية في رغبتها في الاحتفاظ بابنة صونيا لنفسها؟ آلمتها هذه الفكرة. و كرهت ان تعترف انه ادرك ما لم تدركه هى لكنها علمت ان من ينظر إلى الأمر من الخارج يرى بوضوح أكثر من الشخص المعنى مباشرة. كل ما تستطيع تقديمه لـ آمبير هو الحب و قد قال إن الحب ليس كافٍ. لكن تابى تُثمن الحب أكثر لأنها حُرمت منه في طفولتها.
تعلقت آمبير بعنق تابى في المصعد فيما هم يتوجهون إلى شقة آشرون, في رد فعل منها على توتر تابى المتزايد. و وقف آشرون جامداً في الزاوية البعيدة من المصعد الملئ بالمرايا.
تأملته تابى بإحباط يتزايد مع مرور الوقت, ولاحظت النظرة المتحفظة في عينيه و البرودة البغيضة في وجهه النحيل و القوى.
بدا بعيداً كل البعد عن العاطفية ما أثار حفيظتها. و غمرتها مشاعر متناقضة, و خشيت ان تكون قد اتخذت قراراً خاطئا, و قدمت مشاعرها على حاجات آمبير.... و ذنب من هذا؟ لم تشك في قدرتها على ان تكون اما صالحة حتى التقت آشرون ديكيتراكوس. و هاهى تواجه الآن تحدى التخلى عن كبريائها و استقلاليتها لتكون على قدر توقعاته.
قالت لخ بصوت ضعيف "لا اظن ان الأمر سينجح. فهو اشبه بخلط الماء بالزيت."
اجابها آش بشئ من السخرية "لا حاجة لأى انسجام فكرى بينناو توقفى في الجدل في كل تفصيل فهذا يثير اعصابى."
"
المربية ليست بالمسألة البسيطة. من هى؟"
أنها اخصائية خاضعة لتدريب جيد و من شركة معروفة. ما كنت لأخاطر بوضع الطفلة تحت رعاية اى كان.
تحدتها عيناه الداكنتان فاشاحت بنظرها و قد احمرت وجنتاها و جف فمها و اشتدت فبضتها على امبير اكثر مما ينبغى. و شعرت لثوانى كأن امبير هى العنصر الوحيد الذى بقى لها من عالمها الذى راح يتداعى من حولها. إنه يخيفها, و هذه الحقيقة جعلتها ترتبك. لكنها ذكرت نفسها بأنه مستعد لأن يساعدها كى تحتفظ بأمبير, و هذا هو جوهر المسألة. عليها ان تعض على الجرح و ان تركز على الهدف و ليس على ما يتطلبه الأمر كى تصل إلى هذا الهدف.
و سمعت نفسها تسأل "أليس هذا الزواج الذى تقترحه غير قانونى؟ اقصد الزواج الزائف؟"
اجابها بنبرة باردة "و لِمَ سيكون غير قانونى؟ ما يحصل ضمن الزواج شأن خاص."
"
لكن زواجنا سيكون خدعة."
"
أنت تجادلين في تفاصيل صغيرة. خدعتنا هذه لن تؤذى احد. هذا الزواج سيجعل منا ثنائياً مناسباً لتبنى الطفلة."
اشارت تابى "عقليتك قديمة. في ايامنا هذه, يعيش الكثيرون معا من دون زواج."
فقال لها آشرون بنعومة "في عائلتى, نحن نتزوج دوما عندما يتعلق الأمر بالانجاب و تربية الأطفال."
حسن, ذكرنى انى من عالم يختلف تماماً عن عالمك! و علا الاحمرار وجنتى تابى و قد تملكها الارتباك من هذه الأفكار التى تراودها. لم يتزوج والداها و لم يخطر لهما على الأرجح ان يتزوجا كى يجعلا ولادتها شرعية.
شردت نظظرتها مجددا نحوه حتى التقت بعينيه الداكنتين اللتين جعلتا الحرارة تشتعل في جسمها. و خطر لها ان شيئاً ما جذاباً و خطراً فيه حطم دفاعاتها لكنها فضلت ان تركز انتباهها على ابواب المصعد التى انفتحت فسارعت إلى الخروج. لم تستطيع ان تفهم كيف يمكن له ان يتصرف ككتلة متعالية من الجليد و يترك مثل هذا الاثر فيها

نهاية الفصل الثانى

Just Faith 17-01-17 02:04 AM

3-تعويذة حظ

كانت المربية التى ارتدت زياً يشير إلى انها من المربيات الأكثر كفاءة في مجالها, في انتظار آشرون تابى في بهو شقة آشرون الفسيح. و قد تمكنت في لحظة من ان تسحر أمبير التى تركت احضان تابى راضية.
حثها آشرون بنفاد صبر "هيا بنا. لدينا الكثير لننجزه."
همست تابي و هى تكاد تصرف بأسنانها لفكرة ان يدفع هو ثمن ملابسها
"
لا احب التسوق"
فسر لها آشرون بنبرة ناعمة كالحرير "انا ايضاً لا احب التسوق. في الواقع, جلّ ما افعله في مجال التسوق مع اى امرأة هو إعطاءها بطاقة اعتماد مصرفية. لكنى لا اثق بأنك ستشترين الملابس المناسبة."
الصمت و هى تنسل إلى السيارة الليموزين التى انتظرتهما في المرآب تحت الأرض و قد قررت ألا تجادله و تخوض معه معركة تعلم سلفاً انها لن تربحها. على اى حال, يمكنه ان يلبسها ما يرد لكنه لن يتمكن من ان يغير شخصيتها الحقيقية.



انتظرتهما موظفة في محلات هارودز حيث بدا آشرون في إطاره الطبيعى. لم تحاول تابى ان تفرض آراءها و وقفت مترددة فيما راح آشرون يشير إلى ما يحب ليتم سحب القياس المناسب لها عن المشجب. و سرعان ما وجدت نفسها في غرفة القياس مع كومة من الملابس لتجربتها.
امرها آشرون بنفاد صبر "اخرجى. أريد ان أراك في الثوب الزهرى."
كبحت تابى همهمة الاستياء, و ارتدت الثوب الصغير الأنيق ثم انحنت لتخلع جواربها قبل ان تخرج من الغرفة حافية القدمين.
قطب آشرون حين توقفت عن التقدمو دار حولها محدقاً في وجهها مدهوشاً "لم ادرك كم انت نحيلة و صغيرة الحجم."
عضت تابى شفتها السفلى, مدركة انها لم تتناول الكثير من الوجبات في الاشهر الأخيرة, و انها نحيلة جدا و ان جسمها الجميل تقلص من اى دهون زائدة كانت عليه. لكنها قالت بنبرة المدافع عن نفسه "لكنى اقوى بكثير مما ابدو عليه."
تأمل آشرون باهتمام لم يخفيه مقاييسها التى تبدو اشبه بمقايس دمية, و انتقلت نظراته المركزة من كتفيها الضعيفتين إلى ساقيها الشاحبتين و النحيلتين. يمكنه أن يرفعها بيد واحدة بسهولة. انه يحب المرأة ذات المفاتن البارزة لكنه وجد في بنيتها الرقيقة جمالاً يسر النظر إليه. بالكاد برز صدرها في الثوب فيما لم يبرز ردفاها ابداً, لكنها بدت جذابة و ملفتة بشكل إستثنائى يفوق العادة بشعرها الطويل الأشقر الذى اضاء ودهها البيضاوى الشاحب و عينيها البنفسجيتين اللامعتين. و تساءل إن كان ليسحقها في السرير... لكنه عاد و كبح هذه الفكرة المجنونة لأن هذا لن يكون بالطبع جزءاً من اتفاقهما. و جمد مكانه حين استدارت لتعود ادراجها إلى غرفة القياس فقد فاجأه وشم الوردة الملون الذى يشوه بشرة ساعدها الأيسر البيضاء.
قال آشرون للموظفة التى تفرغت لمساعدتها برقة: "هذا الثوب لن ينفع. تحتاج لثوب بكمين كى يغطى هذا."
احست تابى بقشعريرة قوية و وضعت يدها على العلامة التى كانت قد نسيت امرها. استطاعت ان تشعر بالجلد القاسي و الخشن للندبة تحت اصابعها, هذه الندبة التى استطاع الوشم ان يخفيها. و اعتصر قلبها و تذكرت الألم المرّ الذى ذاقته على الرغم من مرور سنوات على هذا الجرح. لقد اتخذت القرار الصحيح حين رأت انها تستطيع ان تتعايش مع الوشم بشكل افضل من تعايشها مع ما يذكرها باستمرار بالطفولة البائسة و الرهيبة التى عرفتها, هذه الذكرى التى كانت تعاودها على غفلة منها كلما نظرت في المرآة. مما لا شك فيه ان الرسم ليس مثالياً فالجلد تحته بعيد كل البعد عن المثالية و قد حذرها الشاب الذى رسم الوشم من هذا مسبقاً. و على الرغم من ان خطوط الوردة غير واضحة بعض الشئ إلا انها حققت الهدف منها فأخفت الندبة و دفنت الذكريات الاليمة. و نادراً جداً ما كانت تابى تفكر فيه.
سألها آشرون بإنفعال من دون ان يخفى اشمئزازه "كيف امكنك ان تشوهى جسمك بهذا؟"
اجابته تابى بنبرة مترددة و قد شحب وجهها "إنها تعويذة تجلب الحظ الحسن. و قد رسمتها منذ فترة طويلة."
كانت الموظفة تقترب منهما و هى تحمل ثوباً بكمين طويلين فعادت تابى إلى غرفة القياس و العرق البارد يتصبب منها من جراء الصدمة, صدمة العودة و إن كان للحظات ورغماً عنها, إلى ماضيها العنيف. كانت الوردة تعويذتها التى تجلب لها الحظ و التى تخفى ما يُذكرها بما يمكن ان يحصل إن احبت شخصاً غير جدير بالثقة. إذن, هو لا يحب الأوشام, حسن, و ما شأنها بهذا؟ ارتدت الثوب الجديد, و ملست الكمين و خرجت مجدداً من الغرفة بعد ان استعادت هدوءها.
حدق آشرون فيها بتركيز شديد. و زحف الاحمرار إلى وجنتيها فيما هو يتأملها بعينيه السودداوين وقد شعرت بالتوتر يئز في الجو بينهما. احست بالتوق الشديد يجتاح كل خلية من خلايا جسمها, فجف فمها. احست و كأنها مصابة بدوار أوثملة غطرفت بعينيها بسرعة لشدة ما شوشتها هذه المشاعر.
قال بصوت اجش "هذا الثوب يفي بالغرض."
رغبت بشدة في ان تلمسه إلى حد انها كورت قبضتيها لتمنع نفسها من ان تمد يديها و تحقق رغبتها احست كأنها دبور ينجذب إلى فخ معد من العسل فقاومت ردو افعالها بكل ما تبقى لديها من قدرة على السيطرة على نفسها. و حذرها صوت صغير في رأسها : لا تلمسى, لا تلمسى, لكن بدا جليا انه يستمع إلى صوت مغاير إذ اقترب منها و مد يديه ليمسك بيديها و يشدها إليه مجبرا اصابعها على ان تسترخى في قبضته.
رفعت تابى ناظريها إليه فجمدت و لم تعد تجرؤ حتى على ان تتنفس. من هذه المسافة القريبة, لم تعد عيناه تبدوان سوداوين بل كانتا دوامة مذهلة و رائعة من ألوان العسل و الذهب و الكراميل, الوان عززتها الرموش السوداء التى حسدته عليها. لامست اصابعه اصابعها بنعومة لم تتوقعها من رجل بهذا الحجم و القوة فارتعشت رعشات خفيفة لم يسلم منها اى جزء من جسمها ما قضى على هدوئها. و تلونت وجنتاها بلون احمر قان لأنها علمت ايضا انه حرك مشاعر عميقةفيها و انها تغرق. و بحركة سريعة و مفاجئة, حررت يديها و ابتعدت مغمضة عينيها للحظات في حركة تعكس اشمئزازها و استيائها من نفسها.
اصدر آشرون اوامره بصوت عميق "جربى بقية الملابس."
اختفت تابى بوجهها المحمر داخل غرفة القياس. يبدو جلياً انه ضغط على كافة ازرار ها, و عليها ان تمنعه من القيام بذلك و انا تقف في وجهه بحزم. إنه شخص مثير بالتأكيد و هو ساحر يفتن النساء. لقد اهانها حين تحدث عن الوشم الذى تضعه و من ثم حول تلك اللحظة بطريقة ما إلى شئ آخر بمجرد الامساك بيديها في يديه و النظر في عينيها. لكنها ليست فتاة طائشة تضعف امام أدنى اهتمام يظهره رجل وسيم, أليس كذلك؟ و اعترفت في سرها بأنها تاة عذراء ما يبرر ارتباكها في التعامل مع الرجال, هذا الارتباك الناجم عن افتقارها للخبرة. لم تختر ان تبقى عذراء لكن الأمور جرت على هذا النحو. لم ينجح اى رجل في ان يجعلها ترغب في التقرب منه بشكل حميم.
دخل آشرون ديميتراكوس إلى حياتها و قلبها رأساً على عقب. فعلى الرغم من انه يجذبها إلا انها لا تحبه و لا تثق به ايضاً, فما معنى هذا و ما الذى يعكسه من شخصيتها. هل هذا يعنى انها متهورة و طائشة تماماً مثل والديها اللذين فقدت الاتصال بهما منذ زمن بعيد و اللذين لم تفجع على فقدانهما؟
تملك آشرون التوتر. ما الذى يحدث له؟ و راح يفكر بنفاد صبر بأن العاقة اللاشخصية ستنجح أكثر و لا ينبغى ان تكون صعبة إذ ما من قواسم مشتركة بينهما.
راقبها و هى تظهر امامه مجدداً, مرتدية سروالاً من الصوف و سترة صغيرة من الكشمير منتعلة حذاء عالى الكعبين. بدت انيقة فعلا. و اعترف متذمراً بأنها مرتبة جداً و هو يصر بأسنانه فيما نظراته تنزلق غريزياً إلى صدرها الذى برز قليلاً تحت قميصها الضيق.
و ذكر نفسه عابساً بانه فعل ما عليه ان يفعله. إنها المرأة المثالية التى تخدم اهدافه لأنها متمسكة بإنجاح اتفاقهما اكثر منه. و لعل الأهم ان شيئاً لن يتيغير في حياته "لقد وجد الزوجة المثالية, زوجة ليس بزوجة......

ترك تابى بمفردها مع الموظفة في قسم الملابس الداخلية حيث اختارت ما هو ضرورى قبل ان تنتقل إلى قسم الأطفال و تختار مجموعة كاملة من الملابس الجديدة لـ آمبير فيما قلبها يرتعش لفكرة رؤية الفتاة الصغيرة في ملابس جديدة تناسبها تماماً.
عمل السائق على ترتيب اكياسها الكثيرة في صندوق السيارة فيما صعت هى إليها لتجلس إلى جانب آشرون الذى كان يتحدث بالفرنسية عبر الهاتف. عرفت اللغة من الدروس التى تلقتها في المدرسة و رفعت حاجبها. إذن, إنه يتكلم ثلاث لغات على الأقل: اليونانية و الانكليزية و الفرنسية. و رفضت ان تترك هذا يؤثر فيها.
أعلن آشرون و هو يبعد الهاتف "سنتناول العشاء في الخارج الليلة."
سألته تابى و قد تملكها الرعب من هذه الفكرة "ولِمَ هذا؟"
"
إذا اردنا ان نبدو كـ ثنائى طبيعى, لابد من ان نظره معاً في الاماكن العامة. ارتدى ذاك الثوب.
"
آهـ...."
لم تضف تابى اى كلمة اخرى فيما هى تتساءل عما سيتتبع هذا العشاء في الخارج من فظائع اجتماعية.
لم يسبق لها يوماً ان تناولت الطعام في مطعم فخم, و لطالما تجنبت بجبن مثل هذه المناسبات الرسمية إذا كانت تخشى فكرة وجود الكثير من ادوات المائدة و النوادل الذين سرعان ما سيلاحظون انها فتاة اعتادت مطاعم الوجبات السريعة.
بعد ساعتين, و بعد ان استحم و بدل ملابسه, فتح آش الخزنة في غرفة نومه ليأخذ علبة الخاتم التى لم يلمسها منذ سنوات. كان الزمردة الاسطورية التى يُقال انها زينت ذات يومتاج مهراجا, تعود إلى امه و ستفى بالغرض كخاتم خطوبة. حركت فكرة ان يضع الجوهرة الثمينة في إصبع تابى جين عدم الارتباط لدى آشرون, فأحنى كتفيه ممتناً لأن الخطوبة و الزواج الذى سيليها زائفان مئة بالمئة.
و تذكرت تابى و هى تضع الماسكارا و تستمتع بواقع انها تحظى بالوقت و الهدوء الكافيين لتستخدم ادوات التجميل من جديد. شكّل الماكياج إحدى العادات الشخصية الاولى التى تخلت عنها عندما تولت رعاية امبير بشكل كامل. لكن المربية ستبقى لرعايتها حتى الساعة الحادية عشر مما يمنح تابى الحرية التامة لترتدى ملابسها و تخرج كسيدة انيقة. سيدة؟ كشرت و هى تفكر في هذه الكلمة, مشككة في قدرتها على ان تتحلى بتلك المواصفات الرفيعة المستوى ثم مررت الفرشاة في شعرها الذى غسلته منذ قليل قبل ان تحمل الحقيبة الصغيرة التى تتناسب مع الحذاء و تغادر الغرفة.
كانت شقة آشرون فسيحة و اكبر بكثير مما توقعت. خُصصت لـ تابى و آمبير غرفتان في آخر الرواق الذى يضم غرف النوم, بعيداً عن قاعة الاستقبال الرئيسية و عن جناح النوم الرئيسي الذى بدا انه يقع اعلى سلالم لولبية تنطلق من البهو الرئيسي. و اقرّت و هى تهز رأسها بأن آشرون يعيش كـ ملك, وذلك بعد ان رأت الاثاث الفخم الذى يحيط بها و الازهار الندية التى انتشرت في المكان. إنهما من عالمين مختلفين بالتأكيد. لكنها شعرت ان النقطة المشتركة بينهما هى انهما يقدران العمل الشاق و مكافآته و املت بالتالى ان يفهم لما تحتاج ان تستمر في العمل.
"
ضعيه في إصبعك."
قال هذا و هو يضع خاتم الزمرد بفظظاظة في راحة يدها.
سألته تابى و هى تنظر مقطبة إلى الجوهرة المتلألئة "لِمَ هذا؟"
همهم بنبرة ساخرة "خاتم خطوبة.... زواج احيانا لا تستوعبين الأمور بسرعة."
دست تابى الخاتم الجميل في إصبعها و حدقت فيه بعينين نصف مغمضتين فيما احمر وجهها "لم اكن اعلم انك ستتكلف على امور غير اساسية. افترضت انك ستختار ترتيبات شاملة أكثر بساطة."
"
بما اننا سنتزوج بسرعة و بعيدا عن الاضواء و البهرجة فلا بد من ان تبدو مسرحيتنا مقنعة اكثر للناظرين إليها."
اتخذت موقف دفاعيا و هى تقول "أنا اعيش معك و ارتدى الملابس التى اشترتيها لىّ, أليس هذا كافٍ؟"
سخر منها آشرون قائلاً "يعيش الكثيرون معا دون زواج كما ان العديد من النساء لبسن ثياباً انا دفعت ثمنها. ما بيننا يجب ان يبدو اكثر جدية."
كانت الاضواء في المطعم خافتة و بدا الجو فيه حميمياً و الطاولة التى خُصصت لهما هى الأفضل. شعرت تابى بأنها تكاد تختنق من الاهتمام الذى ابداه العاملين عند دخولهما. و بعد ان تجالها متعمداً أثناء رحلتهما من المنزل و راح يتحدث عبر الهاتف, منح آشرون نفسه اخيراً فرصة النظر إلى عروسه المستقبلية. تساقطت خصلات شعرها الشقراء على كتفيها و احاطت بوجهها الصغير الناعم و المشرق, الذى برزت فيه عيناها البنفسجيتان و فمها المثير الملون بلون زهرى فاقع. لم يستطيع ان يُبعد عينيه عن ذاك الثغر, ثغر خُلق ليجعل الرجل يفكر في الخطيئة و ارتكابها.
سألته تابى هازئة كى تُبعد عقلها عن واقع انها لم تكتشف بعد اى شوكة و سكين عليها ان تستخدم لتتناول السلطة التى احضروها لهما "كيف ترى ادائى حتى الآن في دور الدمية الأنيقة؟"
اعترف آشرون "أنتِ تجيبين كثيراً بفظاظة لكنك تبدين مذهلة في الملابس المناسبة."
اذهلها مديحة فيما تابع يقول "أنا راضِ حتى الساعة عن صفقتنا و كونى على ثقة بأنى سألتزم بالشق الخاص بى."
و مد يده ليمسك بشوكة فيما مدت هى يدها لتمسك بواحدة اخرى لكنها عدلت المسار في منتصف الطريق و راحت نظراتها تلاحق يديه السمراوتين. و امرها دماغها : قلديه و حسب.
"
تقدمت بطلب للحصول على رخصة خاصة. يجب ان تُنجز الأمور القانونية في الوقت المناسب كى نعقد القران نهار الخميس. المحامى يقوم بإجراء الترتيبات اللازمة و قد اتصل بالخدمات الاجتماعية بالنيابة عنا لنطلب تبنى آمبير."
علقت تابى بنفس مقطوع "يا إلهى, انه سريع."
ذكرها بما قالته سابقاً "اخبرتنى انك لا تريدين ان تذهب الفتاة إلى مركز الحضانة."
احمرت بشرتها و هى تتذكر ان وجهة مجهولة كانت تنتظر آمبير لو لم تحظى تابى بدعمه "لا اريد ذلك بالطبع. لكن ثمة امور لم نناقشها بعد. ماذا يُفترض بىّ ان افعل فيما نحن ندعى اننا متزوجان؟"
ارتفع حاجبه استغراباً و اجاب "تفعلين؟ لا شئ. ركزى على ان تكونى أماً و زوجة من حين لآخر. اتوقع منك ان تظهرى برفقتى في بعض المناسبات الاجتماعية. هذا هو الالتزام الوحيد المطلوب منك."

اعترفت تابى بفظاظة "هذا ممتاز لأنى اريد ان اطلق عملى الخاص مجدداً .... على مستوى ضيق."
اكتست ملامحه الوسيمة بقساوة و هو يجيب "لا. هذا مستحيل. الطفلة تستحق اماً متفرغة لها."
لم تصدق تابى ما سمعته "معظم الامهات يعملن...."
قاطعها آشرون ليقول بنبرة باردة "سأتكفل بمتطلباتك المادية كلها. في المستقبل المنظور, ستقدمين حاجات الططفلة على اى أمر آخر و لن تعملى."
صرت تابى باسنانها "لا اريد ان آخذ مالك."
علق آشرون بايجاز "عنيدة."
"
لا تستطيع ان تُملى علىّ ما ينبغى او لا ينبغى ان افعله.
"
الأا استطيع؟"
تسارعت نبضات تابى حتى شعرت و كأن قلبها ينبض اسفل عنقها, معيقاً قدرتها على التنفس و الكلام. اخفت غضبها و غيظها خلف ستار من الصمت و حدقت فيه عبر الطاولة فيما بدا وجهها شاحباً و متوتراً.
تملكتها قشعريرة غطت غضبها و حبسته. كان مستعدا لأن يساعدها كى تتبنى امبير و هى عالقة في شرك موقفه المثالى القديم, سواء اعجبها هذا او لم يعجبها. نعم, تستطيع ان تتركه لكنها ان فعلت ستتخلى ايضاً عن الطفلة التى تحب. و هذا ما لا تستطيع ان تفعله بالتأكيد.
و بالتالى, عليها ان تخضع لشروطه و تكون على قدر توقعاته طالما انها تحتاج دم آشرون. كانت مواجهة هذه الحقيقة البشعة و المخيفة إحدى التجارب التى قهرت تابى إذ جاءت مغايرة لكل قناعة التزمت بها منذ ان بلغت سن الرشد... افزعتها فعلا فكرة ألا تكون ممسكة بزمام أمور حياتها.
قال آشرون بعد ان رآها تلهو بالطعام في طبقها من دون ان ترفع أى شئ منه إلى فمها الزهرى اللون "يبدو انك فقدت شهيتك."
كانت قطعة اللحم غير مطهوة تماماً كما تحب. لكنها تعاملت مع قائمة الطعام المكتوبة بلغة فرنسية آنيقة بأن قلدته في خيارته .
ردت تابى بصوت ضعيف "لقد قضيت على شهيتى."
مرّ تعبير محظور على ملامحها المنحوتة و هو يقول "إن كان عملك مهم إلى هذا الحد بالنسبة إليك فعليك ان تتخلى عن رغبتك في تبنى الطفلة, إذ ستحتاجين إلى الكثير من الوقت كـ امرأة اعمال مستقلة و لن تتمكن من منحها الاهتمام الكافى."
اعترفت تابى في سرها و هى ترتشف الماء متجاهلة كأس النبيذ, بأن وجهة نظره صحيحة و محقة. لم تذق الكحول يوما و لم تكن تعرف تأثيره عليها, فخشيت ان توقظ في داخلها توقاً تجد اصلاً صعوبة في السيطرة عليه. لا يمكنها ان تجادل آشرون ديميتراكوس لأن إطلاق عملها الخاص سيتطلب فعلا الكثير من وقتها. على أي حال, لم تسنح لها يوما فرصة الاستمتاع بلعب دور الأم طيلة الوقت و لعله من الأفضل ان تجرب أسلوب العيش هذا بدلا من ان تدع الفرصة تفلت من يدها.
سألها آشرون ديميتراكوس بنفاد صبر فيما هما يتناولان الجبنة "هل نحن على الموجة نفسها؟"
اومأت تابى التى امتلأ فمها اخيراً بشئ رغبت على الأقل في تناوله فيما تحاول ان تتخيل ما يعنيه ان تعتمد مادياً و لأول مرة في حياتها على رجل.
عندما خرجا من المطعم, لف آشرون ذراع حول كتفيها المتشنجتين و رمشت بعينيها مذهولة عندما ادركت انهما محاطان بالمصورين. امرها بصوت خافت "ابتسمى."
و فعلت رغما عنها كما امرها.
سألته بعد ان ابتعدا عن الاضواء "ما هذا كله؟"
اجابها آشرون بنبرة جافة "دليل علنى على علاقتنا. ستنشر مجلة التايمز خبر خطوبتنا في الغد."
و خطر لـ تابى بسخرية : عن اى علاقة تتحدث؟ هذه ليست علاقة بل ديكتاتورية, إنما لعله لا يعرف الفرق .

تعالى البكاء فاستفاق آشرون من نوه العميق. استمع لبعض الوقت لكن البكاء استمر. و بعد لحظات, نهض من سريره و هو يطلق شتيمة و توجه نحو باب الغرفة قبل ام يعود ادراجه و هو يهمهم و يسحب سروال جينز من احد الادراج. كان يكره وجود ضيوف في منزله فهو يكره ان يغير شيئاً من روين حياته المعتادة. إلا انه ذكر نفسه برضا بأن تابى خيار افضل من الزوجة الحقيقة و هى صفقة جيدة لن يخطر لها ان تتمسك بموقعها الحالى.
فتح باب غرفة الطفلة و رأها في السرير. كانت تحرك يديها و رجليها بنشاط و قد قطبت وجهها الصغير و راحت تبكى بصوت يوقظ الأموات, إلا انه لم يوقظ المرأة التى ترغب في تبنيها. حام آشرون حول السرير و قد لوى فمه العريض المثير. جلست الطفلة على الفور فيما ارتسمت على وجهها نظرة توقع, حتى انها رفعت ذراعيها و كأنها تنتظر منه ان يرفعها نحو الحرية.
فاضت حيوية اكثر مما يُفترض ان يكون عليه طفل نائم.
اعلن آشرون بحزم "توقفى عن البكاء. فأنا لا احب البكاء."
انزلت الطفلة ذراعيها و زمت شفتيها الزهريتين فيما راحت عيناها البنيتان اللامعتان تتأملانه بتردد.
راح آشرون يشرح لها "أتعلمين ان البكاء لا يفيد في شئ.
عادت الطفلة تبكى بكاء يفطر القلب. بدت حزينة و وحيدة للغاية فاطلق آش آهة.
همست تابى و هى تقف عند الباب تتأمل اللوحة الصغيرة للرجل الجامد العنيد و الطفلة المسكينة "ألن تحملها؟ تحتاج للطمأنة."
اغضبها ألا تتمكن من إشاحة نظرها عنه فيما هو لا يرتدى سوى سروال جينز. بدا صدره الرجولى المسمر قطعة فنية تحاكى الكمال. إنه باختصار جسد رجولى يمكنه ان يلعب دور البطولة في احلاماى امرأة.
سألها آش الذى رفع حاجبه و سدد إليها نظرة تعكس استغرابه لاقتراحها
"
ولِمَ احملها ؟"
لاحظ انها ترتدى ثوب نوم فاتح اللون يكشف عن جسمها النحيل اكثر مما يستر فيما تقف هى في الباب و قد ادارت ظهرها للنور المنبعث من الممر.
"
إذا اردت طلب التبنى الذى قدمناه ان ينال رضا السلطات, فلابد ان تكون واثقاً من انك قادر على التعامل مع آمبير."
"
سأكون واثقاً تماماً إذا ما فُرض علىّ ذلك, لكن من غير الحكمة ان ترفعها من السرير في مثل هذه الساعة. يجب ان تمضى الليل بطوله هنا. إنها الثانية صباحاً إن لم تلاحظى ذلك."
اطلقت تابى تنهيدة اخرى و تقدمت من السرير و قد تملكها الإحباط ثم رفعت الطفلة و وضعتها من دون مقدمات بين ذراعى آشرون قائلة "تحتاج إلى من يطمئنها إن راودتها احلام مزعجة. تحتاج لأن تشعر بأن ثمة شخص ما حاضر من اجلها. يكفى عادة ان تحتضنها قليلاً كى تهدأ."
بدت امبير مصدومة بقدر آشرون و هى ترى نفسها بين ذراعيه فراحت تراقبه بعينين واسعتين.
"
أحضنها؟"
همس آشرون هذه الكلمة بعدم تصديق ثم اضاف "أتتوقعين منى ان احضنها؟"


نهاية الفصل الثالث

Just Faith 17-01-17 02:08 AM


4
-أحقاً عذراء ؟



تنهدت تابى باستياء قبل ان تأخذ امبير من بين ذراعى آشرون الذى حملها بشكل عكس عدم خخبرته في هذا المضمار, و ضمتها إلى صدرها. قالت و هى تقبل حاجب امبير "اللمس مهم جداً."
آخذ آشرون نفساً مضطرباً و قال "لن اقوم بتقبيلها ايضاً."
نصحته تابى بنبرة جافة "ملّس إذن على شعرها, و افرك ظهرها, اجعلها تشعر بأنها في امان. توقف عن مقاومة اقتراحاتى."
سخر آش من كلامها "و كيف تقترحين ان افعل هذا؟ هل اعمد إلى زرع شخصية جديدة؟ أنا لا اجيد التعامل مع الاطفال. و لا خبرة لدى مع هذا النوع من المشاعر."
اجابته تابى بتصميم و هى تضع امبير بعناية بين ذراعيه "لم يفت الوقت على التعلم. قربها منك اكثر. لاطفها و عانقها. و ارجوك لا تقل لىّ انك لا تملك خبرة في ملاطفة النساء و معانقتهن."
صارحها آشرون على الفور "انا لا ألاطفهن بل امارس الجنس معهن. و هذا ليس حواراً لائقاً امام طفلة!"
احست الطفلة بإنزعاجه و استيائه فراحت تئن مما دفعه لأن يدس اصابعه تحت قميصصها و يفرك ظهرها بحركة تنم على عدم ارتياح.
حثته تابى و هى تقترب منه لتضع رأس الطفلة قرب كتفه "قربها منك اكثر. لن تعضك."




لا يذكر آشرون انه شعر يوما بهذا القدر من التوتر و عدم الارتياح. لقد ادرك ما تريده منه لكنه لم يشأ ان يفعل ذلك. إنما عاد و فكر ف شركته التى ستصبح له مئة بالمئة بعد الزواج فقرب الطفلة من صدره, معتبراً ان النتيجة تستحق منه مثل هذه التضحية.
اقترحت تابى "تحدث إليها."
"
عـــمّ؟"
طرح آشرون هذا السؤال بجدية تامة و قد جمد في مكانه حين استكانت الطفلة في احضانه و التصقت به بملء ارادتها, و شعر بالارتباك من جراء دفئها الغريب و وزنها فيما تضع هى راحتيها الصغيرتين على جلده.
"
حدثها عن الاسهم و الاسواق إن شئت. لا يهم ما تقوله في مثل هذا السن. ما يهم هو نبرت الصوت."
و راح آشرون يغمغم بأغنية يونانية مخصصة للاطفال.
"
إذا مشيت في الغرفة و انت تحملها فيمكن ان تشعر بمزيد من الاسترخاء."
صر آشرون بأسنانه بدأ يخبر الطفلة رأيه في تابى باللغة اليونانية, مع الحرص على ألا يظهر اى عداوة في نبرته. رفعت امبير إليه عينين بنيتين كبيرتين مليئتين بالثقة و اندهش آشرون من قدرتها على منح هذا القدر من الثقة لشخص غريب تماماً عنها. إذا استطاعت طفلة ان تحاول, فيمكنه هو ايضا ان يفعل على الرغم من انه لا يستسيغ الاستماع إلى توجيهات تابى و إتباعها.
اعترف بتكشيرة انها تثير جنونه لكنه استمر في فرك ظهر الطفلة بنعومة و هو يتحدث إليها. و اسندت الطفلة رأسها بهدوء إلى كتفه.
همست تابى "أعطنى إياها. ستنام مجدداً."
هزأ منها آشرون بعد ان وضعت امبير في سريرها و غطتها مجدداً "و هكذا انتهى الدرس الاول."
إلا انه لم يكن ينظر إلى الطفلة بل إلى تابى. فالثوب الحريرى الرمادى اللون التمع في الضوء الخافت المنبعث من الممر, و انسدل على منحنيات جسدها, مبرزاً مفاتنها حين انحنت فوق السرير.
علق قائلاً "لعله من الافضل ان تغطى نفسك اكثر حين تكونين معى ام ان هذه دعوة؟"
اتسعت عيناها البنفسجيتان فيما هى تتجه نحو الباب ثم رمقته بنظرة عدم تصديق من فوق كتفيها قبل ان تسأله "هل تظن انك لا تُقاوم اوما شابه؟"
سار آشرون بخطى واسعة نحو الباب و قال "لا يمكن ان تكونى بهذه البراءة. لا يمكن التنبؤ بردود افعال الرجال حين يُعر ض امامهم هذا القدر من البشرة العارية."
قاطعته تابى بغضب و هى تعقد ذراعيها على صدرها و قد اربكها ان تعلم انه قادر على ان يرى جسمها من تحت ثوب نومها "أنا لا اعرض نفسى. عندما جئت إلى هنا, لم يخطر لىّ ان اجدك."
أطبق آشرون قبضته على معصمها و جرها إلى الممر, مغلقاً الباب خلفه ثم ابلغها بنعومة "يعجبنى ما اراه."
حدقت تابى فيه بغضب عارم, ولاحظت الظل الداكن الذى خلفته لحيته النامية و ابرز ذقنه العنيدة و كيف ان اللحية النامية عززت مظهره الرجولى و قالت "لكنى لا اعرض نفسي عليك."
"
حــــقـــاً؟"
احنى آشرون رأسه الوسيم و طبع قبلة صغيرة على فمها و ضمها إلى صدره من دون مقدمات, ملامساً ظهرها الممشوق براحتيه بلمسة جعلتها ترتعش.
كان لهذه القبلة اليتيمة فعل آسر. و ساومت تابى نفسها كى تكملها للحظة واحدة. لكنها قالت له بصوت مرتجف "لا."
"
لا؟"
التمعت العينان الداكنتان و هما تنظران إليها. انحدرت الأصابع الطويلة على عمودها الفقرى, و قال "يمكننا ان نمرح لساعة او اثنتين."
"
هل ابدو لك سهلة إلى هذا الحد؟"
تصلب جسدها إذ شعرت بالإهانة في نبرة اقتراحه هذا. هل يظن ان فكرة تسليته لبضع ساعات تجعلها تشعر بالإطراء؟ علاقة سهلة و سريعة نظراً لغياب اى بديل آخر أكثر إثارة؟
ضاقت عيناه المذهلتين و احاب "انا لا اطلق احكاماً كهذه على النساء. انا لست من دعاة التميز بين الجنسين. انا استمتع بالعلاقة, و انا واثق انك تفعلين ايضاً."
"
انت مخطئ."
شرعت تقول هذا بحرارة, و هى تفكر في انه مختلف بعض الشئ عن الرجال الذين ظنوا ان لهم حق الاستمتاع بجسدها لمجرد انهم دعوها لتناول الشراب و لم يستطيعوا فهم نفورها.
اكد لها آشرون بنبرة ناعمة و هو يداعب بأصبعه خط شفتها السفلى "إذا لم تستمتعى من قبل فهذا يعنى انكِ لم تكونى يوما مع الرجل المناسب."
احتبست الانقاس في حلقها في تجاوب مع لمسته الساحرة.
قالت له تابى بطريقة جافة, و هى تبتعد عن متناول يده مكافحة الرجفة الغير متوقعة التى تملكتها من جراء انفصالها عن جسمه الدافئ "انت استاذ في فن الاقناعلكنتك تضيع وقتك معى.... على الرغم من انى عذراء إلا اننى اعلم ان الرجل يمكن ان يتفوّه بأى كلام و ان يقدم أى وعود ليجعل المرأة تستسلم له و تشاركه فراشه."
"
عــــذراء؟"
ردد آشرون كلمتها بنبرة ذهول و عدم تصديق و قد تشنجت ملامحه السمراء ثم اضاف "أهذا صحيح؟ ام انه طُعم لتوريطى أكثر؟"
هزّت تابى رأسها ببطء و من ثم أطلقت ضحكة عالية قبل ان تقول "أنت كثير الشك و لا تثق بالنساء. لا اريد ان اورطك في اى شئ. في الواقع, اعتقد ان تورطنا إلى هذا الحد هو فكرة سيئة."
جادلها آشرون بنعومة "لم اكن افكر في التورط بل في تبادل بسيط للمتعة."
لاحظت تابى كيف فصل حتى بين التورط و بين العلاقة الجسدية و سجلت انه يعانى من خوف شديد من الالتزام. لم يشأ ان تسئ فهم العرض الذى يقدمه : تبادل جسدى للمتعة ليس إلا, من دون اى قيود. قالت له بفظاظة و هى تدير له ظهرها "تصبح على خير ."
"
عذراء...... حقاً؟"
همس آشرون بهذه الكلمات في أثرها, و تردد صدى صوته العميق في داخلها في سكون الشقة التى ساد فيها الصمت.
ادارت تابى رأسها ببطء نحوه و ردت "حقاً!"
قطب آشرون تقطيبة خفيفة و حدق فيها بعينين تلتمعان فضولاً و دهشة تحت الاضواء الخافتة "لماذا؟"
"
لم ارغب يوما في ذلك."
تناهى إليها صوت ناعم في عقلها يقول حتى اليوم. فتلك القبلة المثقلة بالشغف و تلك اللمسة الشهوانية من يديه الرشيقتين أثارتا في تابى مشاعر لم تشعر بها قط في حياتها.
همس آشرون بثقة فيما فيما هى تبتعد عنه و شعرها الاشقر ينسدل على ظهرها كنهر متدفق "لقد رغبت فىّ....."
علمت تابى ان عليها ان تلتزم الصمت لكنها لم تستطيع ان تقاوم العفريت الصغير في داخلها, هذا العفريت الذى اثار حفيظته فأدارت رأسها ناحيته, بعد ان استسلمت لرغبتها في إزعاجه و همست بنعومة "يبدو جلياً.... انى لم ارغب فيك بما يكفى."
فكر آشروون بكآبة و هو يعود ادراجه إلى غرفته بخطى واسعة ليستحم بالماء البارد. ان مثل هذا الهراء يمكن ان يثير بعض الرجال فيعتبرونه تحدياً لكنه ليس من هؤلاء لأن المنطق لطالما تغلب لديه في الرغبة. إذا اقام علاقة معها فقد تختلط الامور و تعم الفوضى و هو يكره الفوضى و لا يحتمل مثل هذه العلاقات لفترة تتعدى ما يتطلبه محو رقم المرأة المعنية من هاتفه.
و ذكر نفسه بالنتائج الأليمة لعلاقته الأخيرة المتهورة التى كانت أسوأ حتى من واقع ان تابى عذراء. وجد صعوبة في ان يصدق هذا إنما لم يستطيع ان يرى ايضا الفائدة التى يمكن ان تجنيها من إخباره كذبة مماثلة. لابد ان المرأة التى تبقى عذراء حتى سن الخامسة و العشرين تتوقع الكثير من حبيبها الأول و إلا لِمَ ستنتظر كل هذا الوقت؟ لن يكون ابداً ذاك الرجل, لا يمكن ان يتناسب مع الإطار الذى وضعته او المتطلبات التى تريدها. لقد حذرته و عليه من الآن و صاعدا ان يلتزم حدوده معها.

تثاءبت تابى ثم وضعت آمبير على السجادة عند قدميها. بدت الفترة الصباحية مملة جدا حتى الساعة. وصل ستافوس, محامى آشرون, حاملا معه مجموعة من الوثائق التى تم ملؤها بعناية و راح يشرح لها عقد الزواج فقرة تلو فقرة مؤلمة اخرى.
من الطبيعى ان يرغب آشرون في حماية ثروته, و كانت مناقشة شروط الطلاق قبل الوصول حتى إلى مرحلة الزواج لتحبطها لو انها غرمة به, لكنها ليست كذلك و هى لا تأبه ابداً لماله.
اعترضت تابى بقلق "لكنى لا احتاج مثل هذا المبلغ من المال لأعيش بعد الطلاق. اعرف كيف اعيش جيدا بمزانية صغيرة كما انى ارى ان ربع هذا المبلغ هو منحة اكثر من كريمة."
تدخل آشرون ليقول من حيث يقف متململاً قرب النافذة "يُفترض بك ان تحاولى كسب قدر ما يمكنك كسبه من المال. وقعى العقد و انسي الموضوع. بعد ان تعيشي لفترة في عالمى, ستتغير اذواقك و سترغبين في المزيد."
رمقته تابى بنظرة امتعاض و ردت "جل ما اريده من هذا الاتفاق هو امبير. كما اننىى لن اتحول إلى امرأة جشعة, طماعة بين ليلة و ضحاها!"
تدخل المحامى ليهدئ الوضع "يريد السيد ديميتراكوس ان تستمتعى انت و الطفلة بمستقبل مريح و آمن."
"
لا, يريد السيد ديميتراكوس ان يشترى ولائى و ولائى ليس للبيع! اقدر كثيراً ما يفعله ليساعدنى على الاحتفاظ بـ امبير و تربيتها و آخر ما يمكن ان اُقدم عليه هو ان استغل كرمه بأى طريقة من الطرق. اروق ان تتقبل هذا."
قاطعها آشرون بنفاد صبر "وقعى. لقد أخذ هذا الهراء ما يكفى من وقتى هذا الصباح."
ذكره ستافوس بعناد "يجب ان لا تنسي ان عليك ان تكون حاضراً اثناء زيارة موظفة الشؤون الاجتماعيةبعد ظهر هذا اليوم."
وضع ستافوس وثيقة ثانية امام تابى بعد ان وقعت الأولى و توجه إليها قائلاً "إنه اتفاق يضمن السرية و يمنعك من ان تخبرى أى كائن خارج هذا المكتب عن شروط زواجكما."
قال آشرون بفظاظة "هذه الكذبة الكبيرة يجب ان تبقى سراً."
كبتت تابى تنهيدة و وقعت ثم رفعت نظرها لتراقب آشرون و هو يتحدث إلى المحامى باليونانية. كان يريتدى بدلة رمادية داكنة مخططة بخطوط رفيعة جداً و قميص ارجوانية و قد بدا........ رائعاً, و كأنه خرج لتوه من إحدى الصور التى تعرضها مجلات الأزياء. رجل أنيق, و سيم بشكل يخطف الأنفاس و هو يلفت نظرها على الفور كلما لاح امامها. و قالت في سرها إن ما من ضرر في النظر إليه و تقدير المشهد فهو كلوحة جميلة يمكنها ان تتأملها بإعجاب و تقدر روعتها من دون الحاجة لأن تقتنيها, لا سيما و ان اى امرأة قد تخطر لها فكرة الإقتناء ستواجه مشكلة عويصة ححين يتعلق الأمر بـ آشرون ديميتراكوس.
تناولا في وقت سابق طعام الفطور معاً في غرفة الطعام, لكن كلمة (معاً) لا تعنى هنا سوى مشاركة الطاولة نفسها. فقد قرأ الصحيفة فيما تولت هى العناية بـ امبير و هى تحاول ان تتناول الكعك بهدوء كفأرة في حضور قطة. لم يكن الوضع يسمح بالاسترخاء او بتبادل الأحاديث الاجتماعية فقررت ان تتناول من الآن و صاعداً وجباتها في المطبخ.
أعلن آشرون فيما تابى تنحنى لترفع أمبير عن السجادة قبل ان تبدأ باللهو برباط حذائه "ستصحبك احدى مساعداتى للتسوق كى تشترى ثوب زفاف مناسب. و سيتوجب علينا ان نستخدم مربية لتعتنى بـ أمبير حين نكون مشغولين."
استقامت تابى "لا اريد ثوب زفاف.... كما لا اريد مربية."
هاجمتها العينان الداكنتان اللاذعتان "هل طلبت رأيك؟"
"
لأا, لكنك حصلت عليه و من دون اى كلفة اضافية."
"
لن افاوض في مسألة ثوب الزفاف."
"
لا سبيل إلى التفاوض معك في اى شئ!"
توهجت العينان الداكنتان بلون ذهبى مثير ثم همس بصوت اجش "قد تُفاجئينى لو بذلت بعض الجهد لإرضائى."
هاهو يُفكر في الجنس مجدداً: علمت ذلك من نظرة عينيه و من نبرة صوته الأجش. زحف الاحمرار إلى وجنتيها فيما هى ترمقه بنظرة قمع.
اقرت تابى و هى ترفع ذقنها "سأكون صادقة و صريحة معك.... لن اضيع ثوب زفاف على زواج زائف. يبدو الأمر غير مناسب. اريد ان احتفظ بثوب الزفاف الابيض لليوم الذى اتزوج فيه زواجاً حقيقياً."
رد آشرون بعناد و هو يدنو منها "صعب. لعله زواج زائف لكنى اريده ان يبدو طبيعياً قدر الإمكان و قلة هن النساء اللواتى يخترن الزواج من دون زخارف."
مدت امبير يدها نحوه و ابتسمت, فوضعتها تابى بين ذذراعيه من دون مقدمات و قالت له "داعبها قليلاً. ستتعلم بالممارسة و ستجيد ما تفعله. و إن كان علىّ ان ابدو مقنعة في الزواج فعليك ان تبدو بعد ظهر اليوم مقنعاً كـ شخص يرغب في تبنى طفلة ليصبح والداً لها."
شدت امبير رابطة عنق آشرون الحريرية باستمتاع فافتر ثغره فجأة عن ابتسامة تقدير مما صدم رفيقيه في آن معاً "امبير لا تأبه فعلا بأى شئ سوى الاهتمام الذى نوليه لها و ما يسليها في هذه اللحظة."
وافقته تابى الرأى على الفور, مكافحة كى لا تتفاعل مع تلك الابتسامة المذهلة التى جعلتها ترغب فىى ان تبادله الابتسام كـ فتاة بلهاء "حاجات الطفل بسيطة."
شعرت بمجرد النظر إليه و المرح مرتسم على ملامحه, بدوار خفيف في رأسها و بإضطراب في معدتها, لكنها سألته "المربية؟"
اعلن آشرون بنبرة واضحة "إنها ضرورية عندما يكون لديك واجبات اخرى. كونى عملية."
اخذت تابى نفساً عميقاً, رافضة ان تجادله فيما موعد المقابلة مع الشؤون الاجتماعية بعد ساعات قليلة. استعادت أمبير من بين ذراعيه و وضعتها في عربتها الصغيرة حيث قطبت الطفلة الصغيرة و راحت تشكو بشدة.
علق آشرون "إنها تعرف ما تريد. عليك ان تكونى حازمة اكثر حين تصبح اكبر سناً."
"
هذا واضح."
اضاف آشرون ببرودة قاتلة "وقد تجدين صعوبة في ان ترتدى ثوب زفاف من اجل رجل تختاريينه فيما انت تجرجرين طفل وراءك. انا لا اواعد امرأة لديها طفل من دون زواج."
عاجلته تابى قائلة بنبرة ذابلة "اخبرنى شئ لا يفاجئنى. انت انانى جداً و لا تركز إلا على حماية راحتك الشخصية."
"
انا احترم حدودى فحسب."
"
هذا هراء. لا يمكنك ان تحتمل فكرة ان يقدم حاجات شخص آخر على حاجاتك."
عندئذٍ سألها آشرون بلباقة "إذن, ما الذى افعله بزواجى منك؟"
"
انت تصحح الخطأ الاذى ارتكبته قبل اشهر عندما رفضت ان تكون الوصى على امبير و لا شك قى ان هذا يجعلك تشعر بأنك غير انانى و انك رجل مثالى رائع!"
راح ستافوس يحدق في تابى مصدوماً و هو يستمع إلى الحديث المتبادل بينهما. اما تابى فقد غزا الاحمرار وجهها و هى تفك مكابح العربة و تجرها خارجة من الباب.
رحبت شارما -مساعدة آشرون الخاصة- بها في المكتب الخارجى و رافقتها على الفور إلى سيارة ليموزين لتنطلقا في رحلة تسوق.
تفاجأت تابى حين وجدت نفسها في متجر فخم و مشهور جداً لفساتين الزفاف بدلاً من متجر عادى في احد المجمعات التجارية. و فيما راحت شارما تلاعب امبير, جربت تابى الثوب تلو الآخر لتختار في نهاية الأمر الثوب الأقل زخرفة ثم اضافت الأكسسوارات التى اقترحتها مالكة المتجر التى اولتها عناية خاصة. بعد ان انهت هذه المهمة, عادت إلى شقة آشرون و اتصلت بـ جاك لتخبره انها ستتزوج و تدعوه لحضور المراسم في اليوم التالى.
سألها جاك "هل هذه مزحة؟"
"
لا, حصلت الأمور بشكل مفاجئ و سريع لكنى اعرف ما افعله. يريد آشرون ان يتبنى أمبير معى."
تساءل جاك بشكل فظ "لقد كتمت المسألة جيداً. منذ متى تواعدينه؟"
لجأت تابى إلى الكذب متمنية لو تستطيع ان تقول الحقيقة
"
منذ بعض الوقت. لم اكن اعلم ان الأمور ستصبح جدية وإلا لأخبرتك من قبل."
اعلن جاك برضا "سيحل هذا مشاكلك كلها. كنت قلقاً جداً عليكِ و على امبير."



حضر آشرون في الوقت المناسب من اجل المقابلة مع المرشدة الاجتماعية و اظهر براعة لافتة و خبرة في تحريف الحقيقة لتناسبه بحيث جعلها تبدو وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ وقت طويل. بد جليا ان آشرون و شقته المذهلة أثارا اعجاب المرأة إعجاب المرأة التى تكبرهما سنا مما جعلها ت؟ُحجم عن طرح الكثير من الأسئلة الشخصية.
و بعد ساعة, كانت تابى تُطع أمبير و تختلس قضمات من وجبتها في المطبخ حين وقف آشرون في الباب و الغضب بادٍ على وجهه. رفع الكرسي الذى اجلست آمبير فيه واستدار على عقبيه.
صرخت تابى و هى تركض خلفه "ما الذى تفعله؟"
وضع آشرون الكرسي عند طرف مائدة الطعام مجيباً "نحن نتناول الطعام هنا معاً. انت لا تتناولين الطعام في المطبخ كأحد العاملين لدىّ, فهذا لن يُعطى انطباع ان زواجنا طبيعى."
ردت تابى "لا اعتقد ان احدا من العاملين لديك يأبه للمكان الذى نتناول الطعام فيه!"
حذّرها آشرون بصوت كالفحيح "عليك ان تكونى حذرة بشأن المظاهر. يمكن لأى عامل لدىّ ان يبيع القصة لأىّ صحيفة صفراء فيلحق ضرراً فادحاً في ادعائنا بأننا زوجان."
جمدت تابى مكانها "لم افكر في هذا قط. ألا يمكنك أن تثق بموظفيك؟"
أجابها آشرون بتهكم "أثق بمعظمهم لكن الصندوق لا يخلو من تفحة عفنةفى زاوية ما منه."
اومأت تابى برأسها و عادت إلى المطبخ لتُحضر وجبتها. لقد فكر في المسألة من كافة الزوايا و صدمها أنه عانى على ما يبدو من هذا النوع من الخيانة من شخص مقرب منه. وخطر لها انه لا عجب في ان يتوقع الأسوأ دوما من الناس.
سألها فيما هى تجلس إلى المائدة "لِمَ كنت تتناولين طعامك في المطبخ؟"
ردت تابى على الفور "أعلم انك تحب الحفاظ على مساحتك الخاصة."
علق آشرون و هو يتأمل بعينين داكنتين اللون الأحمر الذى غزا وجنتيها "انت لا ترتاحين في تناول الطعام معى. لاحظت هذا في الليلة الأولى في المطعم. عليك ان تتغلبى على هذه المشكلة."
اعترفت تابى التى اختارت ان تعتمد الصدق و الصراحة معه "نعم, كان الجو متوترا في تلك الليلة الأولى. لم استطيع ان اقرأ قائمة الطعام لأن لغتى الفرنسية ليست بالمستوى المطلوب. كما لم اعرف حتى اى شوكة علىّ ان استعمل لأى طبق."
شعر آشرون بطعنة ندم في داخله. لم يخطر له حتى انها ستشعر بمثل هذا الانزعاج في مطعمه المفضل.
"
ادوات الطعام ليست مهمة يا عزيزتى....."
"
بل هى مهمة صدقنى لا سيما حين لا تعلم اى منها عليك ان تستخدم."
"
أسألى في المرة القادمة."
ازعجه انه لم يراع الفارق بينهما. و عاد يقول لها "انا ليست.... حساساً. لن انتبه لأمور كهذه ما لم تحذرينى. على فكرة, اختارت شارما المربية المربية التى كانت هنا الليلة الماضية كى تعمل لحسابنا. كما حصلت على اذن كى نصطحب امبير معنا حين نسافر خارج البلاد."
"
خارج البلاد؟ ما الذى تتحدث عنه؟"
فسر لها آشرون بنبرة عملية "سنتوجه إلى إيطاليا بعد الزفاف. لدىّ منزل هناك. سيكون من السهل ان نحتفظ بخصوصيتنا كعروسين من دون وجود الاصدقاء و المعارف."

في اليوم التالى, استفاقت تابي باكرا. حسن, انه يوم زفافها و إن كان لا يُشبه في شئ الحدث المميز جداً الذى حلمت به يوماً. فـ صونيا لن تكون حاضرة مثلاً لتلعب دور الاشبينة كما لطالما افترضتا انها ستفعل, و اغرورقت عينا تابى الدموع على الفور لأن ألم خسارة صديقتها بدا كجرح لن يلتئم ابدا. و ذكرت نفسها بأن جاك لا يزال موجوداً, لكن جاك رجل قليل الكلام كما ان صديقته ايمى لا تستسيغ صداقته مع تابى. نهضت من فراشها و هى تطلق تنهيدة ثم اتجهت إلى غرفة امبير لتطمئن عليها قبل ان تبدأ بالاستعداد.
كانت ماليندا المربية في غرفة امبير. نسيت تابى موضوع المربية, و نسيت انها لم تعد الشخص الوحيد الذى يرعى امبير و يهتم بشؤونها إلا انها وجدت ان الطفلة قد استحمت و ارتدت ملابسها و تناولت طعامها. باغتها الشعور بالندم لأنها لطالما استمتعت بإعطاء امبير وجبتها الأولى الهادئة. إنما بقيت ابنة صوفيا ترحب بها بحب و عاطفة جليين فدفنت تابى انفها في شعر الطفلة الذى فاحت منها رائحة عطرة و اخذت نفساً عميقا مذكرة نفسها بالسبب الذى دفعها للزواج من آشرون و الذى جعلها تلبى كافة طلباته.
ستُقام المراسم في قلعة تم تحويلها إلى الفندق فخم, و دُهشت تابى لما امكن ترتيبه في هذه المهلة الزمنية القصيرة. إنما عادت و ذكرت نفسها بأن ثروة آشرون يمكن ان تضمن اهتمامً خاصاً و انبت نفسها ايضاً على سذاجتها.
رتبت شارما الأمور كى يحضر إلى الشقة مصفف الشعر و اخصائى الماكياج و املت تابى ان تمنحها براعتهما المهنية شيئاً من الاناقة البراقة التى تنضح عادة من رفيقات آشرون. و ما ان خطرت لها هذه الفكرة حتى تساءلت لِمَ تهتم برأيه. هل هى مسألة كبرياء وحسب؟
ساعدتها شارما على ارتداء ثوبها فيما عدل المصمم الخمار القصير المعلق بتاج الورود في شعر تابى.
علقت شارما بحماسة "تبدين مع هذه الزهور على رأسك كملكة الصيف..... سيطير صواب السيد ديميتراكوس بك."
اتضح لـ تابى للمرة الأولى انها تتعامل مع شخص يظن انه يحضر زواجاً حقيقياً فاحمرت من الارتباك, و هى واثقة تمام الثقة من ان آخر ما يمكن ان يحصل هو ان يطير صوب آشرون بها.
و تابعت شارما كلامها "إن رؤية رئيسي يتكبد كل هذا العناء ليتزوج بسرعة مسألة رومانسيةللغاية. كنت اظن انه...... ححسن, بارد للغاية و لا اقصد الإساءة...... و من ثم رأيته مع الطفلة و ادركت كم انا مخطئة. مما لا شك فيه ان الابوة تغير المرء...."
سجلت تابىى ان شارما افترضت ان آشرون هو والد امبير, و هذا أم طبيعى فشرحت لها "في الواقع, امبير هى ابنة اعز صديقة لدى و ابنة قريب آشرون و قد توفى كلاهما."
راح آشرون يذرع المكان جيئة و ذهاباً فيما التكشيرة مرتسمة على وجهه بانتظار وصول سيارة العروس. شعر بتوتر شديد. لعله زواج مزيف لكنه بدا حقيقياً مع وصول زوجة أبيه ايانس و اثنين من اولادها الراشدين و العديد من الاصدقاء و قد فاض به الكيل من تبادل الأحاديث و ادعاء انه عريس سعيد. و ذكر نفسه بأن اى زواج من دون ضيوف لن يكون لسوء الحظ مقنعاً جداً و ان المرأة غير المرحب بحضورها اليوم لم تحضر على الأقل. وقف عند نافذة الغرفة حيث سيقام الحفل تحيط به الزهور المخصصة للمناسبة و اخذ يراقب سيارة الليموزين المزينة بالشرائط البيضاء التى تطايرت مع النسيم عند مدخل الفندق.
ترجلت تابى من السيارة في ثوب ابيض انيق عارى الكتفين, يُصدر حفيفاً كلما تحركت, و قد راح النسيم يحرك خمارها و خصلات شعرها الشقراء بعيداً عن وجهها البيضاوى الشكل. بدت رقيقة و انيقة كالدمية و اقر بعصبية بأنها فاتنة تسحر الالباب قبل ان يشتم رد فعله الرجولى للغاية على هذا المظهر الذى يفيض انوثة و إغراء. لم تصبح تابى مرتبة و حسب, على حد تعبير ستافوس بل اصبحت مذهلة, هذا ما اعترف به آشرون في سره و هو يلاحظ من دون اهتمام و تركيز ظهور المربية التى حملت امبير التى ارتدت ثوباً زهرى اللون يليق بالمناسبة مع عصبة شعر مطابقة له.
اقتيدت تابى مباشرة إلى القاعة حيث ستقام المراسم و حيث راحت الموسيقى تُعزف. جالت بنظراتها القلقة على بحر الوجوه ثم وقعت على آشرون فاستقرت عليه و كأن مغنطيساً يجذبها. شعرت بدفاعاتها كلها تسقط كما لو امتصتها قوة حضوره الطاغى. بادلها التحديق, من دون ان يدعى انه ينظر إلى ما وراءها, و قد بدت عيناه الداكنتان المذهلتان ذهبيتين و لامعتين كنور الشمس في وجهه النحيل. تقدمت في الممر الممتد بين مقاعد الضيوف و ساقاها لا تقويان على حملها ثم وقفت إلى جانبه فيما هى تذكر نفسها بان انجذابها نحو آشرون هو رحلة ذهاب من دون إياب نحو الكارثة و هى مجازفة ينبغى ألا تخةضها خشية ان تجازف بمستقبل امبير ايضا.
دس الخاتم في إصبعها و فعلت مثله. بعدئذٍ ابقى يده مطبقة على يدها متجاهلا محاولاتها للتحرر من قبضته. و فجأة احاط بهما الضيوف و انهالت عليهما التهانى كما راح يُعرفها إليهم.
كانت زوجة أبيه امرأة شقراء ذات نبرة صوت عالية و حادة, و قد وقف إلى جانبها ابنها و ابنتها اللذين بديا و كأنهما يخشيان آشرون مما خلف لدى تابى انطباع انه لم يكن يوما جزؤاً من عائلة ابيه. ظهر جاك مع صديقته ايما التى بدت ودودة كما لم تعهدها تابى يوما. تبادلت تابى اطراف الحديث مع جاك ثم التفتت لتجد آشرون يتأملها و قد زم فمه الوسيم.
"
من هذا؟"
ردت بنبرة من يدافع عن نفسه "جاك صديق قديم و هو الشخص الوحيد الذى دعوته."
استفهم آشرون بتكشيرة "ما الذى يعرفه عن موضوعنا؟"
اجابت تابى و هى تتساءل ما هى مشكلته "لم اخبره شيئاً. انه يعتقد ان هذا الزواج حقيقى."
سُكبت المشروبات في الكؤوس و ارتفعت الانخاب فيما انسلت امرأة سمراء ذات مفاتن بارزة ترتدى بزة زرقاء إلى الغرفة من دون سابق إنذار.
صدر من شخص ما يقف بالقرب من تابى تأوه. اتجهت السمراء نحوهم كأنها اتت في مهمة محددة ثم رمت زوجة والد آشرون بنظرة غاضبة قبل ان تسألها بصوت عالٍ "امى, كيف يمكنك ان تشاركى في هذه التمثلية المجنونة في حين انها تتعارض مع مصالحى؟ من المفترض ان اكن العروس هنا!"
نصحها شقيقها سيمون بخنوع "دعينا لا نخوض في هذا يا كازما. نحن هنا لنحتفل بزواج آشرون و اعلم انك لا تريدين إفساد هذا النهار بمثل هذا الغضب."
"
حــــــــــقـــاً؟"
و التمعت عيناها الغاضبتان. لاحظت تابى التى تملكها التوتر انها امرأة جميلة جدا بملامحها المنحوتة و شعرها الأسود الكثيف و الطويل.
و سألت بنبرة اتهام قاسية "اخبرنى يا آشرون ماذا وجدت فيها و لم تجده فىّ؟"
تعالى صوت امبير بالبكاء فاستغلت تابي الفرصة لتبتعد عن المشهد الدرامى القائم و تنضم إلى ماليندا المربية في آخر القاعة.
على أي حال الخلافات العائلية و نوبات غضب العاشقات السابقات و مرارتهن ليست من شأنها. هل كان آشرون على علاقة بأبنة زوجة أبيه؟ يبدو ظاهرياً انه لم يحاول ان يستخدم سحره و جاذبيته ضمن دائرة العائلة و يمكنها ان تفهم لما قال حين التقيا للمرة الاولى في مكتبه ان لا عائلة لديه. كانت عائلة ابيه تتحدث إليه بأدبكما يفعل اى شخص غريب. بدا جلياً انه لم يعيش معهم يوما, مما جعلها تتساءل مع من عاش حين كان اصغر سناً لأن تابى مقتنعة بأنها تتذكر اعلان وفاة والدته الشهير جداً على التلفزيون فيمى كانت لا توال هى نفسها صغيرة جداً.
اصطحبت تابى امبير إلى غرفة تغيير حفاضات الاطفال في قناعة منها ان كازما المتوترة ستكون مع بعض الحظ قد غادرت لدى عودتها.
لكنها لم تكن محظوظة بهذا القدر. و ما ان انتهت من نزع ملابس أمبير حتى فُتح الباب و وقفت كازما فيه لتسأل بفظاظة "هل هذه ابنة آشرون؟"
بدّلت تابى حفاض أمبير التى راحت تتحرك و تمد عنقها في محاولة منها لرؤية الزائرة.
"
لا."
قالت كازما بحقارة "كنت واثقة من ذلك فـ آش ليس من النوع الذى يحب الأطفال."
تملك تابى الغضب فاستقامت في وقفتها و ادارت رأسها نحو المرأة الأخرى و قالت "اسمعى, انا لا اعرفك كما انى مشغولة هنا...."
تابعت السمراء كلامها من دون اكتراث "انت تعلمين لما تزوجك آشرون, أليس كذلك؟ يُفترض ان اكون انا عروسة آش. لا احد يفهمه بقدر ما افهمه انا. لكن لسوء حظنا نحن الثلاثة, آشرون أكثر عناداً من أن يرضى بأن يُجبر على فعل ما كان عليه ان يفعله منذ زمن بعيد, فكبرياؤه لا يسمح له بذلك."
قالت لها تابى التى شعرت بإنزعاج شديد "لا حاجة لأن اعرف ما تتحدثين عنه فالامر لا يعنينى."
فسألتها كازما بغيظ و حقد "كيف يمكنك ان تقولى هذا فيما زواجك منه سيجعله يكسب ثروة؟ فوفقاً لوصية والده, ستعيد ملكية نصف شركته إلى اسرتى إذا لم يتزوج خلال عام! و كل من يعرف شعور آش حيال شركته يعلم انه مستعد لأن يفعل اى شئ ليحميها.... حتى لو كان ذا يعنى ان يتزوج من امرأة نكرة غير مناسبة ليحافظ على وضع قائم !"

نهاية الفصل الرابع

قراءة ممتعة

Just Faith 17-01-17 09:23 AM

5 -شروط الوصية


ترددت اتهامات كازما في اذنى تابى كصدى مزعج خلال الرحلة إلى ايطاليا. بعد رحيل السمراء, اقيم الغداء و انتهى بهدوء لكن تابى لم تحظ بأى فرصة لتحدث إلى آشرون على إنفراد لتطرح عليه السؤال. و قررت ان تثير الموضوع في الطائرة لكن ماليندا كان ترعى آمبير في مؤخرة المقصورة فشعرت بأنها لا تستطيع ان تتكلم بحرية.
هل من الممكن ان يكون لدى آشون مصلحه شخصية في هذا الزواج أكبر مما اعترف به؟ رأت تابى أن هذا ممكن عندما قارنت رفضه تحمل اى مسؤولية بشأن امبير قبل اشهر قليلة فقط و التغيير المفاجئ الذى طرأ على سلوكه. لِمَ لم يثير هذا التغيير السريع شكوكها أكثر؟ و خطر لها انه يعتبرها بلهاء و ساذجة, و شعرت بالخيانة ليس بسبب كذبة عدم صراحته بل بسبب سذاجتها و سهولة خجاعها. ما هى شروط وصية ابيه؟ كيف يمكن ان يخسر نصف الشركة التى يمتلكها؟ و إن كانت معلومات كازما صحيحة, فلِمَ لم يخبرها الحقيقة بكل بساطة؟
فكرت تابى بغضب متصاعد ان السلطة هى الواجب الوحيد على هذا السؤال. فستكون تابى مستعدة لأن تلبى مطالبه كلها طالما بقيت تعتقد ان آشرون يقدم لها خدمة و معروفاً من اجل آمبير فهى تشعر بالامتنان نحوه لإعتقادها انه يقوم بتضحية كبيرة حتى لو كان زواجهما زواجاً مزيفاً. ماذا لوكان الأمر خلاف ذلك تماماً؟ ماذا لو ان آشرون ديميتراكوس بحاجة لزوجة مناسبة بقدر ما كانت تحتاج هى للدعم و الاستقرار كى تتمكن من تبنى امبير؟ هذه المعلومات تغيير الصورة و المعادلة و تجعلهما متساويين. إلا ان آشرون ليس مهيئاً ليعامل تابى كند له فهو يفضل ان يعطى الأوامر و ان يطاع, لا ان يُقنع و يقدم التنازلات.
حسن, هذه الأيام قد ولت إذا كان ما قالته كازما هو الحقيقة.....




علق آشرون في السيارة التى اقلتهم عبر توسكانا "انت هادئة جداً."
كانت قد بدلت ثوب الزفاف قبل إنطلاقهم من لندن و شعر بخيبة أمل غريبة عندما رأها ترتد بدلاً منه الثوب البنفسجى الذى اختاره لها بنفسه. بدا القماش سميكاً و الكمان الطويلان غير مناسبين لمثل هذا المناخ الدافئ و ظهر الاحمرار على وجنتيها على الرغم من ان المكيف يعمل في السيارة. لكن هذا الاحمرار عكس ظلالاً ملفتة على عينيها و ابرز بشكل ما امتلاء فمها الزهرى المفعم بالحيوية.
آخذ آشرون نفساً عميقاً و بطيئاً و اشاح بنظره عن وجها ليسقط على ركبة نحيلة و على البشرة الناعمة البيضاء تحتها مما جعله يتساءل إذا ما كانت بشرتها حريرية الملمس بقدر ما تبدو. صرف بأسنانه و لعن رغبته القوية. لم يخطر له يوماً ان العلاقة الأفلاطوبية يمكن ان تشكل تحدياً, حتى مع الخيارات المتاحة امامه.
اعلنت تابى بنبرة رسمية, و قد بلغ بها الغضب مبلغاً جعلها تعض شفتها السفلى لئلا تبدأ نقاشاً فيما هى لا تزال عالقة في السيارة معه "انا استمتع بمشاهدة المنظر من حولنا. إلى اين نتجه تحديداً؟"
"
فيلا فوق التلال. كانت ملكاً لأمى على غرار معظم ما املكه لكننى جددتها العام الفائت."
تملكها الفضول على الرغم من غضبها فسألته "توفيت والدتك و انت لا تزال يافعاً, أليس كذلك؟"
توترت ملامح وجهه البرونزى النحيل و تأملتها عيناه القاسيتين قبل ان يجيب باقتضاب "نعم."
ارخى جدار التحفظ الذى يستخدمه كدرع ظلاً على وجهه الذى خلا من اى تعبير فيما اخبرته تابى مدركة مشاعره "فقدت والداى و انا صغيرة جداً فـ اُرسلت إلى مركز رعاية. و هناك التقيت جاك و صونيا والدة امبير." حاولت بكلامها هذا ان تملأ الصمت الثقيل.
قال آش "لم اكن اعلم انكِ تربيتِ في مركز رعاية."
ردت تابى متلعثمة بعد ان اصطدمت بعينين تضاهيان ظلمة منتصف الليل, عينان تظللهما رموش سوداء طويلة, و راحت تقاوم الشعور بأنها تسقط... تسقط... تسقط "حسنا.... لم تكن تلك اسعد ايام حياتى لكنى عرفت بعض الاوقات الطيبة. آخر مركز كان الأفضل فعلى الأقل بقينا نحن الثلاثة معاً."
و انتهى الحديث فيما حاربت تابى ذلك الشعور بالدوار و كافحت لتركز على غضبها. حسن, آشرون ديميتراكس وسيم بشكل مذهل و هو قادر على تحريك هرموناتها و إثارتها لكنه بارع ايضاً في التلاعب بالآخرين و مخادع و وحده الأبلة يمكن ان ينسى هذه الحقيقة. كما انه لم يفتها أنه ليس مهتماً في معرفة اى شئ عن ماضيها و عن حقيقتها كشخص. لكن هل نظظر إليها يوما كشخص صاحب حقوق؟ أم كشخص يمكنه ان يستغله بسهولة؟
استدارت السيارة و سلكت ممراً يصل إلى مبنى كبير يتميز بحجارته الصفراء و يمتد على اعلى التلة. اضطرت تابى لأن تشد شفتها السفلى لئلاً تفغر فاها في رهبة تثير السخرية لأن ما اسماه فيلا كانت هى لتسميها قصراً. في الباحة المرصوفة امام المدخل الرئيسى التى تزينها اصص حجرية ضخمة من الزهور الرائعة, تطاير الرذاذ من النافورة ليتساقط كحبيبات اشبه بالوان قوس قزح في البركة الدائرية الشكل. و عندما ترجلت من السيارة في ضوء ساعات المغيب الأولى, لفتت انتباهها حركة خفيفة و ظهر طاووس ابيض ناشراً ريشه الزاهى. إنعكس الضوء على الريش المنشور فبدا كمروحة رائعة فضية اللون. توقف الطاووس, رافعاً رأسه و احدى ساقيه, بثقة فائقة على الرغم من انه وحده.
همست تابى فيما السيارة التى تقل امبير و مربيتها فضلاً عن الحراس تتوقف خلف سيارتهما "تُذكرنى بهذا الطائر."
رفع آشرون حاجبه مستفهماً فهزت تابي كتفها محرجة و اضافت "لا تأبه. هل يمكننا ان نتحدث على إنفراد؟"
اجاب من دون ان يظهر اى تعبير على وجهه "طبعاً!"
إنما لم تفتها النظرة العابسة التى رمقها بها حين انتقلت لتتحدث إلى أمبير و مربيتها. و سرعان ما غفت الطفلة الصغيرة, فوججبة اخيرة و ليلة من النوم الهانئ هو ما تحتاجه بعد هذا اليوم الطويل الشاق.
كان بهو الفيلا يخطف الانفاس إذ امتدت الارضية الرخامية اللامعة تحت الأقواس التى تفصل بين قاعات الاستقبال. لم يسبق لتابى ان رأت هذا القدر من تدرجات اللون الابيض المستخدم في الديكور او مكاناً غير عملى بقدر هذا المكان في وجود طفل في الارجاء. و ذكرت نفسها بأنهم لن يقيموا هنا طويلاً بالطبع و بأن امبير لم تبدأ بالحركة بعد مما يعنى ان الطاولات الزجاجية ذات الاطراف الحادة و المنحوتات الملفتة الموضوعة على قواعد صخرية لن تشكل اى خطر عليها.
اعلنت فيما ماليندا تتبع مدبرة المنزل على السلالم الرخامية التى يحيط بها الحديد المشغول "مثير للاعجاب!"
ابلغها آشرون فيما هو يستدير ليبتعد عنها "علىّ ان اجرى بعض المكالمات."
"
يجب ان نتحدث...."
نساء كثيرات قُلن هذه الجملة لـ آشرون على مدى سنوات و تبع ذلك مشاهد درامية و مطالبة بمزيد من الاهتمام وكان يكره ذلك. توتر جسمه, و انغلق وجهه القوى النحيل "ليس الآن.... في وقت لاححق."
"
بل الآن."
هذا ما بادرته به تابى من دون تردد و عيناها البنفسجيتان تلتمعان غضباً فهى لن تسمح له بان يصرفها و كأنها نكرة كما وصفتها كازما. إذا طأطأت رأسها و عاملته كشخص افضل و اعلى منزلة منها فستقتنع هى مع مرور الوقت بأنها نكرة.
سألها آشرون ببرود "ما الأمر ؟"
تعمدت تابى ان تتوجه من البهو نحو القاعة المؤثثة بآرائك بيضاء وثيرة و استدارت ببطء, ثم قالت رافعة ذقنها "هل صحيح ان وصية والدك تشترط عليك ان تتزوج في غضون عام كى تحتفظ بملكية الشركة؟"
توترت ذقنه العنيدة و سألها بحزم "من اين اتيت بهذه القصة؟"
ثم زفر طويلاً قبل ان يضيف "أنها كازما..... أليس كذلك؟"
استجمعت تابى غضبها و عدم تصديقها و قالت "هذا الكلام صححيح إذن؟ لقد اخبرتنى الحقية."
رد آشرون بنبرة حادة و قد بدت عيناه عميقتين باردتين كـ اعماق المحيط "شروط وصية ابى لا تعنيكِ"
لكن تابى لم تكن بمزاج يسمح بإخافتها "كيف تجرؤ على ان تقول هذا في حين ان الزواج ناسب مصالحك بقدر ما ناسب مصالحى؟ ألا تعتقد انى استحق ان اعرف هذا؟"
صر آشرون بأسنانه البيضاء في محاولة منه لضبط اعصابه "ما الفرق الذى يمكن ان يشكله هذا بالنسبة إليك؟"
اجابت تابى بعنف و عيناها البنفسجيتان تقدحان شرراً "سيشكل فرقاً كبيراً! جعلتنى اشعر و كأنك تقدم لىّ معروفاً عظيماً من اجل مصلحة امبير."
قاطعها آشرون ليسأل بنبرة لا يمكن ان تهدئ المشاعر المجروحة "او لم افعل؟"
"
ولا يمكنك ان تتوقف عن التصرف بفظاظة حتى هذه اللحظة!"
هذه النبرة الساخرة و هذه النظرة الفوقية جعلتها تشعر بالغضب و المهانة فتابعت كلامها "نعم يا آشرون, من الفظاظة ان تقاطع غيرك و من الفظاظة اكثر ان تنظر إلىّ و كأنى حشرة على الأرض يمكن ان تدوسها بقدمك! كنت صادقة و صريحة معك إلى اقصى حد فيما خدعتنى انت و محاميك."
ومضت عينا آشرون الذى وجد صعوبة في السيطرة على اعصابه و طباعه "كيف خدعناك؟ نفذت كل ما وعدتك به. تزوجتك, و ساعدتك على تقديم طلب لتبنى أمبير و حرصت على ان يكون مستقبلكما آمنا. كثيرات هن اللواتى يمكن ان يقتلن ليحصلن على نصف ما امنحك إياه!"
اطبقت يديها في قبضة غاضبة. ارادت ان تمطره بالضربات فيما هو يقف هناك ملكاً على ما يحيط به, متعاليا عن المخلوقات العادية و متحصناً من المبادئ الأخلاقية البديهية بثروة و نجاح بالكاد يمكنها تخيلهما. و سارعت تابي تقول دفاعاً عن نفسها "يا لك من متعجرف و كريه! تجعلنى ارغب احيانا في ان اضربك رغم اننى ليست شخصاً عنيفاً! ألا تدرك فعلاً لِمَ انا غاضبة؟ كنت صريحة معك. لم اكذب, لك ادعى و لم اتهرب. اعتقد انى استحق الاحترام نفسه منك."
زم فمه "يبدو ان الأمر لا يتعلق بالاحترام."
"
اهكذا تتعامل مع الجدال عادة؟"
رد آشرون بصراحة "انا لا اتجادل مع الناس."
اجابته على الفور بنبرة حادة تعكس بشدة غيظها "ربما لأن الناس يمضون معظم وقتهم في محاولة إرضائك و في التملق إليك و ليس لأنهم يوافقونك دوما الرأى! انت تتجنب النقاش و ترفض ان تتجاوب مع شعورى الطبيعى بالانزعاج على الرغم من انك تبدو كشخص يحب المواجهات."
اعترف آشرون بإيجاز "لا ارغب في إطالة هذا النقاش, كما لا أرى ان انزعاجك طبيعى. لم اعتد ان ابوح بأسرارى للناس. أنا شخص كتوم و وصية ابى تندرج ضمن خانة الأمور الخاصة و الشخصية."
قالت تابى باستنكار, رافضة ان تترك الموضوع "من حقى ان اعلم ان لا حاجة لىّ لأن اشعر بهذا الامتنان كله و ان اخضع لطلباتك كلها لأن ما تكسبه من هذا الزواج يفوق مكاسبي أنا! استخدمت جهلى كسلاح ضدى!"
صرّح آشرون بصوت خفيض "الوصية مرتبطة بالاعمال ولا تعنيك في شئ."
"
كف عن هذا الهراء. مسألة انك تحتاج لأن تتزوج بقدر حاجتى انا تعنينى ايضاً!"
وحدقت فيه بغضب قبل ان تردف "هذا يغير قواعد اللعبة."
عارضها آشرون حانقاً "ما من قواعد لعبة بالنسبة إلىّ لأن المسائلة ليست لعبة! لقد تزوجتك و ها انت تحاولين ان تستغلى وضعك كزوجة لىّ."
اتسعت عيناها البنفسجيتان دهشة و وضعت يديها الصغيرتين على وركيها, فبدت له كصورة مصغرة من امرأة بذئية تتستعد للقتال, مما جعل شعوره يتراوح بين التسلية و السخط. و شرعت تقول و الحقد يغلى في عروقها "أستغل؟ و كيف استغل؟ بأن اعارضك و لو لمرة واحدة؟ بأن اتجرأ على التعبير عن رأى في القضية؟"
تقدم آشرون منها و وضع يديه عليها و رفعها في الهواء قبل ان تتمكن حتى من كشف نواياه. تركها في الأعلى, عالقة في الفخ. "ليس لديك رأى في القضية يا عزيزتى........."
حملقت فيه تابى التى زاد سلوكه من غضبها و صاحت "سأركلك ان لم تضعنى أرضاً!"
بدلاً من ان ينزلها, قربها آشرون من جسمه الطويل و حرص على ان يقيد ساقيها على غرار يديها. و جذبتها العينان الذهبيتان المظللتان برموش سوداء كثيفة و كأنهما مغنطيس "لن يكون هناك ركل, او ضرب, او كلام بذئ..."
فسألته تابى بصوت خرج كالفحيح من بين اسنانها المطبقة "من قال هذا؟"
"
زوجـــــــــــك."
قطب آشرون و كأن هذه الناحية خطرت له للتو فقط فيما أثار لديه هذا الواقع مزيجاً من التسلية و الغيظ.
بدت و كأنها مجموعة من الألعاب النارية و قد أشعلها للتو.
استعر الغضب في داخلها و قالت "أنت لست زوجى!"
التمعت عينا آشرون تسلية مما ابرز درجات اللون الفاتحة التى لاحظتها فيهما من قبل و اضفى عليه جاذبية خارقة جعلت فمها يجف و سألها
"
من أنا إذن؟"



"جرذ يحمل وثيقة زواج!"
رمقها آشرون بنظرة تعاطف ساخرة و قال "أنا جرذك لأنك علقتِ معى."
صرخت تابى "أنزلنى! و إلا ستندم!"
"
لا, أفضل هذه الوضعية على سماعك تصيحين في وجهى من الناحية الأخرى من الغرفة."
"
لم اكن اصيح!"
كرر آشرون كلامه "كنتِ تصيحين. و انا لا اجادل بهذه الطريقة."
"
لا آبه بطريقتك في الجدال!"
و راح آشرون يفكر بذهن شارد بأن هاتين العينين اللتين يتطاير الشرر منهما, و هذا الفم المغرى المثير حركت كل هرمون من هروموناته و اثارته كمراهق عديم الخبرة. لم يفهم ما يجرى, و لم يأبه لذلك و لم يعتقد انه يحتاج لأن يفهم, لكنه قرّب ذاك الفم الشهى من فمه فجاء طعم شفتيها لذيذاً و غنياً و حلواً و مغوياً كثمار الفراولة الناضجة في يوم صيف حار.
"
لا.... لا......"
حاولت تابى ان تعترض لكن اعتراضها بدا و كأنه موجه لذاتها و ليس إليه.
لم يسبق لأحد ان قبّل تابى كما فعل, بكل هذا الشغق الذى يخفيه خلف قناع بارد و الذى شعرت به في كل مرة تواجدا معاً.
و اعترفت ببساطة بأنه مثير جداً جداً و كأنها تقدم لنفسها عذراً. و عندما رفعها اكثر ليمسك بها بشكل افضل, أفلت يدها. و بدلاً من ان تستعملهما لتفلت من قبضته, و ضعت إحداهما على كتفه و دست أصابع الأخرى في شعره الأسود الكثيف و الناعم. ثم انزلها على شئ ما ناعم و لين.
و على الرغم من ان جرس الإنذار رن في مكان ما من عقل تابى إلا انها ادركت كم تحب الشعور بجسده القوى و المفتول العضلات. في الواقع, كانت كل خلية من خلايا جسمها تنتفض و تهتز بطاقة مكبوتة, فتصلبت و قد انقطعت انفاسها بعد ان اجتاحتها موجة جديدة من الأحاسيس. لم تختبر مثل هذا الشعور بالحاجة قط من قبل, و لم تشعر يوماً بمثل هذا القدر من الإثارة. و فجأة, تعالت اصوات اخرى قضت على هذا التفاعل الجسدى : صوت قرقعة تلاه صوت خطوات تتراجع على عجل.
تساءلت تابى و هى تبتعد عنه لتجد نفسها على الكنبة "يا إلهى, ما كان هذا؟"
و اصيب جسمها بالذعر عندما اصطدمت عيناها بعينيه الغائمتين فدفعته من كتفه و انسلت من تحت ثقل جسمه بسرعة جنونية.
همس آشرون و هو يطبق أصابعه السمراء الطويلة على اصابعها "دعينا نذهب إلى الفراش."
الأمر بسيط و عادى بالنسبة إليه. هذا خطر لها حين تلفظ بجملته الأخيرة و تملكها الغضب لأنها لم تحاول حتى ان تقاومه. ابتعدت عنه إلى الزاوية الأخرى من الكنبة و راحت تملس شعرها الأشقر و تبعده بيدين مرتجفتين عن وجهها الذى بدا احمر قانياً لشدة ما شعرت بالخزى من سلوكها.
"
لا, دعنا لا نفعل..... فهذا سيفسد الأمور."
أعلن آشرون بإصرار "السرير مريح اكثر من الكنبة."
أجابته تابى بإحباط و قد اجفلتها لسعة الأنفصال عن جسمه النحيل القوى "أنا لا اتحدث عن المكان بل ارفض الفكرة و اقول إننا لن نفعل هذا."
يستحيل ان تكون امرأة اخرىفى لائحة آشرون الطويلة للنساء اللواتى يسهل الحصول عليهن, مجرد جسد انثى لتحقيق رغبة رجل لم يعتد ان يعيش من دون جنس.
و فجأة بفضل الدرس الذى تعلمته الآن من آشرون, ادركت لِمَ لا تزال عذراء حتى الساعة. لم يجذبها اى رجل آخر بما يكفى لتُسقط دفاعاتها. هذا كل ما سيجمعهما, جنس واضح و صريح, و ليس علاقة تتوق إليها امرأة حساسة, و هى حساسة جداً أليس كذلك؟ ألم تكن كذلك؟ و ازعجها فعلا ان تستمر في تقدير وسامة ملامح وجه آشرون الأسمر الرجولية وجسده القوى و الطويل حتى فيما هى تفكر و تعيد تحصين دفاعاتها مجدداً.
زفر آشروون بشئ من الغضب قبل ان يقول "أن ترغبين فىّ و انا أرغب فيكِ."
فعلقت تابى بصوت مرتجف و بنفس مقطوع و هى تتذكر عناقهما الحار و الحاجة القاهرة التى اثارها فيها "هذا غريب, أليس كذلك؟ اعنى, نحن لا نتصرف بشكل حضارى حتى مع بعضنا البعض."
و كبحت الذكرى قبل ان تقف و تملس ثوبها بعناية.
عندئذٍ قال آشرون بصوت اجش و هو ينتصب واقفاً برشاقة طبيعية
"
لكنك تثيريننى."
اشاحت تابى بنظرها عنه وعلقت "دعنا لا نتحدث في هذا... أنا و أنت؟ إنها فكرة سيئة جداً. ما يجمعنا اشبه بما يجمع القط و الفأر."
ثم تابعت تقول و هى تتراجع بتصميم نحو البهو "أود ان ارى غرفتى."
تطوع آشرون بضحكة لا مبالاة "سأرافقك فقد اخفنا الموظفين. اعتقد ان الأصوات التى سمعناها هى صوت احدهم و هو يحضر لنا القهوة و قد رآنا في ذلك الوضع."
قاطعته تابى بصوت حاد, متمنية لو يغير الموضوع "نعم, اتخيل ما رآه."
اجاب آشرون بلا مبالاة, رافضاً ان يطاوعها فيما هو يقودها إلى اعلى "حسن, هذا شخص سيقتنع بأننا فعلاً عريسان في شهر العسل."
ذكرته بعناد "لكننا ليس كذلك."
ردت هازئة "ستجعلنى عجينة طيعة لو كنت كذلك. ما زلت غاضبة منك يا آشرون فقد استغليت جهلى."
فأشار آشرن بنبرة هادئة لا تحمل اى أثر للاعتذار "أنا ذكر حتى العظم و انا مبرمج منذ الولادة على الاستغلال. لكنك من دفعنى إلى هذا فيما لم اكن اتوقع ذلك."
و فتح باباً مزدوجاً عند آخر الرواق يؤدى إلى بهو به بابان, قائلان و هو يفتح الباب الأول "هذه غرفتى."
و من ثم فتح الباب الآخر قبل ان يضيف "وهذه غرفتك...."
عضت تابى شفتها السفلى قبل ان تسأل "هل علينا ان نكون قريبين إلى هذا الحد؟"
همس آشرون بنبرة ناعمة كـ الحرير "أنا لا اسير اثناء النوم إنما مرحباً بك إن اخترتى ان تزورينى."
"
لن افعل هذا."
دخلت تابى إلى الغرفة الكبيرة و راحت تتأمل الجناح لتنتقل بعدها إلى غرفة الملابس حيث فتحت الخزانة و وقفت مقطبة تتأمل الملابس المعلقة فيها.
"
هل نسيت آخر صديقة لك أن تأخذ ملابسها معها؟"
"
هذه الملابس لك. أنا طلبتها. ستحتاجين إلى ملابس صيفية هنا."
أرجعت تابى رأسها إلى الخلف لتتأمل بعينين بنفسجيتين مرتعشتين "أنا لست دمية تختار لها الملابس و تلبسها."
"
أنت تعلمين ان كل ما ارغب فيه هو ان اخلع ملابسك عنك."
احمرت وجنتى تابى مجدداً و زمت شفتيها فيما تابع آشرون معلقاً بتسلية مفاجئة "أنت تحمرين كالنار المضرمة."
و ابتعد عنها ليفتح باباً آخر في الناحية المقابلة من الغرفة, باب يفضى على ما يبدو إلى جناحه الخاص.
فكرت تابى في ان تقفل الباب لكنها عدلت عن رأيها إذ ان مثل هذا التصرف مثير للشفقة. و لعل المفاجئ هو انها تثق فيه من هذه الناحية ولا تخشي من ان يحاول أخذ ما ليست مستعدة لتقديمه. إذا استطاعت ان تقاوم سحره جاذبيته فهى واثقة من أنه سيقاوم جاذبيتها بدوره و يبحث عن امرأة أخرى أكثر خبرة و مرحاً مناه. إلا انها لم تحب لسوء الحظ فكرة وجوده مع امرأة أخرى و وبخت نفسها على هذا لأنها كانت تعلم انها لا تستطيع ان تمنعه من الاقتراب منها و من الخروج مع امرأة اخرى في الوقت عينه. إما ان يكونا معاً و إما ألا يكونا, ما من حلول وسط او انصاف حلول.
نزع آشرون ملابسه ليستحم. كان لا يزال يشعر بالإثارة الشديدة و تساءل متى كانت آخر مرة رفضته فيها امرأة. لم يستطيع ان يتذكر و بقى قرار تابي و تصميمها يعتملان في صدره, وراح يفكر في ان هذا التحذير بأن يتجنبها اتى في الوقت المناسب.
لكنه لوى فمه و هو يشعر بالرغبة في ان يحلم بجسدها الصغير و هو يلتف حوله. إن كانت تُعلق هذا القدر من الأهمية على العلاقة الجنسية فهو لا يريد بالتأكيد ان يتورط.
نقبت تابى في ملابسها الجديدة التى اشتراها لها من دون ان يعلمها. و اختارت ثوباً طويلاً من قماش قطنى, بدا لها جميلاً لكن اهم ما يميزه هو انه يغطى كل ما يمكن ان يجده الرجل مثيراً. إذا بقى يديه بعيدتين عنها فستفعل مثله, و عضت شفتها السفلى بأسنانها. لن يحدث شئ بينهما مجدداً, لا شئ. يمكنها ان تتعامل معه و ان تواجهه, يمكنها هذا. لعل ثري و وسيم جداً و ذو خبرة في التعامل مع النساء لكنها لطالما كانت قادرة على حماية نفسها بشكل غريزى.
مدعمة بهذه الفكرة, اغتسلت تابى و بدلت ملابسها ثم خرجت لتبحث عن الجناح الذى خُصص لـ امبير و مدبرتها.


نهاية الفصل الخامس

قراءة ممتعة



Just Faith 17-01-17 09:30 AM


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 17-01-17 09:32 AM


7 -في عالم الواقع






هذا الهجوم المفاجئ جعل آشرون يتصلب و يميل رأسه المتعجرف إلى الخلف فيما التمعت عيناه بعدم فهم غاضب حتى و إن لفت انتباهه كم تبدو تابى جميلة و قد خرجت لتوها من سريره, بشعرها الأشقر الطويل المتموج و المشعث عند كتفيها, و وجهها المحمر و فمها الزهرى المثير. و على الرغم من انه كافح ليصفى ذهنه و يفكر بوضوح إلا ان رد فعله على هذا المشهد و هذه الافكار جاء فورياً و جسدياً بامتياز.
"
ما الذى تتحدثين عنه بحق الجحيم؟"
اجابت تابي بنبرة إدانه "ما ان ارضيت رغبتك حتى غادرت السرير و تركتنى وحدى كما لو انى اعانى من مرض معدٍ. و هذه تجربة لن ارغب في تكرارها.... جعلتنى اشعر و كأنى *****!"
قال آشرون بسخرية "هذا هراء درامى!"
"
لا, لا اظنه كذلك. لم تتكبد عناء اخذى بين ذراعيك لثلاثين ثانية حتى."
و تابعت تقول بعناد "حسناً, اعتقد انه من المؤسف ان تكون الطريقة الوحيدة في لمس الآخر التى تُشعرك بالراحة هى الجنس."
أظلق آشرون شتيمة باللغة اليونانية قبل ان يرد "انت لا تعرفينى بقدر ما تظنين. لكنى حذرتك من انى لا اجيد العناق و الاحتضان."
سألته تابى بعينين بنفسجيتين جريئتين طغتا على وجهها الأحمر الغاضب "أتعتقد ان هذا العذر مقبول؟ لا, ليس مقبولاً. هذا يُظهر انك انانى و لا تفكر في الغير و انا استحق افضل من هذا."
رد آشرون من بين اسنانه المطبقة "انا لا امثل و لا ادعى العاطفة تجاه شخص ما لمجرد ان هذا هو السلوك المقبول. كما انى لم اعتد هذا. سأشعر بأننى احمق و غير مرتاح!"



اعترفت تابى بان هذا الكلام هو اكثر كلام صادق و صحيح قاله لها, و صدمتها الصراحة في رده الغاضب. إن اعترافه بالجهل و عدم الراحة اعتصرا قلبها كقبضة مشدودة. و من دون ان تفكر في ما تفعله, قطعت المسافة التى تفصلهما, و اجتاحت عن عمد مساحته الشخصية لتضع يديها حول عنقه و تنظر في عينيه قبل ان تدعوه بهدوء "تدرب علىّ. انا تمرنت مع امبير. لم اكن من الاشخاص الذين يحبون اللمس و المداعبة قبل ان احملها للمرة الأولى."
ابتلع آشرون ريقه بصعوبة, إذ علم انها تقاربه ببراءة و انها لا تدرك ان قربها منه اثاره اكثر و اكثر. لم يشأ ان يحضنها و كأنها صديقته. لكنه ادرك ان هذا الخيار ليس متاحاً في هذه اللحظة فاطبق ذراعيه حولها ببطء و رفعها إلى الناحية الاخرى من الحمام الكبير.
"
ما كان عليك ان ترتدى ملابسك."
اقرت تابى بصراحة "افترضت اننا انتهينا."
انحنى آشرون و رفع طرف ثوبها لينزعه من فوق رأسها. جمدت تابى مكانها للحظات بعد ان فاجأها تصرفه, و شبكت ذراعيها على صدرها العارى.
"
ما الذى تفعله؟"
رفعها آشرون مجدداً عن الارض و هى تكمل "جئت إلى هنا و حضرت لىّ حوض الاستحمام؟"
و احمر وجهها و غرقت اكثر في المياه الدافئة, مريحية رأسها على الحافة.
سمعت فرقعة بسيطة حين فتح آشرون زجاجة شراب و سكب السائل الذهبى الفوار في كأسين.
استفهمت بصوت ضعيف "من اين اتت هذه؟ و الشموع؟"
رد آشرون "شهر عسل و ليلة زفاف؟ اعد العاملون لدى العدة الكاملة في غرفة النوم.... من المؤسف ان لا نستفيد منها."
انحنى على طرف الحوض ليقدم لها الكأس فقالت بتصلب "لا شكراً. فانا لا اشرب."
دفعه آشرون إليها قائلاً "كأس واحدة لن تؤذيك إلا إذا كنت تعانين من مشكلة مع الكحول."
توترت اصابعها حول الكأس و هى تجيبه "لا, ليس لدى مشكلة خلافاً لوالدىّ."
"
هذا لا يعنى ان عليك تجنب شرب الكحول كلياً."
اقرت تابى و هى ترتشف القليل "اقضل ان ابقى في الأمان."
"
أنا لا احب المخاطرة و استمتع بالإثارة."
اعتقد انى كنت لاكتشف هذا بنفسي."
زم آشرون فمه و اختفى عينيه خلف رموشه السوداء و قال "لم ابق في السرير معك لأنى لم أشأ ان تتوقعى اى شئ غير واقعى في علاقتنا."
استوعبت على الفور ما يعنيه إنما تمنت لو لم تفعل إذ شعرت بالم صغير في مكان ما في اعماقها. و قالت له تابى بكبرياء "لعلى افتقر إلى الخبرة لكنى لست غبية."
اعترف آشرون بعبوس "و انا لا اجيد استخدام الكلام إذا ما لاحظت هذا. تابى, انا لا اتبادل مثل هذه الاحاديث مع النساء و لم التق يوما امرأة مثلك."
عندئذٍ سألته تابى بصوت ضعيف "هل مازالنا نتحدث هنا عن واقع اننى عذراء؟"
"
انا معتاد على نساء يعرفن حقائق الأمور."
اخذت تابى نفس عميق, و رمقته بنظرة فيما انقبض صدرها و هى تجيب "انا اعرفها ايضاً. انا شخصية عملية جداً."
تأمل آشرون وجهها الرفيع و قبضة يديها الصغيرتين على ركبتيها المرفوعتين و قرأ الموقف الدفاعى الشجاع الذى تستخدمه كواجهة لتحمى نفسها و انقبضت معدتها حين خطرت له امكانية ان يؤذيها. لم يسبق له ان اختبر مثل هذا الشعور مع امرأة اخرى, و لم يعجبه الأمر. لعلها ضعيفة لكنها اختارت بملء ارادتها تماماً كما فعل هو, و هما شخصان راشدان كما ذكر نفسه و هو يستقيم في وقفته.
و في هذه اللحظة بالذات, استقامت تابى في جلستها بشكل مفاجئ و وضعت الكأس من يدها قائلة "يا إلهى! ما الذى افعله هنا؟ لا يمكننى البقاء! إن جهاز مراقبة الطفلة في غرفتى."
"
لا تقلقى. ستهتم ماليندا بـ أمبير و متطلباتها. استرخى."
"
لا يمكننا ان نتوقع من ماليندا ان تعمل على مدى النهار و الليل. قلت لها إنى سأعتنى بـ امبير ليلاً."
ركعت على ركبتيها و قد تغلب قلقها على امبير على خجلها و شرعت بالوقوف مضيفة "اعطنى منشفة."
امرها آشرون بعد ان اطبقت يده على كتفها ليعيدها إلى المياه الدافئة "لأا, ابقى حيث انت. سأحضر الجهاز و اطمئن على امبير ايضاً."
اتسعت عيناها البنفسجيتان دهشة "أنت؟"
عاد آشرون إلى غرفة نومه ليرتدى سروالاً من الجنيز ثم اعاد المنشفة إلى الحمام و هو يجيب "لِمَ لا؟ علمتينى من قبل كيف اتعامل معها إن كانت تبكى."
فعلقت تابى "لم اتوقع منك ان تساعد. فهذا عملى و ليس عملك في نهاية الأمر."
"
اتفاقنا ليس محدداً بهذا القدر. إنه مشروع مشترك فأنا احتاج زوجة و انت تحتاجين ابا لتتبنى الطفلة."
استندت تابى إلى الخلف في الماء الدافئ فيما هى لا تزال تشعر بأنها مشوشة بسبب سلوك آشرون. لقد اساءت فهمه عندما ادانته لأنه تخلى عنها على الفور . إنما, هل العلاقة الجنسية جعلته في مزاج حسن؟ هل يمكن للرجل ان يكون بدائياً إلى هذا الحد؟ لقد فكر في حاجاتها, فحضر لها حوض الاستحمام قبل ان يستحم هو. و ها قد خرج ليطمئن على امبير كما لو ان الطفلة اكثر من متاع اضافى كما افترضت انه ينظر إليها. إنما, و في الوقت عينه, شعر بالحاجة لأن يوصل لها تلك الرسالة التى مفادها ان ما يجمعهما هو الجنس فقط. كما لو انها لا تعلم هذا!
آشرون رجل يحب النساء و يسحرهن, شرط ان يبقى بعيداً عن التورط و الالتزام. و لِمَ لا يكون كذلك؟ إنه رجل شاب, وسيم و ثرى و هو مطلوب جداً في عالم النساء و لا حاجة له لأن يستقر مع واحدة فقط. كما ان آشرون يعانى من بعض المشاكل, لكن من ليس لديه مشاكل بعد الطفولة التى عاشاها؟ و كبحت تابى رعشة تملكتها بعد ان عاودتها الذكريات. لعله تعلم تماماً كما تعلمت هى إن إبقاء الاخرين على مسافة يقيك من الآذى.
إلا ان تابى انتقلت من مرحلة حماية النفس عندما فتحت قلبها للصداقة اولاً مع صونيا و من ثم لـ امبير و فهمت في نهاية الامر ان الحياة تصبح اكثر دفئاً و حلاوة إذا امتلأت حباً و وفاءاً. تعلم جيداً انها فقدت عملها و اول بيت لها لأنها اختارت ان تعتنى شخصياً بـ صونيا و امبير لكنها لا تشعر بالندم بسبب خياراتها.
تذكرت ان امبير هى مسؤوليتها الوحيدة الآن فتساءلت عما تفعله و هى مستلقية في حوض الأستحمام الفخم, في حين ان الطفلة التى تحب قد تكون في حاجة إليها. و سرعان ما وقفت و خرجت من الحوض ثم لفت نفسها بمنشفة كبيرة و جففت جسمها سريعاً قبل ان تعود و ترتدى ثوبها مجدداً. حان الوقت كى تعود إلى عالم الواقع, و التكاسل في حمام آشرون بعيداً كل البعد عن "عالم الواقع"
تأوهـ آشرون حين سمع الطفلة تبكى عبر الجهاز البلاستيكى الصغير على طاولة الزينة. و لاحظ فيما هو يتأمله ان ثمة كلمات مكتوبة على المرآة.
كتب احدهما بقلم احمر اللون

"
عودى إلى منزلك ايتها ال*****!"
لم يتردد آشرون المذهول و الذى لا تزال اعصابه متوترة بسبب بكاء الطفلة سوى لحظة واحدة قبل ان يتوجه بخطى واسعة نحو الحمام حيث اخذ منشفة و بللها بالماء البارد ثم عاد إلى الغرفة ليمسح هذه الكلمات قبل ان ترأها تابى. توقف للحظات و راح يفكر في واقع ان ما من احد سوى العاملين يمكنه الوصول إلى غرف النوم, و يبدو ان احدعم غير جدير بالثقة. إنما, لِمَ سيترك احدهم مثل هذه الرسالة لـ تابى؟ إنها زوجته, زوجته الشرعية و يحق لها ان تتواجد في هذا المنزل. من يمكن ان يستهدف تابى؟ التوى فمه الوسيم : كازما هى المشتبه به الأول. استعر الغضب داخل صدر آشرون فيما هو يُخرج هاتفه الخلوى ليتصل برئيس الأمن لديه و يُطلعه على ما حدث. و لم تكن اعصابه قد هدأت بعدحين اتجه نحو غرفة الطفلةليعتنى بها. و قال لنفسه إنها مجرد طفلة و يمكنه ان يتعامل معها من دون ان يحتاج لاى مساعدة.
وجد أمبير جالسة في السرير, تصرخ باعلى صوتها و قد احمر وجهها ليصبح كنار ملتهبة. وقف آشرون على بُعد خطوات من السرير قائلاً للطفلة فيما امل ان تكون نبرته مهدئة "لابأس! لا بأس!"
رفعت أمبير ذراعها نحوه و كأنها تتوقع منه ان يحملها.
فسأل آشرون بتوتر "هل علىّ ان اقترب إلى هذا الحد؟ انا هنا, و انت بأمان. اؤكد لك ان ما من سوء قد يصيبك."
حدقت أمبير فيه بعينين بنيتين واسعتين و الدموع تنهمر على وجهها المتغضن و رفعت ذراعيها مجدداً في طلب صريح و واضح.
أطلق آشرون زفيراً بطيئاً و دنا منها اكثر لكنه حذرها بفظاظة "انا لا اجيد مسألة الاحتضان و الملاطفة هذه."
و انحنى ليرفع الطفلة التى اذهلته حين لفت ذراعيها على عنقه و تعلقت به بقوة كـ قرد يتعلق بغضن شجرة.
تناهت إليه تنهيدة تعب, فوضع كف يده الكبير على ظهر الطفلة و راح يحرك انامله في حركة دائرية تهدف إلى تسكين مخاوفها. و عاودته ذكرى مبهمة لوجه امرأة مما جعله يجمد مكانه للحظات. لم يتذكر كم كان عمره حينذاك لكنه كان صغيراً جداً بالتأكيد حين جاءت تلك المرأة إلى غرفته في الليل لتطمئنه, فحملته بين ذراعيها و هدهدته و غنت له حتى توقف عن البكاء.
هل هى اولمبيا, جدة امبير و المرأة التى تولت سابقاً رعاية امه؟
من يمكن ان يكون سواها؟ وحدها اولمبيا ابدت اهتماماً لأمره و لم تعامله كمصدر إزعاج و شئ بغيض يشكل جزء من عمل ذى اجر جيد.
"
أنا ادين لكِ."
هذا ما قاله لطفلة و هو يحاول ترتيب وضعيتها بين ذراعيه ثم راح يهدهدهاكابحا ذكريات الماضى النادرة و الانزعاج العميق الذى يترافق معها دوماً. و اردف قائلاً "لكنى لا استطيع ان اغنى حتى لكِ."
اذهلته امبير حين خصته بابتسامة عريضة اظهرت سنيّها الأماميين فبادلها الابتسام قبل ان يُدرك حتى ما يفعله.
و هكذا رأتهما تابى حين توقفت عند الباب : نزلت خصلة شعر سوداء على حاجبه, و تسمرت عيناه الداكنتان على امبير فيما افتر ثغره المغرى عن اعرض واجمل ابتسامة. بدا وسيماً بشكل مفرط و انسانى بشكل غير طبيعى و هو يقف هناك حافى القدمين و عارى الصدر و قد اكتفى بارتداء سروال من الجينز. علقت انفاسها في حلقها و جف فمها لأن تلك الابتسامة كانت قاتلة.
همست بصوت خافت "دعنى احملها عنك. ساعيدها إلى سريرها."
اعلن آش متفاخراً بما انجزه و هو يضع الطفلة بين ذراعيها "كنا نتدبر امورنا جيداً يبدو انها ليست صعبة الارضاء."
اعترفت تابى و هى تضع الطفلة في الفراش "حسناً, انت مخطئ في هذا. يمكنها ان تكون متطلبة للغاية كما يمكنها ان تكون صعبة الارضاء مع بعض الاشخاص."
و اضافت موجهة كلامها للطفلة "إنه وقت النوم يا عزيزتى. و نحن لا نلعب في موعد النوم."
قال آشرون حين انضمت إليه في الممر "سأرتب الامور و اجد من يهتم بها ليلاً."
"
لا حاجة لذلك."
"
يمكنك دوماً ان تتفقديها إذا اردت إنما لا يجوز ان تتركى سريرك كل ليلة لتهتم بها.
ذكرته تابى بلطف "مازلت المرأة التى تريد ان تصبح امها. من واجبى ان ابقى حاضرة لـ ألبى حاجاتها. لا اريد ان يعتنى بها اشخاص آخرون طيلة الوقت."
"
تعقّلى."
و توقف آشرون امام البابين اللذين يؤديان إلى غرفتيهما المنفصلتين قبل ان يضيف "هل ستنضمين إلىّ لما تبقى من هذه الليلة؟
السهولة التى طرح بها سؤاله هذا اربكت تابى لأنها افترضت ان سيفقد اهتمامه بها بعد ان يرضى فضوله. مقاربته هذه افرحتها و ازعجتها في آن واحد فهكست بتردد فيما يدها مطبقة على قبضة باب غرفة نومها "إذا انضممت إليك فلا بد من وجود قواعد."
رد آشرون متسائلاً "قواعد؟ هل هذه مزحة منك؟"
عارضته تابى بنعومة "لا, فانا نادراً ما امزح في المسائل الجادة. إذا اردت ان تسمع القواعدد فاسألنى."
اجاب آشرون من بين اسنانه المطبقة "انا لا اخضع لقواعد. لعلك لم تنتبهى لكنى لست طفلاً اساء التصرف!"
اقفلت تابى الباب بهدوء في وجهه.







كانت قد ارتدت احد اثواب النوم الجديدة قبل ان يُفتح الباب مجدداً. فاندست على عجل تحت الغطاء و التفتت إليه متسائلة.
سألها آشرون بحدة و هو يضع يديه على وركيه في وضعية ابرزت صدره المفتول العضلات "ما هى هذه القواعد اللعينة؟"
"
اولاً اى علاقة بيننا يجب ان تكون حصرية و إذا اردت ان تقيم علاقات اخرى فعليك ان تخبرنى لننهى علاقتنا بشكل لائق. ما من اسرار, و ما من لعب من خلف ظهرى."
راقبها آشرون بعينين واسعتين عكستا عدم تصديقه لما يسمعه و قال "لا اصدق ما اسمعه!"
تابعت تابى كلامها و كأن الأمر لا يعنيها "ثانياً, عليك ان تعاملنى باحترام طيلة الوقت. إذا ازعجتك فعلينا ان نناقش الأمر إنما ليس في حضور امبير."
اخذ آشرون نفساً عميقاً و راح يتأملها بعينين مضطربتين "انت مجنونة.... و قد تزوّجتك!"
ارجفت تابى بثبات على الرغم من ان وجهها اصبح احمر اللون و اشتدت قبضتيها إلى جانبيها "ثالثا, انا لست لعبه تختارها ثم تضعها جانباً حينما يحلو لك. انا لست هنا لتسليتك حين تشعر بالملل. إذا احسنت معاملتىفسأعاملك بشكل جيد انا ايضاً, و لكن إن لم تفعل.... حسناً, فستتغير الرهانات كلها."
همس آشرون بغيظ "اذهبى إلى الجحيم و احملى قواعدك الثمينة معك."
لم تتنفس تابى مجدداً حتى صفق الباب خلفه. عندئذٍ, استندت إلى الخلف في سريرها, و هى تشعر و كأن جسمها حجر ثقيل رُمى من علو, و كأن معدتها مركب تتقاذفه الأمواج في ليلة عاصفة. حسناً, أنها طريقة للتخلص من آشرون من دون ان تفقد ماء وجهها, طريقة لتضمن ان ينظر إليها كند له. مال الذى كان بإمكانها ان تقوله خلاف ذلك؟ فالتورط في علاقة لا ضوابط فيها ليس اسلوبها في العيش و رجل متقلب مثله لن يكون سوى وصفة مؤكدة للوصول إلى كارثة. إنما, بعد ان عرف الرجل المتحرر, ساحر النساء, انها ستكون متطلبة جدا فسيحرص على ان يتجنبها من الآن و صاعداً.
و اى نوع من الحمقى هى كى تشعر بالحزن لهذه الفكرة؟
ستتغلب عن افكارها السخيفة عنه...... نعم, ستفعل لأن ما من خيار آخر امامها. ما تريده هى يختلف عما يريده هو, و من الأفضل بالتالى ان تنهى العلاقة قبل ان تسوء الأمور و تصبح مؤلمة و مهينة. هذا افضل بكثير.....
في منتصف الليل, ترك آشرون سريره و اتجه إلى الحمام ليأخذ حماماً بارداً. لن تهدأ إثارته كما انه ما زال يشعر بغضب شديد. قواعد, قواعد لغينة. هل عاد فجأة إلى مقاعد الدراسة؟ مع من تظن انها تتعامل. و لعل السؤال الأهم هو ما الذى تظن انها تتعامل معه؟ هل افترضت انها دخلت ذاك الفراش و بالتالى اشتركت في اللعبة كلها؟ يكفى ان تعطى المرأة مفهوما بسيط بسيط كـ الجنس لتعقده!
إلا انه كان غاضباً من نفسه بقدر غضبه منها. خطر له ان براءتها ستفضى إلى مشاكل و علم انه كان عليه ان يصغى إلى هواجسه و شكوكه. إنما, و كما لن يتوقف تدفق الدم في جسمه المتوتر و المتألم, بدا ان رغبته فيها لن تضعف. اراد ان يعرف كيف يمكن ان تكون و اكتشف ذلك و لعل الاسوأ هو انها مذهلة. و ماان توقف حتى رغب في معاودة الكرة..... مجدداً. و صر اسنانه البيضاء بقوة.
قالت تابى في اليوم التالى فيما امبير تلوح بمعلقتها في الهواء متجاوبة بفرح مع كلام تابي المحبب الدافئ "إذن, من هى اجمل طفلة في العالم؟"
كبح آشرون تنهيدة و جلس في كرسي إلى طاولة الطعام الموضوعة على الشرفة. الكلام إلى اطفال عند الفطور , هذا أمر آخر لا يروق له أدخلته إلى حياته. و خطر له بنفاد صبر ان ما يحبه في الصباح هو ممارسة الجنس و الصمت و بما انه لم يحصل على الاثنين فلا يتوقع منه احد ان يكون مزاجه جيد. و لم تساعده رؤية تابى في قميص احمر مخطط و سروال قصير يكشف عن الكثير من بشرتها البيضاء, حتى ان رؤية ذاك الوشم على ذراعها فيما هى تجلس في كرسيها فشلت في إطفاء نبض الرغبة المتسارع.
حاولت تابى ان تتأمل آشرون بشكل غير مباشر, فراحت ترمقه بنظرات من طرف عينيها بين الحين و الآخر لتعود و تشيح بنظرها سريعاً. بدا وسيما جداً, إنها لخطيئة ان يكون الرجل على هذا القدر من الوسامة التى تجعل عدم النظر إليه بمثابة تحدٍ. لم تستطيع سوى ان تُقدّر هذا الجسم الطويل, الممشوق و القوى, الذى بدا كتحفة فنية منحوتة بيدين ماهرتين. التمعت اشعة الشمس على خصلات شعره المجعدة فودت لو تنرر اصابعها بينها و لو تلامس ذقنه المصقول حتى توقظ تلك الابتسامة الرائعة مجدداً. هذه الافكار الخائنة جعلتها تضطرب فاشاحت برأسها بعيداً في محاولة منها لمقاومة الاغراء.
مدت امبير ذراعيها باتجاه آشرون و انحنت نحوه, فقال لها "ليس الآن عزيزتى. تناولى فطورك اولاً."
هذا اعتراف بوجود امبير إنما ليس بوجودها. لم تكن في الليلة الماضية سوى جسد إنما يبدو انها غير مرئية هذا الصباح.
قالت بتهذيب "صباح الخير يا آشرون."
همس بصوت ناعم كـ الحرير و قد لاحظ لمعان عينيها البنفسجيتين الرائعتين حين رفعت نظرها إليه "صباح الخير. هل نمتِ جيداً؟"
رجت تابى كاذبة "نعم, نمت نوماً عميقاً."
و تساءلت لِمَ ايقظ فيها هذه الناحية التى ما ظنت يوماً انها تمتلكها.
سكبت القهوة فداعبت الرائحة الذاكية انفها مما ذكرها لسبب ما بـ صونيا التى اضحت حساسة لبعض الروائح حين حملت بـ أمبير. هذه الفكرة اثارت الذعر في نفسها فسألت بفظاظة "الليلة الماضية....."
و صمتت تنتظر انسحاب الخادمة و قد احمر وجهها و تسارعت دقات قلبها
"
هل استعملت واقياً؟"
جاء رد فعله لا مبالياً على هذا السؤال الحميم, و قال و السخرية تتراقص في عينيه "اتظنين اننى غبى بما يكفى لاهمال مثل هذا الأمر الوقائى؟"
فاعترفت تابى بصراحة "اظن ان الانسان في حرارة اللحظة, و إذا رغب في شئ ما فقد يخاطر."
رفع آشرون حاجبه و اشار برأسه ناحية امبير معلناً "لي إذد ادى ذلك إلى اكتساب واحد من هؤلاء. الشغف لا يتحكم بىّ."
"
او بىّ انا."
و طال الصمت المتوتر حول المائدة حتى دخلت المربية و رفعت امبير من كرسيها لتعيدها إلى غرفتها حيث من المفترض ان تأخذ حمامها.
آخذ آشرون نفساً عميقاً من الهواء الذى اضفت اشعة الشمس الدفء عليه, مدركاً ان عليه ان يتحدى مفاهيم تابى الخاطئة من اجل السلام و التفاهم بينهما. سألها و هو يهز كتفه في حركة عدم اكتراث "قواعدك؟ قواعدى؟ لم اتورط يوما مع نساء دبقات و فقيرات."
نزل هذا التصريح على تابى من العدم كحجر رُمى على زجاج و شعرت برأسها يدور و بعينيها تتسعان "هل تنعتنى بالدبقة و الفقيرة؟"
"
ما رأيك؟"
هبت تابى من كرسيها التى وقعت و ارتطمت بالارض مُحدثة ضجة فيما وضعت يدها على الطاولة لتستند إليها. تملكها غضب شديد فصاحت به "كيف تجرؤ؟ لم اكن يوماً دبقة و لم احتاج يوماً إلى رجل!"
و رغم ذلك, كانت خطوتك الأولى هى محاولة تقيدى بقواعد. تريدين ضمانات و وعود بشأن مستقبل لا نعرفه كلانا. انا لا املك كرة بلورية."
بادرته تابى قائلة بشراسة "لا احب طريقة تصرفك!"
"
لكنك لا تعرفين شئ عنى. لم اهتم لسنوات سوى بعملى و لا اترك امرأة من دون ان اُعلمها حين افقد اهتمامى بها."
و وقف ليشرف عليها و يتأملها بعينين قاسيتين و لامعتين قبل ان يضيف "لا يحق لكِ ان تتهمينى بالكذب و عدم الاخلاص انطلاقاً من افتراضات لديكِ بشأن طباعى."
صاحت به تابى بنبرة اتهام رافضة ان تعترف بأنه محق نوعاً ما "يا لك من متكلم..... ما كنت لأثق بكلمة واحدة تخرج من بين شفتيك!طط
اجابها آشرون بصوت كالفحيح "و الآن, من ذا الذى يطلق احكاماً مسبقة؟ ما الذى يزعجك أكثر فىّ؟ ثقافتى ام ثروتى ام اسلوب حياتى؟"
الشعور الغامر بالغيظ جعل جعل تابى تجمد مكانها و قد احمر وجهها لكن فمها الزهرى الناعم, لالممتلئ و المثير هو ما لفت انتباه آشرون
"
ما يزعجنى فيك هو انك تعرف افضل من غيرك عن كل شئ!"
"
اعلم اننا نقيضان و ان هذا الترتيب بيننا سينجح بشكل افضل لو التزمنا بالاتفاق الأولى."
انقلبت احشاء تابى كما لو انها نزلت في مصعد سريع جداً, و اشتدت كل عضلة من عضلات جسمها إلى حد آلمها و قالت "كان عليك ان تُبقى يديك بعيدتين عنى!"
رمقها آشرون بنظرة تقويم من عينيه اللامعتين و لوى فمه بابتسامة ساخرة قبل ان يقول "من المؤسف اننى لم استطيع....."
بعد هذا الاعتراف الأخير, عاد آشرون إلى جو الفيللا المبرد بفضل اجهزة التكييف و تركها وحدها لتتأمل المنظر الرائع.
امتدت تلال توسكانيا امامها في خليط رائع ملون من الغابات و بساتين الزيتون و كروم العنب. اخذت نفساً عميقاً مرتجفاً فملأ الهواء الحار رئتيها. انه يريد ان يعودا إلى شروط ذاك الاتفاق الأفلاطونى الذى ظنت انها تريده. إذن, لِمَ تشعر كأنها خسرت المعركة على الرغم من انها حققت هدفها؟ في الواقع, شعرت تابى بالألم و الهجر بدلاً من ان تشعر بالراحة و بالامان.


نهاية الفصل السابع

قراءة ممتعة

Just Faith 17-01-17 09:38 AM

8 -زوجى! زوجتى!




دحرجت تابى الكرة الطرية باتجاه امبير التى جلست في ظل شجرة سنديان قديمة وارفة تدحرجت امبير إلى طرف البساط و في عينيها اللامعتين نظرة مرح لرؤية مساحة الحرية الخضراء الواسعة التى تمتد امامها.
اندهشت تابى للسرعة التى تعلمت بها الطفلة الصغيرة كيف تتحرك بحرية. إنها تتطور بسرعة بالنسبة إلى طفلى الكاد تجاوز عمرها السبعة اشهر لكنها طالما كانت قوية البنية و لطالما كان نموها طبيعياً, و لم تتفاجأ تابي كثيراً لأن امبير اكتشفت بشكل سابق لاوانه كيف تتحرك من دون مساعدة اى شخص راشد.
و فيما هى تراقبها, اقتلعت الطفلة القليل من العشب و حاولت وضعه في فمها
"
لا..... لا."
وصلت ماليندا في هذه اللحظة بالذات لتعرض عليها ان تأخذ استراحة.
اعترفت تابى بحزن "نعم, و على الرحب و السعة. لا امانع إذا ما حصلت على استراحة لاستفيد من اشعة الشمس و اقرأ. لم يعد من السهل السيطرة عليها."
فقالت المربية الشقراء بنعومة "يمكننا ان نتعامل مع هذه المسألة. سأضعها في العربة لنقوم بنزهة معاً. المكان هنا رائع و قد احببته."
رمقت تابى المرأة الشابة بنظرة تساءل لما تجد صعوبة في ان تحبها و تملكها شعور بالذنب حيال ذلك. فـ ماليندا تجيد التعامل مع امبير و هى امرأة ودودة و تحب عملها و لا تتوانى عن بذل اى جهد. لعل النظرات التواقة التى غالباً ما ترمق آشرون بها هى ما يمنعها من ان تعزز علاقتها بالشابة. و راحت تابى تقنع نفسها بأن المسألة ليست مسألة غيرة, لكنها لا تشعر بالراحة مع امرأة مستعدة لأن تُظهر هذا القدر من الاهتمام برجل متزوج تعمل لحسابه. على أي حال, و احقاقاً للحق, لم يبدِ آشرون اى اهتمام بـ ميليندا الشقراء, صاحبة المفاتن البارزة.
سألت ماليندا و هى تجمع العاب امبير و تضعها في الحقيبة "هل لديكِ فكرة متى سنغادر المكان؟"
"
ليس بعد.... أنا آسفة.... فزوجى لم يقرر بعد إلى متى سنبقى هنا.
ردت تابي بذلك و قد تفاجأت للطريقة التى خرجت تلك الكلمة التى تعكس التملك من بين شفتيها. لكن هذه الطريقة هى الاسهل كى تشير إلى آشرون امام الموظفين.
و اعترفت بحزن انه زوج بقدر نمر مسجون في قفص في حديقة الحيوان, ثم حملت كتابها و نظاراتها و توجهت إلى الفناء حيث بركة السباحة.



بالكاد رأت آشرون في الاسبوع الفائت إذ حبس نفسه في مكتبه و غرق في العمل معظم النهار و نصف الليل تقريباً.
كان ينضم إليها من حين إلى آخر كى يحتسيا القهوة معاً عند الفطور, و يغرق في الصمت عند تناول العشاء, فيأكل بسرعة و من ثم يعتذر بتهذيب قبل ان ينسحب. كان مثالاً للرفيق البارد و المتحفظ خلال هذه الوجبات كما لم يظهر في عينيه او في حديثه اى اثر للتأثر بوجودها قربه. بدا و كأن ذاك الشغف في ليلة زفافها نتاج مخيلتها هى, لكن تابي بقيت تواجه صعوبة في معاملته كشخص غريب ما ازعجها و اربكها و سدد ضربة لكبريائها و إيمانها بقوته و استقلاليتها فما من امرأة قوية تستمر في التشوق للفت انتباه رجل قرر ان يعاملها كورق جدران.
إلا ان الغريب و المثير للسخط هو ان آشرون يلعب لعبة مختلفة مع أمبير, إذ اقسمت ماليندا انه لم يمر يوما ببا غرفة الطفلة من دون ان يدخل ليلاعبها و يتحدث إليها. و قد تعلمت امبير ان تلفت انتباه آشرون كلما كان في مكان قريب منها. في الواقع, اعتبرت امبير انها مرحب فيها عندما يتعلق الأمر بـ آشرون. لعل اهتمام الطفلة الزائد به يُرضى غروره. او لعله اكتشف متأخراً انه يحب رفقة الاطفال و يستمتع بها؟ كيف يمكن لها ان تعرف ما الدوافع التى تحركه؟ مرّ عليها اسبوع من دون ان تذوق طعم النوم اكتشفت خلاله انها لا تعرف سوى اقل القليل عن آشرون ديميتراكوس. يشكل زوجها لغزاً بالنسبة إليها في كافة النواحى الممكنة.
وقف آشرون عند النافذة و اطلق تنهيدة عندما رأى تابى تستلقى بجسدها النحيل على الكرسي الطويل كوليمة تُسيل لعاب الجائع. ابرز ثوب السباحة الزهرى المؤلف من قطعتين كل شبر من جسمها الممشوق. تململ منزعجاً, و كافح ليكبح الرغبة التى اثارتها فيه, هذه الرغبة التى جعلت لياليه طويلة و محبطة للغاية.
و بقى يراقب كما ينبغى على الرجل الحريص ان يفعل حسبما راح يُقنع نفسه, فرأى تابى تنزع الجزء العلوى من لباس البحر لئلا يترك أثر على جسمها. قطب منزعجاً إذ لم يكن يرغب في ان تكشف هذا القدر من جسمها امام العاملين في المنزل الذين يتجولون في المكان. من المستغرب ألا تعجبه فكرة ان يرى اى شخص عداه جسد تابي. اعتبر ان ثمة شيئاً من التملك الغريب جداً في داخله و وضع اللوم في ذلك على انه اول رجل في حياة زوجته.
اعترف في سره و قد اظلمت عيناه بانه ما ظن يوماً انه سيستخدم كلمة (زوجتى). لو كانت تابى زوجته فعلاً لبقيت في سريره خلال ساعات النهار الطويلة الحارة, مستسلمة لمتطلبات شغفه و مطلقة العنان لمشاعرها. و التهب جسده شوقا و رغبة بعد ان تراءت له هذه الصورة فاطلق شتيمة من بين انفاسه المتقطعة. لسوء الحظ ان تابى لم تتمتع بأى مرونة : فأما ان يتبع شروطها و إما ان يلجأ إلى الاستحمام بالماء البارد. ما من حلول وسط, و ما من مخارج, إما ان تحصل على كل شئ و إما لا شئ و هو يعلم انه لا يستطيع, لا يستطيع ان يسير في هذه الدروب و ان يغير نفسه ليناسب شروطها في حين انه يعلم ان ما من مستقبل لهما معاً. لن يكون منصفاً معها و سيظلمها.
في ذلك المساء أختارت تابى ثوبا ازرق رائع التفصيل من خزانة ملابسها. ارتدت ثوبا مختلفا لكل يوم من ايام الأسبوع المنصرم, معتبرة ان الملابس موجودة و لا فائدة من تركها معلقة حيث هى. على أي حال, من السخافة و الغباء ان تختار ارتداء سروال من الجينز و قميص في مثل هذا الطقس الحار, و هى الملابس الوحيدة التى بقيت من ملابسها القديمة منذ ان بدأت حياتها تتغير و مشاكلها تُحل بعد ان خسرت منزلها الخاص. حينذاك, اضطرت لأن تتخلى عن الكثير من مقتنياتها, و ان تترك ما لديها من ملابس و احذية و اغراض لتكتفى فقط بما هو ضرورى و ما يمكنها حمله.
وضعت الثوب بعناية على السرير و اخرجت مستحضرات التجميل لتضع القليل منها ثم سرّحت شعرها. و ذكرت نفسها بأن آشرون ليس السبب الذى دفعها لأن تتأنق بل فعلت هذا من اجل احترامها لذاتها و لأنها تعلم ان التصرف كـ عروس ثرية في شهر عسلها جزء من دورها, على الاقل خارجياً. و بعد ان ارتدت ملابسها, انتعلت صندلاً عالى الكعبين إلى حد خطير و راحت تتأمل نفسها فىالمرآة متمنية لو كانت اطول و اكثر امتلاءاً و اكثر جاذبية.... مثل كازما؟ كازما التى لم يأتِ آشرون يوماً على ذكرها؟ لكن ما شأنها بـ كازما و ما علاقتها بالأمر؟ فالغضب العارم الذى تملكها حين اكتشفت ان آشرون سيستفيد بقدرها من زواجهما بقدرها قد خبا. على اى حال, لم تتزوج آشرون إلا لسبب واحد و هو ان تتبنى امبير و جل ما عليها ان تفعله هو ان تركز على هدفها كى تخرج من هذه المسرحية عند انتهائها بنعومة و بأقل قدر ممكن من الألم. إن القلق بشأن امور اخرى, و الرغبة ف الحصول على اشياء اخرى تصرّف سخيف و غبى و متعب.
كان آشرون يجتاز البهو حين وصلت تابى إلى اعلى السلالم الرخامية, و دفعتها غريزتها إلى رفع رأسها و كتفيها رغم انها شعرت بالعرق ينصب من مسام جلدها كلها. ها هو ممشوق القوام, وسيم بشكل مذهل, و انيق حتى في سروال الجينز و القميص المفتوح عند العنق. راح قلبها يدق بسرعة كقرع الطبول فتمسكت بالدرابزين الحديدى المشغول بيد مرتعشة و خطت خطوتها الأولى نزولاً. و من سوء حظها ان قدما نزلت لكنها لم تطأ الدرجة بل وطأت الفرااغ فتعثرت و هوت مطلقة صرخة فزع فيما انزلقت يدها عن الحديد, و تلوى جسمها كله فيما هى تحاول ان توقف سقوطها فارتطم وركها بطرف الدرجة الرخامية القاسية و التوى كاحلها تحتها.
صاح آشرون "امسكت بكِ!"
سجل عقل تابى انها لم تعد تسقط لكن الألم امتد من وركها وصولاً إلى ساقها.... لا, لا, ليس ساقها, بل كاحلها. حاولت ان تستقيم فيما رفعها آشرون بين ذراعيه بكثير من الحماسة فتأرجحت ساقها بقوة مما جعلها عاجزة عن كبت صرخة الألم التى خرجت من بين شفتيها "كاحلى....."
قال آشرون بخشونة فاجأتها فيما هو يتوجه عائداً إلى البهو و قد لف ذراعيه حول جسدها النحيل "يا إلهى.... كان من الممكن ان تُقتلى على هذه السلالم!"
نادى باللغة اليونانية حتى ظهر احد اعضاء فريق الأمن مسرعاً ثم اصدر اوامر موجزة.
استطاعت ان تشعر بدقات قلبه السريعة على خدها و لم يفاجئها هذا لأنه تحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء ليلتقطها و يمنع سقوطها نحو الأسفل. و احست باضطراب شديد حين ادركت انها كانت لتسقط حتى اسفل السلالم الرخامية و تدق عنقها او ضلع او ضلعين على الأقل لولا تدخله الذى جاء في الوقت المناسب. و تسلل إليها الارتياح لأن اصابتها اقتصرت على إلتواء في كاحلها و بعض الرضوض في جسمها.
"
أنا بخير..... من حسن الحظ انك امسكت بىّ في الوقت المناسب."
وضعها آشرون بعناية مبالغ فيها على الاريكة و جلس القرفصاء إلى جانبها قبل ان يسألها و عيناه اللامعتان المظللتان برموش كثيفة, تتأملان وجهها
"
هل شعرت بأحدهم يدفعك؟"
اذهلتها نبرة السؤال و حدته فحملقت فيه بعينيها البنفسجيتين و سألته بصوت مرتجف "و لِمَ سيحاول احدهم دفعة لأسقط؟ فقدت توازنى و تعثرت!"
عبس آشرون و قال "هل انت واثقة؟ ظننت اننى رأيت شخص ما يمر بجانبك قبل ان تسقطى."
"
لم أرّ و لم اسمع احداً."
قطبت تابي و اسبلت رموشها تخفى عينيها فيما محت حرارة الارتباك شحوبها لأنها ادركت تماماً لما تعثرت إلا انها لن تعترف له بالحقيقة مهما كلف الأمر "نعم, انا واثقة تماماً."
و راحت تابى تفكر بحزن عميق و مؤلم أنها لو لم تكن منشغلة جداً بتأمل آشرون و بمحاولة ان تبدو في افضل مظهر من اجله, حالها في ذلك حال اى مراهقة سخيفة, لما زلت قدمها و لانتهبت إلى موطئ قدمها.
قال لها آشرون و هو يدس يديه تحت جسمها "اخشي ان علىّ ان احركك مجدداً.... سأحاول ألا اوذيك إنما ينبغى ان احملك إلى السيارة كى ننقلك إلى المستشفى ليفصحك الطبيب."
ردت تابى التى تعاظم شعورها بالارتباك و الاحراج
"
ارجوك, لا احتاج إلى طبيب!"
إلا انها خضعت في الساعات التى تلت إلى كافة انواع الفحوصات الطبية في اقرب مستشفى. حاولت ان تثنى آشرون إنما بدا و كأنها تتحدث إلى جدار إذ رفض ان يستمع إلى اى كلمة تقولها. و بدلاً من ان يتصرف كرجل هادئ و متحفظ كما اعتادت ان تراه, بدا اشرون شديد التأثر و إن لم تعرف سبب تأثره هذا. راح يذرع أرض الغرفة خلف الستارة حيث تخضع هى للفحص ذهاباً و إياباً, و يتحدث إليها ليطمئن إلى حالها و يتأكد من انها بخير, و اصرّ على ان تخضع لصورة اشعة متجاهلاً تقريباً الطبيب الذى اكد له ان اصابتها ليست خطيرة و انها تعانى من مجرد التواء في الكاحل و بعض الرضوض الطفيفة. و لعل المحرج اكثر هو انه فريقه الأمنى انتشر من حوله في جهوزية تامة كمن ينتظر هجوماً صاروخياً قريباً على قسم الطوارئ.
ضحك الطبيب المتوسط العمر الذى يجها حقيقة الوضع و قال
"
آهـ... زوج محب و قلق."
لو ان هذا لارجل يعلم كم هو مخطئ! خطرت هذه الفكرة لـ تابى التى شعرت انها مصدر إزعاج و كأنها شخص متمارض يحظى برعاية طبية قيمة في حين انه لا يعانى من اى خطب.
لو ماتت تابى لكان الذنب ذنبه. راح آشرون يجتر هذه الفكرة بكآبة و غضب و شعور بالذنب. و اجتاحته هذه المشاعر التى لم يختبرها قط من قبل كموجات تكتسح ما عداها. لكنه لم يكن يوماً مسؤلاً عن حياة شخص آخر و هو يرى ان سلامة زوجتخ هى مسؤوليته و إن كان يتمنى لو ان يفكر بطريقة مختلفة. ارعبته طبعا فكرة ان شخصاً ما يعمل لديه قد حاول ان يلحق الاذى بزوجته. بعد ان رأى الرسالة الفظيعة التى تُركت على مرآة غرفة نومها, لم يتأثر بقناعتها بأن المسألة مجرد حادث. لعل تابى لم تلاحظ ان احدهم دفعها قليلاً في اللحظات الخاطفة التى فقدت فيها توازنها و تعثرت.
و زاد من إحباطه ان الفريق الأمنى الذى يعمل لديه لم يجد اى شئ مريب بشأن اى شخص من الموظفين في الفيللا.
و لوى آشرون فمه. لسوء الحظ انه نادراً ما يستعمل فيللا توسكانا, و بما انه تم تجديدها العام الماضى و توظيف فريق عمل جديد, فسيكون الوقت وحده كفيلاً بحسم مسألة البقاء بقاء هؤلاء الموظفين او تغييرهم. اصبحت عيناه اللامعتان أكثر قساوة كما اطبق فمه ليتحول إلى خط قوى من التصميم. إن سلامة تابى اساسية لكنه يأبى ان يخيفها بشكوكه, و تقضى الاستراتيجية الأكثر حكمه بـأن يخلى الفيللا على الفور و ان يبحث عن مكان أكثر امانا . بعد ان توصل لهذا القرار, اعطى آشرون اوامره رافضاً ان يتراجع حتى عندما اشار رئيس فريقه الأمنى إلى ان هذه الخطوة تعنى اخراج الطفلة من سريرها ايضاً. بغض النظر عن سلبيات خطته, بالكاد استطاع آشرون ان ينتظر حتى يُبعد تابى و الطفلة عن فيللا توسكانا التى اصبحت بنظره مكانناً موبوءاً. راقب الطبيب و هو يضع الرابط على كاحلها المتورم فيما لا يزال الانزعاج يتملكه لأنه لم يتمكن من ان يحول دون إصابتها بالأذى.
تنهدت تابى في السيارة الليموزين بعد ان غادروا المستشفى و قالت
"
أنا آسفة على هذا كله."
"
عندما تتعرضين لحادث فلا حاجة لأن تعتذرى. كيف حالك؟"
ردت تابى بابتسامة "اشعر ببعض الانزعاج و الالم.... لكن ما من شئ لا يمكن ان اُشفى منه سريعاً. سيعلمنى هذا ان اكون اكثر حرصاً من الآن فصاعداً عندما انزل السلالم."
جوابها هذا فاجأه فما من امرأة يعرفها يمكن ان تهمل هذه الفرصة لتبالغ في وصف آلمها و اصابتها مطالبة إياه بإظهار التعاطف و الاهتمام. إلا ان تابى قللت من اهمية المسألة و لم تطالبه بشئ, مما زاد من انزعاجه الكبير من الوضع.
سألته تابى و هو يرفعها من سيارة الليموزين و يضعها في الكرسي المتحرك الذى ينتظرها "إلى اين نحن ذاهبون؟ هل هذا المطار؟"
اجابها آشرون بنبرة عادية "نعم, سنسافر إلى سردينيا."




شددت تابى غير مصدّقة "حقاً؟ اعنى الآن؟ إنها الساعة العاشرة ليلاً."
اعترف آشرون "امبير و مربيتها موجودتان على متن طائرة الهليكوبتر, و كذلك امتعتك."
ثمة الكثير من الأمور لا يمكن ان تقولها لكنها تواجه ذقناً مصممة كما انها تعلمت ان تفكر مرتين قبل ان تبوح بما تفكر فيه امام آشرو. اطبقت شفتيها بحزم و افترضت انه شعر بالملل في الفيللا و قرر ان يغير المكان الذى يتواجد فيه مما دفعه للتصرف بهذه الطريقة المندفعة. فهو لم يُخرج امبير من سريرها و حسب بل اجبر تابى على السفر و هى التى تشعر بإنهاك شديد و بألم في قدمها. و راحت تفكر في انه انانى و لا يراعى مشاعر الآخرين لكنها افترضت انه تصرف طبيعى من رجل لم يعتد التفكير إلا في نفسه و في حاجاته الخاصة.
كانت الطائرة الهليكوبتر تُصدر ضجيجاً قوياً و شعرت تابى التى لم تتناول الطعام منذ الغداء بجوع شديد وصل إلى حد الغثيان. اصرت على ان تأخذ امبير من ماليندا و راحت تُهدئ الطفلة المتعبة ايضاً. و تفاجأت حين حمل آشرون الطفلة الناعسة من بين ذراعيها و وضعها في حجره. رفعت امبير نظرها إليه و اعادت وضع إبهامها في فمها ثم اغمضت عينيها و قد بدت سعيدة بهذا التبديل. و لا بد ان تابى غفت عند هذه النقطة لأنها استيقظت مشوشة بفعل الضوء الساطع على وجهها و الألم في كاحلها فيما كان آشرون يحملها إلى المنزل.
سألها مجدداً و نظراته المذهلة تتأمل وجهها الصغير الشاحب
"
كـــيـــف حـــالـــك؟"
"
ســأكــون بـــخــيـر"
عارضها بصبر فارغ "لا تتصرفى على هذا النحو... تبدين و كأنك على عتبة الموت. ستذهبين مباشرة إلى السرير و سأرتب مسألة تأمين الطعام لكِ."
في تلك اللحظة, بدت فكرة السرير و الطعام جذابة جداً بالنسبة إلى تابى. صعد سلماً ولامست نسمة عليلة وجهها. رفعت جفنيها لترى نافذة كبيرة تغطيها ستائر ناعمة فيما وضعها آشرون بنعومة على سرير ضخم و عريض و راح يربت الوسادات خلفها. لاحظت انها المرة الأولى التى يتصرف فيها بهذا القدر من اللطف مما جعلها تتوتر.
سالته بشكل مفاجئ "لما تتصرف معى بهذا القدر من اللطف فجأة؟"
هذا السؤال البسيط كشف اموراً كثيرة لم يشأ آشرون ان يسمعها في هذا الوقت بالذات مما جعله يتأفف معبراً عن إحباطه بصوت عالى, و خطر له ان تصرفات تابى فريدة. وحدها تابى تقول ما لا يجرؤ احد على قوله لـ آشرون ديميتراكوس. أخذ نفساً عميقاً و بطيئاً ثم اجاب "أنتِ مصابة."
فقالت له تابى رافعة ذقنها في حركة تحدٍ "انت لا تخضع للقواعد و الشروط و انا لا احتمل الشفقة."
"
أنتِ زوجتى."
"
هذا ليس حقيقياً."
عارضها آشرون بنبرة تكاد تكون فظة "انتِ زوجتى بما يكفى كى ارغب بان اعاملك كزوجة."
اعمى عدم الفهم عيني تابى و تملكتها رغبة شديدة في ان توجه صفعة إلى وجهه الوسيم. كان ينبغى ان يترافق هذا الرجل مع معجم او كتيب استخدام يتضمن ارشادات و شرح حول كيفية عمله لأنها وجدت نفسها مجدداً ذاهلة تماماً أمام طريقة تفكيره المعقدة و المثيرة للسخط.
أعلن آشرون "اريد ان اجعلك تشعرين انك بحال افضل."
"
رجاءاً, لا اريد اى شفقة."
همهم آشرون بنبرة خشنة عكست انزعاجه "اعترف بأننى لم اُحسن التصرف و انا احاول هنا ان اعوض عليكِ."
فقالت له تابى التى لم يزحزحها كلامه عن موقفها "الشفقة هى الشفقة."
جلس آشرون على جانب السرير. ظهر شئ بري غير مروض في بريق هاتين العينين اللتين تلمع فيهما شرارات ذهبية حين امسك بنعومة شعرها الذهبى و قبلها. و ارسل شحنة من الجوع المتوحش في جسمها كله مما جعلها تجمد في رعب لذيذ.
دمدم "هل يبدو لك هذا كشفقة؟"
لم تُعلق تابى على كلامه لأنها بالكاد استطاعت ان تتنفس.
ارادته ان يعيد الكره و لفترة اطول و بالكاد استطاعت ان تُبعد يديها عن هذا الجسم النحيل و القوى القريب منها لأول مرة منذ اسبوع. لمسة واحدة منه جعلتها تشعر و كأنها مدمنة مستعدة لأن تفقد السيطرة على نفسها تماماً. و حاولت ان تتراجع فأخفضت رأسها. و في هذه اللحظة, و رحمة بها, قاطعهما دخول امرأة تحمل صينية.
قال آشرون "يجب ان تأكلى."
ساعدها لتسند ظهرها إلى الوسادات قبل ان ترفع السكين و الشوكة. لم تجرؤ تابى على النظر إليه مجدداً إذ لم تعد تثق بنفسها فهى تعلم انها لا تستطيع ان تخاطر بإطفاء تلك الرغبة الحارقة و الرهيبة التى تتآكالها في حضوره. و على الرغم من انها كانت جائعة جداً إلا انها اضطرت لأن تجبر نفسها على ان تأكل لأن معدل التوتر العالى الذى قبض معدتها قضى على شهيتها .
أكلت في صمت فيما راح آشرون يذرع الغرفة الكبيرة لافتاً نظرها باستمرار حتى تذكرت انها لا تستطيع ان تتحمل نتائج النظر إليه و انها مضطرة أن تنسي وجوده كى تتمكن من السيطرة على نفسها. و ما الذى يعكسه هذا من شخصيتها؟ هل هى ضعيفة إلى هذا الحد بحيث لا يمكنها ان تواجهه؟ هذا الرجل الذى تجاهلها كلياً على مدى الأسبوع الماضى؟ هو الرجل نفسه الذى اقام معها علاقة ثم انسحب بسرعة قياسية تكاد تفوق سرعة الصوت؟ اعتراها الشعور بالخزى مما زاد التعب الذى جاهدت كى تحتويه.
اُزيات الصينية من حجرها. و اطبق جفناها, و ثقلت عيناها بحيث عجزت عن إبقائها مفتوحتين.
"
يجب ان تنامى."
و شعرت لأول مرة انها مستعدة لأن تطيع اوامره.
استيقظت تابى على حاجة مُلحة لدخول الحمام, ففتحت عيناها في الظلام و قد تملكها شعور بالضياع. كافحت لتجلس في السرير و آنت من الألم الذى احست به في كاحلها فيما هى تمد يدها للبحث عن الضوء قرب السرير. و من حُسن حظها انها وجدت مفتاحاً يتصل بسلك مُعلق, و اضاءت نور الغرفة لأقل من لحظة قبل ان ينتصب الرجل المستلقى على الأريكة قرب الجدار.
همست غير مصدقة "آش؟ ما الذى تفعله هنا؟"
كان آشرون عارى الصدر و حافى القدمين و قد اكتفى بارتداء سروال جينز. علقت نظراتها المذهولة على صدره العريض, المفتول العضلات الذى اكتسي سمرة رائعة و من ثم ارتفعت إلى اعلى لتلاحظ الظل الاسود الذى كسا ذقنه و الحدة في نظرة عينيه اللتين التمعتا بألماس اسود في النور الخافت.
"
ما كنت لأتركك وحدك هنا."
"
لِمَ لا؟"
طرحت تابى هذا السؤال و قد احمر وجهها اكثر من النار المضطرمة و اجبرت نفسها على ان تدير وركيها و تنزل ساقها السليمة من طرف السرير . و تابعت تقول "لِمَ نمت على الاريكة من اجلى؟"
سالها آشرون و هو يقطع المسافة الفاصلة بينهما على عجل "ما الذى تفعلينه؟"
فاجابته من بين اسنانها المطبقة "احتاج لأن ادخل الحمام." و اجتاحها الألم كـ موجة كاسحة.
اعترف بنفاد صبر و هو يدفع بالعصا الموضوعة قرب السرير إلى يدها
"
انت عنيدة جدا عزيزتى. حالياً انتٍ تحتاجين للمساعدة و لم اشأ ان اضع شخصاً غريب في الغرفة معك."
ثم رفعها لتستقيم قبل ان يضيف "و الآن, تقدمى ببطء و إلا ستؤذين نفسك."
إلا ان تابى كانت قد اكتشفت انها لا تستطيع ان تحرك ساقها من دون اتشعر بألم في كاحلها فصرفت باسنانها و اطاعت امره فيما الدموع تملأ عينيها و هى تسير بشكل اخرق نحو الباب الذى فتحه لها. همهم آشرون شيئاً ما باللغة اليونانية و رفعها بحرص و عناية بين ذراعيه ليحملها إلى الحمام و يضعها بنعومة على المرحاض. قال متنبئاً "يزداد الألم سوءاً في الليل إنما ستشعرين بتحسن غداً. نادينى حين تصبحين جاهزة للعودة إلى سريرك."
افترضت تابى انه من سابع المستحيلات ان تطلب مساعدته و هى تتأمل مرعوبة صورتها في المرآة. كانت الزينة التى وضعتها قبل ان تنزل لتناول العشاء لا تزال على وجهها, و قد احاط السواد المخيف بعينيها و غضن النوم خديها كما شعث شعرها. كيف يمكن ان يبدو هو رائعاً في منتصف الليل فيما تبدو هى كعروس دراكولا؟
التفتت نحو الأسفل ولامست باصابعها ثوب النوم الذى ترتديه قبل ان تبتلع غصة. لابد ان آشرون نزع ثيابها. و ماذا في ذلك؟ لقد رآها من قبل عارية مما يعنى انه لم يرى اى شئ جديد و ان السخافة ان تشعر بالاحراج لهذا. استقامت تابى ثم حاولت ان تنظفف نفسها قدر ما استطاعت. و بعد ان شعرت بشئ من الانتعاش, و إن بقيت شاحبة اللون متيبسة بسبب الألم المبرح الذى تشعر به مع كل حركة تقوم بها, شقت طريقها نحو غرفة النوم.
كان آشرون بانتظارها ليرفعها بين ذراعيه و يضعها برفق على السرير. قالت بضعف و العرق يتصبب من جبينها "مازلت لا افهم مال الذى تفعله هنا معى؟"
شرح لها آشرون بصراحة "البيت الرئيسي لا يحتوى إلا على ثلاثة غرف نوم. و اعلم انك لا تريد ان تكون امبير بعيدة عنك في الجزء المخصص للعاملين هنا فخصصت الغرفة الثالثة لـ ماليندا."
علقت تابى بانذهال "ثلاثة غرف نوم فقط؟ يبدو انك لم تخطط لهذه النقلة بشكل جيد, أليس كذلك؟"
قيمها آشرون بنظراته في صمت ثم اجاب "إنها الثالثة صباحاً.... دعينا نناقش الأمر في الغد."
راقبته تابى و هو يتراجع نحو الاريكة فاطلقت زفيراً تحول إلى تنهيدة قبل ان تقول "آوهـ, بحق الله, شاركينى السرير.... إنه كبير بقدر ملعب كرة قدم. انا واثقة من اننا سنتمكن من تجنب بعضنا."
استدار آشرون نحوها من دون ان يخفى دهشته لكنه لم ينطق باى كلمة. أطفأ النور و استلقت جامدة في الظلام تستمع إلى صوت سرواله الجينز و هو يخلعه. تحرك الغطاء و انخفض الفراش فاجبرت نفسها على الاسترخاء, و راحت تقول في سرها إنها آمنة تماماً معه فـ آشرون لا تسيره العاطفة أو الشغف بل يسيره العقل و المنطق. و هو يعلم انهما مختلفان تماماً.
كان الفجر قد حل عندما استيقظت تابى مجدداً. باغتها الألم و التيبس مع اول حركة لا ارادية قامت به فتشنج وجهها في شكوى صامتة. ادارت رأسها لتتسارع انفاسها عند رؤية آشرون غارقاً في النوم على بعد سنتيمترات منها. بدا شعره الأسود المجعد متناقضاً مع بياض الوسادة الناصع, و رموشه الطويلة و الكثيفة كمروحتين حريريتين تزنيان أعلى وجنتيه, كما بدا فمه الواسع و المغوى ممتلئا و مسترخيا. لم تستطيع ان تتوقف عن التحديق فيه. كان الغطاء الرقيق ملتفاً على وركيه, و عضلات صدره مكشوفة على غرار ساقيه الطويلتين و القويتين و المكسوتين بالشعر. جمال جسده المنحوت جعل حنجرتها تنقبض و جسمها ينتفض فيما اكتسحتها حرارة عجزت عن السيطرة عليها. ارادت ان تلمسه, ارادت ان تلمسه إلى حدّ آلمها و جعلها غير قادرة على الإنكار.
ارتفعت رموشه و تمطى ببطء و كسل فارتسمت عضلاته المشدودة كـ الحبال تحت بشرته السمراء الناعمة ثم تمتم شيئاً ما باليونانية.
رفعت تابى حاجبها و سألته "ما معنى كلامك هذا؟"
ترجم آشرون و التسلية تضئ عينيه الداكنتين "صباح الخير يا زوجتى انا"
اجابته تابى لاهثة على الفور "أنا لست لك."
ارتفعت يد سمراء نحيلة و تغلغلت ببطء و عناية في شعرها الاشقر المنسدل, و شعرت بعينيه اللامعتين حارتين كـ العسل الساخن على بشرتها.
"
ما هى الصفة الأخرى التى يمكن ان تطلقها على نفسك؟ تزوجتينى و مارسنا معاً الحب. ألا تعتقدين ان هذا يعنى اننا اتممنا زواجنا؟"
تشنجت تابى التى شعرت بالألم و الآسي و التشوش و قالت "انا..... أنا....."
راح يتذوق شفتيها الممتلئتين بإثارة الاستكشاف. انتفض جسمها متفاعلاً معه و تكونت في لحظات موجة من الجوع و التوق و الرغبة في داخلها, موجة اطاحت بنواياها الحسنة كلها. وجدت تابى نفسها عاجزة امام هذا الهجوم الحسي فبادلته التقبيل.
همست حين حررها بما يكفى لتلتقط انفاسها "آش؟"
اخفض بصره ليحدق فيها بفراغ صبر و التوتر يشد كل عضلة من عضلات وجهه "لتذهب قواعدك و شروطك إلى الجحيم."
و اضاف بنبرة تصميم "سألعب وفقاً لقواعدى انا ."
بقيت هذه الكلمات تتردد في اذنيها عندما رفعها ببطء ليضعها على جنبها فسألته لاهثة "ما الذى تفعله؟"
"
بما انم وضعك لا يسمح لك بأن تهربى فيمكنك ان تصرخى عالياً إذا اردتِ ان ترفضى."
فتحت عينيها البنفسجيتين على اتساعهما و نظرت إلى الاريكة التى احتلها اللية الماضية. هى من دعته إلى السرير في بادئ الامر. هل افترض ان جسمها جزء من العرض؟ ام انه عالق مثلها في التفاعل الذى يجذب احدهما الآخر؟ هذا التفسير الأخير اعجبها اكثر بالطبع.
تذوق آشرون البشرة الناعمة البيضاء عنقها فاسرته رائحتها اللذيذة فشدها إليه و التصقت به.
اشتدت كل عضلة من عضلاتها و هى ترتجف. اجتاحتها رغبة عارمة كسهام حادة فانتفضت و صدر عنها صوت آلم و انزعاج بعد ان حركت كاحلها من غير انتباه.
دعاها آشرون قائلاً "استلقى من حركة. لا حاجة لأن تتحركى."
لم تحلم يوماً بأن قبلة و بضع لمسات حميمية يمكن ان تجعل حرارتها ترتفع إلى حد الغليان و ادركت انها تفهم السبب الأساسى الذى جعله حبيبها الأول. احرقها كلمعة برق و صحّى فيها جوعاً قضى على دفعاتها.
"
انت واثق من نفسك فعلاً."
وافقها آشرون الرأى قائلاً "نعم, بين الاغطية."
"
قيل لك إنك رائع؟"
اجابها بنبرة باردة لا تخلو من السخرية "مرات عدة. أنا ثرى للغاية. إن قالت إن قالت لىّ احداهن إنى فاشل في السرير..... حتى و ان كان هذا صحيحاً... فلن تستفيد بشئ."
قالت تابى عاجزة "أنا لا اريد مالك, اريد جسدك فقط!"
ساد الصمت للحظات و اغمضت عينيها بشدة مرتعبة. لم اقل هذا, لا يمكن ان اكون قد تلفظت بهذه الكلمات!
قال آشرون بصوت آجش "لا اعتراض لدىّ على هذا الهدف. إنه عملى و صادق....لِمَ لا؟"
لمسها مجدداً و غرق جمودها في بحر من التجاوب المرتجف. همس في اذنها بجوع "بقيت احلم بهذا لأيام."
كررت كلامه كـ الببغاء "ايام؟"
اعترف آشرون فيما اصابعه تشتد على خصرها النحيل "كل ليلة منذ تلك الليلة الأولى, و كلما رأيتك في ثوب السباحة الصغير ذاك."
خرجت من حنجرة تابى صرخة فهمس آشرون بصوت خفيض "هل كل شئ على ما يرام؟"
اعترفت تابى بصوت مرتجف فيما قلبها يقرع كـ الطبول في صدرها و دمها يسرى في عروقها سريعاً و جسدها يرتعش "حسناً, لا اريد منك ان تجيب على هاتفك الآن!"
صر أسنانه بقوة و قال "ما من حواجز! ما من حواجز بيننا!"
لم تستطيع ان تفكر, لم تستطيع ان تتكلم لشدة الاحاسيس التى اثارها فيها.
كانت النشوة لا تزال تترقرق في جسمها عندما لف ذراعيه حولها و ابقاها ملتصقة به.
قال لها بصوت آجش "انتِ مذهلة."
همست "أنت ايضاً!"
و اعلن آشرون بثقة "و سنفعل هذا مراراً و تكراراً. ما من استحمام بالمياه الباردة, ما من سريرين منفصلين, ما من استلقاء باثواب سباحة صغيرة لا يمكن لىّ ان امزقها ."
قالت بنبرة اعتذار "اشعر بنعاس شديد."
فأجاب "نامى..... ستحتاجين إلى طاقتك كلها."


نهاية الفصل الثامن

قراءة ممتعة

Just Faith 17-01-17 09:45 AM

9 -غيرة و غضب

عندما استفاقت تابى للمرة الرابعة في غضون اثنتى عشرة ساعة, شعرت بأنها مشوشة تماماً و رمشت بعينيها بسبب نور الشمس القوى الآتى من النوافذ المبيرة. و ما هى إلا لحظات حتى استقامت في جلستها و التفتت إلى ساعتها لتكتشف أن الوقت هو منتصف فترة ما بعد الظهر.
يا إلهى, لقد نامت نصف يومها! نزلت من السرير بشكل أخرق بعد ان تملكها إحساس بالذنب و أدركت أن آشرون كان محقاً حين اشار إلى انها ستشعر بتحسن في الصباح. كا زال الألم قوياً في وركها لكن ألم كاحلها اصبح محتملاً. و بما انها وصلت في الساعات المظلمة من الليلة السابقة, احست بالفضول إزاء محيطها و ارادت ان تكشفه, فقفزت على رجل واحدة حتى النوافذ الكبيرة متكئةعلى عصاها ثم خرجت إلى الشرفة السابحة في اشعة الشمس و وقفت عند حافتها.
امتد امام نظريها خليج كثير الصخور. و قد احاطت الصخور الشاهقة برمال بيضاء ترتطم بها برفق مياه البحر الزرقاء الصافية إلى حد مكنها من رؤية القعر. و تمتد الحدائق المليئة بالاشجار حتى طرف الشاطئ. كان المكان مثالياً و جميلاً جداً لكن تابى لم تستطيع ان تركز انتباهها إلا على الثنائى الذى وقف عند طرف الامواج المتكسرة .



كانت عربة أمبير موضوعة في ظل الصخور فيما وقفت ماليندا التى ارتدت ثوب سباحة احمر من قطعتين ابرز مفاتنها, تتحدث إلى آشرون الذى ابرز جسمه النحيل و القوى في السروال الرياضى القصير الذى يرتديه.
بدا هذا المشهد حميماً و مزعجاً بشكل غير متوقع و لم تستطيع تابى ان تُبعد عينيها عن الثنائي فيما اجتاحتها الغيرة العمياء بقوة افزعتها. و ارتعشت منزعجة و اخذت نفساً مروعاً حين وضعت ماليندا يدها على ذراع آشرون. إلا ان لمستها لم تدم سوى لحظة إذا تراجع على الفور مبتعداً خطوة عن الشقراء و قطع الشاطئ متجهاً نحو المنزل بعد ان وجه لها كلمة اخيرة. عادت تابى إلى الداخل مسرعة بقدر ما سمحت لها اصابتها كى ترتدى ملابسها, فيما دماغها يكافح ليستوعب ما رأته في الوقت عينه الذة تقبلت فيه حقيقة ان اسس علاقتها مع الرجل الذى تزوجته قد انهارت و ان كل شئ قد تغير.
اقرت في داخلها بأن الرغبة هى التى حركت هذا التغيير مما جعلها تشعر بالخزى. اعلن آشرون بشغف ان ما من حواجز بينهما و كان محقاً في كلامه هذا : فالقواعد و الشروط التى حاولت فرضها طارت و تبخرت حاملة معها قناعتها بأنها قادرة على مقاومته. كما ان رؤية ماليندا تلمسه أثارت حفيظتها و شعوراً بالتملك و نوعاً من الغضب الممزوج بالغيرة و هى مشاعر لم تختبرها قط من قبل. ما الذى يكشفه هذا فيما يتعلق بذكائها؟ ما الذى سمحت له ان يفعله؟ من اين أتت هذه المشاعر القوية المتضاربة؟إنها تتصرف كـ امرأة غبية تعانى من آثار الحب! هل هذه هى المشكلة؟ هل جذبتها الرغبة ثم تركتها متيمة به بشكل طفولى؟
اخرجت من حقيبتها, التى لا تزال موضبة, ملابس داخلية و ثوبا صيفاً طويلاً قبل ان تتوجه إلى الحمام لتغتسل. تطلبت منها العملية وقتاً اطول من المعتاد إذ اضطرت لأن تغسل شعرها على المغسلة مما شكل لها تحدى و جعلها تترك الحمام عائماً بالمياه. عندما خرجت اخيرا بعد ان مسحت الارضية, شعرت بتحسن و بأنها تشبه نفسها اكثر بشعرها النظيف المشدود و زينةوجهها الخفيفة.
دخل آشرون إلى غرفة النوم بخطى واسعة ليجد تابى امامه, انعكس نور الشمس عليها فلمع شعرها الاشقر الطويل الذى احاط بملامح وجهها الناعمة فيما بدا جسمها النحيل كجسد حورية في الثوب الازرق الفاتح الذى ابرز عينيها المذهلتين اللتين انعكس التوتر فيهما و حاولتا تجنبه. إنها واضحة جداً و صادقة جداً في ردود افعالها إى حد الصدمة. لم تكن تحبئ شئ أو تخفى شئ عنه. انقبض صدره العريض و هو يزفر و صر اسنانه. لا يمكنه حتى ان يتصور كم تجعلها عدم قدرتها على إخفاء مشاعرها و عدم تحفظها ضعيفة و سريعة العطب. إن لم يتصرف على الفور فلابد انها ستنهال عليه بسيل من الاتهامات و الاسئلة عن حميميتهما المتجددة مما يهدد بإعادتهما إلى نقطة البداية بعد ليلة زفافهما و إعلانها قواعدها و شروطها الغير ضرورية.
همس "تابى."
قالت و قد تقطعت أنفاسها "آش."
و راحت تتأمل ملامحه الوسيمة جداً بقلب كئيب لأنها شعرت باختناق و دوار لمجرد النظر إليه و تابعت تقول "يجب أن نتكلم."
عارضها آشرون بثقة عنيدة و هو يقترب منها "لا, ليس علينا ذلك. دعينا نفعل هذا على طريقتى. لا نتكلم و لا نتعاتب خاصة بسبب أى شئ. سنتقبل الأمور كما هى و نستمتع بها إلى اقصى حد."
لقد اختطف الكلمات المرتبكة من فمها قبل ان تتمكن حتى من جمع افكارها بما يكفى لتتكلم. رأت ان هذا الحل كلاسيكى بالنسبة لـ آشرون على صعيد العلاقات.... لا كلام, لا عتاب, و تختفى المشكلة.
اعترضت و هى تتلوى قليلاً لأنها وجدت صعوبة في الوقوف جامدة لمدة طويلة و اضطرت لأن تتمسك بالعصا بقوة اكبر "لم أشأ ان اعاتبك."
اطبق يديه على ساعديها ليثبتها في مكانها و من ثم انزلهما بطء إلى خصرها "لا يمكنك تمنعى مفسك."
و ما ان رفعت رأسها نحوه حتى شعرت بوخز خفيف في شفتيها و احست بما يشبه الحرارة تمتد على طول جسدها. أمال رأسه قليلاً و قبلها بشغف مميت.
"
آهـ!"
و سرعان ما شعرت بجسمها يتيقظ بحماسة اذهلتها.
رفع ثوبها ببطء و عيناه الداكنتان تتأملانها, تتحديانها أن تعترض. و انسابت نيران الرغبة لتجتاح كيانها. فاستندت إليه و لم تعترض حين رفعها ليضعها على السرير. و وقعت العصاء منسية على الأرض.
قالت له من دون ان تخفى دهشتها "استيقظت للتو."
فقال لها بصوت اشبه بالصفير "كان عليك ان تنتظرينى يا عزيزتى."
تأملته تابى يعينين مشوشتين و متسائلتين قائلة "لا اصدق انك ترغب فىّ مجدداً."
فاعترف لها آشرون "ما إن انظر إليك حتى ارغب فيك."
جاءت نبرته خشنة بعض الشئ لأن الحقيقة التى تلفظ بها تعكس عدم قدرة على السيطرة على الذات وضعفاً أربكاها في الصميم.
ذكرته بعناد "لم يحصل هذا في لقائنا الأول."
سخر منها قائلاً "لقد شتمتينى.... لم تكونى في افضل حالاتك. و الآن بعد ان عرفتك جيداً, لم يعد هذا يزعجنى او يمنعنى من ان افكر أنك المرأة الأكثر إثارة على سطح هذا الكوكب."
اتسعت عيناها دهشة بعد ان اذهلها تصريحه هذا "هل تعنى هذا حقاً؟"
"
هل عليكِ ان تطرحى مثل هذا السؤال؟ لا استطيع ان انتظر حتى تكونى لىّ و هذا لا يكفيكِ؟"
اجبرت تابى نفسها على ان تتذكر كلامه هذا. اكتسحتها موجات الحرارة بقوة كان ينبغى ان تثير الذعر لديها لكنها ادركت انها تتصرف بشكل غريزى, و انها لا تتوقف حتى لتفكر بما قاله.
"
انت رائعة و مثيرة, مثيرة....."
ارفق كل كلمة تلفظ بها بقبلة شغوفة حتى فقدت قدرتها على الصبر بقدره هو.
التفت جسدها كله حوله بحركة تملك تماماً كما ذراعيها, و راحت تداعب ظهره بأناملها و فقدت سيطرتها على نفسها و تنقلت من لحظة أحاسيس حادة إلى اخرى حتى اصبح من المستحيل ان تحتوى العاصفة التى اثارها فيها فحملها الشغف إلى عالم آخر.
علق آشرون و هو يشدها ليقربها منه "حسناً, كان هذا بعيداً كل البعد عن الرقة. اقدم لكِ اعتذارى."
اجابته تابى "لا حاجة للاعتذار. و مجدداً عشرة على عشرة."
سألها باستنكار واضح "اتضعين لىّ علامات؟"
فأجابته ممازحة "إذا اصبحت علاماتك خمسة و ما دون فسأحذرك."
و ابتسمت له إذ شعرت بأنها خالية الباب و قررت ألا تعاقبه أو تجادله. لكن ما ان نسيت مقولته حتى غمرها عالم الواقع مجدداً و اثار فيها الشكوك و الشعور بعدم الأمان فتوترت من جديد و تعجبت كيف تمكنت بسهولة من غض النظر عن كل ما رأته.
"
رأيتك مع ماليندا على الشاطئ."
قالت هذا بصراحة شديدة و لم تحاول ان تصمت و ان تفكر في كلماتها و تأثيرها.
تشنج جسد آشرون و ارجع رأسه إلى الخلف ليتأمل ملامح وجهها المضطربة قبل ان يقول طوعاً "سأختار مربية أخرى لتعمل مع ماليندا و تحل محلها لاحقاً. اتخذت الاجراءات اللازمة لذلك, لا اريد ان تستاء امبير بسبب هذا التغير المفاجى."
فاجأها هذا الاعلان لكنها شعرت بالارتياح لمعرفة ان ماليندا سترحل قريباً كما أثر فيها انه حرص على ان يأخذ احتياجات امبير بعين الاعتبار و ان يهتم بها.
"
أتخطط لطرد ماليندا؟"
"
انها تعمل لدينا بموجب عقد لأجل محدد. نستطيع ان نستغنى عن خدماتها ساعة ما نشاء لكنى افضل ان نستغنى عن عادتها بالطريقة المعتادة. فهى تعرف أكثر مما يجب عن زواجنا مما يزعجنى."
قطبت تابى عند سماعها كلامه و سألته "ما الذى تعنيه؟"
"
يبدو جالياً ان ماليندا تدرك اننا كنا نستخدم غرفتين منفصلتين في الفيللا. عندما كنا على الشاطئ, عرضت علىّ ان استخدم غرفتها فيما تنام هى في غرفة أمبير.
لون الاحمرار وجنتى تابى وخالجها شعور بالانزعاج و الخجل لأن ترتيبات النوم غير المعتادة التى لجآ إليها لفتت انتباه الموظفين "لعلها كانت تخطط لأن تتجول قليلاً اثناء الليل بعد ان تصبحا قريبين من بعضكما. كانت تلاحقك, أليس كذلك؟"
أومأ آشرون برأسه و هو يتأملها بعينيه الداكنتين المذهلتين فيما بقيت ملامحه الوسيمة جامدة "هذا يحدث"
رفعت تابى نظرها إليه, و قد اضعفها الارتياح لأنه اخبرها الحقيقة دون لف و دوران "غالباً؟"
اطلق آشرون ضحكة خشنة للبراءة التى عكسها هذا السؤال و اجاب "طوالالوقت. إذا تجاهلت الأمر فيموت ميتة طبيعية لكن ماليندا لا تفهم من الاشارة..... ربما لأنها توصلت إلى استنتاج مفاده ان زواجنا طبيعياً. يمكنها ان تحمل هذه المعلومات إلى الصحافة, مما يجعلنى عرضة للاتهام بأنى تزوجتك تزوجتك فقط للالتفاف بطريقة احتيالية على وصية ابى."
كشرت تابى "علينا ان نبذل جهداً اكبر لنبدو كعروسين تقليديين. علينا ان نتشارك الغرفة نفسها و ان نمضى المزيد من الوقت معاً و ان نتظاهر فنتصرف كما ينبغى لاى عريسين في شهر العسل ان يتصرفا."
أشار آشرون بثقة كسولة "لكن ما من داعى لأن نتظاهر."
خطر لـ تابى انها ستعرف في داخلها ان هذا كله زائف, و هذه الفكرة آلمتها. علاقتهما الجسدية رائعة لكنه ليس مستعداً لأن يقدم لها أكثر. و اقرت في سرها, رافضة ان تُطلق الأحكام عليه لأنه مختلف, أن هذا هو لربماء العطاء الوحيد الذى يعرفه... عطاء جسدى قصير الأمد, ضمن مهلة زمنية معينة. على اى حال, هل تعطي هى أكثر في مجال العلاقات؟ أرادته بشدة و ارادت اهتمامه بقدر أمبير و كانت مستعدة لفعل كل ما يتطلبه الأمر لتلفت انتباهه. إنما لم تكن مستعدة لأن تعترف حتى لنفسها انه يحرك فيها مشاعر تخشى ألا تتمكن من التعامل معها و مواجهتها.
"
لِمَ كتب والدك وصية تجبرك على ان تتزوج في حين انك لا ترغب في ذلك؟"
طرحت تابى سؤالها هذا بهدوء مدركة ان هذا هو جوهر المسألة و اللغز الذى تجنب آشرون شرحه حتى الساعة.
أجابها آشرون بإيجاز و قد اصبح فمه أكثر قسوة "بأختصار؟ أرادنى ان اتزوج كازما. و لا اريد ان اتحدث في هذا الموضوع ابداً."
ابتلعت تابى بصعوبة الكلمات التى كادت تخرج من فمها لتذكره بأنه تغاضى عن ذكر هذا الموضوع بالذاتمن قبل إذ ادركت ان مثل هذا الرد سيزيد من تحفظه و سيجعله اكثر عناداً. يمكنها ان تترك مسألة كازما الشائكة جانباً في الوقت الحالى و تركز على نواحى "لكن لابد ان والدك كان يعرف حقيقة مشاعرك؟ إلى اى حد كنتما مقربين من بعضكما البعض؟"
انتفضت عضلة صغيرة عند زاوية حنكه غير المبتسم بفظاظة "لم التقِ والدى إلا في اواخر العشرينات من عمرى. علاقتنا كانت علاقة عمل اكثر من أى شئ آخر. كانت شركته تكافح للبقاء فطلب منى نصيحة. تدخلت لأساعد و انتهى بىّ الأمر بتولى زمام الامور."
"
ألم يستأ من ذلك؟"
"
أبداً. لم يكن رجل اعمال بل رجل عائلة يسعى جاهداً ليمنح من يحبهم مستقبلاً آمنا."
"
تعنى زوجة ابيك و اولادها؟"
زم آشرون شفتيه لكنه عاد و اجاب "تزوجها والدى حين كان اولادها كان اولادها صغار جداً في السن و حرص على تربيتهم كما لو انهم اولاده إلا اننى لم التق بهم إلا قبل وفاته بثمانية عشر شهراً."
عندئذ سألته تابى مدهوشة "لِمَ لا؟"
اعلن بنبرة حاسمة "لم تكن عائلته تعنينى او تؤثر في علاقتنا, فهم غرباء بالنسبة إلىّ. ما من روابط عائلية او صلة قربى بيننا كما لم يكن لىّ عائلة يوماً فلم اشعر بأنى متحمس للتورط في هذا الجانب من حياتهز و تبين لاحقاً اننى كنت محقاً."
ساد بينهما صمت ملئ بالكلام غير المباح مما زاد من توتر تابى و انزعاجها. حاولت يائسة ان تكتشف طبيعة علاقته السابقة بـ كازما. يبدو جلياً انهما ارتبطا بعلاقة مما جعل السمراء الجميلة تُعلق الآمال عليه و تتوقع ما لم يكن آشرون مستعداً لتقديمه. و يبدو ايضاً ان العلاقة انتهت بشكل سلبى و خلفت لدى الطرفين الكثير من المرارة. هل حصلت ماسأة ما؟ هل حملت كازما منه او حصل شئ ما من هذا القبيل لعل هذا يفسر سبب إصرار والده على ان يزوجه منها؟ من المؤكد ان تلك المرأة مقتنعة تمام الاقتناع بانها المرأة الوحيدة التى ينبغى ان تصبح زوجة آشرون. هل كازما مغرمة به؟ ام انها تركز أكثر على ماله و مركزه الاجتماعى؟ إنما , و بغض النظر عن الاسباب التى تدفع كازما للسعى وراء آشرون, ما يهم فعلاً هو متى لم يكن يريدها؟
طرحت تابى على نفسها هذا السؤال بغيظ, و قد تملكتها شكوك زادت من توترها.
اعترفت قبل ان تتمكن من التفكير اكثر و من لجك لسانها "ليتك لم تخفِ عنى اى اسرار. ليتك كنت اكثر صراحة و صدقاً معى."
فقال لها آشرون بصوت أجش "أتنت صادقة إلى حد يرعبنى احياناً و إن اردنا لشهر العسل هذا ان ينجح فعلينا ان نتوصّل إلى تفاهم بشأن مُثلنا العليا."
أنعم آشرون النظر في الوشم الزهرى على ذراع تابى النحيلة مقطباً ثم مرر إصبعه بنعومة عليه قبل ان يقول "إن الجلد تحت الوشم قاسي و خشن كما ان الرسم لم يعد واضحاً. لابد ان من رسم الوشم قد ألحق الضرر ببشرتك."
صرت تابى اسنانها و توترت و هى تحرر يدها من قبضته الخفيفة
"
لا تلمسنى هنا."
تأملتها العينان الداكنتان اللامعتان من تحت الرموش الطويلة الشديدة السواد "لِمَ لا؟"
سألته تابى التى شحي لون وجهها بعد ان قررت ان الاوان قد آن لتخبره الحقيقة "هل سنخوض نقاشاً آخر حول الموضوع فتقترح علىّ ان اخضع لعلاج بالليزر لإزالة الوشم؟"
و صمتت قليلاً قبل ان تردف "اعلم اننى لا اريد ان ازيله لأنه يغطىندبة بشعة. في الواقع, الندبة سبقت الوشم. قام الرجل بعمل رائع إنما لم يستطيع ان يجعل الرسم مثالياً لأن الجلد تحته لم يكن طبيعياً."
ازداد عبوسه مع تقدمها في الكلام و سأل "ما سبب هذه الندبة؟"
ردت تابى بنبرة مُحذرة و هى تبتعد عنه لتقف على قدميها في ظلال اشجار الصنوبر المشرفة على الرمال البيضاء "صدقنى..... لن ترغب في معرفة ذلك."
بعد ان تحققت من ان امبير لا تزال تلعب على البساط في استرخاء تام, و قد بدا فمها الزهرى ناعماً و مسترخياً, سارت تابى باتجاه الشاطئ, قامة نحيلة في سروال قصير و القطعة العليا من لباس البحر.
يا له من رجل! هذا ما خطر لها و هى تكور قبضتيها و تصر بأسنانها في احباط غاضب. في بعض الأحيان, تشعر بأنها ترغب في رميه في البحر عن علو شاهق. لا يترك امرأ ما حتى يكتشف خباياه, و لعل الاسوأ انه رجل يبحث عن الكمال. و على الرغم من انه لا ينوى ان يمضى ما تبقى من حياته معها و مع أمبير إلا انه ما زال يصر على ان يقنعها بإزالة الوشم و هو لا يتراجع عن فكرة لديه. عند الفطور, سألها إن كان يسعدها ان يُرسم وشم مماثل على ذراع امبير و قد خانتها مشاعرها حين نظرت برعب إلى ذراع الطفلة الناعمة. و آشرون بطبيعته المعتادة لاحظ نظرتها المعبرة و تقويمها.
فقال لها برضا عن الذات "أذن, أنتِ نادمة لأنك رسمتِ وشما."
اعترفت ان بعض طباع آشرون مزعجة و تثير غيظها. لكنه, على مدى الشهر الماضى في سردينيا, اثبتت انه رفيق مسلٍ و عشيق مثير و والد صبور و رقيق لـ أمبير. و لم تستطيع تابى ان تفهم في تلك اللحظة كيف مرت الاسابيع الاربعة بلمح البصر. شكل الاسبوع الاول تحدياً لها إذ اضطرت لأن تستعيين بالعصا للتنقل و لقضاء وقتها في منزل الشاطئ. إنما ما ان شُفى كاحلهاحتى راحا يخرجان.
صور اللحظات الخاصة و المميزة التى تشاركانها ملأت ذاكرتها بصور جميلة. تسلقا السلالم الضخمة إلى الحصن ليتأملا المشهد الرائع لسطوح كالغيارى. و بينما كانت لا توال تحاول التقاط انفاسها بسبب الجهد الذى تطلبه الصعود و حرارة الشمس .
اخبرها ان ثمة مصتعد يوصل إلى الاعلى لكنه افترض انها ستستمتع بالتجربة كأى سائح يزور البلاد للمرة الأولى. و لم تسامحه إلا بعد جلست تستمتع بكؤوس عدة من الشراب و النسيم العليل. و لو شاءت ان تقر بالحقيقة الكاملة لقالت ان مقاومتها سقطت تماماً حين شبك اصابعه الطويلة السمراء باصابعها عندما نزلا بالمصعد.
و زارا ذات مساء كاستلساردو, و هى قرية صغيرة جميلة تشرف عليها قلعة سحرية تُضاء كلها ليلاً, احبت امبير الضجة و الوجوه المحيطة بها كما استمتع آشرون بدهشة الطفلة التى ظهرت في عينيها اللامعتين.
في الليلة التالية, بحثا عن تسلية مخصصة للراشدين فرقصا حتى ساعات الفجر في نادى البليونير حيث شعرت تابى بأن النساء الرائعات, ذوات القوام الممشوق اللواتى يبحثن عن صيد ثمين, يحجبنها عن الانظار. و لم يرفع معنوياتها سلوك آشرون الذى تصرّف و كأنه لا يرى في الوجود غيرها و قبلها بشغف في حلبة الرقص.
تزاحمت الذكريات في رأس تابى. ابحرا على مدى يومين على متن اليخت في المنتزه الوطنى لـ مادالينا, و هى مجموعة من الجزر المحمية الغير مسكونة الغنية بالنباتات و الحيوانات البرية. و في اليوم السابق, سبحا عاريين في خليج صغير خالِ منالناس حتى المغيب. و غفت من شدة التعب لتستيقظ و تجد آشرون يشوى عشاءهما, فابتسمت عيناه المذهلتان لها بكسل مما جعل قلبها يتشقلب كالبهلوان.
قاما طبعاً بكافة الامور المعتادة ايضاً, كـ التجول للتفرج على المتاجر الشهيرة في كوستا ازميرلدا, و قد اكتشف آشرون مدهوشاً ان هذا النشاط يسبب مللاً قاتلاً لعروسه.
اعترض قائلاً "لابد انك ترغبين في ان اشترى لك شيئاً ما. لابد انك رأيتِ شيئاً ما اعجبك. انت تدركين ان الشئ الوحيد الذى اشتريته لكِ منذ وصولنا إلى هنا هو تلك البياضات للسرير؟"
رأت تابى البياضات في متجر للاعمال الحرفية فأثار إعجابها هذا القدر من المهارة في انتاج مثل هذا التطريز الرائع و هى التى لطالما كانت خرقاء في استعمال الابرة و الخيط. احبت هذه الهدية الجميلة وا عتبرتها كنزاً, و لم يخطر لها إلا في وقت لاحق انها لن ترى هذه البياضات الشتوية الثقيلة مفروشة على سرير ستتقاسمه مع آشرون و انها ستزين بالتأكيد فراشاً ستنام عليه وحيدة. بعد انقضاء فصل الصيف, سيصبح زواجهما ذكرى من الماضى.
و في حين انها تعلم انهما يخادعان بشأن شهر العسل و انها وقفت إلى جانبه بدافع الواجب ليلتقط لهما المصورين الذين يلاحقون المشاهير, صورة, إلا انها تخشي المدى الذى يمكن ان يصل إليه آشرون كى يجعل علاقتهما تبدو صحيحة و طبيعية من الداخل و الخارج. بالتالى إن شعرت من حين إلى آخر بالتشوش و فكرت فيه على انه زوجها فعلاً, فمن يمكنه ان يلومه على مثل هذا الخطأ؟
او على وقوعها في حبه بشكل جنونى ولا عودة عنه؟ فما من رجل عاملها يوماً كما فعل, و ما من رجل اسعدها مثله. من الطبيعى ان تتحرك مشاعرها لكنها حاولت كبتها قدر الإمكان, مدركة ان آخر ما يرغب فيه آشرون هو قلب محطم و امرأة قلقة, مما سيجعله يشعر بالذنب و الانزعاج.
ليس الذنب ذنبه إن احبته. فهو بالتأكيد لم يخدعها بوعود عظيمة بشأن المستقبل. في الواقع, علمت تابى منذ البداية ان ما مستقبل لهما معاً. و هو لم يكذب و لم يخادع قط بل كان واضحا تماماً. بعد ان ينحجا في تبنى امبير, سيتركان زواجهما المزعوم يذوى و يموت. ستبدأ تابى حياة جديدة مع الطفلة التى تحب, و تفترض ان آشرون سيعود إلى حياته التى تتمحور حول العمل و النساء. هل سنراه مجدداً بعد الطلاق؟ و احست بآلم شديد يفطر قلبها و هى تفكر في هذا المستقبل الكئيب. هل سيرغب آشرون في ان يبقى على علاقة بـ امبير و لو من بعيد؟ أم سيقرر الانفاصال عنهما تماماً و التصرف وكأن امبير غير موجودة؟




عبر آشرون الشاطئ, ولاحظ كيف يبدو وجه تابى ممتلئاً بعد ان اصبحت تتناول ما يكفى من الطعام, كما لاحظ انها لم تعد تقضم أظافرها.... و هى تغييرات صغيرة قدّرها كثيراً.
سألها بعناد قاطعاً حبل افكارها و معيداً إياها إلى الحاضر عبر احتضانها بذراعيه من الخلف, مانعاً إياها من ان تبتعد عنه مجدداً "كيف اصبت بالندبة التى يخفيها الوشم؟ هل تعرضتِ لحادث ما؟
اعترفت تابى التى جعلت ذكريات الماضى بشرتها باردة و رطبه على الرغم من حرارة الشمس "لا.... لم يكن حادث."
ذكرت نفسها بعنادبأنه ساندها و دعمها من قبل, و تملكها شعور بالذنب لأنها انزعجت منه. عندما بكت أمبير في منتصف الليل لأن اسنانها بدأت تبرز و لثتها تؤلمها, هب آشرون لمساعدتها و حاول ان يُلهى الطفلة و يهدئها لتعود إلى النوم مجدداً. لم تتوقع منه ان يساندها لكن اهتمامه بـ امبير لم يكن فاتراً. عندما يتعلق الأمر بالعناية بالطفلة, كان يتقبل برضا انفال لا يبتسمون و يمرحون طوال الوقت.
تحمل المربية الجديدة التى تعمل الآن مع ماليندا اسم تيريزا و هى امرأة إيطالية رقيقة تحب الثرثرة و اللغو ولا تهتم إلا بالمهمة الموكلة إليها. سترحل المربية الانكليزية بعد اسبوع لتعمل لدى عائلة انكليزية.
ذكرها آشرون بإصرار ازعجها "تابى.... طرحت عليكِ سؤالاً. قلتِ ان الندبة ليست نتيجة حادث, إذن..."
جرها من افكارها المتلاطمة و من محاولتها التفكير في اى شئ آخر عدا الماضى الذى يحاول نبشه, فرفعت رأسها وراحت تتأمل البحر قبل ان تعترف له من دون اى شعور او انفعال في صوتها "احرقتنى امى بالحدديد الحامى لأنى ارقت علبة الحليب."
همهم آشرون بكلمات غير مفهومة و هو لا يصدق ما سمعه, و ادارها ليتأمل وجهها الجامد و الشاحب و الالم الذى يملأ عينيها البنفسجيتين.
و شؤحت له بنبرة جامدة "منذ ذلك الحين, لم يعد يُسمح لىّ بالتواجد مع اى من والدىّ من دون إشراف و مراقبة. زُجت امى في السجن لأنها اقدمت على إحراقى و لم أرّ اى منهما بعدها."
أذهلته موجة الغضب العارم التى تحركت في داخله, فسحق جسمها الرقيق على جسمها و لف ذراعيه حولها بقوة أكبر. و ادرك انه يشعر لسبب ما بالغثيان و ان يديه ترتجفان, و ان حاجة دفينة ازعجته تجعل من المستحيل عليه في تلك اللحظة بالذات ألا يلمسها.
"
لابد ان هذا اراحك."
اعترفت تابى بصوت خشن بعد ان علقت الكلمات في حنجرتها الجافة كما لو انها ترفض ان تخرجها للعلن "لا, لم يفعل. لقد احببتهما. لم يككونا محببين و رائعين لكنهما كانا كل ما لدى."
تعلمت في طفولتها ان حركات التودد يمكن ان تُرفض و تُنبذ لكن كل ما ارادته في هذه اللحظة هو ان تلف ذراعيها حول آشرون و تستفيد إلى اقصى حد من المواساة التى يحاول ان يقدمها بشكل أخرق. إلا ان تجارب الطفولة و معرفتها مدى الألم الذى يسببه التخلى و الهجران ابقت جسدها متصلباً في دائرة ذ اعيه.
همس آشرون بنبرة خشنة خافتة "افهم هذا. نادراً ما كنت أرى امى لكنى بقيت احبها إلى اقصى حد...."
"
يا لنا من ثنائى!"
و اختفى توترها و حل محله دموع ملأت عيناها و سالت على خديها, في رد فعل على إفشائها سر لم تُطلع عليه احدا قط من قبل و على اضطرارها لأن تشرح ما حصل.
حدق آشرون في وجهها الذى غسلته الدموع و الذى بدا شاحباً مقارنة مع بشرته المسمرة و فد ارتسم الجمود على ملامح وجهه القوية "لا استطيع ان احتمل فكرة تعرضك للأذى بهذا الشكل...."
ترجته تابى بحرارة "لا.... لا تتحدث في هذا الموضوع! احاول ألا افكر ابداً في ذلك. في سن المراهقة, كنت اتذكر ما حدث كلما نظرت في المرآة و يسألنى الناس احيانا عما حصل لىّ. لهذا السبب رسمت الوشم... لأغطى الندبة و اخفيها."
قال لها آش برضا "إذن, عليكِ ان تكونى فخورة بوشمك. انه علامة بقا. ليتك شرحتى لىّ الامر قبل اسابيع لكنى افهم الآن لما لم تفعلى."
"
بالله عليك. دعنا نتحدث في موضوع مفرح اكثر! اخبرنى شيئاً ما عنك. اعنى, لا بد ان لديك بعض الذكريات السعيدة عن امك؟"
احاط آشرون كتفيها بذراعيه ليقطعا الشاطئ معا و يعودا إلى حيث تركا امبير.
"
في الليلة التى سبقت اليوم الأول لىّ في المدرسة, قدمت لى قلماً باهظ الثمن حُفر عليه اسمى. لم يكن يُسمح لىّ بالطبع ان استعمله في الصف لكن هذا لم يخطر لها. كانت تعشق الحركات الطنانة و الرنانة, و تقول لىّ دوماً إن الأفضل هو ما يستحقه الفرد من اسرة ديميتراكوس....."
علقت تابى بهدوء "لعلها تربت على هذا المنوال. لكنك لم تقل لىّ بعد لِمَ اسعدك ذاك القلم؟"
"
كانت تتجاهلنى عموماً. انما في ذلك الاسبوع, انهت إعادة التأهيل و قلبت هذه الصفحة من حياتها و هى المرة الوحيدة التى جعلتنى اشعر فيها ان امرى يهمها فعلاً. حتى انها القت علىّ خطاباً حول التعليم و اهميته.... خطاب من امرأة تركت الدراسة في سن المراهقة و لا يمكنها ان تقرأ ما هو اعمق من مجلة."
"
هل ما زالت تحتفظ بالقلم؟"
"
أعتقد انه سُرق."
و ابتسم لها ابتسامة ساحرة جعلت قلبها يتخبط في صدرها و انفاسها تتقطع قبل ان يردف "إنما لدى على الأقل هذه اللحظة المثالية لاتذكرها بها."
لم يهدأ آشرون و يرتاح حتى طلب قطعة مجوهرات مميزة لعيد ميلاد تابى القريب و الذى يتصادف في الاسبوع نفسه مع عيد ميلاده. و بعد ان انتهى من هذا الامر, ساوره القلق لأنه تكبد هذا العناء كله من اجل هدية. ما خطبه؟ أى نوع من الرجال سيذهب إلى هذا الحد من أجل امرأة سينفصل عنها في النهاية؟
وهمس صوت صغير في ذهنه المشوش : اهدأ, و لا تُعظم المسألة. لكن تبين انه من المستحيل ان يبقى هادئاً عند التفكير في التجارب القاسية التى عاشتها تابى في طفولتها و التى اظهرت له ان عليه ألا ينظر بهذا القدر من المرارة إلى طفولته الخاصة. كانت والدته مهملة, انانية و غير مسؤولة لكنه لم يشك يوماً في انها تحبه حتى في اسوأ لحظاتها. و لعل والده كان ليتعلم ان يحبه و يقدره ايضاً لولا التدخلات الشيطانية لطرف ثالث.....
هذا الدفق المستمر لهذه الافكار غير المعهودة جعله يلتزم الصمت على العشاء. لاحظ نظرة تابى القلقة, و جن لأنه ادرك انه لم يعد على طبيعته و ان عدم الاهتما بها يمكن ان يجعله يشعر بالذنب, حتى في منتصف هذه التجربة المشوشة. لم يكن آشرون يهوى النقاشات الداخلية و لم يعتد حتى ان يخوضها مما جعل المشاعر التى تثيرها تابى فيه تقلقه و تحيره. إنها غنية و جميلة من الداخل, و اكثر مما يمكن ان يحتمل. و قرر فجأة ان عليه التراجع خطوة إلى الخلف, عليه ان يبعد قليلاً. و ما إن اتخذ القرار حتى احس ان حاله افضل و انه اتعاد السيطرة على الأمور.
قال آشرون و هو يخرج من الحمام و قد لف منشفه حول جسمه النحيل و القوى العضلات "علىّ ان اسافر لبضعة ايام من اجل العمل."
بدا شعره مجعداً, و وجهه الوسيم القسمات ناعماً بعد ان حلق ذقنه فاذهلت روعته تابى و جف فمها قبل ان تتمكن من فهم ما قاله.
عندما ادركت تابى انه سيتركها, تشنجت ثم أنبت نفسها لأنه لم يعمل خلال الاسابيع الاخيرة و لا يتوقع منه ان يحافظ على اسلوب الحياة إلى ما لا نهاية. لا, افسدتها رفقته الدائمة و عليها ان تتعلم سريعاً كيف تتأقلم مع غيابه. هل لهذا السبب بقى هادئاً و متحفظاً خلال العشاء؟ هل كان قلقاً من رد فعلها؟ حسناً, حان الوقت لكى تُظهر له انها قوية و انها ليست من النوع الكثير الشكوى.
ردت بخفة "سأشتاق إليك لكننا سنكون على ما يرام."
صر آشرون اسنانه إذ توقع منها ان تعترض او حتى ان تعرض عليه ان ترافقه. أنها اللحظة التى ظن فيها انها ستتعلق به و ستجعله يشعر بالاختناق. راقبها و هى تصعد إلى السرير, نحيلة و ممشوقة كعود الصفصاف, و سرعان ما تملكته الرغبة بحيث شعر بدوار خفيف. غشت ستارة من المشاعر المتضاربة عينيه فترك المنشفة و اطفأ الاضواء قبل ان ينضم إليها. و راح يقنع نفسه كمن يخوض معركة انه لن يلمسها الليلة, عليه ان يمضى هذه الليلة من دونها.
استدارت تابى التى التمعت عيناها في ضوء القمر نحو آشرون و مررت اصابعها بنعومه في شعر صدره الخشن. اغمض عينيه بيأس. يمكنه دوماً ان يستلقى يفكر في اليونان. إذا قالا لا كـ عذراء خائفة, فستستاء على الارجح و ما من داع لذلك. هل من داعى لذلك؟ لِمَ قد يخاطر بإغضابها؟ خطر له ان الطلاق يمكن ان يحزنها لأنها تتصرف و كأنها مولعة به, و تتودد إليه في السرير إن لم يبادر هو, و لا تفوت فرصة كى تحتضنه في ذراعيها.... إلا انها لم تفعل ذلك بعد ظهر اليوم على الشاطئ حين اخذها بين ذراعيه في محاولة منه لإظهار تعاطفه معها بعد ما اثارته اسئلته من شجن و من ذكريات أليمة لديها. موجة قوية من المشاعر محت افكاره عن السبب الذى منعها من التفاعل معه, و خطرت له فكرة اخرى لم يشأ ان تراوده. خطر له انه لم يكن يوماً يجيد المسائل العاطفية. لعله تصرف بشكل أخرق.
لم يحضنها آشرون لاحقا كما اعتاد ان يفعل فشعرت تابى بالبرد في داخلها و الهجر. تكورت في ناحيتها من الفراش, تكرهه, تحبه, تريده, تعترف ان الحب هو أسوأ تعذيب بالنسبة إلى امرأة. و خطر لها بألم ان ما من فائدة في ان ترغب دوماً في ما لن يمنحها إياه, و لا يريد ان يمنحها إياه. لم يكن طلاقهما محتماً بل مكتوباً ايضاً في عقد ما قبل الزواج و الذى لا فرار منه.
لعله لا يزال يكن بعض المشاعر لـ كازما التى لم يناقش امرها علماً انها فتحت الحوار بينهما مرات عدة كى تمنحه فرصة الكلام. لكن محاولة جعل آشرون يتحدث عما لا يرغب في التحدث عنه هو أشبه بمحاولة إخراج الدم من الحجر. و هى تعلم بحكم التجربة ان الناس يتجنبون الحديث في المواضيع التى تخجلهم او تزعجهم مما يعنى ان علاقته الفاشلة مع كازما كانت عميقة لتخلّف مثل هذه الحساسية الجلية و المميزة....
في اليوم التالى استفاقت تابى من نومها لتكتشف ان آشرون سافر باكرا و لم يترك لها حتى كلمة واحدة. امضت يوماً هادئاً مع امبير و في اليوم التالى بدأ صمت آشرون يزعجها. لم يكن مضطر للتواصل معها بما انه لم يغيب سوى ثمانية و اربعون ساعة كما انها ليست ضعيفة بحيث تحتاج لأن يطمئن عليها كل يوم. لكن حين استلقت في السرير الذى بدا فارغاً من دونه, شعرت تابى باليوم يمتد امامها كـ اللوح الابيض, ملئ بالتوقع و الحماسة و السعادة.
ازعجها مزاجها فدخلت الحمام حيث استحمت و ارتدت ملابسها ثم خرجت لتلقى نظرة على صورتها في المرآة الطويلة في غرفة النوم و تساءلت لما لا تستطيع ان ترى بوضوح؟
اقتربت بشكل آلى لترى ما خطب المرآة فاكتشفت ان احدهما كتب شيئاً ما عليها و قطبت غير مصدقة ما تقرأه

"إنه يستغلك!"

لِمَ قد يكتب احدهم هذا على المرآة لتقرأه؟ يبدو جلياً ان الرسالة موجهة إليها شخصياً و يفترض ان آشرون هو المقصود.
ما معنى هذا؟ مهما كان المقصود إلا انه يبين ان شخص ما دخل إلى غرفتهما اثناء وجودها في الحمام و ترك رسالة بهدف صدمها و اهانتها. على اى حال, لا يمكن ان يترك مثل هذه الرسالة سوى شخص من البيت, و هذه الفكرة جعلت جلدها كله يقشعر.
رفعت هاتف المنزل من دون تردد و طلبت التحدث لـ ديمترى, رئيس الجهاز الامنى الذى انضم إليها حتى قبل ان تنهى حديثها ليرى المرآة بنفسه. أخذ المسألة على محمل الجد على الرغم من ان تعابيره لم تعكس افكاره. تركت تابى ديمترى, الرجل قليل الكلام و نزلت السلالم لتتناول الفطور .





نهاية الفصل التاسع


الساعة الآن 08:26 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.