آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : عنووود - )           »          1014 - معا إلى الأبد - ليز فيلدينغ . د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          خفايا الروح / للكاتبة أنجال مكتملة (الكاتـب : درة الاحساء - )           »          133 - وداعا يا حب - روبين دونالد (الكاتـب : حبة رمان - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          طائف في رحلة أبدية *متميزه ومكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-05-19, 06:18 PM   #1

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25 طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ ، للكاتبة/ حِرز






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

(( طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ ))

للكاتبة/ حِرز



قراءة ممتعة للجميع ...




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 12-05-19 الساعة 04:08 PM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:20 PM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية : طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ .
بقلم : حِرز.


لستِ التي تمنيتْ ! (1)



الأسِتانة (إسطنبول).
1 فبراير 1632م (10 رجب 1041ه).


في سردابٍ ما ..
تجلس في غرفة بسيطة على الطرفِ المُقابل لمقدمة سرير منخفض وصغِير بغطائين أحدهما أثقل مِن الآخر ووسادة.
تفتح عينيها ذات الأهدابْ المبتلة لتطرد ذِكرى ما ..
والشمس تنشر أشِعتها داخل الغرفة من خلال ثقوب النافذة الزخرفية, أشعة الشمس تجعل من عدسة عينيها كعسلِ دوار الشمس تماما, وتجعل من دمُوعها أكثرَ حرقة في عينيها, أشعة الشمس تلكْ .. ليستْ إلا دافع لإحتجاز الدمع بين زوايّا عينيها من ثمُ إنهمارها.
تنبهت من هذه الخَلْوة بنفسها لصوتٍ خارج الغرفة, عقدت حاجبيها بإستغراب ووقفت وقبل أن تخرج إجتذبت غطاء أبيض لفته حول وجهها.
تهتف وبعض القلق يتسللُ لقلبها من الصوت : أنت بدر ؟
كادتْ أن تخطي خَطْوة لكن فاجئتها قطرات الدمِ المراقة علَى الأرض, عقدت حاجبيها بدهشة وفغَرت فمها, رفعت رأسها وهي تهتُف بصوت أعلى ونبرة هادئة : بدر
بحثت في غرفته أولًا ولم تجده, ثم إتجهت للحمام, فتحتِ الباب ببطء بعد أن طرقته لتجدهُ يجلس على الأرض وبعض أدوات العلاج بقربه, والدماء تسيل من ثقبٍ في صدره ويحاول تمزيق ملابسه بواسطة مِقص, نظر إليها لثوانٍ ثم أشار إليها بالإقتراب وأنفاسه تدل على أنه ليس على مايرام.
إتجهت إليه وجلست وهي تثني ساقيها خلف فخذيها, فتحت أزرارَ البدلةِ العلوية ثم ساعدته في إنتزاعها بحذر وكذلك مع قميصه الأبيض الرقِيق لكنها قصته بواسطة المقص المرة لئلا يخسرا الوقتْ.
أنفاسها تتصاعد بخوف, تهدأ نفسها بأنه ليس وقت الخوف,نظفت الجرح وهي تنتفض في كل مرة خرجت آهة من فمه, حاولتْ خياطة الجرح لكن كمية الدماء الخارجة وخزت قلبها لتنظر إليه بخوف .
ينظر إليها بهدوء وصدره يعلو وينزل بإستمرارْ, أكملت الخياطة وقلبها لا يطاوعها على تركِه, لكن سرعان ما إبتعدتْ خطوات للخلف وهِي تشعرُ بتعكر في معدتها ودوار في رأسها, نظرت إليه بنفور بينما يرقب هو مساعدتها ثم وقفت وخرجت مسرعة وهي تلهث.
بلل شفتيه بلسانه وأغمض عينيه وهو يرفع رأسه للأعلى ويسنده للجِدار الذي هو مسند ظهره إليه, ثم أكمل خياطة جرحه بنفسه.


بدر .. سبعة وثلاثين سنة, متمرد وهوايته هي أكبر تمرداته .. فنان يصنع مشاعره على هيئة لوحات وصور لا يلتفت إليها سوى هواة الفن, لكنه بأجداده رجل عربي نجدي مقتدر وثري مُلفت.
بتول, تسعة وعشرين سنة.
.
.
.

يستلقي فوقَ سريره وغطاءُ السرير الأسود يمتد فوقَ ساقيه, وعن يمينه يجلس ثلاثة رجالٍ على كراسي, يهتف أحدهم وكان ذو لحية كثيفةٍ ناصعة البياض ويبدوا على وجهه الوقارْ : الحمد الله .. بالسلامة بدرْ .. أجر أجر
الذي يجلس عن يمين الشيخ وإسمه محمّد : عسى ما عرفوك ؟
يُشير بدر بلا ليردف محمد : لازم يشوفه حكيم .. مو أي جرح تداويه بنفسك
يهتفُ آخر والمسمّى بـعبدالله : راح نرسلك الحكيم .. يتأكد أن ما فيه خطر
يهزُ رأسه بالإيجاب ولا قدرةَ لديهْ لمناقشة أحد أو المكابرة, الشيخ يشير للرجلين بعينيه ليخرجا, ويهمسُ ما إن شهدَ خروجهما وهو ينظر لبدر : مين ساعدك ؟
يصمت لثوانٍ, ثم يشتت نظره وهو يزفر ليهمس بإجابة يُدرك أنها لن تنال إستحسان الشيخ : البنت يشيخْ
يهمُ بالوقوف ليتقدم بدر قليلا للأمام ويضع يدهُ فوقَ يده وهو يهتفُ بتعجبٍ من إنفعاله : يشيخ .. تفضل إجلسْ
يستند مرة أخرى , يجلس الشيخ بهدوء وهو يهمس بحدة : دّخلت هالكافرة القبو وماقلت شي عن هذا, لكن تتمادى أكثر من كذا ما راح أسمح
بدر بتعجبْ : وش هالكلام يشيخ ؟ كنت محاتج مساعدة أحد
يُقاطعه : عارف وجهة نظري بهالموضوع, إن كان ودك تمشي معنا بنفس الطريق ما تقرب الحرام, وش تسوي هالغريبة عليك في دارك ..
بدر يهمس بحدة : سمعت كل كلامنا هذاك اليوم ..
الآخر بإنفعال : قلت لك نسكتها
بدر بحدة : والقتل ماهو حرام فضل ؟
فضل يمسحُ وجههُ بكفيه, ينظر إليه ويهمس بنبرة هادئة : سويت مني قاتل .. أنا متى قلت نقتلها ؟ إن كان ولا بد ودها عند أهلك يا بدر !
بدر : حتى تفضحني عند أهلي ؟ لازم تظل هنا تحت عيني
فضل يقفُ ويهتف بحدة : الموضوع أصلا أنه ما يجوز تكون تحت عينك
بدر يعتدل في جلوسه, يهمس : تأكد أنها حريصة على نفسها أكثر مني ..
فضل : هالكافرة وش تفهم من العفة ....
يقاطعه بحدة : بتول ماهي بكافرة فضل يكفي أنها تصلي
فضل يتجاهل إسمها : اللي يهمني إنك ما تأوي كافرة وبس .. وإلا إن كانت بتعرف ربها مالي أقول شي ..
بدر يصمت قليلًا قبل أن يهتفْ : فضلْ أنا بحط عيني على أعراض الناس ؟ .... كف لسانك عني وعن هالغريبة ..
فضل قبل أن يذهب ويُعلن صوت البابِ عن غضبه : لا تحور بالكلام .. أنا قاعد أوصِيك وأنهيك عن السُوء, وأنت حر لكنها تظل غريبة وأنت منتْ بمحرم لها, وأنا ما أدخل بيتك وفيه منكرْ.


الشيخ فضل , عبد الله ومحمد, إخوة بدر بالدم.

.
.
.

" قلت لك من قبل؛ ممكن لو تزوجنا بغير شروط كنت تقبلتك, اللي ينفرني منك هو مجبوريتي عليك وأنا مادري ليه مجبور ماهو أنتِ"
يالله أنا لست راغبةً فيه, أنا مضطرة إليه وحسب, تلك البساطة التي ينطق بها جمله تُشعرني بالذُل.
.. ما فهمته في هذا القصر أني كوني إبنة غير شرعية لا بد لي من التخلي عن مشاعري وأدبي لأستطيع مجابهة هذه الإهانات ولأستطيع ترميم قلبي بعد كل كسر.
بدر حتى وإن حاول إخفاء إشمئزازه مني أنا ألحظ هذا ..
يقولها بكل قسوة قلب بشكل أو بآخر أنه لا يتقبل زوجة وُلدت أصلًا خارِج إطار الزواج, يقولها دون أن يُدرك قسوتها يقولها دونَ أن يدرك الحطامْ الناتِج عن قلبي والمتراكِم في قاعي.
وأنا أُردّد في داخلي أن شفقة البعض وإشمئزازْ الآخر لَن يؤثر فيّ, وإن لَحظت منهمُ الشفقةَ أو النفور أتعالَى وكأنّي إمرأةً طبيعية والجميعُ يصدق ويستغرب تأقلمي مع عَدم شرعيتيْ, بينما أوداجي تنتفخ! .. بينما أنا أشعر بالعروقِ في عينيّ تتضخم لمنع هذه الدموع ولتزايد الغصّاتِ والحَشَارجُ في عُنقي.
تقِفُ قرب النافذة المفتوحة, مُرتديةً ثوبَ نومِها الرقِيق, وتكادُ أن تسقط على الأرض لولَا يديهِ التي رفَعتها بعد أن دخل دون أتشعر به.
إتجه إلى الحمام لإستشعاره حرارة جسدها ليضعها على الأرض ورأسها على صدره ثم يقوم بصب الماء الباردِ فوقَ جسدها بإستمرار لترتعشْ.
بعد مرور وقتٍ ليس بقصير, كانت تدثر في فراشها وهو يقف بعيدًا عنْها ويرمِي الحطبَ في المدفئة هاتفا : الله يصلحك زينب .. كم مرة قلت لك لو حسيتي بحرارة لا تغتسلين بمويه حارة .. "فأبرِدُوها بالمَاءْ"
بعد أن أوقد النار إتجه إليها ليجلس بجانب بطنها ليراها تمسك بكوب الحليب الدافئ بين يديها وهي ترتعش.
يهمس بهدوء وهو ينظر إليها : اللحين يدفأ المكان .. إشربي الحليبْ .. فيه زنجبيل .. خلي داخلك يدفأ
إرتشفت من كوب الحليب ثم همستْ بإبتسامة : أنت سويته ؟
بدر يبادلها الإبتسامة : أنا سويته
زينب بضحكة : لو عرفت فاضلة أنك سويته ...
يقاطعها وهو يحاول منع إبتسامته من الظهور : عيب زينب
ينظر إليها بهدوء, تشرب من الحليب مرة وتبتسم إليه مرة, كأنها تتذكر الآن بعض الأشياء المضحكة ولا تذكرها تجنبا لكلمة عيب التي سينطقها في كل مرة.
زَينب ترفعِ بؤبؤ عينيها للأعلى وكأنها بذلك سترى شعرها وتحاول تهدأته بيدها اليسرى هاتفة : أوه من يدري كيف شكل شعري اللحين ..
بدر ينظر لشعرها الأسود الفاحم الخالي من أي إلتواءات ويهمس بهدوء : حلو .. يعني عادي ماهو مثل ما تتخيلين
بدت وكأنها تطلب رأيه في شعرها الناعم وهي قد نطقتها بعفوية تامة, تضع كأس الحليب جانبا وقد شربت أكثر من نصفه, بينما ينظر هو إليها بهدوء.
أحبها .. منذُ سنينَ طويلة وهي إلى جانبي كصديقة غالية, مرات عديدة تفتنني ولا سيما في مرضها هذا الذي يجعل كل جزء من وجهها باللون الأحمر وأمتنع عنها, حتى هي لا ترغب فيّ لإدراكها بأنها ليست التي تمنيت!.
تبتسم, تقترب منها بهدوء وتضع يدا فوق صدرِه, أنا والله أمتنع عن هذا القرب لأني أشعر بالغربة والخيانة .. وأنا أُقبلك .. ما أرى إلا رجلٌ آخر وأنتَ لا ترى فيّ سوى إمرأة لمْ تتمناها!.
ترفع يدها عن صدرِه وتجتذب أنفاسها من بين شفتيهْ, وبخلاف العادة نظرتْ فِي عينيه طويلًا .. قبل أن تستلقِي عَن يمينها بتجاهلٍ لَه هتفت : أعتذر, خلينا ما نفسد اتفاقنا
في الأمس وجه جملته المعتادة بأنه لا يتقبّلني, لم يساعدني الآن بدل أن يستدعي طبيبة ؟ لم لاينفر مني كعادته ؟ هل جبرًا لخاطري أم أنه إرضاءًا لضميره ؟!.


زينب .. ثلاثة وثلاثين سنة, زوجة بدر منذ سنين, فائقة الجمال مفتقرة للأدب وعديمة حدود.

.
.
.

هذا الشعر الذي كان ينساب كالحرير باتت ترفعه لأن عنقها يكاد أن يختنق لفرطِ ما تغنجت به وهو ملقىً على كتفيها .
كلما نظرت الآن لصورتها في المرآة تتعجب, لقد أوشك هذا الجسد على الفناء, فتنته التي تسببت في إزهاق أرواح تبدتت الآن.
إسمها تغيّر لمواراة الماضي والتخلص مِنه, بَهُت لونُ عينيها وذهبَ إمتلاءُ شفتيها, وتنرسم بعض الخطوط في كُلِ إبتسامة, سنة واحدة من الفساد والطيش مقابلَ ستةَ عقودٍ من التكتم على العيوبْ والفرارَ من زمانٍ ذاهب منقضي.
تخرج من جناحها لتتجه نحو جناحٍ آخر, تطرق بابه ثم تدخل لصالة الجناح ما إن سمعت إذن الدخول, وبدخولها إنحنت الخادمة الواقفة قرب الأريكة.
الأخرى تهز رأسها كناية عن الإحترام لبدر وهي تهتف : حفيدي بدر!.
الآخر الذي كان يقف خلف المرآة إتجه إليها ليقبل كفها ثم عادَ ووقف أمام المرآة.
تهتفُ بلهجة عامية مختلطة بالفصحى : بما أنك تهرب هذه الأيام من القصر أحببت أزورك هنا في وقت باكر
يبتسم إليها وهو يرتدي خاتمه, ثم بهدوء يرتدي معطفه ذو اللون البني الفاتح وهو يهتف : لُطف منك .. تفضلي إجلسي حتى تشربي قهوة الصباح معي
تجلس بهدوء وتراقبه كيف يجلس على مقعد ويرتدي حذاءه البوت هاتفة : زينب وين ؟
وأخيرا يقف ويجتذب العمامة ذات اللون البني الداكن والتي تحوي حجر الياقوت الأصفر في منتصفها؛ ليضعها فوق رأسه وهو يهتف : لسه نايمة
يتجه إليها ويجلس لتبدأ الخادمة بصب القهوة لكليهما.
يرتشف من القهوة بهدوء ويعقد حاجبيه ما إن هتفت : سمعت أنك تدخلت بحادثة جارية في السوق قبل أيام.
يضع القهوة على الطاولة وقبل أن يتكلم همست بهدوء وهي تأخذ فنجانها : ما راح أقول لزينب, تطمن ..
بدر يبتسم ويهمس بصبر : وأنا أخاف زينب .. أمي فاضلة ؟
تزفر قبل أن ترد بإنهاك : آه حفيدي .. أنا مهما حاولت أكون صالحة في عينك وعين أمير أعجز, للأسف اللي صار قبل سنوات أعدم ثقتكم في جدتكم .. لكن مافيه عتب عليكم بالتأكيد تفضلو تصدقوا والدتكم على تصديق جدتكم .. أنا أيضا كنت أصدق والدتي بعض الأحيان رغم معرفتي بأنها تكذب .. طبعا هذا ما يعني إنكاري .. أعترف إرتكبت بعض الذنوب فيما مضى في حق والدتكم ..
تنظر إليه لتستشف اللين من عينيه هامسة: لكن كفرت عن ذنبي .. والله يقبل التوبة إن شاء .. في المقابل الإفتراء وشهود الزور في حقي ليسوا قلة .. الله يسامحهم جميعا
يبتسم بهدوء ويرد: غيرتي الموضوع ؟
فاضلة تنظر للأسفل بهدوء : كنت أوضح لك كيف دائما ظنك سيء في جدتك
بدر بإبتسامة : حتى أثبت لك كيف ظني فيك حسن, أنا أطلب تصديقك على زواجي الثاني .. وأعتبر الزواج باطل بدونه !!
تنظر إليه بهدوء وبعض الخطوط الخفيفة تنرسم في وجهها لإبتسامتها إندهاشا من ذكاءه, والآخر تتسع ابتسامته لابتسامتها؛ لطالما شعر بأن إبتسامتها تبعث الراحة في النفس.


فاضلة .. تجاوزت عتي العمر, هناك نوعان من الجدات في القصص, النوع الأول طيب والآخر شرير , وهي الجدة المخالفة لهن.

.
.
.

تجلسُ على السرير وقرب الشرفة وهي تنظر بسكونٍ لزهرةِ ياسمين نبتت في الطرف الآخر من النافذة محكمة الإغلاق.
كيف نبتت هذه الزهرة هنا ؟ ما إسمُها ؟ لمَ هي مُنكسرة ومائلة بهذه الصورة ؟
حاولت مد إصبعيها من خلال الثقوب لإجتذابها لكنها تراجعت وهي تهمس بعفوية, بَتول : ليتني مكانك!.
إبتسمت إبتسامة ساخرة فيما بعد وهي تتذكر إحدى القصص المشابهة لأمنيتها!.

.
.
.

يترجل من خيله ويعقد طرف لجامه في المكان المخصص ثم يدخل للمنزل ومنه إلى القبو.
يعقد حاجبيه بإستغراب وهو يدفع الباب عندما أحس بأنه مفتوح, ليركله بغضب ما إن فُتح ثم يخرج.
يقف قرب خيله الأسود ويتلفت يمنة ويسرة لعله يدركها إن لم تكن قد غادرت هذا المكان فِي منتصف الليل .
في طرفٍ آخر, تتجول في السوق بهدوءْ وهِي ترتدي ملاءة سوداء رغم أنها رجالية قد وجدتها بين أشياءه, وفي كل مرة تلحظ أن أحدهم ينظرُ إليها كانت تشد الملاءة على وجهها لتخفيه.
تتأمل السوق, في جهة يقفُ بائع القماش الهندي خلف بضاعته وهو يناقش مع أحد المشترين أمور البلاد, وعن يمينه بائعُ الحبوب والبهارات, وعن يمين الآخر كانوا بضعة رجالٍ يلتفون حول طاولة خشبية منخفظة ويتبادلون طرف الحديث ويشربون الحليب المغلي, كم إشتهته بعد أن لسعها الهواء البارد.
ودون أن تلقي نظرة على باقي السوق إتجهت إلى نهايته, تابعت طريقها حتى خرجت من السوق لتفاجئ بيدٍ أحاطت فمها, وبذراعٍ أحاطت خصرها ويد هذه الذراع تُمسك بخنجر وتخفيه أسفل ملاءة بتول.
ميزت رائحته وشعرت بالإطمئنان ولو قليلًا, تمد قدمها لترفس ساقيه مابين ركبتيه ليسقط على الأرض ولشدة تمسكه بها وقعت في حجره ومازال الخنجر مصوبًا نحو بطنها !.
يقف بسرعة وهو يجتذبها, يهمس بهدوء : إذا وعدتيني نتفاهم بالكلام زي البشر من دون صراخ .. راح أرفع إيدي
تهز رأسها بالإيجاب ليرفع يده, تلتفت بغضب وهي تدفعه : كيف تتجرأ وتحط يدك عليّ
بدر : للضرورة أحكام, راح أتوضأ مرة ثانية عموما
تنظر له بحدة ليردف : إذا كانت الحكاية اللي قلتي لي إياها عن نفسك صحيحة .. فهذا يعني مالك مكان تروحيه ..
يُكمل دون تحمل لكتم غضبه : على أساس راح أساعدك توصلين لأهلك وفي المقابل راح تسكرين فمك ؟
بَتول تعقد حاجبيها : لا تستهين فيني .. أنا أعرف أنك كنت تسايرني
بدر يصمت قليلًا ثم يهمس بضيق : والله الحق عليّ اللي ....
تقاطعه بتعالي وهي ترفع سبابتها بتحذير في وجهه : لا تمن, أذكرك أني أنقذتك صباح الأمس.

.
.
.

يقف قرب الباب شبه المفتوح وينظرُ إليها بهدوء, لا يزال يتذكر كيف أنه أمسك بها وهي هاربة ظنًا مِنه أنها لصة, وبعد أن ظن أنها حرة عربية بكلمات سريعة منها عندما فهمت هي الأخرى أنه عربي بسؤالٍ عفوي منه إشتراها من ذلك التاجر حتى يبقيها عنده.
يدخل الغرفة ويتجه إليها بهدوء, بينما كانت تتجاهل النظر إليه وتنظر إلى الجدار عن يسارها.
ما إن وقف أمامها نظرت إليه بعينين محمرتين إثر إحتجاز الدمع بينهما, الهواء الذي يُحيط بجسدي بارد يختلف كليا عن أرض العرب الدافئة تلكْ, وبفقد الأحبة أحاط البرد بفؤادي أيضًا, هل هذا هو ثمنُ الحنينِ إلى الديارْ ؟ هل أعود وأهلي لموطني ليفاجئني بهذا القدر وكأنه يقول لقد هجرتموني سابقًا وهذا المقابل ؟! .. وهذه دمعة ملّت الإلتصاق بالأهداب وهوّت .. وفمي ويدي مقيدان لست بقادرة على مسح هذه الدمعة ولا التحجج بذرة غبارٍ إنحشرت بين جفنيّ.
ينزع القماش من فمها ثم يجلس في الطرف المقابل لها على السرير حيث مسافة لا بأس بها تفصلُ بينها وبينه.
تهمس بنبرة مخنوقة : مساعدتك اللي تلطفت فيها عليّ عشاني عربية .. تقدر تتراجع عنها لما أقولك اللحين أني كذبت عليك حتى تساعدني ؟
بدر بهدوء يستفزها : أعرف أن أصولك هنا, التاجر اللي شريتك منه شرح لي .
الأخرى بحشرجة : مو صحيح .. ملكك لي ماهو صحيح .. أنا قلت لك ألف مرة أني حرة ..
يقاطعها : تمام خلينا نصحح ملكي لك.
ترفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس ودمعة أخرى تسقط من عينها : عفوًا ؟
بدر : بشكل آخر, أنا أطلبك لنفسي على سنة الله ورسوله.
تنظر إليه بدهشة للحظاتٍ طويلة قبل أن تهتف : أبدًا!, مستحيل أتزوج مجرم مثلك, من وين طلعت بهالقرار .. ما فكرت أني متزوجة ؟
بدر : بس أنتِ ملك يميني
بَتول بحدة : أنا ماني ملك يمينك أو غيره, قلت لك ملكك غير صحيح, وبما أنك قلت نصححه .. يعني فاهم أنه غلط.
بدر بهدوء : انتِ متزوجة ؟
بَتول بحدة : ما يعنيك
تردف بإستهزاء : وبإختصار .. أنا أرفض عرضك الخيالي بيهزادم (سيدي).
بدر وهو يقف : وأنا أعطيك فرصة تفكرين أكثر من مرة
تراقبه كيف يتجه إلى الباب لتهتف : وين ؟ تعال فك الحبال
يتجاهلها ويخرج لتصرخ متأففة بقهر وهي تضرب ظهرها مرارا بما خلفه, تصرخ بنبرة باكية : أنا ماني لعبة في إيدك وإيد غيرك, فكني إذا صرخت بصوت أعلى راح ألم اللي حولنا عليك
تصرخ : أوووووف ياربي
يعود بعد لحظاتٍ ويتجه إليها ممسكا بسكين ليقطع الحبال الذي عقدها بشدة, يهمس بهدوء وهو يرمي الحبال جانبًا : راح أطلع, إنتبهي تتحركي من مكانك .
تنظر إليه بإستغراب, ماهذه التناقضات؟ .

.
.
.

ظُهرًا ..!
يجلسُ خلف مكتبه مرتديا ملابس النوم الأنيقة, سروال وقميص ذو فتحة واسعة وطويل من نسيج أطلس ذو اللون الأزرق.
تجاوز الخمسون, بعض الشعيرات البيضاء توزعت في شعره الداكن وفي لحيته الكثيفة نوعًا ما, والهالات السوداء المنتشرة أسفل عينيه المعبرة عن قِلة نومه تتنافر مع لون بشرته الأبيض, ومع ذلك لايزال يبدو شابًا.
يمسك بالغليون في يده ويرفع إحدى قدميه ليضعها فوق الكرسي بينما تسكن الأخرى على الأرض, يمسح بيده الأخرى على لحيته وهو ينظر للأوراق الكثيرة المتناثرة فوق المكتب.
يهتف بصوت جهوري وحاد ما إن طُرق الباب : إدخل ..
تدخل فاضلة ويُغلق الباب مِن خلفها, تتجه إليه وتقف أمام المكتب لتنحني إنحناءة بسيطة وهي تمسك بطرفي ثوبها متبعةً آداب تعشق الإلتزام بها.
يهمس بهدوء بعد أن تنهد : تفضلي أمي تفضلي
تتجه إليه لتقف بجانبه وهي تهمس : لا .. ما راح أزعجك أحمد
تنظر لحاله ثم تهتف : أنت مشوش في إيش إبني ؟
أحمد بهدوء : في أولادي .. وفاطمة .. وإنتِ طبعًا
وبخفوت : وهاجَر .. !
ينظر إليها ويود أن يستشف شيئا من تعابير وجهها, تنظر إليه بهدوء وتهمس : هاجر ؟
أحمد : أحيانا أحس أني ظالمها يمه .. وأولادي شايلين عليّ عشان أمهم.
يردف وهو ينظر للمكتب بشرود : أمير يعاتبني بعيونه .. وبدر يكرهني .. حتى جَوْداء تنفر مني.
يزفر ثم يكمل : لكني في الأول إعتذرت كثير كنت أبغاها تظل معي, هي اللي غلطت.
ينظر إليها : يعني أنا ما ظلمتها ...
فاضلة وقبل أن ينهي جملته : لا روحي أحمد, أنت ما ظلمتها.
تردف بحدة : وقسوة قلوب أولادك عليك هاجر سببها, ثق أنها قست قلوبهم على والدهم.
تنظر للأوراق وتهمس : لازم الدماء ترجع إلى مجاريها .. لازم تليّن قلوب أولادك.
ورغم أن آخر جملة نطقتها كانت تخص الحديث التي ستبدأ به الآن هتفت : إترك الموضوع هذا جانبا, قررت إلى مين راح تعطي خاتمك ؟
يترك الغليون ويعتدل في جلوسه, يزفر قبل أن يهتف : أمير
بعد أن كانت تنظر ليده كيف تضع الغليون إنتفضت لإسم أمير ونظرت إليه, تهمس بدهشة : هل أمير ؟
أحمد : أخوتي ما أعتمد عليهم العفو منكْ, ودخيل صغير .. وبدر ما أوثق فيه , أمير الوحيد اللي أعرف أنه مهما شال عليّ ضميره حي .. هو الأدين
بللت شفتيها بإرتباك ثم نظرت إليه : في رأيي .. أولا أنك لازم تسلم الأمور للأكفأ مش للأديّن, أمير وش يفهم من أمور التجارة والإدارة وغيره ؟ ثانيًا حفيدي بدر يصلح يكون قائد .. فضلا على أنه لازم يتعوض .. نصف عمره ضاع بجانب إمرأة لا يرغب بها مقابل رضاك عنه.
أحمد : ودخيل ؟
فاضلة بهدوء وهي تشعر بإقتناعه : بدر ما يرتكب خطأ مثل أنه يحرم أخوه من حقوقه, ورغم هذا إن كان فيه إمكانية لإعطاء دخيل مُلك .. كضمان إليه .
أحمد : كنت عارف إختيارك من الأول, أنتِ تلمحين تفضيلك لبدر يمّه .. حتى أنك ما وضعتِ دخيلْ من من الإختيارات .. مانتي متقبلته هو وأخته للآن صح ؟
فاضلة بإنكار : أبدًا, إعرف أني ما أفضل جميع أولادك على دخيل ورفيدة, أنا أرجح الأفضل لمصلحة العائلة.

.
.
.

تتجول في صالة القبو ولم تنزع ملاءته بعد, تتأمل لوحاته بهدوء.
ترفع الغطاء عن أحد اللوحاتْ, كانت لفتاةٍ يبدو أنها لم تتجاوز العشرين عامًا, من هذه؟
تغطي اللوحة وهي تفكر, كم من التساؤلات التي يجب أن أطرحها ليجيب عليها وكم من التساؤلات التي تبيّن إنعدام منطقية الرجل وكثرة تناقضاته ؟.
تتجه إلى الباب بهدوء وتخرج لتصعدَ إلى الأعلى, تتجه إلى باب المنزل لتجد أنه مازال مكسورًا كما تركته وكأنها دعوة للخروجْ.
تخرج, تتجول في السوق بهدوء وهي تشعر بخطواتٍ من خلفها وتتجاهلها, تتوقف فجأة عن الحراك ثم تتجه إلى أحد البيوت لتقف قرب جداره المتهالك وتنظر لرجلٍ ما, تشد شقي الملاءة على جسمها أكثر وتشد الجزء العلوي من الملاءة لرأسها وكأنها تحاول الإختباء بذلك.
تنظر إليه كيف يقف أمام بائع القماش وكأنه يتناقش معه في أمرٍ أبعد ما يكون عن البيع والشراء.
ربما يسأل عنها ويبحث كالآخرين من عائلتها ؟ ربما وضعه الله في طريقها ليدلها على عائلتها, لكنها تخافه !.
تنظر إليه بتردد, وبينما كانت تفكر هتف صوت مِن خلفها : مين هذا ؟!

.
.
.

تجلس متربعة على أريكة في غرفتها وهي تمسك بكأس ماء ترتشف منه بينِ الدقيقة والأخرى, ويجلس قربها دخيل ويقرأ كتابًا.
يحنُ إلى ضرتي هاجَر رغم مرور تلك السنين ورغم ما إقترفته هاجرْ, يرفع دخيل رأسه ويسبح الله قبل أن يهتف بمعلومة, لتقاطعه بلهجة تشابه لهجة الجدة فاضلة : والدك إختار أمير
يعقد الآخر حاجبيه بإستغراب ويهمس : ما فهمت أمي ؟ إختار أمير عشان إيش ؟
تنظر إليه بهدوء, ترفع حاجبيها بعفوية وهي تضع كأس الماء فوق الطاولة الخشبية الرفيعة ثم تنظر إليه مرة أخرى وتهتف بهدوء : إختاره حتى يسلمه الخاتم, والقصر, وحتى ملابسك اللي ترتديها .
دخيل دون إهتمام كبير : توقعته يختار أخوي بدر.
تنظر إليه بدهشة وتهتف : كيف ؟ وش هالأريحية ؟ من المفترض تسعى حتى يعطيك أنت .. تقول توقعت بدرْ
تهمس بسخرية من حالها وهي تشتت نظرها عن ولدها : وجدتك ترجح بدرْ, تقول لازم يتعوض, وأساسًا أمير عينه ليست في الملك والمال ويُمْكن أن يرجح هو بدر أيضا .. وإن إقتنع والدك .. أول عمل يقوم به بدر هو طردنا من القصر.
دخيلْ دون إهتمام : ما يقدر حتى لو يبغى
يقف بهدوء لتهمس بتعجب : كيف تقدر تكون بهذا البرود ؟!.
يجيب : أمي فاطمة, أحب أذكرك أن الوضع هذا أنتو السبب فيه, أنا لايمكن أعيش حاليًا إلا بلطف من والدي .. وبعد وفاته لا سمح الله .. أنا أعيش برحمة من أخوتي.
تقف بهدوء وهي تنظر إليه وعيناها تنطق بالإعتذار, تهمس : أنا ما أقدر أقدم أي عذر إبني .. لكني رغم هذا أعتذر
يخرج ليتجه نحو جناحه ويدخله بهدوء تاركًا والدته تتبع خطاه بعينيها الحزينتين, يرمي الكتاب بحنق على الأريكة ويرمي بجسده فوق السرير.
يرفعُ جسده ما إن شعر بإغلاق للباب, تتجه من دخلت إليه وتجلس عن يمينه وكأنها تتسائل عن سبب غضبه بعينيها, يهمس بغيظ وعينيه تحمّر وقطرات العرق تتساقط من جبينه : رفيدة هذا مو عدل .. أنا اللي لازم أتعوض .. مايحق لي أي شي .. حتى أكون من ضمن الخيارات بين أخواني مايحق لي .. بدون أي سبب أنا لازم أنلعن طول حياتي لازم ***********
تضع يدها فوق كتفهِ وتهمس : إهدأ دخيل ..


دخيلْ , والذي لم يَختار إسمه عبثا وعشوائية وإنما إختاره والده ليصفه بالدخيل كما يظن, إبن لأحمد النجدي من زوجته الثانية وأخٌ لتوأمان وفتاتين, خمسة وعشرين سنة.
رفيدة أخت دخيل الشقيقة, عشرين سنة.

.
.
.

في العصرْ ..
تجلس على أرض الحمام وتضم ساقيها لصدرها وتدفن وجهها في ركبتيها, تشهق وتبكي بإستمرار وفي الخارج يقف الآخر يطرق الباب ويهتف : إطلعي مو زين كذا
من ثم يهمس لنفسه : وش البلا ذا!.
ترفع رأسها وتمسح وجهها بيديها لتسمع صوته : إطلعي يا بنت
تهتف بصوت باكي : كنت عارفة إنك تلحقني .. يكفي كذا إنت إنسان مريض, وش اللي تبيه مني ؟ إتركني في حالي أنا يكفيني همي ..
بدر بهدوء : إطلعي نتفاهمْ
تقف بهدوء وهي تلف حول وجهها الحجاب الذي كان ملقى على كتفيها, تخرج ليشير إليها بالتوجه إلى أحد المفارش البسيطة على الأرض, تجلس ويجلس الآخر في مقابلها وتحد بينه وبينها صينية حوت كأس ماء وفنجان قهوة.
رفع كأس الماء ومده لها لتأخذه وترتشف منه القليل ثم تضعه, يهمس بهدوء : إشربي القهوة
تنظر إليه بإستهزاء : مضياف ما شاء الله كثر الله خيرك
بدر يبتسم : بناءا على الجملة هاذي أنتِ هدأتي
يردف بجدية : إسمعي الكلمتين اللي راح أقولها بدون لا تقاطعيني, أنا أعرف أن طلبي لك يعتبر تسرع .. أعرف انه بعيد عن المنطقية .. لكن ما ودك هالأسر ينتهي ؟ حتى أنا مليت.
تضحك طويلا من دهشتها, تنظر إليه وهي تمسح عينيها من دموع الضحك : أنت تمزح صح ؟
تشير إليه بيدها وتهتف بحنق : أنت من أنت ؟ .. ليه أنا ممكن أقبل أتزوجك ؟ ليه أتزوج شخص أنا ما أعرف إلا إسمه ؟ وش يجبرني ؟
بدر وقبل أن ينطق بكلمته قاطعته : مافيه أي دافع من جهتي حتى أتزوج شخص يحبسني هنا بدون أي حق
بدر بهدوء يهتف وكلامه ذا مغزى : أنتِ أقوى مرة شفتها بحياتي بَتول, بيتي يحتاج زوجة بقوتك.
تعقد حاجبيها وتنظر إليه بهدوء, يردف الآخر : خلاص ..فكري هاليوم في كلامي, وإن أصريتي على رأيك ضلي هِنا حتى نلقى أهلك .. أو روحي لولد عمك, في المقابل م أبغى أحد يعرف باللي سمعتيه
تود لعن اللحظة التي ساقتها أقدامها نحوه , تهمس : أنت خاين.
تُردف وهي تشهد على وجهه علامات الإستنكار : أنت تخون هالدولة, كيف أوثق فيك ؟
بدر : أنا ما أنكر أني ضدها, لكني ما خنتها زي ما تقولين .
يردف ويدرك أنها لاتصدقه : نجد ما تدخل تحت إطار الدولة واللي سمعتيه كان يخصها, هذا يكفيك ؟
تشتت نظرها عنه وتهمس : ما يهمني, أتركني في حالي .. ارحمني !.

قبل المغرِب ..

إجتذبت إحدى الطاولات المنخفضة من الصالة ووضعتها في غرفتها, إستعارت دون علم بدر ورقة وحبر وشمع أحمر, لتجلس خلف الطاولة وتكتب فوق سطح القرطاس ببطء وهدوء ومر وقت ليس بقصير وهي تكتب, أغلقت الرسالة بالشمع الأحمر دون ختمٍ أو ماشابه, لتقف أخيرا وهي تخرج من الغرفة, أعادت الحبر ورمت عود الشمع, وخرجت من القبو لكنها عادت سرعان ما تذكرت أنها يجب أن ترتدي الملاءة.
إرتدتها, وأخفت المكتوب في كم ثوبها ثم خرجت من القبو ومن المنزلِ كله, يقف مرافقي بدر في طريقها والذي كانو سببا لإمساك بدر بها في كل محاولة, حتى أنه تعمد ترك الباب في المحاولة الثانية ليفهم ما إن كان هناك أحد تود مقابلته.
تنظر إليهما بحدة وتهمس : ماذا ؟
يهمس أحدهما لتنظر إليه : مجبرون على مرافقتك إلى المكان الذي تودين الذهاب إليه أو منعك.
تزم شفتيها بغضب وتهمس ناظرةً إلى الأرض : شبيه الرجال, كيف تراجع عن وعده بهالسرعة
ينظران إليها دون فهم لتهتف بهدوء : رافقني
تمشي بهدوء ويقف أحدهما عن يمينها والآخر عن يسارها, تأفف بضيق من وجودهما وتشعر أنها ستختنق من قربهما هذا.
وصلوا بعد وقتٍ قصير للسوق, وقفت قرب أحد البيوت وهي تبحث بعينيها عن جادْ إبنُ عمِها, تتنهد بهدوء عندما لم تجده, تنظر بطرفِ عينيها لمن يقفان خلفها ثم تهمس وهي تنحني للأرض : أوه ..
ينحني أحدهما قليلا ويهمس : ماذا يجري يا سيدة ؟
تهمس بهدوء وهي تحفر في الرمل : وقع قرطي ..
ترمي الرسالة ثم تخفيها بالرمل وملاءتها تمنعهما من رؤية ما يجري, يقف أحدهما أمامها لتهمس بهدوء وهي تثبت قرطها الذي لم يقع أصلا في أذنها : وجدته
تقف بهدوء وتهمس : فلنعُد ..
لمحت شيئا ما من خلفِ كتف المرافق لتدقق النظر وهي تتقدم خطوتين, جاد يجلسُ خلف أحد طاولات الشاي المنعزلة, ينزع عمامته ليضعها فوق الطاولة وهو يشد شعره بيديه بضيق.
تعقد حاجبيها ولا تزال تنظر إليه, تنظر للأرض بهدوء طويل, ثم تتراجع عن تلك الخطوات التي توهمت أنها خطتها إليه وإلتفتت, لتفاجئ ببدر يقف خلفها.
تبتلع ريقها بسبب نظراته الغريبة خشية أن يكون متواجد منذ زمن ولمح دفنها لشيء في الأرض, لكنها إطمأنت ما إن همس : ما راح تروحين ؟
ترفع سواد عينيها للأعلى بتململ ثم تنظر إليه وهي تهمس : أف .. لازم ألتفت وأشوفك وراي ؟
يهمس بإستفزاز لها راجيًا أن تتبعه : أعتقتك .. روحي إذا ودك
تنظر إليه بجمود, غير أنها لو ذهبت فسُتدمر كل شيء حاولت جاهدة لبناءه, كيف يعتقها وهو لم يملكها ؟ .. يلتفت ويمشي لترافقه وهي تهتف بينما تنظر له : أنت كيف تحط عتقي أو إمتلاكي حق لك ؟ أنا ماني جاريتك .. تسمع ؟

.
.
.

يتبع



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:20 PM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




بعد مرور ساعتين ..

تجلس على السرير وقرب النافذة ذات الثقوب في غرفتها وهي تنظر لما خلف ثقوب النافذة الزخرفية, كلما نظرت فيها تذكرت أنها تعيش في سردابٍ الآن.
تلف الوشاح الأبيض ما إن فطنت لتواجد بدر, رغم أنها غير مهتمة أو مقتنعة بالحجاب فهي تساير بدر.
تنظر للباب ما إن طُرق, تتنهد, تصمت قليلا ثم تهتف وهي تنظر للنافذة مرة أخرى : تعال بدر
يُفتح الباب وتطل منه فتاة وهي تهتف بإبتسامة جميلة : أقدر أدخل ؟
تلتفت بسرعة ما إن سمعت صوت فتاة, تقفُ بهدوء وهي تهمس بقلق : نعم ؟ مين أنتِ ؟
تدخل وتغلق الباب,تبتلع ريقها وهي تتأمل الغرفة, ثم تنظر لبَتول وتجيب بإبتسامة : جوداء أنا ..
تضم شفتيها قبل أن تردف : يعني .. بدر يكون أخوي
تُلقي نظرة خاطفة على مظهر جوداء, وما يلفتها هي الأقراط التي رغم حجمها الضئيل جدا كانت ملفتة, تنظر في عينيها وتهتف بضحكة : بدر .. اللي هو أخوك .. أرسلك تخطبيني مثلًا ؟
جوداء تصمت قليلا وهي تنظر إليها بجمود وصدمة, بعد لحظات قليلة تلاشت إبتسامتها التي كانت تكشف عن بياض أسنانها, لتبتسم مرة أخرى بمجاملة وهي تهمس : ايه يعني تقدري تقولي كذا
بَتول تبتسم بمثل إبتسامة جوداء : بس أنا قلت له أني لسه أفكر, قدومك كان باكر جدًا.
جوداء بهدوء : اكرميني فنجان قهوة بالأول وبعدها نتكلم.
تخرج بهدوء وهي تغلق الباب لتنظر إليه كيف يجلس خلف إحدى لوحاته, تتجه إلى المطبخ وهي تتمتم قاصدة عرض جوداء شرب القهوة بدل أن تعرض هي وقاصدة لحبس بدر لها بدل مساعدتها : أخذ الأمور بالمقلوب متوراث عندكم
بعد وقتٍ قصير كانتا تجلسان في الغرفة وترتشف كلا منهما كوب القهوة وهي تفكر في الكلام الذي سوف تقوله للأخرى, جوداء تهمس بهدوء وهي تضع فنجان القهوة الذي كان في يدها اليمنى فوق الصحن الذي تواجد في يدها اليسرى : ما أفهم ترددك
بَتول وبأسلوبها الساخر كالعادة تهتف : فعلا يا أختي, جد أنا ليه مترددة المفترض أوافق فورًا حبسه لي سبب كافي يخليني أموت عليه.
جوداء : أنا أقصد من ناحية ظروفك .. أنتِ وحدك وهو في نيته يستر عليك وتستري عليه
بَتول : لا أنا ما أعرف وش نيته
جوداء : ما أمدح فيه لأنه أخوي لكنه فعلا إنسان جيد .. يعني لو غيره وش كان ممكن سوى فيك ؟ أصلا أنتِ لو مو عارفه أنه رجال يخاف الله ما ظليتي عنده وجاهدتي حتى تهربي, أنا واثقة أنه احتجزك عنده لأنه خايف عليك من الناس اللي برا وأنتِ بنت لوحدك .. وبينما كان ناوي ياخذ أجر بحمايتك أظنه مال لك ووده يتزوجك ..
تتمتم : تحليلاتك جدا منطقية !
تبتسم إبتسامة صفراء وهي تشعر بالضيق وتعتبر هذا الاسلوب في الحديث همجية, تهمس : أنا أشوف بدر يستاهل أنك تفكري تتزوجيه قبل لا يطلبك هو
تنظر في عينيها بحدة وتهمس : منظورك يخصك ماني متلهفة لأخوك هالكثر, قولي لي وش ممكن يجذبني له أصلًا ؟
جوداء بهدوء : إنسان مُتعلِم .. محافظ وملتزم .. ويملك ثروة .. إضافة إلى الجاذبية اللي فيه طول وسمار وعرض
بَتول : كلام فارغ, هاذي أحلام التافهات .. مو صفات فارس أحلامي أنا .
تبتلع ريقها وهي تشتت نظرها بدهشة من هذه الوقاحة, تنظر لبَتول ما إن هتفت : بعدين أنا أساسًا مقررة من طفلوتي ما أتزوج أبد, ما أعرف أنام مع أختي على نفس السرير كيف ممكن يشاركني السرير رجال ؟
ترفع حاجبها الأيسر وهي تهمس بخفوت : جد ؟
بتول تهز رأسها بالإيجاب, بينما نظرت تلك لكل شيء ماعدا بتول وهي تفكر.

.
.
.

تدثر في سريرها الوثير بلباس النوم وتقرأ كتابًا, ترفع عينيها بهدوء وتهمس ما إن طُرقَ الباب : تفضل
تدخل وصيفتها المصرية بخطواتٍ هادئة وتتجه إليها, تقف أمامها وتنحني بهدوء ثم تمد ورقة وهي تهمس : من بَتول !
فاضلة تضع الكتاب جانبا بدهشة وهي تأخذ الورقة بإندفاع هاتفة : كنت عارفة إنها ما تخلت .. أساسا بدر قال أنه سيتزوج
تقرأها وصدرها يرتبك بتنفسه, تغلق الورقة وهي تعض شفتها السفلى بنشوة ثم تهمس وهي تنظر بشرود : الله يا كريم ! ..
تنظر للوصيفة وتهمس : إذن حفيدي كان يقصدها صفاء
تهمس الأخرى بإبتسامة : ليه الإندهاش هانم ؟ , إختياركم دائما موفق !
تفتح الورقة مرة أخرى لتنظر إليها وهي تهمس بهدوء : نعم لكننا , ما توقعنا هذه السرعة.
تردف بضيق وهي تنظر إلى صفاء : لكن للأسف صفاء, إختيارنا موفق في البنت الي تتناسب مع أولادي .. لكني حتى الآن ما نجحت في إختيار واحدة تقف بجنبي
تنظر للورقة بهدوء وتهمس : هاجَر خانتنا .. فاطمة أدرات ظهرها في أول فرصة .. هِيفي كذلك .. هل نضعُ بتول عثرة أخرى في طريقي ياترى ؟
صفاء : عارفه هانم .. الجميع يتخلى عنك .. آمل أن تتمكن بتول من دخول القصر .. وتوقف بجانبكم.
تهمس بهدوء : هذه المرة ما نخطأ .. نفعل اللازم حتى نتجنب الخيانات
تشير لها بالإنصراف لتنصرف, تقف بهدوء وتتجه لمكتبها, لتجلس وتعيد قراءة رسالة بتول بهدوء.
بعد وافرٍ من التحايا كتبت :
"لا يخالجنك شك في أني ما زلت ملتزمة بوعودي ولكن ما منعني من إطلاعك على ما يجري هو أن إرسال الرسائل بهذه الطريقة عسير.
إختلف الكثير ولم يسري أي شيء كما تأملنا, لكن على الأقل النتيجة التي تمنيناها لم تتغير, بدر عرض الزواج .. رسالة واحدة لا تكفي للشرح؛ لذلك أطلب منك زيارتي في أقرب وقت . "

.
.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:22 PM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



بسم الله الرحمن الريحم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية : طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ .
بقلم : حِرز.


كِشْ .. (2)

في منزلٍ متواضع ..
يجلس خلف طاولة مرتفعة ويضع رأسه فوقها, مغمضًا لعينيه وخيط من اللعاب يسيل من فمِهِ شبه المفتوح فوق الطاولة.
على الطاولة ساعة الجيب المفتوحة والمرمية في جانب ما تشير إلى أن الوقت تجاوز الفجر, وكأس من الماء تحوم حوله ذبابة حتى استقرت فيه!.
تشرق الشمس وتبسط خيوطها المشعة في كل مكان معلنة عن يوم السابع عشر من رجب .
فتح عينيه الناعسة ببطء لطرق الباب المزعج, وبعد لحظات رفع رأسه وهو يمسح فمه بإبهام يمينه.
إتجه للباب وفتحه ليغمض عينيه ما إن داهمها نور الشمس, يعود خطوتين للخلف ليصبح داخل المنزل, يفرك إحدى عينيه وهو يهتف : أصبحنا وأصبح الملك لله, عساه خير ؟
بدر بهدوء : خير, إمش راح تشهد على زواجي
يترك عينه وينظر لبدر عاقد الحاجبين ومفغر لفمه, يهمس دون تصديق : زواج ؟
بدر : إيه
عبد الله يهمس بدهشة : وش اللي أشهد على زواجي ؟ من وين طلع ؟ كيف بدر ؟
بدر يتأفف قبل أن يجيب بصبر : راح أتزوج بَتول .. ومحمد راح يكون الشاهد الثاني
عبد الله يصمت للحظات وهو ينظر له بدهشة أكبر, بدر يهمس بتعجب : وش فيه ؟
عبد الله ينظر له بإستحقار ويهمس : عشان ترضي فضل وتحبسها عندك بدون لا يعذبك ضميرك ؟
بدر بإنكار : لا طبعًا عبـ ..
يقاطعه : ما أصدقك يا أخي .. أنا في حياتي كلها ما شفت إنسان حيوان زيك .. ليه تكرر أغلاطك ؟ منت ملاحظ الكارثة اللي قاعد تعيشها ؟ أنت راضي بهالتعب على نفسك لكن .. بنات الناس ؟
بدر بنفاذ صبر هتف : لا تتكلم وكأنك تعرف شي, أنا تزوجت لأني أبغى .. واللحين راح تزوج بعد لأني أبغى .. بدون أي ضغط
عبد الله دون أن ينتظر من بدر إتمام جملته : كذاب !
يعود خطورة للوراء ويستطرد بعجلة : جيتك في شي ثاني لا تعطلني, إخلص راح تشهد ؟

.
.
.

قبل أيام, منتصف ليلة الثاني عشر من رجبْ !

.
.
.

"كعادتها كانت تتفقد ملجأ الفتيات التي إفتتحته والغرض الحقيقي منه مختلف, والتي تركت كل واحدة منهن قصة ليست بقليلة الألم قبل أن تلجأ هنا.
إصطف الجميع لحضورها وتركوا تناول وجبة الإفطار, إلا واحدة كانت تجلس متربعة على الأرض وهي تنظر إليهن بهدوء ودون فهم حتى أشارت لها رئيسة الملجأ بالوقوف والإنضمام .
إبتسمت بهدوء وهي تراقب تلك الفتاة كيف تتجه لآخر الصف لتقف بهدوء, قصيرة وذات ملامح بسيطة, تملك شعر قصير جدًا وأسود ذو إلتواءات كشف عن عنقها , وعينان شديدة السواد غائرتان ورموشها قليلة, أنف عريض وفمٌ ممتلأ زاهي وبشرة حنطية, كانت متجردة من أي زينة عدا خلخال ذهبي في إحدى قدميها, وترتدي ثوبًا أبيض بسيط إعتلى عن كعبيها و بيّن بروزات جسدها البسيطة وإنحناءاته الدقيقة.
إنحنين لتفعل كما فعلوا متأخرة بإشارة من رئيسة الملجأ كذلك والتي كانت تقف قرب فاضلة بتملق.
يضع مرافقَيها صندوقًا متخمًا بالذهب والحلي, ليدعو لها الجميع ما عدا تلك الجديدة التي لا تفهم ما يحصل لتهمس لمن تقف بجانبها : إمرأة جميلة, من هذه ؟
تجيب بنفس الهمس : السيدة فاضلة صاحبة المكان, والصندوق هذا يُستهلك غالبًا في تسيير كافة أمور الملجأ, والقسم المتبقي منه تُحق عائشة (الرئيسة) أخذه لنفسها دون علم فاضلة.

فاضلة بهمس : من هذه عائشة ؟
عائشة تنظر لبتول وتهمس : بتول إنضمت في الأمس للملجأ "
تتنبه من شرودها لبَتول التي وضعت فنجاني القهوة على الطاولة المنخفضة ثم همست وهي تجلس مقابل فاضلة في صالة القبو : تفضلي
فاضلة بهدوء وهي تأخذ الفنجان : ممكن أعرف سبب رفضك المتكرر لبدر؟
بَتول : بعد ما عرفتي كل اللي صار كيف تسأليني السؤال هذا ؟ شكلي راح يكون غريب جدًا لما أقبل أتزوج شخص يبقيني عنده بالقوة .. برأيك لو واقفت فورًا ما راح يشك ؟
فاضلة : كنتِ تقدري تجبريه وتجبري نفسك على الزواج لو حملتِ
بَتول ترفع عينها بسرعة عن فنجان قهوتها, تنظر لفاضلة بحدة وتهتف : أبدًا فاضلة هانم .. أنا ما أفرط بشرفي
فاضلة : لكن حجابك كان رخيص بالنسبة لك
بَتول تضع الفنجان في صينية التقديم وتجيب : يختلفْ, أنا تعودت أني ما أتحجب وماني متقبلة الحجاب ماني مقتنعة فيه
فاضلة : أنتِ فُرقتي عن أهلك بسبب هجوم على سفينة .. وكنتِ سبية حرب أنتِ قلتِ بنفسك أنك هربتي من النخاسين قبل اللجوء للملجأ .. يعني أنتِ بحكم الجارية .. يجوز
بَتول بدهشة : سبية حرب ؟! إذن أنا ما زلت ملك للنخاس على هذا الأساس !
تردف وهي تشهد صمت فاضلة : أنا حرة, أنتِ صدقتي موضوع التاجر اللي باعني لبَدر واللي إحنا إختلقناه ؟
فاضلة تقاطعها : لُطفًا لا يتشعب الموضوع .. أكملي أنتِ
بَتول بهدوءْ : وفيه هذا فضل كان يضغط عليه كثير .. أكثر من مرة سمعته يقوله أني كافرة .. وأني غريبة عليه .. وحتى أنه صار مايدخل هالمكان .. يقول أن البيت هذا فيه منكر!
تردف : هذا اللي صار .. طبعًا لولا أني سمعت الأمور اللي هو متورط فيها ما ظليت هنا .. قال لي بدر أنه راح يرسلني الملجأ .. وما أخفي أني ترددت بعد اللي سمعته .. لكن إقتنعت لما قال أن الأمور هاذي ماتخص الدولة
فاضلة بسخرية : الأهم بالنسبة لك دولتك ! , ما فكرتِ أنه ممكن يضر نجد ؟
بَتول بإستغراب : أصوله عربية, ليه يأذي نجد ؟
فاضلة بهدوء : الأهم الآن تتزوجي بدر بأسرع ما يمكن .. لازم تدخلي القصر .. أنتِ مميزة جدًا .. أتمنى تكوني ذكية أيضًا
بَتول : أنا قاعدة أتبع كلامك بدون لا أعرف نهاية الموضوع وين .. برأيك مو لازم أخاف ؟
فاضلة : مافيه أي شي مُخيف, راح تتزوجي بدر .. وبس يستلم الخاتم اللي قلت لك عنه راح يقدر يعلن زواجه منك
بَتول : أقدر أسأل وش هو المانع ؟
فاضلة : لا تستعجلي, راح تعرفيه قريبًا
بَتول بإبتسامة ساخرة : ما عمري فكرت أني راح أتزوج شخص ما أعرف غير إسمه ومقدار ثروته ! , شي مرة يضحك
فاضلة : ثقي في هذا الشخص بَتول, تدريجيا راح تعرفي كل شيء عنه
بَتول بهدوء : لكن أنا ماني فاهمة أي شي, الخاتم اللي نتكلم عنه وش فايدته ؟ دخولي للقصر وش راح يغيّر ؟
فاضلة بإبتسامة : تغيّرات كثير راح تحصل . . .
يقاطعها بدر بفتحه للباب, يبتسم بإستغراب, يدخل ويغلق الباب ثم يتقدم بضعة خطوات ويهتف : أمي ؟
تنظر بَتول لفاضلة بإرتباك, لتقف فاضلة وهي تهتف بثقة : أتيت .. أشوف الجميلة هذه .. لا يوجد مانع إن شا الله ؟
ينظر لجدته وهو يهمس بإبتسامة : لا مانع .. لكن الوقت متأخر .. إستغربت تواجدك
تجيب وهي تنظر لبَتول : أحاديثها لطيفة, لذلك مضى الوقت دون أن نشعر’ أتمنى تكون بجانبي في أقرب وقت.

.
.
.

صباح الثاني عشر من رجبْ !

.
.
.

يقف أمام مرآة في جناح خاص به بعيدًا عن زينب, إرتدى عمامة زرقاء داكنة حوت بعض النقوش وكذلك في لباسه.
يتجه بخطوات هادئة نحو جناح والده الذي طلبه, يتحرك في ممرات القصر وعاملاته من الإناث تنحنين لبدر ما إن يمر بجانبهم, توقف عند باب جناح ما, في طفولته لطالما تسلل إليه في الليل سرًا لأنه نسي إن يقبل والديه, وبعد ذلك بسنوات أُجبر أن يدخل إليه في دقيقة معينة لتقبيل يد والده, ما إن بلغ التاسعة عشرة إجبر كذلك أن يمر بجانبه ويراه مغلقًا وخاليًا من والديه.
يكمل مسيره ويجتذب الهواء إلى صدره, يصل إلى جانح والده في قلب القصر, يطرق الباب مرة واحدة ليهتف صوت والده بالإذن, تفتحه الخادمتين الواقفتين عن يمين ويسار الباب ليدخل, وكذلك كانت تقف خادمتين من الداخل.
ينظر بهدوء لوالده الذي كان يجلس في طرف سريره, يرتدي زيًا فخم وينظر للأرض بينما يحرك خرزات المسبحة في يده اليمنى.
بدر يهتف بصوته الجهوري : صباح الخير يبه ..
يصمت, دون أن يرفع عينه يهز رأسه بالقبول دون رد, ما زال ينظر للأرض ولكنه أشار رغم ذلك لبدر بالإقتراب, يقترب بدر منه بهدوء ليقبل عمامته التي تغظي رأسه, ينحني قليلًا ليقبل أنف والده وما إن أمسك يد والده اليسرى وكان سيجتذبها ليرفع أحمد نظره الحاد لبدر, بدر بهدوء يفهم والده الذي يريد إذلاله وهو لا يرى في هذا ذلًا, ينحني شبه جالسًا على الأرض ليقبل يد والده التي تحوي المسبحة مرارًا.
يضع أحمد باطن يده الأخرى على كتف بدر ويربت عليه ليرفع بدر رأسه ويترك يد والده, أحمد يشير بيده اليمنى لبدر بالوقوف ليقف بهدوء وهو يعقد حاجبيه ويضم شفتيه بسبب وخز في جرح صدره.
أحمد يشير لإحدى الخادمتين لتفهم مطلبه, وضعت مقعدًا إرتفاعه يقل عن إرتفاع السرير ليجلس عليه .
أحمد بهدوء أومأ للخادمة التي ما زالت واقفة لتُقدم بكلتا يديها كيس مخملي صغير ذو لونٍ أخضر زينته زخرفيات باهتة, يلتفت إليه بهدوء ليرفع حاجبيه ما إن رأى الكيس, أخذه بهدوء لتنصرف الخادمة متقهقرة.
أحمد ينظر في يده للخرزات الداكنة كيف تتحرك : أنا راح أعطيك الخاتم .. والأموال .. والقصر
إلتمعت عيناه وهو ينظر للكيس في يده, إبتلع ريقه !
أحمد يرفع نظره إليه ويهمس بهدوء : في المقابل أنت راح تعطيني ذِكْر, ما ودي تنساني الناس .. أنا سويت كثير لوالدي وما كنت أعرف .. كنت أعطيه ذِكر .. وأنت لازم تحييني بعد موتي ..
بدر ينظر إليه, يهمس بجدية : فيك شي يبه ؟
أحمد ورغم أن هذا القلق الذي لمحه في عيني بدر أسرّه, رفع كفه وهو يهتف : لا تقاطعني !
بدر بهدوء : العفو منك
يخفض يده, يكمل وهو ينظر للأرض : وأولادك لازم تحييك بعد موتك .. لذلك من المفترض إنجاب ولد .. الإكتفاء بفريال كان قرار غير صائب
ينظر لبدر ويهتف بهدوء : الحمد الله صحتي جيدة, لكن تعبت, أولًا ودي أشوفك وأنت تلبس هالخاتم .. ثاني شي أنا أسلمك المسؤوليات هذه لأني تعبت منها
بدر بهدوء بعد أن دام صمت والده للحظات : الله يطول في عمرك !
يقف أحمد ليقف بدر, أحمد يأخذ الكيس من بدر ليفتحه وليضع الخاتم في بنصر يسار بدر.
يجتذب الهواء لصدره ببطء ليزفره بسرعة وهو ينظر للخاتم, يبدو أن إعطاء الخاتم بيده صعب, لطالما أعطي بوصية بعد موت المالك له.
يبتسم لبدر والآخر ينحني ليقبل كفي والده : تلطفت يبه ..
وكان ينوي أن يقبل رأسه لكن والده سبقه وحشر رأس بدر بين كفيه ليقترب منه بهدوء ويقبل جبينه, يقبل عينيه ويطيلْ في كل قبلة وجبين بدر يتعرج لمعرفته سر القبلات لعينيه .
أحمد بهدوء يشير إليه بالإنصراف, ليقبل كف والده مرة أخيرة ثم ينصرف.
يتحرك بهدوء خارجًا من الجناح وهو ينظر للأمام بهدوء, وبينما كان يسير كانت تمشي في جهة مقابلة إليه إمرأة ترتدي فستانا يستر جميع أنحاء جسدها ولفت وشاح قرمزي كلون فستانها على رأسها وغطت بطرفه صدرها!.
إنحناءة بسيطة عند مروره وهي تلقي نظرة خاطفة على الخاتم وكأنها تعلم بوجوده مسبقًا, تكمل طريقها دون أن تقف له وهي تهتف بإبتسامة صفراء : صباح شريف ..
يجيب برسمية دون أن يتوقف : صباح شريف هِيفي
تتجه نحو جناح أحمد وهي تبتسم براحة, لتطرق الباب وبينما كانت في إنتظار الإذن نظرت لبدر الذي يمشي بهدوء.

.
.
.

في إحدى حدائِق القصر.
فاضلة, رفيدة, فاطمة, كل واحدة منهن كانت تجلس في متكئ ما وتقف خلفها الوصيفة الخاصة بها, تشربن قهوة الصباح الداكنة وتضع كل واحدة منهن وشاحًا فوق رأسها لتواجد العمال والحرس بحرية في أجزء القصر هذه.
فاطمة تهتف بهدوء وهي تنظر لفاضلة : اليوم زوجي أحمد أعطى الخاتم لبدر
فاضلة بإبتسامة : بما أنك تعرفين, فإنه من اللائق إلحاق إسمه بـ بيهزادم
رفيدة بتجهم : أُعطي الخاتم والمالك السابق حي ..
تقاطعها فاضلة : على الأقل ألحقي إسمه بلقب ما إن كنتِ تعجزي عن مناداته بوالدي
رفيدة دون إهتمام : عمومًا هذا اليوم الأول, بدر حتى الآن ما أثبت نفسه, اللي عنده خاتم لا غير.
فاضلة بصيغة الجمع للمفرد تعظيمًا لنفسها : عشنا في هذا القصر بما يوازي عمرك ثلاث مرات .. هل تعلمينا أنتِ القواعد والأصول ؟ نحن كنا سبب في تواجدك الآن .. نحن إخترنا أمهاتكم
فاطِمة بسخرية : وأنتم وعدتم كل واحدة فيهن بأن إبنها سيكون …
تقاطعها : وبدر كان المحظوظ فيهم, قائد منذ أن كان في بطن هاجَر, إن كان لهاجر حسنة فهي إنجاب بدر.
تعطي الفنجان لوصيفتها المصرية صفاء وهي تتجه خارج الحديقة هامسة : عديمتي العقل.
تهمس رفيدة لوالدتها وهي تنظر لقهوة فاضلة وهي تراقب صفا كيف تلحق بفاضلة : هالعجوز تجاوزت حدها في العيش, إيش رأيك أمي ؟

.
.
.


يجلس خلف طاولة في الأعلى وهو ينتظر طرق الباب بفارغ الصبر, ينظر للباب تارة وللخاتم تارة أخرى, يرفع يده ويتأمل الكتابات الموجودة عليه وهو يزفر, ليقاطع ذلك طرق الباب.
يقف بدوء ويتجه للباب, يفتحه ويدخل جادْ وعينيه تنطق بالفرح, يسلم على بدر سلامًا حارًا قبل أن يهتف بإتزان : من أهلي اللي عندك ؟
بدر بهدوء : تفضل جاد إدخل.
يلحق ببدر ليدخلا غرفة ما, يجلس في جهة مقابلة لجاد وهو يهتف : كنت أتمنى أستقبلك في غير مكان.
جاد دون صبر هتف : مو مهم
بَدر : بَتول عندي
جاد يصمت قليلا ويهمس بهدوء : بَتول ؟
يهز رأسه بالإيجاب ويقف ما إن طُرق الباب, يتجه للباب ويأخذ القهوة ثم يعود بعد أن أغلق الباب وجوداء هي التي كانت خلفه, ليقدمها بهدوء.
في القبو, تجلس في الجهة الخلفية للسرير وهي تضع بعض الأشياء في كيس قماشي, تقف بهدوء وترتدي رداء شيبه بالتنورة وترتدي نقاب فضفاض, تجتذب مرآة متهالكة من أحد الأدراج وتمسك بطرف النقاب الذي كان أسفل ذقنها فبدى كالحجاب لتجتذبهُ تحت عينيها, تطيل في النظر .. تشعر بالإنتماء!.
تضع المرآة جانبًا ما إن طُرق الباب وهي تأخذ الكيس, تتجه للباب وتفتحه لتخرج برفقة جوداء, جوداء تشير إليها بالصعود, لتصعد الأخرى وهي تعقد حاجبيها, تفتح الباب وتغلقه بهدوء من خلفها, تنظر لبدر الذي كان يجلس على أحد الكراسي دون أن ينظر إليها ثم تنظر لجاد الذي يقف قرب باب المنزل ويعقد كفيه خلف خصره.
بعد مرور وقتٍ قصير ..
يقف قرب باب المنزل الصغير والبسيط, يلقي نظرة على زيها الذي يشير لموافقتها ثم يهمس بهدوء : يعني أنتِ وافقتي ؟
بَتول بهدوء : وشو ؟
جادْ : أنك تتزوجي
بَتول تصمت وتنظر للأرض, تزم شفتيها خلف النقاب, تنظر في عيني جادْ للحظات ثم تهمس : إيه !
جادْ يصمت للحظات ثم يفتح الباب, تدخل هي أولًا وهي تنزل النقاب لأسفل ذقنها ثم يدخل هو ويغلق الباب, تخرج إحداهن من أحد الغرفتين مسرعة وتتجه نحو بَتول لتعانقها بشدة وهي تهتف بنبرة باكية : ما صدقت لما قال لي جادْ إنك هنا !
الأخرى تعانقها بهدوء, عاجِزة حتى عَنْ ذرف الدُموع, أشعرُ أن الهواءَ يتخلَى تدريجيًا عن كثافتِه فِي صدرِي .. أشعرُ أن ينابيع دموعي المكتومَة ستتفجر لأمرٍ يُهلكني رغم بساطته قبال ما واجهته.
تمسك بيد بتول وتسحبها لأحد الأرائِك البسيطة لتجلسا, تهمس بهدوء وهي تشد على يد بتول : في أشياء كثيرة ودي أقولها لك ..
تهز رأسها بالإيجاب ثم تنظر لجادْ الذي شتت نظره وهي تهمس : حتى أنا
تتسائل بهدوء وهي تنظر لزي بَتول بإستغراب قبل أن تنظر لها : إيش هذا بَتول ؟
تنظر لجادْ الذي هتف بسخرية وهو يشير لبَتول وينظر للأخرى : الهانم تتزوجْ تِيَا !
تتسع حدقتيها بدهشة وهي تترك يد بَتول لتهتف وهي تنظر إليها : إيش ؟
تنظر لجادْ ثم تنظر إليها مرة أخرى وهي تهتف بصوتها الهادئ رغم صدمته : وش يقول هذا بَتول ؟ أي زواجْ ؟
بَتول بهدوء : اختي قلت لك ان فيه أشياء كثيرة لازم أقولها لك
تِيا تقف وهي تهتف دون تصديق : أي زواج بَتول وإحنا في الوضع هذا ؟
بَتول بإندفاع : تِيا وش ممكن أسوي أنا ؟ كم راح ننتظر حتى نشوف أهلنا ؟ إحنا وثلاثتنا بنفس المكان إحتجنا ثلاثة شهور حتى نوصل حق بعض, كم راح نحتاج حتى نشوفهم وهم كل واحد أو إثنين في مكان بعيد كثير عن الثاني وفي إسطنبول .. إحنا في إسطنبول تعرفي وش يعني ؟ يعني راح يضيع نص عمرنا وإحنا نحاول نوصل لبعض .. هذا إن كانو جميعهم في إسطنبول !
تِيا تصمت قليلا والصدمة تقيد لسانها والآخر كذلك, تصرخ بغضب : أي كلام هذا اللي تقولينه بَتول ؟ كذا تفكرين ؟ بدل ما تقطعي نفسك على أهلك !
بَتول بإنفعال : حزني مخبيته لنفسي ولقلبي .. النوح والصراخ هذا ما راح يرجع أحد ما راح يجمعنا ببعض .. أنتِ ما تعرفين أنا مين راح أتزوج .. أساسًا هو ممكن يساعدنا نلقى أهلنا
ينظر لها بحدة ويطيل النظر, تجلس تيا على الأريكة وهي تهمس دون إستيعاب لما يحصل : عديمة إحساس !
تنظر لتِيا بحدة والأخرى تضغط على أكثر نقطة تستفزها, تهتف من بين أسنانها : خلي التعامل مع هالمصيبة بإحساسك لك .. أنا راح أتصرف بعقلي !
جادْ بحدة : تضربي عصافير بحجر واحد!
دون أن تنر إليه هتفت بثقة : تمامًا
جادْ : أتفه هالعصافير هم أهلك .. وأهمها مالْ بدر!
بَتول ببرود يستفزه : أتفق معك في أهمية الشق الثاني
يتجه إليها بغضب ويمسك بذراعها وهو يصرخ : الآن راح تقولي كل شيء صار لك إحنا ما ندري عنه .. بالخصوص في بيت هالرجال!
تحاول تحرير يدها منه وهي تهتف : إترك يدي ماني مجبورة أوضح لكْ أي شي!
تدفع صدره بكلتا يديها وهي تصرخ : شيل إيدك عني
تَيا تقف وهي تهمس بنبرة هادئة : جادْ خلصنا إرفع إيدك
يتركها وهو ينظر إليها بإزدراء بينما تتجاهل الأخرى ألم يدها لئلا يلحظ أنها تألمت, تنظر لتِيا وتهتف : أنا راح أتزوج .. أنتو إختارو .. أما توقفوا معي زي الناس وأما راح أتزوج بأسرع وقت دون رضاكم !
تتجه للغرفة التي خرجتْ منها تِيا لتهتف الأخرى وهي تراقب إغلاق بَتول للباب : الخبيثة ! تستغل غياب أبوي , تعرف أنه ما راح يرضى عن هالمهزلة!


.
.
.

فجر الثالث عشر من رجبْ ..

تجلس في طرف السرير الأيسر, تضع طرف الفراش في حجرها وتمسك بِه, تنظر بشرود لبَدر الذي يقف أمام المرآة ويرتدتي مِعطفًا فضفاض داكن.
وهي التي كانتْ تهرب بعينيها ما إن ينظر فيهما, لم تحرك بؤبؤيها حينما تنبه لأنها تنظر إليه, ترك ترتيب المعطف وهو ينظر لها دون فِهم لغرابتها هذا اليومْ.
يجتذب حذاءه الأسود البسيط من مكانه المخصص ثم يجلس على مقعدٍ منخفض ليرتديه دون أن ينظر إليها.
يرفع رأسه ليرى أنها تنظر لمحل وقوفه السابق, يقف بهدوء وهو يعقد حاجبيه, يتجه إليها بخطوات هادئة ويقف بجانبها ويهمس : ما ودك تقومين تبدلين ملابسك ؟
زينب : ..
ينحني إليها ويهمس : أنتِ بخير ؟
تلتمع عيناها بالدموع لتنشقها رائحته عن قُرب, يكرر : زينب ..
تقاطعه بجمود ونبرة مخنوقة ونظرها ما زال شاردًا : يكفي .. لازم هالزواج ينتهي .. أنا تعبتْ.
تردف ودمعة كانت ملتصقة بهدبها سقطت وجمودها لا يتبدل وكفها لا تمسح الدمعة, تهمس : الوضع تعبني , أعصابي تلفتْ بدر
يتنهد ثم يخرج بتجاهل لها لتشهق بخفوت شهقات متتالية, تنظر للأسفل وتشد الفراش نحو حجرها أكثر, تضغط بواسطته فوق بطنها وهي تبكي جهارًا, دون كتمٍ لصوتها وبرسم عقدة بين حاجبيها وبشهقاتٍ مرتفعة !
رائحته هذه تؤذي قلبي, لم إقتبسها من أحدٍ آخر وبثها في جسده ؟ مغرمٌ في أذيتي حتى أنه يؤذيني دون أن يُدرك, يالله كيف لقربٍ بسيط يحمل هذه الرائحة أن يقطع صوتي ؟ كيف له أن يُسقط دموعي بهذا القدر ؟.

.
.
.

تستلقي على أحد السريرين المتجاورين في الغرفة, وتنام عن يمينها ليتسنى لها رؤية شقيقتها التي تغط في النوم.
تعتدل في جلوسها, تجتذب ساقيها نحو صدرها وتمسح وجهها بباطن كفيها وهي تزفر بعمق, تفكر أن صدرها سيخلو من هواءِه القليل إن داومت على الزفير بهذا الشكل! .. إبتسمت بهدوء لسذاجة فكرتها.
تنظر لإختها التي تعطيها ظهرها وتنام بعمق, تهتف : تِيا ..
تنزل من السرير وتتجه إليها عندما لم يصدر منها أي صوتْ, تجلس وتضع يدها فوق كتفها لتهزها بخفة وهي تهتف : تِيا .. أتكلم معكْ
تتأفف الأخرى بضيق ثم تهمس بصوتٍ نعس : بعدين بتول
بَتول : تيا قومي نتكلم
تيا تفتح عينيها وتنظر بطرفها لبتول للحظات قبل أن تعتدل في جلوسها وهي تضم ساقيها لصدرها, بَتول : ما أبغى أتزوجه وأنا أدوس على كلامك, أنا ما أتزوج بدر عشاني وبس .. عشاننا
تِيا أثناء حديث بَتول كانت تتجاهل النظر إليها, ما إن هتفت بكلمتها الأخيرة نظرت إليها بدهشة, ترفع أحد حاجبيها وتهمس : وش قلتي ؟
بَتول تصمت وهي تنظر لشقيقتها بتوتر, تِيا بحدة : بَتول إذا كنتِ بحاجة ثروته فأنا مو بحاجتها
بَتول بهدوء : تِيا ليه تنكرين أن إحنا فهالوقت محتاجين شخص غير جاد يوقف معنا ؟ محتاجين مال بعد ما ضاع كل اللي عندنا .. ما ودك تشوفين أمي وأبوي ؟
تِيا بهدوء : أكيد ودي
بَتول : بيساعدنا نشوفهم, وعدني ..
تِيا تنظر بإرهاق نحو الجدار, تنقل نظرها لعيني بَتول التي هتفت : صدقيني بدر إنسان زين .. أنا أعرف اني راح أكون سعيدة معه .. أنا قاعدة أرسم أشياء كثير ..
تضع يدها فوق ظاهر يد تيا وتهتف برجاء : أبغاك بجنبي, لا تخربين فرحي.
تردف وهي ترفع يدها عن كف تيا : أعرف إنك قلتي هذاك الكلام في لحظة غضب … تِيا أنا بعد ما كان ودي أتزوج بطريقة وأوضاع وظروف زي كذا .. بس إحنا مجبورين .. لازم نكون أقوياء .. جاد ما يكفينا تِيا
تِيا تصمت طويلًا وهي تنظر لعيني شقيقتها, كيف تلبست هذه القسوة بجسدك؟ كيف أصبح قلبك الهش بهذه الصورة ؟, لو أني أستطيع النظر في قلبك .. لو أني أعلم ماهية نيّتكْ, لأدفع عنك هذا البلاء الذي تخالينه نجاةً … تنظر لعيني شقيقتها ببرود وتهمس بعد صمت طال : أنتِ حرة .. راح أمسك إيدك, لكن إعرفي ان قلبي مو معك .. أنتِ ترتكبين غلط كبير !.
بَتول تعقد حاجبيها بإندهاش من تلك الجملة, تنظر في عيني شقيقتها بخيبة وتهمس : ليه ما توثقين فيني ؟
تِيا ببرود ساخر : من ولادتك حتى الآن ما شفت شي يخليني أوثق فيك .. أنا ما أقدر أثق بشخص أناني زيك بَتول
بَتول تقف, تهتف بغضب وصبرها ينفذْ : أنتِ اللي أنانية, ليه تستكثرين عليّ بدر اللي ممكن يعوضني ؟
تِيا بإزدراء : ما أستكثر عليك شيْ , روحي فورًا .. يلا يلا .. روحي للشخص اللي راح يعوضك عننا.
بَتول تصمت قليلا, تبل شفتيها بلسانها ثم تهمس من بينِ أسنانها : هاذي آخر مرة أعطيك أهمية .. ما راح ألتفت وأقول أختي, أساسًا وأنتِ ما تشوفيني أختْ.
ثم تخرج من الغرفة وهي تُغلق الباب بصخب.

.
.
.

السابع عشر من رجب ..

تجلس خلفَ طاولةِ الإفطار المنخفضة ولا تأكل, تنظر لإبنها بَدر الذي يبلغ التاسعة, ثم تنقل نظرها لطفلتها ذات الأربعُ سنوات كيفَ تأكلُ بفوضوية لتبتسم.
يُطرق الباب لتهتف : إدخل
تدخل وصيفتها ماريه لتتقدم إليها بهدوء, تنحني وهي تهتف : صباح شريف
تقفُ خلفَ هِيفي التي أجابتها بهدوء, ماريه تهمس بهدوء : تم العقد هِيفي هانم .. مرّت ساعتين تقريبًا
هِيفي : إذن نقدر نسلم الرسائل إلى أصحابها بدون تضييع وقت
الأخرى : أمرك .. فيه أمر آخر .. أحمد بيه يستضيف هاشم بيه في جناحه
هِيفي تقاطعها بإبتسامة متسعة : جميل .. خلي الخادمة تسلم الرسائل للإثنين بنفس الوقتْ .. بعدها إعطيها المبلغ وإرسليها من القصر .. وكذلك المرافق اللي دسسناه بين مرافقي بدر
تنحني قبل أن تتجه إلى الباب لكنها تلتفت ما إن هتفت هِيفي : ماريه
ماريّه بهدوء : هِيفي هانم ؟
هِيفي : بمجرد ما تشوفي أن أحمد بيه تحرك إدعي فاضلة هانم للعبة الشطرنج
ماريه بإبتسامة وهي تنحني : أمرك ..

.
.
.

يتبع



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:23 PM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



في الثلث الأخيرِ من الليلْ وفِي حُجرةٍ نورُها خافت لا تحوي غير شمعة.
تجلس على الأرض وتثني ساقيها خلف فخذيها,الوشاح الأبيض بعد أن كان يلف رأسها أخذ في الإنحلال عنه ليكشف عن شعرها الذي كانت خصلاته السوداء لا تُعد قبالة الخصلات الرمادية والبيضاءْ.
في الخلف, يطرق باب الغرفة المفتوح أصلاً ثم يدخل بعد أن أذِنت, يُشعل الأضواء ويتجه إليها, يجلس بجانبها وهو ينزع عمامته ليضعها جانبا وينتظرها لتفرغ من دعائها, وبعد أن فرغت قبل رأسها وأنفها.
يهمس بإبتسامة : كيفها أمي ؟
تعتدل في جلوسها وتهمس بإبتسامة : بخير, قولي ليه هاجرها وهاجر بيتها ؟
بَدر : تملين ؟
هاجَر بإبتسامة : لا, أشتاق بس.
بَدر : لمين ؟
هاجَر : الكل, من ضمنهم دخيلْ
تتنهد بضيق وتمسح وجهها بكفيها ما إن شتت نظرهُ وعبَس, تنظر إليه بهدوء وتهمس : ولدي مثلك
يهمس بحقد : ليتك جعلتيه يموت عطش,الله يلعن اليوم اللي صار فيه ولدك . . .
تقاطعه : تشرك ! غير كذا وين رحمتك ؟
يهمس بضيق : أستغفر الله ربي وأتوب إليه, تعرفين يمه بودي لو أجيبه اللحين يبوس رجلينك ولا أشوف حسرتك عليه.
يردف : صعب تتجاهلينه يمه ؟ والله ما يستاهل هالحسرة اللي بعيونك .. أنا موجود وأمير موجود , وجوداء وفريال.
يهمس وكأنه تذكر شيء ما : جوداء وفريال يزورونك صحْ ؟
بهدوء تجيب : يزورون .. بدر بالمناسبة .. وش قصة بَتول ؟
بدر يتنهد : قالت لك جوداء ؟
هاجَر : مو مرتاح مع زينب ؟
يهز رأسه بالإيجاب ويجيب : الأكيد لا
هاجَر : أعرف من البدايه, عشان كذا أنا عارضت هالزواج .. عشانك
بدر ينظر إليها بحب : أصلًا كل اللي صار لك عشاننا إحنا .. ليتنا ما كنا دام هالألم بيجيك من ورانا.
يردف بإندفاع وقهر : لكن وعد يمه راح أعوضك عن كل هالسنين .. أعرف أضل مقصر, لكني راح أحاول .. ثقي .
هاجر تضع يدها فوق خده الخشن وتهمس : أساسًا هذا اللي مصبرني.
يجتذب كفها ويقبلها, تستطرد بهدوء : بَدر قول لي .. بَتول وش قصتها ؟ ليه ما قلت لي عنها ؟
بدر بهدوء : تزوجتها !! ما فيه أحد يعرف أنها زوجتي .. غيرْ أمي فاضلة وجوداء
هاجر تقاطعه وهي تهمس بدهشة : فاضلة ؟
يجيب : إيه
تنظر للأرض وهي تعض طرف شفتها السفلى وتعقد حاجبيها.
يُكمل : أعرف أنك راح تعارضي لو عرفتي أني أخفي عنها زواجي الأول
هاجر ترفع رأسها إليه وتهمس بقبُول : لا يمه ما أعارض, إن كنت ما كذبت وقلت لها إنك مو متزوج ما أعارض.
بدر : تمامًا ..
هاجر تبتلع ريقها وتهمس : كيف تعرفت عليها ؟
بَدر بهدوء : جايين إسطنبول على سفينة, هجموا على سفينتهم وأخذوها جارية .. طبعًا ما تُعتبر جارية الملك غير صحيح ..
تهز رأسها بالإيجاب وتصغي بإهتمام, يردف : هربت من تاجر إشتراها .. وأنا أخذتها منه
تهمس دون تصديق : تنازل عنها لك كذا ؟
بَدر : لا طبعًا , بعد محاولات .. وبعد ما أعطيته إسمي ومبلغ كبير
تهز رأسها بالإيجاب وتهمس : وبعدين ؟ عجبتك وقلت تتزوجها ؟
بدر : مو كذا تمامًا
تدرك أن فاضلة لن تحاول إيذاء بدر لذلك قلبها مرتاح ورغم ذلك هتفت : أنا أشوف الزواج بوضع كذا وبهالسرعة هذي مو صح أنت ما تعرف هاذي من تكون, لكنك تزوجتها وإنتهى الموضوع
يهز رأسه ويكمل بهدوء بهدوء : حاليًا ما أقدر أعلن زواجي منها, تعرفي أبوي وش ممكن يسوي لو عرف.
ينظر لها بحيرة ويهمس : صحيح يمّه, أنتِ تعرفين وش هدف أبوي من زواجي بزينب ؟
هاجر : تعرف أبوك بدر, زينب ما ترث .. وفي حال أنه بينقذها من الوضع اللي راح تكون فيه بعد موت أبوها مضطر تكون عنده .. وأبوك ما يعطي بدون مقابل .. شاف الأنسب أنك تتزوجها
بدر : يمه فيه شي ثاني .. ولا ليه محذرني أتزوج عليها ؟ من الغباء اني أقتنع في هالقصة .. وأنا أتذكر انك قلتي له هذا سبب مو مقنع قبل سنين .. أنتِ بعد تفكرين مثلي يمه صح ؟
هاجر تتنهد : ممكن , لكني ما أعرف أي شي ثاني.

.
.
.

في جناح دخيلْ.
في أحد جوانب الغرفة يقف الخياط أمامه وهو يسجل مقاساته على ورقة.
تقف فاطِمة بجانب إبنها وتضع وشاحًا فوق رأسها, وهي تهمس بأدعية بصوتٍ خافتْ,بينما تقف رفيدة عن أحد النوافذة المُطلة على مدخل القصر وتنظر بشرود وهي تُضيق عينها كلما أصابها ضوءُ الشمس.
دخيل وهو يمنع نفسه من الضحك : يكفي أمي إيش هالخرافات اللي تقولينها ؟
فاطِمة بجدية : دخيل ليست خرافات
تنظر لرفيدة وتهتف : رفيدة .. من المفترض تعليق تميمة في عنقه أيضًا .. إيش رأيك ؟
رفيدة تجيب بشرود : همم .. نُعلق تميمة !
دخيلْ : إيش لزوم كل هذا ؟
ينظر للخياط ويهتف : وأنت أول مرة تخيط لي ؟ ليه القياسات ؟
ينظر لهُ الآخر دون فهم, لتهتف والدته بهدوء : خليه يشوف شغله .. وزنك زاد وطولك أيضًا !
دخيل ينظر لها بتململ ثم يهتف : طولي متوقف أمي ..
والدته تبتسم بهدوء : فليكُن
والدته تردف : ما شاء الله ما شاء الله .. أصبحت أطول من جميع أخوتك
رفيدة تلتفت وتتجه إليهم وهي تهتف : توك ملاحظة الفرق أمي ؟
تتسع إبتسامتها وهي تضع يدها فوق خد دخيل : ما زال يزداد وسامة وهيبة كل يوم في نظري
رفيدة تقف بجانب والدتها وتهمس بنبر مستخفة : أمم .. هيبة !!
دخيلْ وهو ينظر لها بحدة : رفيدة !
فاطِمة تدفعها بخفة وهي تهتف بغضب : رفيدة .. إلزمي حدودك!
رفيدة رغم إنفعالها فصوتها لا يرتفع : ممكن أفهم سبب هدوئكم الآن .. أنا اللي بس قاعدة ألاحظ خطورة الوضع ؟
دخيل يزفر بضيق وهو يشير للخياط بالإنصرف هاتفًا : يكفي .. إلتزم بالقياسات القديمة
فاطِمة تنتظر خروج الخياط لتهتف وهي تنظر لإبنتها بغضب : مضطرة تذكري أخوك في كل لحظة ؟
رفيدة تنظر إليها : حتى لا ينام براحة ويُقتل بينما هو يحلم بالخاتم
فاطِمة تقاطعها : لا تبالغي .. بدر ما يتجرأ
دخيلْ يبتسم بسخرية ويقاطع والدته : كل شي صار بسببه أساسًا .. هو وأمه
فاطِمه بهدوء : وأمير موجود .. تطمن .. ما يرضى أنك تُصاب بأذى .. أنت قلت قبل أسبوع أنك غير مهتم .. ليه الخوف الآن ؟
رفيدة : أمير وينه ؟ متى راح يرجع ؟ هذا لو رجع .. أوضاع الدولة تخوف.
دخيلْ يهمس بضيق : رفيدة لو تسكري فمك, لا تخنقيني أكثر.
فاطِمه بهدوء : أنا اتفقت مع هِيفي
يهتف الإثنان وهما ينظران لها بدهشة : إيش ؟!!!!!
دخيل بغضب : هِيفي يمّه ؟
فاطِمه بتوتر : على الأقل أمير يحبك , وإن ماعاد من مكة مثل ما تقول أختك أنت تحل مكانه .. هيفي راح تتخلص من بَدر.
رفيدة بسخرية : هِيفي ما تقدر تأذي قلب أمير .. لو صاب بدر شي أمير راح يتأثر لفقد توأمه بالأكثر .. يمه هِيفي سوت كذا حتى تلهيك وتمنعك تتحركي لدخيل
دخيل بحدة : على إيش اتفقتو يمه ؟
فاطِمه : والدك طلب نصيحتها ..
رفيدة : يعرف أنها حيّة
فاطِمة تكمل وهي تتجاهل رفيدة : نصحته يتنازل عن الخاتم لبدر .. ويشوف إن كان يصلح للإدارة
رفيدة : وإن صلح ؟
فاطِمة : لا .. بَدر عصى أحمد .. تزوج اليوم !

.
.
.

قبل ساعة ..
فتحَا الرسالة في نفسْ الوقت, يقرأها أحمد بهدوء وقد خُتمت بختم زينبْ.
هاشم يُنهي قراءتها وينظر لملامح أحمد الحانقة والمصدومة, يرمي الورقة في صينية الإفطار ويهتف : إيش هذا أحمد ؟ .. بدر بأي جرأة يتزوج ؟ دخيل إبنك كيف يكون أحد الشهود ؟
أحمد يصمت ولا يُعيره أي إهتمام, يقرأ الورقة بدقة ثم يقلبها بحثًا عمن أرسلها, وما تفوّه به هاشم هو ما كُتبَ هُنا من قِبل زينب.
أحمد يهمس دون فهم : زينب ليه ترسل رسائلْ وهي في القصر ؟
هاشم يجيب بغضب : زينب راحت قبل يومين لأمها .. بالتأكيد زواج بدر هو السبب اللي خلاها تبعد عن القصر .. والآن قررت تقول لنا!
أحمد يهمس بحدة وهو يرفع عينيه لينظر في وجه أخيه : وأنا شفتني أفتح الورقة قدامك ما أعرف أي شي ..
هاشم : بدر غلط في أنه تزوج ودخيل غلط في أنه شهد وعرف بالأمر وتستر عليه .. ما يحتاج أذكرك بالإتفاق اللي بيننا .. الأدلة الموجودة ضدك حتى الآن هي عندي أحمد.
أحمد يقف وهو ينظر له بإزدراء, يشير لباب الجناح ويهتف : إتفضل .. وأنا راح أتصرف تطمن
يراقب بسخط خروج هاشم لينزع عمامته ويرميها على الأرض, يدفع طاولة الإفطار بحنق وهو يهتف بقهر : الله ياخذ العجزْ .. آه بدر آه دخيل !

.
.
.

تجلس في العربة بنقابها ووصيفتها تجلس أمامها, تقرأ الرسالة مرارًا وهي تعقد حاجبيها بضيق.
وصيفتها تهتف بهدوء : فريال هانم تسمحي لي أسأل عن اللي في الرسالة ..
فريال بقلق : عنوان
تتوقف العربة لتنزِل وصيفتها أولا ثم تنزل هي, تنظر للمكان بتعجُب ثم تنظر للأطفال الذين أحاطو بالعربة ليلمسوها بإنبهار .
تهمس لوصيفتها بشيءٍ ما لتهتف الأخرى والتي ترتدي النقاب كذلك ووهي تنظر لسائق الخيل : متأكد أن هذا هو العنوان نفسه ؟
يهتف بالإيجاب لتدخلا إلى المكان ..
في طرفٍ آخر ..
تقف أمام طاولة رفيعة بثوبٍ قرمزي بسيط وهي تكتب فوق ورقة بعض أبيات الشعر العربيّة التي تحفظها.
لتلتفت ما إن هتف بصدمة وهو يقف خلفها : وش تسوين
تنظر له وكانت ستجيب بإسلوب ساخر كالعادة, لكنها شعرت ببعض الإحراج منه, إنه الآن ينظر في عينيها دون أن يخجل, ينظر إليها بطريقة مختلفة عما سبق مما يشعرها بإنها مضطرة للخجل الذي تكرهه!.
تهمس بهدوء وهي تنظر للورقة : أكتب
بَدر بجدية : خطك سيء
تنظر له وكانت سترد بإندفاع, لكنها شتت نظرها من عينيه التي تنظر إليها وتنتظر ردًا.
تنظر إليه مرة أخرى وتهمس بثقة : طبيعي يكون سيء لأنه بالعربي.
بدر بإبتسامة : وين الفرق ؟ نفس الحروف العثمانية تقريبًا .. راويني خطك بالعثماني!
تحاول إخفاء وجهها عنه بضيق وهي تهمس بإحراج ولا تستطيع منع إبتسامتها من الظهور لإمساكه بها : أف بدر
تنظر إليه وتهمس : يعني أكيد ما راح يكون مثل خطك .. أصلا ماني متعودة أكتب.
يبتسم بهدوء ويُمسكُ بيدِها ليحركها بدقة فوق الورق وهو يشعر بثقلِ يدها, يكرر البيت الأول وهو يهمس بشأنِ الكلمة الأولى : يومَ .. الميم فوقها فتحة مش ضمة ..
ما إن إنتهى من كِتابة البيت ورفع يده إتكأ على الطاولة, نظرت إلى البيت بهدوء وهي تهمس بإبتسامة : هذا أنا سويته اللحين ؟ شي جميلْ!
يبتسم وسرعان ما تلاشت إبتسامته وهو يقرأُ البيت, "يومَ الفرق لقد خلقتَ طويلا".
يهمس بهدوء وهو ينظر إليها : مشتاقة لأهلك ؟
تنظر إلأيه بإبتسامة وتهمس : في رأيك ؟
بدر يبتسم وهو يشتت نظره : وسؤالي غبي طبعًا !
بَتول بهدوء : بدر أبغى أسألك سؤال . . .
في الخارج, تنظر لهما من أحد النوافذ وفكها العلوي يصتك بالسفلي, قريبان منها جدًا لكنهما لا يدركانها, تود لو أنها ترى وجه بَتول لكنها تعطيها ظهرها, يقترب إثنين من مرافقيها ليضعا الحجارة تحت قدميها, تهمس وصيفتها بقلق : متأكدة هانم ؟
تهمس بحدة : إطلعوا إنتظروني فوق, وأنتِ معهم.
تنحني لتأخذ حجارة واحدة لترميها من خلال النافذة, يلتفت الإثنان بصدمة دون أن يتحركا للحجارات المتتالية التي تكسر الزجاج وتصدر صوتا مُربكًا.
ومن خِلال الثقوب الواسعة في النافذة رمَت حجرًا أصاب كتِف بتول .
يقف أمامها وهو يمسك بها لتبدأ فريال في رمي الحجارة وهي تهتف باللعن من النافذة الأخرى والبعيدة قليلًا عنهما !!
يأخذها لأحدِ الغرفة ثم يتجه للباب ليخرج وهو يأخذ خنجره من زاوية ما, يفتحُ الباب ويعقد حاجبيه بصدمة ما إن رآها, يتجه إليها ويمسك بالحجر الذي رفعته ليرميه أرضًا.
تهمس بقهر وهي تنزل النقاب لأسفل ذقنها : Bu ne rezalet? / ما هذه الفضيحة ؟
يمسك بكتفها, ينظر في عينيها بحدة وهو يهزها هامسًا : إيش هالفضيحة اللي مسويتها أنتِ ؟
فِريال وعينيها تحمّر بغضب : مين هالـ****** ؟
يضع يده الأخرى فوق ذقنها ليضغط عليه بعنف وهو يهمس : لسانك العفن يحتاج بتر !!!
تنظر في عينيه بحدة ليهمس : نزلي عيونك
تشتت نظرها, عينيها إمتلئت بالدموع وهي التي لم تعتد هذا التعامل من والدها فضلًا عن تواجده في بيت هذه المرأة, يتركها وهو يشير للأعلى بغضب : تفضلي .. إرجعي القصر .. راح تحجزي نفسك في دارك عقابًا على هالتصرف ... وفمك ما ينفتح بكلمة حتى أجي وأتكلم معك .

.
.
.

مساءً في جناح دخيلْ ..
يستلقي فوق سريره دون أن يُغطي جسده وهو ينظر للسقف, هل أرتكب إثمًا بلإنقطاع عن هاجَر ؟ أليست والدتي أيضًا ؟.
يغطي إذنيه بكفيه وبعض الأصوات المُوحشة تتردد فيهما, يعقد حاجبيه ويغمض عينيه لعله لا يرى تلك الصور عند نظره للسقف ولكن لا فائدة ويشعر بأن رأسهُ سوفَ ينفجر.
يفتح عينيه وينظر للحظاتٍ طويلة لمن يقف فوقَ رأسه ..

.
.
.


يفتح عينيه ببطء ثم يغمضهما لوقتٍ طويل وهو يدلك رأسه بيديه.
ما إن وضع أحدهم كفهُ فوق كتفه إنتفض وطوق عنق من يقف بإحدى كفيه دون أن ينهض.
ينظر في عينيه الهلعة لثوانٍ ثم يهمس : جوادْ !!
الآخر الذي كان يرتدي كزي حراس القصر الأسود همس وهو يُطمئنه : أنا بيهزادم .. ما حبيت أزعجك بالإستئذان
ينظر إليه للحظاتٍ قبل أن يتركه, يعتدل في جلوسه وهو يجتذب منديلًا من جيبه ليمسح عنقه المتعرق هامسًا : كيف غفيت أنا !! الساعة كم ؟
يخرج ساعة من جيبها ثم يعيدها إليه وهو يهتف : تجاوزت العاشرة
يتذكر بتول والتي بالتأكيد هي وحدها الآن, يقف وهو يهتف : تأخرت لازم أروح.
جواد بنبرة منخفضة إحترامًا لذكر بَتول : زوجتكم لوحدها والوقت متأخر أعرف لكن والدكم أرسلني لأخذكم إلى جناحه.
بدر بإستغراب : خير إن شاء الله .. إيش فيه ؟ ليه أرسلك أنت ؟
جوادْ يشتت نظره عن عيني بدر ويجيب : ما عندي أي معلومات
بدر بهدوء : طيب .. إنتظرني عند الباب .

.
.
.

في جناح هيفي ..
تجلس خلف طاولة الشطرنج والتي لا تجيد اللعب بها جيدًا بخلاف هِيفي ووصيفتها تقف خلفها.
فاضلة تهمس بهدوء وهي تنظر للرقعة : ما أفهم سر هالدعوة حتى الآن .
تكتفي بالإبتسامة, تردف الأخرى وهي تحرك قطعة ما : كان من الأدب حضورك أنتِ إلى جناحي
هِيفي تهتف بصوتها الرقيق : لازم تكون في جناحي .. راح تفهمي السر قريبًا
تنظر فاضلة للرقعة وهذه القطع تستفزها, تحرك حجرًا دون وعي وهي تهمس : ما علقتي أبدًا على إستلام بدر للخاتم
هِيفي وهي تفهم الآن أن فاضلة لا تجيد اللعب بالشطرنج, همست دون أن تنظر لفاضلة : هذا شيء غير ملموس, لو إستلمه بشكل حقيقي راح أعلق .
تردف بإبتسامة وهي تنظر لتحيّر فاضلة رغم أنها لا تُظهر ذلك : تعرفي أنّك لازم تغيري أسلوبك فاضلة هانم .. يعني إخترتي أمي هاجَر عن طريق ملجأك .. وفاطمة هانم كذلك .. وأنا أيضًأ .. برأيك هل هذا الأسلوب لا زال ناجح ؟
فاضلة تنظر لها والقلق يتضح في عينيها, تستدرك الأخرى : أتكلم عن دخيل .. هل راح تختاري له زوجة بنفس الطريقة ؟
فاضلة بهدوء : في رأيك أني أهتم بمستقبل شخص ضعيف زيه ؟
هِيفي : لكنك أهتميتي بمستقبل بدر .. في نظري أنه ضعيف أيضًا
ترفع حاجبيها دون فهم, هيفي تنظر لفاضلة وهي تهمس : حبيت أنهي موضوعه بطريقة تقليدية
تهمس بهدوء وهي تحرك قطعة بيضاء : كِشْ بدر ..
ما إن فهمت وضعت باطن كفها فوق الطاولة وصدرت من شفتيها شهقة خافتة وهي تنظر نحو الباب.
تتبادل النظرات القلقة مع وصيفتها ثم تهم بالوقوف ودخول حارسين ليقفا أمام الباب منعها من ذلك.
هِيفي بإبتسامة : عرفت من عدم معرفتك للعب الشطرنج إنك راح تنهي بدر بإيدك .. الملك الأسود يعني بدر في وضع يستحيل الهروب منه .. إنتهت اللعبة .. فاضلة هانم!.
تبعد نظرها عن الحارسين وتنظر لهِيفي, تهتف بغضب : هيفي تكلمي معهم ..
تنظر لهم مرة أخرى وتهتف : إبعدوا
تتجه إليهم وصيفتها وتقف أمامهما, هتفت بحنق وهي تنظر لكليهما بحدة : إيه الجرأة دي ؟ إبعدو فورًا
تقف بغضب وهي تضرب فوق رقعة الشطرنج بكفها : راح تندمي هِيفي .. راح تتحسري لدخول القصر
هِيفيي ببرود : أنتِ اللي جهزي أمتعتك .. حتى تتبدل الأماكن بين وبين هاجَر .. أنا دعوتها عليك يا ظالمة !.

.
.
.

أحمد يقف بهدوء في وسط الغرفة, بينما يقف دخيل أمامه وهو ينكس رأسه بأمرٍ من والده ويسترق النظر لعيني والده بين الحين والآخر, ومن خلفه يقف مرافقه الذي رآه واقفًا فوق رأسه.
يُطرق الباب طرقة واحدة ليهتف أحمد : إدخل ..
يدخل بدر ويقف بجانب دخيل وهو ينظر دون فهم, ويقف جواد مِن خلفه.
يهمس بَدر بعد مرور لحظاتٍ طويلة على صمت والده وعلى نظره المستمر لكليهما : آمر يبه ؟
أحمد بهدوء وهو ينظر لبَدر : بَدر .. محمد وعبد الله إجبروا يفرطوا فيك حفاظًا على أرواحهم .. أنتْ من ضمن اللي تشعلون الفتنة .. وأنت سبب في تمرد 1622 قبل عشرة سنوات .. يعني تسببت في مقتل السلطان عثمان !
تتسع عيناه بصدمة, هل يستوعب خيانة رفاقه أم يستوعب هذا الإفتراء في حقه ؟
ينظر لدخيل ويهمس : وأنت عاونته.
ينظر له بصدمة ويهمس دون إستيعاب : أنا ؟!!
يعد خطوة للوراء وهو ينظر لوالده بإستنكار ليمسك جواد به, ينظر بطرف عينيه لجواد ويهمس من بين أسنانه ما إن فهم أنه ضمن هذه الخيانة : كلب !!
أحمد يضعُ ذراعه اليمنى على ظهر بدر واليسرى على ظهر دخيلْ, يهمس بالقرب منهما : إيش رأيكم في سجن يدي كوي ؟
بدر تبرز عروق جسده ويود من بين كل هذه المصائب تفريغ غضبه في جوادْ.
يبتعد أحمد وهو يهمس : خذوهم ..
يهمس بدر ما إن أمسك به جواد : إرفع إيدك
يلتفت متجهًا نحو باب الجناح وسقوط دخيلْ على الأرض يمنعهُ من ذلك.
دخيل أخذت عضلاته في الرجفان وهو يتخبط فوق الأرض, تسقط عمامته عن رأسه ويختفي سواد عينيه . . .


.
.
.
.
.
.

إنتهى

*يدي كوي هو السجن الذي خُنق فيه السلطان عثمان الثاني.
*اللغة العثمانية يُعوض عنها باللغة التركية.
*موعد البارت كُل أربعاء.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:25 PM   #6

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية : طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ .
بقلم : حِرز.

عيني هاجر (3).

يقف وسط العدم, وكأنه في غرفةٍ عديمة الجدران وتحوي الظلام فقط!!!.
يسمع صوتَ فحيحٍ لينتفض وهو يبحث عن مصدر الصوت, ليرى كبدًا مرمية على الأرض والدماء تُراق منها.
يحاول التقدم نحو ذاك الكبد ويعجز عن ذلك لوهنٍ في جسده, يضع يده فوق موضع ذاك الألم أسفل صدره ثم يرفعها ليُصعق من الدماء التي ملأتها ..
ينتفض ما إن تكرر صوت الفحيح ويرفع عينيه عن يده, فيرى ثعبان قد أحاط بالكبد المُلقى والذي يعود إليه !.
يفتح عينيه وشهقة خافتة تصدر من بين شفتيه, عينيه المفزوعة ترتطم بسقف الغرفة وتطيل النظر إليه طويلًا ..
يتنهد وهو يمسح وجهه المتعرق بكفيه, يُبعد الغطاء عن جسده ثم ينهض.
يتجه نحو باب البلكونة المفتوح, ينظر لمرافقه الذي كان ينظر بشرود نحو الأسفل, يدخل ويتجه للسور الحجري ويستند إليه بجانب مرافقه الذي لم يلاحظ تواجده إلا الآن ليهمس بلغة عربية يجيدها وهو يبتعد قليلًا عن السور : بيهزادم .. صباح شريف
يصمت ويراقب أراضي وسماء اسطنبول من شرفة غرفته المرتفعة, ينظر دون أن يتكلم, عينيه فقط من كانت تحكي.
يرفع ناظريه للسماء, يهمس : شفت كابوس ..
ثم يُردف وهو ينظر للمرافق : بدر لازم يطلع برا اسطنبول
المُرافق دون فهم : مافهمت العلاقة بين الكابوس وبين بدر بيه
أحمد : لابد من علاقة .. أحلام ما قبل الفجر صادقة
المرافق : بعد اذنك .. استفزاز بدر خطأ
أحمد : وش تنصحني ؟
المرافق بهدوء : في النهاية اللي راح يستلم مقاليد الأمور بعد عمر طويل هو بدر .. هذه حقيقة إن قبلنا بها أم لم نقبل .. لأن والدتكم تقف خلفه.
أحمد يشتت نظره عن المرافق ويهمس : يارب !

.
.
.

كيف يراه والده والجميع كما يرون أبناءَ هاجر ؟ كيف يُصبح ابن هاجر ؟ كيف يزرع نفسه في أحشاءها ثم يخرج إلى الحياة ويكأنه إبنٌ لها ؟ كيف يستطيع رضع لبنها دون منة ؟, أشفقت على طفلٍ والداه لا يبغيانه وألقمته ثديها مرارا ثم نبذته!.
يزفر بضيق ويهمس بينما يستلقي في فراشه : سوء طالع !

.
.
.

لطالما أخبرته بأن لايبحث عن عيني هاجر في عينيّ التي تشبه عينيها, لايزال ينظر في عيني هاجر عبر عيني, لازال يُذكرني بمشاعري المبغضة إليه كلما نظر في عيني وكأنه ينظر لهاجر.
يعتدل في جلوسه, وقد إلتقت أعينهما طويلًا حين استيقظ ورآه فوق رأسه.
بات هنا ليلتين, بينما بات دخيل في فراشه إثر إغماءته المتعلقة بمرضه ..
هي زنزانة في أحد سراديب القصر, نام بين جدرانها الرطبة ليلتين ولم يحتمل, واستلقى فوق هذه الأرض الصلبة الخالية من أي فراش لليلتين فقط ولم يحتمل أيضًا .
أحمد يجلس بجانبه, يصمتا قليلًا, قبل أن يهمس بدر وهو ينظر للأرض : أنا لسنوات حاولت أكون لائق فيك, وأنت في كل فرصة تطلعني من عينك
ينظر لوالده ويهمس : أبغى حياة طبيعية, كثير اللي أطلبه ؟
بتجاهل هتف وهو ينظر للأرض : أمي قالت أنها كانت حاضرة أثناء العقد .. أنت تعتقد أنك لو أخذت موافقتها يعني أنك حطيت رضاي بجيبك ؟
بدر : حاشى
أحمد بهدوء : أول ما عرفت أنك تزوجت أرسلت لمحمد وعبد الله, واستجابو لي .. عبد الله خوف على روحه ومحمد من طمعه ... أحاول أفهمك أي ناس هم من سنوات .. كنت ولا زالت أستغل أي خطأ منك حتى أعاقبك بطريقة أصحح فيها حتى أخطاء ثانية
يصمتْ, يشتت نظره عن والده وهو يجتذب الهواء لصدره ثم يخرجه, يدرك معنى هذه المقدمة جيدًا!!.
أخيرًا أجاب والده بهدوء وهو ينظر إليه : أنت تطلب مني شي الآن أنت من قبل ما علمتني إياه
أحمد يقاطعه : أخطائي في تربيتكم كثيرة والآن أحاول أتداركها .
ما إن حاول بدر التكلم هتف بإنهاء للحديث : هذا أمر بدر .. زواجك كان له معنى سيء ..
يُردف بحزم : أنا أعطيك خيارات أنت رجح أنسبها , يا أما أتراجع عن المدى اللي سمحت لك فيه تتصرف بمزاجك وأرجع أسحب الخاتم منك وأمنعك من دخول المغازل .. يا أما تتخلى عن زوجتك.
يشتت نظره, دخوله لمقر العمل أصبح خيالًا, منذ سنوات ووالده ما إن يسمحُ له بالدخول يمنعه مرة أخرى قبل أن تطأه قدمه من جديد.
يهمس : تامر يبه.

.
.
.

تدخل للمنزل مسرعة, الأسواق أصبحت كالخربة, والطُرق ملأة بالحرائق, إثر تمردٍ أقامه الجيش أمام باب قصر الحكم وصلت شرارته للأحياء البسيطة!.
تتجه للداخل, وأمام باب الغرفة وقفت بذهول وهي تنظر لمن يجلس فوقَ أحد السريرين, الأخرى اتجهت لبتول لتعانقها بشدة وتقبلها مرارا وهي تهتف بعبارات الود والشوق.
تدفعها بتول برفق وتهمس بصدمة بضيق من هذا القرب : أف تمام وقفي خديجة وقفي
تدخل تيا, تتجه لسريرها وتجلس فوقه لتتبعها بتول بينما جلست الأخرى على السرير المقابل.
خديجة بهدوء وهي تنظر لبتول : قلت بعد هذا كله بننسى الأشياء اللي صارت وبنقول احنا عيال اليوم
بتول بهدوء : احنا مو عيال اليوم أحنا زوجة أب وبنته لذلك من المستحيل يكون في شوق أو صلح بيني وبينك ! ..
تيا بضيق : بتول اسكتي شوي
بتول تستطرد : خديجة كيف وصلتي هنا ؟
خديجة ببرود تستلقي وتهتف : والله مدري وشلون حصلت نفسي هنا بلادكم وش كبرها ! في الآخر وصلت عند مسجد ولقيت ولد عمك طالع منه!
تردف وهي تحرك إسوارتي ذهب في معصمها : هذا اللي طلعت فيه من عند الـ***** , وعطيت اسوارة لوحدة ***** حتى تخليني ببيتها آكل وأشرب الله والبيت عاد اللي …
بتول تقاطعها : أف خلاص .. بين كل حرف والثاني تشتمين ! , اشكري الله المرة خلتك عندها .. ناكرة جميل ! .. بعدين أنا ما قلت أروي قصة حياتك ..
خديجة : وش تسألين عنه أجل ؟
تيا : قصدها آخر شي من كان معك ؟
خديجة بهدوء : لا والله انحشت لحالي
بَتول بسخرية : مُتوقع منك
خديجة : ليه اخذتي منهو أنتِ معاك ؟ تيا تقول وحدك لقوك
بَتول تنظر إليها بإزدراء وتهتف : أنتِ ماتعرفي أي شي من اللي صار معي !
خديجة بتمتمة : كل شي بسببك أساسًا .. مو احنا جايين هنا حتى نداري سواياك ؟!
بتول والجنون ينبع من عينيها صرخت بحدة : خديجة .. مهما كنت سيئة ما أسمح لشخص يتكلم بالشكل المهين هذا معي
تيا بإنزعاج وهي تنظر لبَتول : بتول
هتفت خديجة بسخرية لاذعة : إلا يقولون انخطبتي لواحد مليان (ثري) ؟ مسرع نسيتي أهلك وانحشتي من قيد ولد عمك ؟ ايه من أول ماهو جايز لك هالكادح اللي راد يستر عليك .. عاد شلون بترقعين فعلتك بنجد للرجال اللي خذتيه ؟
بَتول تحرك رأسها يمنة ويسرى وهي تهمس بينما تتجه خارج الغرفة : يا صبر !!


خديجة زوجة والد بَتول الثانية والتي لم تتجاوز الأربعين بعد!..

.
.
.

صباحًا
تنزل بهدوء من العربة التي تجرها الأحصنة وتقف أمام بوابة القصر الضخمة.
تتأفف بضيق, في القصر الآخر ويكأنها سرقت الهواء النقي إلى صدرها بعد أن تنفست هواء هذا القصر كمن لا حق له في العيش, والآن ستُجبر على بعض الإنحناءات التافهة وعبارات الصباح والمساء المتكلفة, ولا حق لها في ارتداء ثوب النوم طول اليوم والإستلقاء في سريرها مثلا, ولا يحق لها قراء كتاب في سريرها الدافء غير قبل ساعة النوم مثلا .. والكثير من الأسر لإمرأة حرّة!.
بعد عدة دقائق وصلت جناحها لتفاجئ بتواجد فريال فيه, تجلس في الصالة على أحد الأرائك وتهز قدمها بغضب ثم تقف ما إن رأت والدتها وتهتف بغضب : أحسنتِ .. أبوي الآن في الزنزانة بفضلك
تعود خطوة للوراء وهي تنظر لها دون استيعاب هذا الإتهام, وتسترسل الأخرى :أنتِ تعرفي أن جدي أعطى أبوي الخاتم ؟ يعني بقى عدة أيام ونقدر نرمي فاضلة وغيرها ….
تقاطعها بغضب : فريال .. أنا مو فاهمة ولا كلمة من اللي تقوليه أنتِ ملاحظة ؟
فريال تصمت لثوانٍ ثم تهمس : كيف ؟
زينب : فعلا أنا مو فاهمة
فريال : أنتِ ما أرسلتِ اي شي وانتِ عند أمك ؟
زينب تحرك رأسها بالنفي وتهتف : لا
فريال تصتك أسنانها العلوية بالسفلية وتهمس من بينهما بحدة : أحد من فيران هالبيت !
زينب تتجه للأريكة لتجلس وهي تهتف بهدوء : وش صار في غيابي ؟
فريال تستدير وتنظر لوالدتها بإبتسامة : تهانيّ لك ولي .. زوجك من مدة جدد فراشه بدون علم أي أحد
ترفع حاجبيها بصدمة وتهمس : ايش ؟
فريال تكمل بابتسامة تكبت بها غضبها وحرقتها : نعم يا أمي .. أنتِ حاولي تستوعبي بينما أسرد لك باقي الأحداث ..
تردف : فيه شخص ارسل لي ولجدي هاشم وأحمد ثلاث رسائل بختمك تفيد أن أبوي تزوج وعمي دخيل أحد شهود هالزواج!
تجلس بجانب والدتها وهي تمسد جبينها بإصبعيها, تنظر لوالدتها المدهوشة وتهتف بهدوء : الواضح انه كان يحاول يورطني أول .. فكر اني لو عرفت بالزواج راح أكشفه .. ولما ما نجح في هذا انتقل للخطة البديلة وورطك أنتِ ..
تبلل شفتيها بلسانها وتنظر للأرض بضيق, بينما تشتت فريال نظرها ثم تنظر لوالدتها مرة أخرى وتهمس : بكل سهولة حصل على ختمك !
زينب بحدة تنظر لفريال : أف فريال .. وجعتي راسي .. اتفضلي برا
تنظر لوالدتها وتهتف دون استيعاب : ما أصدقك! .. أقولك أبوي تزوج يمه .. أنتِ بنت عمه ما يبغاك وقبل بوحدة لا بد أنه وضبها من الزبايل !!
فريال تنظر لوالدتها بخيبة, تهمس : أصلا توقعت موقفك هذا
تمشي نحو باب الجناح وتهمس دون أن تلتفت لوالدتها : لو حسيتي أنتِ الباب هذا راح يحس.
تنظر لفريال التي تختفي تدريجيا من أمام عينيها بحزن, تدرك أن البرود الذي بينها وبين بدر يهم فريال وحدها وهذا ما يحزن فريال بالأكثر.

.
.
.

يمرُ بجناح فريال وهو يتجه لجناحه, ويتوقف لثوانٍ وهو يتذكر آخر لقاء لهُ بها.
" تجلس على الأريكة, تعقد ذراعيها أمام صدرها وتضع قدما فوق أخرى وتهز إحداها وتنظر للأرض.
ودمعة سقطت من إحدى عينيها ما إن صرخ والدها الذي يقف أمامها ويتحرك بغضب.
تنظر إليه, يهتف وهو ينظر إليها بغضب : ليه تصرفتي بهالشكل ؟
تُنزل قدمها المرفوعة ما ان تنبه لطريقة جلوسها, تتقدم بعد أن كان ظهرها ملتصق بالأريكة, تهمس بضيق وهي تنظر إليه : حتى أنك ما تكلمت معنا قبل لا تتزوج, انصدمت ..
ينظر في عينيها بحدة : فعلا نسيت أستأذنك اعذريني
تشتت نظرها ثم تهمس : آسفة
يستدير ويعطيها ظهره, يمسح وجهه بكفه وهو يتنهد بضيق, حتى اعتذارها يشعر أنها تجبر لسانها على النطق به.
يتجه إليها, يجلسُ بجانبها على الأريكة وهو ينحني قليلا ويسند مرفقيه لركبتيه وينظر لوجهها.
يهفت بهدوء : زواجي ما يعني اني خلاص ما راح أحبك أنتِ وأمك.
فريال تحرك رأسها بالنفي, ثم تهمس : أنت ما تحب أمي .. حتى أنا يمكن جبرت نفسك تحبني.
بدر بمسايرة : كيف عرفتي ؟ طليتي في قلبي وعرفتي ؟
فريال : الكل يقوله ..
بدر بهدوء : وبنتي وش تقول ؟ بنتي كلامها وش هو ؟
بدر يصمت قليلا وهو ينظر في عينيها, ثم يهمس وهو يحرك سبابته : اسمعي فريال .. أنا ما فيه أحد في الدنيا يقدر يحدد مجبورياتي غيري أنا ..
يردف بهدوء وهو يدنو برأسه قليلا للأمام : أنا ما أخذت أمك إلا أبغاها ..
فريال : تزوجت لكن ؟
يبتلع ريقه وهو ينظر في عينيها بحنق, تشتت عينيها عن عينيه ما إن شهدت احمرارهما وبروز عروق عنقه, يهمس وفكيه يصطكان ببعضهما : أنا ما راح أطلب منك تتقبلي هالزواج فريال أنا آمرك ما تبدي رأيك في شي يخصه حتى
يهمس وهو يضرب بخفة ركبته بباطن كفه بينما ينهض : الحديث بدأ ياخذ منحنيات مزعجة بالنسبة لي
يهتف وهو يتجه لخارج جناح فريال : أنتِ تذكري أنك محتجزة حاليًا حواري هذا معك ما يعني اني سامحت آخر أخطائك"
فريال قاسية تشبهه وتكسر قلبه دون أن تعرف, يبدوا أنه سيعايش ما عاشه هو مع أبيه مرة أخرى, كما آذى والده سابقا بكلمة أو فعل ها هي فريال تؤذيه !.

.
.
.

ظُهرًا ..
دخيل يجلس على الأريكة في غرفته, الشاي الذي فوق الطاولة التي أمامه توقفت أبخرته عن التصاعد وهو حتى الآن لم يشرب ربعه, وملابس نومه لا تزال عليه رغم استيقاظه منذ وقت طويل, وجدته تقف أمامه وكأنها تتكىء على لسانه لتلتقط الكلمات من فمه, وهو ينظر بشرودٍ في صينية الإفطار.
تزفر بانزعاج ثم تهتف : حفيدي أتكلم معكم
ينظر ناحيتها ببرود ثم يهتف : قولي يا أمي أسمعك
تبتسم وترّد : ارتداءك لهذه الملابس حتى هذه الساعة غير مناسب, في الأصل من المفترض أن تكون في المسجد الآن.
دخيل بجرأة ولا يزال ينظر داخل عينيها الباهتتين ببرود : أعرف المفترض والمناسب يا أمي, أنتِ تقدري ترتاحي في جناحك وتصلي على سجادتك.
تكبت ابتسامتها الساخرة, تدرك أنه يشير بأنها أصبحت عجوزًا وتتجاهل هذه الجرأة,ثم تهز رأسها بإيجاب قبل أن تخرُج.
بعد دقائقٍ معدودة تدخل والدته وشقيقته بعد أن طرقا الباب وأذِن بالدخول, والدته تجلس بجانبه على الفور بينما تنحني أخته وتظل واقفة.
رفيدة تبتسم وتمازحه : صباح الخير بالنسبة لوقت داركم يا أخي.
يبتسم رغمًا عنه : يكفيني جدتي اللي تتدخل بأبسط التفاصيل رفيدة, أنا مرتاح لنظامي.
فاطمة بهدوء : قريبًا ان شاء الله يصبح كل شي بالعكس
دخيل ينظر اليها بإستغراب : هذا وش يعني اللحين يمه ؟
فاطمة : لا تظن أننا راح نسكت, أخطأت في البداية بالوثوق في هيفي فعلا .. لكن الآن راح نكون على حذر .
دخيل بانفعال ولايزال يحافظ على انخفاض نبرته : لا .. اللي عشته بسبب تهورك يكفي وزياده
يردف بخفوت : أنا ماني ناوي آكل حق أخوي .
رفيدة وملامحها تتجهم : صحيح دخيل ؟ حق أخوك ؟ كيف هالأخ اللي تتكلم عنه ؟ الحق مذكور في أي كتاب هذا ؟ أي نص ؟ أي حديث ؟ أي آية تقول أن الوريث شخص يختاره أبوك؟
دخيل ينظر إليها بحدة : فهمك للمسألة بكبره خطأ, أنا أوصيك توقفي بعيدة .. حطي خط بينك وبين شغل الرجال .. أجدادنا اللي حطو هالنظام ورسمو القدر هذا لنا حتى يحافظو علينا أنتِ ما راح تفهمي وتدركي مصلحة العائلة أكثر منهم
رفيدة : اجدادنا مادرو أن هالخاتم ممكن يطيح في اليد الخطأ
يقف, ينظر إليها طويلًا ويهتف : تنحي رفيدة .. حافظي على دينك ودنياك أزين لك.
ينظر لوالدته الساكنة : أنا ان كان لي حق متنازل عنه ومسامح, أنتو لا تعثبو في مسائل ما تعنيكم أكثر.
رفيدة تنوي التكلم لتقف والدتها وتهتف بمقاطعة لها : تمام ..
رفيدة تنظر إليها باستغراب, الأخرى تنظر لدخيل وتهمس : احنا لحتى تعطينا اشارة بالتدخل
ثم تكمل وهي تنظر لرفيدة بمغزى : راح نقف جانبًا ..
تزفر بهدوء وهي تهز رأسها بطاعة وقد فهمت مسايرة والدتها لدخيلْ, حال دخيل المتقلبة تثير الغرابة في نفسها !.
تستطرد : أبوي رجع منع بدر يدخل مقر العمل .. إلا لو طلق زوجته
دخيل ينظر إليها : كنت على وشك أصدق أن بدر راح يترأس المغازل, لكن كالعادة .. يرتكب خطأ في الوقت اللي أبوي يسمح له .. وكأنه يتعمد!
رفيدة : وهِيفي تتصيد أخطاءه حتى توصلها لأبوي
فاطمة : أنا أتعجب من بدر, كم فرصة يعجز عن استغلالها حتى الآن ؟

.
.
.

تقف بجانب الشرفة وتسند كتفها إليها, عينيها الجميلتين تشرد في القصور والمنازل المقابلة لها.
هي مدركة بأن ذنوبها لن تنقطع, ربما لو أنها لم ترتكب تلك الذنوب الصغيرة منذ البداية لما تورطت في آثامٍ لا تعد ولا تحصى!.
تلتفت بذعر ما إن دُفعَ الباب !!
يتقدم نحوها بهدوء, يقف أمامها وينظر لها بمجمود بينما كانت تنظر إليه بعينان متسعتان وفم فاغر.
يصمت قليلًا قبل أن يهمس : تعرفي كلام ينقال عشان شخص تعب في شي وراحت نتيجة هالتعب لغيره ؟ يعني عشان أواسي نفسي فيه اللحين.
أهدابها ترتجف وشفاهها تطرد الوخزات من قلبها على هيئة زفيرٍ مضطرب, دخوله هذا مربكٍ لأمومتها!.
يهمس بنبرة راجية وعينيه تنطق بالقهر : وش سويتي أنتِ يمه ؟
يردف وإشارات يديه كلها تشير إلى قهره : خمس سنوات تعبت حتى ترجحيني لأخوي يمه ..
فاضلة بخفوت : أنت تظن أن الموضوع ينتهي بترجيحي لك ؟ أحمد من المستحيل أن يختار أحد أخوانه ..الوليد
الوليد : لكن بدر ؟ بدر أخذ كل شيء بينما كان يحلم فيه وأنا أحصل على ولا شي بينما كنت أشتغل وأشتغل !
فاضلة تشتت عينيها عنه, تبلل شفتيها بلسانها ثم تنظر إليه وتهمس : الخاتم لا يختار صاحبه وفقا لعمله .. بدر كان أذكى واحد فيكم عرف كيف يستغل عاطفة والده ..
ما إن اتجه ليجلس على الأريكة ابتلعت ريقها, اسند مرفقيه لركبتيه وغطى وجهه بكفيه وهو يزفر, تضم شفتيها بضيقٍ لحاله ثم تهمس : حتى الآن بدر ما يقدر يتصرف بدون استشارة أحمد تطمن
تردف وهي تشتت نظرها : أحمد يرى أن بدر يستحق التعويض
يرفع كفيه عن وجهه وهو ينظر لها دون فهم, وما إن استوعب ضحك بسخرية وهمس : زينب !!
يشتت نظره عن والدته ويردف : أساسا كل شي بسبب زينب وعشان زينب وزينب وزينب وزينب!!
فاضلة : لاتخاف الوليد .. بدر رحيم .. لي مكانة في قلبه ويحترمني ...
يقاطعها : مقابل معاملتك لوالدته راح يحترمك ويرحمني صح ؟
يقف بهدوء ويكمل دون اكتراث لنظراتها الحادة : الله أعلم هاللي تقولي عنه وش بيسوي .. في رأيي خافي وتجهزي لأسوء الإحتمالات .. حتى تكوني بجنب والدة زينب وتكون هاجر هِنا مثلا!

.
.
.

بعد مرور أسبوع!

.
.
.

قُرب الفجر ..
في مأوى الخيول ..
يطيل النظر لخيله الذي يتراوح لون جلده بين الأبيض والرمادي .. وشعره كان رماديًا بالكامل, بعد إرسال بدر ورقةً لفضل تفيد بأنه يطلب منه طلاق بتول نيابةً عنه سافر والده مطمئنًا, ولطالما حاولت فاطمة ثنيه عن هذا السفر لكنه كان مصرًا لأهمية تلك الدعوة التي أتته, في نفس الوقت هذا السفر يشير إلى أنه يثق ببدر ويعتمد عليه بأنه لن يخالف أي أمر, لكنه يخون هذه الثقة دون أي تأنيب لضميره, ودون خوفٍ من عواقب هذه الخيانة, ملّ وسأم من الغصات التي لا تنفك عنه, ملَّ!.
يلتفت ما إن تنحنح أحدهم ويبتعد عن الخيل, ويتجه إليه صخر مرافقه الجديد مرتديًا معطفًا وعمامة أسودين, يحني رأسه قليلًا, بدر ينظر لصخر ويهتف : تفضل
صخر يجيب دون أن ينظر إليه : أولا جمعت حراس مغزلين في الممر السري اللي دخلنا منه .. بعدها بدأو حراس المغزل الأول بخطف حراس القصر بشكل سري وهادئ وإحتجزهم حراس المغزل الثاني في الممر .. طبعًا أفقدناهم الوعي قبل إختطافهم ليكون أيسر
بدر بإهتمام : أحد تضرر ياشيخ ؟ ( يقولها إحترامًا لظهور الشيب في لحيته)
صخر بإندفاع : ألبتّة
بدر بهدوء وهو يشتت نظره : جميل .. قيدوهم وخذوهم للمغزل الأول ماعدا الأربعة أسماء اللي عطيتكم .. بعدها ابنو جدار فوق الممر راح نفتح ثاني نكون أنا وأنت بس على علم فيه.
صخر : بعد أذنك .. ليه تبدل بين حراس المغزل الأول بحراس القصر ؟
بدر : جميع الحراس تحت أمري ما عدا حراس القصر .. في الأصل راح أتخلص منهم .. لكن تدريجيًا حتى لا يسبوو فوضى
صخر بقلق : وإن استنكر الحراس وجودهم في المغازل أو أحدثوا ضجة ؟ أجر حراسة القصر أكبر من أجر حراسة المغازل وهذا اللي حد حراس المغزل يقبلو التبديل ..
بدر : إذا صحو وضحوا لهم أن وجبة العشاء كانت ملوثة .. بعدها بوقت اعطوهم قرار التبديل
صخر يتنحنح ويهتف رغم معرفته بخطورة ما قد يفعله الحرس ردًا عليه : تسمح لي بدر بيه ؟
بدر ينظر إليه وارتباك صخر يشده : تفضل
صخر يبتلع ريقه ثم يهمس : أحمد بيه ..
يقاطعه ببرود : راح يتأخر في العودة الرجال أصر عليه يستضيفه أكثر, أيًا كان نقدر نوضح لو عرف أن الحراس تبدلت.
يهز رأسه بطاعة ليهتف بدر : اذا مافيه شي ثاني تقدر تروح تكمل شغلك.
صخر يخرج متقهقرًا, بينما هو ألقى نظرة أخيرة على الخيل ثم خرج.

.
.
.

مرت عدة دقائق, قبل أن يُطرق الباب ويأذن هو لمن خلفه بالدخول لتدخل هِيفي وتنحني, يشير إليها بالإقتراب لتتحرك بضع خطواتٍ للأمام.
بينما يجلس هو في نهاية سريره ويضع مجلدًا في حجره كانت تقف أمامه وعشر خطواتٍ تفصل بينها وبينه.
يهمس بهدوء وهو يكتب بعض التفاصيل الصغيرة بعود الرصاص المغلف بالخيوط في الشق الأيسر من الورقة : أنتم كيف نتصرف معكم ؟
هِيفي ترفع ناظريها إليه وتهمس بهدوء : احنا مين ؟
يبتسم : أنتم زوجة أخي ..
يشير اليها ويردف : مقامك يعني
هِيفي التي لم تعتد أن يخاطبها بهذه الصورة همست ما إن فهمت أنه يستهزأ : كيف تتصرفون معنا ؟
بدر يشير لأحدِ الطاولات المرتفعة بينما يكتب باليد الأخرى لتحملها الخادمتين الوافقتين قرب الباب ثم تضعانها أمامه ليضع المجلد فوق الطاولة ثم يشير لهِيفي بالإقتراب.
تقف أمام الطاولة وما إن أشار إليها بالنظر في الأوراق نظرت إليها, هتف بهدوء وهو يلقي نظرة على الأوراق : طلبت انه يتجهز .. من فترة طويلة .. كنت عارف أن المخطط هذا راح يلزمني .. والآن وقته.
ينظر إليها ويهمس بهدوء : يحتاج اشارة مني حتى يبدأ البنيان .. لكن الأصح ان هالإشارة ما تكون مني تكون من أمير لأني لو أشرت ممكن أحرجك مع أخوي .. وأنا ماودي .
يردف بذات النبرة التي تستفزها : لذلك إن كنتِ تحبي تاخذي راحة بالك معك لقصرك الجديد فور عودة أمير تقدمي له هالأوراق .. إن أنا أشرت ؟ أخوي راح يسألني ليش وكيف ؟ احنا الاثنين ما ودنا زوجك يعرف ليش وكيف ..
تزم شفتيها دون أن ترفع عينيها عن الأوراق لوقتٍ طويل, ثم تهمس وهي على علم بوضع أمواله : في الأساس أنت عندك امكانية حتى تشير؟ ما تقدر !.
ما إن نظرت إليه همس : القرار لكم .. أنم راح تختارو وبعدها راح تشوفو أنا أقدر ولا لا.
تشتت نظرها وحتى الآن تحتار في كيفية اجابته, والآخر يهمس : خمنت , تقدري تتفضلي هِيفي هانم .. المخطط راح يوصل جناحك مع الشخص اللي رسمه حتى تتفاهمي معه.
تشير بالإيجاب ثم تنحني قبل أن تخرج, لم تتخيل أن أحمد قد يسامح بدر على فعلته, والد أحمد لم يكن متساهلًا للحد الذي جعلها تظن أن أحمد يشبهه.

.
.
.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:39 PM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



.
.
.

قبل الظهر ..

تتوقف عربته قرب مبنى ضخم جدًا عُلق على بوابته لوحة كُتب عليها بالخط الكوفي (النجدي), يترجل مرتديًا ملاءته التي تخفي من يكون ومن خلفه مرافقيه الاثنين, يقف أمام بوابة المبنى الضخمة والمصنوعة من الخشب, ليطرقها أحدَ الحارسين الواقفين عن يمينها وشمالها ..
تُفتح نافذةً صغيرةً في البوابة نفسها ويطل منها الحارس بعينيه, ينظر للقادم ويهتف : ( من؟ )
يجيب وهو ينظر ببرود في عينيّ الحارس : ( بدر, إفتح البوابة بسرية )
تُغلق النافذة ويُفتح الباب المتواجد في البوابة ليدخل بيمينه ويتبعه مرافقاه في جميع خطواته.
يتأمل المغازل العديدة والضخمة المتواجد في المبنى, واللون البني الداكن يغلب عليها, وضوء الشمس يتسلل إليها من النافذة الضخمة المتواجدة في الجدار الخلفي للمبنى, ينظر ببريق عينيه,يتنفس الصعداء وهو ينكس رأسه وينظر إلى الأرض, عندما لمعت عينيه خاف الكِبر, في سِره ليذكّر نفسه : (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ).
بعد أن تفقد المغازل واتضح له أن الجميع جاد في عمله اتجه نحو دار الأموال, يدخل دون طرقٍ للباب وقد كان هناك شخصا عجوزًا يجلس خلف طاولة في الدار وقف حينما دَخل بدر وبدأ يهتف بكلماتٍ غاضبة بلغته.
بدر بهدوء ينتظره لينتهي من كلماته ثم يُنزل قلنسوة الملاءة ويهتف : سلامٌ عليكم حاج.
يُصغر عينيه لعلّه يعرف من أين يتذكر هذا الرجل, وبعد ثوانٍ رفع حاجبيه بدهشة وهتف بالعربية الفصحى : سيد بدر ؟! أهلًا وسهلًا بني اعذرني لم أعرفك .
يكتفي بإيماءة, الآخر كان ينظر إليه بهدوء وهو يهز رأسه بابتسامة, في سنيّه التي قضاها خلف هذه الطاولة رأى والده وجده أيضًا كذلك, في صباهما البسمة لا تفارق شفاههما وفي شبابهما كل واحدٍ فيهما يتنافس مع اخوته على القسوة والعبوس, والحديثُ بالإيجاز والإقتضاب هو لغتهم!.
بدر يتجه للكرسي خلف الطاولة ويجلس عليه, يهمس وهو يفتح المجلد الذي أغلقه الأمين عندما وقف : نادو لي الوليد, بدون لا يعرف أي أحد عن تواجدي.
يهز رأسه بطاعة ثم يخرج, طال انتظاره وهو يقرأ الأراقام والكلمات بدقة ثم يُغلق الكتاب حينما فهم أنه يعود للعام الثاني بعد الألف للهجرة.
يقف, وينظر للمكان الذي كان عبارة عن مكتبة تحوي العديد من المجلدات, يتجه للرف الذي كُتب عليه 1041ه أي أنه يخص هذا العام وقد حوى أحد عشرة مجلدًا خمسةٌ منها فارغة, يأخذ المجلد الذي كُتب عليه جمادى الآخر ثم يعود ليجلس خلف الطاولة, يفتحه وهو يبسمل ثم يبدأ بقرائته.
يدخُل الوليد الذي يصغُر بدر بخمسة سنوات فالحاج الأمين الذي بدا قصيرًا بجانب الوليد, الوليد يحني رأسه ويهمس : بيهزادم.
يُردف بينما بدر كان يتجاهله ويقرأ الصفحات بدقة : تلطفت بزيارتك
بدر يصمت طويلًا ويكتفي بالقراءة حتى أنهى المجلد, يقف بهدوء ثم يهتف وهو ينظر للمحاسب : حاج .. كنت أعتقد أنك تحترف الجمع والقسمة, لكن اتضح اني اتفوق عليك, أنا في دقائق اكتشفت عدد الأموال اللي انصرفت في غير مواضعها, أو بمصطلح أدق انلطشت !.
يهتف وهو يشير للمجلد بسبابته : الآن وفي الحال راح تشرحو لي أنتو الإثنين, راح تتكلمو كيف انصرفت هالأموال راح تتكلمو عنها بارة بارة وقرش قرش (عملات).
ينظر إليه ببهوت, يزفر وهو يضم كفيه خلف خصره وينظر للعجوز الذي بدأ يرتجف خوفًا, ثم ينظر لبدر ويهمس : الأموال وُزعت تمامًا حسب أوامر والدك.
الوليد بثقة : حتى خليني أوضح لك, إذا وزعنا الوارد على أفراد العائلة والحرس وجميع العمّال والخزينة الإحتياطية وغيره يبقى فائض .. أعتقد أنك تتسائل عن هذا الفائض ؟
بدر : تمامًا, وكنت متوقع اجابتك, لذلك أن أتسائل عن الفائض هذا, في وين انصرف ؟ وحتى .. لما تقولي وين انصرف أنا أطلب دليل.
يصمت لثوانٍ وبدر لا يمهله, يهتف فورًا : الواضح أن والدي كان يلقي مجرد نظرة على الدفاتر هاذي وأنتم استغليتو الوضع وإستغفلتوه.
الوليد يفتح فمه يريد التكلم ليقاطعه بدر : طبعًا هذا الكلام خاص بالشهر الماضي, أنا راح أدقق حسابات آخر خمس سنوات, وأتمنى أني ما أكتشف خيانة كبيرة ياعم.
يُردف وهو ينظر في عيني عمه الوليد بكل برود : راح أدقق الحسابات بنفسي .. راح أحدد مخصصات كل فرد في العائلة ومرتب كل عامل من جديد, والفائض كله يتحول للخزينة الإحتياطية بدون رقم محدد, بعدها أنا أقرر ينصرف أو لا وفي وين ينصرف.
ينظر للعجوز ويهتف : من بعد الآن انسى كلمة الأمين ياحاج.
ينظر لعمه الساكن ويردف : جميع المواقع راح يُعاد توزيعها وترتيبها بما فيهم موقعك اعذرني يا عم.
يدخل أحد مرافقيه بعد أن طرق الباب ويهتف : (حراس المغزل الأول علموا بتواجدك سيدي ويتجهون الآن نحو الدار )
يعقد حاجبيه ويهتف بغضب : (كيف علموا ؟)
المرافق : ( لا أعلم )
بدر يشير إليه بالذهاب, ثم يهتف وهو ينظر لكليهما : انتو الاثنين تفضلوا أمنعكم من دخول الغرفة
يخرجان بعد أن انحنيا ليلحق بهما بعد ثوانٍ ويغلق الباب من خلفه, يتجمع حراس المغزل أمام الباب وتتداخل أصواتهم المطالبة بنفس رواتبهم التي كانوا يتلقوها عند حراستهم للقصر, والبعض كان يطالب بالعودة للقصر, وباقي العمال أطلو من النوافذ لتتسنى لهم الرؤية بعد أن منع حراس كل مغزل عماله من الخروج, أما عمال المغزل الأول فقد اكتفوا بالخروج والنظر دون احداث اي ضجة.
يقف مرافقيه الأثنين أمامه وقد جلبا صندوقًا كان قد أمر به, ينزع خاتمه ويضل ممسكًا به ليفتحا الصندوق, , كان الخاتم عبارة عن ناب ذئبٍ في باطن الإصبع ورأسُ ذئبٍ في ظاهر الإصبع, كان كله معدنيًا وعينيه مملوئتين بحجرين صغيرين جدا من الياقوت.
أذابا شمعًا أحمر فوق قفل الباب, ولأن والده لم يسلمه الخاتم الخاص حتى الآن بعد أن أخذه ختمه بهذا الخاتم.
حلّ الصمت واندثر الضجيج لفعلته, ينظر لملامح الجميع التي تنتظر توضحيًا بجمود, يلقي نظرة على العمال في أعلى المغازل وينوي استغلال تواجد الجميع.
بدر بصوتٍ جهوري : ( يا رجال .. جميع المرتبات سوف يعاد تحديدها, وجميع المواقع سوف يعاد ترتيبها, الكل سينال ما يستحقه ويرضيه وفقًا لأدائه ).
عاد الضجيج بين معارض ومؤيد, يرفع كفه ليحل الصمت, يردف : ( حتى الشهر القادم سوف يتوقف الجميع عن العمل, مرتبات هذه الشهر ستُعطى إليكم كاملة كمكافئة , وابتداءً من الشهر الجديد سيشغل كل واحدٍ فيكم موقعًا جديدًا ويستلم مرتبًا آخر .. أثق أن التقسيم الجديد سيكون مُرضيًا )
الوليد يتجه إليه, يقف بجانبه ويهمس : بدر أنت وش تسوي ؟ راح ترهق الخزينة بالشكل هذا.
يتجاهل النظر لعمه, ينظر للجمع الذي بدأ يتشتت شيئا فشيئا والرضا يبدو عليه, ويهمس : أنت تنحى .. لا تتدخل بهالخصوص .. أنا أتكفل بأي نقص يصيب الخزينة!.
ينظر إليه ويهتف : لبينما أدقق جميع الحسابات, راح أفهم لو تم فتح الباب , أنت وأمين الخزينة إفهمو انه أساسًا لو تلاعبتو أنا قادر أثبت خيانتكم إن تواجدت.
ينصرف والأمين العجوز بعد أن أشار لهم بدر بذلك, والآخر ينظر لأحد مرافقيه الذي يتكلم العربية ويهمس : بالتأكيد واحد من الحراس اللي دخلوني نشر تواجدي لأني ما كافئتهم, اعرف لي من يكون.

.
.
.

قبل أعوامٍ من الآن, حين كان يبلغ ولداي التاسعة عشرة, أرسلني أحمد وأحدهما للقصر الذي تقطن فيه زينب ووالدتها, ظاهره قصر وسرهُ مأوى لمن نُبذ من تلك العائلة المفككة.
شعرت أن الحياة تنحسر في صدري, كيف يرميني بتلك الصفة دون أن يشك أو يتردد وأنا التي يقشعر جسدها حين تسمع بمن يرتكب ذنوبًا كهذه ؟ كيف يتحمل من رمى تلك الرسالة في طريق أحمد وزر ذنب ظلم وقذف إمرأة عفيفة ؟.
ثقل تصديق أحمد خيانتي له أكبر من ثقل سياطه فوق جسدي, ألم يعلم باطن إمرأة قاسمته أبسط الأمور ؟ ألم يعلم قلب إمرأة معلقة فيه وإن لم تقل ؟ ألم يقرأ عينيّ هاجر ؟.

.
.
.

يجلس فوق نهاية السرير في غرفته, يلقي نظرة على الحارس الذي يقف أمامه مرتديًا زي الحرس, حذاء وثوبٌ قصير وسروال وعمامة اتخذوا اللون الأسود, وبالتأكيد تواجدَ خنجرٌ في خصره , طويل جدًا وشديد السمرة وذو جسد ضخم, وهناك أثر لجرح قطع شفتيه طوليًا بشكل مائل.
نظر في عينيه, رأى فيهما جمودًا, يأخذ نفسًا قصيرًا ثم يزفره ويهتف بهدوء : ( تتكلم بالعربية ؟ )
الحارس يجيب باقتضاب وهو ينظر للأرض : نعم.
بَدر بهدوء : ليه انتظرت وما قلت لي على الفور عن الشخص اللي وشى بتواجدي ؟
الآخر : نحنُ الحراس تعلمنا أن نرى ونعرف كل شيء, لكن الإجابة لا تخرج من أفواهنا قبل السؤال .
يرفع عينيه والفضول ينتابه عن شكل بدر عن قرب, وقد كان بدر أسمر وذو لحية بنية خفيفة داكنة وعينان بنيتان داكنتان كذلك, .. سرعان ما نظر للأرض وأردف : وما إن سُألت أجَبتْ.
بدر يهز رأسه ويهتف باهتمام : جميل.
يقف بهدوء ويتقدم بعض خطوات, يضم كفيه خلف خصره ويقف أمام الرجل لينظر الآخر للأرض وهو يتقهقر خُطوة.
بدر : اسمك ؟
يرّد : اتشيلي
بدر بهدوء : لازم يعرفو من خلالك أني ما أعطي رشوة, اللي ينزل تحت أمري مكافئتي له تكون مختلفة.
يردف : أنت راح تحرس دار الأموال حاليًا يعني الرخصة (الإجازة) ما تشملك .. قدّر الصفة المهمّة اللي أعطيتك بأنك ما تخون ثقتي.
صمت لثوانٍ, ثم هتف بهدوء : تلطفت بيهزادم
يخرُج ويدخل آخر دون سابق إنذار, ينظر بهدوء لعيني بدر التي تنظران لعينيه أيضًا, دون أي ابتسامة تُذكر من بدر.
يتجه لبدر وابتسامة طفيفة تقع على فم كلا منهما, عنقاهما كان حارًا رغم قصره ورغم إنعدام الكلام, في قربهما هذا اتضحت صفاتهما المتشابهة والمتنافية الأخرى, شدة سمرة أمير وإعتدال سمرة بدر, تطابق طولهما المعتدل وعرضهما المعتدل كذلك, التشابه الطفيف في ملامحهما ..
ينفصلان, يهمس بدر وهو ينظر لأمير : تقبل الله
يكتفي بإيماءة وهو يبتسم, هذا الإتساع الذي يحطُّ على قلبه من خلال عناقٍ بسيط, وهذا الدفء الذي يتبادلانه فقط من خلال النظر داخل عيني بعضهما البعض,والشوق المختلف بينهما, لا يستطيع إيجاد كلمة تفي لوصف هذا العمق من المشاعر

.
.


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:40 PM   #8

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



(4).

يجلسُ في بلكونة جناح والدته وتحد بينها وبينه طاولة خشبيّة, يرتشف من قهوته بهدوء وهو يطيل النظر والشرود فيما خلف سور البلكونة.
فاضلة تهتف بهدوء وهي تنظر إليه : الوليد ..
يقاطعها دون أن يحرك عينيه من مكانهما : راح يدقق بسجلات آخر خمس سنوات
يرتشف من القهوة ثم يُردف : بس حتى يستفزني ..
فاضلة ببرود : لما سلمك أحمد مفتاح دار المحاسبة كنتْ تستفزه بأساليب تافهة ..
يقاطعها مرة أخرى : والآن هو يختار يدقق في سجلات السنوات اللي كنت أنا فيها على رأس الخزينة حتى يستفزني
فاضلة : تشوف الآن الفرق بين أسلوبك الغبي وأسلوبه ؟
ينظر إليها ويهمس : استفزازه ولا شي كل اللي أخافه موقفه لما يكتشف التلاعب اللي صار
فاضلة : وش ممكن يسوي ؟ مُجبر يحترمك كونك عمه مهما كان موقعه
الوليد : هذا حاليًا .. وبما أنه الحراس بدأو ينحازوا له معناه إيده قاعدة تقرب مني
فاضلة تتنهد, ثم تهتف بنفاذ صبر : الوليد !! ايش المطلوب مني ؟
ينظر إليها بحدة : أحب أذكرك أن الفكرة أنتِ مصدرها وأن جزء كبير من الفائض كان يتحوّل لجناحك غير اللي كنتِ تاخذيه من الخزينة يمّه ..!
فاضلة تبتسم : الحل جدًا بسيط .. سكت الأمين
الوليد بدهشة : أقتله ؟
فاضلة : بالطبع لا .. هو في كل الأحوال له دور في قضيّة الفائض يعني هو خائف الآن .. اعطيه الرقم اللي يطلبه مقابل الأدلة اللي عنده وخليه يختفي .. إن إختفى وقعت الشبهة عليه لكن إن مات وقعت عليك.
يستطرد بضيق بعد صمتٍ طويل : ماكنت متوقع تنكشف بهالسرعة .. مرت سنة واثنين والوضع ماشي تمام لأنّ ماكان لأحمد حاجة حتى يتسائل عن الفائض ..
فاضلة : تعتقد بدر فتح الخزينة ولقى المبالغ اللي فيها محدودة ؟
الوليد : ما أعرف, لكن على الأغلب ما اتطلع على الخزينة

.
.
.

مساءً ..

يقف بجانب الشرفة في أحد صالات القصر التي يستقبل فيها ضيوفه الآن بمناسبة عودة أمير, ويرقب يومًا آخر لاضمحلال الشتاء بعينيه البنيتين.
ما إن وضعت المائدة اتجه إلى رأسها دون أن يجلس وهو يتأكد من تواجد جميع الضيوف, ينحني ويهمس لفضل الذي يجلس في أول مكان عن يمينه : عبد الله وين ؟
فضل باقتضاب دون أن ينظر لبدر : جهنم !!
كاد أن يتكلم لكن فضل قاطعه بغضب وهو ينظر في وجهه : وراك دعيتهم ؟
بدر يبتلع ريقه وهو يبتسم ابتسامة صفراء قبل أن يهمس : أنا ناوي أحك قلوبهم بقاع جهنم .. أنت يا صبر قول , أما الكلب اللي اسمه عبد الله لأنه تجرأ ولبى الدعوة راح ...
يقاطعه ما إن شعر بأعين البعض تراقبهم : خلصنا بدر
يشير بالإيجاب ثم يعتدل في وقوفه وهو يخرج وقد أشار أنه سيعود.
في طرفٍ آخر ..
بهتت وهي تنظر إليه يخرج من باب الحمام, يقترب منها دون أن يتلكأ أو يتعثر في خطاه , بينما تتنافس دمعتيها في السقوط لولا أنها تسيطر عليهما.
يقف أمامها, لا يرتبك, لا يتألم, أقوى منها..ترمش لتسقط دمعة من أحد عينيها, أشاحت بسرعة لتمسحها قبل أن يراها وهي تتظاهر بأنها تحكُ خدها.
تهمس وهي تتجاهل نبضات قلبها : أنت .. كيف؟
تجتذب الهواء الى صدرها بفزع ما إن هتف بدر من خلفها : ضيفنا ..
تزفره ثم تحرك رأسها لتنظر بذهول لبدر الذي يقطع الخطوات الفاصلة بينه وبينهما.
يقف بجانبها ويشير إليها بعينيه لرأسها لتجتذب الوشاح فيغطي بعض جبينها.
يهمس وهو ينظر في عينيها دون فهم : تعرفي البيه ؟
تواجده أربكها, لا تدري هل تتساءل عن سبب تواجده هنا أم ماذا تفعل .
تلتفت لبدر ليجيب عبد الله قبل أن تتكلم : نعم أعرفها
أعادت نظرها لعبد الله الذي لم تتوقع رده وهي تأخذ كمية من الهواء لصدرها, وفاصل صغير بين شفتيها كشف عن أسنانها التي شارفت على الإلتصاق ببعضها البعض اشارة لذعرها وخوفها الآن.
تزفر الهواء بهدوء ودون أن يلحظ أحدهم ما إن همس : بنت السيد هاشم شفتها معه في أحد المناسبات.
يرفع بدر حاجبيه وهو ينظر لعبد الله الذي كف عن النظر في عينيها ونظر لبدر.
عبد الله بابتسامته اللطيفة الذي يُخدع كل من يراها : بالمناسبة أتمنى أعجبتك هديتي ؟ العطر هذا من أفضلها بالنسبة لي.
عينيها تمتلأ بالدموع وأنفاسها تضطرب, تشيح بوجهها لتستطيع اخماد حرارة عينيها .
بدر ينظر في عيني عبد الله بجمود, يبدوا إليه أنه تحدث أشياء هنا لا علم له بها, وهذه الصيغ في الحديث تغلي دمه!,يهمس ببرود قاتل وهو ينظر في عينيه : مع الأسف لا
ذُهل برده, يهمس وهو ينظر لزينب : أنتْ أدرى !
تنظر في عينيه بحدة وهي تدرك أن حديثه موجهة إليها.
يهتف بهدوء : عن أذنكم.
ينتظر أن يخفت صوت أقدامه ليلتفت, يضم كفيه خلف خصره ليهمس وهو ينظر إلى زينب : زوجتي من متى ووالدها يصحبها لمناسباته ؟
زينب بهدوء وهي تنظر إليه : كان ياخذني قبل لا أتزوجك بدر, واضح أنه شافني في مناسبة قديمة لأني ما أتذكره!.
بدر : لكنه يتذكرك, اتضح أن ذاكرة صديقي قويّة !.
تتأفف بإنزعاج وهي تدير إليه ظهرها وتصعد الدرجات التي يعلوها سجاد قرمزي, تدخل لجناحها من ثم إلى غرفتها ..
تضع يدها فوق قلبها, رؤيته بعد كل تلك السنوات أرهقت قلبها, جاهدت في ألا تأخذ ذلك العطر وتجتذب تلك الرائحة لصدرها, وجاهدت في كسره من عدمه خوفًا من شك بدر في الأمر.
يحاول الدخول إلى حياتي خلسة, يبدأ الآن في وضع بعض تفاصيل سرقها من الماضي, رائحته .. اسوارة قديمة كنت أضعها في يدي ولا أعلم كيف التفت حول معصمه!, أما أنا فأحاول أن أقنع نفسي بأنه علم أنه قد يصادفني, وبأنه جهز نفسه لهذا اليوم حتى ظهر أمامي بكل ذلك الجمود .
بعد ساعات..
تخرج من جناحها بخطواتٍ هادئة, تقف خلف باب صالة الضيافة الضخم .. تخفي جسدها خلفه وتطل بعينيها منتظرةً ظهور عبدالله.
بعد وقتٍ طويل سأمت, التفتت واتجهت لأقرب حمامٍ منها, وضعت الوشاح على عنقها ورشقت وجهها بالماء لعلّ قلبها يسكن.
ارتعش جسدها ما إن همس جسدٌ قريبٌ منها : ليه تحومين هنا ؟
شعرت بقبضةٍ ما دفعت وجهها داخل مياه الحوض الصغير الذي تصب فيه المياه رويدًا رويدًا.
ترفع يديها محاولةً لرفع يديه عن عنقها فالماء بدأ يتسلل من بين شفتيها.
كان قد رفع كمي زيه حتى مرفقيه والمياه تبلل تلك الذراعين ذات العروق البارزة, والمياه تتساقط من شعر لحيته ومن رأس أنفه ومن أهدابه وشعره وكأنه قد توضأ قبل وقتٍ ليس بقصيرْ, يخلخل أصابعه المبللة أخيرًا في شعرها ليجتذبها بعنف فيرتفع رأسها والألم الحاد انتشر في أجزاءٍ من رأسها ..
تشهق وتسعل مرارا وتأخذ الهواء إلى صدرها, لطالما شعرت أن لاحق لها في العيش هنا, لطالما شعرت أن الجميع يود أخذ أبسط وأغلى ما تمتلك من صدرها .. الهواء ورجلٌ تحبه!.
تنظر إلى وجه بدر, كيف لرجلٍ يحافظ على بقاءه متطهرًا ومتوضئا على الدوام أن يفعل كل هذا ؟ كيف لهذه التناقضات وكيف للخير والشر أن يجتمعا في رجلٍ واحد ؟.
تصمت طويلًا وهي تنظر في عينيه الحادتين, تُشبع صدرها من الهواء قبل أن تهمس بشفاهٍ مرتجفة, زينب : جنيت بدر ؟
يُمسك بيدها ويشدها بعنف للدرج, متجها نحو جناحها, يدخل الغرفة ويرميها على الأريكة, من قال أن الدموع لا تُلحظ في الوجه الذي تبلل ؟ من قال أن الماء يمحو آثار الدموع ؟ هذا الماء يزيد من فضائحيتها .. يعريها بآلامها أمامه بشكلٍ تام !
زينب تمسح وجهها بكفيها, تهتف بحدة وهي تنظر في عينيه : راح تفكر في موضوع الطلاق بدر
بدر : أقدر أعرف وش جاب طاريه الآن ؟
زينب بنفس الحدة : بدر أنت وعدتني.
بدر ينظر في عينيها ويرد بنبرة خافتة : أنا اختليت .. فكرت كثير
زينب بترقب : والنتيجة ؟
بدر بذات النبرة : النتيجة أني مستحيل أفترق عنك حتى لو أبغى وش أسوي ؟, اذا مت قبلك راح تندفنين معي حتى تشوفين كيف أصير أكثر بشاعة من الآن في القبر .. أنتِ مكتوب لك هالحياة افهمي !.
عينيها تنتفخ لكثرة احتجاز الدموع فيهما, تضم شفتيها قبل أن تهمس : شيطان بدر ..
تقف وهي تحاول توجيه الضربات لصدره وهي تهتف بصوتٍ باكي : أنت ما اختليت مع الله اختليت بشياطينك
يدفعها على الأريكة لتصدر شهقة خافتة من فمها, يتلاعب بقلبها, يحطمه بكل برود!,يقترب منها ناويا التحدث بصوته الذي يوازي ضوضاء خمسة أطفال أو فحيح أفعى سامة بالنسبة لها خصوصًا عند نطقه لكلمة ينسبها فيها إليه, يهمس : زوجتي ..
يردف بالصوت البارد القاتل في آنٍ واحد والهادئ في نبرته الحاد في أثره : أنا الآن قاعد أنزعج .. تزعجيني زينب تفهمين ؟
زينب تبتلع ريقها, تنظر في عينيه وتهمس ببرود : أزعجك أنا ؟
بدر يهتف بغضب شع من عينيه ومع ذلك يحافظ على توازن نبرته : فيه أشياء كثير مو فاهمها وهالشي يستفزني .. أحب أعرف كل شي أنا .. يا أما راح تجي وتفهميني ليه أحس بهالشعور وتشرحيها وحدة وحدة يا أما حضري نفسك لأيام مثل هاذي وأسوء زينب
تقف امامه مباشرة, ترفع رأسها وأنفها يكاد أن يلتصق بأنفه, بينما هو أسدل جفنيه لينظر لعينيها فبدت عينيه كالمغلقتين, تهمس من بين أسنانها وهي تنظر في عينيه بعينين متسعة : ما أبغاك .. أكرهك .. عندي كلمات مثل هذي كثير .. لكنها كثيرة عليك .. لأنك مو رجال .. ما راح تفهمها .. ما راح تعز عليك نفسك وأنت تسمعها .. كلب أنت بدر كلب .!!!
يتمالك نفسه بصعوبة, في الأصل يشعر أنه فقد جزءًا من نفسه لأنه أوشك على ضربها, كيف سيسامح نفسه إن فهمت انها نجحت في استفزازها له ؟.
يبتسم ببطء وبسخرية وهو ينظر في عينيها الوقحتين بالنسبة إليه, يهمس ببرود قاتل : أقدر أثبت لك رجولتي بأكثر من شكل زينب كيف تحبي أثبتها ؟
يردف بذات النظرة والصوت : أنتِ اللي جيتيني زينب .. أنا ما طلبتك أبد
كلماته تهزني, لمَ أصمت؟ هل سينعتني بعد قليل بإبنة الزنا ؟ هل سيعايرني بأخطاء والدي إن تطاولت أكثر ؟ وإن كان كذلك لم أخاف؟ لم سوف أصمت؟.. لم أتكتم على الأمر ؟ لم لا أتقبل تكويني وأُظهر برودًا حقيقيًا نابعًا من قلبي إن قالها أحدهم ؟
كوالدي مثلا هل أرتكب خطأً أنا أيضًا كما يرتكب البعض ويُدان به آخرون ؟ هل أعايره بذنبٍ لم ترتكبه والدته لعله يشعر بما عانيته طوال سنين من نبذ وازدراء لم تكن لي في أمره يد ؟.
يختفي من أمامها لتلقي بجسدها فورًا على السرير, كانت دائما تتمنى أن والدتها رمتها للبرد والمطر خوفًا من الفضيحة, والله أنّ الموت وهي طفلة بتلك الإهانة لأهوّنُ عليها من هذه المذلة الآن.

.
.
.

تتجول في القصر وتتفقد أطرافه, منذ أن تزوجت عمتها وغادرت إسطنبول قبل سنوات والقصر في ركود, كانت عمتها تتفقد جميع الأروقة وجميع الغرف, رؤية إنزعاج الآخرين منها على وجوههم كانت متعتها .. والآن والدها بتصرفاته المفتقرة للحكمة يُحيي تلك الجلبة من جديد.
تقف بجانب جناح بدر وهي تنظر للحارسين طويلًا قبل أن تهمس بهدوء : جواد وين ؟
يلتزما الصمت وكلاهما ينظران للأرض لتهتف بإنزعاج : وش هالتنظيم الإثنين ما يتكلمون عربي!.
تُردف بهدوء : ( أين جواد ؟ )
يصمتُ الإثنين لتهتف بحدة : ( مع من أتكلم ؟ )
تلتفت لصوتِ فتح باب جناح زينب البعيد وتستدير بكامل جسدها ما إن رأت بدر يخرجُ منه, يتجه إليها لتنحني, تعتدل في وقوفها بإشارة منه وتنظر في وجهه بإشارة منه كذلك, يهمس وهو ينظر إليها ببرود : في شي رفيدة ؟
رفيدة : كنتْ أتساءل عن جواد لكن الحراس يتجاهلوني.
بدر : يتجاهلو بأمر مني ..
يتنهد ثم يردف وهو ينظر في عينيها : رفيدة .. الرجال اللي يخوني ما أستئمن اختي عليه, لكن القرار لك.
تنظر له دون إستيعاب, تفغر شفتيها ويُكمل الآخر :ما استبعدت جوّاد من هالبيت إلا وأنا أعرف أن أبوي كان راح يسوي نفس الشي بعد خيانته لي وإن كانت لحساب أبوي, وأظنه راح يتراجع عن قبوله زواجك منه, لكن أقول الكلام هذا حتى لو حصل ووافق عشان تكوني على علم بأي رجال هو جواد.
تنظر للأرض وتهمس : أنا ما أطلع من البيت بغير اذنك.
يصمت, قلبه يبتسم على الرغم من هذا الجمود على ملامحه, الحب والإحترام اللذان تبديهما رفيدة عظيمين ..

.
.
.

فجرًا

يرافقه أخيه في الخروج من الممر السري الجديد وكلاهما يلتزمان الصمت, يخرج هو أولًا, ثم يخرج أمير بعده, ليُغلق باب الممر الذي كان خلف القصر بإحكام.
يتجاوزان سور الحديقة المحيطة بالقصر ويمتطيان الأحصنة شديدة السواد التي تطابق لون ثيابهما التي يخفيان نفسيهما فيها.
وصلا لوجهتهما بعد وقتٍ طويل وترجلا, وكلاهما يتخذ من الصمت رفيقًا له.
السحب تُخفي وجه السماء بشكلٍ كامل, والظلام يخيّم على هذه البقعة, يرفع بدر رأسه للسماء بينما كان الآخر يربط لجام فرسه.
يعقد حاجبيه بانزعاج ثم ينظر لأمير ويهمس : أمير .. يبدو أنه مطر
ينظر للسماء ثم يلفت نظره طفلٌ في أحد الزوايا, يبتسم ويهمس : عطايا الله , خلها تمطر.
بدر دون أن يلتفت لمعنى كلام أمير : راح ينرفع السوق أمير, أما نسرع يا أما نبات الليلة هنا.
أمير بهدوء وهو ينظر لنفس الطفل : هذا هو بدر, خلك مع الخيل.
بخطواتٍ هادئة إتجه لأحد الباعة الذي يقف في ازدحام زبائنها طفل ما, يقف خلف رجلٍ كان يقف الطِفلُ بجانبه, الطفل الذي يبدو أنه لم يتجاوز السادسة مد يده في جيب الرجل ليأخذ بخفة قطعة واحدة فقط من بين تلك القطع النقدية العديدة.
بعد دقائق انصرف الرجل وهو يحمل ما اشتراه فوق صدره, ليحل أمير محله بجانب الطفل دون أن ينظر إليه, الطفل ينتظر أن ينشغل أمير بالتبضع, ثم يدخل يده في جيب ملاءة أمير وقبل أن يُخرجها تجمدت في ذلك الجيب, حيث أن أمير رفع لثامه ليظهر من وجهه عينيه فقط ونظر في عيني الطفل بهدوء.
عيني أمير لم تكونا مخيفتين, إلا أن الموقف كان مخيفًا, الفعل قبيح, وبرود أمير مُرعب, والنظر إليه من الأعلى بعينين فقط وبذلك البرود في موقفٍ كهذا كان مرعبًا أكثر.
أمير يتصرف بهذه الطريقة لإدراكه بأن الطفل سيتجمد في مكانه, وبدر من الطرف الآخر أطلق خيل أمير وركب خيله.
لم يرفع يده من جيب أمير حتى انحنى أمير إليه, وإلتفت قاصدًا الفرار إلا أن أمير أمسك به وبلجام الخيل في الوقت ذاته , يحمل الطفل على صدره ويركب خيله بسرعة خاطفة وينطلق لترتفع صرخات الطفل.
يخرج الإثنين من السوق بينما يلحق بهما الرجال إستجابةً لإستغاثة الطفل ..

.
.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:40 PM   #9

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



منزلُ يبدو أنهُ صغير ومهجور, لكن أسفله كان موقعًا ضخمًا, يحتوي العديد من الغرف, ومئات الأشخاص بمختلف الأعمار.
في أحد غرف هذا المبنى السفلي, يتوسطها مكتب بسيط, ومكتبة بسيطة رغم ضخامتها تحتوي العديد من الكتب نصفها تخص المكان.
يقف صاحب هذه الغرفة الشبه مظلمة خلف كرسي مكتبه أي أمام النافذة, مرتديًا قفطان بسيط باللون البني, وقد نزع عمامته ووضعها على المكتب, ونزع جُبته ورماها فوق الكرسي.
مديرًا ظهره إلى إثنين من رجاله يقفان أمام المكتب, وممسكًا بساعة الجيب ولا يبعد عينه اللتي تدل على أنه عجوز عنها.
ما إن إرتفع صوت الأحصنة يرافقها صوت بكاء طفل أغلق الساعة وهمس : ( منذ متى وأنا أنظر للساعة ؟ ).
ينظر أحد الواقفان لساعته ثم يجيب : ( تقريبًا .. منذ ثلاث ساعات ).
يلتفت : ( ومنذ متى خرج الإثنين لتنفيذ العملية ؟)
كان سيجيب بكل بلاهة, لكنه صمت ما إن وكزه الآخر, يبتسم ويهمس : ( وقد أمهلتكما أيامًا وعدتما خالين الوفاض).
يُطرق الباب ليُردف أدخلوهما وأُخرجا) . .

.
.
.

هربتُ دون النظر لمن هم خلفي, تركت الجميع, وأتوق للإجتماع بآخرين لا شوقًا مني إليهم .. بل إنتقامًا.
هربتُ لأمانِ رجلٍ لا أعرفه, أعرف فقط أنه جزائي وقدري, ولعله خيرًا .. فأمشي نحوه, وأستوطن داره ثم قلبه.
واقفة في وسط الجناح الذي فُتح توًا وأمام نافذةٍ ضخمة تنشر بواسطتها الشمس خيوطها الذهبية داخل المكان, هنا يذكرها بمكانين,نجد, وضوء الشمس الذي كانت تتواسى به في تلك الحجرة الصغيرة داخل القبو.
عيناها تلمع, وإبتسامة إنبهار طفيفة تنرسم فوق فمِها, ومن خلفها الخادمات يرتبنّ الجناح بعد أن رفعن الغبار وكل ماهو قديمٌ عنه, وبجانب باب الجناح تقفُ هاجَر .. ترفع كفها مشيرة إلى الخارج لتترك جميع الخادمات ما فيه أيديهن وتخرجن, وتلفت جلبة خروجهم ثم خفوت هذا الصوت تدريجيًا إنتباه الأُخرى, لتلتفتَ وتنظر إختفاء الخادمات وتواجدُ سيدةٍ ما ..
تختفي إبتسامتها الطفيفة, وتنظر لهاجَر بنظراتٍ متسائِلة, تتقدم هاجر وتقفُ أمامها وتطيل النظر إليها ..
وهي تتأملها أيضًا, شعرٌ يكادُ أن يخلوا من خصلة سوداءْ, وعينينْ شاحبتين تحمل العديدَ من الذكريات .. ترفع أحد حاجبيها دون تصديق!, هذه المرأة هي الفتاة الصغيرة نفسها التي وجدتها بين تلك الرسومات!!, هل فعلت بها السنين كلُّ هذا ؟!.
تهمس بصوتِها الرخيم : أنا والدة بدر
تأخذ نفسًا وهي ترى في عيني هذه الفتاة بلاءً ثم تُردف : وأنتِ لابد انك تكوني بَتول.
تهزُّ بتول رأسها بالإيجاب, تعقد حاجبيها بضيق وهي تنظر في عيني بَتول الساكنة, لم تتخلى عن بَدر بأي صورة .. رغم كل المصاعب المبنية بينهما هذه الفتاة تشبثت بعنق ولدي !
بَتول تهمس بهدوء : بالتأكيد عاداتنا تختلف, لذلك أنا مضطرة أسأل, كيف لازم أتصرف أمامك ؟.
هاجَر بصوت مُرتفع قليلًا : أسماء
تدخل للجناح وصيفتها وتتقدمُّ نحوهما, تنحني لهاجَر أولًا, وتنظر لهيأة بَتول ثم تنحني لها أيضًا.
هاجر تشير لها بالإنصراف أمام أنظار بَتول الغير فاهمة وهي تهمس : ( هذا فقط تستطيعين الخروج ).
تخرجُ الوصيفة, لتهمس هاجَر : بهذا الشكل راح تتصرفي.
تومأ, ثم تمسك بطرفي ثوبها وتقلد إنحناءة الوصيفة.
تعتدلُ في وقوفها, وتُردف الأخرى : على أي حال أسماء راح تعلمّك آداب المكان
تصمتُ قليلًا وهي تنظر للأرجاء ثم تهمس وهي تنظر في وجهِ بتول : كيف شفتي المكان ؟ القصر .. الجناح .. الغرفة ؟.
بَتول بهدوء رغم أنها لم تتجول في القصر ولم ترى سوى إطلالة النافذة الضخمة التي خلفها : كل شي جميل, شفت الكثير في نجد, لكني بالجمال هذا ما شفت .. إسطنبول مُختلفة.
وهي تنظر للأرض : أعرف أن فاضلة أرسلتك
ترفع عينيها بسرعة وتنظر لهاجر , هاجر : لا تخافين, وأنا جيت هنا من نفس الطريق, بدر ما راح يعرف ... لكن بَتول .. هذا الجمال اللي تشوفينه هنا ما يساوي نصف جمال القصر اللي تسكنه فاضلة .. وباقي العائلة
تزدرد ريقها ثم تُكمل : بدر راح يجيبك هنا إحتمال كبير, إذا ماودك تظلين هِنا, أمّا تمشين مع فاضلة ولو كان رغم مبادئك حتى تقدري تحافظي على علاقتك ببدر, وأما تتركيها من الآن وتمشين بطريق خاص فيك أنتِ ..
بَتول بهدوء : أنا فهمتْ, فيه سوء تفاهم بينك وبينها, أنا ما راح أكون بجنبها ضدك, ولا جنبك ضدها, فاضلة هانم مجرد شخص أمّن زواجي ببدر .. وإنتهى
هاجر تبتسم بسخرية : بالجمل الجريئة هاذي تظنين أنك فاهمة على لغة هالمكان, ما سألتي نفسك فاضلة وش مصلحتها من زواجكم ؟
بَتول تبتستم : ما ودي أخرب الجو اللطيف للقائنا الأول .. عفوًا .. كيف أناديك ؟
هاجر : .. هاجر
بَتول تهمس قبل أن تخرج : هاجر هانم , بعد اذنك

.
.
.
رفيدة تقف ووالدتها في شرفة القصر الضخمة المُطلة على الحديقة ..
وفي الأسفل,خادمةٌ ما تقف خلف سور الحديقة المكتظة بالحرس, ممسكة بسلة صُنعت من ظفائر السعف وتحتوي على زهور الياسمين التي قطفتها توًا, وهي تنظر بعينين منبهرة وفمٍ فاغر لمن في الحديقة .. حيث كان يقف أمام معلمه مرتديًا لسرواله الأسود الفضفاض فقط .. تتأمل طوله الفارع وعضلات جسده .. وبياض بشرته .. وعينيه التي تشبه البحر في لونه وشعره الأشقر .. تتأمل جميع الصفات التي تميزه وشقيقته ووالدته عن باقي سكانْ القصر.
يقبضُ هو بيمينه على سيفه, وصوت إحتكاك سيفه بسيف معلمه يرتفع, تارةً يقع هو وتارة يقع معلمه ..
أقبل بدر ليتوقف الإثنان عن المبارزة, دخيل يعود خطوة للوراء ويحني رأسه بينما إكتفى الآخر كونه معلمًا بالوقوف بإعتدال, لتنقل نظرها بينه وبين الآخر, وما إن تنبهت أن بدر منذ إقباله حتى الآن يوجهُ نظراته الحادة إليها سقطت سلة الزهور من يديها !!!
إنحنت وجمعت الزهور التي تساقطت على البلاط, ثم حملت السلة ووقفت لتنظر لبدر وقد وجّه نظراته لدخيل, لتدخل القصر بإرتباك .. !!!
ينزع عمامته ليتوجه إليه حارسٌ ما, يأخذ عمامته, ثم ينزع عن بدر معطفه ويعود ليقف في مكانه.
يمد يده ولا يزال ينظر لدخيل الذي ينظر للأرض, ليضعَ المعلم السيف في يد بدر ثم يقف بجانب الحارس.
دخيل ينظر للسيف بإستغراب, ثم ينظر لبدر ويهمس بتوتر : بدر أخوي ما يصير ...
وقبل أن ينهي جملته رفع سيفه ليصدّ سيف بدر الذي لوّح أمامه, يبتلع ريقه ويعود خطوة للوراء في كل مرةٍ يرفع فيها بدر سيفه ويصطك حدّ سيفه بحد سيف بدر, أي بينما كان بدر يتقدم ويهجم, كان هو يدافع ويتراجع للخلف.
بدر يعود خطوة للوراء ويلوح بسيفه عرضيًا, ولو لم يقفز دخيل لأُصيبت ساقيه ..
في الأعلى, فاطِمة تبتسم بسخرية وتهمس : هو يهجم وإحنا نكتفي بالتراجع .
رفيدة تشير بإصبعها نحو الأسفل ما إن بدأ دخيل بالهجوم : هنا تمامًا إحنا نمل من الدفاع بالدفاع وندافع بالهجوم
تصمتا قليلًا وهما تلاحظان أن الإثنين يتكلمان بينما يتبارزان.
السيفان المحتكان ببعضهما معلقّان في الهواء, بدر بصيغة الأمر المستتر : من المناسب تزور أمنا .. المفترض ما أقولك في كل فرصة روح زورها من نفسك
يتنافر السيفان بإبتعاد كل منهما, وسرعان ما إلتصقا محدثان ضجيجًا, دخِيل يصمت, بدر : وش أفهم من سكوتك ؟
دخِيل يزفر وهو يبتعد ببطء إشارة لطلب إنهاء هذا النقاش في بدايته قبل أن يتحوّل حربًا, إلا أن بدر مصر على الهجوم, يعود السيفان للإصطكاك
رفيدة بإستغراب : وش يقولو
سُرعان ما شهقت فاطمة وهي تشير إليهما : وش يسوي؟
رفيدة عقدت حاجبيها وأمسكت بوالدتها التي كانت تنوي النزول, وهي تهتف ولا زالت تنظر إليهم : لحظة يمه
تظر للجرح الذي أحدثه بدر بطرف سيفه في ذراع شقيقها وتهمس : بالتأكيد سببه غباء ولدك
فاطمة تنظر في وجه رفيدة بغضب : متى راح تتعلمي توقفي بصف أخوك ؟
رفيدة دون فهم : وش تقولي أنتِ ؟ .. أكيد اللي ضايق بدر تجاوز دخيل حدّه
فاطمة : أنتِ تتجاوزين حدك مع دخيل اللي أكبر منك حسن, لكن تجاوز الحدود مع بدر أو أمير مرفوض ؟
رفيدة بهدوء رغم غضبها : وأنتِ تعرفين الفروقات الموجودة .. بدر أكبر من كونه أخ كبير .. حتى عمره إثنين من عمري يمه .. ولو اني ما أستلطفه إحترامه مطلوب .. عشان مصلحتنا على الأقل .. لكن دخيل ينسى هالشي ..
فاطِمة بغضب وهي تدفع يدي رفيدة وتنظر للحديقة : الصبر يا رب !!
في الأسفل, دخيل يقف أمام بدر, عاقدًا كفيه أمامه وناظرًا للأرض, بدر سلّم السيف للمعلم وهو ينظر لدخيل الساكن ولم يكترث لجرحه الطفيف, بدر بهدوء : زور أمك, بعدها إرجع هِنا فورًا حتى تنام بعد العشاء .. من الأسبوع الجاي راح تجي معي المغازل .. نظم يومك على هالأساس.
ينظر في عيني بدر وهو يرفع حاجبيه دون تصديق, الآخر همس للحارس ما إن مدّ له ملابسه بأن تبقى عنده أمام أنظار دخيل ثم دخل القصر.
المعلّم يقف بجانب دخيل الصامت, دخيل يبتسم بهدوء ويهمس : كيف ؟
يُردف وهو ينظر لمعلمه بدون تصديق : اعتقدت انه راح يربط يديني ورجليني مثل ما سوى أبوي فيه ويمنعني من كل شي .. كنت معتقد أني راح أعيش مثله ..
الآخر بابتسامة : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى , واضح أخوك رغم كل شي ما يبغاك تعيش مثله .. الأخ الكبير دائمًا يرجح أن أخوانه الأصغر يعيشو حياة أفضل من حياته .. ويكونو أفضل منه
دخيل : أو أنه يسوي كذا عشان أزور هاجر ؟
المعلم بتفكير وهو يمسح على لحيته الكثيفة : فيه فائدة من الإلتفات لأوامره, زور الهانم .. حتى ولو ما نفذ الكلام اللي يُعتبر وعد منه لك فهي نقيصة في حقه .. ولكن نفذ أوامره أيًا كانت .. على أي حال طاعته واجبة .. وزيارة والدتكم أيضًا واجبة.
يضع يده فوق جرحه الذي بدأت دماءه في تغطية ذراعه لا لغزارته بل لتجاهله إياه, ثم يتجه نحو مدخل القصر بوجهٍ مُشرق ..

.
.
.
دونما طرقٍ للباب دخل جناحها ثم غرفتها, وكانتا هي وابنته تجلسان على نفس الأريكة وتتحدثان, وفي مقابلهما جوداء أيضًا.كانت الثلاث سوف تقفن لكنه أشار لهن بالجلوس وهو يهتف : عائلتي اللطيفة.
يتجه لجوداء أولًا ويقبل رأسها : أختي
تتنحنح بخجل وهي تبعد خصلة من شعرها خلفَ أذنها, يتجه الآخر لزينب ويقبل رأسها هامسًا : زوجتي العزيزة
تُبعد رأسها بتقزز لمحه فوق وجهها وهي تهمس : أهلا.
ينحني لفريال لتهمس بارتباك وهي لم تتوقع رؤيته ولذلك خرجت من جناحها : يبه ..
يقاطعها وهو يقبل رأسها : روح يبه
يجلس في الأريكة المقابلة للأريكة الفارغة, أي أن جوداء كانت عن يمينه في الأريكة الأخرى, وفريال وزينب عن يساره في الأريكة المقابلة لجوداء.
جوداء تقف : عن اذنكم
بدر : لأني جيت لا يكون ؟
جوداء تبتسم : طبعًا لا .. جاء وقت زيارتي لأمي ماودي أتأخر عليها.
فريال تقف :تسمح لي أروح يبه من زمان عن أمي
بدر ببرود وتلقائية : لا أنتِ تنثبرين
بينما تزول ابتسامة فريال ويحل محلها التعجب تنظر جوداء للأرض بهدوء وابتسامة طفيفة تنرسم فوق فمها, بدر : جوداء تقدري تروحي
تهز رأسها بالإيجاب وتنحني ثم تخرج, يصمت قليلًا بعد خروج جوداء ثم ينظر لفريال ويهمس : حليّت بعيونك اللحين زيارة أمي ؟ ودك تضربين عصفورين بحجر واحد تنهي عقابك بزيارة أمي وتحطيني أمام الأمر الواقع قدام عمتك .. ولا أمي ما تدرين عنها.
فريال تنظر للأرض بضيق, وتهمس الأخرى وهي تنظر في عينيه بحدة : وش كثر تحب أمك ....
يقاطعها وهو لا يزال ينظر لفريال : أنتِ اسكتي
ينظر إليها بهدوء : لما أتناقش مع بنتي لا تحشرين عمرك .. واسكتي
فريال بهدوء تنقل نظرها بينهما وتقاطع والدتها حالما كادت أن ترد : تمام ما أبغى تطلع مشكلة مالها أساس بسببي
تنظر إليه وتهمس : بعد اذنك
يصمت قليلا ثم يشير إليها بالخروج لتخرج دون أن تغلق باب الغرفة من خلفها, زينب تقف وتهمس : بدر وش صار لك ؟حبس يومين غيّرك ؟
بدر يتجه إليها ويقف أمامها, يلف حول إصبعه أحد خصلات شعرها : راح توصلين الموضوع للطلاق أدري .. بالمناسبة أنا عندي سؤال أيضًا .. ليه مركزة على الطلاق ؟ حياتنا هاذي هي نفسها ما تغيرت ووش زينها .. كيف تغيّر الراي ؟
زينب وهي تبعد يده عن شعرها بهدوء : واحد من الأسباب أنك قمت تنقض الإتفاقات اللي بيننا
يصمت قليلًا , ثم يهمس : أي اتفاقات ووعود خلفت فيها ؟
زينب : واضح قمت تفكر في نفسك, تركت الانسان المضحي ورى ورحت تزوجت .. وأنا أعرف ما فيه طلاق ولا غيره.
بدر ببرود : أنا ما أخذت دور الانسان المضحي أبدًا, وتضحياتي كلها كانت لنفسي, ماهو عشانك أو عشان غيرك .. وزواجي فعلًا ما زال موجود.
زينب : وأنت قلت أنك طلّقت .. في هالحال الطلاق يقع تعرف ولا لا ؟
بدر يبتسم بسخرية : ما فيه أشطر منك في تطبيق الأحكام الشرعية وحفظها ما شاء الله ..
يُردف بنفس السخرية بينما تتجاهل جملته ذات المغزى : أرسلت كتاب الطلاق لموكلّي واكتشفت بعدين انه ما طلق ! واضح البنت قدري وبأي طريقة ما راح تطلع من ذمتي.
زينب بدهشة تطلق ضحكة قصيرة وهي تشتت نظرها ثم همس وهي تنظر إليه : وأنت مافيه أشطر منك في تحريك الأحكام لصالحك
تهتف من بين أسنانه : أنت تبدأ حياة جديدة .. وأنا أضل هِنا ؟ لا روحي مافيه دنيا زي كذا فور رجعة عمي راح يعرف أنك عصيت أمره
وقد لمعت فكرة أخرى في عقلها لتسترسل : حتى راح أكتب لأبوي يعرض الحدث بشكل جميل في رسالة لأبوك عنوانها بدر ولدك يستغفلك ويستغل غيابك.
بدر يمسح على وجهه وهو يهمس متمالكًا أعصابه :مافيه فرصة لشخص نفسك يهددني زينب ..
يُردف : الزواج يعرف فيه أنتِ .. وأمي وأمير .. وأنا وزوجتي وأهلها طبعًا .. وفضل .. وجوداء .. والشيخ اللي زوجنّا .. كم شخص ؟ انشغلي أنتِ بعدهم .. لو زادو واحد ماراح تتخيلين كيف ممكن أتصرف معك.
زينب : وش يجبرني ..
بدر يقاطعها : كم اخذتي زيادة عن حقك في آخر خمس سنوات ؟
زينب دون فهم : ايش ؟
بدر : تعرفي أي تهمة أحاول أثبتها ؟ اختلاس .. يعني خيانة ! .. راح أدخل فيها كل من يحاول يعصيني ولو اضطرت أهدر أموال وأموال
زينب تعود خطوات للوراء وهي تنظر له بدهشة, تهمس دون تصديق وهي تحرك رأسها يمنة ويسرى : سافل ..!!
يقطع تلك الخطوات ويقف أمامها تمامًا, يهمس : ماشفتي شي .. طردت عشرات العمال والحراس لأنهم اشتركو بهالعمليّة .. جواد وثلاثة مرافقين مالهم دخل بالعملية .. لكنهم خانوني وأنا طردتهم بهالتهمة حتى أتخلص منهم .. والعدد كل ماله يزداد حتى أنه ممكن يوصل لأشخاص من عائلتنا .. كل ما زاد غضبي كل ما توسعت دائرة المتضررين
تنظر لعينيه : وش صارك لك بدر ؟ أنت مو كذا
بدر يقاطعها مرة أخرى : بلى أنا .. راح أكون عديم رحمة مع كل شخص يحاول يوقف قدامي
يقرأ في عينيها الخوف ثم يخرج !!.

.
.
.

ساقيه المختفية في البوت الأسود تتحرك فوق سطح أرضِ الغرفة التي تحوي مكتبًا ذا زخارف هندسية ومكتبة ضخمة تملأها الكتب التي لم ينهي نصفها حتى.
يعود ليجلس خلف المكتب وهو ينظر للأوراق التي لا يستطيع تذييلها بذلك الختم
لقد تشبث بحطام, هذه الدنيا ليست دنياه, هذه القوة يدرك أنها تتعارض مع قلبه, حتى وإن حاول فرض هذه القوة على الجميع فإنه يشعر بغرابةٍ في نفسه.
يُطرق الباب ليهتف بإذنِ الدخول وهو يُغلق كتابًا ثم يخفيه في أحد أدراج المكتب, تتقدم رفيدة حاملةً صينية التقديم بينما يدير قفل الدرج ليرميه في حذاءه البوت الذي يرتديه ورفيدة تنحني أثناء ذلك.
تتقدم إليه لتقف بجانبه خلف المكتب وهي تقدم إليه فنجان القهوة الوحيد المتواجد في الصينية, يأخذه بدر من ثم يشير إليها بالجلوس أمامه لتجلس.
رفيدة تبتسم : حتى الآن أقدر أزورك في مكتبك أو جناحك بدون سبب صح بدر ؟
بدر بهدوء بعد ان ارتشف من القهوة : ايش هالسؤال ؟!.
رفيدة تشتت نظرها عنه وهي تدرك أن نظرته سوف تحتد : ما أعرف, يُقال أن أخي بدأ يتخلى عن لطافته تدريجيًا.
رفعت عينيها ببطء ما إن هتف وهو يُبعد عينيه الغاضبة عنها : رجاءً لا تتكلمي مثل أمك رفيدة
ينظر إليها ويردف : اسمعي أختي ان كانت أمك اللي تبدي خوفها ف طمنيها أنا أحترمها.
تبتسم بهدوء وتهمس : لكن أمي ما قالت هالكلام بدر ليش دائما ظنك سيء فيها ؟
بدر : أمك مو محتاجة ظني يا رفيدة أفعالها تقول, على العموم حرم الوالد وأم الأخوة وأكرر أن لها احترامها.
تراقبه كيف يرتشف القهوة .. وهي تفكر.
.
.
.
.

قبل وقت ..
فاضلة دخلت جناح زينب كعادتها دون اذن أو طرق الباب واتجهت نحو غرفتها, لكنها توقفت ما إن سمعت زينب تشتم بحدة : سافل!!
تعقد حاجبيها باستغراب وهي تقترب خطوة, وتقف مرة أخرى في مكانها ما إن ردّ الآخر : ماشفتي شي .. طردت عشرات العمال والحراس لأنهم اشتركو بهالعمليّة .. جواد وثلاثة مرافقين مالهم دخل بالعملية .. لكنهم خانوني وأنا طردتهم بهالتهمة حتى أتخلص منهم .. والعدد كل ماله يزداد حتى أنه ممكن يوصل لأشخاص من عائلتنا .. كل ما زاد غضبي كل ما توسعت دائرة المتضررين
تبتلع ريقها وتلتفت دون الإصغاء أكثر وهي تدرك جدية الأمر توًا, تخرج من الجناح بهدوء وهي تتلفت خشية أن يرياها وتتجه نحو جناحها, تدخل لغرفتها, ثم تجلس خلف الطاولة وتبدأ بكتابة رسالة ..
تخط الأحرف فوق الورقة التي كان بحجم كفها, وبلغةٍ عربية كتبت في ذيلها : بُشرى, أنا في حاجة إليك




.
.
.


إنتهى
في إنتظار آرائكم





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-05-19, 06:42 PM   #10

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,431
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية : طّيفُك يهوِي في الدَياجيرْ .
بقلم : حِرز.


بسم الله .. أرجوا من الله التوفيق فيما كتبت وفيما سأكتب.

لقد صار أجملْ! (٥)

قبل عشرون سنة
"شبه نائم فوق السرير وهو يحتضن نفسه، ذلك العراك مع أبيه قد أفقده طاقته، شعر بيد تمر فوق عقدة حاجبيه ثم فوق خيط الدم الذي نزف من شفتيه .. فتح عينيه بانزعاج من ضوء الشمس .. وجه طفولي .. عيناه مزرقتان وشعره كخيوط الشمس الذهبية هذه .. وخداه محمران بشكل غريب .. يناديه: بدر ..
نهض على وجل ووضع كفه فوق خد هذا الطفل هاتفا: دخيل!!
تنهد ما ان استشعر حرارة جسده، حمله اليه ووضعه في حجره ليعانقه بشدة وهو يهمس له بلغة والدته حيث كان دخيل لايجيد العربية:"أتريد أن تواسيني وأنت على هذه الحال يا روح أخيك؟"
يبعد وجهه عن صدره وينظر إليه وشفتاه ترتجفان بفعل الحمى .. لينهض خارجا من داره.."
.
.
.
في دار المحاسبة، يقفُ إلى جانب أخيه ويقفُ الأخ أمام العدد الكبير من المجلدات وينظر إليها بهدوء ثم يلتفت لدخيل ويضع مفتاحًا في يده، يعاود النظر للدفاتر ويهمس: الدار عندك ..وثقتي واعتمادي عندك .. انت الأمين من اليوم ..
ينظر لبدر دون تصديق ويكمل الآخر: راجع لي حسابات وقوائم آخر خمس سنوات
يتخلى عن صدمته الأولى ليناقش صدمته الأخرى: تدقيق؟ ليه؟ وش فيه؟
بدر: اختلاس
دخيل ينظر للأرض دون استيعاب ويهمس: امر كبير هذا .. من ١٥٠ سنة وحتى الآن .. اول مرة يتم تفتيش الحسابات
ينظر لبدر ويكمل: أبوي يدري؟
بدر ينظر لدخيل: عن الاختلاس؟ ولا عن التدقيق؟
يصمت، ويدرك للتو أنه ما كان عليه ان يسأل هذا السؤال، فبدر هو من يقوم بمقام والده ولا نقاش في أوامره، دخيل: كنت أسأل عن التدقيق
بدر: أبوي مايدري عن أي شي .. خليه يقوم بتلبية الدعوة على أكمل وجه .. وبعدها يصير خير
ينظر لدخيل ويكمل بجدية: دخيل .. تعرف وش المخيف وغير المعقول في الموضوع ؟ أن المدان في هالموضوع أشخاص من العائلة
ينظر لأخيه دون استيعاب، كلما رافقه وجالسه يصاب بصدمة تجاه هذا العالم، ويكمل بدر: لذلك لا تفكر تخون ثقتي في هالموضوع .. ما أبغى اكسر قلبك
يبتسم بسخرية وهو ينظر للأرض: بدر أخي تحذيرك لي وكأني في معرض للخيانة يكفي لكسر قلبي لكن سمعًا وطاعة
يهز رأسه مرارا بالإيجاب وهو ينظر لأخيه الأصغر، وكأنه يريد ان يقول له: اني مضطر لذلك مع علمي بنقائك مع الأسف، الوليد كان أخًا لأبي أيضًا لكنه خانه، قصرنا هذا بات جحرًا قذرا وأنتَ لا تدري.
يتجهُ للخارج ويلتفت لصوت دخيل الذي استوقفه: بدر ..
ينظر إليه .. ليتجه دخيل بخطوات سريعة نحوه .. يقف أمام بدر مباشرة ويقترب من كتفه ليقبله .. يبتعد وينظر لأخيه هامسًا: غمرتني بلطفك .. ما راح أنسى هالموقف العظيم منك
يربت على كتف أخيه، ويخرجُ بصمت.
.
.
.
في الصباح، تترك فنجان قهوتها وتتجه نحو باب المنزلِ الذي يطرق، تضع شالا حول رأسها وتحدث شقًا في البابَ لتطل بوجهها منه وما ان رأت الطارق غطت فمها بطرف الشال باستحياء؛ وتهمس وهي تنظر للأسفل ولم تتوقع قدومه : أهلًا وسهلًا
يبتسم: تستقبليني بتول؟
تهمس بابتسامة: طبعا
تفتح الباب كاملا: تفضل
ينظر للخلف، للعربة الموجودة وللعمال الواقفين.
بعد عدة دقائق، كانا يجلسان في صالة البيت الصغير وصناديق الهدايا الفاخرة تتوزع في الأرجاء، وفي حضنه مغلف ورقي، بدر وهو ينظر إليها: بتول .. أنتِ عزيزة قلبي بعد اليوم اللي اقترنا فيه
تبتسم دون أن تنظر إليه ويُكمل: أعتذر عن الوضع اللي حطيتك فيه .. يعني .. زواجي منك كان خالي من اي عرف أو تقليد .. أبسط تقالدينا ما قدرت أقدمها لك لكني رلح أتلافى هالأخطاء
يصمت قليلا، بيدٍ مرتجفة يضع أصابعه فوق ذقنها ويرفع رأسها وينظر في عينيها مردفا: مجرد وضع مؤقت
يبعد يده ويكمل: أبغاك تجهزي نفسك في قصر الوالدة .. راح نعيش لمدة قصيرة باذن الله معاها .. كل شي تحتاجيه تطلبيه منها .. وأنا راح ارسلك كل اللازم مابيقصرك شي أبد
يضع الكيس في حجرها ويهمس: افتحيه
تبتسم وتفتح الكيس، تخرج ما بداخله، قماش أسود أو بالأحرى النقاب التقليدي آنذاك، بدر: انا اعلم أن قلة من يلبسه حتى في قصرنا .. لكن أنا أحب أن زوجتي تلبسه .. هذا فرض عليك من الله وطلب مني .. وادري من عاش بنجد مايرد الطلبة
تأخذه بصمت ليهمس: بتلبسيه؟
تبتسم وهي تنظر في عينيه: حاضر من عيوني
يبتسم مبتهجا: جهزي نفسك .. الليلة راح أرسلك مرافقي الخاص حتى تنزلين السوق .. عشان بكرا تنقلين اغراضك كلها لقصر الوالدة وتكملي تجهيزك هناك ..
يضع يده فوق خدها ويهمس: الخميس القادم بيكون حفلنا .. عرسنا
تبتسم برضا وهي تنظر إليه؛ ويكمل: بنوزع الحلوى في كل المدينة .. بنكسي فقراءها .. بمناسبة يومنا السعيد
يصمت قليلا ثم يستطرد: تامرين على شي؟
بتول: سلامتك
يقف: على كل حال صخر بيلازمك وهو محل النفس .. اللي تحتاجيه مني قوليه له
يتجه نحو الباب وهي من خلفه؛ فتح الباب لتهمس: بدر
التفت إليها لتكمل بابتسامة: شكرًا
يبتسم بهدوء: على؟
بتول: على كل شي .. من اول لحظة قابلتك والين الحين
بدر: العفو تستاهلين أكثر ... أخليك الآن .. مع السلامة
بتول: في أمان الله ... وتغلق الباب من خلفه.
.
.
.
تمر بجانب الغرف حاملةً سلة الياسمين بين يديها، تستوقفها إحدى العاملات وتهتف: هي انت صاحبة الورد، إلى أين؟
صاحبة الورد: أُجهز الحمام، هل من خطب؟
الأخرى: لمن؟
تجيب صاحبة الورد: السيد بدر
تقاطعها: هلا تبادلنا الأدوار لمرة؟ نظفي جناح السيد دخيل ودعي لي جميع اعمال الحمام إنني متشوقة جدًا لرؤيته
صاحبة الورد: كلا، كم مرة قلت ل...
سكتت قليلا وهمست: جناح من؟
الأخرى بحديث سريع: جناح السيد دخيل، فقط هذا اليوم أريد زيارة الحمام بشدة ...
تقاطعها وهي تضع سلة الياسمين بين يديها: اذهبي
تتجه نحو جناح دخيل وتدخله، تتأمل الجناح بانبهار، في كل زاوية منه ترى ذلك الشاب الذي رأته في الحديقة قبل أيام، تنظر للسرير .. استيقظ من النوم واتجه نحو دورة المياه دون أن يرتب السرير، بالطبع .. السادة لايرتبون من خلفهم، المهم .. تتجه نحو غرفو الملابس، وتفتح الدولاب .. بعد أن خرج ودخل غرفة الملابس .. راح يبحث في ملابسه الكثيرة بحيرة .. ووقع اختياره على بدلة زرقاء تشبه لونَ عينيه.. ارتداها وارتدى قفطانًا يدل على الطبقة التي ينتمي إليها .. ويُزيدهُ وسامةً أيضًا .. ثم التفت للمرآة المقابلة للدولاب .. وسرّح شعره الأشقر .. وارتدى عمامته المرصعة مقدمتها بأحد الأحجار الكريمة .. لبس أيضًا حذاءه الفاخر وخاتمه الخاص وساعته الثمينة .. وأخفى سلاحا ما في ثيابه .. وخرج من الجناح مسرعًا .. ولم يعد حتى الآن .. لابد أنه قام بهذا.
تتنهد وتخرج، تقوم بالتنظيف .. تهمس: ما أفكر فيه مضحك جدًا .. لكن حتى رؤيته في الخيال جميلة جدًا ولا بأس بها.
تنتهي من تنظيف الغرفة وتعود لغرفة الملابس، ترتب بعض الفوضى الي تسبب بها ذلك السيد المدلل المرفه، ترتب الملابس الساقطة على الأرض في الدواليب مجددا، منذ دخلت لهذا المنزل وهي تتخيل نفسها محل السيدة هيفي .. أو محل السيدة جوداء .. أو حتى محل السيدة زينب أو ابنتها .. الأهم .. ان تكون في ذلك المكان اللطيف .. العقد الجميل في عنق جوداء .. أوالخادمة التي تمسك بيد زينب وهي تنزل من العربة .. أو الحب في عيني سيد أمير لهيفي .. أو الرائحة الجميلة في ثياب فريال .. تتخيل ذلك .. وبعد ان تنتهي غفلتها اللذيذة تقوم بكل رضا .. وتقطف الورد .. لتجهز به الحمام .. أو تنظف غرفةً ما .. او تتلقى أمرً من -سيدةٍ ما-.
كانت على وشك أن تغلق الدولاب لولا أنها رأت شيئا ساقطًا لم تنتبه له، انحنت إليه وحملتهُ في يدها .. خلخال لونه ذهبي .. تأملته بانبهار من شدة جماله، انحنت وارتدته في قدمها .. وهمست بانبهار أشد: لقد صار أجمل!
تلاشت ابتسامتها، خلعت الخلخال ونهضت لتضعه في الدولاب في جيب أحد الثياب، لابد أنه سقط من جيب أحدها، أغلقت الباب .. التفتت .. لتشهق وهي تعود خطوة للوارء .. اصطدمت بالدولاب وهي تنظر إليه بصدمة .. يقف مرتديا زيهُ الأزرق الذي رأته به صباحا .. وهو يحتضن يديه خلف خصره وينظر إليها بهدوء، ابتلعت ريقها وهي تنظر إليه بخوف، تهتف متلعثمةً: عفوًا سيدي
تلقي التحية أو الانحناءة البسيطة ثم تقف بهدوء : لقد كنت انظف ...
يقاطعها ببرود: تستطيعين الخروج.
تنحني مرة أخرى ثم تخرج مسرعةً وهي تتنفس الصعداء، أتراه رآها؟ أظنها لصة؟.
يتجه هو نحو الدولاب ويفتحه، يبحث عن الخلخال بهدوء حتى وجده في أحد الثياب، يضع يدا خلف خصره بينما يحرك الخلخال بالأخرى وهو ينظر إليه طويلا ... يضعه في الثوب مجددا .. ثم يخرج.
.
.
.
يدخل جناحه، يلقي بجسده المرهق فوق الأريكة، يطلق زفرة ويغمض عينيه ما ان طرق الباب ويهتف: أدخل
يدخل اتشيلي: طويل العمر .. الحمام جاهز
بدر: في شي ثاني؟
اتشيلي وهو يخرج ظرفا من بين ثيابه: الوالد أرسل رسالة
ينهض باهتمام وهو يشير لاتشيلي بالتقدم نحوه، يأخذ منه الرسالة ويشير له بالخروج، يكسر الشمع الذي ختم بخاتم والده، يقرأ السطور الغير مهمة بالنسبة له، ثم يضيق عينيه بتركيز ما إن قرأَ:
"..الباشا يرفض عودتي ويصر على استضافتي بضعة أيام، لاسيما بعد أن علم بتعييني لك نائبا لي، وهو يؤيدك، ويثني عليك، ويرفض كل عذر قدمته له في سبيل العودة.
بني، انت ثقتي في اخوتك، أعينك وكيلي واعطيك خاتمي، اعلم بشرف ما نلت ولا تخن فيما أُوكل إليك ولا تعصي أمرًا مني، وإلا طردتك من جنتي وقلبي، والسلام."
يرفع حاجبيه دون تصديق وهو يأخذ الظرف ليتفحصه، ويخرج منه خاتما لم ينتبه إليه من قبل، نُقش عليه بالخط الفارسي: الوكيل المطلق.
ابتسم بسخرية وهو يرمي الظرف على الأرض .. لم يعطه خاتم الرئاسة .. ولولا تأييد الباشا لما أعطاه شيئا .. ولكن على الاقل .. توسعت دائرة صلاحياته بشكل كبير.
نهض واتجه نحو الحمام..
بعد عدة دقائق، يستلقي في حوض الماء الحار جدًا، ويغمض عينيه .. رغم كل شيء .. رغم أن الليلة هو زواجه من امرأة اختارها .. ورغم أن أباه قد أعطاه فرصة أخرى .. إلا أنه لا يزالُ مجروحًا .. ويدين الجميع في جرحه هذا .. مرت عشرون عاما عاما من عمره أو أكثر .. لم يفرح فيها إلا مرةً واحدة .. يتذكرها جيدًا .. عندما وضعت الطبيبة فريال مدللته بين يديه .. ابتسم دون إدراك وهو مغمض لعينيه ما إن تذكر تلك اللحظة .. كانت محاطة بقماش أبيض .. سقط طرفها فكشف عن رقبتها الجميلة والتي تلمع كالفضةِ تماما .. فهمس وهو ينظر لتلك الرقبة الناعمة: فريال .. ابنتي الجميلة.
ما ان شعر بأناملٍ تَلمِس فمَه المبتسم فتح عينيه بهدوء وزالت ابتسامته .. نظر بحدة لزينب التي تجلس على طرف الحوض ..هم بالتحدث فهمس: مايحتاج تقول شي .. اعرف وش تبغى تقول
بدر: مادام تعرفي ليه للآن أشوفك قدامي؟
تقف وتجلس على طرف الحوض من خلفه، تمسك بالليفة ذات الرغوة لتمررها على صدره وهي تهمس: فاضلة قالت لي اجي .. زوجك في الحمام قالت .. انتي مهملة قالت .. عيب روحي له
ابتسم بسخرية وهو يستغفر، أغمض عينيه وهو يسند رأسه للحوض هاتفا: قولي لها بدر قالي اطلعي!
زينب:ليه؟
بدر: مايبغى أي أثر مني عليه الليله
تصطك أسنانها بغضب وهي تنظر إليها بعدوانية،أناني جدًا ..ليتها استطاعت أن تكون مثله!
تركت القطعة جانبا ووضعت أصابعها المرتجفة اسفل عظام ترقوته .. لتغرس أظافرها في صدره حتى رأت الدم يسيل منه ثم وقفت .. ينهض وهو ينظر اليها دون استيعاب .. ينظر إلى الثلاثة جروح التي أحدثتها في صدره ثم ينظر لجمودها ووقوفها أمامه والدماء والصابون يسيلان من يدها ..يلف المنشفة حول خصره وينهض متجهًا إليها..يأخذ يدها التي جرحته بها ويلفها خلف خصرها لتصرخ بألم: اتركني ياحقير
يهمس في اذنها وتكره هذا الهمس بشدة: ادري تماما وشو في بالك ياخبيثه!
وباستفزاز بينما تتلوى من الألم: ماراح يصير اللي ببالك الحين .. بس انا مستعد أخليه يصير بكرا .. بعد ما أرجع من عند عروستي .. عروستي اللي اخترتها ..
يخفف من شدة امساكه ليدها ويكمل: يمكن ما تغفرين لي هالشي .. بس لو تشوفينها تعذريني ..والأهم ما تشبهك أبدًا!!
يترك يدها لتلتفت اليه، ينظر لشفاهها التي ترتجف، يعلم تمامًا أنها ستخرج الآن لتبكي .. أشار لها بالانصراف والتفت ليصرخ صرخة ارتعد جسدها منها: أوقفي!!!
التفتت فهمس بغضب: مين انتِ حتى تمشين من قدامي بالشكل هذ؟؟؟!!
تبتسم بسخرية .. تتبع تقاليد هذا القصرالسخيف وتنحني اليه ثم تخرج، يجلس على طرف الحوض وهو يأخذ منديلا ليمسح جرحه به، يطلق زفرةً وهو يغطي عينيه بكفه، لا يعلم كيف يتصرف مع تناقضات قلبه أبدا .. لا يعلم ..!
.
.
.
الساعة العاشرة مساءً ..
يتمدد فوق سريره على بطنه، يضع ذراعه أسفل صدره ويمسك بالأخرى كتابًا يقرأه، وبدر الصغير يمشي ذهابا وإيابا فوق جسده المنهك، بينما تتمدد ابنته الصغيرة ريحانة مثله على بطنها وهي تضع كفيها على خديها وتتأمل وجهَ والدها.
تجلس خلف مرآتها زوجتهُ العربية الفاتنة وتسرح شعرها بمشطها الخشبي الخاص وهي تنظر لعائلتها الصغيرة بابتسامة من خلال المرآة.
يبتسمُ أمير لريحانة بهدوء ما ان تنبه لها ثم يكملُ القراءة.
بدر يهتف: بابا
أمير بهدوء: نعم حبيبي
بدر: مين أكبر فيكم .. انت ولا عمي بدر؟
هيفي تنظر لبدر، وأمير يبتسم دون أن يرفع عيناه عن الكتاب: هو
بدر وهو مستمر بتدليك جسد والده: طيب بابا ما ينفع يصير عندي أخو صغير مثل عمي بدر ؟
ينظر لهيفي التي التفتت إليهم بابتسامة ويهمس: اذا قمتوا غرفكم ممكن
تضحك بخجل ثم تنهض مقاطعة سؤال بدر القادم: خلاص نخلي البابا يرتاح اللحين عشان بكرا الصبح عنده شغل
ينزل بدر ويقف بانتظار ريحانة، تنظر هيفي لابنتها التي لم ترفع عيناها عن والدها ولو لحظة وتهمس: وانتِ ياحلوة ما خلصت جلسة تأملك؟ يلا يلا
تقبل خد والدها الذي هتف: شكرا ياروحي
تتجه نحو اخيها ويخرجان من الغرفة باتجاه غرفهما ثم تغلق هيفي الباب من وراءهما ... تتجه نحو السرير وتجلس عند بطنه، تأخذ الكتاب من بين يديه بهدوء وتغلقه لتضعه على الطاولة المجاورة للسرير وهي تتحدث بصوت خافت: كفاية اجهاد لعقلك .. لآخر نفس في اليوم تخليه يشتغل .. حط راسك ونام
ينقلب على ظهره وهو يتنهد، يضع يديه خلف ظهره ويغمضُ عينيه، تخلخل أصابعها في شعره بحنان: بعدك تفكر .. خلاص وقف تفكير .. صفي ذهنك .. تحتاج تنام وترتاح ..
أمير يفتح عينيه: مو قادر
تبتسم إليه: ليه؟
أمير: أحس ماعندي خيار كأن أرتاح أو أنام .. اذا نمت بنسى شي مهم أو راح أخل بوظيفتي
هيفي بهدوء تتوقف عن مداعبة شعره: وش كان توزيع بدر الجديد؟ وين موقعك؟
أمير ينظر إليها: وكيله ..
هيفي تبتسم: حلو .. الآن العمال ما اعتادو على الوضع الجديد .. بدر غير تغيير جذري .. لذلك مُتعب .. كلها أيام معدودات ويرجع كل شي زي أول
أمير: بدر كان ذكي وحكيم أكثر مما تخيلت .. تصرفاته كلها كانت في محلها .. الحراس والعمال طوال اليوم يتكلمون عنه باعجاب شديد
تبتسم ابتسامة صفراء، وأنت أحد المعجبين الواقعين في حبائل بدر هذا .. انه يسلب المرء روحه .. من ينظر إليه ولا يحبه الا من عرف داخله جيدا؟
.
.
.
تجلس والجميع يجلس او يرقص من حولها، تأخذ نفسًا عميقًا وهي تنظر لجميع الوجوه التي تنظرُ إليها، تيا من جانب .. خديجة .. السيدة هاجر والدة بدر .. وشقيقته جوداء .. وباقي عاملات القصر والوصيفات .. الكلّ ينظر إليها .. لربما باعجاب .. لربما بشفقة! لربما بعدم الاعجاب .. لربما باللاشيء أيضًا .. الكل ينظر .. تبتسمُ بهدوء وثقة وهي تنظرُ للجميع .. حتى اقتربت جوداء منها وهمست شيئا في أذنها فهزت رأسها بالايجاب ..
تنهض .. تقترب تيا منها وتعانقها وهي تمطرها بتمنياتها لها .. تمشي وجوداء والسيدة هاجر ترافقانها حتى وصلت لباب الجناح .. تعانقها هاجر وتقبل خدها .. تنظر إليها بابتسامة وتهمس: ربي يحفظك .. ما أوصيك على وليدي
تقبل راسها وتكتفي بابتسامة .. تفتح العاملات الباب .. فتدخل ليغلقن الباب من خلفها .. تنظر إليه .. وهو يقف عند النافذة .. لقد بدى هذا الرجل بهيًا الليلة .. كما لم يبدو من قبل .. وبدت ابتسامته جميلة للغاية وهو يقترب منها ويرفع غطاء وجهها الشفاف ليقبل راسها بتلك الشفاه المبتسمة ..
يضع يده فوق خدها وينظر إليها، اللون الأبيض زينها .. وشريطٌ أحمر ضُيق على خصرها .. يبتسم وهو ينظر للشريط الذي زاد خصرها جمالا .. يخرج كيسًا من جيب معطفه ليربطه في الشريط .. ابتسمت .. وهي التي ظنت أن بدر لايصله بنجد سوى اسمه .. الا انه ملتزم ببعض عادتها .. تهمس: شكرا
بدر بابتسامة: تتهني
يمسك بيدها ليجلسها على الأريكة، يحتضن يدها في احدى يديه ويلمسُ وجهها بالأخرى، يعقد حاجبيه وهو ينظر لعينيها وكأنه تذكر شيئا ما .. يقترب منها أكثر ويقبل عينها .. يضع أنفه فوق خدها وهو يعقد حاجبيه مرارا .. يهمس وهو مغمض لعينيه: أنا راح أبدا أهم مرحلة في حياتي العملية .. من بكرا
يرفع أنفه وينظر في عينيها هامسًا: يعني وجودك صار في الوقت المناسب تمامًا ..
تبتسم إليه وتكتفي بالصمت، يهمس بخفوت وهو ينظر لفمها: لازم توقفي جمبي ..
يعيد نظره لعينيها: لازم ولاءك يكون لي بس أنا .. لا لأحد غيري من عائلتنا .. ولا لأحد من برا عائلتنا
يبتسم: صح؟
تتذكر فاضلة التي تظنها الآن لم تعد زوجةً لبدر، تصمت قليلا ثم تجيب وهي تفهم مايشير إليه بدقة: أكيد .. بدون شك
.
.
.
تتمدد فوق سريرها الفاخر بثوب نوبها الذي طرزت اطرافها بالذهب ..تضع يدها أسفل خدها وهي تفكر .. تنظر لأطراف ثوبها الذهبية وهي تبتسم بسخرية .. يا لهذا الثراء الفاحش .. يا لهذا السخف يا فاضلة .. أكسيتي ما يكسيك بالذهب بعد أن كنتِ توشكين على الموت جوعًا فيما مضى؟ يا إلهي كم أن سنينا طويلة مرّت تجعل تلك الأيام مجرد ذكرى بائسة قد اضحك عليها الآن .. يا إلهي كم حالي هذه مضحكة .. كنت مجرد خادمة تخاف سيدتها على زوجها من فتنتها .. مجرد فتاة مهانة وذليلة .. ليست بذات نسب رفيع ولا أصل شريف مثل النسوة الثلاث الاتي حللت عليهم ضرة في أحدِ الأيام .. قبل ان أصبح سديتهن جميعا بعد ان انجبت للنجدي ثلاثة رجال وفتاة .. وقد عجزنَ جميعهن عن انجاب رجلٍ واحد ونجحن فقط في انجاب العديد من البنات .. وها هنّ يمكثن الآن في قصرٍ وضعه ابني لمن كرهته وحلّت عليه لعنتي وغضبي .. لقد رأيت ما يذيب الجلد وهو على وشك أن يسقط فوق وجهي من يد إحداهن .. استحقن هذه المعاملة .. هنّ وهاجر تلك الخائنة .. وزوجة هاشم خفيفة العقل أيضًا ..
واخشى ما أخشاه أن اقع في ذلك المكان الذي شيدته بيدي لمن اكره .. وأعود ذليلة كما كنت ..
يا لسوء حظك ان لم تكن من المنتسبين لعائلة النجدي وأمسيت احد افراد عائلتهم .. مثلي تماما ..
أيعقل أني من وضعت معظم آداب هذا القصر أن أغادره بتلك السهولة؟ لايعقل بالطبع ..
.
.
.
تستلقي اسفل الغطاء على جنبها الأيسر .. ويستلقي هو مقابلًا لها على جنبه الأيمن .. يكاد وجهه يلتصق بوجهها من شدة ما تقاربا .. يمدُّ يده نحو يدها ليمسك بها .. يشبك أصابع يده بأصابعها .. ويكتفي بالنظر إليها بهذا القرب الدافئ ..
تضع كفها الأخرى فوق صدره العاري ..تحديدا على الجروح الثلاثة التي أحدثتها زينب .. تشعر بحرارة خديها وعنقها وأذنيها وتتكهن انه يرى تفاصيلَ وجهٍ يتفجرّ خجلًا .. ترفع عينيها إلى عينيه الناعستين الناظرتين إليها .. يخجلُ مثلها .. تنظر لفمه الصغير الذي يكادُّ أن يذوب بحمرته .. ولخديه المشتعلين ولنحره المحمر المتعرق والصاعد الهابط بأنفاسٍ متسارعة ومضطربة .. إنه لا يشبه رجال هذا العالم في شيءٍ اطلاقا .. وبالتحديد أولئك الرجال الشرقيون المتحجرون .. انه يريد ان يتأملّ عينيّ هاتين الا انه يهرب عيناه ما ان انظر فيهما بخجلٍ يُخفيه.. ينظر إلي بلهفة وكأنه كان ينتظرني وحُرم مني لسنين طوال .. إنه لم يتتبع دليل عذريتي بمنديل أبيض .. انه فعل ما فعل حبًا لا شهوةً .. انه يحتضنني بجسده الدافئ وبعينيه العسليتين بكل عذوبة ... يا إلهي .. من يريد ان يتأمل عيني من؟ من يريد أن يذوب في من؟ إنها أنا يا سادة .. إنها أنا التي انصهرت بين يدي هذا الرجل ويخيل إليّ عكس ذلك، تلتقي أهدابه ويسلّم روحه للنوم بكل سلام .. كم يبدوا بريئًا .. لا يشبه في شيء ذلك الرجل الأخاذ بسطوته والمهيب في الخارج..
.
.
.
بالقرب من بوابة القصر ..
يستيقظُ من غفوته القصيرة على صوت اتشيلي الذي يهتف: شيخ .. ياشيخ صخر .. قم
ينهض على عجالة وهو ينظر الى حيث يشير اتشيلي وهو يهمس: صفاء وصيفة السيدة فاضلة ..
ينظر إليها وهي تصعد العربة ثم تنطلق باتجاه ما، وينهضا هم الاثنان .. يمتطيان الأحصنه ويلحقان بها ..
.
.
.
يجلس فوق الأريكة .. والنافذة من خلفه تسمح لأشعة الشمس بالولوج والتسلط على كل ما تلمسه بأطرافها الذهبية ..
ينظر إليها والشمس تلمسها .. تلمس شعرها فتجعله ذهبيا أكثر .. تلمس عروق جفنيها البارزة فتجعلها اكثر زرقةً .. انفرجت تلك الجفون ..
نظر اليها وابتسم ابتسامة صفراء إليها، نهض واتجه نحوها .. يجلس بجانب بطنها لتعتدل في جلوسها أيضًا .. يهمِس: صباح الخير
بتول تنظر إليه: صباح النور
يحول أنظاره لظهرها الواضح بسبب ثوبها المكشوف، يمرر يده فوق الندوب التي ملأته ثم ينظر إليها بتساؤل لتهمس بضيق: في السفينة .. كان
يقاطعها بابتسامة حزينة: فهمت
ينظر لشعرها الذهبي، لعروق جفنيها المزرقة، للنمش المتناثر فوق وجنتيها .. لشفتيها الممتلئتين ولعدستيها العسليتين .. إنها لوحة فنية عظيمة من صنع الرب .
يهمس: الأمس كان اجمل حلم .. اليوم نرجع للواقع
تنظر له دون فهم ليردف: جايني ضيف .. عندنا اجتماع .. راح استقبله في صالة الجناح .. لا تطلعي من الغرفة ..
كانت نظراتها ملؤها عدم التصديق ليهمس: أنتِ الآن زوجة بدر النجدي .. يعني راح تكوني أكثر شخص منحرم مني وانا اكثر شخص منحرم منك .. لأني محتاج أثبت نفسي .. ماعندي خيار ثاني
يبتسم لعقدة حاجبيها قبل أن ينهض: بتفهمي كل شي بعدين.
بعد دقائق طويلة ..
ترفع المعطف بيديها من فوق السرير لتساعده في ارتداءه، ينظر إليها وهو يهمس على عجلة: لا تطلعين
تهز رأسها بالايجاب ليخرج وليغلق باب الغرفة، اتجهت نحو دورة المياه ودخلت، تخلع ثوبها ، تستدير لتنظر في المرآة للندوب التي ترسم نفسها فوق جسدها الهزيل ..تغمض عينيها .. وبتردد تعود لتنظر للمرآة بعينٍ كسيرة،أنا مُشوهةَ!.. عيني من دون تلك الجفون المزرقة بعروقها مشوهة .. أنا من دون آثار غضب عبد العزيز مشوهة .. بجسدي النحيل مشوهة .. وقلبي هذا أيضًا مشوه!
تجلس على الأرض .. تجمع ساقيها إلى صدرها وتغلق أذنيها بكفيها .. ثم ماذا؟ لاشيء .. لاشيء أبدًا سوى الطهر الذي تناثر فوق جسد بدر .. لا شيء سوى الصدق .. لا شيء سوى النجاة من تهمةٍ دامتْ لعشرِ سنوات ...
"في حجرةٍ صغيرة وبسيطة .. تحتوي على سريرين متجاورين .. ومرآة تقابلهما .. تجلس هي خلفها بثوب النوم الأبيض .. وتسرح شعرها الطويل والجميل بفرشاتها .. لقد صنعها لها عبد العزيز خصيصًا من موادٍ رقيقة تناسب رقتها .. تكمل اليوم عامها التاسع عشر .. يالها من سعادة أن تكبر .. كلما كبرت ازدادت جمالا .. امتلئ جسدها بعد أن كان نحيلا وصار أجمل .. وطال شعرها أكثر ..
استمرت بالتفكير ببعضِ أحلامها الوردية .. بالتفكير العميق الذي يجعلها لا تلتفت للأصوات التي خلف الباب .. إلى أن دُفع الباب .. سقطت الفرشاة من يدها على الأرض وهي ترى خديجة وهي تمنع والدها من التقدم نحوها .. تيبست أقدامها وعجزت عن النهوض ما إن وقعت عيناها في عين والدها .. يا لها من عينين مخذولتين عيني هذا الأب .. يالها من عينين غاضبتين ومحتقرتين .. وآسفتينِ جدا ..
يدفع زوجته على الجدار ويقترب منها .. يُنهضها بامساكه لها من كتفيها .. وتشعر أنهما يذوبان بين قبضته ..تتسع عيناها ذهولًا وهي تنظر لكف والدها مرتفعًا .. قبل أن يقع فوق وجهها .. طنين أصاب أذنيها .. رمى بها فوق الأرض بقسوة .. لمست بألم مصدر الألم الأكبر .. ظهرها .. وهي عاجزةٌ عن ان تشهق حتى .. ظل فمها مفتوحا هكذا ..
يتموه صوت خديجة نحو أذنها التي أُصيبت بالصمم: بو عبد العزيز ..
يتقطع .. وينساب إلى أذنها: لا لا .. لا تخليني ألوم نفسي اني قلت لك ..
ترفع رأسه .. تنظر للسلاح الذي رفع والدها .. تعجز عن الذهول .. مالذي جرى؟ أحلمٌ هو؟ يبدو أنه حلم .. الأصوات متقطعة كما في الأحلام .. الرؤية ليست واضحة كما في الأحلام أيضًا .. ووالدها الحنون يضربها .. هذا حلم بعينه أيضًا ..
يقترب منها السلاح .. لولا يد امتدت وأمسكت بيد والدها .. تتراجع زحفا للوراء وهي ترفع نظرها للذي أمسك بيد والدها .. وتسمع صوتا يناديه: عبد العزيز ...
توزع نظرها في الأرجاء .. خديجة تقف في احد زوايا الغرفة مرتعبةً .. أمها وتيا وأخواها موسى وجلال يقفون خلف الباب مذعورين .. ووالدها وأخاها الأكبر عبد العزيز يقفان أمامها ..
تسمع صوتًا: أختك يا عبد العزيز!! سودت وجهي .. سودت وجهي سود الله وجهها بين خلايقه .. الله أكبر!!! الله أكبر .. زنا في بيتي انا .. يارب لاتخسف بي وبذريتي!!
تفغر فاها وهي تنظر لعبد العزيز .. ينظر اليها كما نظر والدها قبل قليل .. لكنه ينظر بحقد أكثر .. بغضب أكثر .. الموتُ في عيني عبد العزيز ..
أغمضتْ عينيها .. ظنت انها ماتت .. أو انها ستستيقظ من حلمها .. إلا أنها كانت إغماءة .. استيقظت منها في مكان غريب .. لا تعرفه .. وبطشت ماء سكب فوق وجهها ....."
ترفع رأسها .. تنظر للسقف الأبيض .. تبكي بحسرة .. كأن فقداني لكم كان وسيلة لاثبات طهارتي .. يا لغفلتي حين رُميت بذلك .. يالغفلتي!
تخرج من دورة المياه .. ترتدي ثيابها في غرفة الملابس ثم تخرج لتجلس خلف التسريحة وتسرح شعرها القصير، سرى صوت بدر لأذنها: " أنت تعلم كم أعزك واجلك يا أخي وكم انك مقرب مني وهاهي داري تشهد بذلك حيث استقبلتك في جناحي الخاص .. وأنا لا افعل هذا مع أحد عادي! .. فمالذي يحملك على التردد؟"
تعقد حاجبيها، هل عاد لتلك الأمور السياسية؟ تصغي لصوته: "كم تريد؟ ماهو السعر؟ ان كان عشرين وهو لأقل فأنا أعطيك خمسا وعشرين، ما قولك؟"
تسمع صوتا غريبا:"أتمزح؟"
بدر:"لا والله!"
ساد الصمت قليلا قبل أن يهتف الآخر:"قبلت، لكن لدي شروط"
جاء صوت بدر مبتهجًا:" لك ما أردت"
وابتعدت أصواتهما تدريجيا حتى اختفت .
.
.
.
تتوقف عربة صفاء أمام منزلٍ ما ليتوقفا، تترجل وهيت حمل الصندوق معها .. تدخل .. وتعود بعد دقائق طويلة لتركب العربة وتنطلق ....
.
.
.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:51 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.