آخر 10 مشاركات
بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          17 - مندلا - مارغريت واي - ق.ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : Gege86 - )           »          [تحميل] عبثاً تحاول ، للكاتبة/ حنان | atch (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          9-وعود ابليس - فيوليت وينسبير "ق"* (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          رواية العودة المتأخرة _روايات غادة (الكاتـب : الأسيرة بأفكارها - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

Like Tree28Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-07-19, 10:15 PM   #81

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الواحد والعشرون
......................
اربيل
..........
رفعت خالتها وعاء عميق نسبياً يحتوي على عجين للخبز وهي تقول ببشاشة
- خذي يا حبيبة ... أذهبِ الى الجهة الخلفية من المنزل ثم ضعي الحطب في الفرن ..منذ فترة لم اخبز لهم الخبز الحار على الفطور ...هيا حبيبتي بسرعة ..وانا دقائق والحق بكِ !
اومأت وهي تأخذ الوعاء من يدها وتهم بالخروج من باب المطبخ ... وما ان وصلت الى الجهة الخلفية من المنزل ووضع الوعاء أرضا حتى سمعت صوته ذو النبرة الخشنة وهو يقول
- صباح الخير !

كان يفكر بطريقة لكي يصالحها ...لقد تمادى فعلا بغيرته العمياء ... لكن حقاً تصرفاته المبالغ بها ليست بيده ... يشعر وكأنها ملكه وحده ..لا يحق لرجل اخر ان ينظر لها ... منذ خطبة كمال وهو يكاد يفقد عقله .. الاف الخيالات تسير امام عينيه ..ماذا ان تقدم اخر واخر واخر ...هل يسقف هكذا مكتوف اليدين الى ان تطير من يده ... يريدها ولا يعرف كيف يحضا بها ويتخلص من سلمى !!!
فكر وفكر بطريقة عفوية وبريئة ولم يجد الا طريقة واحد وهو ان يشتري لها هدية ... ذهب الى السوق وظل يدور بين المحلات يبحث عن شيء مميز .. شيء لا تملكة .. وعندما قادته قدماه لمحل بيع الهواتف النقالة خطرت باله الفكرة وشرع بتنفيذها .. وصله صوتها البارد وهي تجيب دون ان تنظر له
- صباح النور
مد يده دون مقدمات وقال
- تفضلي !
نظرت لذلك الصندوق المستطيل الأبيض وأجابت وهي تكتف ذراعيها
- ما هذا ؟!
قال بصبر وابتسامة صباينة تزين وجهه الوسيم
- هاتف محمول !
لتجيبه بلامبالاة وهي تزم شفتيها بعبوس بينما الفضول يكاد يفتك بها
- اعرف انه هاتف محمول .. لكن ماشاني به ! لماذا تعطيه لي !!
أجابها ببساطة
- انها لكِ !
قلبها اخذ يخفق بعنف ... نسيت غضبها منه ونسيت هذه الكتلة الرجولية التي تقف أمامها بطوله الفارع وجسده المفتول الذي اظهره قميصه الزيتوني وبنطاله الجينز الأزرق الذي يرتديه ...رفعت حاجبيها بترفع كاذب وقالت
- وما مناسبته ؟!
تنهد بعمق زافراً الهواء الحار من رئتيه
- عربون محبة ... اقصد ... امم ... هديه مصالحة !
رمقته بصمت وتعجب ليكمل
- حسنا بسبب ماجرى البارحة !
التفتت تنظر للحطب المتكدس على الارض وهي تقول ببرود مصطنع ...بينما مارست سيطرة عجيبة على نفسها لكي لا تلتقط الهاتف وتتقافز حوله فرحاً وسعادة ...فهي لأول مرة تمسك هاتفاً بيدها والأدهى من ذلك سيكون لها بأسمها وحدها
- لا اريد منك شيئاً ..لقد جرحت مشاعري امامهم وقلت بأني قليلة الادب ... مئات لا بل الاف الهواتف النقالة لن تداوي جرحي قلبي الملتهب

هو يعرف جيداً ان الحق معها وهو فعلا اخطأ خطئاً فادحاً ... قال بتنهيدة عميقة
- انا آسف حبيبة ..ارجوك سامحيني
لم ترد عليه وظلت تدعي الجمود والبرود ...ليكمل برجاء وصوت ابح خافت جعلت الحرارة تجتاح جسدها الصغير بالكامل
- هيا حبيبة خذيه ارجوك ...انها هدية ... والنبي علية الصلاة والسلام قبل الهدية !
نظرت له مقطبة وقد بدا التردد بعينيها اللامعة ليمد يده مرة اخرى قائلا
- هيا ..هيا ..خذيه ارجوك .. بالله عليك !
تنهدت بمسكنة وهي تلتقطه من يدها هامسه وكأنها تأخذه مرغمة
- عليه افضل الصلاة والسلام ! فقط لو لم تحلف !
لم يغادر المكان بل ظل واقفاً يراقبها كيف تتفحص الصندوق بفضول ليحثها قائلا بحماس ولهفة
- افتحيه لتري ذوقي
اومأت وهي تفتح العلبة ..اخرجت هاتفاً فضي اللون له شاشة مستطيلة ...شكله كان رائعاً وانثوياً ... ضغطت على الزر الذي يحتويه الهاتف في اسفله لتظهر لها صورة زهير وهو يبتسم ابتسامة واسعة وعيناه العسليتان تتألقان وكأنهما بركتين من الشكولاته الفاتحة ... قفز قلبها واخذ يرقص رقصات بهلوانية في صدرها ...يا الله كم هو وسيم ورجولي ...ادعت الضيق وعبست بملامحها وهي تجيبه بحدة وتساؤل
- ماهذا !
نظر لها ببراءة وقال
- ماذا!!!!
رفعت يدها واخذت تلوح بالهاتف امامه وقالت بسخرية
- لماذا صورتك في خلفية هاتفي ؟!
اجابها بثقة وغرور
- وهل لديك مانع !!!!
تنهدت وهي تفكر بسرها صورتك مطبوعة بقلبي وعيني ..هي امامي اينما ادير وجهي ...فقط لو تعلم ايها الحجر العديم الأحساس ... اجابته بحدة
- اجل لدي مانع ..ماذا ان راؤها في هاتفي ماذا اقول ! بل ماذا سأقول لزوجتك تحديداً ان رأتها هي بالذات !!
قال بجدية وهو يضع يديه بجيبي بنطاله رافعا كتفه بلا مبالاة
- قولي زهير من وضعه بها ...
ليكمل مغيراً دفة الحديث بتعمد ومهارة
- لقد وضعت فيه شريحة ودونت به رقمي ...اياك ان تضيفي رقماً اخر فيه دون علمي فهمتي !
قطبت قائلة بتعجب واستنكار ...لاااااااا لقد تمادى فعلا ..هل سيذلها بهذا الهاتف الجميل الرائع الذي لم تحلم بأمتلاك اصغر منه
- ولماذا لا اضيف ؟! هو هاتفي وانا حرة فيه اليس كذلك ؟!
امال رقبته وحدجها بنظرة مظلمة وقد عبست ملامحه بصورة مخيفة
- ومن تريدين ان تضيفي فيه يا حبيبة خانم !!!
اجابت ببراءة تامة وهي ترفرف بأهدابها
- تبارك ...غسق ..وليد ...وحتى رقم زوجتك
قال بحدة وغضب
- تبارك وغسق لابأس ..وليد وسلمى ..لالالا .. استبعديهم كلياً فهمتي !
اجابت بدهشة وهي ترفع حاجبيها الهلاليان
- ولماذ !!!
هتف غاضباً وبجدية تامة
- هكذا ..لا تضيفيهم وكفى ...
كانت ستجادله اكثر لكن صوت خالتها قطع عليهم الكلام
- هيا حبيبة ...ضعي الحطب في الفرن ..بسرعة
ثم نظرت لزهير قائلة بتعجب
- اهاااااا انت هنا يا ولدي ... من الجيد انك مستيقظ مبكراً حتى اعطيك بعض الارغفة الحارة لتفطر بها انت وزوجتك !
كانت حبيبة تشرع بوضع الحطب في الفرن الطيني بعد ان دست الهاتف في جيب معطفها الصوفي ... راقبها بأنتباه ...كل ما تقوم به هذه الفتاة اصبح يعشقه رغما عنه ..ليجيبها وهو لايزال يسلط نظراته عليها
- سأجلس هنا معكم امي واكسر الحطب ايضاً
تقدم ناحية حبيبة قائلا
- ابتعدي سأبدأ بكسر الحطب !
كانت دهشة حبيبة لا تقل عن دهشة والدته التي ابتسمت بغباء فدائما وليد هو من يكسر الحطب لهم .... هذه هي المرة الاولى التي يتطوع زهير بهذا العمل ... قالت بحنان ورقه
- بارك الله بك يا ولدي ورزقك الذرية الصالحة
جلست كلا من حبيبة وخالتها وقد بدأتا بتقطيع العجين ووضعه في صينية كبيرة ملونة مصنوعة من اوراق النخيل ... بينما عادت الانقباض يعتصر قلب حبيبة من جديد عندما سمعت دعاء خالتها لزهير بالذرية الصالحة ... ترى هل حقاً سيرزق بطفل من سلمى !! هل حقاً اصبح زهير من نصيب غيرها وانتهى كل شيء !
بالمقابل ظل زهير معهم بحجة انه يريد استنشاق الهواء الصباحي المختلط برائحة الخبز الطازج ... لكنه في الحقيقة وقف ليراقبها صامتاً .... لقد اصبحت تصرفاته طائشة وكأنه مراهق صغير السن !!!! رباه لم يكن يعرف ان الحب والعشق يجعل الشخص يطير في السماء العالية وكأنه يمتلك جناحين كبيرين !!!!!!!!!
.......................
...........................................
الميتم
............
يجلس في مكتب المديرة التي كانت تركز على الأوراق والصور التي ناولها اياه منذ برهة ... بينما معاذ يفكر بملك ... لا يستطيع الانتظار اكثر ..هو مشتاق لرؤية صغيرته واحتوائها بين ذراعيه ... على الرغم من ان لشقيقه طفلان الا ان ملك كانت الاقرب له ... دائماً كانت تتدلل وتتغنج عليه ... وكأن تلك الطفلة الضئيلة تعرف بأنها نقطة ضعف عمها !!! ابتسم بحنان وهو يتذكر شقاوتها وكلماتها الطفولية المتلعثمة التي كانت تهتف بها ما ان تراه !!! ترى هل ستتذكره ام ان هذه الاشهر القليلة انستها عمها معاذ الذي كانت تهرع اليه ما ان يقرعها احد والديها !!
قالت المديرة وهي تقطع الصمت المطبق في المكتب
- اهلا وسهلا بك سيدي ...الأوراق كلها سليمة واصولية ..
اومأ قائلا بهدوء
- اذن هل استطيع ان أأخذها اليوم ؟!
اجابت بتأكيد
- اجل بكل تأكيد سيد معاذ لا شك بتاتاً من صلة القرابة التي تربطك بها ...
ضغطت على زر صغير ثم قالت
- ثانية واحدة وسأستدعيها !
وبالفعل طلبت احضارها ... لم يمضي الا عدة دقائق لتدلف الى الغرفة وهي تمسك دب صغير رمادي اللون بيد بينما يدها الاخرى تحتضن يد المعلمة التي احضرتها ... وما ان رأته حتى هتفت وهي تفلت يدها وتركض ناحيته بسعادة وفرح هاتفة بنبرة طفولية بينما هب هو واقفاً ليستقبلها بأبتسامة واسعة وسعيدة
- عمي مواذ ..عمي مواذ ...
تقدم بخطوتين واسعتين ليلتقطها ويرفعها عالياً بضحكات رجولية آخاذة وهو يبالها الهتاف
- يا روح عمو معاذ انت ..اخير وجدتك طفلتي الصغيرة ... كنت اعلم انك بخير ..كنت اعلم !
ابتسمت كلا من المديرة والمعلمة على هذا المشهد المؤثر وبات مما لايقبل الشك بأن هذا الرجل هو عمها بالفعل ... التفت لها معاذ وهو لايزال يحمل ملك بين ذراعيه قائلا بسعادة وحماس
- اذن سيدتي .. هلا بدأت بأنهاء الإجراءات اللازمة لكي أخذها معي ؟!
اومأت قائلة ببشاشة
- بكل تأكيد سيدي والان حالا سأبدأ إجراءات استلامك لها !
........................
...........................

“أخاف أن أحبك ، فأفقدك ثم أتألم
وأخاف أيضا أن لا أحبك .. فتضيع فرصة الحب فأندم !
أعيش معك حالة لا توازن ..منذ عرفتك حياتي تسير بإنتظام
فيما - قلبي - تسوده الفوضى
منذ عرفتك أحس أنني معجبة بك الى آخر حدود الإعجاب
فيك أشياء أحتاجها في هذا الزمن ، وجدت فيك ماكان ينقصني ويُكمل بهاء روحي وصفاء عالمي ..
لكنني أخشى من النهايات دوما ! فأنا إمرأة تعودت دائما أن تفقد أي شئ تحبه
وهذا مايجعلني أخاف كثيرا كثيرا
.................
وصلت لمنزل عبد العزيز وقلبها يخفق بعنف ... اليوم قررت ان تأتي لزيارة رونق بعد انتهاء عملها في المصرف .... لم تعد تطيق الصبر .... تريد ان تعرف اخباره ... له الان عدة ايام وهاتفه لايزال مغلقاً ... هناك مكروه أصابه .. قلبها يحدثها بذلك ..خاصة وان الانفجارات كانت مكثفة في بغداد بهذا الاسبوع !!
بمجرد ان تتصل وتجده مغلقاً يصيبها الذعر والشحوب ...لاتعرف ما هو المسمى الذي يجب ان تطلقه على مشاعرها تجاه عبد العزيز !!!
في الفترة الماضية استطاع ان يزلزل كيانها ... ويشغل تفكيرها كما لم يفعل شخص اخر ابداً !
تحبه ؟! ربما اجل ..ربما لا ... او ربما هي خائفة من الاعتراف بهذا الحب !
خائفة ومترددة كمراهقة صغيرة ... ربما حتى المراهقة تمتلك قلباً شجاعاً ...جريئاً حاسماً ... افضل منها !!
تريد اثبات او برهان لكي تحسم امرها ... اثبات قوي ولا تعرف كيف السبيل لذلك !
ضغطت على جرس الباب وانتظرت قليلا ...لم يمضي الا دقائق حتى خرجت رونق لتتقدم عبر الممر الأسمنتي الصغير وهي تبتسم بسعادة ...فتحت الباب قائلة
- اهلا ...اهلا..وانا اقول لماذا اليوم جميل منذ الصباح وله طعم اخر و مختلف!
دلفت تبارك ثم احتضنتها بقوة وهي تقول ببشاشة
- كيف حالك رونق اشتقت لك
ابتعدت رونق عنها قليلا ثم اغلقت الباب وقالت بأبتسامة صغيرة
- تعالي الى الداخل لدينا الكثير لنتكلم عنه
......................
.....................................
يجلسون حول طاولة الطعام يأكلون بصمت بينما تلك النظرات الدافئة التي يتبادلاها كلا من غسق ووليد لم تفتها ابداً ... تباً لهما ...لا بل تبا لهم جميعاً ...لما عليهم ان يعيشوا بسعادة وهدوء وهي تكاد تتميز غيضاً وتعاسة مع زوجها البارد ..الذي للأن ينام جانبها وكأنه كتلة من الحجارة لا يشعر ولا يحس ... رغم كرهها وعدم تقبلها له ... ومنذ البداية كزوجاً لها ... الا ان تجاهله هذا يجرحها كثيراً ...فهي لاينقصها الجمال ولا الأنوثة لكي يعاملها بهذه الطريقة الباهته ...تلبس له قمصان النوم المغرية ...وتتعطر من اجل ان تحرك رغبته بها الا انه حتى لاينظر لها ...يتكلم معها ببرود يبصق الكلمات عليها بصقاً ... وكأنه مرغم على تحمل وجودها !!! من يظن نفسه !!!

رغماً عنها ...تحرك لسانها ... رغماً عن إرادتها وكأنها ارادت ان ترمي حجراً في هذه البحيرة الهادئة ..تريد ان تعكر صفوها مهما كلفها من ثمن ... لتقول كاذبة بهدوء
- اممممم خالتي ...البارحة وانا اتجول مع امي بأحد الاسواق شاهدت زوجة وليد .. وقد طلبت مني ان ابلغك سلامها
الكل رفع رأسه ... وليد وسعاد وسعدية وحتى زهير وحبيبة ....
شعر وليد وكأن الهواء سحب من رئتيه ... لا بل سحب من الغرفة كلها ... قطب حاجبيه بصمت وتجهم ...بينما التقت نظراته بنظراتها النارية التي اخذت ترمقه بها ... وجهها اصبح شاحب جداً ... تنفس بصعوبة وكأنه يعاني من الم في صدره ... مالذي فهمته الان ! بالتأكيد فهمت بأنه متزوج وقد ابقى الامر سراً عليها ليخدعها !! غسق ويعرفها جيداً ويعرف مدى تهورها وتسرعها بأطلاق الحكم والقرارات ....
مشكلته الحقيقة الان انه لايريد ان يتذكر تلك الحقبة الزمنية من حياته البائسة ...حينما كان مخدوعاً من قبل من كانت تسمى زوجته ولفترة قصيرة ..قصيرة جداً ...
قطع الصمت المدقع المتوتر الذي ساد بينهم صوت سعاد وهي تقول ببرود وتهكم
- سلمها وسلمك الله يا ابنتي ... شكراً على حرصك بإيصال الامانة !
هذه ضربه دنيئة ووضيعة ..همسها زهير وهو ينظر لسلمى ..ترى هل تقصدت ذكرها امام الجميع خاصة وليد !!! لكن ما ادراها هي بأن وليد لايطيق سماع اسمها !! اذا كانوا هم لا يعرفون سبب طلاقه ونفوره منها ... فجأة بين ليلة وضحاها اعلن بأنه لايريدها وانه صرف النظر عن فكرة الزواج ! ربما هي مجرد مصافة فعلا !!!
ظلت تنظر له بجمود ونغزات حادة تطعن قلبها دون رحمة ... لم تعد تحتمل الجلوس معه في مكان واحد .... ترى ماذا يخبئ عنها اكثر !!! ربما لديه طفل ايضاً !!!
وقفت وهي تهمس بأختناق
- الحمدلله شبعت
ليشيعها وليد بنظراته التي اظلمت غضباً بينما انتبهت له والدته جيداً لتتنهد بضيق ... لقد تعب ولدها كثيراً ومارس على نفسه الكثير من السيطرة وضبط النفس لكي لا يقتل تلك المرأة التي كانت يوماً ما زوجته ...لا لم تكن زوجته فعلا بل ما ربط بينهما هو مجرد كتب كتاب استمر لشهر او ربما شهرين وانتهى بالطلاق بعد تلك الفضيحة التي لم يعرف بها غيرها هي وولدها وزوجها المرحوم ...فقط !
...............................
..........................................
دلفت لغرفتها وأغلقت الباب بقوة وهي تهمس بعدم تصديق وصدمة
- متزوج ؟!!!
اذن وليد متزوج !!! كيف ومتى !!! ما تشعر به ليس الغضب ابدا لكن شيء اخر يحترق دخلها ربما قلبها روحها ...
لماذا لم يخبرها احد ما ؟!!! لماذا ابقوا الامر سراً بينهم ؟!!!
كل تلك اسئلة كانت تدور بمخيلتها ... لكن كيف ستجد الإجابة ؟!!
كيف ستسأل تبارك او حبيبة دون ان تبين اهتمامها بالامر ! بكت !! رغما عنها دموعها هبطت على وجنتيها .... أنينها الداخلي اقوى وابشع من أنينها الخافت الذي تصدره !!
كيف خدعها طوال تلك الفترة ؟!! كيف جعلها تتعلق به كالبلهاء الساذجة ؟!!
الخائن الغشاش تبا له !!!!
...............................
.....................................
انتهت تبارك من سرد كل ما جرى خلال الشهرين الماضيين ... أخبرتها كل شيء وبمنتهى الصراحة والصدق ..فهي تثق برونق كثيراً وخلال الفترة التي عاشرتها بها ..عرفت وتأكدت من معدنها الأصيل الطيب ...يكفي انها اخت عبد العزيز !!
همست رونق بذهول وتأثر
- يا الهي يا تبارك ..أكل هذا يجري معكم ولم تخبريني لأقف مع غسق ومعكم !!
تنهدت تبارك واجابتها بلطف
- صدقيني لم يكن هناك متسع من الوقت لأتصل بك ... المصائب كانت تنهال فوق رؤوسنا الوحدة تلو الأخرى
قالت رونق بتساؤل واهتمام
- وكيف حال غسق ورضاب الان ؟!
أومأت تجيبها بهدوء
- غسق الحمدلله اصبحت بخير ... فقط رضاب وضعها اصبح صعباً ومقلقاً جداً
وقفت رونق ثم اتجهت للموقد تتأكد من نضوج الطعام وهي تقول
- كيف مقلق وصعب لم افهم ؟!
قالت تبارك تشرح لها وهي تتكأ على المنضدة
- تعلقت بملك حد الجنون والهوس ...حتى انها تسميها يقين على اسم ابنتها ... لا اعرف ..افكر بأن أأخذها الى طبيبة نفسية ..فعلا هي تحتاج لعلاج مكثف !
همست رونق بشفقة وهي تلتفت لها
- مسكينة ... فليكن الله بعونها ..من المؤكد والواضح انها تعرضت لصدمة حادة !
قلبت تبارك شفتيها بشرود
- لا ادري .... لكن اعتقد ان كلامك صائب !
كانت رونق قد بدأت بغرف الطعام في الصحون وهي شارده هي الاخرى مما شجع تبارك الى ان تنتهز الفرصة لتسألها ببراءة وقلبها ينبض بعنف
- امممم وانت ما اخبارك بغياب عبد العزيز الا تخافين البقاء وحدك ؟!
حملت رونق الصحون لتضعها على المائدة ثم جلست قائلة
- لا الحمدلله ... الجيران هنا ودودين جداً ويأتون لزيارتي باستمرار .. لكني قلقلة جداً على اخي !!
اجابت تبارك بقلق بينما انقباضه قوية ومؤلمة عصفت بأحشائها
- خيراً ماذا به ؟!
همست بخفوت بعد ان تنهدت بحرارة
- اااه يا تبارك ... ماذا اقول لك ... هاتف عزوز مغلق منذ عدة ايام ..وانا خائفة عليه !
ابتلعت تبارك ريقها الذي جف بسرعة بينما كانت تجاهد لتخفي شحوب وجهها ونبرتها المرتجفة وهي تجيب بهدوء
- لماذا لا تتصلين بأقربائكم في بغداد عل احد منهم يعرف عنه شيئاً ؟!
هزت رأسها قائلة
-ليس لدينا الكثير من الاقرباء ..ثم ان معظمهم منتشرين في المحافظات المجاورة يا تبارك ...
لتكمل بحزن
- فليحفظة الله ويعيده الي سالماً ...ليس لي في هذه الدنيا غيره !
اجابت تبارك بأبتسامة شاحبه وصغيرة
- بأذن الله سيعود سالماً ... ربما هناك ما يشغله ...
قضت بقيه الوقت وهي تدعي الاكل بينما عقلها وتفكيرها كله مع عبد العزيز ...الان ايقنت ان هذا الرجل له مكانه خاصة في قلبها ...لأول مرة تبارك الرزينة الهادئة التي تعدت الثلاثين بقليل ... تفقد السيطرة على مشاعرها المضطربة ...التي بدأت بالانجذاب نحوه هو دون غيره !
....................
............................

كانت كلا من سعاد وسعدية تجلسان في الطرف الخلفي للمنزل حيث حظيرة الماعز و قن الدجاج ... كانت سعدية تحاول سؤلها منذ عدة ساعات عن تلك المرأة التي قالت سلمى انها زوجته !!! متى تزوج وكيف هي لاتعرف بخبر زواجه ؟!!! اجلت حنجرتها وقالت
- سعاد هل لي ان اسألك سؤلا ؟!!
التفتت سعاد تنظر لها وهي تلقي ما بيدها من قمح للدجاج ...
- بالتأكيد عزيزتي
اجابت سعدية وهي مقطبه
- متى تزوج وليد ؟!!! ولماذا لم تخبروني !!! الحقيقة انا فعلا اشعر بالاستياء مهما كنت بعيدة عنكم ومهما كان اخي مقاطعا لي كان يجب ان اعرف ... بالنهاية انا عمته !!!
تنهدت سعاد قائله بحزن
- انت لاتعرفين مالذي جرى له .... زواجه لم يستمر الا لشهرين فقط !!
قطبت سعدية وقد احست ان هناك شيئا مريباً في الامر
- مالذي حصل ؟!!!
قالت سعاد بهدوء وجدية
- سأخبرك لكن عديني انك لن تخبري احداً ابداً !
اومأت سعدية قائلة
- اعدك واقسم اني لن اتفوه بحرف حتى ان سألتني غسق !
بدأت سعاد بسرد ما جرى قبل عدة اعوام مضت ... بينما سعدية لا تكاد تصدق ما تسمع ... ايعقل ان تفعل هذا بزوجها هل يوجد امرأة بهذا المكر والدهاء !!!!
قالت سعدية مشفقة
- وماذا فعل وليد ؟!!
هزت كتفيها بلامبالاة
- لاشيء فقط طلقها بهدوء من اجل والدها المريض ... كما ان وليد انسان عاقل يزن الامور بعقله لا بقلبه ... اتعلمين لو ان رجلا اخر رأى ما رآه وليد ما كان ليفعل ؟!!! على اقل تقدير كان ليفضحها ويشهر بها لكن ولدي اكبر من ان يفعل ذلك !!!
قالت سعدية بغل
- الحقيرة كيف تجرأت على فعل ذلك يا الله ...موقف صعب جداً فليكن الله بعونه !!
تسائلت سعاد بقلق واهتمام وهي تهمس بصوت خافت
- سعدية ..اخبريني الصدق ..هل ماجرى مع ولدي سيغير رأيك بشأن ..تعرفين ..موضوع الخطبة ... انا لو لم اثق بك لم اكن لأخبرك ابداً ...لكن انت دوناً عن الكل يجب ان تعرفي طبيعة ما جرى ... يكفي ولدي تحمل الكثير ومن حقه ان يحضى بالسعادة !
هتفت سعدية بصدق حقيقي
- كلا طبعاً مالذي تقوليه ..بالعكس ... من بعد ما عرفت مافعله أزدت اعجاباً به وبرجولته ..حفظ الله له شبابه ..وجعل ما فعله في ميزان حسناته
.......................
.................................
ينظر لرموشها المبتلة بالدموع .... كانت تبكي بهستيرية ...عندما حاول إخراجها من الميتم تصرخ وتنادي امي ..اريد امي .. في البداية ظن انها تقصد والدتها رحمها الله ... لذلك اخبرها بصبر وهو يحاول تهدئتها بأستماته
- حبيبتي والدتك ذهبت الى السماء و....
قاطعته صارخة بقوة
- لاااااااااااااااااااا امي البارحة احضرت لي السكاكر ومشطت شعري ...قالت بأنها تحبني ولن تتركني ابدا ..ابدااااااااااا !!!
هدئها قائلا بلطف
- حسنا ..حسنا حبيبتي سأفعل كل ماتريدين فقط كفي عن البكاء
وعندما هدئت صرخاتها وهي تشهق بخفوت بينما يدها الصغيرة تفرك عينها الدامعة بقوة ... التفت ينظر للمديرة التي كانت تقف خلفه وحيرتها وارتباكها جعل الشك يساوره لينهض قائلا لها بتساؤل
- هلا افهمتني مالذي تقصده بكلامها هذا !!
همست بخفوت وارتباك
- حسناً سيد معاذ ..في الحقيقة ..كان هناك سيدة تأتي يومياً لرؤيتها وللاهتمام بها ..كانت تحبها كثيراً ..وقد تعلقت بها ملك بصورة كبيرة جداً ..حتى انها كانت تناديها امي ...

كان يستمع لها بذهول واستغراب ... لم يكن أمامه خيار لكي يقنعها بالسفر معه الا بالحيلة ...فقد اقسم لها ووعدها بأنه سيرجعها بعد ان تزور جدتها وتسلم عليها ...وبعد جهد جهيد .... وبعد ان اخذت منه عهداً وقسماً غليضاً وكأنها فتاة كبيرة لا طفلة لم تتعد الخامسة من عمرها وافقت على مرافقته ..غير انها ظلت تذكر اسمها كل نصف ساعة وكأن تلك المدعوة رضاب فعلا والدتها الحقيقية ..عجيب مايحصل لها ..أمن الممكن لطفل صغير ان يتذكر شخص التقاه قبل بضعة اشهر وينسى والدته التي انجبته وعاشت معه لسنوات !!!
ربما يعود تصرفها هذا بسبب طبيعة زوجة اخيه الجافة نوعاً ما بتعاملها مع أولادها !!! فهم كانوا يسكنون معهم في نفس المنزل اي منزل العائلة ..وكان يرى بعينه كيف تعامل طفليها ... كان الوقت الذي يقضوه مع جدتهم اكثر بكثير من الوقت الذي يقضونه معها !!!
تنهد وعاود النظر اليها وهو يهمس بصبر
- ستنساها ...بالتأكيد ستنسى ما ان ترى جدتها من جديد ... وأسجلها في روضة الأطفال لتختلط بأقرانها .... اجل هذا ما سيحصل فالأطفال ينسون بسرعة !
.............
...........................
الأيام تسير ببطء شديد عليها .... منذ اخر مرة قامت بزيارتها وهي منطوية على نفسها في غرفتها ... لها الان يومان وهي لم ترى يقين ...يومان وهي تعيش وكأنها بصحراء قاحلة ... ارادت ان تجرب كيف هو شعورها فيما لو فارقتها ...لكنها لم تتحمل ...لم تستطع ان تنساها .. فما ان دلفت تبارك للغرفة حتى هتفت رضاب بعينان دامعتان
- تبارك ..ارجوك خذيني الى الميتم اليوم ... لم اعد اتحمل فراقها !
ابتسمت تبارك وتقدمت لتجلس جانبها قائلة
- حاضر يا رضاب ..بأذن الله سنذهب ..فقط استرخي واستريحي وكفي عن العبوس والبكاء !
اومأت وهي ترخي جسدها على السرير تنظر لها بانكسار وتعب ....
لها الان شهر ونصف على وصولها من لندن ..وحالتها من سيء لأسوء ...لقد ظنوا ان تلك الطفلة ستكون طوق النجاة لها الا ان ماجرى صار العكس تماماً ..فهي متعلقه بها لدرجة مرضية ... ترى ماذا ستكون ردة فعلها ان ذهبت ملك الى عائلتها فعلا !!!
كانت تبارك تنظر لها وتلك الأفكار تعصف داخلها ولا تجد حلا ولا مهرباً منها !
...................
...........................
اختفت ابتسامتها وهمست بشحوب
- غادرت !! ماذا تعنين !
اجابت المديرة بهدوء
- غادرت مع عمها ...جاء لاستلامها قبل عدة ايام !
صرخت رضاب بقوة وجنون وهي تتقدم لتضرب سطح المكتب
- كيفففففففففففف .....كيفففففف تدعيها تغادر يقين ابنتي ..ابنتي انا ....
اجابت المديرة بهدوء وصبر
- ليست ابنتك سيدة رضاب ..ليست ابنتك
همست بعينان غارقتان بالدموع
- لماذا فعلت ذلك !!! لماذا !!!
تقدمت تبارك وهي تنظر للسيدة عبير باعتذار
- اهدئي رضاب ...اهدئي عزيزتي .... كلنا كنا نعرف ان لملك عائلة وستأتي حتما لأخذها !!!
التفتت تنظر لها ودموعها تنسكب على خديها بغزارة
- ك..نت ..كنت ..تعلمين ذلك ؟ كنت تعلمين انها ... ر...حلت ..
هزت تبارك رأسها وقالت بصدق
- اقسم بأني عرفت الان معك ...
انتقلت نظرات رضاب بينهم بجنون ثم قالت
- من يقول انه فعلا عمها ؟! ربما ..ربما مخادع وكاذب ربما رئيس عصابة او ..او
قاطعتها عبير مشفقة على حالها وحال تلك الصغيرة التي اختنقت من شدة بكائها وصرخاتها وهي تناي على رضاب بأمي تعالي اريدك ..والذي بذل عمها مجهوداً جباراً بأقناعها كي تذهب معه .. !
- لقد تأكدنا من هويته وحتى الطفلة تعرفت عليه فعلا ... ارجوك سيدة رضاب ... اهدئي
صرخت وهي تتراجع الى الوراء
- لا تطلبوا مني الهدوء لقد اخذ ابنتي ابنتي ..هل تفهمون سرق ابنتي !!!
ثم تركتهم وغادرت بسرعة لتستأذن تبارك قبل ان تلحقها مهرولة خلفها بذعر ...امسكتها قبل ان تندفع الى الخارج لتقول وهي تلهث
- رضاب ..رضاب ..عزيزتي ..فقط اهدئي واسمعيني
التفت رضاب بينما الدموع تتدحرج على وجنتيها بغزارة
- لقد اخذها مني يا تبارك ..لقد اقتلعوا قلبي للمرة الثانية .. اقسم بأني تعبت ولم يعد لي طاقه لأتحمل ...
تقدمت تبارك ثم سحبتها الى الردهة لتجلسها على احد المقاعد ...ثم جلست جانبها وهي ترفع يدها لتمسح دموعها برقه
- اسمعيني جيداً رضاب ..انت اهدئي فقط وانا اعدك بأن ..أن ... يكون كل شيء على مايرام
هزت رضاب رأسها وقالت بخفوت وهمس مبحوح
- كيف ..كيف سيكون كل شيء على مايرام وقد اخذوها مني ... كيف ؟!!!
ابتسمت تبارك وقالت بينما داخلها تدعو بتضرع ان تصدقها وتتماسك قليلا
- س..سأأخذ ..رقم الهاتف الخاص بعم الطفلة ..و..و.. سنتكلم معه ..لكي .. نعرف عنوانها و .. ونكلمها ... باستمرار ...ها ...ما رأيك ؟
زاغت حدقتيها بوجه تبارك ثم همست بارتجاف
- وهل سيسمحون لنا بذلك ؟!
اومأت تبارك مؤكدة
- ان شاءلله سيسمحون ..انت فقط اهدئي وكفي عن الصراخ والبكاء ..ثم
همست لتكمل بخفوت وهي تقرب رأسها من رضاب
- ثم هل تريدين ان يقولوا عنك مجنونة !!!
هزت رضاب رأسها نفياً بينما عيناها تنظر لتبارك ببراءة طفلة صغيرة لتكمل تبارك مبتسمة
- أحسنت ..هكذا أريدك ..هادئة وقوية وصبورة ... وسنجد الحل لهذه المشكلة !
...........................
...........................................
مضى يوميان .. يومان منذ ان عرفت غسق بأمر زواجه البأس .... وهي مستمر بإتقان التجاهل ... تغيرت ... عادت مرة اخرى لبرودها ونفورها ... ما ان تراه حتى تدير وجهها وتهرع هاربة من أمامه ....ما بناه معها خلال الأسابيع المنصرمة تهدم في ظرف يومين بل تهدم بنفس اليوم !
لا تعطيه الفرصة لكي يكلمها ... كيف يكلمها وهي كالسراب تتلاشى من امامه كلما اقترب ؟!!
هل جميع العاشقين يتألمون ؟!!
هل كل من عرف الحب يتلوى بناره ؟!!
مالذي فعلته به هذه الطفلة ؟!!!!! اجل طفلة بالنسبة لرجل تعدى الثلاثين بمراحل !
شاهدها من نافذة مكتبه ... تقف في الحديقة ترتدي معطفا صوفيا بني اللون يصل لركبتيها وتلف حول رقبتها وشاح اسود .... كنت توليه ظهرها .... ماذا تفعل بهذا الوقت في الحديقة ؟!
نظر لساعة معصمه انها الحادي عشر مساءا الجميع لأذو لغرفهم ينشدون الرائحة والدفء خرج من مكتبه متجها إليها يجب ان يتحدث معها يفهمها الحقيقة ... ربما ما تظنه به ألان هو انه ... كاذب مخادع او او او ألاف الكلمات حطت برأسه جعلت الدماء تفور داخله بقوة ...وألم
...................
..............
ابسمي لي تبسِم حياتي وإن كانت مليئة بالشجون
انصفيني كفري عن ذنوب الناس طراً فإنهم ظلموني
اعطفي ساعة على شاعر حر رقيق يعيش عيش السجين
أخذتني الهموم إلا قليلاً أدركيني ومن يديها خذيني
كل ما في الوجود من عقبات عن وصولي إليك لا يثنيني
احمليني كالطفل بين ذراعيك احتضاناً ومثله دلليني
وإذا ما سُئلت عني فقولي ليس بدعاً إغاثة المسكين
لستُ أماً لكن بأمثال " هذا " شاءت الأمهات أن تبتليني
" الطميني " إذا مجنت فعمدا أتحرى المجون كي تلطميني
واذا ما يدي استطالت فمن شعرك لطفا بخصلة قيديني

الشاعر العراقي
محمد مهدي الجواهري
..............
لا تستطيع النوم ...غيرة ...الم ..عذاب ..قهر ..خذلان.. ومرارة كلها تجمعت واختلطت وشكلت صخرة كبيرة تجثم على روحها العاشقة .... أخبرتها والدتها بصورة مبهمة بأن وليد مظلوم وانه حتى لم يتزوجها ما جمع بينهما عقد قران وانتهى بالطلاق بسرعة
لكنها لاتسامحه .... لاتستطيع ان تصدقه ... لقد كذب عليها !!!
اجل كذب كان عليه ان يخبرها بماضيه حتى لو .... حتى لو .... حتى لو ماذا ؟!!!!
بأي صفة يخبرها ولماذا ؟!!!! هي بعينه مجرد طفلة صغيرة ربما لم يهتم لتغيرها او ربما لم يلاحظ هذا التغير من الاساس ؟! ربما كذب عليها بشأن حبه ايضاً !!!
لكن لالا مستحيل ...لم تكن لتخطأ نبرته الصادقة ولا نظراته الدافئة الحنونة ! هو يحبها .. اجل يحبها ..لكن حتى لو ...لماذا كذب عليها !!!!

لم تهتم للوقت المتأخر الذي شارف على منتصف الليل .... جسدها بدا وكأنه مخدر من شدة الالم ...ليت ذلك الخدر ينتقل لقلبها ليت ذلك البرود يصيب مشاعرها الحارة المتقدة ناحيته ....... داعب وجهها الهواء المعتدل نسبيا .. فهاهم سيودعون الشتاء الطويل البارد ويستقبلون شهر مارس ...الثلج بدأ بالذوبان .. يذوب ببطء شديد تماما كذوبان روحها الشابة التي ومع مرور كل تلك المآسي والأحداث الماضية أصبحت باهتة ..صفراء ... وشاحبة ..تماما كما الخريف الحزين
- غسق
تصلب ظهرها واتسعت عيناها ... هل تتوهم صوته ام انه فعلا همس اسمها ؟!!!
هل هو حلم ام خيال ؟!!! هي تتجنبه منذ عدة ايام ولا تريد رؤيته ... رغم اشتياقها اليه ... لاتريد .. فما ان تلمحه تتذكر كل شيء وتلك الوساوس تعود لتعبث بعقلها فتثير مشاعرها لتؤجج النار الخامدة من جديد !!!!!
صوته الرجولي الأجش عاد ليخترق سكون المكان
- غسق .... اريد ان اتكلم معك قليلا ؟!!!
وكأنه بكلماته تلك اعادها لصوابها الذي شتته قربه منها التفتت تنظر له بلامبالاة استطاع ان يلمحه رغم ان المكان شبه مظلم
- انا آسفة اشعر بالنعاس
مشت جانبه لتكمل
- تصبح على ......
لكنها بترت عبارتها عندما احست بقبضته على معصمها ... حاولت افلات يدها غير انها لم تستطع ليكمل هامسا بأصرار ....
- ارجوك غسق لن أأخرك كثير
نبرته صوته الرجولية الممزوجة بالرجاء ... جعلتها تقف بصمت ... كانت حائرة ... أتتجاهل طلبه وتهرع الى غرفتها تغلق الباب وتعاود البكاء بصمت ام تسمع ما يريد قوله .. لترتاح وتطفئ نيران الغيرة المشتعلة داخلها !!!
صمتت وهي متصلبه مكانها ... وكأنها بصمتها هذا تعطيه الاذن بالكلام ليكمل وهو يترك يدها ببطء
- حسنا سأبدا بسرد كل شيء منذ البداية .... ارجوا ان تستوعبي وتفهمي كل ما قوله ... لكن هلا دخلنا الى المنزل اعتقد ان الجو بدأ يبرد قليلا !!
استدارت تنظر له وهي مقطبة ثم قالت بعناد ارعن رغم صحة ما قاله
- لا ...... انا افضل ان تتكلم هنا وبسرعة من فضلك لا وقت لي !!!
تنهد بعمق وصبر تلك الصغيرة تستغل ضعفه تجاهها يقسم بانها تستمتع بما تفعله به .... بل يقسم انها تعرف جيدا بانها نقطة ضعفة الوحيدة ....
قال بهدوء وهو يضع يديه بجيبي بنطاله ثم تقدم للأمام ليعود بذاكرته لذلك اليوم الذي وافق على تلك الفتاة التي اختارها له والده والتي كانت ايضاً ابنة صديق له
- عندما خطبتها كنت كمن يؤدي واجباً او امراً مجبر عليه ..اجل يا غسق كنت مجبراً ليس لضعف مني بل لاني وصلت لسن يؤهلني للزواج حسب وجهه نظرهم ... تم كل شيء حسب الأصول المتعارف عليها ..وتم عقد القران بسرعة قصوى ... والفتاة يشهد الله اني لم اختلي بها ولم المس يدها حتى ... الا حينما البستها شبكتها فقط ...كنت اطمئن عليها واكلمها كما هو المتعارف عليه بين المرتبطين ..مجرد واجب يجب علي ان أأودية ... اااه يا غسق ...صدقيني لم تدنؤ نفسي عليها ابداً رغم انها كانت مقبولة الشكل ...

يارب الهمني الصبر ..همستها بسرها ومخالب الغيرة تنهش قلبها دون رحمة ولا شفقة ... كانت تود ان تصرخ قائلة له كفى ..كفى توقف لاتسرد علي مغامرتك مع امرأة شاركتني بك لحظة ... حتى لو لم تكن لها اية مشاعر ...لكنها صمتت مرغمة تريد ان تعرف بقية الحكاية ..ليكمل هامساً
- الحقيقة كان التقصير مني ..انا الملوم رغم خيانتها ...كان يجب ان اسألها ..هل أرغمت على القبول بي كما أرغمتُ انا !!! لكني لم اسأل ولم اهتم ..اساساً لم افكر بأحتمالية رفضها لي لانها بدت سعيدة وقانعة ...لكن ماحصل كان غير ما توقعته على الاطلاق
صمت قليلا وكأنه يفكر بشيء ما ثم اكمل
- بعد مرور اكثر من شهر ونصف على ارتباطنا وبينما كنت في المزرعة جاءني اتصال من ..من احد الأصدقاء ..يخبرني بأنه رأى خطيبتي تجلس بأحد المتنزهات مع شاب ...وهي بوضع ..وضع مخجل !! عندها لم اصدق ماسمعت ..لكني رغم ذلك ذهبت فوراً الى المكان الذي وصفه لي بدقة والذي لم يكن يبعد عن المزرعة الا مسافة قصيرة ... الطريق لم يأخذ مني سوى دقائق ..لكنها بدت لي ساعات طويلة ...
التفت لينظر لها مبتسماً بألم
- كانت بين أحضانه ...تتبادل القبلات .. تصوري ..في مكان عام بين الشجيرات ...تتبادل القبلات المقززة ..بينما الشاب كان .يلمس جسدها بطريقة مقرفة ورخيصة ...
ابتلعت ريقها بينما قلبها اخذ يخفق بجنون ... ثم همست بتأثر
- و..و .. كيف تصرفت حينها !
رفع كتفه بلامبالاة قائلا
- حسناً ..ربما ستصدمين ان قلت لكِ باني اكتفيت بضرب ذلك الشاب ..ضرباً اعتقد بأنه خرج منها بعاهة مستديمة ..لكن هي !!!! لم اطق لمسها او حتى تلطيخ يدي بقذارتها ...ظلت تبكي وتتوسل ان استر عليها وان لا افضح أمرها امام والدها ... ثم بدأت تهلوس وتقول بأنها تحبه منذ سنوات وانهم اجبروها على هذا الزواج ... فما كان مني سوى ان أطلقها بهدوء ...وعندما اردوا معرفة السبب ..قلت بأننا لم نتفاهم ... والديَ فقط من عرفا بالأمر ... لم اكن أريد لوالدتي بالأخص ان تعرف غير اني اضطررت لأخبارها بعد ان ألحت علي بالسؤال ... اما بالنسبة لصديقي الذي أوصل لي الخبر فقط أقسمت عليه ان لا يفضح اعراض الناس ..الدنيا سلف ودين يا غسق ... ومن ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة

انهى سرد كل ما حدث بينما غسق تشعر بشعور غريب ... لم يكن شعورها مؤلما بقدر ما كان متعاطفا وغاضبا .... كيف لفتاة ان تفعل ذلك ؟! الخيانة شيء بشع ... بشع بكل معانيه .. سواء كان الخائن رجل او امرأة .... يالله كم كبر وليد بنظرها .... كيف استطاع ان يتحمل النظر لوجهها !!! مجرد النظر فقط ....هي من مجرد الفكرة شعرت بالغثيان والقرف منها .... فكيف هو اذاً !
التفتت تنظر له بصمت ... يا الهي ...هل هذا الرجل الماثل أمامها حقيقي ام انه جاء من عالم اخر ؟! عالم الفرسان النبلاء ! الذين لا هم لهم الا اسعاد ومساعدة من حولهم دون مقابل ؟! تحبه ..وتعشقه ... وتنظر اليوم الذي ستكون له زوجة ...وتكتب بسمه ....
قال وليد بقلق وهو يلاحظ شرودها وصمتها الطويل
- غسق !!!! أأنت بخير ؟!
لم ترد عليه بحرف ...تنهد بحرارة ثم همس بهدوء
- حسناً غسق ... ها قد اخبرتك كل شيء ولك حق التصديق او ...
قاطعته بهمس خافت بالكاد يسمع ...شفتيها تحركتا بعفوية .. الكلمة انطلقت من قلبها قبل لسانها
- ا...نا موافقة !!
قطب بفضول ...هل ما سمعه حقيقي ... لالا اكيد انه مخطئ ... قلبه هدر بعنف شديد وهو يتقدم منها قليلا ليسألها بذات الهمس المشابه لهمسها
- ماذا !!! ماذا قلتِ !
رفعت نظراتها الدامعة وهي تقول بابتسامة عاشقة
- انا موافقة على الزواج منك يا وليد
..................
...........................................
بأحد المستشفيات الحكومية في بغداد
.........
- ماذا سنفعل معه دكتور ؟!
سألته الممرضة وهي تنظر لجسده المسجى على السرير ... الضمادات تغطي رأسه بينما يده اليمنى وقدمه اليسرى مجبرتان ... حاله كحال الاف الشباب الممددين بلا حول ولا قوة ..لكن الفرق هو ان اغلب عوائل الجرحى والمصابين قد حضروا لاستلام أولادهم الا هو !
اجابها وهو يفحص عينيه بمصباح ضوئي صغير
- لا حل أمامنا الا الانتظار الى ان يستيقظ من الغيبوبة .... لا يمتلك اية أوراق ثبوتية ولا حتى هاتفاً محمولا ....لكي نتصل بعائلته
اعتدل بوقفته قائلا بشفقة
- الظاهر انه فقدها اثناء الانفجار !
..................
.........................
نهاية الفصل الواحد والعشرون





Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 22-07-19, 10:19 PM   #82

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون
...................
دعيني أنادي عليك، بكل حروف النداء
لعلي إذا ما تغرغرت باسمك، من شفتي تولدين
دعيني أؤسس دولة عشقٍ
تكونين أنت المليكة فيها
وأصبح فيها أنا أعظم العاشقين
....................
صوت الزغاريد كانت تصدح في ارجاء المنزل ومنذ الصباح الباكر ... تذكرت سعاد ماجرى ليلة امس عندما دلف الى غرفتها بلهفة ليخبرها بشأن موافقة غسق .... لأول مرة ترى ولدها سعيد بهذا الشكل ..كانت عيناه تلتمع ببريق يخطف الانفاس ... ارادت في حينها ان تزغرد وتوقض كل من في المنزل ليشاركوها سعادتها المنتظرة ...الا ان وليد هدئها وطلب منها الانتظار صباحاً ... لم تصدق فعلا ... لم تكن لتصدق انها اخيراً سترى زفاف ابنها البكري قبل موتها ... لولا علامات الحرج الرجولية المرتسمة على وجهه الاسمر لقالت انه يمزح معها .....
تلك السعادة التي التفت حول المنزل لم تزرهم منذ زمن طويل جداً ....حتى عندما تزوج زهير لم تشعر بهذا القدر الكبير من السعادة والحماس .....
اما سعدية فقد كانت تحتضن وليد تارة وغسق تارة اخرى تبكي بتأثر ...
كان يقف في وسط الصالة يتلقى التهاني الحارة من تبارك والدته حبيبة وزهير بينما عيناه تبحث عن عينيها ...كانت تبتسم بخجل ...تجلس بأقصى الصالة ....تتحاشى النظر ناحيته ...رباه كانت تبدو وكأنها زهرة ندية منعشة ونظرة ....
موافقتها التي سمعها بأذنه البارحة قبل ان تتبخر بثانية واحدة وتدلف الى الداخل جعلت الربيع يزحف لخريف حياته ... والروح تدب بجسده الميت ...اجل كان جسداً بلا روح الى ان نطقتها ... أمن الممكن ان حلمه البعيد سيتحقق بعد عناء طووووويل ! وقف بمالايقل عن الربع ساعة يحدق بأثرها شارداً ...متجمداً ....بينما نبضاته كانت تخفق ببطء شديد لتتحول الى دوي صاخب داخل صدره !
لا لن يصبر اكثر ليحضى بها ....يجب ان يعقد القران عليها وفي القريب العاجل ..هو لن يستطيع الصمود دون ان يحتضنها بذراعيه ويتذوق شفتيها الشهيتين !!
اجلى حنجرته ثم قال بصوت هادئ وعميق وهو لايزال ينظر لوجهها المحمر خجلا
- عمتي ....افكر في ان نعقد القرآن في الخميس المقبل اي بعد اربعة ايام ... مارأيك ؟!
التفت سعدية تنظر لأبنتها التي اطرقت رأسها وهبت واقفه لتفر من امامهم بسرعة لتجيبه بسعادة
- وانا لا مانع لدي ان كانت غسق موافقة
اومأ مبتسماً براحة
- اسأليها عمتي لأبدأ بأجراء ما يلزم بسرعة!
................................
............................................
لندن
................
خرج من بوابة المشفى بينما تسير جانبه شابه في مقتبل العمر ترتدي ملابس ضيقة جداً ...ابتسامة واسعة وماجنه كانت تشق وجهه الكريه ..يبدو عليه الراحة والسعادة ....وكأنه لم يفعل شيئاً ... في الأيام الماضية بل منذ سفر رضاب وحتى قبلها كان مختفياً ... الحقير يبدو وكأنه كان ينتظر ان تهدء الامور ليعود الى عمله مرة اخرى ...لا والأدهى من ذلك انه انتقل لمشفى اخر لكي يحلو له العبث براحة ...
لقد عرفت مكان عمله الجديد بصعوبة فهي اوهمت حارس البناية بأنها زبونبة وتريد ان تجري عملية جراحية لديه ....وبعد بحث دام لمدة يومين وجدت مكانه ... يعيش حياته سعيداً وهي مشردة ومحطمة والأتعس حااااامل بطفل منه .... طفل بائس يذكرها بخطيئتها الدنيئة المخجلة بكل ثانية تمر عليها !
لقد نسيت حتى ذكر ابنتيها ...نسيت رضاب وما فعلته بها ...فمهما يكن رضاب ذهبت لمكان ستعيش فيه معززة مكرمة ... متأكدة من ان سعاد ستغدق حنانها عليها ... ووليد ايضاً سيعاملها كشقيقته ...لطالما ورثو ابناء شقيقتها الحنان والطيبة من والدتهم .... هي مطمئنة على ابنتاها .. انهما بمكان آمن ... ليس مثلها ... تائهة ...ضائعة تجوب الشوارع وتنام في الانفاق المظلمة بعد ان نفذ مالها ... لقد فقدت كل ذرة لها للتعقل ..لا هم لها ولايشغل بالها الا شيئ واحد ...الا وهو الانتقام منه !!

فتحت حقيبتها تتأكد من وجود ذلك السكين الذي سرقته اثناء اكلها بأحد الأكشاك المنتشرة في الشارع ... كان سكيناً كبيراً وحاداً استخدمة البائع لتقطيع اللحم ...سيكون منظره رائعاً وهي تغرسه في صدره .... ان لم تستطع العودة الى الوطن والبدأ من جديد اذن فلتتخلص منه وتشفي غليلها ..
في الايام الماضية كانت تخطط وتفكر بكيفيه قتله ...ارادت الذهاب لشقته الا انه انتقل منها ايضاً ... الوغد اخذ جميع احتياطاته .... لكنها لن تتركه ..فلتحل عليها اللعنة ...اضعاف مضاعفة ان تركته يهنئ بحياته دون ان يدفع ثمن ما فعله بها !
ما ان ابتعد عن بوابه المشفى عدة امتار قليلة حتى اندفعت بقوة لا تعرف كيف ومن اين جائت بها ولا كيف نزلت عليها فجأة ... لتغرس السكين بكتفه لكنه استطاع ان يلتوي ويمسك معصمها بقوة رغم غزارة الدماء الا انه كان قوي ...الوغد الحقير كان قوي جداً ..وتلك الفتاة الغانية ملأت الشارع بصوت صرخاتها الهستيريه وهي تطلب النجدة ... ليسارع رجال الامن الخاص بالمشفى بأمساكها من ذراعيها وهم يهتفون بلغة انكليزية باردة بأن تهدء وترمي السكين من يدها الا انها كانت مشغولة بالنظر اليه وهي تقول بتشفي
- تستحق ..تستحق تلك الطعنه ياليتك تموت ..تموت ...
ليصرخ همام بالمقابل وهو يضغط على جرحة الذي مما يبدو انه سطحي ولم يؤثر به
- مجنونة ...مجنونة ..هذه المرأة مجنونة ...خذوها الى مشفى المجانين ...وجودها في الشارع خطر ...خذوها بسرعة
بالفعل قيدو معصميها ثم اقتادوها الى غرفة الحرس .... جلست بهدوء غير انها كانت تبتسم بسعادة ... ربما ما تشعر به الان هو خليط بين السعادة وخيبة الأمل .... السعادة لانها اصابته فعلا ... وخيبة الأمل لأنه لم يمت .... ذلك الوغد لم يمت ...متشبث بالحياة ... لكن لابأس ستحاول مرة اخرى ... واخرى واخرى ... الى ان تنجح . ...
...................
..............................
البصرة مساءاً
............
كانت تجلس تنتظر ولدها بترقب وتصميم ... صحيح هي سعيدة بل تكاد تطير سعادة برجوع حفيدتها الغالية الا انها لم تعد كما كانت ...لقد تغيرت كثيراً ... دائمة البكاء والتذمر على اقل كلمة تقولها ... لاتأكل الطعام الا بعد ان تتوسلها وتتعبها بالجري ورائها ... والادهى من ذلك هو صراخها المستمر الذي يرج اركان المنزل وهي تصرخ بقوة اريد امي ... اريد امي .. لقد اخبرها ولدها بأمر تلك المرأة المدعوة رضاب وهي بالفعل شاكره لها اهتمامها بحفيدتها ...الا ان مايحصل الان اصبح لايطاق فعلا ....ويحتاج الى حل سريع و فوري

دلف معاذ مساءاً الى المنزل لتستقبله والدته قائلة بتعب وهي تجلس في الصالة ترتدي اسدال الصلاة .. مسبحتها الطويلة تستريح بين اناملها
- جد حلا لهذه المشكلة التي نحن فيها يا معاذ !!
اقترب منها وجلس جانبها قائلا بتعجب
- اولاً السلام عليكم .... ثانيا ماهي هذه المشكله امي ؟!
تنهدت بضيق وقالت
- وعليكم السلام يا معاذ ..اعذرني يا ولدي لقد افقدتني تلك الصغيرة صوابي !
قطب يجيبها بهدوء
- ومابها ملك ؟!
لوت شفتها بأستياء وهي تقول
- طوال النهار ... تبكي وتنادي رضاب ... بكل دقيقة تمر وكأنها منبه ساعة ! لقد اتعبتني يا معاذ ولا اجد السبيل لتهدئتها ...
تنهد قائلا بهدوء وهو يرجع ظهره على الاريكة الأسفنجية
- غداً ان شاءلله سأسجلها في رياض الاطفال ..يومين وستنسى انا متأكد !
اجابت بأصرار وصرامة
- افعل ذلك بسرعة يا ولدي ... انا صحتي لا تسمح لي بالجري والركض ورائها من غرفة لأخرى ...
اومأ وهو يهم بالرد عليها لكن صوتها الطفولي قاطعه حين هتفت بعفوية وبنبرة طفولية
- عمو موعاااااااااذ
ابتسم لها بسرعة وقد لانت ملامحه في حين فتح ذراعيه يحثها على التقدم فما كان منها سوى الأندفاع الى احضانه وهي تحمل دبها بيد واليد الاخرى تحتضن رقبته ليقبل خدها قائلا بحنان
- اهلا صغيرتي ...لماذا لازلت مستيقضة للأن !
بينما هتفت والدته قائلة بعتاب
- لقد تركت نائمة ياملك !!! أكنت تضحكين علي !!!
هزت رأسها نفياً وهي تنظر لها بأبتسامة طفولية اخفتها تحت يدها الصغيرة بمكر ذوبت قلب معاذ معها ...هبت واقفه وهي تقول
- هيا تعالي معي لكي تنامي الوقت اصبح متأخراً
هتفت بأستياء وهي تنكمش بأحضان معاذ
- لاااااااااااااا اريد البقاء مع عميييييييي
ليجيب معاذ وهو ينظر لوالدته قائلا
- لابأس امي ..اتركيها اليوم ... ملك ستنام بغرفتي !
همست والدته مقطبة
- لكن يا ولدي اخشى ان تتعود على النوم معك كل يوم !
ابتسم هامساً
- لا ان شاءلله لن تتعود اذهبِ وارتاحي وانا سأهتم بها
همت بالمغادرة الا انها توقفت وقالت بحنان
- هل احضر لك العشاء يا ولدي ؟!
اجابها وهو مشغول بالنظر لتلك الطفلة الشهية وهي تبتسم له بدلال
- اكلت في المكتب امي ..تصبحين على خير
اومأت وهي تلوي شفتها ثم تركتهم هامسة بكلمات مستاءة ...كانت ملك تضحك بخفوت لينظر لها معاذ قائلا بمرح
- انت سعيدة ومستمتعة بما تفعليه اليس كذلك ؟!
اومأت بسرعة ونشاط ليهب معاذ واقفاً وهو يحتضنها
- والان تعالي لأفكر و أؤلف لك قصة خرافية لم تسمعي مثلها من قبل ابداً
لكنها قالت بنبرة طفولية جادة ادهشته وجعلته يرفع حاجبيه بسرعة
- عمو مواذ متى نذهب لرؤية امي !
ابتسم ثم اطلق تنهيدة طويلة وهو يفكر ويعترف بأن الفضول بدأ يتأكله ليرى تلك الرضاب التي سحرت ابنة شقيقه لهذه الدرجة ...ترى كيف تكون ...ربما هي أمرأة عجوزة كبيرة في السن !!! او ربما هي عانس في الاربعينيات من عمرها وجدت بملك ما يعوض امومتها المفقودة .... هتفت ملك بتذمر مرة اخرى
- عموووووو معاااااااااذ ...
ارتقى الدرجات بخفة وهو يقول
- سنذهب ..سنذهب ..لكن ليس الان !
اجابت بتذمر وهي تتسلل من ذراعيه لتتجه ناحية سرير عمها لتجلس عليه وقد بدت ملامحها عابسة ... وكأنها على وشك البكاء
- متتتتتتتتتتى اذن انت وعدتني
هدئها مسرعاً وهو يبدأ بحل ازرار قميصة القطني
- اجل ..اجل ... وانا لازلت على وعدي ... سأخذك ..حبيبتي فقط اصبري قليلا فعمك لديك اعمال كثيرة سأنهيها بسرعة ونذهب ...في نهاية الاسبوع ..مارأيك ؟!
اومأت صامته وهي تنظر له بعينان تلتمعان بالدموع
.........................
...............................
المشفى ... بغداد
.............
رفع يده الواهنة ليلمس جانب وجهه تحديداً ذلك الجزء المغطى ابتداءاً من عينه الذي يبدو انها فقعت انتهاءاً لأسفل وجنته المغطاة بالشاش الخاص للحروق ...ليدرك بأنه اصبح مشوهاً ...مشوهاً بصورة بشعة ..ليس مشوهاً فحسب بل ومعاق ايضاً !!!!
ابتلع ريقه وهو يتذكر بتشوش ما حدث في شارع المتنبي عندما ذهب لزيارة صديقه الذي يفتح هناك كشك صغير لبيع الكتب .... فهو بعد ان اتم شراء الأجهزة الطبية التي يحتاجها لعيادته ...فكر بأن يمر على صديقه القديم الذي عرفه منذ ايام الاعدادية .... قبل ان يعاود السفر الى اربيل ....
كان الجو دافئاً ...الشمس ساطعة في تلك الساعة من النهار ...حيث توسطت كبد السماء ... المثقفين والمهتمين بالكتب والروايات كانو يتجولون في اروقة الشارع الطويل .... ذلك الشارع الذي يعبق براحة الماضي المختلط بنسمات الحاضر ....
لم يكد يدلف الى الشارع الا وسمع صوت دوي قوي ...كانت كأنها ريح سوداء حارة هبت لتقتلع تلك الارواح البشرية .... في بادئ الأمر لم يعرف انه انفجار سيارة مفخخة استهدفت هذا الوقت بالذات حيث الأزدحام وصل لذروته .... اتكأ على الحائط ليستطيع السيطرة على ذلك الدوار القوي الذي داهمة بسبب ذلك الدوي القوي المرعب الذي زلزل جسده وجعل حاسة السمع تختفي من حوله لثوانٍ .... وما ان استعاد وعيه قليلا حتى هاله المنظر الممتد امامه .... تذكر فجأة تلك المقولة التي طالما سمعها عن احتلال هولاكو للعراق حينما اصبح لون النهر ازرقاً من الحبر الذي كتبت به الكتب والمخطوطات التي رماها الغزاة في نهر دجلة بوحشية وهمجية ...الان حصل نفس الشيء ..الشارع اصبح عبارة عن نهر من الدماء اختلطت مع اوراق الكتب المتناثرة هنا وهناك بينما اجساد العراقيين المحترقة والنازفة ... كانت متكومة بشكل يدعو الى البكاء والنحيب دون شعور وارادة !
فاجعة ...فاجعة بكل ماتحمله الكلمة من معنى .... مالذنب الذي ارتكبوه ؟! ماذا يوجد في شارع المتنبي ليجعله مستهدفاً بسيارة مفخخة !!!!! مالذي اقترفه هولاء الرجال والشباب البسطاء ليلقو هذا المصير المؤلم ... المتوحش !!!!
كلهم من اصحاب الاكشاك الصغيرة وبعضهم ممن افترش الارض بقطعٍ من القماش ليرص عليها كتبه .. راسمين بمخيلتهم مستقبلا زاهراً ... يحملون على ظهورهم مسوؤلية عوائلهم واطفالهم !!! رائحة الدماء المختلطة برائحة الموت كانت تلف المكان لدرجة خانقة .... كريهة ... ومرعبة ...

انتبه الى ان المسعفين وبعض الرجال الذين تجمهرو حول المكان بدأو بحمل جثث الضحايا والمصابين الى سيارات النقل الكبيرة فسيارت الاسعاف لم تكن كافيه لنقل هذا الكم الهائل من الجرحى والمصابين .... وبينما هو يمد يد العون لهم لم يشعر بل لم يتوقع اي احد منهم ان تنفجر سيارة اخرى كانت اقوى واعنف من سابقتها .....عندها لم يدرك مالذي حصل ولم يستيقظ من كابوسه البشع الا الان ... في هذه اللحظة !!!!
همس بصوت واهن وتعب قبل ان يغمض عينه من جديد
- ر..ونق ...تبا ...رك
........................
.....................................
اربيل
..............
كانت تجلس بجانب تبارك وهي تمسك ذراعها بخوف وارتباك ... تغرس اظافرها بباطن كفها بقوة ... تنظر لتلك السكرتيرة الصارمة بملامحها وتسريحة شعرها .. همست بخفوت
- لماذا نحن هنا ؟!
اليومين السابقين كان المنزل بحالة فوضى ..لكن فوضى مشوبه بالسعادة والحماس ... فالكل كان سعيداً من اجل وليد وغسق ... يعملون على قدم وساق لكي ينهو الاجراءات اللازمة لعقد القران المستعجل الذي حدده وليد والذي استقبلته غسق بطاعة واستسلام اثار استغراب الجميع .. انتهزت اليوم الفرصة وحجزت لرضاب عند طبيبة نفسية كانت قد نصحتها صديقتها التي تعمل معها في المصرف بزيارتها ... عندما ذهبت لزيارتها في بادئ الامر قصت عليها كل ماجرى لرضاب ... أمرت الطبيبة بأحضارها للعيادة .... فهي لاتستطيع ان تحدد حالتها وتصف لها العلاج دون ان تراها وتتكلم معها ....استطاعت بصعوبة اقناع رضاب بالمجيء معها وقد وافقت بعد ان أكدت لها بأنها ستأخذها لمكان يساعدها لتصبح افضل حالا ... وكلما اصبحت افضل زادت فرصة عودة ملك اليها ....
اجابت تبارك مطمئنة وهي تنظر لرضاب
- لا تخافي رضاب ..انها طبيبة نفسية ...و...
قاطعتها رضاب بنبرة بكاء مرتجفة
- طبيبة نفسية !!! لماذا ! هل ..هل ...انا مجنونة ؟!
هزت تبارك رأسها مؤكدة
- كلا طبعاً مالذي تقوليه يا رضاب !
لتهمس بضياع وتشتت وهي لاتزال تنظر للسكرتيرة المشغولة بقراءة عدة اوراق امامها
- اذن لماذا نحن هنا!!!!
تنهدت تبارك بصبر وقالت
- حبيبتي ... اولا يجب ان تعرفي ان الاطباء النفسين لا يعالجون المجانين فقط !! بل يقدمون العلاج للمرضى ..وانت ياحبيبتي تعانين من ...اممممم ...فلنقل ..انك تعانين من وعكة نفسية طفيفة وهي ستجد العلاج الملائم لك ! هيا رضاب من اجل خاطر ملك تحملي !!
اومأت رضاب بطاعة مثيرة للشفقة بينما اخذت تبارك تربت على يدها مطمئنة ....بعد مرور عدة دقائق قالت السكرتيرة بهدوء
- تفضلا الطبيبة بأنتظاركم
دلفا الى الداخل بينما رضاب ملتصقه بتبارك كالطفلة تماما ... لتستقبلهم الطبيبة الأربعينية .. كانت تمتلك بشرة بيضاء وجمال ممزوج بالوقار .... شعرها الاسود تخلله شعيرات فضية قليلة زادتها احتراماً ... وبأبتسامة بشوشة قالت وهي تنقل نظراتها الدافئة لرضاب وتبارك
- اهلا وسهلا ...تفضلا بالجلوس
جلسا على الكرسيين المجاوريين للمكتب بينما تبارك تبتسم لرضاب بتشجيع
- الحقيقة دكتورة ... لقد اتينا في الموعد الذي حددتيه لنا
اجابت الطبيبة بتفهم
- حسناً انسة تبارك ... يمكنك الانتظار في الخارج ..يجب ان اتحدث مع السيدة رضاب على انفراد
ما ان نطقت الطبيبة بهذا الكلام حتى نظرت رضاب لتبارك برعب حقيقي لتسارع تبارك بالقول
- لا تقلقي رضاب سأنتظرك خارجاً عند السكرتيرة ...ولو احتجتني فقط نادي علي وانا سأدخل فوراً !!!
كانت الطبيبة متفهمة جداً لردات فعل رضاب بل كانت تتوقعها ايضاً لتقول بهدوء
- لاتقلقي سيدة رضاب نحن سنتكلم بضع كلمات فقط صدقيني !
اومأت رضاب وهي تتلاعب بحزام حقيبتها بتوتر وحدة بينما تراقب وقوف تبارك وخروجها من الغرفة .... قالت الطبيبة بهدوء
- والان سيدة رضاب مارأيك ان تشربي شيئاً قبل ان نتحدث !
هزت رضاب رأسها وقالت بارتباك
- شكراً لا اريد شيئا
تنهدت الطبيبة وهبت واقفه وهي تقول
- اذن تعالي واجلسي هنا لكي ترتاحي وتهدئي قليلا
حدقت رضاب لعدة دقائق بتلك الاريكة البيضاء التي شابهت السرير لتضع حقيبتها على سطح المكتب ثم تتوجه بخطوات مهتزة ومترددة لتجلس عليه ثم ما لبثت ان تمددت بتشجنج وارتباك .. جلست الطبيبة على كرسي مقابل لها وقالت
- كيف حالك رضاب ! سأناديك رضاب اشعر ان كلمة سيدة تجعلك كبيرة السن وانت ماشاءلله لازلت شابه في مقتبل العمر
التفتت تهز رأسها ايجاباً ثم قالت بتعلثم
- أأ..نا ..بخير ..
اومأت الطبية واخذت تحدثها عن امور اعتيادية ... كانت رضاب مشغولة بالنظر والتحديق بسقف الغرفة المزين بمرايا انكسارية ...كانت مستغرقة بالتفكير لدرجة ان اجفانها لم ترمش ابداً ... من بين الكلام الذي كانت تقوله الطبيبة لفتت انتباهها عندما قالت
- لكل انسان ماضٍ يحاول ان ينساه او يتحاشى التطرق له لكن الحقيقة التي لايدركها هو انه يجب عليه ان يشارك احداً ما بذلك الماضي ....كأن يحكي لأخت ....صديقة ...او .. الزوج او الوالدة
قطبت رضاب وقالت بهياج وهي تعاود التشنج من جديد
- لالالا ... الوالدة والزوج لا ...لا ... افهمت الزوج والوالدة لا ..لا !
هدئتها الطبية بسرعة وقالت
- حسناً الزوج والوالدة لا ...اهدئي عزيزتي واكملي لمن تريدين التكلم اذن !
اجابت رضاب وهي لاتزال تحدق بالسقف الغريب الذي ترى مثله لاول مرة في حياتها
- لا احد ... لا..احد ... هناك ... امور ..لايجب ذكرها ...مكانها سيظل مدفوناً في قلوبنا ..مغروساً به ...مغروس بشكل عميق ومؤلم .... وكأنها طعنه سكين حاد يصعب اقتلاعه
قالت الطبيبة بهدوء
- لكننا كما قلت لك نحتاج في بعض الاحيان لأن نتكلم لكي نرتاح !
همست وعيناها تدمعان
- ليس كل ما يصادفنا في حياتنا ينفع بأن نقوله ونعلنه على الملأ ... صدقيني ..هناك امور صعب جداً ان نفضي بها !!!
تكلمت معها الطبيبة متجاهلة ذكر زوجها ووالدتها ... سألتها عن طفولتها عن والدها وعن حبيبة ....عندما ذكرت اسم حبيبة ..التفتت لها رضاب قائلة بحزن
- انا ..انا ...احب شقيقتي جداً ..لكني ..كنت ...كنت ..احسدها
ابتلعت ريقها واكملت
- ا..جل ..لاتستغربي ذلك
اجابت الطبيبة بأبتسامة صغيرة وهي تحثها قائلة
- لست مستغربه يا رضاب ...اكملي لماذا كنت تحسديها
تنهدت رضاب وهي تشبك اصابعها على بطنها هامسة
- كنت ..احسدها ...لانها ..حرة ...اجل ..حبيبة كانت حرة ...حرة ...امي لم تكن تحاسبها كما تحاسبني انا ... لم تكن تجبرها على ارتداء ملابس لاتحبها ...ولا تطلب منها الذهاب الى ..الى ... تلك الحفلات ال... ال ... القبيحة ... المملة .. ولا لقاء صديقاتها اللاتي كن يرمقنني بفضول ... ..و...و...و.. لم ..لم ..تجبرها على ... الزواج من .. شخص لا تحبه ....وايضاً لم ... لم ..
ادارت وجها للطبيبة مرة اخرى وقالت بتشوش
- لذلك السبب .. قمت ..قمت ...بتحريره دون علم حبيبة !
قطبت الطبيبة وقالت
- من الذي قمت بتحريره ؟!
لتجيبها وهي تتبتلع ريقها
- العصفور الصغير ...انا ..انا ...فتحت له باب القفص الحديدي لكي يطير ... اقسم بأني لم اقصد ان احزنها لكني ..لكني ..ش..شعرت ..ان هذا العصفور يشبهني ....محبوس في قفص حديدي ..مكبل ..و..و...حزين ...لقد نظر لي ... اجل ...اجل ..نظر لي ... وطلب المساعدة مني بعينان دامعتان ...صدقيني ... صدقيني انا ...لا اكذب عليك
اجابتها الطبيبة بهدوء
- وهل اخبرتي حبيبة بذلك !
همست بنبرة خجلة
- لا ...لم استطيع ...
- لماذ ؟!
- لانها ..كانت تبكي بقوة ...تنادي عليه وتبحث في ارجاء المنزل ...ك..كالمجنونة ...وانا ...انا ...خفت ان اخبرها فتكرهني .... تماما كما كرهتني هي ...
- من هي التي كرهتك يا رضاب ؟!
نظرت لها رضاب بعينان غارقتان بالدموع
- هي ... هي ... الشيطانة
رددت الطبيبة بتسائل
- الشيطانة !!!!!!!
اومأت رضاب وعيناها متسعة بينما دموعها تهبط على وجنتيها الساخنة بغزارة
- اجل ..اجل ..لا تذكري اسمها ...هي سارقة ..سارقة وخائنة .... سرقت ..سرقت ..
حثتها الطبيبة بصبر وتروي
- ماذا سرقت منك !!!!
همست بشفتين بيضاويتين ووجه شاحب للغاية
- سرقت ..كل شيء...كل شيء ....
ثم دفنت وجهها بيديها واخذت تشهق بعنف وقوة لتنهض الطبيبة ثم تقدمت ناحيتها وهي تمسك منديلا ورقياً لتهدئها بحنان ... بينما داخلها ايقنت ان هذه الشابة تعرضت لصدمة قوية سببه لها على الاغلب زوجها ووالدتها ...وان هذا اللقاء لن يكون الاخير بينهما حتماً
- اهدئي يا ابنتي ...اهدئي ... انتهت جلسة اليوم !
..........................
...........................
- زهير ... والدتي مريضة .... سأضطر لأن اذهب اليها وابقى معها ... وهذا يعني بأني لن استطيع ان اتي إلى الحفلة !
كان يجلس على الأريكة بأريحيه يقلب القنوات الفضائية بيد واليد الاخرى يأكل بها المكسرات لتكمل بتسائل مستفز بينما داخلها شعرت بالضيق والانزعاج لعدم اظهاره اي ردة فعل حول ما قالته .... اعتقدت بأنه سيثور او ربما سيطلب منها عدم الذهاب ...
- ماذا !!! الن تعارض وتنزعج من عدم حضوري غداً !!!
هز كتفه بلامبالاة واجابها وهو لايزال يحدق بشاشة التلفاز
- والدتك اهم طبعاً هذا ان كانت فعلا مريضة !
بالفعل لم تكن مريضة هي حجة اخترعتها والدتها لكي لا تضطران الحضور الى حفلتهم البغيضة تلك ... والتي اشعلت نار الغيرة داخلها ... كم كانت تتمنى ان تتزوجه هي ... تتزوج وليد ذلك الرجل القوي .. ذو الشخصية والهيبة الطاغية ... لكن تأتي الرياح لما لا تشتهي السفن ..
قالت وهي تدعي الغضب
- ماذا تقصد زهير ؟! هل اكذب عليك انا !!
اجابها وهو ينظر لها بتهكم
- لا اقصد شيئاً سيدة سلمى ... اذهبِ اليها ... كل شيء يعوض الا رضاء الوالدين !
قالت ببرود وهي تتجهه لغرفة النوم
- اجل كما قلت رضاء الوالدين اهم من التفاهات الاخرى !
تنفس بعمق لعدة مرات وهو يستغفر الله بصوت خافت ...الان ان نهض وصفعها صفعتين لكي يؤدبها ويعلمها معنى الاحترام هل سيلومه احد !!!! بالتأكيد لا ... لكنه لن يفعلها ... لن يعكر مزاجه ولن يفتعل مشكلة الان خاصة وان الكل مستعد لأستقبال يوم غد بفارغ الصبر ....
لأول مرة بحياته يصادف هذا النوع الحقود من البشر ...لقد عاشر ومر عليه الكثير لكن كعينة سلمى يقر ويعترف بأنه لم يصادف ابداً ...على كل حال وجودها بينهم لن يؤثر عليهم بشيء بالعكس ربما هكذا افضل ....فلتذهب وتأخذ معها غلها وحقدها ...ليتها تذهب وتبقى هناك الى الابد ..بل ليتها تثور وتطلب الطلاق بكرامتها .... المشكلة الحقيقية هو انه للأن لم يجد سبباً قوياً ومقنعاً لكي يتخذ قرار الانفصال عنها ... وكأنها تتعمد التصرف بهدوء بارد .... كالمد والجز تماماً .... تعرف كيف ترمي الكلام ثم تدعي البرائة بنجاح !!!!
....................
.............................
كانت تنظر للطقم الذهبي القابع بين يديها وهي تبتسم برقه ...مررت اصابعها على العقد البسيط وتلك الأساور الستة المصوغة بطريقة رائعة مع الحلقه الذهبية والاقراط ...كان الطقم بسيطاً وراقياً .... رغم ثمنه المعتدل وتواضعه مقارنتاً بما احضره لها رزكار من مجوهرات والتي ارجعها لهم وليد بالكامل بعد ان تخلصت من قيده الذي كان يكبلها به ... الا انه بعينيها يساوي كنوز الدنيا ...كانت سعيدة به جداً ... كل دقيقة تذهب لأخراجه والنظر اليه ... اااه وليد كم كان متفهماً لخجلها وارتباكها اذ ترك مهمة اختيار الشبكة على والدتها وخالتها سعاد اللتان لم تقصرا في حثها لشراء كل ماهو ثمين بالنسبة لمقدورهم المالي
عندما اخبرتها والدتها بأن وليد يريد ان يعرف ردها عن موعد الخطبة الذي حدده بسرعة قياسية ... شعرت بالخجل الشديد ...كانت تريد ان تقول فليتزوجني غداً ..الا انها همست بخفوت
- كما ترغبين انت يا امي
ووالدتها الحبيبة لم تتحمل اذ خرجت اليه لتخبره بموفقتها وهي تزغرد بصوت مرتجف من شدة التأثر !!
كم كانت غبية وبلهاء ..كيف اضاعت فرصة السعادة هذه عليها وعليهم !!! لكن لابأس بأذن الله ستعوض كل مافاتها ولن تلتفت لما يقولوه وما يتهامسون به عنها !!!
..............................
........................................
الخميس مساءاً
....................
المنزل يضج بالوافدين من الضيوف ...لقد دعى وليد كل من بالحي وايضاً العمال في المزرعة ...حتى انه دعى ام خالد التي اعتذرت عن عدم قدرتها على المجيئ بسبب اعتنائها بزوجها الذي يقضي اغلب وقته ساهماً في ملكوت خاص به ....
منذ الصباح الباكر توجه وليد مع والدته وعمته وغسق الى المحكمة الشرعية لأتمام عقد القران قانونياً ثم سيحضر الشيخ مساءاً لعقد القران شرعاً .. فهذه هي التقاليد المتبعة في العراق يتم العقد في المحكمة مرة وعند شيخ الجامع مرة اخرى ....لقد انهى الأجراءت اللازمة بفترة قياسية فقط لتكون اخيراااا غسق زوجته شرعاً وقانوناً ....
النساء اللاتي دعتهن سعاد اغلبهن من الجيران والمعارف ...المحبة التي ربطت بينهم كانت قوية ومتينة ...لم يفرقو بين عرب واكراد .. بل تصرفو بطيبة ومحبة صادقة .... حبيبة تنتقل بين الضيوف وكأنها نسمة هواء عذبه ...توزع العصير والحلويات عليهم ... وابتسامتها الجميلة لا تغادر شفتيها .... فستانها الذهبي وزينتها الناعمة بالأضافة لشعرها الطويل المموج ... جعلت الكثير من النساء تعجبن بها ولأكثر من مرة سألو سعاد ان كانت مرتبطة ام لا وهي تجيبهم نفياً بكل برائة وطيبة ... اما رضاب فقد اتخذت زاوية بعيدة تنظر لهم بشرود وكأنها معزولة عنهم بعالم خاص بها ....
عادت حبيبة الى المطبخ لتحضر المزيد من كوؤس العصير التي اخذت ترصها في الصينية وهي شاردة الذهن تفكر بذلك الحبيب الذي لاتستطيع ان تحدد نوع مشاعره نحوها ...أهو يحبها ام يشفق عليها ...ام تصرفاته هذه نابعة من مشاعر الاخوة التي يكنه لها ...
لكن ..اي اخوة ؟! وهل الأخ يضع لأخته تلك النغمة في الهاتف ؟! كانت اغنية لمطرب عراقي ...لم تتفاجأ من الأغنية بل تفاجأت من معانيها الواضحة التي لاتحتاج لتفكير ولا تمحيص لتعرف ماهيته ...

من يوم الحبيتك
واني متغير صاير مو اني
كلشي البيه مايشبهني
برده اعصابي ونيراني نيراني
وتلوعني وانا اسكت عنك
تعذبني واتقرب منك
يمك صاير واحد ثاني بس مو اني

اف ...ياربي سيجننها هذا الرجل بأفعاله الأخيرة التي حقاً لا تعرف الى اين يريد الوصول بها ...والأدهى من هذا كله هو حين كلمها بوقت متأخر قبل ليلتين ليهمس لها بخدر وكأنه مخمور
- امممممم لم اكن اعرف ان صوتك اجمل بكثير في الهاتف ..
في حينها الجم لسانها ....لم ترد عليه بحرف ...كل مافعلته هي انها همست بلهاث خشية ان تسمعها تبارك ورضاب اللتان تنامان معها في الغرفة
- ز..زهير...انا ..انا ...اشعر بالنعاس ....تصبح على خير !!!

ارجعها من بحر افكارها المتلاطمة صوته الرجولي ...الذي يأتيها بأوقات حرجة ... وكأنه يشعر بأنها تفكر فيه !!! استدارت ناحيته ثم تقدمت قليلا وهي ترفع طرف فستانها الحريري الذي انزلق بنعومة على جسدها الشاب لتجيبه بهدوء
- نعم يا زهير ماذا هناك ؟!

كان يريد ان يتكلم مع والدته بخصوصها فهو منذ ان رآها في الصالة قبل بدأ الحفلة وعقله يكاد يطير من رأسه ...كانت جميلة جداً ..وناعمة جداً ...شعرها الطويل يتراقص حول وجهها .. ممتداً الى نهاية خصرها ...بينما وجهها الرقيق مزين بطبقة خفيفة من مستحضرات التجميل برزت انوثتها وجمالها اكثر .... يعلم ..هو يعلم جيداً بأنهم سيخطبوها الليلة ..لكن تبا ..تباً له ان جعلها تصبح من نصيب احد غيره ..سيرتكب جريمة ويدخل السجن ان حاول احدهم التقدم لها ..هو لم يصدق بأنه اخيراً تخلص من ذلك المدعو كمال بأعجوبه !!
همس من بين اسنانه المطبقة
- تعالي هنا يا فتاة !
- نعم يا زهير ماذا هناك ؟!
قطب قائلا ببرود
- اولا حاولي ان تخففي من احمر الشفاه هذا الذي تضعينه بفمك كالمهرج وثانياً لماذا باب المطبخ مفتوح هكذا !!! ماذا اهي وكالة دون بواب ؟!
تأفأفت بملل متعمد وهي تنظر له بأستياء
- اين هو احمر الشفاه الذي اضعه ؟! انا لا اضع الا ملمع فقط ... ثم باب المطبخ مفتوح لان...
وقبل ان تكمل جملتها كان اصابعه ممتده لتمسك ذراعها كالقيد الحديدي ليسحبها ناحية المخزن الملحق للمطبخ ...هامساً من بين اسنانه المطبقة
- حسنا ..اذن انت لاتضعين احمر شفاه ؟! تعالي لأتأكد بنفسي !
التفت خلفها بذعر وهي تهمس برجاء
- ز...زهير ..أ.رجوك ..قد..قد..يرانا ..احد ..و..و...و..يفهم الموضوع خطئاً !
دفعها الى داخل المخزن الصغير الشبه مظلم ... والذي شهد سابقاً مشهداً مماثلا لهذا المشهد الا ان الفرق بينهما هو انها انذاك كانت ضعيفة ومستسلمة وسلبية ...اما الان فهي قد تغيرت للنقيض تماماً .... اجابها بأبتسامة جانبية ماكرة وهو يغلق الباب بهدوء
- انا اريدهم ان يفهمو الموضوع خطئاً
المكان كان ضيقاً جداً ... بالكاد يتسع لشخصين او ثلاث اشخاص ... رفعت يديها لتضعهما على صدره الصلب الذي اصبح قريبا منها لدرجة خطيرة ... لتشعر خلال ثانية واحدة بضربات قلبه العنيفة ... ودفئ جسده الذي اخترق قميصه القطني الأزرق ليصل الى يديها بكل حميمية .. همست بخفوت وحدة وهي تتصنع الغضب والقوة
- ابتعد عني زهير مالذي تنوي فعله ؟!
هز رأسه قائلا بغرور وترفع
- لن ابتعد الا اذا تأكدت فعلا من انك تخلصت من احمر الشفاه !
دفعت صدره بقوة اكبر وهي تهمس بنبرة متوسلة هذه المرة
- أأرجوك .. زهير ..دعني اذهب
امسك قبضتيها هامساً بخفوت ابح وهو مقطب الحاجبين ليتقدم منها اكثر وكأن قبضتها التي تدفعان صدره هي مجرد دغدغة بسيطة يشعر بها ...
- اششششششش ...ماهذه التصرفات الطفولية يا فتاة احترمي من هم اكبر منك سناً
ابتلعت ريقها وقالت بحيرة
- ح..حسناً ... ابتعد قليلا وانا سأمسح فمي امامك ..ارجوك !
ليهز رأسه مرة اخرى وهو يقول بمكر
- تؤتؤ حبي اخبرتك انا سأتأكد بنفسي والأن حالاً
لم تستوعب مايريد فعله بالضبط ..ظنت بأنه سيخرج منديلا من سترته وسيمسح فمها به ... الا ان ماحصل كانت بمثابة صدمة ..لا بل هي اقوى صدمة مدوية تعرضت لها في حياتها كلها على الاطلاق ...اذ هبط برأسه الفخور ليمتلك شفتيها بقوة ..نعومة ...لهفة ورعونة ... كانت احدى يديه مثبته على خصرها بينما الاخرى تحتضن رأسها بقوة ..اصابعه كانت تتخلل شعرها الناعم ...وشفتيه تعزف على شفتيها معزوفة ناعمة ...رومانسية ..ورقيقة ...قلبها عصف بقوة ...ويديها تجمدت لوهله على صدره ... هل ما يحصل حقيقي !!!! زهير يقبلها ...يلمسها !!! انفاسه اختلطت بأنفاسها ؟! هذا الجسد الرجولي الذي طالما نظرت له بحب وعشق وحسرة ... قريب منها لهذه الدرجة !!!
قبل ان تشعر بفداحة ما يفعله معها وكيف هي بلحظة ضعف مذلة استسلمت له بهذه الثواني التي كانت تزور احلامها منذ ان كانت مراهقة في الرابعة عشر ... دفعته .. حركت رأسها يميناً ويساراً وهي تتلوى بين ذراعيه بعنف ووحشية .... لكنها لم تؤثر عليه ابداً ... فهو اقوى واطول منها بكثير .... كانت مقاومتها الصغيرة ... اشبه بمقاومة فريسة التفت حولها افعى كوبرا طوقتها بقوة ... بعد مرور عدة ثوان كانت وكأنها ساعات لانهاية لها ... تراجع ليتركها مرغماً وهو يشهق بقوة ووتيرة انفاسه تتصاعد دون ارادة منه ... يا الله ... ماهذا الطعم المسكر !!!
لقد ترنح وكأنه شرب للتو خمراً معتقاً يذهب العقل قبل الجسد !! تباً ... هو يريد اعادة الكرة مرة اخرى ! رفع رأسه بغطرسة ... قائلا بأنتصار بينما كل عضلة بجسده كانت تصرخ طلباً لقربها من جديد
- الان تأكدت ... يمكنك الذهاب !
لم يشعر الا بحرارة لسعت جانب وجهه بقوة ...لتتسع عيناه بعدم تصديق وهو يلمح عيناها التي التمعت بغضب وشراسة ..والتي استطاع ان يرى بوضوح شرارات الغضب المنبعثة منهما رغم المكان الشبه مظلم
لقد صفعته !!!!! تلك القطة الأليفة صفعته !!!! حبيبة ...حبيبته الصغيرة الناعمة الخجولة باغتته و صفعته !
همست بقوة وحدة وهي تدعي الصلابة التي لم تكن تملكها ابداً بينما جسدها ينتفض بشدة
- غبي واحمق ... ماذا تظنني سيد زهير لعبه تلهو بها ...ام ربما لأني يتيمة ولا املك اهلا ليدافعو عني ... ظننتني سهله ورخيصة ومتاحة امامك .. منذ اليوم لا شأن لك بي مطلقاً ..اسمعت ؟! مطلقاً ... وإلا اقسم بأن اذهب لخالتي واخبرها بكل افعالك معي !
تركته وهي تحرك قدميها المهتزتان بأعجوبه تستحق عليها جائزة .... بينما قلبها يطرق بشدة كالمطارق الحديدية بالضبط .... لاتعرف بما تصف احساسها الان بالضبط ... اهي تشعر بالسعادة ام بالذل والرخص !! لكن بكلا الحالتين تصرفه هذا فادح ووقح جدا !
اما هو كان لايزال يلهث وعيناه على حالتها متسعة من الذهول انفاسه تخرج حارة ...قوية ....و ملتهبة .... منذ متى والقطة الناعمة اصبحت تمتلك مخالب تخربش بها ؟! منذ متى وحبيبة الخجولة التي ما ان تراه حتى تحمر خجلاً يعشقه و يكاد يذوب عظامة اصبحت قوية وترد عليه بهذا الشكل ؟!
غامت عيناه العسلية المثبته على الباب الذي اغلقته بعنف لتصبح أكثر دكنة .... وتلألؤ .... رفع يده ليضعه على خده هامساً بعشق
-لا بأس ... ضرب الحبيب مثل اكل الزبيب
ثم قبل باطن كفه وهو يقول
- مجنون انا لأتركك وشأنك !! منذ هذه اللحظة وانت بت زوجتي برضاك ام رغماً عنك قطتي الصغيرة
................................
........................................
اصرت سعاد على ان يكون حفل عقد القران كما هي العادات والتقاليد المتبعة في بغداد والتي تم على اثرها عقد قرانها هي وكل اقربائها ايضاً ..... سعدية لم تعارض بل كانت سعادتها تعادل سعادة وحماس سعاد وربما تفوقها ايضاً ...ففي خطبته غسق السابقة اصرت والدة رزكار على اعداد العقد والحفلة كما تريد هي ...اساساً هي لم تدعو الكثيرين وكأنها كانت تستعر من نسبهم !
خصصت الصالة لجلوس الرجال ... فيما خصصت للنساء غرفة اخرى تقع ملاصقة للصالة .... وضعت في الممر المؤدي للصالة خلف الباب المغلق تحديداً طاولة صغيرة بيضاء اللون رصت عليها عدة اطباق منها القشطة ...السكر ... السكاكر المتنوعة ...الخبز مع الخضرة كالنعناع وانواع اخرى ... مرآة صغيرة بيضوية الشكل ... المصحف الشريف تحديداً على سورة
( انا فتحنا لك فتحاً مبيناً )
تقدمت غسق التي كانت ترتدي فستاناً ابيض من الحرير لتجلس على الكرسي المخصص لها جانب تلك الطاولة .... ثم وضعت سعاد حجاب ابيض فوق رأسها كتب عليه بماء الذهب
( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )
فيما طمست قدميها داخل الوعاء الذي احتوى على الماء و اوراق الآس والورود الصغيرة العطرة ...
عندما سألتها تبارك بفضول عن سبب وضع كل تلك المواد على الطاولة اجابتها سعاد بحنان وعيناها تلتمعان بالدموع
- وضع البياض سواءاً كان ( لبن أو قيمر أو حليب ) لأن البغداديون يتفائلون باللون الأبيض ومن أقوالهم عند الدعاء للشخص ... " أن شاء الله بيض الله وجهك "
اما سبب وضع الخضرة مع الخبز ... و ذلك لأن الخضرة هي من نبات الأرض دليل الخير والبركه .
السكريات وتكون حلوة المذاق حتى تظل العروس ( حلوة وجميلة بعيون زوجها ) ... والمرآة للخير والبركة ولكي تكون حياتهم صافية كالمرآة تماماً ...
نقلت نظراتها لتبارك وحبيبة ورضاب وهي تهمس بصوت مرتجف ومتأثر
- بأذن الله سأفعل كل ذلك مرة اخرى عند عقد قرانك انت وحبيبة ورضاب ايضاً

كانت غسق تعيش بعالم اخر ...سعادتها هذه المرة كانت حقيقية جدا ...وواقعية جدا جداً ...كانت تشعر وكأنها في عالم يشبه ذلك العالم الوردي الخاص بأميرات الخيال الخرافية !!! اجل هي كانت اميرة ...ووليد هو اميرها الوسيم الذي انتظرته طويلا !
سألها الشيخ من خلف الباب الموارب لعدة مرات فهذه هي من الأمور الواجب تباعها ...العروس لاتعطي موافقتها منذ المرة الاولى بل عند سؤالها للمرة الثالثة ... تم اخذ موافقتها ثم شرعت سعاد بوضع المبخرة فوق رأسها لتبخيرها من الحسد ...فيما اصوات الزغاريد اخذت تتعالى مع تعالي ضربات قلبها التي كانت تدوي بصخب
...............................
رغم انها كانت سعيدة وتشاركم فرحتهم وحماسهم بصدق حقيقي إلا انها كانت تشعر داخلها بالحزن والضياع ... اين هو ! مالذي اصابه ... كل تلك الايام التي مرت كانت بمثابة صفعات توجه لها لتخبرها بمدى تفاهة تفكيرها ومدى انانيتها ...اجل كانت انانية ... هي احبته ...لكنها انكرت ...حرمته وحرمت نفسها من السعادة .... بسبب اوهام لا وجود لها الا بعقلها البائس الذي يأبى نسيان دنائة وجشع خطيبها السابق ... تذكرت ماجرى ظهر امس عندما ذهبت لتدعو رونق للحفلة ...
- اسفة عزيزتي ...انا لن استطيع الحضور ....عقلي وفكري مشغولين على اخي ...سامحيني واعتذري بالنيابة عني لغسق .. سأزورها لأبارك لها في وقت لاحق !
في حينها لم تستطع تبارك ان تتمالك نفسها اذ غرقت عيناها لا ارادياً بالدموع التي لمحتها رونق لتهمس بتعاطف وحنان وهي تشاركها البكاء بينما امتدت يدها لتمسك تبارك من كتفها
- اوووه تبارك ..انت تبكين من اجله !!!
مسحت تبارك دموعها وحاولت التماسك الا انها لم تستطع النطق بحرف ..دموعها كانت نادمة ومتألمة ...لتكمل رونق بغصة مريرة
- انت تحبيه ...اعترفي بذلك صديقتي !
رفعت تبارك نظراتها الحمراء بصمت لكن ما قرأته رونق بعينيها كان اكثر من كافي لتعرف الأجابة ... سارعت رونق لأحتضانها هامسة بحب وأمل
- ان شاءلله سيعود من اجلي واجلكِ ..فقط ادعي له يا تبارك !
ابعدتها تبارك بلطف وأكدت بأبتسامة خجلة
- ادعو له ليلاً ونهاراً ...حتى في صلاة الليل اذكره صدقيني!
همست رونق بتضرع وهي تمسح دموعها
- ان شاءلله سيستجيب
ثم اكملت متسائلة ببراءة
- امممم تبارك ..اذن انت موافقة على الزواج منه اليس كذلك !!
هتفت تبارك بحرج شديد
- يا الهي رونق ...انا بماذا وانت بماذا تفكرين هل هذا وقته ؟!
لكنها اصرت بقوة
- موافقة اليس كذلك ..اجيبِ تبارك !
تنهدت تبارك وقد احست بأنها محاصرة بالفعل لتهمس بخفوت وخجل
- موافقة يا رونق فقط فليعود سالماً
عادت من دوامة افكارها وهي تعاود التركيز على الضيوف تبتسم لهم وترد على تحيتهم بذهن شارد .....
.........................................
....................................
خرج الى الحديقة بعد ان هدأت ثورته الهوجاء ... التي فارت وثارت كما الحمم البركانية منذ ان قبل وتذوق طعم تلك الشفتين العذراويتين ... ليستقبل الضيوف الذين وصلو متأخرين الى المنزل ليصادف صديقه الذي يعرفه ويعرف عائلته منذ فترة الدراسة وحتى والدته تزورهم بأستمرار وقد دعوها اليوم ايضاً في حفلة الخطبة
- زهير كيف حالك ؟!
اجابه زهير وهو يبادله العناق قائلا
- الحمدلله كيف حالك انت لم ارك منذ فترة اذا لم نسأل عنك لاتسأل عنا انت ابداً
قهقه ضاحكاً وهو يبتعد عنه قليلا
- صدقني مشغول بالعمل ....حتى ان والدتي سبقتني بالحضور منذ العصر
تبادلا بعض الكلمات قبل ان يكمل بحرج
- احم ..زهير من الجيد اني قابلتك اولا ... كنت اريد ان اتكلم معك بأمر مهم جداً ...
قطب زهير متسائلا وهو يحثه على التقدم والدخول للمنزل
- خيراً أهو امر ضروري لايحتمل التأجيل لما بعد انتهاء الحفلة
اومأ صديقه وهو يمسك زهير من ذراعه ليرغمه على التوقف ليجبه بجديه
- اجل صدقني مهم جداً وهو في الحقيقة يخص ...زوجتك ! هلا ذهبنا لمكان اخر لكي اتكلم فيه براحتي ..فأنا ..لا اريد لأاحد ان يسمع ما سأقوله لك
...............................
...................................
اخيراً وبعد مرور عدة ساعات ثقيلة عليه ... غادر جميع المدعوين .... لم يتبقى في الصالة الا سعاد وسعدية وتبارك ....استأذنت تبارك قائلة
- حسناً سأذهب لأساعد حبيبة في التنظيف .....فالصحون تملئ كل ركن في المطبخ ...عن اذنكم
تبادلت المسنتان النظرات الماكرة السعيدة وهما متفهمتان لذلك التوق الذي يعتري وليد لكي يختلي بغسق التي اصبحت زوجته قبل بضع ساعات ... نظراته كانت تفضح ما يريده ...عيناه لم تنحرفا عن النظر لذلك الجمال الخلاب الذي سرق نبضاته وجعلته يحدق بها كالتائه ... كانت غسق قد تخلصت من الحجاب مظهرة شعرها العسلي المصفف بطريقة بسيطة وناعمة ... همست سعاد بحنان وهي تنظر لهما
- هيا فلنخرج من هنا ..ولدي المسكين يكاد يجن لكي يختلي بزوجته
اومأت الأخيره ونهضت لتخرجا معاً ثم اغلقت سعاد الباب بهدوء ... الأن هي له ... زوجته ... موافقتها الخافته التي سمعها من خلف الباب جعلت شعور الانتشاء والاكتفاء يسيطر على كل خلية بجسده ... ود لو يذهب اليها بالتو واللحظة ليحتضنها ويشبع منها ...
تذكر عندما ذهب ليلبسها شبكتها وقف مبهوتاً مما رأه كانت تجلس كالأميرة ..بل كانت تتوهج كالشمس الساطعة ... اقترب منها وطبع قبلة عميقة على جبينها ... ليصدمه ويصيبه الترنح والخمول عندما استولت رائحتها العبقة المنعشة على رئتيه وتغلغلت عميقاً ..عميقاً بهما .... انقذته تبارك من ذلك الحرج الذي شعر به حينها عندما لم يعرف كيف يلبسها العقد غير انه استطاع ان يطبع قبلة على رقبتها المرمرية بخفة لم ينتبه لها احد الا تبارك التي ابتسمت بسعادة وغسقه التي توهجت بحمرة قانية ....
كان يتلقى التهاني بشرود ..يصلي ويتضرع داخله هامساً بأن تنتهي تلك الساعات على خير ... كم بدت الدقائق والثواني طووووويلة ولا نهاية لها !!
كل ذلك يدور بفكره وهو يقترب منها بخطوات هادئة ...ورزينة بينما ما يجري داخله من مشاعر هوجاء ومختلطة لايمكن ان تصفها كلمات الكون كلها ... وقف امامها بالضبط ...
كانت تجلس وهي مطرقة الرأس تتلاعب بأصابعها بتوتر .... بينما ضربات قلبها تكاد تخرج من مكمنها .... تذكرت همسات النساء المعجبة عندما دلف للغرفة ليلبسها شبكتها ..كان رجولياً ... وسيماً ... ذو هيبة طاغية ... كان يرتدي بدلة سوداء اظهرت عرض كتفيه وضخامة جسده الطويل ... يا الهي هل فعلا هذا الرجل اصبح زوجها !!! عندما قبل رقبتها شعرت بقشعريرة مرت على طول عمودها الفقري ...بينما ارتعاشة هزت جسدها بالكامل ... الحمدلله لم ينتبه احد لفعلته الجريئة تلك الا تبارك ... استطاعت ان تتماسك وتتحكم بارتعاشها لكنها لم تستطع ان تتحكم بلون الخجل الذي زحف لوجنتيها ... ولا ضربات قلبها المبعثرة من قربه ومن غيرتها الهوجاء من النظرات المسلطة عليه !
وقع نظراتها على حذائه الجلدي الاسود ... ليعاود خافقها على الطيران من جديد ... انحنى ليمسك يدها الباردة المرتجفة ثم ساعدها على الوقوف ...الصمت كان مطبقاً بينهما ...رفع رأسها بأصابعه السمراء ثم اخذ يحدق بزرقه عينيها التي اصبح داكنة على غير العادة ... ربما بسبب هذا الخجل الواضح على معالم وجهها الابيض .... رفع كلتا يديه ليمررها بطيات شعرها العسلي ... الذي لايعرف أسرقت من الشمس توهجها ام من القمر جمالها .... ثم لوجنتيها الورديتان ثم لأسفل شفتها الممتلئة ليهمس منشداً بصوت أبح وهو يلتهمها التهاماً بنظراته الداكنة
اريد اوصف جمالك حاير منين
من شعر السرح لو من الايدين
يالعطرك ورد ومكحل العينين
يالكلك ترافه وناعم الخدين
يا أبيض كطن يا لحاجبك سيفين
ربك من عسل سواك مو من طين
سحرت الناس كلهه معدل الزين
ما ظنك بشر جاوبني انت منين
شمس بالكون وحده وانت شمسين

ضحكت بخفوت ثم همست بأضطراب وهي تسبل اهدابها
- لم اكن اعرف انك تجيد الشعر الشعبي !!
ليجيبها بهمس خافت
- من اجلك تعلمت كل شيء يا غسقي !
لم ترد ..مايحصل معها مربك ...ومخجل جداً ...لأول مرة تقترب منه لهذه الدرجة الحميمية ... بل لأول مرة يتكلم معها بهذا الشكل الجريء ...لكن حتى جرائته لذيذة وذات طابع رجولي بحت !
اخذ يدور ابهامه على وجنتيها ... وهو يركز على تلك البتلتين المثيرتين اللتان سلبتا العقل والتفكير منه .... يريدها .. ويعشقها ... وهي حلاله الأن ..له بالكامل ...امام الله والناس جميعاً ....حلاله ويفعل بها مايشاء ودون ان يستغفرالله لجرائة تفكيره بها ... قال لها بحنان ودون مواربة ... لقد ازاح الحرج عنهما ... منذ ان اعترف لها بحبه السري لها
- اتعلمين يا غسق بأنني اردتك وتمنيتك لي منذ اليوم الاول الذي رأيتك فيه تجلسين على مائدة الطعام في منزلنا !!!
نظرت له بعينان براقتان وابتسامة خجولة ليكمل
- اجل ... منذ ذلك الوقت ... للأن اتذكر كيف كنت مذعورة مني .. تنظرين لي وكأني وحش على وشك التهامك ... لم يكن عليك ان تخافي مني يا غسق ..انا الوحيد الذي لم يكن عليك الخوف منه ...لأني كنت ولازلت سأحميك بروحي قبل جسدي !!
تخاف منه !!! همستها بسرها بحزن وألم ...يا الهي كم كانت انانية وحمقاء ...كيف اوجعته وجعلته يفكر بهذا الشكل ... اجابت بابتسامة تفتقد للمرح
- انا لم اكن اخاف منك يا وليد ..انا فقط ..فقط ..كنت
قاطعها مازحاً وهو لايزال يحرك ابهامه على وجنتها الناعمة
- أكنت تخافين من الندبة الموجودة على جانب وجهي ؟!
هتفت بعفوية واستنكار تنفي سريعاً
- كلااااااا بالعكس انا اراها جذابه جداً ...وهي تزيدك هيبة ووسامة !
رفع حاجبيه بتسلية واجاب بمكر محبب بينما قلبه يتضخم سعادةً
- وسامة ؟! اذن انت تريني وسيم ...
صمتت واطرقت رأسها بخجل وابتسامة حب تظهر على شفتيها ليهمس بحشرجة
- اااااه يا امي ... لابد وانك دعوت لي في ليلة القدر والله استجاب لدعواتك .. غسقي تراني وسيم وجذاب ... يا لحظك السعيد يا وليد !!!
رفع رأسها واخذ يحدق بهذا الوجه البهي الماثل امامه ... والذي اصبح ملكه هو وحده ليثبت نظراته على فمها ... لم يعد يطيق الصبر ...هذا الصبر المشابه لصبر ايوب .... هبط برأسه ليلتقط شفتيها بحركة فاجأتها وجعلتها تتجمد في مكانها ...تصاعدة ضربات قلبها ...لم تعرف ماذا تفعل ....فقط رفعت يديها ثم امسكت سترته لتوازن جسدها الذي يكاد ينهار من شدة الخجل ....ذراعه ملتفه حول خصرها بقوة ... يقربها منه بيائس وجوع محموم .. ليشعر بدفئ جسدها اللين مقارنتاً بصلابة جسده الساخن المتعطش لقربها هذا
كان يستمتع بطعم شفتيها يالله كم كان مذاقها حلواً ومنعشاً .... وكم حلم بهذه القبلة وتخيلها لمئات بل الآف المرات ... حلم بها منذ ان رأها
ابتعد عنها لاهثاً ليهمس بوله
- طعمهما كالشهد ....كالشهد تماما
ثم مرر ابهامة مرة اخرى على اسفل شفتها الحمراء بينما غسق تكاد تبكي من شدة خجلها
- ابتداءاً من الأسبوع القادم ستواصلين الدراسة وانا بنفسي سأوصلك الى الجامعة ...هل هذا واضح ؟!
جاهدت لكي تحرك رأسها ايجاباً وهي لاتزال مسبلة الأهداب ... الا انه لم يعتقها ...الظاهر بأنه مستمتع بخجلها وارتباكها هذا ..اذ امرها بلطف وهو يهمس بخشونه
- ارفعي عينيك و اجيبيني غسق !
لا ارادياً نفذت ما اراده منها ...لتصطدم فيروزيتها بحجريه المشتعلان اتقاداً من شدة وفرط اثارته وعشقه لها لترطب شفتها السفليه قبل تجيبه هامسه
- ا..ن ..شاء..لله ..وليد ...سأعاود الدراسة من جديد
اومأ وهو يبتلع ريقه بصوت مسموع قبل ان يقطف من تلك الشفتين قبلة اخرى ..اكثر عمقاً ... واقل استعجالاً ....
....................
.............................
يقود سيارته وهو يغلي من الغضب ...لا يعرف كيف تحمل قضاء تلك الساعات في المنزل ..ود لو يذهب اليها حالا ليطفئ لهيب النار المشتعله في جوفه ...لكنه تماسك من اجل وليد ..اليوم يجب ان يكون معه .... خاصة وانه لم يكن يريد ان يثير الريب من اختفائه المفاجئ من الحفل كما انه لم يكن يريد ان ينغص فرحتهم بسبب تلك المستهترة عديمة التربية .... تذكر رغماً عنه كل ما قاله صديقه ياسر عن تلك الترهات والكلام القبيح الذي تشيعه سلمى ووالدتها عن غسق وعن عائلتهم .... للأن نظرات ياسر الحرجة مرسومة امام عينيه حين قال
- صدقني زهير لو لم اكن مهتماً بسمعتكم ولو لم اكن اعرف معدنكم الاصيل لم اكن لأخبرك بنفسي ...لقد ارادت والدتي اخباركم في المنزل اليوم الا اني منعتها ...فاليوم عقد قران وليد ولم اكن ارغب بأن اعكر صفو الأجواء هناك ...لذلك اضطررت ان اخبرك بنفسي !
في حينها لم يكن يعرف بماذا يرد عليه ..الصدمة والمفاجأة الجمت لسانه وجعلت العرق النابض برقبته يتضخم نتيجة غضبه المتصاعد ..ليجيبه بوجه مظلم وخطر
- اشكر اهتمامك يا ياسر ...ومن الجيد انك اخبرتني ..انا سأتصرف
اوقف السيارة امام منزلهم بالضبط ... تنفس عدة مرات ويده تقبض على مقود السيارة بقوة .... كانت الساعة تجاوزت الحادي عشر بقليل ...التفت ينظر للأضواء المضيئة في حديقتهم وهو يهمس بتوعد
- حان موعد الخلاص منك والى الأبد
...........................
.......................
ما ان دلف الى الداخل ورأها تقف لأستقبالة بأبتسامتها الباردة بينما والدتها تجلس بأريحية حتى هاج الغضب داخله اكثر واكثر ...بدت امامه كمسخ بشع المنظر .... حقاً كانت بشعه رغم ما تملكه من جمال خارجي اجوف .... كالتحفيات الخزفية الرخيصة ... جميلة من الخارج وفارغة من الداخل ....
تقدم ناحيتها بصمت ليباغتها بصفعة قوية جعلتها تشهق وهي ترتمي على الأريكة خلفها هتفت والدتها بأستنكار وحدة
- أجننت مالذي فعلته يا همجي يا متخلف !!
اجابها بسوقية متعمدة وهو ينحني ليمسك شعر سلمى يجبرها على الوقوف
- لم تري شيئاً بعد من الهمجية والتخلف يا خالتي ام سلمى
قالت سلمى بصرخ وهي تحاول تحرير شعرها من قسوة يده
- اتركني يا مجنون ... اتركنيييييييي
صفعها مرة اخرى واخرى وبقوة وعيناه المشتعلة تلتهم وجهها بقسوة وشراسة
- تطعنين بشرف ابنة عمتي !!!! تجعليها مضغة بفم الناس لماذا !!!! مالذي فعلته لك !!! هي حتى لم تسئ اليك بمجرد نظرة فلماذا هذه القذارة والدنائة ..لماذااااااااااااااااا
كانت والدتها تحاول دفع زهير عنها وهي تسب وتشتم بأبشع الكلمات .. بينما سلمى تتلوى وهي تصرخ بألم ..
- اتركنيييييييييييييييي ...اتركنييييييييييييي
دفها بأشمئزاز وقرف ليجيبها بقوة ولهاثه يعلو وكأنه عداء يجري في سباق مرثوني
- منذ اليوم لا اريد رؤية وجهك الكريه ...لا اعرف كيف جننت وضربت على رأسي وتزوجتك ! قرار زوجي منك هو أسوء قرار ندمت على اتخاذه بحياتي كلها !!

ابتعدت عنه ووقفت خلف والدتها وهي تمسد شعرها لتهتف مقاطعة اياه بتحدي ووقاحة جعلت زهير يشحب للغاية ويتسمر مكانه متسع العينين
- هكذا اذن ؟! مادام اللعب اصبح على المكشوف ..اذن فلتعرف يا زوجي العزيز ... اني ايضاً لم ارغب بك يوماً ...لقد وافقت على اساس ان وليد هو من سيكون زوجي ...وليس انت ...اسمعتني ليس انت !!
التفتت لها والدتها وعضت على شفتها السفلى بمعنى مالذي تهذين به الا انها اكملت وهي تنظر لوالدتها
- اجل يا امي فليعرف الحقيقة ...حقيقة اني تزوجته بسبب ذلك الاتفاق السخيف الساذج بين والدي ووالده !!!!
كان زهير يقف قبالتها متجمداً ووجهه شاحب للغاية ...زوجته كانت ترغب بشقيقه زوجاً لها !!! الى اي درجة كان مخدوعاً ومغفلا ...فجأة اخذ لا ارادياً يحلل تصرفاتها معه في بداية زواجهما ... كيف كانت تتكلم معه ببرود ولا مبالاة ...تهمله ..تهمل متطلباته كزوج .... كل ذلك لأنها كانت تضع عينها على شقيقه !!! هو يثق بوليد ثقة عمياء وايضاً يعرف بأنه لو ارادها فعلا لأتخذها زوجة له منذ البداية ولما رفضها ابداً ... صحيح هو لايحب سلمى ولم يحبها يوماً ابداً خاصة بعد ان اكتشف مشاعره المدفونة تجاه حبيبة ..لكن اعترافها هذا .... لا يعرف حقاً مالمسمى الذي يجب ان يطلقه على ما يصيبه الان ... وجع ... ألم .... صدمة ... او طعنة حارة في رجولته بأنه لم يكن يملئ حياة زوجته حتى وان لم يكن لها المشاعر .. الفكرة بحد ذاتها اصابته بمقتل !!!!!!!
- مالذي يحصل هنا ؟!!
صوت والدها افاقه من شروده وقطع حبل الصمت المتوجس المترقب بينهم ليلتفت له زهير قائلا ببرود وصوت أجوف بينما يديه تكورتا بقوة على جانبيه
- اهلا سيد مراد من الجيد انك حضرت ... لانني اريد ان اخبرك ان
قاطعته رحاب قائلة بضحكة متوترة بينما تنظر لزهير برجاء خفي التقطه جيداً
- مجرد شجار صغير بسبب شيء تافهة عزيزي وسيتصالحان حالا
ابتسم زهير ساخراً واجاب
- شيء تافهه !!! اتسمين تشويهك انت وابنتك العزيزة سمعه ابنه عمتي شيء تافهه ...ام تسمين رغبه زوجتي بالزواج من شقيقي شيئاً تافها وسيحل بسهولة !!!!
تقدم مراد ثم وضع حقيبته الصغيرة على الأريكة قائلا بجمود وغضبه بدأ يتصاعد واضحاً من خلال عينيه الحادتين التي اخذ ينقلها بيهم بجمود
- مالذي يجري بالضبط !!!
هتف زهير قائلا
- انا سأخبرك عمي وبكل بساطة .... ابنتك وزوجتك تطعن بشرف ابنة عمتي ..كما انها كانت ترغب بأخي زوجاً لها ..وهي لاتراني رجل بما فيه الكفاية لأكون زوجاً يليق لمكانتها !
التفت مراد لأبنته وقال بصوت هادئ وخطير بينما ملامحه مبهمة وغامضة
- أصحيح ما يقوله !!!
نظرت له سلمى بصمت ولم يبدو الندم عليها ابداً .. ليهتف مرة اخرى وبصوت جعل سلمى ووالدتها تجفلان
- انطقي هل ما يقوله صحيح !!!
ايضاً لم يسمع ردهما الواضح جداً ... ليقترب من ابنته ينظر لها بعينان مدينتان متألمتان ثم رفع يده وصفعها بقوة قائلا
- الظاهر اني لم اربيك جيداً !!
همست سلمى بذهول وهي تضع يدها على وجهها الذي غطاه شعرها بسبب قوة الصفعة
- أأ..بي !!!!!!!!!!!!
اجابها بغضب
- اخرسي ...لا اريد سماع صوتك ابداً
حاولت زوجته الكلام الا انه رفع يده و أوقفها هامساً بخيبة أمل
- اما انت سيكون حسابك عسيراً معي ..أأكد لك ذلك !
تنهد بعمق ثم استدار لناحية زهير وقال بلهجة حرجة
- لا اعرف ماذا اقول لك يا زهير ...انا ..
قاطعه زهير بتعاطف وشفقة فعمه مراد فعلا إنسان طيب وشهم من المؤسف ان يكون له مثل هذه الزوجة الأفعى والابنة المستهترة ... اللؤم يقع على والده هو من اقترح فكرة هذا الزواج البائس الفاشل منذ البداية
- لاتقل شيئاً عمي ...انت لا ذنب لك ابداً ....ام ربما تتحمل القليل من الذنب لأنك وافقت والدي على اتمام هذا الزواج بتلك الطريقة التقليدية ....
كان الصمت الكئيب المظلم يلتف حولهم ... لم يجد مراد ما يقوله ... الكل كان ينظر للأخر بترقب ... سحب نفساً عميقاً ثم زفره بحرارة قائلاً وهو يجبر نفسه على الوقوف امامها
- كل ما أريده الأن هو ان تكف ابنتك لسانها الحاد الذي لا يخاف الله عنا هي وزوجتك ! وانا اثق بك يا عمي واثق بأنك لن تسمح لهما بالتمادي اكثر !
نقل نظراته بينهم بصمت ثم توجه الى الباب بهدوء لكنه قبل ان يخرج التفت قائلا بجمود
- نسيت ان اخبرك شيئاً مهما ... ابنتك لم تعد تلزمني ... مثلما تزوجنا بالمعروف ننفصل بالمعروف
ثم نظر لسلمى ليكمل ببرود
- انتِ ... طالق
...............................
نهاية الفصل الثاني والعشرون

قراءة ممتعة


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 23-07-19, 10:00 PM   #83

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث والعشرين
.......................
أحبك وأحب كل من يحبك
وأحب الورد جوري عبنه بلون خدك أحبك
حبيت ورد الرمان خدك شقائق نعمان
حبيت عود الريحان ميال يشبه قدك
احبك
...............
كلمات الأغنية تصدح في ارجاء السيارة ... الصمت ممتد بينهما لاتقطعه الا نظرات العيون العاشقة ....منذ الساعة السادسة صباحاً ...اتصل بها وليد لكي تتهيئ للذهاب الى الجامعة ... حماسه ونشاطه جعلت الراحة تتسلل داخلها رغم الخوف المسيطر عليها منذ ليلة امس ... اصابعها تسللت رغماً عنها لذلك الجرح الغائر في معصمها والذي يذكرها بضعفها وانهزامها الذي تحاول ان تتناساه بقوة ... لتشعر فجأة بيده السمراء الدافئة تحتضن كفها المرتجف ... التفتت تنظر له بأبتسامة ناعمة بينما هو يكاد لايشبع من التحديق المستمر لها ..... وكأنه يشعر بكل اختلاجاتها وكل ما تفكر به .. حيرتها وضعفها ... خوفها وترددها ....
عندما توقفت السيارة امام باب الجامعة خفق قلبها بعنف ورهبة كانت على وشك البكاء لكن صوته الرجولي المطمئن بث داخلها الهدوء والشجاعة حين قال
- لا تخافي غسق ...ادخلي بثقة ورأس مرفوع ...لاتهتمي لأحد ولاتعيريهم ادنى انتباه !
رمقته بأبتسامة صغيرة ليكمل بصدق وحنان وهو يستدير بجلسته ليمعن التركيز بوجهها الشاحب بينما يده تضغط على يدها بتشجيع
- ثقي ياغسق لو ان دخولي للجامعة كان مسموحاً ...اقسم بالله العظيم لدخلت معك وجلست في قاعة المحاضرات ملاصقاً بك ِ الى ان تملي مني وتطرديني بنفسك !!!!
ضحكت بخفوت ووجنتاها تتحول للون زهري محبب يشبه لون الحجاب الذي تلفه حول رأسها برقة ... لتهمس بحرج
- ليس لهذه الدرجة وليييييييد ...
ليجيبها وهو يثبت نظراته العميقة على عينيها الزائغة
- بلا غسق لهذه الدرجة واكثر ... والان ..كوني قوية من اجلي واجلكِ وصمي اذنيك عن السمع وسترين النتيجة !!!
ترجلت من السيارة تحت انظاره المنتبهة لها ...كان يشيعها بعينان عطوفتان متفهمتان ...يعرف جيداً انها مرتبكة وخائفة ...ربما معها الحق بهذا الشعور ..لكنه متأكد من انها ستتخطى هذه المشكلة ... قد يكون اليوم الاول صعباً عليها ..لكنها ستعتاد وتواصل ..بل يجب ان تواصل ...وهو سيبقى جانبها وقربها الى ان يتأكد من ان صغيرته اصبحت بالفعل قوية ...شجاعة ...
وبالفعل حاولت قدر الإمكان ان تتجنب وجودهم وهم ايضاً تجنبوا وجودها وكأنها غير مرئية بالنسبة لهم ... وان كانت الانظار متوجهة ناحيتها في بادئ الامر ... حتى صديقتها دلجين او من كانت تظنها صديقة لها كانت تتحاشها وتبتعد عنها ... وكأنها كيس قمامة سيصيبهم القرف لو اقتربوا منها ... لكن رغم ذلك كان هناك عدة فتيات تنازلن واخبرنها عن المواد السابقة ... لكن بكلمات مقتضبة وببرود شديد .. كانت مضطرة لسؤالهم ...كما ان الاساتذة كانوا متفهمين ومتعاونين معها جداً وهذا ما اراحها كثيراً ..
حسناً في الحقيقة هي فعلا ليست مهتمة بهم ...فليفكرو كما يريدون ... وجود وليد بالأضافة لمساندة عائلتها اشعرها بالأمان ..الأمان الذي افتقدته سابقاً عندما كانت تعمي عينيها وتغطيها بتلك الغشاوة السوداء ويسكن داخلها الروح المتمرة التي للان تشعر بالخجل كلما تذكرتها !!!
.........................
.....................................
يجتمعون حول مائدة الطعام يتناولون العشاء بجو حميمي يتجاذبون اطراف الحديث بسعادة ... الكل كان موجوداً ماعدا رضاب التي اصبحت تقضي اغلب وقتها بغرفتها رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها حبيبة وتبارك بالإضافة الى خالتها بمحاولة منهن على اقناعها للنزول والجلوس معهم .... هاهي اوشك اتمام الثلاث اشهر على وجودها في اربيل و حالتها تزداد سوءاً وتباعداً يوما بعد يوم خاصة منذ رحيل ملك .... رغم ذهابها الى الطبيبة التي اخبرت تبارك بوجوب تكرار الزيارة اسبوعياً .... ورغم تفائلها الا ان رضاب كانت فاقدة الثقة بنفسها لدرجة ميؤسة منها ....
قالت سعاد فجأة وهي توجه حديثها لزهير
- زهير يا ولدي غداً خذني لمنزل عائلة سلمى !
قطب قائلا بجمود
- لماذا ؟!
اجابت بطيبة وعفوية
- هل نسيت والدة سلمى مريضة ويجب ان ازورها ..انها الأصول يا ولدي !
ضحك ساخراً ثم اجابها ببرود والكلمات تخرج من فمه دفعة واحدة بل وكأنه يحمل هماً فوق اكتافه يريد التخلص منها
- لا داعي امي هي ليست مريضة بل لم تكن مريضة من الأساس ...ثم سلمى صفحة وطويتها من حياتي .... لقد طلقتها وانتهينا !

طلقها !!!! همستها بسرها وقلبها يكاد يتوقف من شدة خفقانه ....يالله طلقها ...طلقها !!! اي انها لن تراها بعد اليوم ! لن تبكي على وسادتها ليلاً ....لن تحترق بنار الغيرة وهي تراها متعلقه في ذراعه ... زهير الرجل الذي حلمت به سراً وتمنته زوجاً لها بكل جوارحها ... و منذ نعومة اظفارها اصبح ... حراً ..حراً .. يالله ...يالها من سعادة تلك الي تشعر بها ....ربما لم تشعر بهذه السعادة طوال حياتها .... رفعت نظراتها لتصطدم بعينه العسليتان العابثتان .... كان ينظر لها بجراءة وتركيز ... غمز لها بشقاوة لتحمر خجلا وتسبل أهدابها من جديد ...وقح ... ومتعالي ... لن تنسى مطلقاً قبلته المهينة ... التي جعلتها تشعر بالرخص ...رغم انها تحبه وتعشق التراب الذي يسير عليه الا ان مافعله لايغتفر ابداً ابداً .... لقد ظلت طوال الليل تحلم بالكوابيس المزعجة ...هذه هي المرة الاولى التي تتعرض لهذا الموقف ! بل لأول مرة تشعر وكأنها لم تعرفه بحياتها ابداً .. لم تعد تثق به .... كيف تثق وتستطيع ان تتواجد معه بمكان واحد وبمفردهما دون ان تتذكر قبلته تلك !!!
رباه للان تشعر بأنفاسه تلمس روحها قبل وجهها .. يديه التي امسكتها وكبلتها بقوة ...عيناه اللامعة التي احتوتها ولفتها بجدار عازل ومتملك .... رائحته الثمينة التي تسربت لخياشيمها .... ادعت الاكل وهي منتبهه لكل كلمة يتفوهه بها هذا المجنون المتقلب

قالت سعاد بتعجب ودهشة بينما شعور بالراحة تسلل اليها فهي منذ البداية لم تكن موافقة على هذا الزواج ... سلمى من بيئة تختلف كل الاختلاف عن بيئتهم .... ليس فقط بسبب الفرق الطبقي بينهم بل بسبب تربيتها المنفتحة ودلالها الزائد ... لكن رغم ذلك شعرت ببعض الشفقة عليها فليس سهلا ان تأخذ الفتاة لقب مطلقة في مجتمع لا يرحم فئة المطلقات والأرامل
- لكن لماذا ياولدي مالذي حصل ؟!
اجابها بجمود وهو يقلب الطعام بالملعقة
- نحن مختلفان امي ..انا بالشرق وهي بالغرب ...
قالت سعاد بصدق
- ربما يمكننا إصلاح الخلاف بينكم !
ابتسم بتهكم وهو يهمس داخله بمرارة ...إصلاح ماذا ؟! إصلاح فضيحتها لنا ام إصلاح رغبتها بوليد !!!! اجابها بلامبالاة
- لاشيء يمكن اصلاحة امي ..لقد طلقتها وانتهينا وللأبد
وجهت سعاد كلامها لوليد الذي كان يراقب شقيقه بصمت
- الن تقول شيئاً يا وليد !
اجابها وليد بهدوء ..فهو فعلا لم يكن ينوي التدخل في حياة زهير ..يكفي ما ناله جراء عناده وولائه المطلق لعائلته ... اجل زهير كان ولائه مطلق لعائلته فهو ضحى بنفسه في سبيل عدم انزال كلمة والده لكن بالمقابل كان الثمن الذي دفعه خلال تلك الاشهر الماضية غالياً جداً ..صحيح هو لم يكن يشتكي له بعد تلك المرة الوحيدة التي نصحه بها الا انه كان يشعر بنفوره وعدم تقبله لزوجته ...اعتقد في بادئ الامر ان ما بينهما مجرد مشكلة بسيطة وستحل بالتفاهم لكن لا ... اذ يبدو ان شقيقه فعلا لايرغب بها ..الطلاق ابغض الحلال عند الله لكنه يظل حلالا حين ينعدم التفاهم والمودة بين الزوجين ... وهو لن يدفع بأخيه لاقتراف الخطأ مرة اخرى والنتيجة الحتمية لزواجه ايضاً الفشل

- انا اثق بقرار زهير امي ...ومتأكد من ان هناك اسباب قوية جدا ومقنعة اجبرته لأتخاذ هذه الخطوة !
عم الصمت بينهم لعدة دقائق لتقطعه سعاد قائلة
- فليكتب الله الخير لكم جميعاً ...انا لايهمني شيء في هذا الدنيا إلا سعادتكم ..لكن مع ذلك اشعر بالشفقة عليها انا لدي بنات ايضاً واخاف الله فيهم ...وما لا ارتضيه لبناتي لا ارتضيه لبنات الناس ايضاً
اجابها زهير ساخراً
- اطمئني اماه هي كانت مرحبة بهذا الأنفصال بل كانت تتوق له !!
ثم وجه كلامه لتبارك
- تبارك من فضلك اذهب في وقت فراغك واجمعي اشيائها ومتعلقاتها في الحقائب وان لم يكن عندكِ مانع خذيه لمنزلهم ..لا اريد اي شيء يذكرني بها
اومأت تبارك متمته بخفوت
- حاضر اخي كما تريد !
ثم عاد ليوجه نظراته العميقة الوقحة ناحيتها .... يتتبع حركاتها دون هداوة ولا خجل من وجود العائلة كلها ... حاولت التهرب من هذا التحديق المستمر حين قالت لوليد بخجل
- وليد متى ستنفذ ما طلبته منك !
ابتسم وليد قائلا
- ان شاءلله غداً سأذهب لوزارة التربية واستفسر عن طلبك
قال زهير مقطباً بجمود بينما اشتعلت نيران الغيرة بقلبه من جديد ...هو يعرف انه سيكون غبياً واحمقاً ان شعر بالغيرة من وليد المتيم بحب زوجته لكن شعوره هذا ليس بيده هو يغار عليها فقط
- خيراً ان شاءلله ..شاركونا مخططاتكم السرية هذه !!!
اجابت غسق بسرعة و بابتسامة واسعة وهي تنظر لحبيبة بسعادة
- لقد قررت حبيبة ان تقدم على الامتحانات الخارجية للدراسة الإعدادية وطلبت من وليد المساعدة !
كتف ذراعية وتراجع الى الوراء قائلا بنبرة غيورة وغاضبة بينما عيناه تنظر لحبيبة بتوعد
- اهااااااااا .... امتحانات خارجية !! وانا اخر من يعلم في هذا المنزل ؟!
كتمت تبارك ابتسامتها وهي تبادل غسق النظرات المتفهمة لغيرة زهير الفاضحة بينما ظهر التعجب على الوجوه الباقية لتجيبه تبارك ببراءة
- والله نسينا ان نأخذ رأيك الكريم سيد زهير اعذرنا لهذا التقصير ...لكن حبيبة لم تخبرنا قرارها الا قبل عدة ساعات مضت ...
ثم اكملت بمكر وهي تنظر له
- والان هاقد عرفت هل لديك مانع ؟!
قال بأستياء وتذمر وهو مقطب الحاجبين
- ابداً لما امانع !! لكن انا من سيذهب لتقديم الطلب بعد اذن وليد طبعاً
اومأ وليد قائلا بهدوء
- حسناً لا فرق بيننا ..اذهب انت غداً واكمل الإجراءات اللازمة !
نظر لحيبية التي كانت تتابع مايجري بصمت وقد علت ملامحها الرفض من تدخله الا انه ابتسم منتصراً وهو يرفع حاجبيه مع ابتسامة سمجة ومغيضة ... ثم قال لوالدته بنبرة متوسلة بينما عيناه تنظر لها نظرة كلب مشرد
- اماه بما اني أصبحت وحيداً من جديد ..هل يمكنني العودة للعيش بغرفتي السابقة ؟!
اجابت سعاد بحنان وقلبها يتقطع الماً على ولدها الصغير خاصة وهو يرمقها بعينان حزينتان
- ياقلب والدتك ..بالتأكيد غرفتك موجود تنتظرك لقد قفلتها واخفيت مفتاحها بصندوقي الاثري القديم ..
ابتسم قائلا ببراءة وهو ينظر لحبيبة
- من فضلك حبيبة هلا فتحتها ونظفتها لي الان ... اقصد بعد العشاء ... سأجلب ملابسي واعود الي.....كم ..
اراد القول اعود اليكِ ... الا انه تدارك نفسه في الوقت المناسب ...ملامحها المتجهمة الغاضبة تنعشه وتجعله ينسى كلمات تلك الحقيرة التي قذفتها بوجهه دون خجل او حياء ... الان انتهى كل شيء ..الامور تسير بمسارها الصحيح والذي سيؤدي حتما للزواج منها ...من حبيبة ...التي تسللت لمسام جلده بهدوء وسرية .... سيفاتح عائلته بأمر الزواج لكن ليس الان سينتظر بضعة اسابيع او ربما ينتظر انتهاء امتحاناتها التي لايعرف كيف فكرت بها الان ! وعندها لاتوجد قوة ستمنعه عنها ... لأول مرة يشعر بالراحة والانانية لعدم امتلاكها لابناء عمومة او عمات ...اساساً والدها لايملك اخاً هي فقط شقيقة واحده وقد سافرت خارج العراق منذ فترة طويلة حتى قبل سقوط النظام السابق ..صحيح هي تتصل في اوقات متباعدة ... قد تصل كل عدة اعوام مرة واحدة الا ان وجودها من عدمة سواء فهي لم تهتم بهم يوماً ... قطعت كل علاقة لها مع سناء وبناتها خاصة بعد وفاة شقيقها الوحيد !!!
............................
.................
البصرة
..............
- هل انت جاد بما تفعله يا معاذ ؟! لقد ظننتك تمزح معها !!
قالتها والدته بتعجب واستنكار ... ليجيبها معاذ مؤكداً بينما يشارك والدته شرب الشاي في الصالة
- اجل امي .. لقد قررت الذهاب الى اربيل بعد غد !
وضعت قدح الشاي على الطاولة وقالت
- لست مضطراً للذهاب يا ولدي ..ثم هل سنجعل كلمة هذه الطفلة التي لم تتجاوز الخامسة تسير علينا !!!!
لم يكن ذهاب معاذ مقتصراً على اصرار ملك ...بل الفضول القاتل الذي كان يتأكله بلا رحمة هي من جعلته يسارع للذهاب ... اجل هو متشوق لرؤية تلك المرأة الغامضة ..التي اصبحت تشغل فكره وعقله مؤخراً خاصة وان ملك لا توفر جهداً لكي تذكرها كل دقيقة ... كيف تسرح شعرها ...كيف تغني لها ...كيف تلاعبها ... يالله هل يوجد هكذا حب !! انها معجزة من السماء ..كيف لطفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة ان تتعلق بأمرة غريبة لهذه الدرجة ؟! ربما هي تدابير القدر !!! كل شيء مقدر ومكتوب بعلم الغيب الذي لايعلمها الا الله تعالى ... ابتسم معاذ قائلا بتسلية
- لابأس امي الصغيرة متعلقة بها جدا وكما ترين هي لم تنساها ابداً
قالت والدته بأستياء وضيق
- لكن ياولدي انت لديك اعمالك ومصالحك ولست فارغاً لأخذها الى الشمال بين حين واخر !
اجابها بتفهم وصبر
- لا تقلقي امي لقد اتفقت مع حيدر على ان يسد وجودي خلال اليومين القادمين
اومأت قائلة
- حسنا يا معاذ افعل ماتراه مناسباً وليعينك الله على عناد تلك الطفلة التي لا اعرف من اين وثته
قهقه معاذ ضاحكاً وهو يقبل رأسها قائلا
- من ابي رحمه الله طبعاً ..الم يعاند الجميع لكي يتزوجك ام انك نسيتِ !!!
ابتسمت بحنين وقد هدأت ثورتها بلحظة واحدة
- اااه رحمه الله ...لم يكن هناك رجل يمتلك شهامة وشخصية والدك القوية الا انت !!
لتكمل بمكر وهي تنظر له بأمل
- ياليتك تجد من تعاندنا وتضرب عادات العشيرة عرض الحائط من اجلها !!
اومأ وقد تغيرت ملامحه المبتسمة ليحمل محلها الوجوم والعبوس وهو يعاود شرب الشاي قائلا بفتور
- الله كريم امي ... لا احد يعرف المخبئ له في المستقبل !
ليكمل بمرح مغيراً بمهارة دفة الحديث
- اين ملك ؟!
تنهدت قائلة باستسلام
- نائمة من شدة سعادتها !!
ثم اخذت تنظر لولدها الوسيم ..الذي يحسده الجميع على وسامته ورجولته بالإضافة لشهامته التي ورثها عن والده ... كل شيء فيه مكتمل ولا كمال الا لله ...لكن يتبقى شيء واحد ...شيء واحد يتحقق لتقص بمقص حاد تلك الألسنة التي لا تخاف الله ..والتي لاترحم ابداً ... يا الهي ...فقط لو يتزوج ...والله ستذبح عشرة خرفان وتوزعها خالصة لوجه الله تعالى ... لقد نذرت ان ترقص بيوم زفافه دون خجل وامام الجميع .... تنهدت وهي تهمس في سرها بحرقة ورجاء صادق ومن قلب ام محبة
" اللهم اهدِ ولدي ..اهده يارب وارزقه الزوجة الصالحة التي تسر قلبه وعينه "
............................
..........................................
اربيل
...........
دلفت لغرفته الذكورية التي للأن تحمل ذكريات جميلة في كل ركن منها .. فهنا كان يعطيها السكاكر ...وهنا كان يقص عليها القصص وهنا كان يشاركها اللعب في العابه الألكترونية عندما كان في بداية العشرين ....اااه منك يا زهير كم كنت مؤدباً ولطيفاً مالذي غيرك لتصبح وقح وتقبلها بذلك الشكل ..ال ..ال ..ال المدهش ... الرائع ... همست بصوت مسموع وهي تهز رأسها بقوة
- لالالا لم تكن مدهشة ابداً .. ولا رائعة ... كانت مقززة ومقرفة ... اوف .. تبا لك زهير ...جعلتني ابدو كالمجانين بالضبط !!!
تقدمت لتستبدل الشراشف بأخرى نظيفة ..أساسا غرفته كانت نظيفة لم تحتاج الى الكثير من التنظيف ..فقط مسحت الأرضية ...والطاولة التي بجانب السرير ... لا تعرف لماذا لم يطلب من تبارك ان تقوم بهذه المهمة !! ام انه تعمد ذلك لأغضتها فقط .... همست بتذمر وهي تتوجه للوسادة تحاول استبدال غلافها
- سيبقى دائما مصدر تعبي وعذابي ..البغيض سيعيش هنا ايضاً .... كيف ..كيف سأتحمل وجوده أمامي طوال الوقت !!
قطع عليها سيل الكلام صوته المسلي وهو يقول بتسلية
- من هو هذا المسكين الذي تتكلمين عنه بهذا الطريقة ؟!
التفتت تنظر له بذعر وهي تضع يدها على قلبها الذي اخذ يقرع بشدة لتقول وهي تزفر الهواء بحرارة
- زهير ..لقد ..اخفتني !!
استدارت تكمل عملها قائلة ببرود
- من المفترض والأصول ان تتنحنح قليلا ... ثم من فضلك اترك الباب مفتوحاً

تقدم ناحيتها وهو يرمي حقيبته ارضاً وبأهمال ... ثم يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بعتب وهو ينظر لها بمسكنة
- اترك الباب مفتوحاً !!! لماذا يا حبيبة هل انعدمت الثقة بيننا !! انا لازلت زهير ابن خالتك وسندك الوحيد !!!
ابتعدت عدة خطوات على الرغم من ان السرير كان يفصل بينهما
- اجل ..اجل انعدمت الثقة ..منذ ..منذ ..منذ ..اقصد
استدار بسرعة ووقف قبالتها قائلا بحرارة
- لا تقولي هذا الكلام حبيبة ....الثقة لازالت موجودة ..انا اكثر انسان يهمه امرك ...و يبحث عن راحتك ..
هتف قائلة بينما وجهها يتلون بحمرة الخجل التي يعشقها
- ابتعد عني رجاءاً .... اترك بيننا عدة خطوات فاصلة ... لقد اصبحت اخاف منك زهير ...
همس مقطباً وهو يقترب منها من جديد
- تباً يا حبيبة ...لماذا تخافين مني وانا ملجئ الأمان لك ؟!
همست بعينان دامعتان والكلمات تنساب من شفتيها بصدق وعفوية
- اجل اخاف منك ....تصرفاتك باتت تحيرني .... لا اعرف لماذا تتعمد إحراجي بهذا الشكل ..ارجوك زهير ..ان اردت فتاة تلهو معها لتملئ عليك فراغك ..ابحث عن واحدة غيري ..انا ابنه خالتك ..ارجووووك !!!
جلست على السرير تبكي بقوة وتشهق كالأطفال تماما ...تمسح دموعها تارة وتغطي فمها بكفها تارة اخرى ... بكائها كان حقيقياً ...نابعاً من صميم قلبها المتيم بحبه ..فهي بالفعل لن تتحمل فكرة ان زهير يتخذها مجرد لعبه يلهو بها ... ستموت ان نبذها وتزوج بأخرى ..ستموت حتماً ....

قطب زهير بأنزعاج بينما صدره ينقبض بقوة مؤلمة ....الى اي حد هي تراه مستهتراً ويتلاعب بعواطفها !!! هو لم يفعلها بمراهقته ليفعلها الان ومع من !! مع قطعة من روحه ...مع حبيبة ..حبيبة التي رباها على يده ...حبيبة التي اكتشف حبها العميق المتشبث داخله منذ الازل ...ربما منذ ان كان مراهقاٌ طري العود وهو لايدري ..كان كالمغيب ..الابله الساذج ..العنيد ..الذي عارض الكل واندفع لأتمام زواج غير متكافئ الاطراف والذي حكم عليه بالفشل منذ البداية ...تقدم ليجثو قرب ساقيها الا انها جفلت وابتعدت بسرعة ..امسك يدها بقوة وهو يركز عينيه الداكنة بعينيها المليئة بالدموع
- انا لن ابرر تصرفاتي لك حبيبة ... ربما ليس هذا هو الوقت المناسب ..لكن ثقي بأن شرفك هو شرفي ...تباً انت عرضي يا حبيبة ... اتفهمين معنى هذا الكلام ..عرضي الذي احافظ عليه من كل شيء واولهم من نفسي !!!
هتفت بمرارة ونبرة أتهامية بينما وجهها يتحول لثمرة حمراء ناضجة
- وقبلتك تلك ماذا تسميها ؟!!!
اجابها بتلعثم بسيط وهو يشيح بيده
- حسناً ..كانت ..كانت ..لحظة ضعف ولن تتكرر ..ثم انت استفزيتني ...
ليكمل كلامه بثقة ونبرة قوية وكأنها الملامة عن قبلته فعلا
- اجل استفزيتني ..اخبرتك مليون مرة ... يا حبيبة لا تضعي الماكياج ..يا حبيبة لا ترتدي الملابس الضيقة ..يا حبيبه لا تفردي شعرك باستمرار امام الناس .. لكنك تعاندين ..وهذه كانت النتيجة !
اجابت بعدم تصديق وعيناها تنظر له ببراءة شديدة وهي تشير لنفسها
- اذن السبب كان مني ؟! أهذا ما تقصده ؟!
أجابها بهدوء واصرار
- اجل انت السبب فيها
فغرت فاها الوردي بذهول مما جعل نظراته العسلية تنحرف ناحية شفتيها لا ارادياً ... ليعبس وهو يهب واقفاً يوليها ظهره بجمود .. يالهي فعلا وجودها معه بمكان منعزل بات خطراً ..هاهي الان تلك الرغبة البلهاء جاءت لزيارته من جديد ...توسوس له بأن يمددها على السرير ويلتهم شفتيها التهاماً .... قال بغضب وانزعاج
- ان اكملت عملك اخرجي من غرفتي ...
مسحت دموعها بينما كانت تحدق بظهره العضلي ببلاهة لكن مع جملته الاخيرة زمت شفتيها بطفوليه وهي تهمس بخفوت
- بعد ان قمت بتنظيف غرفته يطردني بدل ان يشكرني !
التفت وهو يرفع حاجبه بتعجرف
- نعم ؟!!! ماذا قلت حبيبة خانم ؟!
وقفت واتجهت نحو الباب بسرعة وهي تقول
- لاشيء ..لم اقل شيئاً ..تصبح على خير ..
تنهد هامساً بعشق بينما يرتمي بجسده على السرير
- تصبحين على سعادة يا حب عمري الوحيد
..................................
لندن
..............
يجلس امام الطبيب النفسي الخاص بمشفى الأمراض النفسية والعصبية .. الذي يقع في الأطراف البعيدة ... البعيدة جداً عن لندن ...تربط همام مصالح مشتركة مع هذا الطبيب لذلك كان اكثر من مرحب باستقبال حالة سناء .. حيث انكر معرفته بها كلياً ... كان يردد بأنها مجنونة ومشردة تجوب الشوارع على غير هدى ...
بدأ الطبيب كلامه قائلا بلغة انكليزية ماكرة
- لقد تم الكشف عليها وقد تبين فعلا انها تعاني من حالة نفسية عنيفة ... ممكن ان تؤثر سلبياً على سلامة العامة وسلامة نفسها وجنينها أيضا ...هل كنت تعرف انها حامل !
رفع همام حاجبيه بتعجب وقال وهو يقلب شفته السفلى
- حامل !!!
اومأ الطبيب مؤكداً
- اجل حامل والحمل أصبح تقريباً في شهره الثالث .... أتعرف والد الطفل ؟!
هتف همام قائلا باشمئزاز
- عن اي والد تتحدث .. ومن اين لي ان اعرف ؟!!! ما هي الا مشردة ونكرة تقضي اغلب وقتها في شوارع لندن وأزقتها القذرة .... الله اعلم مع كم شخص مارست الرذيلة تلك المجنونة والتي وجودها خارج قضبان المشفى لهو خطر كبير على سلامة المواطنين الأبرياء !!!!
ثم اضاف ببراءة تامة
- الا يمكن إجهاض الطفل ؟!
هز الطبيب رأسه قائلا ..فهو على الرغم من عدم نزاهته بالعمل الا ان إجهاض طفل وقتل روح بريئة لا يمكن ان يسمح بحدوث ذلك مطلقاً .... تحيره هذه المرأة التي منذ وصولها لم تنطق بحرف ..... فقط عندما سألوها عن اسمها قالت باقتضاب وبكلمة واحدة سناء !!!! هذا كل ما عرفوه عنها ..... لاشيء غير ذلك !!!
- بالتأكيد لن نجهضه ثم إجهاضه امر خطير على الأم .... خاصة لمن هم في مثل عمرها !!
ثم بدأ يتحدث معه عن بعض النقاط الواجب أتباعها مع سناء بينما همام يفكر بأنه الان قد تخلص من تهديد سناء وللأبد ..... من الجيد انه احضرها هنا ... لا احد يعرفها مجرد مشردة لا هوية لها ولا اهل يسألون عنها ...
تذكر كيف فتحت رضاب الباب عليهما وهما في فورة مشاعرهم المتأججة ... كانا متناغمين جداً ...جدا في الواقع .. وقد كان مستمتع معها بالفعل ... وكان ينوي اتخاذها عشيقة له ... خاصة وانها كانت مرحبة وسعيدة معه .. يتمتع معها لبضعة اشهر الى ان يتخلص منها بطريقته التي اعتاد عليها مع عشيقاته الاخريات ... بعض المال اوطقم من الماس .. وهكذا تنتهي العلاقة بالتراضي بين الطرفين ... لكنه ارتكب خطئان ...اولا لم يغلق باب الشقة بالمزلاج الخاص به وثانيا لم يستخدم الواقي الذكري عندما اقترب منها ... مما لا يقبل الشك ان هذا الطفل له .. من صلبه ..كما ان شهور الحمل متناسبة تماماً مع شهور اقترابه منا .. لكنه سيكون مجنوناً ان ورط نفسه معها ..ثم ما ادراه ان امرأة في الأربعينيات من عمرها يمكن ان تحمل بهذه السرعة !!!
رؤيته لرضاب التي تمددت على الارض غارقة بدمائها أصابه بالذهول والارتباك لبعض الوقت ..الا انه تدارك الامر وابلغ الإسعاف ثم قال لسناء بأنه سيلحق بها للمشفى بسيارته ..لكنه عوضا عن ذلك سافر الى العراق وقام برفع دعوة لكي يطلقها ... اخذت منه الإجراءات المطلوبة هناك بضعة اسابيع الى ان طلقها رسمياً .. ثم ارسل لهم خبراً بذلك ...مع المحامي الخاص به ..
بعدها عاد وسافر الى لندن وأقام في شقته الجديدة ... ظل هناك لبعض الوقت الى ان تخلص من رضاب ووالدتها نهائياً ... ثم باع شقته القديمة ونقل مكان عمله ..هو طبيب جراح تجميلي والف مشفى تتمنى ان يعمل لديها خاصة وان له هنا معارف كثر .. هم على اتم الاستعداد لتقديم المساعدة له دون عناء يذكر منه ...
لكنه ظل يتسائل عن مصير سناء وظل بعض الخوف والقلق من ان تثير له فضيحة يساوره بين حين واخر ..
لكن الان ...الان ... لقد انتهى منها والى الابد ... خاصة بعد ان قال عنها مجنونة ...والطبيب هنري اكد هذا الكلام ايضاً ...ببعض الأعمال النافعة المتبادلة مع دكتور هنري الجشع سيستطع ان يسيطر على كل شيء ... كما ان هذا الجرح السطحي بكتفه هو خير دليل على جنونها وتأرجحها النفسي ..سيتخذها حجة لأثبات الجنون عليها والتخلص نهائياً من وجودها !!!
...................
............................
اربيل
............
دلف الى المطبخ من الباب الخارجية ... زافراً الهواء بضيق وتعب ... لينتبه لتبارك وهي تقف امام المنضدة تصب العصير في كؤوس مرتبة على الصينية ... تقف جانبها حبيبة وهي تهمس لها وتضحك بخفوت ... قطب قائلا بجفاف
- لمن هذا العصير ؟!
التفتت له تبارك وقالت بهمس
- اششششش اخفض صوتك زهير لدينا ضيوف !
رفع حاجبيه قائلا باستخفاف
- ضيوف ؟!!!!!! ومن هم !!!
التفتت تكمل صب العصير بينما ابتسامة ماكرة ظهرت على شفتيها وهي تجيبه ببراءة زائفة
- امرأة لا اعرفها تماماً ...لكني رأيتها في الحفلة يبدو انها صديقة قديمة لأمي
نقل نظراته بين حبيبة المبتسمة التي لا تبالي لوجوده وبين تبارك التي ركزت نظراتها على ما تفعله ليقول بشك
- وماذا تريد ؟!
أجابته ببساطة وهي ترفع كتفها
- يبدو انها جاءت لتخطب لأحدهم ! ربما لولدها
قالتها ونظرت لحبيبة بتعمد ماكر بينما حبيبة بادلتها النظرات ببراءة شديدة غير واعية ولا مدركة لما تقصد تبارك والذي التقط أشارتها زهير كالرادار الآلي ... ليهمس داخله بشراسة ..اليوم من أوله كان نحساً وكريهاً و ألان عرف سبب شعوره هذا ....
هتف بغضب وجدية بالغة
- مالذي يحدث بالضبط !! الا يوجد بنات للخطبة الا في منزلنا ؟!
ثم أكمل بحدة وهو ينظر لحبيبة
- وانتِ لماذا تبتسمين ؟ هل مستعجلة على الزواج لهذه الدرجة !!!
اتسعت عينا حبيبة بشدة وهي لا تفهم حقاً سبب غضبه منها ليتوجه بخطوات واسعة نحو الصالة ...
-هتفت تبارك بدهشة
- الى اييييييييييين !!!
لكنها لم تجد جواباً على سؤالها لتهمس بخبث
- أفضل فليحترق غيرةً عله يتحرك قليلا ...ابله وغبي
قالت حبيبة بحيرة وهي تنظر لتبارك
- أرأيت كيف يتكلم معي ؟!
اجابت تبارك بلامبالاة وهي تبسم ابتسامة واسعة
- لا تهتمي له ..اتركيه لقد جن زهير على الاخر !
..................
...............................
كانت سعاد تجلس جانب المرأة التي كانت تتحدث معها بانطلاق وتركيز ...ليقطع عليهم سيل الكلام دخوله المفاجئ قائلا بنفاذ صبر
- السلام عليكم
اجابت والدته والمرأة التي أخذت تنظر له بتعجب وارتباك بآن واحد
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قالت سعاد بابتسامة حرجة وهي تنظر لزهير بتساؤل
- خيراً يا ولدي ..ماذا هناك ؟!
أجابها زهير بابتسامة باردة مستفزة وهو يقول
- خيرا يا امي .. انا فقط اردت ان اقول للحاجة
ثم نظر للمرأة الجالسة التي كانت تنظر له ببراءة
- حبيبة مخطوبة يا حاجة ..لذا اذهبِ وابحثي عن زوجة لولدك في مكان اخر
والدته فغرت فاهها بشكل مضحك فيما اتسعت عينا المرأة ببلاهة ...عم الصمت بينهم لعدة ثوان كانت سعاد مرتبكة ولا تعرف ماذا تقول لكن المراة أنقذتها وقالت ببراءة
- ومن قال لك اني اتيت لاخطب المحروسة حبيبة !!!
نظر لها بشك قائلا بوقاحة وكأنه يحاسبها على سبب الزيارة
- اذا لما اتيت لمنزلنا ؟!
وهنا تدخلت سعاد بسرعة قائلة بهدوء بينما نظراتها المتوعدة لم تفت زهير ابداً
- لقد جاءت لتطلب مني ان اكلم وليد لكي يجد عملا مناسبا لولدها في المزرعة !
أكملت المرأة بعفوية وهي تشكي ولدها
- اجل والله يا ولدي ياليتك تحاول ان تجد له عملا انت ايضاً .. لقد اتعبني ..فهو غير فالح في الدراسة ابداً وقد قرر والده ان يجعله يعمل في السوق الشعبي الا اني لا اريد ذلك ..اخشى عليه الاختلاط بأولاد السوء وهو لايزال بعمر المراهقة ... كما ان ولدي طيب وساذج جداَ ..لذلك لم اجد امامي الا وليد ... هو الوحيد الذي اثق به واستطيع ان أأتمنه عليه !!!
ظل زهير حائراً ...بماذا يرد عليها !!! تبا لك يا تبارك لقد وضعته بموقف محرج جداً .. وقفت المرأة مباشرةً ثم ودعتهما ...أوصلتها سعاد الى باب الشارع وهي تعدها بأن تكلم وليد بالقريب العاجل ....لتعود أدراجها بسرعة وهي تقول بغضب وحدة
- مالذي فعلته يا زهير !! أجننت ؟! كيف تدخل الصالة بهذا الشكل !!! ثم مالذي تفوهت به .. ما شأنك ان جائو لخطبة حبيبة ام لا !!
اجابها بجدية وهدوء
- أمي ارجوك ...فلتعلمي جيداً حبيبة أريدها لي انا ..لذلك تلافياً لاي إحراج مستقبلي انشري خبر خطبتي لها في الحي والمنطقة كلها !!

هاقد قالها وارتاح ..اجل هكذا أفضل .. هو لن يظل ينتظر طويلا الى ان تطير من يده ثم هو ابن خالتها ويحبها .. وهي ايضاً تحبه ..متأكد من ذلك .. حسنا ليكن صريحاً مع نفسه هو ليس متأكد مئة بالمئة ... الا ان اهتمامها السابق به جعل جذوة الأمل تشتعل داخله بخفوت
... نظرت له سعاد بدهشة وهي تضع يدها على ذقنها ..صحيح هي تحب حبيبة ...ولن تنكر سعادتها الكبيرة ان تزوج زهير منها ... وصحيح ايضاً في انها بدأت تشك بميل ولدها لأبنة شقيقتها ... اجل لقد كانت تشك فتصرفاته في الفترة الأخيرة كانت فاضحة جداً لكنها اقنعت نفسها ان غيرته واهتمامه اخوي ...كم كانت غبية وساذجة !!!
رغم كل ذلك هي ابداً لن تجبرها على القبول به تحت اي ظرف ... لن تستغل يتمها ابداً ...قالت وهي تجلس على الأريكة
- تعال هنا واجلس لنتفاهم
تقدم بعبوس وجلس قربها قائلا بتذمر
- مالذي نتفاهم عليه امي ...انا ابن خالتها و أريدها والى هنا وينتهي الكلام !
اجابت والدته وهي عاقدة الحاجبين
- لا لم ينتهي الكلام ..يجب ان توافق هي اولا !
هتف وهو يلتفت لينظر ناحيتها بتركيز
- ماذا !!! وهل تتجرأ !! اكسر رقبتها ان فكرت حتى بالرفض !
لتجيبه سعاد بإصرار وقوة
- وانا لن اجبرها يا زهير أفهمت ..لن اجبرها !
اومأ هامساً من بين أسنانه بخفوت
- ستوافق وقدمها فوق رقبتها !
قالت والدته بتساؤل
- ماذا ؟ !!!
اجابها بابتسامة واسعة وبريئة
- قلت حسناً امي ..لكن فلننتظر الى ان تنتهي من تلك الامتحانات التي لا اعرف من اين ظهرت لنا فجأة ثم لكل حادث حديث .. ها مارأيك ؟!
اومأت وهي تربت على فخذه بطيبة وسعادة
- أحسنت يا زهير ...وانا أوافقك الرأي ..وان شاءلله تعالى ستكون ابنة شقيقتي من نصيبك ذلك جل ما أتمناه
..........................
..................................
يؤلمني الصمت ! و تؤلمني أكثر عواقب البوحْ
...............
دلفت حبيبة الى الغرفة لتجد رضاب ممدة على السرير تحتضن الوسادة بشرود ... عيناها شاخصتان الى الأمام ... تعيش بعالم وهمي ... تحيط نفسها بسور عالي ..لا تسمح لأحد باختراقه او حتى الاقتراب منه ...كل يوم تحاول ان تفهم منها او تستدرجها بالكلام الا انها كانت تنظر لها بعينان دامعتان وابتسامة حزينة ... يالله ساعدها والطف بحالها انت ارحم الرحمين ....همستها وهي تقترب من السرير لتتمدد خلفها ...احتضنت خصرها قائلة بهمس خافت
- رضاب ...حبيبتي ...تعالي لننزل الى الحديقة ... الشمس شارفت على الغروب والجو ربيعي ورائع جداً
غرست رضاب أظافرها في الوسادة ... وهي تشعر بحرارة حبيبة تلفحها من الخلف ..رغم قربهم جميعاً منها الا انها وحيدة ...وحيدة ..لاحد يستطيع ان يساعدها ...لا احد يستطيع ان يفهمها ... كيف سيفهموها وهي لاتستطيع البوح .... لاتستطيع ...
تعيش في ظلام ..ظلام دامس هي رحبت به واستسلمت وسمحت له ان يبتلعها ... لقد غادرتها ...غادرتها كل الأحلام الوردية ... طفولتها ...مراهقتها ... شبابها ...طفلتها .... العدم والخواء يحيط بها من كل جانب ...شيء ثقيل ..ثقيل جداً وخانق يكتم على انفاسها
يارب ..يارب هي فقط ..فقط تريد التنفس ...تريد النور ...تريد قشة تتعلق بها ...لكن لايوجد ..لايوجد ... همست بشفتان متيبستان
- ا..نا ..بخير هنا ...
ثم التفتت تنظر لها بحزن
- شكراً لك حبيبة ...انا اعرف انك تحاولين التخفيف عني ..لكن اطمئني ...ان بفضل الله بخير ..اتنفس ..أأكل ..اشرب ...وهذا يكفي ..اليس كذلك !!!!
احتضنتها حبيبة واراحت رأس شقيقتها على صدرها قائلة بحرقة ولوعة
- لا ..لا يا رضاب ليس كافياً ... انت لازلت صغيرة ..والحياة امامك ...
قاطعتها رضاب وهي تندس بحضن اختها تناشد الحنان فيها
- حياة !! ه..هل ..قلت حياة !!! انا انتهيت يا حبيبة ..لا حياة لدي لأعيشها ..لاحياة ..لقد سلبوها مني ..هي سلبتها مني ..عندما ..عندما ....
بترت عبارتها وظلت صامته تبكي بآنين موجع ... هتفت حبيبة بقوة ..ووجع
- عندما ماذا !! تكلمي رضاب ...عندما ماذا ..ماذا بالله عليك .. من هي .. تكلمي وارتاحي و اريحني معكِ !!!
شهقت رضاب بقوة وهي تهمس بجنون
- لن ارتاح ..انا لن ارتاح ..لن اجد الراحة ابداً بحياتي ..لن أجدها ..لن أجدها ... في القلب آنين ووجع لن ينتهي يا حبيبة ..لن ينتهي الا بموتي !!
أجابت حبيبة بلفهة وألم
- بعيد الشر عنك اختاه ...بعيد الشر عنكِ
تدحرجت دموع حبيبة بقهر وحزن على حال شقيقتها ..لكنها لن تيأس ستواصل معها ..ستكون جانبها طوال الوقت يجب ان تعود رضاب القوية ...الناعمة ..الجميلة ..ذات الابتسامة الرقيقة والقلب الحنون المعطاء
......................
................................
تجلس قبالته في المطعم الصغير الذي أخذها اليه وليد ... فهي ما ان جلست بسيارته بعد ان طلب من عمته السماح له بأخذ غسق للعشاء خارجاً ... حتى اعلن بأنه يريد التكلم معها بأمر ضروري ومستعجل ... ثم احضرها لهذا المطعم الجميل الذي يقع قرب شلال رائع حيث انتشرت حوله اشجار البرتقال اليانعة التي بدأت براعمها بالظهور مع هبوب نسائم شهر اذار بينما الأغاني الكردية الخاصة بأعياد الربيع تصدح بكل مكان ..
- عيد نوروز !!!
اومأ قائلا بهدوء
- اجل حبيبتي عيد نوروز ...لاتقولي انك لم تسمعي بعيد نوروز او عيد الربيع !!
صدرت عنها ضحكة صغيرة متسلية ثم أجابت بابتسامة واسعة
- اجل ..سمعت بها طبعاً ثم هي عطلة رسمية في العراق كله ...ماذا ؟! اتظنني غبية لهذه الدرجة !!
تنهد بعمق وقال
- لست غبية غسق ... لكن فعلا هناك من يجهل وجود عيد نوروز ... والان ركزي بما قلت واخبريني ما رأيك ؟!
اجابت بارتباك وخجل
- لكن ... وليد لازال الوقت مبكراً على الزواج ...ثم نحن ببداية شهر آذار وعيد نوروز في الواحد والعشرين منه اي بعد أسبوعين او ثلاث فقط !
اجابها بأصرار
- اجل وماذا في ذلك ؟!
قالت بتعلثم وهي تشيح بيدها
- حسناً هناك تجهيزات وتحضيرات و...
قاطعها بنفاذ صبر فهو فعلا لم يعد يطيق الابتعاد عنها خاصة بعد ان تذوق شفتيها واستشعر بدفئ جسدها واستجابتها الفورية له ....كما انه لايستطيع ابعاد يديه ما ان يراها امامه ...لايزال يذكر ماحدث قبل يومين عندما احس بوجودها في المطبخ بساعة متأخرة من الليل في حينها ذهب اليها مسرعاً ليتجول بفمه على وجهها ورقبتها وهو مندهش من نفسه ..فهو لم يعد يستطيع التحكم بردات فعله خاصة عندما يجدها مستسلمة له بشكل يجعل الدماء تفور فوراناً بجسده ... والله لولا احترام عمته لأخذها لغرفته وامتلكها فوراً لتكون زوجته قولا وفعلا ...
- كل شيء سيتم خلال يومين غسق ..انت فقط وافقي ..
همست بخجل وهي تتلاعب بأصابعها بينما عيناها تتهرب من النظر اليه
- لما الاستعجال وليد والامتحانات لم يتبقى عليها الا ثلاث اشهر !
تنهد وهو يحتضن كفيها بيديه قائلا
- انظري لي غسق !!!
رفعت نظراتها الحائرة ليهمس بصبر وهدوء
- لاني تعبت غسق ..تعبت واريدك جانبي !
همست وهي تزيغ حدقتيها بوجهه
- لكني جانبك وليد وطوال اليوم
ضغط على يدها قائلا بحرقة جعلت الدماء تتدافع لوجهها
- يا الهي غسق انا أريدك ..أريدك ..هل تفهمين معنى ذلك ..أريدك جانبي ... بغرفتي تنامين على سريري وتتوسدي صدري ..اريد ان اشعر بقربك ..اريد أطفالا منك ..أريد تكوين عائلة ...لم اعد اطيق الصبر والبقاء وحيداً
رقت نظراتها بينما ابتسامة ناعمة تظهر على شفتيها ..قلبها كان يخفق بشدة ..يتضخم اكثر واكثر بحبه اجابت وهي تسحب يديها من اسر يديه القوية
- حسنا ..سأوافق لكن بشرط
عاد بظهره الى الوراء ثم كتف ذراعيه امام صدره قائلاً بتفكه
- ماهو هذا الشرط انسة غسق !
رفعت ذقنها وقالت بإصرار
- اريد ان اعرف مالذي قلته لي سابقاً عندما كلمتني باللغة الكردية !
هتف بدهشة حقيقية
- يا الهي انت لم تنسي ؟!
أومأت قائلة بإصرار مثير للضحك
- اجل لم انسى ولن أوفق الا اذا عرفت الترجمة والان حالا !
ضحك برجولة وقال
- انت مصرة اذن ؟!
أكدت بأيمائة صغيرة
- جداً جداً صدقني
سحب نفساً عميقاً ثم انحنى بجذعه ليقبض على يدها من جديد قائلا بهمس
- حسناً وانا لن أخبرك الا اذا سمعت موافقتك !!
كانت تبتسم بسعاد لكن ابتسامتها اختفت عند اخر كلمة لتقول بغضب مصطنع
- ماهذا وليد ؟! ماتقوله ليس عدلاً ...انا من طلبت اولاً !
أجابها وهو يرفع حاجبيه بتحدي
- الاتفاق اتفاق ....اقبلي وسأترجم لك !
ثم اكمل بهمس معذب ومتعب
- هيا غسق . ..اعدك سأدعك تدرسين بجو هادئ ..اقسم على ذلك ! انا تعب جداً وراحتي سأجدها بقربك !!
غامت عيناها الزرقاء بشدة حتى بدأت وكأنها سماء حالكة السواد ...تأثرت كثيراً لنبرة التعب والضعف التي ظهرت بصوته ... هي فقط مترددة بسبب امتحاناتها التي اقتربت كثيراً وهي في مرحلتها الثالثة وتحتاج الى التركيز .. خاصة وان الكثير من الدروس قد فاتتها بسبب الاحداث التي مرت في عليها في الفترة الأخيرة .... لكن كلامه اقنعها ..هما في المنزل نفسه ... مايفصل بينهما الجدار فقط ... هي تحتاجه وتحتاج لحنانه وحبه وصبره وهو على مايبدو انه يحتاجها ايضاً .... سحبت نفساً طويلا مشبعاً برائحة مياه الشلال المختلط بنسائم الربيع العطرة لتهمس بحب وخجل
- انا موافقة على الزواج في عيد نوروز يا وليد !!
تنهد براحة وكأنه فعلا قد وجد ما يبحث عنه اخيراً ... ليجيبها بهدوء وهو يركز على عينيها الجميلتان قائلا
- فراشة ذهبية طويلة اللسان .
قطبت قائلة بعدم فهم
- ما..ذا !!
اجابها وهو يتراجع للوراء بأريحيه
- الترجمة !
هتفت باستياء وهي تزم شفتيها تدعي الغضب
- اذن انا طويلة اللسان !!!
ليجيبها بمرح
- تغافلتي عن فراشة ذهبية !
لتجيبه بإصرار وهي تكتف ذراعيها
- لكن طويلة اللسان !!!
مال بجذعه ناحيتها مرة اخرى هامساً بصوت ابح
- انت فراشتي الذهبية الخاصة بي ....كنت ولازلت اعشق لسانك الطويل غسق تأكدي من ذلك جميلتي
تبخر غضبها بثانية واحدة ..اساساً هي لم تكن غاضبة ...كيف تغضب وهي تعشقه بكل جوارحها وروحها ...في بعض المرات تتخيل ان كل ما يمر بها الان من لحظات سعيدة هي مجرد احلام ستصحو منها ... فهي بحياتها لم تمتلك هذا الحب والأحتواء والحنان المطلق الخاص بها وحدها ...يالله كم تحبه ...تحبه ولا تتصور ان تكون لرجل سواه او ان يكون لأمرة اخرى غيرها ...رباه هي تكاد تموت غيرة عندما يصادفون الفتيات بطريقهم على الرغم من ان وليد يغض بصره وعلى الرغم من ثقتها المطلقة به ..الا انها هائمة بحبه حد الجنون واصبحت متملكة وغيورة جداً وهذه الخصلتان اكتشفتها مؤخراً تحديداً بعد ان اصبح وليد زوجها وحبيبها !!!
.............................
...........................
بعد سفر دام لمدة ساعة وعشر دقائق بالطائرة وصلا اخير الى اربيل .... كانت الساعة تجاوزت الخامسة والنصف صباحاً ... اي لايزال الوقت مبكراً جداً على الذهاب الى الميتم لكي يسأل عن عنوان رضاب كما ان ملك كانت مستغرقة بالنوم بعد حماسها العارم الذي ابدته منذ الفجر فهي تقريباً لم تنم من شدة سعادتها ...
ابتسم بحنان وهو يحملها بين ذراعيه ويدلف الى الفندق الذي حجز به مسبقاً ليومين متتالين ...فهو ينوي اخذ ملك الى عدة اماكن سياحية ايضاً ... ففي المرة السابقة لم تتح امامه زيارة المكان نظراً للأعمال التي تركها دون وجود رقيب عليها ...اما الان فقد طلب من ابن عمه حيدر ان يدير شؤون المكتب الى ان يعود .... ربما حيدر هو أطيب و اقرب ابناء عمومته اليه فهو دائم التواجد معه في العمل بحكم انه ارمل ...توفيت زوجته بمرض السرطان بعد ان تركت له ثلاث ابناء ولدان في طور المراهقة وبنت صغيرة في السابعة من عمرها ...
عاد من رحلة افكاره على صوت العامل وهو يحمل حقيبة السفر قائلا بأدب
- تفضل سيدي ...غرفتك من هنا
....................
..................................

اليوم سأسهَرُ للصباحِ , سأقلّدُ جُنونَ الشُعراءْ
سأكتبُ الشِعرَ فيكي حَبيبتي
سأُحاولُ عَبَثاً وَصفَ العُيون الزَرقاءْ
عَينَاكِ مُعَذِبَتي
طُيُورٌ تُحَلقُ في الفَضَاء
عَينَاكِ مُعَذِبَتي
مِراآآآآآآآآةٌ تعكِسُ وَجهَ السَمَاء
عَيَناكِ مُعَذِبَتي
البَحْرُ مِنها قَدّْ سَرَقَ الصَفَاء
على يَديكِ أميرتي تَعَلّمتُ جُنونَ العِشقِ
دَخَلتُ في دَوَّامة الحاءِ والباء
على يَديكِ أميرتي أصَبحتُ مُختَلِفاً
و لاجلكِ مَسحَتُ قَاموس النِساء
تَكفيني وَحْدَكَ غَاليتي
تَكفيني وَحْدَكَ غَاليتي
فأني ارَاكِ كُلُّ الِنساء

منقول
..............
بخطوات واسعة لحقت به وهي تلف الوشاح بإهمال حول رأسها لتنزل الدرجات بسرعة وخفة ... فهي لم تنم جيداً بسبب سعادتها وبسبب تلك السعادة التي ظهرت على وجه والدتها وعمتها عندما اخبرهم وليد بموعد الزفاف ...فهما بدئتا بالنقاش والاتفاق حول موعد ذهابهم الى السوق لشراء كل ما تحتاجه العروس من تجهيزات وملابس وغير ذلك من الأمور المعقدة التي تسمع عنها لأول مرة ... لم تكن تظن فعلا ان التجهيزات ستكون كثيرة بهذا الشكل !!!
كان وليد قد وصل لبداية الممر المؤدي الى البوابة الخارجية للمنزل ...هتفت بلهاث
- وليد ...ولييييييييد ...انتظر
توقف واستدار ناحيتها ليرمقها بنظرة مندهشة ومتعجبة بينما ابتسامة واسعة ظهرت على وجهه الرجولي ليجيبها بنبرة متعجبة
- غسق !!!!
تقدمت ناحيته وهي تنهل من طوله الفارع ووسامة وجهه الذي تراه بعينيها اوسم رجل في العالم كله ...كان يرتدي بنطال من الجينز الازرق مع قميص قطني اسود اللون .... قالت بنعومة بعد ان استردت انفاسها المتقطعة
- صباح الخير
اجابها بهدوء وهو يتفرس بوجهها الوردي
- صباح الانوار ....لماذا مستيقظة بهذا الوقت المبكر ؟!
تجاهلت سؤاله ثم اجابت بأهتمام وغيرة واضحة ...جعلت السعادة تتدفق داخله وتنفجر كأنفجار الينابيع الحارة
- الى اين انت ذاهب ياوليد انها لم تتجاوز الخامسة !!
مال ناحيتها ثم رفع كفه ليعيد خصلة من شعرها كانت قد تمردت وهربت من حجابها الذي ترتديه
- امممم وهل نزلتي بهذه السرعة لتسألي هذا السؤال ؟!
لم ينتظر ردها اذ قطب حاجبيه وهو يدعي الحزن
- وانا الذي ظننتك مهتمة وجئت لتلقي على تحية الصباح لتنعشي يومي واصبح بهذا الوجه البهي !!!
اجابت بتعلثم وحرج بينما حركة اصابعه التي اخذت تدور على وجنتها شتت تركيزها .. رفعت يدها وامسكت يده برقه
- بلا ..حقاً انا مهتمة جداً ...لكن حسناً ..فقط اجبني وليد الى اين تذهب ؟!
رفع حاجبيه وقال بتسلية
- أهذه غيرة ام عدم ثقة ؟!
هو يعرف جيداً انها تغار ..بل متأكد ايضاً فنبرت صوتها المتملكة ونظراتها الفاضحة كانت واضحة امامه جداً ... اجابت بسرعة واندفاع
- انا اثق بك كما اثق بنفسي وليد ...لكني ..حسناً انا ..انا ...اهتم لأمرك كثيراً ..الست زوجي !!!
زوجها يالله كم كانت كلمتها عفوية وبسيطة لكنها تغلغلت لروحه وقلبه ... جعلت خفقاته تتصاعد لتحلق وتصل لعنان السماء البعيدة ..بل وصلت للفضاء الخارجي ايضاً ....ليجيبها بهمس وهو يركز على عينيها التي اخذت تتهرب من اسر عينيه
- أمن الصعب عليك ان تقولي بأنك تغارين علي !!
ليكمل وهو يعتدل بوقفته
- على اية حال انا ذاهب لأتمام عمل ضروري جداً !
رفعت عيناها وقالت بعبوس
- اخبرني اين تذهب ارجوووك ثم نحن متفقان ... على الصراحة المتبادلة وليد !!
اجابها بمرح بينما فضولها وغيرتها كانت تشعره بالتسلية والسعادة
- انا لم اتفق على شيء !!
ضربت قدمها ارضاً وقالت بحدة وغضب جعلتها تبدو امامه آية من الجمال
- حسنا هاقد اتفقنا الان ...هيا وليد اخبرني !!
نظر لفمها الممتلئ المزموم بطفولية وغضب والتي رطبته بطرف لسانها بعفوية ... يبدو انها لاتعلم مدى خطورة هذه الحركة عليه .. من المصيبة لو انها تفعل هذه الحركة في الجامعة او خارج المنزل ... سيحذرها من مغبة فعل ذلك في وقت لاحق ... قطب بانزعاج .. سيقبلها ... هو يحتاج لتذوق شفتيها الان .. والان حالاً ...
امسكها من ذراعها وتوجه الى زاوية جانبية من المنزل ثم هبط دون ان يصدر كلمة ليمتلك شفتيها بجوع بينما يداه كانت تنتقل على اجزاء جسدها العلوية بجرائة .. يلمسها بقوة ويائس ... وكأنه ليس وليد المسيطر الرزين الهادئ ... جسده يستجيب لأغرائها الغير متعمد بصورة عنيدة وعنيفة وقوية ... بحياته التي قاربت على السادس والثلاثين لم يكن مندفعاً خلف رغبته هكذا ...مالذي فعلته به !!!
هذا حاله وهي ترتدي ملابس منزلية محتشمة جداَ فماذا سيفعل ان رأها بقمصان النوم الفاضحة التي ينوي شرائه لها !!! بكل تأكيد سيجن جنونه ...

اما هي كانت تقف كالمغيبة تماماً بيده .. شعورها بالخجل يتصاعد .. هذا الرجل يبهرها بتصرفاته الغير متوقعة ...اين كان يخبئ كل هذه الحركات الجريئة التي تجعل سيلا من الاحاسيس والمشاعر تتولد داخلها لم تكن تشعر بها ابداً كأرتعاش يديها وتلك الحرارة التي تغزو سائر جسدها لتنتقل وتتجمع في وجهها ... طبع قبلة طوووويلة على رقبتها ثم استنشق عطرها بعمق ووله .... قائلا بتوعد مبطن وشفتيه لاتزال تلامس رقبتها
- من الجيد اننا حدد موعد الزواج !
ابتعد عنها قليلا ثم عدل حجابها الذي تهدل جراء عبثه المحموم بها قائلا بنبرة مثيرة
- اذهبِ الى الداخل ..هيا حبيبتي
اومأت بعينان متسعتان غائمتان ... كانت زرقة عيناها متوهجة وكأنهما بحيرتان صافيتان عميقتان .. وشفتيها منفرجتان وحمراويتان بصورة لذيذة وشهية ... مشت بخطوات متعثرة ومشوشة بينما قلبها يخفق بشدة ...راقبها بابتسامة صغيرة وأنفاسه تخرج حارة وثقيلة .. وهو يهمس بتوعد وعشق
- قريباً ...قريباً يا غسق ستكونين في بيتك الحقيقي ...مكانك الطبيعي الذي خلق من اجلك .. اجل قريباً ستتوسدين صدري وأسجنك خلف قضبان أضلعي
.................
..........................
تجلس بغرفتها امام النافذة كعادتها كل يوم ... تحاول اشغال فكرها بالتطريز فلربما تنسى طفلتها التي تركتها ورحلت شأنها كشأن كل الاشياء الجميلة التي هجرتها رغما عنها ...وحدة .... ضياع ... خوف ووجع لا ينتهي ..هذا ما تشعر به بكل ثانية تمر عليها
كما ان تلك الاحلام المزعجة لا تنفك عن خنقها وتعذيبها .... خاصة هذا الحلم الذي الذي اصبحت تحلم به منذ رحيل يقين بيومين ...فهي ترى نفسها تجلس بحديقة واسعة ترتدي فستان ابيض رائع الجمال .... الشمس مشرقه وصوت العصافير ينساب لمسامعها بعذوبة لكن فجأة يتغير كل شيء ....السماء تتحول لكتله من الرماد الاسود ....الرياح القوية تهب بشدة ورهبة وكأنه ستقتلع الأشجار من جذورها ..تصرخ وتصرخ تنادي على حبيبة ...تبارك ..وليد ...لكنها لاتجد احد ....تركض بضياع وخوف لتسقط بحفرة عميقة سوداء ومخيفة ... تحاول التشبث بقوة .. لكن جسدها يبدأ بالتراخي وكأنها على وشك السقوط بتلك الحفرة لا محالة ... فجأة تجد يد تمسكها من ذراعها بقوة ...عينان دافئتان لامعتان وصوت يهمس مطمئناً ...
- انا معك لاتخافي
ثم تستيقظ فجأة وجسدها يرتعد من هول ما رأت .... العرق يتصبب من جبينها .. وضربات قلبها تخفق بشدة ... يالله الايكفيها تلك الكوابيس الاخرى ...متى ستنام براحة ...متى ستجد السعادة ..متى ...
قاطع عليها صوت تبارك حبل أفكارها السوداء وهي تقول بسعادة ولهفة
- رورو ...احزري من سيأتي الان مع وليد ؟!
توقف يدها لا إراديا عن التطريز ثم نظر لها بأنفاس لاهثة
- م..من !!!!
جلست تبارك على السرير وقالت وهي تتكأ على يديها الى الوراء وتؤرجح ساقيها قائلة بمكر
- لاااااااااا لن اقول احزري انت !!!
رمت القماش من يدها وهبت واقفه لتتجه اليها وتجلس قربها قائلة بصوت مرتجف هامس
- يقين !!! هل يقين هي من ستأتي !! ارجوك ..قولي اجل ....بالله عليك !!!
اعتدلت تبارك وامسكت يد رضاب المرتجف هامسة بشفقة
- اجل اجل لقد احضرها عمها لزيارتك ...افرحي رضاب افرحي !!!
ادمعت عيناها وارتجفت شفتيها وهي تقول
- انت لاتمزحين معي اليس كذلك ؟!
هبت تبارك واقفه وهي تقول بمرح وحماس تحاول اخفاء دموعها المتأثرة على حالة رضاب
- اااااوه يا رضاب ...اقول لك انهم في الطريق وانت تضيعين الوقت بالكلام ...هيا هيا انهضي وارتدي شيء مناسب هياااااااااااا
قالت رضاب بسعاد وحماس
- اخبرني كيف حصل ذلك !!
رفعت تبارك كتفها قائلة
- ابداً ..ببساطة شديدة ذهب معاذ
قاطعتها رضاب مقطبة
- ومن هو معاذ ؟!
اجابتها تبارك قائلة بنفاذ صبر
- مابك رضاب ...ركزي ..معاذ هو عم ملك ... حسناً لقد ذهب للسيدة عبير وطلب منها عنوان منزلنا وهي بدورها اتصلت بوليد لتبلغه وهكذا ذهب وليد اليه ثم اتصل بي ليطلب مني تحضير غداء متأخر يليق بضيفنا الكريم وبملك العزيزة ...
قالت رضاب بسعادة مطلقة
- وانت كيف عرفتِ هذا كله ؟!
أجابتها تبارك بضحكة قصيرة
- لقد اتصلت بالسيدة عبير وهي بدورها أفهمتني كل شيء بالتفاصيل المملة ... والأن كفى كلاماً واستعدي هياااااا لاشك انهم على وصول !
تركتها وغادرت الغرفة .... رفعت رضاب يديها لتمسح دموعها وهي تبكي تارة وتضحك تارة اخرى ... بسرعة اتجهت الى الدولاب وأخذت تفتش عن ملابس ترتديها وقلبها يكاد يتوقف من شدة سعادتها ..لتهمس بابتسامة واسعة
- اخيراً ..اخيراً سأراك يا يقين ..يا طفلتي الحبيبة !!
...............................
.........................................
نهاية الفصل الثالث والعشرون




Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 23-07-19, 10:02 PM   #84

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع والعشرين
............................
بغداد - المشفى
..........
يجلس على الفراش بجمود .... يستمع لكلام الطبيب الذي كان يشرح بإسهاب يحاول قدر استطاعته ان يخبره بمدى سوء حالته بكلمات لطيفة ومشجعة ... اذاً فهو فقد عينه ...فقدها للأبد ولا أمل لأن تعود كما السابق ابداً ... اه يا عبد العزيز يالك من غبي ...ألم تفهم كلام الطبيب ... لقد اقتلعوها بالكامل ... بالإضافة لفقدانه احدى عينيه اصبح منظرها مقززناً منفراً ...هو نفسه اشمئز عندما نظر لأنعكاس وجهه في المرآة ... جزء ليس بقليل من جانب وجهه كان محترقاً وعينه مفقوعة !!!!
رغم كل ذلك لايسعه القول الا الحمدلله رب العالمين ...فهو مايزال على قيد الحياة ... ربما نعمة وجوده مرتبطة بأخته الغير شقيقة رونق ...فمن لها ان فقدته !!!! صحيح هي تمتلك اقارب من ناحية والدتها ..الا انها لم تزرهم ...لم تسافر اليهم ابداً ...فضلت العيش معه ..حتى بعد ان ترملت وهي صغيرة السن !!!
اخبره الطبيب ان جبيرة يده يمكن ان يتخلص منها في اليومين القادمين لكنه قدمه لاتزال تحتاج لبعض الوقت ربما أسبوع اخر .... وانه يستطيع السير مستعيناً بعكاز خشبي ... غيبوبته استمرت لمدة اسبوعين او اكثر بقليل ... رباااه المسكينة رونق ..ترى ماحالها الان !!!
اخيراً وبعد مرور عدة دقائق على انتهاء الطبيب من كلامه قال بهدوء وسكينة
- هل أكملت كلامك دكتور ؟!
ليجيبه الطبيب بارتباك طفيف ودهشة من ملامحه الهادئة التي لاتظهر اي تأثر مما اخبره به
- اجل ...اخبرتك كل شيء وبمنتهى الصراحة
اومأ قائلا باقتضاب
- كيف يمكنني الاتصال بعائلتي لكي أطمئنهم عني !!
اخرج الطبيب هاتفه المحمول قائلا بلطف
- تفضل .....يمكنك الاتصال من هاتفي ان اردت !!
مد عبد العزيز يده ليأخذ الهاتف قائلا بشكر
- شكرا لك ..لن استغرق طويلا بالمكالمة !
وقف الطبيب قائلا
- خذ وقتك ريثما انهي الكشف على بقية المرضى ..عن اذنك ..
ضغط على عدة أزرار ثم انتظر قليلا ليصل لمسامعه صوت رونق الذي يبعث داخله الراحة والسعادة والامل
- السلام عليكم
هتفت رونق بعدم تصديق وبصوت مرتجف وكأنها بحلم
- عبد العزيز !!!! اخي عبد العزيز أهذا انت ؟!!!!
اجابها متنهداً
- اجل رونق انا عبد العزيز ...ك....
لم تدعه يكمل اذا انطلقت تهدر بنبرة بكاء وبلهفة وخوف
- اين انت اخي ...اين اختفيت كدت ان اموت قلقاً عليك يا الله ..ألاف الخيالات المرعبة مرت امام عيني ... لماذا لم تتصل بي ...عزوز اجبني ...اين كنت ...عزوز لما انت صامت !!!
طمئنها بلطف وهو يعتدل بجلسته
- انا بخير رونق لاتقلقي ... فقط تعرضت لحادث طفيف
قالها بمرح وهو يحاول ان يبدو طبيعياً .... لايريد اخافتها على الهاتف .. يكفيها الصدمة التي ستتلقاها فور عودته ..الا ان ما قاله لم يزدها الا بكاءاً وذعراً وهي تهتف بصراخ اخترق طبلة اذنه
- مااااااااااااااذا .....حادث !!! رباه عزوز اي حادث !!! وكيف ! لعد علمت ! قلبي كان يحدثني بذلك ... هل اصبت بأذى !!! هل هناك ما يؤلمك ....
اوقف سيل الكلام قائلا بهدوء بينما يده تتلمس جانب وجهه المحترق
- اهدئي رونق ...اخبرتك انا بخير اصابتي طفيفة جداً
اجابت بقلق وبنبرة معاتبة
- اذاً لماذا لم تتصل في الايام السابقة !!!
تنهد مرجعاً ظهره الى الوراء
- كنت مشغولا بعدة امور اخرى ..اسف ...رونق اغفري لي تقصيري هذا !! اخبريني كيف حالك ...هل انت بخير ...
أجابت بنعومة وقد هدئت أنفاسها اخيراً
- لا تقلق انا بخير الجيران لم يتركوني ابداً دائما يسألون عني ويتفقدوا احوالي
لتكمل بمكر وخبث
- حتى تبارك تزورني باستمرار كما انها كانت قلقة عليك جداً جداً ربما اكثر مني !
اغمض عينه السليمة وفرك جبينه بتعب وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة ...تبارك !!! تلك النسمة العذبة التي عبرت بحياته ...ياليت ما حدث لم يحدث ..ياليته لم يلتقيها ..لم يحبها .... لم يختارها زوجة ...لم يقرر من اجلها ان يغير مسار حياته التي رسمها لنفسه ...وحيداً مع اخته ... ليته ما ورط قلبه بحبها
اخرجه من شروده صوت رونق وهي تهتف
- هيييييييييي عزوز اين ذهبت !!
أجابها مبتسماً
- معك ... اسمعي انا يجب ان اغلق الهاتف الان
لتوقفه بسرعة ولهفة
- انتظر عزوز متى ستعود الى المنزل !!
يعود للمنزل !!! اجل يجب ان يعود ...بل حتما هو سيعود ...لكنه يحتاج لبعض الوقت ... يريد ان يتحلى بالشجاعة ... يستجمع شتات نفسه ...هو للأن غير مصدق كيف اصبح شكله ... وكأنه مسخ شديد القبح فكيف الحال ان شاهدوه أصدقائه ... اخته ..و... و...هي !!! تبارك !! كيف ستنظر له كيف ستفكر ... بالتأكيد ستنفر ..هذا هو الطبيعي ...اجابها مقطباً
- قريباً ان شاءلله ... لا تتصلي بهذا الرقم فهو ليس لي
اجابت بحيرة وشك
- اين هاتفك عبد العزيز ولماذا هو مغلق !!
اجابها ببساطة تامة .... فهو لم يعد يمتلك القدرة على الكذب والادعاء
- فقدته في الحادث رونق ...وقبل ان تسألي وتستفسري .. ستعرفين بنفسك كل شيء ما ان اصل ... فقط اصبري !!
هتف بسعادة واستسلام فكل ما ارادت التأكد منه هو ان اخيها بخير وبصحة جيدة وهاقد أطمئنت
- حسناً اخي ... المهم ان تكون بخير وتعود لي سالماً ... وبالمناسبة هناك مفاجأة سعيدة بانتظارك ...لن اخبرك اياها في الهاتف !!
ودعها ثم اغلق الهاتف وهو يزفر الهواء بحسرة ..اي مفاجأة واية سعادة تلك التي بأنتظاره !! لقد تحطم عالمه قبل ان يبتدأ حتى !!
.....................
...................................
تقف في الممر الداخلي للصالة ...تفرك يديها بقوة وتوتر وترقب ... بينما تبارك تنظر لها بابتسامة مشجعة وهي تهمس ..
- الان ستأتي وتريها ..فقط اصبري قليلا
اومأت باستسلام وهي تمسد على ملابسها لتهدأ من ارتعاش يديها ..كانت قد ارتدت تنورة سوداء طويلة مع قميص ربيعي زيتوني اللون يحتوي على ازهار بيضاء صغيرة عند الكتفين لينزل بالتدريج الى خصرها .. بينما تركت شعرها الناعم متهدلا على كتفيها بعفوية ... وجهها كان مشرقاً ..مبتهجاً ... وكأنها تضع مستحضرات التجميل على الرغم من انها تركت استعمالها منذ وقت طويل جداً
سمعت صوت الباب الخارجي يفتح لتتجه الى النافذة بسرعة ...تنظر من بين الستائر ... لتراها فيخفق قلبها بعنف ..دون تركيز ودون شعور او تخطيط منها .. ودون ان تعير ادنى انتباه لذلك الجسد الضخم الذي يحملها .. اتجهت بخطوات سريعة متعثرة ومرتبكة الى بوابة الصالة لتفتحها فيلفح وجهها الهواء الربيعي ... همست بصوت شبه مسموع
- يقين ...طفلتي الصغيرة
كان يحمل ملك بذراعه اليسرى وهو يسير جانب وليد الذي كان يرحب به ببشاشة ... وما ان دلف الى داخل المنزل حتى سمع صوتاً انثويا متلهفاً يصرخ بسعادة
- يقين ... طفلتي يقين ...!!
بدأت ملك تتلوى بحضنه تريد النزول فرضخ لها وانحنى لينزلها ببطء .... لتندفع الطفلة بخطواتها الصغيرة ترتمي بين ذراعيها ... ركز نظراته العميقة الزيتونية عليها ... كانت شابة ربما في بداية العشرين ... وجهها ناصع البياض ... شعرها اسود يصل لمنتصف كتفيها ... ناعماً مسترسلا يتطاير مع الهواء ... رفعت نظراتها البنية ألامعة وهي تقول بابتسامة واسعة بينما ملك تدفن رأسها برقبتها بألفه لم يستغربها ابداً
- ش..شكراً لك .. سيد معاذ... شكرا ... لأنك احضرت يقين !!
صمت ينظر لها بغرابة ... شابة ... جميلة ... ناعمة وصغيرة جداً .. عكس ما توقعها بمراحل كثيرة ... عيناه مركزة على هذا المشهد امامه ... كانت تحتضنها بحنو وكأنها بالفعل ابنتها ... لكن مهلا .. من هي يقين ؟! ولماذا تطلق هذا الاسم على ملك
صوت وليد المتضايق اخرجه من شروده عندما قال موجها الكلام الى رضاب وهو يحدجها بنظرة حادة
- اذهب الى الداخل رضاب
ثم التفت له قائلا وهو يشير بيده نحو باب الصالة الخشبي
- تفضل من هنا سيد معاذ
.............
..........................
قبلت كل انش في وجهها بلهفة غير طبيعية ...وكأنها فارقتها منذ سنوات ..رائحتها الطفولية انعشت رئتيها .. بينما السعادة تكاد تقفز من حدقتيها .... لقد عادت الى الحياة بعودتها ... همست وهي تجلسها في حضنها
- هل اشتقت لي ؟! اجيب حبيبتي ..هل اشتقت لماما !!!
اومأت الطفلة ببراءة وهي تبتعد عنها لتجلس جانبها ارضاً قائلة
- اجل كثيراً جداً ..حتى اني كنت اطلب يومياً من عمي موعاذ ان يحضرني اليك ..لكن جدتي كانت تصرخ علي !
قطبت واختفت ابتسامتها بينما قلبها ينقبض فجأة ..جدتها !! اذن فهي تمتلك جدة ...يا الهي هذا ماينقصها !!!
- لماذا كانت تصرخ عليكِ طفلتي ؟!
اجابت بتعلثم طفولي وببراءة تامة وكأنها وكالة إخبارية .... بينما عيناها ويديها مشغولتان بتلك الألعاب التي فرشتها رضاب على الأرض والتي طلبت من تبارك ان تشتريه لها منذ ان غادرت ملك فهي كانت متأكدة من انها ستلتقي بها في يوماً ما
- لا تحب ان أذكرك ...تقول لي باستمرار ..لا تقولي امي رضاب ... ليس لديك الا ام واحدة وهي الان في السماء !!!
عضت رضاب شفتها السفلى بتعجب ودهشة ... فملك طفلة صغيرة لاتفهم شيئاً ..كيف تتكلم معها بهذه الطريقة القاسية ... بينما همست بخفوت
- يا الهي !!! كيف امكنها قول ذلك !!! طفلتي المسكينة كيف تتحمل العيش مع شخص قاسي القلب مثلها !! ربااااه ربما تقوم بضربها ايضاً !!
اتسعت عيناها برعب حقيقي وهي تتخيل ان تلك المرأة ممكن فعلا ان تضرب صغيرتها وتوبخها بسبب تعلقها وطلبها المستمر لرؤيتها ... ادارت وجه ملك ناحيتها وقالت
- يقين ..حبيبتي اخبريني الصدق ..لاتكذبي ...هل ..هل جدتك تضربك !!
هزت رأسها نفياً وقالت
- لا فقط تصرخ علي ..لكن عمو موعاذ يحبني جداً ..ويأخذني الى الروضة والى مدينة الألعاب ..انا احبه اكثر من جدتي
تنهدت براحة وهي ترجع ظهرها الى الوراء متكئه على طرف السرير ... الحمدلله ... وجود معاذ طمئنها قليلا .. يا الهي ..كيف ستتحمل فراقها من جديد ... يجب ان تطلب رقم ذلك المدعو معاذ لكي تتصل للاطمئنان على يقين ...كما انها يجب ان تراها باستمرار ... لاتعرف كيف .. لكن يجب ان تتفق على ذلك ... اجل يجب ان تراها كل اسبوعين او ثلاث .. هي طفلتها ..هي يقين ... ابنتها الحبيبة ... ولن تتركها ابدا ..ابداً
....................
..............................
ظل معاذ جالساً الى المساء بطلب من وليد الذي قال له بلطف وبشاشة
- انت ضيف ..والضيف واجب اكرامه ..كما اننا اصبحنا اصدقاء ولن اسمح لك بالمغادرة الا بعد ان تتناول العشاء معنا
ملك كانت تنتقل في المكان بحرية تامة وكأنها فرد من افراد العائلة ... بل وكأن هذه العائلة هي عائلتها بالفعل .... شعر معاذ بالألفة والحميمية وكأنه يعرف وليد منذ فترة طويلة خاصة عندما التقى بزهير ووالدته ...والتي رحبت به هي الاخرى وكأنه ولدها ... فرشت السفرة وكانت عامرة بأشهى المأكولات ... ظلوا يتجاذبون اطراف الحديث الى ساعات متأخرة من الليل ... المناطق الشمالية امنة تماماً في المساء عكس باقي المحافظات العراقية التي كانت تعاني ولازالت من انعدام الأمن ... فبعد الساعة التاسعة مساءاً نادراً ما يخرج احد من منزلة ...
تمنى ان يلقي نظرة اخيرة على رضاب قبل ان يغادرهم الا انها لم تخرج ابداً ... يبدو انهم من الأسر المحافظة وهذا واضح جداً من خلال حرصهم على اغلاق باب الصالة المؤدي الى الممر الداخلي للمنزل ... لمحها لمرة واحدة فقط ... عندما فتحت ملك الباب لتذهب الى الداخل عندها كانت رضاب تنزل الدرجات التي كانت مقابلة للصالة تماماً ... لتلتقي نظراتهما بهدوء ... عيناها حزينتان ...رقيقتان ..عطوفتان ... بهما لمعة جذابة ... جعل الفضول يتأكله ليعرف مابها هذا الشابة ..ولماذا ملامحها حزينة .... هالة النقاء والبراءة تحيط بها وكأنها اميرة خيالية تخفي سراً ما ... ظلا ينظران لبعض لعدة ثوانٍ تكاد لا تعد .. لتقطعه هي بأن تسبل أهدابها وينغلق الباب فجأة !!

قال وليد وهو يوصله الى الفندق الذي يقيم فيه وبعد ان تبادلا ارقام الهاتف
- انت مدعو الى حفلة زفافي في الاسبوع القادم ان شاءلله
ابتسم معاذ وقال مهنئاً بصدق
- الف مبارك ..وبالتأكيد سأكون موجوداً مع ملك ...هذا يشرفني ويسعدني جداً
يشعر بأنه قد ارتبط بهذه العائلة ...هناك ما يجذبه ناحيتهم ... شيء خفي لا يعرف كيف يفسره .. لا علاقة له بملك ولا بطيبتهم الصادقة ... شيء اكبر واعمق من ذلك بكثيرررر !!
....................
...............................
كان يقف في المطبخ ينظر لها بتجهم ... منذ ان اخبرها بأن طلب امتحاناتها قد رفض وهي تبكي ... لها الان خمسة دقائق بالضبط ودموعها لم تنقطع ابداً .... لو كان هناك اي طريقة امامه ليسهل عليها قبولها للأمتحانات لفعلها ... فهو منذ التاسعة صباحاً كان ينتقل في أروقة ممثلية وزارة التربية ... من مكتب لأخر .. يطلب منهم بعض الاهتمام والتفسير ... ليخبره الموظف المختص اخيراً وكأنه يمن عليه بالجواب بأنهم تأخروا كثيراً في تقديم الطلب .. الذي من المفترض تقديمه في بداية السنة الدراسية ...
لقد اخبرها فور وصوله بأنه سيكون معها خطوة بخطوة في الايام المقبلة وبأنه و بنفسه سيتمم امر تقديمها للأمتحان القادمة .. لكنها لاتريد السماع ... وكأنها لاتفهم مايقوله لها !!!
تنهد قائلا بجدية تامة وهو يركز على دموعها التي كانت تتساقط بحرارة وكأن نهاية الكون تتوقف على تلك الامتحانات البائسة
- هيا حبيبة كوني اكثر تماسكاً وقوة ...الأمر لايحتاج لكل هذه الدموع !
رفعت نظراتها وقالت بضيق ...لم يعجبها نبرة الاستخفاف التي يتكلم بها ..وكأنه يستهين بقدراتها وبتصميمها على اكمال دراستها التي تركتها مرغمة
- بلا يحتاج .... كنت افكر بها ليلاً ونهاراً واضع كل امالي عليها ... بل هي فعلا كانت املي الوحيد لكسر الملل الذي اعيشه
هتفت جملتها الاخيرة مع شهقة قوية وبائسة جعلت الكلمات تخرج من فمه بعفوية وقوة
- هناك اشياء اهم عليك فعلا التفكير جدياً بها ...
اجابت بتأكيد بينما شعورها بالذنب يتصاعد ويطفو فوق روحها البريئة الشفافة
- ا..جل معك حق ... يجب ان افكر برضاب .. واكون جانبها في الايام المقبلة ..انا انانية ..فكرت بمستقبلي الدراسي ونسيتها لوهلة !!
رفع حاجبه بعدم رضا ثم دس يديه بجيبي بنطاله متكئاً على اطار النافذة
- لا انا لم اقصد رضاب في الحقيقة !
قطبت قائلة بعدم فهم
- ماذا تقصد اذن ؟!
هز كتفه بلامبالاة وهو يجيبها بغموض ...اراد ان يلهب شعلة الفضول داخلها ...اوربما يلمح لها عن نيته بخطبتها ...
- ربما سيتقدم احدهم لخطبتك قريباً
هوى قلبها الى قدميها وجفت الدموع بعينها خلال ثانية واحدة وهي تهمس داخلها بجنون ...يخطبها شخص ما !!! رباه ابعد ان تخلصت من وجود زوجته البغيضة التي كانت تقف كحجر عثرة في طريقها وبعد ان تحملت كل تلك الالام والمصائب التي حلت على رأسها جراء حبها الميؤس منه يأتي رجل اخر ويتزوجها !!!! يتزوجها وقلبها معلق بحب زهير الغبي العديم الاحساس !!!! اذا لم يكن له اي مشاعر فلماذا قبلها !! ومامعنى تلك الكلمات التي قالها في غرفته تلك الليلة !!!
اجابت بقوة وملامحها تعكس مدى رفضها
- ومن قال اني افكر في الزواج اصلاً !!!!
اجابها مقطباً بينما قلبه ينقبض من فكرة رفضها الارتباط به
- هذا هو المتوقع حبيبة ..انت لست صغيرة ..بالتأكيد ستتزوجين في يوماً ما !!
هتفت بغضب حدة وهي تتشبث بطرف الطاولة
- وانا لا افكر مطلقاً مطلقاً بالزواج ...خاصة بالطريقة التقليدية
اتسعت عيناه بذهول وعدم تصديق وهو يهتف بقوة
- نعم نعم طريقة تقليدية !!! اذن كيف تريدين الزواج حبيبة خانم !!!
ليكمل وهو يومأ برأسه قائلا وكأنه اكتشف شيئاً عظيماً بينما نظراته الشرسة تلتهمها
- الان عرفت لماذا تريدين اكمال الدراسة !
نظرت له بشك وقالت بلهاث
- ما...الذي ...عرفته !
بلمح البصر ودون ان يعطيها فرصة التراجع او الانسحاب كان يقف امامها ماداً يده يمسك ذراعها يحفر اصابعه بقوة وهو يجيبها
- تريدين الدخول للجامعة ... ومن ثمة تتعرفين على شاب في مثل عمرك .. تتمعشقين معه ...اجل ..اجل .. هذا ما تبتغيه ...
قاطعته وهي تحاول ابعاد يده عنها لتجيبه بتحدي مسفر .. بينما تثبت عيناها المتمردة على عيناه الحمراء الغاضبة
- ابتعد عني ..اتركني ...ثم حتى ان افترضنا صحة ما تقوله ... وماذا في ذلك !من حقي ان اختار شريك حياتي !
اتسعت عيناه بقوة وكأنهما ستخرجان من محجريهما بينما مجرد الفكرة جعلت النيران تندلع داخله لتتأكل قلبه ..تماما كما تندلع النيران الحارقة في الغابات الأستوائية
- افعليها ... فقط تجرئي وافعليها يا حبيبة ... وسترين ماذا يمكن لزهير الهادئ فعله !!
تخلصت منه وتراجعت بسرعه الى الوراء وهي تهتف بتحدي ... تريد ان تشاهد غضبه هذا ..الذي يجعلها تشعر بالسعادة .... الحقير ..عديم الأحساس ... ذو القلب المتحجر .... يقول لها بكل صفاقه بأنها تريد اقامة علاقة مع الشباب ...وكأنه لا يعرفها ولا يعرف اخلاقها ... الا يمتلك ذرة من الاحساس ليشعر بأنها تحبه هو .. هو ... هذا الغبي الابله !!
- ماذا ستفعل سيد زهير !!
ردها وتحديها هذا استفزه اكثر وجعل غضبه الاعمى يتصاعد ... هتف بقوة
- نجوم السماء اقرب لك مما تفكرين به يا حبيبة ..فهمتي ...انت لن تتزوجي الا بموافقتي انا ..
استدارت تغادر المطبخ بهدوء بعد ان رمقته باستخفاف متعمد ... وهي تهمس داخلها بأرتجاف ..لن اقف هنا لأستمع لهذيانه وجنونه ... بينما زهير يكاد يكسر ادوات وصحون المطبخ من شدة غيضة وغضبه ليصرخ بصوت عالٍ
- لن تتزوجي الا بموافقتي .... ضعي هذا الكلام برأسك ولا تنسيه ابداً ... أسمعتِ ..ابداً !!
.....................
...............................
كانت غسق تشعر بالأرهاق الجسدي فهي ومنذ العصر تنتقل من محل لأخر تتبع الخالة سعاد ووالدتها بطوعية تامة ... يدخلون لمحل ويخرجون من محل اخر ...الوقت يسير ببطء شديد هي تعبت والمسنتان لم تتعبا من السير والثرثرة .... تنهدت بأرهاق وهي تتصل بوليد الذي اخبرهم بأنه سينتظر اتصال منهم ليأتي ويرجعهم للمنزل ...همست بتذمر وهي تنظر لوالدتها وخالتها المشغولتين بالتحدث مع البائع
- ولييييييييد ارجوك تعال وانقذني !!
يجلس بأحد المقاهي القريبة من الاسواق المتخصصة ببيع الملابس وهو يشرب القهوة بمتهل يراقب حركة السير بشرود ... لقد اشترى بالفعل غرفة نوم رائعة وجميلة جداً وبأحدث طراز ... كما انه اتم كل الاستعدادات الخاصة بالزفاف والذي سيقيمه بحديقة منزلهم الواسعة ... ابتسم برجولة وقلبه يخفق بقوة ... لم يتبقى الكثير على موعد الزفاف .. كل شيء يتم بسهولة وبتيسير من الله ... قريبا سيستقر ويؤسس عائلة وحياة خاصة به ... حياة اختارها هو ... بأرادته ... مع الإنسانة التي اكتسحت قلبه واستحلته بالكامل ... صوت رنين هاتفه النقال اخرجه من تأمله ... ليصله صوتها الناعم المتذمر .. تأهبت حواسه بتحفز ظناً منه انها تعرضت للتحرش او المضايقة ... فهو يعرف جيداً استغلال الشباب للأماكن المزدحمة لكي يتحرشو بالفتيات .... ليجيب بأهتمام وصدق وهو يعتدل بجلسته
- ماذا هناك غسق ؟!
قالت وهي تتنهد بعمق
- لقد تعبت من اللف في الأسواق ...اشعر بالجوع والعطش ..والدتي والخالة سعاد لا تتركاني لالتقط انفاسي !!!
زفر براحة واجابها متفهماً وهو يركز نظراته الداكنة على النافذة
- أأنت منزعجة بسبب ذلك !!
هتفت بتذمر وهي تزيغ حدقتيها بتعب
- اجل وليد منزعجة ومتضايقة جداً
اجاب بهدوء
- هاتي امي لأتحدث معها
همست بخفوت وهي تسترق النظرات نحو والدتها والخالة سعاد
- حسناً لكن لاتخبرها بأني طلبت ذلك منك
ثم هتفت وهي تنادي ببرائة
- خالتي سعاد ..خالتي ...
التفتت لها سعاد بتساؤل بينما سعدية مشغولة بتقليب ملابس النوم الفاضحة
- ماذا هناك !
مدت يدها وقالت
- وليد يريد التحدث معك !
قطبت وهي تتقدم لتأخذ الهاتف من يدها لتهمس قرب اذنها قائلة بتوبيخ
- هزي طولك واذهبِ لتختاري بعضا من قمصان النوم المغرية ..هيا يافتاة تحركي ولا تظلي جامدة هكذا
اومأت قائلة وهي تبتسم بمجاملة
- حاضر خالتي ... حاضر ... سأذهب
اجابت سعاد وهي تركز على بعض الملابس المعروضة
- اهلا وليد خيراً ماذا تريد ؟!
ليأتيها صوت ولدها قائلا
- انا انتظركم بنفس المكان الذي أوصلتكم اليه قبل قليل
هتفت بذهول وهي تعدل وضع العباءة فوق رأسها
- الان !!!! لازال الوقت مبكرا ..كما اننا لم ننهي جميع الحاجيات لازال علينا شراء العطور ومستحضرات التجميل وايضاً ...
قاطعها بصبر ولطف
- لابأس امي ...انا متعب ولا استطيع الانتظار اكثر ..كما ان لدي عمل ضروري جداً كنت قد نسيته وتذكرته الان حالاً
اجابت بمحاولة منها لأقناعة
- انتظر فقط لنصف ساعة اخرى !!!
قال بلهجة قاطعة لا تقبل النقاش
- غداً امي ..غداً اكملوا شراء كل ما تريدون !
همست باستسلام وهي تنهي المحادثة
- كما تريد يا ولدي ...دقائق وسنكون بانتظارك امام بوابة السوق
...........................
...................................
تجلس على الأريكة تنقل نظراتها بين سلمى ووالدتها حيث جلستا بتأهب وكأنهما وحشين كاسرين على وشك الانقضاض عليها .... لقد اوصلها زهير مشدداً عليها نقل كل متعلقاتها دون اهمال او نسيان شيء ابداً ... هي كانت مقدره وضع سلمى ... لذلك لم تهتم لأستقبالها البارد ..فمهما يكن الطلاق ليس سهلا ابداً ...ابتسمت قائلة بلطف
- انا اسفة وحزينة لما آلت اليه الامور بينكم ...كنت اتمنى ان ...
قاطعتها سلمى بغرور وترفع وهي تضع ساق فوق الأخرى
- لا تتأسفي تبارك ...بالعكس ..انا سعيدة بهذا الانفصال الذي جاء متأخر جداً ... من المفترض ان نخطو هذه الخطوة منذ وقت طويل
لتكمل والدتها بنبرة هجومية ودفاعية وكأنها بساحة حرب
-هذا الزواج كان خطئاً منذ البداية ... لكن ماذا اقول ...الملوم الوحيد هنا هو مراد ..فهو من اصر على اتمامه بالرغم من نصيحتي بالاعتذار لوالدك ... والعدول عن قراره الظالم بحق ابنتي
همست تبارك بهدوء وهي تنظر لها بأبتسامة صغيرة جعلت غضب رحاب يتفاقم
- كل شيء قسمة ونصيب خالتي !
اجابتها بحدة
- اجل قسمة ونصيب ...ونصيبها ليس مع اخيك الذي لم يقدر النعمة التي بيده ...لطالما كان زهير مقصراً على ابنتي ....
قطبت تبارك بعدم فهم وبراءة وهي تتساءل
- ماذا تقصدين ؟! كيف كان مقصراً !!!
هزت رأسها مؤكدة وهي ترجع ظهرها الى الوراء
- اجل مقصراً في الصرف عليها ..لم يكن يسمح لها بشراء ماتريد بحجة مقدرته المالية المحدودة حتى عندما عرضنا المساعدة عليه ايضاً رفض ..ابنتي كانت تعيش بفقر مدقع !
رفعت تبارك حاجبيها بأستغراب ...عن اي فقر تتحدث !!! لطالما كان زهير مراعيا لمتطلبات زوجته المالية .... لكن ليس بأسراف كما ليس ببخل ... اجابتها بهدوء ورزانة
- ان كان زهير فقير الحال فهذا لاينقص من قدره شيئاً ... الفقر ليس عيباً يا خالتي ... لكن رغم ذلك فأخي لم يقصر معها من هذه الناحية !
اشاحت رحاب بيدها بينما سلمى تراقب مايجري بصمت
- وما ادراكِ انت بما كان يجري بينهما !!! على اية حال الكلام لم يعد يجدي نفعا الان .... شكرا لتعبك بإحضار حاجات ابنتي ...نكافئك بيوم زفافك ان شاءلله
قالت جملتها الأخيرة بسخرية ظاهرة ...بل ظاهرة جداً وكأنها تعايرها على عدم زواجها الى الأن ... مسكينة لم تعرف بأن كلامها هذا لم يعد يؤثر بها مطلقاً ... فهي اشترت راحتها بالتجاهل والادعاء بأنها لم تسمع شيئاً ومنذ فترة طووووويلة جداً .... لتجيبها تبارك بأبتسامة صغيرة وهي تقف
- تعبكم راحة خالتي ..وللمرة الثانية اسفة لكل ماحدث ...
ودعتهم بأدب وغادرت الصالة متجهه الى البوابة الخارجية لتزفر الهواء المحتبس داخل صدرها وتستنشق هواءاً نظيفاً وصحياً وهي تهمس داخلها ..متعجبه من كمية الغل والحقد الذي تحملانه بقلبهما كل من الأم والابنة ...
- كان الله بعونك يا زهير كيف ناسبت هذه العائلة وتحملتهم كل تلك الشهور !!!
................
............................
يجلسون في مطعم صغير لكن عصري وحديث يقع بأحد شوارع أربيل المزدحمة ... قالت سعاد بتعجب ومكر وهي تنظر لوليد بنظره العالم بكل شيء
- الم تقل انك مستعجل ولديك عمل مهم عليك أنجارة !!!
ثم نقلت نظراتها بينه وبين تلك القابعة جانبه وكأنها طفلة صغيرة تتدلل على والدها ليجيبها بابتسامة واسعة وهو يخطف نظراته المحبه تجاه غسق
- نتعشى فقط اماه ...لايجوز أراجعكم الى المنزل وانتم متعبون هكذا .. ستعتقد عمتي اني بخيل وقليل ذوق
لتهتف سعدية باستنكار وقوة
- معاذ الله ان افكر بك هكذا يا زينة الشباب ...وهل يوجد في العشيرة من يمتلك لطفك ولباقتك وهدوئك وو...
اسكتتها سعاد وهي تنظر لها قائلة بمكر
- اسكتي انت طيبة لاتعلمين شيئاً ثم هل ستعددين مزاياه هنا ونحن نكاد نموت جوعاً ..
ثم عادت لتنظر لولدها العاشق قائلة
- والان فلنرى ماذا سيطعمنا السيد وليد !!!

كانت سعاد تشعر وتلمس سعادة ولدها بزوجته ...تستطيع ان تقرئها بعمق عينيه الداكنتين التي ترمقان غسق بحنان الكون كله ...تنهدت براحة ..الان هي مطمئنة على وليد ...مهما كبر ابنائها يبقون امام عينيها صغاراً ... ترتاح لراحتهم ...وتسعد لسعادتهم ...ووليد وجد السعادة اخيراً ... حتى زهير بعد ان اخبرها بنيته على الزواج من حبيبة قلبها اطمئن قليلا ليس عليه فقط بل على حبيبة ايضاً ...فحبيبة رقيقة وطيبة .. تستحق السعادة .. تستحق رجل يدللها ويحبها كزهير .... تعترف ان زهير عصبي وحاد المزاج في بعض الاحيان ... الا انه طيب القلب وحسن المعشر .. كما انه يحبها وهذا واضح جداً .... لم يتبقى الا تبارك ورضاب ..ياليتها تطمئن عليهما ايضاً قبل ان تموت .... خاصة رضاب تقطع قلبها بتباعدها وانطوائها .. سامحك الله ياسناء ... كيف تهملين ابنتيك هكذا !!! من يملك مثل هاتين الزهرتين يجب ان يشكر الله كل يوم مراراً وتكراراً ... قلبها غاضب جداً على سناء ..هي حتى لاتريد ان تتصل بها ... كما انها تعرف شقيقتها جيداً طماعة وانانية بكل تأكيد هي الان تتسكع بشوارع لندن تشتري الثياب الفاخرة وتعيش حياتها بسعادة ...هذه هي سناء وستبقى هكذا طوال عمرها !!!
قال وليد ببشاشة وفخر
- هذا المطعم من انظف وافضل المطاعم في اربيل ...اتي اليه بأستمرار طعامهم لذيذ جداً
فتح قائمة الطعام الموضوعة على الطاولة قائلا بأهتمام
- والان لنرى .... ماذا تحبون ان تأكلو ... يقدمون هنا ..
ثم اخذ يعدد الاصناف المقدمة
- كشيكه ي كولاى...كفته السليمانية... قاورما ... لكزك ...قلي سيلك ... كفشك او رهك !!
هتفت غسق بتذمر
- يا الهي ماهذه الأسماء الغريبة !!! لالا انا لا افهم شيئاً ... اطلب انت يا وليد ...
اومأ ثم قال وهو ينظر لوالدته وعمته قائلا
- قلي سيلك ... كفته السليمانية .. مع السلطة ...والمقبلات مارأيكم !!
وافق الجميع على ما اختاره لهم ليأتي النادل ويدون ما طلبه .... بعد مرور عدة دقائق كان الطعام قد افترش الطاولة ... رائحته شهية وطعمة رائع جداً ... قلي سيلك ... عبارة عن قطع لحم صغيرة .. تطبخ مع البصل والتوابل الخاصة ... وتوضع على نار متوسطة الحرارة حتى يصبح اللحم قابلا للمضغ جيدا ويفضل لحم الخروف أو العجل الصغير.... كان وليد يضيف الطعام بطبق غسق وهو يهمس لها قائلا
- هيا غسق اريدك ان تنهي الطبق كله
بينما يده تسللت من تحت الطاولة لتمسك يدها بقوة ... حاولت ابعاد يدها الا انه لم يسمح لها ... التفت ينظر لها هامساً بخبث
- كلي عزيزتي ..الطعام يصبح سيء الطعم عندما يبرد
اومأت ووجهها يتوهج احمراراً ...هو لا يفوت فرصة ليتغزل ويتقرب منها ... وهذا يسعدها جداً جداً رغم الخجل الذي للأن تشعر به ناحيته قليلا .... وليد الماكر ... امامهم هادئ ومتزن ووقور ... وما ان ينفرد بها ينقلب مئه وثمانين درجة ... مندفع بعواطفه و جريء بلمساته وهمساته ... لكنها تعشق انقلابه السري هذه وتعشق جراءته الوقحة واعتادت عليها !!
.......................
............................
البصرة
...........
- أذن فأنت ستذهب الى حفل الزفاف فعلاً !!!
قالها حيدر بتعجب وهو ينظر لوجه معاذ المسترخي ... ليجيبه الأخير قائلا وهو يعتدل بجلسته
- اجل ان شاءلله ..لقد وعدت وليد بذلك !!
نظر حيدر لأبن عمه بتركيز .. معاذ متغير منذ عدة ايام ..تحديداً منذ عودته من أربيل ... متغير بطريقة ما ..لا يعرف كيف لكن ابتسامته وشروده المستمر كان امراً مثيراً للأهتمام والتأمل ... قال حيدر بهدوء
- ووالدتك !!
هز معاذ كتفه بتساؤل
- وما بها امي ؟!
ابتسم حيدر وقال
- هل تعتقد انها ستوافق على ذهابك !!
يعلم ان زوجة عمه غير راضية عن سفرة معاذ الأخيرة ... وهو يعرفها جيداً ..امرأة قوية وذات شخصية صارمة ... وهذا منعكس على تصرفاتها وطباعها الحادة ... هي كانت تفرض رأيها على عمه المرحوم الذي كان يٌشهد له بالصلابة والعناد ... كل شيء كان يفعله بإرادته الحرة .. لم يسمح لشخص بالتدخل يوماً في قراراته ...لكن مع العمة هدى كان كل شيء مختلف ... كل العشيرة كانت تعرف بمدى حبه وتعلقه بها وبمدى سيطرتها عليه ... سماحه لها بإبداء رأيها لم يكن ضعفاً منه ابداً بل بسبب حبه وعشق لها ...كان عمه الشيخ دائما يقول ..
" تلك البغدادية قلبت حياة اخي رأساً على عقب وجعلته ينسلخ عن عادات وتقاليد العشيرة"
اخرجه صوت معاذ من تأملاته حين قال
- وليد اصبح صديقي ..وقد دعاني بنفسه ...وانا وعدته بالحضور ... من غير اللائق ان اخلف وعدي له !
اجابه حيدر وهو يرفع حاجبيه بسخرية طفيفة
- لم ترد على سؤالي هل تعتقد ان والدتك ستسمح لك بالسفر !!
ليكمل بتسلية وهو يهز رأسه قائلا
- فقط لو تراها كيف كانت تتذمر بسبب ذهابك هناك في المرة الماضية ..صدقني لم تكن لتفكر بالذهاب ابداً
ابتسم معاذ ليجيبه بهدوء
- اعرف ..امي من بعد وفاة شقيقي اصبحت تشدد الخناق حولي .. وكأنها تخشى فقدي انا الأخر ... اتعرف يا حيدر ...من حقها ان ترفض سفري ... لا تنسى ان اخي لقي حتفه في أربيل !!
سحب حيدر نفساً عميقاً ثم قال
- رحمه الله .... اذن كيف ستقنعها !!
اجابه معاذ وهو يحك مؤخرة رأسه بينما يعود بظهره الى الوراء
- لا اعرف سأفكر بطريقة ما !!
اومأ حيدر قائلا
- وانا سأقف الى جانبك لو احتجتني بأي شيء
حيدر ابن عمه المرحوم صلاح الأخ الأصغر الغير شقيق لأبيه وعمه راشد .... طيب القلب لدرجة كبيرة ..لايعرف الحقد ولا النفاق على عكس ابناء عمومته زاهي ...وحسين كانا قاسيين وماكرين ... متباعدين عنه ..او ربما هو من كان متباعداً ... بسبب حقدهم الدفين عليه ظناً منهم بأنه يفكر ويطمع بأخذ المشيخة من عمه !!
وقد لمحو له بهذا الاتهام لعدة مرات ... حسناً هو حقاً لايعرف كيف تولدت هذه الفكرة الغريبة برأسهم ... كان دائماً يرد عليهم بهدوء يحاول ان يكون صديقاً لهم ... الا ان جميع محاولاته بائت بالفشل لذلك و تجنباً للمشاكل والمتاعب ... آثر الأبتعاد عنهم بصمت ...
- شكراً لك حيدر .. لا اعرف كيف أكافئك على مساعدتك المستمرة لي ... ياليتني امتلك شقيقة ..والله كنت اهديتها لك بطيب خاطر
قهقه حيدر بخفة بينما استحكمت حنجرته غصة مؤلمة ليقف قائلا بمرح
- لا داعي للشكر معاذ ..انت اخي قبل ان تكون ابن عمي ...وبالنسبة للزواج فمن هي التي سترضى بالزواج من أرمل معه ثلاث اطفال !! كما اني لا افكر بالزواج بتاتاً !
ليكمل وهو يغمز بخبث
- تركت مسأله الزواج لك انت يا ابن عمي !!
وقف ومعاذ قائلا بجدية
- انت خير من يعرف سبب عزوفي يا حيدر لذلك اغلق هذا الموضوع الان واذهب لترى مصالحك !
هز حيدر رأسه قائلا قبل ان يغادر المكتب بهدوء
- أراهنك بأنك ستنسى .... وتتزوج .... وقريباً جداً .. لدي احساس ملح يرودني بشأن ذلك ! وانا احساسي لا يخطأ ابداً وانت خير العارفين !!
ابتسم معاذ وهو يعاد الجلوس من جديد ... يحدق بأثر ابن عمه شارداً .... ليهمس قائلا بمرارة
- ليتني استطيع النسيان والبدء من جديد يا حيدر ..ليتني استطيع فعلا !!
....................
................................
الأيام التي تلت كانت حافلة بالتحضيرات والتجهيزات .... الكل مشغول بعمل شيء مهم ... اما هو فقد كان يتلوى غضباً وغيرة وهو يراها ترمقه بلامبالاة وكأنه لاشيء ... تتكلم مع الجميع بسعادة الا معه ... تبصق الكلمات في وجهه ببرود واقتضاب .... من يصدق ان كل هذا يظهر من حبيبة .. تلك الصغيرة الخجولة ...اصبحت قوية وجريئة وترادده بالكلام .... الطفلة السيئة تريد الذهاب الى الجامعة لمصاحبة الشباب ولكي تصطاد لها عريساً ... هز رأسه بسخرية وهو يركز عيناه الثاقبة عليها ...لم تعرف من هو زهير ... ومالذي ينوي فعله معها !!! فقط اصبري حبيبة .. القليل من الصبر وسترين ... اعدك بذلك ..
هتف وهو يتقدم منهما قائلا .. بدتا وكأنهما تستعدان للخروج ... بنظرة فاحصة قيم ما ترتديه ... تنورة طويلة وواسعة مع قميص اخضر اللون احتوى على تطريزات بسيطة ... شعرها جمعته على شكل جديلة طويلة ..ووجهها خالي من مستحضرات التجميل نهائياً .... سحب نفساً طويلا وهو مطمئن ..هذا يشعره ببعض السعادة ... لكن رغم ذلك كانت جميلة جدا
- الى اين العزم ان شاءلله !!!
اجابت تبارك بطيبة وهي تعدل من لف الحجاب حول وجهها
- سنذهب مع امي للسوق لنشتري الفساتين لي ولحبيبة ولرضاب !
التفت حوله قائلا
- واين هي امي ورضاب !!
اجابت ببراءة
- امي في الغرفة ذهبت لتحضر عبائتها ... ورضاب لن تخرج كالعادة طلبت منا اختيار الفستان لها !!
اومأ وذهب لعدة دقائق ثم عاد اليهم من جديد وعلى وجهه ابتسامة واسعة ومنتصره وهو يقول
- هيا سأخذكم انا الى السوق
رفعت تبارك حاجبيها بتعجب وقالت
- وامي !!!
ليجيبها وهو يلتقط مفاتيح سيارته وهاتفه المحمول من المنضدة المقابلة لشاشة التلفاز
- امي تعبه لن تأتي ...
ثم نظر لحبيبة قائلا بمكر
- ثم انا سأكون معكم واساعدكم بالاختيار ايضاً لو اردتم !!
هتفت تبارك باستنكار
- لاااااااا شكراً لانريد منك الا ان تأخذنا ذهاباً واياباً وكثر الله خيرك ..الى هنا ونكتفي بخدماتك !

كانت حبيبة تتابع ما يجري بصمت لكنها بهتت عندما قال بأنه هو من سيرافقهم الى السوق !!! لديها شعور بأن هناك مصيبة بأنتظارها ... فليستر الله ... مشى امامهم بخيلاء وتعجرف بينما تبعته تبارك بسرعة وهي غافلة عن تلك الشرارات المتوترة التي حامت بين زهير وحبيبة .... تنهدت حبيبة هامسة وهي تلحق بهم ... ماهذه الورطة ياربي !!
.........................
.........................................
اغار عليك من الهوا لو فات
واحبك مو مثل باقي اليحبون
ماتلكه اليعزك مثلي هيهات
اني لشوفتك ضميت العيون
افرح من اشوفك يوم مرتاح
واحزن لو اشوفك يوم مهموم
واذا صب الدمع من عينك وطاح
اطيح اني اعله وجهي وبعد ماكوم
.................
بعد جولة دامت لعدة ساعات اشتروا كل ما يحتاجونه ... واتصلوا بزهير الذي اوقف سيارته وسارع ناحيته الرصيف ليساعدهم بوضع العلب في صندوق السيارة ... وبينما هو يغلق الباب سمع صوت شاب همس قرب حبيبة التي كانت تقف على الرصيف كلام بذيء ووقح ... جعلت الدماء تتجمد في عروقه لوهلة لتعاود الفوران والحرارة .. وكأن اذنيه ستخرج دخاناً ساخناً لا محالة .. توقف وهو يكور قبضتيه بقوة ثم عاد أدراجة ليلحق الشاب الذي مشى عدة خطوات بطيئة ليوقفه قائلا ببرود
- ان كنت رجلا اعد ماقلته !!
التفت الشاب الذي اوحت ملامحه وهيئته بأنه ليس من أربيل ربما هو سائح جاء من احدى المحافظات الاخرى ... ليرمق زهير بنظرة ساخرة ووقحة من رأسه لأخمص قدمية ... وأجاب بتحدي وهو يركز عيناه على عيني زهير
- مؤخرة مثيرة !!!
بعد ان نطق بهذا الكلام فقد زهير كل ذرة للتعقل في رأسه ..انهال على الشاب بالضرب والسباب بينما الشاب يبادله اللكمات والضربات وكأنه لايبالي ... كان يماثل زهير طولا و رشاقه ...بعد مشاجرة دامت لعدة دقائق ثقيلة ... التف حولهم بعض المارة ليفضوا الشباك بينهم ... وبالفعل تركه زهير مرغماً وهو لايزال يرغي ويزبد بالكلام والسباب .... بينما حبيبة وتبارك جامدتان تنظران لما يجري بخوف وذعر .. خاصة حبيبة كانت تعرف ان ما حصل لن يمر مرور الكرام .... الله اعلم مالذي سيفعله زهير معها ...فهو بكل تأكيد سيوبخها ويلقي اللوم عليها .... هذا الشاب كان يلاحقها من مكان لمكان ويرمي الكلام الهامس قرب اذنها ... تبارك لم تكن منتبهه فهي كانت منشغلة بالنظر الى واجهات المحلات ... يا ليتها امتلك الجرائة لتوقفه وتضربه بالحذاء على رأسه ... لكنها هكذا خجولة وجبانة .... الوغد لقد تمادى فعلا ويستحق كل ما جرى له ...
عاد زهير وهو بحال يرثى لها ... ازرار قميصه الأولى مقطوعه و كدمة حمراء على وجنته ... كان يمسح الدم العالق اسفل شفته وهو يهمس بتوعد
- هيا امامي قبل ان ارتكب جريمة قتل الان !
مشت تبارك جانبه وقالت بينما حبيبة تسير جانب تبارك بخوف
- اهدأ يا زهير ...لم يكن عليك ان تدخل بشجار من اجل شيء تافهه مثل هذا !!
التفت ينظر لها بشراسة قبل ان ينقل نظراته المظلمة ناحية تلك المسكينة الشاحبة
- تفاهه !!! يقول لحبيبة تمتلكين مؤخرة مثيرة وتريدين مني السكوت !!! لماذا هل اخبرك احدهم اني جبان ولا استطيع الدفاع عن اهل بيتي !!!!
لم ترد عليه فقط لحقت به وهي تمسك حبيبة من ذراعها ... وما ان دخلو الى السيارة حتى هتف زهير قائلا
- اسمعيني جيداً حبيبة ..منذ اليوم لايوجد خروج من المنزل مطلقاً ... الا بوجوي انا !! فهمتي !
ابتعلت ريقها تنظر لعيناه المركزة عليها من مرآة السيارة ليهتف بغضب
- اجييييييبي لم اسمع صوتك !!!
همست بخفوت وقد تجمعت الدموع بعينيها بينما قلبها يخفق بجنون
- فهمت
عندما لمح دموعها رق قلبه لها ...هي ليست المذنبة ابداً ..حتى ملابسها محتشمة ومستورة ... الذنب يقع على أولائك الشباب المنفلتين الذين لا يراعون شرف الناس ولا حرمتهم ... تباً هو يغار عليها من وليد ...وليد الذي يعرف جيداً بأنه يعتبر حبيبة ورضاب كابنتيه ... فكيف سيكون حاله وهو يرى ويسمع ذلك الشاب المستهتر يوجه هذا الكلام لحبيبته ... صغيرته ... وزوجته المستقبلية ... قسماً بالله لو لم يتدخل المارة بأنقاذ ذلك الأهبل لكسر له أضلعه ... وليدخل بفصل عشائري او يبات ليلته في السجن لم يكن ليهمه الأمر ابداً !
جميعهم التزموا الصمت طوال طريق العودة ... كانت حبيبة تنظر للنافذة بشرود ... لم تدير وجهها ناحيته ابداً ... تعرف جيداً بانه يسلط نظراته عليها من المرآة .... ما ان وصلو الى المنزل حتى سارعت بالنزول دون كلمة واحدة ...
هتفت سعاد بقلق واستنكار وهي تشاهد تلك الكدمة في وجهه ولدها
- رباااه مابه وجهك يا زهير !!!
اجابها بجمود وهو يتوجه لغرفته
- لاشيء ... فقط اصطدمت بعمود النور دون ان انتبه !!
همست سعاد بتعجب وهي تتابع خطواته المبتعده
- عمود النور !!!
التفتت تنظر لتبارك بتساؤل لتجيب الاخيرة وهي تلحق حبيبة التي هرولت لغرفتها بسرعة البرق
- كما قال لك امي ...اصطدم بعمود النور ...
ضربت سعاد كفاً بكف وهي تهز رأسها قائلة بذهول
- الحمدلله رب العالمين ... يبدو ان اولادي قد عادوا لفترة الطفولة من جديد !!!
.............................
.......................................
مغمضة عيناها تذهب بسبات ثقيل بعد نوم متقطع بسبب تلك الكوابيس التي تزورها ككل ليلة ... والتي لم تخلف ميعادها يوماً ..كأنها اقسمت على عدم تركها ابداً حتى ولو لليلة واحدة .... احست بأنامل صغيرة تتحرك حول وجهها بشقاوة وهمس طفولي خافت
- هياااا امي انهضي !
ظلت مغمضة العينين .... هل فعلا سمعت صوت يقين توقضها !!! لالا بكل تأكيد هذا حلم وليس حقيقة ... عاودت تلك الأنامل الرقيقة مداعبت رموشها ..انفها ...وجنتيها برقه ...مع ضحكة طفولية ماكرة .... فتحت عيناها بتمهل ..كانت الرؤية مشوشة بسبب نور الشمس الذي حجب وجهها عن مدى رؤيتها ...لتتضح الصورة ببطء .... اتسعت ابتسامتها برقة وهي ترفع يدها بعدم تصديق لتلمس تلك الخصلات الناعمة وهي تقول بصوت مبحوح
- يقين .... ابنتي ..أهذه انت !!!
انحنت ملك وقبلتها دون ان تنطق كلمة ... فالطفلة اعتادت على ان تطلق عليها رضاب اسم يقين ولم تكن تمانع ابداً ... اعتدلت رضاب جالسه وهي تحتضن ملك من خصرها ثم ترفعها لتجلسها على فخذيها ....
- اووووه يا الهي ...انا لا احلم .... متى اتيت حبيبتي !
هزت كتفها وقالت بنبرتها المحببة
- احضرني عمي قبل قليل وقال لي ..ستبقين هنا اليوم وغداً !
قربتها رضاب لصدرها وقبلت رأسها بسعادة .... رؤيتها لوجه يقين البشوش جعل الصباح اجمل صباح مر عليها لحد الان ... همست بحنان
- اتمنى ان تبقي معي طوال العمر صغيرتي وليس ليوم واحد فقط !!
نظرت لها ملك بصمت بينما أصابعها تتلاعب بأزرار الثوب المنزلي الذي ترتديه رضاب ... لتنزلها رضاب ارضاً وهي تقول
- والان ...تعالي معي لأغسل وجهي واسناني ومن ثم نفطر معاً ... وبعدها نرى ماذا سنفعل فيما بعد !
.........................
...................................
كان المنزل بحالة فوضى تامة ...رضاب تقضي اغلب الوقت مع ملك ... تبارك ذهبت مع غسق الى صالون التجميل ...بينما تجمعن النسوة من الجيران والاقارب مع سعاد وسعدية لمساعدتهما في التحضيرات .... حبيبة كانت تمد يد المساعدة لخالتها متى ما ارادت ... مشت بتمهل لتتجه الى غرفتها لكنها توقفت عندما سمعت صوت زهير يناديها من داخل غرفته قائلا
- حبيبة تعالي هنا !!
قطبت وهي تزم شفتيها بضيق ..ماذا يريد منها الأن !!! تنهدت وتقدمت لتقف عند الباب تجيب ببرود
- نعم !!
كان يرتدي بنطالاً اسود ... بينما جذعه العلوي عاري تماماً ... يمسك بيده قميصاً قطني ازرق اللون ... التفت ناحيتها ثم قال ببراءة تامة وعيناه العسليتان ترمقانها بتوسل ...كانت الكدمة لاتزال تزين جانب وجهه الوسيم ... رغم شفقتها عليه لأنه حصل على هذه الكدمة بسببها ..الا انها ما ان تتذكر تحكماته وثقته الزائدة عن حدها حتى يشتعل فتيل الغضب داخلها من جديد
- حبيبة ..هلا قمت بكي هذا القميص !!! وبسرعة من فضلك !!
ارادت الرفض وليفعل ما يشاء الا ان المنزل مليئ بالضيوف كما ان تبارك ليست هنا لتقوم بهذه المهمة ..اذن ليس هناك الا هي ... اجابت بضيق وهي تتقدم لتأخذ القميص من يده بينما تحاول قدر المستطاع ابعاد نظراتها عن هذا الجسد العضلي المتناسق وكأن آله اغريقية قديمة تقف امامها
- حسناً دقائق ويكون جاهزاً
استدارت لتخرج الا انه امسكها من ذراعها قائلا
- الى اين !!
اجابت ببرود بينما جسدها يرتجف بقوة ... فرائحته العطرية جعلت نبضاتها تتصاعد والحرارة تكتسحها كالطوفان
- اكويه في غرفتي
هتف بمكر وهو يسحبها للداخل
- لالالا ... هاهي المكواة لا حاجة للذهاب لغرفتك ثم العودة لغرفتي ...وكل تلك المشاوير الطويلة ...اكويه هنا وانتهينا
اومأت وهي تبتلع ريقها بأرتباك ثم توجهت للمنضدة المخصصة لكَي الملابس وشرعت عملها صامته ..جلس على طرف السرير يراقبها بسعادة ... شبك اصابعه خلف رأسه ثم وضع ساق فوق الاخرى واخذ يحدق بها بافتتان ....
متى سيأتي هذا اليوم الذي ستكون فيه حبيبة زوجته !!! متى يغلق الباب عليهما وينهال على هذا الفم المغوي تقبيلا ... وعلى تلك الرقبة المرمرية استنشاقاً ... هو لو اراد لكلم وليد اليوم قبل الغد واخذ موافقته لكن ... لا ... الان ليس وقته ...خاصة وانها أصبحت متمردة ..لا تطيق له كلمة ...لقد تغيرت كثيراً ... اين ذهبت قطته الصغيرة الخجولة !!! لكن مع ذلك يعجبه قوتها وكبريائها .... يعجبه جداً ... اتجهت نظراته لشعرها الطويل الممتد خلف ظهرها كالشلال الحريري ليقول بهدوء
- متى سترتدين الحجاب !
اجل يريدها ان ترتدي الحجاب ... يجب ان يحافظ عليها ... للأن يشعر بفوران الدماء في اوردته ما ان يتذكر تحرش ذلك الحيوان الحقير ...
رفعت اليه نظراتها المتعجبة المندهشة ... مالذي ذكره بهذا الامر الان !! قالت بلامبالاة وهي تعاود التركيز على الكي
- لم اقرر بعد !!
ليجيبها بنبرة متهكمة وابتسامة ساخرة
- ومتى ستقررين حبيبة خانم !!
عندما يقول حبيبة خانم لاتعرف مالذي يحصل لها .. حقاً لاتعرف ... لكن الذي تعرفه بأن ما تريده هو ان تنبش اظافرها في وجهه الوسيم ... لتمحي هذه النظرة المتهكمة والابتسامة الساخرة ..اجابته بتحدي
- ليس الأن ...وليس في القريب العاجل ...لازال الوقت مبكراً !
هب واقفاً واتجه اليها ليقول بحدة وهو يمد يده ليمسك جديلتها الطويلة التي يعشقها والتي لايطيق ان ينظر لها اي شخص
- عمرك سيصبح عشرون عاماً ! وتقولين الوقت مبكر ؟! ام ربما تعجبك نظرات الشباب التي يوجهوها ناحيتك !!! ها ... اجيبي !!
ابعدت يده وقالت وهي تضع القميص جانبا و تبتعد عنه خطوتان
- ارجوك زهير ...هذا امر يخصني انا وحدي ...وانت وان كنت ابن خالتي لايعطيك الحق بأملاء الأوامر لي ... ثم رضاب غير محجبة ..لماذا لاتطلب منها ان تتحجب !
الماكرة الصغيرة وجهت له ضربة مباشرة و اصابت الهدف مباشرةً .... ماذا سيقول لها !! ايقول انه يحبها ويغار عليها ؟! ام يقول بأن رضاب لاتهمه مثل ما تهمه هي ...ولا تشغل عقله وتفكيره مثلما تفعل هي ! وشعور التملك هذا لا يجتاحه ولا يستيقظ من سباته الا ناحيتها هي فقط !! حدق بها بجمود وصمت دام لعدة ثوان قبل ان يجيبها قائلا بهدوء
- لا تقارني نفسك برضاب ..فهمتي !!
آلمها جداً ما قاله ...لماذا !!! مالذي فعلته ليجعلها مختلفة ويجعل علامات الاستفهام تتجه اليها
لتهمس بعينان دامعتان
- لماذا تفعل هذا بي زهير !!! لماذا تعاقبني بهذا الشكل !! مالذي اقترفته بحقك !!
اتسعت عيناه بشدة .. رباه الحديث اخذ يتخذ منحنى اخر تماما !! كلما اراد اصلاح الامور بينهما يعقدها بتسرعة وغضبه الاهوج
- وهل طلبي منك ارتداء الحجاب هو عقاب بوجهه نظرك يا حبيبة !
نظرت له بحيرة ... تشوش .... وعتاب ... ليكمل بهدوء ولطف وهو يتقدم منها اكثر الى ان وقف قبالتها تماماً ينظر لعينيها الدامعة بلين
- لماذا لا تسميه اهتمام ... غيرة ... حرص !
فتحت شفتيها تريد ان ترد الا ان لسانها عقد ..طارت الكلمات من عقلها ..غيرة ...حرص ..اهتمام ...مالذي يقصده بالضبط !!! قلبها يكاد ان يتوقف من شدة ضرباته ... بينما برودة مع حرارة اختلطا ليسيرا عبر عمودها الفقري ... احست بتجمع العرق على جبينها ... مايجري بينهما الان خطأ ...لايجب ان تقف هكذا امامه قريبة منه ... وهو .. يشرف عليها بطوله الفارع وعضلاته المفتولة ..بينما عيناه العسلية ترمقها بهذه الطريقة الدافئة الحنونة ... هذا الرجل بكل تأكيد يستغل برائتها وعدم نضجها ....
كان يركز نظراته على شفتيها ... ثم يعاود الصعود ليلتهم وجهها المحمر ... لاتعرف كيف شحذت طاقتها المسلوبة وحركت قدميها المتخشبة لتبتعد من امامه بصعوبة وتتجه الى الباب المفتوح ...تهرب من نفسها قبل ان تهرب من السر الكامن خلف تصرفات زهير المحيرة !!!
..........................
......................................
ليلة الحناء
..............
لن تهربي مني
فإني رجلٌ مقدرٌ عليكِ
لن تتخلصي مني
فإنَّ الله قد أرسلني إليك
.....................

الحديقة تضج بالمدعوين والشباب الذين جاءوا لمشاركة وليد سعادته .... الاغاني الخاصة بهكذا مناسبات كانت تتعالى في ارجاء الحديقة ... الاضواء معلقة على اشجار البرتقال والليمون ... بينما نهض بعض الشباب ليقوموا برقص الدبكة الكردية ليشاركهم وليد وزهير بذلك
تقام عادة الحنة في ليلة الأربعاء التي تسبق ليلة العرس في بيت العروس وبما ان غسق تعيش في نفس المنزل فقد كانت الحفلة واحدة .... حفلة الرجال في الخارج وحفلة النساء في داخل المنزل ... .
نصبت سعاد صينية كبيرة احتوت على شموع الكافور .. والياس وكاسات الحناء ... كانت غسق ترتدي فستان كرزي اللون رائع الجمال عاري الذراعين لا يحتوي الا على حمالات رفيعة ... مظهراً مقداراً سخياً من مقدمة صدرها المكتنز و الذي غطته بشال واسع يشبه لون فستانها ... شعرها مصفف بطريقة مموجة على جانب وجهها ... الرذاذ اللامع كان قد رش على شعرها وصدرها .. بينما مستحضرات التجميل كانت قد وضعت لها بطريقة اظهرت زرقة عينيها واكتمال شفتيها الشهيتان ... وتلافياً لأي احراج فقد طلب وليد وشدد على والدته لأكثر من مرة بعدم السماح مطلقاً للمدعوات بالتقاط الصور في الهواتف النقالة ...
الاغاني والزغاريد كانت تملئ المكان بهجة وسعادة بينما بعض الفتيات وقفن ليراقبن بسرية رقص الشباب على الدبكة الكردية من النافذة ....
رضاب كانت تشاركهم السعادة بصدق هذه المرة ..كيف لا وابنتها معها منذ الصباح الباكر ...لقد علمت فيما بعد ان معاذ قد حضر الزفاف بدعوة من وليد .... ثم ارسل ملك مع زهير قائلا له بأنه سيتركها اليوم في عهدة رضاب ... تنهدت براحة وهي تنقل نظراتها تراقب حبيبة وتبارك اللتان تجلسان قرب غسق .... يبدو ان معاذ هذا شخص طيب القلب ... اجل والا لم يكن ليكلف نفسه عناء الحضور من البصرة الى اربيل وهو لم يكد يتعرف على وليد .... لكنها لازالت متخوفة من جدة الطفلة ...خاصة وانها تخبر يقين وتشدد عليها على عدم ذكر اسمها ابداً ! فالطفلة تخبرها ببرائة شأنها كشأن كل الاطفال ... عن كل ما تقوله جدتها عنها !
كانت غافلة عن عيون النسوة المركزة عليها فهي اليوم متألقة وجميلة .. خاصة وهي ترتدي هذا الفستان المحتشم ذو اللون المتدرج من الأزرق الى الاخضر الفاتح .... كان وجهها متوهجاً وعيناها تلتمع كالنجوم البراقة في السماء الصافية ... وضعت لها تبارك القليل من مستحضرات التجميل و بعد الحاح شديد وافقت على ذلك .... فجأة شعرت بيد الصغيرة تضغط على يدها هامسة بتذمر ودلال
- تعالي .. تعالي
همستها ملك وهي تسحبها من يدها ..لتقطب رضاب وهي تنهض قائلة بحنان
- الى اين تأخذيني يقين !!!
لكنها لم ترد عليها لتكمل رضاب ضاحكة بنعومة وهي تتبعها مستسلمة
- حسناً ... حسناً ... على مهلك صغيرتي ها انا قادمة !!
تبعتها بابتسامة واسعة وهي تنظر لملابس ملك الجميلة كانت قد البستها فستان منفوش يشبه فساتين الاميرات ... فهي قد اوصت تبارك بشرائه لها عند ذهابها للسوق ... البسته لها فور وصولها الى اربيل .... كل الامور التي خططت وحلمت ان تفعلها مع طفلتها الراحلة هاهي تحققه الان ... حبها لهذا الطفلة يزداد يوماً بعد يوم وكأنها فعلا قطعة من قلبها .... وصلت الى المطبخ لتتفاجأ بوجوده ... كان يقف قرب الباب الخارجية للمطبخ مولياً ظهره لها .... تجمدت مكانها وهي تنظر لظهره العريض وطوله الفارع ...
مالذي يفعله هنا !!! ولماذا اصرت يقين على إحضارها للمطبخ !!! لم تعرف كيف تتصرف ارادت الانسحاب بهدوء الا ان صوته الرخيم أوقفها حين استدار قائلا لها وعيناه الزيتونيتان تعكسان دفئاً وطيبة لم تخطئها ابداً
- انتظري من فضلك !!!
....................
..............................
نهاية الفصل الرابع والعشرين


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:05 PM   #85

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس والعشرون
..................
ماكنت اؤمن بالعيون وسحرها
حتى دهتني بالهوى عيناكِ
............
كان مندمج تماماً مع اجواء الحفلة الرائعة ... كل شيء جديد عليه ... وكأنه يتعرف على عادات وتقاليد اخرى لم يكن يعرفها سابقاً وبالفعل هو كذلك ... فالدبكة الفلكلورية الكردية ... ولغة بعض الشباب التي كانوا يتكلمون بها والتي كان زهير ووليد يتبادلاها معهم بطلاقة لم يسمع مثلها من قبل ابداً ... لكنه فعلا احس بالراحة والسعادة ... كانت ملك منطلقة بينهم .. تذهب الى الداخل تارة وتعود لتجلس قربه تارة اخرى ... وقفت لتذهب للداخل بعد ان جلست جانبه لدقائق معدودة ليمسكها بمرح قائلا
- تعالي هنا يا فتاة ... إلى اين تذهبين كل دقيقة !!
اجابت بتذمر وغنج
- جائعة عمو اريد ان اطلب من ماما ان تطعمني !!
رفع حاجبه بتعجب رباه هذه الطفلة تصدق فعلا ان رضاب والدتها !! تتصرف على هذا الأساس ! حك اعلى حاجبه قائلا بمزاح
- وانا ايضاً جائع ماذا افعل !!
رفعت كتفها وقالت بعفوية طفولية بحته
- تعال ...ماما ستطعمنا نحن الاثنان !!
قطب مبتسماً بشرود ... تخيل فعلا ان تطعمه رضاب !!! تضع أمامه الطعام .. وهي تبتسم له ابتسامتها الحلوة المختلطة بشجن يليق بها !!
تنفس بعمق هامساً داخله ...مالذي جرى لك معاذ !! منذ متى تفكر بهذا الشكل ! لا بل هو لم يجد الفرصة ولم يجد من تستحق ان تشغل مساحة ضئيلة من فكره !!
لكنه فعلا يود لو يستمع لصوتها بأي حجة ... ليكن صريحا مع نفسه و يعترف بانه جاء ملبياً دعوة وليد من اجلها هي !!! تذكر تلك العاصفة الهوجاء التي افتعلتها والدته ما ان اخبرها بأنه يود السفر الى اربيل بعد مرور اقل من اسبوع على عودة الأخيرة ! كانت متعجبة من سبب تمسكه بصداقه هذه العائلة الغريبة عنهم !كانت تقول دائماً مادمنا استعدنا ملك بخير وسلامة والحمدلله فما الحاجة لسفرك المستمر هذا ؟!!
احتاج لبذل مجهود جبار لأقناعها بأنه ذاهب من اجل معاينة مواد انشائية يود شرائها لتمويل معمله ... وبعد جهد طويل وافقت على مضض
اجل جاء من اجل ان يراها ... لكن كيف سيتكلم معها ولا توجد ادنى فرصة لذلك !!!
وقف ثم انحنى هامساً بأذن ملك
- حسناً سأتي معك وانت ادخلي ونادي على رضا.. اقصد والدتك بأن تأتي للمطبخ .!!
هزت رأسها بطفولية وهي تنظر له بعينان بريئتان .... الجهه التي يقع فيها المطبخ كان هادئاً نوعاً ما لا يوجد امامه الا بضع اطفال يركضون هنا وهناك ...ان وجد احداً ما في المطبخ سيدعي انه جاء لشرب الماء !
احس بحركة خلفه أعادته من دوامة أفكاره ....ليلتفت ويراها وهي تحاول العودة ... اوقفها قائلا بسرعة
- انتظري من فضلك !!!
استدارت تنظر له بصمت مشوب بالحذر وهي ترمقه بقلق وخوف ظاهر بعينيها البنيتين ... تنفس بعمق ثم نظر خلفه ليعاود النظر اليها قائلا بابتسامة ودودة
- كيف حالك انسة رضاب !!!
انسة !!! همستها رضاب باختناق ... ليتها فعلا انسة !! ليتها لم تعرف رجلا بحياتها ابداً ...كلمته تلك جعلت حجر كبير يثقل على صدرها ... لا تعرف اهو بسبب الندم على زواج فاشل ..ام بسبب تذكرها لخنوعها واستلامها الطفولي المذل لكل ما كانت تقوله له تلك المدعوة والدتها !!!!
كانت ملك تمسك يد رضاب وهي تنقل نظراتها الفضولية بينهما ... تراقب ما يحدث بينهما بحيرة وتركيز ... ربما شعرت هي الاخرى بحدسها الطفولي البريء بأن هناك شحنات متوترة تدور فوق رؤوسهم وكأنها طيورُ محلقة ... شددت من قبضتها على يد ملك .. لتهمس باختناق وهي تزيغ حدقتيها بينما التمعت الدموع بهما
- انا لست انسة سيدي ...انا ...انا ..... متز..وجة ...
اتسعت عينا معاذ بصدمة وتحول وجهه الاسمر الى كتلة من الجمود فيما اشتد ضغطه على فكيه بقوة ...لتكمل بهمس وهي تطرق رأسها بألم
- اقصد ..كنت.. ك..نت ...متزوجة ..في يوماً ما .. وانا الان .. مطلقة !!!
احست بالندم فور تفوهها بجملتها الأخيرة ... لماذا قالت مطلقة ؟! لماذا اخبرته ووضحت له وضعها ما ان لمحت عيناه الزيتونيتان تتسعان بصدمة وظهر عدم الرضا بهما !! لماذا يا رضاب ...لماذا !
بعض الاحيان يتفوه الإنسان بحديث هو لم يكن يتقصده بل تخرج من فمه بعفوية ودون تفكير ثم بعدها يبدأ الندم يتأكله ...وهذا بالضبط ما حدث معها الان

عندما قالت متزوجة انقطعت أنفاسه وكأنه غرق واختنق في بحر عميق لا قرار له .. لكن ما ان وضحت كلامها حتى زفر الهواء براحة ...راحة لا يعرف لها سبباً ... وضع يديه في جيبي بنطاله ثم تنحنح قائلا بهدوء
- اردت ان اشكرك لاهتمامك بملك .. في تلك الفترة التي قضتها في الميتم !!
أسبلت اهدابها ولانت ملامحها فوراً .... داعبت رأس ملك برقة وهمست قائلة بصدق
- بل انا التي اشكر الله على نعمة ظهورها بحياتي !
ثم نظرت له تكمل بأمتنان وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها ...لم تكن تعلم كم بدت رائعة وناعمة ... وكم جذبه صوتها الهامس المنخفض دون تصنع منها مما جعله يقف مشدوهاً يحدق بها بصمت
- وشكراً لك سيد معاذ .... اقدر مجهودك وتعبك المستمر بالسفر من البصرة الى اربيل! انا ...انا ..فعلا مرتبكة ... لا اعرف كيف اعبر لك عن مدى امتناني ... من لطفك وتفهمك !
اجابها بسرعة وضربات قلبه تهدر بعنف ..رقتها وشكرها الصادق لمسا روحه ... لماذا يشعر بأنها تحتاج للمساعدة .. تحتاج ليد العون ...كل ما بها انثوي للغاية ... روحها الطيبة الواضحة امامه كوضوح الشمس جعلتها تبدو كحورية نزلت من السماء ... هالة النقاء تحيط بها وكأنها لم تخلق لتعيش بين البشر ... بل كأنها وجدت على الارض بطريق الصدفة .... ترى لماذا تطلقت ! ومن هو الغبي الذي فرط بها !!!! لربما كانت بينهما مشاكل !!! لكن وهل امثالها من النساء يستطعن افتعال المشاكل ؟! حتى ان افتعلت فبالتأكيد ستكون مشاكلها لذيذة وبريئة مثلها
- هذا من دواعي سروري ... ثم هذه الصغيرة الماكرة قلبت المنزل رأساً على عقب لكي تأتي لزيارتك !
اتسعت ابتسامة رضاب وهي تحتضن ملك لتقربها ناحيتها اكثر .... بينما لفت الاخيرة ذراعيها الصغيرتان حول قدمي رضاب بتملك مضحك ... رفعت ملك رأسها قائلة بدلال
- امي انا جائعة اريد الطعام
وقبل ان ترد عليها قال معاذ مسرعاً .. اراد الاستئذان والخروج قبل ان يراه احد ... فليس لطيفاً ان راؤه يقف قرب باب المطبخ هكذا .... ثم هو حصل على ما اراده ...وما اراده هو فقط رؤيتها وسماع صوتها المنخفض الرقيق
- حسناً انا سأذهب ... سررت بالتكلم معك سيدتي !
اومأت صامته تراقب ابتعاده الهادئ ... قضمت شفتها بتوتر وهي منزعجة من خجلها وخفقاتها التي لم تهدئ الا عندما غادر .... لماذا شعرت بهذه الراحة معه ! لماذا بادلته الكلام ولم تستأذن وتخرج مسرعة كما تفعل مع الغرباء ! حتى عندما كانت متزوجة ايضاً كانت تنفر من التكلم مع الاشخاص الغرباء .... كان نفوراً ممزوجاً بالخوف والخجل بسبب طبيعتها الخجولة .... لكن مع هذا الرجل احست بشعور مختلف ...... والاغرب من كل ذلك هو لماذا قالت واوضحت بأنها مطلقة !
صوت الصغيرة التي تذمرت مرة اخرى اعادها من شرودها لتداعب شعرها الحريري قائلة بحنان
- حالا صغيرتي .. سأحضر لك كيكة الشكولاته المليئة بالكريمة ..أذهب واجلسي على الكرسي المجاور للطاولة
صفقت الطفلة بسعادة وذهب لتفعل ما امرته بها وهي غافلة عن ملامح رضاب التي عادت لتوترها وقلقها الغير مبرر والذي لاتعرف له سبباً
.........................
.....................................
عله خدك ضوه.. شمس الله بي تحتار
وتبجي ويه الاذان وتنحب وتنعه
يالهمسك غنه ويالصفنتك موال
وصفة لكل مريض يطيب الييسمعه
بالليل انته واحد بالنهار اثنين
لان ظلك مرايه وعينه اتبعه
واظن عشرين وازيد حملت امك بيك
لان دقه جمالك موشغل تسعة
......................

دلف وليد الى الصالة وصوت الأهازيج والزغاريد ترتفع حوله ... ضحكات وهمسات النسوة اللاتي كن يرمقنه بأعجاب كانت تصله جيداً ... لكنه لم يهتم ... لم ينتبه .. كيف يهتم وينتبه وامامه اجمل وارق نساء الدنيا كلها ... كل تركيزه منصب عليها ... مشت عيناه بسرعة ولهفة واعجاب على شعرها ...وجهها ..شفتيها ... يديها البيضاويتان الظاهرتان من الفستان ... سمى عليها بسره .. رباه كم هي جميلة وفاتنة ... افضل شيء فعله هو عندما شدد على والدته بأن تنتبه للنسوة وتحذرهن من التقاط الصور في الهواتف المحمولة ...
جلس جانبها هامساً بصوت خافت واجش
- رائعة الجمال صغيرتي !!
ليكمل بجراءة وخبث
- اتوق لأرى ما تخفيه عني تحت هذا الوشاح الذي تلفيه حول رقبتك المرمرية !!
احتقنت وجناتها خجلا وهي تزيغ عينيها هنا وهناك ... تتأكد ان لا احد منهن قد سمعت كلامه ... كانت سعدية تقف قرب ابنتها وعلامات الفرح بادية على وجهها .. بينما سعاد انحنت تريد ان تبدأ بوضع الحناء بيد غسق الا ان وليد اوقفها قائلا بهدوء ودون ان يعير تلك العيون الفضويلة المحيطه بهم ادنى اهتمام
- انا سأحني زوجتي بيدي يا امي ... وهي كذلك ستفعل المثل معي ...
اتسعت ابتسامة سعاد وهي تتنهد وتنقل نظراتها بينهما
- حسنا يا وليد افعل ماتريده يا ولدي على الرغم من هذا الامر غير متعارف عليه بيننا لكن لابأس ان كنت تريد ذلك !!
ثم اخذت تعلمه ماذا يفعل ..... وضع الحناء على راحة يدها البيضاء ثم وضع فوقها قطعة نقدية معدنية كانت والدته تحتفظ بها فعند جفاف الحنة وغسلها صباح اليوم التالي تظهر طرة بيضاء في راحة يد العروس ... ثم غطى باطن كفيها بشريط عريض من القماش احمر اللون .. كانت غسق ترتجف سعادةً من رأسها لاخمص قدميها ...قلبها كان ينبض بعنف ..عنف شديد ...احبت جراءته ..واحبت اعتداده بنفسه وثقته ... لم يهتم للعادات والتقاليد .. لم يبالي لوجود النسوة ولما قد يهمسون به بينهم بتعجب واندهاش .... وليد مختلف عنهم .. له عقليه مميزة وكبيرة .... يثق بنفسه وبقراراته ... لايلقي بالا لكلام الناس ...المهم مايرده ومايفكر به هو ...عكسها تماما ...فهي تحسب لكل شيء حولها الف حساب ...حتى في بعض الأحياء تفضل سعادة وراحة الاخرين على نفسها .
محظوظة انا بك يا زينة الرجال ...همستها وهي تحدق برأس وليد المنحني ... بينما نظراتها تذوب عشقاً وحباً له ... .

بعد ان اكمل وليد عمله جاء دورها لتحني يده ... ابتسم لها ابتسامة مشجعة ... نظرت لوالدتها ثم للخالة سعاد .. عضت شفتها السفلى بخجل وبدأت تضع الحنة في خنصر يده اليسار ... وما ان انتهت حتى علا صوت الزغاريد مرة اخرى ..بينما سعاد اخذت ترمي فوق رأسيهما السكاكر المتنوعة ... راح الأطفال يتسابقون ويسارعون فيما بينهم لالتقاطها من الارض بسعاد وحماس .... اخيراً وقبل خروجه انحنها ليحتضنها بين ذراعيه القويتان ثم هوى على جبينها يقبلها بعمق لو كان الامر بيده لقبل شفتيها بدلاً عن جبينها ... لكن لابأس ... الصبر جميل ....
همست غسق بكلمات متذمرة وبخجل وهي تحاول تحرير نفسها منه ... لتسارع والدته قائلة بتسلية وسعادة وسط ضحكات وهمسات النسوة
- هيا اخرج من هنا ياولدي المسكينة تكاد تذوب خجلا
ابتعد عنها وهب واقفاً وهو ينظر لها بأبتسامة متوعدة وصبيانية جعلته يبدو اصغر سناً !

باقي الحنة وِزعت على الفتيات الغير متزوجات كفأل حسن لهن ... سارعت سعدية بوضع الحنة لكل من تبارك وحبيبة ورضاب وهي تهمس بأهتمام امومي
- ان شاءلله لن يمضي هذا العام الا وكل واحدة منكن مستقرة وسعيدة في بيت زوجها !!
كانت مشاعر الفتيات الثلاث متضاربه ... فحبيبة و تبارك آمنتا خلفها برجاء صادق بينما رضاب استقبلت دعوتها بلامبالاة بل حتى لم تركز بما قالته فعقلها كان مشغولا بذلك الشاب الذي كلمها فجأة وجعل مشاعر مشوشة لم ترق لها تظهر داخلها ولأول مرة ....
......................
.............................
انتهت الحفلة بوقت متأخر جداً ثم بدئن الفتيات بحملة تنظيف مكثفة على كل ارجاء المنزل ... كانت حبيبة وتبارك تغسلان الصحون في المطبخ بينما وقف زهير متكئاً على اطار الباب يراقب ما تفعله حبيبة وهو يمسك بيده مشروب غازي ... يشربه على مهل ... يدعي عدم الاهتمام ... كان قد تخلص من سترته مكتفياً بأرتداء قميصه السمائي الفاتح مع بنطال قطني اسود اللون
قالت تبارك بخبث وهي تلتفت ناحيته تلقي عليه نظرة متهكمة
- بدل ان تقف هنا كالتمثال تحدق بنا وكأنك اضعت شيئاً ..اذهب الى الحديقة ورتب الكراسي والطاولات المبعثرة !
اجابها وهو يرفع كتفه بلا مبالاة
- لا حاجة لذلك غداً بعد ان ينتهي حفل الزفاف اقوم بترتيب الحديقة لاتقلقي وركزي بما تفعليه !
قلبت شفتيها ثم نظرت لحبيبة المنهمكة بترتيب وتجفيف الصحون .... الماكرة وكأن حيلتها ستنطلي عليها ...فأحمرار خديها يفضحان خجلها وارتباكها من وجوده .... الأبلهان الغبيان الى متى سيظلان يلعبان لعبة المراوغة وعدم الفهم !!!
قالت وهي تعاود غسل الصحون
- كما تريد اخي لكن لا تبقى واقفاً .. اما ان تجلس او ان تذهب لغرفتك !!
اجابها بصوت ثقيل وهو يحدج حبيبة بنظرة ذات معنى وكأنه يوجه الكلام لها
- وهل وجودي يسبب لكِ التوتر لهذه الدرجة يا تبارك ؟!
لتجيبه بمكر وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيها
- الحقيقة اجل ..وجودك يشتت تركيزنا ..
ثم التفتت قائلة لحبيبة بكل براءة بينما يديها لاتزال مشغولة بغسل الاواني
- اليس كذلك حبيبة ؟!
تفاجئت حبيبة من كلامها ونبرتها المبطنة ... لماذا تخبرها هذا الامر ؟! وما شئنها بذلك ؟!! هل هي مفضوحة لهذه الدرجة وهي لا تعلم ؟!!! اف منك يا زهير لما يصر على احراجها بهذا الشكل المخجل !!!نظرت لتبارك بعينان متسعتان ومرتبكتان وهي تتساءل بتشوش
- ماذا ؟!
لتجيبها بصبر وبنظرة ثاقبة
- وجود زهير يقف يراقبنا كالنسر الجارح يربكنا ويشتت تركيزنا ؟!
ابتلعت الاخيرة ريقها وهمست بخفوت وهي تحدق في الصحن القابع بين يديها
- امممم ..ربما ..اقصد اجل معك ..حق ..
التفتت تنظر لزهير الذي عبس وجهه بصبيانية مضحكة لتقول بتسلية وهي تشير برأسها لحبيبة
- أرايت تقول اجل !
تقدم زهير بخطوات كسولة ليقترب وينحنى قريباً من وجهها المطرق بتعمد مستفز .. ثم وضع العلبة الفارغة على المجلى قائلا بصوت هادئ
- حقاً !!! حقاً وجودي يشعرك بالتوتر يا ... حبيب...ة
التفتت تنظر لوجهه القريب منها لتبتعد عنه خطوة وهي تحاول اخراج صوتها ثابتاً وطبيعياً الا انه خرج مهتزاً رغماً عنها
- اجل . ..لا ... اقصد .. افعل ما يحلو لك !
رائحة عطرة الخفيفة داعبت انفها وجعلت ضربات قلبها تدوي بصخب وقوة .... المغرور عديم الحياء يتعمد احراجها امام تبارك ..تباً له ... كانت تستحضر كل ضبط للنفس وبرود ولامبالاة الكون كله لتبين له عدم اهتمامها به .... ظل واقفاً لعدة ثوان يحدق بها صامتاً ثم انسحب من جانبها بهدوء وما ان ابتعد وغادر المطبخ حتى زفرت براحة ... قالت تبارك التي كانت تراقب ما يحصل امامها بصمت وعلى وجهها ترتسم ابتسامة بلهاء
- الحمدلله ... ذهب . ...
لتكمل بهدوء وهي تدعي اللامبالاة
- زهير فعلا مزعج وساخر طوال الوقت ... لا اعرف مالذي يجذب الفتيات له !!
هتفت حبيبة وهي تقطب حاجبيها بضيق
- فتيات !! اي فتيات ؟!
اجابت تبارك وهي تغسل الصحن بالماء
- الفتيات في الحفلة الم تسمعيهن كيف كن يتغزلن فيه من شباك الصالة !!
همست بهدوء وهي تضع الصحن على الرف ... كانت الغيرة واضحة في نبرة صوتها جداً واستطاعت تبارك ان تلتقطها بسهولة مما جعلت ابتسامتها تتسع اكثر واكثر
- لم اسمع شيئاً ابداً !
همهمت تبارك ثم راحت تكمل عملها مرة اخرى بعد ان اشعلت متعمدة نار الغيرة بقلب تلك المسكينة ...التي تعبت من طول انتظارها لذلك الحب الميؤس منه والتي حقاً لا تعرف ما هي نهايته ... زهير يعاملها بتملك وكأنه يكن لها مشاعر جديدة انتبهت لها مؤخراً ... لكنها تخشى ان تملي نفسها بالامل الكاذب الذي لن يعود عليها سوى بكسرة القلب وتدمير ثقتها التي اكتسبتها بتعب !!!
...................
..............................
بخطوات متثاقلة لملمت اطراف بدلتها المنفوشة وهي تحث قدميها لتذهب لغرفتها ... تشعر بالصداع والتعب ... اصوات الزغاريد مع الأغاني والضحكات والمباركات اصابتها بالصداع الشديد .. لكن صداع لذيذ ... وشعور اخر لا يمكن وصفه بالكلمات ... فغداً ستزف لحبيبها ..لوليد الذي احبته وعشقته فجأة ودون سابق انذار .... الخجل والرهبة يسيطران عليها ... الحيرة والتشوش يداهمانها بين حين وآخر ...
هي تحبه اجل ومتأكدة من ذلك مليون في المئة ... لكن سبب حيرتها وتشوشها هذ هو انها .. كيف ... كيف ستقف امامه ... كيف ستنفرد به في غرفة واحدة ! كيف ستقضي العمر معه ! صحيح هي ستبقى تعيش هنا في منزل العائلة وبطلب والحاح منها فوليد عرض عليها ان يقيمان هنا لفترة مؤقته الى ان يبني منزلا صغيراً في جانب الحديقة الواسعة لمنزلهم ... الا انها رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ...فلا حاجة للانفراد خاصة وانها تحب زوجة خالها كثيراً وتشعر بالراحة والامان وهي معهم ... عدا ذلك فهي فاشلة تماما بالاعمال المنزلية خاصة الطبخ !
فكرة النوم قربه واغلاق باب واحد عليهما تشعرها بالحرارة والخجل الشديد !!! رباه هو سيصبح زوجها ...زوجها .. والدتها اخبرتها بحنان البارحة عندما لاحظت ارتباكها وتوترها
- عندما تصبحين زوجته لن يكون هناك شيء اسمه الخجل بينكما ...كل الحواجز ستتلاشى ... ستحبيه اضعاف مضاعفة .. و ستخافين عليه وتقلقين ان تأخر قليلا بالعودة ... تغارين ان رأيته يتكلم مع اخرى ... تشعرين بالضيق والاختناق ان تغير بمعامله معك او اهملك لليلة واحدة فقط .... ستقومين بعمل كل ما يسعده ... و ستلبسين امامه اجرء الثياب واجملها ... وانتِ من ستبادرين و تنامين بأحضانه وتبحثين عن دفئ ذراعية ... خاصة ان كان الزوج حنوناً رجولياً ... عطوفاً .... يعتمد عليه مثل وليد ...
قالتها بمكر ثم اكملت
- غداً ستعترفين وتقرين بصحة كلامي هذا ! وعندها تعالي وقولي لي ... قلت واصبتِ يا امي !!
وسط افكارا المتلاطمة هذه وما ان وضعت اول قدم على السلم حتى شعرت فجأة بذراع تسحبها الى الممر الجانبي .... التفتت تنظر له بتعجب ...كان قد تخلص من سترته السوداء ...الأزرار الاولى من قميصة الابيض محلولة مشمراً عن ساعديه السمراويين ...مظهراً مقدمة صدره المشعر ... اصبعه الذي اصبح احمراً من الحناء كان مغسولا ... همس وهو يسحبها بأتجاه غرفة نومهم
- تعالي غسق اريد ان اريك شيئاً مهماً اشتريته البارحة !
اجابت بغنج وهي تتبع خطواته بتعثر
- ماااااذا وليد ..اجلها للغد انا تعبه اريد الذهاب للنوم !!
ادخلها للغرفة ثم اغلق الباب وهو يلتهم وجهها ....شعرها ... جسدها ... بنظراته العميقة الفاحمة ليهمس قائلا
- تريدين النوم قبل ان تريني فستانك !!
كان ومنذ ان حنى يديها بنفسه يتحرق شوقاً لرؤية ما تخبئة خلف ذا الوشاح الذي تلفه حول صدرها خاصة وانه لم يكن موجوداً معها عندما ذهبت برفقة والدته وتبارك لتختار الفستان ... لن يكون وليد ان جعل فرصة الانفراد بها تفلت من يده ... لقد انتظر الى ان غادر اخر الضيوف وهدأ المنزل ... ثم اخذت تتحدث مع تبارك وحبيبة ورضاب في الصالة ....
تراجعت للوراء لتصطدم بالباب المغلق قائلة وهي تكتف ذراعيها ببرائة
- لقد شاهدته قبل قليل وليد !!
هز رأسه نفياً وهو يقترب منها ...خطوة واحد ..خطوتان ... ثلاث ... الى ان وقف ملاصقاً لها ... انتقلت له حرارة جسدها الغض ... شعر بتسارع انفاسها العطرة ... وارتعاش جسدها ... وذلك اللون الزهري الذي زحف لوجنتيها فضح خجلها وارتباكها .... ليهمس قائلا وهو يمد يده لذلك الشال الذي تلفه حول كتفيها
- كلا حبي ..لم اشاهده جيداً
ودون ان ينتظر ردها كان قد سحبه ببطء شديد لينزلق ارضاً .... اتسعت عيناه بأعجاب وظهر بريق الرغبة بهما ... بينما اصبحت نظراته ناعسة والهواء انتشر بينهما ثقيلا ... كثيفاً ... عطراً ... الفستان يظهر مقدمة صدرها بسخاء كبير وخطير ... كانت انفاسها تخرج من رئتيها بسرعة .... وما زاد من لهيب الرغبة داخله هو هذا الرذاذ اللامع الذي انتشر على صدرها الابيض المرمري ... اغمض عينيه واستنشق رائحتها المنعشة بعمق شديد .. منشداً بهمس وشفتاه تلمس جبهتها الناصعة

شميتك كبل بس ما قاومت وياي
ولميتك نفس واتعثر بلمك
وهسه تريد اشمك خايف اني عليك
يمكن راح اخلصك لمن أشتمك

ثم اكمل وهو يبتعد عنها قليلا و يحتضن وجهها بكفيه من الجهتين يركز على عينيها الشبه مغلقة
- أحبج
صوته المبحوح الهامس ... ورائحته الممزوجة برائحة جسده الرجولي ... دفئة ... حنانه ... جعلها كالمخدرة التي لاتقوى على تحريك قدميها الهلاميتان ... ياربي مالذي يفعله بها هذا الرجل ... كل شيء جديد وكثير عليها جداً .... اجابته بهمس يماثل همسه وسعادة زحفت لجسدها كما تزحف المياه المنعشة الباردة لجسد العطشان الذي لم يشرب الماء لعدة ايام
- أحقاً يا وليد تحبني !! وهل ستبقى تحبني ولن تتوقف عن حبي مدى الحياة !!!
لم يرد عليها بالكلام بل احتضن خصرها ليرفعها بخفه وكأنها لاتزن شيئاً ... لتهمس قائلة بضحكات رنانه بينما ذراعيها التفت حول رقبته القوية بعفوية تامة
- ولييييد الحنة لازالت براحة يدي اخشى ان الوث قميصك !!!
مددها على السرير ليجلس قربها ويجثم قريباً منها جداً متكئاً على احدى ذراعيه بينما يده الاخرى تمسد ذراعها برقة
- جعل الله القميص وصاحب القميص فداء لعينيك
رفعت اصابعها تعبث بلحيته المشذبة ... تنظر لعينيه الحنونة ..التي تشعرها دائماً بالأمان والأطمئنان وكأنهما درع يحميها من نفوس البشر المريضة المليئة بالشر والقسوة والحقد .... شعرت بيده ترفع طرف فستانها من الاسفل لتتسلل ممتده من ساقها وصولا لفخذها الطري .... امسكت يده من فوق الفستان هامسة بخجل شديد
- وليييييييد ما...
وقبل ان تكمل كانت قد امتلك شفتيها بين شفتيه النهمة اللحوحة ... يقبلها بعمق شديد وجوع اشد ... مهما قبلها ...ومهما لمسها ...لن ولم يشبع منها ابداً ... قبلتها كانت تشبه ينبوع ماء سحري ...ما ان يتذوقه الشخص مرة واحدة حتى يدمنه دون إرادة منه ...وهو اصبح مدمناً لقبلاتها ... وذلك الملمس الناعم لفخذها كاد ان يفقده تعقله ... بشهقة حادة دفعته عنها هامسة وسط فورة مشاعرها المحمومة بينما خفقات قلبها البريء خرجت من صدرها لتحلق حولهما وكأنها طائر ابيض بجناحين صغيران
- احبك ..احبك كثيراً يا وليد ..كثيراً جداً
دفن وجهه في شعرها يقبل كل انش منها ... رقبتها ..صدرها ... وجهها ... شفتيها ... بينما يده لم تهدئ عن لمسها ... قلبه كان يهدر بعنف ..عنف شديد وهو يفكر بجنون ..متى ..متى يأتي الغد لتكون له ..له بالكامل .... دون حواجز وفواصل مزعجة تفصل بينهما ... لأول مرة تعترف بحبها ... لأول مرة تتكلم معه بهذه الطريقة الجياشة ... كان متأكداً من انها تحبه .... وألان تأكد أكثر ... سماعه لكلمة احبك ... جعلت أمعائه تتقلص بقوة .. يريدها ولا يستطيع الصبر لعدة ساعات اخرى .... اراد ان يمتلك شفتيها مرة اخرى لكن طرقات على الباب جعلتهما يتجمدان في مكانها .... اكتسى وجنتي وليد لوناً زهرياً طفيفاً بينما الرذاذ اللامع الذي انتشر على سائر وجهه وشفتيه وقميصه كانت بكل تأكيد يفضح ما كان يفعلانه دون أدنى شك ... ليصل لمسامعهما صوت سعاد وهي تهتف بمكر وكأنها تعرف بوجود غسق في الداخل

- افتح يا وليد ودع الفتاة تذهب لغرفتها ... لن يحصل شيء ان صبرت هذه الليلة فقط ...غداً ستكون لك وافعل معها ما تشاء ... افتح فليهدك الله !!
وقف وليد ببطء وهو يحاول السيطرة على أنفاسه اللاهثة ... بينما جلست غسق بسرعة وهي تعدل حمالات فستانها ووجهها محمر بشدة ..نظرت له برعب حقيقي كانت على وشك البكاء من شدة خجلها ... مرر وليد أصابع يديه بطيات شعره المبعثر من الجهتين .. نظر لها هامساً بتشجيع
- اهدئي غسق لم يحصل شيء لتخجلي منه ...انت زوجتي
سحب نفساً عميقاً ثم توجه الى الباب ليفتحه قائلا بهدوء
- أماه ..لقد كنت
قاطعته سعاد وهي تكتف ذراعيها بمكر بينما تحولت نظراتها نحو غسق الذي اختبأت خلفه بخجل وهي مطرقة الرأس
- اعرف مالذي كنت تفعله يا وليد ...وانت يا فتاة اذهب لغرفتك هيا
همست بصوت خافت وهي لاتزال مطرقة الرأس
- لست انا خالتي ..اقسم هو من سحبني للغرفة رغم ارادتي !!
أجابت سعاد وهي تحاول كتم ابتسامتها المتفكه خاصة ووليد يقف قبالتها كالطفل المذنب تماماً ... كانت تشعر بالسعادة ليس فقط لأنه أخيرا تزوج بل لانه سعيد ايضاً ...هذه السعادة لم ترها مرسومة على وجه ولدها منذ متى !!!! ربما منذ سنوات طويلة جداً جداً ....
- اعرف يا عين خالتك ..والان اذهب الى غرفتك لتأخذي قسطاً من الراحة فغداً امامك يوم طويل وحافل !
اومأت وغادرت الغرفة بسرعة وتعثر
ثم نظرت لوليد قائلة
- وانت ايضا يا ولدي نم جيداً غداً زفافك وستشبع منها
غادرت دون ان تستمع لرده واغلقت الباب بهدوء تنفس وليد بعمق الهواء لايزال يحمل رأئحتها المنعشة .. انحنى والتقط شالها ثم دفن وجهه فيه هامساً بوله
- لن اشبع منها ابداً اماه ..ابداً... ولا اظنني سأفعل يوماً
...............
يتبع


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:06 PM   #86

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

.......................
الساعة كانت تشير الى الرابعة والنصف صباحاً عندما جلست بسرعة لتستيقظ مذعورة من ذلك الكابوس الذي يلاحقها كل ليلة ... كانت تلهث بشدة ..صدرها يعلو ويهبط بأنهاك ... بينما العرق يتصبب من جبينها ... همست بألم واختناق
- الهي ...اريد النوم براحة ليوم واحد ...يوم واحد فقط ....ياااارب !!!
ابعدت الغطاء عن جسدها وانزلت قدميها في الارض ... نظرت امامها بجمود ... عيناها تجمدت بهما الدموع ... وملامحها ساكنه ...متألمة ... وصامته ... التفتت تنظر لحبيبة النائمة بعمق .... لتتنهد وهي تقف هامسة بخفوت
- متى انام مطمئنة البال .... متى اتخلص من تلك الكوابيس والاشباح المخيفة التي تجري ورائي كل ليلة تريد ابتلاعي !!!
ارتدت روبها واتجهت الى خارج الغرفة ... ومنها نزلت الدرجات لتذهب الى المطبخ تريد ان تشرب الماء ... ريقها ناشف ...وكأنها كانت تجري تجري دون توقف ... دلفت الى المطبخ واخرجت القدح وملأته ماءاً من الحنفيه ثم تجرعته دفعة واحدة ... اتكأت على اطراف الحوض بيديها ....لتهبط دموعها بصمت ..رقة ..والم .... اغمضت عينيها وهمست بخفوت
- لماذا فعلتِ ذلك !! لماذا ذبحتني بيدك لم يؤلمني خيانته بقدر ما ألمتني انت ِ .... انا ابنتك ..ابنتك .. كيف استطعت فعلها كيف !!
سمعت صوت خالتها وهي تقول بحنان
- رضاب يا ابنتي !! لماذا انت مستيقظة في هذا الوقت !
التفتت وهي تمسح دموعها قائلة بصوت مبحوح
- كنت...اشعر بالعطش خالتي !
اومأت سعاد وهي تدحجها بنظرة متفحصة لتكمل رضاب بتساؤل
- وأنت لماذا مستيقظة خالتي
شمرت سعاد عن ساعديها قائلة
- استقيظت لصلاة الفجر حبيبتي ... سأذهب لأتوضأ الان ...
توقفت سعاد فجأة وكأنها تذكرت امراً ما ثم استدارت ناحيتها مرة اخرى قائلة
- رضاب هل تريدين الصلاة معي !!
اتسعت عينا رضاب بدهشة وبدت ملامح الارتباك والذهول ترسم على صفحة وجهها البريء ... هي بحياتها الثلاث والعشرين لم تصلي ابداً ..بل لم تجرب حتى ركعة واحدة ...... ومن سيعلمها الصلاة !!!
همست بخجل وعينان زائغتان بحيرة وتشتت وكأنها عينان ضائعتان تائهتان تبحثان عن الطريق الحقيقي عبر تلك الممرات والمتاهات الممتدة امامها
- انا ..انا ...لا اعرف الوضوء ... بل لا ...اعرف... كيفية الصلاة ..انا لا اعرف كيف اصلي يا خالتي ..لا اعرف
همست سعاد بحنان وابتسامة رقيقة ترتسم على شفتيها بنما ترقرقت الدموع بعينيها وهي تتقدم للأمام تمسك يديها الباردة بين يديها الدافئة
- اااه صغيرتي ...اعذري تقصيري معك ... الذنب ذنبي انا ..انا التي اهملتك ..لم...
قاطعتها بنبرة باكية مرتجفة ...دموعها تهبط ببطء ...بطء شديد تتسابق على وجنتيها الناعمة
- بل هي السبب ..هي ... لم تكن تهتم ..لم تهتم الا بنفسها وحفلاتها وحياتها وشكلها الخارجي ... لم تذكر الله يوماً ..لم تعرف الطريق اليه ابداً بحياتها !!

ابتلعت سعاد ريقها بألم ...كل كلمة نطقتها رضاب هي حقيقية جداَ ...حقيقة لدرجة بشعة ...بماذا ستجيب !!! وكيف ستدافع عن شقيقتها !!!! وهل سيفيد الكلام بشيء !! ام هل سترمم بضعة كلمات مواسية ذلك الجدار المائل الذي خلفته سناء ورائها !!!!! بصمت ودون ان ترد بكلمة واحدة سحبتها بهدوء الى الحمام لتقفان امام الحوض فتحت الصنبور وقالت بحنان ورقه
- راقبيني يا رضاب وافعلي كما افعل يا ابنتي !!
هزت رضاب رأسها وشرعت بتقليد حركاتها ..مع كل حركة تقوم بها تشعر بالقشعريرة تسير بجسدها ...قشعريرة لذيذة منعشة ... وكأنها مقدمة على فعل شيء عظيم جداً ..كبير جداً ..ومريح جداً جداً ....
عندما دلفت لغرفة خالتها ولبست اسدال الصلاة ووقفت على السجادة ... شعرت بالرهبة الشديدة ... التفتت سعاد ووجهها يتوهج بياضاً ونورانية ... لتقول لها بأبتسامة بشوشة
- سأصلي بصوت مرتفع قليلا لتسمعيني يا رضاب ...
اومأت وشرعا بالصلاة .... الراحة التي تسللت داخلها لا تعادلها راحة .... وكأن حملا ثقيلا انزاح عن كتفيها .... الله كم هو شعور رائع وبديع تلك التي استشعرتها وهي تقف بين يدي الله ... دموعها كانت تهبط رغماً عنها .... رغم سنوات عمرها التي بلغت الثلاث والعشرين ..الا انها لم تعرف الصلاة يوماً ...لم يمتلكو سجادة في منزلهم ...خاصة بعد موت والدها الحبيب .... اخذت سناء حريتها بالكامل ..تخرج ..تمرح ...تتعرف على اصدقاء جدد كل يوم ..سهرات حفلات ....دون رقيب او حسيب ...ربما حبيبة هي افضل حظاً منها فهي نشأت وترعرعت تحت كنف خالتها الحنونة ...وعلى الرغم من ان حبيبة غير محجبة الا انها لم تكن تفوت فرضاً واحداً ..هي وتبارك وغسق والخالة سعدية بل كل من في المنزل يحافظ على الصلوات الخمس .... همست بعد ان فرغت من الصلاة وهي ترفع يديها
- يارب سامحني على تقصيري ...سامحني على نسيانك وعدم طاعتك ..سامحني واغفر لي يا الله
التفتت سعاد ناحيتها وهي لا تزال جالسه على السجادة لتهمس قائلة بطيبة
- تقبل الله يا رضاب ...
لتكمل بهدوء
- لا تقطعي فرضاً يا رضاب ...صدقيني ...مهما اغلقت الابواب في وجهك فأن باب الله لا يسد ابداً ...يا حبيبتي اشكي اليه ....كلميه ...اخبريه بكك همومك ..حزنك ....اخبريه اسرارك وهو سيسمعك ..وسيستجيب ..... الله اقرب اليك من حبل الوريد ...وهو احن على عبادة من الام . ..هو الوحيد الذي لن يمل منك .. سيسمعك في اي وقت وكل وقت ...اقرئي القرآن فهو شفاء للصدور ...وبأذن الله ...همك سينجلي ....وكربك سيفرج ...وستجدين السعادة بانتظارك مهما طال صبرك
كانت رصاب مطرقة الرأس تبكي بصمت وبشهقات خافته امسكت سعاد يدها قائلا
- ما رأيك ان تنامي اليوم قرب خالتك العجوز ؟!
رفعت رضاب رأسها وقالت بأبتسامة مرتجفة من بين دموعها المنهمرة
- اتمنى ذلك خالتي
وقفت سعاد وهي تطوي سجادتها لتحذو رضاب حذوها ثم اتجهت الى الفراش الواسع وهي تقول
- تعالي يابنتي ..
نامت رضاب قرب خالتها .... واغمضت عيناها براحة ... همست سعاد قائلة بحنان
- ااااه يا رضاب ذكرتيني بالذي مضى
ثم ضحكت بخوف لتكمل قائلة
- سأقص عليك قصة لا احد يعرف بها ابداً ....
انقلبت رضاب لجهة خالتها ثم وضعت يدها تحت خدها وقالت بفضول طفولي
- اجل خالتي اخبريني انا احب القصص كثيراً
مسحت سعاد شعر رضاب بحنان وقالت
- عندما كان زهير طفلا ... كان ينام بين أحضاني كل يوم .. رغم تذمر والده وتعنيفي من تدليلة المبالغ به بأعتباره اخر العنقود ..لكني لم اهتم ...الى فجأة انقطع عن هذه اعادة وعندما سألته قال لي برجولة مبكرة ...لقد اصبحت رجلا يا اماه والرجال لاينامون بأحضان امهاتهم !!! كان عمره انذاك عشرة اعوام ... صحيح هو كان كبيراً وليس من اللائق ان ينام على ذراعي لكن زهير كان اقربهم لقلبي ..انه طفلي الصغير المدلل ...اراه دائما يحتاج للأهتمام والحنان ...

كانت رضاب تستمع لها بحزن ...حزن مشوب بالألم الدفين ..لماذا والدتها ليست مثل الخالة سعاد ! لماذا هي انانية ...حقودة ... هل لو تزوجت تبارك ستفعل الخالة سعاد مافعلته والدتها مع زوجها !!!
غرقت عيناها بالدموع وهي تهمس داخلها بمرارة ...يا غبية ... كيف تفكرين حتى بذلك ..شتان بين خالتي سعاد وبين تلك الشيطانة التي ترتدي ثوب الرقة والوداعة !!!
اكملت سعاد قائلة وهي غير منتبهة لملامح رضاب المتألمة
- وفي مرة من المرات عندما كان يبلغ الثاني عشر من عمره ... حدثت عاصفة قوية ... اهتزت على اثرها شبابيك وابواب المنزل وانقطع التيار الكهربائي في منتصف الليل .... شعرت حينها بجسد صغير يتسلل لأحضاني ...وقد كان زهير
قهقت بتسلية وعمق ومن صميم قلبها قبل ان تكمل
- الى هنا وكل شيء يسير على مايرام لكني افسدت الامر وجعلته يشعر بالخجل !!
رفعت رضاب حاجبيها قائلة
- كيف ذلك ؟!
اجابت سعاد وهي تلتقط انفاسها التي تقطعت جراء ضحكها القوي
- جاء أقاربنا لزيارتنا وانا زل لساني وأخبرتهم ان زهير نام بحضني ... لن اخبرك عن الضحك والسخرية التي تعرض لها بسببي ..وانا والله الشاهد لم اقصد ان اجعهلم يسخرون منه لكني فقط اردت ان اتباهى بأن ولدي يحبني ولازال يحتاجني !!!
ابتسمت رضاب واجابت بتساؤل
- وماذا فعل زهير ؟!!
قالت سعاد وهي تهز رأسها و تبتسم بشرود
- خاصمني لثلاث ايام ....ولم يصالحني الا عندما وعدته له بأني لن اخبر احد ان تكرر هذا الموقف ثانية !! اااه كانت ايام جميلة ليتها تعود !!!
همست رضاب فجأة ودون شعور منها بينما دفنت وجهها بصدر خالتها بطفولية ... وكأنها تبحث عن الامان والحنان المفقود والذي لم تعرفه او تشعر به يوماً في حياتها
- لماذا هي ليست مثلك !!!! لماذا انتما مختلفتان بكل شيء !!! وكأنك لست شقيقتها !!
فهمت سعاد ما قصدته رضاب ...قبلت جبينها وقالت
- ليس لكوننا شقيقتان يجب ان نتشابه !!! والدتك ...كانت ..منذ الطفولة جميلة وملفته ... كانت تحب ان تكون مميزة دوماً ومحط انظار الجميع ...تعتني بقوامها وجسدها ...تحرص على شراء الملابس الأنيقة ...مصاحبة الفتيات الغنيات ...الخروج الى السفرات المدرسية على الرغم من ان ابي رحمه الله كان يحرص علينا كثيراً ...خاصة واننا لا نملك اخاً يدافع عنا .... لكن والدتك كانت تعرف كيف تحصل على ماتريده من خلال بكائها وعنادها ... باختصار كانت مدلله المنزل والمتهورة ...اما انا فلا اعرف صدقاً كيف اصبحت شخصيتي هكذا !!! لكني اذكر بأني كنت اميل الى الهدوء والبساطة ... احب سماع القصص من جدتي ...كما احب ان اجلس برفقة الكبيرات سناً ...استمع لكلامهم ....مواعظهم ... امي كانت تعتمد علي ...وتأتمنني على اسرار المنزل ... كانت تقول لي دائما ... يا سعاد انت اختي التي لم احضى بها يوماً ....
ثم اكملت بهدوء كانت تحاول وبشتى الطرق ان تجمل صورة سناء امامها فمهما يكن سناء تظل شقيقتها ويجب ان تبين احترامها امامهم
- انا اعرف انها قاسية في بعض الأحيان ... لكن انا متأكدة من انها تحبكم هي بالنهاية ام ...وغريزة الأمومة الفطرية زرعها الله بقلب كل أمرأة وهي تنتصر دائما مهما كانت قاسية ومتباعدة !!

ابتسمت رضاب بسخرية وحزن وهي تهمس داخلها
- ااه يا خالتي ليتك تعلمين شقيقتك الطيبة هذه ماذا فعلت معي ! وكيف طعنت ابنتها بخنجر حار ومسموم ... طعنتها بقوة وعمق ... وكأن الارض ضاقت بها ولم تجد الا زوجها الخسيس دنيء النفس ليحرك غريزتها الحيوانية المقرفة .... ترى لو عرفت كيف ستتصرفين وماذا سيكون رأيك بها !!
........................
................................
منذ ان بزغت شمس الصباح ونشرت اولى اشعتها في الفضاء وهي تجلس تنظر لأبنتها بعينان دامعتان وابتسامة حنونة ترتسم على شفتيها ... اليوم كبرت ابنتها واصبحت عروس ...يالله كيف تجري الأيام والسنين ... بالأمس فقط كانت تركض وتلعب مع شقيقتها انفال في الحديقة .... تبكي وتهرع لوالدها ان اغضبها او ازعجها احد !
انفال ...طفلتي الصغيرة ...لم انسك يوماً ....انت تعيشين في قلبي ... لعنة الله على كل من ساهم في قتلك انت ووالدك ... فليحرق الله قلبه مثل ما حرق قلبي وحرمني منكم ....
تململت غسق في نومها ثم فتحت عيناها لترى والدتها تحدق بها وفي عينيها حنان الكون كله ... بادلتها الابتسام وجلست هامسة بنعاس
- صباح الخير اماه !
اجابت بصوت مرتجف وعينان دامعتان
- صباح النور يا عروس ..
غادرها النعاس بسرعة ما ان لمحت دموع والدتها لتقترب منها هامسه بتأثر وهي تحتضن كفها
- اميييييييييي لاتبكي !!
مسحت سعدية دمعة انحدرت وتدحرجت على وجنتها لتجيبها بحنان
- هذي دموع الفرح يا غسق ..انا سعيدة من اجلك .. سعيدة جداً ... فقد رزقني الله برجل حقيقي يحافظ على ابنتي ... أأتمنه عليها وانا مغمضة العينين ومطمئنة البال ...
صمتت قليلا تنهل من وجه ابنتها بحنان جارف ... تنهدت وهي تفكر بحياة ابنتها القادمة ..والتي تختلف كل الاختلاف عن حياتها قبل الزواج ...حيث لا مسؤولية ولا واجبات عليها القيام بها من اجل زوجها ... يجب عليها ان تنصحها ....تفهمها ما عليها فعله ..هي تعرف غسق متمردة وعنيدة .... لا تفعل الا ما تريده وما ترغب به ... كبريائها فوق كل شيء ...والحياة الزوجية تحتاج الى الصبر والتنازلات البسيطة بين الطرفين ... لذلك ستقول لها ما يعتمر بصدرها لكي ترتاح وتشعر بأنها فعلا ادت امانتها بصورة صحيحة

- حسناً يا غسق ... سأقول لك عدة امور مهمة ويجب ان تنتبهي لها جيداً وتأخذيها بعين الاعتبار !
اومأت غسق بصمت وهي تنظر لوالدتها بانتباه وتركيز ... لتبدأ سعدية كلامها بهدوء وجدية
- اوصيك بوليد كما سأوصيه عنك ...كوني له الزوجة والحبيبة والصديقة ... ساندية واريحيه .... لاتدعيه ينام وهو غاضب عنكِ ... لايهم من اخطأ فيكم .. المهم ان تسايريه وتعرفين كيف تجعليه يتعلق بك .... الرجل كالطفل تماما ...يحتاج الى الدلال والحنان فلا تحرميه من ذلك ولاتظهري له جانبك المتمرد ... تصرفي برزانة .... هذه هي الحياة الزوجية ..عبارة عن تنازلات يقدمها الزوجين الواحد من اجل الاخر ... ولكي يسير قاربكم بهدوء يجب ان تتحكمي بغضبك انت الاخرى ...لا تجادليه ولا تعانديه عندما تريه غاضباً ..... واسيه واقتربي منه عندما يكون حزيناً ..شاركيه سعادته عندما ترينه سعيداً ... والأهم من كل ذلك لا تكوني لحوحة ..
رفعت يدها ثم مررتها على وجنة غسق الناعمة وهي تقول بهدوء
- انا اخبرك بهذا الكلام لمصلحتك ... و هذا ما قالته لي ونصحتني به امي رحمها الله ليلة زفافي ... وانا ايضاً عاهدت نفسي ان اوصي به بناتي !
كانت غسق تستمع لها بتركيز ... تتمنى ان تكون فعلا الزوجة التي تليق بوليد .... تتمنى ان تسعده بأية طريقة وبأذن الله ستكون الزوجة التي يفخر بها ..... اكملت سعدية وهي تتنهد بحزن
- كم كنت اتمنى ان يراكِ والدك وانت ببدلة الزفاف ... لكن ماذا اقول ...قدر الله وماشاء فعل ...حتى عمك احمد اعتذر عن الحضور عندما اتصلت به !
اجابت غسق بغصة وهي تتذكر والدها وانفال
- لابأس اماه ..عمي احمد معذور ...لاتنسي بأنه قد هاجر مع زوجته وطفليه الى النرويج عندما بدأ يشك بأنه مراقب هو الاخر !
ثم اقتربت من والدتها اكثر واحتضنتها هامسه بعد ان لاحظت ترقرق الدموع بعينيها مرة اخرى
- لاتبكي اماه ..انا معك ولن اسكن بمكان بعيد عنك اطمئني ويكفي دموعاً !
لتحتضنها سعدية بقوة اكبر ... وهي تهمس وتدعو الله بصدق ان يوفق ابنتها في حياتها الزوجية وان يعيشا هي ووليد بسعادة دائمة بعد كل ما تكبداه خلال الاشهر الماضية من عذاب ومآسي لا تحصى ولا تعد !!!
.....................
...................................

بينما الكل مشغول بالاستعداد لحفل الزفاف الذي سيقام بعد ساعات قليلة جداً في القاعة التي حجز بها وليد .... انتهزت الفرصة و اتصلت برونق لتتكلم معها قليلا قبل ان يغادرو المنزل .... لربما سمعت خبراً عن عبد العزيز الذي للأن لاتعرف شيئاً عنه ...كم قاسٍ انت ياقلبي .... الان فقط حددت مشاعرك واعترفت بحبه بعد ان غادر ... والله وحده يعلم هل سيعود ام لا !
ياليته هنا لكي تعوض عليه وعليها كل ما فاتهما .... ياليته موجود الان لكي تتصل به وتخبره بأنها موافقة ..موافقة بأن تكون زوجته وتتشرف بذلك ... ليس هذا فقط بل انها ايضاً تحبه بكل ما للكلمة من معنى ! !
....تنهدت وهي تضع الهاتف على اذنها ليصلها صوت رونق الضاحك
- اهلا تبارك كيف حالك ..ابنة حلال انت .. كنت سأتصل بك انا ..
اجابتها تبارك بابتسامة صغيرة بينما شعور خفي داهمها ..وبصبص الأمل اشتعل داخلها
- اهلا رونق ..انا بخير الحمدلله ..كيف حالك انت ؟!
اجابتها بسعادة وحماس استطاعت تبارك ان تحسه بوضوح عبر الأثير
- انا الحمدلله بأفضل حال !!
لتكمل بنبرة ذات مغزى وبمكر ممزوج بالسعادة
- خمني من اتصل بي قبل يومين !!
ابتلعت تبارك ريقها وجلست على حافة السرير بسرعة ... قلبها اخذ يدوي بعنف ... يارب ..يارب اجعل ما اشعر به حقيقياً ... همستها بسرها ثم سحبت نفساً عميقاً ..تحاول ان تكون هادئة قدر استطاعها لكي لاتبين لهفتها وسعادتها الواضحة من خلال نبرة صوتها الذي خرج هامساً مترقباً بحذر
- من !!! لا تقولي انه !!!!
هتفت رونق تقاطعها بقوة وصوت صراخها السعيد جعل السعادة تتدفق لداخلها بسرعة ... لترتسم على شفتيها اجمل ابتسامة ابتسمتها تبارك في حياتها كلها
- اااااااجل ..تصوري ..اتصل بي واخبرني بأنه سيعود اخيراً
سحبت تبارك نفساً عميقا ثم نهضت وتوجهت نحو القفص لتضع يديها على الحديد اللامع له وكأنها تخبر عصفورها ان صاحبه سيعود بخير وسلامة ... سيعود من اجلها واجله من جديد ...اخيراً ..اغمضت عيناها التي ترقرقت بالدموع .... لتهتف رونق قائلة بمكر
- هيييييييييييي اين ذهبتِ يا فتاة !!!!
همست تبارك وهي تحاول التماسك والتحكم بأرتجاف صوتها
- معك ..معك ..يا صديقتي الخائنة .. لماذا لم تخبريني فوراً
اجابت رونق بلهجة معتذرة صادقة فهي بالفعل تعمدت على عدم الاتصال بها في اليومين السابقين
- سااااامحيني تبارك لكني فقط ظننتك مشغولة بحفل زفاف اخيك ولم ارد إلهائك !!
قالت تبارك بنبرة معاتبة وهي ترفع يدها تمسح دموعها المترقرقة بحدقتيها الواسعتين
- سامحك الله يا رونق وهل مثل هذا الخبر كان سيلهيني !!!
اجابت رونق بحماس منقطع النظير
- المهم انه سيعود يا توتو ونجتمع كلنا في بيت واحد ان شاءلله .... سمعتي ...بيت واحد يا زوجة اخي !
تدفق اللون القرمزي لوجه تبارك ولم تقوى على الرد بلسانها لكنها اجابت بقلبها الذي كان يخفق بعنف ومحبة
- اللهم امين
تبادلا الحديث وتبارك شاردة بكيفية استقباله ... وكيفيه الحديث معه ... يجب ان تتشجع وتكون اكثر جراءة ...يكفي ..لن تدع السعادة تضيع من يدها مرة اخرى بسبب غبائها وعنادها !
هي تستحق السعادة وعبد العزيز ايضاً يستحقها ! كلاهما انتظرا طويلا وصبرا طويلا ..وآن اوان النهاية السعيدة لهما !!!
التفتت تنظر لذلك الطائر من جديد و الذي اصبح جزء لا يتجزء منها وكأنه فعلا طفلها الصغير لتهمس بصوت منخفض وسعيد
- افرح معي يا طائري الصغير ...فهو سيعود ...اجل سيعود اخيراً ... وبعد طول انتظار !!
.......................
..........................
... كانت حبيبة تتأمل انعكاس وجهها في المرأة بينما تبارك تجلس على الفراش منحنية تلبس حذائها ... مسدت على قماش فستانها برقة وابتسامة واسعة تظهر على شفتيها ... فستانها ناعم وجميل جداً بلون زهري مشرق انسدل حول جسدها بنعومة ..كان ضيق من الاعلى ومتسع من الاسفل ...ذو رقبة دائرية ..واكمام طويلة ..اختارته لها تبارك عندما لاحظت تحديقها واعجابها به ... رن الهاتف مرة اخرى ... تأففت بضيق وهي تهمس داخلها ..يا الله مالذي يريده مني لقد اتصل قبل قليل وتجاهلته .. ماذا !! ألم يشعر ويحس بأنها لاتريد ان تتكلم معه !!
لن تذهب اليه حتى لو ضرب رأسه بمائة حائط ..هي تعرف جيداً بأنه يريد التأكد من زينتها وفستانها كما فعل البارحة تماماً فقد نظر لها بنظرات مستحسنة وراضية مسكين لا يعلم ما تنوي ارتدائه وما تخبئه ليوم الزفاف ...
قالت تبارك بمكر وهي تنظر لهاتف حبيبة المحمول والذي يحتوي على صورة زهير ...وكم كان خجل حبيبة كبيراً عندما سألتها عن الهاتف ومن احضره لها ..في حينها احتارت بما تجيب ...وجهها تحول لمصباح احمر اللون عندما همست اسمه والادهى من ذلك هو حين رأت صورت زهير تحتل الشاشة الرئيسة بالكامل
- اجيبي على الاتصال حبيبة
قالت حبيبة وهي تغلق الهاتف وتضعه في درج الطاولة
- لاشيء مهم تبارك ..لاتهتمي
رفعت تبارك حاجبيها بتعجب من يصدق ما تقوله حبيبة !!! حبيبة التي كانت تهرع اليه ما ان ينادي عليها !!! سبحان من يغير ولا يتغير !!!
لبست حبيبة عباءة سوداء فوق فستانها وقالت بمرح
- هيا بنا سنتاخر
تبعتها تبارك وهي تبتسم بذهول .. ذهولها كان نتيجة اكتشافها للقطة المتمردة التي كانت تسكن داخل حبيبة في الخفاء والتي ظهرت الان مع ظهور شخصيها القوية ...أو التي تحاول حبيبة ان تجعلها قوية ..فهي رغم كل ما تدعيه تبقى حبيبة الصغيرة الناعمة الخجولة ... لكنها لاتنكر بأن هناك تغير ملحوظ وايجابي بتصرفاتها وهذا مؤشر جيد جداً زهير يحتاج الى امرأة تكون نداً له ...تعانده وتتعبه ... وما تفعله حبيبة معه هو اكثر من كافٍ ... ربما هو يستحق كل ذلك ... اجل .... فليتعذب قليلا ويتجرع ما كانت تتجرعة تلك المسكينة التي تظن ان لا احد منتبهه اليها !!
طوال الطريق كانت تنظر للنافذة تتجاهل وجود زهير ... كانت نظراته الغاضبة التي يوجهه لها من مرآة السيارة تكاد ان تخترق روحها قبل جسدها ... يتأفف كل دقيقة ... ينفث غضبه ويصبه على سائقي السيارات المساكين حيث كان يشتمهم بكلمات بذيئة وبصوت خافت ... رغم محاولا تبارك ان تهدئه وتمتص غضبه الا ان محاولاتها بأت بالفشل ...
لن تنكر بأنها شعرت بالخوف والرهبة من غضبه لكنها تماسكت وابدت اللامبالاة ...اليوم هو يوم زفاف وليد المنتظر وهي سعيدة جداً من اجله واجل غسق ولن تدع هذا المعتوه المتفاخر يعكر صفو سعادتها وانسجامها !!!

........................................
.................................
قاعة الزفاف
........
رتبت المقاعد و الطاولات بشكل ملائم وأنيق ...القاعة كانت واسعة بما يكفي لاستيعاب كم المدعوين اللذين حضروا ليشاركوا وليد سعادته .... الأزهار الربيعية كانت موزعة في زوايا القاعة مما ادى الى انتشار عطرها المنعش في كل ركن ....
جلست سعاد الى جانب سعدية على نفس الطاولة تتبادل معها الكلام والثرثرة تارة وتارة اخرى تقراء المعوذات عندما تنظر لولديها وليد وزهير اللذان خطفا الانظار بهيبتهما وطولهما الفارع بالإضافة لوسامتهما الملحوظة ....
فيما اتخذت تبارك المقعد المجاور لوالدتها وهي تشعر بالطاقة والحماس والسعادة ..ليس فقط من اجل وليد وغسق بل من اجل عبد العزيز ايضاً ... لقد اشتاقت له خلال الاسابيع الماضية ...حتى وليد سأل عنه وانتبه لغيابه نظراً لأنه قام بالاتصال به لكي يدعوه لحفل الزفاف واستغرب كثيراً من اغلاق هاتفه الى الان ... لكنه اعتقد بأنه لايزال مشغولا في اجتماعاته الطبية واعماله المتعلقة في بغداد !
تنهدت براحة وهي تعدل حجابها الحريري الذي لفته بطريقة ملائمة وعصرية والذي شابهه لونه لون فستانها البيج الناعم الذي ترتدية ...
في الجهة المقابلة للطاولة جلست كلا من حبيبة ورضاب ... الاخيرة التي اجلست ملك في حضنها ..من يراهما يعتقد انهما فعلا ام وابنتها الصغيرة .. الطفلة كانت هادئة ومرتاحة جداً وهي تفترش حجر رضاب بغرور وامتلاك ... خاصة وانها جعلت ملك ترتدي فستان يشبه بألوانه لون فستانها الذهبي الذي ترتديه .... تهمس بخفوت ورقة بالقرب من ملك وهي تبتسم ابتسامتها الخطيرة
بدت القاعة امام معاذ فارغة تماما ... اهتمامه كان منصباً عليها ... لم يشعر بالانجذاب نحو اي امرأة بحياته كما يشعر تجاهها .... او ربما لم يعطي لنفسه الفرصة للأنتباه الى الجنس الاخر منذ ان تسرح من الجيش في بداية مطلع عام 2003 اي قبل سقوط نظام الحكم في العراق بعدة اشهر .... رغم انه قضى فترة دراسته في بغداد مع حيدر الا انه لم يجد هناك من تنال منه أدنى اهتمام ..وعندما اراد الارتباط فكر بعقله لا بقلبه ... كان يعلم ومتأكد ان قرارات القلب دائماً خاطئة ومتسرعة ...لكنه اكتشف متأخراً ان العقل يمكن ان يخطئ ويتوهم ايضاً ....
عاد ليركز عليها من جديد ... الشيء الملفت فيها هي عفويتها وبرائتها ...كانت غير مهتمة بالمحيطين بها .... اهتمامها فقط منصب على ملك ...تطعمها وتهمس لها ..تمسد على شعرها بحنان امومي .... ضيق عينيه وتذكر اسم يقين ... من هي ؟! ربما يقين هي ابنتها ! اجل ابنتها .. وربما ملك تشبهها او ذكرتها بها لذلك هي متعلقة بها لهذه الدرجة المثيرة للدهشة !!! لكن اين هي الان !!! الاحتمال الاكبر انها مع والدها !!
هز رأسه هامساً ببرود بينما تصلب وجهه فجأة ... وما شأني بها وبابنتها !!! يجب ان اقمع واخنق تلك المشاعر الخائنة التي بدأت تظهر وتتحرك ببطء كما تتحرك المياه الساكنة في بحيرة رميت في وسطها حجراً صغيراً ... اجل يخنقها قبل ان يزيد الامر تعقيداً وتفاقماً !
.......................
................................
تسللت خارج القاعة بهدوء وحذر ...هناك شي عالق بحذائها أزعجها جداً ومنعها من التحرك والمشي بحرية .... لم تنتبه لتلك العينان العسليتان اللتان تراقبانها دون هوداه .... وما ان رآها تخرج حتى خرج خلفها بسرعة ...هامساً بتعجب وفضول ...
الى اين تذهب يا ترى ؟!
منذ ان رآها وهي ترتدي هذا الفستان والغيرة تنهش قلبه نهشاً وكأنها وحش ضاري يمزق أشلائه بلا رحمة ...خاصة وان الحفل مختلط .... والنظرات المصوبة ناحيتها لم تعجبه بتاتاً .. وعلى وجه الخصوص نظرات كمال الحقير ...لايعرف لما دعاه وليد الى الحفل ! لقد عارضه بقوة ... اراد ان يثنيه عن عزمه ...الا ان وليد اسكته قائلا بصرامة
- كمال جارنا ... ثم نحن لسنا على خصام والرجل لم يفعل شيئاً سيئاً لنا لنقاطعة ... هو تقدم لخطبة حبيبة وهي رفضت وانتهى الأمر !!!
كلامه كان مقنعاً مع الاسف ... لم يكن امامه حيلة الا الوقوف ومراقبه تحركاته ...نظراته ..ابتسامته ... الماكر كان يسترق لحبيبة النظرات دون خجل !! فقط فلتنتهي حفلة وليد على خير ..عندها سيذهب مباشرة ليكلمه ويفاتحه بشأن الخطبة ...لن يستطيع الصبر اكثر ... كان الممر الخارجي للقاعة فارغ تماماً .. بحث عنها هنا وهناك وهو ينفث الهواء من فمه بضيق وانزعاج .. هامساً بنفاذ صبر .. اين اختفت هذه الفتاة ...تقدم قليلا للأمام تحديداً في ممر جانبي ..ليتجمد مكانه وتتسع عيناه مما رأى ...المنظر جعلت الدماء تصعد لقمة رأسه وكأنها مياه حارة مندفعة ... ابتلع ريقه وهو يركز على ماتفعله .. قلبه اخذ يخفق بشدة ... مع كل خفقة كان يعلن عشقه الازلي لها ... هي .. اجل هي ... هو يريدها هي ...هذه الفتاة الخجولة الناعمة ..القطة الأليفة التي اصبحت مؤخرة شرسة وقوية ....اين كان مخبئ لك كل هذا يا زهير !!!
لم تنتبه لوجوده كانت منحنية الى الأسفل تعبث بحذائها بينما شعرها الطويل المسرح منتشر حول كتفيها كالخيمة ... ليس هذا ما جعل دمائه تفور في شرايينه ...بل مقدمة صدرها المكتنز الذي ظهر من فتحته فستانها الدائري اثناء انحنائها المغري هذا .. منذ ان وقعت عيناه على هذا الفستان وهو غير مرتاح اطلاقاً ... الفستان مستور ومحتشم هو يعترف بذلك ..الا ان فتحته كانت دائرية الشكل تظهر مقدمة رقبتها الناعم الأملس بطريقة متعبه ومغرية ... وتلك الاستدارة الضيقة لخصرها المنحوت كانت مثيرة وجذابة ... بينما شعرها !!! ااه من شعرها الذي تعانده بأطلاقه حراً كالشلال الحريري ممتداً الى نهاية ظهرها ...لو انه رأها قبل مغادرة المنزل لطلب منها ان تغير الفستان وهو بالفعل اتصل بها عدة مرات لكنها اغلقت الهاتف ... في حينها تصور بأن شحن البطارية قد نفذ ..لكن الان وما ان رأها بهذا الشكل امامه لا يستبعد تعمدها اغلاقه !!
مالذي تحاول فعله بالضبط !!! تريده ان يصاب بجلطة فورية !!! ام تريده ان يصاب بارتفاع مفاجئ في الضغط !!!!
التفت حوله بسرعة ليتأكد من خلو المكان من المارة ثم تقدم ناحيتها قائلا بصوت خرج متحشرجاً .. مبحوحاً .. على الرغم من انه اراد ان يكلمها بحدة وغضب لتدرك خطئها هذا ولا تكرره مرة ثانية ... بينما الرغبة والإعجاب ظهرتا بنظراته التي التهمتها التهاما
- حبيبة ..مالذي تحاولين فعله بالضبط !!!!
اعتدلت بسرعة وهي مقطبة لتجيبه
- كان هناك شيء عالق بحذائي و....
بترت جملتها وهي تكتف ذراعيها قائلة
- لماذا خرجت خلفي زهير !!!
تقدم نحوها وهو يضع يديه بجيبي بنطاله يحاول السيطرة على يديه من ان تمسك بها ليرد بتهكم
- خرجت لأرى ما تفعله ابنة خالتي المهذبة ..ثم كيف سمحت امي بأن تلبسي هذا الفستان الحقير !!
تراجعت خطوة الى الخلف واجابت بتحدي
- ومابه فستاني ...هو جميل وطويل وواسع ...
اكملت بتعمد وسخرية ..كانت تريده ان يشعر بالخجل والندم قليلا
- ثم عيب عليك يا زهير ان تتدخل بأمور النساء !!!
تقدم نحوها بخفة ..امسك ذراعها مزمجراً بعصبية
- من حقي ان اتدخل ورغم انفك ...
هتفت تقاطعه بقوة وهي تحاول فك أصابعه المطبقة على ذراعها
- لا ليس من حقك ..لست ولي امري ! وانا كبيرة بما يكفي واعرف كيف أتصرف !
ابتسم بشر وعيناه تلمعان بمكر
- كلا لست كبيرة هذا اولا ...وثانياً اجل سيكون من حقي ...وثالثاً وهو الاهم هو اني سأكون فعلا ولي امرك قريباً ..اتعرفين لما !! هااا اتريدين ان تعرفي لما !
ليكمل بشراسة وثقة
- لانك ستكونين قريباً زوجتي ...فهمتي ..زوجتي يا حبيبة خانم !!! لذلك كوني مطيعة وتصرفي كالبنات المهذبات ولا تتعبيني معك ! فأنا فعلا فعلا ... لا اريد ان أريك وجهي الاخر ! لأني حينها لن اكون مسئولا عن تصرفاتي .... انت قصيرة وناعمة قد ... قد .. رباه لا تظلي واقفة تنظرين لي بهذه الطريقة !!!
ما قاله الجم لسانها ...اتسعت عيناها واخذت تحدق به بصدمة .. وكأنه مجنون او مختل عقلي يقف امامها ...كانت واقفة مستسلمة لأصابعه المحكمة حول ذراعها ...مستسلمة وكأنها غزالة غبية ساذجة تنتظر افتراس الأسد لها بكل طوعية لا بل كانت مرحبة بذلك ايضاً ... ابتلعت ريقها بينما قلبها يرفرف بشدة ... أحست بالعرق يتجمع على جبينها وفي راحتي كفها ... ربما انتبه لشحوبها وصدمتها الجلية على وجهها ... لا تعرف ما عليها فعله ...اتهتف وترقص بسعادة !! ام تعض يده التي تمسكها بقوة وتخربش وجهه لتمحي هذا الملامح الواثقة التي تبادلها النظرات بتحدي اكبر ....تماسكي يا غبية ..تماسكي ولاتدعيه ينتبه للهفتك وسعادتك ! همستها وهي تحاول الثبات وإظهار الاشمئزاز على وجهها لكنها فشلت بتلك المحاولة فشلا ذريعاً ومثيراً للشفقة ....
لاحظ صدمتها وتسمرها في مكانها وكأنها تجمدت تماماً ... لم يهمه الامر كثيراً ...هي ستوافق وليس هناك مهرب او احتمالية للرفض ابداً ... سحبها خلفه كالدمية وهو يهمس من بين اسنانه المطبقة
- هيا امامي يا انسة ... ستذهبين وتجلسين قرب امي واياك ان أراك تتحركين من جانبها... او توزعين ابتسامتك البلهاء هذه !
كان بالكاد يستطيع التحكم بأنفاسه السريعة .... ورغبته الجارفة ... كان يتأرجح بين خيارين محيرين ..اما ان يقبلها الان حالاً او ان يحتويها بين ذراعيه الى ان يكسر عظامها الرقيقة !!!
ان وقف أمامها اكثر يحدق بها وهي تنظر له بشفتيها المنفرجتين سيتهور وينقض عليهما هو يعرف نفسه جيداً .... لكنه بنفس الوقت تذكر قسمه ووعده على ان لا يكرر فعلته تلك مرة اخرى الا بالحلال ...عندما تصبح زوجته فعلا .... عندها فقط سيعرف تماما كيف يستخرج حقوقه المسلوبة منها ...واحداً تل الأخر !
كما انه لا يريد تكرار تجربة تقبيلها ..... تلك التجربة الرائعة الفريدة من نوعها .... فالعواقب كانت وخيمة عليه ... خاصة وانه أمضى ليلته انذاك ساهراً متقلباً على فراشه كالمحموم ... يعيد مشهد القبلة ويتذوق طعمها الرائع وكأنها بثت في فمه طعماً عسلياً يصعب محوه !!
...............................
يلي حبج ماكو قبلة ولااكو بعدة
وماشفت اي شي يشبهج
لا حمامة ولاكو وردة شايلة عطرج حياتي
انتي حبج دنية وحدة
انتي حضنج كون وحدة
انتي موضوع من افتحة طول عمري ما اسدة
انتي روحي ونظر عيني ودعوة امي من دعت ياربي سعده
انتي ضحكة طشرت دمعاتي كلهة وطلعتني من الف شدّة
ولو ردت اختصر عمري بكلمة وحدة !
راح اكلج بس ، أحبج
.........

كلمات الأغنية كانت تصدح في أرجاء القاعة ... وهو يقف هناك جانب وليد عيناه مثبته عليها يرفع حاجبه الأيسر بتعجرف وتحدي .... وكأنه يقول لها تحركي ان كنت شجاعة ... و هي بالفعل جلست بهدوء رغم صخبها وفورتها الداخلية ... كانت تتجنب النظر ناحيته ...تدعي الاستماع لتبارك ...لكن عقلها وفكرها مشغولان ...تسترجع ما حصل قبل قليلا ..هل قال اتزوجك !!! هل كانت تحلم !!! رفعت نظراتها لتصطدم بنظراته الواثقة ... رمشت عدة مرات وأدارت رأسها ناحية تبارك مرة اخرى ... بينما انفاسها كانت تخرج مضطربة وحارة .... وكأن كل ما مر بتلك الدقائق المعدودة الفائته كانت ضرباً من الخيال البعيد .... أمن المعقول ان يتحقق حلم السنين هكذا وبكل بساطة ! أمن المعقول انه احسن بحبها وولهها الميئوس منه تجاهه !
لكن لالا ... لا مجال للتفكير ... بالتأكيد هو يمزح ويسخر منها !!

- وليد أريد ان أتزوج حبيبة !!
همسها قرب اذن وليد المشغول بالرد على المباركات والتهاني .. خرجت جملته بعفوية ودون تفكير ... استدار وليد ناحيته بسرعة وقال مقطباً
- نعم !!! ماذا قلت ؟!
همس بخفوت وهو يركز على حركات حبيبة المتوترة
- اريد ان أتزوج حبيبة ...ولن اصبر اكثر من هذا !!!
استحوذ ما تفوه به زهير على انتباه وليد الكامل ليجيبه قائلا
- حسناً ...وهل تعتقد ان الان هو الوقت المناسب لطلبك الغريب هذا ؟!
رفع زهير كتفه بلامبالاة ثم انتزع عينيه عنها مرغماً ليحدق بوجهه شقيقه قائلا
- اولا اعرف ان الوقت غير مناسب لكني أعطيك علماً منذ ألان تحسباً لأي طارئ جديد ... !! وثانياً .. ابنة خالتي وأريدها على سنة الله ورسوله ما لغريب في الامر !!!

اجابه وليد متهكماً وهو ينظر له بنظرات ذات مغزى .. اذن احساسه بميل زهير ناحية حبيبة كان صائباً ...الفرق بين حبيبة وزهير كبير جداً .... فزهير عصبي ..مجنون ومتهور .... لكنه بنفس الوقت متفكه ومسلي يحب المرح باستمرار ..عكس حبيبة ذات الطبيعة الخجولة الرقيقة .... ترى هل ستنجح علاقتهما ان تزوجا !!!!

- الغريب انك اكتشفت رغبتك الزواج منها هكذا فجأة وهي التي كانت امام عينيك طوال الوقت !!
قال زهير بانزعاج وضيق
- كنت احمق وغبي واعمى ..هل يرضيك هذا الجواب !!!
ابتسم وليد قائلا وهو يلتفت لينظر لزوجته المتوهجة وكأنها اميرة الاميرات ببدلة زفافها المنفوش وحجابها الابيض المغطى بطرحة طويلة زادتها جمالا ورقة ... كانت تتكلم مع مجموعة من الفتيات اللاتي أحطنها من كل جانب ...وكأنها احست بنظراته اذ رفعت عيناها لتلتحم نظراتها معاً ... لتبادله ابتسامته تلك بأخرى واسعة وسعيدة ..
- عن اذنك اخي ...سنؤجل الكلام لوقت اخر !!
تركه وذهب اليها بينما زهير ظل يحدق بهما متحسراً وهو يهمس
- اذهب اذهب ...ماذا يهمك انت !! النار تشتعل بقلبي انا ...اليوم يومك وحبيبتك أصبحت ملكك !
ليكمل بكأبة وهو يعاود النظر ناحية حبيبة
- لا تشكو للناس جرحاً انت صاحبه لا يؤلم الجرح الا من به المُ ... لو كنت انتبهت و تزوجتها منذ البداية ألم تكن الان هي زوجتي وتقف الى جانبي ...وربما كانت تحمل طفلي بأحشائها ايضاً !!!
تنهد زافراً الهواء بحرارة تذيب جبالاً من الجليد
- متى سيأتي اليوم الذي ستكونين فيه لي وحدي ...وحدي فقط !!
...................................
...............................................
دلفت الى جناحهم الذي حجز به وليد ... وهي منحنية تلملم أطراف بدله زفافها المنفوش ... بينما ساعدها وليد على رفع اطرافه معها ... انتهت الحفلة بوقت متأخر جداً .. صورة والدتها لا تبارح خيالها ... فقد بكت بحرقة وكأنها ستذهب لمكان بعيد .... قالت سعدية وهي تمسح دموعها المتدفقة
- انتبه لها جيداً ياوليد ..غسق امانة بين يديك فحافظ عليها ياولدي !
تقدم وليد ثم انحنى ليقبل يد عمته قائلا بلطف
- لا توصيني عمتي .. غسق ستكون بعيني وقلبي ...ثم نحن سنعيش معكم ولن تفارقك ابداً بأذن الله
لم تتركها والدتها وسعاد الا بعد ان قدمتا لها عدة نصائح مخجلة جعلت شعورها بالخجل والتوتر يتفاقم داخلها اكثر واكثر
عادت من شرودها على صوت وليد الخافت وهو يغلق الباب قائلا بتوق ولهفة شديدة
- اخيراً انتِ لي !!
ابتسمت بخجل واطرقت راسها وهي تعض شفتها السفلى ... بينما قلبها يخفق بشدة وسعادة ...احست بأقترابه منها ... امسك كتفيها ليقربها لصدره اكثر ...رفع وجهها محدقاً بعينيها اللؤلؤيتان هامساً
- اكاد لا اصدق اننا اخيرا اصبحنا بمكان واحد ودون حواجز ومقاطعة
اقترب من شفتيها هامساً بصوتٍ مبحوح
- هل انت سعيدة مثلي غسق !!
اومأت تهمس بابتسامة بريئة و صادقة
- جدا جدا يا وليد
انحنى مقتربا منها ليقبلها قبلة طويلة وجريئة جداً ... قبلة سلبت انفاسها واحمر على اثرها شفتيها حملها بخفه وبنفاذ صبر ... متجهاً لغرفة النوم التي احتوت على سرير ملكي واسع مغطى بملاءة بيضاء .. بينما نسمات الهواء الربيعية المعطرة برائحة الشلالات والأشجار الرطبة كانت تطير ستائر الشرفة المخملية وتملئ المكان برائحتها الزكية ... قال بخشونة
- سأذهب لاغير ملابسي في الصالة وانت غير ملابسك ايضاً لنصلي ركعتين لوجه الله تعالى
اومأت صامته وهي تتابع حركاته السريعة ...اتجه الى الحقيبة الخاصة به واخرج منها علبة كارتونية مربعة الشكل ... ثم اقترب منها قائلا
- ارتدي هذا ياغسق
نظرت للعلبة بكل براءة وقالت
- ماهذا ياوليد !!!
اتقدت عيناه الفحميتان بلهيب الرغبة الجارفة واجابها بصوت متحشرج ومبحوح
- قميص نوم كنت قد اشتريته منذ ان عقدنا القران ارغب ان ترتديه الليلة
اجابت بخجل وتعجب شديد وصوتها بالكاد يخرج من شفتيها
- أ..نت ..اشتريته ؟!!
اومأ وهو يجيبها ببساطة شديدة
- اجل انا .. وماذا في ذلك .... زوجتي واشتري لها ما يحلو لي ... ولازال هناك الكثير
وقبل ان تفتح فمها لترد قاطعها وهو يخرج بجامه حريرية سوداء اللون
- هيا غسق ...غيري ملابسك بسرعة انا تعب جداً و اريد ان ارتاح
توجهت الى الحمام الملحق بالغرفة ... وبيدين مرتجفتين نزعت حجابها الابيض .... ثم فستان زفافها الذي احتاج لعناء ومجهود كبير لتتخلص منه .... لبست قميص النوم الأحمر الذي اعطاه لها وليد .... وما ان رفعت عيناها حتى شهقت بخفوت وهي تطالع انعكاسها في المرآة ... القميص كان فاضح جداً ...يظهر اكثر مما يخفي ... منطقة الصدر كانت مصنوعة من الدانتيل الشفاف الذي اظهر صدرها بصورة جريئة ووقحة ...كما انه كان قصيراً جداً يصل لمنتصف فخذيها ...
همست بخفوت ويأس
- ياربي ..كيف سأخرج امامه بهذا الشكل !!! حتى الروب الخاص به مصنوع من الدانتيل ايضاً !!
مسحت وجهها من مستحضرات التجميل وسرحت شعرها الطويل وتركته حراً طليقاً ... ثم وضعت القليل من عطرها المفضل ذو الرائحة المنعشة للقداح الربيعي ... استغرق وجودها فترة طويلة في الحمام .. بل هي من تعمدت ذلك ... سمعت صوت طرقات على الباب وصوت وليد الجهوري وهو يقول بنفاذ صبر
- هل تحتاجين لمساعدة حبيبتي !!
اجابت بصوت مرتجف ومتلعثم
- لالا ...سأخرج حالا لقد انتهيت !!
سحبت نفساً عميقاً وهي تلقي نظرة اخيرة على انعكاسها ...لتهمس بتشجيع ..هيا غسق اخرجي لاشيء يدعو للخجل والخوف ..انه وليد زوجك الذي تعشقيه .... ثم خرجت بخطوات بطيئة
كان يقف في الشرفة ينظر إلى الأشجار الخضراء والتي تخللتها الشلالات المنسابة من اعلى الى اسفل وكأنها قماش حريري ابيض متلألئ وبراق ... يحاول ان يهدئ من ضربات قلبه وسخونة جسده التي تصاعدت ما ان تخيل شكلها وهي ترتدي قميص النوم الذي اشتراه لها بأحد المرات التي ذهب بها الى السوق ..ما ان وقعت عينه على القميص اقسم ان يجعلها ترتديه بأول ليلة لهما .... شعر بها تخرج من الحمام ليستدير ويدخل بسرعة مغلقا الشرفة خلفه دون ان يحيد نظراته عنها .... رباه ... كانت اجمل بكثير مما تخيل ساقيهما المرمريتان ظاهرتان امامه وكأنها تدعوه ليلمسها ويجرب نعومتها .... بينما صدرها الأبيض كان ظاهراً ..ظاهر جدا ..جداً ..لم يترك شيئاً لخيالة رغم انها ترتدي هذا الروب الذي وجوده من عدمه سواء ...
تنحنح وهو يبعد عينيه عنها بصعوبة ليقول بخشونة
- الأفضل ان نصلي الان
أومأت بصمت وأخرجت اسدال الصلاة من الحقيبة وارتدتها امام عينيه التي عادت لتلتهم كل حركة تقوم بها ...
بعد ان صلا ركعتان لوجه الله وضع يده على راسها مرددا الحديث المآثور
" اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، أعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
عندما اقترب وليد منها ابتعدت عنه بذعر ... احس بذعرها وتفهمه جيداً ..همس بلطف وهو يقترب منها اكثر بينما يده تحتضن كفها
- هيا غسق ..لا تخافي مني ...
ثم سألها بحنان وكأنه يريد ان يطمئنها ويهدء ذعرها الجلي والظاهر على وجهها
- اتريدين تناول العشاء اولاً ؟!
رفعت رأسها وهمست بعينان دامعتان مترجيتان
- لست جائعة ... من فضلك وليد انا ..انا ..تعبه واريد النوم ..
تنام !!! هتفها داخله مستنكراً ..هو يحسب الساعات والدقائق ويعد العدة لهذه اللحظة الحاسمة من حياته لتأتي وتقول له بانها تريد ان تنام ! لا والف لا ! لن يسمح بذلك على جثته !!!
تنحنح ثم ابتسم بتصنع وقال بلطف وصبر
- غسق .. الليلة هي ليلة زفافنا ! انها الليلة التي انتظرتها بفارغ الصبر ! أتعين معنى ذلك !
نظرت له بصمت ورهبة وشفتيها ترتجف بطفولية بينما ملامحها كانت شاحبة للغاية .. ادار وجهه الى الامام و سحب نفساً طويلا ثم زفره بقلة حيلة ... حوقل بخفوت وهو يمرر أصابعه بشعره بدا وكأنه يفكر بشيء ما ... صمت لعدة دقائق قبل ان يلتفت ناحيتها مرة اخرى قائلا بمراوغة
- حبيبتي سأعقد معك اتفاقاً ....
اجابت وهي تزم شفتيها بعدم رضا
- ماهو ؟!
رفع كفه واخذ يمرره على وجنتها ثم نزل الى كتفها ومنه لذراعها ... لمساته كانت رقيقة وحانية ... امسك عقدة الروب التي كانت تشدها حول خصرها قائلا
- اتركي نفسك لي ...واسترخي وانا اعدك وعد شرف ان قلت لي توقف سأتوقف فوراً
نظرت له بشك
- حقاً !!
اومأ بثقة وهو ينزعها روبها الشفاف ليظهر امامه جسدها المضيء وكأن ضوء القمر انعكس عليه ..
- حقاً صغيرتي
بدأ يقبلها بقوة .. ولطف ... رغم شوقه وتوقه الشديد الى فعل المزيد الا انه تمهل معها ... لا بأس يجب عليه ان يحرص على عدم اخافتها .... قبلاته تعمقت اكثر ولمساته ازدادت جراءة ... يحاول ان يسحب استجابتها الخجولة رغما عنها .... كان يهمس لها بحب ..وحنان ... عيناه السوداويتين بدتا كاتون مشتعل من شدة رغبته الحارقة لها .... للحظة شعر باسترخاء جسدها ومبادلتها اياه للمساته وقبلاته ...وما ان حانت اللحظة حتى تشنجت وهتفت بأنفاس لاهثة ومرتبكة وهي تدفعه بقوة
- ابتعد عني وليد ..ارجوك ..ارجوك ...انت تؤلمني ابتعد
ابتعد عنها مرغماً وانفاسه تخرج سريعة وحارة ... جلس على طرف الفراش ونظر لوجهها المذعور بصمت ...مسح جبينه واستغفر الله بهمس .... اخذ يشهق الهواء ويزفره عدة مرات لكي يهدئ من ضربات قلبه العنيفة .... لم يجد كلاماً يقوله لها لذلك صمت متجهماً ... لا يسمع في الغرفة الا صوت انفاسهما المضطربة ... همست غسق بلهجة معتذرة
- اسفة وليد ....ارجوك ... اخبرتك .. فلنؤجلها للغد انا متعبة و اريد النوم ارجووووك
لاحظت صمته وعبوسة لتكمل بسرعة وكأنها تهرب من ملامحه المثيرة للشفقة
- تصبح على خير
غطت وجهها بينما وليد يشعر وكأن نار حارقة تلتهم جسده الحار ...نهض ليأخذ حماما باردا وهو يفكر ..كيف يقنعها ويجعلها تنسى ذعرها وخوفها هذا ! لم يخطر بباله ان ردة فعلها ستكون عنيفة بهذا الشكل ! لقد كان يرسم ويخطط بأن تنتهي ليلتهم بهمسات وقبلات حارة !
خرج من الحمام وهو يفرك شعره بمنشفة صغيرة مكتفياً بارتداء البجامة الحريرية ... رمى المنشفة على الكرسي وتوجه لينام عاري الصدر ... ظل ينظر لرأسها المدفون تحت الشراشف وكأنها نعامة تدفن رأسها تحت الرمال ...هي لا تعرف بأنه لو اراد امتلاكها لأمتلكها بالقوة ...اااه حاجته اليها كبيرة وقوية ..لكنها خائفة وصغيرة ايضاً .. سيصبر الليلة وربما غداً تكون اكثر راحة وتعتاد على قربه الحميمي منها ... وضع يده اسفل رأسها وسحبها لتنام على ذراعه ...استجابت له على الفور ووضعت خدها على صدره بينما لفت يدها على بطنه المسطح بعفوية تامة وهي تشعر بالراحة والامان ... بعد مرور عدة دقائق رفعت رأسها و همست بصوت ناعس
- وليد !!
همهم بصوت خافت لتكمل بتساؤل
- هل انت غاضب مني ؟!
ابتلع ريقه بصعوبة ....ذلك الحفيف الصادر من احتكاك جسدها اللين بجسده الساخن وانفاسها الحارة الرقيقة التي تندفع من شفتيها المنتفختان من اثر قبلاته النهمة لتصطدم بصدره الملتهب ...جعلت الحرارة النارية ترتفع لتصل الى اقصى حد لها وكأنه مرجل بخاري على وشك الانفجار .... ليجيبها بصوت هادئ
- لست غاضباً يا غسق ..
همست مرة اخرى قائلة بشك
- أأنت متأكد !! نبرة صوتك تقول بأنك غاضب !!
شدد من احتضانها قائلا بنفاذ صبر
- قلت لكِ لست غاضباً ... نامي الان هيا !
اومأت ودفنت وجهها بتجويف رقبته وذهبت بسبات عميق .. عميق جداً حتى انها بدأت بإصدار شخير خافت ... بينما وليد يتقلب على فراش من الشوك والجمر ..كيف لا وهي تنام جانبه شبه عارية هذا اذا احتسب ان القميص الذي ترتديه يسمى قميصاً للنوم من الاساس ... أكان يجب عليه ان يجن ويعدها بذلك الوعد السخيف !!
اطفئ المصباح الجانبي للسرير فهو ان ظل يحدق بوجهها المتورد وملامحها الفاتنة ... سيحاول اعادة الكرة معها مرة اخرى ... أنقلب لجانبه يحتضنها بشكل اعمق يقربها من صدره اكثر مجبراً نفسه على مقاومة رغبته ومشاعره المتفجرة نحوها ليهمس بيأس وصبر
- غداً لناظره لقريب ..اصبر يا وليد وامرك لله !!
.......................
................................
يتبع


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:13 PM   #87

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

لندن ...المشفى
.........
كان يقف أمامها يفحص نهديها بلمسات غير طبيعية ... شعرت بها المرأة الثلاثينية واحست بالنفور والقرف الذي انعكس على تقاطيع وجهها الانكليزي البارد .... لمساته لم تكن لمسات طبيب يفحص مريضة بل لمسات شهوانية .... كان يبتسم ابتسامة ذئبية وجبينه يتصبب عرقاً غزيراً .. شعر بتململها ونفورها .... لن يحاول استدراجها الان ... في المرة القادمة ستكون جاهزة .... ابتعد قائلا وهو يحاول السيطرة على تلك الرغبة الفاضحة الي بدت جليه عليه
- تستطيعين ارتداء قميصك الان ...
ثم خرج من غرفة الفحص ليجلس خلف مكتبة ... لحقته وجلست في الكرسي المقابل له وهي تنظر له بتوجس
- عملية تكبير الثدي التي تبتغين إجراءها تحتاج لفحوصات اخرى ... يجب ان تأتي غدا و منذ الصباح الباكر لنبدأ العمل بتمهل وروية !
اجابته بلغة انكليزية طلقة
- هل سأستطيع إجراءها !!
اومأ قائلا بمراوغة
- لن احدد الا بعد إكمال كل الفحوصات اللازمة
ثم دون في ورقة الفحص ما عليها فعله غداً واعطاه لها بأبتسامة واسعة ومطمئنة ... وما ان خرجت حتى دلفت سكرتيرته قائلة
- الدكتور هنري ينتظرك في الخارج دكتور !
قطب عابساً بملل
- ومالذي يرده مني الان ... ادخليه لنرى ماوراء ذلك الجشع !!!
خرجت السكرتيرة بهدوء ... تنهد بتململ ... الصداع والإرهاق وحالات الدوران والارتجاف التي أصبحت تتكرر عليه في الفترة الأخيرة مثيرة للقلق . ... لقد طلب منه الدكتور الجراح الذي شاركه بأجراء عمليته الاخيرة بأن يخرج من غرفة العمليات عندما لاحظ شحوبه ...حتى انه اوقع المشرط من يده دون ارادة منه ... ربما تصيبة هذه الأعراض بسبب الارهاق والتعب كذلك هو يشرب القهوة والمنبهات كثيراً ...كما ان ضغوطات العمل باتت تزعجه جداً .. يحتاج لفترة راحة طويلة برقفة تلك الشقراء الفاتنة .. سيحاول اقناعها بلطف ومكر ثم يأخذها ويسافر الى سويسراً حيث كوخه الجبلي المنعزل عن العالم ....يستمتعان بفترات حميمية وساخنة معاً ...
- مرحباً دكتور همام كيف حالك !!
قالها هنري وهو يدلف الى الداخل بأريحيه
وقف همام واجابه بهدوء وهو يمد يده ليصافحه
- اهلا دكتور هنري .. تسعدني رؤيتك
جلس هنري في الكرسي المجاور للمكتب ثم قال لهمام الذي جلس هو الاخر وانحنى بجذعه نحوه مستنداً على سطح المكتب بذراعيه
- خيراً ماسبب الزيارة ؟!
اجابه هنري بهدوء وهو يعدل نظارته الطبية
- حسناً ... الامر يخص المريضة التي تدعى سناء !!
قال همام وهو يعود بظهره الى الوراء يتأرجح على كرسيه بلا مبالاة
- ومابها !!!
اجابه هنري بشرح مفصل
- لقد اجرينا فحوصات جديدة لها ... الحقيقة كنت اشك بأن الطفل يعاني من خطب ما ... وبما ان الحمل أصبح في الاسبوع الرابع عشر لذلك امكننا من اجراء فحص ( بزل السلى ) واتضح ان الطفل يعاني من متلازمة داون ! وبما انها تخصك فكرت بضرورة إبلاغك !
رفع همام حاجبيه وقال ببرود شديد بينما تحولت ملامحه اللينة الى ملامح اخرى جامدة وقاسية
- اولا سناء لا تخصني بشيء ولا تربطني بها اية علاقة وما فعلته معها كان بدافع انساني بحت ..وثانياً وهو الاهم انا لا شأن لي ..لا بها ولا بطفلها اللقيط ...ولا تصدع رأسي بأخبارها مرة اخرى !
اومأ هنري قائلا بتفهم
- حسناً انا فقط ظننت ان امرها يهمك باعتبارك انت من احضرتها الى المشفى ..على اية حال هي هادئة تماما ...شاردة بعالم اخر ..لا تنبس ببنت شفة ..فقط تراقب ما يجري حولها بصمت !
أجابه همام بضجر وملل
- فلتذهب الى الجحيم ..لا يهمني أمرها ابداً
قال هنري بتساؤل
- والطفل بعد ولادته ماذا افعل معه ! فأنت تعرف انا لن اقوم بإجهاضه هذه تعتبر ....
هتف همام يقاطعة بنفاذ صبر وضجر
- يا الهي هنري ...اخبرتك لا شأن لي بهما اطلاقاً ... اتعلم شيئاً ...سلمه لملجئ الايتام وهم بكل تأكيد سيرحبون بذلك !
غير هنري دفة الحديث وظلا يتبادلان الكلام عن أعمالهم المشبوهة ... بينما همام يفكر بسره متذمراً ...الن اتخلص من وجود تلك العاهرة الشمطاء بحياتي ابداً ... من الجيد انه وضع حداً وانكر معرفته بها ...بهذا الشكل هنري لن يفتح معه موضوع سناء وطفلها المعاق ...هذا ما ينقصه طفل يعاني من متلازمة داون يظهر له فجأة ويُفرض عليه !! لم يخلق بعد من يفرض على همام شيئاً هو لا يريده !
.......................
.....................................
البصرة مساءاً
...............

كان يجلس على فراشة يضع يده خلف رأسه ينظر للسقف بشرود ...مضى يومان منذ عاد الى البصرة ... يومان وهي لا تفارق مخيلته ... كل حركة ...نظرة ..ابتسامة تخصها كانت تترائى امام عينيه كالفلم التلفزيوني البطيء .... لقد اخذ قراراً بأن يتجاهل ويخنق مشاعره التي بدأت تتحرك ناحيتها ... لكن مايحصل له الان يحصل رغماً عنه .... بينما هو في داخل مصنعه بين عماله يعطيهم التوجيهات فجأة يتذكرها ... وكأنها اغنية جميلة تتكرر في عقله ومسامعه كل ثانية .. عقله وفكره يعملان ضد ارادته ويضربان قراره عرض الحائط
تنهد وهو يفكر بما قاله حيدر ظهر اليوم عندما كانا يجلسان في احدى المطاعم المرصوصة امام شط العرب يأكلان السمك المسقوف
- هل ستذهب الى الشمال مرة اخرى ام انك ستنسى امر تلك العائلة
لم يكن منتبهاً لنظرات حيدر المتفحصة حين اجاب دون تفكير وبعفوية وهو يقطع جزء من اللحم
- كلا طبعاً ..ماذا تقول انت !!! كيف انسى وحتى ان نسيت هل تتصور ان ملك ستنسى رضاب ؟!
اكمل وويضع لقمة في فمه
- بالأضافة لذلك ...لقد ربطتني آصرة صداقة جميلة وقوية مع وليد و زهير ...خاصة وليد هو رجل طيب وخلوق جداً ..و
قطع استرساله في الكلام عندما لاحظ ابتسامة حيدر الجانبية ليقطب معاذ قائلا بتساؤل
- مابك لما هذا الابتسامة الغريبة !!!
ترك حيدر الخبز من يده وقال بهدوء
- اسمعني جيداً يا ومعاذ ...عندي اقتراح لك !!
رفع معاذ حاجبيه ثم التقط المنديل الورقي ومسح فمه قائلا
- هات لنرى اقتراحك !!!
مال حيدر بجذعه ناحية الطاولة قائلا بجدية
- تزوجها !!!!
ردد معاذ ما قاله حيدر بعدم فهم
- أتزوجها !!!! من تقصد ؟!
رفع كتفه قائلا بلامبالاة
- ومن غيرها ... رضاب ..تزوجها و...
هتف يقاطعه باستنكار وهو يعود بظهره الى الوراء بينما ملامحه باتت قاسية وباردة
- أجننت يا حيدر !!! انت خير من يعرف اني
قاطعه رافعا يده
- اعرف اعرف ...وما جرى لك ليس نهاية العالم ...انت لاتزال في بداية الثلاثين يامعاذ والحياة امامك طويلة .... صدقني ستضرب ثلاث عصافير بحجر واحد !!! ستريح قلب ابنه اخيك اليتيمة كما ستسعد والدتك المسكينة بالإضافة لكل ذلك فأنت ستسكت تلك الالسنة التي تطعن ظهرك وتتهمك بالعجز !!!
صمت معاذ ينظر له ببرود وعيناه عكست مدى آلمه وضيقه مما ذكره ابنه عمه للتو الا ان حيدر لم يهتم واصل كلامه قائلا
- اجل يا معاذ ..كلانا يعرف تماما ما يقوله الناس وشباب العشيرة عنك !! لا تدعي عدم الفهم !

كل كلمة نطقها حيدر كانت صائبة تماماً ...لكن فكرة الزواج لم تخطر بباله ابداً ..لقد عاش لسنوات عديدة وهو مرتاح بوحدته وانعزاله الذي اختارهما بنفسه ..... حتى وان كان راحته هذه تؤلم والدته ...الا انه هكذا كان مقتنع وراضٍ عن حياته ..... موقن ان محور الكون لا يتوقف على الزواج وإنشاء اسرة ... يمكن للإنسان ان يعيش سعيداً دون زواج وأولاد .... اجابه معاذ متهكماً ساخراً بينما عيناه الزيتونية باتت داكنة ومتألمة
- حيدر ... سبب عزوفي عن الزواج هو ليس بسبب حب بائس شعرت به في بداية حياتي كشاب خط الشارب وجهه الأمر تعدى ذلك كثيراً ..وكثيراً جداً ....
اجابه حيدر متفهما ...متألماً ....مشاركاً اياه كل اختلاجة من اختلاجاته
- ما مررت به كان امراً دنيئاً وحقيراً ..لكن يا ابن عمي الدنيا لاتقف عند احد ..ولا ينتهي الكون لمجرد تجربة مريرة مررت بها ...الزمن يسير .... والدنيا تدور وتدور .... ولقد انعم الله علينا بنعمة اسمها النسيان .... لذلك حاول ان تفكر بما قلته ...فكر بهدوء .. ..والاهم من ذلك ...فكر بعدد الأشخاص الذين سيكونون سعداء بهذا الخبر
اجابه معاذ ساخراً متهكماً
- اااها ...نعمة النسيان !! على اساس انك نسيت ايضاً !!
ابتسم حيدر بهدوء ثم تنهد بعمق قائلا
- نسيت يا معاذ بدليل اني تزوجت وأسست أسرة وعائلة !! يبقى الدور عليك انت يا ابن عمي !!
قطع عليه حبل أفكاره دخول ملك الصاخب وهي تبكي وتشهق بقوة
- عمو مواااااااااذ ..عمووووو
اتكأ على مرفقه فاتحاً ذراعه الاخرى لتسارع بالارتماء لصدره القوي قائلة بطفولية
- عمو مواااذ
اجابها وهو يجلسها على بطنه يمسح دموعها قائلا
- مالذي يبكيك ياروح عمك ؟!
سحبت نفساً مرتجفا ثم اجابته بشهقات صغيرة
- جدتي صرخت عليَ لأني قلت لها بأن امي رضاب تمشط شعري افضل منها !!
ابتسم قائلا بحنان
- اعرف ان والدتك رضاب تسرح شعرك افضل من الجدة لكن يجب ان لا تقولي مثل هذا الكلام ..هي تحاول جهدها ان تعتني وتهتم بك
صمتت ملك تنظر له وشفتها السفلية مقلوبه بعناد ورفض ... نظر لساعة المعلقة على الجدار وكانت تشير الى التاسعة والنصف مساءاً ...الوقت لايزال مبكراً .... ابتسم بشرود ليكمل قائلا
- ما رأيك ان نتصل بها الان !!!
انفرجت اساريرها قائلة بسعادة وحماس
- اجل اجل ..اريد ياعمو !
قاطعها محذراً وهو يدعي الجدية
- لكن بشرط !!
اجابت ببراءة وعيناها تلتمع بسعادة
- ماهو !!
ابتسم قائلا
- عديني ان تستمعي لكلام الجدة وان لا تعانديها ابداً !!
اومأت بسرعة وهي تلتقط هاتفه وتمد يدها الصغيرة له قائلة
- حاضر حاضر والان هيا اتصل هييييييييا
ابتسم وهو يلتقطه ليفتحه متنهد بعمق ....سيعترف امام نفسه بأنه هو من يريد ان يستمع لصوتها ...اجل يريد سماع صوتها الرقيق الحنون .. كل ما في هذه المرأة يجذبه ... صمتها ..حزنها ..ابتسامتها ورقتها .... من الجيد انه اخذ رقم زهير ..فوليد الان بكل تأكيد لا يزال بشهر العسل وحتى وان كان قد عاد فمن غير اللائق ان يتصل به ويزعجه .... انتظر لدقائق قبل ان يصل لمسامعه صوت زهير قائلا ببشاشة
- اهلا معاذ كيف حالك !!!
اجابه معاذ باسماً
- اهلا زهير انا بخير كيف حالك انت !!
ظلا لعدة دقائق يتبادلان الأحاديث العادية ليتنحنح اخيراً وهو يقول بحرج بينما ملك تراقبه بنفاذ صبر
- زهير ..لا اعرف ماذا اقولك لك ..لكن ..ملك تريد ان تتحدث مع السيدة رضاب ...طبعاً ان كانت مستيقظة !!!
صمت زهير لعدة ثوان ثم اجابه قائلا
- حسناً .. انتظر لدقيقة واحدة
وبالفعل بعد مرور عدة ثوانٍ قال زهير
- اين هي ملك !!!
رفع معاذ حاجبيه واجاب بهدوء
- اجل تفضل ..هاهي ملك معك
فتح مكبر الصوت وهمس لملك بأن تتحدث ... قالت ملك بسعادة وحماس
- الوووووووووووووو امي .. انا ملك
وصله صوتها الناعم ...الشجي ..الذي يحمل بين نبرته حزناً دفيناً لن يخطئه ابداً
- يقين ...طفلتي الحبيبة ..كيف حالك ..اشتقت لك كثيراً
اجابتها ملك بدلال وتذمر خاص تمارسه على رضاب فقط
- انا حزينة امي .... حزينة ووحيدة ...لايوجد من يحبني هنا ..وجدتي تصرخ علي دائماً ...ولا تسرح شعري ولاتقص لى القصص .... لا هي تقص لكن قصصها بشعة ... متى ستأتين لتأخذيني من الاشرار ماما !!!
كان معاذ ينظر لها بتعجب ودهشة ... يالها من طفلة ذكية تعرف كيف تمارس ضغطها على رضاب وتستدر عطفها المتدفق ...اذ اجابتها رضاب بحنان
- اووووه صغيرتي المسكينة ...اتمنى ان اتي لزيارتك ...لكني لا استطيع السفر وحدي صغيرتي !
اجابت ملك بتذمر
- كيف سأراك امي !!!
همست قائلة بخجل وصوت ناعم ...بينما حروف اسمه تخرج من الهاتف عذبة ورقيقة .... وجميلة جداً ..... وكأنه عرف مدى جمال اسمه بالتو واللحظة
- امممم ...اطلبي من معاذ ان يحضرك لزيارتي ..لكن لا تقولي له بأني طلبت هذا منك !!
نظرت ملك لعمها بحيرة وقبل ان يشير لها معاذ ويحذرها اجابت ببراءة وعفوية
- عمو موااذ يجلس قربي وقد سمع ما قلت ..خذي اطلبي منه بنفسك
خفق قلب رضاب بقوة بينما اكتسى وجهها اللون الاحمر ...تباً كيف لم تفكر بأنه ممكن ان يكون قربها !!! فكيف لطفلة صغيرة ان تتصل بها وحدها ودون مساعدة احد !! غبية انت يا رضاب !! ماذا سيقول عنها الان !!بالتأكيد سيظن بأنها تستغل برائة الطفلة لصالحها ...وتحرضها على العصيان والتمرد على عائلتها ...كم هذا مخجل !!! لم تستطع ان ترفض الكلام معه خاصة وان تبارك وحبيبة تجلسان في الغرفة معها .... صحيح ان تبارك تحدق في الكتاب القابع بين يديها وهي تضع السماعات في اذنيها بينما حبيبة تدعي العبث بهاتفها المحمول الا انها تعرف جيداً بأنها ترهف السمع لكل كلمة تتفوه بها
- السلام عليكم ..: كيف حالك سيد معاذ !!
همستها باضطراب وهي تنقل نظراتها الزائغة في الغرفة ليجيبها بصوت رخيم وهادئ
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...الحمدلله ..كيف حالك انت !!!
همست بخفوت
- الحمدلله بخير .
ساد الصمت بينهما لعدة ثوان ... صمت ثقيل ومربك .... ليستطرق معاذ معتذراً ببرائة مزيفة وهو ينظر لملك التي جلست قربه تراقب ما يقوله بانتباه مضحك
- اسف لأننا أزعجناك بهذا الوقت ..في الحقيقة ملك هي من اقترحت واصرت على ان اتصل بكِ الان .. تقبلي اعتذاري مرة اخرى ارجوكِ
أجابته بسرعة وصدق
- ارجوك لاتعتذر ابداً ..بالعكس انا سعيدة جداً باتصالها ...ورجوا ان تتصل بي دائماً ... انا احبها كثيراً !
ابتسم براحة وتمدد على الفراش قائلا بنعومة جعلت انفاس تلك المسكينة تخرج لاهثة ومضطربة
- ونحن ايضاً نحب سماع صوتك اقصد ملك تحب ذلك ... وسيكون من دواعي سرورنا ان نتصل بك بأستمرار ! ذنبك على جنبك ... نحن اناس لحوحين جداً صدقيني ستندمين على اقتراحك هذا !!
ثم قهقه بخفة ورجولة .... ضربات قلبها باتت تخفق بعنف اكبر حتى ظنت ان تبارك وحبيبة تكادان ان تسمعان خفقاتها المجنونة هذه .... بينما اوشك الهاتف على السقوط من يدها ... ضحكته كانت عميقة ورائعة ... جعلت ارتعاشه تمر عبر عمودها الفقري ...همست بسرعة ونبرتها المتوترة عكست وبينت له مدى خجلها وارتباكها منه
- حسناً ..انا ..انا ..يجب ان اغلق الهاتف الان ...سررت بالتحدث اليكما ...الى اللقاء !
اغلق معاذ الهاتف هامساً بخشونه بينما اتخذت ملك مكانها العتاد على ذراع عمها واخذت تعبث بدبها الصغير الذي كانت تحمله معها
- غامضة جداً ...اقسم بأن خلف حزنها وشجنها هذا سر كبير وعميق !!!
...........................
نزلت حبيبة الدرجات وهي تبتسم بنعومة .. سعيدة جداً من اجل شقيقتها ... لقد لاحظت كيف كانت تتكلم مع معاذ بتلك الطريقة الطبيعية ... صحيح هي كانت خجولة قليلا لكنها كلمته بمنتهى الهدوء والرزانة ... كانت تركز على حوارها معه وهي تدعي العبث بهاتفها ... تدفع نصف عمرها لتعرف ما قاله لها معاذ ليجعلها تحمر وتتلعثم بذلك الشكل المريب قبل ان تغلق الخط بسرعة !!!
كانت تحمل هاتف زهير متجهه نحو الصالة لترجعه له .... بينما حاولت ان تدعي البرود واللامبالاة ....تحاول قدر استطاعتها ان تنسى ما قاله لها في تلك الليلة الرائعة ...هل من المعقول بأنه جاد وصادق فيما قاله !!! لكن لالا بالتأكيد كان يمزح معها ... اجل يمزح .... زهير دائم التفكه والمزاح يأخذ الامور ببساطة وسخرية ... وهو بالتأكيد لم يقصد ما فهمت يا بلهاء ....همستها وهي تدلف للصالة ...كان يجلس امام شاشة التلفاز يتابع مباراة لكرة القدم ... وضعت الهاتف على الطاولة وهي تعتدل قائلة ببرود
- هاتفك ..نشكر لك لطفك !
استدارت لتغادر الا انه اوقفها بسرعة قائلا وبطريقة آمرة ومتعمدة وكأنه يريد استفزازها
- اذهبِ واعدي لي قدحاً من الشاي !! هيا
اجابت وهي تقف قرب باب الصالة
- شرب الشاي مضر بالصحة يا زهير خاصة في المساء فهو يحتوي على مواد منبهه تمنعك من النوم !! تصبح على خير
وقبل ان تغادر اوقفها مرة اخرى وبصرامة
- تعالي هنا ... واعيدي ما قلتِ !
التفتت تنظر له بغباء ثم وقالت ببرائة
- الشاي مضر بالصحة ويحتوي على ....
هب واقفاً واتجه ناحيتها ليقف قبالتها بالضبط ... كان يرتدي شورت قصير يصل لركبتيه مع تيشيرت ضيق وخفيف التصق على جذعه بصورة رائعة و آسرة ... قال بجدية تامة
- أهكذا تكلمين زوجك المستقبلي ! أهذا هو احترام الزوجة لزوجها !
جسدها الصغير بدأ يرتجف بقوة ..ربااه هو لم ينسى ...لم ينسى ..... اجابت بنبرة مستفزة ..ارادت ان تستفزة لترى ردة فعله ...ثم هي لن تبين له سعادتها ولهفتها عليه ..فلربما فعلا هو لا يقصد ما تفوه به
- ومن قال بأني سأوافق على الزواج منك! ماذا يا سيد زهير !! هل ستخترع الكذبة وتصدقها !
قالتها واستدارت لتغادر مسرعة متجهه نحو السلم لكنها وقبل ان تلوذ بالفرار احست به يمسك جديلتها الطويلة ويسحبها نحوه بقوة .. ليهمس قرب اذنها بتحدي وثقة
- ليس هناك اي كذبة فيما قلته .. وانت ... ستوافقين وقدمك فوق رقبتك .. اسمعتي ...يا ...
ثم اخذ يتهجى الحروب بتقطع وبطئ
- ز...و ...ج...ت..ي !!
اجابت بألم وارتباك ... كانت تتلوى وهي تحاول تخليص شعرها المسكين الذي التف حوله اصابعه القوية القاسية .... بينما قلبها يتراقص من شدة سعادتها
- شعري ... زهير ..أرجوك .. ...اه ...ا ترك ... شعري !!
وجودهما بنفس المكان خطر عليه ... حبيبة تمتلك قوة جذب قوية جداً ...تجذبه نحوها دون عناءاً يذكر ... وكأنهما قطبان مغناطيسيان مختلفان ينجذبان دون ارادة منهما .... تركها ببطء ثم دفع كتفها بخفة ومزاح .... لتتعثر ويختل توازنها حتى كادت ان تسقط على وجهها ... يده ثقيلة جداً وكأنها يد دب قطبي وليس يد بشرية ابداً ...عندما لاحظ تعثرها قال بدهشة وجدية وهو يهز رأسه بأسى
- رباه !!! مابك يافتاة ؟! لماذا انت رقيقة وهشة لهذه الدرجة !! كوني قوية وصلبة ..ربما تحتاجين الى بعض التمارين الرياضية الخاصة بلاعبي الحديد ! بالاضافة لذلك يجب عليك ان تكتسبي القليل من الوزن ...
ليضف بخبث وتعمد وهو يلاحق ابتعادها عنه بخطواتها الرقيقة الصغيرة
- انا احب ان تكون زوجتي ممتلئة كالبطة تماما لذلك تغذي جيداً فتاتي النحيلة !!
لم تهتم لما تفوه به ...تكاد تجزم بأن هذا الغبي قد فقد عقله لا محالة ... مالذي يقوله ! اي بطة واي العاب رياضية !!
فرت هاربة من امامه ترتقي الدرجات بسرعة وهي تفرك فروة رأسها بأصابعها الرقيقة ... ثم وقفت على اخر درجة و قالت بحقد وغل وهي تستدير ناحيته
- متوحش ومغرور ...ولن اوافق على الزواج منك ...
رفع حاجيبه قائلا بتحدي
- لاتكوني واثقة يا حبي !!!
حدجته بنظرة لامبالية ثم استدارت تكمل طريقها بصمت
همس شارداً وهو ينظر لأثرها هائماً
- اين ستفلتين حبيبة وانا أحاصرك من كل الاتجاهات ... فقط فليعد وليد وستكونين لي قبل ان ينتهي هذا الشهر !
حك مؤخرة رأسه وهو يضيق عينيه مفكراً ثم اتجه بخطوات واسعة ناحية غرفة والدته
............................
.......................................
كانت سعاد تجلس على الفراش تسبح بمسبحتها بهدوء ..فهذه عادتها التي تقوم بها قبل النوم ...سمعت طرقات خافته على الباب ثم صوت زهير يطلب منها الدخول ..اجابت بحنان
- تعال يا زهير ادخل يا ولدي !!
دلف زهير الى الداخل وعلى وجهه ابتسامة تعرفها جيداً ومنذ كان صغيراً ...خاصة عندما يريد ان يطلب منها شيئاً اغلق الباب ثم تقدم ليجلس قبالتها على الفراش لتبادر والدته قائلة
- مالذي جئت لتطلبه مني يا زهير ؟!
رفع زهير حاجبيه بتعجب قائلا ببرائة تامة
- وكيف عرفتِ اني اريد ان اطلب منك شيئاً ؟!!
هزت رأسها وقالت بصرامة مفتعلة
- لاتسأل ياولد وهات ماعندك اريد ان انام !
تنحنح قليلاً ثم قال بهدوء
- اريد ان اتزوج حبيبة !
اومأت والدته بتعجب ومفاجئة ...لم تكن متفاجئة من طلبه لانها كانت تعرف بأنه يريدها زوجة له لكن مفاجئتها كانت بسبب انها لم تتوقع ان يفاتحها بهذه السرعة
- اعرف انك تريد ان تتزوجها لقد اخبرتني بذلك مسبقاً واتفقنا على تأجيل هذه الموضوع الى وقت اخر !!
اجابها بضيق وانزعاج
- اجل اتفقنا على التأجيل على اساس انها ستكمل دراستها وتمتحن خارجياً ..لكن وبما ان الامر لم ينفع الان فلماذا انتظر يا اماه !!
تنهدت سعاد و أرخت جسدها على الوسائد قائلة
- لازال الوقت مبكراً يا زهير ثم لماذا انت مستعجل هكذا !!
هتف زهير بأنفعال وهو يدير وجهه الى الامام ليتجنب النظر لعيني والدته الثاقبة
- اريدها يا امي ولا استطيع الصبر !!
ابتسمت سعاد بحنان ثم نظرت لملامحه المحرجة لتقول بمكر
- تحبها يا زهير ؟!!!
تخلل شعره الكثيف بأصابعه ثم سحب نفساً عميقاً ليزفره بحرارة ..لا فائدة من الانكار ...خاصة امام والدته التي تعرف ما يشعر به من نظرة عينيه ... لذلك قرر ان يكون صريحاً معها
- اجل يا اماه ..احبها كثيراً واريدها ان تكون زوجتي اليوم قبل الغد !
اجابت بعتاب طفيف ومتعمد
- اذا كنت تحبها هكذا لماذا تزوجت سلمى وعرضتها وعرضت نفسك لتلك التجربة الفاشلة ! اتعرف ماذا قال اجدانا قديماً !! الزواج الذي يقام دون حب ، كالعبادة أللتي تقام دون إيمان !! ورغم ذلك تزوجتها وانت على يقين بأنك لا تحبها ولن تحبها ابداً !
تنهد زهير ثم اطرق رأسه صامتاً لعدة دقائق قبل ان يجيبها بهدوء
- كنت مضطراً يا امي .... ابي اعطى كلمته وكان من غير اللائق ان انزلها واصغره امام الناس لقد وضعنا بموقف محرج ...خاصة بعد ان رفضها وليد ... لكني اكتشفت خطئي وغبائي بعد فوات الأوان كما ..كما .... اني لم اكتشف حبي لها الا متأخراً ....
ثم التفت ينظر لها بعينان لامعتان براقتان ليكمل بهدوء
- لا تسأليني متى احببتها ولا كيف ... انا نفسي لا اعرف متى ... ربما منذ كانت طفلة صغيرة تركض الى احضاني وتتعلق برقبتي .... اه ... فقط لو تدركين مالذي يجري لي وما ينتابني حين اراها ... لكنت عذرتني ....
اكمل برجاء وتوسل
- ارجوك امي قفي لجانبي وساعديني !!!
ربتت على كفه وقالت توافقه كلامه ...بينما داخلها كانت تشعر بالسعادة ..اجل هي سعيدة جداً فولدها عاشق لأبنة شقيقتها حد النخاع وهذا واضح بلمعة عينيه العسليتان
- انا معك يا زهير وموافقة جداً على زواجك منها لكن هناك امور يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار ..هذا زواج وليس لعبة اطفال !!
اجابها بأستنكار وانزعاج
- اي امور اماه ... حبيبة تعيش معنا بنفس المنزل غداً اذهبِ اليها وخذي موافقتها ثم سننتظر الى ان يعود وليد ونتمم كل شيء !
رفعت سعاد حاجبيها وقالت بجدية
- ووالدتها !!! أنسيت سناء !!! يجب ان نتصل بها ونأخذ .....
قاطعها بقوة وهو يهب واقفاً
- لا تذكري اسمها ...حبيبة ليس لها ام تدعى سناء ...
هتفت سعاد بأستنكار
- كلا يا زهير ...سناء والدتها ويجب ان تعرف وتعطينا مباركتها وموافقتها هذه هي الاصول !
اخذ زهير يذرع الغرفة جيئة وذهاباً بعصبية وغضب بينما عيني سعاد تتبعانه بقلة حيلة ليقف فجأة قائلا بحدة وغيض
- والدتها !!! الان اصبحت سناء والدتها !!! اين كانت منذ عدة سنوات !!! اين كانت وهي ترمي حبيبة في منزلنا منذ ان كانت طفلة في الخامسة او ربما اقل من ذلك ...وكأنها تستعر وتستنكف منها ... اين كانت وحبيبة تناديك امي بدلا عنها !! اين كانت وحبيبة تعاني حمى التيفوئيد وهي في سن الرابعة عشر ..هااااا اخبريني اين كانت ..اين ... ليس كل من انجبت طفلاً تستحق ان تأخذ لقب ام !!! لذلك لاتذكريها امامي حباًلله ..
عاد ليجلس امامها ثم امسك كفها قائلا وهو يركز على عيني والدته الدامعة وملامحها المتغضنة من الالم
- ثم الم تلاحظي شيئاً مهما !!!
همست سعاد بصوت مختنق ومرتجف
- ماذا ياولدي ؟!
اجابها بحماس وملامحه الوسيمة تعكس دفئاً وحباً صادقاً
- حبيبة لم تعد تتلعثم عندما تتكلم ...
اجل كانت منتبهه لكل صغيرة وكبيرة في المنزل ...كل ما يطرأ على اولادها تشعر به بقلبها قبل عينها وحبيبة ابنتها وقطعة من روحها ..كيف لا تنتبه لسعادتها وانطلاقها بالكلام ... وتعرف ايضاً بأنها تغيرت واصبحت اكثر قوة وثقة منذ رجوعها مع رضاب ... الشقيقتان تساندان بعضهما البعض ... تقتربان اكثر ... أصبحتا تقضيان الوقت معاً ... رابطة الاخوة ازدات بينهما بعد ان كانت شبه مقطوعة بسبب قسوة شقيقتها ... وهذا التغير اسعدها كثيراً .. اختفاء سناء وانقطاعها عنهم كان له مفعولاً ايجابياً على الفتاتين وستكون كاذبة ان انكرت ذلك
اجابت سعاد بأبتسامة مرتجفة وحزينة
- اجل يا ولدي لاحظت وانتبهت
هتف زهير قائلا بقوة وشراسة
- وهل تعرفين لماذا ؟!
ليجيبها دون ان ينتظر الرد
- انا سأخبرك لماذا ... لان سناء اختفت من حياتها ... مصدر الازعاج و الطاقة السلبية التي كانت تبعث لحبيبة عدم الثقة بنفسها .. اختفت ... حالها افضل الان بل حتى حال رضاب ايضاً افضل ... وجود سناء من عدمه سواء ..هي لا تشكل فرقاً في حياتهما ..خاصة في حياة حبيبة ... لذلك اتركيها تنفث سمومها وهي بعيدة عنا ولا ترجعيها لدائرة حياتنا الهادئة من جديد

كانت سعاد تستمع لما يقوله ولدها وعيناها تذرف الدموع الصامتة..لقد فتح زهير جرحاً عميقاً ظنت انه التئم منذ زمن ...ذكرها بتلك الايام التي كانت بها حبيبة طفلة صغيرة لم تتجاوز الرابعة من عمرها ...تجلس كالأطفال اليتامى بزاوية المطبخ تبكي بصمت ...كانت تحاول جهدها ان تعاملها بحنان ..حتى انها كانت تميزها عن تبارك التي لم تشعر بالغيرة او الحقد رغم صغر سنها وكأنها تشعر بضعف هذه الطفلة ... حتى انها كانت تتقاسم معها السكاكر والالعاب التي كان يحضره لها والدها رحمه الله ..تبارك كانت ولاتزال حنونة لم يفسدها دلال والدها المفرط ... قلبها كان يتقطع من مجرد النظر لوجه حبيبة الحزين حتى وان لم تكن تبكي ..رباه كم انت قاسية يا سناء .. وكم جنيت على ابنتيك !!! اجابت سعاد وهي تمسح دموعها المترقرقة
- كل كلامك صائب يا ولدي لكنها تظل والدتها وولية امرها واخشى ان تفتعل مشكلة ليس لها اخر ان عرفت ...
قاطعاها مرة اخرى بجدية ودون خجل
- فلترني ماذا ستفعل وانا سأقف بوجهها هذه المرة .... ثم سناء ليست ولية امرها ... انا ولي امرها
عندما لاحظ اتساع عيني والدته متعجبة مما قاله اكمل بقوة وصلابة
- اجل انا .... انا من ربيتها ..انا من كنت اقف معها خطوة بخطوة ...انا من كانت تلجئ اليه عندما كانت تبحث عن الامان ...انا من كنت اكفكف دموعها واسليها بالالعاب والسكاكر لكي تنسى ذكر والدتها القاسية ...انا من كانت تلتصق به كظله حتى اني كنت اضطر لأن أأخذها معي عندما ازور اصدقائي ... انسيتي كل هذا يا امي !!
صمت ليلتقط انفاسه اللاهثة المضطربة غير منتبه لأبتسامة والدته الحنونة التي ظهرت على شفتيها ليسألها بهدوء وجدية
- والان ماهو رأيك الاخير والنهائي ؟!
هزت سعاد رأسها ايجاباً فبعد ان افضى ولدها بكل مكنونات قلبه وكأنه بركان يختزن كل هذا الكم الهائل من الحمم المشتعلة ليقذفها دفعة واحدة ناشراً حرارته بكل مكان ..ماذا عساها ان تقول غير انها معه وتسانده قلباً وقالباً ..فلا شيء احب لقلبها من ان تكون حبيبة الصغيرة كنتها وزوجة ولدها المدلل اخر العنقود
- موافقة لكن لن افاتحها بشيء الا حين عودة وليد وهذا اخر ماعندي يا زهير !
كان مرغماً على القبول ... ربما والدته معها حق ... يجب ان يعود وليد اولاً لتسير الامور بصورة صحيحة .... لكن ما قالته حبيبة قبل قليل جعل الشك والخوف يتسلل داخله حينما قالت انها ترفض الزواج منه !! هل حقاً سترفض وتفعلها !!! لالا لن يسمح بذلك حتى لو اضطر لأجبارها على الموافقة حبيبة من حقه هو ... هو وحده دون سواه ..
اومأ موافقاً بخذلان واستسلام ثم قال بكآبة
- كما ترغبين امي سأنتظر وامري لله !
انحنى ليقبل رأس والدته قائلا
- تصبحين على خير امي
شيعته بنظراتها وهي تقول بحنان ومحبة
- تصبح على خير يا زهير ورضي الله عنك وعن اخوتك جميعاً
...................
........................
يتبع


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:14 PM   #88

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

يومان مر على وجودهما في محافظة دهوك ..حيث سافرا اليها عصر اليوم التالي ... لم يبقي مكان في المحافظة الا واخذها اليه وليد ... ذهبا الى مصيف زاويتة .... و سرسنك ...وسوار توكا .... كانت المناظر رائعة خاصة الان وهم في منتصف فصل الربيع حيث مساحات الظلال الواسعة المنتشرة بين غابات اشجار الصنوبر العالية وغابات السرو والحور وبساتين ليس لها نهاية من اشجار الفاكهة التي اشتهرت بها هذه المناطق ... بالاضافة لذلك فقد احتوت على العديد من دور الاستراحة والكازينوهات والمطاعم والأكشاك المنتشرة على جانبي الطريق المؤدي لمركز المحافظة ...
قررت اليوم الاتصال بوالدتها قبل ان يكملا جولتهما في ربوع محافظات كردستان الرائعة حيث سينطلقان بعد قليل الى محافظة السليمانية التي لاتبعد كثيراً عن محافظة دهوك ....
- ماذا !!! اعيدي ماقلتِ ؟!
هتفتها سعدية بصوت خافت وحاد اخترق آذن غسق ... كانت تحاول ان تسيطر على غضبها المتصاعد من دلال ابنتها الزائد .. لتجيبها غسق بخجل وارتباك وهي تحدق في الباب المغلق الفاصل بين غرفة النوم والصالة حيث يجلس وليد يقلب المحطات الفضائية بملل
- لازلنا ..اقصد نحن ..لازلنا ..لم ..لم ..
قاطعتها سعدية بقوة ونفاذ صبر
- اعرف ما قصدتي ياغسق ..يومان منذ ان تزوجتما وانت تحرميه من حقوقه الزوجية !!! يومان ياغسق وانت لا تدعيه يكمل نصف دينه !!!
اجابت غسق بهمس وهي تزيغ حدقتيها في الغرفة
- لا اعرف ما يصيني ما ان يقترب مني ...اشعر بالخوف ... والرغبة بالبكاء الامر ليس بيدي امي !!
ضربت سعدية فخذها بقوة وقالت بخفوف وبصوت هامس
- يا ابنتي يا حبيبتي لايجوز ما تفعليه بهذا المسكين ... انتما من المفترض الان بشهر العسل ..اتعرفين ما معنى شهر عسل !!! وانت تقولين بكل هدوء وبرود اشعر بالخوف !!!! وانا الغبية التي كنت اظن بأنكما الان تستمتعان يوقتكما ... لا والأدهى من ذلك هو اني لم ادع سعاد تأتي الى الفندق لأحضار القيمر والعسل لكما كما هو المتعارف في صباحية العروس قلت لها دعي العرسان على راحتهما ولا تزعجيهم بذهابك منذ الصباح الباكر ...
اجابت غسق بطفولية ونبرة مذنبة
- ماذا علي ان افعل اماه ؟!
تنهدت سعدية وقالت بجدية وصبر
- كوني اكثر شجاعة ودعيه يتمم الزواج .. هذه سنة الحياة ... وما سيحدث بينكما يحدث بين اي زوجين طبيعين !!! ثم مالذي تريديه بالضبط يا غسق !! اتريديه ان يشعر بالندم لأنه اختار فتاة تتصرف هكذا بطفولية وكأنها مراهقة بالربعة عشر وليست شابة كبيرة وعاقلة !!
اختنقت انفاس غسق في صدرها عندما قالت والدتها بأنه ربما يندم لزواجه منها ...أمن المعقول ان يفكر وليد بذلك !!! لتجيب نفسها بقلق ...اجل ياغبية ...لكم الأن يومان وانت لا تفعلين شيئاً سوى اللف والدوران نهاراً في المناطق السياحية والمطاعم ..وما ان يأتي الليل ويحاول الاقتراب منكِ حتى تبدئين بالتوتر والتذمر ثم تبكين متوسلة بأن يتركك ! كان يمكن له ان يصفعها صفعتين ويأخذ حقوقه منها بالقوة لكن وليد يمتلك من الرجولة والحنان ما يجعله صابر عليها وعلى طفوليتها و دلالها المستفز !!
سمعت صوت والدتها تكمل بتوعد وصرامة
- سأتصل بك غداً وارجوا ان اسمع اخباراً طيبة ..... لا تدعيني اغضب عليك واخاصمك يا ابنتي !!
اومأت غسق هامسة بتوتر
- حاضر امي حاضر ان شاءلله س..س...سيكون كل شيء على مايرام
اجابت سعدية بأستحسان وقد لانت ملامحها
- احسنت .. الان هيا اذهبِ لزوجك وفكري جيداً فيما قلته وتصرفي على هذا الاساس
اغلقت الهاتف ثم نظرت الى الساعة كانت تشير الى العاشرة صباحاً ... فركت يديها بتوتر ..يا الهي مالذي يجري لها بالضبط ...عندما يقترب وليد منها ويقبلها ويحتضنها تشعر بالسعادة وتبادله رغبته حتى وان كان بخجل ..لكن ما ان يقترب منها اكثر وبشكل حميمي حتى تشعر بالخوف والارتباك !!! لقد تمادت كثيراً .... صحيح ان وليد لم يعترض ولم يتذمر ابداً الا انها تشعر بضيقه وانزعاجه ما ان تدفع صدره وتتوسله الابتعاد ببكاء مثير للشفقة !!!
كلام والدتها صائب جداً ... ربما سيشعر بالندم ويقول بأنها طفلة وجبانة ..لكن لالا ..الليلة ستحسم الامر وتكون اكثر شجاعة وجراءة ... خاصة وانهم سيسافرون الى محافظة السليمانية بعد قليل فوليد حجز للبقاء هناك عدة ايام ... اجل ربما تغير المكان سيشجعها قليلا ... ستلبس له قميص النوم الاحمر الذي لم تلبسه الا مرة واحدة فقط !!!
............................
................................
تجلس في غرفة الضابط تنتظر مع والده الذي يجلس جانبها محنى الظهر متهدل الكتفين وكأنه يحمل موم الدنيا فوق رأسه ... مدت يدها لتلمس بطنها المتكور والذي اخذ بالظهور بشكل ملحوظ ..كيف لا وهي الان في منتصف شهرها الخامس .... ابتلعت ريقها وهي تتذكر تلك الشهور التي مضت ثقيله وكئيبة عليها .... تحديداً منذ تلك الليلة التي نبذها وبصقها وكأنها علكة قديمة ومستهلكة انتهى منها ... حين رمى عليها ببعض المال مطالباً لا بل امراً اياها ان تجهض الطفل بكل عنجهية وغرور .... تركها وسط العاصفة وحدها ..تبحث عن مكان امان تلوذ له لكن هيهات ان تجد ... استسلمت لقدرها المحتوم وبعد مرور عدة ايام من التفكير المضني توجهت الى احدى العيادات الطبية الفقيرة ظنًا منها بأنهم سيوافقون على إجهاضها لهذه الثمرة المحرمة داخلها ... لكنها فوجئت برفض الطبيبة رفضاً قاطعاً ..لم تكتفي بهذا فحسب بل طردتها بكل اهانه وقسوة وهي تقول بأشمئزاز
- اذهب وحاولي اصلاح الامر مع والد الطفل الذي اقترفتي معه الرذيلة !!
كانت تائهه وحيدة وضائعة ... وصلت الى البوابة الخارجية للعيادة حين سمعت صوت سكرتيرتها العجوز وهي تهرول خلفها توقفها لاهثة
- انتظري يا انسة ..انتظري لدي الحل لمشكلتك ولكن عليك الدفع مسبقاً !!!
وهكذا وبعد مرور يومين اعطتها عنوان طبيب متخصص لهكذا حالات يفتتح عيادة بأحد الاحياء البعيدة عن مركز المحافظة ...لكن ماجرى لها عندما ذهبت ورأت بأم عينها مستوى القذارة ليس فقط في المكان بل بنظرات العاملين هناك ايضاً وكأنهم يعرفون مافعلت .... وانها تزوجت وباعت نفسها عرفياً وبأرخص الاثمان .... لم تتحمل ...هربت ....اجل هربت في اخر لحظة ...هربت وهي تحمل دموعها ...مصيبتها ..وألمها .... هربت ولا تعرف الى من ستلتجئ ولا كيف سينتهي بها المطاف ..... وما زاد الطين بله هو حبسه ...هكذا اصبحت فعلا وحيدة واقفه على حافة الانهيار والهاوية والفضيحة ...
صوت الضابط الخشن وهو يقف متزامناً مع دخول سليم انتشلها من امواج ذكرياتها المتلاطمة
- نصف ساعة وتنتهي الزيارة
رفعت نظراتها ناحيته ... كان يرتدي ملابس خاصة بالمساجين ... يديه مكبلتان ... وجهه شاحب للغاية وقد بدا انه فقد القليل من وزنه ...الا ان جسده لا يزال قوياً صلباً ..نظراته حادة عميقة ..اخترقتها كالعادة ..وزلزلت تماسكها الواهن ..لا تزال تحبه ...هي لا تزال تحبه رغم كل ما فعل ورغم كل مساوئه التي لا تحصى ولا تعد ...قال والده بهدوء وصوته الوقور بدى واهناً متعباً
- ماذا يا سليم !! الن تلقي السلام على والدك وزوجتك !!!
.....................
نهاية الفصل الخامس والعشرين


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:15 PM   #89

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس والعشرين
....................................
كانت نظراته الغاضبة المعارضة لوجودها هنا واضحة تماماً ... قال بهدوء متجاهلا كلام والده
- انت لم تجهضي الطفل !!!!
اختنقت انفاسها شعرت بالذل والضآلة ...وكأنها فتاة ليل رخيصة لا يساوي قدرها قضاء ليلة واحدة فقط لتجيبه بهمس منكسر وهي تنظر له بعينان دامعتان
- لم استطع ...لم استطع صدقني كنت ..خائفة ووحيدة
هتف والده يقاطعة بحده وغضب
- اذن انت تعترف انك والد الطفل ؟!
جلس سليم صامتاً متجهماً ومن خلال تعابير وجهه المظلمة تأكد والده دون الحاجة لسماع رده بأن هذا الطفل فعلا ينتمي لولده .... تنهد بخذلان وضعف وهو يقول بصوت متعب
- لماذا يا ولدي ...لماذا ضيعت مستقبلك و دراستك ... خمسة اعوام .... اتدرك معنى ان تسجن لخمسة اعوام !!!! لولا حنكة وشطارة المحامي الذي برع بأثبات انك مدمن وانك لم تكن بوعيك في حينها لربما حكم عليك بضعف المدة !!!!
ليكمل بيأس وكأنه يوجه كلامه للحائط فولده مما يبدو لم يكن متأثراً بكلمة مما يقول
- لطالما كنت عنيداً .... مندفعاً ومتهوراً .. ظننت ان ما يصيبك هي مجرد نزوة لشاب في مقتبل العمر ..لم انتبه لك ...لم الحظ تصرفاتك المستهترة ..كنت دائما اقول عندما يكبر قليلا سيعقل ويكون اكثر اتزاناً ....انشغلت بعملي وسفري ... كل همي هو ان اُأمن لك حياة رغيدة .... لم ادرك اني ربيت داخل منزلي وحشاً ...قذراً لا يفكر بعواقب الامور ....
سليم كان يستمع بصمت ..... بينما من صلابة فكيه وضغطه عليهما كان يتضح بأنه بدأ يتأثر قليلاً بما قاله والده ....
اما هي ... فقد كانت شاردة ... تستمع لما يدور وكأن أصواتهم هي مجرد ضوضاء تصلها من خلف الزجاج ... دمعت عيناها مرة اخرى وهي تتذكر والدتها .... ليس سليم من تحطم فقط ..هي ايضاً تحطمت .... شلل والدتها كان بسببها هي ...للأن تتذكر كيف الشك بدأ يساورها وهي تلمح وجهها الشاحب وغثيانها الصباحي ....عرفت بحدس الأم الذي لا يخطئ ان ابنتها لم تعد بريئة .... بكل مرة كانت والدتها تطالبها بالذهاب الى المشفى لأجراء الفحوصات لها للأطمئنان عليها لكنها كانت تتهرب ...الى ان حاصرتها وقالت
- افندرا اليوم سأتصل بممرضة اعرفها منذ مدة وسأطلب منها ان تأتي لتفحصك ..ولا مجال للرفض
وما ان تحركت حتى هتفت افندرا برعب
- انتظري امي ...س..س..سأخبرك بكل شيء لكن ارجوك ...لا تغضبي مني ..انا ..انا ...كنت غبية ..غبية وساذجة
بدأت بسرد كل شيء لوالدتها ...اخبرتها عن زواجها العرفي من سليم ..حملها بطفلة ... ومطالبته اياها بأجهاضة ..وما ان اكملت كلامها حتى التفتت لتنظر لوالدتها التي شحبت شحوب الموتى ولم يمضي الا ثوان ..ثوان معدودة لتفقد وعيها وترقد رقدتها الطويلة ...فقد اصيبت بالجلطة التي سببت لها الشلل في قدمها ويدها ...وهي الى الان لا تكلمها ولا تنظر حتى الى وجهها رغم انها تتوسلها كل يوم وتطلب الغفران والسماح منها !!!!
رفعت نظراتها الحرجة لوالد سليم ..ذلك الرجل الطيب الذي وقف جانبها وتكفل بعلاج والدتها .... تفاجأت قليلا من لطفه وتفهمه ... ربما يعود ذلك بسبب انها لم تحتك به ...كان اغلب همها واهتمامها منصباً على سليم فقط ....لذلك لم تلحظ ذلك الجانب من شخصيته !! او ربما بسبب مصاب ولده وفضيحتهم بعد ان فصل من الجامعة كان كفيلا بأن يزرع الرحمة بقلبه !! او ربما رحمة الله التي وسعت كل شيء هي من فتحت امامها ابواب العفو والغفران بعد ان اقسمت وعاهدت ربها اولا ثم والدتها ثانياً بأنها ستكفر عما اقترفته سابقاً من معاصي وآثام !
وبعد تفكير طويل دام لعدة اشهر تشجعت و قررت الذهاب اليه واخباره بكل شيء خاصة وان بطنها بدأت بالظهور بشكل واضح وملفت ... حتى انها اخذت له نسخة من العقد العرفي الذي كان يحتفظ فيه سليم في ذلك الكوخ الذي كانوا يلتقون فيه !!
اخرجها من شرودها صوت والده الامر وهو يقول بلهجة صارمة لاتقبل الشك او المعارضة
- غداً سيأتي المحامي وستعمل لي توكيل لكي اتمم زواجكما في المحكمة قانونياً ..انا لن اسمح ان يولد حفيدي بزواج عرفي ...
همس سليم بصوت خشن وحاد
- ابي ..انا ...لا استطيع ..ان
اسكته والده وهو يرفع يده قائلا
- انت ستصمت ولن تقول شيئاً ...انا لم اتي لأخذ رأيك ..ستوافق على كل ما قلته دون اعتراض !
لم يكن امام سليم اي وسيلة او حجة للرفض ... كذلك لم يكن لينفي نسب الطفل له .... ليس بعد ان هدده والده بأجراء تحليل الحمض النووي ليثبت ان الطفل له بكل سهولة وبساطة ....
ليكمل والده بصرامة
- عند خروجك ان شاءلله انت حر التصرف ..اما ان تبقيها على ذمتك او ان تطلقها ...
نظر سليم ناحية افندرا وعيناه مظلمتان مخيفتان ...تكاد تجزم بأن الامر لو كان بيده لقتلها الان بالتو واللحظة ... هتف والده بحدة وصرامة
- اسمعت ما قلت يا ولد !!!!
انتقلت نظراته الى وجه والده الشاحب ليدرك انه خسر كل شيء ولا يوجد ما يخسره اكثر ...اومأ صامتاً وهو عابس الوجه ليكمل والده
- اقسم يا سليم ..اقسم بالله ..ما ان تخرج من السجن سأبدأ تربيتك من جديد وانا جاد فيما اقوله وسترى

.............................
.....................................
كانت متجمدة ..تنظر له بعينان متسعتان ....هو قال انه تعرض لحادث طفيف ..أهذا هو الحادث الطفيف ...احدى عينيه الحنونتان مفقوعة ونصف وجهه محترق ..بينما يده تستند على عكاز خشبي !!!!! منذ الصباح وشعور بالضيق والانقباض يجثم على انفاسها .... لكنها لم تهتم ... لم تفكر ولو للحظة واحدة ان مكروهاً قد اصاب اخيها !!! اي مكروه !!! لقد تشوه نصف وجهه ! أيوجد افضع من هذا !! كانت متصنمة .... قدماها ملتصقة في الارض .. وكأنها تشاهد حلماً مزعجاً ... بل وكأن هذا الماثل امامها هو شبح عبد العزيز وليس هو ...ليس اخيها الحنون ... ملامحه تغيرت ....برود صقيعي استحل عينه السليمة ! رباه ! مالذي حدث !!! اين عزوز ! اين اخيها !!!!
لم تعرف عدد الدقائق التي تبادلت بها النظرات المصدومة الغارقة بالدموع وهما يقفان امام باب الشارع ... وكأن الوقت قد تجمد هو الاخر ... حركت قدميها المتصلبة وارتمت على صدره تعانقة وهي تهمس بكلمات بالكاد تخرج من شفتيها اللتان ابيضتان بشحوب
- عبد العزيز ..اخي ...اخي ..مالذي جرى لك ...عبد العزيز
منذ الفجر قرر ان يعود الى اربيل ... يكفي ..لقد مر على خروجه من المشفى يومان ... تخلص من الجبيرة التي كانت تثقل ساقه .... لكن للأسف العرج لازال واضحاً بها ... فهي تؤلمة قليلا ما ان يضغط عليها ... الطبيب طمأنه قائلا بأنه يحتاج الى عدة اسابيع اخرى لتشفى تماماً ...
استقل سيارة للنقل الجماعي منذ وقت مبكر ... ثم توجهه الى اربيل ... المواجهه لابد منها ... لا حاجة لتأجيلها اكثر من ذلك ... كما انه قلق على اخته من بقائها وحيدة رغم انه يعرف ومتأكد ان الجيران الطيبين بالإضافة لتبارك لن يتركوها ابداً ...
كان يعلم ان رونق ستصيبها الصدمة من رؤية وجهه المشوه ... لكن ماذا سيفعل هذا قدره ... كان يتسأل للمرة الألف لماذا لم يمت في ذلك الانفجار ما الحكمة بان يظل محتملا منظرة البشع هذا طوال حياته لكنه يعود ويستغفر الله مرة اخرى .... الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه ... احتضن رأسها الملقى على صدره هامساً بألم
- فلندخل الى المنزل يا رونق وانا اخبرك كل شيء
............................
البصرة
..............
يجلسون أرضا في صالة المنزل حيث صينية الطعام وضعت في منتصفها ...يأكلون بصمت ..كانت والدته تنظر له بين الحين والاخر بنظرات غريبة ومتفحصة ...كان يعلم ان وراء نظراتها هذه شيء ما .. فهي ومنذ عودته من اربيل ترمي عليه الكلام المبطن ... وتحدق فيه ببرود وغموض ... هي تفكر بشيء ما ... شيء يخص رضاب ...وها قد صدق حدسه اذا قالت بفتور وهي تقلب الطعام
- لم تخبرني عن سفرتك الأخيرة ...كيف كانت ؟! هل وفقت بعملك ؟!
ابتلع اللقمة التي بفمه واجابها مبتسماً
- الحمدلله الرحلة كانت موفقة جداً
اومأت وقالت ببرود وفتور لم يرق له ابداً
- لم يكن هناك داعٍ لأخذ ملك معك !
ترك الملعقة من يده ووضعها على الطبق ... سحب نفساً عميقاً وهو يفكر ....لماذا يدعي ويكذب عليها !! هو لم يفعل شيئاً يخجل منه ..ثم ذهابه الى حفلة الزفاف كان بسبب دعوة وليد و لولاه لم يكن ليذهب ويفرض نفسه هناك ابداً .... ثم هو بالفعل ذهب الى تاجر يبيع المواد الأنشائية بثمن ارخص كان صديق له قد نصحه بالتعامل معه ..اجابها بهدوء وجدية
- الحقيقية يا امي انا أخذتها من اجل رؤية والدتها ....
قاطعته بسخرية وتهكم
- حتى انت !!! حتى انت تقول والدتها !! عجيب مايحصل واللهِ !!
لتضيف وهي تضع يدها تحت ذقنها مستنده بكوعها على فخذها
- ثم انا كنت اعرف جيداً ... انك زرتهم لكني لم أشاء إحراجك ... اردتك ان تتكلم من تلقاء نفسك ... فتلك العفريته الصغيرة لم تهدأ وتكف عن ثرثرتها التي صدعت رأسي بها ....
نظرت له بعتاب وتأنيب متعمدة ان تشدد على كل كلمة تقولها
- لم اكن انتظر منك هذا يا معاذ ..تكذب على والدتك بهذا الشكل ! وبعد هذا العمر!!
اجابها بهدوء ..وكأنه لم يهتم بنعته كاذب ولماذا يهتم ان كان بالفعل لم يكذب عليها
- لم اكذب عليك اماه ...انا ذهبت لرؤية التاجر كما ان وليد ابن خالة رضاب فاجأني حين قام بدعوتي لحفل زفافه ..وليس من اللائق ان اتحجج ولا البيها ...وانت خير من تعرفين بالاصول والواجب يا زوجة ابن اكرم شيوخ البصرة !
صمتت تنظر له وملامحها مبهمة ... الماكر مسكها من اليد التي تؤلمها وذكرها بكرم ابيه رحمه الله ... منذ متى تعلمت ان تراوغ وتتلوى بالكلام !! لكن ماذا سأقول انها تلك الساحرة ...لقد سحرتك تماما مثلما سحرت ملك بسحرها الاسود المشئوم ... همستها ثم عادت تأكل الطعام صامته ...كانت ملك تأكل دون ان تعيرهم ادنى انتباه لكنها رفعت راسها تنظر لجدتها عندما قالت مرة اخرى
- اخبرني عن هذه ما اسمها ... اجل رضاب !! كيف شكلها ؟! أهي قبيحة ام ...
وقبل ان تكمل هتفت ملك بحمائية وغضب حقيقيين
- لا تقولي عن امي قبيحة ...هي جميلة جداً جداً
ابتسمت جدتها واجابتها وهي تحاول ان تكتم غيضها وغيرتها من حب حفيدتها لهذه المرأة الغريبة
- اها !!! اذن هي جميلة ؟! ماشاءلله ..ماشاءلله
ثم رفعت نظرتها لمعاذ قائلة بجمود
- أحقاً هي جميلة يا ولدي !
تذكر عيناها البنيتان ...وجهها المدور الناعم .. شفتيها ... انفها .... ابتسامتها الساحرة ..وصوتها المنخفض ...لم ينتبه لتلك الابتسامة الصغيرة التي ظهرت على زاوية فمه ولا على الحسرة العميقة التي رماها بحرارة وكأنه عاشق مشتاق لمعشوقته البعيدة .. رفع كتفه وتنحنح قائلاً وهو يقلب شفته مدعياً اللامبالاة
- لابأس بها امي ..لاباس !
اومأت والدته ونيران الغيض والانزعاج اخذت تصاعد داخلها لتجيبه ببراءة مصطنعة
- يبدو انها امرأة كبيرة السن وناضجة اليس كذلك !!
اجابها وهو يتابع اكل الطعام بهدوء يحاول الهدوء والاجابة بعقلانية ودون اندفاع ... لكن ما كان يحدث داخله لايمت للهدوء بصلة فقلبه اخذ يخفق بشدة منذ اللحظة التي نطقت والدته اسمها ...
- لا امي ليست كبيرة جداً ربما في بداية العشرين !!!
تابعت هجومها واسئلتها المريبة الفضولية وكأنها محقق محنك
- هل هي متزوجة !!!
رفع معاذ عينيه الزيتونيتن وهو يوقف متابعة الاكل ليجيبها بأقتضاب
- مطلقة
لوت فمها يمياً ويساراً بعدم رضا ثم قالت وهي تعود بظهرها الى الوراء مستندة على طرف الاريكة
- ولماذا تطلقت ؟!
اجابها معاذ بضيق بينما نبرة والدته المشككه الساخرة لم ترق له اطلاقاً
- ماذا هناك اماه ! وما ادراني انا ماهو سبب الطلاق ! هل كنت سأسألها !
قالت بتعمد وحقد وهي تتجاهل كلامه وتأنيبة الطفيف
- الله وحده يعلم مالذي فعلته لتتطلق وهي صغيرة السن هكذا !!
لم يرد عليها معاذ بحرف بل نظر لملك التي انهت طعامها بصمت ليأمرها بلطف وحنان
- اذهب لغسل يديك وفمك ومنها طيران لغرفتك لتأخذ قيلولة الظهيرة
اومأت الطفلة بطاعة وهبت واقفة لتفعل ما قاله عمها وما ان غادرت حتى التفت معاذ ينظر لوالدته بعتاب بينما نار مشتعله اندلعت بقلبه وجوفه حتى انه فقد شهيته للطعام بسبب ما قالته والدته بحق رضاب ... الفتاة طيبة ورقيقة .. ومن الحزن والشجن المرسوم على تقاطيع وجهها الناعم يكاد يجزم ان سبب الانفصال هو من زوجها وليس منها ...
- حرام ما تقوليه يا اماه ... وما ادراك ان السبب ليس من زوجها !!! لماذا دائما اللوم يقع على المطلقة فقط !!! ثم انت امرأة مؤمنة وقد زرت واعتمرت بيت الله ... كيف تطعنيها بهذا الشكل وانت حتى لم تريها ! ولم تتعرفي عليها !!
الم يقل الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
صدقت خلفه بخجل وهي تقول بأعتذار
- معك حق يا ولدي ...انا اسفة ... سامحني ..
اجابها وهو ينهض متمتاً بالحمد
- لا تعتذري مني يا امي بل استغفري الله واطلبي السماح منه و الغفران ....عن اذنك سأذهب لارتاح قليلا
تبعت نظراته وهي تهمس بشك
- اقسم يا معاذ انك ومنذ عودتك لم تعد خالي الوفاض ....هناك شيء مريب يحصل معك ... والله يستر ان كان حدسي مصيباً !!
.........................
...................................
حينما تحسّ ُ انك تستحقّ الحياة .. ولكن لاشئ في الحياة يمنحكَ هذا الحق
فانتَ عراقي
حينما تحسّ ان انسانيتك قـد سُـلبتْ منك .. وحياتـُك وحياة ُ اطفالكَ لم تعد تهم احداَ سـواك .
فانت عراقي
حينما تحسّ ُ بالمهانةِ لحظة تترك بيتك متوجّها الى اي كوكب في العالم .. خال ٍ من الموتِ والدم والخراب
فانت عراقي
.........
كانت تستمع لأخيها وهي تشعر بالحرقة والألم ... الحرقة من اجل بلدها الجريح الذي للان جرحة لم يلتئم بعد ... فما ان يلتئم قليلاً حتى يعاود الجرحه النزف من جديد وبغزارة اكبر واقوى من السابق ... والألم من اجل اخيها الذي أطفئوا نور عينه الحنونة .....
مالذي اقترفوه ليحدث معهم كل هذا !!!! كل يوم تفجيرات ..اختطاف ..قتل ..سلب ... طائفية .... الى متى ..الى متى يبقى الحال هكذا ...اليك المشتكى يا الله .... همست بعينان دامعتان وهي تتقدم لتركع جالسة تحت قدمي اخيها ...كانت تحاول ان تواسيه وتخفف عنه ..لكن هل تستطيع !!!!!!
- لا تهتم اخي ...الحمدلله على سلامتك ..المهم انك بخير وعافية ...
اجابها بألم وقهر
- خير وعافية !!!! انت ترين اني بخير وعافية !!!!
ابتلعت ريقها وقالت بحنان
- كل شيء سيعوض يا عزوز ما....
قاطعها هاتفاً بقوة
- يعوض !! مالذي سيعوض يا رونق !! عيني التي فقعت ام وجهي الذي احترق نصفة !!! ام ربما قدمي التي للأن كسرها لم يلتئم بعد !!!
اجابته ببكاء وهي تحاول تهدئته
- بلا ..بلا ..يا عزوز سنعوض كل شيء .... انت لازلت شاباً ... الحياة السعيدة امامك تنتظرك يجب ان لا تيأس وتستسلم ..... كما ان تبارك ..
ما ان نطقت اسم تبارك حتى احس بطعنة استقرت بأحشائه .. هو لا يريدها ....لا يريد شفقتها ....كما لا يريد احرج نفسه ...فهي حتما ما ان تراه ستتحجج بأية حجة لكي تتملص من الارتباط به ..هي منذ البداية كانت مترددة بقرارها ... فكيف الوضع الان وهو بهذا الشكل المنفر !
قاطعها بهدوء ومعالم وجهه باهته وباردة
- فليستر الله عليها وعلى سائر بنات المسلمين ... ستجد رجلا يستحقها ..مسألة الزواج ازحتها من رأسي نهائياً ...نهائياً يا رونق ...ولا تفتحي هذا الموضوع معي مرة اخرى ان كنت تريدين راحتي وسعادتي فعلا !
هبط قلب رونق ليسقط بقوة عند قدميها بينما شحب وجهها شحوب الموتى وهي تجيبه متسعة العينين
- وما ذنبها يا اخي ..هي ....
قاطعها مره اخرى بألم وقهر
- اجل معك حق ... ماذنبها لتقضي بقية حياتها مع ..مع نصف رجل !!!
ثم نظر لها قائلا بضعف وانهاك
- وانت ايضاً يا رونق !
همست والعرق الغزير يتجمع على جبينها والذي التصق عليه شعيراتها المتهدلة المائلة للشقار
- انا ماذا يا عزوز ؟!
ليجيبها بابتسامة صغيرة بائسة
- انت ايضاً لست مضطرة للعيش مع شخص مشوهه مثلي ..يمكنك السفر لخالتك و..
قاطعته بسرعة وهي ترتمي على صدره تطوق عنقه بذراعيها الحانيتان هامسه بنشيج متألم
- رباااااااه ..رباااااااه ..عزوزو اصمت ولا تنطقها بالله عليك ..لن اتركك الا ان طردتني انت بنفسك ... انت اخي وابي وامي ... انت لي كل الدنيا ...كل الدنيا يا ابي
ربت على ظهرها بحنان وابتسامة ضعيفة ترتسم على شفتيه ليهمس قائلا
- انا تعب ..تعب جداً يا رونق ..اريد ان ارتاح ...
اجابته وهي تبتعد عنه قليلا
- اذهب وخذ حماماً دافئا ريثما اجهز الطعام لك !
اومأ متنهداً بعمق ليقف متثاقلا ثم اجابها بنبرته الحنونة
- اجل انا جائع جداً جداً ومشتاق لطعامك اللذيذ
اجابته بابتسامة صغيرة وهي تمسح دموعها
- الان سأجهز كل ما تحبه يا عزوز ...
تركها ليكمل طريقة بخطوات يشوبها عرج طفيف .. حسناً لقد توقعت ردة فعله الطبيعية هذه ... بالتأكيد سيرفض الزواج ظناً منه ان تبارك ستشفق عليه او تشمئز منه ...لكن لا ليست تبارك من تفكر بهذا الشكل ...لقد عاشرتها وعرفت معدنها الاصيل ... وتبارك تحب عزوزو بصدق ... احبت روحه وحنانه قبل ان تحب شكله الخارجي ...وهي متأكدة من ذلك .... تبارك اكبر واعقل من ان تنهي وتسحق سعادتها من اجل قشرة خارجية زائلة ....تتمسك بزبد البحر وتترك الذهب والمعدن النفيس
توجهت للمطبخ وهي تهمس بخفوت واصرار ..
وانا لن أيأس يا عزوز ...سأفتح معك الموضوع مرة ومرتين وعشرة الى ان تلين وتقتنع
... اجل سيلين ورغماً عنه ..الان هو لازال مصدوماً مما اصابه لكنه بالتأكيد سيهدأ ...يحتاج لبضعة ايام ويهدأ ..وهي لن تتصل بتبارك ولن تخبرها شيئاً ... ستنتظر وترى ما سيحصل مع اخيها العنيد !

...............................
.......................................
بعد نهار طويل جداً قضياه بالتجوال في ارجاء محافظة السليمانية حيث ... شلالات احمد آوى وبحيرتا دوكان ودربندخان جعلتا المدينة محط نظر ووجهة سياحية يقصدها السواح في فصل الصيف، فضلاً عن العديد من الفنادق الحديثة مثل فندق هاي كرست وفندق أرين الذي يطل على بارك آزادي وجبل أزمر وفندق السليمانية بالاس.
ثم زارا متحف السليمانية والذي يعد ثاني أكبر متحف في العراق بعد المتحف العراقي في بغداد إذ يحتوي على الكثير من التحف الكردية والفارسية القديمة التي يعود تاريخها إلى 1792-1750 قبل الميلاد
لكن ما فاق حدود الوصف والخيال هو جبل ازمر .... الذي يعد أحد المرتفعات الجبلية السياحية في المدينة حيث الطقس فيه معتدل وصافي إذ يرتاده السواح في فصل الشتاء للاستمتاع بمنظر تساقط الثلوج وفي فصل الصيف للاستمتاع بالجو المعتدل والمناظر الطبيعية فضلا عن وجود عين ماء طبيعية
وقفت تنظر لقميص نومها الابيض الذي اختارته بعد عناء طويل ...فهي ومنذ الصباح لمست واحست بتغير مزاجه .... اجل كان متغيراً حتى وان كان لايزال يدللها ويمزح معها بالكلام الا ان نظرة عينيه المؤنبة لم تخطئها ابداً ... مشطت شعرها الحريري عدة مرات وبتوتر وخجل ... القميص كان ناعم الملمس ... يحتوي على حمالات رفيعة ... رغم قصره الذي وصل الى منتصف فخذيها الا انه يعتبر محتشماً مقارنة بما احضره وليد لها اول ليلة ... لن ترتدية مرة اخرى فهو قميص منحوس ... ارتدته مرتان وفي كل مرة كانت تصاب بالذعر والخوف ... لكن اليوم هي اكثر شجاعة وجراءة

خرجت من الحمام وهي تجر اطراف القميص لتغطي قليلا من فخذيها الظاهران بسخاء ... لكن لمن فقد كان وليد يجلس على الفراش جذعه العلوي عاري تماماً بينما الجزء السفلي مغطاة بالشرشف الحريري الأبيض والذي ناقض لون بشرته السمراء ... يركز نظراته بهاتفه المحمول ... وما ان لمحها بطرف عينه حتى رمى الهاتف على المنضدة ثم تمدد و اولها ظهره بعد ان رماها بنظرة لامبالية
تقدمت بخطوات صغيرة وحرجة ... حرجها كان من لامبالاته وبروده ... وكأنه لم يهتم لما ترتديه له !!
اندست تحت الشراشف المخملية وهي تحدق بظهره العريض الاسمر ... انتقلت وتجولت عيناها اللامعة على تلك الخطوط الدقيقة ... والعضلات القوية النافرة .... ليخفق قلبها بعنف شديد ... رباه كم تحب هذا الرجل الحنون ....
انتظرت ان يلتفت لها لكنه كان يتجاهلها وكأنها غير موجودة ....قضمت اسفل شفتها بتوتر وخوف وهي تتساءل بصمت ..أمن المعقول ان بالفعل مل منها ومن طفوليتها المزعجة ؟! اجل ..ربما مل منها !!! ماذا ستفعل ! كيف تفتح معه موضوعاً للحوار وهو يتجاهلها بهذا الشكل !!!

انتبه لها منذ لحظة خروجها من الحمام ... اندلعت نيران الرغبة تنهش جسده الصلب نهشاً الا انه قرر ان يتبع اسلوباً جديداً الا وهو اسلوب التجاهل واللامبالاة ...لقد اتعبته بتذمرها ودلالها في اليومين السابقين ويجب ان تدرك انها لم تعد طفلة .. بل هي امرأة ناضجة جسدها يصرخ بأنوثة طاغية تطيح من اجلها رؤوس اعتى الرجال .... بل تغوي الناسك المتعبد وتخرجه عن شعوره ... كما انها شابة متزوجة ويجب عليها ان تحترم رغبات زوجها ... تعطيه حقوقه دون تذمر وبكاء ... خاصة وانهم سيعودون الى اربيل بعد خمسة ايام ...خمسة ايام فقط ... وهما لا يزالان كالأغراب تماماً ... فهما قد اتفقا على امضاء اسبوع كأجازة زوجية لهما فهي لاتزال تدرس وامامها امتحانات نهاية العام و التي لم يتبقى عليها الكثير ...اما هو ... فهو الاخر مرتبط بأعمال المزرعة والبستان الذي سلم زمام اموره لكبير العمال ...
مشكلته الوحيدة الان هو انه يحبها لا بل يعشقها وهو لا يريد اجبارها على المعاشرة الزوجية بل يجب ان تكون راضية وراغبة به .... تريده بالقدر الذي يردها هو !
كما انه بحكم سنة يعرف كيف يسيطر على رغبته ويلجمها .... لكن للصبر حدود ... وطاقه صبره وصلت معها لأقصى حد ... بعد مرور عدة دقائق من الصمت سمع صوتها الهامس وهي تقول
- وليد ...هل ..هل ستنام الان !!
اجابها بابتسامة ماكرة وهو لايزال مولياً اياها ظهره
- اجل ! هل هناك شئ تريدينه ؟!
قالت بطفولية واندفاع غير متعمد بينما اصابعها راحت تتبع خطوط ظهره بلمسات ناعمة جداً
- استدر ناحيتي يا وليد ..انا ..انا ..اخاف النوم هكذا!!
كم اسعده ما قالته ... كان يريد ان تتوسله اكثر لكن ماذا يفعل مع قلبه الابله العاشق الذي ما ان يسمع نبرة صوتها الناعم حتى يضخ الدماء الساخنة في جسده بحرارة وقوة وكأنه مضخة كبيرة وسريعة .... كما ان لمسة اصابعها الرقيقة جعلت سخونة جسده ترتفع وكأنه مريض محموم ودرجة سخونيته فاقت ال 40 درجة
استدار ناحيتها واخذ يرمقها بنظرات متفحصة ...نظرات فضحت رغبته واعجابه بها ... كان يود ان ينقض على هاتان الشفتان المطليتان بأحمر شفاه طبيعي ومكتنزتان الى درجة انها سببت التواء حاد في امعائة وكأنه تلقى لكمة قوية في بطنه
- ماذا تريدين يا غسق !!!! فأنا تعب واريد النوم !!
همست بخفوت وخجل وهي تتراجع للوراء قليلا
- وليد انا ..انا ..اريد ان اقول ...بأني .. اريد... اريد
بحركة رشيقة وبخفة اعتلا فوقها وقرب وجهها منها قائلا بهمس وعشق
- بل انا الذي اريد ... اريدك ... انت غسقي ... اريدك الى درجة لا تتصوريها ..
اجابته صامته بابتسامة صغيرة وخجولة ليكمل محذراً بجدية
- لكني احذرك ..ان بدأت لن اتركك حتى لو بكيت وصرختِ ...
ثم رفع حاجبه الايسر بتحدي وعجرفة ... تسللت ذراعيها بصمت وتردد ... لتتخلل شعره الكثيف بأصابعها المرتجفة ... لينحسر الشرشف مظهراً مقدمه صدرها المكتنز فيما دفنت وجهها برقبته القوية وطبعت قبلة رقيقة وصغيرة وكأنها رذاذ مطر يسقط على اوراق الشجر ....قبلتها كانت كفيلة واكثر من كافية لتفجر ينابيع الرغبة التي كانت مندلعة في جسده من الاساس ... غرس اصبعه بطيات شعرها العسلي ليرفع رأسها وينحني مقبلاً خط رقبتها وذلك العرق النابض فيه .... ابتعد قليلا يحدق نظراته المظلمة العميقة على وجهها المتورد ... ليهمس بحشرجة
- انت جميلة جداً ... لا ..بل رائعة الجمال غسق ...
ثم يدأ يقبلها من جديد ... يقبلها بجوع ...جوع شديد وشراهة اشد ... وكأنه لم يقبلها ابداً بحياته ... وما ان تعمقت قبلاته بأزدياد لمساته الجريئة حتى بدأت تتذمر كالعادة وهي تحاول دفعه عنها لكنه لم يدعها ... لم يعطها الفرصة للتذمر والانسحاب ... ليس وهو يحترق كلياً وكأنه داخل فرن كهربائي شديد الحرارة .... تحطمت واندحرت مقاومتها وهي تواجه هذا الجسد القوي الضخم .. وتلك الرغبة المتوقدة ... لتستسلم له اخيراً وتعلن انهزامها لذلك الرجل الحنون الذي اصبح زوجها قولا وفعلا !!!!
وليد كان رائعاً ... حنوناً ... متفهماً ... والاهم من ذلك كان صبوراً ... صبره هذا جعلها تحدق به بعينان مندهشتان ..عاشقتان ..مفتونتان ....اجل كانت مفتونة حد الهوس بهذا الجسد الصلب الذي يضج قوة ورجولة .... ما حصل بينهما لم يكن اتصالا جسدياً فقط ..بل كان روحياً ايضاً ...امتزجت روحها داخل روحه المعطاءة ....اصبحا كياناً واحداً ...
خوفها وترددها لم يكن نفوراً منه او عدم ثقة ..بل كان خوفاً عفوياً ..غريزياً لما كانت تسمعه سابقاً عن ليلة الزفاف الأولى .... كان خوفاً وذعراً مزروعاً داخلها منذ فترة طويلة جداً ... لكن مع وليد نسيت كل شيء ..نسيت الخوف ...الخجل ..نسيت حتى نفسها .... تركيزها منصب عليه ..عليه هو فقط ...وعلى مايفعله ويلقنه لها بكل مهارة وعشق
بعد مضي فترة طويلة ابتعد عنها و قبل جبينها هامساً بخشونة مفرطة من شدة هيجان مشاعره الفاضحة
- مبارك يا عروس
همهمت ببعض الكلمات الخجولة وهي تجمع الشرشف الابيض قرب عنقها لتقول بخجل شديد وهي تسبل اهدابها الطويلة
- ا...امممم ..ادر وجهك الى الناحية الاخرى وليد
رفع حاجبية بتسلية وقال بمكر
- ولماذا يا زوجتي الجميلة ؟!
لتهمس وهي تجلي صوتها المبحوح
- ار..يد ..الذهاب للحمام .. ارجوك وليد .... ابعد نظراتك عني
قاطعها بغرور وثقة وهو يمسك ذراعها العارية الناعمة ...فهو سيكون مجنوناً بالفعل ان تركها تبتعد عنه خطوة ...الان بدأ شهر العسل ..الان فقط اكتشف معنى السعادة والحياة الوردية ... معها كان يلمس النجوم والسحب ... تذوق طعم الخمر الممزوج بشهد شفتيها ...
- ومن قال بأني سأسمح لك بأن تتحركي من الفراش ؟!
اجابت بعدم فهم وبرائة
- ما..ماذا تقصد ؟!
قال ببساطة شديدة وهويرفع حاجبيه الداكنان ....ملمس بشرتها الناعمة بينما رائحتها المنعشة تغلغلت لأنفاسه مرة اخرى لتوقظ رغبته الجامحة بها مرة اخرى
- اقصد اني لم اشيع منك فراولتي الشهية
قطبت بذعر وهي تهتف بأنفاس لاهثة ومذعورة
- ارجوك وليييييييد دعني...
تبخرت كلماتها عندما سحبها من رقبتها ناحيته مرة اخرى وشفتيها تلتهم شفتيها بقلبة اخبرتها جيداً ما ينوي فعله معها مرة اخرى ولم تملك الحق للرفض والاعتراض !!!

.........................
......................................
لو تعلمين كم أحبكِ
وكم أغار عليكِ
اغار عليكِ
من احلامي
من لهفتي واشتياقي
ومن خفقات قلبي
اغار عليكِ
من لحظة صمت بيننا
قد تبعدك بافكارك عني
أغارعليكِ
من لفتة نداء
قد تبعد عينيك عن عيوني
أغار عليكِ
من كل كلمة تقوليها
إذا لم أكون انا
حروفها و ابجديتها

منقول
.................
خرجت الى الحديقة بخطوات بطيئة وخفقات متعثرة ... قلبها كان يخفق بعنف شديد ..الحلم الذي رأته الليلة جعل جسدها ينتفض ...لا ...لم يكن حلماً .. كان كابوس بشع له مخالب طويلة نهشت جسدها الضعيف نهشاً .... اتكأت على الجدار وهي تستنق رائحة القداح الفواحة من شجرة البرتقال والنارنج .... والتي انتشر شذاها في ارجاء الحديقة الواسعة ..بينما العشب القصير بدى وكأنه بساط اخضر ... امتد تحت قدميها ....
هل من الممكن ان يتحول ذلك الكابوس الى حقيقة ...هل من الممكن ان يتزوج من جديد !!!!!
كان زهير يلبس بدلة رجالية سوداء يبتسم بسعادة وهو ينظر لتلك الفتاة التي تأبطت ذراعه بغنج ودلال ... رباه كم كانت جميلة ...بل كانت في غاية الروعة والُحسن ... وهي هناك ...تقف تنظر لهما من بعيد تذرف دموع القهر بحسرة .... هل كتب عليها الشقاء ؟! هل كتب عليها ان تعيش هكذا تنظر له كطفل يتيم ينظر دائماً لسعادة الاخرين ويحسدهم !!!
عندما استيقظت مذعورة انتبهت على انها كانت تبكي ...دموعها كانت تغرق خديها ...ستموت حتماً ان فعلها وتزوج بأخرى ...ستموت ان اتضح لها انه يسخر منها ويتلاعب بها !!!!
- حبيبة لماذا لم تنامي الى الان !!!
شهقت بذعر والتفتت تنظر له ... ملامحه كانت مظلمة بفعل الضوء المسلط خلف ظهره ...

كان ممد على سريره ... جافاه النوم هو الاخر ..يفكر بمستقبلة فبعد ان باشر عمله الجديد في تصميم قرية سياحية في اربيل مع مجموعة كبيرة من المهندسين المتخصصين ...والذي تم اختياره بناءاً على توصية صديق له ..... فتحت ابواب الرزق الواسعة امامه والحمدلله ...عمله توسع على نطاق اكبر ... كل شيء يسير على مايرام لم يتبقى الا موافقة حبيبة ... سيتزوجها ... اجل يتزوجها وينجب الاطفال ..الكثير من الاطفال ... ابتسم بدفئ وهو يتخيلها تحمل طفله وبطنها منتفخ ...بالتأكيد حبيبة ستكون اماً رائعة وحنونة ....
أيقضه من بحر احلامه الوردية صوت باب المطبخ وهو يفتح .. قطب واقفاً ليرى ماذا هناك ..... وما ان خرج الى الممر الاسمنتي حتى رأها تقف متكئة على الجدار شاردة بعالم اخر
استدارت تنظر له برعب وعيناها الجميلتان متسعتان بقوة ....الضوء مسلط على وجهها ...كانت جميلة جداً وشهية ... هل لاحظ التماع الدموع بهما !! لكن تباً لك زهير ولماذا تبكي حبيبة ! بالتأكيد هو يتخيل !
شفتيها الورديتان كالعادة كانت تناديه تعال وقبلني ....وكالعادة ايضاً مارس ضغطه وسيطرته لكي لا ينقض ويأكل الثمار الحلوة منهما الى ان يشبع !! افضل قرار اخذه هو حين تكلم مع وليد ووالدته ..اجل اجل ..فليعلم الجميع بأنه يريدها .. فهو لم يعد يظمن عدم ظهور شخص جديد بلائحة الخاطبين اللذين بداؤ يتوافدون لطلب يدها وكأنهم تذكروها الان فقط !
همست وهي تضع يدها على صدرها
- زهير ..لقد اخفتني ...
لتكمل بهدوء وهي تعاود النظر الى الأمام
- لم استطع النوم فخرجت لأستنشاق الهواء
غمغم بتفهم واقترب ليقف جانبها ... الصمت الثقيل الكثيف امتد بينهما ... كانت حبيبة تحاول التحكم بأنفاسها التي اخذت تتصاعد بأضطرب وتوتر من قربه الشديد منها ... بينما استحكمت كتله كبيرة في حنجرتها وهي تتذكر تفاصيل الحلم وكأنه حقيقة ..
جميع حواسها كانت مركزة بهذه الكتلة الرجولية التي تقف جانبها بطوله الفارع وجسده القوي ... شرارات الحرارة والثقة تكاد تنتشر حوله تحيط به كهالة ملموسة تزيده وسامة وكبرياء يليق به ... نظرت له بطرف عينها ...ملامحه هادئه ومسترخية .... رغماً عنها تجولت عيناها النهمة التي لاتشبع من النظر اليه على تقاطيع وجهه الوسيم ... فكاه القويان ...لحيته القصيرة المشذبة بأناقة على الدوام .... عيناه الجميلة برموشة الكثيفة السوداء .... ابعدت نظراتها بصعوبة وسحبت نفساً عميقاً ... ارادت ان تستأذن متحججة بالنعاس هي لاتستطيع الصمود اكثر بحضرته ..تشعر وكأنها لاتليق به ...رغم انه يهتم بها اكثر من السابق بكثر ...كلا سابقاً كان يهتم بها بصورة عفوية واخويه اما الان ..الان تغير كل شيء ..نظراته العميقة الداكنة تحيطها ..تغرقها ...وكأنه يتغزل بها بعيناه يلمس روحها بأهتمامه ...يزيد ثقتها بتملكه وغيرته المفرطة ...الا ان صوته الهادئ اوقفها متسمرة
- اتذكرين ذلك اليوم الذي احضر به ابي رحمه الله البلاطات استعداداً لتبليط السطح !!!
همسها وهو لايزال ينظر امامه مكتفاً ذراعيه العضليتان على صدره ليكمل
- كنت لا تزالين طفلة في الصف الاول الابتدائي ...للأن اتذكر ثوبك الصفي الاصفر ووجهك الذي كان يتصبب عرقاً غزيراً بينما وجنتيك المكتنزتان كانتا حمراويتين كالتفاح اللبناني تماماً
ضحك بخفوت وقال متنهداً وكأنه يسترجع الماضي امامه من جديد
- رغم معارضة ابي وصرخات امي خوفاً عليك وعلى تبارك من حرارة شمس حزيران الا انك كنت عنيدة ...تحملين البلاط بيديك الصغيرتان وتصعدين الدرجات درجة درجة وكأنك فأرة شقية ...مع كل بلاطه كنت تضعينها في السطح كنت اسرق منك قبله ...
التفت ينظر لها بدفئ وعشق ليهمس
- هل تذكرين كيف كنت اقبلك !!!
قلبها كاد ان يتوقف من شدة ضرباته ...كيف تنسى ...هي لم تنسى ايه تفصيلة من تفاصيل حياتها ..كانت تقضي العطلة الصيفية كلها في منزل خالتها ....كيف تنسى حنانه واهتمامه !!! صدقة ومحبته الخالصة !!!! اكمل بصوت حنون وخافت
_ كنت ااخذك الى كشك لبيع الحلويات والسكاكر ... أتركك تختارين ما تريدين بحرية وانت لم تكوني تقصري ... كنت تجميعين كل اغراض المحل في الكيس ... بالرغم من ضخامة المبلغ نسبة لمصروفي اليومي الا اني كنت اسدد الثمن على شكل اقساط ... كان يكفيني ان ارى ابتسامتك السعيدة الواسعة
قطبت حبيبة ووجنتاها تتحول للون احمر قانِ وهي تهمس بخفوت ... رباه هل يعيرها بما كان يشتريه لها سابقاً !!!
لكن ما قاله بعدها جعلها تتجمد مكانها وكأن صوت زهير يصلها من مكان بعيد .... بعيد جدا جدا ... بل وكانها كانت غارقة في بحيرة عميقة وعذبة
- اتعلمين يا حبيبة ...أظنني احببتك من وقتها !!! احببتك ولم انتبه لذلك الحب الذي كبر معي عاماً بعد عام !!

بعد عام !!!تجمعت الدموع بعينها ..جسدها بات مخدراً .. أهذا حلم اخر تحلم به !!! ربما هي لا تزال نائمة !!! ربما هي ترى حلم داخل حلم اخر !!! ام ربما هذا ليس زهير من يقف جانبها ويقول لها بكل هدوء وثقة احبك !!!! رباه ايعقل انه شبح زهير !!! او ..او ..اوربما اصبح يسير ويتكلم وهو نائم !!!!
لقد قال احبك !!! احبك !!!! تدحرجت دموعها بصمت وشفتيها التصقت ... لم تستطع النطق بحرف ..لكن حتى ان تكلمت ماذا ستقول ..حتما ستعترف له بحبها السري له بسرعة ورعونه !!! صوت بعيد همس بعقلها حذرها قائلا ...اهدئي ..اهدئي يا حبيبة ..اهدئي وكوني قوية ..لكن ما قاله بعد ذلك جعلت الدماء تجري ساخنة بجسدها ..والحرارة تتجمع في وجهها المتعرق
- وافقي يا حبيبة ..وافقي على الزواج مني وانا اعاهدك واقسم لك بالله العظيم ..بأن اسعدك مدى الحياة ان شاءلله ..سأجعلك اميرة الاميرات .... ارجوك حبيبة ... ارجوك ... امي قالت بأنها ستفاتحك بموضوع زواجنا بعد عودة وليد مباشرة .... اخبريها انك موافقة ...
كان يترجاها و يتوسل بها ... لما لاحظ صمتها المريب اعتقد بغبائه المعتاد انها ترفضه لكن بصمت حتى لا تجرح مشاعره ... ليكمل بشراسة وهو يمد يده ويدير جسدها المترنح ناحية
- انت ستوافقين رغماً عنك ...وستبلغيها بكل هدوء وادب بأنك موافقة ..ماذا والا ... اتعرفين ماذا سأفعل ان رفضت !!!
ليكمل بجدية وعيناه تلمع بقوة واصرار
- اقتلك وادخل السجن ! وانا لا امزح ... اقسم بالله اني سأقتلك واسلم نفسي للشرطة بكل طوعية !
ترك ذراعها وقال امراً
- والان اذهب لتنامي هيا وفكري جيداً بما قلته
كانت تمشي كالمخدرة ... رغم كل ما قاله ...ورغم اعترافاته المتوالية وسعادتها التي لا يمكن ان تصفها الاف الكلمات المعبرة ...الا انها لن تبين له ...لن تعطيه موافقتها بسهولة .... هي صبرت سنين وسنين متحملة غبائه ... وزواجه ... نيران الغيرة كانت تندلع داخلها كالنار الهشيم وهي تتخيل مجرد تخيل ماذا يفعل مع زوجته وكيف يقترب منها او يقبلها ..
فليصبر هو الاخر عدة اسابيع او ربما شهور من يدري ... من يدري متى ستحن و تقول انها موافقة وتبصم له بالعشرة ... لقد تعبت كثيراُ الى ان بنت نفسها واصبحت قوية وتتمتع بهذه الثقة ....لن تعود لحالة الضعف والأستسلام التي كانت تعيشها سابقاً ليس بعد ان اصبحت قوية واكثر ثقة وصلابة ..حتى ان كانت تحبه وتعشقه بجنون !!!
اما هو فقد كان ينظر بوله لذلك الشعر الطويل المنتشر على كتفيها بعفوية وفوضوية مثيرة ..متى سيغرس اصابعه في طياته ...متى سيفرشه على صدره ووسادته .... اوقفها قائلا بهدوء
- الم تقرري ارتداء الحجاب يا حبيبة ؟!!!! اتمنى ان تفكري فيه جدياً ... ارجوك ..من اجلي يا حبيبتي ! من اجلي ..انا اغار عليك ..اغاااار افهمي ذلك ارجوك!
نظرت له بصمت وهي تكاد لاتستوعب كم المفاجأت التي تتلقاها اليوم ...قال احبك وقالل اريد الزواج منك .. وتوسلها ان توافق ثم ختمها بكلمة اغار وحبيبتي ... تركته صامته ومشت بترنح ..اجل كانت مترنحة حد التخمة .. ستجن ..والسبب بذلك زهير ...وليكن الله بعونها في الايام المقبلة !
....................
.............................
ممده على تلك الاريكة ... اليوم هو موعد جلستها مع الطبيبة التي حددت لها جلستان اسبوعياً ... تكفلت بأخذها تبارك التي كانت تأخذها بطيب خاطر وسعادة ...وهي تلحظ تغير رضاب وانفتاحها بالكلام .. كانت تنتظرها كالعادة في غرفة الانتظار ....
نظرت رضاب للطبيبة بسعادة غامرة عكستها عيناها البريئتان وهي منطلقة تحكي لها عن ملك ومعاذ وعن اجواء حفلة الزفاف ..كانت الطبيبة تستمع لها وهي تشاركها سعادتها ... لتقاطعها قائلة بتساؤل
- يبدو ان معاذ هذا رجلُ طيب !
اجابتها رضاب ببراءة تامة وهي تبتسم برقة
- اجل دكتورة ..هو طيب وشهم يكفي انه لم يحرمني من رؤية يقين !!!
صححت الطبيبة بتعمد فهي تحاول بكل مرة تزورها رضاب ان تجعلها تقر وتعترف بأن الطفلة هي ملك وليست يقين ابنتها التي اخبرتها بشأنها في وقت سابق
- تقصدين ملك !!!
التفت رضاب تهمس بعينان دامعتان وصوت مرتجف وقد اختفت ملامح السعادة عن وجهها بثانية واحدة
- انا ...انا ..اعرف انها ملك ...لكن لابأس احياناً من ان نملي انفسنا ببعض الاحلام التي كنا نحلم بحدوثها في يوماً ما !!! اليس كذلك !!
اجابتها الطبيبة بتفهم وهي تتفحص رضاب بعينان ثاقبتان وعميقتان
- الاحلام ضرورية في حياتنا يا رضاب وهي حق لكل انسان لكننا يجب ان نفرق ونضع فاصلا بين الاحلام التي من المستحيل تحقيقها وبين الواقع الذي نعيشه !
صمتت رضاب وهي تعاود التحديق في سقف العيادة بشرود ....لتكمل الطبيبة كلامها بلطف
- اخبريني عن زوجك !!
التفتت تنظر لها بحدة وتقطيبة عميقه ظهرت على وجهها اجابت ببرود جليدي
- لا تقولي زوجي !!!
اومأت الاخيرة قائلة بسرعة بمحاولة منها لتهدئتها
- حسناً عزيزتي ..طليقك ... اخبريني يا رضاب هل احببته يوماً ؟! كيف وافقت على زواجك منه ! كيف كانت مشاعرك نحوه !!!
ابتلعت رضاب ريقها بصوت مسموع ... هي لا تريد ان تتذكره ...لماذا كلما اختفى من ذاكرتها يعاود الظهور مرة اخرى بشكله القبيح .... انتشر الصمت في الغرفة ..كان صمتاً متوتراً من جهتها ..وهادئاً صبوراً من جهة الطبيبة ... الأخيرة التي عذراتها ووضعت ساق فوق الاخرى تدرس ملامح رضاب الجامدة ... بعد مرور دقائق كانت طويلة على رضاب اجابت بصوت مختنق وانفاس لاهثة مضطربة .. كانت تتكلم وهي بغير وعيها ..وكأنها تكلم نفسها في غرفة فارغة ..خالية من وجود احد غيرها
- انا ..انا ... لم احبه ابداً كما لم اكرهه ...حياتي معه كانت .. كانت تشبه ..الروتين اليومي الذي تعتادين عليه .. كنت ..كنت .. انا ...اقصد ... انا رفضت الارتباط به في البداية ..لكن ام.. اقصد هي ..هي ..من اجبرتني ... كنت غبية وساذجة .... مذلولة لها ...وكأنها كانت تمارس عليٌ التنويم المغناطيسي .. او كأني اتبعها كالمنومة المسحورة بسحر اسود .... لم اعارضها يوماً ..الى ان ..ان ..
مررت اصابعها المرتجفه على جبينها وفوق شفتيها لتمسح العرق البارد الذي تجمع هناك لتحثها الطبيبة قائلة
- اكملي يا رضاب الى ان ماذا ؟! ماذا حدث !!!
التفتت رضاب تنظر لها وانفاسها لا تزال متلاحقة وجهها يتصبب العرق الغزير ...لتهز رأسها قائلة بتشوش
- دكتورة انا ..انا ..لازالت ارى تلك الكوابيس المزعجة ...ولازالت ارى نفسي اقع في حفرة عميقة ومظلمة ...الن ..الن تصفي لي الدواء لينتهي الكابوس ..ارجوك ..أنا ..اريد ان انام براحة !
تنهدت الطبية وتفهمت تهرب رضاب المستمر من الاجابة ...ربما لايزال الوقت مبكراً لتثق بها اكثر وتخبرها بذلك السر الذي يخص والدتها و زوجها !! اجابتها بهدوء
- انت لا تحتاجين لأصف لك المهدئات ولا المنومات يا رضاب ..العلاج سيبدأ من هنا
ثم اشارت لقلب رضاب واكملت
- علاجك يبدأ من قلبك ..يجب ان تكوني اكثر ثقة بنفسك ... واكثر شجاعة وقوة بمواجهة مشاكلك والعقبات التي تصادفك .... وقبل ذلك يجب ان تثقي بالله عز وجل ....
قاطعتها رضاب بسعادة وحماس
- نسيت ان اخبرك ..لقد بدأت الصلاة وقراءة القرآن !!!
هتفت الطبيبة تشاركها حماسها الطفولي
- هذا رائع عزيزتي ..رائع جداً ..مبارك لك يارضاب !
اومأت رضاب هامسة والابتسامة لاتزال تشق وجهها
- عندما اقف بين يدي الله .... يقشعر جسدي رهبة وخوفاً واحتراماً ...اشعر به يسمعني دكتورة ... كما اني بدأت بقراءة القرآن الكريم ...وكم اشعر بنشوة السعادة والراحة وانا اقراء ما وعد الله به الصابرين على الشدائد وما اعده للكافرين والعاصين و...و...الزانين .. من عقاب اليم ان لم يجدوه في الدنيا فهي تنتظرهم بكل تأكيد في الاخرة !
كان الطبيبة تستمع لها بصمت وداخلها حدس يؤكد لها ان والدتها وزوجها قد فعلا لها امراً عظيماً وكبيراً ... امراً جعلها تصل لهذه المرحلة من فقدان الثقة والتشوش ! بكل مرة تلتقي بها يزداد يقينها بهذا ..كما انها بكل مرة تبوح لها بأمر يخص ماضيها ! هي متأكدة من انها ستعترف لها ...حتماً ستعترف رضاب بكل شيء وربما بوقت قريب جداً !!
.....................................
................................................
وقفت امام المرآة تنظر لشكلها وهي بالحجاب الذي اخذته من خزانة تبارك ... فكرة الحجاب ليست فكرة وليدة اللحظة كما هي لم تكن بسبب مطالبة زهير المستمرة لها ... في الحقيقة هي كانت تود الحجاب منذ فترة طويلة ..لكنها كانت تؤجل تنفيذها .... هي تلبس الملابس الفضفاضة كما انها لا تضع مستحضرات التجميل ابداً الا بحالات نادرة .... تعرف ان الحجاب فرض مهم قد فرضه الله سبحانه وتعالى على كل مسلمة وتعرف ايضاً انها لا يجب ان تستهين به ...اما ان ترتديه عن قناعة واما لا ...
عادت مرة اخرى تنظر لأنعكاسها ... تمرر يدها على اطار وجهها ... الحجاب رائع جداً عليها .... تذكرت كلمات زهير البارحة .... تتذكر !!! هي لم تنسى لتتذكر .... منذ الفجر وحتى بالحلم وصباحاً وظهراً وطوال الوقت كل كلمة قالها تتردد على مسامعها ... زرعت داخل قلبها وروحها ... خاصة كلمة احبك ....اليوم الله ستر و لم تره او تلتقي به ابداً ... الظاهر انه مشغول بعمله لكن ...
لكن ماذا عن الايام المقبلة ... كيف ستقف امامه مرة اخرى ... كيف ستنظر لوجهه دون ان تشعر بالخجل والحرج !!
دلفت تبارك الى الغرفة وهي تمسح يديها بالمنشفة لكنها ما ان رأت حبيبة حتى تسمرت مكانها لتتسع عينيها شيئاً فشيئاً .... التفتت حبيبة ناحيتها وهي تمد يدها لتفتح الحجاب هامسة بخجل
- اسفة تبارك ..لقد .استعرت احدى اوشحتك ..اسفة جداً ...
قاطعتها تبارك وهي تتقدم ناحيتها تمسك يدها تمنعها من فتحه قائلا بسعادة وتأثر
- حبيبة ..انت ترتدين الحجاب !!!!!
ابتسمت حبيبة وقالت وهي تسبل اهدابها
- الحقيقية يا تبارك ...لقد ..فكرت و ...وقررت أن ارتديه للابد ان شاءلله
ثم قالت ببراءة وهي ترفع نظراتها لها
- كيف ابدوا فيه هل الحجاب يليق بي ؟!
هتفت تبارك وهي تسحب حبيبة من يدها لتجلسها على طرف الفراش وتجلس جانبها
- ماشاءلله ... والله قمر يا حبيبة ... وكأنك البدر ليلة تمامه .... تقبل الله منك ان شاءلله
قالت حبيبة وابتسامتها تتسع بينما قلبها يخفق بشدة
- انت سعيدة من اجلي يا تبارك !!!
اجابتها تبارك بهدوء ورزانة
- بكل تأكيد ...اتصدقين يا حبيبة .. كنت اريد ان انصحك بأرتدائه منذ فترة طويلة لكنني اردتك ان تتخذي هذه الخطوة عن قناعة ....
ثم اكملت بهدوء
- لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمات الحجاب ... وقد دلت على فرضيته آيات في كتاب الله تعالى منها قوله تعالى
"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا " .... وفي الآية الأخرى
"وليضربنّ بخمرهنّ على جيوبهن " "
إن الإسلام حينما شرع الحجاب وفرضه على المرأة المسلمة لم يقصد من ذلك إخفاء دورها ومكانتها في المجتمع بتغطية عورة جسدها .... وإنما أراد الإسلام الحجاب رمزاً لعفتها .... وانتِ يا حبيبة فتاة مسلمة مؤمنة .... لا ينقصك الا الحجاب ..اسأل الله تعالى ان يهدي رضاب ايضاً
آمنت حبيبة خلفها بخفوت ...اكملت تبارك تحذرها بصبر وهدوء
- منذ الان يجب ان تعرفي ياحبيبة قرار الحجاب مهم جداً ...ولا يستهان به ابداً ...مثلا لا ترتدي الحجاب اليوم ثم تقرري نزعه بالاسبوع القادم ... كما انك يجب ان ترتديه امام زهير ووليد ... ويجب ان ترتدية بصورة صحيحة اي لاتظهر مقدمة شعرك كما يفعلن فتيات هذه الايام .... ....حبيبتي انا انصحك لمصلحتك انت ... فمادمت اتخذت هذه الخطوة يجب ان تلتزمي به وتؤدية على اكمل وجهه
اجابت حبيبة بتفهم ووعي ...هي مدركة لكل ما قالته تبارك وهي فعلا سعيدة ومقتنعه بقرارها هذا والذي جاء متاخراً جداً بالنسبة لعمرها الذي قارب العشرين
- اجل تبارك اعرف كل ماقلتِ وان شاءلله سألتزم به بما يرضي الله تعالى
وقفت تبارك فجأة وقالت بحماس
- تعالي معي هياااااااااااااا
تبعتها حبيبة بخطوات متعثرة كانت لاتزال ترتدي الحجاب ...
- الى اين تأخذيني تبارك !!
لتجيبها تبارك بحماس
- تعالي فقط دون اسئلة
نزلتا الدرجات بخفة ثم توجها الى الحديقة ...كان كلا من والدتها والعمة سعدية ورضاب يجلسون على بساط اسفنجي واسع يشربون شاي العصر ومعملول التمر وهم يتبادلون الحديث ... الا زهير كان شارد الذهن شبه متمدد مرتكز على ذراعه وكأنه يعيش بعالم اخر ...اليوم ومنذ الصباح وحتى العصر كان مشغولا بالتنقل بين مواقع العمل ...لم يعد للمنزل الا قبل قليل ..كم ود لو انه رأها في المطبخ الا انها لم تكن موجودة .... هو موقن ومتأكد من انها ستختبئ منه كالفأرة الصغيرة خاصة بعد ان اعترف لها بحبه ...لكن لابأس ..المهم انه اخبرها وارتاح ....
صوت تبارك وهي تهتف بسعادة ولهفة جعل حواسه تتوثب ويلتفت لينظر لها بتعجب ...
- اماااه ..عمتي ...رضاب ....زهير ... باركو لحبيبة ..لقد تحجبت
قلبه خفق بقوة ..... ضاخاً الدماء الساخنة الحارة ...تحجبت صغيرته تحجبت ..اخيرااااااا ..اذن هي استمعت لكلامه وتحجبت !!! وهذا يعني انها بكل تأكيد موافقة على الزواج !! كم ود لو انه يحتضنها الان ويبارك لها بطريقته الخاصة ... لكن ماذا يفعل لقد وعد والدته بالصبر ويجب ان يوفي بوعده ... عاد ليحدق بوجهها المحمر وهي تتلقى التهاني من الجميع .... صحيح هو سيحرم من رؤية شعرها الطويل الذي يعشقه خصلة خصلة والذي يعرف طوله شبرا شبرا ...لكن لابأس الستر شيء جميل ....المهم ان تخفيه عن العيون النهمة .. .. شعرها الحريري العطر سيكون له وحده ... قريباً سيتخلله بأصابعه ويستنشق عطره بقوة ..قريباً سيضيع في عتمته كالمسافر التائهه بظلام ليل طويل لانهاية له ولا بداية
قالت تبارك بحماس
- غداً سأأخذ اجازة زمنية واذهب الى سوق كبير فٌتح جديداً يقع قريباً من المصرف يبيع كل لوازم المحجبات ... سأشتري لها كل شيء هدية مني لأجمل حبيبة في الدنيا
ليجيبها زهير وهو يحدق بحبيبة التي كانت تتهرب من النظر له
- وانا ايضاً سأشتري لحبيبة ...الكثير من ال...
قاطعته تبارك بخبث ومكر
- وماذا تفهم انت بهذه الامور سيد زهير !!!
اجابها وهو يهب واقفاً ليقترب من حبيبة ببرائة مصطنعة بينما ابتعدت الاخيرة بخجل لتقف خلف تبارك وكأنها حصنها المنيع
- بلا ..افهم ..واعرف اي لون يليق بها ... اكرمينا بسكوتك تبارك !
استدار الى الناحية الاخرى ليقترب منها مرة اخرى ... وقال بهدوء وهو يضع يديه بجيبي بنطاله الجينز الازرق
- الا اذا ارادت حبيبة مرافقتي للسوق لنشتري الملابس على ذوقها الخاص ..هااا مارأيك حبيبة هل ترافقيني !!
همست حبيبة ببضع كلمات مبهمة ووجهها يكاد ينفجر من شدة احمرارة ثم سارعت لتجلس ارضاً متوسطة خالتها سعاد وسعدية .... احتضنت سعاد كتف حبيبة وقبلت خدها قائلة بحنان
- ااااه كبرت طفلتي وتحجبت الحمدلله يارب ... ان شاءلله اراك عروس ايضاً يا حبيبتي واتمنى ان يكون قريباً جداً
هتف زهير بصبيانية مضحكة
- وانا ..وانا ايضاً اماه ..ادعي لي ان اتزوج من التي في بالي
قالت سعاد وهي تبتسم وتنقل نظراتها بينه وبين حبيبة التي اطرقت رأسها ارضاً
- وانت ايضاً يا زهير ..بأذن الله اراك عريساً متزوجاً من الفتاة التي تريدها !!
هتف زهير وهو يرفع يديه وكأنه امرأة عجوز ثرثارة .... و دون ان يشعر بالخجل او ان يعير انتباهه للوجوه التي حدقت فيه بتعجب ومفاجئة
- اللهم آآآآآآآمين يااااارب ...ياااااااارب
كتمت تبارك ابتسامتها بينما قهقت سعاد بمكر ...فيما انكمشت حبيبة خلف خالتها اكثر وكأنها طفلة صغيرة .... هذا الزهير سيكون سبباً في مقتلها وتوقف خفقات قلبها في يوماً ما لا محالة .... اما سعدية ورضاب فقد اكتفتا بالصمت والتحديق بفضول
.....................
................................................
الساعة قاربت على السابعة مساءاً عندما اتصلت والدته ...كان يراجع بعض الحسابات الخاصة بالمعمل بينما حيدر يجلس بالكرسي المقابل له يساعده على أنهائها ... رفع الهاتف وهو لايزال يحدق بالاوراق المبعثرة على المكتب وما ان سمع صرخاتها ونحيبها حتى هب واقفاً وهو يهتف بذعر
- ماذا هناك امي ؟!
لم يفهم شيئاً من كلامها المتعلثم ليجيبها بنفاذ صبر
- امي تكلمي بهدوء واخبريني ماذا هناك !!!
لتجيبه الأخيرة بنحيب وولولة
- ملك ..ملك يا معاذ هربت من المنزل
......................
............................
نهاية الفصل السادس والعشرين


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 24-07-19, 10:17 PM   #90

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قراءة ممتعة اتمناها لكم

Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.