14-06-19, 04:30 AM | #1 | ||||
| أتذكر أتذكر ... عندما كنت طفلة ، كانت فتيات الحي يستمتعن بتصنيف بعضهن إلى جميلات و قبيحات ، كانت لعبة رائجة آنذاك . كن يخترن في كل مرة إحداهن لتقوم بالحكم . بطبيعة الحال ، كانت هذه الأخيرة دائما ما تضع نفسها على قائمة الحسناوات . كنت أقف ساكنة بينهن ، في مكان لا تصله أشعة الشمس ، حيث تتجمع ظلالهن فتلقي ببرودتها علي ، فأرتجف بصمت وأنا أستمع لنقاشاتهن و احتجاجاتهن التي غالبا ماتنتهي بمباراة شد شعر تجعل الضفائر الحريرية تتبعثر و تفسد . غالبا ما كانت الحكمة تقف حائرة أمامي ، لا تدري لأي المعسكرين تصنفني. تحدجني بنظرات العميقة متأملة كل شبر مني ، تارة تنفرج شفتاها عن ابتسامة رضى و تارة أخرى يتشابك حاجباها بغضب . تضطر في النهاية لأن تلجأ إلى حل وسط ، مكان مابين الضفتين لا يوحي لأي منهما أنتمي . لم اكن أتذمر ، ولا حتى أحزن . لم تجرحني معاملتهن أبدا ، فعلى اية حال ، لم تأبه إحداهن لردة فعلي أو شعوري حيال الأمر . كان الدور يمر بينهن بسرعة ليعود إلي ، و أحيانا يتعداني خلسة. كنت على يقين بأنني في المكان و الزمان الخطأين . لم أطق يوما أن أغادر المنزل وقت الأصيل ، غير أن والدتي كانت ترغمني على الخروج و اللعب كالفتيات الأخريات. لم تفطن يوما لكم الفروقات بيني و بينهن ، للحقيقة الجاثمة أمام ناظريها دون أن تنتبه لها ، حقيقة كوني فتاة فارغة دون ملامح ، فتاة خارج فلك الجمال و القبح ، و خارج كل الأفلاك الأخرى . كنت ضمن ذلك النوع النادر من الأشخاص الذين لن تلاحظ وجودهم ، لن تتذكر أسماءهم و لا حتى ملامحهم . يبقى لقاؤك الأول بهم مجرد خيالات سرمدية . هؤلاء سيرحلون كما ترحل قطرات المطر عندما تجف و تتبخر دون أن تترك أي أثر ، ولا أن تدرك المغزى من سقوطها الحر . هؤلاء يختفون مطلع كل فجر ، يتلاشون مع كل ذكرى تزول عنهم . كمجرة تائهة يبتعدون في تسارع مستمر ، إلى أن يخيم الظلام . ولازلت أتذكر ... عندما توشك الشمس على المغيب ، ينطلق جرس إنذار خفي لا يسمع . تتفرق الفتيات مسرعات كنحلات عائدات إلى خليتهن ، وتتفرق معهن الظلال الكثيفة التي تحجب عني النور و الدفء ، فتخترقني أخيرا حزم الضوء المحتضرة ، و تعبرني كطيف شاحب صغير بجدائل . | ||||
08-07-19, 04:45 PM | #5 | |||||||
نجم روايتي و كنزسراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرةوقاصة هالوين وشاعرة متألقة بالمنتدى الأدبي
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قصة جميله....او ربما علي القول بانها ذكرى جنيله.... طريقة سرد مذهله......انا حقا اقدم احترامي لقلمك الجميل.... فلقد اعجبت به......واتمنى ان ارى لك المزيد...... بالتوفيق عزيزتي..... | |||||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
طفولة،ذكرى،قصة،قصيرة |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|