آخر 10 مشاركات
1014 - معا إلى الأبد - ليز فيلدينغ . د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          98 - امرأة في حصار - بيني جوردان ( اعادة تنزيل ) (الكاتـب : حنا - )           »          251 - زائر الليل - كيم لورنس (الكاتـب : PEPOO - )           »          ديزي والدوق (44) للكاتبة :Janice Maynard .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          1128 - طيف من الحلم - آرلين جايمس - دار النحاس ... ( عدد جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          وأشرقت في القلب بسمة (2) .. سلسلة قلوب مغتربة *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          369 - جزيرة الحب الضائع - سارة مورغن (الكاتـب : سماالياقوت - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-06-19, 12:11 PM   #11

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسةبيجونيا مشاهدة المشاركة
تسلمي حبيبتي...ولكني أردت التوضيح في المقدمة عن موت الزوج لغرض ما سيتضح في باق الرواية بإذن الله ومشكورة على ملاحظتك
درس تعليمي اتبرع به للاعضاء الجدد

اضغطي على هذه الايقونه




سيظهر لك التعليق في مكان الرساله واكتبي الرد عليه


حتى كل واحد من قرائك يعرف ماهو ردك عليه

مثل ردي هذا على تعليقك


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 17-06-19, 08:34 PM   #12

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي جزاك الله كل خير🌹🌸

أشكرك جدا على مساعدتك وتسلمي فعلا....وأتمنى أن تعذروني فأنا تحولت من متابعة صامتة لكثير من الروايات إلى مشاركة فعالة مثل هذه....ولهذا مازلت أجهل ببعض الأمور وأتعلمها فمشكورة حبيبتي جدا🌹🌸🌸🌸

همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-19, 08:39 PM   #13

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غارقة بين ثنايا خواطري مشاهدة المشاركة
مبروك مولودك الجديدة

موفقة باذن الله
تسلمي حبيبتي🌹🌸واتمنى أن ينال أعجابك باقي الفصول💙


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-19, 02:20 AM   #14

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي رواية(لحن مفقود)

الفصل الثاني
***************

هل ننسى أحبابنا ؟!
لا بالتأكيد لا....
حتى لو رحلوا عن نفس العالم الذي نعيش فيه؟!
نعم حتى لو رحلوا عن عالمنا....
.وهي لم ولن تعترف برحيل سامر....
قالوا لها رحل ولم يعد معانا.....أغبياء هم إذن...حين حاولوا اقناعها برحيله...هو معاها.....تكاد تشعر بأنفاسه تحوم حولها....بروحه تحاصرها...بلمساتهx تطبطب جروحها.....نعم هو مازال حي...ساكن داخلها ....لن يستطيع أي شخصٍ أن يخرجه منها...وإذا لم تسعه دنياهم فستحتفظه داخلها بكل رحابة صدر وتحميه بروحها...وهنا تسألت بوجع مرير(وهل استطعتِ حمايته حقا حين احتاجك غنوة؟).....
قالوا لها حاولي الخروج من أوجاعك وأحزانك كي تستمر حياتكِ عن أي حياة يتحدثون ....حياة ظالمة...لاتفرق بين مخلص ومتفاني أو ظالم وحقير....لاترغب بتلك الحياة...وكم اختلفت رغباتها الآن عن رغباتها التي أرادتها طوال سنين عمرها الخمسة وعشرين ....فهي نغم المحبة للحياة فرقصت على أنغامها منذ الصغر وحين كبرت استغلت تلك الموهبة وأرادت نشر البهجة والحب والسعادة على قلوب من حولها......فقد عوضها الله عن وفاة أمها عند ولادتها بوالدها...فكان نعم الأب ونعم الصديق....دعمها في كل قرار أتخذته وشجع تجاربها ومغامراتها....وحين ظهر شغفها بتعلم الرقص الكلاسيكي لم يبد رفضه بل اختار لها مكان للتعلم وجلب لها أفضل الأساتذة حتى اتقنته وتشربت فنونه التي لا حصر لها... وبعد عدة أعوام أرادت افتتاح مركز للتدريب لمختلف أنواع الرقص وبشكل خاص الرقص الغربي فساعدها أيضا وأصبح هو الممول الرئيسي لمركزها.....
وفي ارتباطها كان على علم منذ البداية بأنها عاشقة حتى النخاع للابنxالأصغر لشريكه وصديق عمره...الذي بادلها نفس العاطفة وطلبها من والدها حين وصلت للمرحلة الجامعية ووافق والدها ورحب بطلبه ...وبعد الانتهاء من الجامعة تزوجت به وأصبح الحلم حقيقة رائعة حتى شعرت أن أبواب السعادة لن تتحمل هذه الفرحة.....فكان تعويضها الثاني سامر الذي فتح لها أبواب جديدة من الحب والعشق والهيام فكان أول من علمها أبجديات العشق ولقنها دروسه حتى صارت طالبته النجيبة التي أخلصت إليه في الصحو والمنام فكان في استيقاظها سبب شرودها وفي نومها بطل أحلامها الأول بلا منازع......وعوضها أيضا بأخيها عمار الذي رغم مزاجه المتقلب وتباعده المستمر وتضايقه من أعمالها المتهورة
_كما اسماها_ إلا أنه طاقة حنان لا تنضب ومصدر قوة فكان نعم السند لها.....وعوضها بالصغيرة تغريد (العاقلة بزيادة) فأصبحت رغم صغرها عنها بأربع سنوات إلا إنها صديقة رائعة وأخت مخلصه لن تجد مثلها أبدا.....وأخيرا جاسم سر رهبتها في الحياة لم ترهب أحد مثله قط...... فهي حرفيا ترتعش في حضوره المهيب ورغم رهبتها تلك كانت على يقين راسخ أنه لن يأذيها أبدا....ولن يسمح بأذيتها......فهو داعمها السري منذ صغرها ومنقذها الذي حماها في كثير من المرات من مضايقات سامر وعمار ...فأخذ بيديها حين سقطت وعاقب أخاه وعمار لأنهم أبكوها....ولكن رغم كل هذا لم تستطع كسر تلك الرهبة التي تصيبها في وجوده....
ببساطة هي امتلكت نعم العائلة ونعم الحبيب.... ..حتى استيقظت من تلك السعادة على كابوس مريع.....فاختل توازنها حين اختل ميزان حياتها فهي لم تفقد شخص أحبته فقط بل فقدت جزء منها ...جزء شارك في بناء غنوة فردم هذا الجزء مع صاحبه.....وأغلق عليه آلاف الأبواب....وستعملx جاهدة على عدم فتح تلك الأبواب حتى لو فقدت نفسها في المقابل.....
...................
رأها من بعيد جالسة في الحديقة بطقم كلاسيكي أسود وتتطلع أمامها بشرود...ارتسم التفكير العميق على ملامحها الهادئة....ملامح شديدة الصفاء حباها الله بها منذ الصغر...وعندما أكتمل نضوج تلك الملامح حتى أصبحت بارعة الحسن ذات وجه ندي رياني صافٍ...وإذا نظرت لها من بعيد_كما يراها هو الآن_
تجزم أن بشرتها لينة الملمس...بأنف صغير للغاية وفم بشفتين ممتلئتين نسبيا في إغراء فج....ويقف الوصف حين يصل لعينيها الرمادية اللاتي لم يرَ في جمالهم مثيل من قبل.....
اقترب بخطوات هادئة ولكن حازمة في نفس الوقت......وهو عازم على تنفيذ ماقرره.......بدى واضحا لعينيه معرفتها بوجوده فهي تنتفض ويختض جسدهاx في تحفز واتقان لحجب النفس...جلس على الكرسي أمامها مباشرا واقترب منها كي يرى عينيها المحجوبة عنه بوضوح....وبعد فترة من الصمت المهيب حولهم خاطبها بهدوء(إلى متى غنوة ؟هل أعجبك هذا السجن الذي اتخذتيه ملجأ لكِ؟...... لقد تركتك فترة أكثر من كافية كي تستعيدي شتات نفسك وتغلقي الشيء اليسير من جروح روحك....ولكن كفى ...حقا كفى)صمت قليلا ليأخذ نفسا وهو يشحذ كل أسلحته الهادئة في مواجهة مؤجلة حان أوانها...... ثم أستكمل بتروٍ مدروس(ألا تريدي القصاص لسامر غنوة؟)
تسمرت وتنبهت كل حواسها معه وكأنه لامس شيئا حساسا فيها..... اغرقت عينينها بدموع أبت بجسارة تحريرها....أكمل جاسم على نفس الطريق وكأنه صدق أخيرا في إمساك جزء منها(هل تظنِ أني انتظر انتهاء صمتك كي توضحي لنا ما صار في تلك الليلة المشئومة.....أنا أراعيكِ فقط وأبحث في الأمر بطريقتي حتى وصلت لنصف الطريق تقريبا...ألا تريدي الخروج لتكملي معي باقي الطريق أم ستتلحفِ بصمتك الأثير وتنتظرِ آخر الأخبار مثل أي شخص بعيد لا يقرب لسامر بصلة)
الآن فقط رأى بتجلِ رغبة الانتقام تشع فيها....وكم يحفزه ذلك لاستعادتها حتى لو من أجل الانتقام المهم أن تعود....يريد الشعور بأنهم لم يفقدوها كليا كما فقدوا سامر.....
نعم يعلم أنه من المستحيل رجوعها لعهدها الأول.... ولكن على الأقل ستكون موجودة حية.....تعيش حياة شبه طبيعية.....لن تكون مجرد جسد باهت ..شبه حي.... بهزلها الظاهر وفقدان حيويتها .......بل تكاد تفقد أدميتها المتبقية....
استكمل بنفس الهدوء ونظرة خالية من التعاطف ......جامدة تماما كصقيع قلبه(أمي تقترح أن تسافري لمكان ما كي تستطيعي الخروج مما أنتِ عليه...حتى والدك يكاد يمطرني بعشرات الحلول لإخراجك....أرأيتِ كم أصبحتِ مثيرة للشفقة والعطف..فوالدتي رغم هول فاجعتها التي لاتقدر بجانبك مازالت متماسكة وتحاول مساعدتك من أجل ماتبقى لها...صراحة غنوة لقد مللت من تخاذلك وخنوعك هذا....وسأكمل ما بدأته بكِ أو بدونكِ ....أقسم على ذلك)
وقف في نهاية كلامه وارتسم البرود التام على وجهه..... يعلم ما فعله بها فالغضب الأعمى الذي ينبض في كل خلية بجسدها......يمزقه خوفا عليها وسرعة تنفسها التي ازدادت تجعله يرغب بسحب كل ماقاله لها....ولكنه لن يفعل سيمسك بيدها وينتشلها مما هي عليه حتى لو حاربها هي شخصيا سيفعل...هذا أقل شيء يستطيع تقديمه من أجل سامر ومن أجلها أيضا....
أعطاها ظهره وتحرك بتروٍ وهدوء يحسد عليه.....عندما شعر بها تقف على قدميها بقوة أدت لسقوط كرسيها التي كانت جالسة عليه.....أراد أن يلتف لها ....أن يهدأها ويخفف عنها ....أن يزيح جبال الحزن من على روحها.... ولكن إما أن يكون الآن أو لن يكون أبدا.....
وضعت يديها بقوة على رسغه تمنعه من الرحيل ولفته إليها ودموع الغضب احتشدت بعينيها وهي تسيل مدرارا.....تشهق بعنف وكلها يرتعش حتى يديها الممسكه به....ياآلهي كم هي ضعيفة الشكل ولكنها تنبع بقوة جبارة في داخلها وهو سيستغل تلك القوة حتى آخر قطرة لاستعادتها.....
حاولت تحريك شفتيها عدة مرات فلم تفلح والدموع مازلت تسيل كأنهار صغيرة على صفحة وجهها حتى قالت بعد مجهود كبير وارتعشها يزداد بين يديه (أن...ت....أنت....لا....ت...ط...ا...ق. ..أكر....هك....جا.....سمممم)
لم يحتمل جسدها الهزيل كل هذا الانهاك النفسي فسقطت مغشيا عليها تلقفها بذراعيه ووجهه شديد الثبات والانفعال وكأنه توقع ماسيحدث لها عند أول استجابة لها....حملها ليدخلها غرفتها وهو يعلم في قرارة نفسه بأنه مازال معاها في أول الطريق وهذه تعد أقل شيء في المحن التي ستقابله فيما بعد معاها.......وهو سيصبر كي ينال مايريده في النهاية كما يريده......
**************************
تطلعت في التصاميم الإعلانية المطبوعة بعبوسٍ ونظرة غير راضية وهي تحدث زميلتها في العمل(بشعة جدا...لن ترضي العميل أبدا....صراحة لن ألومه لو قام برميها أمامنا)....ارتبكت هدى أمام تقدير يمن للعمل الخاص بها...تريد النجاح والوصول لما وصلت إليه يمن من مكانة متميزة بعملها المبدع في شركة الدعاية والإعلان التي حصلت على التمييز وارتفعت نسبة العملاء بفضلها فقط....كل هذا وهي مازالت في الجامعة ....لكن امتلاكها لحس فني متفرد وذوق جبار في الاختيار جعلها ترتقِ لتلك المنزلة....هي لاتريد الوصول لما وصلت إليه يمن...هي تريد فقط النجاح البسيط للبقاء في العمل....فالحقائق هنا واقعية ...وحقيقة أن يمن حقا متفردة وتستحق هذا التفرد هو واقع عليها تقبله هي وكل زميلاتها اللاتي أردت الحصول على هذا التفرد فلم يستطيعوا فاعترفوا في النهاية أنها موهبة نادرة ومهما فعلوا سييأسوا منه في النهاية....
تمتمت بنبرة شابها الحزن العميق(حسنا....يمن....سأقوم بإعادة تصميمهم من جديد....وأريكِ إياهم مرة أخرى)
رفعت يمن عينيها لوجه زميلتها الهدى وهي ترى علامات البؤس ترتسم بوضوح عليه فابتسمت لها مشجعة وهي تقول(ما رأيك أن أساعدك في التصاميم حتى تتعلمي الموضوع بشكل جيد وتتقنيه)
بدت الفرحة العارمة على هدى وهي تقول(حقا يمن هل ستساعديني؟... ولكنك موكلة بعمل آخر عليكِ انجازه قبل نهاية اليوم)
ردت يمن (لا تقلقِ سأنهيه فور ماننتهي من تصاميمك....هيا أسرعي الوقت يداهمنا وعلينا انجاز ما علينا هيا هيا)
شع وجهها بسعادة حقيقية وسببها يمن...وهي تفكر بأنها نسيت أن تذكر حقيقة واقعية أخرى لايمكن أنكرها أو تجاهلها.......وهي أن يمن ملاك على هيئة بشر....
*******************************
انتظروا خروج طبيب العائلة كي يطمئنهم على غنوة....استدعاه جاسم فور إغمائها..وتجمعت العائلة حول غرفتها.....خرج الطبيب من الغرفة و خلفه والدته فسأل الطبيب بوجوم(كيف هي؟)
رد الطبيب بعملية(حسنا لقد كنا ننتظر هذا الانفجار منذ فترة طويلة....وحاليا قمت بحقنها بمهدء للأعصاب....وكما أفهمتك جاسم سيظل هذا الانفجار العصبي هو بداية الطريق فقط....وعليك إكماله للنهاية...بما أنك لاتريد دخولها لمصحة نفسية كي تنال العلاج اللازم)
استمع لكلام الطبيب الذي حفظه عن ظهر قلب منذ بدأ بتتبع حالة غنوة ثم قال بشرود (لا...لن تدخل أي مصحات...سنساعدها جميعا....وجودنا حولها هو علاج في حد ذاته...حتى لو كان طويل الأمد...يكفي أن تشعر أننا لن نترك يداها أبدا)
قال الطبيب بنفس اللهجة العملية(حسنا...لقد كتبت لها بعض الأدوية منه ما ستستمر عليه ومنه عند اللزوم فقط....أتمنى لها الشفاء بإذن الله)
شكر الطبيب وطلب من مجاهد أن يقوم بإيصاله للخارج...شعر بيديها تربت على ذراعه وتقول بحزن بينّ حاولت مدارته قدر استطاعتها للتهوين عليه ولتشد أزره(لا تقلق جاسم...أنا معك وبجانبك وسأحاول هذه المرة ألا أخذلك أيضا)
شدد على يديها وقربها منه ليحتضنها وقال وهو يمسد على شعرها الليلي(هوني على نفسك صغيرتي...أعلم مابداخلك ولكني أعلم أيضا أنك عاقلة بما يكفي لتعلمي أنه قضاء الله وعلينا تقبله حتى لو داهمنا الوقت ولم نستطع التعبير عن مكنوناتنا علينا تقبل ذلك أيضا بنفس راضية)
كادت أن تبكي بل تصرخ من كثرة الألم المكنون بداخلها ولكنها رفضت أن تحمل جاسم أكثر من ذلك يكفي مايحمله من هموم تهد الجبال...ابتعدت عنه وهي تقول ببشاشة مفتعلة(مارأيك أن نأكل سويا قبل ذهابك...حتى لا يأكلك صديقك هذا في الطريق)
جاء صوت متفكه من خلفهم (احم احم ...صديقه أكل لحوم البشر حقا جائع....فمهمتين إنقاذ في اليوم الواحد كثير علىّ...وأحتاج لمعونة كي استمر....فمشكورة ياصغيرة على كرمك الواسع.....ولكن أسرعي لو سمحتِ)
ابتسمت تغريد ابتسامة حقيقية لم تظهر على ثغرها منذ زمن بعيد وهي تقول(لحظات ويكون الطعام جاهزا) وقبل أن ترحل لم تنس تقبيل خد جاسم وتقول(أحبك أخي جدا)
داعب مجاهد جاسم بالقول بعد رحيلها وقال(لله درك يارجل....ألا يوجد فتاة لا تحبك...فمن أيام الجامعة وجاذبيتك هذه تجعل الفتيات يتولهن بك....ولا أعلم حتى الآن لماذا؟؟)
ابتسم جاسم وهو يقول(ولن تعلم أبدا ياصديقي)
بدى على وجه مجاهد أنه تذكر شيئا ما وهو يقول(اااه...بالمناسبة خطيبتك ستقيم الدنيا بسبب تجاهلك لها وإقصائها من حياتك ....لقد طلبت مني أن أذكرك بمكالمتها....) تأفف جاسم ...ومسد رأسه بتعب وهو يقول(وبالطبع أنت علمت بكل ذلك لوجودها المستمر مع عزيزتنا رغدة أليس كذلك؟؟
لقد مللت من شكواها التي لن تنقطع أبداx وتعبت حقا)
قال مجاهد بعد صمت قصير(أتريد الحق جاسم...تسنيم تحملت الكثير منك الفترة الماضية لأنها تحبك ومن حقها الآن بعد كل هذا الوقت أن تراعيها قليلا)
رد جاسم بجمود(هذا هو أنا مجاهد....وأنا لم أخدعها.. أو أوهمتها بحب وعشق لن ينضب...وهي وافقت على كل هذا من البداية ....حتى أني خيرتها قبل عام بين استمرارنا أو انفصالنا....وأوضحت لها كل التغييرات التي حدثت في عالمي وهي تقبلت بنفس راضية)
بدى على وجه مجاهد التأثر وهو يقول(أعلم ماتحمله ...وماتقوله الآن يجعلك تتأكد كم هي تحبك ومتمسكة بهذا الحب وبك)
ظهرت السخرية اللاذعة على وجه جاسم وقال(نعم متمسكة وبشدة انا غير قلق من هذا.....والآن اتركنا من هذا الحوار المعكر....واسبقني على غرفة الطعام كي تسد رمقك ياأكل لحوم البشر....سأجلب أمي من غرفة غنوة وأطمن عليها وسأوافيكم بعد قليل )
تنهد مجاهد وتحرك للنزول وهو يغمغم(لن يقدر النعمة التي أوهبه الله بها والمتمثلة في صديق مثلي)
..................
حين وصل لغرفة الطعام وجد الصغيرة تغريد تساعد بعض الخدم في رص الصحون على سفرة الطعام......تلذذ من رائحة الطعام الطيبة وهو يقول(اممممممممم....الرائحة شهية سأبدأ دون انتظارx أي شخص) ضحكت بخفوت هادي....ساعدها في رص الصحون الباقية وهو يحدثها غامزا لها (تسلم يداك ياصغيرة...لقد أتعبناك الليلة...وأنا أعلم أنك مشغولة دائما بأبحاثك ودراستك)
عدلت من عويناتها ذات الإطار الأسود المميز وارتبكت قليلا ولكنها تمالكت نفسها وهي ترد (لا بأس كابتن مجاهد....انا سعيدة لأنكم هنا معنا الليلة...حتى أني اتصلت بعمي عز وعمار كي أبلغهم بما حدث لغنوة...وأطمئنهم وهم تقريبا في طريقهم إلينا...سأجعلهم يشاركونا الطعام أيضا مضى زمن على إجتماعنا) ثم أكملت بشرود حزين(على الرغم أن إجتماعنا هذا سيظل ناقصا......ناقصا بشدة ولكن لا بأس وجودكم يكفي)
استطاع مدارة إنزعاجه حين علم بمجيء عمار هذا....لطالما كان عمار مصدر انزعاج له عندما يتواجد في محيطه....وضع تركيزه في الرد على تغريد بالرد المناسب كي لا يسبب لها المزيد من الحزن....فرغم حزنها إلا أنها سعيدة بتجمعهم الليلة فقال بصوته العابث(هل سننتظر كل هؤلاء....ثم أنا من طالبت الدعم الغذائي هنا ومن حقي البدء الآن)
اتسعت ابتسامتها الرقيقة وارتسم في عينيها التساؤل رغم احتراق قلبها ولكنها ببساطة بارعة في إخفاء مشاعرها لطالما كانت بارعة في هذا مما جعل الذنب يتأكلها بعد وفاة سامر....ذنب ستظل فريسته لباقِ حياتها .....نفضت تلك الأفكار من رأسها وهي تترجم تساؤلها بالقول(كيف حال رغدة؟ لم نراها منذ فترة طويلة....كانت تأتي مع تسنيم لزيارتنا ...والآن لم أعد أراهم ....وتسنيم تكتفي بالتحدث مع أمي عبر الهاتف للاطمئنان علينا)
رقت نظراته بالحنان وهو يرد بنبرة هادئة(لا تحزني صغيرتي......كما تعلمي أنني كثير السفر ...وهي تنحرج من المجيء إليكم بدوني لذلك هي تنتظر رجوعي بفارغ الصبر...وبفضل أخيك نسيت حتى مكالمتها كي تأتي معنا...ولكن وعد سأجلبها لنقضي نهارا كاملا سويا قبل سفري)
أرادت الصراخ من كثرة الوجع والألم الذي نهشها في تلك اللحظة ولكنها أكتفت بهرز رأسها بموافقة وهي تتهرب بالقول الخافت أثناء مغادرتها الغرفة(سأذهب لنداء جاسم وأمي كي لا يبرد الطعام...عن إذنك)
********************
دخل منزله حاملا أكياس مليئة بمتطلبات المنزل...أجلى صوته ينادي على والدته وحالما جاءت رأى الاستغراب متلبس ملامحها وهي تحدثه قائلة(معاذ لماذا أتيت باكرا؟ هل حدث شيء معك؟)
حسنا بالتأكيد لم يخبر أحدا بأنه ترك عمله الذي ناله بعد معاناة كبيرة....لا يريد أن يحزن والده بعد فخره بأنه أخيرا عمل بمجال دراسته في شركة لها اسمها في عالم الأعمال الاقتصادية....لم يهن عليه أن يكسر فرحتهم به أراد أولا أن يبحث عن عمل مناسب في نفس المستوى ثم سيبلغهم برحيله من الشركة بسبب تلك الوقحة...كم يمقتها كما لم يمقت شخصا من قبل بغرورها المتلبس أنفها الشامخ فلا ترى البشر سوى من فوق أنفها المترفع فقط....
استعاد هدوئة وهو يرد على أمه لطمئنتها(لا تقلقِ حبيبتي ...لقد استأذنت اليوم للرحيل باكرا كي أقوم بأعمال آخرى متأخرة)
مد لها يديه بالأكياس التي يحملها وهو يستكمل قائلا(حتى أني جلبت بعض الأشياء الناقصة في طريقي....كنت أعلم بأنك تحتاجِ لها وتنتظرِ بداية الشهر كي تشتريها ففضلت شرائها لكِ الآن لترتاحي قليلا)
نظرت له نظرة فخر وامتنان وهي تدعو له بصلاح الحال والرزق الواسع سألها قبل دخوله غرفته لتبديل ملابسه(هل اتصلتِ بيمن أم اتصل بها أنا؟!)
أجابته أمه(نعم لقد تحدثت معها منذ قليل مازالت في العمل لديها ماتنجزه حتى أنها قالت لي بأنها قد تتأخر اليوم )
عبس بشدة وهو يقول(لماذا هل يوجد شيئا هاما اليوم؟)
ردت أمه(لا أعلم بني قالت فقط بأنهم لن يسمحوا لها بالرحيل قبل إنجاز الأعمال الباقية)
قال بعد تفكير(حسنا أمي سأبدل ملابسي وأذهب إليها لنعود سويا ...لا أحب أن تأتي بمفردها في وقت متأخر)
قالت أمه بإعتراض (ولكن معاذ لقد جئت باكرا كي تنجز أعمالك المتأخرة...فلا داعي للذهاب تابعها عبر الهاتف حتى تعود)
خلع قميصه وهو يقول(لا بأس أمي سأذهب إليها وحين نأتي سأكمل أعمالي المتأخرة) تنهدت الأم باستسلام...ولم تحاول ردعه مرة أخرى... فهي تعلم جيدا بأن ولدها معاذ عندما يريد شيئا ما سيحققه مهما حاولت منعه....
..........................
في مكتب يمن في شركة الدعاية والإعلان...
انكبت على عملها ....تحاول قدر استطاعتها الانجاز من باقِ التصاميم المطلوبة منها شخصيا لأهمية العميل وأهمية اسم شركته الذاعئة الصيت في الوطن العربي والغربي أيضا...فهذه حملة العمر كما قال مديرها...لقد فعل المستحيل لأخذها وولاها المسئولية الشخصية وسيكون المدير المشرف الرسمي عليها....وهاهي تضع الرتوش النهائية على التصاميم حتى تصل للمدير في نهاية اليوم....وأثناء انغماسها في العمل بتركيز حاد دخلت زميلتها هدى وهي تناديها قائلة(يمن يمن)رفعت يمن رأسها وهي تقول(ماذا حدث هدى لدي مأنجزه قبل وقت الرحيل والمد)
قاطعتها هدى على عجل(بالظبط هذا هو ماكنت سأحدثكِ بشأنه المدير يريدك في الحال)عبست يمن بشدة وهي تقول(ولكني لم انتهِ بعد...وهو قال سيتسلمها في نهاية اليوم)ردت هدى بتبرم(صدقيني لا أعلم لماذا يريدك لقد قال بالحرف احضروا يمن في الحال)
وقفت وهي مازلت على عبوسها لانقطاع التركيز الذي جلبته بصعوبه لانهاء العمل وهي تغمغم(ذاهبة لنرى ماذا حدث في هذا المكان العجيب)
طرقت باب مكتب المدير فسمح لها بالدخول وحين دخلت علمت أن مديرها لم يكن بمفرده فيبدو أنه لديه عميل هام....تقدمت باحترام من مكتب مديرها غافلة عن نظرات خضراء بلون العشب تحدق بوقاحة في مفاتنها....ارتكز نظرها على مديرها فلم تنظر اتجاه العميل حتى تعلم سبب الاستدعاء لها..قال المدير بنبرته العملية الهادئة(يمن أحب أن أعرفك بصاحب الشركة التي تقومين بحملة الدعاية الخاصة بهم السيد عمار الهواري)التفت إليه كي تلقِ التحية وحين رأته انقبض قلبها لا تعلم لمَ؟!ولكنها شعرت بعدم الراحة فجأة وكأن الهواء حولها تعكر فاختنقت حقا شعرت بالاختناق.....تحاملت على نفسها وهي تأخذ عدة أنفاس لتهدأ وتقول بثبات أثار سخريته وإعجابه في نفس الوقت(مرحبا سيد عمار أتمنى أن تنال تصاميمي رضاك)
وضع قدميه على بعضهما وهو يرتاح في جلسته أكثر فيقول بسلاسة(ستعجبني أنا واثق بأنها ستعجبني)
تنحنح المدير وهو يستعد للمغادرة فيقول قبل رحيله بتحذير ضمني للتحدث بلباقة مع العميل المهم جدا(يمن...لقد حدثت السيد عمار عن كفائتك وثقتي العالية في أعمالك ....وهو يريد الاطمئنان على مسار تصاميم الحملة قبل استلامها....لذلك دعوتك للتحدث مع السيد عمار وتوضيح شكل تصاميمك بشكل مفصل.....سأترككم للتحدث بحرية حتى أنجز عمل عاجل وأتي في الحال)
هزت يمن رأسها موافقة وهي تجلس على الكرسي أمامه مباشرا...لا يعجبها نظراته وبالطبع لم يعجبها الجلوس معه على الرغم من أنها المرة الأولى لرؤيته لكنه ترك أثر سيء داخلها....تحدثت بلجهة محايدة وعملية بحته وهي تدعو داخلها ان ينتهي الاجتماع سريعا لتفر من هذا الجو الخانق(أتحب أن أجلب لك صورة من التصاميم كي تلقي عليها نظرة وتعطيني ملاحظاتك عليها)
رد بتمهل وعيناه تتحرك على كل شبر منها(أجل أحب....أحب جدا أن ألقي نظرات وليس نظرة واحدة)
تململت في جلستها وهي تقول بانزعاج واضح على ملامحها(حسنا لحظات وسأتي بها)
وقفت للذهاب لمكتبها تتبعها عيناه بوقاحة لا يكلف نفسه مدارتها وغمغم بعد رحيلها بابتسامة صياد وجد فريسته(لذيذة وممتعة وشهية....شهية جدا....وأتسأل منذ اللحظة كيف سيكون مذاقها؟!)
الذي بالتأكيد سيتذوقه وبتأن....مسكينة هي فلا تعلم مصير من يشتهيها كازانوفا....ابتسامة مفترسة ارتسمت على وجهه وهو جالس في انتظارها حتى تأتي إليه مرة أخرى.......
بعد ساعة تقريبا
تنفست الصعداء عندما انتهت من الاجتماع المهلك للأعصاب وما أراحها قليلا أثناء الساعة الماضية أنه تكلم معاها بجدية تامة وكأن الشخص الوقح الذي رأته قبل قليل لم يكن.......زفرت براحة وهي تجمع باقي تصميمها وتقول دون أن تلتف إليه(حسنا سيد عمار سأضيف ملاحظاتك على باقِ التصاميم...وفي خلال يومين سيكون العمل كاملا بإذن الله)
وحين التفت شهقت مجفلة...عندما وجدته خلفها مباشرا ينظر إليها بسخرية مبطنة ووقاحة ظاهرة...تراجعت للخلف حتى التصقت بالمكتب وهي تتلعثم في القول(عفوا هل هناك شيء خاطيء؟)
أخذ يحدق في وجهها ويدرس ملامحه...هذه الفتاة تستحق لقب فاتنة بمعنى الكلمة.....ويستطيع القول بأنها إما ساذجة وبريئة جدا فلا تعلم حقا معنى نظراته أو مخادعة ولعوب وتريد التمنع الأولي كي يرغب بها أكثر....
تمعنت نظراته فيها ويرسمها في مخيلته.... ببشرتها شديدة البياض والصفاء ككأس مملوء من المرمر النقي...ملامحها تكاد تحوز على لقب منمنمة....فكل شبر منها صغير للغاية....يعلو رأسها تاج من سنابل القمح الذهبية مخلوطة باللون البني الغامق ورفعت تلك السنابل في كعكة مرتفعة يكاد يقدر طولها بعينيه الخبيرتين فيصل شعرها حرا لمنتصف ظهرها...ذات عيون بحرية تنافس في زرقتها الاختلاط الرباني بين البحر والسماء...ممشوقة القد ذات جسد جمع بين الأنوثة والبراءة فنتج عنهم قد مميزx جمعت فيه آيات الإغراء كلها.......
تراجع للخلف وترك لها مسافةx فتنفست براحة....
وتحدث أخيرا بعد صمته المهيب وابتسامة ساحرة ارتسمت على ثغره وهو يقول(تشرفت بمعرفتك أنسة يمن....يبدو أني وجدت كنز لتنفيذ باقِ حملات شركتي الاعلانية وبكفاءة عالية).....ثم أضاف بنبرة ساحرة
(لى لقاء قادم لا محالة يمن)
ورحل...شاعرا لأول مرة في حياتيه بالحيرة وعدم الفهم لأنثى ما...وسؤال واحد يدور في خلده...يمن هل أنتِ الفريسة أم الصياد؟..
وهذا هو ماسيتأكد منه قريبا.....قريبا جدا
********************
بأناقتها المعهودة نزلت من سيارتها الحمراء وهي تثبت قدميها على كعبي حذائها العالي....هرول بأتجاهها حارس الأمن الشاب وهو يعرض عليها المساعدة في حمل حقيبة أوراقها...نظرت له بتقزز واشمئزاز واضح..وهي تقول(بالطبع لن أسمح لك بلمس حقيبتي بيديك هاتين...أنا لا أعلم ماذا فعلت بهم)
احمر وجه الشاب من كثرة الاحراج فابتعد بإباء قبل أن تسقط دموعه ورجولته معها من هذه الرئيسة الشابة المتعجرفة......بخطواتها الثابتة بشق الأنفس وصلت لمصعد الشركة وطلبت الدور الخاص بمكاتب الادارة....دخلت مكتب والدها فوجدت لديه اجتماع مع مدراء الشركة....رفع نظره إليها وهو يقول ببرود تام (من الجيد أنك جئت رؤى....اجلسي أريدك في شيء هام)
انفض الاجتماع وبعد رحيل المدراء تحدث والدها بغضب عارم(هل أصبحتِ تصرفِ العاملين هنا دون الرجوع لي....أم أني غير موجود رؤى .....مارأيك أن أجلس أنا في المنزل وتتصرفِ أنتِ كما تشاءِ)
نظرت لوالدها ببرود شديد وهي تقول بعجرفة (هل تقصد المهندس الوقح الذي قمت بطرده....إنه يستحق الطرد أبي فلما كل هذا الغضب)
ضرب بقوة على مكتبه ووجهه يحمر من الغضب فرد بجنون غاضب(لا لا يستحق رؤى...لقد أوضح لي الكثير من المدراء الموقف الذي حدث...كما أنه مهندس كفوء وأثر بشكل فعال في الفترة القليلة التي عمل بها معنا بالشركة )
بجلستها المسترخية وبرودها الواضح(لا يهم أبي يوجد الكثير أفضل منه.....ولو رحل واحد يتمنى العشرات أن يحلوا مكانه......فكما تعلم نحن لسنا بالشركة الهينة في السوق الاقتصادي .....وبالتأكيد لن نبكي على موظف بسيط رحل مهما بلغت كفاؤته)
هدأ أعصابه وهو يعلم أن هذا الأسلوب لن يفلح مع ابنته لذلك تلبس نفس الرداء من البرود التام وهو يرد(هذا ما أقرره أنا رؤى....من يستحق الرحيل ومن يستحق البقاء....لا أحب أن أكون مجرد عامل ثانوي في شركتي....لقد بلغت أحد المدراء بالتحدث مع الشاب للرجوع للشركة غدا....وأتمنى ألا تضعيني في موقف الجاهل مرة أخرى)
انتقلت لها حمى الغضب ووقفت بسرعة على قدميها....فلم تستطع التوازن من سرعة حركتها فسقطت أرضا....التاع قلب والدها عليها وهو يقق هاتفا بقلق حقيقي(رؤى رؤى...هل أنتِ بخير؟)
بعد عدة أنفاس لتهدئة أعصابها الثائرة.....رفعت أنظارها ليد والدها الممدوة لمساعدتها على الوقوف مرة أخرى....رفضتها بإباء.... رافضة أي شفقة أو تعاطف.....عندما توازنت وقفت وأخذت حقيبتها وهي تقول بصلف(أنا بخير أبي ومنذ أعوام....حتى لو كنت أنا من يدفع ثمن أخطائك فأنا راضية...ولكن انظر لنفسك أبي فأنت لا تتقبل أخطاءي رمثلما أفعل أنا منذ زمن .....ولكن لا بأس مازلت راضية أبي)فاستدارت راحلة وقبل خروجها تكلمت من وراء كتفها دون أن تستدير(وموضوع الموظف لا بأس به أفعل ماتريده ....ولكن في المقابل سأفعل أنا ماأريده أيضا ولن أسمح لك بالتدخل مهما فعلت)
ورحلت تاركة أباها في حالة يائسة من الحزن الشديد على ماألت إليه صغيرته وبيديه هو .....حتى لو لم يكن بفعل مقصود سيظل هو المذنب الأول والأخير أمامها وأمام نفسه......
****************************
أمام بوابة الشركة انتظر خروجها .....يتسلى ببعض حبات الفول السوداني....اعتدل في وقفته حالما رأها قادمة من بعيد تبدو مرتبكة وحائرة.....تقدم منها وهو يهتف اسمها وحين رأته زفرت براحة وهي تقترب منه رامية نفسها عليه وهي تقول بتأثر واضح
(لقد اشتقت إليك....لم أراكَ منذ يومين..)
في بادئ الأمر شعر بالاستغراب ثم داعبها بالقول(كل هذا الاشتياق لأنك لم تريني منذ يومين....ياآلهي سأرتعب من عاطفتك تلك لو غبت أسبوعا كاملا)
ابتسمت بارتباك وارجعت خصلة شاردة من شعرها للخلف وهي تتسأل(لماذا جئت هل حدث شيء؟)استمر بالقول المداعب(ماهذا يافتاة ترفعِ عواطفي لعنان السماء ثم تكسريها في اللحظة التالية على أرض الواقع)
ارتاحت قليلا من وجود معاذ معها.... فهي بحاجة لأي فرد من أفراد عائلتها في الوقت الحالي حتى تهدأ ويدخل الأمان الذي سرق من قلبها على حين غرة...... نفضت أفكارها....فهي أخذت الكثير حتى تتمالك نفسها وتخرج من العمل....وحمدا لله الذي استمع لندائها فجاءها بمعاذ....ردت والراحة بدأت في الدخول لمسكن قلبها(لا لا أستطيع معاذي فأنت في القلب....هيا لنرى ماذا ستطعمني أخي العزيز)
تمتم بصوت مسموع(انظري ماذا جلبت لنفسي!!!....حسنا هيا بنا...وأمري لله ..... ثم سأستفيد من تلك العزومة في أخذ رأيك ببعض الأشياء وأخبرك بقرارت عالجة....ويجب أن تعطيني أراؤك قبل الطعام...مبدأي انتِ تعرفيه مسبقا( الدفع قبل الأكل))
تنهدت براحة وهي تأخذ بيديه وتذهب معه ضاحكة بتأثر وصفاء قلب.....غافلة عن زوج من العيون بلون العشب تحدق بهم ولم يرف لها جفن .....تتابع خلجاتها وحركاتها وارتبكها وراحتها وأخيرا ضحكاتها......استل هاتفه وانتظر ...وحالما جاءه الرد ....قال بقسوة(أريد منك معلومات كاملة على مكتبي غدا عن الاسم الذي سأبلغك إياه )صمت قليلا وكأنه يستحضر صاحبة الاسم قبل الاسم نفسه فأكمل بشراسة (يمن....يمن منصور رضوان....تعمل في شركة(...)للدعاية والاعلان)ثم أغلق الهاتف ورأها من بعيد تبتعد مع الشاب الوسيم.....
فتوعد بالقول(حسنا يمن لنرى من أنتِ حقا)


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-19, 04:10 AM   #15

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي رواية(لحن مفقود)

(دوام الحال من المحال)
فلا تغرنك ياابن آدم بهرجة ألوان الحياة ...فتظن في غفلة منك بأنك سيد الأرض...ولا تستيقظ من تلك الغفلة إلا حين يهتز عرشك ويسحب البساط من تحت قدميك فتؤمن في وقتها بأنه حقا
(دوام الحال من المحال)

الفصل الثالث
*************
في صالة التدريب الخاصة بها......
مدت له يديها واقتربت منه...وارتسمت الشقاوة والعبث على وجهها...فهي تعلم جيدا بأنه لن يستطيع مواكبة خطواتها كالعادة....رفع نظراته إليها فاكتشف ما يدور في خلدها من أفكار عابثة......ابتسم لابتسامتها وارتسمت التسلية والمزاح على ملامحه......وقربها منه أكثر حتى كادت أن تلتصق به....فامتزجت أنفاسهم معا في لقاء شوق لن يفهمه غيرهم....وفي أنسجام لا تناله سوى معه.....معه فقط ....
هامسا لها بصوته الرقيق المازح(لا تسعدي هكذا لقد تعلمت كل شيء وحفظته كخطوط كفي)ثم رفع كفه ليؤكد كلامه أمامها....
بتسلية مفرطة ردت عليه(نعم أعلم ...أعلم أنك حفظتها....ولكن المشكلة ليست في الحفظ حبيبي...بل المشكلة في تأدية ماحفظته)
على خطوط وجهه الحبيبة ارتسمت شقاوته المعهودة وهو يجيبها بالقول(مادمت معي ...فلا يوجد مشكلة هنا الحفظ موجود لدي والتأدية موجودة لديك....فامزجيهم سويا يخرج لكِ ماتريدين ياغنوة قلبي)
في صدى الصالة الواسعة جلجت ضحكاتها وهي تتمايل معه راسمة بخطواتهم سيمفونية عشقهم....وفي ظلال الانسجام فقدت التوازن وكأن هناك من سحب البساط من تحت قدميها ..حاولت التماسك في عنقه بقوة أكبر ولكنه اختفى فجأة وظلت بمفردها تدور في دوائر عشوائية في أرجاء الصالة الواسعة..
أو الصالة هي التي تدور من حولها.....لا تعلم ماذا يحدث!!!....أرادت الصراخ لتهتف باسم سامر ......لكن صوتها انعدم فجأة....وتحولت صالة التدريب الواسعة لصالة منزل وشكل الدماء محيط بها في كل مكان يكاد يقبض على أنفاسها....وكل شيء مازال يدور من حولها حتى أبصرته أخيرا من بعيد ظهره لها... فهرولت إليه بخطواتها غير المتزنة والدوار مازال مستمر....وعندما وصلت تشبثت بذراعه وهي تحاول الكلام معه للاستجداء به ولكن صوتها مازال مختفي تماما...ألحت في شد ذراعه وهي تدعوه للالتفات إليها فوجدته جامد كالصنم...قررت أن تدعوه بعينيها مثلما تفعل دائما وهو سيلبي بالتأكيد....سيلبي دعوة قلبها...لطالما نجحت في ذلك معه...وبمجرد ما دارت حوله حتى شهقت بجزع حقيقي من المنظر المتمثل أمامها....في جرح شديد البشاعة مرسوم مكان قلبه.... يتسع أمامها بسرعة مهولة والدماء تزداد من حولها... حتى عيناه فقدت الحياة تماما....تراجعت للخلف وهي تعلم ماسيحدث جيدا فيما بعد وصوت أشد بشاعة يشتد من حولها بالقول المنذر(أنتِ التالية...لقد فقدت كل شيء بسببك أنتِ....والآن حان وقت العقاب)
فيدوي صوت الرصاص من حولها وكأنها لن تنجو أبدا مهما حاولت.....واسم واحد يدور في خلدها كي تستنجد به في تلك اللحظة العصيبة....فلا يمكن أن يتركها بمفردها هنا.....
وحينما وجدت صوتها صرخت بأعلى ماتملك من قوة(سااااااااااااااااامر)
انتفضت من سباتها تلهث بشدة والعرق يتصبب من كل جسدها....تنتفض كمن وضع في ماء شديد البرودة....ولسانها مازال يردد دون كلل وكأنه يستغل فرصة تحركه(سامر.....سامر....سامر)
لم تشعر بما حولها وكأنها انفصلت عن الواقع...جسدها مازال يتحرك برتابة ويهتز للأمام وللخلف....ولسانها يردد بالنداء الخافت لعله يجيب.....
فتح باب الغرفة وتقدمت منها بخطوات هادئة ورأت حالتها المشبهه التي كانت عليها منذ عام كامل عندما تستيقظ على نفس الكابوس تقريبا...ولكن الفرق الآن في صوتها الخافت...اقتربت منها بحذر كي لا تفزعها وتدعو الله في سرها أن تعود غنوة إليهم قريبا
جلست بجانبها وربتت على ظهرها لتهدأ منx ارتجافها الظاهر وقالت بعطف(اهدئي حبيبتي اهدئي...ستكونين بخير...نحن معك)
لفت وجهها إليها ونظرت لعينيها الممتلئة بالدموع الشفافة.....حاولت تغريد رسم ابتسامة مطمئنة على شفتيها ولكنها خرجت مرتجفة قليلا....فاقتربت أكثر حتى قربتها منها واحتضنتها بقوة...ازداد ارتجافها بين يديها فتكلمت بنبرة هادئة(لقد اشتقت لكِ غنوة....واشتقت لصوتك....افتقدت وجودك معنا حبيبتي فلا تحرميني من تلك النعمة أرجوك)
لاحظت تغريد أن ارتجافها خف بعد ما هدأت قليلا لسماع صوتها وبعد ما انتهت من الكلام تشبثت بها بقوة أكبر وهي تتشنج وتقول بنفس مرتجف ومذعور بشكل واضح (ت...تغريد...أ نا ....أنا خائفة...جدا)
طمئنتها تغريد وهي تزيد من الضغط عليها أكثر بيديها(لا تخافي غنوة...جميعنا حولك...والدك وعمار معكِ...وأنا وأمي وأبي وجاسر معكِ....لا تقلقِ لن نتركك أبدا أبدا)
رفعت رأسها و ارتسمت المرارة بوضوح على صفحة وجهها وهي تقول بصوت متباعد(نعم معي...ولكن سيظل هناك ضلع ناقص كي يكتمل مثلث حياتي...حياتي التي أصبحت ناقصة...وبلا معنى...بلا أي معنى....ولا أعلم حتى الآن لما لم أرحل معه؟! لماذا بقيت أنا ورحل هو على الرغم من أننا كنا سويا في نفس الأمر؟!)
تعاطفت تغريد معها وبشدة فهي أعلم الناس بأهمية وجود سامر في حياة غنوة...وتعلم أن غنوة بدونه ليست غنوة التي يعرفوها جيدا...ولكن ما باليد حيلة عليها تقبل قضاء الله مثلما تقبلوه هم أيضا...على الرغم من أنهم هم عائلته وأهله والخسرة من جهتهم أكبر وأشد فداحة.......تنهدت وهي تأمر نفسها بأبعاد تلك الأفكار عن رأسها وتستجمع تركيزها مع غنوة التي استمعت لصوتها أخيرا بعد فترة أنقطاع طالت....فهذه تعد أول محادثة لها منذ عام صارم للغاية...فهمست بهدوء(غنوة تقبلي قدرك حبيبتي...وابعدي عن أفكارك تلك الأسئلة التي تعد منفذ للشيطان كي يتلاعب بكِ...وبثقتك بالله....والآن انفضي كل تلك الأشياء من رأسك واستريحي قليلا تبدين مرهقة)
لاحظت زوال ارتجافها بشكل تام....فاستطردت مضيفة بتشجيع(مارأيك لو أنام بجانبك؟....لم نفعلها منذ وقت طويل...وإذا جاءت لكِ تلك الكوابيس اللعينة فقط اتركيها لي....سترتعب مني صدقيني)
مسحت عيناها من آثار الدموع العالقة بعد كابوسها المعتاد...وأمأت برأسها موافقة لهذا الاقتراح الرائع..علها تجد السكينة بوجود أحد يشاركها نفس المأساة..تمتمت بخفوت لم يرحل منه بعد أثر ارتعاشها السابق(نعم أرجوك...ظلي بجانبي)
استقامت تغريد لجلب غطائها الملقى على الأرض من كثرة صراعها أثناء نومها المقلق...واقتربت وهي تدثرها به جيدا ثم شاركتها نفس الغطاء وآخر ماسمعته منها تنهيدة راحة قبل أن تغط في سبات يكاد يكون عميق.....متشبثة بغطائها كطفلة ضائعة.....ابتسمت ابتسامة حزينة وهي تتذكر أن غنوة السابقة كان آخر ماقد توصف به هو الضياع ولكن( ثبات الأحوال من المحال)
تأكدت من استغرقها في النوم ثم مدت يداها لإغلاق المصابيح الجانبية مازال لسانها يردد الدعوات كي ينالوا الراحة والصبر بعد تلك المحنة العصيبة.......
تنهيدة مكبوتة صدرت من مكان آخر ليس ببعيد عن غرفتهم....
بوقفته القاتمة خلف باب الغرفة وسماعه لمحادثتهم المدمرة للأعصاب...
كم يتمنى أن يزيل كل أوجاعها...وهذا ماسيفعله قريبا.....قريبا جدا....انقبضت يداه وهو يبتعد بعد أن اطمئن عليها وأن تغريد بجانبها الليلة....كم يحب قوة صغيرته تغريد تلك التي تجعلها تحارب أشباح لم ولن تتخلص منها أبدا....وهل هناك من يتخلص من شبح الذنب!!!
********************************************
جالسا بجانبها على أحد المقاعد المتراصة أمام نهر النيل...يراقب مستمتعا افتراسها لحبات الذرة المشوية بتلذذ واضح....يحب مراقبتها للغاية منذ أن أنارت دنياهم....يمن لعبته المفضلة كما أطلق عليها في صغره حين جاءت لحياتيه وهو فتى في السابعة من عمره....فظل عاما كاملا يراقب ملامحها الدقيقة الشديدة الصفاء فتعلق بها بشدة...ولا يعتقد أن ذلك التعلق قد يخف مهما مرّ عليه من العمر...
هتف بها بإمتعاض مازح(يمن هل يمكنكِ التركيز معي قليلا...وتتكرمي مشكورة بإبداء أرائك الفذة في الموضوع الذي أصبح حامض من كثرة تأجيله...فأنا أتحدث فقط منذ ساعتين وأنتِ في وادٍ أخر برفقة ذرتك المشوية)
قطمت أخر حبات بفمها الصغير ثم تركتها جانبها ورفعت رأسها وتنهدت وهي تقول بهدوء خافت(حسنا لقد فقدت العمل وبسبب موقف سيء للغاية وترى أنك فعلت الشيء الصحيح....فلما أشعر بأنك تشعر بالذنب؟)
تنهيدة عميقة صدرت منه وهو يشعر بأنه أفضل قليلا وخصوصا بعد مشاركة سبب أرق الأيام الماضية مع يمن...فهتف بصوت مختنق(لا أعلم يمن أشعر بأني تسرعت وفقدت أعصابي مبكرا...على الرغم من أني غير نادم عما بدر مني.... لكن أظل أفكر طوال الوقت أني لو كنت أهدأ قليلا لربما تم حل الموضوع من مدير الفرع...ولكن دون اعتذاري فأنا لم أكن اعتذر لها قط حتى لو كلفني الأمر مائة وظيفة)
نظرت له بحنان بالغ..وهي تفتخر بداخلها بأن هذا الشخص الأكثر من رائع هو أخاها هي....كم تحب كبرياءه المتواضع وشعوره بمن حوله...تعلم جيدا أن أكثر مايقلق معاذ ليس فقدانه للوظيفة بل تفكيره برد فعل والديهم حين يعلموا بألامر الذي ليس ببعيد عنهم بالتأكيد...فمعاذ غير بارع تماما في الإخفاء على أمر جلل مثل هذا...وسبحان من جعله يستطيع في اليومين السابقين...
مدت يديها نحوه وهي تقترب منه ومالت على كتفه وهي تتمتم بمواساة(لا تحمل نفسك أكثر من طاقتها معاذي...سنجد حل...لاتقلق....وقم بما عليك فقط..وسيكون الفرج رفيقك وقتها بإذن الله)
تنحنح قليلا قبل أن يلتف حوله بتسلية واضحة وهو يقول بصوت عابث(حسنا أنسة يمن يبدو أن الجو العاطفي مازال متلبسك.....سيتم فهمنا بطريقة خاطئة يافتاة....ولن يشفع لنا تشابه عيننا للأسف كي يتأكد من حولنا بأنك أختي الصغيرة ولست حبيبتي)
حركت كتفيها بلامبالاة وهي تتسأل بتسلية عابثة(ماذاا؟؟ هل تخاف معاذي من أن تراك إحدى معجباتك السريات؟؟)
ضحك بشدة وقبل أن يجيبها....انقطع رده بصوت هاتفة فأخرجه من جيب بنطاله وتفاجأ حينما رأى رقم المتصل وارتسمت في عينيه نظرة عدم التصديق....فاستقامت يمن وهي تسأله بقلق (من؟؟)ولكنه لم يمنحها رد وهو يسرع بالرد قبل أن يغلق جرسه.....استمعت يمن له بتركيز شديد وهي تلتقط كل حرف منه لتفهم الموضوع قبل نهاية المكالمة فعلمت أن المتصل من الشركة التي تركها منذ أيام قليلة...والتي كانت تواسيه قبل قليل على فقدانها....انتشرت البهجة بداخلها وزفرت براحة حين علمت من كلامه مع محدثه بأنهم يطالبنه بالعودة مرة أخرى....وحينما أنهى المكالمة انقضت عليه تحتضنه بقوة وهي تهتف ببشاشة وسعادة غامرة(ياآلهي....الحمد لله....لقد تم حل الأمر....ألم أقل لك أن فرجه قريب)
ابعدها عنه بحزم رقيق ولكن بصرامة في نفس الوقت وهو يقول(تعقلي يافتاة نحن لسنا في المنزل..وهذا غير صحيح...لا أحب ان ينظر لكِ أيا كان نظرة وقحة أو دنيئة لتقلل من شأنك أو كرامتك الغالية...الغالية جدا)
ازدردت ريقها وهي تتذكر في نفس اللحظة عيون نظرت لها اليوم نفس النظرة التي يصفها لها معاذ.....عيون بلون العشب الأخضر...كم هو وقح.....كما أنها تذكرت ماتتعرض له من وقت لآخر من مضايقات مستفزة فتتعامل مع الأمر بسلبية خانعة.....حسنا بالتأكيد لن تعكر فرحة معاذ بهذه الأشياء التافهة التي لا تقدر بثمن أمام نظرة الراحة والفرحة في عينيه...نفضت تلك الأفكار من رأسها وهي تدعو الله من كل قلبها أن يبعد عنها السوء وتحافظ على أمانة والديها....وعلى كنز معاذ أيضا...مثلما يلقبها دائما حين يهمس لها بصوت صافٍ(أنتِ كنزي يمن...ولن أرتاح حتى أسلمك لصاحبه الذي يستحقه ليناله عن جدارة....مثلما سيفعل والدنا تماما)
ابتعدت عنه قليلا وهي تتمتم بمزاح عابث(حسنا معاذي....لن أفعلها مرة أخرى إلا حين نكون في مكان مغلق....وذلك مراعاة مني لمعجباتك السريات)وختمت كلامها غامزة له بشقاوة...ثم استطردت بلهفة وفرحة حقيقية(إذن...ماذا ستعزمني الآن بمناسبة رجوعك للعمل؟....يبدو أن جلوسي معك آتى بثماره أخيرا....انظر لم نكد ننهِ حديثنا حتى جاءك اتصال يطالبون برجوعك إليهم....يالحظي السعيد هنا...هيا...هيا...ماذا سنأكل الآن للاحتفال)
امتلأ ثغره بضحكاته المرحة وهو يهتف(ماهذا اليوم يا ربي...ماذا جلبت لنفسي....حقا هل تعاقبيني...ثم أني اشتكيت لكِ عن فقداني العمل وأنتِ ماذا فعلتِ منذ جلوسك؟! تتطلبين الطعام وتأكلين فقط...)
سعلت من كثرة الضحك....وحينما هدأت قليلا قالت بخفت برئ وهي تبرم شفتيها بحزن مصطنع(أتستكثر عليّ عزومة بريئة لأختك الصغيرة يمن....لم يكن العشم معاذي)
نظر لها بحنان بالغ وهو يرد بالقول(لا...لا أستطيع حبيبتي الصغيرة ولايهون عليّ أبدا....هيا بنا سأطعمك أجمل آيس كريم في حياتك...وبنكهتك المفضلة)
هلهلت أساريرها وقفزت بحماس حتى أنها سقفت بانتصار هاتفة(حسنا...حسنا...هيا بنا قبل أن نتأخر)استقام ضاحكا بجزل على حبيبته الصغيرة وهديته في هذه الحياة يمن....كم يحبها.....ويحب نقاء قلبها وبراءتها التي لا تقل بمرور السنين...بل بالعكس كلما مرت السنون كلما ازدادت براءة ونقاء....وكم يقلقه ذلك...يقلقه بشدة....أن يستغل شخص ما هذه البراءة شر استخدام فيهشمها وتذهب بلا رجعة.....
********************************************
نظر بتمعن واهتمام شديد للملف القابع بين يديه...وبعد قراءته لكل معلومة موجودة فيه التوت شفتاه بابتسامة ذئب مهنته الأساسية هي الصيد...ويبدو أنه وجد في وقت قياسي فريسته التالية....القى الملف على سطح المكتب والتقط صورة مرفقة بالملف....تبدو قديمة قليلا وذلك لصغر ملامحها في الصورة عن ملامحها الجذابة البريئة في الوقت الحالي....التي اكتسبت نضوج وازدادت أنوثة لا يمكن التغافل عنها....ومن أفضل منه لتجربة هذه الخلطة السحرية بكل مافيها.....سيجذبها ولكن على مهل وبتأن مدروس....فيبدو أن منهجها الحالي هو التمنع....وهو سيجعلها ترتقي مرحلة مرحلة حتى تصل مثله إلى مرحلة اشتهاء كل ماهو جميل وجذاب....وهو يحب تلك المرحلة جدا....فهل ستجد من هو أفضل منه لتعليمها وتوعيتها؟!...
بل هل ستجد لها أفضل من كازانوفا ليفتح لها دروب الحياة بوجوهها المختلفة كي تستكشفها وتتمتع فيها؟!.....
رفع هاتفه وطرق رقم معين وحين جاءه الرد تحدث بصوت أجش حاد(مرحبا سيد توفيق..معك عمار الهواري...أريد منك عمل آخر ولكن تلك المرة سيكون خاص...خاص جدا سيد توفيق)
وبعد انتهاء محادثته استقام ووقف أمام نافذة مكتبه ....يرى بعيون جامدة الازدحام المعتاد في هذه المنطقة العملية....أخرج سيجارة من جيبه واشعلها بقدحته....نافثا دخانها للخارج يرسم دوائره العشوائية....ثم فجأة ارتسمت ابتسامة مفترسة على شفتيه متمتما لنفسه(مرحبا بكِ يمن في أولى دروسي التعليمية....وأعدك أن أجعلها مميزة بشكل يجعلك تتلهفين إليها......بل أعدك أنك في نهايتها ستهرعين إليها بنفسك لتؤدي اختبارك الأخير فيها)تحولت الابتسامة لأخرى قاتمة بشعة وهو يغمغم متابعا(وسيكون من دواعي سروري أن اتلقى اختبارك هذا...واضعا بصماتي عليه...وصدقيني سأجعلك تجتازيه وبتفوق تام)وفي ختام الكلام قهقه بصوت مرتفع....ولو لجدران المكتب أذن لارتجفت بشدة من شراستها....
********************************************
أوقفت سيارتها برعونة خرقاء أمام باب الفيلا....فتحت بابها وترجلت منها واغلقته بقوه وحين دخلت من الباب كانت كعاصفة هوجاء انتشرت في أرجاء المكان لتحوله كعادتها لبركان مشتعل على وشك الانفجار في أي وقت.....ولأخذ السلامة ابتعد عنها الخدم حالما رأوا مزاجها المشتعل....كادت أن تتعثر في هوجة غضبها لكنها تماسكت في أخر لحظة لتستقيم...وهي تلهث من شدة الانفعال....اعتلت السلالم ومع كل درجة تلهث بقوة أكبر من الجهد التي بذلته هذا اليوم...وصلت لغرفتها..... فألقت بحقيبتها لأقصى الغرفة وألحقت بها حذاءها العالي....
تنفسها يزداد سوءا وغصة مسننة تقف في حلقها....ولتهدئة أعصابها الهائجة اتجهت بعزم شرس إلى طاولة الزينة وركلت بذراعيها كل ماوجد عليها لتهشمهم شر تهشيم.....نفثت نيران من فمها مصاحبة بنفس مرتجف....
وبعد فترة من جلوسها على أرضية الغرفة....
نهضت بتثاقل وحين استقامت منتصبة اقتربت من المرأة التي لم تنجو من التحطيم الغاضب الذي حدث منذ قليل.....
ببطء وبعيون مثبتة على انعكاسها في المرآة أخذت تحل أزرار قميصها الحريري حتى تخلصت منه تماما وتبعته بما تحته وبعد انتهائها وحين أصبحت عارية حتى دارت حول نفسها ونظرة فاقدة للحياة ترتسم على وجهها وهي تعلم مسبقا ماستقابله خلف ظهرها وبمعنى أدق على ظهرها مباشرا....مالت برأسها كي ترى الجرح الطولي البارز بشدة على خط ظهرها بالكامل......جرح قاطع اتخذ من بداية رقبتها حتى نهاية ظهرها مسكنا له......ورغم مرور ثلاث سنوات على حدوثه إلا أنه لم يختفِ بل ظل موجود كطابع للذكرى....لن يمحى مهما فعلت بل سيكون ملازم لك كي يذكرك في كل لحظة تمر بماحدث معك في تلك الذكرى....وياليته هو الذكرى الوحيدة له بل ترك لها تذكار آخر لا تحب اظهاره أبدا حتى لو فقدت حياتها مقابل ذلك....وهو عرج في ساقها اليسرى....من المفترض أن كل هذا لا يجعلها تفقد الثقة في أنوثتها...ولكن للأسف نمت لها قناعة تامة بأنها تحولت من لقب الفتاة الذهبية إلى لقب آخر أشد بشاعة وهو الفتاة المسكينة....وفي قاموسها هي(الفتاة الناقصة)
بنفس التثاقل والجمود الذي أصابها في تلك اللحظة تحركت بثبات بعد تخلصها من ملابسها المتبقية...ودخلت الحمام الملحق بغرفتها..وظلت لفترة طويلة تحت الماء البارد ناظرة أمامها بعيون مفتوحة....تجزع من أن تغمض عيناها فترى الظلام حولها.....كم تمقت تلك الفترة وتمقت من تسبب بها حتى أنها تأتي إليها بين الحين والآخر أفكار شريرة كالتخلص منهم نهائيا حتي لو كانوا يقضوا عقوبتهم الآن ولكنها معاقبة معهم بهذا الشكل....تريد الانتقام لنفسها بنفسها لعلها تصل لمبتغاها في النهاية وتنال الراحة المنشودة......
بعد فترة طويلة...
تمددت براحة على أريكتها المفضلة...تضع بين شفتيها بتلذذ وحلاوة حبة كريز وتشاهد فلمها المفضل وكأن العاصفة التي حدثت قبل قليل لم تكن....وهذا ماحدث بالفعل فقد أمرت الخدم بتنظيف الغرفة بالكامل.....وها هي جالسة براحة تامة بعد الحالة العرضية التي أصابتها اليوم......نعم هي مجرد حالة تصيبها من فترة لآخرى بعد فترة اكتئاب حاد....
ولكن في النهاية تتغلب عليها وتعود كما كانت أو بمعنى أدق كما تحب أن تكون....أن تعيش كرؤى....كرؤي البلتاجي وكفى....


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-19, 09:01 PM   #16

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي رواية(لحن مفقود)

الفصل الرابع
**************

(سيد جاسم...الآنسة تسنيم تريد مقابلتك)
أدار عينيه بسأم حقيقي وهو يزفر بإحباط تام....رمى أوراق العمل بحدة ووقف على قدميه ولف حول مكتبه متكئا عليه عاقدا ساعديه أمام صدره وهو يسمح لها بالدخول...لطالما تزمرت من أوامره الصارمة اتجاه أوقات الزيارة في العمل أو من استئذانها قبل الدخول حتى لو كانت خطيبته بحق الله....فهل الالتزام والقواعد شيء عسير ليتقبله أي كان....رائحة عطرها النفاذة كانت أول من حضر لمكتبه قبل دخولها..استحال فجأة لتمثال جامد الملامح...وحين أبصرها انتظر بصبر بارد عرضها المغري المعتاد..يعترف أن أول ما جذبه لتسنيم هو قوامها المغري وجمالها النادر...تسنيم جسدت له كل ماأراده لشريكة الحياة حيث تعد وجهة إجتماعية براقة.....ومستوى مقارب لهم...حيث إن والدها لديه مصالح مشتركة مع شركاتهم....كما أنها امتلكت الطاعة التامة لكل مايريده حتى لو انفعلت في عدة مرات تكاد تعد على الأصابع إلا أنها تتراجع في اللحظة المناسبة....وليس حبا فيه أو اقتناعا بما يقوله كما تدعي إلا أنه خوفا من خسارته فهي تعلم جيدا قيمة ماتملكه....ولكن هناك مشكلة واحدة أنه لم ولن يسمح لها بامتلاكه....فهو ليس شيئا جميلا تريد الالتصاق به لتكون أجمل...وليطلق عليها بعد أن تناله بأنها نالت الأفضل كما أرادت دوما...كما أنه كان واضحا معاها منذ بداية علاقتهم واضعا لها شروطه التي تقبلتها صاغرة ومرحبة أيضا...فلما الشكوى في وقت يعد من أصعب أوقات حياته...حقا يتسأل ماذا تتوقع منه أن يفعل؟!..أن يدللها متناسيا وفاة أخيه التي مرت عليها عام واحد فقط ولم يصل للجاني بشكل مؤكد بعد!!!....أم يتجاهل الحزن والمصيبة التي حلت على جميع أفراد العائلة وهو من ضمنهم كي يضمها ويربت على رأسها مطمئنا!!!....أو ينسى غنوة وماتمر به من محن منذ تلك الليلة المشئومة كي يستمع إلي غزلها اليومي وحبها التي تتغنى به إليه!!!!....علاقته مع تسنيم أوشكت على الدخول في مرحلة اليأس حتى أنه قرر في إحدى نوباته النارية أن يتمم الزواج كي يجعلها تتذوق بنفسها مايحدث في حياته لعلها تحل وثاقه في وقتها وتتركه لشئونه....وفي مرة أخرى قرر أن يحل وثاقها ويتركها بشكل نهائي.....لكنه على معرفة بما سيحدث لو تحرر منها في وقتها سيترك العنان لروحه كي يأخذ مايريده بقوة دون تفكير بتبعاته......وذلك يجزعه بشدة فلو حدث هذا وانفرط عقد ثباته سيجعل أمور الجميع أسوأ بل أشد سوءا مما يظن....وفي وقتها لن يتمكن من مسامحة نفسه أبدا......كما أنهم لن يسامحوه أيضا على خيانته للأمانة.....وفي تلك اللحظة أنار سؤال في ذهنه من مكان غير مرئي(وهل لم تخنها بعد ياجاسم؟؟ هل كنت مثال للنزاهة مثلما تتدعي منذ دخلت حياتك ورأيتها أول مرة؟؟؟)
أقبلت عليه بخطواتها المغناجة..وابتسمت بدلال ثم اقتربت منه في وقفته الجامدة وقبلته...ظل ثابتا كالصنم ولم يتحرك قط.... مما دفع شعور بشع بالخذلان ممزوج بالغضب يجتاحها في تلك اللحظة...زفرت نفس مختنق وهي ترفع رأسها باندفاع أحمق متمتمة بسخرية لاذعة(ماذا جاسم !!!ألم تشتاق ليّ كالعادة حبيبي؟)
كان أمامها كالوح الرخامي وهو يرد بفتور(ما سبب مجيئك تسنيم؟! ألا تعلمي أني مشغول في العمل ولا أحب تلك المقاطعة الفارغة)
اصطكت أسنانها بغيظ وكادت أن تنفث نيران من أذنها من كثرة الغيظ الذي تلبسها من ذلك الكائن الجليدي.....ولكنها قالت بهدوء خادع(لم أراك منذ فترة طويلة خطيبي العزيز...ألا ترى أن هذا سبب وجيه وكافٍ لأراك حبيبي!!)
ظهر الامتعاض جليا على وجهه ولم يكلف نفسه حتى عناء إخفائه....هادرا بخشونة وصرامة واضحة جعلت عظامها تنتفض بداخلها(لست متفرغا لكل هذا تسنيم...بحق الله كفى دلالًا....لقد سئمت حقا...لقد كنت واضحا معكِ من البداية ولم أخدعك بشيء...وبالتأكيد أنتِ على علم بما يجرِ في حياتي ولكنكِ تتجاهلِ كل هذا ببساطة في سبيل رضاك أنتِ)
توترت حين رأت نظراته الحادة وارتجفت حرفيا أمام تلك النظرات لطالما جزعت من الوجه الآخر لجاسر البدراوي...وجه لا يظهره للجميع لكن من يقترب منه ويحاول التعايش معه يراه بوضوح تام....ففي كثير من الأحيان تشعر بأنه كائن بدائي لايمت للبشرية بصلة...
تمتمت بصوت خانع يخشى فقدان ماهو ثمين وغالٍ في حياته(جاسم أنا أحبك وأفتقدك بشدة أرجوك أعذرني في هذا الشيء...أعلم أني أزيد خناقك بهذا الاشتياق ولكني أريد منك التفهم فأنا أعشقك حبيبي أعشقك جدا)
ثم أقتربت منه بشدة حتى اشتمت عبق رائحته الرجولية الشديدة الجاذبية فأغمضت عيناها لتستمتع بعبقه الخاص...ثم بادرت بتقبيله بكل ما اعتمل صدرها في تلك اللحظة من لهفة وشوق...تصلب جسده بشكل تام أمام هذه المبادرة..حتى أنها كادت أن تبتعد كي تبتلع مرارة خذلانها منه...وتهشم أنوثتها التي طالما افتخرت بها على يديه هو فقط....ولكن بعد عدة لحظات أنفك تصلبه وأرخى جسده وهو يقربها منه أكثر ردا لها القبلة بأعمق منها حتى كادت أن تبكي وتتوسله كي يحبها...ويظل هكذا معاها...تعلقت بعنقه مأسورة وهي تشعر بذراعيه القويتين تجذبها إليه بصبر نافد حتى تأوهت بسعادة حقيقية وارتجف جسدها إثارة ...وحالما فك قيد شفتيها حتى اتسعت عيناها بعدم تصديق وفغرت فمها لتنفث نفس حار وهي تتسأل بحيرة هل من قبلها بهذا الهجوم العاطفي هو جاسم حقا أم أن هذا حلم لا أكثر؟!
لم تكن تلك قبلتهم الأولى بالتأكيد...ولكنه دوما في قبلاتهم كان متباعدا وباردا وكأنها تجبره على ذلك...لكن هذه المرة شعرت بلفهة حقيقة....وكأنه لايطيق صبرا لينالها....كبرياؤها كأنثى أرتفع لأوادجه في تلك اللحظة.....
أما هو فأرخى جفنيه لأسفل حاجبا عيناه عنها كي لا ترى ماارتسم فيهم من عواصف نارية...وتنهد بخشونة متمتما(تسنيم أرحلِِ الآن....حقا لدي أعمال مؤجلة وسأتحدث إليكِ لاحقا)خاتما كلامه بقبلة باردة على وجنتها وابتعد عنها ملتفا حول مكتبه ليجلس على كرسيه براحة...وحالما أبتعد شعرت بالبرود التام يجتاح كيانها بعد دفء تذوقته منه لأول مرة...تنهدت براحة وهي تتناسى الجزء الأخير من عاطفته النادرة مكتفية بتلك اللحظات فقط ثم ابتعدت وهي تغمغم مودعة (وداعا جاسم أراك لاحقا)
وبمجرد خروجها شرد تماما وإحساس عارم بالذنب يجتاحه اتجاهها...في عاطفة أعطاها إليها وهو لم يشعر بها هي قط....لعن نفسه مئات المرات ملقيا على نفسه أسواء الألقاب وأولهم الخساسة....نعم فالإنسان الذي يكن عاطفة لامرأة كانت في يوم من الأيام زوجة لاخيه فبما يمكن أن يطلق عليه؟!وبما يمكن أن يوصف سوى بالخساسة والنذالة وعدم الضمير؟!
وما يزيد على الطين بلة...أنه تبادل مع خطيبته عاطفة نادرة وذلك حين شعر فقط بأنها هي....فخياله الخصب جسدها بأنها بين ذراعيه وأن شفتي تسنيم الشبه مستقيمة ليست سوى شفتين مكتنزتين ممتلئتين في إغراء يخرج راهب من محربه....وكل هذا يعود لسبب شقائه في هذه الحياة.....غنوة.....وذلك السبب بمفرده كفيل بأن يشعره بالبخسx والمهانة لرجولته أولا ولنفسه وعائلته ثانيا.....
تنهد بتعب وتثاقل يزداد يوميا فوق كاهله...شاعرا لأول مرة من سنوات حياته الخمسة وثلاثين بالضياع وعدم الثبات...
كأنه في أرض رخوة تبتلعه ببطء وهو صاغرا لذلك ولا يبدي أي مقاومة....خرج نفس مكتوم منه مفكرا بجدية تامة بأنه عليه أن يضع حدا لعلاقته بتسنيم...فحياته حاليا لا تحتمل المزيد من الضياع.... *****************************************
(أعمى البصيرة)
نعم هذا هو اللقب الأمثل له....تحبه لا ماتشعره نحوه لم يسجل بعد في دفاتر الحب المعروفة هي تخطت ذلك الشعور ومنذ دهور....
نقرت بأصابعها برتابة على حاسوبها تشاهد صوره المعروضة على حسابه الشخصي...صور كثيرة أحتفظت بهم جميعا فحالما يقوم بتنزيل صورة له حتى أخذتها ماعدا طبعا صوره المشتركة مع خطيبته...غشى الألم على بصرها وهي تحدق في صورة أخرى له بزيه الرسمي الخاص بالقوات البحرية حتى شعرت بتجمع الدموع في مقلتيها....وهي تفكر بعذاب متى وقعت في حب صديق أخيها الأكبر؟!
متى امتنعت عن رؤيته كأخ مثلما كانت ترى جاسم وسامر؟!
نعم هذا حدث تقريبا حين كانت في الرابعة عشر فقط من عمرها ففي وقتها أمنت بأنه حقا هو فارسها المغوار وذلك حين تعرض لها شاب كان معاها في مدرستها وكلما صدته التصق بها أكثر كالعلقة حتى فاض به الكيل فأراد إجبارها على مصاحبته فترصد لها في يوم كان على علم بأنها لاتستقل فيه السيارة المخصصة بإنتقالها بل تفضل فيه السير برفقة زميلاتها وتفترق عنهم بالقرب من منزلها وحين اقترب منها والتصميم على ملامحه ووصل الأمر بينهم منتهي بمشاجرة عنيفة استغل فيها الشاب ضعف بنيتها حتى تتدخل مجاهد في هذا الوقت وصفع الفتى مع تهديد مباشر بعقاب شديد لو اقترب منها فقط وظل طوال الفترة التي تلت هذا الحدث بعد أن أخبر جاسم عنه بالطبع يطمن عليها بشكل دوري ...
يمكن أن يكون الموقف شيئا طبيعيا من صديق أخيها الذي تربى معهم تقريبا إلا أن هذا الموقف كان البداية فقط البداية ليتفتح حبه كبرعم صغير نمى في جزء خفي لم تعرفه سابقا...جزء أخذ يراقب كل حركاته وسكاناته حتى اهتماماته شغفت بها مثله ونشاطاته غامرت وقامت بتجربتهم جميعا وحين ذكرت نفسها بأنها نضجت وأن كل ذلك أوهام طفولة لا أكثر وعليها أن تقطع بعزم هذا الهوس المجاهدي ....إلا أنها لم تستطع لقد فشلت تماما وفشل ذريع حتى وجدت أنه تلبسها تماما ولا يمكن الفكاك منه....ويبدو أنها ستظل هكذا إلى الأبد فها هو ارتبط بغيرها وترى بعيناها مقدار حبه لخطيبته ورغم هذا لم يقلل ذرة من مشاعرها اتجاهه....بل إنها وصل بها اليأس بأنه يمكن أن يراها كامرأة تستحق حبه...بأن يعشقها حتى لو ربع عشقها سترضى حقا ستكون راضية كل الرضا....إلا أن الجزء الأبي منها يرفض أن تنصاع وراء رغباتها فتخسر نفسها ...كما أن جزء أخر يحذرها بأن عليها استغلال الفرصة حتى لاتندم بعد فوات الأوان ويصاحبها الذنب كالعادة ذنب عدم التقدم بأي خطوة وتكون خاسرة في النهاية كالعادة تحارب أشباح الذنب بمفردها وفي صمت.....
لطالما اتصفت بالعقل والحكمة حتى أنها في سنوات مراهقتها اتسمت بالهدوء وحسن التصرف....حتى وصل بها الأمر بإنتقاد أفعال أخيها الطائشة وهي لم تتخطى بعد السادسة عشر من عمرها....إلا أنها ببساطة سجنت في سجن مشاعرها الفتية التي ولدت منذ مراهقتها ومازلت بداخلها حتى نضجت....وعندما حاولت الخروج من دهاليزه لم تستطع أو هي من لم تحاول بقوة أكبر....تحتاجه بشدة بجانبها وخاصة بعد وفاة سامر وما تعيشه من وقتها....
زفرت بقوة كابحة دموعها من الهطول بعزيمة قوية....نعم لا يجوز أن تتضعف الأن فالجميع بحاجة إليها وهي بحاجة لتعويضهم عما اقترفته في حق سامر بأن تخفف من آلامهم وتهون عليهم حتى لو كانت تموت في اليوم ألف مرة...حتى وهي بحاجة إليه بجانبها ليؤازرها ويطبطب على جراحها ......إلا أنها ستستمر وستصل لنهاية ترضيها....به أو بدونه ستستمر فلا شيء يمكن أن يعيق ما تريده تغريد الهواري....
وصلت أثناء تقلبها الشارد لصورة لمجاهد محتضنا فيها خطيبته رغدة...تعلم جيدا وقت التقاط تلك الصورة وبدقة...حيث كانت عقب عقد خطوبتهم مباشرا حينها فاجأها برحلة على يخته كان هو قبطانها حيث أرتدى ملابسه الكاجول واضعا القبعة الخاصة به على رأسه ناظرا بعبث للكاميرا محتضنا إياها بقوة وهي تبتسم إبتسامة امرأة عاشقة تعلم جيدا قيمة ماتملكه......ورغدة بدورها لم تكن فتاة عادية بل فتاة أقل مايقال عنها أنها بارعة الجمال...ذات غرور فطري أصبح جزء لا يتجزأ من شخصيتها وحين تدخل تغريد معها في حوار مهما كان بسيط تجعلها تكاد تفقد ثباتها المشهور فتغريد لا تقل ثرءا عنها إلا أنها تحب البساطة والتواضع وتمقت الغرور والتكبر....الشيء الوحيد الحقيقي الذي تستشعره أتجاه رغدة هي الغيرة...الغيرة الخالصة..على الرغم من أن هذا الشعور ليس من حقها البتة إلا أنه يتأكلها كلما رأتهم مجتمعين سويا ولكنها تشعر بذلك لأنه تجاهلها هي ولم يشعر بأي شيء أتجاهها سوى مشاعر أخوية بحتة مثلما يشعر نحوها.....لم ينظر لها مثلما ينظر إليها وكأن الحياة ستتوقف عندها....وهي ستتعايش مع هذا عليها أن تتعايش....فقد اعترفت في الآونة الأخيرة بأن مجاهد هو نقطة ضعفها الوحيدة بل ذلتها التي ارتكبتها بلا قصد منها وها هي تدفع الثمن غاليا...غاليا جدا فيما يبدو.....
أغلقت حاسوبها بحركة حدة وهي تفكر بأنها عليها أن تنهي دراستها المؤجلة يكفي الفترة العصيبة التي مرت بها فجعلتها تنشغل عنها كثيرا حتى أنها قامت بتأجيل معظم امتحاناتها الفترة الأخيرة ولكن لابأس ستعوض كل ذلك الآن....انتبهت لوصول رسالة على هاتفها فالتقطته سريعا ظنا بأنها من إحدى صديقاتها تحثها على الخروج ليجتمعوا سويا ولكن حينما رأت الاسم الظاهر على الشاشة حتى خفق قلبها بقوة وكأنه سيخرج من مكانه الحالي...قرأت الرسالة هامسة بخفوت حزين(مرحبا ياصغيرة في عطلة نهاية الأسبوع سنذهب في جولة عبر البحر وأنا سأكون قبطانها(؛....أحببت أن نجتمع سويا كالأيام الخوالي لذلك سأتحدث مع جاسم لجلب تسنيم معه ولو سمح الوضع لجلب غنوة تأتي أيضا لتغيير الأجواء...أريد دعمك معي كي نقنعه بذلك قبل سفري القادم...وسأجلب رغدة أيضا ليكتمل شملنا....حين تتفرغي اتصلي بي لتخبريني بالخطة(؛
كانت يداها ترتجف حرفيا أثناء القراءة حتى أنها خشيت أن يسقط هاتفها من شدة الانفعال...يريد منها الذهاب معهم في رحلة على يخته الخاص وهو القبطان وبالطبع رغدة ستكون بين ذراعيه أثناء القيادة وهي يجب عليها أن تسعد بينهم وتشعر بالامتنان لتلك الرحلة الأكثر من رائعة...
و.....وهذا ببساطة ما ستفعله ستقنع جاسم بالذهاب لهذه الرحلة الرائعة وأيضا غنوة ويمكن أن تدعو عمار أيضا طالما هو لمّ شملx للجميع....ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجهها حين تذكرت عمار ..تعلم أن مجاهد يسخط منه ويغضب بشدة أثناء وجوده ولكنه لا يستطيع أن يعبر عن ذلك إكراما لجاسم....
دمدمت متوعدة(حسنا مجاهد لو كنت أنت دائي فتأكد بأنني لن يهدأ لي بالا حتى أحصل على دواء ولن يكون أي دواء بل دواء فعال تماما حتى لو اضطرت في نهاية الأمر أن أقوم بالبتر فسأفعل صاغرة وممتنة لهذا الحل)
********************************************
يوم عمل روتيني....يوما عاديا تماما إلا إنها أثناء انغمسها التام بالعمل رفعت كفها فجأة لتضعه في موضع قلبها لتخفف من حدة الألم الذي ضرب خفقاته فتسارعت ضرباته بشكل كبير ....لاتدري ماذا حدث؟!...ولكنها تشعر بأن هناك شيئا سيئا سيحدث قريبا وقريبا جدا....فتلك الانقباضة تشعر بها من صغرها وحالما تحدث تذهب للصلاة من فورها لعل البلاء يخف قليلا حين ينزل عليهم.....
لقد استيقظت اليوم صباحا في سعادة حقيقية....وذلك من أجل معاذ....لأنه قرر أخيرا قبول أمر العودة للشركة وذلك بعد نوبة عناد حاد جعلته يقرر بأنه سيرفض طلبهم بتهذيب...مما جعلها تقنعه لفترة طويلة بالحجج والبراهين بأنه عليه الرجوع وأن هذا يعتبر رد اعتبار لكرامته فهم من طالبوه بالرجوع إليهم وليس العكس وذلك يعني بأنهم يقدرون قيمته جيدا ومتمسكين به بشكل واضح وعليه ألا يخزلهم بعد ثقتهم به....وأخيرا أقتنع بنظريتها بعد دراسته إياها بشكل مفصل وحين استيقظ فجرا للصلاة أعلمها في وقتها بأنه سيستعد للذهاب للعمل.....سعدت كثيرا بأنها رأت الراحة والطمأنينة تسكن ملامحه بعد إرهاق وجهد أيام تكاد تجزم بأنه فيهم كان يقوم بعدّ الساعات ليعوض خسارته بشيء أفضل مما فقده....
سمعت صوت طرقة خفيفة على الباب قبل دخول هدى متسرعة كالعادة تلهث من....
من ماذا بالضبط؟!لماذا ترى هدى أغلب الأوقات تلهث في ممرات الشركة؟!ماذا تعمل هذه الفتاة هنا؟!عداء للركض!!
زفرت بقوة كي تهدأ وهتفت بسرعة(يمن المدير في انتظارك الآن)
في بادئ الأمر أجلفت ثم رمشت باستغراب مصطنع قائلة(هدى لمَ أنتِ فقط المسئولة عن استدعائي حين يريدني المدير؟!
لمَ لا يتصل على الهاتف لطلبي ويكف عن إفزاعي بتلك الطريقة؟!)
ارتسم عدم الفهم على ملامح هدى وهي ترد بحيرة(لم أفهم!!هل أذهب إليه لأبلغه بأن يتصل بكِ أفضل؟!)
هبت لتقف على قدميها وهي تهتف مسرعة(لا لا تذهبي......لقد أبلغتيني الآن أليس كذلك؟! فلا داعي من أبلاغه بالاتصال بي حاليا.....سأذهب لأعرف مايريده...أراك لاحقا هدى)
وحالما وصلت لغرفة المدير حتى نفثت نفس حار لتهدأ من توترها مجهول المصدر....
قرعت الباب قبل أن يسمح لها بالدخول...السيد توفيق هو مديرها الخمسيني كان في بداية عملها شديد الصرامة محذرا إياها بشكل مباشر من التقصير بسبب جامعتها إلا أنها حالما أثبتت له عكس مخاوفه حتى صار يقدرها ويقدر جهودها كما أنه يرفع دائما من روحها المعنوية لتخرج الأفضل...وما جعلها متفردة عنده هو عملها المتميز فقط...وبدونه لن يتذكر اسمها من الأصل...... عندما رأها ابتسم بانتصار وظفر....حدقت به بريبة تحولت سريعا لحيرة متسألة وهي تهمس بهدوء وعملية(مرحبا سيد توفيق....لقد دعوتني!)
ازدادت ابتسامته اتساعا حتى تحولت في نظر يمن لابتسامة سمجة....تنهدت في صبر كي يأتي ما في جبعته فهي تدري بأن هذه الابتسامة هي افتتاح لموضوع كبير...كبير جدا....شبك أصابعه أمامه على سطح المكتب
وتقدم خطوة بكرسيه للأمام داعيا إياها للجلوس...ثم قال لها بهدوء(يمن أنتِ طبعا تعلمين بأنكِ لديكِ مكانة خاصة لدي لجهودك المتميزة التي جعلتك متفردة بين زملائك رغم صغر سنك ومشاغلك الجامعية...وحقا أنتِ كنز لأي رب عمل أكرمه حظه به....وخاصا أني أعتبرك في مثابة ابنتي فريدة....وسأظل دائما أثني على إنجازك الفريد معنا...ووجودك الساطع بيننا)
أومأت برأسها متفهمة فأكمل لها(أولا أردت أن أقدم لكِ مكافأة صغيرة لنجاح أخر تصاميمك لشركات الهواري لقد نال إستحسانهم وإعجابهم الشديد...وهذا شيء فريد في حد ذاته...وحدث ضخم لمستقبلك المهني...مما جعلك تمتلكي نقطة كبيرة بيضاء ستجعلك دائما فخورة بها....وأنا أيضا سأظل دوما فخورا بكِ عزيزتي)
لوهلة شعرت بأن القادم لن يعجبها....لن يعجبها البتة....وذلك حدث حين قال موضحا بنفس الهدوء(وثانيا وهذا هو الأهم لقد جاءك فرصة عمل أخرى كبيرة جدا ستفتح أمامك أبواب لم تحلمي بها قط.....وهذه الفرصة هي مديرة لقسم الإعلانات التي تم أفتتحه منذ أيام في شركات الهواري.....لقد تحدث معي السيد عمار بنفسه وطلب مني إبلاغك بكل هذا...هل تصدقين؟)
بهتت ملامحها تماما وانسحب اللون من وجهها وكأنه ذكر شبح كانت تراه حين كانت طفلة صغيرة وظل مرافقها حتى شابت.....
ففجأة أحست بالذعر يجتاحها حتى أنها أطلقت شهقة مكتومة بداخلها لم تستطع الخروج منها...فطأطأت برأسها وهي تتنفس بسرعة كي تتمالك نفسها.....وبعد عدة لحظات راعى فيهم السيد توفيق صمتها رفعت وجهها الشاحب وهي تهمس بصوت مكتوم(ولكن سيد توفيق أنا....أنا راضية بالعمل هنا...فهو مناسب لظروف دراستي كما تعلم....وأنا لا أريد أن أتركه أبدا....كما أنني أشعر بالراحة معكم...ولا أريد الرحيل)
أعطاها السيد توفيق نظرة تفهم وقال برقة(عزيزتي يمن....من الظلم ألا أقول هذا إلا إنك خسارة كبيرة لي أولا وقبل كل شيء...ولم أكن لأقبل قط أن أتنازل عنك مهما حدث...إلا أن تلك الوظيفة هي وظيفة الأحلام....وسأكون ظالما اتجاهك لو منعت عنك فرصة رائعة مثل هذه من أجل مصلحتي الشخصية والعملية....وكما أوضحت لكِ سابقا لو كانت فريدة ابنتي مكانك لنصحتها بالمثل....لا تنسي عزيزتي بأنك بعد فترة وجيزة ستتخرجين من جامعتك وفتاة بهمتك ونشاطتك وموهبتك الفذة لا أريدها أن تُدفن في الظلام بل أتمنى لكِ أن تري النور وتتمسكي به أيضا وبكامل قوتك.....كما إنني تحدثت مع السيد عمار حول جامعتك وهو كان مراعيا ومتفهما وقال بأنك لكِ حرية التنقل حتى يتم الانتهاء من الجامعة...هل تصدقين أي نعمة قد ألقت لكِ!!! فلا ترفضيها بنيتي...فالفرصة كبيرة كبيرة جدا من ناحية المكانة والراتب والوظيفة والمستقبل الباهر)
هزت رأسها دون معنى حتى أنها شردت قليلا في منتصف الحديث....نعم فرصة وفرصة عظيمة جدا من أجل مساندة والدها المريض بمرض مذمن ورغم ذلك يعمل رافضا الجلوس كي لا يعمل أولاده فقط لإعالته كالعجائز.... ووالدتها وأعباؤها اليومية وماتحمله لتيسير أمور المنزل كي يمر الشهر بسلام.....كما أن الحمل يزداد يوميا على معاذ....وراتبها هنا يكفي فقط لدفع مصاريف جامعتها ولشراء الكتب الخاصة بها ومواصلاتها اليومية....
هي ليست فرصة فقط بل هي نقلة....نقلة حقيقية في تاريخها المهني رغم صغر سنها....ولكن....وما أدراك ما بعد تلك ال...لكن....فقد تجد وراءها الأهوال...وما لا تشتهيه النفوس والأسماع....
وصل لمسامعها صوت السيد توفيق وهو يقول برفق(لا تتعجلي بنيتي...فكري جيدا...وأبلغيني ردك بعد يومين...كي أبلغه للسيد عمار ومهما كان خيارك سأدعمك فيه عزيزتي)
أومأت له برأسها وهي تتمتم بخفوت واقفة بساقين مرتعشتين(حسنا سيد توفيق...سأستشيرx عائلتي وأبلغك بالقرار.....عن إذنك سأذهب لتكملة أعمالي الباقية)
سمح لها السيد توفيق بالرحيل متمنيا لها كل التوفيق في قرارها....وبعد تأكده من رحيلها رفع سماعة الهاتف وطلب رقم معين وحالما جاءه الرد قال(مرحبا...سيدي....لقد فعلت ما طلبته وأكثر)صمت قليلا مستمعا لما يقوله محدثه وحين انتهي رد متلهفا(لا....لا سيدي لم ترفض بعد...ولكن لا تقلق سأجعلها تقبله وسترى) ******************************************
(جميلة)
لا هذا أجحاف في حقها لو وصفت بهذا الوصف فقط....بل هي بارعة الجمال....هي فتنة وضعها الله على الأرض ليجعل من يراها يسبحه فيما أبدع وخلق...
وجدها جالسة في ركنها المفضل في الحديقة تقرأ كتابا لم يتبين اسمه لبعد المسافة بينهم....اقترب منها بحذر وهو يمني نفسه أن تتعطى معه دون أنهيار هذه المرة...فمن أخر لقاء بينهم الذي انتهي بها ناطقة على يديه حروف انغرست في روحه وقلبه لم يراها من وقتها.....أو بمعنى أصح لم يجعلها تراه او تشعر به إلا أنه هو من كان يراها كل يوم مستشعرا قوتها التي تحاول أن لملمتها رغم صعوبة الموقف إلا أنها تحاول وتلك نقطة تحسب لصالحها....لهذا تركها فترة قصيرة كي تشم نفسها قليلا قبل أن يدفعها لخطوته التالية...وبمفهومه(دفعته الثانية)
كالعادة تشعر به قبل أن يقترب منها تماما وكأنها أمتلكت قرون استشعار تنبهها لوجوده هو فقط.....فها هي تتجمد ملامحها ويتشنج جسدها حتى أنها تكاد تحبس أنفاسها أثناء وجوده....ماذا؟؟؟ هل سيلتهمها كوحش مفترس وجد فريسة صاغرة له؟؟
نعم يريد التهامها ولكن ليس بتلك الطريقة!!!
وبخ نفسه سرا على تفكيره الشاذ حاليا....عليه التركيز معها ووضع كامل تفكيره على حواره الذي يريد أن يخوضه معها....
رفعت له عينيها الرماديتين فتجلى له بوضوح نظرة امتزجت بها ثلاثة ألوان من الرمادي الفاتح والأسود الداكن وفي أعماقهم رمادي أيضا ولكن شديد القتامة حتى امتزج كل لون من تلك الألوان بوصف معين وخاص به وهو الحزن والأسى والحسرة....ولو كان شخص غريب عنها لأقسم بأن ذلك الوصف لن يفارقها مطلقا....
حالما رأت ملامحه القاتمة حتى توترت وهي تتذكر أخر مشاداة بينهم...ولكنها أسمعته صوتها في النهاية وهي تقول بجفاف(ماذا تريد مني بعد جاسم؟)
رد بجفاف مماثل(ماذا تظنين!!أتيت للاطمئنان عليكي....فرغم كل شيء أنت أرملة أخي الأصغر رحمه الله)
وتلك كانت ضربة قذرة منه....وكما يطلق عليها البعض ضربة قوية تحت الحزام.....
فقد احتقن وجهها باللون الأحمر الغاضب الذي يتمنى أن يجعله أحمر ولكن من الخجل لا من الغضب مثلما كانت سابقا.....وارتعشت شفتاها المكتنزتين بشدة حتى فشلت بعد عدة محاولات من الضغط على كبح ارتعاشهم...مما جعله يتمنى أن يقضمهم ليأخذ ارتعاشها هو
....انقبضت كفه بقوة وهو يسب بداخله نفسه للمرة المئة ربما في هذا اليوم على أفكاره المهووسة...
ماذا حدث له اليوم؟ لم يكن هذا مايفكر فيه حين جاء لتنفيذ خطوته التالية؟!...فما الذي يفعله معها الآن بحق الله!!!
أطبقت فمها بقوة كي تمنعه من الرد السيء التي كادت أن تطلقه في وجهه....ووقفت وهي تهتف متهكمة(بكَ الخير سيد جاسم أن تراعي صلة رحمك......ولكني لا أصدق بأن هذا هو سبب مجيئك لرؤيتي أنا بالذات كان بإمكانك سؤال تغريد أو والدتك لو أردت الاطمئنان حقا....لذلك ماذا تريد مني؟)
انبسطت كفاه أخيرا وارتسمت السخرية اللاذعة على وجهه وهو يقول باستفزاز(ألا تعتقدي بأنك تعطين نفسك أكبر من حجمها الطبيعي....هذا بيتي أيضا وعائلتي تعيش هنا لو كنتِ نسيتِ ذلك في غمرة عتابك الشيقة)
حاليا هي مشتعلة ولو طالت أن تقذفه بأي شيء أمامها ستفعل راضية وبدون تأنيب ضمير....
تحركت وهي تدمدم بغضب مشتعل(حسنا سأذهب لغرفتي حتي تنتهي جلستك العائلية...كي تأخذ راحتك في منزلك جاسم...ولو أردت أن أتركه وأذهب لمنزلي لا مشكلة لدي...لقد انتهت مهمة بقائي أليس كذلك؟ وفعلت ماأماله عليك ضميرك وأكثر)
بمجرد ما ابتعدت حتى أوقفها بحزم مادا يديه مانعا إياها من العبور وهو يهتف من بين أسنانه بصرامة وغضب حقيقي(من الأفضل لكِ ألا تختبري صبري معكِ أكثر من ذلك غنوة....فصدقيني لو فقدت حلمي سترين الوجه الغير آدامي مني....والأفضل لكِ ألا تتعرفي عليه وإلا...)
فقدت أعصابها تماما وهي تهتف بالقول الغاضب مشوحة بيداها(وإلا!!....وإلا ماذا ياجاسم...ماذا ستفعل هااا؟حقا أرني ما يمكنك فعله؟ ألا تشعر بما أنا فيه؟!ألا تراعي ما أمر به من لحظات عصيبة لفقداني أغلى ما أملك...لقد)
قاطعها هذه المرة بنفاد صبر وعروقه نافرة من شدة الغضب الأعمى المرسوم على ملامحه....وكأنه تلبسه شبح ما...رغم تحذيره إليها بألا تقترب من تلك المنطقة.....قائلا بغضب مكتوم(لقد كان أخي...بل وأكثر غنوة....وأنتِ مهما فعلت لن تصل آلامك لربع آلامي....ولكن الفرق هنا بأنني أستطيع التعامل مع هذا الألم وترويضه لأعيش من أجل باقِ أفراد عائلتي...ولأجلب له حقه كاملا وأنا بكامل صحتي وليس مجرد كائن هش أتحرك من غرفتي للحديقة أحدق في الفراغ لأعيش داخل ظلاله ككائن حي ميت في نفس الوقت)
صرخت بأعلى ماتملك صرخت حتى كادت أن تشق حنجرتها من شدة الصراخ....اقترب منها بسرعة وضمها بين ذراعه ليهدأها ووصل لأذنها وأخذ يهدهدها بهدوء مرة وبحزم مرة أخرى حتى صمتت تماما....أغمض عينيه بقوة رافضا أن يعترف بأعظم مخاوفه....
لا هي لم تتقوقع على نفسها مرة أخرى وستصمت تماما....ولكن هذه المرة الصمت سيكون للأبد....
شعر بالدموع الساخنة تغرق قميصه وهي تشهق شهقة عالية كمن رجع إلى الحياة بعد مشقة ومعاناة.....محركة شفتيها المرتجفة هامسة(أكرهك جاسم....حقا أكرهك وبشدة...كما لم أكره شخصا قط)
زاد من ضمه لها وأغمض عيناه بقوة أكبر شاعرا بزيادة خفقات قلبه بشكل واضح وسريع تحت أذنها الصغيرة الموضوعة عليه....وكم يتمنى أن تظل هنا وإلى الأبد.... وفي النهاية وبعد صمت مهيب همس بجمود لايناسب خفقات قلبه المتسرعة(أعرف....والله أعرف...ولكنه لا يهمني....لا يهمني حاليا على الأقل)
رفع وجهها بين يديه ممسكا به بين كفيه ناظرا بحنان لدموعها المسكوبة على وجنتيها قائلا برفق صارم(والآن ستكوني كأي فتاة مطيعة وتنفذي ماأطلبه منك دون مماطلة....وطلبي حاليا أن تستعدي بتجهيز أشيائك من أجل رحلة جماعية في نهاية هذا الأسبوع)
كادت أن ترد بشيء لاذع كالعادة لتسمم عليه ما تبقى من ثباته....ألا يكفي أنها أخيرا بين يديه وهو يحاول بكل حزم أن يتحدث بثبات أنفعالي يحسد عليه....فما يشعره بداخله...إذا خرج لتراه لايظن أن (الكره) ستكون الكلمة المناسبة لتلقيها بوجهه كي تتعطنه بها....
فقاطعها بنفس الصرامة وبصوت جعلها تتوتر من جديد(وهذا أمر غنوة...ولن يرحل أحد بدونك....ولأخر مرة سأحذرك من غضبي أتجاهك ياغنوة)
تركها فجأة مواليا إياها ظهره ليرحل بخطوات حاسمه ليجعلها تظن بأنه لا يتحمل الجلوس أو الاجتماع معها في مكان واحد مثلها تماما....وهذه معظم الحقيقة تقريبا....فلو جلس معها أكثر من ذلك سيفعل ما أراده منذ بداية المحادثة....وهو أن يقبلها حتى يشبع وليصل عن طريق شفتيها لقمة النشوى.....حسنا يبدو أن اليوم...هو اليوم العالمي للجنون الجاسمي......
وبمجرد ماقام بركوب سيارته المركونة في مرآب الفيلا حتى رن جرس هاتفه فرفعه مستمعا لمحدثه الذي قال(سيد جاسم لقد استيقظ....ما المطلوب منا لنفعله؟!)
ضغط على الهاتف بقوة حتى كاد أن يتهشم...ردا بجمود تالف(لا تفعلوا شيئا حاليا....أنا قادم إليك لأبلغكم بنفسي ما تفعلوه)
ثم أغلق الخط مديرا سيارته وانطلق بها برعونة مندفعة......كي يرى بنفسه ما استمر في البحث عنه لمدة طويلة....مدة طويلة جدا...


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-19, 08:46 AM   #17

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي رواية(لحن مفقود)

صباحكم معطر حبيباتي.....إليكم الفصل الخامس من رواية لحن مفقود....أتمنى أن ينال إعجابكم🌹🌺

الفصل الخامس
****************

بصوته الجهوري القوي أمر رجاله بفتح البوابة الحديدية الضخمة التي أحدثت فور فتحها صريرا عاليا....دخل المخزن القديم بخطوات مهيبة...ثابت الانفعال لاتتبين شيئا على ملامحه المغلقة....
حدق بتمعن في الجسد الممدد على أرضية المخزن القديم المليء بالأتربة والدماء تتدفق من كل أجزاء جسده تقريبا...اقترب منه قائلا بتهكم بارد(انظروا ماذا لدينا هنا؟؟...إنه الحارس الهارب...الذي اختفى تماما مثل الزئبق فور وقوع الجريمة...أتعلم ما الجريمة التي أتحدث عنها هنا أم أشرحها لك؟!)
رفع جسده بصعوبة متكئا على الحائط الموجود خلفه ...ناظرا للخيال الضخم المتجسد أمامه حتى أتسعت عيناه برعب حقيقي وقشعر بدنه من منظره المرعب ولم تساعد إضاءة المكان في إضافة أي شيء أدامي على شكله المظلم...هز رأسه سريعا وهو يهتف بتلعثم شديد(سيد...سيد جاسم...أنا...أنا لم أهرب قط...لقد...لقد جاءني اتصال من عائلتي تلك الليلة يطالبون مني المجيء في الحال وأنا...)
قاطعه بنبرة قوية جمدت الدماء في عروقه وبثت الرعب في قلوب من حوله من رجاله (كااااذب....أنت تكذب....ولا تعلم عقاب هذا الكذب...لهذا سأعطيك نصيحة ستنفعك فيما بعد لو أردت النجاة بنفسك مني فلا تكذب وإلا...)أتبعها بابتسامة بسيطة جمعت بين الشراسة والوعيد(وأنت تعلم وإلا ماذا؟ أليس كذلك؟!)
هز رأسه مرة أخرى وبسرعة أكبر وهو يشعر بالزعر يتلبسه قائلا بتوسل(أرجوك سيد جاسم....أرجوك...أنا لم أفعل أي شيء لقد...لقد كنت خائفا....من سيادتك....ومن الشرطة...فهربت خوفا من أن تأتي قدمي في ذلك الموضوع....أو...أو أتلبسه بمفردي..وأنا بريء سيدي.....صدقني بريء)
أقترب جاسم منه أكثر ثم جلس على الكرسي الموضوع أمامه...نظراته تقدح شرارا من الغضب الشديد...مما جعل الحارس يزدرد ريقه في خوف جلي....فتمتم بصرامة(لمَ لا أصدقك...وأشتم رأئحة الكذب التي مازلت تفوح منك...رغم تحذيري لك؟!...وليس الكذب وحسب...بل والمراوغة...أنت تراوغني أيضا...كأن من يجلس أمامك فتى غر...وأحمق...وهذا يشعرني بشعور سيء إتجاهك....سيء جدا)
أرتسم الرضا على وجهه وهو يرى ملامحه التي بهتت تماما وأرتعاشه الذي أزداد...ومن يرَ شكله الحالي يقسم بأنه جالس في حضرة ملك الموت وليس إنسان مثله من لحم ودم...
فاستطرد مكملا عنه بجفاف حينما وجد أنه لا يستطيع الرد(ثم أن الخائف...يختفي لمدة بسيطة ولكنه في النهاية يظهر ليبين براءته...لا يظل هاربا كمن أرتكب أمرا جللا ويجعلنا عاما كاملا نبحث عن أثاره في كل مكان من الممكن أن يتواجد فيه...ولكنه للأسف أختفى من كل مكان وبشكل تام...وتكون الشرطة أيضا تبحث عنه ولا تستيطع الإمساك به....ألا ترى بأنها مصادفة عجيبة قليلا....ولكني أفضل منهم أليس كذلك؟!وأبحث بشكل أفضل أيضا عن الإبرة التي أختفت وسط كومة القش....فأنظر أنت جالسا في حضرة من في النهاية....والآن سأسألك مرة أخيرة...ثم صدقني لن يكون هناك وجود لأي سؤال متحضر بيننا...وهذه المحادثة ستكون النهائية معي....ماذا حدث تلك الليلة....وبالتفاصيل الكاملة؟!)
هذه المرة بكى بشدة....وهو يتوسل بالقول طالبا الرحمة...هاتفا من بين شهقاته برعب(أرجوك سيد....جاسم..أرجوك...
سيقتلوني...لو نطقت بحرف واحد سأقتل في التو واللحظة....صدقني...لذلك....لذل� � هم من أعطوني المأوى للإختباء فيه....منك ومن الشرطة...أرجوك الرحمة سيد جاسم....الرحمة)
ضحك جاسم ضحكة عالية جلجل صداها في أرجاء المخزن الفارغ قائلا بلهجة قاتمة بشعة(وإذا لم تنطق بالحرف الواحد بل وباقي الحروف أنا من سيقتلك وبيدي العارية هذه...حسنا أتطلب الرحمة....وأين كانت تلك الرحمة في قلب من قتل أخي وكاد أن يقتل عروسه في ليلة زفافه......لن أقص عليك تفاصيل باهتة...فأنت بالطبع تعرف كل شيء وستخبرني به الآن وفي التو واللحظة)
أشتد بكاؤه فأدار عينيه بسأم وانتظر خمس دقائق بالضبط.....وحين انتهت المهلة ألتف بحدة لأحد رجاله المنتصب بجانبه ثم أستل منه سلاحه ساحبا الزناد بعزم أكبر جعل الآخر يهتف سريعا بذعر بعد توقفه عن البكاء بشكل تام(سأتحدث....سأتحدث....سأبلغ� � بكل ماأعرفه...أرجووووك)
.................................
خرج من المخزن مرهقا شاعرا بثقل خطواته على الأرض.....وأيضا بثقل الأحمال على روحه....فتح هاتفه الذي أغلقه بمجرد وصوله للمخزن وطلب رقم معين وحالما جاءه الرد تحدث بهدوء لا ينبأ عن عواصفه الداخلية الملغمة(مرحبا دكتور...أردت سؤالك عن شيء هام يخص غنوة)صمت قليلا ثم فسر كلامه قائلا(أنا أسير على نفس الخطوات التي أبلغتني إياها معاها...مع مراعاة عدم التطرق لتلك الليلة بأي شكل كان....ولكن أرادت أن أعرف أكثر ماذا لو سألتها عما حدث معها تلك الليلة؟..ماذا لو عرضت عليها تفاصيل لن يفدني فيها سواها؟....لذلك أتصلت لأعرف منك خطورة هذا الأمر عليها وعقباته)
تحدث الطبيب بلهجة تحذرية(لا...لا أنصحك بهذا جاسم...وخصوصا في الفترة الحالية...غنوة قطعت شوطا كبيرا في علاجها النفسي...لم أكن أتخيل أن تقطعه في هذه الفترة القصيرة...ولكن يبدو أنك ذات تأثير قوي عليها....وهذا ما سأنصحك به ياجاسم حاليا أن تخرجها أولا من قوقعتها ثم تسألها فيما بعد ما تشاء.....كي لاتتدهور بداخلها مرة أخرى)
زفر بحدة وتلاحقت أنفاسه شاعرا ببداية فقد أعصابه فقبض على سلمياته.....هاتفا بهياج تام(ولكن الموضوع هام أنه يخص وفاة سامر...يجب أن أعرف بعض الأشياء الهامة التي حدثت معهم...لمَ لا يفهمني أحدا؟!)
جاءه صوت الطبيب هادئا عمليا كعادته(لقد أبلغتك مالدي ياجاسم من الناحية الطبية وعقبات ماسيحدث لها بعدها...والقرار هنا بيدك أنت فقط....وأعتذر لأني لا أعطيك ماتطلبه)
ختم مكالمته وارتسم الوجوم على ملامحه....يعلم بأنه عليه الصبر والتريث فيما يخص غنوة ولكنه في نفس الوقت يكاد يفقد حلمه هذا للوصول لقاتل أخيه....عام كامل مر ولم يصل بعد للشيء اليسير مما حدث في ليلة زفاف أخيه...حتى الكاميرات الموزعة حول الفيلا الخاصة بأخيه لم تفدهم بأي شيء حيث كان واضحا بأن هناك من يتستر على هذا الموضوع فكل مايخص هذا اليوم أنمحى من على وجه الأرض....وكأنه لم يحدث قط....وهو عاجز تماما عن الوصول إليه....ولكنه ما يشعره ببعض الراحة بأنه وصل تقريبا لبداية الخيط وما عليه سوى الاجتهاد للوصول لنهايته أليس كذلك؟!
يقول الطبيب بأنه ذات تأثير قوي عليها...ابتسم بسخرية في داخله....تأثير قوي وياله من تأثير فهي كادت تقتله تقريبا في الدفعتين السابقتين....نعم هو في البداية أستفزها بوفاة سامر وبأنه يتحرك بدونها ولا يحتاجها ولكنه على العكس يحتاجها بشدة ويحتاج أن يعرف ماذا حدث؟...تلك الليلة التي أنتهت بها ناطقة على يديه...حذره الطبيب من تكرر الأمر معها وأن هذه المرة حالفه الحظ فقط لا أكثر...ولو حاول ذكر تلك الليلة مرة أخرى معها قبل أن تشفى تماما قد يحدث لها إنتكاسة لن تخرج منها أبدا مهما حاولوا....فأصبحت حركاته معها تحت إشراف الطبيب فقبل أن يخطو خطوة إتجاهها يستشيره في الأمر فهو لا يريد وقوعها في القاع مرة أخرى....لايريد صمتها وخضوعها...بل يريد قوتها...شراستها في مجابهته....حتى لو كانت تغرس سكينا باردا في قلبه في كل مرة يقترب منها....ولكن سيتحمل....من أجلها ومن أجل شفائها سيتحمل....ركب سيارته ناويا الذهاب لمنزلهم مرة أخرى لرؤية والده تلك المرة بعد عودته من السفر...وليبلغه بأخر الإحداثيات...فوالده يعتمد عليه بشكل كلي وخصوصا في هذا الموضوع....فبعد رحيل سامر يشعر أن والده انتزعت منه قطعة من روحه....ورغم ثباته وقوة تحمله ومحاولاته لاستمرار حياتهم مثلما كانت في السابق..... إلا أنه يشعر بأنه على وشك الاستسلام...الاستسلام التام....وماأسهل الاستسلام....حين تنهك روحك فلا تجد مفر سواه.....
................................
بمجرد إنهائه المكالمة مع جاسم أخذ يبحث عن رقم بعينه على هاتفه وحين وصل إليه أتصل به بلا تردد وحالما جاءه الرد....هتف بالقول الحاسم(أسمعني جيدا أنا لن أستطيع تعطيل جاسم أكثر من هذا....لقد تحدثت الفتاة بالفعل....رغم الدواء التي كانت تتناوله إلا أنها تكلمت وقد تبوح بكل شيء...وفي وقتها أنا لا أعرف من أنتم وماذا تريدون!!)
********************************************
كانت تتلاعب بشرود في طعامها حين جاءها قول والدها أمرا إياها(يمن....كُفي عن العبث في طعامك)
رفعت رأسها مجفلة تنظر حولها بإرتباك حتى ثبتت نظراتها على معاذ الناظر نحوها بتساؤل وحيرة..x تنهدت بعمق محولة أنظارها لوالدهاx الجالس على رأس مائدة الطعام ثم تمتمت معتذرة(أعتذر أبي....لقد سرحت في موضوع هام...وأريد أن أشارككم إياه...لكي أعلمهم بالرد النهائي فيه)
تثبتت ثلاثة أزواج من العيون عليها بترقب لما ستقوله....ولكنها نظرت لمعاذ فقط وهي تبلغهم بالقول الخافت(لقد جاءتني فرصة عمل كبيرة....كمديرة دعاية وإعلان في مجموعة شركات كبرى تعود لعائلة الهواري....لقد جلبها لي السيد توفيق ونصحني بالقبول....حتى جامعتي تحدث معهم السيد توفيق عليها وسيعطوني المساحة المطلوبة لحين الانتهاء منها بشكل تام)
أدرات أنظارها على وجوه والداها ووالدتها التي ارتسم بوضوح على محياهم السرور والسعادة والفخر حتى هبت والدتها من على كرسيها لتزغرط بقوة كادت أن تقطع أحبالها الصوتية ولم تكن لتتوقف سوى بقول والدها الصارم(اصمتي ياامرأة.....ستفضحينا في المنطقة)انحرجت الأم وهي تبرر موقفها بالقول(ماذا ياأبا معاذ؟.. ابنتي أصبحت مديرة ألا يحق لي الاحتفال بها)
لم تنتبه لباقِ الحديث الدائر حيث لفت وجهها لمعاذ الذي غلفه الغموض والهدوء وكأنه في انتظار تفسير أكبر وتوضيح أعمق منها.....استمعت بشكل ضبابي لأسئلة والداها وأجابته بهدوء عن استفساراته بشأن عملها الجديد....وأنتهى الحوار بنصيحة والداها بصلاة الاستخارة أولا ثم إبلاغهم بالرد في وقت لاحق....وقف الأب على قدميه كي يلحق بالصلاة في المسجد داعيا معاذ للذهاب معهx فرد على طلب والده بقوله(حسنا أبي....أسبقني وأنا سأتوضأ
أولا...وسألحقك مباشرا)
حالما خرج الأب ليلحق بالصلاة... وأنشغلت الأم بعمل حلوى خاصة لتلك المناسبة السعيدة..x حتى وقعت تحت تفحص نظرات معاذ الحادة فأرتبكت وهي تشيح بوجهها عنه قائلة بدفاعية(ماذا!؟لماذا تنظر لي هكذا؟!كمن أرتكب جرم مشهود)
عبس معاذ ثم هتف بها بصرامة(لا أحب هذا الأسلوب يمن...وهذا يجعلني أثق في حدثي بأنه هناك حقا ما لم تتحدثي عنه في محادثتك العصماء....لذلك لمَ لا تتكلمي مباشرا عما يقلقك من وظيفة الأحلام؟!)
لانت نظراتها بحنان حتى دفاعتها السابقة التي أشارتها في وجه بكل صفاقة تلاشت تماما....كيف نست بأنها جالسة في حضرة معاذ... الأب الروحي لها...الذي يفهم نظراتها قبل كلامها....استقامت واقتربت منه ببطء ثم أرتمت في أحضانه وهي تتنهد براحة وسكينة لطالما كان حضن معاذ هو ملجأها الأمن فمهما ذهبت في حياتها لن تجد الأمان سوى لديه...بعد استكانتها في حضنه الدافيء تحدثت برفق(أولا أعتذر عن أسلوبي السابق معاذي...ثانيا ليس هناك مشكلة في وظيفة الأحلام سوى أنني قلقة...وهناك رهبة تتلبسني بأنني سأفشل في التعامل مع هذا المركز العالي تماما على يمن...لهذا تجدني في هذه الحالة الغريبة....فلا تحزن مني أرجوك)
ربت بدفء على ظهرها وهو يحثها بالقول المندهش(يمن قلقة وخائفة...ماهذا اليوم العالمي...لو يمن كذلك فمن سيشعر بالقوة والفخر لوصوله لهذا المركز رغم صغر سنه...من سيثق في موهبة نادرة حباه الله بها لينفرد بها في مجال عمله ودراسته...أتعلمي ماذا عليك أن تشعري حاليا؟....تشعري بالدلال لنفسك...عليكي بتدليل نفسك لما وصلت إليه حبيبتي....وأنا حقا فخور بكِ صغيرتي)
ثم أعقب كلامه بالتساؤل لها(ولكن يمن لما لا أستشعر السعادة في صوتك...أشعر وكأنك مجبرة على شيء ما لا أعلم كهنه....هل هناك مشكلة في تلك الوظيفة الجديدة؟!شيء لا يريحك البتة....لو كان كذلك فلا تقبلي بها حبيبتي...مازال الطريق أمامك وتستطيعي الوصول في وقت قصير...قصير جدا)
كبحت دموعها بقوة التي كادت أن تنفلت منها مع إعترافها الكامل لمعاذ حول رئيسها الجديد في هذه الوظيفة المرموقة....ولكنها تعلم جيدا بأن معاذ حين يعرف كل تخبطاتها حول العمل حتى يمنعها تماما عنه ولو كلفه ذلك حياته....فمن غيرها قام بتجربة الحس الحمائي لدى معاذ...وهي تريد أن تكون عنصر فعال معه لتخفف قليلا من أحماله التي تزداد يوم خلف يوم.....استقامت على قدميها ورسمت الطمائنينة على محياها الرائع وهي تتمتم بقولها الخافت العابث(معاذي أتغار مني!!ثم أني أخبرتك بما يقلقني...فلما تضخم الموضوع...لا يوجد ما يقلق من الوظيفة...فالشركة من أشهر الشركات الإقتصادية داخل وخارج البلاد...ويكون فخرا لأي شخص إذا حصل على أقل وظيفة بها....والآن هل تتهرب من مكافأة الوظيفة الجديدة؟!أم ماذا؟!)
استقام وقد لانت نظراته إتجاهها...عليه الاعتراف بأنه يمتلك نقطة ضعف واحدة في حياته وتلك هي يمن...جوهرته يمن...ثم ضحك بشدة وهو يقول(هل سأكون أنا دوما من يدفع وأنتِ تأكلين فقط دون مشاركة...ليكن في علمك سألحق الآن بالصلاة مع أبي ولكن حين آتي منها يجب أن أحصلx هذه المرة على مكافأة منكِ....وحتى ذلك الحين ستفكرين كأي فتاة مطيعة ماذا ستجلب لأخيها الأكبر كهدية بمناسبة ترقيتها )
ثم اقترب منها وقبلها قبلة حانية على جبينها وهو يدمدم مباركا(مبارك صغيرتي.....أتمنى أن أراكِ دوما في أعلى المناصب....فأنا حقا فخور بكِ....وفخور بأنكِ أختي أنا.....لكن لو ضايقك أي شيء من تلك الوظيفة فقط أعلميني عنه لنتصرف سويا مثلما أفعل حين أقابل موقف سيء فأشارككِ إياه)
هزت رأسها موفقة وهي تشب على أطراف أصابعها لتقبله على خده هاتفة بمرح(أنا هي المحظوظة معاذي لأنك أخي أنا....ونعم بالطبع سألجأ لك ومن سواك؟!....ولكن أردت أن أذكرك بأن أبي في إنتظارك في المسجد ولو علم بأنك تأخرت بسبب أشواق أخوية مكبوتة لغضب بشدة....فهيا لتلحق بالصلاة حبيبي ولا تنساني في دعائك)
وافقها في القول....ثم سأل والدته إذا أرادت شيئا من الخارج.....وحالما خرج أخبرت هي أمها(أمي....أنا في غرفتي لأنجز بعض الأعمال.. هل تريدين مني أي شيء لأفعله؟)
نفت والدتها حاجتها إليها وبأنها تقوم بعمل أشياء بسيطة ولا تحتاج للمساعدة...وبمجرد دخولها غرفتها الصغيرة حتى أفلتت منها شهقة بكاء عالية فوضعت يديها على فمها لتكبحها بعزم...ثم ذهبت لسريرها فارتمت عليه ووضعت الوسادة فوق وجهها لتبكي بحرقة لم تبكِ مثلها من قبل....وشهقاتها تزداد حدة وكأن روحها تريد الخروج من جسدها....لا تعلم ماذا يحدث معها...تشعر بإضطراب غريب في كيانها وكأن موجات سلبية تلبستها ولا تريد مفارقتها.....من المفترض بحالتها أن تكون النقيض من ذلك....فلمَ تشعر بكل هذا الإحباط إتجاه قبولها لتلك الوظيفة؟!...ولمَ لاتضع حدا له وترفض الوظيفة بكل احترام وتظل في نفس وظيفتها مع السيد توفيق حتى تجد الأفضل؟!...حيرة....حيرة بشعة تملكت منها...جعلتها تقع لقمة سائغة بين أريد ولا أريد....والمصيبة أنها في كلتا الحالتين تعرف عقبات كل منهم....فأريد تعني أن تتورط مع رئيس عمل منحط الأخلاق ذات نظرات تعري كل أنثي تقع أمام عينيه بلا تحفظ أو صيانة للأعراض....ولا أريد تعني أن تظل في وظيفتها لدى السيد توفيق حتى إشعار آخر بنفس راتبها ونفس مكانتها مهما أعطت وأجتهدت ستظل في نفس المحل بلا تقدم....
إلا أن هناك هاتف خفي بداخلها يحثها على المقامرة.....وما أدراها من تلك المقامرة...وما ستجلبه لها من عواقب قد لا تكون بالقوة الكافية لمجابهتها بمفردها....
فهل سبق وسمعت عن ريشة صدت عاصفة عاتية جاءت على غفلة منها وهي وحيدة تماما وبلاx أي دفاعات ؟!
********************************************
صباح اليوم التالي

تبخترت في مشيتها بخيلاء وهي تدلف إلى داخل مكتبها ومن خلفها تهرول مساعدتها صفاء....وصلت لكرسيها فجلست عليه بلامبالاة وهي تأمر صفاء بجلب أوراق العمل....كم تحب أن تكون متحكمة بأعصابها ومسيطرة على ردود أفعالها...تمقت التشتت والإضطراب....كما أنها تمقت أن ترى نفسها عاجزة وبلا حيلة....ولكن لابأس مادام كل شيء تحت السيطرة فلابأس....
دخلت صفاء مرة أخرى حاملة أوراق العمل التي طلبتها منها....وقدمتها إليها...وأثناء قرأتها إياهم سمعت صفاء تتنحنح بالقول(رؤى هانم)
لم ترفع رأسها بل أكتفت بالتمتمة(اممم)
جاءها صوت صفاء المتردد(لقد...لقد أمرتيني بأن أبلغك بأي شيء يحدث في أرجاء الشركة...ولا أغفل عن أي أمر وخاصة ما يخص المسئولون عن قسم الهندسة)
كل السيطرة التي أدعتها منذ قليل تبخرت وهي ترفع رأسها بحدة مزمجرة بخشونة(تكلمي...الآن)
ارتبكت صفاء أكثر أمام ربة عملها وطباعها المقيتة.....ولكن في النهاية تكلمت بتلكؤ(حدث مشكلة في مشروع لأحد العملاء الهامين لدى الشركة بسبب المهندس المسئول عن المشروع وكاد أن يطرد من وظيفته بسبب ذلك الخطأ لولا تدخل مهندس آخر في الصورة وإصلاحه للوضع)
احتقن وجهها وهي تتسأل بصرامة حادة(لمَ لم يعرف أحد من أعضاء الإداراة بهذا الموضوع ؟!وشكوى العميل أيضا لمَ لم يقدمها للإدارة لترى الحل الأمثل وتنفذه؟!)
ردت صفاء موضحة بخفوت كمن يفشِ سر خطير لعدو في الحرب(هناك الكثير من تلك المشاكل التي تحل قبل وصولها للإدارة وهذا يحدث منذ فترة....تقريبا منذ مجيء المهندس الذي حدثتك عنه...فهو يتدخل تقريبا في كل المشكلات التي تأتي من العملاء بخصوص قسم الهندسة...والغريب في الأمر أنه يعمل على حل تلك المشكلات بمنتهى السهولة فلديه كريزما خاصة بالإقناع ولا يستطيع أي شخص مقاومتها...وفي النهاية يلبوا هؤلاء العملاء طلباته صاغرين)
انغرزت أظافرها في باطن كفها...وعيناها أصبحت ترسل شرارا فتسألت من بين أنفاسها (مااسم هذا المهندس؟)
ردت صفاء بسرعة خوفا من غضبها المكتوم(معاذ....البشمهندس معاذ منصور رضوان)
هبت على قدميها بحدة جعلت كرسيها يحدث صريرا مزعجا والتفت حول مكتبها...وهي تفكر لمَ لم تندهش عند سماعها هذا الاسم؟؟ لقد شعرت بأنه هو لاتعلم لمَ!!!ولكن هناك حدث نبهها بأن وصف صفاء لا يمكن أن ينسب لأحد غيره....هو نفس المهندس المتبجح الذي تجرأ على تحديها أمام موظفيها....وها هو بمجرد رجوعه أنتفش ليأخذ حجم أكبر من حجمه...وهي لن تكون رؤى البلتاجي إذا لم تضعه في مكانه الصحيح...وتريه حجمه الطبيعي....
اقتربت من مساعدتها وهي تهمس بصوت كالفحيح(أرسلي في طلبه كي يأتي لمكتبي في الحال....فمن الظلم ألا أتعرف على هذا المهندس الرائع أليس كذلك؟!)
حين وجدت صدمة الفتاة أمامها واتساع حدقة عينيها برهبة أمرتها بصوتها القاسٍ(الآن صفاء هيا أسرعي في طلبه...الآن)
هزت صفاء رأسها بإرتباك وعيناها تتسع تلك المرة بذعر وهي تهتف مهرولة لتخرج من المكتب المرعب(حالا أنسة رؤى.....حالا)
بمجرد خروج صفاء قست تقاسيمها وهي تقسم في داخلها بأنها ستجعله يدفع الثمن...سيدفعه غاليا....حسنا يابشمهندس معاذ لنرى طول أنفاسك معى....فإذا لم أدفعك لترك تلك الشركة وبلا رجعة هذه المرة فلن أستحق اسم رؤى البلتاجي....
جلست على الأريكة الوثيرة واضعة قدميها فوق بعضهم شامخة رأسها...بحلتها الفيروزي التي أضافت عليها رونق خاص زادها ثقة وغرور....
وصل لمسامعها صوت طرقات خفيفة على باب مكتبها فدعته للدخول بعنجهية تامة....فدخل بهدوء تام وهو يجول ببصره في أرجاء المكتب وكأنه...وكأنه يقيمه...كيف يجرؤ؟؟...أجلت بصوتها وهي تدعوه بالقول اللاذع(تفضل بالجلوس بشمهندس معاذ...أريدك لتوضح لي بعض الأمور )
أخيرا حول نظراته إليها وتفحصها بتعمن وكأنها كائن فضائي يريد دراسته ليتعلمx ماهي أفضل طريقة للتعامل معه؟!....وبعد فترة التفحص الشامل لها تكلم بصوته الرجولي الهاديء(مرحبا أنسة رؤى....هل يوجد أمر خاص لهذه الدعوة؟)
حسنا يبدو أنها عليها أن تعطيه الأوسكار في إخراج أسوأ أعصابها حين تواجهه....به شيء يجعل دفاعاتها في تحفز وكأنها على وشك فقد سيطرتها أمامه... وهذا يغضبها...يغضبها بشدة...
اعتدلت في جلستها وهي ترمش بعينيها لترد باستفزاز(بالطبع هناك أمر هام لدعوتك...فأنا لم أدعك لتسلي وقت فراغي في العمل أو لنتسامر سويا كصديقين حميمين....وهذا أول شيء أريد تنبيهك عليه أن تدرك الفرق بين الرئيس والمرؤوس...وألا تتخطى تلك المكانة مهما حدث يا بشمهندس معاذ)
تصلب جسده بشكل تام حتى وجهه تجمد تماما وهو يرمقها بنظرات جامدة كالصقيع....وبعد حرب النظرات الباردة التي دارت بينهم بين باردة ومتحدية إلا أنه تحدث في النهاية قائلا بفتور(هل هذا هو سبب دعوتك لي؟! لأعرف مكانتي في الشركة!!كان بإمكانك إرسال تلك الرسالة مع أحد موظفيك المخلصين...بدل من إضاعة وقتك الثمين على موظف لا يعرف قواعد الشركة ويتخطى الحدود الموضوعة...والآن هل هناك شيء آخر تريدين إبلاغي إياه آنسة رؤى...حتى لايضيع الوقت أكثر وبلا جدوى....فكما تعلمِ أنا أتلقى أجرا هنا ولا أريد لشركتك أن تعطيني إياه بلا مقابل)
تلاحقت أنفاسها كمراجل مشتعلة من نيران الغضب الأعمى...وانتفضت على قدميها وهي تقترب منه مطرقة بكعبي حذائها العالي ذات الصوت المستفز كصاحبته....ثم نهرته بالقول الغاضب(ألتزم حدودك يابشمهندس...وتلك ستكون المرة الأخيرة لتنبيهك لمقامك هنا ...وأحذرك من التمادي فيجب عليك أن تعرف جيدا في حضرة من أنت واقفا)
كانت ملامحه تقريبا بلا تعبير إلا أنه حرك شفتيه بثبات يحسد عليه(هل هناك شيء آخر أنسة رؤى؟!)
كادت أن تتلبسها هيستريتها المعتادة وتتطرده في التو واللحظة.. ولكنها لن تفعل ستتحكم في أعصابها لجعل أمر طرده يكون من قراره هو تلك المرة فهي لاتريد المزيد من الخلافات مع والدها وعلى موظف لا يستحق.....
هتفت بحنق(بالطبع هناك شيء آخر...حين يحدث أي مشكلة مع أحد العملاء لاتتدخل فيما لايخص عملك....وتتحول المشكلة لأحد المدراء ليقوم بحلها فذلك عملهم هم وليس عمل مهندسين الشركة....فالتزم بهذا العمل فقط وإلا ستجازى لتخطيك حدودك المرسومة مرة أخرى)
شعرت وكأن الاستهزاء كاد أن يرتسم على وجهه ولكنه قمعه بمهارة...فرد بنفس الثبات والهدوء الجاف وكأن كلامها لم يؤثر على شعرة واحدة منه(يبدو أن المعلومات تصلك ناقصة أنسة رؤى....فمديري المباشر هو من يعطيني الأمر بالتصرف بشأن تلك المشكلات والتدخل الشخصي مني لحلها...وإلا لم أكن لأتدخل فيما لا يعنيني كما تدعين....والآن أعذريني لقطع هذا الحوار فلدي عمل عليّ تأديته حتى لا تضيع أموال شركتك هباءً...وحين تريدي إعطاء أوامرك أو تعليماتك بخصوص عملي فأتمنى أن تبلغيها لمديري وهو سيعلمني بها لا تقلقِ)
وأعقب كلامه بأن أدار ظهره لها ورحل ببساطة....هكذا دون استئذان رحل....وكأنها ذرة غبار طرفت عينه فأزالها برموشه ليس أكثر....حسنا في النهاية يجب عليها أن تعرفه مكانته ولن يشغلها شيئا في الأيام المقبلة سوى ذلك....وهذا وعد منها بذلك....
.....................
أما معاذ حالما خرج من مكتبها حتى سمح لوجهته الباردة بالتقشع واكتساه بالكامل الغضب الشديد والإنزعاج التام لقد تحكم بأعصابه لأقصى الحدود ولو كان بيده لجعل منها مادة دسمة لكل الألفاظ اللاذعة التي تستحقها وبشدة تلك المغرورة...لا يريد أن يخسر وظيفته مرة أخرى بسبب تلك المدللة فهي لا تريد أن تجد من يقف أمام وجهها ويرفض أوامرها التي تصدرها بعنجهية تامة وكأنها سيدة الكون.....وهو ببساطة لن يكون أبدا خادما مطيعا لها....فالحياة والبشر ليسوا ملكها لتتحكم بالبشر مثلما تفعل....كم يمقت أمثالها!!ويحتقرهم!!!....
دلف لمكتبه الذي يتشاركه مع ثلاثة من زملائه عزة وشريف ونادر.....وهو يعد أجددهم....
وحين دخل تقدمت منه عزة متسألة بلهفة وحيرة وتقدم في أعقابها زميله شريف(ماذا أرادت منك ابنة الرئيس؟!هل هناك مشكلة؟؟)
تنهد بتثاقل رافعا يداه ليمسح بهم وجهه وهو يدعو ربه أن يعطيه الصبر كي لا يتهور في أفعاله....حكى بإختصار شديد عن سبب إستدعاء ابنة مألك الشركة له وبأنها تأمره بالابتعاد عن مشاكل العملاء....فهتفت عزة بسخط وغضب(ياآلهي تلك المغرورة...ألا تعلم بأنك تنقذ نصف عملائهم قبل أن يفروا هاربين....كما أن المدير بنفسه هو من يأت إليك مهرولا لتنقذ الموقف)
قاطعها بصرامة قائلا(أنا لا أفعل ذلك لأذلهم به فيما بعد..كما أن تتدخلي يكون لهدف أسمى وهو ألا يخسر أي موظف وظيفته بسبب خطأ يمكن تصحيحه....فالإنسان ليس مثاليا كي لا يقع في الخطأ....وإذا لم يخطأ فلن يعرف المكان الصحيح أبدا مهما حاول....وهذا ما يجعلني أتدخل في تلك المشاكل...ليس إثبات شهامة مني أو لأخذ نقاط منهم لتكون في رصيدي)
صمتت عزة وهي تنظر له بهيام واحترام لن يقل مهما حدث...لا تظن بأنها قد تراه في مكانة أعلى مما تراه...كم تعشق مبادئه وقيمه.....فرغم وجوده بينهم من مدة ليست بطويلة إلا أنه أكتسب محبة الجميع أما هي فقد أطاحها عند قدميها من عشقها له....عشق تعلم بأنه ميؤس منه...فهو لا يراها سوى زميلة عمل لا أكثر....وذلك يعذبها...يعذبها بشدة.....ودعوتها الوحيدة التي تدعوها من كل قلبها أن يشعر بها....حتى ولو قليلا ستكون أسعد إنسانة وقتها...وأيضا ستكون راضية....بل ستكون في تمام الرضا....
********************************************
منغمسة في دراستها كالعادة....فهي منفسها الوحيد التي تخرج به كل طاقتها لعلها تعوض بها ماخسرته ومازالت تخسره حتى الآن...
رن هاتفها فرفعت عيناها عن كتبها لترى من يتصل بها وحالما وجدت الاسم حتى تأففت بنزق وهي تهمس(ليس وقتك نهائيا)
ولكنها حزمت أمرها في النهاية وهي ترد بخشونة(مرحبا كريم.....هل هناك شيء جديد؟)
جاءها رد كريم وهو يقول بلهفة(تغريد...لم أكن أتوقع أن تردي على إتصالي....سعدت لسماع صوتك)
تأففت بنفاد صبر وهي تتسأل من بين أسنانها (كريم أنا حقا مشغولة حاليا...هل هناك شيء هام؟)
رد كريم بلطف شديد ليهون عليها(اعتذر بشدة عن مقاطعتك ولكني أردت سؤلك هل ستأتين غدا لتسليم أبحاثك المؤجلة أم لا؟)
أجابته بنزق(بالطبع سأتي غدا فلم يتبق سوى القليل على إنتهاء الفصل الدراسي)
فقال برقة(حسنا تغريد أراك ِ غدا....تصبحين في خير)
أجابته بجفاف ورتابة(وأنت من أهل الخير ياكريم)
ثم أغلقت الهاتف بدون أن تسمع ماكان سيقوله بعدها...لاتريد أن يقترب منها أي شخص في الوقت الحالي....فحاليا كل ماتشعره هو التبلد....التبلد التام....تشعر بأن أحساسها تجمد وأصبح باردا كالصقيع....وتعلم لمَ تملكها هذا الإحساس فمنذ قليل رأت صورة لرغدة على حسابها الشخصي برفقة سبب أوجاعها....مجاهد....في شقتهم المستقبلية...وما وجعها وبشدة هو أن تلك الصورة لم تكن مثل صورهم المعتادة بل كانت في الصورة رغدة ناظرة بإتجاه الكاميرا مبتسمة بثقة وترفع... وهوx لم تكن نظراته موجهة للكاميرا بل كانت موجهة لها....لها فقط...ويالها من نظرات ذبحت قلبها المسكين ورقصت فوقه شامتة من بؤسها وقلة حيلتها إتجاهه.....ورغدة لم تنس قط التعليق على تلك الصورة بما يناسبها واضعة جملة معتادة أنتشرت في الآونة الأخيرة وهي(ماأجمل أن ينظر لكِ وكأنكِ أعظم انتصاراته)
غبية.....نعم غبية جدا....فلو كانت محلها لم تكن لتتمنى بأن تكون أعظم انتصاراته....
فالملك حين ينتصر ويفتح بلاد عصية ومنيعة تصبح تلك البلاد هي أعظم انتصار حققه....فيتمتع بها ويأخذ خيرها ويستفيد منها تماما....حتى أنه قد يشيد قلعته الضخمة بداخلها لتكن بصمة خاصة به داخل هذا الانتصار....ولكن حين يزهدها الملك ويجد بلاد أقوى وأشد مناعة منها حتى تتفتح بداخله رغبة شديدة للشعور بانتصار أشد عظمة من سابقه ويخوض تحديا جديدا فينسى تماما انتصاره القديم مادام سيحقق ماهو أعظم منه.....
فلا تفخري عزيزتي بأنكِ أعظم انتصاراته...فبمرور الوقت قد يأتي من هو أشد عظمة منكِ فيترككِ لاهثا خلفه بلا أي اعتبار لوجودك....ووقتها لن يفيدك بأنك كنتِ في يوم من الأيام انتصار عظيم حققه في يوم ما.....
قاطع تفكيرها مرة أخرى رنين هاتفها فتأففت بصوت عالٍ وهي تقسم بأنها ستسب لكريم في نهاية المكالمة حقا ستفسد أخلاقها وتفعل ذلك فهو يستحق هذا حاليا ردت على عجلة وهي تهتف بغضب(ماذا بعد ياكريم؟!)
إلا أن ماجاءها لم يكن صوت كريم اللطيف بل صوت تحفظه عن ظهر قلب يقول بخشونة صارمة(من كريم هذا؟!هل هو شخص يضايقك؟!)
تبخر الغضب وخفق قلبها بقوة حتى إنها رفعت الهاتف من على أذنها لتتأكد بأنه هو من يحدثها...كيف لم تنتبه قبل أن ترد على هاتفها....إلا إنها عبست فجأة وهي تستوعب كلامه لمَ يحدثها وكأنها طفلة صغيرة وتحتاج لرقيب؟...من يظن نفسه؟!...
جاءه رده النافد للصبر(تغريد أجيبي من هذا؟!وماذا يحدث معك؟!لو هناك مشكلة فقط أبلغيني وأنا سأتصرف)
هتفت بداخلها نعم هناك مشكلة ومشكلة كبيرة أيضا إنها أنت ياأعمى البصيرة....
إلا أنها أجابت بإمتعاض وأنفاسها تتلاحق في غضب(لا...لايوجد مشكلة يامجاهد...كريم هذا زميلي في الجامعة ولايضايقني بالعكس لقد كان يطمن عليّ)
سألها بحدة اختفى خلفها إمتعاض حقيقي من الفكرة(ولمَ يتصل بكِ زميلك في هذا الوقت تغريد.....هذا لا يصح.....ويجب أن تضعي حد لأمثاله كي لايكررها ويظن بأنك لقمة سائغة)
أجابته بكل مااعتمل صدرها من قهر لا تشعره سوى معه...معه هو فقط....(ااااه....أنت ترى بأن الخطأ في الوقت ليس أكثر..حسنا مجاهد سأنبهه في المرة القادمة أن يتصل بي باكرا كي لا أصبح لقمة سائغة لأمثاله....ولكن لمعلوماتك فحسب كريم شخص في غاية الاحترام ولم أشعر منه قط بأي تقليل من شأني مثلما تفعل أنت حاليا ومن المفترض هنا بأنك أنت الذي تعرفني جيدا وليس هو)
ظهر الإرتباك في صوته وهو يهدأها بالقول(أهدأي صغيرتي...لمَ كل هذا الإنفعال!!!..أنا خائف عليكِ لا أكثر..ولا أستطيع التقليل من شأنك أبدا....فأنتِ غالية جدا بالنسبة لي)
أغمضت عيناها بقوة كابحة دموعها قبل أن تخزلها فتسقط بعد أن أقسمت على منعهم من الهطول وخصوصا بسببه....ما كانت تخشاه على وشك أن يحدث فهي على حافة فقدان نفسها معه وأيضا على وشك أن ترمي في وجهه اعترافها الأحمق بمشاعرها إتجاهه دون مراعاة لكبريائها أو كرامتها اللاتي ستغمسهم في الوحل بسبب أفعالها الخرقاء....
أخذت عدة أنفاس برتابة لتهديء من أعصابها التالفة وهي تتمتم بإتزان لا يعبر عما بداخلها(لا بأس مجاهد...أعذرني أنت أرجوك فأعصابي متدهورة لإقتراب إمتحاناتي...لذلك تجدني بهذه الدفاعية الحادة...فسامحني لهذا)
رد بحنان(لا بأس عليكِ أنتِ تغريد...أعلم ما تمري به من وقت عصيب....وأقدره بشدة...فلو أردتِ أن تفرغي إحباطك بي...فأنا لن أمانع أبدا...وسأتقبله بكل سرور...والآن لأعود لسبب إتصالي وهو أيضا ما سيساعدك لتخرجي مما أنتِ عليه....باقِ يومين على نهاية الأسبوع لنقوم برحلتنا المنشودة....فأردت أن أطلب منكِ وضع برنامج خاص لنا لنستمتع....فأنا أثق بحسك الترفيهي)
أكملت باقي المكالمة بشرود وفي نهايتها وعدته بتقديم إقتراحاتها في الغد....لشعورها بالإرهاق الشديد وماتحتاجه حاليا هو أخذ قسط وافر من الراحة لتصفي ذهنها المرهق....
أما مجاهد فبمجرد إنهائه المكالمة معها حتى حدق في الهاتف بشرود وناقوس واجم يطرق أبواب تفكيره بأن تغريد الصغيرة قد كبرت أخيرا..ولم تعد صغيرة....وهذا الشيء لم يكن يضعه في حساباته...بل لم يحسب حسابه لهذا قط.....


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-19, 10:47 PM   #18

ban jubrail

? العضوٌ??? » 276280
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 680
?  نُقآطِيْ » ban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond repute
افتراضي

الف مبروك للكاتبة الواعدة همسة بيجونيا وروايتها التي لاتقل جمالا عن روايات كاتبات لامعات في فن الأدب وكتابة الروايات والقصص الهادفة والجميلة . لقد انتهيت من الفصول التي اتمتيها لرواية لحن مفقود لايسعني سوى تهنئتك على هذه الرواية الجميلة والراقية بمضمونها وأبطالها اني بشوق لتكملة فصولها ..تمنياتي لك بالنجاح بكل ماتكتبين حاضرا ومستقبلا .وفقك الله .

ban jubrail غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-07-19, 10:39 PM   #19

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي رواية(لحن مفقود)

اعتذر أحبائي عن تأخري في نزول الفصل السادس وذلك بسبب حدوث حالة وفاة لدي...نسأل الله دائما أن يرحم أمواتنا جميعا...ويسكنهم فسيح جناته.....

إليكم الفصل السادس من رواية(لحن مفقود)

الفصل السادس
****************

في غرفة نومها ممدة على سريرها ناظرة نحو سقف الغرفة ترسم خيالاتها...سارحة في ملكوت خاص به فقط...حتى تجسدت صورته الحبيبة أمامها ورأته رؤى العين...ابتسمت لعينيه وهمست بصوتها الشجي(لم تزرني منذ أسبوع حبيبي...هل تخاصمني؟! أم تختبر نار الشوق وأفعاله بي في غيابك؟! لقد اشتقت إليك...اشتقت لرؤية الابتسامة في عينيك...اشتقت لصوتك الرقيق وبحته الخاصة بغنوة فقط....اشتقت لدلالك وأحضانك يا حبيب الروح....اشتقت لقبلاتك..اشتقت لأنفاسك...اشتقت....واشتقت...يا آلهي ألا حد لهذا الاشتياق....ياحبيبي)
أحست بإبتسامته الهائمة في عشقها وهيامها....ثم اقترب منها وتمدد بجانبها على السرير ذات المفارش الوردية...حبست أنفاسها بترقب حين شعرت بأنفاسه القريبة من وجهه وتحسس برقة بشرتها الناعمة كحركة معتادة منه كلما همَّ بتقبلها ليداعب بشرتها الرقيقة.....انتظرت...وانتظرت.. ..وفي غمرة اشتياقها أغمضت عيناها...وحالما أتخذت وضعية التقبيل.....وتمازجت أنفاسها مع هدير سرعة أنفاسه... وفجأة
تكسرت الغمامة وصوت صارم يهتف بها لتفيق إلا أنها عاندته وأرادت الاستمرار في عالمهم الخاص بهم...وبدون ذلك الإزعاج المُلح...
ألا ييأس...ولكنه أتخذ من عناد الثور منهج له وطبقه بحذافيره حتى أنها شعرت بيد قاسية تسحبها لصدر عريض أشد قسوة....
أحلت مكان الأنفاس الرقيقة أخرى حادة مزمجرة وصوت يهتف بنفاد صبر(غنوة هل تريدين الاستيقاظ بقبلة الحياة أم ماذا؟!!لأنه لة كان الأمر كذلك..فأنا لن يكون لدي أي موانع لتلبية طلبك المنشود)
بعد ذلك حدث كل شيء في لحظة واحدة...ففجأة اخترق كلامه الوقح دفاعاتها ووعيها الثابت فشهقت باستنكار وهي تفتح عيناها على اتساعهما ثم رمشت بهم عدة مرات بإجفال وبوادر الاستيعاب تطرق ذهنها اليقظ وتمثل ذلك في سؤال خطر كان كالناقوس (ماذا يفعل جاسم في غرفتها؟!وعلى سريرها!!!)
قريبة منه للغاية وهو أراد للحظة مجنونة أن يمزجها معه...أراد أن يسحق أنفاسها اللاهثة بين أنفاسه ليتذوق رحيقها اللذيذ....وتلك لحظة....مجرد لحظة....هبت على ذهنه الهائم بالغنوة الشاردة الواقعة بين يديه...وهو لو استغل تلك اللحظة لندم لباقِ لحظات عمره المتبقية....
فالقانون موثق ومعروف لدى الجميع ومنذ عهود ولت بأنه لا تغريك أي اللحظة بكل ما تحمله لك من ملذات...فلو كنت ضعيف السيطرة...لضعت بداخل تلك اللحظة....وأصبحت عبدا للملذات....ووقتها ستلعن نفسك وأيضا ستلعن تلك اللحظة...
لاحظ انتفضتها بين يديه بإشمئزاز بيّن لتبتعد عن مرمى أنفاسه الساخنة وهمست بحقد وغل حقيقي(كيف تجرؤ؟!يا لوقاحتك!!!هل وصل بك الحال لاقتحام غرفتي أثناء نومي؟
سأفضحك في العائلة يامن تدعِ الفضيلة وأنت لاتعرف عنها أي شيء البتة)
استمرت حدة حركتها لكي تحل وثاقها إلا إنه تشبث بها بقوة أكبر وهو يهتف بخشونة قاسية(غنوة....انظري لي)
لم تستجب له ومازالت تحاول التملص من بين يديه فهتف مرة أخرى بصوت جمد الدماء في عروقها(قلت لكِ.....انظري لي....واثبتي مكانك حالا)
تصلبت والذعر يشق طريقه على ملامحها الرقيقة ثم ازدردت ريقها بصعوبة وغصة مؤلمة تقف في حلقها....وكأنها مازالت نفس الفتاة الصغيرة التي يرهبها ابن صديق والدها الضخم ذات الملامح الخشنة....الذي يختلف قلبا وقالبا عن أخيه الأصغر ذات الوسامة البريئة التي تجعله يشبه الأطفال بجماله الفطري الجذاب....
تفحص ملامحها وهو يعقد حاجبيه بعدم رضا...فلم ترضِه نظرة الخوف المهول التي ارتسمت على ملامحها بوضوح وكأن شبح ظهر لها فجأة في الظلام الدامس...تراجع بهدوء ولكن لم يتخل عن ذراعيها....فلم يكن مستعدا لذلك بعد....فهذه فرصة لاتعوض بثمن من ضمن الفرص القليلة التي قد يحظى فيها بنعيم قربها قال بحزم(أولا أنا لم أقتحم غرفتك المحرمة....لقد طرقت الباب حتى تكسرت سلامياتي ولم أجد رد منك قط...لذلك قلقت بشدة عليكِ وظننت بأن شيء بشع قد حدث لكِ....وبعد وقت طويل أتخذت قراري ودخلت على مضض لأطمئن عليكِ....إلا إن ماوجدته هو فتاة هائمة على وشك تقبيل أحدهم في أحلامها)
ثم أضاف بسخريته المعهودة(لقد اشفقت عليكِ حقا...وكدت أن أعطيكِ ما تتلمسيه بشدة في أحلامك ولكن على أرض الواقع...مارأيك؟؟)
اشتعل غضبها الوثير من هذا الكائن الجليدي المحيا.. المتجمد الاحساس...
فاصطكت أسنانها بغيظ وبغض(التزم حدودك ياجاسم...وإلا ستجد مني ما لا تحمد عقباه)
شملها بنظرة سريعة من رأسها لباقِ جسدها الهزيل...ثم رفع حاجبا واحدا وهو يتسأل بدهشة مصطنعة(بمظهرك هذا!!!عزيزتي ما تثيريه في نفسي في هذا الوقت الحالي هو الإشفاق....والتعاطف التام مع حالتك الميئوس منها...لذلك كنت سألبي أمنيتك إحسانا مني لا أكثر...أو لنقل صدقة جارية لتكن في ميزان حسناتي)
اضطربت أنفاسها ومن كثرة ضغط الألم شعرت بأنها على وشك الإصابة بذبحة صدرية وكل ذلك تمارسه على نفسها كي تتمالك أعصابها ولا تفقدها أمامه كالعادة وتصبح في النهاية بين يديه كالخرقة البالية التي تقبع في انتظار تعاطفه ليضعها في مكان صحي مع توصية منه بالاهتمام والعناية بها..
حاولت سحب نفسها مرة أخرى إلا أنه أبى تركها مرة أخرى....فتنهدت بتعب وهي ترد بصوت لا حياة فيه...فلم تعد تفرق معها الحياة وما ستقابله فيها....وذلك لأن منظورها إلى الحياة تبدل تماما وأصبح يقبع في جانب واحد فقط ألا وهو الانتظار....الانتظار بأن تلحق بمن تعشق....وأن يجمعهم أخيرا مكان واحد مثلما تمنوا دوما....
(ماذا تريد ؟!)
لفحتها أنفاسه الساخنة...ردا عليها بنبرة لم تستطع أن تضع لها مسمى في غمرة معاناتها(أردت الاطمئنان عليكِ غنوة...والتأكدx بنفسي بأنكِ بخير)
ردت عليه من بين أنفاسها المضطربة(فجئت لغرفتي!!!يال كرم أخلاقك ياجاسم)
تمتم بهدوء ورصانة وكأنه يهادن طفلة لم تتخط الخامسة من عمرها(لم أكن ناويا على الدخول ياغنوة قط....كنت فقط سأدعوك للنزول لنتحدث بالخارج....وقبل أن تهبي بأي شيء آخر لقد جئت بنفسي لأن تغريد مشغولة بدراستها فلم أرد مقاطعتها....ووالدتي ووالدي ليسوا بالمنزل)
هتفت به بغيظ ممزوج بالغضب الشديد(هل يمكنك أن تتركني؟!!!..فأنت تشعرني حاليا بأنني مجرم تم القبض عليه أخيرا متلبسا)
أفلتها من بين يديه وهو يدمدم بهدوء خالٍ من أي مشاعر(حسنا كما تريدي...لقد قلقت بأن يختل توازنك كالعادة فتسقطين....فحتى الآن لا أعلم سر سقوطك دوما بين يداي في كل مرة نتقابل فيها)
كل ما أرادته وهي تمعن النظر فيه أن تصرخ عاليا....تصرخ حتى تشق حلقها ثم تمد أظافرها التي كانت ذات طول مبهر في الماضٍ لتخرمش وجهه الوسيم حتى تقطع جلده ذات اللون الأسمر المميز....الذي يزيده غرور وتبجح...
إلا أنها تخذلت وهي تقول بفتور تام(أريد النوم....أنا متعبة جدا....فأرحل الآن لو سمحت)
ظنت لوهلة بأنه استمع لكلامها لأول مرة وسيلبي رغباتها..غير فارض نفسه عليها كالعادة إلا إنه تصرف بشكل طبيعي على شخصية جاسم الهواري النرجسية...
فتقدم ليجلس بأريحة تامة على الأريكة بنفسجية اللون التي تناقض شكلها الرقيق مع شكل الشخصية الجالسة عليها....
وقام بفك أزرار بذلته الأنيقة....ثم فرد ذراعه على الأريكة وربت عليها أمرا إياها بصوته الحازم(اجلسي....أريد التحدث معكِ في أمر هام)
نظرت إليه بعيون متسعة من الدهشة الخالصة....ماذا يحدث؟؟ لم يكن جاسم يتعامل معها قط بهذا الأسلوب من قبل بل كان إنطوائيا....يحب الانعزال عنهم...ولم تكن تراه سوى مرات قليلة في مناسبات تكاد تعد الأصابع....حتى خلال تلك المرات كان قليلا للكلام معها.......
فمن أين له بتلك الشخصية الوقحة....الغير مراعية ؟!
هل كان كذلك دائما؟؟ وهي لم تكن تعرف من قلة التعامل معه الذي خف بالتدريج كلما مرت السنون عليهم!!!!......
ولكنه أيضا العكس تماما من الشخصية المتفانية التي أقتدى بها سامر طوال حياته...فجاسم أحتل المكانة الأولى عند سامر حتى قبلها هي....ورغم كل العشق الذي كنه لها إلا إنها لم تصل لمنزلة جاسم عنده قط...وسامر لم يخجل من إشهار ذلك في وجهها فكان تقديره لجاسم محل فخر له.....
وهي قدرته واحترمته لذلك...وأزداد احترمها له أكثر لما استطاع الوصول إليه من مكانة متميزة في حياة أخوايه.....
فمن يكن هذا الشخص الجالس أمامها؟!
أخيرا جلست على مضض...على الكرسي الموجود في زاوية الغرفة وهي تتأفف بضجر
ثم هتفت بغلاظة ممتعضة(من الأفضل أن تقول ماتريد سريعا...أريد الراحة)
لم تتبين أي شيء من ملامحه الرخامية المغلقة...فقال بعد فترة صمت قصيرة بصوته الرخيم(أريد مساعدتك ياغنوة)
احتلها الإرتجاف وهي تحدق بشرود في كفه التي انبسط بجانبه...بدت وكأنها على وشك الإنفصال عن الواقع مثلما كانت تفعل في الفترة الأولى من محنتهم....
هتف بها بعنف مشاب بالحزم الصارم(غنوة....غنوة...هل تسمعينني أم ماذا؟)
انتفضت في مكانها ورفعت رأسها بغتة لتنظر لعيناه اللاتي كانوا يتفحصوها بنظرة مبهمة لم تستطع فهم معانيها....ثم همست بتلعثم(ما....ماذا.... أنا....أنا....لا أفهم....ماذا تقصد....؟؟!!!)
قاطعها بخشونة(بلى تفهمين غنوة...تفهمين كل شيء...ولكنك قررتي الإنزواء بعيدا وكأن شيئا لم يكن...فغنوة قررت أن تدفن كل شيء مع سامر)
هذه المرة وقفت بحدة على قدميها...وقد شحبت تماما وانسحبت الدماء من وجهها هاتفة بعنف(اخرج....اخرج الآن....لا أريد تكملة تلك المحادثة العقيمة....اخرج)
هب هو الآخر على قدميه وهو يقول صارخا بزعيق(تلك ليست محادثة عقيمة ياغنوة....أريد الوصول للحقيقة...أريد معرفة ماحدث تلك الليلة وبالتفصيل...وصمتك لايساعد أو يفيد....أنا أراعيكي لأبعد حد وانتظرك بصبر كي تتعافي....ولكن يكفي هذا لقد طفح الكيل....حقا لقد مللت من كل هذا....لذلك أنا أريد منك الحقيقة كاملة وأنتِ يجب عليكِ أن تساعديني...لا أن تفقي في طريقي مثلما تفعلي حاليا)
وضعت كفاها على آذانها وهي تحرك رأسها بعنف رافض وصرخت بهسترية(كفى...كفى...ألا تشعر....ألا يوجد في قلبك رحمة....ارحمني....واذهب من هنا....ابتعد عني)
لم ييأس بل اقترب منها ممسكا بكفاها واضعا إياهم بين كفيه...وحركتها تزداد حدة رافضة أي اقتراب منه....فقيد حركتها ووضعها في أحضانه مربتا على ظهرها لتهدأ...ثم اقترب من أذنها هامسا بهدوء(أنتِ لا تحبي سامر ياغنوة...كل هذا العشق الذي تكنيه له ماهو إلا إدعاء أحمق منك ِ....فمن يحب يساعد لجلب حق حبيبه الذي قتل أمام عينيه بطريقة بشعة...وكاد هو نفسه يذهب خلفه لولا رحمة الله به.....وبسبب نفس الشخص....وبسبب جبنك وتخاذلك مازال القاتل حرا يعبث في الأرجاء بلا أي قيود...ويداه محملة بدمائه)
سكنت بشكل تام بين أحضانه وهي تتمتم بصوت منخفض لشيء ما لم يتبينه لغير وضوحه....فتسأل بحيرة(ماذا؟!...ماذا تقولين؟؟...لم أسمع!!)
علت نبرة صوتها قليلا وهي توضح بخفوت(قاتلة....إنها قاتلة....وليس قاتلا)
********************************************
لاهث الأنفاس ترك سريره مديرا ظهره لرفيقته الفاتنة التي أختارها تلك المرة شقراء ذات عيون بحرية....لطالما كان انتقائيا فيما يخص النساء عموما....يحب اختيار ماهو نفيس وثمين....ولكن هذه المرة تبدلت معايير اختياره فلم يكن يبحث عن الغالٍ منهم بل كان يبحث عمن يشبهها قلبا وقالبا...فكانت نفس الشكل تقريبا ولكن بلا روحها ....لم تكن تملك البراءة التي تقتات روحه إليها....براءة تجعله كالفهد الضاري الذي يحتاج لفريسة بشكل عاجل وإلا سيزوى وبدون أن يسد رمقه الجائع...لذلك أرتضى بما يملكه حاليا او بمعنى أصح بما توفر أمامه....وذلك في الوقت الحالِ فقط...ففي المستقبل القريب سيملك من يشتهيها وستحل هي محلها وفي ذلك الوقت لن يتركها ويبتعد حين تنتفي حاجته منها....بل سيشبع منها أولا مرة بعد مرة....حتى يصل لحد التخمة.....ثم بعدها سيفكر في تركها على مهل إذا وجد من تجذبه عنها.....
قام بأخذ سجائره من على منضدة الزينة وتقدم نحو النافذة مشعلا سيجارة بقداحته....فتح النافذة وشعر بالهواء البارد الذي أخذ بضرب صدره العاري المشتعل....فأخذ عدة أنفاس وهو يفكر بالطعم الذي ألقاه في طريقها...ويكاد يقسم بأنها ستتقبله صاغرة مغمضة العينين رغم علمها بالمخاطر التي ستقابلها بجانبه....إلا أنها ستقبل في النهاية....يعلم بأنها شخصية متفانية ستفضل غيرها دون التفكير في الضرر العائد عليها.....
يمن أصبحت أمامه ككتاب مفتوح قرأ صفحاته لأول مرة ثم حفظ هذه الصفحات عن ظهر قلب....حتى إنه يستطيع رص ماقرأه عنها من معلومات تخصها.....يمن منصور رضوان....فتاة في الثانية والعشرين....في عامها الأخير كلية إعلام قسم دعاية وإعلان....
مجتهدة جدا....ومتفانية للغاية....وبشكل خاص إتجاه عائلتها....ذكية....ذات كاريزما خاصة تجعل كل من يراها يعجب بشخصها الهاديء.....وبجانب دراستها الجامعية عملت في شركة صغيرة للدعاية إلا أن الشركة أزدادت شهرتها منذ انضممها لهم....فأصبح العملاء الكبار يذهبون إليهم....طالبين يمن بالاسم....كان الغرض من عملها لإعالة نفسها ولتقليل من الحمل الثقيل الواقع فوق عبء والدها المريض بمرض مزمن....ووالدتها الامرأة البسيطة ربة المنزل التقليدية....ولديها أخ أكبر منها في التاسعة والعشرين من عمره وهو مهندس ناجح للغاية يعمل في شركة مقاولات كبرى لها اسم عالٍ في أسواق العمل....قد يشكل هذا الأخ عقبة صغيرة في طريقه ولكن لابأس فهو يمقت الأشياء السهلة المنال....يحب العقبات ويحب التعامل معها...
ويمن هي هدفه التالي الذي سيناله شاء الكون أجمع أم أبى....سيحقق ما يرده مهما كلفه الأمر.....
نظر من وراء كتفه إلى الفتاة المضجعة على سريره ملتحفة بالغطاء ناظرة له بإضطراب...ولا تعلم مالخطأ التي ارتكبته ليرحل بعيدا...تاركا إياها هكذا بلا أي كلام...وهي لا تعرف ماعليها فعله بعد ذلك هل تذهب أم تظل بمكانها....
التف إليها بعد إنتهائه من سيجارته...يحدق بها ورأى انتظارها المضطرب رؤى العين....مسكينة لاتعرف بأن كازانوفا اشتهاها نعم في البداية ولكن لشبهها الكبير بصورة أخرى في ذهنه إلا أنه في المنتصف ضاعت منه رائحتها التي استنشقها في آخر لقاء لهم وسجل تلك الرائحة في ذهنه اليقظ ليحضرها متى يشاء....ورغم ذلك ضاعت منه فزهد تلك الفتاة وذهب اشتهاءه أدراج الريح....
هتف بها بصوت أمر وصارم ليقطع حيرتها(ارحلي)
اتسعت عيناها بدهشة وتمتمت بذهول (عفوا!!ماذا قلت؟!)
قسا وجهه وهتف بنفس الصرامة الحادة(قلت ارحلى حالا....وبلا تأخير.xx وسأعطيك خمس دقائق لتضعي ملابسك عليك ِ...وإذا انتهت تلك الدقائق قبل انتهائك سأخرجك بنفسي وكما أنتِ.....ولن يهمني أنتِ لم تكملي وضع ماذا عليكِ....مارأيك بأن تسرعي الآن فوقتك قد بدأ)
تجاوزت ذهولها سريعا واستقامت بلا أي تردد كما أنها استوعبت بأنها وقعت مع شخص مجنون تماما...وعليها أن تفر منه وبأسرع وقت....
غير عابئة بعريها أمامه وضعت ملابسها مثلما اتفقت...وتحركت مهرولة نحو الباب لتهرب من هذا المكان....ولكنه أوقفها بصرامه(انتظري...خذي الأموال الموجودة على المنضدة قبل رحيلك)
وبدون أي كلمة أخذت الأموال ثم ركضت بسرعة وكأن عفاريت الكون تطاردها....بعد رحيلها ووقوفه لوقت طويل أمام النافذة نظر نحو هاتفه الذي سمع له قبل فترة أزيز ينبه لوصول رسالة ما...بتثاقل ذهب في اتجاهه وحالما فتح الرسالة حتى تحولت نظراته لعدم التصديق....هل يمكن وبهذه السرعة......
لقد قامر على موافقتها وهي جعلته ينال توقعاته وأكثر....يمن يبدو أن الأيام بيننا ستكون في أوج اشتعالها...وهذا ماانتظره.... وبشدة.....
********************************************
جالسة على مكتبها الصغير لتنهي مشاريعها المؤجلة.....تركت أوراقها أمامها وهي ترفع رأسها تحدق بشرود وهاتف خفي داخلها يدعوها لتضع حدا وتحسم أمر الوظيفة الجديدة التي جاءت إليها كفرصة ذهبية...استقامت على قدميها وهي تفكر بأنها حرفيا تتقلب بين نارين...ووالدها ترك لها القرار الأخير وأنها تعلم الأفضل لها كما أنها تعلم أين الصالح....
وهو لن يمانع بأن تتقدم في حياتها العملية ولن يقف في طريق نجاحها...x وهي عليها في المقابل أن تحسن الاختيارx وتتصرف على نفس المنوال وتحسن استخدام الثقة التي أعطاها لها....كما أن معاذ بحث في كل شيء يخص الشركة وأصحابها...ووجد أنه لاغبار عليهم....حيث تعد من أكبر الشركات الموجودة ولها صيت لابأس به خارج البلاد....وما أثار امتعاضه فقط هو أن الرئاسة حاليا تقع في يد الابن الشاب حيث إنه هو من تولى مسئولية كل شيء بشكل تام....واقتصر دور والده على المتابعة والتدخل وقت الحاجة فقط...إلا إن الابن لم يترك فرصة لوالده قط بالتدخل منذ توليه إدارة الشركات الخاصة بالهواري...بل على العكس تماما فقد ازداد معدل الانتاج وتوسعت النشاطات وارتفعت أسهمهم إلى عنان السماء في عهده.....وهذا ماجلب الاطمئنان لقلبه قليلا بأن الابن الشاب جاد في عمله ويحقق انجازات مبدعة فيه.....
لو تعلم يامعاذي...اااه لو تعلم فقط مارأيته منه....أو ماقرأته من نظراته المفضوحة لي......لأبتعدت بي عنه لتدفنني في مكان قاصٍ كي لا يستطيع الوصول لي مهما حاول..
ورغم كل الرسائل التحذيرية التي أرسلتها إليها غريزتها إلا أنها وقفت بإصرار وأمسكت هاتفها وأرسلت رسالة تقسم بأنها ستندم عليها فيما بعد....لقد قبلت الوظيفة....هل هناك أفضل من ذلك!!!!
********************************************
تنبهت كل حواسه وتيقظ ذهنه الحاد وبتركيز تام لملم أعصابه قبل أن تنفلت فتلك هي اللحظة المنشودة التي انتظارها طويلا ولذلك عليه بالتريس قليلا لينال مايريده...فتسأل مرة أخرى بصبر(من؟!...من هي ياغنوة؟!)
تراجعت للخلف ورمشت عيناها بإضطراب ونظراتها تتوسله الاعفاء من ذكر تلك الليلة البشعة ومافيها من آلام ولكنه تماسك بقراره رافضا أي سلطان لها عليه وتجلى الإصرار على ملامحه فلم تجد بدا سوى بالهمس الخافت والألم يرتسم بتجلٍ على محياها الجميل(لم أرَها من قبل....ولم أعرفها قط.....ولم أفهم ما علاقتها بنا....كما أنني لم أتبين أي شيء من حوارهم الحاد....لقد....لقد كنت نائمة ....واستيقظت فجأة على صوت شجار شديد وزعيق حاد.....وحين خرجت لهم كانت....كانت توجه فوهة المسدس نحو سامر تهدده بالقتل وبأنها ستأخذ منه كل ماهو عزيز على قلبه.....وحالما رأني سامر حتى صرخ كي أذهب للداخل وهي ابتسمت ببشاعة مديرة وهي تقول بانتصار(أنتِ التالية....لقد فقدت كل شيء بسببك أنتِ....والآن حان وقت العقاب)لم أفهم....صدقني لم أفهم ماذا يحدث ولما تريد عقابي وانا لم أعرفها من قبل وبالتالي لم أؤذها قط....الصدمة شلت قدماي فلم انتبه لتحذيرات سامر وحين تحرك ليهجم عليها كي ينقذنا من براثينها ويجردها من سلاحها كانت لحظة إلا إنها سبقته بالضغط على الزناد مرسلة رصاصة لتخترق قلبه)شهقت ببكاء ووشكت على الانهيار واستكملت برفض(ياآلهي.....سامر....سامر...� �قد ...لقد وقع على الأرض وبركة من الدماء تشكلت حوله وأنا لم أستطع مساعدته ياآلهي...لقد لقد)
قاطعها حين وجد أنها حقا على وشك الانهيار التام فاقترب منها مهدئا إياها ممسكا بكتفيها بحنان قائلا(هش....اهدأي....يكفي هذا.....أنا هنا....اهدأي)
قامت بأخذ عدة أنفاس لتحاول تهدئة نفسها ولكنهم ضاعوا هباءً وارتعشها يزداد وشهقتها ترتفع حتى شفتيها لم تسلم من هذا الارتعاش(لقد .....لقد أرادتني أنا.....ومازالت تريدني....هي ..هي لم تكتفِ....تريدني...تريد غنوة)
هتف اسمها بحزم رقيق أمرا إياها(كفى....كفى غنوة....لن يستطيع أي مخلوق أن يمس منكِ شعرة واحدة ومازال نفسي يتردد في صدري...هذا وعد مني....والآن تمالكي أعصابك...واهدأي يكفي)
صوته الحازم به ذبذبات تجعل من الهدوء مرسى لروحها الهائمة....تنفست برتابة وعيناها مازالت واقعة تحت أسر عينيه تنشده الأمان والاطمئنان وهو لم يبخل عليها بهم بل أعطاها ماتتطلبه وأكثر...وبعد فترة صمت خيمت عليهم لوقت طويل قطعه هو بالقول المتزن(ارتاحي قليلا الآن...وخذي القسط اللازم من الهدوء....وغدا قومي بتجهيز نفسك للرحلة القادمة بعد الغد ورتبي كل ماتحتاجيه....تلك الرحلة ستكون منفسا جيدا لكِ ياغنوة...فلا تفوتيها....وإذا أحتاجتي لأي شيء اتصلي بي....أراك بعد غد ياغنوة...تصبحين في خير)
اومأت له برأسها موافقة وهي عاجزة عن الرد بأي شيء مناسب...لقد أهلكت نفسها تماما اليوم....وسبحان من بدل حالها بين كل لحظة وأخرى وهذا لا يحتاج منه سوى فرقعة أصبع فقط كي تتبدل هكذا أمامه...
فجأة جاء سؤال شارد لذهنها وأصبح مضاء كضوء الشمس في وقت الظهيرة...وترجمت ذلك بالتسأول الخافت من بين شفتيها...
جاسم من أنت حقا؟!!!!


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-19, 10:35 PM   #20

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي اعتذار حار🌸🌹

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته🌹
حبيباتي الغاليات اعتذر عن فصل هذا الأسبوع من روايتي (لحن مفقود)....وذلك لأني مازلت في حالة الوفاة التي نوهت عنها الأسبوع الماضي...وأعرف أنه اعتذار متأخر وذلك بسبب تواجدي في مكان سيء لشبكة الجوال...ولا أحب أن أؤجل فصل والغي تنزيله في وقته المحدد وخاصة أن الرواية لاتزال في بدايتها...ولكني للأسف اضطررت لهذا حتى أني ضغطت نفسي وقمت بتنزيل الفصل بعد موعده المحدد بيومين..وهذا الأسبوع به كم ضغطوطات رهيب....فأتمنى أن تتقبلوا اعتذاي كاملا على هذا.....وأسألكم الدعاء لجدي رحمه الله🌸🙏


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:19 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.