آخر 10 مشاركات
[تحميل] تائهون إلى أن يشاء الله ، للكاتبة/ رررمد " مميزة " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          583 - دور القدر - باتريسيا ويلسون - ق.ع.د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          فتاه ليل (الكاتـب : ندي محمد1 - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          445 - غرباء في الصحراء - جيسيكا هارت ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-04-20, 04:54 PM   #261

Alaa_lole

? العضوٌ??? » 444507
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 111
?  نُقآطِيْ » Alaa_lole is on a distinguished road
افتراضي


امتي الفصل الجاي🥰🥺

Alaa_lole غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-05-20, 02:59 AM   #262

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
افتراضي إعلان📢

ينعاد عليكم جميعا بألف خير🌸💝
وبإذن الله يكون العام القادم أفضل من هذا العام😇💙
ونعووووود من جديد📢 وكالعادة اشتتتتقت كتييييير إليكن💖😍
يوووم الثلاثاء القادم موعدنا مع الفصل 31 ومعه مفاجأة هعلن عنها إن شاء الله في موعدنا القادم🙈💖
كونوا بالقرب🙈💞


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-05-20, 03:16 AM   #263

ع عبد الجبار

? العضوٌ??? » 460460
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 260
?  نُقآطِيْ » ع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond repute
افتراضي

وانت بالف بخير عيدكم مبارك 🎈🎈🎈🎈🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉
بالانتظار للفصل القادم على نار 🔥🔥


ع عبد الجبار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-05-20, 06:37 PM   #264

سوووما العسولة
 
الصورة الرمزية سوووما العسولة

? العضوٌ??? » 313266
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 928
?  نُقآطِيْ » سوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond repute
افتراضي

مررراحب همسةة مفاجاة وفصل من عندك هذي احلى واجمممل عيدية حبيبتي ينعاد عليكي وانتي بالف خير وكل عام وانتي الى الله اقرب وبالف عافية... بانتظااارك بشوق 😍😴💕

سوووما العسولة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-05-20, 06:45 PM   #265

#أرجوان#

? العضوٌ??? » 254
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 3,851
?  نُقآطِيْ » #أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of#أرجوان# has much to be proud of
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

#أرجوان# غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-20, 08:31 PM   #266

هدهد٢٥٥

? العضوٌ??? » 458922
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 24
?  نُقآطِيْ » هدهد٢٥٥ is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم يا حلوووووين
عيد مبارك على الجميع يارب 💜
عيد مبارك عليج كاتبتنا الحلوة❤❤❤
متشوقة متشوقة بليييييييييز سرعي بتنزيل فصل
جديد ما نگدر بعد ننتظر بس ها نريد فصل يغني عن العيدية
فصل دسم 😂😍😍😍❤❤


هدهد٢٥٥ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-20, 11:35 AM   #267

زهوور بيضاء

? العضوٌ??? » 460254
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » زهوور بيضاء is on a distinguished road
افتراضي

وأنتي بألف خير والجمبع يا رب😊
مفروض عيديتنا فصلين❤😘
بتمنالك التوفيق وروايات جديدة
وحلوة وقوية في السرد في الفترة
القادمة🌹


زهوور بيضاء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-20, 10:50 PM   #268

هدهد٢٥٥

? العضوٌ??? » 458922
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 24
?  نُقآطِيْ » هدهد٢٥٥ is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اجينا ننتظر من الحماس والشوق للفصل😍😍


هدهد٢٥٥ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-20, 11:58 PM   #269

زهوور بيضاء

? العضوٌ??? » 460254
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » زهوور بيضاء is on a distinguished road
افتراضي

وين الفصل🤔
لو ما في يا ريت توضيح من الكاتبة
بدل الانتظار


زهوور بيضاء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-20, 03:39 AM   #270

همسةبيجونيا
 
الصورة الرمزية همسةبيجونيا

? العضوٌ??? » 447118
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » همسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond reputeهمسةبيجونيا has a reputation beyond repute
Rewitysmile27 فصل المفاجأة (رواية لحن مفقود)الفصل 31

نوضح المفاجأة..كنت راح أنزل فصلين ولكن حبيت أجهزلكم فصل دسم وكامل...وحقيقي أنا منذ كتابتي للرواية لم أكتب فصل بهذا الحجم ...فأتمنى إذا أعجبكم تبلغوني كي استمر على نفس المنوال...وإذا لم أجد أي تعليق ساعتبر أن حجم فصولي القديمة هو المناسب...أتمنى يعجبكم الفصل
واعتذر عن التأخير ولكن الانترنت يتحول من سيء لأسوء...لذلك سأرعي فيما بعد التنزيل مبكرا جدا لأني لن أبالغ إذا أخبرتكم أني كي أحمل الفصل على المنتدى انتظر من 3 ساعات أو أكثر في محاولات مع الانترنت


الفصل الواحد وثلاثون
****************
أشهد أن لا امرأة
قد أخذت من اهتمامي
نصف ما أخذتِ
واستعمرتني مثلما فعلتِ
وحررتني مثلما فعلتِ
نزار قباني

صرخة..صرخة اخترقت حالة النشوة التي غرق فيها بقوة وبدون إرادته..حتى أنها وصلت لآذنيه كمواء قطة صغيرة ضعيفة بلا حول ولا قوة..كان في حالة لا توصف مغمور بالعاطفة التي حرم منها لوقت طويل ولم يخرجه من جنتها سوى صوت صرختها الصغيرة لينتفض جزعا حين رأى دليل عذريتها..
وبين حالة النشوى والجزع سقط في المنتصف...وآلاف الأسئلة انبثقت من العدم تنهش عقله المتخيم بها...تفحص وجهها ذات اللون الأحمر القاني..وعيناها محجوبة خلف جفنيها رافضة إظهار دخانتها في تلك اللحظة الحاسمة..كل عضلة بجسدها متشنجة برفض مرعب...صدمته امتدت حولهم ولم يقطعها سوى سؤاله اللاهث بغضب أعمى
"كيف؟؟"
وسؤال آخر يظهر أمامه...ولماذا؟؟...فهل استسلمت له شفقة بحالته وخاصة بعدما اعترف لها بما يكنه لها منذ زمن بعيد!!!
انتفض واقفا وأخذ يرتدي ملابسه بسرعة حادة وغضبه ينشب كالهشيم بداخله أما هي فحالما ابتعد عنها انكمشت غريزيا حول نفسها محتضنة جسدها المختض بذراعيها...وعينيها مغمضتين بقوة مؤلمة...
لم ينتظر إجابة وقد تأكد بأنها لن تعطيه إجابة شافية مهما فعل...فاكتفى بإرتداء سرواله وألتقط قميصه من فوق الأرض ملقيا إياه فوقها بحدة غاضبة ثم خرج من الغرفة بعنفٍ قاسٍ وهو يشعر بكل عضلة في جسده تأن ألما..وشيء جسيم يطبق على أنفاسه بلا رحمة فقرر الخروج حاليا من محيطها كي يرتب أفكاره بعيدا عن شذاها المربك..
عندما أحست بخروجه من الغرفة مدت كفها بإرتعاش تلتقط قميصه الملقى بإهمال على جسدها..وببطء فتحت عينيها المغرقة بالدموع...والوعي يعود إليها بقسوة...ماذا فعلت؟؟..بل كيف فعلت؟؟..
هي من أقسمت منذرا كل شيء لسامر حتى جسدها الذي رفضت بحماقة منتهية أن تسلمه إياه يوم زفافهما!!...فأين ذهب جزعها المعهود وحالة الهيستريا التي تلبستها والتي ندمت عليها فيما بعد أشد الندم وبشكل خاص بعد المصيبة التي أصابتهما؟؟...
ولكن حين استمعت اعتراف جاسم لها بالحب شعرت بأنها ليست هي..وخدر كلي يصيب جسدها وقلبها..أن يعترف لها جاسم بالعشق لهو حدث لم تتخيله وكأن كل ذرة في كيانها كانت تتلهف لتلك اللحظة ولا تعلم كيف ومتى ظهرت تلك الرغبة المتلهفة..حتى صوت العقل انمحى تماما حين حاول تذكيرها بظروف زواجهما...وأنه في النهاية مجرد زواج مؤقت...فكيف سلمت حصونها بتلك السهولة!!
هل الامتنان هو السبب!!..ولكن كيف!!!وهي بكل العشق الذي كنته لسامر ارتعبت وبشدة...ولكنها مع جاسم حين أعطاها تلك العاطفة العنيفة شعرت وكأنها ولدت في هذه الحياة من أجل هدف واحد فقط...وهو أن تكون بين يديه وأمام هذا الشعور الغير متوقع انزوت كل حواسها وجلست في ركن قاصٍ كي لا يصدر عنها أي مقاومة تذكر...
بأيدي مرتعشة أخذت ترتدي قميصه ببطء فملابسها ليست في تلك الغرفة وبالطبع لن تخرج للغرفة الأخرى عارية وبهذا الشكل المخزي...وكذلك بذلتها الرقيقة المخصصة للرقص ممزقة بالكامل ولا أمل من إرتدائها مرة أخرى...
تركيز خبيث يتسلل بقسوة لعقلها الذي انمحى صوته تماما فور شعورها بذراعيه حولها..حين شعرت به يقبلها وكأنها الحياة بالنسبة له...أن تشعر بكل هذا وتقرر أن تصم كل الأبواب التي أغلقتها منذ أكثر من عام لهو قمة اللهو..أن تسلم حصونها لجاسم كما لم تفعل مع سامر لهو أيضا قمة الجحيم..تدفقت ذكريات تلك الليلة البائسة لذهنها فأطرقت برأسها لأسفل ولفت ذراعيها حول نفسها ناشدة لحماية لم تستشعرها سوى منه هو فقط..وبين ذراعيه...يا إلهي كيف تشعر بكل هذا إتجاه جاسم!!!!..


في ليلة الزفاف المشئومة
أفسح لها الطريق مادا ذراعه ووضعه بخفة خلف ظهرها دافعا إياها كي تتقدم داخل شقة الزوجية...يكاد قلبه يتوقف رهبة وحماسا وذلك لأن تلك الليلة ستصبح أخيرا غنوة قلبه ملكه وله..
تأمل مظهرها المبهر الذي طالما جعل قلبه يأن طلبا بها ولاحظ ارتجاف حدقتيها ورغم نظرات الحب التي ظللت عينيها إلا إنها لم تستطع إخفاء خوفها الواضح من ليلة زفافهما المنتظرة..
أغلق الباب خلفه ببطء وتنهد بوله لا يتخيل نفسه قادر على إيذائها يوما فغنوة ستظل دوما نسمة رقيقة مرت بحياته كي تطبطب على جراحه وتداويها..تقدم إليها ببطء كي لا يثير فزعها أكثر فلاحظ فركها لكفيها بتوتر شديد...فمد كفيه أخذا كفيها الباردتين يدفئهم بحنان...رفعت أنظارها إليه فرأى الدموع تغشى عينيها الرمادتين وقد اتسع سواد حدقتيها من شدة الرعب..همس بخفوت مطمئن
(غنوة قلبي..لمَ الدموع!!..ألا تثقي في سامر حبيبك!!)
أومأت برأسها وهمست مؤكدة
(بالطبع أثق)
اقترب منها أكثر وضمها بين ذراعيه متنهدا فخف ارتعاشها قليلا ..همس بعد فترة قصيرة
(ما رأيك بأن تبدلي فستانك حتى أجهز لكِ بعض الطعام لتتناوليه..تبدين شاحبة للغاية)
حركت رأسها وأبتعدت عنه متنهدة وحين دخلت الغرفة أزداد إرتجافها وأخذت تطمئن نفسها وتذكرها بقسوة بأنه سامر حبيبها الوحيد ولا داعٍ لكل هذا الجزع الأحمق الذي يجعلها تبدو كطفلة تذهب للروضة لأول مرة...أخذت عدة أنفاس وهي تتماسك بشجاعتها...ثم بدلت فستانها وارتدت قميص نوم حريري أبيض اللون وحين رأته في المرآة على جسدها شهقت بذهول..لقد كانت فاتنة بحق ومغرية إلى حد الهلاك...وتسألت برعب كيف ستخرج لسامر بهذا الشكل ستموت من شدة الخجل قبل أن تفعل..حسمت أمرها متسلحة بالقوة وخرجت وهي تشعر بساقيها ترتعشان وكأنهما تقفان على هلام لزج..رأته يقف مواليا ظهره إليها يجهز الطعام على المائدة وقد تخلص من سترته وشمر ساعديه فبدا لها أكثر الرجال وسامة..تطلعت إليه بعشق لطالما عشقت ملامحه الطفولية البريئة..ملامح تبعث في النفس السعادة والراحة حالما تراها بعكس ملامح أخيه جاسم الحادة والمتجهمة على الدوام...لطالما شعرت بالرعب إتجاه جاسم ونظراته المرعبة وكأنه يرسل إليها من خلال تلك النظرات ذبذبات سلبية تجعل جسدها يرتجف من مجرد النظر لطلته الغير آدمية على الإطلاق ولكن خلف كل ذلك تشعر بأنه يرغب بإيصال شيء ما إليها...شيء هي غير قادرة على فهمه ولكن حدسها السري يؤكد لها وجوده...نفضت رأسها وعنفت نفسها بقسوة بسبب مجرى سير أفكارها من المفترض أن تضع كامل تركيزها على أهم ليلة في حياتها...ليلة تتويج عشقها مع حبيبها وتبعد عن ذهنها أعين ذات نظرات صقرية...اغمضت عينيها يأسا ولا تعلم سر الغصة التي أصابت قلبها فجأة...وشعور الخسارة يجتاحها بقسوة...ولا تعلم سبب هذا الشعور بل لا تعلم ما الذي خسرته من الأساس...
طالعها سامر فاقترب منها يتفحصها بنظرة منبهرة وذاهلة من روعة مظهرها الشديد الإغراء وصل إليها فضمها إليه بعبث حتى شهقت مجفلة..حدق في صفاء ملامحها مأخوذا واقترب ببطء كي يقبلها ولكن قبلته لم تصل للمكان الصحيح حيث أبعدت وجهها عن مرمى شفتيه المتطلبتين فسقطت قبلته على رقبتها الناعمة فتنهد بصبر مستنشقا إياها بعمق حتى وصل له صوتها المتوسل والمرتجف بشدة
(سامر أرجوك..أعطني بعض الوقت كي أتمالك أعصابي...أشعر أني لست بخير حاليا...أرجوك)
ابتعد عنها على مضض ثم همس بحلاوة جعلتها ترغب بالبكاء ولا تدرك السبب
(لا بأس حبيبتي..لكِ كل الوقت التي تبغيه..هيا لنتناول الطعام سويا)
أومأت برأسها موافقة وتركت له يدها كي يسحبها خلفه وفي سرها تلعن خوفها الأحمق لاهثة بشدة بسبب الإنفعال الذي تعيشه في الوقت الحالي..لطالما سعدت من العاطفة التي تربطها بسامر..فهو لم يتجاوز أي حدود فرضتها ولكن غزله الجرئ في بعض الأحيان كان يجعلها في قمة الإنتشاء...ورغم أن الليلة هي ليلة الكمال كما كان يحفزها دوما ولكنها لا تستطيع السيطرة على نوبة الذعر التي تهدد بالإنفجار حاليا كما أنها تشعر باختناق شديد وكأن حجر ثقيل موضوع بقسوة فوق صدرها ويتحكم في كل نفس تخرجه...
بعدما انتهى عشاؤهما في هدوء ومع بعض الأحاديث الطريفة من جانب سامر كي يخفف من تشنجها الظاهر..حاول سامر التدود إليها بشتى الطرق وفي كل مرة تشعر بالاختناق يزداد وبروحها تخرج من جسدها حتى بكت في النهاية على صدره من شدة ما تشعره فأخذ يهدأها ويبرر لها أن خوفها طبيعي ولا بأس بذلك حتى أعطاها رصاصة الرحمة وطلب منها الاسترخاء قليلا كي تحصل على بعض الراحة وحين تستيقظ ستكون أفضل وكأنها حصلت على الخلاص فلم تشعر بنفسها إلا وهي ساقطة داخل سبات عميق تهرب من مجهول ولم تستيقظ سوى على صوت صراخ حاد من امرأة ما تهدد سامر وهو يرد عليها بإنفعال شديد...تحركت برعب ووضعت مئزرها على قميصها الحريري وجسدها ينتفض من حدة الصراخ المتداخل وحين خرجت يا إلهي هي حقا تمنت الاختفاء من وحشية النظرات المجنونة والكارهة التي وجهتها لها تلك المرأة والتوعد في نبرتها كان آخر ما شعرت به قبل محاولة سامر لخطف السلاح منها..كانت لحظة..لحظة واحدة قبل أن يحل الظلام الدامس ويحيطها من كل جانب..


انتفضت بإرتعاش من بشاعة الذكرى واستقامت مرتجفة من فوق الأريكة وكل خلية منها تتطالبها من جديد بتفسير حازم عن سبب إستسلامها وتسليم رايتها لجاسم بهذا الشكل المخزي..هل اعتراف جاسم هو السبب!!!
ولكن سامر أعطاها أكثر من مجرد اعتراف بالعشق تلك الليلة بل أعطاها تقبله لخوفها وحنانه لاستيعاب الأمر حتى أنها حين تقبلت أمر إجراء الحمل بعد تلك الليلة تمنت من كل قلبها أن يكون سامر استغل غفوتها وحصل على ما عجزت عن إعطائه إياه وهي في كامل وعيها...
هذا جنون نعم..ولكن لمَ لا تشعر بالذنب الآن بسبب تلك الخطوة الغير محسوبة!!!...لا تنكر تشعر ببعض الذنب ربما...ولكن ليس بسبب تسليمها لجاسم بل بسبب إخفاء الأمر عنه!!!...
تحركت ببطء وكل عضلة في جسدها تئن ألما...بالتأكيد هو غاضب منها لأنه لم يراعيها بل العكس هو جعلها تتذوق عاطفة عنيفة كادت أن تتطيح بالمتبقي من ثباته...لم يكن هو جاسم الذي عرفته طوال حياتها كحامٍ لها وظل خلف ظهرها ينقذها حين تحتاجه سواء في الظاهر أو في الخفاء...تلك العاطفة التي تلقتها وهذا الشخص الذي رأته من وجهة جديدة تماما يجعلها غير نادمة أبدا على استسلامها المخزي...
مشاعرعشوائية تتخبط بداخلها وكلهم يصارعون أفكارها ولا تدرك أين الحل...حتى أنها حائرة هل تخرج لترحل من هنا أم تظل في تلك الغرفة التي تشعر بأنها ستطبق على أنفاسها في أي لحظة...
تنفست بقوة وأغلقت بارتعاش أزرار قميصه المغمور برائحته المنشية...يا إلهي كيف ستنسى تلك اللحظات التي قضتها بين ذراعيه وكأنها بالفعل ملكته المتوجة حيث أرسل لها رسالة واضحة وبلا مواربة أنها بالفعل امرأته..نفضت رأسها بحزم قاس ثم تحركت وخرجت بهدوء من الغرفة...أخذت تتطلع إلى ظهره العاري ووجهه موجه للنافذة تكاد تحسب كل نفس حاد يخرج من صدره في تلك اللحظة..تشعر به لا يزال يلهث...
تقدمت نحوه ببطء وأنفاسها تتحشرج في صدرها ورغبة البكاء تلح عليها من جديد...ولكنها تماسكت ففي النهاية هو يستحق تفسير لما قدمته بكل حماقة...يكاد الخجل يقتلها وعمق المشاعر الذي جعلها تتذوقها منذ قليل يجعلها ترغب بالصراخ فيه ألا يبتعد عنها الآن وخاصة بعد ما حدث بينهما...
شعر بحفيف خطواتها الرشيقة فاغمض عينيه بقوة وهو يشعر بأنه غير جاهز حاليا للمواجهة..شعور الشفقة مؤلم وحارق..وخاصة بعدما طلبت منه معرفة المقابل لما يقدمه إليها...فاستسلمت له بكل غباء وكأنها تشعر بأنها تعطيه جزء مما يدينها به...وهو في غمرة عاطفته الغير منضبطة إتجاهها لم يشعر برعبها وخوفها في لحظة الكمال...يا إلهي لقد أعطته ما لم تعطَه لأخيه ولكن كيف؟؟؟....يكاد التساؤل يحرقه ويمزق أحشاءه...حسم أمره وهو يذكر نفسه بشراسة بأنه لن يهرب وبأنه عليه المواجهة في لحظة ما...لف نحوها ببطء ورأها تقف على بضع خطوات منه مرتدية قميصه الضخم عليها حتى كاد يبتلعها...شعرها مشعث بفعل كفيه اللاتي طالته في غمرة عاطفته المجتاحة...وجهها شديد الإحمرار وعينيها ما أروعهما في تلك اللحظة يقسم بأنه مستعد لدفع عمره بالكامل حتى يزيح عنهما نظرة الحزن والألم اللاتي أصبحا ملازمين لهما كما يبدو ولكن ما استوقفه هو اللمعة الخفية التي تظهر على استحياء في رماديتهما...
كانت امرأة رائعة الجمال...امرأة خرجت لتوها من ليلة حب ولكن لم تُحب كما يجب...أخرج نفس مكتوم من فمه وازدرد ريقه بصعوبة...وهاجس يحثه بأن يكمل ما فقده منذ سنوات طويلة وأيضا ما فقده بسبب غضبه منها...
لاحظ إرتعاش شفتيها فأدرك أنها على وشك البكاء ولكن كبرياؤها لن يسمح لها...تقدم ببطء منها فاتسعت عينيها ترقبا..وصدرها يتنفس باضطراب...وصل إليها تاركا مسافة صغيرة بينهما حتى أن أنفاسه لفحت وجهها فاغمضت عينيها بوهن..فكاد أن يضمها بين أضلعه مثلما يجب أن تكون ولكن عليه أن يتحدث أولا معها فبقايا عقل تحثه على التروي ولكن الأحمق القابع بين ضلوعه يأن ألما كي تأتي لتسكن أحضانه دون اعتبار لأي شيء...
هتف بصرامة متحشرجة
(ماذا حدث يوم زفافك يا غنوة؟؟)
فتحت عينيها وهزت رأسها بلا معنى حاولت أن تجلي بصوتها ولكن الغصة المؤلمة تخنق حلقها ولكنها ضغطت على صوتها فهمست بإرتعاش شديد وتلعثم
(لم يحدث أكثر ما أخبرتك به يا جاسم...ولو كنت تتسأل عن..سبب...فأظن أنه لم يكن صحيحا أن أخبرك وقتها...عمَ حدث مع زوجي)
لو كانت الكلمات تقتل لأردته قتيلا الآن بعبارتها تلك...زوجها...نعم لم يكن صحيحا أن تخبره عمَ حدث ليلة زفافها...ولكن حين أصبح هو زوجها وحين سلمت له حصونها هل لم يكن صحيحا أيضا أن تخبره!!..
هل يعتبر ما حصل عليه منها هو هبة وعطاء سلمته إياهما وعيله أن يتقبلهما بكل سعادة ويشكرها بعدها ويرحل؟؟...
هتف مزمجرا وهو يكز على أسنانه شاعرا بأن أعصابه على وشك الانفلات بعدما جعلها تتماسك بقوة
(والآن أنا زوجك أليس صحيحا أن تخبريني؟؟..لقد كنت أظنك لست كذلك..لذلك لم أكن مراعيا في أي شيء...هل هذه هي خطتك أن تجعليني أرى أي نذل أنا كي أتقبل عطاءك بهذا الشكل الجاحف؟؟؟...أنسيتِ أنكِ وافقتِ أن تقومي باختبار الحمل بعد تلك الحادثة بحق الله!!!)
زعق بحدة في آخر عبارة فرمشت بعينيها بقوة وبداية تجمع الدموع تغشى عينيها...وحينما لاحظ وجودهم كاد أن يرمي غضبه وعقله وكل شيء خلف ظهره ويتقدم منها كي ينهل مما تكرمت وأعطته إياه ويتقبله صاغرا وشاكرا أيضا...أغمض عينيه وقبض على كفه بقوة...ما أسهل الاستسلام لها...وما أصعب تقبله إياها مجرد جسد تكافئه به على أعماله العظيمة بلا أي روح وذلك لأنها مقيدة ولا تزال...
حين اعترف لها بحبه أدرك بأن ما حركه لتلك الخطوة هو الكبت الشديد وشعوره الدائم بخسرته إياها حتى حين عرض عليها الزواج كان قد وضع خطة كي يجعلها تشعر به وترى حبه وتتقبله كي يصل في يوم ما لحبها...ولكنه لم يتوقع خطوة تقبلها بهذا الشكل..كل ما حدث يكاد يشعره بأنه على وشك فقد عقله..
هتف بحدة وقد انغلق التعبير من فوق وجهه تماما وقد خفض صوته قليلا بسبب دموعها الظاهرة
(هل أشفقتِ عليّ إلى هذا الحد ياغنوة؟؟...هل وصل عطاؤك إلى درجة منحي شيئا كهذا لمجرد أنك ترغبين برد جزء من دين وهمي علقتيه فوق أكتافك لي؟؟..)
انتفضت وظهر الرفض جاليا على وجهها ثم هتفت بسرعة وبدون لحظة تفكير ونبرتها يشوبها الكثير من الألم
(لا بالطبع لا....كيف تفكر يا جاسم!!..لن أنكر أني أردت في البداية أن أعطيك أي شيء في سبيل ما تقدمه لي...لكن..)
ابعدت عينيها عنه والكلمات تحترق بعفوية قاتلة فوق شفتيها...كلمات تدرك بأنها ستندم عليها أشد الندم حين يرحل عنها سحر اللحظة...اكملت بخفوت شديد ووجهها تشتد حمرته القانية
(ولكني...أردت ذلك..صدقتني...أردت أن أخذ منك ما قدمته لي...قبل تفكيري حتى بإعطاءك كالعادة..أنا فقط خجلت من إخبارك لا أكثر)
اتسعت عيناه ذهولا وقد أطاحت كلماتها بالمتبقي من ثباته...وعبارة ساطعة تلح على ذهنه...إنها هي غنوته...غنوته القديمة التي تمنى منها الكثير ولكن ضاع بسبب القدر...تقدم بسرعة أجفلتها واعتقل خصرها فشهقت بعنف حين التصق جسدها بجسده الصلب والقاسي..طأطأت رأسها تتطلع بإرتباك في كل مكان إلا عينيه...
هتف بخشونة آمرة ولكن محملة بالكثير من العاطفة الجياشة...الكثير الذي لن تتحمله منه حاليا
(ارفعي عينيك لي)
تنفسها يزداد اضطرابا ويديها مفرودتان فوق صدره...ظلت تتأمله لوقت طويل...حتى تشجعت أخيرا ورفعت له عينيها وحالما أبصرهما كاد أن يخرج نفسا متأوها من شدة روعتهما...
همس بخفوت وتحشرج شديد من الألم الذي يتلوى بداخله
(ماذا حدث تلك الليلة وبالتفصيل يا غنوة؟؟)
نفس مرتعش خرج من بين شفتيها...وجسدها يرتجف بقوة بين ذراعيه فضمها إليه أكثر حتى كاد يطبعها داخل ضلوعه...وكفه يتحرك بلا إرادة فوق ظهرها يهدأ من إرتعاشها...
همست بتلعثم وهي تشعر ببعض الراحة من الدفء المحبب الذي أحاطها به
(حسنا...سأحكي لك كل شيء بالتفصيل)
بعد عدة دقائق وكلما تعمقت في التفاصيل أزدادت قتامة ملامحه أكثر...وخاصة عيناه ازداد توحشهما إلى درجة مرعبة ولكن كفيه اللاتي تتحرك بحميمة مهلكة فوق ظهرها وضمه إياها بتلك الطريقة حيث لم يخفف إمساكه بها قط...متمسك بها بقوة وكأنها ستهرب من أمامه في أي وقت..كل هذا جعل خوفها الغريزي يختفي تماما...
حالما انتهت وصمتت..لم ينطق بحرف بل ظل على صمته لوقت طويل يتفحص وجهها ببطء شديد..تجمده خف قليلا وهو يشعر ببداية سقوطه بين منحدرين..فهل يسعد لأن الله حفظها له وكافأه بأنه الأول لجسدها ولكن ليس قلبها بالطبع؟...أم يحزن لأن أخاه الذي تحدثت عن حنانه وطيبته لم تكن تلك حقيقته وكان يخدعها مثلما خدع الجميع وهو أولهم!!
لاحظ التساؤل يرتسم فوق وجهها المتألم...فأجلى بصوته الأجش
(لا بأس غنوة...كل شيء مر..والآن أنتِ معي ولن يصيبك أي مكروه)
اشتعلت عيناه حين تابع حركة شفتيتها التي تلعقهما بتوتر شديد..فهمس بصوت متحشرج
(حسنا سيدة غنوة...أخبرتيني قبل قليل أنكِ أردتِ ما أعطيتك إياه هل سمعت هذا فعلا منكِ أم كان مجرد هلوسة لحظية لا أكثر!!)
زاغت نظراتها واضطربت أنفاسها حتى عينيها اتسعت رهبة حين أبصرت العاطفة الفجة التي أشتعلت في عينيه...يا إلهي...لقد أصبحت تدرك ما تخفيه نظراته...تلك النظرات اللامعة التي تشبه نظرة نسر جارح على وشك الإنتقاض على فريسته...
همست بتلعثم وهي تحاول الفكاك منه كي تهرب من دائرة حصاره..ترغب بالإبتعاد عنه حاليا حتى تحلل تلك المشاعر الغير محسوبة إتجاهه..فقربه منها إلى هذا الحد يربكها أكثر ويجعلها تشعر بأنها مجرد ورقة تقف بمفردها أمام رياح عاصفة وعاتية...
(اااه نعم...يجب أن...أذهب إلى...)
قاطعها بقوة...وهو يحكم الإمساك بها...حتى أصبح تملصها من بين يديه شبه مستحيل..والتقط شفتيها بلوعة وبكل المشاعر المكبوتة إتجاهها...
اتسعت عيناها وجسدها يتجمد بين ذراعيه ولكنه استطاع بعد عدة لحظات أن يحيي تلك المشاعر المجهولة بالنسبة لها...فاستسلمت متنهدة وهي تغمض عينيها ببطء تتذوق لأول مرة شيئا مجهولا ولكن ذات مذاق فريد..شيء يجعلها تسافر في زمن آخر وعالم آخر...عالم أدركت فيه بأنه لو كانت الموسيقى هي لحنها اللذيذ الذي كانت تهرب إليه من قبل فهذا العالم الذي يرفعها إليه جاسم حاليا أشد روعة منها وبآلاف المراحل...
رفعها بين ذراعيه فتعلقت تلقائيا في عنقه...ولا تزال قبلته مستمرة وحين شعر بحاجته للهواء ابتعد عنها قليلا يتنفس أنفاسها المضطربة..همس بإغواء وحاجته الشديدة إليها تلح عليه بقوة قاتلة
(إذن لمَ لا نستكمل المتبقي من عطائي فمن غير العدل أن ترغب الغنوة في شيء ولا تناله في النهاية أليس كذلك!!!)
ارتجف جسدها بقوة وارتعدت أوصالها ولكن و يا العجب لم يكن نفورا بل ترقبا للمزيد..المزيد من المجهول الذي سيجعلها تندم فيما بعد...لم تفتح عينيها وانتظرت وكأنها تخبره بأنه لو كان الصمت علامة الرضا فهي راضية تماما كي تنال المزيد وتعيش اللحظة كاملة قبل لحظة الندم الأجلة..فلا داعٍ لتعجيلها حاليا...حاليا فقط...
************************************************** ************************************************** ************************************************** ************************************************** ********
أخذ يبحث عنها في مكتبها فلم يجدها وقد أخبرته مساعدتها المتجهمة على الدوام أنها تنهي بعض الأعمال في قسم الإدارة...انتظرها بالقرب من المصعد حيث من المفترض أن تعود منه كالعادة...وقاطع شروده الذي أصبح جزء من كيانه منذ اعترافه بأن هناك ما تغيير في شعوره إتجاهها...لطالما كان واضحا في تحليل كل ما يخصه...ورؤى أثبتت في الفترة القصيرة التي اقترب منها فيها بأنها بالفعل ليست كما تبدو..فخلف وجهة المرأة المستقلة ذات الكبرياء العالي للغاية والصعب على أي كان أن يناله تقبع مراهقة صغيرة تلجأ لتتعلم ما فاتها أو ما لم تحصل عليه بعد...
(معاذ...معاذ...هل أنت بخير؟؟)
رمش عدة مرات حين اخترق صوت عزة دائرة تفكيره...ابتسم ببطء وهتف معتذرا
(مرحبا عزة...عذرا لم انتبه لوجودك...هل تريدين شيئا؟؟)
ارتبكت كالعادة...والحزن يظلل نظراتها...ورغبت بقوة أن تخبره نعم أريد...أريدك أن تحبني...أريدك أن تبعد جفاءك الذي أصبح ملازما لك مؤخرا وتعود كما كنت معنا...همست بخفوت متألم
(نعم..كنت أتسأل هل ستذهب لزفاف رانيا فكما تعلم هي دعتنا جميعا وترغب بوجودنا بجانبها!!)
نظر لها بحيادية وهو يلاحظ نظرة الألم المرتسمة بحزن فوق وجهها الرقيق...لقد حسم أمره حتى يضع حد لمشاعر عزة المتطرفة والتي أظهرتها إليه في مناسبات كثيرة سواء جمعتهما في العمل حتى لو كانت بطريقة غير مباشرة ولكنها كانت واضحة وضوح الشمس...وهو لا يرغب بجعلها تتشبث بأمل واهٍ لن تصل به لأي طريق...فلو كان الأمر بيده لكانت عزة هي الاختيار الأمثل للزوجة البسيطة والرقيقة والتي يحتاجها لتأسيس حياة هادئة كما اتسمت حياة والديه..ولكن لقد تورط قلبه مع أخرى وانتهى الأمر...وهو لن يستطيع تجنب هذا الأمر وكأنه لم يحدث...وهو لا يرغب بتحمل ذنب عزة...نعم هو لم يشجعها على أي شيء وتعامله معها كان نفس التعامل مع زميلاته هنا فهي لم تكن مستثناه في أي تعامل من جهته...ولكنه سيكون شخص منافق لو تمادى في التعامل معها ولم يضع حدا لها...لطالما كان حذرا في تصرفاته وخاصة مع الفتيات وذلك بسبب عبارة والده التي وضعت أثرا ذات طابع سميك في نفسه بأنه لا يريده أن يقترف السوء أو الحرام في حق أي فتاة كي لا يرد هذا الأمر في يمنه..وكل ما يرفضه في حياته أن تصاب يمنه بأذى حتى لو كان عن طريق تهور أو طيش...فاتسمت سنوات مراهقته بالهدوء والرصانة وقد نجح والده في زرع الروح الحسنة في نفسه سواء هو أو يمن...لطالما شعر بالامتنان إتجاه والديه لما تكبدوه في حياتهم كي يضعوهما على الطريق الصحيح..
همس بهدوء وملامح وجهه مغلقة تماما من أي تعبير
(بالتأكيد سأذهب لزفافها فرانيا أخت ليّ هنا مثلكن تماما...وسيكون من دواعي سروري أن ألبي دعوتها وأقدم الواجب لها)
تشوشت الرؤية أمامها بفعل دموع اجتمعت بغزارة في عينيها ولكنها أبت أن تحررها...وخاصة بعد عبارة أخت مثلكن...ابعدت وجهها لحظات نفضت تلك الدموع وعادت تنظر إليه وقالت بابتسامة شاحبة وبإعجاب فائض رغم نبرة الألم الظاهرة في صوتها
(دوما تراعي غيرك يا معاذ...صدقني نبل أخلاقك جعلت منك مثار للحديث هنا وأيضا موضع للغيرة والجميع يرغب في الوصول لجزء ضئيل مما وصلت إليه ولكنهم لن يستطعيوا لأنهم يتصنعون ما ليس فيهم بعكسك أنت)
كاد أن يرد عليها بخشونة لو لم يقطعه صوتا باردا يحمل بداخله كل تهكم العالم ولكنه استطاع بسبب تقربه منها للغاية أن يميز اللهجة الغاضبة والمشتعلة التي تشع من بين جنباته
(هل أقاطع حديثا هاما؟؟؟)
امتعضت ملامح عزة بغضب شديد...ولكنه لم يبالِ وهو يستدير إليها ينظر إلي روعة طلتها...فرغم البرود الشديد الذي يشع من بين نظراتها إلا أنه لم يقاطع قط لحظة تأمله لها وكأنه يراها لأول مرة...حسنا لا يريد أن يتذكر المرة الأولى التي رأها فيها ولكنها بالطبع مختلفة تماما عن تلك الفتاة الواقفة أمامه الآن أليس كذلك!!!....
هو ممتن للفترة الماضية التي اقترب منها وبشدة وعلم أي زيف تحاول أن تتصنعه كي لا تضعف أو أن يراها الجميع كبشر مثلهم ورغم تغيرها الذي جعله يرى الكثير خلف القشرة الصلبة التي برعت في رسمها حول نفسها لم يكن ليراها بتلك الصورة ولم يكن ليعشقها بهذا الشكل الميؤس منه...فها هي كعادتها لم تبدل كثيرا من مظهرها المعتاد أثناء العمل...حيث أرتدت كالعادة بذلة كلاسيكية أنيقة باللون الأبيض النقي...وشعرها مرفوع في تسريحة أنيقة...وأجمل ما يعشقه فيها أنفها ذات الكبرياء العالي المرفوع بشموخ فطري لا تستطيع التحكم فيه...
تبدلت معاملة رؤى كثيرا لموظفيها في الفترة الماضية...رغم جديتها المعتادة في العمل وعصبيتها في بعض الأحيان ولكنها كانت أكثر لطفا من السابق...الجميع لا يزال يخشاها رغم هدوئها الذي يسبب لهم توجس أثناء التعامل معها وكأنهم في توقع دائم لتبدل مزاجها الناري في الحال...ولكن هل يلوموها؟؟...هو نفسه كاد أن يفقد صبره وحلمه بسببها وفي مرات كثيرة...متى تبدلت نظرته إليها!!!
نعم...يدرك الإجابة جيدا...وقت سقوطها من برجها العالي وتقبلها للمساعدة كالبشر...وقت رؤيته لها تتألم وتعجبه الشديد في ذلك الوقت وكأنه يرى لأول مرة إنسانة تتألم أمامه....وقت زيارته إليها بعد خضوعها للعملية المجهولة واعترافه بعد رؤيتها في شرفتها مصادفة أن الدافع من تلك الزيارة لم يكن الواجب إتجاه رئيس الشركة بل الدافع الأكبر هو إشتياقه إليها رغم عدم تودد العلاقة بينهما بعد...وقت اقترابه منها أكثر وطلبها اليأس أن يساعدها وينتشلها كي تستطيع إكتشاف نفسها وصنع الثوب المناسب لها...وكلما مر الوقت بينهما أكثر كلما أشتد فضوله ولهفته لمعرفة الجزء الغامض المدفون بداخلها...جزء بدلها وكاد أن يقتل روحها في مرحلة ما ولكنه أخفق أمام إصرارها وعزيمتها...ورغم رفضها للبوح بأي شيء يخص تلك الفترة الغامضة والتي تتناثر حولها الكثير من الأقاويل المفجعة ولكنه ينتظر بصبر إخبارها إياه...ولا يريد وضع أي خطط وخيالات حاليا...فيكفيه أن يعيش لحظة إكتشافه المبهرة تلك بتلذذ لحين ظهور الحقيقة...
تنهد بقوة وهتف لرؤى ببطء شديد وبلهجة ذات مغزى
(لا...لم تقطعي أي شيء...عزة كانت تؤكد فقط على حضور زفاف صديقة لنا سيكون اللية...أظنك تعرفيها...يا آنسة رؤى...تلك الفتاة رانيا التي كانت ترغب في الحصول على إجازة...هل تذكرين؟؟)
احمر وجهها قليلا بسبب نظراته المشاغبة والتي تدرك معناها جيدا ولكن ملامحها لم تفك امتعضها قط..وشعور حارق كاد أن يفتت بها..ألا يلاحظ تلك النظرات المتيمة التي كادت أن تخترقه بها تلك المدعوة عزة...نظرت لعينيه بغضب شديد...وهي تشعر بالاستياء الشديد من فكرة أن تحوم كل فتاة حوله في طلب النجدة وكأنه فارسهن المغوار...وذلك يشعرها في بعض الأوقات بالخزى الشديد وهي تذكر نفسها بقسوة أنها لا تختلف عنهن طالما هي أيضا طلبت منه المساعدة...فدوره كمساعد مخلص يجعلها تشعر بالامتعاض الشديد والرغبة في تشويه ملامحه الوسيمة التي لا يدرك روعتها حتى الآن وأيضا غافلا أو متغافلا عن النظرات المتيمة التي تلاحقه أينما تحرك...
تدرك جيدا بأنها مختلفة عمن يقدم لهن المساعدة...فهي ستكون حمقاء وغبية لو لم تدرك التأثير الشديد والرابط الخفي الذي نشأ وربط بينهما دون أن يشيروا إليه أو يعطوه أي اهتمام...فتكفي النظرة بينهما لتدرك ما بداخلهما...ولكن...ماذا لو كانت تتوهم في النهاية!!...هذا السؤال كفيل بجعل الإنقباض يمسك قلبها بقسوة...ولكنها تدرك أي شخص صادق ونزيه هو ومهما حدث لن يعرضها لأي سوء...ولا تعلم متى نشأت كل تلك الثقة بينهما!!!
همست بإقتضاب غاضب
(نعم أذكرها..ولكننا هنا في العمل ولسنا في نادي ترفيهي كي نتحدث في زفاف إحدى زميلاتنا المرتقب)
تطلعت بوجوم في وجه معاذ المتسلي...الذي رفع معصمه وتطلع في ساعته ثم هتف بعبث مشاغب وهو يتنحنح قليلا
(نعم...نفهم ذلك طبعا يا آنسة رؤى..ولكننا حاليا في فترة الراحة ومن حقنا أن نتحدث في أي شيء مادمنا بعيدين تماما عن فترات العمل الرسمية أليس كذلك!!)
تطلع بنهم لزيادة احمرار وجهها وعيناها تتسع قليلا..نظرت خلفه للفتاة المتيمة التي حل مكان نظراتها العاشقة أخرى متحفزة فكادت أن تصرخ من جديد ولكنها لم ترغب بالتمادي...وخاصة أنها أصبحت تدرك أي إنسان صاحب كرامة هو...فهو يسامح في أي شيء سوى كرامته وعنفوانه...خفق قلبها بقوة وهي تتسأل منذ متى أصبحت تفكر قبل أن تتصرف!!!...ومنذ متى وهي تراعي أي كان قبل حديثها!!
يا إلهي معاذ له تأثيرا سيئا للغاية عليها...
هتفت بحزم وآسف زائف
(إذن يؤسفني أن أقطع وقت راحتك يا بشمهندس معاذ...أريدك أن تأتي إلى مكتبي حالا كي تخبرني بآخر المعلومات عن المشروع الجديد حتى نناقشها مع أعضاء مجلس الإدارة)
حرك رأسه بموافقة وهتف بلطف
(لا بأس سيادتك...لقد كنت في انتظارك لتوي كي أتناقش أيضا في نفس الموضوع)
برمت فمها وتحركت بهدوء لا يتناسب مع العاصفة التي تشعرها ولكن لن تسمح لتلك الحمقاء أن ترى عرجها الآن..اتبعها معاذ بعدما اعتذر من عزة التي نظرت له بحسرة وقهر ولكنه تجاهلها تماما كي يلحق بالشعلة الغاضبة...
دخلت مكتبها ومعاذ يتبعها ولم تنسَ قبل دخولها أن تنبه مساعدتها المذهولة بعدم المقاطعة من أي كان...لم تجلس على كرسيها بل ظلت واقفة أمام مكتبها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تطالعه بعنف وهو يبادلها النظر بتفهم هادئ...فتهور لسانها كالعادة صائحة بنزق
(حقا يا معاذ...دورك كفارس مغوار مع الفتيات هنا أصبح مملا ويثير الغثيان)
شعرت بجسده يتصلب...وهدوءه يطير أدراج الريح...فامتقع وجهه بشدة وهو يجيب بفتور
(حقا...ظننته يعجبك هذا الدور..من الجيد أنك نبهتيني كي أجدد من أساليبي)
رمشت عدة مرات...ووخزة تضرب قلبها بلا رحمة...تطلعت بعصبية في وجهه القاتم...ثم هتفت بصوت مكتوم
(معاذ...لا تؤدي دورا ليس دورك من الأساس)
رد بجفاف فاتر
(وأنتِ أيضا يارؤى لا ترتدي زيا لا يليق بكِ...فأنا وأنتِ ندرك جيدا ما أنتِ عليه حقا)
تأففت بقوة وأجابته بهياج غير مروض
(حسنا...حسنا...اعتذر لقد كنت منزعجة بسبب شيء آخر...وحين سمعت حديث مع تلك الفتاة..)
بترت عبارتها حين لاحظت الذهول مرسوم بتجلٍ على ملامحه...فاتسعت عيناها بإدراك وهي تلعن نفسها سرا...ماذا كانت ستخبره!!..بأنها حين سمعت حديث تلك الفتاة اشتعلت الغيرة الحارقة في صدرها...غيرة لم تستشعرها من قبل...وكأن أحدهم يعبث بشيء يخصها كليا...انزعجت حين أحمر وجهها بشدة وشعرت بالحرارة تنبثق منه...تحاشت النظر إليه..فسمعته يهمس بلطف زائد لم يزدها سوى عصبية
(عزة فتاة تلقائية تتفوه دوما بما يخطر على بالها دون أن تفكر...ولكنها طيبة القلب)
تطلع بنهم لملامحها الممتعضة ووجهها المتخضب بالأحمر القاني حتى أصبحت تشبه حبة الفراولة الطازجة والجاهزة تماما لألتهامها...أخفض نظراته سريعا مستغفرا في سره بسبب أفكاره الناطحة..وجودها أمامه أصبح يحتاج للكثير من التحكم في الذات...تلاحقت أنفاسها بقوة..وهتفت بغيظ
(يالقلبك الطيب)
صمتت قليلا وتسألت بوجوم
(هل..هل تحبها؟؟)
انعقد حاجبيه متفاجئا من سؤالها..ثم حدق فيها جيدا فوجدها تزدرد ريقها بصعوبة...وفيما يبدو أنها تفاجأت من السؤال مثله تماما...تنهد بصبر فاتسعت عيناها ترقبا...ثم هتف بلطف رقيق
(لا بالطبع لا...ليس بتلك الطريقة...هي مثلها مثل أي زميلة هنا...وجميعهن يعدن كيمن بالنسبة لي أثناء التعامل معهن وفي إطار العمل أيضا حتى مساعداتي تكون في نفس الإطار ولا تخرج عنه سوى للضرورة)
ماعدا أنتِ...ولكنه احتفظ بها لنفسه حتى يأتي وقتها المناسب...أضاف باسما حين وجد الحيرة والتشوش يرتسمان داخل عينيها الزائغة...حيث كانت إجابته غير شافية تماما..
(ثم هل تلاحظين أننا نتحدث في العمل عن أحاديث شخصية؟؟..من كان يصدق أن تفعلي هذا يا سيادة المديرة!!)
لوت شفتيها بإمتعاض وهي تجيب بجفاف زائف
(أنت السبب يا سيادة البشمهندس...والآن هل نتجه للعمل أم سنضيع المتبقي من اليوم أيضا؟؟)
عدل سترته بثبات ودعاها بالقول
(بالطبع...سنتجه للعمل...تفضلي...من بعد سيادتك)
وفي نهاية عبارته أشار لها بحركة مسرحية رسمت الابتسامة بلا إرادة فوق شفتيها...فتعلقت عيناه بها للحظات قبل أن يتنحنح هامسا بخفوت
(رؤى...انظري لي)
تطلعت إليه برهبة حين وجدت البريق الخافت المرسوم في زرقة عينيه...وكأن الكون اختفى من حولهما...لم تشعر من قبل بهذا الشعور الغريب حين تدقق النظر في عيني شخص ما...حيث رأت إنعكاسها يتجلى فيهما وكأنها تسبح داخل بحر شديد الصفاء...تخدرت حواسها وارتعشت بشدة من عمق ما تستشعره في تلك اللحظة...
سمعت صوته يصل إليها ببطء
(تعالي معي الليلة...إلى حفل الزفاف)
كادت أن تجزم أنها أصبحت فجأة كالمنومة مغناطيسيا حيث حركت رأسها سريعا بموافقة...ودون أن تضيف أي اعتراض...وبعد عدة لحظات كسر نشوة اللحظة العجيبة وهو يضيف متفكها
(بالتأكيد أنتِ لم تحضري من قبل زفافا محليا أليس كذلك!!)
سمحت لأنفاسها المكتومة بالخروج أخيرا...فتعاقبت أنفاسها بحدة طالبة للهواء...يا إلهي ماذا يحدث معها!!!...خلال اللحظات السابقة كانت حرفيا كالمسحورة...اعترفت بأنه من غير العادل أن يمتلك رجلا كل تلك الجاذبية والروعة في آن واحد...فهذا خطر على الجنس الآخر...إذا كانت هي بقوتها التي تباهت بها طوال حياتها سقطت صريعة لتلك الجاذبية القاتلة فما بال الآخريات!!!!
حاولت أن تجلي بصوتها فخرج متحشرجا
(لا لم أحضر قط...حسنا سنتفق على الذهاب الليلة سويا طالما حمستني بتلك الطريقة إليه)
ثم أكملت بسرعة وهي تهرول لخلف مكتبها كي تخفي إرتعاشها الذي لم يتوقف بعد
(والآن هل نبدأ العمل؟؟)
حرك رأسه موافقا وهو يؤكد على نفسه من جديد بأن الاجتماع معها في مكان واحد وبمفردهما أصبح خطرا شديدا...سواء عليها أوعليه...
************************************************** ************************************************** ************************************************** *******************************************
حسنا...لو علم أي شخص أن كازانوفا جالس بجانب والده في شقة متواضعة ويتعامل كأي عريس تقليدي لسقط في التو صريعا من الصدمة...أخذ يتأمل هذه المرة شكل الشقة البسيطة التي تربت فيها يمن..الأثاث لم يكن باليا بل شديد البساطة..ودهان غرفة المعيشة بلونه الكريمي الهادئ كان شديد الدفء...وجو حميمي يسيطر على الأجواء من حوله...حتى أن الروائح الشهية تزكم أنفه...روائح الحلويات الساخنة التي قدمتها إليهم والدة يمن منذ وصولهم...نظر بطرف عينيه لوالده الذي اندمج في الحديث تماما مع والد يمن...حتى أنه لم يشاركهم فيه سوى قليلا..فوالده استلم الدفة بشكل مبهر...حتى أنه لم يبد عليه أي شكل من أشكال الانزعاج من تواضع الحال الظاهر لعائلة يرغب ابنه الوحيد بالزواج من ابنتهم...ورغم التناقض الظاهري والواضح بتجلٍ في أناقة والده وثرائه وفي بساطة والد يمن إلا أنهما استطاعا الانسجام سويا وكأنهما أصدقاء قدامى...تنهد بخفوت ثم استنشق أكبر قدر من الهواء الذي تعبق فجأة بالرائحة المنعشة والمعبقة بالتوت البري..تحكم في آهة كادت أن تخرج من بين شفتيه...ولف رأسه نحو الباب يتفحصها بدقة وتركيز في ملابسها البسيطة ولكن أنيقة بفستان سماوي طويل لا يظهر منها شيئا...شعرها كالعادة مرفوع في كعكة مرتفعة فوق رأسها ووجهها خاليا تماما من أي زينة قد تشوب جماله الفطري...خفق قلبه بقوة ازعجته...وسؤال خافت ينبع من داخله ما الذي تمتلكه تلك اليمن الصغيرة لتكون ذات سلطة على ذاته بهذا الشكل!!!
وهل سيكتفي منها يوما كي يعود لأمجاد كازانوفا!!!
بالطبع سيأتي يوما ويكتفي ولكنه لن يكون قريبا فمن أجل الحصول عليها تورط بما لم يخطر على مخيلته يوما!!..لذلك هي في المقابل لن تحصل على خلاص قريب...
تحركت بثبات تحمل صنية مرصوف فوقها أقداح القهوة الساخنة..وصلت لوالده أولا وقدمت له فنجانه فتناوله منها وإبتسامة إعجاب ترتسم بتجلٍ فوق شفتيه..ثم هتف ببشاشة وإعجاب شديد
(تبارك الخالق..إذن فالمديرة الشابة والصغيرة جدا لمنصبها الحالي لا تمتلك الذكاء العالي فقط بل أيضا تمتلك قدرا فائقا من الجمال)
ابتسمت له يمن بخجل شديد ووجها يتخضب بشدة جعلت عمار يرغب في خطفها دون إعتبار للموجودين...ولكن عليه التريث...لا يمتلك حاليا سوى إياه...بعدما انتهت يمن من ضيافتهم جلست في ركن قاصٍ وهي ترد بتهذيب على أسئلة والده...
حتى هتف والده بفخر
(حسنا...هل أخبرك بسر يا يمن!!)
تململ عمار بلا راحة...وخاصة حين استكمل والده
(لطالما تسألت عن الفتاة التي ستجذب ابني عمار إليها وتجعله يرغب بالزواج منها...وخاصة حين أبلغني قبل أعوام عن عدم رغبته بالزواج..وقتها تأكدت بأنه لم يجد ضالته بعد...ولكن حين دخل مكتبي وأخبرني بكل ثقة بأنه يرغب بالزواج أدركت من جديد أنه تلك المرة وجد ضالته المنشودة)
اتسعت عينا يمن بشدة وهي تحدق في والده شبه ذاهلة...وحين انتهى من عبارته نظرت إليه أخيرا تبحث في ملامحه عن تأكيد ما ربما...ابعد وجهه عنها بحدة غاضبة..ثم أخذ يتبادل أطراف الحديث مع والدها...حتى قاطعهم دخول أخاها الأكبر معاذ...رحب معاذ بوالده بود هادئ ولكن حين جاء دوره ابتسم له عمار باستفزاز مثلما يحب أن يفعل أمامه فرحب به الآخر بهدوء فاتر..
كانت الجلسة شديدة الود وذلك بالطبع بعيدا عن النظرات واللمزات التي أخذ يتبادلها كل من معاذ وعمار...أتفق والديهما على التجهيزات حتى أن والده أبدى رفضه عن جلبهم أي شيء ولكن والدها رفض بشدة معللا أنه لن يجعل فتاته الصغيرة بحاجة لأي شيء كما أنه كان يعمل في السنوات الأخيرة على تجهيزها كي يسلمها لعريسها مفتخرا بها...وصل الحديث لموعد الزفاف فتولى عمار الدفة هاتفا بسرعة
(من رأيي أن يكون موعد الزفاف بعد انتهاء يمن من امتحاناتها النهائية)
تتطلع الجميع إليه ما بين دهشة واستنكار وعدم تصديق...ومن قطع الصمت الذي أطبق عليهم هو صوت معاذ المستاء هاتفا من بين أسنانه
(لا..هذا موعد قريب للغاية أي بعد شهر تقريبا...ويمن لا تزال تحتاج لفترة كي تتعرف عليك بصورة أكبر)
وجه والده إليه نظره تحذيرية فتقبلها معاذ منه بهدوء واثق...أخذ عمار يستسرق النظر إليها كي يحدد موقفها فوجدها تحدق في الأرض ووجهها مخفي تماما عنه...برم شفتيه ثم رد على معاذ بتسلية زائفة
(حقا...ولكن لا أظن أن يمن تحتاج لأي وقت كي تتعرف عليّ أكثر...فكما تعلم أنا أعرفها منذ عملها القديم في وكالة الدعاية والإعلان..كما أنها حين جاءت للعمل لدي أدركت الكثير عني وتقبلته أليس كذلك يا يمن!!!)
رفعت رأسها بسرعة وعيناها متسعة بشدة حتى كادت تخرج من محجريها ووجهها تخضب ازداد إحمرارا...ابعدت عينيها عنه ونظرت نحو أخيها تهدئه بنظراتها بسبب غضبه الذي ظهر أخيرا...حاول السيد عز تخفيف حدة التوتر التي سيطرت على الأجواء فجأة فهتف بلباقة لطيفة
(ما يقصده عمار أن يمن تستطيع تحديد الوقت المناسب الذي يناسبها بالطبع...وإذا كانت رافضة للموعد الذي اقترحه عمار تستطيع إبلاغنا بأي موعد تشائه وسيكون لها...أليس كذلك؟)
تمم والد يمن على كلام والده...ولكن فجأة ظهر صوت معاذ من جديد هاتفا في يمن بحنان
(يمن حبيبتي...هلا تركتينا بمفردنا وتذهبين لمساعدة والدتنا!!)
حركت رأسها بطاعة وانسحبت بهدوء من غرفة المعيشة...وحالما خرجت تولى معاذ الحديث الذي توقع عمار أنه لن يعجبه البتة...فهتف محدثا الكبار بإحترام
(اعتذر عن مقاطعتي الحديث بهذا الشكل...ولكن نريد أن نضع النقط فوق الحروف...كي يساعدنا ذلك على إتخاذ قرارنا)
اعتدل معاذ في جلسته شابكا أصابعه في بعضهم ثم أردف بهدوء
(سيد عز الدين...بالطبع هذا شرف عظيم أن تجلس هنا في منزلنا المتواضع والذي فيما يبدو أنه لم يجعلك تستاء من العائلة الذي يرغب ابنك الوحيد من الارتباط بها...ولكن اعتذر..نحن لن يأخذنا الانبهار بالمستوى العالي الذي ستوفره لاختي في مقابل أن نسلمها إليكم بتلك السهولة...فكما تعلم يمن ليست أختي الصغيرة فحسب هي ابنتي أيضا..ومع كامل احترامي لوالدي...لا حرمنا ربي من وجوده...إلا إني لن أسمح أن أسلم يمن لابنك حتى يثبت لي بأنه يريدها حقا وليست مجرد نزوة لم يستطع أن يحققها فلجأ إلى الطرق المشروعة والمتاحة)
تلاحقت أنفاس عمار ورغبة عارمة في الفتك بهذا المغرور والذكي في نفس اللحظة...لن ينكر أن ذكاءه يعجبه كثيرا...ولكنه لن يخسر يمن الآن وخاصة حين وصل أخيرا لتلك المرحلة...نظر إلى معاذ ثم هتف بتحدٍ هادئ
(أخبرتك من قبل يا بشمهندس أن يمن فتاة رائعة وسعيد الحظ فقط هو من يحصل عليها زوجة...ومن حسن حظي أنه أنا...لذلك أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلها...كي أثبت فقط أنها ليست مجرد نزوة وأني أريدها زوجة وفي القريب العاجل)
تبادلا الاثنان النظرات المتحدية...وكل منهما يحاول حماية ما يخصه...ولكن عمار لم يكن يوما بالند السهل قط...وهو ما جعله يعترف أنه لا يجوز أن يستخف بهذا المعاذ مهما بلغ عناده فهذا الشخص لا يحتاج سوى لاستراتجية محددة كي يحاول تخطيه ويحصل على مبتغاة في النهاية...
قال والده بهدوء يشوبه الكثير من الإعجاب بحماية الشاب لأخته الصغرى...وكأن تلك العائلة الصغيرة والدافئة حصلت على الدعم والإعجاب المطلق من قبل والده
(من حقك يا بني أن تضمن مستقبل يمن وبأنها لن تحصل على الأذى أبدا...ولكن كما أخبرت يمن قبل وصولك بلحظات أني لم أكن أظن أن عمار سيتزوج في يوم قريب لأنه كان رافضا للأمر بشدة...وأظن بأن أختك استطاعت أن تجعله يعدل عن قراره وهذا يوضح كم هي مميزة بالنسبة إليه)
حسنا..فكرة أن يكون والده معه ليست سيئة تماما...فها هو ينقذه بسهولة من مواقف صعبة ويسيطر على الأمر بحنكة رجل أعمال خبير وأب عاش على ذكرى زوجته الراحلة مكتفيا بدلال ابنته الصغيرة...
أردف والده بتأثر
(صدقني أنا أيضا امتلك فتاة صغيرة...هي أجمل ما أملك في تلك الحياة...و...وحين تزوجت شعرت بأن جزء من روحي يرحل معها ...أنا مقدرا تماما لموقفك وموقف أبيك لأني ذات يوم كنت أخوضه وبصعوبه شديدة)
شعر عمار بالضيق وكاد أن يخرج عن أعصابه ولكن ما منعه الابتسامة المستفزة التي أهداه إياها معاذ ثم هتف بهدوء خبيث يحمل في طياته الكثير
(حسنا...مادام سيادتك تقدر موقفنا...إذن لن تحزن حين أخبرك بأن ابنك سيكون تحت الاختبار لمدة شهر وحتى موعد انتهاء يمن من اختباراتها النهائية وخلال تلك الفترة عليه أن يثبت بكل الطرق الممكنة مدى جديته وصدقه...وإذا نجح في الأمر ستكون يمن له بعد هذا الشهر وسنبارك جميعا زواجهما ولكن إذا فشل سيوعدنا أمامك أن يبتعد عن طريق يمن تماما وإلى الأبد تلك المرة)
************************************************** ************************************************** ************************************************** ************************************************** **********
لم يبتعد عنها تلك المرة بل ضمها إليه دون أن ينطق ببنت كلمة حتى استكانت بين أحضانه...لم يقطع الصمت المهيب سوى صوت أنفاسهما المتلاحقة وصوت بعيد لموسيقى تعاد للمرة لا يعلم كهنها..ابتسم بانتشاء حقيقي...وكأنه حصل لتوه على جائزة كبرى...وهو ما حدث حقا...لقد حصل على أروع جائزة...لو كان هذا نتيجة صبره فهو لن يمانع من انتظارها مئات الأعوام مادام ستعود في النهاية لأحضانه...استنشق بتأنٍ مهلك رائحتها المسكرة...كان يظن في الماضي أن ما يربطه بتلك الصغيرة التي احتلت عالمه بلا استئذان هو مجرد إعجاب بغرابتها...لطالما كانت مختلفة منذ الصغر...حتى هواياتها رغم امتعاضه منها إلا إنها كانت تبهره دوما باختلافها عن فتيات جيلها...كانت تعشق تجربة كل ما هو فريد ومختلف...وهو عشق هذا الاختلاف المهلك...
رفع جسدها بهدوء حتى دفنت وجهها في عنقه...اغمض عينيه كي يستمتع بتلك اللحظة النادرة...وكأنه يخشى أن يتركها فيكتشف أنه كان يعيش حلما جميلا لا أكثر...
بعد فترة انتظمت أنفاسها فأدرك أنها ذهبت في نوم عميق...إرهاقا ربما أو هربا...فهو يدرك جيدا بأنها ستعود لرفع حصونها من جديد بمجرد استيقاظها...ويدرك بأنها قد تبتعد عنه آلاف الأميال بسبب تعجله الشديد وخاصة في تلك المرحلة...ولكنه غير نادم أبدا على ما حدث...غنوة ملكه...وكان من المفترض أن يحصل عليها منذ زمن بعيد ولكنه بسبب صبره لنضوجها فقدها ولكن فيما يبدو أنه ليس للأبد...
من كان يظن أن يتحول من مجرد شخص يائس يهرب من الجميع كي لا ينفضح سر عشقه لها إلى رجل يمتلك كل الحق فيها...ورغم أنانيته البشعة بأنه حصل عليها أخيرا وامتلك الحق فيها من جديد إلا أن المقابل شديد القسوة.. حيث إن سبب عودتها جاء مقابل رحيل أخيه الأصغر..وكم تقتله تلك الحقيقة القاسية وتجعل سعادته منقوصة دوما...
قطع لحظة شروده صوت أزيز ينبه عن وصول رسالة لهاتفه...حرك ذراعه بهدوء كي لا يوقظها حاليا...ومد يديه ملتقطا إياه من فوق الأرض وهو يميل بجسده قليلا...أحكم ضم جسدها بذراعه ثم اعتدل مرة أخرى فوق الأريكة الوثيرة التي شهدت التغير الكبير الذي حدث بينهما هذه الليلة...
فتح الرسالة عاقدا حاجبيه بتركيز حين علم من المرسل...وحالما قرأ محتواها ارتسمت ابتسامة شديدة القسوة فوق شفتيه وهمس بخفوت منتشي
(يا إلهي...شاهي الجميلة ستكون الليلة آخر لياليها وهي حرة طليقة...حقا يجب أن اعترف أن اليوم هو أسعد يوما قضيته على الإطلاق)
************************************************** ************************************************** ************************************************** *********************************************
حالما انتهوا من تناول الغداء بحثت بعينيها عنه...وجدته أخيرا جالسا مع والدها في الشرفة المطلة على الحديقة الخضراء...سمحت لنفسها بتأمله ببطء حُرمت منه طويلا ولكن بعدما تأكدت من خلو المكان حولها...بدأت بتفحص شعره شديد السواد والذي تشعث من فعل الهواء...عيناه البنيتان والتي تشعر بهما تلمعان بشدة حين تجتاحه نوبة المشاغبة المعتادة..حاجبيه الكثيفتين واللاتي تظللان فوق عينيه فتمنحه هالة القارصنة التي طالما ربطتها به...أنفه الارستقراطية الفطرة بطولها المميز والمتناسبة بشدة مع تقاسيم وجهه...لحيته الشبه طويلة عن المعتاد وأخيرا شفتيه اللاتي تبتسم حاليا بنهم وكأنها تملك الكون وما فيه...كانت مأخوذة حرفيا بروعة ما تراه وتحفظه عن ظهر قلب ولكنها حرمت من تأمله منذ فترة طويلة...أخذت تمررعينيها بسرعة على جسده العضلي فانتفضت حين لمحت نظراته المترصدة...اتسعت عيناها رعبا...وأخذت تلتف حول نفسها تبحث عن أي شيء يلهيها...وضعت كفها فوق صدرها تهدأ من سرعة قلبها الذي يخفق بجنون...
حتى قررت الهرب بسرعة من أمامه فاتجهت إلى المطبخ...وهي تتطمئن نفسها بأنها لن تخرج حتى يرحل...أخذت تعنف نفسها بشدة على عدم سماحها له بالرحيل....فهي تحتاج للراحة منه...وتحتاج للوصول لحل سريع...حيث إنها ليست مغفلة كي لا تصنف ما تفعله في حق الدكتور شهاب بالخيانة...فهو لم يرتكب أي ذنب سوى أنه رجل وثق بها وأرادها زوجة تصونه وها هي ترد له تلك الثقة بالطعن الغادر...
لا تنكر بأن انتهاء هذا الأمر سيريحها قليلا...فلا ذنب لدكتور شهاب كي يعاني من عقدتها المتمثلة في حب يأس لن تبرأ منه أبدا مختوم بختم دامغ ومسمى مجاهد...
انتفضت ذعرا حين شعرت بكف تمسك معصمها وتسحبها بسرعة...اتسعت عيناها بوجل مرتعب وحين استوعبت ما يحدث هتفت بعنف وهي لا تزال تتحرك خلفه
(ماذا تفعل!!!!....يا إلهي...كيف تجرأت على دخول المطبخ وسحبي بتلك الطريقة؟؟؟....اتركني يا مجاهد...اتركني...ماذا لو رأنا والديّ؟؟؟)
لم يلتفت إليها حتى...ظل يسحبها حتى وصل بها إلى الحديقة الخلفية...تلقائيا أصابها الذعر المقلق حين تذكرت استسلامها المخزي أمس...وأخذ جسدها يرتجف من شدة الخذلان...وغصة تقف في حلقها بسبب رغبتها الملحة في البكاء من جديد رغم قسمها على عدم البكاء من أجله...
توقف أخيرا خلف إحدى الأشجار وأدارها إليه وحين رأى إرتجافها انعقد حاجبيه ضيقا فتركها متأففا ثم هتف بخشونة
(اهدئي يا تغريد أنا لن أؤذيكِ أبدا..ثقي بهذا)
ابتعلت ريقها بصعوبة تحت نظراته الواجمة...ثم أردف بنفس النبرة
(اعتذر...ولكني رغبت في الحديث معكِ بشكل ضروري)
ابتعدت عنه وهي تدلك ذراعيها وقد شعرت بالبرد فجأة...ثم هتفت بتلكؤ
(ماذا تريد؟؟)
مد كفه لشعره يرجعه بعنف وكأنه يعاقبه...ثم هدر بصوت غليظ
(لقد أخبرني والدك عن موعد خطوبتك الوشيكة...إذن أخبريني متى ستبلغيهم عن فسخك إياها!!!)
بادلته النظر بحدة قاتلة ثم هتفت من بين أسنانها وهي تشعر بأنها على وشك الانفجار...وتتابع الأحداث بتلك السرعة يهلكها
(إذا سمحت لا تتدخل فيما لا يعنيك...وأتمنى ألا نتحدث عن أي شيء حاليا هذه الفترة...فأنا أحتاج لفترة طويلة كي أصفي ذهني وأرتب أفكاري من جديد)
ارتسم الإجرام على ملامحه فأصبح يمثل خطرا داهما...ثم صاح وهو يكز على أسنانه بقوة
(حسنا...وهذا المدعو الدكتور شهاب الذي أخبرني والدك أنه يرتب لخطبتكما الوشيكة فهل سيكون ضمن أفكارك الجديدة أم ماذا!!)
حركت كتفيها وهي ترد بلا مبالاة
(لا أدرك...ربما)
قطع الخطوات بينهما بسرعة...وأمسك ذراعيها بقوة ألمتها هاتفا بحنق غاضب
(تغريد...لا تفعلي هذا...لكِ كل الوقت الذي تبغيه....ولكن لا تتلاعبي بهذا الشكل...تدركين بأن هذا الشخص لن يكون أي شيء في حياتك فلا تبني في مخيلتك أوهام لن تحدث أبدا)
افلتت نفسها بحدة قاتلة والقسوة تغلف قلبها وهي تهتف بهدير مجنون
(بأي حق!!!...بأي حق تأتي الآن كي تأمرني بإفراغ حياتي حين ترغب أنت بذلك...وماذا عني أنا!!...هل أنت واثق مثلا بأني أبادلك ما تدعيه من حب!!!)
ارتسم الألم فوق نظراته...وبداخلها صوت يستغيث بها وينشدها أن تتوقف وألا تضيع حلمها الذي تمنته طوال حياتها...يا إلهي هي تدفعه للإبتعاد عنها وللأبد...أردفت وقد تسبب الضغط الزائد مع الصدمة المتراكمة بحصولها على ماتتمناه ألا تتوقف
(ماذا تملك كي تتحدث معي بهذا التأكيد وكأنني أبادلك أي شيء هاا؟؟..حقا أنا أصبحت أشفق عليك يا مجاهد)
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيه يحيطها الكثير من الألم...ولكنه هتف بقوة
(قد لا امتلك قول صريح منك يا تغريد يعبر عن أي شيء...ولكني امتلك أفعال صريحة تعبر عن كل شيء وحاليا أنا مكتفي بها حتى يصبح لي الحق كاملا فيكِ لأحصل على ما أشاء من أقوال...ولكن لو أردتي أن تعرفي تأكيدا واحدا امتلكه فقد أبلغك إياه)
اقترب منها ببطء تسبب في اتساع حدقتيها وزيادة سرعة أنفاسها بسبب كلماته المستفزة ولكن صريحة للأسف...أخذت تمسد عنقها بتوتر حاد...وحين وصل إليها تاركا مسافة صغيرة بينهما همس برفق قشعر بسببه بدنها
(اعترف لو لم تبادليني أي شيء مما حدث بيننا لكان الشك حليفي الآن...ولكن مجرد عدم اعتراضك أعطاني الكثير كي أدافع عنه فيكِ...فأنتِ يا تغريد لن تسمحي لأي كان أن يأخذ منك ما ترفضيه قط حتى لو بالغصب)
يا إلهي ستنفجر حاليا...نعم...كل حرف يقوله بتلك الثقة صحيحا تماما...هي أعطته جزءا من نفسها...ولو كانت رافضة للأمر لاستطاعت إيقافه عند الحد المناسب منذ المرة الأولى...حقا...هل يملك دليلا أكبر من مبادلتها إياه أمس قبلته بكل هذا اليأس!!!...حقا تمنت من كل قلبها أن تنشق الأرض لتبتلعها من حجم الخزى الذي تعيشه أمامه حاليا....تشعر بأنها فرطت في كرامتها وأعطته الكثير مقابل أشياء لا تستطيع التصديق بأنه يشعرها نحوها...أو التصديق بأنها موجودة من الأساس...
ابتعدت بحدة عن مجاله...وتخطه كي تعود للداخل من جديد وهي تشعر بنفسها مستنزفة تماما بسببه فقط...
ولكن قبل ابتعادها عنه سمعت صوته اللطيف والمداعب بشغف تعشقه
(بالمناسبة...امتلك شيئا آخر وفعال للغاية وهو تأملك إياي قبل قليل...حتى أني شعرت بالقلوب الحمراء تكاد تقفز بإبتهاج من عينيكي الجميلتين)
لفت له بعنف شديد ولم تكن القلوب ما تتقافز من عينيها في الوقت الحالي بل كان يتقافز الشرر القاتل...ويكاد يجزم مجاهد حين رأى تلك النظرات أنه لو كانت النظرات تهلك لأردته تلك الصغيرة صريعا في التو بسبب عنف نظراتها الوحشية...لم ترد قط...بل اكتفت بالطرق بقدميها فوق الأرض وتحركت مبتعدة عنه...وحالما ابتعدت سقط قناع المرح عن وجهه وهمس لنفسه بلوعة متألمة
(اتقبل منكِ أي شيء...وسأتحمل منكِ كل ما تفعليه...لأني استحق يا صغيرتي...صدقيني....أنا استحق وبشدة العقاب على جهلي وقلة بصيرتي)
************************************************** ************************************************** ************************************************** ************************************************** *****
تطلع إليها وهو يمسك المقود فوجدها تحدق من النافذة بجانبها بوجوم شارد...مثلما توقع تماما...حالما انقض سحر اللحظة عادت لترفع أسوارها من جديد أمامه...وحين استيقظت أخيرا وجدها شديدة التباعد وكأن المرأة التي قضت الساعات الماضية بين أحضانه وبادلته عاطفته بأخرى مهلكة لم تكن موجودة قط...وكانت العبارة الوحيدة التي وجهتها إليه بعدما ارتدت ملابسها هي
(أريد الذهاب لتغريد)
وقتها فقط اقترب منها ببطء هاتفا بتحذيز شديد وذلك ليقينه بأنها لن تتحمل منه أي حديث في الوقت الراهن ولكنه أراد أن يضع حدا لعدم استهتارها بهذا الشكل وكي لا يعيش اللحظات الماضية مرة أخرى
(إياك والخروج بمفردك يا غنوة...صدقيني هذه المرة مرت على خير...ولكن لا أضمن ما سيحدث في المرة القادمة...وقبل أن تظني أشياء خاطئة...أنا لا أمنعك من الخروج بل أبلغك بضرورة خروجك مع الحرس لأنك لست في أمان بشكل تام كي تخرجي بمفردك بعد)
وكما توقع لم ترد عليه بأي شيء...وحين لاحظت انتظاره حركت رأسها بحركة موافقة ومنزعجة وتخطته للخروج من الجو الغريب الذي سيطر عليهما بغتة..
وصل لقصر البدراوي...وقبل ترجله من السيارة هتف بتحذير جديد
(اتصلت بتغريد كي أسألها عن مكانك حين كنت أجهله...لا أريد أن تخبريها بأي شيء...وإذا سألت ستخبريها أنك خرجتِ لجلب طلب ما دون إخباري)
التفت نحوه تطالعه بغضب وهمست وهي تكز بعنف على أسنانها
(للمرة الآف سأخبرك أني لست طفلة وأدرك جيدا ما يجب أن أقوله مما يجب ألا أقوله أبدا...أتمنى أن تفهم ذلك)
نظر لها نظرة أربكتها ورد بسرعة أجفلتها
(أتفهم جيدا بأنك لستِ طفلة أبدا...وأظن بأني جعلتك أنتِ تفهمين ذلك..أليس كذلك ياغنوتي!!)
اتسعت عيناها وتخضب وجهها بالكامل من شدة الخجل الممزوج بالكثير من الارتباك...كادت أن تهرب من السيارة ومن كل مكان يجمعها به ولكنها تسألت فجأة كمن خطر على باله أمر هام ظهر في التو
(من أين علمت مكاني بهذه السرعة؟؟)
تنهد بقوة ثم هتف بأسف زائف
(أنتِ تستخفين بقدراتي حقا...ولكن سأخبرك كي تحصلي على الراحة)
اقترب منها بسرعة بعدما فك حازم الأمان الخاص به...فشهقت بصوت مكتوم...مد كفه ببطء يلمس وجهها الناعم فازدردت ريقها بتوتر وأنفاسها تخرج بصعوبة من صدرها...وقلبها يخفق بسرعة مؤلمة...
أردف بابتسامة مرتجفة قليلا..محملة بالكثير من العواطف الجياشة
(لقد شعرت بوجودك هناك...أو ماذا يقولون!!...قلبي هو من أخبرني)
ارتعش جسدها تأثرا بقربه المهلك لمشاعرها المضطربة...اطلق سراحها أخيرا فتنهدت براحة وقررت تلك المرة الفرار من أمامه...وحين نزلت بسرعة من سيارته يلفحها الهواء البارد كي يخفف من اشتعال جسدها ووجهها...وقتها فقط اعترفت لنفسها بأن جاسم أصبح يمثل خطرا مداهما عليها ويجب أن تبتعد عنه عاجلا وليس آجلا...

في غرفة تغريد
جلس على الأريكة الواسعة واضعا ساقيه فوق بعضهما وبجانبه تجلس تغريد بتوتر خفي...حين لاحظت تأمله إياها سألته بجرأة
(ماذا حدث يا أخي؟؟...ها قد صارنا بمفردنا أخبرني بكل الأسئلة التي تدور في عينيك بوضوح شديد؟؟)
تغريد...ابنته الصغيرة...لطالما عاش طوال سنين عمره مؤمنا بأمر واحد أن أخويه ليسا مجرد أخوة فقط بل هما أبنائه...ولطالما آمن أيضا أن تغريد تمتلك الغموض والقوة وسامر امتلك الوضوح الشديد والمشاغبة...ولكن يبدو بأن الكثير مما كان يظنه ويؤمن به كان خاطئا بشكل محزن...
هتف بصرامة حادة وبكلمة واحدة ودون مواربة
(مجاهد!!!)
تطلع إليها بدقة عالية يتفحص كل حركة تصدر عنها...فلاحظ بأنه حين لفظ اسمه تجمدت تماما وكأنها صنم...ثم ابتلعت ريقها بإرتباك واضح...فاغمض عينيه للحظات...وهو يشعر بإنقباضة في قلبه...لمَ لا يدرك ما يدور بداخل أخويه!!!...كيف يكون بهذا الجهل وفي نفس اللحظة يتفاخر بكونه الوحيد الذي يدرك ما يدور بداخلهما!!!
همست بثبات زائف
(ماذا به يا جاسم؟؟)
ابتسامة قاسية ارتسمت على شفتيه ثم هتف بحدة
(أنا من أتسأل هنا يا تغريد...هل كنتِ تدركين بما يكنه إتجاهك!!)
ابعدت نظرها عنه..ثم همست بأنفاس مضطربة رغم استعدادها السابق لهذا الحديث...ولكن رهبة الجلوس أمام جاسم تجعل داخلها يرتعد..
(لم أدرك سوى من وقت قريب يا جاسم صدقني)
تحرك للأمام متسألا بلا مواربة
(وأنتِ!!...ما رأيك في الأمر!!)
تحاشت النظر إليه من جديد...وهي تشعر بأنها فأر حُبس في المصيدة...رفعت رأسها وهي تجيبه بثبات رغم انكماشها الداخلى
(لم أفكر في الأمر بعد...فكما تعلم أني كنت على وشك الخطوبة لشخص آخر)
زعق بحدة جعلت عينيها تتسع بشدة
(وهذا ما يجعلني أتسأل...كيف تقبلتي فكرة الارتباط بشخص ما وأنتِ تحبين آخر!!!!)
هتفت باستنكار مذهول
(أخي)
اعتدل في جلسته واقترب منها مما جعلها تنتفض قليلا ولكنه امسكها بسرعة أجفلتها مقربا إياها منه...هتف بإختناق يشوبه بعض التوسل مما جعلها تتسأل كيف يتحمل جاسم كل هذا الألم بمفرده!!!...وكيف تأتي هي كي تزيد من همومه وألآمه بكل عنجهية!!!
(تغريد...صغيرتي...أخبريني كل شيء بمنتهى الصراحة...فكما تعلمين أنا أمنحك ثقتي المجردة...فلا تخذليني يا صغيرة)
تنهدت بتثاقل ثم همست بخفوت رقيق
(حسنا يا أخي...هون على نفسك...سأخبرك بكل شيء...فأنا كنت سأفعل دون أن تطلب ولكن أوعدني أن تعطيني في نهاية حديثي حل نهائي وحاسم كي أقرر ما يجب عليّ فعله...هل تعدني؟؟)
حرك رأسه بموافقة سريعة...وقبل حديثها رن هاتفها للمرة لا تدرك كهنها باسم شهاب...فهتفت بسرعة لأخيها وهي تتحرك
(لحظة...سأضع هاتفي على وضع الصامت كي لا يقاطعنا صوت رنينه المزعج)
ولم تدرك وقتها بأنها ارتكبت خطئا...بل ارتكبت خطئا جسيما...
************************************************** ************************************************** ************************************************** ***********************************************
فتحت باب غرفة سامر بهدوء...تحاول بكل ما تملك أن تستدعي ذكرياتهما سويا ولكنها تتلاشى...كل الذكريات تطوف بعيدا عنها...هي من كانت تعيش فيما مضى داخل تلك الذكريات الآن تستدعيها بصعوبة...خطت داخل الغرفة وأوصدت الباب خلفها ثم أخذت تتأمل جدرانها التي برعت في حبس نفسها داخلها كي تحصل على الأمان والحماية...
وصلت للسرير وارتمت عليه بقوة مطلقة سراح دموعها التي حبستها لوقت طويل...انسابت دموعها بغزارة فوق وجهها...حتى أن شهقاتها ازدادت وتيرتها...لمَ لا تتذكر تفاصيل سامر وعشقهما الذي عاشت به طوال الفترة السابقة!!!
لماذا كل ما يحتل تفكيرها هو جاسم وما حدث بينهما!!...لمَ لا تشعر بالذنب بسبب فعلتها!!!بل تشعر فقط بالذنب لأنها لم تستطع أن تعطي لسامر ما أعطته بكل سهولة لجاسم!!
رفعت كفيها فوق وجهها وبكاؤها يزداد شدة...وفي المقابل تزداد التساؤلات داخلها...
ماذا يصنف ما شعرته إتجاه جاسم؟؟...فالامتنان كان أبعد ما يكون عن شعورها وهي بين ذراعيه!!!
هل اعترافه لها بأنه يعشقها منذ زمن بعيد!!!
ابعدت كفيها عن وجهها وهي تتطلع للسقف بحيرة منذهلة...رمشت بعينيها عدة مرات كي تبعد قطرات الدموع المتعلقة بأهدابها...ثم همست لنفسها بتشوش
(جاسم يعشقني)
لم يكن تساؤل بل حقيقة جعلها تدركها قولا وفعلا...
فلمَ لا تنفرها تلك الحقيقة!!!ولكنها ولسبب ما تجعلها تشعر بالزهو الخفي...وكأنها كانت تنتظر هذا الأمر منذ زمن ونالته أخيرا...
عنفت نفسها بحدة على أفكارها الغير منطقية...ولكن كل ما يحدث معاها بسببه هو فقط...هو من اعترف لها بعشق فجعل الكثير من الأشياء التي حدثت في الماضي وجمعتهما سويا تنبثق فجأة من العدم...بل وتحتلها حرفيا...
تنهدت بإنهاك..تحتاج أن تبتعد عن مداره كي تصل لسبب واضح لكل ما تعانيه...فحين وافقت على الزواج منه كان زواجا صوريا ومؤقتا بحق الله...ولم تتخيل قط أن يتحول لحقيقة مجردة مصحوبة بالعشق!!!....
حسمت أمرها وهي تعتدل في جلستها وتمسح دموعها بعزم...
وأخبرت نفسها بعزم حين ينتهي من الحديث مع تغريد ستخبره برغبتها بعدم العودة معه لشقته وبأنها تحتاج لمساحة كي تريح أفكارها وإلا ستهلك بسبب جنون ما تعيشه معه....
************************************************** ************************************************** ************************************************** ************************************************** *****************
في المساء وأمام إحدى الحارات البسيطة التي تقع في حي يتسم بالبساطة والدفء

انتظر معاذ وصول رؤى بصبر نافد...اتصل بها عشرات المرات مخبرا إياها بقرب بداية الزفاف كي تراه من البداية...ولكنها تكتفي ببعث رسالة نصية تخبره بأنها على وشك الوصول...
اقترب منه مجموعة من أصدقائه هاتفين بتعجل
(معاذ ألن تأتي؟؟...العروسان على وشك الوصول ..)
هتف بهدوء وهو يطالع ساعة معصمه
(اسبقوني أنتم...أنا انتظر وصول شخص وحين يصل سأدخل إليكم)
يدرك جيدا بأن وجود رؤى بينهم سيسبب ربكة للجميع...وأولهم العروس المسكينة...يكاد يتخيل صدمتها حين تجد مديرتها المرعبة تبارك لها زفافها...ولكن ليسوا من حقهم أن يحكموا عليها بهذا الشكل دون أن يعرفوها حقا ويدركوا أي إنسانة رائعة تحمل بداخلها...هو فقط سيساعدهم على رؤيتها بحقيقتها المجردة ودون أي تزيف مثلما كانت تحاول إقناع الجميع دوما....قد تلوكه الألسن بسبب طلبه لوجودها بينهم وبشكل خاص وجودها معه...ولكنه لا يهمه ما قد يطاله هو وكل ما يهمه حقا ألا يقلل أي شخص من قدرها وهو ما لن يسمح به أبدا....
ولكن أين هي تلك الأميرة الهاربة التي يرغب في المحاربة من أجلها وهي غير موجودة بعد!!!!
سبقه أصدقاؤه بالفعل...وانتظر وهو يزفر بضيق...حتى شعر بشيء يحسه من داخله أن يلتفت الآن...وحينما فعل رأها تصف سيارتها الصغيرة...حبس أنفاسه حين نزلت بهدوء بطيء من سيارتها...وأقل وصف يمكن أن يصفها به حين رأها بأنها كانت فائقة الجمال...حيث كانت كملكة مهلكة حقا بكل ما تحمله الكلمة من معاني...بفستانها الأسود القصير والمنفوش قليلا...نزل بأنظاره لأسفل وهو يعقد حاجبيه بقوة فوجد أنها ترتدي جوارب سوداء تحدد تتفاصيل ساقيها بنعومة مهلكة وتقف فوق حذاء عالي الكعبين بلون النبيذ المسكر...رفع أنظاره لأعلي والغضب الأعمى يتمكن منه حين لاحظ أن الفستان رغم أكمامه الطويلة إلا أن تصميمه يظهر كتفيها الناصعة البياض...ومعلق في عنقها سلسال رقيق...وشعرها الأسود مرفوع في تسريحة أنيقة...وجهها مزين ببساطة لم تفسده بل بالعكس تلك البساطة التي أظهرت أناقة ملامحها لم تزدها سوى فتنة مهلكة للنظر...
اشتعل الغضب بداخله وهو يتخيل كل عين قد تنهشها بسبب شكلها المهلك هذا...يراهن بأن الجميع لن يلتفت للعروس مثلما سيلتفت لتلك الشعلة المتوجة...لقد أخبرها ببساطة المكان وأهل الحي بالطبع كي تحاول إرتداء المناسب لهما...ورغم البساطة التي تصدر عن فستانها وعدم بهرجته إلا أنه عليها مهلك للغاية وغير مناسب لزفاف محلي...
تقدم إليها وأنفاسه تتلاحق بغضب غير محدود...وحالما رأته قادم نحوها أهدته أجمل ابتسامة قد يراها يوما...توقف للحظات يحاول السيطرة على أعصابه المنفلتة...فقبض على كفه بقوة ألمته كي يوقف خياله الذي يصور له الكثير في تلك اللحظة...وهي لا تساعده أبدا على إلهائه...بل تضع الكثير من الوقود فوق اشتعاله فيكاد يخرج الأمر عن السيطرة...وهذا غير مبشر أبدا...
وصل إليها فاختفت ابتسامتها بالتدريج حين لاحظت وجهه المحتقن بالغضب...فهمست بسرعة كي تتدارك غضبه
(اعتذر عن التأخير...ولكني أخطأت الطريق في البداية ولم أرد أن أتسبب في قلقك فاعتمدت على نفسي حتى وصلت لهنا أخيرا وبمفردي)
تاهت نظراته في لون أحمر الشفاه القاني الذي يحدد بجرأة صارخة شفتيها المزمومتين...رمش بعينيه بسرعة...وجسده ينتفض حرفيا...
فهتف بإختناق متحشرج
(ما هذا الذي ترتديه يارؤى؟؟)
عقدت حاجبيها بحيرة...فتطلعت لفستانها من جديد...وتسألت بتوجس حائر
(فستان...أليس حفل زفاف؟؟...والنساء يحضرن الحفلات بفستان سهرة بينما الرجال يرتدون حُلة...مثلك تماما!!!...هذه معلوماتي التي أعرفها...أم أنها تبدلت!!!)
امتعض وجهه وكاد أن يلهث من حجم الإنفعال فاكتفى بأن صاح بضيق
(نعم صحيح...ولكني أخبرتك أن الزفاف في حي بسيط كي ترتدي ما يناسبه ولكنك بهذا الشكل...)
قاطع حديثه وهو يطالعها من جديد مما أغاظه أكثر...قبض على كفه أكثر حين لاحظ الألم يرتسم فوق وجهها...ثم همست بهدوء وهي تتحرك عائدة لسيارتها
(يبدو أني أخطأت بالمجئ...يجب أن أرحل...أنا لن أدخل هذا الحفل الذي لا أناسبه)
قبل وصولها لسيارتها من جديد قبض على ذراعها وأدارها إليه بسرعة هاتفا بنزق
(انتظري هنا)
هتفت بوجوم
(اتركني يا معاذ من فضلك أريد الذهاب)
اشتدت قبضته فوق ذراعها فمنعت آهة متألمة كادت تخرج من بين شفتيها...هتف باهتياج ثائر جعل قلبها يرتعش بشدة
(حقا...أنا لا أقصد بأنك أنتِ من لا تناسب الحفل...بل قصدت أن الحفل هو الذي لا يناسبك أبدا...وخاصة وأنتِ تبدين بكل هذا الكمال)
اتسعت عيناها وطالعته بذهول...وحين التمعت زرقة عينيه بشدة كادت أن تهلك المتبقي من قوتها...تبادل كل منهما النظرات اليائسة مع الآخر...
بعد لحظات هتف معاذ بنبرة أخف وطأة عن سابقها
(لن أتحمل أن تتأكلك النظرات يارؤى وأنتِ بهذا الشكل المهلك...لن أتحمل أن ندخل سويا فتطغى فتنتك على جمال العروس وتصبحين مثار نظرات الرجال الطامعة وأحاديث النساء المسيئة لكِ والحاسدة أيضا)
تلاحقت أنفاسها...حتى أن وجهها ارتد للوراء عدة مرات أثناء حديثه...لا تزال ذراعها في كفه تستشعر دفئه فيزداد اضطرابها أكثر...حتى طغى على صوت صخب قلبيهما صوت قرع الطبول فانتفضت فزعا وكادت أن تسقط لعدم توازنها ولكنه أحكم الإمساك بها محافظا على مسافة آمنة بينهما...تنهد بقوة وهمس برفق
(لا تفزعي...وصل العروسان وهذه الزفة الخاصة بوصولهما)
نسمة باردة هبت فجأة فاستنشقها بتمهل لأنها معبقة بنسيم عبقها الهادئ...زفر بقوة وهو يتركها ببطء حين تأكد من توازنها...فهتفت بهدوء بعدما لاحظت وجوم نظراته
(أتدرك أني دوما أحب الاحتفاظ بحقيبة ملابس احتياطية في سيارتي...وذلك لتوقعي حدوث أي أمر معي وأنا في الخارج...ما رأيك أبحث فيها عن شيء مناسب وأنت وفر لي مكانا مناسبا لتبديل فستاني الذي لا يليق به الحي)
انعقد حاجبيه بتفكير...ولكن ذلك لم يمنع ظهور الراحة فوق ملامح وجهه شديد الوسامة...زفر براحة وهمس بتردد رقيق
(لم أقصد إحباطك صدقيني...ولكني...خائف عليكِ ولن أتحمل أن ينظر لكِ أي كان نظرة لا تليق بكِ)
لو كانت الكلمات تسكر فهي حاليا وصلت لحالة فريدة من الانتشاء...معاذ فقط هو من يشعرها بأنها أنثى محبوبة...هو فقط من استطاع بسهولة أن يغذي كبرياؤها ولكنه لم يخرج منه الأسواء بل أخرج منه الكثير من الثقة التي فقدتها منذ زمن بعيد...بل فقدتها منذ بداية إدراكها معنى الحياة...لتدرك متأخرا للغاية بأنها لم تكن تحتاج لسواه...
همست مبتسمة وهي تحرك كتفيها بإدراك
(أعلم يا بشمهندس...والآن هل ستوفر لي مكانا مناسبا أم أذهب دون أن أحصل على فرصتي في رؤية الزفاف المحلي)
أخرج هاتفه وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها وهمس بهدوء دون أن يتطلع إليها
(لن أتركك بمفردك...سأجري إتصالا كي تأتي من تساعدك)
بعد دقائق
عبست رؤى حين رأت الفتاة القادمة من بعيد...حيث كانت نفس الفتاة التي رأتها مع معاذ صباحا في العمل تلقي على مسامعه قصيدة غزل لصفاته...زمت شفتيها وسألته بضيق
(ماذا تفعل هذه هنا؟؟)
نظر إليها وهمس باسما
(عزة ستأخذك عند إحدى الجارات كي تبدلي ملابسك)
كبحت غيرة حارقة كادت أن تجعلها تنشب أظافرها في ملامح وجهه الشديدة اللطف والوسامة كي لا تنظر إليها أي فتاة آخرى...
همست وهي تضغط بقوة على أسنانها
(هل أخبرتها أني أرتدي ما لا يناسب الحي وأنك ترغب في مساعدتي كما تساعد الكثيرات والمحتاجات إليك ؟؟)
امتقع وجهه وهو يرد بإقتضاب
(لا لم أخبرها سوى أني أحتاج لمكان آمن وخالي عند إحدى الجارات لتبديل ملابس شخص ما...حقا رأيك بي يبهرني يارؤى!!!)
حركت رأسها بإضطراب وكادت أن تتحدث ولكن قاطعها وصول تلك المدعوة عزة التي أخذت تتطلع نحوها بذهول مصدوم...هتف معاذ بجدية
(من فضلك يا عزة..أوصلي الآنسة رؤى كي تبدل فستانها وأنا سأنتظركما بالأسفل)
انعقد لسان عزة وهي ترى امرأة بارعة الجمال لا تمت المديرة الصارمة بأي صلة...قاطع شرودها المصدوم صوت معاذ الجاد وهو يهتف باسمها..تطلعت إليه وبداية دموع على وشك الظهور في عينيها...همست بتردد متوتر
(يا لها من مفاجأة...الآنسة رؤى بنفسها هنا في هذا المكان المتواضع...ولكن أتسأل كيف تجرأت رانيا على دعوة سيادتك دون أن تشعر بأي خوف؟؟)
هتف معاذ بسرعة معتدلة وبحزم شديد
(ليست رانيا من دعت الآنسة رؤى يا عزة...بل أنا..فالعروس أعطتني الحرية لجلب من أريد)
حركت عزة رأسها بلا معنى وابتعلت غصة مسننة في حلقها بصعوبة...فتحركت بسرعة هاتفة بحسرة قاتلة
(حسنا..هيا لنذهب كي لا نتأخر أكثر)
بعد ربع ساعة تقريبا
تطلع معاذ في ساعته بنزق حقيقي...ثم زفر بقوة حين رأها تطل أخيرا...ولا تزال تملك نفس روعة الطلة...دقق النظر فيها فوجد أنها ارتدت تنورة تخطت الركبة بعدة سنتيمترات على نفس الجوارب السوداء والحذاء النبيذي...رفع أنظاره ببطء يراقب تقدم خطواتها بنهم شديد...فلاحظ بلوزتها الحريرية ذات الأكمام الطويلة بلونها المماثل للون الحذاء والتي أدخلتها بجرأة عابثة داخل تنورتها مما جعلها تلتصق بحناياها ورسم بدقة بارعة تفاصيلها الرقيقة والأنثوية بطريقة مهلكة...شعرها تلك المرة تركته حرا مما جعل هالة الجاذبية تزداد خطورة من حولها...وفي كفها امسكت بحقيبة صغيرة باللون الذهبي...
لا يستطيع الاعتراض الآن على مظهرها الذي بدلته تماما أليس كذلك!!
وصلت إليه وهمست ببطء وهي تتنهد بإفتعال
(ما رأيك الآن؟؟...هل أصبحت أليق بالحي؟؟)
عقد حاجبيه وأجابها بتركيز عميق
(أممم...اعتقد بأن الحي لن يليق بكِ مهما فعلتِ...فأنتِ تبدين...فاتنة ولا أدرك ما الذي يجب أن ترتديه كي نخفي تلك الفتنة!!!)
تخضب وجهها بشدة...وابعدت وجهها وهي تهمس بإرتباك لا يليق على شخصيتها
(شكرا لك...أريد وضع الفستان في السيارة قبل دخولنا)
هز رأسه وهو يبتسم لها بلطف وأفسح لها الطريق كي تتخطاه...وحالما تقدمته تجمد حين وجد عزة تقف خلفها تتطلع إليه متسعة العينين وبذهول شديد..قطب حاجبيه بصرامة وتحرك هاتفا بتعجل خشن
(أشكرك على تعبك معنا يا عزة...بالإذن)
اتبع رؤى بسرعة فرأها تقف خلف سيارتها..وصل إليها فوجدها تغلق سيارتها...ابتسمت بإضطراب حين رأته...فتنهد هاتفا
(هل نذهب كي نستطيع اللحاق بهذا الزفاف المهلك للأعصاب)
حركت رأسها موافقة وتبعته بإرتباك شديد...والأحمق الخافق بين ضلوعها يخفق كالعادة أمامه بألما لذيذا...

بعد ساعتين وحالما انتهى الزفاف

اغمضت عينيها مستنشقة الكثير من الهواء الصافي الموجود حولها...يلفها نسمة باردة فيرتعش جسدها إثارة منتشية...منذ متى لم تشعر بكل تلك السعادة والراحة!!
وصل لأنفها رائحة المشروب الساخن فأدركت بأنه عاد إليها...التفت ببطء تتطلع لزرقة عينيه التي تماثل زرقة النيل الموجود خلفها في ضوء النهار الساطع...مد الكوب الساخن إليها فأخذته بحرص شديد...وهمست بخفوت
(شكرا لك...أتعبتك معي اليوم)
همس بخفوت مماثل
(لا بأس بتعبك ليّ)
لفت ببطء تحدق للنيل ومياهه السوداء بفعل الظلام المحيط به...استنشقت البخار الساخن المتصاعد من مشروب حمص الشام المشهور في تلك الأماكن القريبة من النيل...ثم نظرت إليه بطرف عينيها فوجدته يسند ظهره على السور الحديدي موجها أنظاره إليها...
همس باعتراف رقيق
(هل تعرفين أني لا آتي إلى هنا سوى برفقة يمن فقط)
تسرع هدير قلبها وهمست بتحشرج مكتوم
(حقا...ولا حتى حبيبتك!!)
رد بحيادية
(لا...ولا حتى حبيبتي)
زمت شفتيها وهي ترفع الكوب الساخن ترتشف منه ببطء...جذب مسامعها صوت تنهديته العالية...حدقت في عينيه بتساؤل...فهمس بثبات لطيف
(لنجلس على تلك المقاعد)
أومأت برأسها وتحركت معه حتى جلسا على مقاعد شبه عالية سمحت لهما برؤية النيل من موضعهما...هبت نسمة أشد قوة عن سابقها فطارت خصلة شاردة تعبث بجانب وجهها...تطلع بشرود إليها كي يتابع مسار تلك الخصة...حتى قاطعت تأمله بأصابعها المرتعشة تزيحها هاتفة بتحشرج مربك
(معاذ هل تسمعني؟؟)
رمش عدة مرات كي يعود له تركيزه من جديد...ثم هتف بخشونة كي تمنحه الثبات
(نعم أنا معكِ)
زينت شبه ابتسامة شفتيها المرتعشتين ثم همست بتساؤل بطيء
(حقا..إذن ماذا قلت لك!!!)
عبس ثم زفر بقنوط وهو يجيب بخشونة مستسلمة
(حسنا...لم أكن معكِ...كنت شاردا قليلا...ماذا قلتِ؟؟)
تنهدت وهمست وهي تتطلع للمنظر الفسيح الموجود أمامها
(كنت أشكرك على ما تقدمه ليّ...فأنا منذ زمن لم أشعر بكل تلك السعادة)
تفحص ملامح وجهها المرتاح قليلا ولكن يشوبه الكثير من الألم...فلم يمنع نفسه من التساؤل بحيرة مترقبة...مجازفا بالكثير...
(ما الذي حدث قبل ثلاث سنوات يارؤى؟؟)
ارتعشت فارتعش الكوب في يديها حتى أراقت قطرات من المشروب الساخن فوق تنورتها...وقتها لم تبالِ بالحرارة المؤلمة التي تشع من بين ساقيها...ولكن ألم الذكرى كان أشد وطأة حاليا...شعرت بكف معاذ تلتقط الكوب من بين كفيها قبل أن تسكب ما تبقى منه فوق ملابسها...تطلع لعينيها فاسبلت جفنيها هربا...همس بصوت يشوبه الكثير من الحنان
(أنتِ تثقين بي أليس كذلك!!...تستطعين الوثوق بي في هذا الأمر أيضا)
أومأت برأسها موافقة وهي تزدرد ريقها بصعوبة...صمت وترك لها المساحة الكافية لتقرر...لم يرغب بالضغط عليها...فرغم يقينه بأنه لو بحث قليلا سيكتشف ما تخفيه ولكنه أراد أن يسمع الحقيقة مجردة منها...يعترف بأنه تراوده الكثير من الشكوك إتجاه أصابتها...ولكن لن يحسم الأمر سوى منها هي فقط..
وصل له بعد فترة طويلة وبصوت متباعد حتى كاد يجزم بأنه ليس صوتها من الأساس
(قبل ثلاث سنوات...تم أختطافي من قبل موظفين والدي كي ينتقموا منه بي وفي نفس الوقت يجعلوني أدفع ثمن أفعالي)
صمتت قليلا يسمع بوضوح صوت تنفسها الحاد والقاسي والمعاناة ترتسم بألم شديد فوق وجهها...ابتلع ريقه بتوتر...وانقبض كفه من شدة الإرتعاش...مذكرا نفسه بأنه هو من طلب هذا الأمر...
استكملت بنبرة باترة وحادة كالسيف القاطع ولكن يشوبها الكثير من الخواء وهي تتطلع بفراغ في البعيد
(وتم الاعتداء عليّ أثناء تواجدي معهم...مجردين إياي من ملابسي وتصويرى ثم ضربي بقوة حتى تكسر لي خمسة ضلوع وانزلقت فقرات ظهري من موضعها...لذلك أملك العرج الحالي كتذكار أبدي يحمل بصمتهم)
انتفض معاذ من مكانه..مواليا إياها ظهره يتنفس بوحشية...وهدير قلبه يخفق ألما وكأنها مررت بدل كلماتها خنجر وغرزته بقسوة في صدره...ونار حارقة تنشب بداخله...هو توقع الكثير بالفعل قبلا...ولكن أن يسمع وصفها لتلك البشاعة التي حدثت فيها تجعل كل عضلة تأن غضبا وطلبا للقصاص لها...أن تتعرض فتاة بعنفوانها لكل هذا الألم والمعاناة لهو منتهى القسوة ولا يمكن أن يصف من فعل بها كل هذا بالأشخاص ولا حتى الحيوانات...
اقترب منها بسرعة متسألا بشراسة لم يظن بأنه يحملها يوما
(أخبريني أنهم الآن يتعفنون في قبورهم بسبب بشاعة أفعالهم!!)
ابتسامة ساخرة ارتسمت فوق شفتيها الذابلتين...وأجابته بتحشرج بسبب الدموع التي اجتمعت بلا إرادرة في عينيها الحزينتين
(لا...ولكنهم يتعفنون في السجن الآن وليس القبر...أبي استطاع أن يسيطر على الأمر وقتها..ولم يشاع الكثير عن الحادث...حتى الفيديوهات استطاع أن يخلصها من بين أيديهم دون أن ينشروها في أي مكان...وفعل ذلك كي لا تلوكني الألسن وأيضا من أجل أعماله التي قد تتدمر بسبب هذا الخبر)
شهقت بصوت مكتوم وهي تشعر بالاختناق الشديد...فاستقامت وابتعدت حتى وصلت للسور الحديدي وأردفت بشرود وضعف شديد لا يظهر سوى نادرا
(هل تعلم أن جزء مني يشمت فيما حدث ليّ...فأنا وكالعادة لم أكن أراعي أي شخص...وكانوا بالنسبة لي مجرد أشخاص بلا قيمة تعمل لدينا...لذلك جزء مني يرمي بجزء مما حدث فوق كاهلي لأني لم أزرع أي شيء جيد داخل أي كان وهذا ما اكتشفته مؤخرا)
صمتت تستنشق الكثير من الهواء...وبداخلها تعترف لنفسها بجزع بأنها أخبرت الشخص الوحيد الذي من المفترض أنه امتلك الكثير بداخلها بما لا يفترض عليه أن يعلمه...ولكنها ولأول مرة منذ تلك الحادثة ترغب في مشاركتها مع شخص آخر غير والدها...شخص استطاع أن يفهمها مثلما لم يفعل أي شخص...شخص أصبحت تثق فيه إلى حد اعترافها بأكثر المواقف خزيا في حياتها دون ندم أو خجل...لديها يقين راسخ بأن معاذ سيتفهمها...وسيتفهم بأنها الضحية وليست الجاني مثلما تحاول أن تلصق الصفة بنفسها كي تنتقم من نفسها بنفسها...
أردفت بوجوم شارد
(هل تدرك ما المضحك في الأمر!!...أنه بعدما تعافيت من الأمر أي بعد أكثر من عام ونصف أقسمت أن أعود مثلما كنت وألا أسمح لهم بسلبي الشيء الوحيد الذي املكه وهو كبريائي...لم أسمح لهم بأخذه أيضا يا معاذ...لذلك عدت كما كنت ولكن أسوأ...حتى...حتى قابلتك أنت...فانقلبت موازيني)
اتسعت عيناها ذهولا وغشى فيهما الكثير من الدموع التي لم تتحمل حبسها أكثر فانزلقت بتتابع مرير فوق صفحة وجهها..
اغمضت عيناها جزعا حين شعرت بدموعها المنهمرة...وكادت أن تهرب مبتعدة عنه وخاصة حين لاحظت صدمته من حديثها البشع...ولكن ذراع فولاذية امسكت بمعصمها آخذا إياها بهدوء وجلسا مرة أخرى فوق تلك المقاعد..
ظلت عيناها مغمضة تماما وكأنها بذلك ترفض أي حديث...ولكنها انتفضت حين شعرت بصدمة عميقة ملمس أصابعه الحانية تمسح بحنان دافئ الدموع عن وجهها...
همسه الخافت وصل لأذنيها شديد الدفء وكأنه يهادن طفلة صغيرة
(لا بأس يارؤى...لقد مر الأمر...وأنتِ تصرفتِ بشجاعة نادرة حين قررت المواجهة ولم تنزوٍ على نفسك كي تبتعدي عن الجميع)
تنهد بقوة...وطاقة غضبه تفوح ولكنه تحكم فيها كي لا يزيد من حزنها وألمها
(لو كان هناك من يجب أن يمتلك الخزى من فعلته ويستحق ما يناله منها وأكثر فهم هؤلاء الأشخاص وليس أنتِ)
واستكمل بنفس الشراسة
(صدقيني...إذا سألتيني عن القصاص لأخبرتك أن يتم وضعهم في القبور وليس السجون لأنهم نصبوا من أنفسهم حكاما وعاقبوا الشخص الخاطئ والبرئ مهما فعل في حقهم...فهم لم ينالوا الأذى من أفعالك مهما بلغ حجم تكبرك أو تعاملك السيء)
حين لاحظ استكانتها وجسدها يخف ارتجافه ابعد كفيه عن وجهها وهو يفكر بداخله ساخرا أن يمن ستجعل منه مادة للتندر إذا علمت أي حميمة يعيشها حاليا وبرضاه..هو من عنفها يوما على تهور أفعالها أمام الناس...ولكنه حاليا لا يهمه سواها...وأيضا لا يرى سواها أمامه...
استكمل بهدوء محفز
(هل تصدقين أن الأعمى فقط هو من لا يرى المختبيء خلف قناع الغرور الذي تتصنعيه أمام الجميع)
تسألت بشك زائف وهي تخرج منديلها كي تمسح دموعها
(حقا!!...ولكني أظن في هذه الحالة أن الجميع عُمي...فلا أحد يرى أي شيء سواك)
رغم أنها عرت جزء كبير من روحها أمامه وأبلغته بأمر لم تتحدث فيه مع أي كان من قبل..ولكنها لم تشعر معه سوى بالراحة وخاصة حين أبدى تفهمه ودعمه كالعادة...
عليها الاعتراف بأن معاذ هو جائزة نالتها بعدما بدأت بالشعور بأنها على وشك فقدان الأمل...ولكن هل هناك أمل أن تنال منه أكثر من مساعدة خيرية وصداقة خالصة وخاصة بعد ما أدركه لتوه بأنها ستكون دوما بالنسبة له مجرد فتاة ليست كاملة...ولن تكون مهما فعلت!!!...
************************************************** ************************************************** ************************************************** ************************************************** ********
خرجت من حمامها مرتدية مئزرها الثقيل...تنفض بعنجهية شعرها الأحمر المبلل من آثار الاستحمام...انتفضت جزعا وشهقت بعنف حين أبصرت الشخص ذات الجسد العضلي القوي الجالس كملك متوج فوق مقعد قريب من نافذة غرفتها...
تملكها الجزع لأول مرة...حين شعرت بطاقة قاسية وعنيفة تفوح من حوله...صاحت بصراخ عالٍ كي يسمعها حراس والدها المرابطين أسفل الفيلا..
(من أنت؟؟...وكيف دخلت إلى هنا؟؟)
استقام بثبات فزاغت عيناها والتشوش الغير إرادي يسيطر عليها...لم تشعر بكل هذا الخطر إتجاه شخص مثلما تشعر إتجاه هذا الكائن البدائي الشكل..
فمن خلال الإضاءة الخافتة لاحظت ملابسه السوداء وهي عبارة عن قميص أسود وسروال يماثله في اللون...وجهه حاد الملامح...يحده الكثير من القسوة...وضع كفيه ببطء داخل سرواله وتحرك نحوها بتأن مهلك لأعصابها المنفلتة...وحين وصل إليها حاولت الهرب من أمامه بعدما تيقنت خطورة الموقف ولكنه أطبق بوحشية فوق ذراعيها وهو يهتف بغل قاتل وكره أعمى
(رحبي بسيدك الجديد يا شاهي...من سيجعلك تتمنين الموت وأنتِ تلفظين أنفاسك العطنة والأخيرة من هذه الحياة)
تلوت بعنف بين ذراعيه المكبلاتين...وأخذت تصرخ بقوة تطالب الاستغاثة...حتى قاطعها بصراخه العالي بمراحل عنها
(لا تتعبي نفسك حبيبتي بالصراخ...فأنا أحتاج لمجهودك معي...فلا تضيعيه على أمر لن يفيدنا بشيء)
لفحتها أنفاسه العنيفة وهي تضرب وجهها وكأنها صفعات قاسية ثم أردف بنفس اللهجة
(فنحن لدينا الكثير لنفعله...ولكن قبل أي شيء لمَ لا نتحدث أولا عن سيدك السابق كي نخلص حقه المعلق في رقبتك يا شاهي)
اتسعت عيناها رعبا حين أدركت هوية هذا الشخص...وصورة بعيدة لسامر وعائلته تشق مخيلتها المجزوعة...إنه...إنه أخوه الأكبر...يا إلهي...هي حاليا واقعة بين يدي جاسم البدراوي وهو مثلما سمعت عنه وتراه الآن رؤى العين بأنه المادة الخام من القسوة...
ارتجف جسدها بعنف وشهقت بقوة شهقات مكتومة وشعور بأنها وقعت في المصيدة أخيرا يشعرها بأنها النهاية المؤلمة التي انتظرتها طويلا...
ضحك ضحكة بشعة...شديدة الشراسة...وهو يهتف بوحشية رعدت أوصالها بالفعل
(غريب أن تشعر امرأة هاوية مثلك بالخوف...فحسب معلوماتي أنتِ تعشقين تعذيب الذات...وأنا يا عزيزتي الليلة...سأجعلك تناليه بكل سرور...ولكن كوني متعاونة فالليلة لا تزال في بدايتها يا...شاهي)
************************************************** ************************************************** ****************************************


همسةبيجونيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:40 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.