آخر 10 مشاركات
135 - ضوء آخر النفق - روزميري كارتر - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          548 - الحب الملتهب - كاتي وليامز - ق.ع.د.ن (الكاتـب : لولا - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          176 -البَحث عن وهم ..عبير القديمة ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : Shining Tears - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قلوب خيالية( روايات ونوفيلات متعددة الفصول)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-06-19, 01:53 PM   #21

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي


الجزء السابع



دخل الوزير إيفان إلى مقر عمله ليقابله أحد الحراس قائلا:
- " مساء الخير يا مولاي "
أجاب الوزير دون أن يتوقف
- " مساء الخير"
قال الحارس وهو مشي بجانب الوزير منحنيا:
- " القائد ماركوس ينتظرك في مكتبك يا مولاي"
أوقفت المفاجأة إيفان الذي قال بدهشة :
- " ماركوس؟؟ قائد الجند؟؟ لم يسبق له زيارتي بدون موعد مسبق، ما الذي أحضره"
أجاب الحارس بتوتر:
- " لم يخبرني يا مولاي، كما أني لم أستطع منعه من الدخول لمكتبك."
هز ايفان رأسه متفهما وهو يقول في قرارة نفسه :
- " ومن يستطيع منعه؟".
ولج إيفان مكتبه مرحبا بماركوس الذي كان يقف بجانب مكتبة الوزير يقلب صفحات كتاب اختاره بعشوائية ليقتل الوقت في انتظار حضور إيفان، وضع ماركوس الكتاب في مكانه قائلا:
- " لا أعلم من أين تأتي بالوقت للقراءة أيها الوزير."
أجابه إيفان ضاحكا :
- " ولا أنا يا قائد الجند "
ثم استطرد بحذر
- " أية ريح طيبة حملتك إلينا يا ماركوس"
رد ماركوس مداعبا إيفان:
- " يبدو أن زيارتي لك أمر غير مرغوب فيه عندك يا إيفان؟"
أجابه إيفان ضاحكا وهو يتخذ مكانه وراء مكتبه :
- " اجلس يا ماركوس، كلانا لا نستلطف بعضنا، لكن ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم في السياسة"
قالت ماركوس وهم يمط شفتيه :
- " لهذا السبب أكرهها."
ثم أردف مبتسما
-" لكني أجدني اليوم شاكرا لهذا المبدأ"
قال إيفان بحذر :
- " هل للأمر علاقة بفسخ كاثرين لخطوبتكما"
أجابه ماركوس وهو يعبث ببعض اللفافات الموضوعة فوق مكتب إيفان:
- " نوعا ما، نعم"
تابع إيفان في نفس الحذر:
- " لا تتوقع مني خيانة الإمبراطورة، أليس كذلك يا ماركوس"
أجاب ماركوس بحزم وهو ينظر في عيني إيفان :
- "لو كان أحد غيرك في مكانك الآن لكان سيفي قد أطاح برأسه"
قال إيفان في غضب :
- " كيف تجرؤ على تهديدي في مكتبي يا ماركوس"
أجابه ماركوس في حدة
- " وكيف تجرؤ أنت على التلميح بخيانتي للإمبراطورة ".
دخل في هذه الأثناء حراس إيفان وكل منهم يده على مقبض سيفه وقد أثارتهم حدة الحوار بين الوزير وقائد الجند ، نظر إليهم ماركوس وقال :
- " أظن أن لكم أسرا تنتظر عودتكم، فاخرجوا قبل أن أبعث بجثتكم إليهم"
نظر الحراس للوزير الذي أشار لهم بالخروج قبل أن يجلس مشيرا لماركوس بالجلوس قائلا :
- " يبدو أن كل لقاءاتنا يكتب لها أن تتم في أجواء مشحونة"
جلس ماركوس وهو يقول :
- " كلانا يهدف إلى خدمة الإمبراطورية يا إيفان، صحيح أن أساليبنا مختلفة لكن يجمعنا هدف واحد."
قال إيفان:
- " لندخل صلب الموضوع يا إيفان، ما الأمر الملح الذي تريدني من أجله"
صمت ماركوس للحظات قبل أن يجيب:
- " تصرفات إريس تقلقني."
ضحك الوزير حتى بدا الحنق على ماركوس الذي قال:
- " لا أظنني قلت دعابة مضحكة إلى هذا الحد"
قال إيفان وهو يحاول كتم ضحكاته :
- " عذرا يا ماركوس، لكن الغيرة عمياء فعلا، الإمبراطورة حسمت هذا الموضوع فعلا، فلماذا تصر على إبقاء العداوة معه"
قال ماركوس والغضب باد على محياه:
- " وهل أتيت إليك أشكو لوعتي وسهري يا إيفان"
أجاب إيفان وقد انفجر ضاحكا رغم محاولته الجادة لكتم ضحكاته:
- " اعذرني يا ماركوس، لكن هذا ما يبدو لي "
أخد ماركوس نفسا عميقا في محاولة لإطفاء غضبه وقال في هدوء يحسد عليه:
- " أيها الوزير، إريس لم يعد يشكل أي تهديد لي، لكنه أصبح يهددك أنت"
توقفت ضحكات إيفان مرة واحدة، نظر إلى ماركوس وهو يحاول استيعاب ما قاله، لحظات مرت على إيفان وهو يدير عشرات الاحتمالات في فكره قبل أن يقول:
- " وأي تهديد يضمره إريس لي؟ منصب الوزير ليس متاحا لأي أحد، كما أنني واثق أن كاثرين تثق بي فقد خدمت أباها بإخلاص وتابعت خدمتها بوفاء."
قال ماركوس وهو ينهض في إشارة لنهاية زيارته لماركوس:
- " حسنا ما دمت واثقا هكذا اعتبر هذه الزيارة من أجل مد حبل الود بيننا وانس كل ما قلته لك."
- "انتظر يا ماركوس"
قالها إيفان وهو ينهض بدوره مردفا:
-" ما الذي أوحى لك بهذا الأمر"
ابتسم ماركوس في ظفر، فقد ابتلعت السمكة الطعم وما عليه الآن إلا أن يسحبها ببطء حتى يتمكن منها، جلس ماركوس وقال وهو يطرق بأنامله على سطح المكتب قائلا:
- " سأخبرك يا صديقي، سأخبرك"
**********
- " هون عليك يا إيفان، الأمر لا يستحق كل هذا الانفعال."
قالتها كاتالينا زوجة الوزير وهي مرعوبة من انفعاله، فمنذ ساعة وهو يروح ويجيء أمامها وبين الفينة والأخرى يلقي بما يصادفه أمامه، توقف الوزير بعد سماعه عبارة كاتالينا الأخيرة ليستدير لها قائلا وهو يضغط الكلام بين أسنانه:
- " بل يستحق هذا وأكثر يا كاتالينا، كيف كنت غافلا عن هذا الأمر"
أجابت كاتالينا في حيرة:
- " لم أفهم المشكلة في هذا الأمر يا إيفان، شاب أحب فتاة ولم تجر الأمور بينهما كما يشتهي فحول بوصلته لأخرى حتى يجبر الكسر الذي خلفه حبه الأول،لا أرى ما يثير الشك في الموضوع".
أشار لها إيفان بسبابته قائلا:
- " ما قلته هو ما يثير الشك في الموضوع يا كاتالينا، ألم يجد ما يجبر كسره إلا عند أقرب الأقربين لحبيبته الأولى"
قالت كاتالينا محاولة تخفيف التوتر عن زوجها:
- " ربما، يبعث برسالة معينة لكاثرين"
أجابها إيفان:
- " ويغامر بإغضاب الإمبراطورة؟؟"
نظرت له كاتالينا في عدم فهم فاستدرك قائلا:
- "إريس طالب سلطة يا كاتالينا، بعد أن فشلت خطته في الزواج بالإمبراطورة هاهو الآن يحيك حباله حول وصيفتها وأقرب الناس إليها، كلنا نعلم أن صوفيا وأنطوان هما صندوق أسرار الإمبراطورة، خصوصا صوفيا، إريس لا يحاول التغرير بفتاة عادية بل بالشخص الثاني عمليا في ترتيب السلطة، كنت أخشى من طموح ماركوس، لكني الآن أمام تهديد جديد."
نهضت كاتالينا ونظرت له في أسى وهي تقول:
- " لنذهب للنوم الآن، فأنت تحتاج لقسط من الراحة حتى تتمكن من التفكير بصفاء أكثر."
ثم نظرت لوصيفتها قائلة:
- " أوجينيا، يمكنك الذهاب، إن احتجت لشيء آخر سأبلغك"
**********
كان إريس ممددا على مكتبه الجديد وهو يسخر من وظيفته المكتبية الجديدة التي أوكلتها له كاثرين عندما اقتحمت صوفيا عليه مكتبه دون استئذان، لم يبالي إريس بهذا الأمر بل قام مرحبا بها بحرارة وهو يقول:
- " لكم يشرفني أن تكوني أول زائر لي في مكتبي يا صوفيا"
ردت صوفيا:
- " لم آت إليك زائرة يا إريس، بل جئتك محذرة ومهددة"
قال إريس وهو يحاول معرفة سبب غضب صوفيا :
- " لم كل هذا الغضب يا صوفيا؟ ما الذي قمت به ؟"
أجابت صوفيا في حدة :
- " إن كنت تفكر لحظة واحدة أني سأسمح لك بأن تجعل مني سلما تصل به لمآربك فأنت مخطأ تماما يا إريس"
جلس إريس وقد بدت عليه ملامح الحزن.
- " أهكذا تظنين بي يا صوفيا؟"
لم تجب صوفيا وإن بدا عليها بعض التوتر في نظراتها فأردف إريس قائلا:
- " لقد جرحت مشاعري يا جميلة القصر، أنت تعلمين أن مكانتي لدى كاثرين - وحتى بعد قرارها الأخير - تخول لي الوصول لكل السلط، ولا حاجة لي لسلم ولا لغيره"
أطرقت صوفيا برأسها أرضا وهي تقر في قرارة نفسها بحقيقة ما يقوله إريس قبل أن تقول في توتر ملحوظ:
-" لست وحدي من يقول هذا، بل كل الناس."
نظر لها في اهتمام وقال وهو ينهض عن كرسيه ويدر حول المكتب:
- " من تقصدين بكل الناس؟ وما الذي يقولونه؟"
أجابت وهي تدير وجهها :
- " لا عليك، ليس بالأمر المهم."
رد إريس في حزم:
- " بل هو مهم يا صوفيا، لن أسمح لأحد أن يتلاعب بنا، أخبرين بما لديك"
صمتت صوفيا لحظات تفكر هل تخبره أم لا في الوقت الذي كان فيه إريس يرمقها بنظرات تحثها على الكلام، فتنهدت وقالت وقد زاد توترها فبدا جليا في نبرات صوتها:
- " ليكن، لقد وصلت إشاعات عن محاولاتك لإيقاعي في حبك إلى ماركوس ثم إلى الوزير إيفان."
اقترب إريس من صوفيا وانحنى عليها متسائلا في همس:
- " إشاعات؟ حقا؟"
تجاهلت صوفيا تلميحاته وهي تنكمش أكثر على نفسها وقالت:
- " ماركوس أقنع إيفان أن هذه المحاولات تشكل تهديدا له."
قال إريس وقد استعاد جديته:
- " أرأيت؟ الكلام لا يعدو مؤامرات سياسية سأتعامل معها في وقتها."
ردت صوفيا باستنكار
- "مؤامرات سياسية؟ هكذا تسميها؟ "
أجاب إريس:
- " أجل وكلها أكاذيب"
ثم نظر لكاثرين مبتسما وهو يقول :
- " إلا مسألة محاولاتي لإيقاعك في حبي"
تفاجأت صوفيا بجرأة إريس فألجم لسانها ولم تستطع الرد ليستطرد إريس:
- " أعلم أن عقلك يرفض التصديق لكن قلبك يؤمن بحبي لك"
قالها إريس وأحنى رأسه ليضع أذنه فوق قلب صوفيا مباشرة قائلا:
- "أليس كذلك؟"
شلت حركة إريس الأخيرة صوفيا التي أغمضت عينيها وقد انهارت آخر محاولاتها للمقاومة قائلة في نشوة:
- " أنت كاذب يا إريس، لكنك عاشق رائع"
كان الوضع قابلا للتطور أكثر لولا طرقات على الباب أعادت الاثنان لوعيهما، دخل الحارس فأشار له إريس ليتكلم فقال:
- " مولاتي الإمبراطورة أرسلت من يستدعيك لقاعة العرش يا سيدي"
أشار إريس للحارس بالانصراف قبل أن يوجه كلامه لصوفيا قائلا:
- " فلتعذرني جميلة القصر، الواجب يناديني"
إلا أن صوفيا نهضت قائلة:
- سأرافقك يا إريس،" وأردفت وهي تغمز بعينها
- "أيها العاشق الكاذب"
**********
دخلت صوفيا وإريس خلفها قاعة العرش، لم تكن كاثرين وحدها فقد كان الوزير يجلس في مكانه المعتاد يرمق إريس بنظرات ريبة، كانت كاثرين أول المتكلمين فقالت:
- "مرحبا بكما يبدو أنكما التقيتها بالباب"
كادت صوفيا أن تأكد على كلام إمبراطوريتها لولا تدخل إريس الذي قال :
- " بل جئنا معا من مكتبي ، لقد كانت صوفيا تزورني عندما وصلني استدعاؤك لي"
ابتسمت كاثرين لجواب إريس في الوقت الذي أشاح فيه إيفان بوجهه وهو يغلي غضبا أحسه كل من كان بالقاعة، أشارت كاثرين لإريس بالجلوس فيما أخذت صوفيا مكانها خلف كاثرين التي قالت موجهة كلامها لإريس:
- " إيفان يطلب مني تحديد اختصاصاتك بدقة حتى لا تتقاطع مسؤولياتكما"
أجاب إريس:
- " الوزير إيفان رجل حكيم، ونعم الرأي ما رآه"
زاد جواب إريس من غضب إيفان الذي رأى في هذا الجواب نقطة لصالح إريس فقال:
- " بل الرأي رأي الإمبراطورة"
قالت كاثرين:
- " أحسنت القول يا إيفان، لهذا سأقولها للمرة الأخيرة ، إريس مستشاري الخاص وله سلطة مطلقة على كل الدواوين"
أحنى إيفان رأسه قائلا في طاعة:
- " وأنا من جهتي سأقدم كل المساعدة الممكنة له في حال احتاجني"
ثم نظر إلى إريس وأكمل في ابتسامة :
- " إريس سيكون من اليوم مهمتي الأساسية."
ثم استدار بوجهه لكاثرين مردفا:
- " إن لم يكن لمولاتي بي حاجة، فلتأذن لي بالانصراف"
أشارت له كاثرين بالانصراف مع إيماءة من رأسها.
قال إريس بعد أن خرح إيفان:
- " يبدو أن ماركوس قد أوجد لي عدوا جديدا ليلاعبني به يا مولاتي"
أجابته كاثرين :
- " لا تهتم لأحد ما دمت في خدمتي."
رد إريس والغضب باد عليه:
- " لقد بدؤوا في نشر الإشاعات"
ردت كاثرين وهي تنظر خلفها لصوفيا في ابتسامة ساخرة:
- " تقصد حكايتكما أنت وصوفيا"
ارتبكت صوفيا التي أسرعت بنفي الموضوع لكن كاثرين أسكتتها بإشارة من يدها وهي تقول:
- " الحب شعور جميل يا صوفيا، لا تنكريه يا عزيزتي ولا تظنين أني سأغضب لعلاقتك بإريس"
ثم نظرت لإريس قائلة :
- " علاقتي بإريس ماض انتهى ، كما أن سعادتك شيء يهمني يا صوفيا فأنت وصيفتي المقربة وكاتمة أسراري."
ثم غمزت له قائلة:
- "كما أنني أعلم أن الإشاعات صحيحة"
أحس إريس أن الوقت حان ليقوم بحركته الأخيرة فأجاب:
- " عندما ذكرت الإشاعات كنت أتحدث عن ادعاءهم بأني أحب صوفيا من أجل السلطة، أما حبي لها فهو صادق لا أستطيع تفسيره"
تابع وهو يوجه نظره إلى صوفيا التي هربت بعينيها من نظراته:
- " كل ما أستطيع قوله أنني أشعر وأنا بقربها برضا تام عن كل الماضي الذي أوصلني إليها"
رغم الإحراج الشديد الذي كانت صوفيا تشعر به إلا أنها أحست بفخر شديد لجرأة إريس وهو يعترف بحبه لها أمام كاثرين، كاثرين الحبيبة السابقة والإمبراطورة التي أركعت كل رجال القصر الأقوياء، مرت لحظات من الصمت قطعته صوفيا قائلة:
- " عذرا يا مولاتي، سأذهب للتأكد من جهوزية موكبك أعتقد أنك ما زلت تأملين في القيام بجولة رسمية في أرجاء المدينة"
كانت محاولة من صوفيا للهروب من الموقف الحالي فهمتها كاثرين التي أذنت لها قائلة:
- " على الرعية أن تتذكر بين الفينة والأخرى أن إمبراطورة قوية تحكمهم"
خرجت صوفيا تحت أنظار إريس وكاثرين التي قالت:
- " كانت حركة بارعة ما قمت به في الحديقة صباح الأمس يا إريس"
لم يجب إريس سوى بنظرة خاوية لم تستشف منها كاثرين شيئا لتستطرد
- " لقد أصبحت صوفيا متعلقة بك يا إريس، وهذا الأمر يعجبني، لقد سعدت عندما شاهدتك تمارس حياتك الطبيعية، كنت أخشى أن يأثر حبك السابق على حسن إدراكك وتعاملك مع الأمور، لكنك أثبتت لي أنك نسخة طبق الأصل من جدك الأكبر."
هذه المرة أجاب إريس قائلا:
- " سأكن الولاء لك ما حييت يا مولاتي، جسدك جسد حبيبتي وروحك روح مولاتي، اتحاد لم أكن أحلم به يوما."
قالت كاترين وهي تنهض عن كرسيها:
- " هل ما أخبرتني في حضور صوفيا حقيقي يا إريس؟ هل تحبها فعلا؟"
رد إريس وكأنه يكلم نفسه:
- " لم أعد أؤمن بالحب يا مولاتي، لكني لا أنكر أني معجب بصوفيا، أريد امرأة في حياتي ولن أجد فتاة أفضل منها"
- " لتنسيك كاثرين؟"
- " لقد نسيتها بالفعل يا مولاتي"
قالها إريس قبل أن يكمل في نفسه:
- " لكني لم ولن أنساك "
**********
- " مولاي القائد، رسول من الوزير إيفان يريد مقابلتك"
قالها أحد حراس ماركوس ليجيبه هذا الأخير:
- " دعه يدخل"
دخل الرسول وانحنى أمام ماركوس قائلا:
- " مولاي الوزير يطلبك لاجتماع عاجل أيها القائد."
نظر ماركوس للرسول لحظات قبل أن يجيب:
- " وأين مقر الاجتماع"
رد الرسول :
- " الوزير يفضل الحضور لمكتبك"
نهض ماركوس وهو يشير للرسول بالانصراف قائلا:
- بل ليأتي لبيتي ليلا، فأنا أدعوه لتناول العشاء"
انحنى الرسول أمام ماركوس وغادر تحت أنظار الأخير الذي قال لأحد جنوده:
- " ابعث أحدكم إلى ريبيكا وأخبرها أن تجهز وليمة تليق بي أنا - قائد الجند - وليعلمها أن الضيف هو الوزير ماركوس. وإن احتاجت شيئا ليحضره لها."
رد الجندي وهو يشد قامته:
- " أمرك مولاي"
**********
- " مرحبا بالوزير في بيتي المتواضع"
استقبل ماركوس إيفان بهذه العبارة ليجيبه الأخير بابتسامة:
- " شكرا لك يا ماركوس."
ثم استدار ليحيي ريبيكا بإمائة من رأسه قائلا:
- " لقد اشتقت لطعام ريبيكا الجميلة "
ردت ريبيكا على ابتسامته بابتسامة وهي تقول:
- " شكرا لمجاملتك أيها الوزير، لقد سعدت عندما علمت بخبر تشريفكم لمنزل مولاي "
قاطعها ماركوس قائلا:
- " هو منزلك أيضا يا ريبيكا، لا تنسي هذا الأمر"
ابتسمت ريبيكا في امتنان لماركوس وأشارت بيدها قائلة:
-" هل أجهز الطعام فورا أم أنكما تفضلان السمر قليلا"
أجابها ماركوس:
- " لنر رأي الوزير إيفان، فهو ضيفنا"
رد إيفان بشكل مرح:
- " بل لنتسامر على مائدة العشاء، فطعام الجميلة ريبيكا لا يصبر عليه"
ضحك ماركوس وهو يقول :
- " أراك تغازل وصيفتي في حضوري يا إيفان، ألا تخشى غيرتي"
رد إيفان وهو يداعبه:
- " أنت أعقل من هذا يا قائد الجند."
توجه الاثنان كل يداعب الأخر في محاولة منهما لتلطيف الأجواء المشحونة بينهما، كان الخدم يجهزون المائدة في الوقت الذي وقفت فيه ريبيكا تنظم عملهم قبل أن تصدر لهم الأوامر بالمغادرة.
- " لقد اجتمعت بإريس والإمبراطورة هذا الصباح"
قالها إيفان بدون مقدمات ليوقف ماركوس لحظات عن المضع قبل أن يقول :
- " وما سبب الإجتماع؟"
أجاب إيفان :
- " أردت التأكد من الشكوك التي زرعتها في عقلي يا ماركوس"
لم تعجب ماركوس عبارة إيفان الأخيرة لكنه أسرها في نفسه قائلا :
- " وهل تأكدت؟"
أجاب إيفان:
- " لهذا أردت رأيتك بدون إبطاء"
مد ماركوس قدحه الفارغ لريبيكا لتملأه له وهو يقول:
- " طموح إريس أصبح يهددك يا إيفان".
أجابه إيفان:
- " بل أصبح يهدد الكل يا ماركوس بما فيهم أنت."
بدا التوتر يظهر على ماركوس وهو يقول:
- " وأي تهديد يشكله إريس علي؟ حتى المنافسة على قلب كاثرين انتهت بيننا"
أجاب إيفان :
- " غدا صباحا سيصلنا جميعا قرار الإمبراطورة بتعيين إريس مراقبا عاما على كل الدواوين، هل تتخيل هذا يا ماركوس؟ إريس يراقب عمل قائد الجند وقد يوقفك يوما ما و....."
قاطعه إريس غاضبا:
- " لن أسمح لأمر كهذا بالحدوث يا إيفان، أنت تعلم ذلك ولهذا أتيت إلي"
رد إيفان:
- " تعرف ما علينا القيام به "
صمت ماركوس لحظات وهو يلوك قطعة لحم بين أسنانه قبل أن يقول:
- " أنت محق يا إيفان، غدا سيكون آخر أيام إريس."
**********
توقف جنديان يقودهما آخر أعلى رتبة أمام غرفة إريس فشد الحارسان قامتيهما قبل أن يتوجه لهما الأعلى رتبة قائلا:
- " لقد صدرت أوامر بنقلكما إلى حراسة الحدود الشمالية للمدينة، القرار يسري مفعوله فورا، ستجدون الأوامر قد سبقتكما إلى قائد المنطقة "
دون أسئلة إضافية شد الحارسان قامتيهما في تحية عسكرية وغادرا المكان ليأخذ الجنديان الجديدان مكانهما، اقترب منهما قائدهما وقال في همس :
- " لا حاجة لنا بمراجعة الخطة، سأمر عليكما صباحا."
قدما الجنديان التحية لقائدهما الذي استدار وغادر في رضا، لقد أنجز دوره من المهمة.
مرت قرابة الساعة عندما وصل إريس لغرفته فانتبه للوجوه الجديدة التي تحرسها، فبادرهم بالسؤال وهو يلهو بقلادته الجديدة :
- " أين طاقم الحراسة الخاص بي ؟"
أجابه أحدهما :
- " لقد افتعلا شجارا مع أحد حراس القصر وقد القي القبض على الجميع في انتظار مثولهم غدا أمام قائد الحرس الإمبراطوري."
قال إريس وهو يضغط على رأس الإبرة ليحس بوخزها:
- " ولماذا لم يتم إخباري بهذا في حينه ؟"
أجاب نفس الجندي:
- " مثل هذه الأمور تحدث كثيرا، لا حاجة لإزعاج السادة، هناك دائما جنود في الاحتياط لتعويض أي نقص"
هز إريس رأسه وهم بدخول غرفته إلا أنه توقف وألقى بسؤال مباشر مفاجئ:
- " هل أنتم من رجال ماركوس؟"
رد الجندي دون أن تهتز شعرة من رأس أي منهما:
- " لا يا سيدي.. ماركوس قائد الجند أما نحن فرجال لوكاس قائد الحرس الإمبراطوري".
**********
توقفت الحركة في القصر في هذه الساعة المتأخرة من الليل حينما أشار أحد الحارسين لصاحبه فتوجه الأخير لنهاية الممر ليتأكد من خلو المكان ثم أخرج سيفه من غمده وأسرع بالدخول لغرفة إريس دون أن يصدر صوتا، كان إريس نائما في سريره ملتحفا من شدة البرد، اقترب الحارس من إريس في بطء وحذر، كان يعرف أن إريس مبارز ماهر ومقاتل صنديد فإن ترك له الفرصة سيطيح برأسه قبل أن يدرك ما يحدث، أصبح الحارس بجوار فراش إريس، أمسك بقبضة سيفه بكلتا يديه، يجب أن يسدد أقوى ضرباته، هكذا فكر وهو ينزل بالسيف بشكل عمودي فوق صدر إريس، أصابت الضربة هدفها مباشرة وبدقة لتنتشر الدماء على ملاءات السرير البيضاء على صوت صرخة مكتومة لم يسمعها إلا الحارس الواقف على الباب الذي ابتسم في ظفر.
لقد تمت المهمة بنجاح ..




الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-19, 01:45 PM   #22

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الثامن


قبل ساعات...
كانت الشمس ترسل أولى أشعتها إلى الأرض عندما تجاوزت ريبيكا بوابة القصر متوجهة لحديقته مباشرة، كانت الحديقة فارغة إلا من أحد البستانيين الذي إن كنا نملك ذاكرة قوية فسنجد أنه نفس البستاني الذي حضر لقاء إريس وصوفيا الحميمي الأول.
" خرج ليتريض كعادته وبين لحظة وأخرى يتحسس قلادته، لم يكن قد أكمل تريضه عندما شاهد صوفيا تقطف بعض أزهار الحديقة فابتسم وهو يتذكر حلم الأمس ،ضغط قلادته ، هو لا يحلم، كانت الحديقة فارغة إلا منهما وأحد البستانيين الذي كان منهمكا في عمله بعيدا بمسافة كبيرة عنهما."
مرت لحظات قبل أن تظهر صوفيا متوجهة نحو ريبيكا التي انحنت تحييها قائلة:
- " أعذريني لإزعاجي لك في هذا الوقت الباكر لكن اعتقد أن الأمر يستحق"
ردت صوفيا في قلق :
- " هذا ما استنتجته عندما وصلني خبر حضورك، ما الأمر يا ريبيكا"
- " حياة إريس في خطر."
قالتها ريبيكا وهي تلتفت حولها.
أجابت صوفيا في توتر ملحوظ :
- " ما الذي تقصدينه يا ريبيكا؟ عن أي خطر تتحدثين؟"
قالت ريبيكا وهي تنظر للبستاني وتقدر المسافة التي تفصله عنهما :
- " مولاي ماركوس والوزير إيفان وضعا خطة لاغتيال إريس في فراشه."
شهقت صوفيا بطريقة جعلت البستاني يتوقف عن عمله ويرمقهما للحظات قبل أن يعود لشتلاته، تابعت ريبيكا :
-" يجب أن أعود حتى لا ينتبه مولاي لغيابي"
قالت صوفيا :
-" والخطة .. ألا تعلمي تفاصيلها؟ "
أجابت ريبيكا :
- " كلا ، ولا أظن حتى الوزير يعرفها، لكني متأكدة من أن موعدها اليوم، ليلا على أبعد تقدير"
فركت صوفيا كفيها في عصبية وهي تقول :
- " حسنا يا ريبيكا .. شكرا لك ، يمكنك الذهاب الآن"
استدارت ريبيكا مغادرة تحت أنظار صوفيا التي ولم تنتظر اختفاء ريبيكا عن عينيها لتنطلق نحو غرفة إريس، طرقت بابها ليأتيها صوت إريس من الداخل :
- " لحظة أيها الحارس، سأخرج فورا"
ردت صوفيا .
- " إنها أنا يا إريس "
مرت ثواني قليلة ليفتح إريس باب غرفته قائلا:
- " صوفيا الجميلة، أية ريح طيبة أشفقت على حالي وأرسلتك إلي"
أجابت صوفيا وحمرة الخجل تعلو وجنتها :
- " ليس هذا وقت الغزل يا إريس"
رد إريس وهو يغلق الباب خلف صوفيا:
- " وهل هناك وقت أنسب من الوقت الذي أرى فيه عيناك يا جميلة القصر"
قالت ريبيكا :
- " أنا جادة يا إريس هناك أمر خطير علينا التعامل معه"
بدت الجدية على ملامح إريس الذي قال:
- " اجلسي يا صوفيا، يبدو أنني سأفوت تدريباتي الصباحية"
جلست صوفيا وبقيت صامتة لحظات قبل أن تخونها رباطة جأشها وتبدأ في الارتعاش، استغرب إريس حالة صوفيا، فلدى صوفيا قدرة لا يستهان بها على السيطرة على نفسها ومشاعرها، فما الذي حصل حتى تنهار بهذا الشكل؟ أخد إريس صوفيا بحضنه وقد احترم صمتها فلم يحاول استفسارها عن شيء حتى قالت بصوت مبحوح:
- " يريدون أن يحرموني منك"
قال إريس وهو يضم صوفيا إليه أكثر:
- " هل أجبرتك كاثرين على الزواج من أحد"
أجابت صوفيا :
- " لا ولكن .."
اختنقت الكلمات مع الدموع في حلق صوفيا التي انكمشت أكثر وهي تضع رأسها أسفل فك إريس، ليقبلها إريس من رأسها قائلا:
- " فقط أخبريني الموضوع بتفاصيله. "
**********
سدد الحارس ضربته بقوة وبدقة ليخترق السيف هدفه الذي أوحت صلابته بأنه شيء آخر غير جسم بشري وهو أمر أدركه الحارس بخبرته فحاول رفع الغطاء إلا أن سيفا كان الأسبق ليطيح برأسه قبل أن يستوعب ما يحدث، سقط جسد الحارس فوق السرير الذي تلوث بالدماء المنهمرة من عنق الحارس ليظهر إريس خلفه وهو يمسك بسيفه وينظر لجثة الحارس بشماتة قائلا:
- " لقد تأخرت يا صديقي، انتظرتك كثيرا"
أشعل إريس شمعة ولوح بها من نافذة غرفته، لحظات بعد ذلك وجد الحارس الواقف على الباب نفسه محاط بمجموعة من الجنود يقودهم أنطوان بنفسه، لم يفهم الحارس ما يحدث إلا عندما خرج عليه إريس ممسكا سيفه وهو يقطر دما، كان الموقف أبلغ من أي كلام فنزع الحارس حمالة السيف وألقى بها بين أرجل أنطوان الذي أشار لرجاله فتقدم منهم اثنان وضعا قيدا في يديه.
قال إريس لأنطوان وهو يراقب السجين يمشي نحو معتقله:
- " نحن نعلم من أرسله لكن إن لم يتحدث فلن نستطيع إثبات شيء"
أجاب أنطوان :
- " وماذا عن شهادة ريبيكا؟"
رد إريس:
- " لا تساوي شيئا، فالكلام الذي سمعته من ماركوس والوزير كلام عائم من عينة " نتخلص منه " و" آخر يوم له"، تلك كلمات يمكن تفسيرها على كل الأوجه،أما هذا الحارس فسيكون حبل المشنقة الذي سيعلق ماركوس من رقبته"
قال أنطوان وهو يربت على صدر إريس:
- " لا تكن متفائلا هكذا، فالتخلص منه لن يكون بسهولة حتى لو ثبت بالدليل القاطع أنه وراء محاولة اغتيالك، لكن على الأقل سيعرف أننا أصبحنا نعرف نواياه، وهذا سيجعله يفكر ألف مرة إذا أراد إيذاء أحدنا مرة أخرى."
هز إريس رأسه موافقا وهو يقول في قرارة نفسه:
- " تصالح عدوان واتحدا معا للقضاء عليك يا إريس، عليك أم تكون أكثر حذرا"
**********
- " بل أجزم قطعا أنهما ليسا من رجالي"
قالها لوكاس بحدة موجها كلامه لأنطوان وهو يتابع:
- " ولائي هو شرفي يا أنطوان، ما كنت لأخون الإمبراطورة وأتقاعس في حماية رجالها، أنت تعرفني جيدا يا أنطوان، لقد كنا معا في خدمة الإمبراطور الراحل."
أجابه أنطوان في تساؤل
- " وبماذا تفسر ما حدث؟"
رد لوكاس بثقة:
- " خيانة "
نظر أنطوان للوكاس للحظات في صمت قبل أن يقول:
- " هذا اختراق ستكون مسئولا عليه أمام الإمبراطورة، أما الآن فيجب أن نحل هذا اللغز، والبداية ستكون باستدعاء الحارسان الأصليان لغرفة إريس"
أجابه لوكاس :
- " هذا أول ما قمت به عندما وصلني خبر محاولة الاغتيال، لكن الحارسان مختفيان منذ ليلة أمس"
قطب أنطوان جبينه وهو يقول:
- " إذن فهما أيضا متورطان في هذه المؤامرة"
قال لوكاس وهو يشير بأصبعه نافيا:
- " لا أظن ذلك،لقد سجلا دخولهما للقصر ولو كانا كذلك لكان أسهل عليهما القيام بالمهمة بنفسهما، الغريب أيضا أنهما سجلا خروجهما ساعة قبل المحاولة الفاشلة."
- " وماذا يعني هذا يا لوكاس"
قالها أنطوان في تساؤل ليجيبه لوكاس:
- " ليثني أعلم، حل هذا اللغز رهين بتكلم السجين أو العثور على الحارسين الأصليين.."
و أخذ نفسا عميقا قبل أن يردف :
- " حيين"
في هذه الأثناء وغير بعيد عن القصر، كان الضابط الذي أحضر الحارسين المزيفين يقف أمام حفرة قد ألقى فيها رجاله جثتين، تقدم إليه رجل بلباس عسكري يبدو أكثر رتبة فقال له :
- " أحسنت أيها الضابط، القائد ماركوس معجب بعملك"
نظر الضابط للحفرة وقال:
- " لقد كانا جنديين صالحين أيها القائد إمانويل"
أومأ إمانويل برأسه موافقا وهو يقول :
- " أنت أيضا جندي صالح"
قالها وطعن الضابط طعنة مميتة أسقطته أرضا وهو يحاول الإمساك بساقي إمانويل قائلا بعينين جاحظتين :
- " لماذا يا مولاي"
أجابه إمانويل وهو يدفعه برجله إلى الحفرة مشيرا لجنود بردمها :
- " تضحية لا بد منها من أجل المصلحة العامة"
**********
دخل أحد رجال ماركوس عليه مكتبه وهو يقول في توتر:
- " سيدي لدي أخبار عاجلة"
كان ماركوس ينتظر هذه الأخبار على أحر من الجمر لذلك فقد اعتدل في جلسته قائلا بنبرة حاول أن يجعلها هادئة قدر الإمكان:
- " هات ما عندك أيها الجندي"
أجاب الجندي :
- " لقد تعرض السيد إريس لمحاولة اغتيال هذه الليلة"
قال ماركوس في انفعال :
- " محاولة؟ ما الذي تقصده بمحاولة"
قال الجندي وهو يتلعثم:
- " لقد حاول أحدهم قتل السيد إريس لكنه لم ينجح"
اكفهر وجه ماركوس وبدا الغضب جليا على محياه وهو يقول:
- " وإريس ما الذي حدث له"
أجاب الجندي :
- " السيد إريس سليما معافى، لقد قتل أحد مهاجميه وألقي القبض على الأخر"
أشار له ماركوس بالخروج وهو يصرخ في الحارس الواقف خارجا:
- " أيها الحارس، أرسل من يأتيني بالقائد إمانويل حالا"
مرت دقائق قبل أن يدخل إمانويل مكتب ماركوس منتصبا وهو يقول:
- " أمر مولاي"
كان ماركوس يحاول جاهدا ضبط انفعالاته حتى لا تؤثر على قراراته، لهذا أخد وقتا غير يسير في التفكير قبل أن يرفع رأسه ناظرا لإمانويل وهو يقول:
- " لقد فشلت المحاولة، نفد الخطة باء."
**********
وصلت أخبار نجاة إريس من الاغتيال للوزير إيفان منذ الصباح الباكر، رغم الغضب الذي شعر به إلا أنه كان يرى نفسه بعيدا عن الشبهات لذلك لم يتوتر بل أخد يفكر في خطة بديلة تخلصه من هذا المتطلع للمناصب القيادية، كان قد أكمل خيوط خطته الجديدة عندما أتاه خبر وصول إمانويل فذهب لاستقباله.
- " مرحبا بك يا إمانويل، لم أرك منذ جنازة الإمبراطور الراحل"
قالها إيفان مرحبا بإمانويل الذي استدار ليواجهه قائلا:
- " مرحبا أيها الوزير، أنت تعلم أن منصبي كمساعد أول لقائد الجند يأخذ مني كل وقتي"
هز الوزير رأسه متفهما وهو يقول :
- " لا بد وأن حضورك له صلة بمحاولة اغتيال إريس "
أومأ إمانويل برأسه قائلا :
- " هو ذاك أيها الوزير،مولاي ماركوس لا يريد تضييع الوقت وقد أمرني بتنفيذ الخطة باء"
قال إيفان في حماس:
- " لقد فكرت في كل تفاصيلها يا إمانويل، اجلس لأعرضها عليك"
قاطعه إمانويل :
-" الخطة باء جاهزة على التنفيذ أيها الوزير"
أجابه إيفان في تذمر :
- " مرة أخرى يضع ماركوس خطته دون استشارتي، ألم يستوعب بعد أننا في مركب واحد؟"
ابتسم إمانويل :
- " بلى أيها الوزير، ماركوس يدرك هذا جيدا، ولهذا التجأ إليك دون غيرك من حاشية القصر"
رد إيفان ممتعضا :
- " لماذا يتجاهلني إذن أثناء وضعه لخطط تهمني كما تهمه"
زادت ابتسامة إمانويل وهو يقول:
- " ماركوس يؤمن أن قلة العارفين بتفاصيل خطة ما تزيد من احتمالات نجاحها"
أجاب إيفان بتهكم:
- " كما نجحت خطة التخلص من إريس "
تغيرت ملامح إمانويل الذي بدا جليا أنه غير راض عن تلميحات إيفان فاستدار ليعطي ظهره لإيفان قائلا:
- " هذه المرة أنا متأكد من نجاح الخطة"
تسائل إيفان:
- " وما الذي يجعلك متأكدا لهذه الدرجة"
قال إمانويل وهو يستل سيفه دون أن يلاحظه إيفان:
- " لأنني أنا من سينفذها "
ضربت واحدة كانت كافية لإمانويل للإطاحة برأس إيفان قبل أن يخرج من الغرفة ليقابل الخدم الذي بدا وكأنهم ينتظرون خروجه، نظر إمانويل لهم وقال:
- " هل شاهدتم أحدا يدخل اليوم لقصر الوزير"
أجابه أحدهم:
- " كلا يا مولاي"
نظر له إمانويل في رضا وهو يقول :
- " ومتى آخر مرة شاهدتموني فيها"
أجاب آخر :
- " منذ الاستعراض العسكري الذي أقيم أثناء تنصيب الإمبراطورة "
ابتسم إمانويل في رضا وهو يقول مغادرا قصر الوزير إيفان :
- " جيد جدا، تعرفون ما عليكم القيام به"
**********
وصل ماركوس لمبنى السجن فوجد إمانويل ينتظره، توجه ناهيته متسائلا:
- " ما الأخبار؟"
أجابه إمانويل وهو يشد قامته:
- " كما أمرت تماما "
هز ماركوس رأسه مبتسما وهو يقول:
- " عد إلى مكتبك يا إمانويل ومارس عملك الطبيعي، يجب أن ندع الأمور تستقر قليلا"
شد إمانويل قامته في تحية عسكرية وانصرف منفذا أوامر قائده الذي دخل السجن لوضع آخر اللمسات في خطته.
كان أنطوان - الذي كلف من طرف كاثرين بالتحقيق في محاولة الاغتيال - في طريقه لزنزانة الحارس المزيف يرافقه إريس عندما التقيا ماركوس في أحد ممرات السجن، فبادره أنطوان قائلا:
- " مرحبا ماركوس، اعذرنا فلن نستطيع التوقف للحديث معك فلدينا عمل مستعجل"
أجاب ماركوس متجاهلا الجفاء الذي حدثه به أنطوان:
- " أعلم أنكم تحققون مع أحد الخونة ولهذا أنا هنا"
ثم نظر إلى إريس قائلا:
- " بالمناسبة، نحمد الرب على سلامته يا إريس"
أومأ إريس لماركوس برأسه اكرا في الوقت الذي قال له أنطوان:
- " لا أظن أن الأمر يهمك يا ماركوس، فأنا مكلف من الإمبراطورة شخصيا"
أجاب ماركوس وهو يحاول أن يظهر بمظهر المتعاون:
- " كيف ذلك يا أنطوان، هنا إشاعة تقول بأنه أحد رجالي فإن صح ذلك فوجودي سيكون مهما لك"
نظر أنطوان وإريس لبعضهما دون أن يتخذ أحدهما قرارا فقال ماركوس:
- " أنا مصر على الحضور، ثقا بي، لن تندما"
تنهد أنطوان وقال في نفاذ صبر:
- " حسنا يا ماركوس ، لكن إن كان لك تأثير سلبي على التحقيق فستصبح مشكلتي أنت يا ماركوس"
بعد لحظات دخل الثلاثة زنزانة السجين ما إن رآه ماركوس حتى قال له:
- " أنت؟"
بدا الاهتمام على وجه إريس وأنطوان الذي قال:
- " إذن فأنت تعرفه يا ماركوس"
أجاب ماركوس والغضب باد على وجهه :
- " أجل لقد كان أحد رجالي أو بالأحرى أحد رجال الخائن موريس، وتم الاستغناء عنه هو وبعض الرجال المقربين لموريس"
تبادل إريس وأنطوان نظرات التعجب، فبقدر معرفتهم وتأكدهم من تورط ماركوس إلا أنهما لم يفهما ما يحدث أمامهما.
اقترب ماركوس من السجين فتحرك إنطوان ليقف بينهما قائلا:
- " ماركوس.. أي تصرف غير محسوب سيكون له توابعه"
أجابه ماركوس وهو يزيحه برفق:
- " لا تخف، لن أقتله، أنا أيضا أريد الوصول للحقيقة مثلكما"
نظر ماركوس في عيني السجين وقال له:
- " هل تعرف من أكون؟"
أومأ السجين برأسه فقال له ماركوس:
- " إذن أنت تعرف ما الذي أنا قادر على فعله، فإن كنت تهتم لأمر أسرتك فأجب على الأسئلة التي ستطرح عليك"
كانت هذه هي كلمة السر المتفق عليها بين ماركوس وبين منفذي المحاولة، تراجع ماركوس للوراء وقال لأنطوان :
- " هو لك "
تواجه أنطوان مع السجين وسأله:
- " من الذي أرسلك"
أغمض السجين عينيه وقال:
- " الوزير إيفان"


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-19, 12:52 PM   #23

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

الجزء التاسع

- " الوزير إيفان"
قالها الحاجب وهو ينحني أمام الإمبراطورة التي قالت :
- " دعه يدخل"
ارتبك الحاجب فخرج صوته مبحوحا:
- " لقد قتل الوزير في قصره"
خيم الصمت لحظات على قاعة العرش قبل أن تشير الإمبراطورة للحاجب بالمغادرة قائلة:
- " أرسل في طلب أنطوان"
ثم استدارت لصوفيا المندهشة من الخبر قائلة :
- " ما رأيك يا صوفيا"
أجابت صوفيا :
- " يجب أن تضعي حدا لهذا يا مولاتي، فالأمور أصبحت تخرج عن السيطرة "
ردت عليها كاثرين وهي تداعب خصلات شعرها :
- " على العكس يا صوفيا، دعيهم مشغولين ببعضهم البعض، ودعينا نتسلى قليلا، فأنا أعشق الفوضى، لا أحد يسيطر على الفوضى مثلما أفعل"
لم تفهم صوفيا ما تعنيه كاثرين، إلا أنها لم تملك إلا أن تلتزم الصمت بالنظر للثقة التي تتحدث بها الإمبراطورة.
لم يمر وقت طويل حتى دخل الحاجب يستأذن لأنطوان فأذنت له كاثرين.
دخل أنطوان منتصب القامة كعادته فبادرته كاثرين قائلة:
- " لقد حضرت أبكر مما توقعت يا أنطوان"
أجاب أنطوان وهو يشد قامته:
- " لقد كنت فعلا في الطريق إليك عندما قابلت رسولك يا مولاتي"
نهضت الإمبراطورة من مكانها وتوجهت لمنتصف القاعة قائلة:
- " اجلس يا أنطوان، أين إريس؟"
جلس أنطوان وهو يقول:
- " تركته في قصر الوزير إيفان يتابع التحقيقات. لقد كان خبر مقتل الوزير مفاجئة غير متوقعة إطلاقا. ماركوس دائما يسبقنا بخطوة"
استدارت كاثرين مواجهة لأنطوان وهي تقول:
- " هل تعتقد أن لماركوس علاقة بمقتل الوزير؟"
- " بل أنا متأكد يا مولاتي من تورطه، صحيح أن كل المؤشرات تقول أنها عملية سرقة لكن هذا لن يخدعني، لا بد وأن القاتل تلاعب بمكان الجريمة حتى تظهر كأنها عملية اقتحام من أجل السرقة، فالنافذة مكسورة من الخارج وكل الأشياء القيمة التي كان يلبسها القتيل أو كانت في الغرفة المتواجد فيها مفقودة."
ضحكت كاثرين لدرجة استفزت كلا من صوفيا وأنطوان قبل أن تقول:
- " يعجبني هذا الماركوس، لا عجب أن أبي رقاه بسرعة بل وأراده زوجا لي."
قالت صوفيا في حذر :
- " هل تفكرين في الارتباط به مرة أخرى"
ابتسمت كاثرين في سخرية قائلة :
- " لقد قلتها سابقا وسأقولها مرة أخرى، لا يوجد تحت السماء من هو أهل للزواج بي"
ثم استدارت لصوفيا قائلة:
- " ٍ يبدو أنك لا زلت تجهلين الكثير عني يا وصيفتي المقربة"
قالت صوفيا في نفسها:
- " بل يبدو لي أنني لم أعرفك يوما"
تدخل أنطوان ليعيد الحديث لمجراه الأول قائلا:
- " بموت إيفان لم يعد هناك ما يربط ماركوس بالأمر"
قالت صوفيا موجهة كلامها لأنطوان:
- " والسجين ألا تستطيع إجباره على الكلام؟"
أجاب أنطوان وهو يهز رأسه في أسف:
- " روايته محبوكة بدقة، فهو يدعي أن إيفان اتصل به وأغراه بالمال من أجل القيام بالعملية وأقنعه بأن إريس هو السبب في تسريحه من عمله."
قاطعته صوفيا قائلة:
- " وماذا عن الشخص الذي أدخلهما إلى القصر"
رد أنطوان :
- " لقد توصلنا إليه، هو ضابط حديث الانضمام بالحرس الإمبراطوري، لكنه اختفى أيضا منذ ليلة الاعتداء"
توجهت كاثرين إلى كرسي العرش لتجلس عليه بشموخ قائلة وكأنها تراجع سجل الأحداث:
- " نعلم أن ماركوس وراء كل هذه العمليات، ومع ذلك لم نستطع إثبات شيء عليه، رجل كهذا يستحق منصبه"
ثم اعتدلت في جلستها قائلة :
- " لقد اتخذت قراري، أوقف التحقيقات في هذه القضية يا أنطوان، أريد جنازة تليق بوزيري وبعدها ليستدعى الجميع للقصر"
قالت صوفيا:
- " وهل سيبقى منصب الوزير شاغرا؟"
أجابت كاثرين وقد فهمت ما ترمي إليه صوفيا:
- " سأعين شخصا جديدا بعد اجتماع الغد مباشرة"
ثم غمزت لصوفيا قائلة:
- " أخبري حبيب القلب أنه الأحق بالمنصب".
**********
عاد ماركوس لمنزله في غير موعده المعتاد، طبعا لم تكن ريبيكا في انتظاره فدخل غرفة نومه مباشرة بعد أن أصدر أوامره لكبير الخدم بعدم إزعاجه.
مرت لحظات قبل أن تطرق ريبيكا باب الغرفة وتدخل قائلة بقلق:
- " مولاي ماركوس، ليس من عادتك العودة في هذا الوقت، أرجو أن لا يكون هناك أمر خطير يشغل بالك"
تنهد ماركوس في أسى وهو يقول :
- " بل هو ذاك يا ريبيكا"
زاد القلق لدى ريبيكا التي قالت:
- " ما الأمر يا مولاي، لم يسبق لي أن رأيتك هكذا من قبل"
أجابها ماركوس وهو يضع وجهه بين كفيه:
- " هناك نقطة لا يمكن التحمل بعدها يا ريبيكا. فالقوي له نقطة ينهار بعدها والشجاع له نقطة يجبن بعدها"
ثم نظر إليها وعينيه يحملان حزنا عميقا وقال:
- " وماركوس له نقطة يحزن بعدها "
ضمته ريبيكا بين ذراعيها وقد سالت دمعة من عينها وهي تقول:
- " ليتني أستطيع فعل شيء يخفف عنك يا مولاي"
نهض ماركوس وريبيكا ما تزال ملتصقة به قبلها من جبينها وقال:
- "في الواقع هناك فعلا ما يمكنك فعله"
رفعت رأسها لتنظر إلى عينيه مباشرة وهي تقول:
- " أؤمرني إذن وسأقدم روحي لك طواعية"
جحظت عيناها وهي تشعر بألم رهيب في بطنها، نظرت إلى موضع الألم لتجد يد ماركوس تمسك خنجرا قد اخترق بطنها وسمعته يقول والحزن باد في نبراته:
- " لا أعلم إن كانت روحك ستخفف عني ما أحس به من ألم خيانتك لي يا ريبيكا، لكنها دون شك ستكون عبرة لمن يفكر في خيانة ماركوس بعد اليوم"
لم يتحمل جسد ريبيكا الرقيق طعنة الخنجر كثيرا فانهارت قواها لتسقط جثة هامدة بين أقدام ماركوس الذي انهار بدوره على ركبتيه وقد نزلت دموع قلما تذوقتها شفتيه، أمسك برأس ريبيكا وحضنها كأم تحضن طفلها الذي غاب عنها سنين، أبعد رأسها قليلا لينظر إليها، ثم قال وهو يمرر سبابته على شفتيها:
- " أي شيطان أنت يا إريس، أقسم أنك ستدفع ثمن هذا غاليا"
**********
قبل ساعة
دخل إمانويل على ماركوس مكتبه وهو يقول:
- " مولاي، لدي أخبار سيئة"
أصدر ماركوس بشفتيه صوتا يدل على التذمر الشديد وهو يقول:
- " ألن تنتهي الأخبار السيئة؟"
بقي إمانويل صامتا فأشار له ماركوس قائلا :
- " هات ما عندك"
أجاب إمانويل بسرعة وكأنه ينتظر فقط الأمر:
- " نجاة إريس لم تكن صدفة، لقد كانوا في انتظار رجالنا"
شدت هذه الجملة انتباه ماركوس الذي قال في غضب مكتوم:
- " هل أنت واثق مما تقول يا إمانويل؟"
رد إمانويل:
- "تمام الثقة يا مولاي"
نهض ماركوس ووقف يتأمل إحدى اللوحات المعلقة في مكتبه قبل أن يقول دون أن يستدير :
- " هل تعلم ما يعنيه هذا يا إمانويل؟"
أجاب إمانويل في حذر :
- " أجل يا مولاي، هناك خائن بيننا"
استدار ماركوس ناحيته بحدة قبل أن يتمالك نفسه بعدما انتبه إلى أن هذا هو ما فكر به بنفسه فقال:
- " ومن يكون؟ لا أحد يعلم بتفاصيل المهمة إلا أنا والراحل إيفان وأنت، حتى الجنود الذين تم اختيارهم لتنفيذ العملية لم يعلموا بها إلا لحظات قبل تنفيذها"
صمت إمانويل لكن ماركوس لاحظ أنه يختلس النظر إليه فقال له:
- " هل هناك ما تود قوله يا إمانويل؟"
تردد إمانويل في الحديث مما دفع ماركوس بالصراخ في وجهه قائلا:
- "إمانويل، لا تغضبني وهات ما عندك"
تشجع إمانويل وأخد نفسا عميقا قبل أن يقول :
- " لقد أثار انتباهي في تقارير اليوم أن ريبيكا التقت بصوفيا صباح العملية"
أجاب ماركوس وهو يحاول أن يقنع نفسه أن ريبيكا ليست الخائن الذي يتحدث عنه إمانويل:
- " وما الغريب في الأمر؟ ريبيكا وصوفيا صديقتان منذ أن كانا طفلتين ضمن جواري الإمبراطور الراحل "
قال إمانويل وهو يحاول فتح عيني ماركوس:
- " في الصباح الباكر؟ من يزور صديقه في هذا الوقت إلا لأمر ملح، ثم في يوم تنفيذ الخطة"
صرخ ماركوس غير مصدق لما يسمع:
- " غير كاف يا إمانويل، لا يمكنك اتهام ريبيكا لمجرد شكوك في نفسك"
قال إمانويل في جرأة فاجأت ماركوس:
- " أفق يا مولاي، في داخلك أنت تعلم أني على صواب، لقد كنت دوما قدوتي، دائما ما قلت لي أن من تحكمه المشاعر يسقط أسرع"
أمسك ماركوس برأسه لحظات قبل أن يقول:
- " كل ما أريده هو دليل أقوى يا إمانويل"
ألقى إمانويل بالتقارير على مكتب ماركوس قائلا:
- " اقرأ التقارير بنفسك يا مولاي، ملامح صوفيا أثناء حديثها مع ريبيكا تدل على أن ما سمعته منها قد أفزعها "
ثم شد قامته بتحية عسكرية مردفا:
- " سأتركك لتراجع الموقف جيدا، وأنا على ثقة بأنك ستتخذ القرار الصائب كما عودتنا دائما"
خرج إمانويل تحت أنظار ماركوس الذي التفت بعينيه إلى التقارير يرمقهم للحظات قبل أن يمد يده إليهم.
عليه أن يصفي ذهنه جيدا قبل تحليل الموقف من جديد، فما يدور في ذهنه حاليا سيكون له تبعات مأثرة فيما بعد.
**********
دخلت كاثرين قاعة العرش تتبعها صوفيا ليسكت كل من فيها، وفقت لحظات تدير عينيها في وجوه الحضور، كانت كل الحاشية حاضرة يتقدمهم إريس على يمين العرش وماركوس على شماله، توجهت كاثرين مباشرة لكرسي العرش لتجلس عليه شامخة كعادتها بينما اتخذت صوفيا مكانها المعتاد خلف الكرسي ، كان ماركوس أول المتكلمين فقال:
- "فلتسمح لي مولاتي أن أقدم لها التعازي في وفاة الوزير إيفان باسم كل الحاضرين"
أجابت كاثرين وهي تشير للحضور بالجلوس:
- " شكرا لك يا ماركوس، شكرا لكم جميعا، إيفان كان من أخلص رجال أبي وقد استمر في خدمتي بنفس الإخلاص، لكنها طبيعة البشر، لا بد لهم من نهاية"
قال إريس وهو يوجه الحديث لماركوس:
- " تعازي إليك يا ماركوس، فرغم أنكما لم تكونا تستلطفا بعضكما كثيرا إلا أن معلوماتي تقول أنكم تقاربتم في الأفكار مؤخرا، من المؤسف أنه لم تتح لكما الفرصة للتعاون أكثر"
فهم ماركوس ما يرمي إليه إريس لكنه كان قد قرر تلطيف الأجواء حتى تتضح له الأمور أكثر فقال:
- " فعلا يا إريس، لكن لم يكن الموضوع شخصيا، كل ذلك كان من أجل الإمبراطورية، كل منا خدمها بطريقته وكان يرى أنه الأصوب، لقد فهمنا هذا متأخرين، أرجو أن تدرك أنت ذلك أيضا"
هز إريس رأسه في سخرية وهو يقول:
- "لا أظن أن أخذ الأرواح البريئة طريقة صائبة لخدمة الإمبراطورية"
قال ماركوس وقد بدا التوتر في نبرات صوته:
- " هذا إن كانت بريئة"
حاول إريس الرد لكن كاثرين أوقفته بإشارة من يدها وهي تقول:
- " سيكون لديكم وقت طويل لمناقشة طرق خدمتي وخدمة الإمبراطورية، أما الآن فقد جمعتكم لأمران أولهما إعلان الوزير الجديد الذي سيخلف إيفان"
تدخل ماركوس في محاولة له لاستغلال الموقف وتلطيف الأجواء بينه وبين إريس فقال:
- " إذا سمحت لي الإمبراطورة فأنا أود أن أقول رأيي في هذا الموضوع"
أجابت كاثرين :
- " لقد حسمت فعلا في الأمر لكن لا بأس بسماع رأيك يا قائد الجند"
رد ماركوس وهو يعلم جيدا أن إريس الأوفر حظا لتولي هذا المنصب:
- " صحيح أن إريس هو أحدثنا انضماما للحاشية لكني أرى أن مهاراته وإمكانياته وخصوصا وفائه وإخلاصه لك يؤهلونه للمنصب بجدارة. ومن ناحيتي فإني أعدك أني سأتعاون مع من تختارينه سواء كان إريس كما آمل أو غيره"
كانت حركة بارعة من ماركوس رغم أنها مكشوفة وهو ما جعل كاثرين تقول ضاحكة:
- " لم تخيب ظني فيك يا ماركوس، فطنتك وذكاءك هما ما يجعلاني أتغاضى عن بعض تصرفاتك يا ماركوس"
حاول ماركوس الرد لكن كاثرين أوقفته قائلة:
- " وهذا هو الأمر الثاني الذي أردتكم من أجله، لكن سنناقشه ثلاثتنا فحسب، أنا وأنت وإريس"
ثم توجهت بكلامها للبقية:
- " لقد اخترت إريس وزيري الجديد، هل لدى أحدكم اعتراضا؟"
نظر بعضهم لبعض بحثا عن معارض للقرار فقالت كاثرين:
- " إذن أعلن إريس وزيرا، فليبق الوزير وقائد الجند أما البقية فيمكنها الانصراف"
انتظرت كاثرين إلى أن فرغت الغرفة فتوجهت لماركوس تلومه قائلة بحدة :
- " ألم أحذرك من التصرف دون الرجوع إلي يا ماركوس"
أجاب ماركوس :
- " وهذا ما أفعله يا مولاتي"
نهضت كاثرين وهي تقول:
- " وقتل ريبيكا؟؟"
توتر ماركوس وأطلت من عينيه لمست حزن وهو يقول:
"هذا أمر لا يتعلق بالإمبراطورية بل أمر شخصي يا مولاتي، ريبيكا من أقرب الناس إلي، قتلها لم يكن سهلا علي لكن..."
قاطعته كاثرين قائلة:
- " ما دام الأمر مثل ما تقول، فلم قتلتها؟"
رد ماركوس والأسى يخنق صوته:
- " البيوت أسرار يا مولاتي، أريد أن تبقى ذكراها طيبة"
كانت كاثرين تعلم يقينا سبب إقدام ماركوس على قتل ريبيكا لكنها احترمت رغبة ماركوس فهي تتفهم موقفه تماما ولو كانت مكانه لقامت بنفس الفعل، عادت كاثرين لكرسيها هي تقول :
- " ماركوس، أنا معجبة بك، معجبة بمهاراتك وفطنتك وأدائك، لكن أحذرك، لا تختبر صبري أكثر من هذا"
كانت نظرات ماركوس تفضح الحزن الذي في داخله حتى أن إريس أشفق عليه فقال:
- " أظن يا مولاتي أن ماركوس فهم تماما ما تعنيه، ولا بد أنه استخلص العبر مما جرى"
اعتدلت كاثرين في جلستها وهي ترفع يدها لصوفيا الواقفة خلفها، وضعت صوفيا لفافة ورق في يد كاثرين التي مدت اللفافة لإريس قائلة:
- " هذا قرار تعيينك يا إريس، سيرافقك أنطوان لقصر الراحل إيفان، انقل كل ما له علاقة بعمله إلى جناحك في القصر"
ثم أشارت للاثنين بالمغادرة قائلة:
- " فليبدأ عهد جديد من الازدهار تحت حكمي".
**********
لم تكد صوفيا تخطو أولى خطواتها في حديقة القصر حتى وجدت إريس متكئا على جدع إحدى الأشجار ينظر إليها مبتسما، ابتسمت رغما عنها وتوجهت نحوه قائلة:
- " الوزير إريس.. الوزير إريس.. لساني لم يستسغ بعد هذا اللقب"
ضغط إريس قلادته ليشعر بوخزها ثم أجاب وهو يجلس على العشب ويضرب الأرض براحة يده طالبا منها الجلوس بجانبه:
- " ما رأيك بالعاشق الكاذب؟"
جلست صوفيا بجانبه مبتسمة وأخذت تلهو ببعض الأعشاب وحمرة الخجل بادية على محياها، مرت لحظات من الصمت قبل أن يقطعها إريس الذي أمسك صوفيا من كتفيها برفق قائلا :
- " هل تتزوجينني يا صوفيا؟"
لم يكن صمت صوفيا من النوع الذي يدل على الرضا رغم الارتعاش الذي حل بجسدها فأحسه إريس الذي قربها إليه أكثر وهو يهمس في أذنها:
- " أنا أحبك يا صوفيا، وأعلم أنك تكنين لي نفس الشعور"
أغمضت صوفيا عيناها دون أن تنطق بكلمة وهي تحس فأنفاس إريس تداعب عنقها ليكمل إريس قائلا:
- " لماذا أنت مترددة هكذا يا حبيبتي؟"
ارتعش قلب صوفيا لدى سماعها لكلمة حبيبتي تخرج هامسة من بين شفتي إريس فأجابت دون أن تفتح عينيها:
- " أخشى من حبك السابق للإمبراطورة"
قال إريس وهو يدير صوفيا لتواجهه:
- " أنظري إلي يا صوفيا، افتحي عينيك وانظري إلي"
فتحت صوفيا عيناها لتتظر مباشرة في عيني إريس الذي قال:
- " كاثرين التي أحبها رحلت دون عودة، أنت الآن الوحيدة التي تسكن قلبي"
أجابت صوفيا وهي تهرب بعينيها من نظراته:
- " هذا ما أخشاه فعلا يا إريس، أنت لم تنزع حب كاثرين من قلبك، لو عادت كاثرين إلى سابق عهدها فسيعود قلبها ليدق لها ثانية"
صمت إريس لحظات، فما قالته صوفيا أصاب كبد الحقيقة، لكنه واثق أيضا أنه فقد كاثرين للأبد، أخذ نفسا عميقا ثم قال وهو يسرح بعينيه بين أشجار حديقة القصر:
- " إن أنكرت ما تقولين فلن أكون جديرا بك يا صوفيا، لكن ما أعلمه جيدا أن الماضي لن يؤثر على علاقتنا"
ردت صوفيا بنبرة حزينة:
- " لا تكن واثقا هكذا، قد لا تبالي كاثرين بعلاقتنا الآن لكن تقدمنا في هذه العلاقة أكثر سيثر غيرتها،أنا لا أريد أن أخسرها فهي أكثر من الإمبراطورة بالنسبة لي."
أجاب إريس في نفاذ صبر:
- " بل أنا واثق يا صوفيا، كاثرين الحبيبة قصة انتهت وابتدأت قصة كاثرين الحاكمة"
هزت صوفيا برأسها غير مقتنعة بكلام إريس وقالت:
- " لقد كنت الحب الأول لكاثرين يا إريس، كاثرين لن تنساك"
ابتسم إريس واقترب يهمس بأذن صوفيا:
- " هل هذا هو سبب رفضك لي؟ أنني الحب الأول لكاثرين"
أجابت صوفيا وهي تنكمش على نفسها وكأنها تحاول منع همسات إريس من الوصول لوجدانها:
- " لا يهمني إن أحببت قبلي ولا من أحببت ولا حتى من أحبتك قبلي، لكني لا أريد لبواقي هذا الحب أن يكسر قلبي يوما، أنا أعرف كاثرين أكثر من أي شخص آخر، رغم أنني لا أعرف ما الذي غيرها ناحيتك ولا أظنها السلطة كما تدعي، إلا أنني أعلم أن مشاعرها ستنتصر يوما ما، وعندها لا أريد أن أكون ضحية حبكما"
قال إريس وهو يمرر أصابعه على شعر صوفيا الساقط خلف ظهرها:
- " أنت تعرفين كاثرين السابقة، لكن صدقيني، كاثرين التي بيننا الآن لن تكن مشاعرا لا لي ولا لغيري، فلا تجعلي منها عقبة في طريق حبنا"
أطرقت صوفيا برأسها صامتة قبل أن تشعر بأنفاس أريس تلفح عنقها وهو يقول:
- " لم تجيبيني بعد يا صوفيا"
نظرت صوفيا إليه متسائلة فأردف قائلا:
- " هل تتزوجينني؟"
**********
" إريس يطلب الإذن بالدخول يا مولاتي"
قالها الحاجب فقامت صوفيا ووقفت خلف كاثرين التي أشارت إليه بيدها ليسمح له بالدخول، لحظات بعد ذلك دخل إريس قائلا :
- " صباح الخير مولاتي "
أشارت له كاثرين بالجلوس وهي تقول
- " لم نعد نرك كثيرا منذ انتقلت لقصرك يا إريس"
ثم استدارت لصوفيا قائلة:
- " دعينا لحظات يا صوفيا، أريد إريس في موضوع خاص"
بدا الامتعاض على وجه صوفيا التي دبت الغيرة في قلبها وهو ما أحسته كاثرين التي ابتسمت في سخرية وهي تراقب صوفيا حتى غادرت قاعة العرش فاستدارت لإريس وهي تقول ضاحكة :
- " يبدو أن زوجتك لم تنس بعد حبنا القديم"
ابتسم إريس قائلا:
- " تلك مشاعر طبيعية لذا كل البشر"
مطت كاثرين شفتيها وهي تقول:
- " دعنا من هذه المشاعر التي لم أفهمها يوما ولنتحدث في الأمور المهمة"
رد إريس:
- " أنا طوع أمرك يا مولاتي، لقد حضرت مباشرة بعدما وصلني أمر استدعائك لي"
قالت كاثرين وهي تداعب خصلات شعرها:
- " كيف حال مرضك يا إريس؟"
أطرق إريس برأسه وهو يتذكر ذاك الصداع الذي كان يشعر به بين الفينة والأخرى، حتى ذاك اليوم المشؤوم عندما اشتد به الصداع لدرجة لا تحتمل حتى كاد قلبه يتوقف من شدة شعوره بالألم لولا تدخل كاثرين التي خلصته من محنته.
أيقظته كاثرين من ذكرياته وهي تقول:
- " مرضك لا علاج له يا إريس، صحيح أني منعت عنك الشعور بالألم لكن الخلايا الخبيثة تتكاثر في جسمك بسرعة ولن تمهلك كثيرا يا إريس"
رفع إريس رأسه وقال بنبرة حزينة :
- " أعلم هذا يا مولاي"
انتفضت كاثرين في وجه إريس وهي تقول بغضب:
- " ما دمت تعرف ذلك فلماذا لم تنجب طفلا بعد يا إريس؟"
أطرق إريس برأسه في عجز فقالت كاثرين بعد أن استعادت هدوءها:
- " أريد طفلا من نسلك يا إريس، أخبرتك هذا الأمر مرارا وتكرارا"
رد إريس دون أن يرفع رأسه
- " وما الذي تريدين مني فعله يا مولاتي؟"
قالت كاثرين بنبرة تجمع بين السخرية والغضب:
- " هل تريدني أن أعلمك كيف تنجب الأطفال يا إريس؟"
بقي إريس صامتا ينظر للأرض في أسى، مرت ثواني لم يسمع فيها في قاعة العرش سوى طرقات أصابع كاثرين على مسند كرسي العرش، قامت كاثرين وتوجهت نحو منتصف القاعة ويديها خلف ظهرها، توقفت صامتة لحظات قبل أن تقول:
- " لقد مر عامان على زواجكما يا إريس، صوفيا لن تهبك الوريث الذي نريد"
رفع إريس رأسه وقال في شبه استعطاف:
- " هناك ملايين البشر يا مولاتي، لا بد وأن هناك من هو مؤهل لخدمتك"
استدارت كاترين تحوه قائلة بلهجة صارمة:
- " هذا صحيح يا إريس، لم ولن أكون يوما مرتبطة بشخص بعينه"
قال إريس في لهفة وأمل:
- " اسمحي لي إذن أن أنهي حياتي في أحضان صوفيا، اعتبريها مكافئة لخدمتي وخدمة أجدادي لك"
ضحكة كاثرين بشدة وهي تقول:
- " تريد أن تسير رغباتي على هواك يا إريس؟"
أجاب إريس في ارتباك:
- " عفوا يا مولاتي، لم أقصد أبدا ذلك"
اقتربت كاثرين بوجهها من وجه إريس قائلة وهي تضغط أسنانها في غضب:
- "انتهى الأمر يا إريس، أريد طفلا من نسلك، لا يهم ممن"
نظر لها إريس بدهشة وهو يتمتم:
- "أخون صوفيا؟"
أجابت كاثرين وهي تنتصب قائمة:
- " ومن ذكر شيئا عن الخيانة؟"
ثم عادت إلى كرسيها واستوت عليه وهي تقول مشيرة إليه بالمغادرة:
- " سأرسل جاريتين إلى قصرك الليلة يا إريس، هما هديتي لوزيري المخلص"
أطرق إريس برأسه وهو يفهم تماما ما تعنيه، تنهد ثم قال:
- " شكرا لك يا مولاتي"
خرج إريس تحت أنظار كاثرين التي أوقفته عند وصوله الباب قائلة:
- " أريد أخبارا جيدة بعد شهر من الآن"
أخد إريس نفسا عميقا ثم أكمل طريقه خارجا من قاعة العرش ليجد صوفيا واقفة تفرك يديها وتهز رجلها بتوتر فابتسم وتوجه إليها فبادرته بالسؤال:
- " ماذا كانت تريد منك؟"
ضحك إريس محاولا إخفاء حزنه وهو يهمس لها:
- " تعجبني غيرتك علي"
قالت صوفيا بغضب طفولي:
- " لا تغير الموضوع، ماذا أرادت منك؟ فليس من عادتها أن تخرجني لتتحدث إلى أحد"
ابتسم إريس وهو يزيد من استفزازها:
- " وهل أنا أي أحد؟ أنا الوزير إريس، أم أن لسانك لم يستسغ بعد هذا اللقب ومازلت تفضلين العاشق الكاذب؟"
ابتسمت صوفيا رغم غضبها وقالت وهي تحاول إخفاء ابتسامتها:
- " أنت تعرف أنني لن أتركك قبل أن تجيبني"
تنهد إريس وهو يقول:
- " لا شيء مهم يا صوفيا،لقد أعربت لي الإمبراطورة عن رضاها بعملي وقررت تخصيص هدية لي"
قالت صوفيا غير مصدقة:
- " تخرجني من القاعة فقط لتعرب عن رضاها بعملك، هل تظنني غبية يا إريس؟"
ابتسم إريس وهو يقول :
- " عفوا يا حبيبتي، فلا أحد ينافسك في رجاحة العقل، لكن الإمبراطورة رأت أن هديتها قد تسبب لنا الإحراج فطلبت مغادرتك"
أطل التساؤل والتعجب من عيني صوفيا وهي تقول:
- " وأي هدية هذه التي ستسبب الإحراج؟"
أشاح إريس بوجهه وهو يقول :
- " جاريتان من وصيفات الإمبراطورة"
تحول التعجب إلى غضب خرج كبركان من الكلمات من فم صوفيا وهي تقول:
- " جاريتان؟ ومن أخبرها أننا بحاجة لهما؟ ألا يكفينا كل الخدم الذي يملأ القصر؟ أم أن الهدية كانت على هواك؟ لا بد وأنك مللت من جسدي، قلها فقط، تريد أكثر؟ هيا، سأشتري لك بنفسي عشر جواري؟ هل تعتقد أنني سأغضب؟ ومن أنت حتى أغضب من أجله؟"
كان إريس يتوقع هذه الثورة من صوفيا لذلك تركها تفرغ انفعالاتها حتى هدأت، فطوقها بيديه وهو يقول:
- " هل أنهت حبيبتي ثورة غضبها؟"
انسلت صوفيا من بين يديه غاضبة وهي تقول:
- "لا تلمسني، انتظر جاريتا الإمبراطورة وخذ منهما ما تشاء"
حضنها إريس من الخلف وهو يقول:
- "كل نساء الدنيا لن يستطعن منحي ما تمنحيني إياه يا حبيبة القلب"
أسندت صوفيا رأسها على صدر إريس وهي تقول دامعة:
- " لماذا إذن قبلت هدية كاثرين؟"
أجابها إريس وهو يقبل رأسها:
- " أعملي عقلك يا حبيبتي، من يجرؤ على رفض هدايا الإمبراطورة؟"
ردت صوفيا:
- " جد طريقة!"
ربت إريس عليها قائلا:
- " سأفعل يا حبيبتي، سنفكر في هذا معا مساء، أما الآن فاستأذني من الإمبراطورة ولنعد معا للقصر"
هزت صوفيا برأسها وهي تمسح دموعها وتحاول منع أخرى من النزول، ثم أقفلت عائدة لقاعة العرش فأوقفها إريس قائلا:
- "حبيبتي، أرجوك أن تثقي بي، لا ترتكبي أية حماقة"
أومأت له برأسها أن اطمئن ودخلت القاعة تحت أنظار إريس الذي قال بصوت غير مسموع:
- " لن أقوم بشيء قد يدمي قلبك يا صوفيا، يكفي ما سأسببه لك بسبب موتي"
**********
كان إريس مستلقي على أريكة في بهو قصره عندما دخلت عليه إحدى الجاريتان التي أرسلتهما له كاثرين منذ أسبوع،تفاجأ إريس بدخول الجارية التي كانت تلبس لباسا جريئا مثيرا كأنها عروس قد تزينت لزوجها يوم عرسها، تفاجُؤ إريس لم يكن بسبب لباس الجارية فقط، لكنه كان اتفق مع صوفيا على أن الجاريتان ستكونان في خدمتها ولن تسمح لهما بالإنفراد به مهما تطلب الأمر حتى يجد حلا لهما لا يغضب كاثرين، وقد كانت غيرة صوفيا حافزا كافيا لها، فكيف تترك إحداهما تغيب عن نظرها بل تجد الوقت الكافي لتغيير ثيابها والتسلل إليه دون أن تنتبه لها.
راودت هذه الأفكار إريس وهو يعدل جلسته قائلا في غضب :
- " كيف تتجرئين على الدخول علي دون إذن، وأين هي زوجتي"
أجابت الجارية وهي تقترب من إريس في دلال:
- " لقد أرسلت لها مولاتي الإمبراطورة رسولا يأخذها إليها بشكل عاجل"
ثم انحنت على إريس وهو تقول:
- " لقد كانت حركة ذكية منها، خصوصا بعدما أخبرتها أنني سأكون الليلة في أوج خصوبتي"
دفعها إريس عنه برفق وهو يقول متلعثما:
- " أنا لست في مزاج جيد لما تريدين"
أحاطته الجارية بذراعيها من الخلف وهي تهمس له:
- " لا يهم، فقط استلقي وأنا سأقوم بكل شيء"
نزع إريس يديها بقوة وهو يقول:
- " لا أريد أن أكون فظا لكني فعلا غير راغب فيك ولا في غيرك الآن"
قالت وقد تغيرت لهجتها لتصير أكثر صرامة:
- " الإمبراطورة تريدنا أن ننجب منك، وأنت تصعب الأمر علينا كثيرا"
ثم مالت عليه وقد استرجعت غنجها وهي تقول:
-" دقائق فقط يا مولاي وأعدك أن صوفيا لن تعلم بشيء، سنغادر كلانا قصرك فور انتهاء مهمتنا فيه "
هذه المرة لم يستطع إريس تمالك نفسه فدفعها عنه بقوة وقسوة وهو يصرخ فيها:
- " يكفي أن أعلم أنا أنني قد خنت زوجتي في آخر أيامي، لن أفعل ذلك حتى لو كانت حياتي ثمنا لهذا"
كانت الجارية قد وقعت أرضا جرّاء دفع إريس لها فقالت غاضبة وهي تحاول النهوض وعينها مركزة على إريس:
- " أيها الغبي، هل تظن أن حياتك أنت هي التي ستكون ثمنا لعصيانك"
كان على إريس الوزير أن يغضب من جارية تنعته بالغبي وتهدده، لكن تحول لون عينها للأحمر للحظات قبل أن يعود لطبيعته جعله يقف مبهوتا أمامها قبل أن يبدأ عقله في استيعاب الأمر، فحرك يده في اتجاه قلادته يتحسسها لكنه لم يجد ما يبحث عنه.
- " مستحيل.. أنا لا أنزع قلادتي أبدا حتى عندما أذهب للنوم، أنا أحلم لا محالة"
هكذا فكر إريس قبل أن تجيبه الجارية بصوت كاثرين:
- " هذا صحيح أيها العاصي، هل تعتقد أن سنوات خدمتك لي ستشفع لك عندي أيها الغبي، تتجرأ على عصيان أوامري؟ كنت أكذب كل شكوكي نحوك، راهنت على إخلاصك ووفائك، لم أكن أظن أنك ستخنني يوما ما "
ركع إريس على ركبته وأحنى رأسه وهو يقول:
- " لم أخنك يوما ما يا مولاتي، حتى جسد كاثرين قدمته لك رغم عشقي الشديد لها، كل ما أطلبه الآن هو الموت بين أحضان صوفيا، لا تجعليني أكسر قلبها، أتوسل لك يا مولاتي"
استدارت كاثرين التي كانت ما تزال متجسدة في شكل الجارية مغادرة وكأنها تطفو فوق الأرض وهي تقول بغضب:
- " يبدو أن موت صوفيا هو الوحيد الكفيل بإعادتك إلى رشدك يا تابعي"
ثم استدارت إليه وهي تردف:
- " ستدفع صوفيا ثمن حماقاتك يا إريس، عش ما بقي لك من عمر مع هذا الذنب!"
صرخ إريس متوسلا لها:
- " كلا يا مولاتي، إلا صوفيا، عاقبيني أنا، لا تفجعيني فيها"
كانت أرجل إريس كالمشلولة لا يتحكم بها مما زاد من إحساسه بالعجز وهو يراقب كاثرين تبتعد، فاستجمع كل طاقته في صرخة كانت كفيلة بإيقاظه من حلمه، مرت ثواني قبل أن يستوعب مكان تواجده، نظر يمينه، كانت صوفيا تنام في براءة.
القلادة في عنقه.
أحس بوخز رأس الإبرة لسبابته فمرر يده على شعرها فتململت دون أن تفتح عينيها، قبلها من جبينها ليلمح ابتسامتها على الضوء الباهت للقنديل الوحيد المشتعل داخل الغرفة فقال:
- " آسف حبيبتي لأني قد أيقظتك"
تمطت صوفيا وهي تدفع إريس بأرجلها فضحك إريس وهو ينهض قائلا:
- " يبدو أنني غير مرغوب به في فراشك يا وصيفة الإمبراطورة، سأغادره إذن"
أمسكت صوفيا بإريس وأعادته بجانبها ثم أحاطته بذراعيها قائلة:
- " هذا صحيح، لكن لا يسمح لك بالمغادرة دون إذن مسبق"
رغم ابتسامة إريس إلا أن نظرة الحزن التي في عينيه لم تخفى على صوفيا التي نفضت عنها النعاس وقالت في قلق:
- "ما الأمر يا حبيبي؟ واضح أن هناك ما يشغلك"
صمت إريس لحظات ثم قال دون أن يفتح عينيه:
- " هل تثقين بي يا صوفيا؟"
تفاجأت صوفيا بسؤال إريس فقالت وقد تزايد قلقها:
- " بعد سنتين من الزواج تسألني هذا السؤال"
استدار إريس ناحيتها ووضع يده على خدها قائلا:
- " فقط أجيبيني يا حبيبتي"
أغمضت صوفيا عينيها وهي تحاصر يد إريس بين خدها وكتفها ثم قالت:
- " ما كنت لأتزوجك لو شككت بك لحظة"
مرر إريس إبهامه على حاجبها وهو يقول:
- " حتى لو طلبت منه أن نرحل من هنا فورا"
أجابت صوفيا وقد تحول قلقها إلى انزعاج:
- " إلى الجحيم حتى، فقط أخبرني السبب، هل تشك في اضطراب أو انقلاب ما؟"
نهض إريس ملقيا ملاءة السرير وهو يقول:
- " سأخبرك يا حبيبتي كل شيء بالتفاصيل، لكن الآن يجب علينا أن نرحل قبل حلول الفجر، اجمعي ما تقدرين عليه من الأشياء المهمة، ولا تحملي همّاً لما لا تستطيعين حمله، سأشتري لك غيره فيما بعد"
قالت صوفيا وهي تنهض بدورها رغم عدم استيعابها لما يحدث:
- " وهل سنخرج في هذا الوقت بسهولة؟"
قال إريس وهو مستمر في توضيب أمتعته:
- " ومن يجرؤ على منع الوزير إريس"
ثم أكمل في نفسه:
- " إلا إن كانت كاثرين قد تحركت بالفعل".
مرت بضع دقائق عندما كان إريس وصوفيا خارج القصر فتوقف إريس وقال لصوفيا وهو يحمل عصابة سوداء في يديه :
- " أعلم أن ما سأطلبه منه غريب يا حبيبتي لكن يجب أن أغمض عينيك إلى أن نصل لوجهتنا"
أجابت صوفيا باستنكار:
- "لقد بالغت كثيرا يا إريس، ما الحكمة في ما تفعله؟"
رد إريس وهو مدرك لغرابة ما يطلبه:
- " أنا أعذرك يا صوفيا، لكن صدقيني سلامتك تعتمد على عدم معرفتك بمكاننا الجديد"
نظرت صوفيا حولها في استسلام في الوقت الذي أردف فيه إريس وهو يشاهد أولى خيوط الفجر:
- " من الآن وإلى أن أجد حلا لما نحن فيه فستكون معرفتك على قدر الحاجة"


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-19, 10:21 PM   #24

Reem1997

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Reem1997

? العضوٌ??? » 410013
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,948
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
?  نُقآطِيْ » Reem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مش معقول الرواية الحماس فيها بشكل غير طبيعي ، كل سطر فيه حدث من دون مايأثر او يسرع في مجرى الرواية
سلسة ومشوقة وكأني اشوف واحد من المسلسلات الاجنبية المتميزة في حبكتها
👏👏👏👏👏👏


Reem1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-19, 12:18 AM   #25

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة reem1997 مشاهدة المشاركة
مش معقول الرواية الحماس فيها بشكل غير طبيعي ، كل سطر فيه حدث من دون مايأثر او يسرع في مجرى الرواية
سلسة ومشوقة وكأني اشوف واحد من المسلسلات الاجنبية المتميزة في حبكتها
👏👏👏👏👏👏
سعيد والله برأيك
بارك الله فيك


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-19, 02:23 PM   #26

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

الجزء العاشر

- " يمكنك نزع العصابة يا حبيبتي"
طرقت الجملة أذن صوفيا الغارقة في الظلام فسارعت لنزع العصابة بعصبية وهي تقول:
- " ألن تخبرني سبب ما يحدث؟ ولم هذه الاحتياطات الغريبة؟"
- " سأخبرك يا حبيبتي عندما يحين الوقت؟"
قالها إريس وهو يمسح بيديه على وجهه، إلا أن صوفيا لم يعجبها جوابه فانتفضت في وجهه قائلة بعصبية:
- " بل أخبرني الآن! لقد سايرتك لأني أثق فيك، لكن لا تختبر صبري! ستخبرني كل شيء الآن"
وضع إريس رأسه بين كفيه وأطرق يفكر، لماذا لم أستطع تنفيذ أوامر كاثرين؟ كان يمكنني فعلها دون أن تعلم صوفيا، فما لا تعلمه لم يحصل بالنسبة لك، لكنه يعلم، ولن يستطيع النظر في عينها إذا خانها ولو مجبرا، ما الذي سيفعله الآن؟ صوفيا استحملته إلى الآن وهو لا يضمن بقائها خلفه أكثر دون أن تفهم ما يجري حولها، في نفس الوقت إذا أخبرها بالحقائق فستعتبره مجنونا وحتى إذا صدقته فإخباره لها بسر " أنغرا ماينيو" فسيكون خيانة مصيرها الموت، له لأنه أفشى سرها ولصوفيا لأنها علمت سرا لا يجب أن يعرفه أحد، لم يعد يهتم بنفسه فالموت الآن أفضل له من انتظاره، كاثرين أو " أنغرا ماينيو" تعرف هذا لهذا لا تهدده بالقتل، لكنه يهتم بمصير صوفيا، لن يكون سببا في إيذائها، وهو أمر تدركه كاثرين أيضا وستعمل على استغلاله لتحصل منه على ما تريد، كيف سأنفذ من هذه المتاهة؟ أيقظته صوفيا من أفكاره وهي تقول:
- " ممممم..... هل سنبقى هكذا طوال اليوم؟ تحدث أو سأعود للقصر"
رفع إريس نظره إليها وقال:
- "هل تعدينني إذا أخبرتك أن لا تسأليني شيئا بعدها وأن تفعلي ما أقوله لك"
أجابت صوفيا وهي تجلس بجانبه:
- " أعدك بشرطين أن تخبرني الحقيقة بأدق تفاصيلها وأن أقتنع بخطورة الوضع"
أخذ إريس نفسا عميقا ثم ضم صوفيا إلى صدره وهو يقول:
- "هل تذكرين يوم ذهبت كاثرين لزيارتي عند مجرى النهر؟"
أجابت صوفيا وهي تستعيد ذكرياتها:
- " عندما تغيرت كاثرين الأميرة إلى كاثرين الإمبراطورة"
نظر لها إريس مطولا ثم تنهد قائلا:
- " كل شيء بدأ يومها"
**********
" هل حضرت بمفردك؟"
قالها إريس وهو يحتضن كاثرين في رقة فأجابته:
- " لقد صحبتني صوفيا حتى أصبحت على مرمى بصرنا ثم أمرتها بالعودة، لقد رفضت أن تتركني وحدي لكني أصررت على عودتها متحججة ببعض الأعمال الغير مكتملة التي كنت قد أوكلتها إياها"
ثم أضافت بابتسامة وحمرة الخجل تكسو وجنتها:
- " كما أنني أردت هذه اللحظة لنا فقط، أردت أن أحياها كإنسانة لا كحاكمة تراقب تصرفاتها"
أجابها إريس:
- " حسنا فعلت يا مولاتي، لكن الوقت ليس في صالحنا، وعلينا التصرف سريعا"
- " وما الذي تقترحه يا إريس؟ "
- " لنعلن خطبتنا اليوم، ستكون حركة مفاجئة لماركوس الذي يعتقدني ميتا"
أجابت كاثرين وهي تنظر لموضع قدميها:
- "كم أتمنى هذا يا إريس، لكني أخشى من رد فعل ماركوس، لا أريد أية اضطرابات في الإمبراطورية خصوصا مع بداية حكمي"
أمسك إريس بيد كاثرين وضمها إلى صدره وهو يقول:
- " ماركوس مجرد طالب سلطة، لا أظنه يريد الزواج بك لأنه يحبك، إن منحته سلطات ومزايا إضافية فسيقتنع بالتخلي عن فكرة الزواج بك"
قالت كاثرين وهي تنظر لإريس:
- " عل تظن ذلك؟"
رد إريس:
- "بل أنا واثق مما أقول"
سحبت كاثرين يدها برفق من بين يدي إريس وقالت:
- " حسنا يا إريس، سأفعل ما تقوله، لكن عليك زيارتي في القصر، هناك اجتماع لي مع القادة أريدك قبله حتى نضع آخر اللمسات قبل مواجهتك لماركوس، إلى لقاء قريب يا إريس"
- " إلى اللقاء يا مولاتي"
قالها إريس وهو يراقب بحب كاثرين تقفل عائدة أدراجها.
**********
كانت كاثرين مستلقية في مخدعها عندما سمعت طرقات على الباب فقالت في لامبالاة :
- " ماذا هناك أيها الحارس؟"
جاءها صوت أنطوان من الخارج:
- " إنه أنا يا مولاتي"
ارتدت كاثرين معطفها الإمبراطوري وهي تقول:
- " ادخل يا أنطوان"
دخل أنطوان وانحنى في تحية عسكرية وهو يقول:
- " لست وحدي يا مولاتي، معي قائد الجند وقائد الحرس الإمبراطوري، نريدك في أمر مهم يا مولاتي"
نظرت له كاثرين في استغراب وقالت:
- " الآن؟ في هذا الوقت؟ لما لم يطلبا اجتماعا رسميا؟"
أجاب أنطوان:
- " الأمر ملح يا مولاتي، يجب أن تأذني لهم بالدخول"
ازداد استغراب كاثرين وهي تقول :
- " ومنذ متى أستقبل أحدا غيرك وصوفيا في مخدعي؟"
رد أنطوان:
- " الأمر ملح كما أخبرتك"
نفخت كاثرين الهواء من بين شفتيها في ضيق وقالت:
- " ليكن، ليدخلا!"
انحنى أنطوان أمام كاثرين ثم اعتدل قائما وهو ينادي بصوت مرتفع:
- " ليدخل القائدان"
دخل ماركوس ولوكاس وقدما التحية العسكرية لكاثرين التي قالت:
- " ترى ما الأمر الذي لا يمكنه الانتظار أيها القائدان"
قال أنطوان وهو يشير لماركوس ة لوكاس:
- " الأمر لا يعنيهما هما فقط بل يعنيني أنا أيضا"
شعرت كاثرين باختلاف كبير في نبرة حديث أنطوان عما اعتادته منه فقالت في قلق:
- " وما هو هذا الأمر الذي يعنيك أنت أيضا يا ..."
و أكملت بسخرية:
- " يا حارسي الشخصي"
أجاب أنطوان:
- " نعلم أنك تحبين إريس وتريدين الزواج به"
تلعثمت كاثرين وهي تقول:
- " وعلى فرض صحة ما تقول، ماذا يهمكم أنتم في الأمر"
تكلم ماركوس لأول مرة منذ دخل على كاترين وقال بنبرة ساخرة:
- " ماذا يهمنا؟ تهمنا مناصبنا التي قدمنا تضحيات كبيرة وسنين من أعمارنا لنصل إليها، تهمنا مشاريع بآلاف آلاف العملات الذهبية التي تتأثر بتصرفات حاكم الإمبراطورية، يهمنا أن لا يأتي طفل في العشرينات من عمره ويحصل على الجائزة الكبرى لنقف ونصفق له."
نظرت لهم كاثرين التي بدأت تحس بالرعب مما تسمع في مخدعها وقالت:
- " ما الذي تريدونه؟"
أجاب لوكاس بهدوء:
- " زواجك بإريس يجب ألا يتم"
**********
- " لا أصدق ما أسمع "
قالتها صوفيا وهي تهز رأسها بشدة ثم أكملت:
- " ثم إن ماركوس كان في هذا الوقت يظنك ميتا، فكيف يطلب منها عدم الزواج بك"
قال إريس وقد انتبه لهذه الثغرة في روايته الجديدة للأحداث:
- " لم يكن ماركوس من طلب منها ذلك بل لوكاس"
ردت صوفيا:
- " هم الآن شخص واحد، لا بد وأنهم اتفقوا على قرار واحد معا قبل أن يقابلوا كاثرين، لا، هناك أمر غير مفهوم بالأمر"
قال إريس وهو يفكر في كيفية تكييف الأحداث لتصبح أكثر منطقية:
- "صوفيا، صوفيا، حبيبتي، صحيح أن ماركوس كان يعتقد موتي لكن أنطوان ولوكاس لا يعلمان عن الأمر شيئا"
- " أنطوان أيضا كان يظنك ميتا، هل نسيت أنه من أخبرنا بالأمر؟"
قالتها صوفيا وهي تنظر لإريس مشككة في روايته فقال إريس وقد أحس أن صوفيا ضيقت الخناق عليه أكثر:
- " إذن لا بد وأن اللقاء كان بعد الاجتماع الذي ظهرت فيه مرة أخرى"
قالت صوفيا وهي تنظر له وقد نفذ صبرها:
- " في ذلك الاجتماع كانت كاثرين قد قررت العزوبية والتفرغ للحكم، فلماذا يطلبون منها شيئا قد قامت به أصلا"
نظر لها إريس وهو يقول في نفسه:
- " أ هذا جزائي لأنني أحببت امرأة ذكية؟"
لكن إريس لم يكن أقل منها ذكاءا فقال محاولا التخلص من مأزقه:
- " ذلك كان اتفاقا بيني وبين كاثرين لصرف نظر ماركوس عنا حتى تهدأ الأمور، لكن يبدو أن لعبتنا كانت مكشوفة لهم"
أشارت له صوفيا بسبابتها قائلة:
- " أليس هذا مناقضا لما اتفقت عليه مع كاثرين عند مجرى النهر بإعلان زواجكما؟"
تمتم إريس:
- " أجل لكن كما أخبرتك كان هناك لقاء بيننا لوضع آخر اللمسات، وفيه قررنا تأجيل الأمر"
صمتت صوفيا لحظات وكأنها تبحث عن ثغرات أخرى ثم قالت:
- " الأمور أصبحت أكثر منطقية الآن، لكن رغم ذلك ما زلت لا أستطيع تصديق ما أسمع"
قال إريس محاولا إنهاء هذا التحقيق الذي كاد يكشف حيلته:
- " ولا أنا صدقت هذا عندما سمعته أول مرة"
قالت صوفيا فجأة:
- " صحيح يا إريس، كيف لم تخبرني بهذا الأمر طيلة هذه المدة؟"
أجاب إريس:
- " لم أعلم به إلا منذ يومين، كان علي التأكد قبل إخبار أي شخص آخر فالمتورطون في الأمر نافذون جدا في دواليب الإمبراطورية"
أطرقت صوفيا رأسها قليلا محاولة استيعاب الأمر فبادرها إريس هاربا بها من تدقيقاتها قائلا:
- " اسمعي القصة للآخر، ألم تعودي راغبة في معرفة كل التفاصيل؟"
أومأت له برأسها أن أكمل فأكمل إريس.
**********
صدمت الجملة التي قالها لوكاس قائد الحرس الإمبراطوري كاثرين فتراجعت في جلستها وهي تنقل بصرها بين الثلاثة قبل أن تستجمع بعضا من شجاعتها وقالت:
- " وماذا لو رفضت طلبكم؟"
قال ماركوس بحزم :
- " سيموت إريس"
و أكمل لوكاس :
- " أنت أيضا لن تكوني في م......"
قاطعه أنطوان بإشارة صارمة من يده ثم أقترب من كاثرين وقال بنبرته الحنون التي طالما حدثها بها:
- " مولاتي الإمبراطورة، ألم يخبرك والدك الراحل أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة؟"
لم تستطع كاثرين أن تجيب سؤال أنطوان لأنها في قرارة نفسها تؤمن بهذا المبدأ فأكمل أنطوان:
- " مولاتي الإمبراطورة، نحن لا نريد أي تغييرات في الحكم، ستبقين أنت الإمبراطورة أمام الرعية، أنت من ستأمرين وأنت من ستنهين، سيسمح لك حتى بالصراخ فينا نحن الثلاث حتى تبقى صورتك كإمبراطورة قوية لدى الشعب، لكن نحن من سنكون دائما خلف الستار، لن تقدمي أو تأخري شيئا إلا بإذننا، أرجوك أن توافقي يا مولاتي، من أجل صالح الجميع"
قالت كاثرين في ضعف :
- " وماذا لو لم أوافق؟"
نظر لها أنطوان بغضب تم قام وتوجه ناحية الجدار المقابل في الوقت الذي أشاح به ماركوس بوجهه لينظر بعيدا، أما لوكاس فقد استل خنجرا من تحت إزاره وتقدم نحوها وهو يلعب به قائلا:
- " ما زال ماركوس وأنطوان يكنان لك مشاعر الحب، لهذا فقد تركا هذه المهمة لي"
تراجعت كاثرين في رعب وهي تصرخ تارة بإسم ماركوس وتارة أخرى بإسم أنطوان لكنها استمرا في وضعهما غير عابئين بصراخها قبل أن يعيد لوكاس خنجره لمكانه وهو يقول:
- " لا تخافي يا مولاتي، لن أقتلك، ليس الآن على الأقل، فكما أخبرك أنطوان فنحن لا نريد بلبلة سياسية تأثر بالسلب على مصالحنا، لكن كوني واثقة أننا لن نتردد في التخلص منك إن أحسسنا بعدم تعاونك معنا، لديك من الذكاء ما يخول لك تقييم موقفك الحالي، الجند تحت سيطرة ماركوس والحرس الإمبراطوري تحت سيطرتي ورجال حراستك الخاصة تحت سيطرة أنطوان، هممممم ، ما قرارك ؟".
أطرقت كاثرين برأسها مفكرة قبل أن تقول:
- " إن لم أتزوج إريس فلن أتزوج غيره"
التفت لوكاس وأنطوان لماركوس الذي قال بامتعاض:
- " موافق ما دمنا سنحقق مبتغانا"
قالت كاترين:
- " هناك شيء آخر"
ثم شدت قامتها وهي تقول :
- " إريس سيتقلد منصب مستشاري الشخصي"
حاول ماركوس الاعتراض لولا تدخل لوكاس الذي قال:
- " إذا وعدتنا بتدجينه فلا مانع لنا، لكن إن لم تتمكني من السيطرة عليه فليس له إلا السيف"
**********
كانت صوفيا تنظر للاشيء وفمها نصف مفتوح من غرابة ما تسمع، لاحت ابتسامة رضى من إريس الذي أحس أن صوفيا بدأت تقتنع بروايته، لكن ابتسامته تلاشت عندما قالت:
- " في محاولة اغتيالك الذي دبرها ماركوس والوزير السابق إيفان، ألم يكن لأنطوان دورا فعالا في نجاتك"
قال إريس وهو يفهم ما تعنيه صوفيا:
- " اتحاد القادة الثلاث في وجهي لا يعني أنهم على وفاق طول الوقت، لا بد وأن أنطوان كان يرى في تواجد منافس محتمل لماركوس على مسرح الأحداث ضمان للسيطرة عليه"
قالت صوفيا:
- " لكن إلى الآن لم أفهم سبب هروبك بي وإخفائي هنا"
زفر إريس بشدة وقال :
- " المصدر الذي أخبرني بهذه المعلومات وجد مقتولا وقد ألقيت جثته على باب قصرنا"
فتحت صوفيا فمها في دهشة وهي تقول:
- "متى؟ وكيف لم أعلم بالأمر؟ وما دخل مقتله بتواجدنا هنا؟"
قال إريس وهو يحاول إيقاف أسئلة صوفيا المتتابعة:
- " وجده أحد الحرس ليلة البارحة، كانت رسالة واضحة من أحد القادة أو ربما منهم جميعا،لا أستطيع أن أأتمن أحدا عليك، فهم يسيطرون على كل الجند والحرس، لذلك أريدك أن تبقي هنا يوما أو يومين على الأكثر، وأهم شيء أن لا تفتحي الباب ولا النوافذ، عديني أنك لن تنظري خارج هذا البيت يا حبيبتي"
تسائلت صوفيا في استغراب:
- " عدت إلى الألغاز مرة أخرى؟"
أجاب إريس:
- " ساعديني يا حبيبتي، كل ما أطلبه هو أن تعتكفي في هذا البيت يومين لا أكثر"
تنهدت صوفيا في ضيق وهي تقول:
- " لا أستطيع تصديق هذه الرواية، لكني أثق بك يا حبيبي، حتى لو كنت تكذب فلا بد وأن الأمر يستحق أن تكذب من أجله"
قال إريس وهو يقبل صوفيا من راحة يدها:
- " هل أتركك وأنا مطمئن يا قلبي؟"
أجابت صوفيا بحب:
- " سأقوم بما تطلبه يا حبيبي، فقط عد إلي سالما"
قبلها إريس من جبينها تم توجه خارجا قبل أن توقفه قائلة:
- " من كان مصدرك يا إريس؟"
قال إريس مكملا طريقه دون أن يستدير :
- " عفوا يا حبيبتي، لا أستطيع إجابتك على هذا السؤال "
هذه المرة كان إريس صادقا في جوابه، فهو لا يستطيع أن يجيبها على هذا السؤال لأنه سؤال لا إجابة له.
**********
داخل قاعة العرش كان لوكاس يقف مطأطأ الرأس يستمع لتأنيب كاثرين الغاضبة.
- " كيف يختفي وزيري ووصيفتي دون أن يتركا أثرا؟"
قالتها كاثرين وهي تروح وتجيء بعصبية، لم يتجرأ لوكاس على الحديث فتابعت:
- "هذا إهمال لن أمرره دون عقاب، أين عيونك يا لوكاس؟ كيف استطاع إريس مراوغة رجالك؟ يبدو أن سنك بدأ يؤثر على أدائك يا لوكاس"
قال لوكاس وهو يحاول تبرئة نفسه ورجاله:
- " لقد كان تحت أنظار رجالي إلى أن دخل أحد المنازل"
قاطعته كاثرين غاضبة:
- " أعرف أنكم فقدتموه في منزل موريس، لكن كيف؟"
أجاب لوكاس والتوتر باد في نبرته:
- " يبدو أنه كان يعلم بمراقبتنا له"
ردت كاثرين بسخرية:
- " ومن منا لا يعلم أنه تحت أنظار رجالك يا قائد الحرس الإمبراطوري؟"
أجاب لوكاس وهو ينظر للأرض:
- " لقد كانت مراقبة روتينية يا مولاتي، لم نكن نعلم أن إريس يحاول الاختفاء هو وصوفيا، فلا سبب مقنع يدعوهما لهذا، لهذا فقد انتظر رجالي خروجهما، وحينما أبطئا عليهم تسلل أحد الرجال للمنزل ليكتشف أنهما غادراه من النافذة المطلة على الحديقة الخلفية."
استمرت ثورة الغضب لدى كاثرين التي قالت وهي تنظر للوكاس:
- " أنت محاط بأغبياء يا لوكاس، كيف لرجالك أن لا يشكوا بإريس وقد وضع عصابة على أعين صوفيا كما أخبروك، هل هذا أمر اعتادوا رؤيته؟"
قال لوكاس وهو محرج:
- " لقد ظنوا أنها لعبة بين زوجين أو أن إريس يحضر مفاجئة لصوفيا"
ردت كاثرين ساخرة:
- " لقد كان يحضر مفاجئة فعلا، لكن لرجالك وليس لزوجته"
لم يرد لوكاس وإن كان الإضطراب باد عليه جراء شعوره بالإهانة أمام الإمبراطورة التي قالت وقد استعادت هدوئها بشكل أدهش لوكاس:
- " هل بلغت هذه الأخبار لماركوس؟"
أجاب لوكاس:
- " أجل يا مولاتي، وقد أرسل تعليمات لرجاله المرابطين في مداخل المدينة بتشديد المراقبة وأخبرهم أن الوزير إريس أصبح مطلوبا"
جلست كاثرين على كرسي العرش وقالت:
- " أريد إريس حيا يا لوكاس، أبلغ ماركوس بهذا"
ثم أضافت وهي تضغط الكلام بين أسنانها:
- "حتى لو قاومكم، لو حدث له مكروه فسأعلقكما بباب القصر"
أحس لوكاس بالقشعريرة وهو يقول :
- " اطمئني يا مولاتي، سأحرص على هذا الأمر بنفسي"
شد لوكاس قامته لتحية الإمبراطورة وخرج تحت أنظار كاثرين التي أراحت ظهرها على الكرسي، أغمضت عينيها وسرحت بتفكيرها، إريس داهية ،لا أحد يعرف قدراته مثلها فهو تربية يدها، يكفي أنه الوحيد الذي استطاع التحايل على أقوى أسلحتها "الدخول لأحلام البشر"، لكنها ما زالت تريد خليفة له من صلبه يحمل جينات أجداده الذين خدموها بإخلاص، مرضه لن يمهله طويلا، لهذا فإريس يجب أن يظهر قريبا، كانت تعرف جيدا لماذا أغمض عيني صوفيا، هذا يعني أن زيارتها لصوفيا في نومها قد لا تسفر عن شيء لكنها "أنغرا ماينيو" آلاف السنين من التجارب والخبرات، ستجد حلا، لن تخسر شيئا، فقط ستنتظر أن ينام أحدهما لتحاول معرفة مكانهما، أما الآن فالكرة في ملعب لوكاس وماركوس، ربما يأتيانها بخير جيد.
**********
كان إريس يفكر في صوفيا وهو يتحسس طريقة داخل الكهف الذي اتخذته "أنغرا ماينيو" مكانا لطقوس إحلالها، هل ستستطيع صوفيا أن تفي بوعدها له بالاعتكاف داخل البيت؟ مجرد نظرة من صوفيا خارج البيت قد تكون كافية لكاثرين لمعرفة مكانها، إريس لا يراهن كثيرا على صوفيا فضولها سيغلب عليها، لهذا عليه الانتهاء من عمله سريعا وصل للمدخل السري فحرك بعض أحجاره كما تعلم ليظهر المدخل أمامه، ولجه إريس بأنفاس لاهثة من طرف الإثارة، لو علمت كاثرين ما يقوم به الآن فمصيره الموت.
- " أنا ميت على كل حال، فلا بأس بتعجيل موتي بضعة أسابيع"
هكذا فكر إريس محاولا السيطرة على انفعالاته، توجه لمنتصف الحجرة حيث يتوسطها رسم بارز لدائرة رسمت داخل مثلثين متداخلين وقد زينا برموز أقرب لحروف من لغة مجهولة، انحنى إريس على ركبته يتفحص الأرض، بأصابع مرتعدة تحسس إحدى الكتل السوداء المبعثرة داخل الدائرة، رفع عينيه ليواجه مجسما لمخلوق غريب مخيف المنظر ثم قال وكأنه يحدثه:
- " يبدو أن نهايتك ستكون مقرونة بنهاية سلالتنا"
**********
أرخى الليل سدوله وعم الظلام والسكون أرجاء الإمبراطورية، وفي مخدعها استلقت كاثرين في فراشها على ظهرها مغمضة عينيها وقد شبكت يديها فوق صدرها، كان الليل قد دخل ثلثه الأخير عندما لاحت ابتسامة من كاثرين النائمة، هي الآن داخل أحلام صوفيا.
**********
في توتر جلست صوفيا تهز رجلها في انتظار عودة إريس، لم يطل انتظارها أكثر فدخل عليها إريس لتصرخ في رعب، كان إريس عاريا إلا من سروال قصير بالكاد يصل إلى ركبتيه، وقد ملأ الدم نصفه العلوي، توجه نحوها وعينيها على الخنجر الذي يحمله وهي تتمتم قائلة:
- " ما الأمر يا إريس، ما الذي تنوي فعله"
أجاب إريس وقد تحول لون عيناه للأحمر:
- " رغم ذكائك يا صوفيا إلا إن الحب أعمى قلبك وعقلك"
قالت صوفيا برعب وهي تتقهقر حتى اصطدمت بالجدار خلفها:
- " أنت لست إريس، من أنت؟"
أجاب إريس وهو يقترب منها اكثر:
- " بل أنا إريس، زوجك الذي انتظر عامين هذه اللحظة ليقدمك قربانا لمولاه"
فتحت صوفيا عينيها في رعب فأكمل إريس قائلا:
- " أتعرفين أين نحن؟"
هزت صوفيا برأسها مرتعبة وهي تقول:
- "و كيف سأعرف؟ لقد جعلتني أغمض عيني"
كان إريس قد وصل إليها في هذه اللحظة فمرر الخنجر ببطء على صدرها وهو يقول :
- " ألم تتسائلي عن السبب؟ لو ألقيت نظرة بسيطة خارج هذا الباب لفهمت كل شيء"
ثم بحركة مفاجئة طعنها بشدة، صرخت صوفيا من الهلع لا من الألم لتجد نفسها جالسة فوق سرير بدائي صنعته من بضع أسمال بالية وجدتها في المنزل الذي تركها فيه إريس.
- " يا له من كابوس"
قالت صوفيا ثم استلقت مرة أخرى وهي تسترجع أحداث الحلم، توقفت لحظات وصوت إريس يتردد في عقلها.
" لو ألقيت نظرة بسيطة خارج هذا الباب لفهمت كل شيء"
" لو ألقيت نظرة بسيطة خارج هذا الباب لفهمت كل شيء"
" لو ألقيت نظرة بسيطة خارج هذا الباب لفهمت كل شيء"
نهضت صوفيا من مرقدها وتوجهت مترددة نحو باب المنزل، حاولت فتحه فلم تستطع، يبدو أن إريس قد أحكم إغلاقه من الخارج، أخذت صوفيا تنتقل من نافذة إلى أخرى حتى انتبهت لشق صغير في إحدى النوافذ فأطلت منه، احتاجت لبضع ثواني حتى تمكنت من التعرف على ملامح المنطقة المتواجدة فيها.
-" أليست هذه شجرة التوت المقابلة لقصر الوزير السابق إيفان؟"
تساءلت صوفيا وهي تحاول تحليل ما تراه ثم أردفت:
- " صحيح أن القصر مهجور منذ رحيل زوجة إيفان وأبنائها للعيش عند أهلها إلا أنني أعرف القصر جيدا، وهذا المكان لا علاقة له بالقصر"
أطرقت صوفيا برأسها مفكرة قبل أن تقول وقد بدأت تستوعب الأمر:
- " لا بد وأنني في جناح كبير الخدم، هذا هو المكان الذي لم يسبق لي رؤيته من الداخل، كما أنه معزول على القصر رغم تواجده في مدخله، هذا هو التفسير المنطقي الوحيد لما أرى."
عادت صوفيا لتستلقي بفراشها وهي تضحك على نفسها لأنها شكت في زوجها بسبب حلم، أغمضت عينيها، عليها أن تنام الآن وغدا سيكون شأن آخر.
بعد قرابة ساعة فتحت كاثرين عينيها، ابتسمت ثوان قبل أن تتحول ابتسامتها لضحكة صاخبة.
- " لم يخب ظني فيك يا إريس، أنت داهية"
قالتها كاثرين قبل أن تتغير ملامح وجهها وهي تردف:
- " لكنك تواجه "أنغرا ماينيو"، لا أحد ينتصر علي"


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-06-19, 11:28 AM   #27

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الحادي عشر والأخير

فتحت صوفيا عينيها على طرقات على الباب فقامت مسرعة وهي تهتف:
- " إريس "
ثم ما لبثت أن توقفت في منتصف الطريق بعد أن تذكرت أن إريس أقفل الباب من الخارج فكيف يطرقه؟
- " هذا ليس إريس "
قالتها صوفا في همس وهي تنظر للباب في توجس، فأتاها الجواب من الجانب الآخر للباب:
- " افتحي الباب يا صوفيا "
كان صوتا لا يمكن لصوفيا أن تخطئه فقالت في دهشة:
- " مولاتي الإمبراطورة؟ "
أجابت كاثرين:
- " نعم إنه أنا "
قالت صوفيا والدهشة ما تزال بادية في نبرات صوتها:
- " كيف عرفت مكاني يا مولاتي "
قالت كاثرين:
- " هل ستتركيني واقفة على الباب كثيرا يا صوفيا؟ "
أجابت صوفيا :
- " العفو يا مولاتي، لكن الباب موصد من الخارج ولا أستطيع فتحه"
أتاها صوت كاثرين :
- " إذن ابتعدي عنه واتركي أمره لي"
كانت صوفيا فعلا على مسافة بعيدة نسبيا من الباب فلم تكن بحاجة للتحرك، ثواني وفتح الباب بقوة لتظهر كاثرين خلفه لتفاجأ صوفيا مرة أخرى بكون كاثرين جاءت وحدها فقالت والاستغراب باد عليها:
- "هل أتيت بدون حراستك يا مولاتي؟"
أجابت كاثرين:
- " وما الغريب في الأمر؟ ألم نعتد على الهروب من الحراسة معا والتجول في الأحراش المحيكة بنا؟"
ردت صوفيا مستنكرة:
- " كان هذا في طيش المراهقة، أما اليوم فأنت إمبراطورة، عليك الاحتياط أكثر"
ثم نظرت للباب المكسور وهي تقول:
- " كيف فعلت هذا بالباب؟"
ضحكت كاثرين وقالت:
- " هناك الكثير لم تكتشفيه عني بعد "
ثم أضافت وهي تستدير خارجة:
- " هيا بنا سنكمل حديثنا في القصر"
تمتمت صوفيا :
- " لكن .. إريس ..."
قاطعتها كاثرين:
- " إريس ينتظرنا في القصر، لقد أخبرني أنه علم بتهديدات القادة الثلاث لي، ستكونين في حمايتي إلى أن نتخلص منهم، إريس قدم لي خطة رائعة لذلك وقد وافقت عليها "
لم تجد صوفيا حلا إلا أن تتبع كاثرين ما دامت تعرف كل التفاصيل، فلو كانت تريد لها شرا لأرسلت أحد القادة أو تابعيهم، لم تكن تعلم أن كاثرين هي من صنعت أحلامها ليلة أمس، ولولا أن كاثرين تأكدت من أن إريس لم يكشف سرها لها لما كانت الآن على قيد الحياة، أما كاثرين فقد وضعت خطة جديدة لإجبار إريس على تنفيذ أوامرها، مادام الموت لم يعد يخيفه فلا بد وأنه سيهتم بحياة صوفيا.
**********
- " لقد ظهر إريس "
قالها إمانويل وهو ينحني أمام ماركوس الذي قال بلهفة:
- " هل هو حي؟ "
أجاب إمانويل وهو يشد قامته:
- " في كامل صحته يا مولاي، والغريب أنه كان يمشي في ثقة وكأن شيئا لم يحدث حتى أن جنودنا بل ورجال لوكاس أيضا لم يعترضوا طريقه "
رد ماركوس وهو يحك لحيته:
- " لو كنت مكانهم لترددت في توقيفه"
ثم وجه كلامه لإمانويل:
- " أين هو الآن؟ "
رد إمانويل:
- "لقد توجه إلى مكتبه، وفي طريقي إليك وصلني خبر أنه ذاهب للقصر الإمبراطوري"
قام ماركوس من جلسته وقال لإمانويل وهو يغادر مسرعا :
- " إن لم يكن لوكاس قد توجه بالفعل إلى القصر فأخبره أن يلحقني هناك"
ثم قال في نفسه:
- " اختفاؤك المفاجئ وظهورك الغريب وراءه ما وراءه يا إريس، فلتشل ذراعي إن لم تكن تدبر أمرا جللا أيها الثعلب"
**********
كان إريس يقف في بهو القصر خارج قاعة العرش عندما سمع خطوات تقترب منه فالتفت إليها، كانت الخطوات لماركوس القادم بزيه الرسمي.
- " مرحبا أيها الوزير، لقد انقلبت الدنيا بسبب اختفائك المفاجئ "
قالها ماركوس فأجاب إريس وهو يرسم تعابير الدهشة على وجهه:
- " اختفاء؟ عن إي اختفاء تتحدث أيها الوزير؟ ألا يحق لي أن أخلو بنفسي وبزوجتي بين الفينة والأخرى؟"
قال ماركوس وهو يبتسم:
- " بلا أيها الوزير، لكن منصبك يحتم عليك أن تطلعنا على تحركاتك، لتأمين حراستك أولا وثانيا حتى لا تنتشر شائعات تضر المصالح العليا للإمبراطورية"
أشاح إريس بوجهه قائلا:
- " لم أعتقد أن الأمر خطيرا لهذا الحد؟"
رد ماركوس:
- " بل هو كذلك، لقد أصبحت مطلوبا بأمر إمبراطوري يا إريس"
نظر له إريس وقال في سخرية:
- " حقا؟ لم ألحظ هذا، بل العكس، فلم يعترض أحد طريقي"
رد ماركوس بابتسامة:
- " ليتني أمتلك هيبتك "
استدار إريس نحو ماركوس للرد عليه فلمح لوكاس قادما نحوهما، كان الغضب باد على لوكاس، وكيف لا وهو من تحمل غضب الإمبراطورة الأكبر بسبب اختفاء إريس وزوجته، اقترب لوكاس من ماركوس وقال له وهو ينظر لإريس:
- " لماذا لم تلقوا القبض عليه؟"
ابتسم ماركوس وهو يربت على كتف لوكاس قائلا:
- " تحكم في غضبك يا لوكاس، كان مجرد سوء تفاهم، إريس كان في نزهة مع زوجته "
قال لوكاس غاضبا:
- " نزهة؟ هل تدري ما تقول؟ منذ متى كان كبار المسئولين يتحركون دون إخبار الحرس الإمبراطوري؟"
ثم نظر لإريس الذي كان يرمقه في لامبالاة مما زاد في استفزازه وقال:
- " لا بد من عقاب رادع له"
أجاب ماركوس في محاولة منه لإغلاق هذا النقاش:
- "هذا أمر ستحسمه الإمبراطورة "
- " الإمبراطورة ؟"
قالها لوكاس وهو يهز رأسه ثم أكمل:
- "هي أيضا قامت بنفس الأمر"
نظر له ماركوس في تساؤل وقال:
- " ما الذي تقصده يا لوكاس؟"
أجاب لوكاس والامتعاض باد على محياه:
- " لقد أخبرني الحرس أنها خرجت قبل الفجر بقليل ورفضت أن يرافقها أحد بل كادت تبطش بهم عندما أصروا على مرافقتها"
أثارت هذه الجملة انتباه إريس الذي ركز أكثر في الحوار بين لوكاس وماركوس، هذا الأخير قال والدهشة تعتلي وجهه:
- "خرجت دون حراسة؟ وأين يمكن أن تذهب؟"
رد لوكاس:
- " لا نعلم، لكن على الأقل فقد عادت سالمة منذ قليل لكنها لم تكن وحدها"
اهتز قلب إريس وهو يتخيل تتمة جملة إريس الذي تابع:
- " صوفيا كانت بصحبتها "
تزايدت أنفاس إريس وهو يطرح عن مخيلته ما يمكن أن تفعله كاثرين بصوفيا، حاول التماسك حتى لا يظهر عليه شيء لكن ماركوس بفطنته لاحظ اضطرابه فقال له:
- " ما الأمر يا إريس؟ هل قال لوكاس ما أثار حفيظتك؟"
نظر إليه إريس للحظات حاول فيها استجماع نفسه وقال:
- " أنا أستغرب فقط، فليس من عادة الإمبراطورة الخروج وحيدة خصوصا في هذا الوقت"
قال لوكاس:
- " كما لم يكن من عادتك الاختفاء أنت وصوفيا"
لم يجبه إريس الذي كان ينظر للفراغ وهو يفكر:
- " صوفيا..
حبيبتي..
لم تستطيعي الصبر لسويعات فقط، أرجو أن تكوني بخير..
علي التحرك بسرعة..
الآن أو أبدا."
كان إريس قبل لحظات مترددا في تنفيذ خطته، لكن المستجدات الأخيرة ضيقت عليه هامش الاختيار، كان قراره حاسما، سينفذ ما خطط له حتى لو كان آخر ما يقوم به في حياته.
- " مولاتي الإمبراطورة"
كان هذا نداء الحاجب معلنا وصول كاثرين المرفوقة بحارسها أنطوان والتي تقدمت بخطوات ثابتة مسرعة نحو قاعة العرش التي فتحت باباها على مصراعيهما، وفقت كاثرين بجانب إريس الذي انحنى لها وقالت بسخرية هامسة له حتى لا يسمعها البقية:
- " صوفيا تبعث لك بتحياتها وتخبرك بأنها في حماية الإمبراطورة، لقد تركتها في مخدعي حتى أنتهي منك"
ثم تابعت مقهقهة:
- " لم أكن أعلم أنك تملك خيالا خصبا يا إريس، أعجبتني القصة التي رويتها لها"
بقي إريس منحنيا صامتا فاسترجعت كاثرين صرامتها وقالت:
- " ليتني أعلم ما في دماغك يا إريس، لكني واثقة من أمر واحد"
ثم أكملت طريقها وهي تقول:
- " عقابي لك سيكون قاسيا "
دخلت كاثرين قاعة العرش وتبعها ماركوس ولوكاس بينما بقي إريس واقفا ينظر للفراغ كمن فقد عقله، لكنه في الواقع كان يعيد حساباته، أفاق على وكز الحاجب له وهو يقول:
- " مولاي الوزير، الإمبراطورة تريدك حالا"
ابتسم إريس وهز رأسه للحاجب وهو يقول في نفسه:
- " مستعجلة على نهايتي أم نهايتها؟"
دخل إريس قاعة العرش واتخذ مكانه المعتاد دون أن ينظر لأحد من الحضور وهو ما أثار استغراب ماركوس الذي قال مخاطبا إريس:
- " حال الوزير لا يعجبني، هل هناك ماتخفيه عنا يا إريس؟"
أجاب إريس دون أن يرفع عينيه:
- " ستعرف كل شيء بعد قليل يا ماركوس"
تفاجئ ماركوس برد إريس بعد أن كان ينتظر إنكاره فلم يجد ما يقوله إلا أن أنطوان تدخل قائلا :
- " ولماذا لا نعرف الآن يا إريس؟ نعلم جميعا أن اختفاءك وراءه أمر خطير أيها الوزير، فأخبرنا به"
بقي إريس صامتا فتأفف لوكاس في ضيق وقال:
- " نحن نضيع وقتنا "
أسكتته طاثرين بإشارة من يدها وهي تقول:
- " إريس لن يتكلم في وجودكم، أليس كذلك يا إريس؟"
رفع إريس عينيه في اتجاهها ثم أخفضهما لتردف كاثرين:
- " إريد أن أختلي بوزيري، ليخرج الجميع"
حاول أنطوان أن يعترض لكن نظرة صارمة من كاثرين أخرسته ليكون أول الخارجين ثم ثبعه لوكاس وماركوس.
تحركت كاثرين بسرعة لا تناسب البشر لتقطع الأمتار التي تفصلها عن إريس وتمسكه من رقبته وهي تقول:
- " ماذا تظن نفسك فاعلا؟ هه؟ هل ظننت أنك تستطيع ملاعبتي؟ لا أحد يمكنه التغلب علي"
آلام شديدة شعر بها إريس وهو يخرج الكلمات من حلقه المخنوق قائلا:
- " إلا هذا "
فجأة أحست كاثرين بضعف شديد لترتخي قبضتها من على عنق إريس، أحس إريس بضعف قبضة كاثرين فأزاحها بسهولة وألقى بكاثرين أسفله ثم اعتلاها وهو يقول:
- " سبينتا ماينيو"
**********
- " أحسنت يا إريس "
قالها العجوز وهو يتابع إريس الذي انتهى لتوه من كتابة بعض الطلاسم حول الدائرة المرسومة على أرضية الكهف ثم تابع قائلا:
- " لم يبق إلا إحضار الأميرة كاثرين "
أجاب إريس وهو يراجع ما كتبه:
- " لقد قطعت شوطا طويلا يا مولاتي، قريبا سأكون من الحاشية المقربة للإمبراطور"
جلس العجوز على كرسي في ركن الحجرة وهو يقول:
- " هذا الجسد لم يعد يتحمل طاقتي أكثر، سيفنى قريبا"
ثم أشار لصندوق في الجهة المقابلة وهو يقول:
- " لولا هذا الصندوق لما استطاع جسد أن يتحملني أكثر من عشر سنوات على الأكثر"
نظر إريس للصندوق وقال في فضول:
- " ما الذي يحويه هذا الصندوق؟"
أخد العجوز نفسا عميقا ثم أجاب وهو مغمض العينين سارحا في ذكريات آلاف السنين :
- " تلك بقايا من جسد أخي التوأم"
ردد إريس في تعجب :
- " أخوك التوأم؟"
قال العجوز وكأنه يكلم نفسه:
- "أجل، "سبينتا ماينيو" لم يبقى منه إلا ما يوجد في هذا الصندوق"
( "سبينتا ماينيو" روح خيرة في أساطير الفرس كان يمثل الحقيقة والنور والحياة، لو اعتبرنا "أنغرا ماينيو" مرادفا للشيطان فسيكون "سبينتا ماينيو" بمثابة جبريل لدى المسلمين أو روح القدس لدى المسيحيين)
كان الفضول يقتل إريس فقال متسائلا:
- " وما المميز في بقاياه حتى يجعل أجساد البشر تتحمل طاقتك لمدد متضاعفة؟"
ضحك فالعجوز وهو يقول:
- " سيقضي عليك فضولك يوما ما يا إريس"
ركع إريس على ركبته وهو يقول
- " اعذري فضولي يا مولاتي "
نهض العجوز وسار نحو الصندوق، وقف يتأمله قليلا ثم فتحه وأخرج منه كتلا سوداء لزجة، تحسسها قليلا بأصابعه ثم استدار لإريس قائلا:
- " أنا الآن لا أملك أية قوى، بقايا أخي تمتص طاقتي كاملة، لكني لا أفقد سيطرتي على الجسد، بهذه الطريقة أعيد شحن خلايا الجسد مرة كل عامين فتطول بالتالي المدة التي يستطيع أي جسد تحملها، ليس هذا فحسب لكن لولا هذه البقايا لما نجحت طقوس الإحلال، فأثناء هذه الطقوس تتحرر طاقة رهيبة تمتصها بقايا " سبينتا ماينيو" ولولا ذلك لاحترق جسد البشري قبل إتمام الطقوس"
لم يكن إريس قد حضر طقسا من هذه الطقوس من قبل فتسائل في تردد:
- " هل يكفي تواجد الصندوق في الكهف لإتمام طقوس الإحلال؟"
أجاب العجوز :
- " كلا، بل يجب أن تكون بقايا أخي قريبة مني، والدك هو من وضعها في هذا الصندوق عندما انتقلنا إلى هنا"
ثم أكمل وهو يشير للدائرة المرسومة على الأرض:
- " أما أنت فستعيد بعثرتها داخل الدائرة، لا داع لإعادة جمعها مرة أخرى ما دمنا لا نعتزم تغيير الكهف، فهي لا تتأثر بأية عوامل خارجية"
- " أمر مولاتي "
قالها إريس وهو ينظر للكتل السوداء التي ألقاها العجوز أرضا.
**********
رغم إحساس العجز البشري الذي شعرت به "أنغرا ماينيو" إلا أنها لم تكن تعرف للخوف معنى فنظرت بأعين كاثرين لإريس بغضب شديد وقالت بصوت مخنوق:
- " أيها الخائن، حسابك سيكون عسيرا"
أجاب إريس:
- " لن تستطيعي فعل شيء يا مولاتي ما دمت أحمل بقايا توأمك، خطؤك أنك اخترت جسد فتاة ضعيفة لا تقوى على مقاومة من هو في مثل قوتي"
أحاط إريس عنقها بكفيه وبدأ بخنقها بشدة لترتعش كاثرين وتتغير النظرة النارية التي كانت تعلوها إلى نظرات رعب وألم مع حشرجة خرجت منها كلمات سمعها إريس بصعوبة:
- " أسرع يا إريس! أنه الأمر!"
ارتخت أيدي إريس لتنطلق شهقة من كاثرين حاولت بها ملأ رئتيها بالهواء، نظر لها إريس بدهشة للحظات وقال:
- " هل هذه أنت يا حبيبتي؟ "
أطلت من عيني كاثرين نظرة مستغربة قبل أن تقول:
- " أنت تسمعني يا إريس؟"
أمسكها إريس من وجنيتها ورفعها إليه قائلا بعينين دامعتين:
- " أنه أنت فعلا يا حبيبتي، لقد عدت أخيرا"
عادت نظرة الرعب لعيني كاثرين فأمسكت إريس من ياقته وهي تقول:
- " كلا يا حبيبي، لم أعد، ولن أعود أبدا كما كنت، "أنغرا ماينيو" تحاول التلاعب بك، أنا أقرأ أفكارها الآن، ستستغل حبنا لتدميركما يا إريس، هي من سمحت لي باستعادة السيطرة على جسدي، لكن لا تنخدع، اقتلني يا إريس، اقتلني يا حبيبي، سينتهي الأمر بمجرد مغادرة روحي لجسدي"
أجاب إريس والدموع تخنق كلماته:
- " لا أستطيع يا حبيبتي، لا أستطيع"
ردت كاثرين وقد بدأت الدموع تنهمر من عينها:
- " إن لم تفعلها الآن فستموت أنت وصوفيا بأبشع صورة، أسرع قبل أن يحس من بالخارج بالأمر"
قال إريس والألم يعصر قلبه:
- " سامحيني يا حبيبتي، أنا من وضعك هنا"
أجابت كاثرين ونفسها يتقطع:
-" لقد سامحتك يا إريس أبلغ سلامي إلى صوفيا، أخبرها أنني ....."
توقفت كاثرين عن الكلام فجأة، تحولت نظرة الرعب في عينيها إلى نظرة توسل فيما تزايدت الدموع الصامتة انهمارا، يبدو أن " أنغرا ماينيو" استعادت السيطرة على لسان كاثرين، لكنها تركت نظرة كاثرين البائسة في محاولة أخيرة منها لتثبيط همته.
كان إريس يبكي بحرقة، كان يعلم أن كاثرين الحقيقية توجد هنا في مكان ما، لكن لم يتوقع أن تطلقها " أنغرا ماينيو"، لقد صعبت عليه الأمر كثيرا، لكن كاثرين محقة، الآن أو أبدا.
بأيد مرتعدة حاول إريس خنق كاثرين من جديد إلا أن همته كانت قد ضعفت قليلا مما سمح لكاثرين بمقاومته، فأغمض إريس عينيه ليقوم بآخر حركاته.
بطريقة سريعة وخاطفة حتى لا يترك لنفسه مجالا للتردد أدار إريس رأس كاثرين بقوة فسمع صوت فرقعة عظام رقبتها، فتح عينيه ببطء لتطالعه نظرة خاوية من عيني كاثرين، تجمعت الدموع في مقلتي إريس وارتعدت شفاهه قبل أن تخرج صرخته مدوية في القصر كله:
- " كاثريييييييييييين"
كانت صرخة إريس الباكية كفيلة باثارة انتباه كل من سمعها، فكان أول المستجيبين لها هو أنطوان الذي جرد سيفه من غمده واقتحم الباب يتبعه كل من ماركوس ولوكاس والحارسين، كان إريس يحضن كاثرين ويبكي بحرقة فصرخ فيه أنطوان:
-" ما الأمر؟ ما الذي حدث؟"
نظر له إريس بعينين دامعتين دون أن يجيبه في الوقت الذي تحرك فيه ماركوس ليدفع إريس عن كاثرين ويفحصها قبل أن يقول بعينين جاحظتين:
- " لقد ماتت الإمبراطورة "
صرخ أنطوان وعقله لم يستوعب الأمر بعد:
- " ماذا؟ ما الذي تقوله؟"
ثم انقض على إريس وأمسكه من ياقته قائلا:
- " كيف حصل هذا؟ تكلم!"
نظر له إريس كشخص مغيب العقل وقال:
- " لقد قتلتها، لا لا، لقد حررتها ، حبيبتي حرة الآن، كلنا أحرار الآن"
صرخ أنطوان وألقى إريس أرضا دون أدنى مقاومة من هذا الأخير وهوى عليه بسيفه لولا تدخل لوكاس الذي اعترض بسيفه سيف أنطوان، ليصرخ أنطوان في وجهه:
- " هل جننت يا لوكاس؟"
حاول لوكاس تهدئته وهو يقول:
- " يجب أن نفهم ما وقع يا أنطوان ، بعدها سيعدم "
كل هذا وماركوس ما يزال على ركبتيه بجانب كاثرين يرقبها بعينين دامعتين، قبل أن ينهض ويهوي بمقبض سيفه على رأس إريس ليفقده الوعي وهو يقول:
- " الشيء الوحيد الصحيح الذي قلته يا لوكاس أنه سيعدم، فلا أنا ولا أنطوان نريد أن نفهم شيئا إلا إن كان هذا سيعيد الإمبراطورة للحياة، أرى أن تقام المحاكمة الآن"
كان لوكاس يعلم أن لا فائدة في محاولة إقناع ماركوس خصوصا وأن رأيه من رأي أنطوان لهذا فقد هز رأسه، وضع ماركوس قدمه على صدر إريس الغائب عن الوعي وقال:
- " هذا النذل متهم بالخيانة العظمى وباغتيال الإمبراطورة، فما قراركم"
أجاب أنطوان بسرعة وهو يغالب الدموع:
- " مذنب"
قال لوكاس أيضا:
- " مذنب "
نظر ماركوس لإريس الذي لم يستعد وعيه بعد وقال:
- " الحكم هو الإعدام في ميدان عام"
ثم استدار للحارسين وأشار لأحدهما قائلا:
- " أعلن في العامة أن عملية إعدام ستجري بعد قليل، ليأتي من يريد حضورها"
ثم قال للآخر:
- " أبلغ صوفيا بما حصل! قد تريد رؤية إعدام زوجها"
**********
أمام القادة الثلاث جر جنديين الوزير إريس وهو فاقد الوعي بين الحشود التي تعالت همهماتها وهي تحاول استفسار الأمر، في حين كانت صوفيا التي وصلها الخبر تبكي منهارة وهي تقول:
- " قتلتم مولاتي واتهمتم زوجي، تقتلونه ظلما أيها الخونة، لن يذهب دمه هدرا، ستكون دمائه لعنة عليكم أجمعين"
قي منتصف الميدان الكبير وضع الجنديان إريس في مكانه قبل أن يأخذ أحدهما دلو ماء ويصبه على رأسه لينتفض مستعيدا وعيه.
فتح إريس عينيه فرأى الأرض أمامه وعنقه فوق خشبة الإعدام
فجأة تذكر كل شيء
- " أنت ترتكب خطأ كبيرا.. ما كنت لأؤذيها أبدا "
خرجت الحروف ضعيفة من فم إريس لكنها مسموعة.
- " قل هذا الكلام للشيطان عندما تقابله في الجحيم الذي سأرسلك إليه"
أجابه ماركوس قبل أن يتبع كلامه بأمر اجتمعت المدينة كلها لتشهد تنفيذه.
- " نفذ! "
رفع الجلاد فأسه ليهوى على رقبة إريس ليتفاجأ الجميع بهذا الأخير يقع أرضا على جانبه الأيسر دون حراك، تردد الجلاد في تنفيذ الحكم ليصرخ ماركوس في الجنود:
- " ما الذي تنتظرونه؟ اعدلوه مرة أخرى!"
تحرك اثنان منهم استجابة لأوامر ماركوس، انحنى أحدهما على إريس يفحصه ثم رفع رأسه قائلا:
- " لقد مات يا سيدي"
كان المرض قد بلغ بإريس مبلغه وزادت من مضاعفاته الانفعالات التي تعرض لها في الساعات الأخيرة فاستسلم جسده للموت بعد أن أدى مهمته الأخيرة، فصوفيا الآن بأمان.
لحظات من الصمت الرهيب عمت الميدان لم يقطعها إلا صوت أنطوان الذي صعد منصة الإعدام دافعا الجنديين ليجذب إريس من ملابسه وهو يصرخ:
- " انهض أيها النذل! انهض والق مصيرك المشؤوم! انهض لأرى رأسك تطير جزاءا لما اقترفته يداك!"
حاول لوكاس بمعاونة ماركوس تخليص جثة إريس من بين يدي أنطوان وهو يقول له:
- " عد لرشدك يا أنطوان، لا فائدة في ما تفعل"
أجلس ماركوس أنطوان على درج المنصة قبل أن يلتفت للطبيب الذي يفحص الجثة بنظرة متسائلة، هز الطبيب رأسه في أسف وهو يقول:
- " ليس هناك ما يمكن عمله، لقد مات الوزير"
ابتسم ماركوس بجانب فمه في سخرية وقال:
- " حتى في موتك تنتصر علي يا إريس"
ثم وجه كلامه للحضور صارخا:
- " ليعد الجميع لمنازلهم، لم يعد هناك ما يمكنكم رؤيته"
بدأت الحشود المجتمعة تغادر الميدان باستثناء صوفيا التي توجهت نحو جثة إريس وهي تتعثر في مشيتها، انحنت على إريس وهي تبكي في صمت، قبلت جبينه ثم أمسكت يده ومررتها على بطنها وهي تقول:
- " كنت أخبئ لك مفاجئة ستسعدك يا إريس، ماذا سأقول لابننا عندما يسألني عن أبيه"
شعرت بيد تربت على كتفها فاستدارت لتجد أحد الجنود ينظر إليها في شفقة، لم يكن يحتاج للكلام لتعرف مراده، نهضت مفسحة له الطريق ليضع بمساعدة جندي آخر جثة إريس في محفة لحملها نحو مثواها الأخير.
**********
كان يوم شاقا لماركوس، فبعد ما حدث في الميدان الكبير توجه القادة وكبار المسئولين للقصر الإمبراطوري لمناقشة من سيتولى الحكم بعد الفراغ الذي تركته كاثرين، هناك من اقترح تكوين مجلس للحكم وهناك من اقترح الأكبر سنا لكنه لن يسمح لأحد بأخذ العرش منه، فهو الأحق به، لطالما رأى نفسه في القمة فلولا ظهور إريس في الإحداث لكان اليوم هو الإمبراطور، ما كاد ماركوس يضع نفسه في الفراش حتى استسلم للنوم سريعا، كان فعلا يومه شاقا ومتعبا.
**********
- " ماركوس، ماركوس"
فتح ماركوس عينيه ليطالعه وجه كاثرين المبتسم، أجابها بابتسامة
- " كاثرين؟"
قبل أن يتذكر ما حدث ليهب مفزوعا وهو يقول:
- " من أنت؟ أنت لست كاثرين، لقد دفنتك بيدي"
أجابت كاثرين بدلال:
- " اهدأ يا ماركوس، أنا كاثرين فعلا، صحيح أنك تحلم لكني موجودة فعلا، أتيت لأني أحتاجك يا حبيبي"
رد ماركوس وقد بدأت الدهشة تعلو وجهه:
- " تحتاجينني أنا؟ في أي أمر؟"
قالت كاثرين وهي تدور حول ماركوس:
- " ألا تتمنى عودتي للحياة يا ماركوس؟"
قال ماركوس والدهشة ما تزال تسيطر على تعبيراته :
- " وهل هذا ممكن؟ "
أجابت كاثرين:
- " طبعا ممكن، وعندما يحدث سأكون لك وحدك يا ماركوس، ما زال حبك لي ينبض في قلبك لهذا اخترتك أنت"
نظر لها ماركوس في عدم فهم فقالت:
- " سأشرح لك كل شيء يا حبيبي"
ثم أشارت للقمر الضخم الأحمر الذي يزين السماء:
- " ماذا تعرف عن قمر الدم؟"
تمت بحول الله
هشام الحمراوي


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-19, 12:15 AM   #28

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
الف مبروك اكتمال رواية جميلة جدا واسلوب راقي وممتع
تشويق وحبكه
سرد جميل سلس
احييييك رواية متميزة
موفق ان شاء الله وف انتظار المزيد


modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 01-07-19, 01:48 AM   #29

Reem1997

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Reem1997

? العضوٌ??? » 410013
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,948
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
?  نُقآطِيْ » Reem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

جميلة جدا الرواية ..
والنهاية كانت ولا اروع . عادت كاثرين وعاد قمر الدم ايضا..
ننتظر جديدك بفارغ الصبر . لك مني اجمل تحية 💐💐💐


Reem1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-07-19, 10:14 AM   #30

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مبروك ختام اول رواياتك

وان شاء المزيد من الابداع

الروايه مكانها قسم الروايات الخياليه سيتم نقلها الى هناك
ان شاء الله تعود قريبا بروايه واقعيه يكون مكانها قسمنا
بالتوفيق


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رواية، فانتازيا، قمر، الدم، إثارة، تشويق، خيال، دراما، رومنسية, ط±ظˆظ…ط§ظ†ط³ظ?ط©طŒ

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:50 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.