04-07-19, 11:21 PM | #11 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل الثامن استطاعت دانيال ان تتجنب الاطفال وريمي ايضا طوال النهار . بعد ان غادرت المنزل تجولت في المدينة ولديها العزم الأكيد ان تنسى شكوكها ومتاعبها . ومع ذلك احست بالذنب لأنها تركت اولاد اختها وإن كانت تعلم انهم بين أيد امينة. والأسوأ من ذلك انها بدأت تحس شيئا فشيئا بالحماقات والصرخات التي اشتاقت إليها. قضت الجزء الأكبر من النهار في تصوير الأبواب والمحلات وحوانيت العاديات والآثار في شارع ماجازين , وحاولت ان تقنع نفسها في سخرية كلما خطرت صورة ريمي على بالها انها تكاد تنضم إلى الأنتيكات المعروضة في واجهات العرض باعتبارها شيئا عتيقا. كان العدد الكبير من البيوت المبنية بالطوب الأحمر والقرميد يرجع تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر , وكانت ابوابها قطعا فنية حقيقة لا تستخدم فقط في الدخول إلى شركات او حوانيت وإنما كانت تزين واجهات فسحات ودهاليز عاصرات الإمبراطوريتين الإسبانية والفرنسية والقراصنة والحسان والجنود والمهاجرين الذين لم يحملوا معهم سوى خرج يحوي كل متعلقاتهم .كانت الأبواب تفتح على الاحلام. في هذا اليوم من الاسبوع كانت الحوانيت مفتوحة والحرارة الشديدة لا تشجع الناس على الخروج وهو ما يناسب دانيال تماما. لمعت بعض القطرات العرق على صدرها ونزلت إلى ظهرها ولكن بعد اللحظات الرهيبة التي عاشتها في المطبخ فإنها لم تحس بالحرارة شبه الاستوائية . ادركت بسرعة ان تركيزها الذي اشتهرت به تبخر في الهواء . لم تكف صورة ريمي عن اعتراض تفكيرها ومنعتها من ان تأخذ الصور التي تريدها. جلست امام مائدة في شرفة مقهى في المربع القديم من المدينة وافطرت بزجاجة مياه معدنية وساندوتش جمبري . وجدت صعوبة في ابتلاعه . كانت إثارتها الداخلية التي لا صلة لها بالإثارة التي تحس بها عندما تدفعها نزواتها إلى الذهاب لأطراف الأرض ولكن الاثارة الأولى كانت تخيفها . كانت تحس با ضطراب كالإعصار كالذي دفعها للهرب من لندن. إنها تكره ذلك الشيطان الداخلي ولكنها احست بأنها غير قادرة على مقاومة مطالبه. لولا اختها غير الشقيقة لكانت الآن في حالة طيبة بعيدا في مكان سري لا يعتمد فيه احد عليها ولا يعثر احد عليها. في اليوم التالي والايام التالية له كانت انشطتها مرهقة , ولكنها سمحت لها ان تبقى بعيدا عن بيت بوفييه او بالأحرى عمن يشغلونها. كانت تنهض في الفجر وتهرب بالآتها الفوتوغرافية ولا تعود إلا ساعة نوم الاطفال, وهي اللحظات التي يكون فيها ريمي مشغولا للغاية. وبعد ان تتمنى نوما سيعدا للجميع تغلق على نفسها غرفتها السوداء حيث تعمل في إظهار الصور إلى منتصف الليل. بعد ذلك تتسلل إلى غرفة كاميل وتراقبها وهي نائمة فترة طويلة, وبعد ذلك تنام عدة ساعات قلقة ثم تستأنف نظام حياتها الروتيني ولكن هذا النشاط الزائد زاد تعاستها . احست وهي مشدودة الأعصاب بأنها مذنبة ولديها شعور بأن سكينا يقطع صدرها . إن فكرة انه لم يبق امامها سوى اسبوعين لتتماسك قبل ان تهرب إلى أبعد مكان ممكن, وان تنام شهرا كاملا بلا انقطاع , هي التي ساعدتها على عدم الانهيار. قالت في نفسها : وربما شهرين ستنامهما وهي تجر قدميها نحو حجرة التصوير المظلمة لليلة الثالثة على التوالي. صرخ اميرواز عندما مر على الحجرة: - يا خالة .. جرى كي يلحق بها عند عتبة الحجرة وهو مرتد بيجامته المكرمشة وقد ارتدى قناعا على وجهه وتحت إبطه كلبه المصنوع من القطيفة , ويتبعه ايضا كلب حقيقي من نوع كلاب الصيد ذي لون ابيض ولون كستنائي. سألها : - اين كنت طوال النهار يا خالة دانيال؟ - كنت اعمل يا اميرواز , هذا الكلب ليس كلبك , اين ذهب ذلك البدين ذو الفرو الطويل؟ تظاهر اميرواز بأنه لم يسمع شيئا . - انت طوال الوقت تعملين, انت تفسدين كل شيء, لقد ذهب بتلر كي يجلس فوق النجيل , ورشته جولي بمسدسها المائي واغرقته بالماء. وقد اضحك ذلك السيد ريمي كثيرا , ولكن لم يره احد سواي يا خالة . وهذا سري أنا, كما وضع ريمي حذاء في كرسي التواليت فأفسده وفاض الماء في كل مكان , وهناك ايضا تانيا التي تقيأت . كانت دانيال مرهقة للغاية حتى تأخذ الأمر بجدية , مررت يدها في شعر الشيطان الصغير : - يبدو عليك انك تمتعت كثيراً يا عزيزي. - لقد اشتقت لك يا خالة دانيال وكنت اود ان تكوني موجودة . احست دانيال بغصة شديدة في حلقها . إن اميرواز يشتاق إلى دانيال ! همهمت : - وأنا اشتقت لك كذلك. - إذن لماذا يجب ان تعملي؟ لماذا لا تبقين معي؟ - هذه المسألة يصعب شرحها يا اميرواز ولكن . قطع كلامها صوت خطوات مسرعة في الدهليز . استدارت لترى جولي وجيرمي يندفعان نحوها كأنهما يهربان من خطر مجهول . قال جيرمي : - مرحبا! هل يمكن ان ندخل حجرة التصوير معك؟ هزت دانيال رأسها علامة للنفي وإن كانت في نفسها سعيدة . إن الأطفال يودون ان يقضوا وقتا معها , ربما كانت لها قيمة على عكس ما تعتقد. - لا , لأنكما تعلمان جيدا ان الدخول ممنوع للأطفال حيث توجد مواد وادوات خطرة هناك قد تضركما. توسل إليها جيرمي بعينيه بينما ألقت جولي نظرة عصبية خلفها وقالت : - من فضلك يا خالة دانيال إنه امر عبقري. احست دانيال بأنها تضعف ولكنها لم تستلم ورغم رغبتها في ان يحبها الاطفال إلا ان عليها ان تراعي اولا قواعد السلامة. إن رجلا في سنة التاسعة ومعه اخته الصغرى لا مكان لهما في حجرة مليئة بالمواد الكيميائية . قالت : - هذا مستحيل يا اطفال. كانا سيتوسلان إليها من جديد عندما تردد خطوات على الدرج . شحب وجها جولي وجيريمي المغطيان بالنمش . نبح كلب الصيد وانفجر اميرواز في الضحك. ظهر ريمي على عتبة الباب وكأنه إله الانتقام الاسكتلندي . كان ضخما وغامضا وساهما وألقى نظرة على جيرمي وجولي . صاح بصوت كالنباح : - انتما الاثنان! إلى المطبخ . وبأسرع ما يمكن , ولا تحاولا إثارتي أكثر مما أنا عليه وإلا اتصلت بأخي لاكي حيث يحملكما ويستخدمكما طعاما للتماسيح. خفض الطفلان رأسيهما ثم اختفيا جريا, بينما احست دانيال بالإحباط , على اية حال لقد حاولا استغلالها كي بختبئا في الغرفة المظلمة. سألته : ماذا فعلا ايضا؟ وضع ريمي يديه في وسطه: - هل تقول لوحة بوفييه الذي حارب في معركة نيواورليانز إلى جانب اندرو لك شيئا؟ - تلك المعلقة في مكتب تشارلز؟ - إنها بعينها , لقد قرر الثنائي الديناميكي ان الصورة ستكون أفضل لو أضيف إلى بوفييه شاربا. زفرت دانيال في ذهول : اوه ! لا ! - اوه , نعم , بواسطة قلم فلوماستر غير قابل للإزالة. إنهما سيعاقبان على الجرم الذي ارتكباه عن طريق تنظيف أرضية المطبخ بفرشاة اسنان . قال اميرواز الذي كان يتحرق شوقا لأن يضيف الزيت للنار! - لقد غضب السيد بتلر حقا. قال ريمي : لقد حانت ساعة نومك أيها الاب الصغير . جذب اميرواز يد خالته كي تقبله ثم عاد في رزانة إلى حجرته والكلب الغامض في اعقابه. ما إن اختفى حتى ادركت دانيال في ألم شديد انها بمفردها مع ريمي لأول مرة منذ ذلك المشهد الرهيب العاصف في المطبخ. قالت وعيناها منخفضتان : - حسنا , عندي عمل. وأنا مسرورة لأنني اجد انك نجحت في مهمتك جيدا. قال لها وهو سعيد لأن وجهها احمر خجلا: - اعرف كيف اتصرف , هل يمكنني ان ادخل معك الغرفة المظلمة ؟ أنا ولد كبير وعاقل. ردت بحدة : - لا , لست واثقة ولا احب ان أكون مشتتة اثناء العمل. تحولت عنه ودست المفتاح في القفل , ولكنه لم يتحرك واحست به وراء ظهرها وهو ساكن. قالت له وهي تنسل إلى داخل الغرفة المظلمة : - تصبح على خير! حاولت ان تغلق الباب وراءها ولكن قدما كبيرة حافية منعتها. وقال بابتسامة طفل بريء: - اريد ان أرى ماذا كنت تفعلين في النهار وانت تتجنبينني ؟ دخل بالقوة إلى الغرفة الضيقة التي كانت تستخدم مخزنا للملابس , ورغم عدم موافقة دانيال التي لجأت إلى آخر الغرفة فإنه اخذ يفحص الزجاجات وعلب ورق التصوير والمكبر وكل الأدوات الفنية التي تستخدمها. في الأيام السابقة وجد العديد من كتبها في المكتبة الخاصة بأل بوفييه ودرسها بدقة . لقد كانت دانيال تفيض بالموهبة حقا . لقد كانت لديها موهبة خارقة لاقتناص اساس كل إنسان واعماقه وهي تصوره . وكانت لقطاتها تعبر عن احاسيسهم البسيطة والمعقدة من فرح وحزن وخوف بمنتهى الوضوح . لقد كانت صورها ناطقة حتى لتبدو كأنها ابعاد ثلاثة مجسمة. اثرت فيه بعض الصور لدرجة اوشك فيها على البكاء. لقد كانت اعمال فنانة حقيقية وامرأة ذات حساسية غير عادية . كانت تعرض في صورها نفسها مما جعل ريمي يزداد عشقا لها حتى إنه غفر لها ان تركته مع تلك الفرقة من الشياطين الصغار. قالت له : - عندما تنتهي من تفتشيك قد استطيع العمل. وردا على ذلك , توجه ريمي نحوها وهو مصمم على ألا تفلت منه هذه الفرصة الجديدة. بدا بأن فكر بأن انجذابه إليها كبير لدرجة ان الأمر سينتهي بها إلى ان تكف عن الهروب منه ولكنه ادرك الآن ان عليه المبادرة . امسك مجموعة من الصور المكبرة بالأبيض والاسود من فوق الرف الذي كان بجواره , وسألها : - هل هذه آخر صورك؟ - نعم , يمكنك ان تشاهدها. كانت حوالي مائة صورة تمثل جميعا ابوابا وواجهات عرض مغلقة بزوايا خيالية. اخذ ريمي يفحصها واحدة تلو الاخرى وهو متجهم. انتهى بأن سأل: - لماذا لا يوجد اشخاص في هذه الصور؟ - لأنني لا ارغب في تصوير الناس. - ولكن هذا ما كنت تفعلينه عادة سواء في الهند و يورا يورا وباريس. تلقت دانيال ملاحظته بأن هزت كتفيها فقالت بإلحاح: - إنني اجد ان الصور ينقصها الناس. قالت في تلعثم وهي تدرك تماما انه على حق: - يوجد ناقد خفي داخل كل منا . مرات عديدة كانت توشك ان تضغط زر الالتقاط في لحظة خروج عميل من حانوت تبدو عليه السعادة , او بائعة متعبة تخرج لاستنشاق بعض الهواء , او امرأة عجوز تخرج من بيتها لتضع سلطانية بها لبن من أجل القطط الضالة , ولكن في كل مرة كانت تنتظر الأبواب حتى تغلق. قال ريمي: - سأصحب الأولاد إلى حديقة الحيوان غدا واعتقد انك التقطت ما يكفي من صور الأبواب حتى الآن فتعالي صاحبينا. نظرت إليه نظرة متهكمة وقالت له وهي تضحك: - يوم في حديقة الحيوان مع عائلة بوفييه ؟ يا لها من فكرة خيالية , لابد ان الأمر سيكون محيرا. قال لها في تحد: - من أي شيء تخافية ؟ من أن تتمتعي؟ لقد كان هذا بالضبط ما تخشاه ولكنها لن تعترف بذلك ابدا. إن أي اعتراف له بأسرارها سيربطها به اكثر ويضاعف من عذابها إذا هجرها . قالت متسائلة كي تحول الحديث لموضوع آخر: - كيف حال بتلر اليوم ؟ هل ظهره بخير؟ رد ريمي بلهجة متهكمة: - إنه حقا مثير للضجر. - ولكنه يؤدي كل عمل مطلوب منه اداؤاه . - إذا كنت تقصدين بذلك كيف يشكو ويبقى راقدا فإنه سيد متخصص في ذلك. - إنه يزعجك لأنه قاطع... عضت دانيال على شفتها ولفت نفسها , لأنها اعادت الموضوع إلى الضوء . قال ريمي بصوت ممطوط منزعج: - نعم هذه الكلمة المضبوطة ولازلت منزعجا وربما يمكنك الآن ان تسري عني ما دمنا بمفردنا. قالت : طبعا مستحيل. سألها ريمي : ولم لا , إننا بالغان وعاقلان. - بعض الناس أكثر عقلا ورزانة عن البعض الآخر. شد ضفيرتها التي على شكل ذيل الحصان وقال لها : - كفى عن الشعور بأن فكرة السن تسيطر عليك وتضطهدك. أنا لا اعيرها أدنى انتباه , ولابد ان يكون الأمر كذلك بالنسبة لك. - آسفة لأن اعارضك , ولكني أرى انه لن يحدث أي شيء بيننا. - المشكلة معك يا عزيزتي انك تفكرين أكثر من اللازم. ضغطت على زر كهربائي فتحول الضوء الأبيض في الغرفة إلى ضوء احمر . وهو ضوء الأمان عند إظهار الصور الفوتوغرافية . تساءلت في نفسها : إن هذه اول مرة تعمل فيها داخل الغرفة ومعها رجل, واحست بإحساس غريب, هو شعور بأن عليها ان تستسلم لعواطفها. ولكن القدر لم يمهلها ايضا هذه المرة حيث اختار احدهم هذه اللحظة بالذات ليطرق الباب. صاح ريمي في غضب عارم بعد ان اطلق دفعة من السباب الشعبي الاسكتلندي بينما استردت دانيال سيطرتها على نفسها, قال: - لابد ان يكون الأمر عاجلا وإلا ... فتحت دانيال الباب واتسعت عيناها عند رؤيتها للشخص الواقف خلف تانيا التي كانت هي نفسها مذهولة. قالت الصغيرة : - إن كاهنتك الروحية وصلت يا سيد ريمي. كررت دانيال غير مصدقة : - كاهنة روحية ؟! قدمت المجهولة قدميها وهي تبعد ذراعيها عن بعضهما وتهز مجموعة لعب تصدر اصواتا في يدها. قالت تقدم نفسها : - الآنسة أريك. كانت ترتدي قطفانا على الطراز المغربي بألوان صارخة وحوالي عشرين دورا من العقود من اللؤلؤ حول رقبتها ذات ألوان متعددة . وكانت اصابعها التي تنتهي بأظافر صناعية طويلة مغطاة بالخواتم وكانت زينتها مبالغا فيها فشفتاها بلون الدم والعينان سوداوان والرموش بلون الفحم صناعية ايضا, والجميع يتوجه باروكة شعر اسود مجعد فوق رأسها. لم تبد الدهشة على ريمي إطلاقا , واكتفى بأن نظر إليها في غيظ وقال لها بحدة : - لقد وقعت علينا في وقت سيء حقا ! لمعت عينا الآنسة أريك وساد دانيال شعور بأن هذه الشابة تعرف بالضبط ماذا قطعت عليهما . قالت دانيال للصغيرة : - هيا خبريني , ماذا يجري بالضبط ؟ ولا تلقي القبعة على جيرمي. تدخل ريمي معلقا: - لكنك بدأت تحبين هؤلاء الاطفال ! ردت دانيال بحدة : - لا تحاول تغيير الموضوع بأن تهينني , اعرف ان جيريمي يستحق أكثر مما تفعله فيه هذه الحية الرقطاء ولكن... قاطعها وهو يقودها خارج الحجرة المظلمة من كوعها: - لا تقلقي يا عزيزتي , إن هذه الآنسة جاءت لتشفي بتلر. رفعت دانيال حاجبيها دهشة : - ولكن هذا لن يعجبه ! همهم ريمي من بين اسنانه : - إنني اعتمد عليها تماما. لقد فاض به الكيل من ذلك العجوز الذي يتطفل عليه وينقد مسلكه والأدهى من ذلك وأمر انه يتعمد مقاطعتهما وهما في المطبخ وبسببه اختفت دانيال ثلاثة ايام. ذهب الجميع في طابور إلى شقة بتلر والأولاد يقتلهم الفضول ويسارعون خطواتهم ليلحقوا بهم . دخل ريمي دون ان يطرق الباب . كان بتلر واقفا وسط الحجرة ففزع وتظاهر بالاستناد على عصا الجولف التي كان من الواضح انه يرقص بها رقصة السويح وعاد إلى سريره وهو يعرج . قال له ريمي وهو يبتسم في مكر: - هذه ساعة العلاج ايها العجوز!! صاحت دانيال : - ماذا تفعل وانت واقف يا بتلر, إن ظهرك لن يشفى ابدا إذا لم ترتح. تلعثم الثعلب العجوز: - لقد كنت اقوم بضبط التلفاز . - ولماذا لا تستعمل الريموت كنترول ؟ - إنني لا اعرف كيف استعلمه حيث إن فيه الكثير من الأزرار. نظرت اليه دانيال نظرة شك. إن بيت والدها كان يحتوي على اجهزة كهربائية أكثر من الأجهزة التي يستخدمها جيمس بوند في مغامراته ويستطيع بتلر ان يستخدمها ببراعة .ربما بدأ يتأثر بالشيخوخة, عند هذه الفكرة احست بقلبها يرتجف. ادخل ريمي الكاهنة إلى حجرة بتلر واغلق الباب امام خمسة ازواج من العيون الجاحظة المتوترة. - يمكنك ان تلقي بكل اقراصك وادويتك يا سيد بتلر , لقد عثرت على ما تحتاجه , معالجة لا تفشل ابدا. وستعيد إليك صحتك وحيويتك في لمح البصر . اقدم لك الآنسة أريك. دفع الكاهنة نحو السرير وفي مرورها ألقت اريك نظرة مورابة على اخيها وهي تصفر من بين اسنانها بطريقة لم يسمعها سواه: - ستسحقك جيزيل لو اكتشفت هذا. - إذن حاولي ان ترتبي الأمر بحيث لا تعرف عن ذلك شيئا يا اختي الصغيرة. ثبت بتلر عينيه على المخلوقة المذهلة وانتقع وجهه بينما سارعت نحوه وهي تصنع دوائر في الهواء بيديها وتصدر تعويذات بلهجة اهل الكاريبي . رفع عصا الجولف وهددها وهو يصيح : - إنك لن تضعي يدك الكافرة عليّ ايتها الساحرة. ازدادت دانيال شكا فيما يجري وراقبت المعالجة وهي تقوم برقصة الهنود الحمر حول السرير على انغام اغنية ديكسي مشهورة اسمها ايكو . ايكو! ثم لاحظت ان البودرة السحرية الداكنة التي تلقي بها الساحرة في الهواء لها رائحة البن المطحون, عند قدم السرير كان ذو الشارب المفتول ريمي يصارع نفسه حتى لا ينفجر ضاحكا . صرخ بتلر وجهه تلون بلون قرمزي . - اخرجي من هنا ايتها الساحرة اللعينة , لا اريد سحرك الاسود هنا في البيت! نظر إلى دانيال في استرحام ثم سقط على وسائده وبدأ يتأوه ويشير بأصبع الاتهام إلى ريمي : - كل هذا بسبب غلطتك! نظرت دانيال إلى ريمي نظرة سوداء قطعت اعتراضاته , وقالت بحدة: - حسنا يا سادة , لقد انتهى المشهد. امسكت الكاهنة المزعومة من احد عقودها اللؤلؤية وقادتها إلى الباب حيث اخرجتها من الحجرة . تحت انظار عائلة بوفييه التي اتسعت عن آخرها. وهي تقول لها : - ابعثي لي بفاتورة الحساب عن العلاج باسم السيد دوسيه وإذا امتنع عن الدفع فلا تتأخري ان تصفي عروسا من الورق على صورته وان تثقبيها بالدبابيس حتى ينتقم سحرك منه. ما إن اغلقت الباب وراء الساحرة حتى استدارت دانيال نحو ريمي وألقت عليه نظرة غاضبة : - لابد ان تشعر بالعار لأنك قمت بهذه الخدعة. قال ريمي الذي كان يود ان يكشف غريمه : - أنا؟ ولكنه لم يستطع ان يخفي مكره الاسكتلندي . إنه لم يستطع ان يقول لدانيال إن كبير خدمها العجوز يعتبرها ساذجة وإنه ود لو انه كشف لها عن خداعه . قالت له : - اعتقد ان عليك ان تقدم بعض الأعذار للسيد بتلر يا سيد دوسيه واترك لك هذه المهمة . دخل ريمي حجرة كبير الخدم وهو يشير إلى الرجل بأصبعه: - انت غشاش يا عزيزي ! رد عليه بتلر بنفس الطريقة وهو مستعد لاستخدام عصا الجولف : - وأنت كذلك ايها الشاب . - انت لا تعاني ألما بظهرك وأنت أصح مني. - وانت لست مربية تماما كما انت لست نجما في الرقص . نظر إليه ريمي في حيرة : - نتيجة المباراة التعادل , والآن ماذا نفعل؟ فجأة اصبح بتلر رزينا جدا وربط حزام ثوبه ليتمالك نفسه أكثر . قال بصوت مفعم بالإثارة : - لن اقبل ان تضر صغيرتي دانيال! - وهذا ليس في نيتي , يكفيها ما سببته لنفسها من ضرر. أتوافقني ؟ قال بتلر مؤكدا : - نعم , لقد اضرت بنفسها بما يكفي . كان الرجل يتألم ألما لا دخل له بما يدعيه من ألم في ظهره . قرب ريمي مقعدا من السرير وجلس على مهل . ثم وجه نظرة طويلة إلى بتلر : - لماذا لا تقص على كل شيء؟ رد عليه بتلر في الهاتف بعد رحيل ريمي : - إنه أنا , لا تغلق , كل شيء يسير حسب الخطة بسرعة الصاروخ , لقد مررنا ببعض العثرات خلال اليومين شيء تم ترتيبه وأنا مقتنع الآن تمام الا قتناع . نهاية الفصل | ||||||||||
04-07-19, 11:24 PM | #12 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل التاسع اطفأت دانيال نور الغرفة المظلمة وخرجت إلى الردهة . منذ المشهد المخبول الذي قدمته الآنسة أريك لم تر ريمي ولا بتلر , وتساءلت : هل نظم الرجلان علاقاتهما . إن بتلر لن يترك فرصة لمهاجمة ريمي الذي يرد له الصاع صاعين. لابد ان كل هذا يرجع إلى الغيرة ولم تمنع نفسها من الابتسام امام هذه الفكرة . لما كان باب حجرة الرضاعة مفتوحا فإنها دخلت هناك بطريقة آلية. كان ريمي لا يزال مرتديا نفس القميص الأبيض المفتوح إلى منتصفه وهو يتأرجح فوق المقعد الهزاز بينما خصلات شعره تلمع في العتمة . كان يغني اغنية للطفلة التي كانت تنام في هدوء بين ذراعي ريمي . كان عليها ان تدور نصف دورة وتهرب , ولكنها ظلت مشلولة في مكانها وقد تأثرت حتى اعماقها من سحر المنظر, وهي ترى ذلك الرجل الذي يمتلئ رجولة يهدهد كاميل بحنان وحب لا نهاية لهما. كان صوته منخفضا وعميقا وكأنه همس الريح, رفع عينيه نحوها وفات الوقت للتراجع, قالت وهي مترددة ان تخطو خطوة نحوه: - إنه شيء ساحر وممتع. كان ر يمي يفكر في حديثه مع بتلر وتساءل : إن كان قد اعترف له بأنه يعرف كل شيء دون ان ينطق بكلمة , ولا شك ان التحالف الذي عقده مع الرجل العجوز هو دليل على انه يعرف كل شيء . قرر ان يتبع حاسته . قالت دانيال : - سأذهب لأنام ولكني اردت ان ألقي نظرة على كاميل وأرى انها بخير. بدا انها مترددة في الخروج من الحجرة وامتلأ قلب ريمي بالعطف عليها . إنها لن تعترف ابدا, ولكنها تخشى ان تترك الطفلة . لقد احس من أول ليلة وفي كل مرة يجدها جالسة في المقعد ذي المساند نفسه وسط الليل وهي تسهر على الطفلة الصغيرة ابنة اختها . لقد اكتفى بمراقبتها وهو مختفي في الظل. إنه يعرف من الآن مدى محنتها . نهض بتمهل ووضع الطفلة في مهدها بين حيواناتها الصغيرة المصنوعة من القطيفة ثم استدار نحو دانيال التي نقلت نظرها من الطفلة إليه. قالت بصوت يعوزه الحزم: - اعتقد انني سأستريح بعض الوقت هنا. إنني في حاجة للاسترخاء. منعها ريمي من الجلوس على المقعد الهزاز وهو يمسك بها من كتفها برقة , وقال : - إنها بخير يا دانيال إنها تنام نوما عميقا . قالت ونظرتها العميقة نحو الطفلة تكذب قولها : - اعرف ذلك جيدا. تعذب ريمي من أجلها ورفع ذقنها المدفون وسط شعرها الرمادي وهمس : - إنها ليست غلطتك يا عزيزتي . قالت في نفسها : إنه يعرف إن ريمي على علم بما حدث في لندن , وعن طفل آن فيلدنج , إنه بتلر لم يكتفيا بوضع نهاية للحرب بينهما فحسب وإنما احست بأنها تعرضت للخيانة من بتلر . قال ريمي : - إنها ليست غلطتك يا دانيال . ابتعدت عنه ورفضت الراحة التي تحسها بقربه لأنها حكمت عليه بأنه غير جدير بثقتها , وقالت له : - الأحرى ان تقول هذا للمرأة التي مات طفلها بينما كان من المفروض ان أراقبها . - إن ذلك لم يكن سيغير من الأمر لو كنت بجوار سريرها. ردت بصوت مليء بالمرارة : - ولكني لم أكن هناك. لقد كنت في حجرتي المظلمة مشغولة بالشيء الوحيد الذي اعرفه واحب ان اعمله . لقد كنت اعمل بدلا من رعاية الطفل, طفل صديقتي كما وعدتها . لقد كنت منهمكة جدا لدرجة اني نسيت انه ينام بجانبي , وعندما عادت آن كان الطفل قد مات. قال ريمي طبقا لما شرحه له بتلر: - كان موتا مفاجئا من الرضعة . كان ريمي قد قرأ كثيرا من المقالات تربية الأطفال وعلاجهم عند اخته جيزيل فعرف من مدة طويلة معلومات عن هذا الموضوع مما جعله لا يتهم دانيال بالإهمال . - لم يكن بوسعك ان تفعلي شيئا يا دانيال , لم يكن باستطاعة احد ان يمنع الموت. همست بصوت مخنوق من تانيب الضمير: - كان من الواجب ان أكون موجودة هناك. كانت على استعداد لأن تضحي بأي شيء في سبيل إعادة تلك الليلة للحياة. إنها على استعداد للتنازل عن موهبتها لو كان ذلك ممكنا. سالت الدموع غزيرة على طول خديها وهي تكرر للمرة المليون انه لا يوجد أي شيء او تضحية او حزن او أسف يمكن ان يعيد طفل آن للحياة مرة ثانية . رفعت قبضتها إلى فمها واخذت تعض اناملها وهي تفكر في الحياة التي ذهبت بمفردها في تلك الليلة دون كلمة مألوفة او مداعبة او ان تودعه. كان الألم يمزق قلبها وكأن سنة كاملة لم تمر وانه لا شيء على الإطلاق يمكن ان يخفف عنها. اجتاحتها نوبة من النحيب هزتها ولم يعد لديها أي قوة للمقاومة . اسندت رأسها على كتفه المريحة المطمئنة وتراخت . اخذت تستعد في ذهنها الكلمات التي وجهتها لها آن واتهمتها بأنها وحش أناني , ومدمنة عمل وامرأة غير قادرة على رعاية الأطفال وغير جديرة بأن يكون لها اطفال . عادت الدموع تتساقط لأنها كانت تعرف أن آن على حق . قال لها : - لا تبكي يا حبيبتي , لا تبكي , انت تحطمين قلبي. قالت له بين شهقاتها : - انت تعرف الآن لماذا لا استطيع ان افعل شيئا هنا ولم يكن من الواجب على سوزانا ان تطلب مني الحضور. عارضها ريمي قائلا : - بالعكس , وأنا اعرف بالضبط لماذا فعلت ذلك. كان مدركا للعاطفة التي تربط بين الأختين غير الشقيقتين . وأن دانيال كي تقدم خدمة لأختها قبلت ان تتحمل هذا العذاب العاطفي. - ولقد طلبت أنت منها ذلك لأنها تثق بك. - انت مخدوع , لقد كنت دون شك الشخص الوحيد في العالم التي لا تعرف سمعة قطيعها من الوحوش الصغيرة والوحيدة التي قبلت ان ترعاهم. زادت نبرة الحزن في صوتها. إن القسوة التي عاملت بها نفسها ونقص ثقتها بنفسها , لم تكن علامة تدل على أنها أنانية ولا انها شخصية لا يتعمد عليها. - كم من الوقت ستستمرين في معاقبة نفسك على شيء لم تكوني مسؤولة عنه؟ لست سوى امرأة يا دانيال ولست ممن يستطيعون تغيير القدر المكتوب. إن موت ذلك الطفل هو حدث مأساوي ولكنك لم تسببيه . إن هذه الأمور تحدث ولا نستطيع إلا ان نبكي ثم نعود إلى استئناف الحياة. - وكيف تريد من آن ان تستمر في الحياة؟ لقد فقدت طفلها. - ونحن ايضا لا نستطيع تصور آلامها , ولكن الحياة يجب ان تستمر وإلا فلن نضيع حياة واحدة , وإنما اثنتان , لا تضيعي حياتك يا دانيال , إن هذا لن يبعث الطفل ثانية ولا تدعي الشعور بالذنب يبعدك عن اسرتك وفنك وعني أنا نفسي. لقد لجأت إلى التبت حتى لا تفرض أنانيتها على الآخرين ومع ذلك لم يغيرها هذا من الأمر شيئا . وهاهو ريمي قد استطاع ان يستشف داخلها وكأنها واضحة كالنهار. منذ متى كان الرجال ثاقبي النظر ولديهم القدرة على الإدراك الحسي؟ قالت : - انت تفهم كل شيء . - أنا صديقك يا دانيال واحاول ان أساعدك بالقدر المستطاع عديني ألا تلتقطي صور الأبواب المغلقة وابدئي الحياة من جديد. قالت وهي تجاهد ألا تسقط دموعها : - وأين تعلمت كل هذه الحكمة ؟ من مدرسة المربيات؟ عض ريمي على شفته , لم يحن الوقت كي يكشف لها عن تأمره. وقال : - اعتقد ان هذا موروث في العائلة. همست بصوت مخنوق: - شكرا على اية حال. حفض ريمي رأسه وحك أنفه. كان يحاول ان يحقق فكرته , ان عليها ان تعود إلى الحياة مرة اخرى وأنها في حاجة إلى الترفيه , وان تختلط بأشخاص جدد , وعليه ان يشير إليهم حتى تخطو الخطوة الأولى. فقالت له : - لا يجب ان ننساق وراء عواطفنا. - ولم لا ؟ إننا بالغان ولدينا كل مانريده وكوني صادقة مع نفسك , واعترفي بانجذابك إلي. كان مجرد النظر إليه يعيدها إلى الحياة ويوقظ مشاعر داخلها نامت منذ وقت طويل , قالت له : - هناك الآف الأسباب تمنعنا. دعت في نفسها ألا يطلب منها تعدد تلك الأسباب. لكع وميض شيطاني في عيني ريمي وبدا كأنه قط حاصر عصفور كناريا قال : - حاولي ان تحسبيها كلها , والنتيجة ستكون صفرا. اعترفي يا عزيزتي بهذا الانجذاب الذي بيننا فلم تنكرينه ؟ - من الواجب ان أنهي خدمتك حالا. اخذت الصور التي تتخيلها دانيال تدير رأسها , إنه على حق , ومن الأفضل ان تنتهز الفرصة وتقضي وقتا ممتعا مع ذلك الرجل الذي ينضح رجولة ووسامة قبل ان ان يصيبها الكبر في يوم ما. همس صوت صغير في أذنها يحذرها من انها تخاطر بالوقوع في حبه, ولكنها استبعدت هذا الاحتمال . إنها من عائلة هاميلتون ومغامراتها لا تدوم كثيرا. إنهما سينجذبان لبعضهما وقتا ثم يفترقان بذكريات جميلة عن تلك المغامرة التي حدثت في الصيف. احس ريمي بأنها اللحظة المناسبة التي استقر فيها رأيها. رفع عينيه إليها وهما تلمعان تحت ضوء القمر . لقد اراد ان يمحو الظلال القاتمة التي طبعها التوتر على عينيها . لقد أراد ان يريها كم هي مرغوبة وان عليها ان تنسى الوحدة التي في قلبها المثقل. امسك بيدها وقادها إلى الشرفة بعد أن ألقي نظرة اطمئنان على الطفلة . وقفا وقلباهما يدقان بشدة وهما محاطان بجو اثيري وروحاهما تهيمان في عالم ليس كالعالم الذي يعيشان فيه . لم يسبق لدانيال ان رأت رجلا في ملاحمه ووسامته وقوته البدنية , كانت تنظر إليه بعين الفنانة . وهو ينظر إليها تحت ضوء القمر, رأى كم هي جميلة , ممشوقة القوام, تقاطيعها مثل ملكات الجمال واحس في هذه اللحظة كم هو يحبها ولكن أتعرف هي كم يحبها !! - انت لا تعرفين كم أنت جميلة, وإنني اتحرق شوقا لأن اعترف لك بحبي واثبت ذلك. ولا تعرفين كم من الليالي سهرت وأنا اتخيلك ؟ عاد الصوت الصفير بداخلها يهمس لها فقالت له: - إنني أغرق. - وأنا كذلك. قالت له وقد غزاها الشك مرة اخرى: - هل ستبقى معي؟ ركز ريمي عينيه في اعماق عينيها الفضيتين حيث لم يعد بمقدورها ان تخفي عنه شيئا . امسك بذقنها ورفعه لأعلى وقال لها بلهجة متوحشة: - حاولي ان تبعديني يا حبيبتي ! همست في صوت حالم : - أفضل ان احتفظ بك, وأنت ؟ - اوه, طبعا, يا حبيبتي. نهاية الفصل | ||||||||||
04-07-19, 11:25 PM | #13 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل العاشر ارتدت دانيال ثوبها الكاكي واخذت تراقب تحميل السيارة الميني باس وهي تشعر ببعض الخوف بعد ان تصارع الاطفال للحصول على أفضل اماكن استقروا داخلها. لم تستطع ان ترى من تانيا إلا ظلا في ركن السيارة. اخفت شجرة مانوليا ضخمة جزءا منها ومن قبعتها ذات الحافة العريضة. كانت تبدو غامضة لدرجة تشكك في نياتها الأمنية فقررت دانيال ان تراقبها عن قرب قبل الرحيل. اما اميرواز فقد وضع عصابة على إحدى عينيه وبدا كالقرصان وجلس في الركن المقابل لأخته. احتل جيرمي وجولي الأريكة الخلفية وجيرمي يحاول في هذه اللحظة ان يمرر اخته من النافذة , رأسها اولا ثم بقية جسدها . امرته دانيال التي خرجت من المنزل وكاميل تحت إحدى ذراعيها تحمل مهدا على شكل حقيبة , صاحت : - جيرمي ! اسحب اختك للداخل وتصرف برزانة . كان المنظر عبارة عن لوحة غير متناسقة , قالت : - إنني قلقة قليلا . هل انت واثق بأننا نستطيع ان نقوم بالرحلة ؟ بدت نظرة ريمي حارقة أكثر من شمس الصيف. - طبعا ! يمكننا ان نلغي هذه الرحلة الصغيرة ونحبس انفسنا في البيت! - ليس هذا ما قصدته. حاولت ان تفرد الشريط الاصفر المكرمش الذي وضعته في شعر كاميل الأحمر التي اطلقت بعض الاصوات المجهولة وتقيأت فوق ثوب دانيال . كان مزاج دانيال رائقا فلن تتأثر ببعض اللعاب من فم الصغيرة كاميل واكتفت بأن اخذت فوطة من الحقيبة ومسحت اللعاب . ظهر شبح بتلر المنحني على الباب وقال بصوت متماوت مصحوبا بخلفيته المعتادة من تكشيرات الآلام : - أنا آسف لأنني لم استطع ان اصحبكم . قالت دانيال وهي تنظر في شك إلى بنطلون الجولف الذي حل محل الروب دي شامبر. - ونحن كذلك إنني اتساءل : إن كانت نزهة بسيطة لن تضرك ؟ قال ريمي منفجرا : - طبعا لن تضره , إنها راحة واسترخاء. قال بتلر وهو يتمنى لهم عودة حميدة : - هذا صحيح , على كل ارجو ان تقضي يوما جميلا . ثبتا الطفلة في مقعدها الصغير في السيارة ثم جلس ريمي امام عجلة القيادة بعد ان توسلت إليه تانيا اولا ان يزيل بقعة لا تتجاوز سنتميترا باللون الأحمر خلف مقعدها . انتظر اميرواز حتى دخلوا الطريق السريع ليعلن انه يرغب في قضاء حاجته واضطروا للوقوف مرة ثانية عندما تعارك جيرمي وجولي في مباراة لمن يبصق أبعد مسافة. واخيرا وصلوا على اية حال إلى حديقة الحيوان. في هذا اليوم في عز الصيف في حرارة أكثر من استوائية كانت اشعة الشمس تخترق بصعوبة الغمام وبخار الرطوبة الثقيل والذي تعودت عليه دانيال . قبل ان يصلوا إلى حديقة الحيوان , كانت ملابسها قد تجعدت مثل ملابس باقي اعضاء الرحلة عدا ريمي فقد كان مرتديا قميصا من نوع برمودا يصل إلى ركبتيه وهو مفتوح حتى منتصف صدره مظهرا بشرته البرونزية , وكان يبدو نضرا وجذابا... تلاقت انظاره مع انظار دانيال ووجه لها ابتسامة ودودا جعلتها تحس بالدفء وردت ابتسامته بابتسامة مراهقة تعاني مشاعر الحب الأولية. كان مشهد قد جعلها تحس بأنها مليئة بالحياة الجديدة ومستعدة لمقابلة كل التحديات بما فيها اصطحاب ابناء اختها إلى حديقة الحيوان. لقد أكد لها ريمي مقدرتها على إقامة علاقات متينة مع الأطفال, وقررت ان تسترخي والا تجعل من القليل كثيرا كما نصحها وهو الخبير في كل شيء. تنزهوا في طرقات الحديقة معا حسب أوامر ريمي . كانت تانيا على بعد مترين في المقدمة حتى لا تشعر بالعار إذا ما اعتبرت ضمن الصغار , بينما اخذ ريمي يدفع عربة الطفلة وامسكت دانيال اميرواز في يدها . أصر ريمي على ان تلتقط دانيال صورا للجميع . ولأول مرة منذ سنة رفعت دانيال الخطر الذي فرضته على تصوير الناس. بدأت التصوير على مهل ثم تحولت إلى غول وهي تلتقط الصور بسرعة البندقية الآلية وكأنها اصيبت بالجنون , وفي منتصف النهار كانت قد استخدمت خمسة افلام كاملة. في الوقت الذي كانوا فيه يعجبون بمشاهدة طيور الفلامنجو الوردية والنمور والأسود , انطلقت هي على سجيتها لترى الأشياء حسب خيالها الفني. وتظاهرت بأن ريمي والأطفال وهي يشكلون أسرة , طبعا هذا كان من باب الفضول لا غير حيث إنها لا تنوي على الإطلاق ان تتزوج وان ترزق بأطفال , كم هذا الخيال ممتع! لم يمر النهار دون حوادث صغيرة , حاول جيرمي اللعب مع الثعابين , ودخلت جولي في جبلاية مخصصة للقرود من فتحة في السور, وحاول اميرواز ان يفلت منهم حتى يذهب إلى بحيرة التماسيح. *** سألها ريمي عندما استقرا فوق الأرجوحة بعد العشاء : - هل حقا ذهبت إلى كل الأماكن التي رويتها للأطفال هذا المساء؟ كان جميع الأطفال قد أكلوا واستحموا ووضعوا في الفراش مع حيواناتهم المصنوعة من القطيفة والتي اشترتها لهم دانيال من حديقة الحيوان . كان بتلر قد انضم إليهم على العشاء وقد لوحته الشمس وكأنه قضى كل نهاره يمارس الرياضة في الهواء الطلق وبعد العشاء انسحب لحجرته. كان الصمت سائدا لا يقطعه سوى صوت الحشرات القادم من شجرة في بيت مجاور يسوده السكون, كان الجو لا يزال رطبا ولزجا وعبا بعطر الورد والمانوليا, قالت دانيال وهي تتثاءب كي ترد على سؤاله: - نعم لقد طفت بالعالم. كانت تتكلم بكل بساطة وكأن كل الناس يفعلون مثلها وهذا ما جعل ريمي يهتز ألن تبدأ في تقليل رحلاتها ؟ إن صدى الحديث السابق لا يزال يقلقها , لقد قالت له إنها تعشق الطواف بالعالم واكتشاف اماكن وأناس غير معروفين. سرت فيها رجفة باردة رغم الحرارة الخانقة. قال في نفسه : آه لو استطاع ان يبقيها بسهولة . إن الأسورة الذهبية التي تلتف حول معصميها كانت تلمع وكأنها شعر ملاك. وود لو استخدمها في ربطة قلبه بقلبها . إنه يحبها دون ان يستطيع ان يحدد اللحظة التي بدأ فيها هذا الحب , هل عندما أثارت مشاعره وهي تبكي؟ أم عندما لاحظها وهي تراقب الطفلة وهي نائمة؟ أم عندما انصتت وهي شاردة إلى اميرواز وهو يقص عليها ان كلبه القطيفة لا يستطيع ان ينام؟ والحقيقة المؤكدة الوحيدة هي انه اثناء نزهتهما في حديقة الحيوان عرف انها تحبه. ولكن هذه الحقيقة أفزعته . لقد ظل طوال حياته ينتظر ان يقع في حب فتاة من لويزيانا من نفس مستواه وتشاركه قناعاته ولكن حبه لهذه المرأة التي تشبه المجندات في الجيش الأمريكي ذات الساقين الطويلتين والعطشى دائما للمغامرات , هذا الحب يخيفه. ماذا سيفعل ؟ وكيف سيكون رد فعل دانيال التي تعتبر الصلات العاطفية شيئا يستحق السخرية لو كلمها في ذلك ؟ سألها : - ماذا ستكون وجهتك القادمة؟ ترددت دانيال . إنها لا ترغب في ترك نيو اورليانز بسرعة لأنه في اليومين الاخيرين تغير كل شيء , وضعها وعواطفها وهي نفسها . قالت : - لست أدري! قالت في نفسها : لو طلب مني لمكثت هنا , ولكن ما هذه الحماقة . إن كليهما يعلم ان هذه المتعة العاطفية بينهما لن تستمر . كيف تتوقع مستقبلا لها مع صديقها الصغير ؟ سألها ريمي : - هل ذهبت إلى روافد النهر الأسود؟ تساءل ماذا سيخسر لو صحبها إلى روافد النهر الأسود ؟ وقد تجد منزلا ينسيها الأماكن الغريبة غير المألوفة والتي تسعى وراءها. اجابت وهي ترفع نحوه عينيها الفضيتين : - لا, هل تصحبني إليها؟ - نعم . تضخم الأمل داخله ودفع مخاوفه . ود لو تفهم ان حبه لها عميق حتى دون كلام . سألها : - هل قضيت نهارا طيباً? اعترفت : - رائع .. شكرا . ليست في حاجة لأن تحدد السبب. لقد ساعدها في الخروج اخيرا من عزلتها التي فرضتها على نفسها وكان يكفي ريمي ان ينظر إليها طوال النهار في صمت وهي تصور الأطفال وهم في سبيلهم لاستكشاف حديقة الحيوان. احس بالسعادة . همس في أذنها: - انت جميلة يا دانيال وحيوية ودؤوب ولا يجب ان يحرم العالم منك . - أترى أن الغرور والأنانية هما أنا .. - ولكن لا ... صمتا ولم يعد هناك داع لأي تفسير. إن دانيال ستحتفظ في قلبها بمكان خاص لريمي ذلك الرجل الذي شفاها من جرح كان من الممكن ان يحطم حياتها . إنها لم تنس احداث لندن ولن تنساها ابدا ولكنها لن تمرضها كالسرطان الذي يأكل الجسم يوماً بعد يوم . اطلقت زفرة : - اعتقد ان علينا ان نرتاح استعداداً للمؤامرات الشيطانية التي يدبرها جيرمي للغير. - هل ستنامين ؟ - وأنت؟ نظر إليها نظرة عميقة قبل ان يقول: - اعتقد انني سأخذ دشا قبل أن أنام. - وهل أنت في حاجة لمساعدة يا عزيزي. نهاية الفصل | ||||||||||
04-07-19, 11:26 PM | #14 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل الحادي عشر قال جيرمي بين ملعقتين من الطعام: - سألف العالم كله مثلك يا خالة دانيال وسأبحث عن الحيوانات الغريبة في كل مكان واصطادها مثل بطل حلقات المملكة البرية في التلفاز. أضاء وجه دانيال من السعادة , لقد نجحت اخيرا في ان تقرب منها ابناء اختها عن طريق الحكايات والمغامرات التي قامت بها. كانت شارب ابيض من اللبن يزين شفته العليا. قالت جولي : - اوه , نعم وسأتبعه إلى كل مكان وسألتقط صورا وسنذهب إلى امريكا وإلى بورنيو وسيطلق علينا رجال اسمها كما يحدث في إنديانا جونز . أعلن اميرواز وخداه احمران من الإثارة : - وأنا سأكون عامل نظافة . انطلق الجميع في الضحك وعندما زاد جيرمي عن حدهما اوقفهما قائلا : - دعوه في حاله , لا ضرر في ان يكون عامل نظافة. تبادل كل من جيرمي وجولي نظرة اتفاق على خطة معينة وتركا المكان قبل ان يغضبا مربيتهما واخوهما الصغير في اعقابهما. وعندما اغلق الباب خلفهما عاد انتباه دانيال إلى ريمي الذي كان يتأمل قدح قهوته في غضب قال : - لقد علمت عامل نظافة في الصيف اثناء دراستي ولم أر عجائب الدنيا مثلك وتقريبا لم اغادر نيواورليانز. نهض من فوق مقعده في ضجة كي يذهب ليعني بكاميل ورفعت دانيال حاجبيها تعجبا . إن تفسير مزاج يكمن في هذا إذن. من يومين منذ نزهتهما في حديقة الحيوان كان غريب الأطوار لم يكف جيرمي وجولي عن ان يطلبا منها باستمرار ان تقص عليهما عن رحلاتها وكانت تنفذ رغبتهما في حماس ولكنها لم تفكر ان ريمي كان يخرج عن شعوره وهو ما كان يحدث كثيرا . استطاع اخيرا ان يهدأ وإن بدا شارد في معظم الليالي وكأنما يريد ان يقنعها بشيء لا يجيد التعبير عنه, لقد احست معه بمشاعر لم تقرأها في كتب, وكم كان غريبا ان تحصل على ماكانت تعتبره مستحيلا وهو الحب , تحسست جبهتها بكفها لتتأكد من أنها لا تعاني الحمى , لا يمكن ان يكون ما تحسه هو الحب , لا يمكن ان تكون وقعت في حبه . ألقت نظرة في اتجاه ريمي الذي حاول ان ينزع حبوب الطعام الملتصقة بشعر كاميل فأحست بأن قلبها يقفز قفزة قاتلة في صدرها . وعندما استدار ريمي وكاميل تحت ذراعه كالكرة فاجأ دانيال وعلى وجهها تعبير الإرهاق . سألها : - ألا تسير الأمور جيدا؟ - بلى .. بلى. - اعذريني يا أرنبتي الصغيرة على غضبي ولكني كنت اخشى ان تحتقريني لأنني علمت عامل نظافة . لم يكن تفسيره صادقاً إلا في جزء . إن ما يضايق ريمي حقا هو مزاج دانيال نحو الرحلات . إنه لم يغادر لويزيانا إلا مرة واحدة ولكن حنينه للوطن اجبره على ترك وظيفته ليعود. إنه لا يتحمل لا فكرة الرحيل ولا فكرة ان يدع دانيال ترحل بدونه وبالتالي إذا لم يصل إلى إقناعها بالبقاء فإنه خسر المعركة قبل ان تبدأ. قالت : - إنني اعتبرك تستحق ميدالية . كناس في نيو اورليانز في عز الصيف! اتدري ليس لأنني امتلك بعض المال فإنني لا اعتبر نفسي متحذلقة . - متحذلقة؟ إلى هذه الدرجة ؟ أتقولينها لي الليلة؟ تأملت دانيال ريمي وقد وسد كاميل على فخذه وهو يلاعبها , قالت تسأله : - أتظن حقا انه يحب تنظيف الطفل في حوض الصحون ؟ - بالتأكيد وهو عملي أكثر من البانيو . - لقد حصلت فعلا على شيء من جيرمي قبل زيارتنا لحديقة الحيوان فإنه لم يكف عن الحديث عن الفضاء . - لقد بدأت فعلا تحبين هذا الصبي , أليس كذلك؟ - اطمئن فإن ذلك لن يستمر . تمنى ريمي في نفسه ان يستمر جيرمي في هذا التغيير في السلوك , بل إنه يقسم على ذلك . ركب الجميع الميني باص لزيارة روافد نيواورليانز وعندما بدأت المدينة تختفي خلفهم توغلوا في منطقة مستنقعات تمر وسط سهل تناثرت فوقه مصانع للمنتجات الكيميائية حيث كانت مداخنها ترتفع نحو السماء كعلامات التعجب . ثم عبروا مزراع الأرز وقصب السكر ثم صعدوا طريقا سريعا يمتد كليو مترات. بدا وكأنه راية ترفرف أعلى صارية فوق مساحات ممتدة إلى ما لا نهاية من العشب المتماوج . لاحظوا بين مجموعات اشجار البلوط والسرو بعض ممرات الروافد التي حفرت وسط الأرض وكأنها بقع من الحبر. سجلت دانيال كل شيء كعادتها عندما تكتشف مكانا جديدا وكأن ريمي يراقبها من طرف عينه وهو يكتم انفاسه حتى لا يكون رد فعله سلبيا. إنه على استعداد للتنازل عن كل شيء في سبيل ان تحب وطنها الأم وان تتلقى حكمه بعاطفة جامحة. فجأة استدارت نحوه وابتسمت له ابتسامة وضاءة وقالت بصوت حلو : - إن كل شيء جميل يا ريمي . كانت كل محابس عواطفه قد انفتحت واجتاحه شعور بالارتياح والخلاص. كانت مدينة لاك تقع فوق متاهة صغيرة وكان شارعها الرئيس تحتله الحوانيت العادية مثل بقالة وخردوات حيث زينت واجهات عرضها بإعلان قديم عن البسكويت وجزارة تعلوها لافتة تقول هنا نتحدث الفرنسية . كانت لاك مهلهلة وفقيرة مثل بقية المدن الصغيرة في العالم, ووقعت دانيال في حبها من اول نظرة, كانت تتحرق رغبة في الإمساك بآلتها الفوتوغرافية كي تصور إعلان المطعم الذي يقول هنا سجق وشراب والعجائز الثلاثة الذين يحاولون استعادة الماضي وهم جالسون فوق اريكة خشبية , وشابة تخرج من صالون إيفيت للحلاقة وقد علت رأسها تسريحة دائمة جديدة. دخلوا بعد ذلك في شارع مواز للرافد الأسود وهو عبارة عن شريط من الماء الموحل أسود كما يحمل اسمه . وكان آخر بيت في الشارع يقع على بعد مائة متر تقريبا من النهر وهو ملك والدي ريمي كان عبارة عن ضيعة جميلة من الطوب الأحمر له شرفة حول كل الواجهة تظللها شجرة بلوط ضخمة ويتدلى منها زهور إسبانية . خرجت نويل دوسيه إلى شرفة وهي تمسح يديها في مريلتها واستقبلتهم جميعا بالقبلات والتحيات, وكأنهم جزء من عائلتها. كانت قصيرة ومستديرة كالكرة وعيناها حيويتان سوداوان ويفوح منها رائحة الخبز الطازج المغري. سألها ريمي بعد ان قبلها وتبادل معها بعض الكلمات الاسكتلندية : - اين أبي؟ - لقد خرج ليبحث عن بعض قطع الغيار لسفينته من عند لويس سيعود إلى هنا للعشاء . إن هذا الرجل لم أره مرة يتأخر عن الطعام. احتضنها ريمي بقوة بين ذراعيه مما جعلها تنفجر ضاحكة وكأنها فتاة في العشرين من عمرها . راقبتهما دانيال وهي سعيدة وقلقة في آن واحد. لقد بدا عليه الشباب بشدة . قال الصبي الكبير الذي له عيناه سوداوان واخذ يعاكس أمه ويسألها : - ماذا اعددت لنا على العشاء يا أمي ؟ هل اعددت اطباقي المفضلة ؟ اجابت السيدة العجوز قبل ان تهمس في أذنه ما جعل وجهه يحمر : أنا اعددت لك مفاجأة . قال ريمي لدانيال اثناء تعارف امه على الاولاد وبتلر: - إنها تسأل عما إذا كنت عروسي المستقبلية ! ظلت دانيال صامتة من الدهشة واحست بالخجل , صارت حدقتا ريمي في سواد الحبر وهمس : - لقد احمر وجهك يا ملاكي. زمجرت : - ولكن لا , إنها الحرارة الخانقة , او ربما من علامات سن اليأس . تلقى ريمي ملاحظتها بضحكة فقالت : - إننا سنغضب والديك يا ريمي. كان البيت يبدو مريحا ولكنه ليس من الاتساع بحيث يضمهم جميعا, وخشيت دانيال من الخسائر التي يمكن ان يحدثها الأطفال . قالت وهي تشير إلى الرافد: - يمكننا ان نقيم في الفندق هناك, إنها مثل المركب . - أتقصدين السفينة يا عزيزتي ؟ نعم هي سفينة . ذهبا لاستكشاف مقر إقامتهم المنتظر تاركين لنويل متعة تقديم الفطائر من صنعها , عصير الليمون وولبتلر مهمة رعاية الطفلة , لوح لهم الاخير بيده وهو يبتسم ابتسامة ماكرة . همست دانيال : - لقد غير رأيه فيك. سارا في الطريق الضيق المغطى بالمحار والودع والذي يؤدي إلى الرافد وابتسم ريمي في داخله على التحالف الذي عقده مع العجوز الاستكلندي: - اوه! يكفيه ان يعرفني على حقيقتي . إن من يعرفني يحبني . كان فندق دوسيه كما سماه ريمي عبارة عن سفينة كبيرة تحولت إلى بيت عائم وفي الأصل كانت ملك اجداده الأولين, واستخدمت بعد ذلك باستمرار كملجأ للضيوف عندما يفيض البيت بقاطنيه , بني فوق السطح مبنى من الخشب مسقوف بجذوع اشجار الأرز ولم تكن الفتحات المخصصة للنوافذ مغطاة بالزجاج وإنما بالستائر , وتطل على شرفة تسمح بمرور النسيم وتمنع مرور الناموس. وكان المبنى مكونا من حجرتين على مستويين وكل منهما تحتل المساحة المتاحة وكان جسد السفينة مغطى كله بالنجيل الاخضر وبراميل كبيرة لحفظ السوائل مقطوعة إلى جزءين استخدمت كأصص للزهور مثل البتونيا والجيرانيوم بألوانها المبهرة . وفي ركن يوجد قفص للعصافير معلق على جذع شجرة ويظن المرء انه في ملعب جولف مصغر وهو يتميز بالخصوصية والترحيب صاحت دانيال : - إن الأطفال سيعشقون هذا . قادها إلى مقدمة السفينة وهو يقول : - اعرف انك حزينة يا أرنبتي الصغيرة ولا تمتعضي ويمكنك ان تعيشي يومين بدوني. نظرت إليه دانيال نظرة سوداء . - طبعا , لقد عشت اربعين سنة وتسعة ايام بدونك وسأتحمل ليلتين اخرتين دون عناء . - ولكنك لم تقولي هذا مؤخرا. - هذا غير صحيح على اية حال فإن كلام المرأة وقت العاطفة لا يمكن ان يؤخذ قرينه ضدها. قال لها : - لقد رتبت ان نخرج بمفردنا غدا في جولة . - والاطفال . - إنه يوم عطلة المربية وقد وافق والداي ان يرعيانهم من اجلي. نظرت إليه في شك : - هذا إذا كانا سيعيشان وحتى لو عاشا فإن الجحيم سيكون ارحم من الحياة مع تلك العائلة الجهنمية . كانت في هذه اللحظات قد نسيت كل مخاوفها السابقة ووجدت انه من الطبيعي ان تقع في حبه بجنون . نظرت دانيال نظرة قلق على بيت دوسيه من بعيد وقد برز وسط الأحراش سألته: - هل أنت واثق بأن كل شيء على مايرام, إنني اشعر بأنني حزينة . صاح ريمي : - كفي عن القلق الذي تخلقينه لنفسك. إن والدي يحبان ان يحاطا بالأولاد وسيعتني والدي بجيرمي وجولي وامي بالطفلة وبتلر بالأثنين الباقيين . استفيدي من نزهتنا يا عزيزتي . لماذا لا تعجبك فكرة الحياة وسط المستنقعات ؟ حبس ريمي انفاسه. وكيف يأمل ان امرأة راقية مثل دانيال تقبل الحياة وسط الأحراش فوق سطح سفينة خرجت من الخدمة لقدمها؟ احتجت دانيال: - لا على الاطلاق , إن هذه المستنقعات لا تسبب لي أي خوف على الإطلاق . لقد احضرت تسعة افلام جديدة ولم اتوصل إلى تصوير تمساح واحد في حجم مخيف . واعتبرك مسؤولا عن هذا! محت ابتسامة ريمي القتامة التي سادت وجهها كما تضيء اشعة الشمس وهي تخرج من الضباب والسحاب واحست دانيال بأن قلبها يقفز من صدرها , ردت على ابتسامته بمثلها ثم ابتعد عن لاك وعن السفينة اي البيت , وصعدا الرافد الأسود كي يتوغلا في عالم بري من المستنقعات واشجار السرو. وعندما توغلا كثيرا في هذه المناطق ابطل ريمي محرك القارب وساد السكون الذي تتخلله اصوات الطبيعة من صياح نسر حاد وفرفة اجنحة طائر البلاشون وصوت تحرك الماء من حيوان قريب من الشاطئ او صوت تمساح رهيب عن بعد. صاحت دانيال وقد بلغت إثارتها حد لا يوصف. - هذا شيء رائع ومثير للإعجاب , إنه يشبه الأمازون ونهر النيل , إنه شيء خرافي! احمرت وجنتاها من الإثارة تحت اشعة الشمس وسرعة إثارتها . وانتقلت العدوى إلى ريمي . اخذ يجذف ببراعة لأنه قد عاش فوق الماء طوال حياته. جلست بجواره على نفس اللوح الخشبي في منتصف القارب وعندما رفعت عينيها نحوه هب نسيم فأطار شعرها المشوب بالشيب وسقطت خصلة منه فوق فكها. كان باقي الشعر مربوطا خلف رقبتها على شكل ذيل الحصان غير ان إحدى الخصلات افلتت لذا رفعها ريمي بأصابعه إلى الخلف . تاهت دانيال في عينيه ولم تحس بأنها توقفت عن التنفس إلا عندما النتفخت رئتاها وبدأتا تؤلمانها. قالت : - ماذا يحدث لو وقعنا داخل فك تمساح جائع ؟ - لماذا لا تثقين بي يا ملاكي؟ سحقت دانيال ناموسة عملاقة فوق صدرها : - يبدو ان الحشرات ستلتهمني وانا حية. إنها من الضخامة بحيث تجاوز حجم حاملات الطائرات . - انتظري حتى تري الثعابين! اخرج علبة كوكا كولا من الثلاجة الصغيرة التي احضرها معه . قالت : - إنني لا اظن انني رأيت أجمل من هذه المناظر البدائية . كم هو رائع ما نراه ونحسه !! اخذ قلب ريمي يرقص بين جانبيه . - نعم إنه رائع !! نهاية الفصل | ||||||||||
04-07-19, 11:27 PM | #15 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل الثاني عشر كان مقهى ومطعم رينارد على شاطئ الرافد وليس بعيدا عن المنزل , وكان واقعا على حافة الغابة وهو عبارة عن مبنى فسيح من الخشب مقام على اعمدة. كانت سيارات الزبائن تملأ ساحة الانتظار. ترددت دانيال لحظة الدخول واحست بأنها بلهاء . كانت قد ارتدت ملابس للخروج من بلوزة من الحرير الأرجواني , وجيب مناسب من الهند بلون التركواز وفوشيا . كانت كلما اضافت عنصرا جديدا إلى زينتها كان حماسها للخروج يبرد. وفي اللحظة التي لبست الحلق الذهبي في أذنيها فضلت لو انزلقت تحت السرير واختفت تحته. إن هذه الصفحة من حياتها على وشك ان تقلب , لقد بلغت الأربعين من عمرها . كانت الشمس قد حولت وجهها إلى اللون الوردي واظهرت التجاعيد القليلة والتي من المفروض ان تختفي حسب الإعلان عن الكريم المعجزة الذي استخدمته دون نتيجة . كانت عينها الفنية الدقيقة قد فحصت كل جزء من جسدها وتأكدت من أن بشائر علامات الشيخوخة بدأت تزحف. لم تعد تشك في انها اصبحت امرأة عجوزا في سن الاربعين تستعد للخروج بارتداء ملابس الخروج مع شاب خرج لتوه من سن المراهقة. قال ريمي بصوته العفوي: - هيا يا دانيال هذه اول مرة سأقدم لك فيها وجبة جيدة! وبهذا تغيرين من أكل الأطفال . وجهت له نظرة تائهة وقد حولت رأسها جانبا . اراد ان يتأكد من انها مقتنعة . قالت : - حسنا , موافقة ! اطلق ريمي زفرة ارتياح وامسك بذراعها وجعلها تصعد الدرجات المؤدية للمطعم وعندما انغلق الباب وراءهما عرفت في الحال ان حاستها لم تخدعها , احست بأن شعر رأسها يقف وريمي يقودها إلى صف طويل من الموائد مرصوصة عند الجدار الداخلي . صاح اميرواز الذي ظهر فجأة كالشيطان وصافحها : - عيد ميلاد سعيد يا خالة دانيال! اخذ جيرمي وتانيا وجولي وعدد لا يحصى من الاطفال لم يسبق لها ان رأتهم في حياتها اخذوا يصفرون بكل ما في رائتهم من قوة مما استرعى انتباه كل الحضور. كان بتلر ووالدا ريمي ونصف دستة من البالغين لا تعرفهم جالسين امام المائدة على استعداد للاحتفال بعيد ميلادها الذي فضلت ان تنساه . سألت دانيال ريمي بصوت بارد كالثلج حتى لا تنفجر غضبا : - هل اخبرت الجميع ان اليوم عيد ميلادي؟ حدجها ريمي بصوت بارد كالثلج حتى لا تنفجر غضبا : - لم أقل لهم محددا أي عيد ميلاد! وجهت دانيال ابتسامة مصطنعة للمدعوين , وأشارت إليهم بما معناه انهما سيأتيان حالا ثم استدارت نحو ريمي وقالت : - خسارة ان تموت صغيرا! - هيا يا أرنبتي الصغيرة! إنهم يريدون فقط ان يمرحوا معك وهم سعداء لأنك هنا اليوم .اما بالنسبة لي فلا داعي للحديث عن ذلك . فإن عدد شمعات التورتة لا يهني . اوشكت دانيال ان تفقد الوعي . - لا تقل لي إن هناك تورة وشموعا. - لا , إن رجل المطافئ المسؤول لم يسمح بذلك. انتزع هذا التعليق الساخر ما يشبه الابتسامة منها إن هؤلاء الناس جميعهم لطيفيون , لأنه حضر ويبدو ان الاطفال يسبحون مع الملائكة من السعادة . انقبض حلقها عندما تذكرت عيد ميلادها السابق الذي قضته في التبت بصحبة جدي وراء الباك الذي يشبه الخيمة. سألها اميرواز الذي امسك بيدها ليقودها نحو مكان الشرف : - كم عمرك يا خالة دانيال؟ كذبت عليه : - تسعة وثلاثون عاما . انتقلت بعد ذلك إلى عملية التقديم . كانت هناك اليشيا الأخت الكبرى لريمي وزوجها وابناؤها الثلاثة. واخته الصغرى اريك التي كانت تشبه بدرجة مدهشة الكاهنة الروحية التي حضرت لعلاج بتلر ! , والعم جان والعمة فانشون وهما زوجان في الستينيات من عمرهما . هناك ايضا جيزيل الأخت التوءم لريمي وزوجها وابناها التوءمان . ولم يلب الدعوة الاخ الاصغر اندريه والأخ الأكبر اتيان المرعوف اكثر باسم لاكي. بسرعة انهمك الجميع في احاديث حيوية ورأت دانيال ان آل دوسيه ينتهزون اي فرصة ليجتمعوا ويتمتعوا وهم يفعلون ذلك دون تكلف , وبعد بضع دقائق لم يعد احد يتحدث عن عيد ميلادها. اجتاحها كل انواع الانفعالات والأحاسيس وراقبت دانيال اخوات ريمي كانت اصغرهن ليس لديها اطفال وقد التصقت في الحال بكاميل وتبنت العناية بها وقد اظهرت الطفلة سعادتها بذلك. اما بالنسبة لريمي فقد خفف من حدة هروبهما وسط المستنقعات. فجأة جاء جيرمي ليشدها من ذراعها وهو يقول : - لن تخمني يا خالة دانيال ابدا ما رأيناه اليوم أنا وجولي! سألته بصوت شارد: - ماذا؟ - لقد ذهبنا إلى الغابة وجعلنا بابا دوسيه نرى كل انواع الحيوانات. - حيوانات يا جيرمي ؟ - حيوانات و... - هذا رائع يا عزيزي ولكن يجب ان تعود إلى مقعدك فإنهم سيقدمون الطعام. - نعم , ولكنني اود ان اوضح لك. - فيما بعد .. موافق؟ عاد الصبي الصغير إلى مقعده وهو يزفر في ضيق. كانت رائحة الطعام رائعة , وكان آل دوسيه يعرفون كل الساقيات والخدم باسمائهم الموجدة ويسألونهم عن احوالهم بلهجتهم الحلوة . كان الطبق الرئيسي المملوء حتى حافته تتصاعد منه الأبخرة التي سحرت دانيال بالفواكه البحرية . كان ريمي قد علمها كيف تستطعم الحيوانات القشرية من نوع الجندوفلي والجمبري الصغير , وعلمها كيف تقشر لتخرج اللحم الأبيض اللذيذ. قال لها وهو يغمز لها بعينه: - وإذا كنت استكلندية حقا فإنك ستمصين الرأس. - اللعنة! - كيف يمكنني ان احولك إلى العادات الاسكتلندية؟ - لن استطيع ان أصل إلى هذا الحد. لقد أكلت كميات رهيبة من اشياء غريبة في عدد لا يحصى من الأماكن ولكن هناك حدودا لكل شيء. عندما ذكرته بحياتها الجوالة شعر بعدم الارتياح خاصة في اللحظة التي كان سيطلب فيها ان تبقى معه للأبد. كانت معدته تحرقه وقلبه يدق بشدة عندما سأل زوج أليس دانيال ان تقص لهم عن رحلاتها. لم يستطع ان يعبس , ومالت جيزيل عليه وهمست في أذنه بكل تفاهم الأخت التوءم: - هل أنت عاشق لها ؟ همهم : نعم ! - في هذه الحالة فإنني اسامحك لاستغلالك اسم وكالتي. قال وهو يشعر بالمهانة : - ولكني سأثبت لك انني مربية ممتازة ومقدسة . تصوري انني استطعت ان احرس ذلك المكان. ابتسمت له جيزيل ثم ألقت نظرة على دانيال: - انها ساحرة , انها تحبك ايضا , أليس كذلك؟ - لنتعشم ذلك .. طبعت جيزيل ابتسامة على خد توءمها وعيناها السوداوان الواسعتان ممتلئتان بالحنان. مرت ثانية واحدة اجتاحهما معا شعور بعدم الاطمئنان ثم قالت له مؤكدة : - مسكينة دانيال , إنها لا تتحمل مواجهة سحرك, إنها ستصبح من آل دوسيه دون ان تشعر وأنا متأكدة من ذلك. همس : - اتعشم ان يكون ما تقولينه حقيقة. ومع ذلك امتلأ قلبها بالخوف عندما وجهت انتباهها إلى دانيال التي كانت تقص واحدة من رحلاتها إلى زائير , كانت تشتعل عاطفة وهي تذكر تلك الأماكن البعيدة . كيف يمكن ان تأمل ان تترك دانيال كل هذا وتلقي بمرساتها إلى جوار الروافد؟ قامت الساقيات الظريفات برفع المائدة وجلس الموسيقيون فوق المسرح عند الطرف الآخر من القاعة . اخذت الحمى تسري في كل المدعوين الذين اخذوا يدقون الأرض باقدامهم ويصفرون لحن لنذهب إلى لافاييت . فرغت نصف الموائد من شاغليها الذين تفرقوا فوق الحلبة . بدأت دانيال تحب الألحان المرحة للأغاني الفرنسية القديمة والتي كان يلحنها من كل قلبه عازف الأكورديون . بينما باقي الرباعي يعزفون على آلاتهم بحماس شديد. كان من المستحيل ألا تتابع النغم ووجدت دانيال نفسها وقد جرفها الجو المرح في هذا المكان غير المألوف , لقد وقعت في حب لويزيانا وسكانها وثقافتها وموسيقاها ومناظرها الطبيعية . ولأول مرة في حياتها بدأت تنمي حلمها في ان تستقر في مكان ما وهو ما يخيفها . حلت رقصة شعبية قديمة محل رقصة الفالس الهادئة . نهض ريمي ومد لها يده : - هيا نرقص يا أرنبتي الصغيرة. لقد رقصت دانيال مع امراء وصعاليك , ولكن ذكرياتهم تتلاشى عندما ترقص بين ذراعي ريمي , كان لا يترك ابدا عينيها بعينيه السوداوين وجعلها تدور حول الحلبة برشاقة وليونة ولا يستطيع أي معلم رقص ان يعلمها مثله . كانت مذهولة واحست بأن قلبها ينبض بعدم انتظام. إن رقصة الفالس اصبحت موضة قديمة ورتيبة , ولكنها معه كانت تستطيع ان ترقص اسرع الألحان حتى ولو كان لامبادا . فجأة عادت لها مخاوفها . إن المنطق يقول : إن من الواجب على ريمي ان يطارد بسحره فتاة متقاربة معه في السن مثل تلك السمراء التي ترقص في ركن مع بنات إخواتها الصغيرات , تلك الحسناء التي انسدل شعرها على شكل ضفيرة طويلة لامعة ولينة ولا زال خداها محتفظين باستدارة الطفولة . إن الفتاتين الصغيرتين اللتين تهتم هي بهما يبدو عليهما انهما عاشقتان لتلك السمراء كما هي عاشقة لهما. وعندما توقفت الموسيقى اخذتهما بين ذراعيها بعيني دانيال التي قرأت فيهما وميض العداوة . قال ريمي وهو يسحبها إلى الطرف الآخر من الحلبة . - دانيال! كان سيتحدث معها هناك وفور, تعارفهما من وقت قليل لا اهمية له وهو واثق بعواطفه : - مرحبا يا ريمي ! اغلق عينيه ربع ثانية وكان ألماً شديداً وحاداً اخترق عقله . إنها ماري بروسار التي تحبه والتي سماها ماري التي تريد ان تتزوج اختارت أسوأ لحظة كي تفسد امسيته , طلبت منه في لهجة تحدي: - ألا تمنحني رقصة؟ كان ريمي سيلزمها مكانها الصحيح عندما ابتعدت دانيال عنه فجأة وقالت له بابتسامة مواربة : - هيا يا ريمي على اية حال فإن التهاب مفاصلي يؤلمني. انتهزت ماري الفرصة كي تتعلق بوحشية بيده وتجبره على ان يتبعها وسط الجمهور الراقص وكأنها قاطرة بخارية تسحب باخرة فوق نهر المسيسبي . لم تتح له سوى ثانية واحدة كي يلقي نظرة شبه ساحرة وشبه لاذعة على دانيال قبل ان تختفي عن انظاره. كانت دانيال تتابع الزوج الراقص من حافة الحلبة بعينيها ورغم العذاب الذي يمثله ذلك فإن الفتاة الشابة ذات الشعر الأسود تناسب تماما ريمي . إنها صغيرة وتتمتع بالأنوثة وكانت تتظاهر بأنها عروس بفستانها الأبيض الصيفي وهي ترفع نحوه عينيها المليئتين بالإعجاب والتصميم . قال جيرمي وهو يجرها من طرف الجيب: - يا خالة دانيال , هل تحبين ان تأتي لتري الآن؟ إنه فريد لا مثيل له! وأراهن انك لم تشاهدي مثله ابدا حتى في إفريقيا . سألته دون ان تنظر إليه : - عن أي شيء تتحدث يا جيرمي ؟ - هل ستأتين الآن ؟ - اين ؟ - لتري سرنا. - إن الظلام سائد في الخارج يا جيرمي وسأحضر لرؤيته غدا. لماذا لم تطلب من جولي ان ترقص معك. نظر إليها جيرمي في غيظ وابتعد وهو يزمجر. تنهدت دانيال , لقد نالت فشلا جديدا ولكن حاليا لا تسخر من ذلك . قالت جيزيل التي حلت مكان جيرمي بلهجة عدم رضا : - هذه المدعوة ماري بروسار , لقد ظلت من وقت طويل تغازله وتطارده بأقصى ما تستطيع ساقاها محاولة ان تحصره في ركن. سألتها دانيال بصوت تصنعت ان يكون غير مبال : - هل يعرفان بعضهما بعضا منذ وقت طويل؟ - منذ الأبد. لقد ذهبا إلى نفس المدرسة , لكن ليس في نفس الفصل. نظرت جيزيل إلى دانيال نظرة متفهمة: - لقد اعتقدنا انها فهمت ولكن لا , إنها لا تزال تظن ان من الممكن التوسل إلى ريمي , هناك حقا اشخاص يحتاجون إلى ان نواجههم بالأمور بوضوح وقوة وان ندخل ذلك في رؤوسهم ولو عن طريق المطرقة . قالت دانيال: - اجل, ارجو المعذرة يا جيزيل . إنني اعتقد انني سأخرج لاستنشاق بعض الهواء. سارعت نحو باب الخروج دون ان تنتظر رد جيزيل حتى إنها اوشكت ان تتعثر فوق درجات المدخل , طار صندلها إلى الأرض في ساحة الانتظار وابتعدت نحو الرافد وصندلها يصدر صوتا نتيجة كسره للودع وهي تدوسه في طريقها. كانت نظراتها شاردة نحو الماء الأسود واطلقت آهة ألم . لم تعد سوى كتلة من الحيرة والارتباك وكل ذلك بسبب غلطة سوزانا . لولا اختها غير الشقيقة لكانت في هذه الساعة تقوم بتصوير جيش من الهنود الحمر او نمور في البنغال . ولم تكن لتقع عاشقة لرجل اصغر منها . - دانيال! هل انت بخير ؟ ماذا بك؟ كان صوت ريمي المنخفض والدافئ يغطيها بغطاء من صوف الفانيلا في ليلة باردة . ارادت لو تدفن نفسها هناك بعيدا عن العالم . لما ظلت صامتة فقد اقترب منها ريمي وقال : - لا تغضبي مني لأنني راقصت ماري , لقد هجمت عليّ كالثور الهائج , من الصعب التخلص من تلك المخلوقة. اجابت: - لست غاضبة , انت المربية التي تعمل عندي ولست عبدا لي ويمكنك ان ترقص مع من تحب . ادارها ريمي نحوه وراقصها رقصة محمومة على لحن اسكتلندي قديم اخذ يغنيه , قالت له بلهجة جافة : - عن أي شيء تتحدث هذه الاغنية ؟ - اسأليني كم احبك يا فتاتي الجميلة . - كان عليك ان تغنيها لماري. - ليست ماري من أحبها وإنما أنت . احست دانيال بأن قلبها يتوقف عن النبض. كانت تحس بعد الاتزان ورفعت عينيها إليه لقد نطق بالكلمات التي تمنت ان تسمعها من زمان, ماذا عليها ان تفعل الآن ؟ ان تكون انانية وتقبل ما يقدمه لها أم تثبت انها نبيلة وترفض الحب من ريمي من اجل مصلحته؟ لقد كان مليحا ورقيقا للغاية. ومعه ستعيش الاشياء وتحسها والتي لم تقرأ عنها في الكتب إلا في مغامرات كازانوفا , هل تريد حقا ان تتخلى عنه؟ لقد قيل لها ذلك وتكرر عليها كثيرا . لا , إنها ذات طبيعة أنانية , فلماذا يتغير ذلك الآن ؟ لماذا لا تترك كل حذر وتدع الأمور تسير على هواها ؟ لماذا لا تقول لـ ريمي إنها تحبه ؟ - ريمي .. أنا .. - خالة دانيال! خالة دانيال . من فوق كتف ريمي رأت دانيال جولي تندفع نحوها بكل ما تسمح به ساقاها الصغيرتان. - اسرعي يا خالة دانيال لقد اصاب جيرمي نفسه إصابة خطيرة . كان اللون الكاكي لجدران اقرب مستشفى لمدينة لاك كافيا لأن يصيب بالمرض أي شخص كان يدخله . وكانت مقاعد صالة الانتظار من البلاستك الاخضر والأرض مغطاة بالمشمع الرمادي الشاحب وكان يئن تحت الأقدام. لم تستطع دانيال ان تظل جالسة. وكادت تموت قلقا وقد لفت ذراعيها على صدرها بشدة وكأنها تخشى ان يتفتت جسدها, اخذت تذرع الحجرة ذهابا وإيابا. بعد ان حاول ريمي ان يسري عنها دون جدوى قرر ان يجلس في ركن من الصالة وسيجارة غير مشتعلة بين شفتيه . وكانت فرقة آل دوسيه بكامل هيئتها قد تبعت سيارة الإسعاف عدا جيزيل وزوجها اللذين انشغلا في وضع الاطفال في الفراش. اخذت دانيال تكرر ان ذلك كله بسبب خطئها . لو اعطت فقط اهتماما لجيرمي عندما حاول ان يقودها لترى سره الغامض ! لو فقط استمعت إليه وهو يحكي عما اكتشفه اثناء رحلتهم مع بابا دوسيه . لوكانت فقط غير مستغرقة في مشاكلها وفي الرثاء لحالها وعلى الأربعين عاما من عمرها! والآن جيرمي قد يتعرض للخطر الذي يمنعه من الاحتفال بعيد ميلاده العاشر . لقد وجوده في الغابة الكثيفة فاقدا للوعي وجرح غائر في جبهته وعضة ثعبان في ظهر يده الصغيرة. لقد هرب هو وجولي من حلبة الرقص وهما مصممان على إحضار اكتشافهما إلى الخالة دانيال مادامت هي لا تريد ان تذهب معهما لتراه . وحسب اقوال جولي اخذا معهما كشاف بطارية من الميني باص بحثا عن العش . ولسوء الحظ كانت حية رقطاء قد اختارت غذاءها من البيض الموجود في العش فعضت جيرمي في اللحظة التي كان يلمس فيها العش. اصيب الطفلان بالرعب وهربا وهما يجريان ولكن جيرمي كان السم قد بدأ يسري في جسده فتطوح وتعثر في فخ وجرح في رأسه وهو يسقط في كل مرة كانت دانيال تغلق عينيها . كانت ترى الصورة المرعبة لابن اختها ذلك الطوربيد البشري وتلك الحماقات , هاهو ممدد وفاقد الوعي ودماؤه فوق التراب بسبب غلطتها . إنها لن تستطيع ابدا ان تنظر إلى سوزانا وجها لوجه. بدا وكأن افكارها كانت كافية لأن تظهر اختها. فتح الباب ودخلت سوزانا مندفعة في اعقابها. شلت دانيال في مكانها ولم يسعفها رد الفعل سوى ان قالت في نفسها : إنهما لم يرحلا إلى الكاريبي. لم تلوح الشمس والبحر بشرتهما على الإطلاق وكانا يرتديان ملابس المدينة بينما تطوح شعر تشارلز فلم تضع أي مساحيق تجميل. اندفعت اختها نحوها وشعرها يتطاير في الهواء وعيناها الردمايتان مليئتان بالقلق. - كيف حاله يا دانيال؟ هل تعرفين شيئا؟. - سوزانا , تشارلز , كيف وصلتما بهذه السرعة؟ لمع وميض الذنب في عيني سوزانا التي تبادلت النظرات مع بتلر . ولكن الشرح تأجل لما بعد. انفتحت ابواب غرفة الطوارئ وطلب الطبيب من والدي جيرمي اصطحابه . تبعه الثلاثة تاركين الباقين في الاستقبال . اقتربت دانيال من بتلر ولديها شعور بأنها تتعرض لمؤامرة . - ماذا يجري بالضبط بتلر ؟ إن سوزانا وتشارلز لا يمكن ان يكونا قد عادا من جزيرة بعيدة في الكاريبي , لقد مر بالضبط عشر دقائق على اتصالك بالهاتف. اصبغ خدا العجوز الاسكتلندي بنفس لون شعره الاحمر وهو يتململ في عدم ارتياح في مقعده . - حسنا يا جميلتي , الحقيقة انهما لم يرحلا بعيدا عن ... - اين كانا بالضبط ؟ - اوه , في خان جراند بل بمدينة لاك من الأمس وقبل ذلك في فندق نوتشارتران. كان ينظر إلى قدميه وهو يتكلم , قالت له بهدوء : - إذن هما لم يرحلا؟ قرر بتلر اخيرا ان يرفع عينيه والشفقة التي رأتها في عينيه اقلقت دانيال . - لا يا حلوتي , لقد كانت اختك قلقة جدا عليك , لقد كنت تختبئين في اعماق اعماق التبت ولم تسمع عنك كلمة من سنة . وكان لابد من إعادتك بين الاحياء . فكرت سوزانا ان تجعلك تعتنين بالصغار كي تثبتي لنفسك انك تستطيعين ان تقومي بالرعاية المطلوبة . قالت وهي تشعر بالمهانة الشديدة : - من اجل ان اثبت لنفسي ؟ لقد هزئتما بي كل الاستهزاء , شكرا جزيلا , انظر ماذا كانت النتيجة. اشارت بيدها الى حجرة الطوارئ , قال بتلر: - من البداية لم أكف عن تكرار انني سأكون آخر شخص يطلب من دانيال رعاية الاطفال وكان عندي حق. تدخل ريمي : - هذه ليست غلطتك. سألته وهي تنظر إليه نظرة عذاب : - هل تعتقد ذلك حقا ؟ - لقد قلنا له ألا يذهب بمفرده إلى الغابة . - لم يكن ليذهب إلى هناك لولا أننا اصطحبناه إلى هناك يا عزيزتي. قالت وعيناها ممتلئتان بالدموع : - أنت لا تفهم الأمر. حاول ريمي ان يلف ذراعه حولها ولكنها دفعته. إنها مسؤولة وعليها ان تتحمل وحدها الحزن. لقد كانت على حق عندما رحلت بعد حادثة لندن. إنها لم تخلق للقيام بدور الأم ولا بدور المربية. في لندن ابعدها عملها عن واجبها وهنا استسلمت لحياتها العاطفية . ثم إن سوزانا جذبتها بالخداع إلى نيواورليانز ولأول مرة في حياتها شاهدت وجود حياة لا يمكن ان تكون لها مثلها ابدا. إن القدر لا ينقصه المزاح ولا القسوة. وكل هذه العواطف والأحاسيس والمشاعر لم يبق لها سوى ان تدفنها والجذور الهشة التي غرستها عليها الآن ان تنزعها . ودفاعا عن نفسها ستبرهن على نبلها , ستترك الابناء لوالديهم وبتلر لمؤمراته وريمي للشابة الصغيرة ماري وستعود إلى النشاط الوحيد الذي تلمع فيه. همس ريمي الذي كانت صورته الجميلة والضخمة وهيئته الشبابية تنعكس على المرأة خلفه. - لا تفعلي ذلك في نفسك. اختنق صدر دانيال عند فكرة انها ستفقده لماذا لم يتركوها لحياة التجوال والوحدة؟ لقد كان سهلا للغاية عدم الاهتمام بشيء لم يعرفه . والآن هي تعرف ما الحب وستعاني دائما ذكرى ما فقدته. حضرت ممرضة لتشرح لهم ان جيرمي يجب ان يظل تحت الملاحظة مدة يوم او اثنين , ولكنه تعدى مرحلة الخطر . ارتفعت الهمهمات وصيحات الارتياح في الجو. وضع ريمي يديه على كتفي دانيال واخذ يدلك عضلاتها المتصلبة ثم همس: - أرأيت . إنه سيخرج منها سالما. همست دانيال : - ولكن ليس بفضلي. دون كلمة حررت نفسها منه واتجهت نحو باب الخروج للمستشفى . أراد ريمي ان يتبعها لكن بتلر منعه: - دعها ايها الشاب وامنحها لحظات لتفكر. كانت هذه اللحظات كافية لدانيال ان تجد نفسها وسط ليل لويزيانا الحار وان توقف التاكسي الوحيد المتاح , وان تطلب من السائق ان يعيدها إلى نيواورليانز تاركة وراءها مدينة لاك وريمي وقلبها. نهاية الفصل | ||||||||||
04-07-19, 11:28 PM | #16 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| الفصل الثالث عشر فتحت دانيال ضلفتي بابا الشرفة حيث اندفعت هبة من الهواء الخانق مختلطة بروائح العرق الإنساني وشواء اللحم والمداخن ووصلت إلى حلقها. ضاقت انفاسها وعطست ثم تراجعت بسرعة إلى داخل حجرتها حيث القت بنفسها منهارة فوق الاريكة. ربما كانت مخطئة لأنها اختار مدغشقر . في البداية هربت إلى نيويورك ولكن ضجيج حي مانهاتن كان فظيعا وبعد ان كانت تتمتع برائحة الورود وزهور المانيو احست بالتقزز من نتانة اقذار الشوارع المكومة فوق الأرصفة . وفي خطواتها التالية في باريس كان مجرد ان تسمع الجميع يتحدثون الفرنسية يقلب كيانها , وكان قلبها يتوقف في كل مرة ترى فيها شابا اسمر له شارب, بعدها رحلت إلى سويسرا ثم إيطاليا واليونان واخيرا إلى بانكوك حيث جلجلة الاجراس وسط الليل تصم اذنيها, وتختلط بصوت صفارات البواخر وتشبه نفس صفارات البواخر التي تصعد نهر المسيسبي لذلك ولم يفتح اختيارها لبانكوك وكان اختيارها التالي هو مدغشقر لسبب بسيط انها لم تعد تتحمل رحلات الطيران أكثر من ذلك . وعندما استقر رأيها اتصلت بوكيلها لتخبره بأنها ستقوم بعمل ريبورتاج حول قردة الليمور ولكن منذ اسبوع وهي في تناناريف لم تستطع ان تتخذ قرارا للوصول إلى مكانها . لم تعد كاميراتها ماركة نيكون تعجبها منذ اخذت بها الصور من شهرين في الاحراش مع ريمي , لم يعد لديها طاقة إلا كي تبكي او تتقيأ. لأول مرة في حياتها لم يعد فنها يقدم لها الراحة والتسلية واحست انها مهجورة تماما ولأول مرة ايضا احست بالحنين للوطن وفكرت في لويزيانا بجنون وخاصة شوقها للناس. بعد رحيلها السريع كانت قد اتصلت بسوزانا لتعتذر لها , ومن ناحيتها اعتذرت لها عن انها خدعتها ولكن دانيال لم تحمل لها ضغينة لأن اختها غير الشقيقة تصرفت بنية حسنة. وانبت نفسها فقط لأنها لم تكن تستحق ثقتها بها ورفضت بحزم ان تعود إلى نيواورليانز كما طلبت منها سوزانا , الأفضل للجميع ان تظل بعيدا . بدا وكان ريمي قلدها هو الآخر حيث اختفى من ناحيته, اما بالنسبة لبتلر فإن ظهره شفي بمعجزة وظل بجوار سوزانا ليساعدها في رعاية الاطفال. الاطفال ! حتى هؤلاء الوحوش الصغيرة اشتاقت لهم بشدة . احست بأنها محرومة حقا مما تحبه فاحضرت صندوق صورها الذي تصحبه معها إلى كل مكان تذهب إليه لاحتوائه على ذكريات عزيزة عن إقامتها في نيواورليانز . اميرواز وقناعه لوجه رونالد ريجان فوق رأسه ونظرته البريئة رغم الكلب مجهول الأصل الذي يجري دائما في اعقابه , جيرمي وجولي وعيونهما البراقة وهي تحاول التسلل داخل جبلاية القرود في حديقة الحيوانات وتانيا التي هي فتاة صغيرة أكثر منها شابة وهي ترى صورتها في المرآة كفتاة لعوب . وكاميل وخصلة شعرها الوحيدة فوق رأسها مرتفعة لأعلى وذقنها الملوث بعصير الكريز وريمي يبتسم لها وريمي يشير لجيرمي بأصبعه إلى حدأة .وريمي نائم في المقعد الهزاز وكاميل بين ذراعيه , ريمي .. انزلقت دمعة على خدها وسقطت فوق قميصها . لم تحس ابدا انها مشتاقة لشخص مثلما تشتاق إليه. ولكن ليكن ما يكون , فهي عجوز بالنسبة له ولكن قلبها لم يشف بعد من منطق الحب الغريب . إنه سيظل أكبر حب في حياتها . وفي نوبة من الحنق والإحباط ضربت قبضتها سطح المائدة واسقطت بعض الدموع الإضافية غضبا من نفسها . لماذا كانت غير قادرة ان تتصرف على سجيتها وتستغل في أنانية ما قدمه لها ريمي . لا شك انه الحب الذي منعها ان تفرض عليه صحبة فنانة عجوز يسيطر عليها عملها باضطهاد. عملها فقط دون أي عمل منزلي. لهذه الأسباب مجتمعة وجدت نفسها في مغشقر بمفردها. نعم إنها وحيدة للغاية ... لا , ليست وحيدة تماما ففي داخلها مخلوق صامت ولكنه يذكرها بوجوده بتلك النوبات من القيء . دهشت عندما اعلن لها طبيب إيطالي انها حامل وان الحمل لن يتأكد إلا بعد مائة يوم. إنها تحمل طفل ريمي . إنها معجزة وواقع , تضاعفت دموعها إنها آخر امرأة في العالم تستحق اطفالا والحقائق المأساوية اثبتت ذلك. ومع ذلك تعويضا لها عن عدم وجود ريمي ستحتفظ بجزء منه وستكون .. لأنها قررت ان تكون بنتا لها عينا ريمي وشعره الأسود ولها غمازة في خدها الأيسر . تلك الفتاة الصغيرة ستذكرها دائما بالحب الذي شفي روحها وأضاء حياتها. ولكن هل من حقها ألا تخبر ريمي الذي عبر في مناسبات كثيرة عن رغبته في ان يصبح ابا ؟ لقد سقطت اخلاق دانيال سقطة رهيبة . اخذت تقرقش بسكويتا مملحا وفجأة تخيلت صورتها وهي منتفخة البطن على وشك الوضع. لابد ان تخبر ريمي بالتأكيد ولكنها تفضل الموت على ان تعهد بابنتها إلى ماري بروسار او أي شابة يختارها ريمي زوجة له. ولكن هل طريقة حياتها تسمح لها بأن يكون لديها طفل؟ إنها ستغيرها , من وقت طويل على اية حال لم تعد الأماكن غير المألوفة تسرها, إنها ستستقر ولكن هل مهنتها ستتيح لها وظائف اخرى؟ ستعمل اقل وستستاجر مربية دائمة مثل كل النساء الغنيات اللاتي يحتجن دائما لمن يساعدهن , إنها ستكون أما ولكن ستتلقي مساعدة. خلال بعض الأيام بعد هروبها تخيلت ان ريمي سيلاحقها ولكنها كانت مخدوعة , لا شك انه استعاد عقله هو يشعر بالخلاص لأنه استطاع ان يفلت منها بلا خسائر . واثناء تسللهما إلى الأحراش والمستنقعات اعترف لها انه يعمل اساسا مهندسا جيولوجيا , ربما عثر على العمل المناسب له. اخذت دانيال حقيبتها وخرجت من غرفتها , لم يعد يفيدها ان تظل وسط افكارها في الفندق , على اية حال تستطيع ان تفكر ايضا وهي تتنزه ربما يكون ريمي خرج من حياتها ولكن العالم مستمر في الدوران . كان هناك سوق مقام عند نهاية الشارع وستذهب لتتنزه فيه وتشتري شيئا لتأكله لأن معدتها بدأت تصرخ وانفتحت شهيتها . ثم ستعود إلى الفندق وتحجز مكانا في اول رحلة طيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية . سواء كان قلبها محطما أم لا فإن عليها ان تستمر في الحياة من أجل اثنين. لم يعر ريمي أي انتباه إلى المناظر المحيطة به , كل مكان يهمه هو المرور الكثيف في تناناريف والذي آخر سيارته الأجرة, لقد تبع دانيال حتى مدغشقر ويخشى ان يفقدها أي ثانية وتضيع منه مرة ثانية إذا لم يلحق بها في الحال. إنه لا يزال غاضبا لأنه لم يلحق بها في تلك الليلة المشهودة في لاك لأنه كان سيوفر على نفسه الحزن والقلق لو انه طلب يدها للزواج. وبدلا ان يفعل ذلك تركها تفلت من بين اصابعه . ولكن بعد ان يقنع نفسه بأن ذلك للصالح العام , لأنها تعشق الرحلات وهو يكره ان تتحرك بعيدا عنه إلا انه اكتشف انه لا يستطيع ان يعيش بدونها حتى ولو اضطر للانتقال إلى القطب الشمالي. توقفت سيارة الأجرة مرة ثانية واخرج السائق سيجارة دون عجلة من أمره . سبه ريمي في سره . اخرج رأسه من النافذة ليحدد من المسؤول عن هذا التعطيل , عندما وقعت عيناه فجأة على شعر أشقر يتخلله بعض الشعيرات البيضاء على بعد خمسين مترا منه كأن ذيل الحصان يسير قد صاحبه إلى نهاية الشارع وهو يتأرجح يمينا ويسارا. ما إن وقعت عينا ريمي على الساقين الطويلتين والكاميرا المعلقة في رقبة صاحبة ذيل الحصان حتى كان فوق الرصيف وألقى رزمة من الأوراق المالية للسائق المذهول , صاح : - انتظري يا دانيال ! ابطأت دانيال خطواتها وهي تعتقد انها ضحية هلوسة ولكن الصوت المنخفض المليء بالرجولة اعادها للواقع . حجب الزحام عنهما الرؤية . همست دانيال وكأنها تخشى ان تجعله يختفي لو نطقت اسمه بصوت أعلى. - ريمي ! وقف على بعد مترين منها وقد بدا عليه التوه والإرهاق . كانت عيناه بلون الدم وذقنه يغطي خديه اللذين دخلا أكثر مما تتذكر داخل وجهه. كان يرتدي جينزا وحذاء رياضيا وقميصا ورديا مكرمشا تماما بعد ان قضي ليلة في الطائرة , ومع ذلك بدا لها في منتهى الروعة بدرجة لم تره بها من قبل. قال بعد ان وضع حقيبة السفر على الأرض: - لست ادري إن كنت اقبلك أم أركلك من اجل الحزن والأسى الذي سببته لي يا حبيبتي . حلت دانيال المشكلة بأن ركعت على ركبتيها وقلبها يكاد ان يقفز من شفتيها , سارع ريمي وساعدها على الوقوف : - دانيال يا حبيبتي ! هل كل شيء على مايرام؟ تلعثمت : - ماذا تفعل هنا؟ - لقد امسكت بك وهو شيء مرغوب . - أعني كيف عرفت انني هنا؟. - لقد عثر بتلر على مكانك بفضل وكيلك . يا إلهي! كم أنت تنتقلين بسرعة شديدة يا حبيبتي ! يلزمني وقت حتى أتعود على سرعة وتيرتك. - ماذا تريد ان تقول ؟ همس : ان أقول أنني احبك , ولقد تضايقت لدرجة الجحيم وانا مزروع في الفندق . ثم استلزم الأمر مني وقتا حتى أتعود على فكرة ترك لويزيانا وأسرتي . ولكن كلما فكرت في ذلك زاد يقيني انك أنت أسرتي. سكت لحظة ليستجمع كل شجاعته . - اريد ان اتزوجك يا دانيال , اريد ان أحبك كل حياتي. رغم الدوار الذي احسته دانيال في رأسها استطاعت ان تحتفظ بتوازنها . ياله من حلم جميل ! ان تتزوج ريمي وتعيش سعيدة معه بقية ايام حياتها , ولكنه ليس حلما . قالت في حزن : - لا يا ريمي لا اسمح لك بأن تفعل هذا. كرر في لهجة عدم تصديق: - تسمحين لي , لقد تبعتك حول العالم كله واستدنت نقودا كي احجز رحلة إلى القمر وتقولين لي إنك لا تستطيعين ان تسمحي لي بالزواج بك؟ هزت دانيال رأسها نفيا : - انت لا تستطيع الزواج بي يا ريمي , انا عجوز وملعونة ويمكنك ان تعثر على من هي أفضل مني كثيرا. تزوج ماري بروسار وأنا واثقة بأنها فتاة لطيفة. قال وهو يقترب منها أكثر : - إنني لا اريد فتاة وإنما امرأة , إنني لا اعير تلك اللعنة الخرافية اي انتباه . إنه أنت التي اريدها يا ملاكي وأنا مستعد للذهاب إلى آخر العالم كي احصل عليك , ما رأيك في هذا ؟ رفعت دانيال عينيها وشحب وجهها وقالت : - اعتقد انني سأتقيأ. اخذت قدما دانيال تطرقان مربعات ارضية الحمام. بدأت تحس بأفكارها انها اكثر وضوحا بعد ان غسلت اسنانها بالفرشاة ونشطت وجنتيها . قالت : - في الحقيقة لا يريد احد ان يعيش معي يا ريمي أنا انانية رهيبة غير قادرة على التخلص من عاداتي ثم إن جسمي بدأ يترهل. هل ستتحمل ذلك؟ ابتسم لها ريمي وظهرت غمازته ونهض من فوق السرير الذي كان شبه مستلق عليه : - لأنني احبك ولأنك تحبينني ولكني لا أرى أي ترهل في جسدك إنه الوهم. اشرحي لي ذلك؟ - لست ادري, ولست افهم لماذا لا تزال تريدني بعد كل ماحدث؟! - لست مسؤولة يا دانيال لا على ما حدث لجيرمي ولا لطفل صديقتك . لو كنت ذهبت مع جيرمي لكان من المحتمل ان تصابي أنت بدلا منه وفي هذه الحالة ستكونين أنت المسؤولة , أليس كذلك؟ - نعم ولكن .... - أنت لا علاج لك . كل الناس يرتكبون اخطاء. همست بصوت مليء بالدموع: - لن استطيع ان اصبح واحدة منكم, هذا كل ما في الامر . إنها تحبه وترغب ألا تنفصل عنه, ولكن الرغبة شيء ومصلحته شيء آخر . احس ريمي ايضا ان عينيه مبتلتان . إن الخوف من ان يكتشف انها لا تريده وانها ليست في حاجة إليه لم يغادره ابدا ولكن اثناء اخذها حماما للإنعاش وجد صورا تعد دليلا دامغا على عكس ما تدعيه . لقد كانت دانيال تستتر خلف فنها وتعبر عن وحدتها عن طريق باب مغلق, وتعبر عن عاطفتها الجياشة عن طريق صورة طفل. قال بإلحاح: - لن أكون سعيدا إلا معك, لماذا لا تفهمين ذلك يا ملاكي؟ لقد اشتقت إليك لدرجة اعتقدت انني سأموت , لا يهمني إن كنت اعيش في مانهاتن او في اعماق الاحراش والبراري . ان بيتنا هناك حيث يوجد قلبانا وبالقرب منك. سالت دمعتان على خدي دانيال بينما اخذ فمها يرتجف . - اوه يا ريمي , إنني مستعدة لأن اعيش اينما تكون لو تأكدت ان الأمر سينجح ولكن لابد ان أفكر في وضعي. - قولي لوضعك ان يذهب إلى غير ردعة لأنني لا اهتم به. - ولكنك صغير جدا. قاطعها ريمي بإشارة من يده: - سنقوم بتسوية هذه المشكلة , هل لديك قل حبر ؟ تحيرت دانيال ونظرت إليه وهو يأخذ من فوق الطاولة ثم يخر ج ورقة مطوية من جيبه وزجاجة مزيل للحظ. سألته: - ما هذا ؟ - إنها شهادة ميلادك ويمكنك ان تشكري بتلر . - شهادة ...؟ ولكنك لا تستطيع ان تفعل ذلك! كان الوقت قد فات حيث وضع ريمي طبقة بيضاء فوق سنة الميلاد وهو يقول : - استرخي يا عزيزتي ودعيني انتهي . انفجرت دانيال ضاحكة في سعادة هسترية بينما عدل التاريخ إلى ما قبل سنة ميلادها الحقيقية ببضع سنوات : - هذا هو الوضع الآن يا عزيزتي , إننا نقترب من سن واحدة . اخذت دانيال الشهادة من بين يديه : - هذا امر لا يصدق , إنني احس بأنني صغيرة في السن. امسك بها ريمي ورقص معها رقصة مجنونة على موسيقى اصدرها من فمه , وقال لها : - هل لديك رغبة في الزواج؟ نظرت إليه دانيال نظرة مشدوهة وعاشقة , لماذا يلح ؟ إنه شديد التصميم وجذاب وماكر وأكثر عقلا من سنه. إنها ستكون ساذجة لو تخلت عن كل ذلك . قالت وهي تتبع خطواته في الرقص : - نعم ! - اتدرين , انني في حاجة إلى اخذ حمام طويل. - هل تريد مساعدة يا حبيبي ؟ - نعم . كان بريق السعادة يلمع في عيونهما . النهاية | ||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|