آخر 10 مشاركات
وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بالوقت الضائع (18) من لا تعشقي أسمراً للكاتبة المُبدعة: سمانور1 *كاملة & مميزة* (الكاتـب : سما نور 1 - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          2 -عصفورة النار - مارغريت بارغيتر -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          كيف لو كنت في البحر ! (الكاتـب : كَيــدْ ! - )           »          إيحــــاء الفضــــة (3) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة حـ(ر)ـب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          [تحميل]ليالي.. الوجه الآخر للعاشق / للكاتبة رحاب ابراهيم ، مصرية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رَقـصــــة سَـــــمـا (2) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-12-19, 04:25 AM   #761

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,976
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


تسللللم ايدك
لك مني كل التحية


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 10-12-19, 07:32 PM   #762

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا ان شاء الله بعد أن أقوم بتنزيل فصلي غدا سأرد على جميع التعليقات العالقة🌹🌹🌹🌹🌹🌹تعليقاتكم ومساندتكم ودعائكم لي أسعد قلبي جدا ... شكرا لكم..
.

ثانيا أتيتكم باقتباس قصير لابن آل عيسى بعد أن تلقى صدمة أخرى من صدمات جده الخواجي 👇🏼👇🏼👇🏼✌✌✌


كان على وشك تجاوز بوابة المصحة حين تذكر مسؤوليته نحو الرجل القابع في العناية المركزة وزوجته التي رفضت الرحيل، تروح وتجيئ بين الحمام وغرفة الصلاة، فتسمرت قدميه رافعا رأسه الى السماء، صدره يكاد ينفجر من الضغط ورأسه ضائق بأفكاره العاصفة فتحترق ضفاف مقلتيه غير قادر على ذرف دمعة واحدة.
الى أين يذهب؟
أي مكان هذا الذي سيحتوي حممه المحرقة؟
يسمع منه دون أن يحرك لسانه؟
يشعر به دون أن يرفع صوته ويصرخ بال...آآآآآآه؟
ما الذي يحدث بحق الله!
ليته ظل هناك ولم يعد!
ليته اكتوى بصقيع غربته خير له من حرقة قلبه!
ليته تناسى جذوره هنا وكل ما ربطه بأرض أجداده وظل أسيرا لحيرته وعقده التي سجنته هناك!
لو لم يعد لم يكن ليعلم عن أي شيء وحتى حين يفتضح أمر جده لن يكون حاضرا ليتلبسه العار والخزي!
لن يرسل نظراته عبر مقل اصدقائه بحثا عن حقائق توجع قلبه من اشمئزاز ونفور أو حتى الشفقة التي لا يجد غيرها أو ربما يتوهمها هي الأخرى والحقيقة أن ما يحرق صدره شعوره هو بالخجل والخزي!
كل شيء يتعلق به هو!
تراجع خطوة مستديرا ليعود إلى المصحة فلمحهم!
أصدقائه في ظهره، يلحقون به كل خطوة، ينتظرونه مراقبين ومترقبين.
بلى... كل شيء حتما يتعلق به هو!


انتظروني بإذن الله غدا مع الفصل السادس عشر من قلوب هجا الحق شتات تقواها



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 11-12-19 الساعة 10:27 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 10-12-19, 09:57 PM   #763

شوشو 1234
 
الصورة الرمزية شوشو 1234

? العضوٌ??? » 411586
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 384
?  نُقآطِيْ » شوشو 1234 is on a distinguished road
افتراضي

تسلمييين ومنتظرينك باذن الله ياقلبي💕🍃💕🌸🌸🍃💕💕ولا يحرمنا من ابداعك😘

شوشو 1234 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-19, 10:57 PM   #764

همسات ملائكية
 
الصورة الرمزية همسات ملائكية

? العضوٌ??? » 378897
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,197
?  نُقآطِيْ » همسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond reputeهمسات ملائكية has a reputation beyond repute
افتراضي

ننتظرك على احر من الجمر

موفقه غاليتي


همسات ملائكية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 04:09 AM   #765

فرح وهبة
 
الصورة الرمزية فرح وهبة

? العضوٌ??? » 427362
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 291
?  نُقآطِيْ » فرح وهبة is on a distinguished road
افتراضي

ألف سلامة عليكي يامنمن الرواية رائعة وزي ما قلتلك على الفيس مقدرتش اصبر واستني تخلص وقررت أقرأها والتفاعل معاكو عارفة اكتر حاجتين عاجبني انك بتحرصي على الأمور الدينية في علاج مشكلات المجتمع وحرصك على رابطة الصداقة في كل الأجزاء وفعلا الصديق اما عون لصديقة او سبب لهلاكة وبتمنى انك تعملي جزء او رواية تحطي فيها خلاصة تجربتك ومعلومات عن التعامل وتربية الاولاد مش كل ام وأب اتربو تربية دينية سليمة انا عن نفسي متأثرة جدا بصبر في الرواية السابقة جدا نفسي اربي ولادي زيها بس حاسة نفسي تايهم ومش عارفة ابدأ ازاي انا بستفيد من رواياتك ياريت تفيديني في النقطة دي
جزاكي الله كل الخير وعلى فكرة مخفتش من الملكة ههههه ولسة بحب بهيج مفيش احلي وأصدق من التائب والعائد لربنا بحسة اكتر واحد راجع عن قناعة واكترهم بعد كدا صد للشهوات ربنا يحفظنا ويرحمنا جميعا


فرح وهبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 01:49 PM   #766

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
تسجيل حضور
بانتظار الفصل ❤❤❤❤


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 05:32 PM   #767

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

دا مش تسجيل حضور، دا تسجيل عتاااب.
أغيب يوم أرجع ألاقي اقتباس نزل بدون ما حد يقولي.
ليه طيب؟ إليك في حاجة يا أستاذتي؟😒


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 10:02 PM   #768

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السادس عشر


و أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي .. ولكنا إذا متنا بعثنا لنسأل بعدها عن كل شي !....عمر عبد الكافي


*منزل الخواجي*

تستدير عنه فارة بعينيها الكارهتين تخفي عنه حقدها، تجيب صياحه الغاضب ببرود تام لا يعبر عن النار المشتعلة داخل أمعاء بطنها المسطحة التي تضع عليها احدى كفيها بينما تتخصر بالثانية.
)ليس ذنبي أنك أخفقت في مساعيك... لقد فعلت كل ما علي فعله ولسنوات... كما فعل أبي من قبل... )
كان قد ألقى بعباءته وسترة بدلته متخصرا هو الآخر وسط غرفة نومهما حيث وجدها حين عاد من الخارج يتميز غيظا تملكه من بعد صدمة اجتاحت خلايا عقله وشلته للحظات طوال يستوعب فيها خبر صحوة صهره عبد الله من الغيبوبة، يجيبها بنفس النبرة الغاضبة الكاشفة لحقيقة ملامحه البشعة خلف قناع اللباقة المزيف، كواجهة مناسبة لجمال خلقته الربانية.
)ماذا تقصدين بأنني أخفقت؟)
حينها استدارت تقترب منه بخطوات متمهلة، باسطة ذراعيها المستورين إلى رسغيها بقماش حرير ناعم ملتصق ببشرتها كالتصاق باقي منامتها الذهبية البيتية إلى حدود الركبتين، تجيبه بنفس البرود المستفز والذي يمنح زرقة عينيها مظهرا زجاجيا مخيفا.
)سِحر عبد الله قد تم إبطاله صباح اليوم من طرف حفيدك وأصدقائه من بينهم الأبله ابن عمي... وطبعا هذا ليس شأني كما ليس شأني الممرض الذي يمد صهرك بمصل الغذاء والدواء طوال السنوات المنصرمة... لقد كنت واضحة كما كان أبي معك واضحا... الشيطان الحارس للسحر الأسود الذي عقدته يقوم بالضغط على منطقة في المخ ليمنع وصول الأوكسجين إليه فيغيب عن وعيه دون سبب واضح... لكن كلما قرأت زوجته أو أحد ما جواره القرآن سيخف أو يختفي تأثير الشيطان... وهنا يأتي دور الممرض الغبي الذي استخدمته ليتأكد من عدم استعادته لوعيه... فبدل أن تأتي لتصب جم غضبك علي... الأحرى بك أن تسأل مستخدميك عديمي الجدوى.... كالذين يراقبون حفيدك حتى الآن دون أن يكتشفوا معلومة واحدة عن مكان علوان....)
اشتد فكاه المكسوان بلحية قصيرة، أغلب خصلاتها سوداء رغم سنه المتجاوز للسبعين، يجيبها بغضب تركز وسط ظلمة مقلتيه الحادتين.
(وأين ما وعدتني أنت به؟... أين الطفل؟... )
لوحت بذراعها مستنكرة بادعاء متقن.
(وهل تزوج حفيدك من أختي؟)
فكان رده عليها مع نظرة مشككة.
(هل تعلمين ماذا أظن يا رواند؟)
تلكأ ليمسك بذقنها، يعتصره بين أصابعه بحدة مؤلمة.
(أظنك عاجزة عن الوفاء بوعودك الفارغة... لكن لا تعتقدي أبدا أنني سأخسر ما عشت حياتي كلها أجمعه وأحققه... أنت الخاسرة الوحيدة هنا حبيبتي.... فكوني ذكية كما عهدتك... وركزي معي جيدا... فالآتي آخر معاركي مع الحياة ... ولن أخسرها مهما فعلت ومهما لزمني من تضحية... وأنت تعلمين ذلك جيدا... كما كان والدك يعلم....)
استل سترته من فوق المشجب وغادر متجاهلا العباءة فزفرت باشمئزاز قبل أن تبحث عن هاتفها، تطلب رقم شقيقتها لتحرك لسانها بعد برهة بنفس القسمات المتشنجة بقرف.
(حان وقت الخطة البديلة... يجب أن أحمَل في أقرب وقت ممكن...)
....................

*مصحة الشفاء الخاصة... المدينة السياحية *

يقف الأصدقاء الخمسة جنبا إلى جنب في موقف مهيب، وسط الرواق، ينظرون الى الطبيب الذي ترك المريض أخيرا بعد فحوصات عدة، بدأوا بإجرائها ما إن وصلهم قبل سبع ساعات تقريبا، محملا داخل سيارة اسعاف تابعة لهم، طلبها يوسف آل عيسى أحد أقرباء أيوب آل عيسى صديق مقرب لصاحب المصحة والذي باشر مهمة فحص المريض ورعايته بنفسه.
(المريض لم يكن في غيبوبة مرضية ... )
كان ذلك أول ما ألقى به الطبيب قبل أن يكمل بحرفية، يحاول تبسيط ما توصل إليه.
(بشكل ما كان الأوكسجين لا يصل الى الدماغ كما يجب... مما سبب له مضاعفات تفقده وعيه لمدة طويلة لكن متقطعة... وهذا يعني أن المريض لم يكن في غيبوبة تامة كما سبق ونوهتم به .. كما أننا نشك في شيء ما ظهر مع تحاليل الدم الأولية ... يصعب الجزم به قبل الغد إن شاء الله حين تظهر باقي نتائج التحاليل... )
شمل نظراتهم الحائرة بخاصته العملية ثم أضاف.
(دم المريض يحتوي على آثار لبعض الأدوية الغير مناسبة لصحته وبدل أن تساعده على الصحوة تساهم في إفقاده وعيه ... ويبدو أن كائنا من كان يزوده بها لم يفعل مؤخرا... وهذا من الأسباب التي ساهمت في استعادته لوعيه الكامل بإذن الله...)
نظر الشباب نحو الحاجة زوجة عبد الله بتساؤل أرعدها، ففي النهاية هي امرأة بسيطة، خائفة بل مرعوبة! خصوصا بعد قول الطبيب الحازم.
(نحن مضطرون لإبلاغ الشرطة كي نخلي مسؤوليتنا ... لأن التشخيص الأولي يدل على محاولة إبقاء المريض غائبا عن الوعي طوال الوقت... وغيابه الطويل عن الوعي تسبب بأضرار مختلفة في أعضائه كالالتهاب الرئوي والتهاب الأمعاء... وأيضا هناك بعض التقرحات في مناطق مختلفة من جسده بسبب رقوده الطويل ...طبعا لن يتمكن من السير ولا التحرك بطبيعية سلسلة إلا بعد حصص علاج فيزيائي كثيرة.... أستأذن منكم ... سيد يوسف لا تقلق بشأن المريض سيتلقى الرعاية المناسبة بإذن الله.... ونسأل الله أن يشفيه ... )
أومأ له يوسف بامتنان ثم اقترب من جرير الذي سبقه الى الحاجة، يسألها بحذر ونبرة لطيفة كي يخفف عنها الشحوب الطاغي لبشرة وجهها المتجعدة بسبب الهم.
(هل حقا كان الخال عبد الله يستيقظ أحيانا يا خالة؟)
بنظراتها المتوجسة، تسللت الكلمات من بين شفتيها المرتعشتين، مهتزة.
(أجل... يفتح عينيه لكنه لا يعي شيئا من حوله... أحدثه باستمرار دون رد منه... وذلك الممرض قال!)
(الممرض!... كيف نسينا هذا!)
تدخل يوسف بإدراك متأخر صادم.
(كيف تاه عن فكري أن هناك من يراعيه ويمده بالغذاء والدواء من خلال المصل؟.... لابد وأنه...)
تدخل جرير، يقاطعه بريبة.
(نحن نعرف عن الممرض يا يوسف... هو من البلدة... الجميع يعلم أنه يراعيه.... لكن!... كيف كنا سنشكك بأمره ونحن لا نعلم أصلا ما هي عِلة الخال عبد الله؟)
رفع يوسف كفيه، يقول بجمود غاضب.
(وبعد ما قاله الطبيب... يبدو المتهم الوحيد الظاهر أمامنا...)
ثم التفت الى الخالة المتابعة لحديثهم بقلق، يسألها.
(ماذا أخبرك حين سألته عن حالات وعيه؟)
بلعت ريقها، ترد بوجوم.
(أن ذلك يحدث مع حالات الغيبوبة ولا يعني شيئا...)
التفت الى جرير بنظرة ذات معنى فاستل هاتفه، يقول بحزم.
(سأهاتف هشام وأبلغه بالتطورات...)
(رواند هاتفتني قبل قليل)
تحدث بهيج فنظروا نحوه ليكمل بتحذير جاد.
(اللعب صار على المكشوف يا يوسف... يجب أن تحرس خال والدتك جيدا ...لأن جدك غاضب جدا... )
أظلمت مقلتا يوسف بتفكير عميق انبثق من خلاله إصرار وعزم غريبين فسحب هاتفه باحثا عن رقم لم يستعمله منذ مدة سوى ليصل رحمه ويمد حبل الود بعائلة والده.
(عليكم السلام... كيف حالك ابراهيم؟)
صمت قليلا ينصت بينما نبيه يجاوره، مراقبا بحرص حركة شفتيه.
(بخير الحمد لله... في الحقيقة أنا أحتاج إليك في أمر خطير.... ولا أعلم بمن أثق هنا... لذا فكرت في الاتصال بك وقد نبهتَ علي مرات عدة بأن أفعل..)
وصله تساؤل ابن عمه القلق عبر الأثير فبدأ بسرد التفاصيل حول جده والألم جراء ذلك يعتصر قلبه وكم كان ابراهيم مشفقا، مواسيا، يشاركه إحساسا نال منه في الماضي ومن أقرب الناس إليه، احساس الخزي والخيبة.
(لا تقلق يا يوسف... سأرى ما يمكنني فعله... وإذا كان حقا ما أخبرك به صديقك... فسيكون هناك ملف تحقيق مفتوح خاص بالخواجي... أمهلني الى الغد بإذن الله وسأتصل بك....أما في ما يخص حراسة خال والدتك... أعرف بعض الرجال المناسبين... سأرسل إليك باثنين حالا! ... اعتني بنفسك... وهون عليك... ستتعود وتتعلم كيف تتعايش مع مشاعرك المؤلمة... واحمد الله أن والديك صالحين... وإن احتجت لأي شيء اتصل بي أو آتي إليك بنفس؟)
)لا! ... من فضلك لا تتعب نفسك... أنا بخير... سأنتظر مكالمتك!)
أجابه باقتضاب وجرير يعود للاقتراب منهم بعد أن أنهى مكالمته هو الآخر، يرمقه بتساؤل بينما يخبره بتطوراته.
(سيقوم هشام باتصالاته ثم يأتي إلى هنا حين ينتهي... ما يهم الآن هو الوقوف مع الخالة لأن الشرطة ستركز عليها أولا... لأنها الزوجة والتي تسكن وترعى زوجها لحالهما في بيتهما...)
هز يوسف رأسه، معقبا.
(ابن عمي ابراهيم آل عيسى وعدني بالمساعدة في ما يخص التحقيقات ... وأيضا سيرسل حراسة لخالي عبد الله.... ما ينقصنا الآن هو محامي جيد...)
رفع جرير كفه يقاطعه.
(هذا أيضا... هشام سيرسل أحد معارفه يثق به... )
(هلا نظرتم إليها؟... أظن أنها سيغمى عليها في أي وقت...)
تدخل مؤنس بنبرة مشفقة قبل أن يسبقهم إليها، يحاورها ببطيء ولطف وهو يقودها لتجلس على أحد المقاعد الحديدية في الرواق قبل أن تخونها قدميها المرتعشتين.
(لا تخافي يا خالة... كل شيء سيكون بخير.. أنت ضحية مثل ابنك وزوجك... فقط لا تخفي عن الشرطة أي شيء... أخبريهم بكل ما حدث بالتفصيل... )
ازدردت ريقها، تمسح على شفتيها الجافتين بطرف طرحتها بينما تشملهم بنظراتها الخائفة فيجاورها يوسف، يربت على ركبتيها مساندا.
(لن نتركك يا خالة... لقد وعدتك وأظن أنني نفذت وعدي لك... فثقي بي ... ان شاء الله نحن معك ولن نتركك حتى يأخذ الظالم جزائه...)
رمقته بشك، تقول.
(إنه جدك... ورئيس المجلس الجماعي... له نفوذ وسلطة... ولقد سبق وشهدت تنفيذه لتهديداته التي وجهها لزوجي... هذه المرة لن أتحمل..)
رف يوسف بجفنيه، يخفي الأسى والخزي بقوة خلف جفنيه التين عاد الى رفعهما، قائلا بتصميم.
(هذه المرة كل شيء مختلف... توكلي على الله... وبإذنه ستعود الحقوق الى أصحابها... وخالي عبد الله وعلوان سيكونان في أمان ولن يمسهما سوء... لكن لا تخفي شيئا عن الشرطة وأخبريهم بكل ما حدث منذ البداية ....)
هزت رأسها بوجل والدموع تنهمر فوق وجنتيها الشاحبتين، تحكي قصة شقاء عاشتها وحيدة، تتجرع الرعب أنهارا متدفقة.
.................

*بعد العشاء بقليل .... حديقة المصحة*

يدس كفيه داخل جيبي سرواله بينما يقف باستقامة، يتأمل الحديقة الخالية من الحركة التي ملأتها قبل ساعات، يسأل الذي يقف جواره، يتأمل نفس المشهد.
(ماذا سيحدث الآن؟ لقد ظننت أنهم سيأخذون معهم الخالة الى المركز لاستكمال التحقيق؟)
لم ينظر نحوه وهو يجيبه مفسرا.
(هل تعلم أن نظام عملنا رغم استفزازه للأعصاب... إلا أن فيه طريقا ملتويا كما يخدم الضلال يخدم العدل؟)
التفت إليه جرير متسائلا عن المعنى الذي فاته، ليقابله وجه هشام الباسم بشقاوة كالعادة، يستدرك.
(مهما كان الخواجي يملك نفوذا وعلاقات ... ففي هرم السلطة دائما يوجد الصديق والعدو.... ومن يحفظ الخريطة ويعلم كيف يحرك أحجار الرقعة... يحقق أهدافا مبهرة... لكن حين يقابل حائطا متينا صلبا... حينها فقط بكل تواضع حكيم يستسلم ويتراجع كي لا يصطدم بالحائط فيتفتت إلى أشلاء... أو الألعن يذعن له ويستظل به فيقع في نفس الفخ الجارف نحو الجحيم .....)
رفع جرير حاجبه الأيسر، يطالبه بدهاء.
(وهل سبق وواجهت حائطا متينا؟)
هز رأسه ببسمة متسعة، يجيب بشقاوة تناسب قسماته الرفيعة ذات الوسامة المليحة.
(لا! ليس بعد والحمد الله... ولحد الآن أنا على طريق جيد فيما يخص الخواجي... فكما كوّن صداقات المصلحة... أهمل أخرين ينتظرون الفرصة ليقضوا عليه... ليس أن هؤلاء أفضل منه مثلا ... لكن لابأس لكل أوانه... وأنا أتمنى أن يكون أوان الخواجي قد آن... حين هاتفتني قمت بتبليغ الرجل المناسب ...والذي شرحت له ما ينتظرهم وعرضت عليه ملف التحقيق الجاري بشكل سري عن الخواجي ... ولم يحتاج سوى تلك الدفعة ليتحرك الفريق المعني باهتمام.... وجعلت آخرين يبلغون من هم أعلى في الهرم والذين سيستغلون ذلك لصالحهم... وباللعبة القذرة المعتادة سيجد الخواجي نفسه مطرودا وحيدا في أسرع وقت.... ولا تنسى أن انتخابات البلدية قريبة... يعني إذا صدر القرار سيلقون به الى سلة المهملات دون رجعة....)
تنهد جرير مستنشقا الهواء بعمق ثم قال بجمود.
(للأسف سيختفي هو ويظهر آخر مثله أو ألعن منه.... وكما قلت أنت تستغل اللعبة القذرة في حرق بعض الكروت الفاسدة بأخرى قد تكون أشد فسادا... رغم سروري بالقضاء على ظلمه... لكن الطريقة تثير غضبي... )
ربت هشام على ذراعه ثم قال وهو يسحب من جيب سرواله علبة السجائر، يشعل واحدة.
(صدقني!... لولا ذلك ما استطعت الاستمرار في عملي... اخوتي يستسلمون للعقاب الذي ينزل عليهم كل مرة يواجهون فيها جدارا صلبا ... فيرفضون الحرام حتى لو كان بأمر مباشر من الذي فوقهم... لكن أنا لحد الآن لازلت أراوغ... واستغل الصداقات والعداوات... هل ذلك حظ أم ذكاء لا يهمني؟.. على قدر ما يهمني معرفة إن كانت نعمة أم نقمة ستدمر حياتي يوما ما؟...)
التفت إليه يمنحه نظرة لأول مرة يلمح فيها جرير مرارة أخفاها بسرعة، مستعيدا نظراته الشقية بمكر يداعب ثغره المحتضن للسيجارة المشتعلة.
(على الأقل أطمئن نفسي وأريح قلبي بأنني أخدم العدل ... وانتصر للحق...ومادمت بعيدا عن الحرام ولا أدخله بطني... فلابأس من استغلال بعض الظالمين لتدمير آخرين مثلهم...)
أمال جرير رأسه بنظرة غامضة قبل أن يشير الى السيجارة بقوله الساخر.
(ها أنت ذا تدخل الحرام لصدرك وليس فقط بطنك؟....هل يعرف والدك بأمر التدخين هذا؟)
رفع كفيه يدعي ارتباكا مفتعلا رغم نظرة التوتر التي عبرت مقلتيه سريعا، يجيب بمرح.
(لا يا رجل... هل تريد أن أفقد هيبتي أمام نفسي؟)
(نفسك؟)
سأله جرير بضحكة ذاهلة فضحك هو الآخر بينما يجيبه.
(لأن لا هيبة صنعتها أمام أبي... حاولت كثيرا حتى استسلمت أخيرا.. لكن إن علم بأنني أدخن سيعاقبني تماما كما لو أنني لازلت في الرابعة عشر من عمري .. وحينها سأفقد هيبتي أنا أمام نفسي...)
هز جرير رأسه بيأس، يعقب.
(رغم كل المساوئ في بلدتي إلا أن اعتبار التدخين عيبا وحراما وخطرا على الصحة إلى درجة أن من يريد التدخين يفعل ذلك بعيدا عن أهله وفي الخفاء ... من الأمور التي أعشقها في الوادي ... )
رمى هشام السيجارة تحت قدمه يسحقها ثم التقطها ليلقي بها داخل مكب صغير للنفايات، يجيب بحرج حاول إخفائه بمرحه المعتاد.
(أعترف بذلك... وأغلب من ابتلي بالتدخين مثلي حدث بسبب خروجنا أثناء الدراسة بعد الثانوية من الوادي... وتأثرنا بصداقات وجو المدينة المختلط ...)
صمت جرير مكتفيا بهزة رأس متفهمة فاستدرك هشام بينما يهز حاجبه بشقاوة لا تفارقه.
(مبارك عليك الخطبة... علمت أنك ستتزوج قريبا...)
كتف جرير ذراعيه، يجيبه بينما عيناه تسرحان نحو أعمدة النور القصيرة المنتشرة بين أشجار الحديقة المنظمة بطريقة محببة للعين.
(بارك الله فيك... العقبى لك...)
هز كتفيه رافضا بينما يقهقه بمزاح.
(لا يا جرير... ليس بعد ...دعني استمتع بشبابي من فضلك...)
ارتد رأس جرير بتمثيل درامي يدعي الامتعاض.
(من حسن حظ الفتيات ... فمن سترضى بك بينما أنت هكذا! ... تظن نفسك خفيف الدم... تمزح طوال الوقت... ورائحتك...)
جعد أنفه بمعنى خاص فارتفعا حاجبي هشام، يهتف باندفاع.
(أي رائحة يا رجل... أنا لا أدخن طوال الوقت... وأحافظ على نظافة فمي ونفسي...)
قابله بسخرية سمجة بينما يرد عليه باستخفاف.
(هذا ما يظنه كل مدخن... لكن مع الدوام... الرائحة تلتصق به مهما نظف وعطر.... اسأل من شئت ... وسترى الجواب.... ألا ترأف برئتيك يا رجل؟ ... غيرك يحافظ على صحته ويداوم على الفحص الدوري وقاية من السرطانات والالتهابات ... وأنت تدخل النيكوتين والقطران والبلاء الأسود إلى صدرك دون رحمة .... من رأي... هكذا أفضل... لا تتزوج وتبلي فتاة صغيرة بزوج مريض...)
مع كل كلمة ساخرة تخرج من فم جرير كان فم هشام يتمطط بضيق ممتعض حتى انتهى الأول ليعقب الثاني بجفاء.
(كما أخبرتك لا أدخن كثيرا... ولست نتِنا... لنغلق هذا الموضوع ... من الأفضل لكلينا...)
هز جرير كتفيه باستخفاف اختفى لتحل القسوة مكانه حين استدرك هشام بجدية.
(دعني أخبرك عن المهم... حققت حول أمر قريب الخواجي الذي أدخله بشكل غير قانوني ليعالج والدك ... ولن تصدق ما اكتشفناه من خلاله وعائلة الخواجي الكريمة..)
اقترب منه مسيرا يركز على كلماته المتلاحقة من بين شفتيه.
(الخواجي ابن لوالدين أجنبيين توفيا أثناء عطلة قضوها هنا... في حادث سير ألمّ بحافلة وطنية ...وكل ما توصلوا إليه في التحقيقات أنهم استقلوا الحافلة من العاصمة وحتى الأوراق لم يجدوها لأن الحافلة انزلقت لتغرق وسط واحد من أكبر أنهار البلد ... الناجون كانوا قليلين جدا من بين أربعين شخص ...نجى منهم ستة فقط....خمسة بالغين وطفل بعمر الثلاث سنوات...)
قطب جرير بحيرة وهشام يسترسل بما توصلوا إليه.
(المهم بدون ذكر تفاصيل كثيرة... انتهى الصبي عند عائلة معروفة تبنوه ونسبوه إليهم...)
(لكن ذلك حرام شرعا ولا يجوز..)
هتف جرير باستنكار فلتوت شفتا هشام بتبرم وهو يكمل.
(توفي صبي لتلك العائلة في نفس عمر الطفل اليتيم حينها ونسبوه إليهم .. هذه معلومات سرية ... توصلنا إليها بطريقة لن تصدقها ... وليس هناك أي اثبات خطي ... لا وثائق لا صور لا شيء... سوى حديث استدراج لوالدة قريبه الدكتور من طرف ممرضة عينوها لرعايتها ... طبعا أنا بسبب فضولي الحارق ... راقبت الخواجي كثيرا حتى حصلت على كوب تناول منه القهوة في مقهى وادي الحقول... كما فعلت مع قريبه لأن الخواجي وحيد والديه اللذين نسباه إليهما... ولك أن تحزر النتيجة...)
فغر جرير شفتيه بذهول مما يسمع وهشام، يكمل بظفر لمعت به مقلتيه.
(لا علاقة بين حمضهما النووي إطلاقا... كل هذا لازال طي الكتمان يا جرير... الآن بدأت أفهم سر إصراره على امتلاك الأراضي والحقول كي يشعر بانتمائه... فلطالما تساءلت عن سبب تخليه عن إرث عائلته لأعمامه وأخواله... وكان الوحيد الذي لم يرث أي شيء من أملاك عائلة الخواجي المعروفة بثرائها ونفوذها.... لابد وأنهم هددوه بفضحه ... فخشي على سمعته وفضل بناء حاشيته بعيدا عنهم... وليحقق ذلك كان لزاما عليه أولا استغلال علاقات عائلته في احتلال منصب مهم ثم استضعاف أهل الأرض التي تولى رئاستها ولن يحقق ذلك سوى بتشتيتهم ونشر أنواع الفتنة للتفريق بينهم بالنزاعات... ليظهر هو بصورة البطل المغوار ... حلال المشاكل بينما ذلك مجرد واجهة يحقق من خلفها مطامعه الشرهة ...)
زفر جرير بذهول صادم ثم قال بتعجب لم يغادره.
(سحقا! يبدو أنك محق يا هشام ... سمعت الفقيه يقول سابقا بأن العصبية والعنصرية بين أبناء البلدة بدأت بعد تولي الخواجي لمنصبه... فأضحت النزاعات بين الأشراف والأصليين تتكاثر وكل جهة تتهم الأخرى بتحقيرها والتنكيل بها... بينما أي طفل صغير سيعلم بأن الأشراف حين قدموا إلى الوادي قبل قرون من الزمن التحموا بأهل الوادي الأصليين واختلطت أنسابهم فلم يتبقى سوى عوائل معينة معروفة من الجانبين ... وهذا ما استغله الخواجي ليثير به الشكوك والنزاعات بينهم بشكل دائم... حتى أسموا الشارع الكبير والوحيد في البلدة باسم شارع الشرفاء... هل تذكر ذلك قبل خمس سنوات؟...)
أومأ هشام موافقا، يجيب بانزعاج.
(بلى والدي كان متأكدا بأن هناك من حرض المعروفين من الأصليين ليتشاجروا معهم ويستنكروا فعلتهم... وكان الأمر سيتطور لشيء بشع لولا رحمة الله.... وكم حاولوا ذوي الحكمة والطيبة مثل الفقيه ووالدي تهدئة الوضع لكن عبث... حينها تدخل الخواجي كعادته يستعرض عضلات سلطته تحت عباءة الاصلاح بين الطرفين... وانتهى الأمر بأن أقنع الأصليين بأن الشرفاء من حقهم الشعور بانتمائهم للأرض حتى لو كان بشيء بسيط كتسمية الشارع الرئيسي بلقبهم... بينما هم لهم الحقول كرابط قوي يربطهم بالأرض... حينها التقط الكثيرون من الشباب حقيقة الخواجي وما يحاول فعله بتعزيز الخصام والتفريق بينما هو يوحي بالعكس تماما.... إنها القاعدة الغبية المعروفة... *فرق تسد* .... لكن أين الفطنة الضائعة بين الغضب والعصبية الحمقاء؟ ....)
مسح جرير على وجهه، يعقب بعد أن تنهد بكئابة.
(كيف سأخبر يوسف بكل هذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! ...)
ثم نظر إليه يضيف بانزعاج.
(لم أرى في حياتي محب وفخور بعائلته وأصله كيوسف... وكم تألم منذ أن بدأ باكتشاف حقيقة جده....)
ضم هشام شفتيه بحذر بينما يحك جانب دقنه الحليقة، يقول.
(إن كان يجب أن يعلم منك فيجب أن تسرع بذلك... لأن زميلا لي اتصل بي قبل قليل... ليخبرني عن ابراهيم آل عيسى النائب عن منطقة الجبال الجنوبية في مجلس البرلمان كلف رئيسه ليأتيه بجميع المعلومات حول الخواجي... وهذا يعني أن غدا ان شاء الله سيكون الملف بكامل ما أخبرتك به الآن حالا عنده....لذا!)
علق حديثه بهزة كتف ورفعة حاجب ذات معنى فزفر جرير، يرد بضيق.
(الموضوع اتخذ طريقا بشعا... أوووووف!)
(ما هذا الذي أصبح بشعا؟)
كان ذلك مؤنس الذي قاطع حديثهما متسائلا بريبة فتحدث هشام، يستعد ليغادر.
(حسنا أنا سأغادر إلى البلدة... أمّنت حراسة للمريض... كما لمحت حراسة خاصة قبل قليل جوار غرفته.... وإن كان أحدكم يريد العودة فأنا معي سيارة...)
لازال مؤنس يناظر جرير بتساؤل حين رد الأخير شاكرا بوجوم.
(مؤنس أحضر سيارة أخيه ... وسنعود بها ان شاء الله... شكرا لك على كل شيء...)
أومأ له بصمت وغادر فنظر هو إلى ابن عمه قليلا قبل أن يزفر مرة أخرى وهو يسحبه قائلا بانزعاج.
(تعال معي يجب ان أخبركم بما عرفته...)
...............

*منزل الحاج محمد... في نفس الوقت*

مع آخر كلمة من الصفحة، أغلقت الكتاب وألقت به على السرير ترمقه بملل وقنوط، طرفت بأنظارها نحو هاتفها ثم الحاسوب لتزفر مرة أخرى.
أنها تهرب من الشبكة العنكبوتية خوفا من حصاره، شيء مثير للسخرية أن تشعر بتلك الرسائل ومنشوراته حصار لها وكأنه بكل كلمة أو حضور أو حتى ملصق إلكتروني يدفع بالدم ليهدر بقوة داخل صدرها، يأمرها بالغرق في عمق بحاره أكثر وهي لا ينقصها حقا!
مع كل الحيرة التي تحاوطها وهي التي لم تستوعب بعد صدمة تحقق حلمها الذي ظنته الى وقت قريب بعيدا بين النجوم.
شعرت بحركة فرفعت رأسها عن سهوها في هاتفها المغلق، لتلمح شقيقتها الصامتة منذ ما حدث في الأمس، ترتب بعض الملابس التي قامت بطيها.
أغلقت باب الدولاب في نفس اللحظة التي ضيقت فيها شقيقتها عينيها تسألها بحذر متوجس.
)هل تخاصمينني يا تقوى؟)
لم يكن سؤالها من فراغ، تستغرب صمت أختها الواجم والغير معتاد لكن نظرتها المجفلة كانت دلالة وافية لكونها حبيسة الشرود مثلها.
تنهدت تقوى وهي ترفع منامتها الطويلة من أطرافها السفلية بعد أن نزعت طرحتها لتظل بسروال صيفي إلى حدود ما بعد الركبتين بقليل وكنزة بأكمام قصيرة.
علقت المنامة فوق المشجب ثم استلقت، ترد بتعب.
)ومتى خاصمت أحدا لأبد بك ...أختي؟)
تحولت نبرتها لعتاب ناعم، تمسد عظمة أنفها بيدها اليمنى بينما الأخرى ترخي بها شعرها، تبعثره بعبثية فاستدارت نحوها، تقول بعبوس طفيف.
)ظننتكِ غاضبة مني...)
أدارت رأسها نحوها دون جسدها المتسطح على ظهرها، تجيب.
)لست غاضبة أنا فقط مستغربة...)
عقدت صفاء جبينها بتساؤل صامت فاستدركت تقوى تفسر.
)مستغربة من إخفائك أمر الأستاذ عني!)
فتحت صفاء فمها لتتحدث لكن تقوى قاطعتها بتحذير مسبق.
)لا تنكري أنك على علم بنيته من قبل... فأنا أعرفك أكثر من نفسك...)
زمت شفتيها، ترد بذنب.
)بعت لي برسالة... يخبرني بها بنيته.. لكن لم أرد عليه... أقسم لك...)
تلكأت عليها بنظرة متفحصة قبل أن تقول وهي تهز كتفيها بخفة.
)مستغربة من عدم رفضك ...)
اعتدلت صفاء جالسة، تسألها بحيرة تغمرها وجدت لها منفذا مع شقيقتها كما تعودت.
)لنبعد أمر الخمر الذي أنا وأنت نعلم جيدا بأنه شيء جديد على شخصيته ... فزينة لا تكذب وقد حدثتنا كثيرا عن ابن عمها... فلماذا تريدين مني رفضه مباشرة دون تفكير؟ ...)
)أنا لا أريدك ان ترفضيه... أنظري!)
ضغطت على شفتيها تزفر بقوة ثم استأنفت تعبر عن ما في جعبتها.
)لقد كنت مستغربة من موقفك يا صفاء!... أنت مترددة جدا في ما يخص كل شيء... حتى ملابسك وأبسط أشيائك! ....كلما واجهك موقف اختيار ترفعين أنظارك لمن حولك لتري أي واحد منهم ستلقين عليه عبئ القرار عنك ...ولطالما كنتُ خيارك الأمثل وأبي وحين تقعين في مأزق لا أكون فيه حاضرة أو والدي تعتمدين على نبيل وأمي عادة لتتنصلي من نزقها ....)
ضمت صفاء شفتيها جانبا بانزعاج بينما تقوى تسترسل مفسرة.
)تتجنبين تكوين صداقات لأنك تنقادين بكل بساطة خلف صديقاتك حين يقترحن شيئا يكون الوقت قد فات عليك لتقرري فتنصاعين خلفهن... هذا كله نعرفه جيدا وفي خضم محاولاتي الكثيرة لدفعك نحو كسب ثقة أكبر بنفسك... أدمنت حمايتك ودون وعي مني بدأتُ أقرر عنك كحل أسهل أغلب الأوقات... ولكونه حقيقة يريح قلبي نحوك... فأطمئن... لكن!)
توقفت ناظرة إليها بريبة وهي لا تزال على رقودها فقط وجهها المستدير نحوها، تستطرد بضيق.
)في هذا القرار بالذات.... ما يخص زواجك من الأستاذ لم تتصرفي كما عودتني ... لم تخلي الساحة لأحد منا ليقرر بدلا عنك ... مع أنك في حيرة بالغة كعادتك... لم تأخذي برأي الرافض... ولا برأي أمي الموافق... وحتى موقف أبي وجدتي المحايد أرسل داخلك شعورا براحة غامت بها مقلتيك يا صفاء... وهذا يجعلني حقا أطرح سؤالا واحدا محيرا! ... لماذا هو بالذات؟)
ارتفع كف صفاء تحك به جبينها وقد امتقعت ملامحها كليا وتجمدت عن أي رد فعل، فهزت تقوى رأسها تكمل قبل أن تعدل من وضعية رأسها لتغمض عينيها.
)هذا ما يجب أن تفكري فيه جيدا.... وفي الحقيقة! والدي محق ... أنت لحالك في هذا... ربما إن نجحت في تحمل مسؤولية اتخاذ قرار مهم كالزواج... ستبدئين بكسب الثقة بنفسك...)
………………


*مصحة الشفاء الخاصة .... المدينة السياحية..*

كان على وشك تجاوز بوابة المصحة حين تذكر مسؤوليته نحو الرجل القابع في العناية المركزة وزوجته التي رفضت الرحيل، تروح وتجيئ بين الحمام وغرفة الصلاة، فتسمرت قدميه رافعا رأسه الى السماء، صدره يكاد ينفجر من الضغط ورأسه ضائق بأفكاره العاصفة فتحترق ضفاف مقلتيه غير قادر على ذرف دمعة واحدة.
الى أين يذهب؟
أي مكان هذا الذي سيحتوي حممه المحرقة؟
يسمع منه دون أن يحرك لسانه؟
يشعر به دون أن يرفع صوته ويصرخ بال...آآآآآآه؟
ما الذي يحدث بحق الله!
ليته ظل هناك ولم يعد!
ليته اكتوى بصقيع غربته خير له من حرقة قلبه!
ليته تناسى جذوره هنا وكل ما ربطه بأرض أجداده وظل أسيرا لحيرته وعقده التي سجنته هناك!
لو لم يعد لم يكن ليعلم عن أي شيء وحتى حين يفتضح أمر جده لن يكون حاضرا ليتلبسه العار والخزي!
لن يرسل نظراته عبر مقل أصدقائه بحثا عن حقائق توجع قلبه من اشمئزاز ونفور أو حتى الشفقة التي لا يجد غيرها أو ربما يتوهمها هي الأخرى والحقيقة أن ما يحرق صدره شعوره هو بالخجل والخزي!
كل شيء يتعلق به هو!
تراجع خطوة مستديرا ليعود إلى المصحة فلمحهم!
أصدقائه في ظهره، يلحقون به كل خطوة، ينتظرونه مراقبين ومترقبين.
بلى... كل شيء حتما يتعلق به هو!
تفقد الساعة ليلمح العقربين في تلاحم يشيران لانتصاف الليل فرفع رأسه إليهم، يقول بتردد.
)لقد تأخر الوقت... عودوا إلى البلدة... )
كل منهم يهز رأسه رافضين فأمال رأسه متنهدا يستدرك.
)حسنا ليبقى واحد منكم... لا يجوز بقائكم هنا جميعا! )
اقترب منه جرير يتفقد ملامحه التعبة.
)لما لم تسمع من أبناء عمومتك حين أتوا ليزوروك؟... أنت متعب ويجب أن تستريح....)
التوت شفتيه بسخرية مريرة، فاستدرك جرير بإشفاق.
)حسنا لنحجز في فندق قريب... ونقضي فيه الليلة جميعا... )
هز يوسف رأسه رافضا وأمسك بذراعه، يجيب.
)لا! اسمع مني يا جرير ...من فضلك... عودوا الى البلدة وإذا استجد شيء ما سأهاتفكم ... لا جدوى من بقائنا جميعا هنا...)
مسد جرير رقبته ثم استدار الى نبيه، يشير إليه.
)أنت ستبقى معه.... أنا ومؤنس سنعود من أجل بهيج... لن ندع ما يحدث ينسينا وضعه...)
ثم التفت إلى يوسف، يؤكد عليه.
)إذا حدث أي شيء... بلغنا ونكون هنا فورا إن شاء الله.... اتفقنا؟)
ربت على ذراعه شاكرا فشعر باهتزاز هاتفه.
أشار لهم وابتعد داخلا الى المصحة، يرد على شقيقته باقتضاب قبل أن ينهي المكاملة ونبيه في يلحق به.
)حسنا سأفتحه ... لقد كنت مشغولا...)
لم يخبر أحدا من أسرته بما حدث ولا يدري كيف سيبلغ والدته بما علمه لتوه مضافا إلى ما سبق.
فتح الشبكة ثم التطبيق وجلس على أحد كراسي الحديقة المنزوية والبعيدة عن النوافذ مشيرا لنبيه كي يجاوره وقد فعل باسما بوجوم مؤازر، تلاه ذهول جارف استولى على جسده من أعلى قمة في رأسه إلى أخمص قدميه.
موجات من وخزات مثيرة وفي ذات الوقت موجعة تنبعت من عميق قلبه لتنطلق مع هدير دمائه عبر العروق، شعورا لم يسبق له أن ذاقه بذلك الجموح الذي يفقده كل ثباته ونباهته وكل ذلك بسبب صورتها التي التقطتها نظراته المستجيبة لقلبه في البحث عنها طوال الوقت وبعد خيبات مُنِّيَ بها منذ رحيلها فجأة تجتاح صحرائه القاحلة بسيول بحار هائجة.
)كيف حالك أخي؟... أغلقت الشبكة واختفيت بعد أن نبهت علينا بتبليغك عن أخبار سارة...)
بادرته سلا بقلق فرد عليها يوسف بوجوم لم يستطع التخلص منه.
)اعتذر حبيبتي حدث الكثير مما أشغلني ... لا بأس! كيف حال سارة؟)
قطبت بحيرة بينما تجيبه، غافلة عن الذي لم يستطع رفع عينيه عن شاشة الهاتف، يتشبث بوجهها الحبيب بعينيه المتسعتين وكأن حياته متوقفة على ذلك.
)كل شيء مر بخير... الحمد لله .. عملية الليزر كانت ناجحة... تألمت قليلا لكن الطبيب انتهى بسرعة... لحسن الحظ الوشم صغير.. ولم يأخذ وقتا طويلا... وهي الآن نائمة بعد أن صلت ورددّت خلف ماما الأذكار .... تخيل يا يوسف لأول مرة تنام دون كوابيس.... أنا سعيدة يا أخي ومستبشرة بالقادم... تحدثت مع الطبيبة النفسية في المدرسة التي كنا نداوم فيها للمساعدة عن وضعها... فطلبت مني اقناعها بالحضور والتسجيل بين روادها... وهم سيحاولون مساعدتها لتندمج مع المجتمع وتتقبل وضعها الحالي... كما أكدت لي أن ذلك ضروري إن كان فقدانها للبصر نفسيا قد تستعيده بسرعة.... )
)إن شاء الله... الحمد لله.... اعتني بها جيدا صغيرتي... ولا تتركيها... ساعديها واستغلي العطلة... لأن السنة القادمة بإذن الله سيكون عليكما الالتحاق بالجامعة... يكفي ما أضعتماه هذه السنة....)...
)حسنا!... أتمنى فقط أن يعود البصر لسارة... ونعود كما كنا... وننسى ما حدث... كيف حالك أنت؟... متى ستعود؟.. سمعت ماما قبل قليل تتشاجر مع جدي وذكرت اسمك...)
قطب حاجبيه بتوجس وقلبه ينتفض.
)ألم تسمعيهما ؟... عن أي شيء يتشاجران؟)
هزت رأسها سلبا، ترد بضيق أوجع ذلك الساكن المراقب لكل تفاصيلها.
)لا!.. كنت برفقة سارة بعد عودتنا من المشفى ولم أستطع تركها لحالها...)
)وكيف هي بعد المكالمة؟)
جعدت دقنها بجهل.
)ماما دائما قلقة ومنزعجة... ولكنها كانت تبكي أيضا....)
زفر يوسف بقنوط ثم استدرك.
)حسنا... أين أبي؟)
)نائم .. الجميع نائمون ... أنا تأخرت لأطمئن عليك وأخبرك بالتطورات ...هل أنت بخير؟ تبدو متعبا و... لا أعلم!.. أنت لا تبدو بخير!)
حرك رأسه، يقول بهدوء مزعوم.
)أنا بخير... الحمد لله... اعتني بنفسك وبسارة... سأهاتفك غدا إن شاء الله)
زمت شفتيها بشك ثم قالت بفتور تغير إلى شهقة خافتة متحمسة أثارت ريبة يوسف للحظة، لولا تعب أعصابه وعدم قدرته على الاستيعاب.
)سأفعل!... هل هذا نبيه؟)
أمال يوسف شاشة الهاتف نحو الذي انتفض هو الآخر قبل أن يتمالك نفسه سريعا، يشير بكفه بينما يرف بجفنيه توترا.
*مرحبا*
اتسعت بسمتها المبهجة لقلبه، تشير له بالمقابل.
*مرحبا بك... كيف حالك؟*
هز رأسه برد مقتضب، خجلا من يوسف الذي غامت مقلتيه بشرود لا يخصهما فأشارت مجددا بحماس وعينين تتقدان بحياة انبثقت من عمق قتامتهما ما إن لمحته.
*أنا ونهيلة نتحدث يوميا*
وكأنه لا يعلم! فكر وهو يبتسم لها بتأثر لم يستطع إخفائه، فقد اشتاق إليها بقوة تهدد هيبته ورزانته.
*اعتني بيوسف... أظنه غير مرتاح...*
*لا تقلقي سيكون بخير ان شاء الله *
ضمت شفتيها بصمت تنظر إليه قليلا ثم رفعت كفيها تشير له بوجوم استولى على قسماتها فتسلل الى قلبه الذي آلمه عليها.
*اشتقت الى البلدة... وإلى نهيلة ... الى بيتكم ... والحقول.... كل شيء*
حسنا هذا كثير عليه! التفت إلى يوسف ليوقظه من شروده الكئيب، فليس هو من يستغل حالة صاحبه من أجل قلبه حتى لو اضطر لكسره وخنقه لكن قبل ذلك أشار لها بسرعة وعبوس طفيف.
*والبلدة أيضا اشتاقت لك*
)سلا!... الى اللقاء حبيبتي...)
تحدث يوسف، فزفرت بإحباط وقد اختفى وجهه الأصهب من أمامها ثم قالت بكتفين متهدلين.
)اعتني بنفسك... ولا تتجاهل مكالماتي مجددا...مع السلامة)
تفقد رسائله بعد أن أنهى المكالمة ثم دسه داخل جيب سترته، يرنو بأنظاره نحو الحديقة الفارغة سوى منه وصديقه الذي ربت على كفه ثم أشار له.
*كل ما حدث ليس لك ذنب فيه.... كل شخص يتحمل مسؤولية أفعاله...*
غامت نظراته الواجمة وهو يجيبه.
*إنها فضيحة يا نبيه... والدتي لن تتحمل... كنت في صغري أسمع مشاجرات أمي وأبي حول فضيحة تسبب بها عمي الأكبر... وكان ذلك سبب انقطاع زياراتنا للوطن ... فكيف سيكون رد فعلها حين تطالها هي الفضائح ؟.... لا أظن أنها ستتحمل... أنا...*
أسقط ذراعيه إلى جانبيه، يزفر بضيق فضم نبيه شفتيه بغم، يرمقه بإشفاق عبّر عنه وعن مؤازرته بأن ضم كتفيه، يقربه منه سامحا له ليضع رأسه على كتفيه وعلى ذلك ظلا كلاهما يحدقان في الفراغ كالذي ملأ عينيهما بما يدل على سهوهما كل يدور حول فلكه الخاص.
……………….

*بعد أيام*

*مكتب رئيس البلدية *

برفض متعنت يقابل جليسه الذي فضّل زيارته كضيف عادي وهو أبعد ما يكون عن ذلك، رئيس الحزب المنتمي إليه منذ سنوات طوال، خدمهم وخدموه، دعمهم ودعموه بالمال، السلطة، بالحماية، لكنه مثلهم يعلم أن كل شيء بحساب وعلى المحك، مع أول مفترق طرق يفضي بهم إلى شبهة، تهمة، فضائح! سيكون كبش فداء وفي حالته هو، حقا كبش فداء سمين!
يموت الأعضاء، يرحلون، يختفون لكن الحزب يظل بواجهته اللامعة، بل ويزداد بريقا كل يوم وكلما شع بقوة كلما حقق أهدافه بسهولة ودقة أكبر.
أرخى ظهره على مسند مقعده، يتأمل ضيفه المحتل للمقعد قبالته بفخامة وكبر كخاصته، لا يتنازل عنهما رغم كونه الآن مجرد دمية لم تنتهي صلاحيتها بعد لكنها أصبحت تشكل تهديدا على بريق واجهة الحزب، لذا يجب أن يختفي بأقل خسارة ممكنة!
وإن توصلا لحل يبقيه في الظل دون أن يخسروا دعمه المادي، ستكون الخسارة محتملة.
)أنت عضو قديم يا خواجي وتعرف كيف تجري الأمور....)
يقولها الرجل بنظرات محذرة فيرد عليه بجمود تعلمه حتى التحم بدمائه.
)لهذا أوفر عليك حوارا طويلا متعبا .... حتى وإن تنحيت عن منصبي ... فمقامي بين الناس هنا سيظل كما هو... وهذا يعني تأثيرا إيجابيا يصب في مصلحتكم.... إن فقط بقيت أدعمكم.... دون ذكر الدعم المادي طبعا...)
ابتسم ببرود، يكمل.
)كما ترى سأكون مفيدا جدا لكم ... إذا ظل تاريخي العائلي طي الكتمان... ففي النهاية ليس هناك اثبات رسمي... ووالداي قد توافهما الله... ولا أحد من عائلتي سيشهد بأنني لست منهم... لأن ذلك ليس من مصلحتهم ولقد سوينا الأمر قبل سنوات ولّت... )
شبك الرجل كفيه، يفكر فيما جاء سابقا وهو يعلم نتيجته بالفعل ثم قال بنفس النبرة المحذرة.
)ماذا عن قريبك الطبيب؟... وما حدث في الماضي؟... وممرض صهرك؟...)
مال نحو الأمام بينما يريح راحتي كفيه على ركبتيه، يجيب بمكر.
)كل ذلك مجرد استنتاجات تحقيق لا دليل مادي عليها ...)
)هناك شهود)
قاطعه الآخر فهز كتفيه، يجيب بثقة.
)كان هناك شهود... الآن فليأتوني بإثبات واحد....)
أسدل الرجل جفنيه للحظة قبل أن ينظر نحوه مجددا، يستفسر منه بنبرة مهددة رغم جمودها.
)هل أنت متأكد؟)
)كما أنظر إليك حاليا...)
هز الرجل رأسه ثم نهض بحركات مدروسة، باسطا كفه على بطنه فوق قماش سترته الفاخر، يصدر الأوامر الغير مطروحة للنقاش.
)حسنا نحن ننتظر استقالتك من الحزب ....سنتأكد من بقاء أمر نسبك طي الكتمان...وبالمقابل دعمك للحزب لا ينقطع...)
بصدر يحترق غيظا استقام من مقعده، يبسط ذراعه ليصافح الذي أعاد تهديده المبطن بنبرة أكثر برودة.
)توخى الحذر جيدا... إبعادك عن واجهة الحزب تجنبا لأي فضيحة قد يتم إثباتها مستقبلا... وإذا حدث ستكون خارج اللعبة كلها... وستفقد كل المميزات.... وداعا...)
شيّع خطواته المغادرة بنظرات تغلي بظلمة حقد تهدد بتدمير كل شيء لكن ولسوء حظه يجب أن يتروى ويهدأ!
غروره السابق أغراه وأوهمه بسيطرته على جميع أموره غير واع لمن ينقب خلفه بأهداف مثالية مثيرة للشفقة!
زفر باشمئزاز وجلس على مقعده خلف مكتبه، يتأمل غرفته الواسعة الفاخرة بعين متحسرة، لن يستطيع التحرك حاليا وكل ما عليه فعله قد أتمّه بالفعل وأخفى كل ما قد يشهد ضده أو يثبت عليه أي جرم.
تحدث مع قريبه الذي أرسل عامل الإدارة بعلاقاته إلى مكان بعيد وأغلب المسؤولين في ذلك العهد قد توافهم الله لحسن حظه!
أما الممرض الغبي الذي استيقظ ضميره العليل مؤخرا، فقد حصل منه على مبلغ كبير أعاد ضميره اللعين إلى سبات عميق ومع بضع كلمات تهديد جادة لم يذكر اسمه في التحقيقات واكتفى بإنكار مده للمريض بأدوية سوى التي حررها الطبيب المعالج.
نفخ بسخط، يمسح على وجهه قبل أن يعود إلى إنهاء ما يهمه من أعمال قبل مغادرته النهائية.
………………

*منزل فواز*

)يا إلهي أماه! متى سترضين عني؟...لقد مر أكثر من أسبوعين وأنت لازلتِ على موقفك مني؟)
يقولها فواز بتوسل مدلل لا يظهر سوى لأمه، بينما هي ترفع دقنها رافضة، متشبثة بموقفها نحوه رغم قلبها المرتعش تأثرا بتدليله لها، تُذكر نفسها بما كان سيفعله لولا ستر الله الذي ألهمها إرسال شقيقه في أثره.
شقيقه الذي قاطعه هو الآخر بعد كلمات قاسية واجهه بها ذلك اليوم، ثم اقتاده كطفل صغير تلزمه تربية صارمة ولولا طوله الموازي له ولحيته الطويلة لكان صفعه مرات عدة حتى يوقظه من غفلته التي ستهلكه.
سحب كفها يقبل ظهرها محتفظا به بين يديه مداعبا برقة، يقول بعد أن التقط ظل التي مرت عليهما دون أن تطرف نحوهما بنظرة فضولية أو تدّعي أي حجة لتظهر أمامه كما كانت تفعل وتوقفت عنه قبل أيام ولسبب ما يزعجه ذلك ويثير حنقه.
)يبدو أن العروس تقلدك أمي...)
مططت شفتيها دون رد بينما داخليا تُشيد بما تفعله كنتها مؤخرا، علّها تثير انتباه مدللها.
لا تعلم لما تستبشر بها خيرا!
الفتاة بعد أن عاشرتها لاحظت كم هي بسيطة ولينة في المعاملة وأهم من ذلك، لا تحب المشاكل وتحاول العيش بسلام.
لابد وأن والدتها لم تهتم بتعليمها دينها كما علمتها تدبير شؤون المنزل، لكن لا ضير!
الفتاة تتعلم وستكون بخير ان شاء الله وحان وقت الخطوة التالية مع ابنها المدلل!
)دعك من حفيظة فهي فتاة مطيعة... لا تتعب قلبي كما تفعل أنت...)
ارتفعا حاجبيه قبل أن يجعد ملامحه بتظلم طفولي مزعوم لا يناسب ملامحه الرجولية.
)لم أعد ابن قلبك المدلل؟... هل أخذت كنتك مكاني في قلبك؟)
زمت شفتيها، تصدر من بينهما صوتا ينم عن الامتعاض ثم قالت.
)هل تريد حقا رضاي التام عنك؟)
تحمس يضغط على كفيها بتأكيد.
)طبعا أمي... أكثر مما تتخيلين ...)
رمقته بنظرة غامضة ، تطلب منه بحزم صارم.
)إذن كُفّ عن صنع وبيع عطور النساء واكتفي بما يخص الرجال فقط...)
تبلد للحظة بشكل مضحك قبل أن يرتفعا حاجبيه البنيين بدهشة، يستنكر.
)كيف ذلك أمي؟.... إنها حرفتي...)
تفقدت حولهما بأنظارها الحريصة قبل أن تجيبه بخفوت متبرم.
)كلانا يعرف جيدا نقطة ضعفك.... ومن يريد علاج ضعفه أول ما يفعله البعد عن ما يثير تلك النقطة بالذات....)
تحركت حرْقَدته بتوتر، يرد بنفس خفوتها.
)أمي أنت تضخمين الموضوع... لسن نقطة ضعفي.. وبالتأكيد لن أفقد نصف أرباحي بسبب وهم ....)
رفعت حاجبها الأيسر، تعقب بجمود أرجف قلبه.
)اسمعني يا ابن قلبي ... حين لاحظت أول مرة مدى زيغ نظراتك على النساء... أخطأت كي أهون على نفسي وفعلت ما يفعلنه نسبة لن أقول كبيرة من النساء.... لأنها لو كانت حقا كبيرة لهلكنا جميعا... قلت في نفسي... ابني رجل ولابد سيمر عبر مرحلة التأثر بالنساء ويلهو قليلا ثم يستقيم بعد ذلك بفضل الله ثم تربيتي التي لابد سيعود إلى قواعدها يوما ما ... وأنا الغافلة عن أن من سيلهو معهن ابني حتى يمر من مرحلته تلك بنات لأناس مثلي... وأعترف أنني كنت أنانية في ما يخصك جدا. .. وربما ذلك السبب الرئيسي حتى اضحيت أنت بلائي..)
)أنا بلائك يا أمي؟)
هتف بها مصدوما فهزت رأسها بيقين، تسترسل بنفس نبرتها المنخفضة.
)بلى... حين ينتهك ابني الرجل الناضج حرمات الله... فهو بلاء.... لأنك ابني الذي سأحاسب على تربيته أمام ربي... أنت لا تتخيل كم الخيبة والخذلان اللذان أشعر بهما كلما فكرت أن أحد أبنائي يُقدم على فعل كبيرة من الكبائر؟...أشعر بفشل ذريع يضرب كل ما فات من سنين حياتي عرض الحائط... وكأن كل مجهودي في تربيتك ذهبت سدى... والآن بعد أن تزوجت وتعلقت أمانة في رقبتك تستصغرها وتقدم على فعل شنيع كالذي كنت تنوي فعله... هل حقا تستخف بأمر الله الى هذا الحد؟... )
أطرق برأسه خجلا، يخفي ملامحه المكفهرة بينما هي تسترسل بخيبة.
)بعد تفكير عميق اكتشفت أن ما يحدث لنا الآن بسبب استهانتنا بكل فعل حرام.... تبريره بشتى الحجج وتهوينه بجمل كَ... لا بأس أنه طفل!... ثم بعدها إنه مراهق! ...ثم يليه أنه شاب!... ودون وعي من الآباء وبسبب حبهم وأنانيتهم تجاه أولادهم يلقون بهم إلى التهلكة... وأنا يا بني!)
رفعت رأسه لتحاصر مقلتيه المحرجَتين، تستطرد بحزم.
)لن ألقي بك إلى التهلكة... حتى لو اضطررت للحاق بك عبر الطرقات... مستندة على ربي ثم عكازي هذا... سأفعلها الى آخر نفس في صدري... وإن كان غيري لن يفعل مستسلما لغفلته أنا سأفعل!... وتكفيني المحاولة إلى أن أقابل خالقي...)
أمسك بكفها يربت عليها والضيق يستولي على ملامحه فشدت عليه تسأله.
)هل ستطيعني فيما طلبته منك؟)
تنفس بعمق ثم أومأ بطاعة فسحبته داخل حضنها الذي حرمته منه لأيام طوال تعذّب فيها لن ينكر!
فهي أقرب الناس إليه، من غمرته بحنان لا ينضب، من سهرت على راحته على حساب راحتها، من حملته في بطنها ثم على ظهرها إلى الآن وهو بطوله الفاره عنها لازالت تحمله وإن كان بشكل معنوي، تحمله وتحميه حتى من شياطينه وهوى نفسه.
أبعدته تتخل لحيته بأصابعها بينما تحذره بلطف.
)ضع لافتة كبيرة واكتب عليها عطور للرجال فقط... وكلما لمحت امرأة تهم بدخول المحل أرجعها من عند الباب وأخبرها أنك لم تعد تبيع عطور النساء...)
جعد أنفه، مستاء يجيب.
)سأفضح نفسي هكذا أماه ...)
ضمت كتفه، تبتسم له بحنو وهي تقول.
)بالعكس... فقط صَفي النية بينك وبين خالقك... وسترى أن الله سيسترك ويرزقك ويجعل لك هيبة بين الناس... أصلح سريرتك بني فيصلح الله علانيتك...)
هز رأسه ببؤس فحثته بدفعة لطيفة خلف ظهره، تستطرد.
)أخبر زوجتك لتضع لنا طعام الغداء.... ولا تنسى أن تصالح أخاك... فهو في مقام والدك... ولن تجد من يحبك بعدي أكثر منه... )
تهدلا كتفاه بكئابة وقام بعد أن قبل رأسها، يتوجه نحو المطبخ حيث وجدها أمام الموقد شاردة.
توقف مكانه يتأملها بينما يفكر في حالهما، لم يكن ذلك خياله عن زواجهما، ولم يتوقع ما يحدث معهما وربما والدته محقة وهو الآن يدفع ثمن اخطائه التي يعترف بها ضميره ضمنيا وينكرها عليه هواه ظاهريا والحجج لا تنتهي!
اقترب منها يلقي السلام بخفوت فلمح انتفاضة جسدها قبل أن تتصلب لتجري نظراته على جسدها النحيل داخل فستانها الأحمر البسيط، هل ازدادت نحولا بعد أن دخلت بيته أم أنه يتوهم؟
)الغداء جاهز سأضعه حالا...)
نطقت باقتضاب وحملت سلة الخبز، تهم بالخروج، فارة منه بملامح رغم تشنجها إلا أنها اتخذت واجهة باردة ولم تكد تعبر عتبة المطبخ حتى شعرت بنفسها تعود للخلف لتصبح قبالة عينيه المحدقتين فيها بتمعن أربكها فارتعشت.
)هل أنت غاضبة مني؟)
رمقته بعتاب أثار ضميره بينما تجيبه بخفوت مرتعش.
(ولماذا سأغضب منك؟... فأنت غائب بشكل دائم... )
تأمل ملامحها الصغيرة، يراها جميلة لا ينكر ذلك، ربما لو بدأت علاقتهما بشكل طبيعي لكان الآن أكثر قربا منها لكن ما حدث آخر مرة يقبض على قلبه بوجع مخزي، منعه عنها طوال الفترة الماضية.
)تشتاقين إلي؟)
يداعبها بنبرة أجشه، يعلم جيدا تأثيرها على النساء فتفر منه بنظراتها المستحية، تجيبه بتبرم باسم.
)ألست زوجي؟)
تتسع بسمته فيرفع كفه، يلامس بها دقنها قبل أن يميل به نحوه ليحاصر حدقتيها الصغيرتين، يهمس لها بالقول.
)بلى... وسيسرني سماع ذلك منك... )
استنشقت الهواء بقوة والاحمرار يغزو وجنتيها فيدنو منها مُقَبِّلا إياهما برقة، أرعدت أطرافها فضمت سلة الخبز بكلا ذراعيها الى صدرها تسند نفسها.
سعيد هو بتأثيره عليها وبشكل ما ردات فعلها تنعش صدره الضائق وترضيه.
همت بالهروب من أمامه مجددا فأمسك بخصرها، يهمس لها بتسلية.
)إلى أين؟)
تلاحقت أنفاسها تنظر إلى كل شيء عداه بينما الحروف تنسل من بين شفتيها المرتعشتين بتقطع مضحك.
)ال... غداء... والدتك... الخبز...)
أشارت إلى السلة بحدقتيها تبلل شفتيها توترا فاقترب منها، مُستلما ثغرها بتمهل ورقة، يضمها إليه في نفس اللحظة التي أطلقت فيها سراح السلة لتشهق بذهول فيضحك بخفة، مبتعدا عنها، ليتلقف السلة من على الأرض بعد الخبز الذي أحاطه بقماش أبيض.
)سأحمل أنا سلة الخبز... )
هزت رأسها تتراجع نحو طاولة المطبخ حيث رصت أطباق السلطة، عينيها عليه بسهو لاحظه كما لمح غفلتها عن مدى قربها من الطاولة وفي غمضة عين أصبحت رهينة ذراعيه مجددا، يستدرك ضاحكا من حالتها المرتبكة.
)ركزي يا حفيظة... إلا أطباق السلطة… لن تصلح للأكل بعد وقوعها على الأرض...)
فغرت فمها لاعنة حمقها، فقبل جبينها، هامسا قرب أذنها قبل أن يغادر المطبخ.
)سأعود الى غرفتي منذ الليلة... ولن أطيل الغياب على زوجتي التي تشتاق الي زوجها بعد اليوم ...)
ترف بجفنيها صدمة بينما صدرها يلهث بأنفاسه المتلاحقة بحدة، وجهها تحول إلى ثمرة طماطم من شدة حمرته، تتساءل بملامح متبلدة عن إذا كان ما حدث قبل قليل حقيقي وليس حلما من أحلام يقظتها.
……………..

*خارج منزل عبد الله*

بخطوات قليلة، تقدمه هشام، ينتظره حتى نبه على الحارس ثم أغلق الباب الخارجي ليجاوره مشيا على الأقدام.
)مسكين السيد عبد الله... حالته الصحية صعبة...)
تحدث هشام متذكرا الرجل الذي لازال جسده يرتعش وحديثه متقطع مهتز، فيزداد غيظا وغضبا مما حدث وأعادهم الى نقطة الصفر.
)هذا ما يبدو لك لأنك تراه لأول مرة... في الحقيقة هو يتحسن... ولأنه مصمم وعازم فصِحته و الحمد لله في تحسن ملاحظ...)
أجابه يوسف وبسمة الأمل تتعلق بثغره فلا هو بخل عنه بالرعاية حتى أنه ترك الفندق وأقام معه في بيته ولا أهل الوادي تركوهم للحظة.
الفقيه عبد العليم يزوره يوميا، يقرأ عليه القرآن ويتسامر معه قليلا، يروح عنه كما يفعل معه رجال آخرين، أما النساء فكل يوم تأتي واحدة منهم لزوجته بالطعام أو يساعدنها في أعمال البيت والصوف.
كم نحبت زوجة خاله بحرقة يوم أن عادت هي ويوسف وأصدقائه بالخال الى البلدة من المصحة لتجد أمام بيتها أهل الوادي مجتمعين، ينتظرون ليطمئنوا عليه ولم تعي على لسانها الذي كان يطلب منهم السماح لأنها فقدت الثقة من قبل في جميع من حولها بسبب الخوف، فحرمت نفسها من تآزر الأهل وتواد الرحم.
)ألم تفتح معه موضوع جدك بعد؟)
دس يديه في جيبي سرواله الأسود، يقول بعبوس ضائق.
)لا!... فقط أخبرته بأن علوان يتعالج وأنه بخير... لا أريد أن ينتكس لا قدر الله... حين يسترد عافيته كاملة... سنتحدث في كل شيء إن شاء الله....)
كانا قد اقتربا من بيت جرير حيث اتفقا معهم لينضما إليهم، يساعداهم في نصب خيمة العرس في المساحة الواسعة بين بيته وبيت عمه فتوقف هشام، يخبره بملامح تجهمت باستياء.
)لم أرد إخبار جرير بالتطورات كي لا يحزن... عقد قرانه للتو وسيحتفل بعرسه... لذا قررت الانتظار إلى ما بعد العرس بأيام ثم أخبره....)
اومأ بتفهم، يقول بعد أن تنهد بوجوم.
)لا تقلق سأخبره أنا بعد العرس كما قلتَ بأيام... لن أسافر حتى أسوي كل المشاكل بإذن الله.... كن على يقين أن أملاك خالي عبد الله ستعود إليه... أما ما يخص قضية والد جرير إذا لم يكن هناك إثبات قانوني...فلا تستطيع فعل شيء لذا لا تحمل نفسك ما لا تطيقه...)
رمقه بغضب يتجدد كلما تذكر ما حدث، يعقب بغيظ.
)للأسف هذا هو الواقع... المناصب تستغل دائما بثغرات لا يمكن درؤها.... و ذِممٌ تشترى بأباخس الثمن ... الموظف الوحيد الباقي من العاملين في إدارة القاعدة العسكرية تلك السنة اختفى تماما ... لازالت الشرطة تبحث عنه... وحتى الروشتة التي وجدتها قد اختفت من الملف ولم يعد لها وجود... والنسخة التي احتفظت بها على أساسها لازال البحث جاري عن الموظف.. لكن يسهل الطعن فيها...قريب جدك الدكتور ينكر أي علاقة له بالأمر ويهدد ويتوعد بنفوذ عائلته... والممرض مستعد ليتحمل كامل مسؤولية ما ستؤول إليه تحقيقات محاولة قتل خالك... ولحد الآن ينكر التهمة من الأساس.. أما قضية النسب فهي لا أساس لها مادام من زورا ونسبا طفلا اليهما قد توفاهما الله والباقي من أفراد العائلة ينكرون ذلك ويدعون عدم معرفتهم.... حتى الممرضة التي استدرجت المرأة العجوز سلمتنا شهادة بإصابتها بالخرف وهذا يعني لن أكسب بنتيجة التحليل الذي قمت به سوى ضجة وتشهير أنا شخصيا لا يهمني أمرها في شيء بل قد يخترعون تهمة يدمرونني بها كي يتستروا على الأمر ... وقد تم تهديدي حرفيا من رئيسي بأن أنسى أمر نسب الخواجي وما يتعلق بالخواجي ... جدك لعبها جيدا يا يوسف والحزب خلفه أنا متأكد... كانت صفقة ناجحة بخروجه من بينهم في العلن بأقل الخسائر فيبقى داعما لهم في الظل... اللعبة السياسية القذرة ذاتها... لا يهمهم ضياع حقوق الناس...)
مشط يوسف خصلاته السوداء بأصابعه والحيرة تغمر ملامحه، يفكر في مدى مكر جده ودهائه، لن ينكر راحته بعدم فضح أمر النسب وكل همه يدور حول والدته لكن في المقابل ضياع حقوق الناس يؤرقه لذا حمل على عاتقه استرجاع حقوق أسرة خال والدته على الأقل.
)سنفكر في حل يا هشام…. إن شاء الله... ليمر عرس جرير بسلام ولنرى ما يمكن فعله... )
هز الآخر رأسه بتفهم وتقدموا نحو منزل عم جرير حيث وجدوا الشباب قد سبقوهم، يساعدون في نصب خيمة الأعراس الكبيرة.
)مرحبا بالشباب... لازال الوقت باكرا...)
هتف مؤنس بنزق من فوق السلم ما إن لمحهما فرد عليه بهيج الممسك بجانب من جوانب الخيمة انتظارا له كي يثبت أحد الحبال الداعمة بإحدى شبابيك النوافذ الحديدية، بنبرة حانقة متألمة.
)خلصني يا مؤنس.... ستتمزق عضلة ذراعي...)
مطط شفتيه وهو يكمل ما يفعله بينما جرير يهتف من جانب آخر يساعده شابين آخرين.
)ثرثرته تسبق أطرافه يا بهيج.... المرة القادمة ثبت أنت الحبل... ودعه هو يحمل عنك...)
)الظرافة لا تليق بك يا عريس... احتفظ بها لعروسك... قد تفلح وتؤثر عليها لتتحمل جلافتك ...)
زمج جرير، يرميه بنظرات متوعدة فهز كتفيه باستخفاف قبل أن يلمح ما لفت انتباهه في حديقة بيت ابن عمه ليسرع فجأة في إنهاء تثبيت الحبال، يقول بنبرة ساخرة بينما ينزل من على السلم الحديدي.
)بما أن الضابط الهمام هنا.. ومعه يوسف خيرة الشباب والله... سأترك لهما مكاني ليكملا عني... )
كان قد تجاوزهما نحو البوابة الخارجية فينادي عليه بهيج مذهولا من تركه لهم فجأة.
)الى اين يا رجل؟... لم نكمل بعد..)
لم يجبه سوى بإشارة من ذراعه واختفى بينما هشام ويوسف ينضمان لهم.
دفعت الباب الداخلي الموارب، ضاحكة، تقول بمرح.
)لا أصدق أن أختكِ المجنونة رفضت رؤية بيت زوجها وفرش غرفة نومها بنفسها... كل يوم اتأكد من جنون صديقتي لكن ليس بيدي حيلة... أحبها كما هي ...)
تضحك صفاء ببهجة وعينيها تفران منها إلى أرجاء المنزل الذي لم تطأه قدمها من قبل، قلبها يدوي كعادته مع كل شيء له صلة بأستاذها ولو من بعيد وهذا البيت قريب، قريب جدا إليه، حيث قضى معظم أيام حياته.
التفتت تركز على خطواتها وهي تتسلق الدرج إلى الطابق الثاني، محافظة على توازن جسدها بما تحمله بين يديها من مفارش مطرزة باليد، خاصة بالعروس بألوان ثلاثة الأزرق والأخضر والأحمر.
قابلهما مدخل الطباق الثاني المفضي الى بهو صغير فارغ كأغلب مرافق البيت وتجاوزتا بابين مغلقين قبل أن تفتح لها زينة الباب الأخير.
نظرت حولها وهي تلحق بزينة لتضع هي الأخرى ما بين يديها على السرير المزدوج من خشب العرعار العطر، بلون بني كلون خزانة الملابس والمناضد.
)يا لها من رائحة منعشة! ... السرير والمناضد خشبها من شجر العرعار... وحدها الخزانة من خشب البلوط... لأن الخزانة كبيرة وخشب العرعار غالي جدا...)
فسرت زينة بملامح مدهوشة وصفاء تلمس سطح منضدة الزينة اللامع، ترد ببسمة متأثرة.
)جميل.... مع أن تقوى لم يكن ليشكل لديها فرقا... وأجزم أنها لو اختارت لوازنت بين الجودة والثمن المنخفض ... والحقيقة أنها لم تكن لتختار العرعار لأن الجميع يعلم عن غلاء أسعاره رغم متانته وعبيره الأخاذ....)
(ولا تنسي أن رائحتها العطرة... تدوم مهما عتق الخشب...)
تذكرت صفاء شيئا ما فقالت بمكر مدرك وهي تشير بسبابتها في الهواء.
)بعد إعادة التفكير... تقوى ستعشق العرعار...)
قطبت زينة بحيرة وصفاء تكمل بضحكة صادقة مسرورة.
)غرفة نوم جدتي من العرعار الخالص القديم... بل أغلب الأثاث الخشبي في بيت جدتي جوهرة حتى الأواني في المطبخ... القصعة والمِدق ... وأيضا علبة مجوهراتها من الفضة والأحجار الكريمة... وتقوى تعشق جدتي وكل ما يخصها...)
شاركتها زينة الضحك، تسألها بشقاوة.
)لهذا أصر جرير على خشب العرعار رغم تحذيرنا له بشأن سعره.... هل تُراه على علم بذلك؟)
هزت صفاء كفيها، ترد بنظرات متسلية.
)العاشق الصبور لسنوات طوال... لابد وأنه درس علم تقوى...)
علت ضحكاتهما الصاخبة وزينة تجلس على السرير، ممسكة بطنها بإحدى كفيها بينما تشير بالأخرى، فلم تلاحظ صفاء التي تجمدت كليا لحظة أن لمحت من وقف على عتبة باب الغرفة، يستند على دفتها متأملا إياها بملامح شاردة بنوع من الحالمية.
بللت شفتيها وأطرقت برأسها فانتبهت لها زينة والتفتت بحيرة تلاها بسمة ماكرة ونظرات متسلية.
)أهلا مؤنس.... ماذا تفعل هنا؟.. جرير قال أنكم ستنشغلون ...)
أجفل من بحلقته فيها فتنحنح قبل ان يتماسك، يرد ببسمة شبيهة بخاصتها.
)الهوى جلبني يا ابنة عمي... ولم أفعل سوى أن لحقت به...)
ارتفعا حاجبي زينة، تضحك بيأس من ابن عمها الوقح بينما صفاء قد امتقع وجهها بطريقة مثيرة للرأفة.
)أحيانا يا ابن عمي أنسى جرأتك في الحديث ... ماذا تريد؟)
سألته ساخرة فرد بنفس السخرية.
)أن أتحدث مع خطيبتي للحظة واحدة...)
لازالا حاجبيها في ارتفاع وصفاء صامتة كالموتى، يكاد جسدها يخر على الأرض.
)ما أعرفه أن صفاء وأهلها لم يوافقوا بعد...)
واجهته زينة بسخريتها وهو المصمم لا ترده عقبة.
)بعون الله ستكون!...إن منحتنا فرصة لنتحدث...)
تخصرت زينة، تنظر إليهما بالتناوب فبللت شفتيها، تقول بتحذير لمؤنس الذي رف لها بجفنيه ببراءة مزعومة.
)حسنا! سأجلب ماءا للشرب... صفاء!)
رفعت صفاء وجهها الشاحب نحوها فطلبت منها بنظرة معتذرة، مؤازرة.
)اتفقنا!)
)رباه! أنا لن أفترسها...)
تقدم خطوة داخلا يتهكم فزفرت زينة بحنق وصفاء تشعر بحرج من موقفها لذا أومأت لها بخفة، ترفض الظهور أمامه بمظهر الصغيرة الغير ناضجة وهي الأعلم بشخصيته القوية ذات التركيبة الجذابة.
)سأعود بسرعة... واختاري لونا من الثلاثة...)
انصرفت فتقدمت نحو السرير، تنظر إلى المفارش الثلاثة بينما هو يستند على الخزانة المستقرة قرب نفس جدار مدخل الغرفة.
)لماذا لا تجيبين على رسائلي؟)
تبلل شفتيها كل حين أو تضمهما توترا، فاقدة للتركيز في أي شيء بسبب دقات قلبها النافرة.
)إن لم تبدئي بالحديث سأقترب أكثر... صدقيني أتيت الى هنا عازما على الحصول على ردود...(
رفعت كفها الى طرحتها تربت عليها بارتباك، شاكرة ربها على ارتدائها لعباءة واسعة ألقتها فوق ثيابها بسبب انشغالها البالغ، ترد بخفوت.
)لم يسبق أن راسلت رجلا ...)
)وأنا رجل؟)
نظرت إليه بخجل، فضحك بتسلية يرفع كفيه مستدركا.
)يشهد الله أنني رجل... هذا ما أصدقه على الأقل...)
يضحك مجددا مع ملامحها الممتقعة فيشير إليها مهادنا.
)اهدئي وتعودي على... كما يقول جرير ثرثرتي الساخرة... كما تعلمين أنا أستاذ فلسفة والثرثرة من اختصاصي... )
ابتسمت أخيرا فتنفس يجلي حلقه من احتدامه تفاعلا مع دقات قلبه، يستدرك بهدوء لا يخلو من لمسته المازحة.
)حسنا لا بأس! ... سأتقبل تبريرك... ولنقفز مباشرة الى صلب الموضوع.... لماذا لم توافقي علي؟... لكنتِ الآن عروسا بدل تعبك ... ولكنتُ أنا أيضا!)
ضم شفتيه مفكرا ثم أضاف بنبرة عابسة مدعية.
)لا!... كنتُ أيضا لأقع ضحية أشغال العرس التي لا تنتهي... يمكنك النظر من النافذة وسترين عريسنا المسكين وهو مطحون في العمل تحت أشعة الشمس الحارقة... لقد كنت معه قبل قليل... ومن حسن حظي أنني كنت في الأعلى...)
التقطت نظرته العابثة فاستدارت تلهي نفسها بألوان المفارش.
)احمر... أزرق... اخضر...)
تعيدها بخفوت تملأ بها رأسها كتعويذة تجرها بعيدا عن مجال جاذبيته، حضوره خطير عليها، يلغي جميع حواسها فلا تصغي سوى لدقات قلبها الصاخبة وهدير الدماء الساخنة عبر عروقها.
)أي منها يعجبك أكثر؟)
شهقت حين شعرت بهمسه القريب فالتفتت لتجده قريبا منها يتأمل المفارش، يميل برأسه مشيرا إلى اليمين حيت كفها التي نسيتها هناك منذ مدة.
)الأزرق؟.... مممم جميل!)
هز رأسه فرمشت مرات عدة، تنزع نظراتها من عليه إلى المفرش الذي جذبها كما يفعل أي لون يحمل شقا من الأزرق.
)إذن هل اخترت الأزرق؟)
تنفست بصخب تسلل عبر أذنيه مباشرة إلى عمق قلبه المتفاعل مع كل ما يصدر منها ثم قالت بفتور.
)لا أعلم... سأدع الأمر لزينة...)
قطب يرمقها بحيرة، يستفسر.
)لماذا؟... تقوى تكون شقيقتك... لابد وأنك تعرفين ذوقها... أو اختاري ذوقك أنت.... لا أظن الأمر بتلك الأهمية!)
فجأة توقف كل شيء داخلها مع جملته لتعود إلى خوفها، لا شيء يشكل مشكلة لديه وهي أبسط الأمور تشكل لديها أكبر المشاكل.
لقد فكرت في حديث شقيقتها ولم تجد ردا سوى أنها حقا تهواه وتريده في حياتها لكن ماذا عن اختلافهما الكبير؟
كما نوهت تقوى دون قصد، شخص بهذه الشخصية سيبتلعها كلها بشخصيتها المترددة والألعن إذا تعرّف على حقيقتها، هل سيريدها بنفس هذه الطريقة الملحة أم أنه سيندم ويراها مجرد فتاة ضعيفة لا ترقى لتجابه شخصيته الجامحة فكريا!
)بقدر سعادتي بتأملك الشارد هذا في تقاسيم وجهي الوسيمة... بقدر أسفي على اضطراري لأقاطعك كي تمنحيني ردا قبل أن تعود ابنة عمي الفضولية....)
طغى الوجوم فجأة على حماسها فهدّأ من هدير قلبها وحالة التأثر التي انتابتها، تجيبه بفتور.
)لازلتُ أفكر في الأمر... وأنا على وشك الالتحاق بمدرسة الأساتذة.. لا أريد أن يتشتت تركيزي أول سنة على الأقل...)
رمقها بإعجاب لم يستطع إخفاءه فانبثقت شعلة أمل صغيرة داخلها، لما لا تحاول؟
لم تحصل على حافز من قبل يدفع بها لتجرب خوض غمار الحياة بنفسها وركنت الى شط الأمان القريب منها والسهل، ألا يستحق هو المحاولة؟
حتى وإن فشلت، تعود لتحاول مجددا فلازال أمامها وقت طويل حتى يحصل المراد.
ألم تخبرها تقوى وأكد والدها على أن كل شيء يكتسبه الإنسان بالتدرب والسعي الدؤوب إليه؟
وها هو الحافز والدافع وهي لم تعد صغيرة، فلما لا تحاول جاهدة؟
( لا أنكر أنك محقة... مع أنني كنت لأساعدك... لكن لا بأس فقط امنحيني ردا مبدئيا... بأنك ستوافقين حين تكونين مستعدة....(
نظرت إلى المفارش تتأمل الألوان الثلاث حتى عادت إلى الأزرق، تلتقطه لتضمه بين ذراعيها، تجيب بحياء.
)ان شاء الله... )
)حقا!)
هتف بجذل وذهول، لم يظن أنها ستمنحه ردا بتلك السهولة وقد بدأ يصدق بأنها مثل شقيقتها ولن ترضى به.
رمته بنظرة مستفسرة فرد عليها كعادته المباشرة.
)كنت أظن بل واثق من أنك سترفضين بسبب ... أعني!)
غمره الخجل من تصرفاته لأول مرة في حياته وهي تعقد جبينها بريبة وحيرة حول قصده.
)شقيقتك رفضت جرير لمدة طويلة من أجل سبب يعد أبسط بكثير مما قد ترفضينني من أجله... من وجهة نظري طبعا...)
أدركت ما يعنيه بحديثه فأطرقت برأسها، تحدق بالمفرش بينما تجيبه بفتور.
)بلى أنت محق... ولأجل هذا أيضا...)
بعثر خصلاته بكفه حرجا يسألها بحذر.
)هل تراجعتِ؟)
عادت للنظر إليه بتيه وحيرة بالغة ثم هزت رأسها بلا معنى ضاعف من حيرته هو، شيء ما حولها يفقده ثقته بذكائه وقراءته للناس، تحيره بشدة وتدفع بالضيق نحو صدره من عدم ثباته على تقرير واضح وصريح عنها.
)هذا يعني يا ابن عمي... أنك يجب أن تسعى جاهدا لتقنعها بك...)
كانت تلك زينة التي قررت الدخول وقد عادت منذ مدة بالماء وانتظرت قرب المدخل الى أن شعرت بحصاره لها.
التفت إليها بنظرات معاتبة فضحكت تستدرك بشماتة.
)وعدتك بموافقة مبدئية... وبلّغتك بما يؤرقها وعائلتها... بل وعائلتك أنت... لذا كي تسهل عليها المهمة... اعتدل..)
عقد جبينه ساخرا، يقول بعبوس.
)وهل أبدو لكِ أعوجا لأعتدل؟...)
وضعت صينية الماء على المنضدة الكبيرة، ترد بتهكم مهدد.
)أنت تعلم قصدي والآن غادر لتساعد العريس ودعنا نقوم بعملنا... عيب عليك وأنت تترك ابن عمك بدل ان تريحه من عناء الأشغال...)
استدار مغادرا بعد ان أرسل لصفاء نظرة إعجاب أخرى ثم أعقبها بإشارة نحو صينية الماء، يهتف بنزق مزعوم.
)العريس المسكين سيتحول الى وحش مفترس إن أفسدت غرفة نومه....كان الله في عوننا... كل هذا التعب ليتزوج جرار الحقول...)
بضحكة رائقة استدارت زينة نحو صفاء، تحدثها بنبرة مرحة، رافقتها بنظرة ذات معنى.
)هذا هو مؤنس لا يتحدث إلا ساخرا ... هل اخترت الأزرق؟... ظننتُ بأنك ستختارين الأحمر بما أن شقيقتك عروس!..)
نظرت صفاء الى المفرش بحيرة تبدو لمن ينظر إليها تافهة بينما هي قاتلة لأحشائها ، ترد باستسلام كئيب.
)أنت محقة... يجب أن نفرش المطرزة بالأحمر.....)
استغرقت زينة في ثرثرة متشعبة بينما يديها تعملان بشكل آلي، غير مدركة للجامدة كتمثال بائس، تحتضن المفرش بقوة غريبة.
)ضعيه هناك عزيزتي من فضلك...هو والأخضر.. افتحي الباب الرابع من الخزانة ورتبيهم هناك... آه! نسيت استغلال مؤنس في تعليق الستارة... )
انتفضت، تهتف بصدمة.
)لا!... سأعقلها إنها سهلة جدا ...)
ضيقت زينة مقلتيها للحظات ما لبتت أن ابتسمت بمرح، تهز رأسها لتبادلها صفاء بسمتها بأخرى متشنجة قبل أن تستدير عنها ترتب المفارش في الخزانة بنظرة ملؤها التصميم والعزم على أول قرار اتخذته في حياتها بمحض اختيارها بأن تكسب بعضا من الثقة بنفسها!
وإن حققت أول أهدافها سيكون ما بعد ذلك يسيرا... أليس كذلك؟
…………………

*منزل الخواجي*
(عباءتي!)
نطق بأمر جاف فرفعت رأسها، تطالع انعكاسه ببدلته الفخمة من خلال مرآة منضدة الزينة.
نهضت بروية تخطو نحوه بحركات مغوية، لن تخسر معركتها أيضا، ستربح بأي ثمن كان!
وهذا العجوز أمامها لن يردعها عن نصرها الكبير!
التقطت عباءته من على المشجب ووضعتها على كتفيه، تتحمل نزقه المضاعف منذ أن تنحى عن منصبه وقربه المثير للقرف إلى درجة استعانتها بشياطينها وحيلها لتتنصل من قربه الحميمي كلما استطاعت.
)ما بك؟)
صاح بغضب فنظرت إليه بحدة لتكتشف أنه لمح تجعد ملامحها باشمئزاز.
لم ترتبك ولم تتلجلج وهي ترفع دقنها بترفع صلف، تقول بقوة نابعة من سواد حقدها.
)سئمت من نزقك وتهديدك المستمر... وتقبلت فشلك في تزويج حفيدك من شقيقتي... لذا فعلت أنا ما تفقنا عليه...(
رماها بنظرة مرتابة، يستفسر.
)ماذا تقصدين؟)
ابتسمت بسخرية قاتمة ثم وضعت كفها على بطنها، حيث تركزت أنظاره بصدمة.
)أنا حامل...)


انتهى الفصل بفضل الله..... أستغفر الله العظيم لي ولكم


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 11:19 PM   #769

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

على بركة الله نبدأ بالقراءة 😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍

Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 11:21 PM   #770

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,239
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 78 ( الأعضاء 22 والزوار 56)


‏موضى و راكان, ‏fatis med, ‏Um-ali, ‏انس السهلي, ‏Hebagamel, ‏faria, ‏sira sira, ‏amana 98, ‏affx, ‏Gannamedhat, ‏ام الارات, ‏Lama9, ‏عاليا محمد, ‏Better, ‏أم الريان, ‏الوفى طبعي الوفى, ‏فرح وهبة, ‏sama mohammad, ‏Rana saleh, ‏ام توتا, ‏Yousra Kareem





فصل ممتع تسلم ايديك يا منى و جزاك الله خيرا

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.