آخر 10 مشاركات
فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          311 - لن ينتهي الرحيل - الكسندرا سكوت (الكاتـب : سيرينا - )           »          غريب الروح * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          ودواهم العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : emy33 - )           »          423 - امرأة من دخان - سارة مورغن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          وحدها تراني (19) من سلسلة لا تعشقي أسمراً للكاتبة المبدعة: Hebat Allah (كاملة&مميزة) (الكاتـب : Hebat Allah - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          بين نبضة قلب و أخرى *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree66Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-01-20, 02:28 AM   #61

Tay12

? العضوٌ??? » 457452
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » Tay12 is on a distinguished road
افتراضي


ابداع كالعاده
الله ييسر امرك يارب
بانتظار باقي الفصول
بالتوفيق


Tay12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 06:58 AM   #62

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الرابع عشر

________


تخرج من الحمام تنشف وجهها بفوطة قطنية .
ووجهها محمر للغاية .
لتبدل ملابسها ببطء ثم تستلقي بوهن بعد أن فتحت شعرها .
غطت جسدها بالبطانية ترتجف من شدة البرد ، ثم من تلك الذكرى المرة .
تلك الليلة ..
قبل عودة عايض بيوم واحد .
علمت مسبقا من نجد ، أنه آتٍ وفي نيته أن يحدد موعد الزواج .
لذا واتتها فكرة بدت جريئة بالنسبة لها ، إلا أنها لم تتردد على الإطلاق .
لم يقصر عليها عايض بشيء طوال السنتين الماضيتين ، بينما هي لم تتمكن من إهدائه أي شيء .
كانت بشرى للتو انتقلت إلى المدينة ، ولم ترغب بالاستعانة بنجد كون عائلتها أيضا منشغلة بالتجهيز للإنتقال .
لم تبقى سوى فتاة واحدة ، ابنة عمها أسيل شقيقة سلمان .
والتي نكبرها سنتين ، لذا كانت علاقتها بها جيدة .
امتنان يُمنى العظيم لسلمان لا زال موجودا في قلبها ، لم تنوي نسيانه ومساعدته لها حتى آخر عمرها .
لذا حقا وكما توقع عايض ، كانت تأمن جانبه بالرغم من معرفتها لأخلاقه الغير جيدة .
كانت تظن وتعتقد في نفسها أنه يعاملها كما يعامل شقيقاته ، سيحميها من الغرباء كما يحمي شقيقاته ، وكما أنقذها من قبل .
وبالرغم من منع عايض لها إلا أنها ثقتها الحمقاء والغبية بسلمان جعلها لا تخشاه مطلقا .
نعم تلك الليلة طلبت من أسيل أن تأتي إليها وتساعدها .
تأخر الوقت ، وصارت الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساء ولم تأتِ أسيل .
اتصلت بها مرارا وتكرار ، أرسلت إليها الكثير من الرسائل النصية .. ولكن الأخرى كان هاتفها مغلقا ، فلم تجب أبدا .
كانت متوترة وخائفة ، مترددة للخروج من المنزل والذهاب إلى أسيل .
ربما لديها ظرفا منعها من المجيء!
هي أيضا أمرها لا يحتمل التأجيل ، فعايض قادم بالغد .
وهي تريد أن تفاجئه وتسعده .
كانت أمها نائمة لحسن حظها أو سوءه !
ارتدت عباءتها وخرجت من غرفتها على مهل ، تحمل حذائها بيدها .
سارت على أطراف أصابعها تبتلع ريقها كل حين بخوف ، تدعوا من قلبها ألاّ تستيقظ سمية وتخرب مخططها .
متأكدة أن أمها ستكون نائمة بحلول الآن .
وصلت بجانب الباب أخيرا ، فتحته بحذر وخرجت لترتدي حذائها وهي تحمد الله أنه لم يوجد أحد .
بنفس الوقت ، هالها رعب الهدوء والظلام .
لتغمض عينيها وتتنهد تحاول تهدئة ضربات قلبها المتسارعة .
كونها لم تخرج بمفردها منذ زمن طويييل ، خاصة هنا في ممرات الديرة وإن كانت واسعة ، فهي تبدوا مخيفة للغاية .
شهقت بفزع حين سمعت صوت أحدهم ينادي بإسمها / يُمنى ؟
التفتت إليه تتنهد براحة / سلمان كويس جيت .
اقترب منها عاقدا حاجبيه باستغراب / وش تسوين هنا بهالوقت ؟
يُمنى / أسيل من زمان أتصل فيها ما ترد عليّ ، وأرسلت مليون رسالة برضوا ما ترد وأنا محتاجتها ضروري ، أبي أروح أشوفها .
صمت سلمان قليلا كأنه يفكر ، رفع رأسه حين قالت بترجي / تكفى تعال معي والله خايفة مرة ، تدري من زمان ما خرجت لوحدي كذا .
ابتسم سلمان بهدوء / أبشري ، بس ترى مثل ما قلت لك من زمان ما عاد في داعي تخافين لهالدرجة .
هزت كتفيها بقلة حيلة / مو بيدي ، يلا سلمان تكفى قبل لا تصحى أمي وتدور علي .
هز رأسه إيجابا وتقدم الطريق ، تمشي هي خلفه تلتفت يمنة ويسرى .
خشية أن يحصل مثلما حصل سابقا !
حتى وصلا يجانب منزل عمها والد سلمان ووقفا أمام الباب ، استغربت من سكون المنزل الواضح حتى من الخارج .
أجهزة التكييف كلها مغلقة ، والأنوار كذلك !
حينها مرّ بها شعور غريب ، وارتجفت من مجرد نسمة هواء خفيفة حتى والجو شديد الحرارة .
فتح سلمان الباب بمفتاحه ثم التفت إليها بابتسامة / تفضلي .
ارتعد قلبها بخوف من ابتسامته التي بانت وكأنها خبيثة للغاية ، لتعود خطوة إلى الوراء تبتلع ريقها تقول بارتباك / لا خلاص بكرة برجع لها من بدري ، أخاف أمي تصحى وما تلقاني .
سلمان / ما دام جيتي ادخلي مو تقولين عندك شيء ضروري معاها ؟ ليش ترجعين ؟
هزت رأسها نفيا عدة مرات بريب وهي تتأمل وجهه المليء بالخباثة والقذارة .
وكأنها للتو تدرك حقيقته !
وأنه معروف بعدم صلاحه في عائلتهم .
تسمع تحذير عايض ، ومنعه لها من الإقتراب منه مجددا .
وكلام سلمان نفسه ، حين كان يحاول تشويه صورة عايض بعينيها ، بقوله أنه تركها وأنه لا يرغب بها من الأساس .
لذا من الأفضل أن تتركه .
نزلت السلم الأول تقول بسرعة / برجع بكرة .
وكأن سلمان علم من صمتها بما تفكر به وقرأ أفكارها .
لتتفاجأ به يمد يده نحوها ويقبض ذراعها بقوة .
فتطلق صرخة فزعة وهي تحاول تحرير ذراعها من يده القوية .
لم تتخيل أبدا ولم تتوقع ما حصل بعد ذلك !
حين سحبها بقوة حتى أدخلها المنزل المظلم وأغلق الباب خلفه متجاهلا صرخاتها العالية .
جذبها إلى مكان بعيد لم تعرف أين .
بسبب الظلام ثم خوفها ورعبها الشديدين ، وهي تتذكر ما حصل قبل 6 سنوات تقريبا .
لقد كان المنقذ لها ، ماذا يحصل الآن ؟
شعرت بجسدها يقشعر حين ضمها إليه بقوة كأنه يحاول السيطرة عليها ويسكن حركاتها ، ليهمس بأذنها / حاولت أكسبك وأكسب قلبك بالطيب يا يُمنى عشان أتزوجك ، لكن انتي غبية ، غبية لأنك تحبين هالعايض اللي ما عمره التفت لك ولا قدرك ولا عرف قيمتك .
دفعته بقوة إلى الخلف حتى سقط جالسا ، وحاولت الإبتعاد عنه والهروب ووجهها غارق بالدموع .
إلا أنها لم تتمكن من فعل ذلك على الإطلاق .
حين نهض مسرعا وأمسك بها مجددا .
حاولت أن تقاوم بكل ما تملك من قوة ، إلا أنها لم تتمكن .
لا تدري ماذا حصل وهي تصرخ وتبكي ، تشعر بالدوار الذي أفقدها التركيز والقوة للمقاومة أكثر .


لا تدري كم مر من الوقت ، حين فتحت عيناها مجددا .
والظلام لا زال يحل بالمكان .
نهضت والألم يكاد يطرحها أرضا ، الخوف والفزع جعلاها تبكي وتشهق بصوتها العالي .
اقتربت من الحائط بحذر تتحسسه حتى شعرت بالأزرار لتشغل الأنوار .
كانت الغرفة خالية .
والتي لم تكن سوى غرفة ذلك الحيوان القذر سلمان !
أسرعت نحو عباءتها وارتدتها وهي بالكاد تبصر ما أمامها من فيضان الدموع ذلك .
خرجت من الغرفة بخطوات سريعة ، مستغربة من الصمت الذي يعم المنزل .
أين عمها ؟ زوجته وأبنائه ؟
استقرت أخيرا بخارج المنزل .
لتعود إلى منزلهم بخطوات أقرب للركض وهي شبه منهارة .
تشعر أنها على وشك السقوط .
لا تدري حتى كيف كان ذلك الشعور .
بل مشاعر عديدة .
أعظمها الخوف ! ثم التقزز !
وصلت أخيرا إلى المنزل ، لتفتح الباب ببطء وحذر كما فتحته .
تقدمت إلى الداخل وهي ترتجف تحاول كتم شهقاتها بقدر المستطاع .
وصلت إلى الصالة بعد أن خلعت حذائها في الخارج ، صعدت إلى الأعلى بصعوبة وهي تتعثر وتسقط ثم تنهض وتتعثر مجددا !

_______


بعد أن سمعت تلك العبارة الغريبة من شذى ، صارت كأنها بداخل دوامة من شدة الحيرة التي تملكتها، ومن شدة الخوف أيضا .
حتى أنها لم تتمكن من التفاعل مع قريباتها وهن يرقصن من أجلها ويضحكن.
ادّعت الخجل والإحراج ، بينما قلبها يشتعل من القهر وهي تنظر إلى تلك الباردة بين الفترة والأخرى .
لتجدها ترمقها بنظرات غريبة ومخيفة أيضا .
ماذا كانت تقصد بالله العظيم ؟
لا تدري كيف مر الوقت حين أتت إليها عواطف تخبرها أن زوجها يرغب برؤيتها !
زوجها ؟ زوجها ؟ كم بدت تلك الكلمة غريبة ومفجعة بذات الآن ، وهي ترفع رأسها وتنظر إلى عواطف بعينين متسعتين وقلبها يرتجف من تلك المشاعر الفوضوية التي تشعر بها .
كلما رغبت به في تلك اللحظة ، أن تلجأ إلى حضن أمها وتختبئ هناك كي لا يؤذيها أحد ، كما كانت تفعل دائما حين كانت صغيرة .
الآن والدتها كبرت وصدرها مثقل بالهموم من أجل ابنها المسكين عمر !
ومن أجلها هي ، ثم من أجل الصغيرة رند .
كيف لها أن تعود إليها الآن ؟ خشية إيذاء من فرحت لأنها سترتبط به ، لظنها أنه سيكون مناسبا لها ، ثم تسمع هذا الحديث الغريب من ابنة عمه المغرورة ؟
رفعت رأسها مجددا حين نبهتها عواطف / نوف ؟
نوف بضياع / هااه ؟
عضت عواطف شفتها بحيرة لتمسك بذراع أختها وتساعدها على النهوض ، ثم خرجتا إلى الخارج وهي تسحبها خلفها بلطف .
وقفت عواطف أمامها تتفحص ملامحها ثم سألتها بهدوء / نوف ، قولي لي الصراحة ، انتي راضية ؟
نوف باستغراب / ليش هالسؤال الحين ؟ لو ما كنت راضية ما وقعت أساسا .
عواطف بجدية / بس وجهك يقول شيء ثاني ، خليني أًصارحك ، انتي تصرفاتك صايرة غريبة مرة ، قاعدة تصدميني وتخوفيني عليك ، طول الأسبوع وأنا قاعدة معك وأساعدك للملكة كنتي مبسوطة ، لكن فجأة تمر عليك أوقات أشوفك فيها سرحانة وشايلة هم ووجهك أسود كأنك خايفة من شيء ؟ نفس الشيء اليوم كنتي طايرة من الوناسة فجأة أشوفك تبكين ، بعد كذا ضحكتي في الزفة ثم انقلبتي فجأة كمان ؟ إيش قاعد يصير معك ؟
شرد ذهنها مجددا وهي تنظر إلى وجه عواطف ، لتصدمها بسؤالها الغير متوقع / ليش تخليتوا عني ؟
اتسعت عينا عواطف بصدمة / شلون ؟
أدمعت عينا نوف / ليش كلكم رحتوا بعد ما ماتت رند ؟ ليش تركتوني لوحدي ؟
فتحت عواطف فمها لتجيب ، إلا أنه لم يكن هناك أي كلمة تسعفها للرد .
لتنظر إليها نوف بإحباط ثم تغادر من أمامها بصمت ، متجهة حيث المجلس الذي ينتظرها به ليث .
حزنها العظيم تبدد ليتحول إلى ارتباك قوي وتوتر.
لتبتلع ريقها وتقبض كفيها وتذكر الله ثم تدخل.
كانت تنظر إلى الأرض حتى دخلت وأغلقت الباب خلفها ببطء ، التفتت بعد ذلك ورفعت رأسها لتقع عينيها بعينيه .
كان مبتسما ووجهه منير ، لتبتسم هي بارتباك وتقترب وأنفاسها محبوسة.
توقفت في المنتصف من شدة التوتر ولم تعرف ماذا عليها أن تفعل .
تفهم هو موقفها ليكمل الطريق الباقي إليها ، حتى وقف أمامها وأمسك بكفيها .
ارتجفت يدها التي سحبتها فورا وعادت خطوة إلى الخلف عاقدة حاجبيها .
استغرب ليث ينظر إليها ثم يسأل حين شعر بها غاضبة / فيك شيء ؟
عضت شفتها السفلية بتوتر ثم قالت بصوت منخفض / قبل لا تقول شيء ، ودي أعرف وش كان بينك وبين بنت عمك شذى .
اتسعت عينا ليث وهو يسمع هذا السؤال الغير متوقع على الإطلاق !
ويبدوا أنها هي أيضا ندمت على تسرعها .
حين صار صدرها يعلوا ويهبط من الانفعال ومن المشاعر الفوضوية في قلبها .
كان الارتباك واضحا بوجه ليث وهو يقترب منها مجددا ويمسك بذراعها برفق قائلا بهدوء / طيب تعالي اجلسي بقول لك كل شيء .
ازداد الحنق والغيظ في قلبها بعد سماعها ما قال !
كل شيء ؟ هل هناك كل شيء أيضا ؟
ليس شيء واحد بسيط لا يستدعي كل هذا القلق والخوف والغضب !
جلست على الأريكة وجلس هو بجانبها ، كانت تنظر أمامها بذهن شارد .
أما هو فكان يتأملها هي ، يشعر بالغضب تجاه شذى التي نفذت تهديدا أطلقته منذ أكثر من ست سنوات !
تلك الفتاة كيف لها أن تكون خبيثة إلى هذا الحد ؟
حتى تجرح هذه المسكينة وتفسد فرحتها بهذا الشكل ؟
هذا الوجه بملامحه البريئة لا يستحق كل هذا الحزن المرسوم عليه أبدا .
تحدث أخيرا / تدرين اني كنت ساكن في بيت عمي قبل ؟ وهم ربوني بعد وفاة والديني ؟
أومأت برأسها بصمت .
كان مترددا قبل أن يكمل / لما كبرت شذى وهي بنتهم الوحيدة ، وكنت أنا بعد شاب ، عمي أجبرني أعقد على بنته عشان أكون محرم لها ولا أضطر أخرج من بيتهم .
لم تكن تلك صدمة عادية أبدا حين وقعت بقلب نوف ، وهي ترفع وجهها وتنظر إليه فاغرة فمها بذهول .
أكمل ليث بضيق / كان مجرد عقد نوف ، كانت توها مراهقة وأنا بعد كنت مجبر ، عمي ما كان يسمح لي أخرج وأنا طالب في الجامعة وأبوي وصاه علي ، ما كان بيرضى اني اشتغل وأدرس بنفس الوقت ، لكن بس تخرجت من الجامعة وتوظفت تركت البيت وخرجت ، ما قدرت أتقبل شذى كزوجة ، بس خرجت من بيتهم طلقتها .
لا زالت نوف تنظر إليه بذهول ، قبل أن تغلق فمها أخيرا ببطء وتسأل / بس كذا ؟
ليث / إيه ، هي وش قالت لك ؟
أجابته بصعوبة وهي تغلق عينها وتنحدر دمعة يتيمة على وجنتها / قالت انك لسه تحبها وانك تزوجتني عشان تقهرها .
انصدم ليث ليسرع ويمسك بكفها مجددا وكأنه يرجوها أن تصدقه / لا والله انها تكذب ، أنا ما أكن لها أي مشاعر ، ولا كنت أهتم فيها من قبل .
رقت ملامحها أخيرا وهي تمسح دمعتها وتلتفت إليه / طيب ليش ما قلت لنا انك مطلق ؟
ليث بجدية / ما كانت علاقة جادة يا نوف ، ما كنت مهتم فيها أبدا ، يعني ما كأنها صارت أبدا .
لم يكن ذلك عذرا مقنعا لنوف على الإطلاق ، لذا تأملت وجهه بصمت تتحدث إلى نفسها ( انت خدعتني قبل لا نرتبط حتى ، عشان كذا من الحين ما عاد راح أحس بالذنب وأنا أسوي اللي قالت لي عليه هيفاء ).
نهضت نوف تقول بهدوء بعد أن ابتسمت رغما عنها / أستأذنك بروح غرفتي ، حاسة بتعب .
نهض ليث أيضا على الفور ليحاول إيقافها ، إلا أنه لم يتمكن .
حين مشت سريعا وخرجت واختفت من أمامه .
جلس على الأريكة ذاتها مغمضا عيناه بضيق .
لقد نسي الموضوع تماما ، ولم يأخذ تهديدها على محمل الجد .
لم يتوقع أبدا أن يصدر هذا الفعل من ابنة عمه !
كيف تفسد فرحته بهذه الطريقة ؟ وتكسر قلب تلك المسكينة !
التي ربما لم تقتنع أبدا بما قاله هو .


حقا ، نوف لم تقتنع .
بل ظلت طوال الليل وبعد صعودها إلى حجرتها تبكي كما لو أنها تتقلب على فراش من نار .
بعد أن خرجت من عند ليث ، عادت إلى مجلس النساء ترسم على شفاهها ابتسامة مزيفة .
وأرغمت نفسها على مجاراة قريباتها وهي ترقص معهن .
بل تركت كل الخجل لتغيظ تلك الـ شذى التي رغبت بإفساد فرحتها .
ومن أجل والدتها أيضا .
لينا التي شعرت أن هناك شيء ما بنوف ، لحقت بها حين استأذنتهم للصعود إلى حجرتها .
سألتها مرارا وتكرارا إلى أن الأخرى لم تخبرها بشيء .
أسكتتها قائلة بأنها مرهقة فقط لا أكثر .
تشير الساعة الآن إلى الواحدة ظهرا .
لم تخرج من حجرتها منذ أن دخلت إليها بالأمس ، لم تتناول شيئا على الإطلاق .
نعم تشعر بالجوع ، ولكن شهيتها مسدودة ولا تعتقد أنها ستتمكن من تناول شيء أبدا .
شعورها بالخذلان والإحباط يقيدانها تماما .
في حياتها كلها لم ترَ أحدا سوى عايض .
كان يعجبها بطيبة قلبه ، وشخصيته القوية والملفتة ، غير وسامته بالطبع .
إلا أنها حين علمت أنه من المستحيل أن يلتفت إليها حاولت أن تنساه .
والآن ، حين كانت ترفض فكرة الزواج حتى لا تضطر لاستغلاله من أجل إرضاء هيفاء .. أتى وبدد كل تلك المشاعر.
كانت سعيدة للغاية .
مرتاحة جدا .
لتأتِ تلك العبارة وتكسرها تمام ، فوق خوفها وقلقها وتوترها!
ذلك هو التحطيم التام بالتأكيد .
كيف ستنسى ؟ كيف ستقتنع بما قال ! كيف تمرر عليه ذلك الأمر ؟
كيف خبأ الأمر أصلا عن أخوها ؟
حسنا لتقتنع هي وتسامحه على عدم إخباره لهم بالأمر ، كيف بعائلتها !
ألن تغضب إن علمت فيما بعد ؟


______

يترجل من سيارته بعد أن أوقفها أمام منزل عم والده.
يشعر بشيء من عدم الراحة والتوتر .
لم يرغب بالمجيء أبدا بعد أن فاتحه والده بالموضوع ، أكثر من مرة .. ولكن دون إصرار .
ثم إنه لا يدري كيف سيقابل عايض ويخفي عليه ما تنوي يُمنى فعله !
كيف سيكذب عليه ويتظاهر أمامه أن كل الأمور على ما يرام ؟
عايض من أصرّ عليه وأجبره على القدوم بعد أن علم أنه هنا في مدينتهم .
لذا لم يتمكن من الرفض .
أخرج من المرتبة الخلفية ما جلبه من حلويات وبعض الأشياء .
ليحملها بصعوبة بيد واحدة ، حيث أنه لم يخلع الجبيرة بعد .
التفت إلى السيارة التي توقفت للتو .
ليجد بنات راشد ينزلن من السيارة .
اتجهت لينا إلى الداخل على الفور ، أما ضحى فوقفت تسلم عليه وتسأل عن حاله ثم دخلت .
كانت نجد آخر من تنزل من سيارة السائق ، لأول مرة راوده شعور غريب وهو يراها أمامه تماما .
ارتبكت نجد أيضا ، لم تتوقع رؤيته قريبا بعد أن طلق طيف .
شعرت بقلبها يخفق بسرعة ، تتردد على مسامعها تهديدات طيف وهي تظن أن مساعد حقا اتفق معها ليفضحاها سويا !
وأن مساعد أيضا يحبها !
ليت ذلك كان حقيقيا يا طيف .
ابتسمت تقول بهدوء / كويس لحقت أتحمد لك بالسلامة قبل تفك الجبيرة ، حمد الله على السلامة .
ضحك مساعد / الله يسلمك ، من وين جايين بهالوقت ؟
نجد / كنا في بيت خالتي قعدنا عشان نساعدهم وننظف البيت بعد حوسة الملكة ، عاد خلصنا ونمنا وما قمنا إلا الحين .
سألت وهي تنظر إلى يده / متى بتفكها ؟
مساعد / بعد كم يوم إن شاء الله .
وقعت عيناها على يده التي تحمل الكثير من الأشياء / يووه قد إيش شايل أشياء هاتها عنك.
اقتربت منه بسرعة تمد يدها نحو الأكياس لتأخذها.
إلا أنها أسقطتها كلها حين شعرت بيدها تلمس يده دون أن تشعر .
ارتدت إلى الخلف قليلا تبتلع ريقها بتوتر .
ثم انحنت تحاول التقاطها مجددا ، ليوقفها / خلاص خليها أنا بأخذها .
أكملت دون أن تولي كلامه أي اهتمام وضربات قلبها تتسارع .
توقفت يدها في الهواء حين سمعت سؤاله الغير متوقع / سمعتِ شيء من طيف ؟ قالت لك شيء ؟
أغمضت عيناها بألم ثم نهضت لتسأل ببرود / لسه مهتم ؟
أخفض مساعد بصره يتنهد بضيق / إذا تبين الصدق أنا ماني مهتم ، بس الموضوع قاعد يزعجني إلى الآن ، ما كنت أدري هالأشياء عنها عشان كذا كنت جاد معاها وكنت أشوفها زوجة حقيقية ، ولو كانت الفترة قصيرة إلا اني بديت أتعلق فيها .
عضت باطن شفتها السفلية بمرارة ثم قالت بهدوء / ما قالت شيء بس تهددني تقول أنا السبب ، وبس .. عن اذنك بدخل .
مرت من أمامه سريعا لتدخل وتترك الباب مفتوحا من أجله .
وضعت الأكياس على الطاولة الموجودة بالصالة ثم أسرعت بالصعود إلى غرفتها .
تشعر بالدموع تحرق عينيها ، والمرارة تملأ حنجرتها .
حتى دخلت وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح ، خلعت عباءتها بشيء من العنف وعلقتها على المشجب بغضب .
ثم مسحت دموعها بقوة تنهر نفسها / عمره ما حس فيك ولا راح يحس يا غبية انسيه .
أغمضت عيناها بقوة للمرة الأخيرة تخرج الدموع المتبقية ثم تنظر إلى أصابعها حيث لمست يده !
لتضحك بعد ذلك بسخرية على نفسها .
أخذت هاتفها الذي وضعته على السرير للتو ، لتتأفف وهي ترى اسم طيف مجددا !
هذه الفتاة لا تسأم أبدا من إطلاق تلك التهديدات السخيفة ، على الإطلاق !
حسنا ليس أمامها خيار آخر سوى حظرها من جميع الحسابات لكي لا تزعجها مجددا .
فتحت الرسالة بملل ، إلا أن ما رأته جعلها تشهق بقوة وتقف في مكانها بعينين متسعتين من المفاجأة والخوف ّ!
كيف ؟ كيف فعلتها هذه الطيف ؟
كيف تمكنت أصلا من الدخول إلى قائمة الصور الموجودة بجهازها حتى تمتلك هذه التي أرسلتها إليها ؟
الصور الخاصة بها والتي لم ترسلها إلى أحد على الإطلاق ؟
صور لم يرها أحد سواها من البشر .
كيف وصلت إليها ؟
صارت تشهق ودموعها تنزل مجددا ، يداها ترتجفان بطريقة مريعة والصور تأتي إليها واحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى 15 صورة تقريبا !
وكلها تظهر فيها وهي ترتدي لباس النوم الخاصة بها ، والتي حين ترتديها تغلق على نفسها الباب حتى تبدلها بلباس أخرى ساترة !
كانت تتصور بها في أحيان قليلة جدا بسبب الملل .
نوت حذفها ، إلا أنها نسيت !
خرجت من المحادثة ودخلت إلى التطبيق الذي صورت به .
ولكنها لم تتمكن !
هل اخترقت حسابها ؟ ثم أخذت الصور منه ؟
نعم هذا الظاهر الآن والواضح !
ماذا عليها أن تفعل الآن ؟ كيف ستتصرف ؟
هذه ليست مصيبة عادية على الإطلاق .
إن ذهبت هذه الصور إلى أي أحد آخر سوى طيف ستموت بالتأكيد !
اتصلت بها وهي تبكي وتشهق من الخوف والإنفعال ، ردت الأخرى تضحك بخبث وتقول / شفتي يا نجد ؟ شفتي إيش أقدر أسوي أنا ؟ توقعتي إني انسانة هينة وعادية وما أقدر أنفذ تهديدي صح ؟
قاطعتها نجد بغضب وهي تبكي / اسكتي يا حمارة يا اللي ما تستحين على وجهك وما تخافين ربك ، من وين جبتي صوري ؟
طيف بخبث أكبر / من حسابك طبعا ، ما عرفتي إلى الآن اني اخترقته ؟
صرخت نجد / ليش طيب ليش ؟ أنا إيش سويت لك ؟ إيش الخطأ اللي ارتكبته في حقك عشان تسوين فيني كذا ؟
طيف بحقد / ما تدرين لسه ؟ أهاا تبيني أعجل بالنشر عشان تعرفين صحيح ؟
نجد بخوف / إياكِ يا طيف إياك ، والله العظيم لو تجرأتي وأرسلتيها أحد إنك لا تدخلين السجن وتتعفنين فيه انتي وأهلك .
طيف بسخرية / ما احد راح يعرف إني أنا اللي نشرتها أصلا هههههههههه.
تهاوت نجد على الأرض جالسة / طيف أنا أنبهك ، إياك تنشرين الصور والله ما راح أخليك .
طيف / عاد أنا ما تعبت ووصلت لها عشان أسمع رجاءك الغبي هذا ولا تهديدك ، كلها دقايق وتوصل لكل اللي أعرفهم ، وأهلك بعد طبعا ، اللي تسوين قدامهم انك الشريفة بنت الشريف بالنهاية تتصورين بهاللبس الفاضح مدري عشان ترسلينها لمين ، باي .
أقفلتها لتنظر نجد إلى الهاتف بذهول ووجهها غارق بالدموع ، حاولت أن تعاود الاتصال بها مجددا ، إلا أن الهاتف كان مغلقا .
انحنت بظهرها تقبض الهاتف بقوة وهي تشهق وتبكي بخوف شديد .
ماذا عليها أن تفعل الآن ؟
كيف ستتصرف !



بالأسفل ..
استقبل عايض مساعد وأدخله إلى المجلس ، ثم ذهب وعاد إليه بالضيافة .
جلس عايض وهو يضحك / سامحني ما كنت موجود وانت تمر باللي مريت فيه حتى انكسر جسمك .
مساعد بابتسامة / ما عليك ، وين كنت انت طول هالوقت ؟
عايض بهدوء / كنت أدور على هالحقير سلمان ، دورت بكل مكان متوقع يكون فيه ، صار مثل اللي انشقت الأرض وبلعته .
اتسعت عينا مساعد بصدمة / ليش الحين ؟ كأن السالفة توها جديدة ؟
ارتبك عايض ولم يعرف ماذا يقول ، يبدوا أنه حتى مساعد لم يعرف بالأمر ذلك الوقت ولا يعرف حتى الآن !
أجاب بصدق / ما أدري بس أحس صدق فقدت أعصابك ، يوم بغيت أرجعها بعد كل هالسنين رفضتني ، ودي أعرف ليش للحين معلقة نفسها على هذيك الفترة ؟
تنهد مساعد بضيق وهو يشعر بالقلق ، لو علم عايض بالأمر سيحدث فوضى بالتأكيد .
أكمل عايض / لو مو سلمان كنا تزوجنا من زمان ، أبي أشوفه بس مرة وحدة وأذبحه على طول عشان أشفي غليلي .
مساعد بتردد / انت ليش ما تحاول تكمل حياتك وتتزوج وحدة غيرها ؟ ليش ما ترضى انك تتركها وراك ما دام هي ما عاد تبيك ؟
رفع عايض رأسه ينظر إليه بألم ثم ضحك بسخرية / ليش كلكم تتكلمون عن الموضوع كأنه عادي يا مساعد ؟
مساعد / ما هو عادي بس لازم ترضى بالواقع ، يمنى راح تتزوج بيوم من الأيام ، لا تنتظر لين يجي هذاك اليوم ثم تندم على عمرك اللي وقفته وانت تنتظرها ترضى ترجع لك .
قطب جبينه من تلك الفكرة الحمقاء / يُمنى لو ما رضت ترجع لي ما راح تتزوج غيري .
نظر إليه مساعد بصمت لبعض الوقت .
يرغب أن يخبره بالأمر ، ولكنه لن يتمكن أبدا من خيانة يُمنى وافساد ما ترغب بفعله .
نعم الأمر غير صحيح على الإطلاق .
سيتسبب في جرح عايض ، بل جرحها هي قبله .
ولكنها حياتها في نهاية الأمر ، وهي تبدوا عنيدة ومصرّة للغاية .
أكثر من أي وقت آخر .
سأل عايض بشك وهو يرى هذه التعابير على وجه مساعد / مساعد صاير شيء ؟
ارتبك مساعد ليضحك ويقول / لا إيش بيكون في يعني ؟
اتسعت أعينهما فجأة وهما يسمعان صرخة ضحى الآتية من الأعلى / يمه نجد ما تفتح الباب فيها شيء .
نهض عايض واتجه إلى الخارج مسرعا بفزع / كيف يعني فيها شيء ؟
ضحى ووجهها مسود من القلق والخوف / مدري كنت مارة من عندها كانت تبكي وتصرخ فجأة اختفى صوتها ، دقيت عليها الباب ما تفتحه هي مقفلته من جوة .
ركض عايض إلى الأعلى حتى وصل إلى غرفتها في غضون ثوان ، تبعته هنادي بقلق ومن وراءها ضحى ، لينا أيضا خرجت ووقفت تنظر بخوف .
طرق عايض الباب عدة مرات بقوة وهو ينادي بإسمها ، قبل أن يعود إلى الخلف عدة خطوات ثم يندفع نحو الباب بقوة .
كرر الحركة عدة مرات حتى تكسر وفُتِح .
تجاهل ألم ذراعه وأسرع نحو نجد المستلقية في الأرض على جانبها الأيمن .
جلس على ركبتيه أمام وجهها وعيناه متسعتان بصدمة ، كانت فاقدة للوعي !


_________



تفتح عيناها بوهن من اثر الضوء القوي على عينيها .
مدت يديها إلى الأعلى تتثاوب بكسل ، قبل أن تضع يمناها على بطنها وهي تبتسم .
وكحركة روتينية نظرت إلى بطنها تتحدث إلى جنينها وكأنه بالفعل يستمع إليها ، بل وكأن سيرد عليها / صباح الخير يا حلو ، كيف حالك اليوم ؟
رفعت جسمها بتثاقل وتأوهت من ألم ظهرها لتجلس ببطء وتغمض عينيها ثم تسحب هواء عميقا إلى رئتيها .
قبل أن تتجه إلى دورة المياه ، رن هاتفها .
مدت يدها نحو المنضدة وأخذته .
لتتسارع دقات قلبها وهي ترى إسم المتصل !
كتمت الصوت سريعا وهي تقف وتتجه نحو باب الغرفة ، فتحته دون أن تصدر أي صوت ونظرت من خلال هذه المساحة الصغيرة .
حمدا لله عهود ليست هنا !
يبدوا أنها خرجت باكرا لتفطر في منزل إحدى جاراتها !
عادت لتجلس على السرير بعد أن ردت ووضعت الهاتف بأذنها .
أتاها صوت المتلهف / أمال !
عضت أمال شفتها بضعف ، تجيبه بهدوء / نعم ؟
زوجها بلهفة / كم صار لي أتصل فيك ؟ ليش ما تردين عليّ ؟
أمال بسخرية / يعني المفروض أرد ؟ هااه ؟ كان لازم أرد ؟
زوجها / طبعا يا قلبي ليش لا ؟ انتي ما تدرين قد إيش أنا مشتاق لك ، والله بموت يا أمال .
تجمعت الدموع بمحاجرها من تلك المشاعر داخل قلبها ، تود لو تفصح عما بقلبها وتشعر بالقليل من الراحة .
ولكنه لا يستحق ، أبدا !
ردت بجمود / وش تبي ؟
زوجها / أبي أشوفك ، تكفين .
أمال بغضب / بأي حق تبي تشوفني ؟ خلاص احنا منفصلين الحين .
زوجها / بس انتي حامل ، يعني لسه زوجتي .
ضحكت بسخرية مجددا / يعني إيش أفهم من كلامك ؟ بس لأني حامل بولدك ولأني لسه في ذمتك أسمح لك تشوفني ؟ أتجاهل كل شيء سويته فيني ؟
زوجها بنبرة حزينة حركت مشاعرها تجاهه مجددا / تدرين إني ما لي دخل ولا صار بإرادتي ، وكله من الماضي .
صمتت للحظات تكتم شهقاتها وهي تضع قبضة يدها على صدرها / خلاص احنا انتهينا ، حتى لو ما كان لك ذنب المهم واقعنا الحين وكيف وضعنا ، أنا مستحيل أرجع لك ، أمي بتذبحني .. أو والله أبوي واخواني راح يدفنوني وأنا حية تدري ؟
بغضب / مو بكيفهم يا أمال ، إذا انتي تبيني ليش يوقفون بيننا ؟
أمال بغضب أكبر / ومين قال اني أبي أرجع لك ؟
زوجها / احلفي لي انك ما عاد تبيني .
ارتجف فكها من الانفعال وكذلك يدها التي تمسك بها الهاتف ، أغمضت عيناها بضعف / قفل لو سمحت ، أنا تعبانة حيل .
زوجها / وأنا تعبان يا أمال ، اسمحي لي أشوفك ، تكفين .
أمال بجدية / ما أقدر ، انسى .
زوجها بإصرار / إلا بشوفك يا أمال وهذا من حقي .
لم ترد عليه أمال ، فأكمل هو بنبرة ضعيفة يحاول أن يلين قلبها / تكفين ، والله مشتاق لك حيل .
عضت باطن شفتها السفلية بحيرة / والله عهود قاعدة لي بالمرصاد ، أحسها تراقبني ليل نهار ولا تنام حتى ، تخاف أطلع ولا أحد يجيني ، مرة ما يمدي.
ابتسم حين علم أنها بدأت تلين / حاولي ما عندك شيء ، انتي بس قولي لي وينكم الحين بالضبط وفي أي ديرة وأنا بحاول أشوفك خلال ساعات عمل أخوك .
تسارعت دقات قلبها بخوف قبل أن تخبره بإسم الديرة بتردد / ديرة الــ ………..
بصدمة / إيش ؟ إيش قلتي ؟
كررت أمال اسم الديرة باستغراب ، ليحل صمت طويل بينهما .
حتى ظنت أمال أنه قطع الخط / انت معي ؟
بارتباك / ليش رحتوا هناك ؟ ليش هالديرة بالضبط ؟
أمال بحيرة / مدري ، بس أعتقد هي أقرب شيء لعمل أخوي .
تنهد بضيق / طيب يلا بكلمك بعدين .
أغلق الخط على الفور ، وكأنه ليس ذلك الذي اتصل متلهفا ويكاد يموت من الشوق !
حذفت رقمه من قائمة الاتصالات ووضعت الهاتف جانبا تغمض عيناها بضيق وخوف .
هل ما فعلته صحيح ؟
بالتأكيد ليس كذلك !
على هذا النحو ستغضب شقيقها مجددا ، بل عائلتها كلها !
ستخسر جانب ثامر وعهود أيضا !
تأوهت بحزن من قلة الحيلة .
جانب من قلبها يرغب بلقاء زوجها ، يشتاق إليه بشدة .
وجانب آخر غاضب تماما ، حتى أنه يرغب بلعنه على خداعه لها وكذبه .
يا لها من حمقاء ، نعم حمقاء تماما إذ استسلمت له وسلمته قلبها وهي بهذا السن !


__________

يبدوا أنها أشغلت نفسها تماما في العشر سنوات الماضية ، لذا الفراغ بالنسبة لها قاتل للغاية .
تبا لفيصل ، وللصدفة التي أوقعتها في طريق فيصل .
لم يكفيه افساده لحياتها ، بل حرمها حتى من عملها الذي تعشقه رغم صعوبته في بعض الأحيان .
خرجت من المطبخ تحمل بيدها صينية طعام كبيرة ، رتبت عليها عدة أصناف من الطعام .
حضرتها كي تسلي نفسها بالطبخ وتناول الطعام على الأقل .
وضعتها على الطاولة الصغيرة ، ثم اتجهت ناحية غرفة يُمنى التي لم تراها منذ الصباح حتى هذا الوقت ، وقد أسدل الليل ستاره منذ ساعة تقريبا .
لم تعرف من قبل أن يُمنى غريبة إلى هذا الحد .
تأتيها أيام كثيرة تصيبها فيها موجة اكتئاب حادة وغريبة للغاية .
تجعلها تحبس نفسها في الغرفة يوم كامل ربما حتى دون أن تشرب رشفة واحدة من الماء !
حتى وإن شارفت على الموت من العطش والجوع ربما لن تخرج !
طرقت الباب بخفة تنادي بإسمها ، لتفتح لها يُمنى على الفور .
حسناء / لحظة انصدمت ، فتحتي على طول هالمرة !
يُمنى بملل / أقفل ؟
جذبتها حسناء من ذراعها / لا يا النفسية تعالي اجلسي معي ، أنا شوي وأموت من الطفش وانتي بعد أكيد بتموتين قبلي .
ساقتها حتى جلستا على الأريكة ومدت إليها حسناء كوب عصير / بلّي حلقك قبل .
يُمنى / عندي ثلاجة ترى بغرفتي لو نسيتي .
عقدت حسناء حاجبها تتفحص ملامحها تحاول فهم ما بها / طيب ؟ الحين إيش ؟
يُمنى باستغراب / إيش ؟
حسناء / إيش قاعد يصير معك ؟ ليش حابسة نفسك من لما جيت من بيت خالتي ؟
أكملت حين وجدتها صامتة / مشغلك موضوع الزواج ؟
هزت يُمنى رأسها بإيجاب / إيه .
حسناء / انتي راضية من البداية ، وانتي أقنعتي أبوي ، وانتي تعاندين ، المفروض تكوني مبسوطة !
يُمنى بهدوء / انتي إيش رايك ؟
حسناء بجدية / ما عندي راي يا يُمنى ، ما دامك قدرتي تفكرين حتى مجرد تفكير انك تسوين هالشيء ، وقدرتي تقنعين أبوي معناته انتي مو مهتمة براي أحد أصلا ، انتي بس تبين أحد يقول لك خذي راحتك وسوي اللي تبينه عشان تحسين بالراحة .
رفعت يُمنى عيناها إليها تتنهد بضيق ولم تقل شيء .
لتحاول تغيير الموضوع / وانتي إيش صار معك ؟ موضوع معاذ .
حسناء ، انتي ساكنة معي بس ما تدرين عن شيء ، بموت من الضيق والكبت وانتي بعد حابسة نفسك ، لين اضطريت أفضفض للي هي أبعد عني منك .
رقت ملامح يُمنى بحزن ، لتمسك بذراع حسناء / يا عمري يا حسنا آسفة والله ، مو قصدي أبعد عنك كذا ، بس الأمور اللي قاعدة تصير معي حاليا هي اللي تخيليني بهالحالة .
ضحكت حسناء / أنا لو قعدت أنتظرك تطلعين من هالحالة اللي تتكلمين عنها بيخلص عمري وانتي ما خرجتي .
تجاهلت يُمنى الغضب الخفيف الذي شعرت به .
هل تستخف حسناء بتلك الأمور ؟
التي ربما لو مرت بها لفعلت مثلها بل أكثر !
في الحقيقة ، حسناء أيضا مرت بالكثير ، ولكن مشكلة عن مشكلة تختلف .
على حسب نوعها ، أو على حسب الشخص المتلقي لتلك المشكلة أصلا !
يُمنى / بحاول من اليوم أقعد معك أكثر ، علميني الحين .
حسناء / ولا شيء ، مو راضي فيصل ، رافض تماما لدرجة انه خلى كل أهله يحظروني من جوالاتهم .
يُمنى / ليش ما تخلين سعود يتصرف ؟ إذا طلبتي مساعدته أكيد راح يساعدك .
زمت حسناء شفتيها / ما أبي أتعبه معي ، غير إنه الموضوع شبه مستحيل .
يُمنى / حاولي ما راح تخسرين شيء .
هزت حسناء رأسها بلا مبالاة وهي تقضم قطعة من البيتزا .
رفعتا رأسيهما حين رن الجرس ، لتنهض حسناء وتقترب من الباب باستغراب / مين ؟
أتاها صوت فتاة لم تعرفها / أنا لمياء .
وقفت يُمنى مستغربة واقتربت من الباب حين فتحته حسناء .
رحبت بها حسناء وأدخلتها .
سلمت لمياء على يُمنى التي سألتها / ليش ما علمتيني انك جاية ؟
ابتسمت لمياء / ما بقعد ، بس بعطيك الأغراض وأمشي .
يُمنى باستغراب / أي أغراض .
أدخلت لمياء الأكياس الكبيرة إليها / فستان ملكتك وكل شيء تحتاجينه .
انصدمت يُمنى / ليش ؟
لمياء / احنا عندنا عادة في عايلتنا ، أغراض العروس حق الحفلة تكون على العريس .
حسناء ويُمنى نظرتا إلى بعضهما باستغراب .
يُمنى / بس أنا قد اشتريت وجهزت ، ما كان في داعي تكلفون على نفسكم .
لمياء بابتسامة / هذي هدايا من خطيبك ما ينفع تقولين كذا ولا تفكرين ترجعينها ، لو تبين رجعي اللي انتي اشتريتيه .
ابتسمت يُمنى بارتباك / بس ………
أمسكت لمياء بكتفيها / لا بس ولا شيء هذي الأغراض ما تنرد يا يُمنى ، إذا ما أعجبك الفستان ولا المقاس مو تمام أو في مشكلة كلميني أجي آخذهم وأبدلهم ، تمام ؟
غطت وجهها واتجهت ناحية الباب سريعا قبل أن ترد يُمنى / يلا مع السلامة .
نظرت حسناء إلى الأكياس قليلا وهي متكتفة ، ثم انقضت عليها تخرجها تنظر إليها وهي تبتسم / الله على الذوق الحلو .
تأففت يُمنى / يا ربي ما أبيها أحس فشلة ، وش هالعادة الغبية الموجودة بعايلتهم .
حسناء وهي ترفع الثوب وتضعه عليها / خلاص أجل إذا مو عاجبك بخبيه لملكتي .
يُمنى بتعجب / أي ملكة ؟ لا يكون بتوافقين على بدر ؟
تغيرت ملامح حسناء تدريجيا وتجهمت وهي تشعر بضيق في صدرها / لا وين ، بروح أصلي .
وضعت الأشياء بداخل الأكياس كما كانت واتجهت ناحية غرفتها ، لتسمع يُمنى وهي تقول / صلي استخارة مرة وحدة ، أحس راح تتزوجين قريب .
ابتسمت وهي تجلس وتخرج الأشياء ، تنظر إليها بشيء من الضيق الذي لا يكاد يفارقها .
حقا كان ذوق من اختار الثوب رائعا .
ولكن ذلك لا يهم على الإطلاق ، حتى الثوب الذي اختارته أخذته بعشوائية دون أن تنظر إلى تصميمه ، وهل هو حديث أم لا .
لا تعرف حقا ما هو شعورها بالضبط ، كل ما تعرفه أنها لن تتراجع عن قرارها ، وأنها ستمضي فيه حتى يتم .
ليست راضية تمام الرضى ، ولكنها تتمنى أن ترضى فيما بعد .
فـ طراد كما سمعت عنه ليس شخصا سيئا ، بل سمعته طيبة للغاية .
غير أنها تعرف والدته وشقيقته الوحيدة ، وهما أيضا طيبتان جدا .
يعني لو أنه تقدم إليها وأراد الزواج منها وهي لا تعرف عايض ، كانت لتكون سعيدة جدا بالتأكيد !
نهضت تحمل الأكياس بيدها وتدخل إلى الحجرة ، مرت بها الذكرى مجددا .
مستغربة من ذلك ، أن تلك الحادثة باتت تأتي على عقلها على الدوام .
ربما لأنها قررت تغيير واقعها أخيرا ، وقررت أن تتزوج !


ذلك اليوم حين عادت إلى المنزل في وقت متأخر من الليل ..
كانت واهنة ، ضعيفة وعلى وشك الهلاك .
صعدت إلى غرفتها على الفور .
لتخلع عباءتها وتتجه إلى الحمام ، فتحت الصنبور وانتظرت قليلا وهي تضم نفسها وتبكي وترتجف ، تعض شفتها بشكل حزين .
وما إن امتلأ الحوض حتى غطست جسدها في الماء ودموعها لا تتوقف عن النزول .
حين خرجت وجلست على الأرض وهي لا تزال منهارة ، ضمت نفسها تشعر بالألم الشديد وبالخوف .
كل ما حاولت الهروب من ذلك التأثير ومن تلك الذكريات القريبة ، تجد ذاكرتها ترميها إليها بكل عنف وقوة .
حين تذكرت ما ردده ذلك اللعين على اذنها ، أنه يحب شعرها الطويل والناعم ، نهضت بقوة واتجهت إلى المنضدة ، لتفتح الأدراج باحثة عن المقص .
نظرت إليه وهي تلهث حين وجدته ، لتخرجه وتجلس على الأرض متربعة .
أمسكت بخصلات شعرها المبللة ، لتبدأ بقصه بطريقة عشوائية وهي لا تكاد ترى شيئا بسبب الدموع التي غشت عينيها .
حين انتهت صرخت وهي ترمي بالمقص بعيدا .
ظلت جالسة بين شعرها المتناثر ودموعها لا تتوقف على الإطلاق ، حتى وضعت رأسها على السرير خلفها بتعب ، وأغمضت عيناها .
وراحت في سبات عميق .
استيقظت منه على صوت أمها وهي تطرق الباب وتنادي بإسمها .
نهضت بصعوبة بسبب ألام جسدها والصداع الذي يفتك برأسها ، لتتجه ناحية الباب وتفتحه وكأنها لم تستوعب ولم تنتبه إلى نفسها بعد !
لذا تفاجأت حين صاحت والدتها باستنكار ، والتي أصابها الذهول وهي ترى ابنتها بهذه الحالة الغريبة ، ترتدي روب الاستحمام وشعرها مقصوص بطريقة غريبة ، وذلك الروب أصلا كان مليئا بالشعر !
غير وجهها المحمر والمنتفخ بطريقة مفجعة ، وعنقها المكشوف به كدمات حمراء مختلفة الأشكال !
اقتربت منها وأمسكت بذقنها لترفع وجهها تسأل بذهول / إيش صار لك ؟ ليش انتي بهالشكل ؟
عادت يُمنى لتشهق وعيناها تتسعان وتنذران بالمزيد من الدموع التي ستشق طريقها من على وجنتيها ، تقول بصوت متقطع حيث لا مفر منذ هذه اللحظة من والدتها / يــ يـــمه .
صرخت والدتها وقلبها يخفق بعنف من خوفها على ابنتها الصغرى / تكلمي ايش صار فيك ؟
اندفعت يُمنى ناحية والدتها لتضمها وتدفن وجهها بصدرها وهي تتذكر الحادثة التي حصلت وهي في الثانية عشر ، وأن والدتها عاقبتها على الفور ولم تواسيها أبدا .
خشيت أن تفعل المثل وتعاقبها بعد أن تسمع ما حصل .
هي فعلا بحاجة إلى العقاب كونها خرجت دون معرفتها رغم منعها ألف مرة ، ولكنها أيضا بحاجة إلى كتف تبكي عليه أولا !
وهي مستحيل أن تخبر أحد ، أي أحد سوى الله .
ما حصل في الليلة الماضية غير قابل للنقل إلى أي أحد ، حتى بشرى .
لذا ضمتها بقوة وبكيت وهي تشهق بصوتها العالي .
بينما والدتها ازداد الخوف والرعب في قلبها ، وهي تضم جسد يُمنى الصغير المرتجف كالورقة بين يديها ، مسحت على شعرها بحنان تغمض عينيها ودموعها أيضا تنزل دون أن تشعر / هدي يا يُمنى هدي وعلميني إيش اللي صار قبل .
ظلت يُمنى تشهق وتزيد الخوف في قلبها ، تؤكد لها الشكوك التي تدعوا الله أن تكون خاطئة .
وأن تكون مجرد حدس أحمق لأنها ( أم )!
أبعدت يُمنى نفسها عن أمها أخيرا ، مخفضة رأسها تنظر إلى الأسفل وهي تضم نفسها بذراعيها ، تقول بصوت منخفض وبالكاد يُسمع / ســ ســ ســلمان يــمه .
والدتها بخوف / وش فيه سلمان ؟
انهارت يُمنى على الأرض جالسة تقول تلك العبارة القاتلة / اغتصبني يا يمه .
شعرت والدتها بأن الدنيا توقفت عند تلك اللحظة ، وهي تسمع أبشع عبارة في هذه الحياة على الإطلاق ، أقسى عبارة بالنسبة إليها كأم ، وكإمرأة بالتأكيد .
لتجلس هي أيضا وقدميها لا تتحملان الوقوف أكثر من هول الصدمة .
رفعت يُمنى رأسها تنظر إلى ملامح أمها ، تتألم من أجلها أكثر مما تتألم لنفسها !
لتعض شفتها وتغمض عينيها وهي تقترب من أمها وتضع يديها فوق ركبتيها تقول برجاء / يمه أرجوك سامحيني ، والله ما كنت أدري انه بيسوي فيني كذا ولا ما وثقت فيه ، هو انقذني ذاك اليوم ، توقعت انه مستحيل يأذيني حتى لو كان سيء يا يمه ، سامحيني تكفين .
والدتها بنبرة مخيفة / كيف صار هالشيء يا يُمنى ، سلمان كيف وصل لغرفتك ؟
ابتلعت يُمنى ريقها تنظر إلى أمها بوجل ، تقبض بيدها على الروب بقوة / آآ مدري يمه كيف ، بس لما أحد دق علي الباب فتحته ولقيته قدامي ، حاولت قد ما أقدر اني أقاوم يا يمه بس ما قدرت ، والله يا يمه اني حاولت .
أصيبت والدتها بالصداع ، لتسأل وأنفاسها تختنق شيئا فشيئا / طيب ليش ما سمعت شيء يا يُمنى ؟ ليش ما صرختي ؟ ليش ما حاولتي تنادينا ؟
شعرت يُمنى بالذنب على كذبها على أمها لتغير الموضوع / يمه إيش أسوي الحين ؟
أغمضت والدتها عيناها مجددا تحاول استيعاب الأمر ، تستمع إلى بكاء يُمنى الحزين .
ثم عبارتها التي آلمت قلبها / حتى لو حرقتي جسمي كله هالمرة ، صدقيني ما راح أصارخ ولا راح أعترض ، أنا استاهل هالشيء .
بدأت أمها تبكي أيضا بوجع وهي تمرر يديها على وجه ابنتها المسكينة ، لتجذبها نحوها تضمها إليها بقوة .
تبكيان معا وتذرفان الكثير من الدموع .
لم تخبرها أمها تلك الليلة ، أن ذلك كان الحضن الأخير !


__________


توقفت السيارة أمام منزل عمها ، لتفتح الباب وتترجل منها ببطء .
ترجت حمود وطلبت منه مرارا أن ينسى القدوم إليهم الليلة على الأقل .
فهي متعبة للغاية ولا ترغب بأي شيء سوى النوم بالقرب من بشرى وفي منزل والدها .
إلا أنه كان مصرا لإحضارها إلى منزل والده للسلام على والدته واخوته بما انها ستمكث منذ الآن حتى بعد ولادتها .
نعم تحب اهتمامه بعائلته وحبه العظيم لهم .
ولكن هناك حدود لكل شيء .
فهي لا تتحمل الجلوس على مقعد السيارة لوقت طويل ، ولا تتحمل الجلوس أمام حماتها سليطة اللسان أيضا وهي في حالتها هذه !
وقفت خلف حمود حتى فتح الباب بمفتاحه ودخل ، حين خطت أولى خطواتها خلفه سمعت شهقة احدى شقيقاته التي كانت تقف بالقرب من الباب ، ثم ركضت إلى الداخل ، لترفع هديل حاجبيها بغرابة وهي تسمعها تصرخ بصوتها العالي / يمااااه هدييييل وحمود عندنا .
سارت خلف زوجها حتى توسطا الصالة يراودها شعور غريب .
خاصة حين خرج الجميع فجأة من احدى الغرف بالطابق السفلي وأغلقوا بابها بالمفتاح .
تقدم حمود من والدتها وقبل رأسها يسأل عن حالها .
لتسأل بنبرتها الحادة المعهودة / وش جايبكم اليوم ؟
ضحك حمود مثل كل مرة حين يحاول تلطيف الجو بعد تصرفات أمه الغريبة أمام هديل / أفاا يمه عاد صرت شخص غير مرغوب فيه الحين ؟
والدته وهي تنظر إلى هديل بطرف عينها / ما أقصدك يا حمود وانت عارف .
تضايق حمود من حركة أمه ، يكره جدا أن يجد والدته تكره زوجته التي يحبها كثيرا ، إلا انه ابتسم وسلم على شقيقاته .
اقتربت هديل من حماتها تبتسم رغما عنها وتسلم عليها .
جلسا في الصالة وضيفتهما أسيل ، الوحيدة التي تضحك لهديل وتتحدث إليها في هذا المنزل !
ليقول حمود موجها حديثه إلى والدته / هديل جاية تسلم عليك قبل لا تروح بيت أبوها .
والدته بحدة / وليش تروح بيت أبوها .
حمود / موعد ولادتها قرب حابة تكون هناك الحين ، وأنا أصلا ما أقدر أكون في البيت على طول ، عشان كذا أحسن لو تكون عند أهلها .
والدته بغضب / من الحين ؟ وانت مين يخدمك ويهتم فيك ؟
كظمت هديل غيظها غصبا ، تستمع إليهما بصمت .
حمود بارتباك / عادي يمه ايش فيها ؟ مو باقي كثير على الولادة وأنا أقدر أهتم بنفسي .
والدته / ما تروح أي مكان غير بيتك يا حمود ، وبعد الولادة يصير خير .
حمود / يا يمه هديل تحتاج من يهتم فيها الحين ؟ ليش ما تروح ؟
والدته / ما هي أول وحدة تحمل ، كلنا حملنا وخلفنا ما رحنا عند أهالينا من قبل شهر .
حمود بضيق / يا يمه هديل ما هي مثلك ، تعرفين انها تعبانة من بداية الحمل .
والدته / يعني بتعصيني يا حمود وتوديها ؟
تحدثت هديل أخيرا وهي تحاول أن تكون هادئة بقدر الإمكان / انتي إيش مشكلتك معي عمتي ؟ خلاص هو يقول انه يقدر يهتم بنفسه ليش متضايقة ؟
والدته / اسكتي انتي يا قليلة الأدب وترد علي بعد ، مانتي رايحة مكان ، بتقعدين في بيتك لين يجي موعد الولادة .
نهضت هديل من مكانها تلف الوشاح حول رأسها / معليش أنا زوجة حمود وما دامه سمح لي بروح ، ما احد له دخل في حياتي ، يلا حمود نمشي ؟
نظر حمود إلى والدته الغاضبة ونظراتها التهديدية ، ثم إلى هديل وهو محتار ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل .
نهض أخيرا بتردد لتوقفه أمه مجددا / لا تروح يا حمود .
التفتت هديل تنظر إليها بغير تصديق / لا صدق أبي أعرف إيش مشكلتك معي عمتي ؟
رمقتها حماتها بغضب ولم تقل شيء .
لتنزل هديل الحجاب عن رأسها / تمام ما ني رايحة بيت أبوي ، بقعد هنا لأني تعبانة ، بطلع أرتاح في غرفتي .
اتسعت أعينهم بخوف ، الجميع عدا حمود الذي ضاق صدره بشدة .
انتبهت هديل إلى تلك الملامح التي وجمت فجأة ، ولم تسمع منهم أي رد بسبب صدمتهم الشديدة .
لتصر أكثر على رأيها وتحمل حقيبتها الصغيرة وتسير ناحية السلم تصعد إلى غرفتها الموجودة بالأعلى .
وهي تشعر أن هناك ما يخفونه !
تبعها حمود بعد أن قال بنبرة هادئة بسبب ضيقه / وأنا بعد بروح أنام ، تصبحون على خير .
حين دخل إلى الحجرة وجد هديل تجلس على طرف السرير وعباءتها بجانبها ، تحني ظهرها وتغطي وجهها بكفيها .
أغلق الباب وجلس بجانبها ، وضع يده على ظهرها يقول معتذرا / أنا آسف هديل .
رفعت هديل رأسها ونظرت إليه بابتسامة / ليش تعتذر ما لك ذنب .
أكملت بعد صمت قصير / صح أن أتضايق من حركات عمتي بس لأني ما أعرف سببها ، يعني والله بموت وأعرف ليش هي تكرهني وأنا إيش مسوية لها ؟ لكن بنفس الوقت ما ودي اني تتضايق منها عشاني ، ما أرضى اني أكون سبب في أي شعور سلبي منك تجاه أمك يا حمود .
أومأ حمود رأسه بخفة وهو يمسك بكفها ويبتسم لها بامتنان ثم يقبل رأسها .
استلقت هديل بتعب ثم قالت / ويمكن أحسن لو أقعد هنا ، ما احد راح يكون أحرص من جدة ولدي عليه .
قالت تلك العبارة وهي متأكدة وتعلم جيدا أن حماتها لا ترغب بتلك الحفيد على الإطلاق ، بما أنه من العروس التي لم ترضاها يوما لإبنها .


تأخر الوقت وانتصف الليل .
وعم الهدوء أرجاء المنزل .
وفضولها بمعرفة سبب خوفهم ووجلهم لم يذهب بعد .
لتنهض من الفراش وترتدي عباءتها ، خشية أن يعترض طريقها أحد اخوة حمود .
خرجت من الغرفة وهبطت السلم بخطوات بطيئة .
لم تشعر بأي خوف على الإطلاق ، بل كانت واثقة أنها ستعرف شيئا ، وأنها غاضبة للغاية !
اقتربت من الباب الذي أوصدوه وأغلقوه بالمفتاح ، لتمد يدها نحو المقبض .
حاولت فتحه !
استغربت من كونه مغلقا حتى الآن !
تلك الغرفة المخصصة للضيوف ، وتكون مفتوحة دائما .
لم أغلقوها الآن ؟
تأففت وهي تلتفت تنوي العودة إلى الأعلى ، إلا أن جسدها تصلب وهي تسمع صوت رجل من الداخل / مين ؟
عادت لتنظر إلى الباب باستغراب ، من يكون ذلك ؟
هل هو ضيف ما ؟
إن كان ضيف غريب لم أدخلوه داخل المنزل ؟
سأل مرة أخرى / مين ؟
بدا لها الصوت مألوفا بعض الشيء ، لتعقد حاجبيها تحاول معرفة صاحبه .
وقفت للحظات تنتظر منه أن يسأل مجددا .
إلا أنه لم يفعل .
لتغادر من أمام الباب بإحباط .
ليكن من يكن ، هي فقط أصابها الفضول بسبب حركاتهم المثيرة للشك .
حسنا ستسألهم في الغد ، إن كان أمرا يخفونه سيرتبكون بالتأكيد ، حينها ستتمكن من مهاجمتهم .
حين وصلت إلى منتصف السلم شهقت بذعر وهي ترى حماتها تنزل من الأعلى وعلى وجهها آثار النعاس ، وما إن رأتها حتى نظرت إليها بغضب / وش كنتي تسوين تحت ؟
هديل / نزلت المطبخ أدور لي أكل ، إيش فيها يعني ليش معصبة ؟
رمقتها باحتقار / هذا مو بيتك عشان تدخلين المطبخ بأي وقت .
رفعت هديل حاحبها بغرابة ثم سألت / مين عندكم في غرفة الضيوف ؟
حقا تغيرت ملامحها مجددا وكأنها خافت ، لتقول / وش دخلك انتي ليش تتلقفين ؟
حركت هديل كتفيها / مجرد فضول ، يعني شخص ما ينفع أعرفه ؟
صاحت الأخرى / قلت لك ما لك دخل انتي ما تفهمين ؟
هديل / وأنا قلت لك مجرد فضول ما في داعي تعصبين ، مدري ليش حسيت انه شخص أعرفه .
اتسعت عيناها مجددا / شلون ؟
هديل / حاولت افتح الباب بس لقيته مقفل ، سألني مين ، يعني صوته مو غريب علي .
حركت حاجبيها بمكر وهي ترى وجه حماتها ولونه المتغير ، لتحاول اخافتها أكثر، ترمي عليها اسما عشوائيا / لا يكون …. سلمان ؟
وما هي إلا لحظات حتى تعالت صرخات احداهن ، والتي أيقظت جميع من بالمنزل !


_____

انتهى الفصل
أتمنى يعجبكم


عندي شيء بقوله لكم ، ومن زمان أفكر فيه
مثل ما انتم شايفين الفترات بين البارتات طويلة
يعني أبدا مو ملتزمة بالتنزيل ووالله انه الأمر مو بيدي
صدقوني قاعدة أحاول بكل جهدي اني اكتب وأنزل كل أٍسبوع
بس مدري وش قاعد يصير
خاصة وانه الدراسة بدأت
قاعدة أكتب حتى بين المحاضرات بالجامعة بس برضوا مو قادرة أخلص
يعني هالبارت القصير أخذ مني أسبوعين حرفيا
وهو تقريبا اصعب بارت كتبته رغم قصره وقلة أحداثه
في البداية كنت ملتزمة وأنزل أسبوعيا ، حتى بالأيام اللي قبل الاختبارات قدرت أكتب لكن الحين أبدا مش قادرة
يعني صراحة كلمة ندم ما توصف اللي أحس فيه لأني نزلت قبل لا أكملها عندي
جدا متفشلة منكم
عشان كذا ودي لو أأرشف الرواية لفترة
ولا تنتظروني ثم أتأخر عليكم مثل كل مرة
قصدي لو قدرت أكتب بكتب ، وبعد ما أكتب كمية كبيرة وبارتات كثيرة أرجع لكم وألتزم وقتها بالتنزيل ولا أتأخر .
والرواية راح تكتمل أكيد .
إيش رايكم؟



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 07:01 AM   #63

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




الفصل الخامس عشر

________


دخل إلى منزل والده برفقته بعد أن عاد من المنطقة الأخرى ، والتي بها منزل راشد والد عايض ومسكن حسناء أيضا.
استقبلتهما بشرى ووضعت لهما القهوة والتمر ثم ذهبت إلى المطبخ .
التفت سعود إلى ابنه ينظر إلى ملامحه القلقة ووجهه المسود / فيك شيء ؟
انتبه مساعد من شروده وهو يهز رأسه نفيا / لا ما في شيء .
سعود / إلا فيك شيء وجهك يقول .
تنهد مساعد بضيق / شايل هم عايض يا يبه ويُمنى بعد ، ما تقدر تقنعها بالعكس ؟
سعود بجمود / انتم لا تتدخلون بالموضوع يا مساعد ، ما احد يتدخل هذي حياة يُمنى وهي تقرر اللي تبيه ، وعايض من يوم طلقها حتى لو غصبا عنه ما عاد له دخل فيها أبد ، ومو من حقه يزعل أو يعصب على قرار هي اتخذته بنفسها .
مساعد بذهول من اصرار والده أيضا / بس يبه عارف انه هالشيء غلط .
سعود بحدة / ليش غلط ؟ شايف شيء على الولد ؟ لا أبد كل شيء تمام وين الغلط بالموضوع ؟ يُمنى مصيرها بتتزوج الحين ولا بعدين ، بس شخص ثاني غير عايض .
مساعد / طيب ممكن أعرف ليش مو عايض ؟ ضرها هو ولا آذاها ؟ لا .. بالعكس وقف معاها وحاول قد ما يقدر انه يرفض طلب أبوه ، لين طلقها غصبا عنه وإلى الآن يبيها ، يعني مستحيل لو لفت الدنيا ودارت يُمنى ما راح تلقى واحد أحسن من عايض .
سعود بهدوء / لا تحاول يا مساعد يُمنى مستحيل تغير رأيها ، أحسن لك تحاول تغير رأي عايض فيها وتخليه ينساها .
ابتسم مساعد بغير تصديق ، ثم هز رأسه بأسى دون أن يقول شيء .
ليفاجئه والده / وانت ؟
ارتبك مساعد/ أنا إيش ؟
سعود / متى تبيني أروح أخطب لك بنت عمي ؟
حُبِست أنفاسه وهو يتذكر ما حصل قبل خروجه من منزلهم ، وعدم معرفته سبب إغماء نجد بعد ، ليرد بهدوء / مدري يبه عطني شوية وقت ، خلني أفكر كويس ما أحس اني أبي ارتبط بأحد الحين .
سعود / لا تطير البنت من يدك يا مساعد .
ضحك / ما طارت طول هالسنين بتطير الحين ؟ تطمن يبه .
ابتسم سعود / معناته في نية ؟
هز كتفيه بحيرة وابتسم هو الآخر .
شرد بذهنه مجددا يتذكر ما حصل قبل خروجه ..
بعد أن صرخت ضحى وركض عايض إلى الداخل ، وقف هو الآخر مفزوعا .
قلبه يخفق بخوف وشعور آخر غريب لم يعرف ما هو .
وظل يسير في المجلس يمنة ويسرة .
تأخر عايض كثيرا ، مضت 10 دقائق تقريبا حين دخل عايض بانهاك معتذرا / آسف مساعد خليتك تنتظر .
مساعد / لا عادي ، وش صار ؟
جلس عايض على الأريكة ليسرد عليه ما حصل ، وأكمل / قامت وهي تبكي وترتجف كأنه صايبها مس ، حاولنا نعرف وش فيها وما تكلمت أبد .
جلس مساعد وهو يشعر بالقلق .
ثم غادر بعد ذلك بعد ان اعتذر منه عايض ، فهو دعاه لتناول العشاء أساسا .
ولكن يبدوا أن الوضع لا يسمح إطلاقا .
فالكل منشغل بنجد!
وهو اتجه إلى منزل والده لأنه يرغب من بشرى أن تتصل بنجد وتطمئن عليها.
ذلك الشعور بالقلق، والاهتمام بنجد ليس بجديدا وغريبا منه .
فهو دائما كان مهتما بها ، كونها الوحيدة التي كانت تتحدث إليه وتجلس معه وتمازحه حين كانت لا زالت تكشف عليه ، وحتى بعد أن صارت تتغطى عنه لم تتوقف عن السؤال عنه .
لذا علاقته بها كانت مثل علاقة صداقة مع الكثير من الحدود بالطبع .
أما الآن فالموضوع مختلف بالتأكيد ..
والده يحاول اقناعه بلطف ، وقلبه أيضا بدأ يلين بلطف مثله !
صار كمن يجلس على النار منتظرا انقضاء الوقت سريعا .
حتى انتهت بشرى من تحضير الطعام أخيرا ، وبدأوا بتناوله .
حمد الله حين دخل والده إلى غرفته فور انتهاءه من تناول الطعام ، ليلحق هو ببشرى حين دخلت إلى المطبخ تساعد العاملة في تنظيفه .
وقف بجانب الباب بتردد / بشرى .
التفتت إليه / هلا مساعد بغيت شيء ؟
حك شعره بتوتر / إيه بصراحة ، لو سمحتي .
مسحت بشرى يديها وجففته من الماء ثم خرجت إلى الصالة باستغراب ، لتجده يجلس في مكانه مرتبكا / آمرني .
مساعد / ما يأمر عليك ظالم ، ودي لو … تتصلين على نجد تتطمنين عليها .
اتسعت عيناها باستغراب وهي تجلس / ليه وش فيها ؟
أخبرها بما حصل باختصار ، لتنهض مسرعة وتدخل إلى غرفتها ثم تعود وبيدها الهاتف .
اتصلت على الفور وهي تجلس على الأريكة بقلق .
وظل مساعد يترقبها بقلق هو الآخر .
انتبهت جميع حواسه حين نطقت بشرى بلهفة / نجد يا بنت ايش فيك ؟
ردت نجد بوهن / ايش فيني ؟
بشرى / مدري مساعد يقول يوم كان عندكم طحتي على أهلك ، عسى ما شر يا قلبي ؟
صمتت نجد لبعض الوقت قبل أن تقول بنبرة منخفضة / بشرى انتي الوحيدة اللي تقدرين تساعديني ، تكفين تعالي لي بأقرب وقت ، بكرة أول ما تصحين تعالي عندي أرجوك .
بشرى باستغراب / ليش طيب ايش صاير ؟
نجد / صعب أقول لك على التلفون ، تعالي بكرة وبقول لك كل شيء ، تمام ؟
هزت بشرى رأسها بحيرة ، لتقع عينيها على مساعد الذي ينظر إليها بفضول / تمام يا قلبي ، بس طمنيني عليك قبل ، انتي بخير ؟
تنهدت نجد بضيق / راح أكذب عليك لو قلت اني بخير .
زاد الخوف في قلب بشرى إلا انها لم تتمكن من اطالة المكالمة ، بما أن الأخرى بالكاد تتحدث أصلا / طيب أخليك ، تصبحين على خير .
أغلقت منها والتفتت إلى مساعد تزم شفتيها بضيق / ما قالت وش فيها ، بس تبيني أروح لها بكرة ، شكله في شيء كبير صاير معها ، وان شاء الله اني غلطانة .
هز مساعد رأسه بعد أن نظر إليها بإحباط .
ثم نهض يحمل مفتاحه وهواتفه / تصبحين على خير .
خرج من المنزل بصمت وبشرى تنظر إليه وتفكر .
هل بدأ يفكر بتلك المسكينة أخيرا ؟
ليست متأكدة من تلك الفكرة التي تدور في عقلها ، أن نجد تحب مساعد !
ولكنها تشعر بذلك الاهتمام الغير عادي من نجد تجاه مساعد .
لذا تظن أنهما ان ارتبطا فسيكون ذلك رائعا بالتأكيد .
لا تملك في هذه الدنيا أحدا أغلى من زوجها وأبناءه ، لذا تتمنى لهم الخير دوما .
وكل الخير لمساعد في ارتباطه بفتاة طيبة مثل نجد بالطبع .
تنهدت بضيق وهي تنهض من مكانها ، ثم تعود إلى الغرفة .


_________


الصباح التالي لم يكن خيرا إطلاقا بالنسبة إلى تلك العائلة ..
استيقظ الجميع على فاجعة !
حين اتصل حمود بسعود بعد صلاة الفجر ، وكان الآخر في سيارته برفقة بشرى التي لم تطق صبرا ، ورغبت بالذهاب إلى نجد في أقرب وقت .
كاد أن يصدم بسيارته السيارة التي أمامه !
من هول الصدمة التي ألقاها حمود على مسامعه ( هديل في المستشفى ، وأن الجنين ميت ! ).
جن جنونه وهو يسمع ذلك الخبر ثم يغلق الخط بسرعة ، ينوي تغيير مساره .
دون أن يسأل عما أصابها حتى تفقد جنينها وكيف هو حالها .
كل ما أهمه في تلك اللحظة ، أن يرى صغيرته في أسرع وقت ، ويطمئن عليها بنفسه .
كان مفجوعا وخائفا للغاية ، حتى أن جبينه تصبب عرقا وهو يخلع الشماغ عنه ويرميه تجاه بشرى التي تسأله عن سبب صدمته ، إلا أنه لم يتمكن من التحدث .
هي أيضا فقدت صبرها لتصرخ بنبرة باكية / وش فيها هديل ؟
انصدم من صراخها ، ليهدأ قليلا ويجيب وهو يغمض عيناه / جنينها ميت بس هي ما أدري شلونها ، الحين بنشوف يا بشرى اهدي شوي وخليني أركز بالطريق .
ادمعت عينا بشرى وهي تشهق وترفع كفها إلى فمها .
حاولت أن تكتم بكاءها حتى تساعد زوجها على التركيز كما قال .
إلا أنها لم تتمكن .
هديل أقرب بنات زوجها إلى قلبها ، بل ربتها بنفسها حتى وصلت إلى هذا العمر .
لذا الخوف عليها كان شديدا .
بكت بصمت حتى وصلا إلى المستشفى بأمان .
تفاجآ حن وجدا مساعد هناك .
ويبدوا عليه الوهن وآثار السهر .
اقتربا منه بلهفة ، سعود اتجه ناحية حمود ، أما بشرى فجلست بجانب مساعد / وش صاير مساعد ؟ هديل وش فيها ؟ لسه باقي على موعد ولادتها كثير تقريبا 3 أسابيع ، ليش هي بالمستشفى ؟ وانت من متى هنا ؟
مساعد بتعب / اهدأي شوي انتي .
بشرى بقلة صبر / أنا هادئة علمني إيش صار ؟
عض مساعد شفته يهز رأسه بأسى / طاحت من السلم في بيت حماها والجنين توفى على طول.
اتسعت عيناها أقصى اتساع وصار قلبها يخفق بخوف .
ولم تتمكن من إبداء أي ردة فعل .
وهي تسمع صراخ سعود الذي أمسك بياقة حمود بغضب / علمني كيفها الحين لا تحاول تكذب علي .
حمود الذي كان وجهه محمرا ، وهو الآخر لا يدري كيف يستوعب ما حصل حتى الآن .
ازدرد ريقه بصعوبة / رأسها تأذى كثير ، ودخلت بغيبوبة ما ندري متى بتقوم .
ارتجفت حدقتيه بصدمة وهو يدفع حمود بقوة حتى سقط الآخر جالسا .
وأسرع مساعد نحوه ليساعده على النهوض .
أشفق عليه بما أنه بقي معه طوال الليل وشهد انفعالاته ، وخوفه الذي كاد أن يفقده وعيه .
نهضت بشرى واقتربت من زوجها بحزن ، أمسكت بذراعه حين صرخ مجددا بحمود / صدقني يا حمود لو صار شيء لبنتي ما راح تشوف خير .
مساعد بهدوء / الله يهديك يبه وش ذنبه حمود هي طاحت وهالشيء مقدر ومكتوب ما دفها بنفسه .
ابتلع حمود ريقه وأغمض عيناه بألم .
لم تسقط بمفردها يا مساعد .
لو علمتم الحقيقة لذبحتموني الآن .
ربتت بشرى على كتف سعود بلطف وهي تحاول أن تتمالك نفسها / تعال اجلس .
ساعدته ليجلس على الكرسي وجلست بجانبه / روح جيب مويا لأبوك يا مساعد .
أومأ مساعد برأسه واتجه إلى الكافتيريا .
أما حمود فظل واقفا بحيرة ، ينظر إلى سعود تارة ، وإلى باب غرفة هديل تارة .
التي تم نقلها إليها بعد تنظيفها وخياطة جروحها .
وتم منعهم من الدخول بالتأكيد .
حتى تستقر حالتها على الأقل .
رفعوا رؤوسهم جميعا حين أتى أحد المسؤولين يأمرهم بالخروج من القسم ، لأنه ليس وقت زيارة أساسا .
سعود لم يطيعه قلبه على الخروج دون أن يرى ابنته ، لذا وقف أمامه وصار يطلب منه أن يسمح له بالدخول قليلا ، دقيقة على الأقل .
رفض المسؤول ، ليعاود سعود الطلب بإلحاح .
حتى حن الرجل وسمح له بالدخول بمفرده .
أسرع سعود إلى الغرفة ، ليدخل إليها بعد ارتداءه اللباس المعقم والكمامة .
أدمعت عيناه وهو يرى صغيرته ممددة على السرير بسكون .
ابتلع ريقه وهو يقترب أكثر حتى وقف فوق رأسها ، مد يده المرتجفة ناحيتها حتى وضعها على جبينها بلطف .
والذي كان ملفوفا بشاش أبيض .
صدرت منه شهقة لم يتمكن من كتمها وهو يمرر أصابعه على وجهها المجروح .
ثم كان هناك ذلك الشيء الكبير على عنقها .
كل شيء بها يتحدث عن ألمها الكبير وضعفها الشديد .
يا الهي كم تألمت صغيرته .
قبل جبينها بعمق ثم أمسك بكفها متنهدا بعمق .
دعا الله من قلبه أن يعيدها إليهم سالمة ، وأن يرأف بقلبها المسكين .
كانت تعد الدقائق والساعات تنتظر قدوم طفلها ، كيف ستكون ردة فعلها إن استيقظت وعلمت أنها فقدته !
وحتى قبل أن تحمله بين يديها ؟
خرج بعد أن قرأ بعض الأدعية ونفث عليها ثم ألقى عليها نظرة أخيرة .
خلع الملابس الخاصة بالعناية المركزة ثم خرج من القسم ، لتستقبله بشرى بلهفة / شفتها ؟ كيف صارت ؟
هز رأسه وعيناه تنطق بالألم الذي يشعر به على ابنته .
لتسقط عينيه على حمود الذي كان ينظر إليه منذ أن خرج ، ثم سرعان ما أخفض رأسه .
ليقول سعود بجمود / متى راح تجي الشرطة وتحقق يا حمود ؟
رفع حمود رأسه مصدوما وابتلع ريقه بخوف .
تفوه مساعد بدهشة / وشو له الشرطة يبه ؟ ما أعتقد بيحققون عشان طيحة ……….
رفع سعود يده يمنعه من الاكمال / راح نعرف اذا كانت مجرد طيحة ولا صارت بفعل فاعل .
وبنبرة أكثر حدة / بس تقوم هديل راح نعرف .
اسود وجه حمود وهو يحاول اخفاء انفعالاته بقدر الإمكان ، وهز رأسه إيجابا .
أغمض سعود عيناه، والذي شعر من وجه حمود أنه يخفي شيئا ما ، وأنه لم يكن سقوطا عاديا على الإطلاق .
وهذا الأحمق يؤكد له بملامحه التي تتباين كل دقيقة وأختها .
تنهد قبل أن يقول / يلا يا بشرى مشينا .
نظرت بشرى إلى حمود تحاول معرفة ما حصل قبل ذلك ، تود لو أنها تسأله .
ولكن واضح أن سعود غاضب للغاية ، والموقف لا يسمح أساسا .
لذا غادرت بصمت .
اقترب مساعد من حمود وربت على كتفه / ما عليه حمود يمكن أبوي بالغ شوي ، بس تدري بنته الصغيرة ويخاف عليها حتى من النسمة .
أومأ برأسه بصمت وهو يكاد يموت ضيقا وحزنا على فقدانه ابنه أولا ، ثم اصابة زوجته بالتأكيد ، والسبب الذي جعلها تصل إلى هذا الحال ثالثا !


__________



يقف أمام حجرة أخته بتردد .
حيث لم يتمكن من التحدث إليها بالأمس ، لا هو ولا أي أحد آخر .
أفجعهم ما حصل بها ، ورغبوا بمعرفة الأمر الذي جعلها تنهار هكذا .
إلا أنها لم تتحدث .
لم تجب على أسئلتهم .
فقط أخبرتهم أنها متعبة لا أكثر .
ما جعله يشك أكثر ، ويوقن أن هناك أمرا تخفيه نجد .
وهو ليس بهين .
فهي معروفة بقوتها وصلابتها ، وقدرتها على التمسك حتى في المواقع الصعبة .
لذا ان انهارت ، يعني أن ما حدث أمرا جليا .
رفع يده أخيرا وطرق الباب بخفة ، لم يصله الرد فورا .. بل بعد أن طرق عليه عدة مرات .
وصله صوتها الواهن والمنخفض / ادخل يا عاطف .
فتح الباب بهدوء ودخل ليغلقه وراءه .
ثم يقترب منها وجلس أمامه على مقعد زينة التسريحة الذي سحبه ووضعه هناك .
كانت الغرفة مظلمة نسبيا، تنيرها أنوار الشمس المتسللة من النافذة .
والتي كانت كفيلة لتوضح احمرار وجهها ، أنفها على وجه الخصوص .
سأل / كيف عرفتي انه أنا ؟
ابتسمت نجد بوهن / في أحد غيرك يدق علي الباب بهاللطافة انت ولينا ؟ لينا في دوامها يعني ما في غيرك .
ابتسم وهو يمد يده ناحيتها ويمسك بكفها / آسف لأني ما كنت موجود جنبك أمس .
نجد بامتنان وهي تضغط على كفه / جيتك بالليل وقعدتك جنبي ساعة كاملة أكثر من كافية يا حبيبي .
عاطف بتعجب / ما شاء الله وتعرفين اني كنت هنا ؟
ضحكت / إيه ما كنت نايمة ، بس …. ما كان فيني حيل أتكلم .
نظر إليها مطولا ، ليتنهد بضيق ويسأل / إيش اللي زعلك يا نجد ؟ إيش اللي صار معك بالضبط ؟ لا تقولين انه مجرد تعب لأني ما صدقت ولا راح أصدق .
ارتبكت نجد وارتجفت أطرافها وهي تبتلع ريقها بصعوبة / صدقني يا عاطف ما فيني شيء ، ليش ما انتم راضيين تصدقوني ؟
عاطف / لأنك مو بنت تتعب بسهولة ولا من أي شيء ، قولي لي الصدق .
نجد التي شعرت بأعصابها متلفة ، من سهرها طوال الليل وهي تفكر بحل يريح قلبها ويخرجها من الأمر بسلام .
لم تتمكن من السكوت أكثر ، وهي ترد على عاطف بحدة ودون أن تشعر / وهذا الصدق خلاص يكفي يا عاطف ، ليش ما احد راضي يصدقني أو يحس فيني ؟ تمام أنا ما كنت أتعب بسهولة أو من أي شيء ، بس الحين صرت أتعب ، القناع اللي كنت حاطته طول هالسنين شلته ، القوة التي كنت أظهر بها للناس تلاشت يا عاطف ، تقدر تقول اني تعبت من هالشيء ، تعبت أبين للكل اني مبسوطة وانا ماني كذا ، مليت .
كانت تتحدث وهي تشهق وكلماتها المتقاطعة تشعرها بأن فؤادها هو من يتقطع .
حين أنهت عبارتها انحنت كتفيها بضعف وهي تغمض عيناها وتخفض رأسها .
المنظر الذي هز جسد عاطف وأدمى قلبه .
لينهض من مكانه ويجلس بجانبها ، ثم يجذبها إلى حضنه بلطف .
أطلقت نجد العنان لدموعها وأفرغت كل ما كتمته بالأمس عل صدره .
كان جسدها يرتجف بوضوح ، وشهقاتها المؤلمة تعلو أكثر فأكثر .
الأمر ليس بهين .
تلك الصور مثابة الخيط الذي إن قُطع ستنتهي حياتها بالتأكيد !
ماذا عليها أن تفعل بالضبط !
لن تتمكن من طلب المساعدة من أي أحد من عائلتها لأنها مخطئة .
إذا عليها التصرف بمفردها .
عند هذه الفكرة هدأت وتوقف بكاءها ، وتنبهت جميع حواسها وهي تبتعد عن عاطف .
ثم تقبل جبينه باعتذار / آسفة عاطف على هالأسلوب ، بس ….
قاطعها / وأنا جاي أسمع منك هالكلام أصلا ، أبيك تكونين انتي نفسك ، ما تتظاهرين انك بخير وانتي مو كذا ، ما تكتمين دموعك عشان غيرك ، ما أبيك تبينين لنا انك قوية وانتي في حالة ضعف !
مسح على شعرها بحنان وهو يكمل / ولو اني عارف انه في سبب مخليك بهالحال ، بس ما راح أضغط عليك ، بس لو تبين نصيحتي يا نجد ، تصرفي باللي تشوفينه صح ، وخليك واضحة وقوية عشان الحق .
نظرت إليه نجد لبعض الوقت قبل أن تبتسم وتعانقه بقوة / مشكور يا عاطف ، الله لا يحرمني منك يا رب .
أكملت وهي تنظر إليه بابتسامة / يلا لا أأخرك على دوامك .
وق وقبل جبينها / انتبهي على نفسك يا نجد .
خرج عاطف بعد ان استودعها الله ودعا لها براحة القلب .
لتطلق هي زفيرا من الأعماق .
ثم تنهض وتعض شفتها بحيرة .
اتجهت إلى الدولاب وفتحته ، أخرجت لباسا مريحا يناسب الصباح .
وارتدته على عجالة ، ثم خرجت من غرفتها وهي ترتدي عباءتها وتحمل حقيبتها الصغيرة .
نزلت من السلم بحذر ، بسبب الصداع الذي لازمها منذ الأمس .
ابتسمت لأفراد عائلتها التي تجلس حول الطاولة ، واقتربت منهم وهي تحاول أن لا تنظر إلى أعينهم حتى لا يكبر فيها الشعور بالذنب / صباح الخير .
هنادي / صباح النور يا بنتي ، كيف حاسة الحين ؟
نجد بمزاح / ما شاء الله الحين بنتي لأني كنت بموت ، ولا يا نجيد ونجدوه .
ابتسمت هنادي حين اقتربت منها نجد وقبلت جبينها / صيغة النداء ما لها دخل بالمحبة يا نجد .
عانقتها نجد بلطف / أدري يا قلبي أمزح معك .
سلمت على والدها ثم جلست بجانب عايض الذي رفع رأسه ينظر إليها / على وين من الصبح ؟
أجفلت بدهشة من السؤال ، وشتمت نفسها على غبائها ، كيف لم تفكر قبل النزول !
تلعثمت وهي تقول / آآ بشرى بتمرني بعد شوي ، بنروح السوق .
عايض باستنكار / سوق بهالوقت ؟
نجد / إيه تدري المولات تكون فاضية في الصباح .
عايض / طبعا بتكون فاضية لأنها تكون مقفلة أساسا .
نجد بملل / يا خي يا عايض ايش فيك الله يسامحك خلاص رايحين نتمشى وبس ، الحين بتجي وتشوفها بعينك .
ونظرت إلى والدها سريعا كي لا يلقي عايض المزيد من الأسئلة / أروح يبه ؟
راشد / روحي بس لا تتأخرين ، واعزمي بشرى على الغدا .
نجد / أبشر .
تناولت نجد القليل من الطعام وهي تحاول أن تخفي توترها وخوفها بقدر الإمكان ، لتتصل بها بشرى في الوقت المناسب .
حين نهضت واستأذنتهم وخرجت مسرعة .
قابلت بشرى في طريقها للخروج ، لتسأل الأخرى بدهشة / الحين قلتي لي أجيك وبتطلعين ؟
أمسكت نجد بكفها وجذبتها خلفها تهمس / لأنه ما يصير نتكلم هنا ، سعود راح صح ؟
بشرى / إيه راح ، ووين بنروح احنا ؟
نجد / لحظة خليني أكلم السايق أشوف وينه .
اتصلت به ليخبرها أنه اقترب من المنزل فعلا ، بعد أن أوصل ضحى ولينا .
التفتت إلى بشرى / سامحيني خليتك تضربين هالمشوار كله .
بشرى / وش هالكلام نجد احنا اخوات .
نظرت إليها بامتنان ، لتسأل باستغراب وهي ترى عيناها المحمرتان / فيك شيء؟ كنتي تبكين ؟
تنهدت بشرى بضيق ، ثم سردت عليها ما حصل .
لتشهق نجد بصدمة ثم تقول بحزن / يا عمري عليها ، شفت قد إيش هي متحمسة للبيبي ، والحين راح تنصدم يا روحي .
مسحت بشرى دمعتها التي انحدرت من عينها سريعا ، ثم ما لبثت ان ارتفعت كفها إلى بطنها بخوف ، لتستودع الله صغيرها .
وصلت سيارة السايق ، الذي طلبت منه نجد أن يذهب بهما إلى احدى الحدائق العامة الهادئة في هذا الوقت من الصباح .
حين وصلتا وجلستا على أحد المقاعد الخشبية ، فاجأ بشرى اتصال مساعد .
ردت وهي تبتعد عن نجد ، ثم عادت إليها بعد أن اقفلت الخط وعيناها متسعتان بصدمة ودهشة ، حتى سقطت على الكرسي جالسة بغير تصديق ، ونجد تنظر إليها باستغراب / إيش فيك ؟ هديل صار لها شيء ؟
هزت بشرى رأسها نفيا وببطء ، ثم نطقت بهمس / نجد !


__________


ما حصل بهديل كان جنونيا بالتأكيد .
لم يصدق حمود حين اتصل به في وقت متأخر من الليل .
إلا أنه استيقظ على الفور من نومه القصير وهرول خارجا من منزله ، ليقود سيارته متجها إلى المستشفى .
آلمه قلبه بل تقطع وهو يراها بذلك الحال ، حين أخرجوها من غرفة العمليات .
بالكاد تمكن من مواساة حمود والتخفيف عليه .
وهو بنفسه كان بحاجة إلى من يخفف عليه ضيقه وحزنه على أخته الصغيرة !
ما زاد عليه صعوبة تقبل الأمر ، شك والده بأن السقوط لم يكن صدفة أو سقوطا عاديا ، بل ربما بفعل فاعل !
غادر والده برفقة بشرى ، وبقي هو جالسا مع حمود لبعض الوقت .
أخرج هاتفه الثانوي والذي استعمله من أجل اختبار طيف .
عقد حاجبيه باستغراب وهو يرى اشعارا من طيف !
لرسالة وصلته قبل ساعتين من الآن ، أي قبل صلاة الفجر تقريبا .
فتحها باهتمام ، خاصة وأنها كانت صورة .
ماذا قد ترغب بإرساله بعد أن مضت فترة بسيطة ؟
اتستعت عيناه وهو يرى ما وصلته !
فتاة جميلة ترتدي لباسا قصيرا وضيقا تقف أمام المرآة ، تفتح شعرها وتميل رأسها وهي تضحك .
ابتلع ريقه وخرج من المحادثة سريعا وهو يرى هذه الفاتنة .
ليدخلها مجددا ويمسح الصورة سريعا بعد ان استعاذ من الشيطان واستغفر ربه .
إلا أنه عاد وعقد حاجبه مجددا ، وهو يشعر أنه رأى هذه الملامح في وقت سابق .
ولكن أين ؟ ومن تكون !
وقف واستأذن حمود للمغادرة ، بعد أن حاول اقناعه للعودة إلى المنزل هو أيضا ليرتاح قليلا ، إلا أنه أبى ورفض .
حين ركب سيارته وصلته صورة أخرى، تبعتها أختها.
وكلها لنفس الفتاة.
ومع كل صورة يشعر أنها حقا رأى هذه الفتاة أو يعرفها.
كتب بسرعة وهو غاضب ( وقفي هالسخافة يا طيف).
أتى ردها الذي حيره (معقولة ما عرفتها؟ ما عرفت صاحبة الصور؟).
أتبعت بالرد الذي جعل عيناه تتسعان أقصى اتساع (حبيبتك المصونة نجد).
شعر بأنه ألقيَ من السماء السابعة إلى القرار.
من هول الصدمة.
ومن تلك الصور التي حقا لا يمكنها أن تنتمي إلى نجد.
لم يتمكن من تحمل الأمر أبدا، وهو يحذف الصور مع المحادثة.
ثم يتصل برقم طيف غاضبا ووجهه محمر بشدة، ردت على الفور.
لم يمنحها فرصة التحدث حين هدر بها بصوت جعل سيارته تهتز ربما / وش تسوي صور نجد عندك؟
ضحكت طيف تستفزه / وأخيرا قدرت الفت انتباهك؟
صرخ بصوت أعلى/ سألت وش تسوي صور نجد عندك يا طيف.
طيف / اسألها ، اسأل صاحبة الصور وش تسوي صورها الجميلة بجوالات الناس.
اتسعت عيناه أكثر/ إيش قصدك بجوالات الناس ؟
طيف / شوف صراحة هي إلى الآن بجوالي أنا بس ، اذا ما نفذت طلبي صدقني بتصير بجوالات الكل ، راح تنتشر على كل مواقع التواصل الاجتماعي .
مساعد بحدة / أنا سألتك من وين جايبتها ؟
طيف / قلت لك اسألها المصونة الطاهرة العفيفة اللي ما تغلط ، وين أرسلت هالصور أو لمين وهي تخرب علاقات وتسوي انها الشريفة .
مستحيل، لن تفعل نجد ذلك .
لن ترتكب مثل هذا الفعل الأحمق .
قاطعت تفكيره بخبث / ترى الصور أصلية مية بالمية ،يعني لا فوتشوب ولا شيء .
نعم كان واضحا للغاية أن الصور غير مفبركة أو معدل عليها .
ابتلع ريقه وهو يقبض على المقود بقوة ، ويسأل بصوت منخفض / إيش تبين ؟
طيف بكل ثقة / رجعني لذمتك وكمل معي ، وقتها راح أسامحها وأمسح الصور من جوالي .
اتسعت عيناه بدهشة ، ثم ما لبث أن ضحك بصوت عالي وبسخرية / نعم ؟ وش قلتي ؟
شعرت طيف بالقهر / قلت اللي سمعته ، عندك مهلة يوم واحد تفكر فيه ، يا ترجع تملك علي من جديد بعد ما تعتذر لي قدام أهلي كلهم ، أو والله اني بنشر الصور في كل مكان مثل ما قلت، باي .
أقفلت منه على الفور ، تاركة إياه في حالة من الذهول والحيرة وعدم التصديق والدهشة .
أو كل شعور يجعله يشعر بالخوف والقلق الشديدين .
السؤال هنا من أين أتت طيف بهذه الصور ؟
كيف أتت بها؟
وأهم سؤال دار بذهنه وجعله يتألم ، لمَ صورت نجد نفسها بهذه الحالة !
هل لم تعد تلك الفتاة الطيبة التي عرفها سابقا ؟
هل تغيرت !
أم هل أرسلتها إلى أحد ما !
كما لمحت طيف ، أم أنها طريقة خبيثة للإخبار فقط ليس أكثر ؟
لأنه حقا لن يتمكن من تصديق الأمر ، لن يتمكن من تقبل الأمر على الإطلاق .
نجد لن تفعل ذلك .
ولكن حتى وان لم تفعلها ولن تقعل ، لم صورت نفسها بتلك اللباس الغير محتشمة ؟



________



لم تكن ترغب برؤيته أو مقابلته بعد اتيانهم إلى هنا .
إلا انه بعد اتصاله بها ، واخباره برغبته باتت متشوقة للغاية .
بل تنتظره منذ أن أقفل منها .
الآن مرت ثلاثة أيام بالضبط بلياليها.
لم يعاود الاتصال بها ، ولم يرسل شيئا .
وهي أيضا لم تبادر كونها أعلنت غضبها منه ، ثم ان عهود وثامر ان علما لن يرحماها أبدا .
كانت تجلس في الصالة مع عهود ، تشاهد التلفاز .
تنظر إلى هاتفها كل حين ، تنتظر اتصاله دون ملل .
كانت عهود منتبهة إليها منذ البداية .
إلا انها تظاهرت بعكس ذلك .
لا تريد أن تضغط عليها كثيرا .
فهي مرت بالكثير بالفعل .
لكنها لم تتحمل ذلك لوقت أطول ، حين نهضت واقتربت منها .
فرفعت الأخرى عيناها إليها برهبة / هلا ؟
تكتفت عهود / تنتظرين اتصال أحد ؟
هزت آمال رأسها نفيا عدة مرات / لا .
عهود / عينك على الجوال من أمس يا آمال .
أغمضت آمال عيناها بضعف ثم رفعت راسها بقوة / انتظر اللي انتظره يا عهود انتي وش دخلك أبي أفهم ؟ إيه معكم حق اذا حبستوني بهالطريقة لين أولد ، بس مو من حقكم أبد انكم تتحكمون بكل صغيرة وكبيرة فيني تمام ؟
رفعت عهود حاجبها / يعني ؟
وقفت آمال بغضب / يعني أكلم مين ما أكلم ، وأسوي اللي أبيه من اليوم ما لكم دخل فيني ، لا انتي ولا ثامر ، مفهوم ؟
نظرت إليها عهود بحدة / تقدرين تقولين هالشيء لثامر ؟
ارتبكت آمال بشدة والتفتت عنها .
لتكمل عهود بهدوء / انتي تدرين إنه اللي قاعد يصير غصبا عني ، واني مو راضية أبد ، حتى انا اضطريت اترك وراي أهلي كلهم وأبعد عنهم عشانك يا آمال ، بروا انا مو مهتمة وصابرة متحملة عشانك ، تتوقعين هالوضع عاجبني ؟ تعتقدين اني مبسوطة أشوفك ضعيفة ومحبوسة في آخر الدنيا ؟
نظرت إليها آمال بعينين دامعتين ، تعبر عن قلة حيلتها .
وباغتتها عهود بسؤالها / اتصل فيك ؟
ابتلعت آمال ريقها وهي تهز راسها بالنفي وتشد القبضة على هاتفها .
ما جعل عهود تشك بها أكثر .
إلا انها أومأت بإيجاب / ارتاحي بروح أجيب لك فواكه ، ولادتك قربت لازم تتقوين .
جلست آمال ومسحت دموعها وهي تتنهد وتريح ظهرها على الأريكة .
كأنها للتو استوعبت أنها وضعت الجميع في موقف صعب .
أولهم عهود بالتأكيد .
وأنها ان سمحت لزوجها بالمجيء سيذهب كل ما فعلوه من أجلها سدى .
إذا حمدا لله أنه هو من خالف الميعاد ولم يأتِ .


_______


اليوم الثالث بعد سقوط هديل من السلم ودخولها إلى الغيبوبة .
اليوم الثالث لانهيارها الذي لم يتوقف .
منذ أن علمت بما حصل وهي تبكي فقط .
سوى القليل من الأوقات .
تخاف أن تفقدها باكرا مثلما فقدت والدتها .
كانت هديل بالنسبة إليهم ابنة أكثر من أخت .
لذا كانوا جميعهم حزينين من أجلها بالتأكيد .
إلا أنها أكثر من حزن .
ظلت تنتظره استيقاظها طوال اليومين الماضيين .
تأتِ إلى المستشفى منذ الصباح الباكر ، ولا تعود إلا في وقت متأخر من الليل .
تظل جالسة في قاعة انتظار النساء ، تخرج لتناول الطعام إلى مطعم قريب .. أو تتمشى في حديقة المستشفى.
تخاف أن تستيقظ تلك المسكينة ولا تجد أحدا .
حتى حمود لم يبقى طوال الوقت مثلها .
لذا حين أتاها اتصال والدها فور استيقاظها لصلاة الفجر ، صلت وارتدت عباءتها وخرجت راكضة .
بعد أن أيقظت يُمنى وجعلتها تتعجل في الخروج .
وصلوا في غضون ربع ساعة .
بالقرب من الباب كان الجميع موجودا .
والدها وشقيقها وبشرى التي كانت تبكي .
شقيقات حمود ووالدته الكريهة .
منظر بشرى جعل قلبها ينفطر وينشق إلى نصفين .
ركضت ناحيتها وأمسكت بذارعها ، متجاهلة والدها الذي كان يهمس بشيء لبشرى .
واجهتها بقوة / ليش تبكين ؟ هديل بخير ؟
بشرى وهي تشهق وتحاول أن تخفض صوتها قدر الإمكان / كيف بطالع فيها الحين ؟ كيف بحط عيني بعينها بعد ما تعرف انه جنينها اللي انتظرته مات ؟
ادمعت عينا حسناء وتدلت ذراعيها بضعف .
شعرت بالصداع يداهمها بقوة .
لم تفكر بذلك الأمر أبدا .
لم يخطر على بالها ذلك الموضوع على الإطلاق .
والآن حين ذكّرتها بشرى شعرت بقلبها يهبط من صدرها إلى الأرض بقوة .


كانت يُمنى تقف بعيدة عنهم ، تنظر إلى الجميع بعينين غائرتين .
خاصة والدة سلمان التي أعادت إلى ذهنها ذكريات أليمة .
لهفتها لهديل هي من قادتها إلى المستشفى دون أي تفكير .
ولو كانت تعلم أنها ستكون متواجدة هنا لما أتت أبدا .
سقطت عيناها بعيني أسيل .
وظلت الفتاتان تنظران إلى بعضهما بصمت مهيب .
حتى شعرتا بأنهما انفصلتا عن العالم تماما .
صوت خطوات أسيل البطيئة ، كانت عالية بأذني يُمنى .
وكأنه صوت مطارق تطرق على الحديد بقوة .
لم تصل إليها أسيل بعد ، حتى اختفت يُمنى من أمامها بسرعة البرق .
لتقف أسيل في مكانها وتتنهد بضيق .
وكأن الأرض والسماء ينطبقان عليها .
أما يُمنى فلم تهرب من أسيل ، بل من الماضي وذكرياته الأليمة .
التي هاجمتها كجمع من الجنود .
لم تكن تعي ما يحصل أبدا ، وإلا لما تحركت من مكانها بمفردها .
نزلت إلى الأسفل بخطوات سريعة .
حتى خرجت إلى الشارع .
وانعطفت يمينا لتجلس على أحد الكراسي الموجود بجانب المبنى .
تضع يدها على صدرها ، تشهق وتزفر بصوت مسموع وكأنها غير قادرة على التنفس .
وظلت تغمض عيناها وتفتحهما وهي تحاول أن تهدأ .
حتى شعرت بأحد ما يقترب منها ، بل رأت حذاء رجل يقف أمامها بالضبط .
حينها اتسعت عيناها بخوف ورعب ، وابتلعت ريقها بصعوبة .
قبل أن ترفع رأسها ببطء ، وتنصدم أكثر .
ابتلعت ريقها مجددا ، تشعر بأنفاسها تختنق وهي ترى من لم تتوقع رؤيته على الإطلاق .
أغشت عيناها طبقة من الدموع ، وضاق صدرها تماما .
إلا انها لم تتمكن من الجلوس والنظر إليه .
لذا وقفت لتهرب ، غير أنها أمسكت برأسها فجأة .. وشعرت كما لو أن الظلام يحيط بها ويبتلعها بقسوة ، وهي تسمع صوته ينادي بإسمها .
وسقطت على الأرض بقوة .


____________


نهضت من مكانها بملل حين طرقته عواطف ونادت باسمها مرات عديدة .
نوف / عطوف والله دايخة بنام .
دفعتها عواطف إلى الداخل بخفة ودخلت وراءها / يعني إلى متى بتظلين دايخة ؟ إلى متى فيك نوم ؟ بيمر أسبوع كامل وانتي حابسة نفسك بين هالجدران ، ما تدرين عن أمي ، ما تدرين عمر وهم ميتين من خوفهم عليك ، لدرجة انه الثاني ناوي يروح يشوف خطيبك ويفهم منه إيش اللي صاير بالضبط عشان تسوين بنفسك كذا .
وقفت نوف تنظر إليها بذهول من هذا الهجوم المباغت ، لترد باستغراب / ما توقعت انهم بيلاحظون أو يهتمون .
اتسعت عينا عواطف بصدمة ورفعت حاجبها / حبيبتي لو كنتي ساكنة في بيت ناس غريبة راح تلاحظ غيابك عنهم لو غبتي ساعتين ، كيف بأهلك ؟ أمك اللي ما عندها غيرك في هالبيت .
نوف / وين هيفاء عنها .
عواطف التي يزيد استغرابها مع كل رد تنطق به نوف ، وكأنها ليست بوعيها / حبيبتي تقارنين نفسك بهيفاء زوجة ولدها ؟
زمت نوف شفتها بضيق / تمام بنزل الحين .
أمسكت عواطف بذراعها وأجلستها / تعالي قبل علميني إيش اللي صاير معك .
نظرت إليها نوف لبعض الوقت بحيرة ، فكرت كثيرا في الأيام السابقة .
بل لم تتوقف عن التفكير أبدا .
وهي أيضا لن تتمكن من مواصلة الأمر .
حتى وإن أرادت سعادة عمر .

سابقا لم تكن تعلم شيئا بخصوص ليث ، أو بالأصح الشخص الذي سترتبط به لتستغله من أجل إرضاء هيفاء .
أما الآن فالوضع اختلف تماما .
ذلك الشخص لديه ماضِ ، لديه طليقة .
تلك الطليقة تكن لها الحقد والكره ، ربما أحبت ليث بصدق .
لذلك أتت لتفسد عليها فرحتها .
نعم هي تحتاج إلى النصيحة في هذا الوقت ، أكثر من أي وقت آخر .
أمسكت بكف عواطف برجاء / بتخلين الموضوع بيني وبينك ؟ ما تعلمين أحد ؟
نظرت إليها عواطف بعتاب / طبعا نوف ، متى قد خيبت ظنك .
زفرت نوف تخرج كل الهواء المحبوس داخل صدرها ، ثم قالت / ماني عارفة إيش أسوي يا عواطف ، تخيلي … ليث طلع متزوج قبل ، والحين مطلق .
شهقت عواطف بصوت عالِ ، ووضعت يدها على صدرها بغير تصديق / تمزحين .
غطت نوف فمها / وطي صوتك .
أبعدت عواطف يدها / قولي والله .
نوف باحباط / والله .
عواطف / طيب ليش وكيف ؟
هزت نوف كتفيها / هذا اللي قاله لي يوم الملكة .
عواطف / ومين كانت ؟
ارتبكت نوف وتغيرت ملامحها / ما أدري ما سألت .
عواطف بحدة / وليش ما سألتي ؟ المفروض تعرفين ، دامه من البداية خبى هالموضوع المفروض الحين يقول لك كل شيء من البداية للنهاية ، ليش طلق ؟
نوف بهدوء / يقول كان مجرد عقد صوري وما تزوجها ، عشان كذا ما قال شيء ، يعني ما كان الموضوع مهم بالنسبة له .
عواطف / حتى لو ما كان مهم المفروض يكون واضح وصريح .
نوف / يعني معاي حق لو زعلت ؟
نظرت إليها عواطف بصمت لبعض الوقت ثم قالت بهدوء / اصبري أنا يمكن عصبت لأني تفاجأت ، قولي اللي صار بالضبط .
نوف التي حاولت إخفاء هوية الطليقة ، لم تتمكن من ذلك أمام اصرار عواطف .
لذا سردت عليها كل ما حصل منذ البداية .
لتزم الأخرى شفتيها بحزن ، خاصة حين سألتها نوف بضيق / إيش أسوي يا عواطف ؟
نظرت إليها عواطف لبعض الوقت قبل أن تقول / إنتي كيف حاسة ؟ مستحيل انك ما فكرتي بالاحتمالات وانتي لوحدك هنا بهالغرفة ، قلبك إيش يقول ؟
نوف / انصحيني قبل .
هزت عواطف كتفيها / ما أدري يا نوف أنا ما أعرف عن شعورك تجاهه ، بس منطقيا ما دامه صارحك وقال لك كل شيء حتى لو بوقت متأخر ، وما دامه قبل فيك بعد اللي عرفه عنك ، انه الأفضل لو تعطيه فرصة ، وما تزعلين من كلامي .
ابتسمت نوف / لا ليش أزعل من الحقيقة ، وأنا فكرت كذا .. أعطيه فرصة ونتزوج وأحاول أخليه يبعد عن عايلة عمه .
أومأت عواطف بإيجاب / عين العقل ، واذا احترتي بعدين عادي استخيري وفكري أكثر .
اكتفت نوف بابتسامة وإيماءة بسيطة .
سألتها عواطف / ما اتصل ؟
نوف / الا ، اتصل كثير من اليوم الثاني للملكة ، ما أدري من وين جايب رقمي ، بس ما رديت عليه ولا مرة .
عواطف / تمام خليه يحس بغلطه .
ضحكت نوف / الحين تبيني اعطيه فرصة ولا أخليه يحس بغلطه ؟
عواطف وهي تنهض / الاثنين ، خذي لك اسبوعين بعد وانتي زعلانة ، بعد كذا قولي عصبيتي صارت مويا ، يلا الحين بدلي ملابسك وانزلي تحت ، لا تموت أمي من خوفها عليك ، يلا .
قالتها وخرجت .
تاركة نوف تجل في مكانها تفكر لبعض الوقت .
قبل أن تزفر وتنهض ، وتبدل ملابسها ثم تنزل إلى الأسفل .


قابلت هيفاء في طريقها .
كانت الأخرى خارجة من غرفتها .
حين رأتها ابتسمت / وأخيرا قررت الأميرة تخرج من مخدعها .
ابتسمت لها نوف ببرود وأولتها ظهرها لتنزل إلى الأسفل .
لتصدمها هيفاء بما قالت / لا يكون موضوع زواجه وحبه لشذى مانع انكم تكملون يا نوف ، لأنه لو كان فعلا مهم كنت علمتك من زمان ، انتي بالنهاية اخت زوجي ومثل أختي ، ما أرضى لك الذل والانكسار .
التفتت إليها بصدمة / قلتي حبه وزواجه من شذى ؟
توقفت هيفاء بدهشة / إيه ، ما علمك ؟ أو … مو هو الموضوع اللي زعلك وخلاك تحبسين نفسك بالغرفة ؟
اقتربت منها أكثر تكمل بصوت منخفض / شوفي يا نوف لا تزعلين ، هم صح حبوا بعض بس عاد ربي ما كتب لهم التوفيق ولا قدروا يكملوا علاقتهم ، عشان كذا طلع من بيتهم ، الحين ما عنده غيرك ، استغلي الفرصة وحاولي تكسبي قلبه وتنسيه شذى .


________


يخرج من المحكمة بكتفين متدليتين من الاحباط .
منذ ذلك اليوم لم يوقف سعيه من أجل حسناء .
قد يقبل بخسارتها وعدم تمكنه من كسبها وكسب قلبها .
ولكنه بالتأكيد لن يقبل بحزنها .
لذا استعان بكل ما يعرفهم ، لإيجاد محكمة قد تنصفها .
وتعيد الابن إلى والدته .
قد يكون الابن يكره والدته على تركها له في الماضي وهو طفل ، ولكنه بالتأكيد سيتمنى لو يتمكن من العودة إلى حضنها في أي وقت ، وتحت أي ظرف .
وإن تظاهر بعكس ذلك .
يتحدث عن تجربته بالتأكيد .
حاول مع أكثر من قاضِ .
لم يقبل أحد بدعوته .
لم يستمع إليه أحد .
لذا الإحباط الذي يشعر به غير عادي أبدا .
ركب سيارته ، قادها نحو العيادة دون أن تشعر !
أوقف سيارته بتردد ، ثم نزل واتجه إلى العيادة .
دخل واقترب من موظفة الاستقبال .
سألها إن كانت هناك مواعيد متاحة لدى الدكتورة حسناء .
لتصدمه بقولها إنها مفصولة منذ أسبوع ونصف ، وستعود حالما تنتهي فترة العقوبة !
سألها عن السبب ، فلم تجبه .
فهو واحد من أسرار العيادة بالتأكيد .
خرج بخطوات بطيئة ثقيلة .
لا يدري متى وكيف تعلق بها واعتاد عليها إلى ذلك الحد .
الآن يشعر بقلبه يخفق شوقا إليها .
أين سيجدها ؟
يريد أن يلمحها على الأقل .
جلس على مقعده في السيارة ، ليخرج هاتفه ويدخل إلى أحد برامج مواقع التواصل الاجتماعي .
كتب اسمها ، ظهرت العديد من الحسابات .
دخل إليها واحدا تلو الآخر .
حتى عرف حسابها من صورة من داخل عيادتها ، أرفقتها بنص مضحك .
أخذ يتصفح منشوراتها واحدة تلو الأخرى وهو يضحك على فكاهتها .
كان هناك شيئا على قصتها ، ضغط عليها بتردد ليجد صورة كف موصلة بالمغذي .
مكتوب عليها ( حماكِ الله وشفاكِ وحفظك لنا، أختي الصغيرة وابنتي هديل ) .
تمنى لها السلامة ودعا لها .
ليضع الهاتف جانبا ويمسح وجهه بكفيه بقوة .
ثم حرك السيار متجها إلى آخر شخص قد يمكنه مساعدة حسناء !


_________


في المستشفى ..

فُتِح الباب أخير، لتسرع حسناء بالدخول ووراءها بشرى وسعود ومساعد .
أما عائلة حمود ففضلت الانتظار حتى يخرج الرجلين .
اقتربت منها حسناء بعد أن ازالت غطاء وجهها ، وانحنت إليها تمسك بكفها بلهفة .
قبلتها ثم قبلت جبنيها بعينين دامعتين / الحمد لله على سلامتك يا روح أختك ، كيف حاسة ؟
نظرت إليها هديل بوهن ثم أغمضت عيناها ، فتحتهما مجددا / دايخة .
مسحت حسناء على رأسها بحنان / ما عليه شوي وتتحسنين .
اقترب منها والدها بعد ذلك ، ثم مساعد .
بشرى أخيرا .
التي ضمتها بقوة وأخذت تبكي وهي تحمد الله .
وظلت هديل في حضنها لبعض الوقت ، قبل أن تحرك يدها وتضعها على بطنها ، تسأل بصوت مبحوح / إيش صار لي بالضبط بعد ما طحت ؟ إيش صار على ولدي .
آلمتهم قلوبهم اثر سؤالها المتوقع .
وظلوا مترددين ، قبل أن تشد هي على يد بشرى بقوة / بشرى وين ولدي ؟
نظرت إليها بجبين مقطب وملامح زينة .
لتكرر هديل السؤال / بشرى سألت وين ولدي ؟ يبه مساعد حسناء ، قولوا شيء .
رفعت بشرى رأسها إلى سعود بعجز وهي تبتعد عن هديل بضعف ، وتقف بالقرب من النافذة تخفي وجهها عنها .
ليقترب سعود من ابنته ويجلس بجانبها ثم يمسك بكفها يتلو عليها آية من سورة الكهف / ( فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ) ، إن شاء الله تتعوضين باللي أحسن منه .
تجمدت ملامحها وأنظارها على والدها .
تنتظر منه أن يضحك ويقول أنه كان يمازحها ، أو يكذب !
أي شيء آخر غير تلك الحقيقة التي نطق بها للتو فشطر قلبها إلى نصفين .
الحقيقة التي ربما أدركتها ما إن فتحت عيناها وتذكرت ما حصل .
نطقت أخيرا بابتسامة ميتة وصوتها يرتجف / يبه !
قبل أن يجيب سعود بأي كلمة ، طرق عليهم حمود الباب .
لينهض سعود وقلبه يؤلمه / خلاص نطلع احنا .
هديل / يبه وين تروح ، تعال قول لي الحقيقة قبل .
ابتلع ريقه بألم وخرج بخطوات بطيئة ، تبعه ابناءه وبشرى .
بعد أن ألقوا عليها نظرة أخيرة مليئة بالألم .
رفعت صوتها مجددا وصوتها ينذر بالبكاء / لا تروحون .
حينها دخل حمود لتحاول الاعتدال بجلستها ، تأوهت وهي تعيد ظهرها على ما كان عليه .
حين اقترب منها حمود مسرعا / لا تقومين .
أمسكت بكفه بقوة وترجي ووجهها محمر تماما / حمود إيش قاعدين يقولون ؟ أبوي إيش قاعد يقول ؟ وين ولدي ؟
حمود الذي بكى كثيرا على خسارته ابنه الذي انتظره بكل شوق ، وكان على وشك فقدان زوجته أيضا .
تنهد وهو يساعدها على الجلوس حين رآها مصرة على ذلك .
ضمها إليه بقوة ، يقول بصوت متحشرج من الضيق والألم / ما عليه حبيبتي ، أدري انه صعب عليك بس ……
دفعته بقوة حين أيقنت أخيرا أنها فعلا حقيقة لا يمكن انكارها .
وصاحت به بغضب / بس إيش ؟ حمود إيش قصدك ؟ ولدي موجود أكيد انتم تكذبون علي .
هز رأسه بأسى وهو يضع يده على خدها بلطف ، يحاول مواساتها .
لتدفعه بقوة أكبر حتى نهض / حمود قول لي انه كذب ، وانه ولدي بخير وراح أشيله بيديني الحين !
أكملت وقد بدأت دموعها بالنزول وبكلمات متقطعة / يمكن .. يمكن انه ضعيف وحاطينه بالحضانة ؟ يمكن تضرر شوي من طيحتي ، بس لا .. مستحيل يكون مات ، مستحيل يا حمود ما أصدق .
اقترب منها حمود مجددا وأمسك بذراعيها بلطف / هديل اهدئي شوي العصبية مو زينة لصحتك .
نظرت إلى عينيه ، تحاول التأكد للمرة الأخيرة .
قبل أن تعيد ظهرها إلى الخلف بيأس ، وملامحها تبين ضعفها الشديد في تلك اللحظة .
وأن قلبها قد تحطم بالفعل / مات ؟
نظر إليها حمود بصمت لبعض الوقت / انتي لسه صغيرة ، أكيد ربي راح يعوضنا يا قلبي .
شهقت بصوت عالٍ وهي تضع قبضة يدها على صدرها .
ثم بدأت تبكي وهي تمسك بمقدمة قمصيها وتضرب على صدرها بحرقة ، تبكي بصوتها العالٍ دون أن تعي ما يحصل حولها .
حتى أنها لم تشعر بالآلام المنتشرة في أنحاء جسدها .
فألم قلبها كان عظيما وعميقا للغاية .
حاول حمود أن يقترب منها لتهدئتها ، هو وسعود ومساعد الذين عادوا ودخلوا مرة أخرى لمّا سمعوا صوت نياحها .
بل جميع من كان ينتظر بالخارج .
ينظرون إليها بحزن وقلة حيلة .
لتتجه أعين حمود إلى والدته تلقائيا ، ينظر إليها بلوم وعتب .
مع انشغالهم جميعا بهديل والحالة التي دخلت بها ، لم يلاحظ أي منهم غياب يُمنى !


_________


انتهى الفصل



أميرالز likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 07:03 AM   #64

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




الفصل السادس عشر

_______


حلَ صباح اليوم الثاني .
ولا زالت كما لو كانت تجلس على موقد نار .
تشعر بالحرارة تشتعل بجسدها كله .
صوت هيفاء لم يغيب عن ذهنها أبدا ، وهي تلقي عليها تلك الصدمة الشنيعة .
بعد أن أراحت عواطف قلبها قليلا ، أتت هيفاء وأفسدت كل شيء ، حتى محاولتها لتقبل الأمر .
وعجبا له هو ، ظل يتصل بها طوال الوقت حين لم ترغب بالتحدث إليه .
والآن حين صارت ترغب بالتحدث إليه لم يتصل ولا مرة !
بالأمس عاتبتها والدتها كثيرا ، وأمرتها بالنزول إليها منذ الصباح الباكر .
لا تعرف كيف تمكنت من كبت ما بها أمام والدتها وعمر ، وكيف تظاهرت أنها بخير ولا تشكوا من شيء أبدا .
والآن مضطرة من أجل والدتها .
التي ر بما أفطرت منذ نصف ساعة ، إذ تشير الساعة الآن إلى السابعة والنصف صباحا .
بدلت ملابسها ورفعت شعرها بعشوائية .
لتنزل إلى الأسفل تحمل الهاتف بيدها .
اتجهت إلى غرفة أمها كالعادة .
ترددت في الدخول حين وجدته مقفلا .
فتحت الباب بهدوء ووجدتها مظلمة .
اتجهت إليها ببطء حتى وصلت إليها .
ضاق صدرها من منظر أمها ، صارت تضعف أكثر فأكثر .
جلست بجانبها وقبلت جبينها بحب ، ثم نظرت إليها لبعض الوقت قبل أن تخرج بهدوء كما دخلت .
التفتت ناحية الصالة لمّا رأت عمر يأتي من جهة المجلس ويتجه إليها / نوف.
نوف / هلا، صباح الخير .
عمر / صباح النور ، ليث في المجلس .
اتسعت عيناها باستغراب ، وأكمل عمر عاقدا حاجبيه / يقول انك ما تردين عليه يا نوف ، صاير شيء ؟
ارتبكت نوف وهي تهز راسها وتبتسم / لا مو صاير شيء ، بس …. تدري يعني الوضع جديد علي ومستحية .
نظر إليها عمر يتفحص ملامحها قبل أن يسأل بجدية / بس احنا أهلك ما احنا جديدين عليك ، إيش اللي خلاك تحبسين نفسك بالغرفة ؟ وما تطلعين طول هالوقت ؟
سكت قليلا ثم أكمل / نوف ترى صدق حاس إنه في شيء غريب ، يا تصارحيني وتقولين إيش هو ، أو اكتشف بنفس ووقتها ما راح يصير خير .
ابتلعت نوف ريقها وهي تفرك يديها بقوة / ما في شيء عمر ، ولا تسألني أكثر من كذا لأنك قاعد تربكني .
هز رأسه / تمام ، أتمنى فعلا ما يكون في شيء .
تحركت نوف من أمامه / عن اذنك .
اتجهت ناحية المجلس تحت أنظار عمر المتعجبة .
نوف اللي تهتم بمظهرها كثيرا ، هل تذهب أمام خطيبها هكذا في أول لقاء بينهما بعد عقد القران !


كان ليث يجلس في المجلس وأعصابه متلفة بالفعل .
علم أنه لم يتمكن من اراحة قلب تلك المسكينة التي أفسدت عليها ابنة عمه فرحتها الوليدة بنفس تلك اللحظة .
لذا حاول أن يصل إليها كثيرا عن طريق الاتصال على الأقل .
إلا أنه قلق بشدة حين مرت الأيام ولم ترد ولو مرة واحدة .
لم يقابلها كثيرا ولا يعرفها منذ زمن بعيد لكي يكن لها مشاعر خاصة عميقة .
ولكنها ربما المشاعر الحقيقية تجاه الزوج لزوجته .
نتيجة الميثاق الغليظ ، ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) .
لذا لم يتمكن من الصبر والانتظار أكثر .
بعد أن صلى الفجر وأفطر ، ركب سيارته واتجه إلى منزلهم .
حين اقترب اتصل بعمر خشية أن يكون نائما أو منشغلا .
ها هو يجلس بانتظارها .
يفكر فيما عليه أن يقول ، أو ماذا سيسمع منها بالضبط ؟
أم أنها سترفض مقابلته أصلا ؟
رفع رأسه وانتبه من شروده على صوت الباب .
توقع أن عمر عاد ، ولكن انصدم وهو يرى نوف تدخل وتغلق الباب خلفها .
لم يتوقع مجيئها بهذه السرعة .
مرر أنظاره عليها بشيء من الدهشة والتعجب .
كانت نوف ترتدي فستانا منزليا بسيطا باللون الأزرق الداكن ، يظهر عليه طابع الشتاء .
قصير يصل إلى منتصف الساق ، كانت الساق اليمنى ناصعة البياض ملفتة للغاية ، خاصة وأنها ترتدي جوربا داكنا أيضا معاكسا للون البشرة .
والساق الأخرى ملفتة أكثر .
حيث اتضحت الصناعية !
والتي كانت عبارة عن قضيب أسود من الألمنيوم .
اقتربت منه لتجلس على الأريكة التي بجانبه بكل هدوء وبرود .
حين التفت إليها لاحظ احمرار حاجبيها العاقدين وطرف أنفها .
الآن تبدوا أجمل وهي لا تضع شيئا من المكياج .
نطق أخيرا وقطع الصمت المستفز لنوف / سلام عليكم .
ردت باقتضاب وبصوت منخفض بالكاد يُسمع / وعليكم السلام .
صمت مرة أخرى مرتبكا ، لا يدري كيف يبدأ بالحديث .
التفتت إليه مستغربة / يعني جاي تتأملني ولا كيف ؟
صمتت قليلا ثم قالت وهي ترفع طرف ثوبها قليلا توضح ساقها أكثر / شفت وجهي قبل بس هذا الشيء ما شفته ، تقدر تشوف الحين ، عشان يمديك تتراجع قبل لا تتورط .
قطب جبينه بانزعاج من أسلوبها .
حتى وان كان يعذرها ويشفق عليها ، لا شيء يسمح لها بتقليل احترامها أمامه أبدا / ما جبت طاريها يا نوف ولا تهمني .
نظرت إليه بقوة / تهمني أنا لا تقلل من قيمتها .
فعلا لا يدري ما الذي يحصل أمامه !
نوف غريبة للغاية !
دائما ما يكون واثقا من نفسه ومتحدثا جيدا ، يملك من الردود ما يخرس أمامه .
ولكنه الآن عاجز .
هل لأنه يعرف أنه أخطأ بحقها ؟
أم لأن نوف تتفوق عليه ؟
ليث / ما عرفت إيش اللي مزعلك مع اني قلت لك كل شيء ، ليش معصبة وليش قاعدة تتجاهلين اتصالاتي ؟
التفتت إليه بجسدها وهي تدعي الاستغراب / صدق ؟ أنا معصبة ؟
ليث / نوف !
نوف التي لا تدري حقا كيف تكبت انفعالاتها وتكتم غيظها .
كيف تمسك نفسها ولا تنقض عليه فتقلع عينيه بأظافرها الطويلة ولا تخدش وجهه ؟
هذا الوجه الجميل الذي أسرها يبدوا مستفزا للغاية الآن / نعم ؟
ليث / قولي لي إيش اللي قاعد يصير معك ، فسري لي تصرفاتك .
نوف ببرود / أنا ما سويت شيء .
نظر إليها بقلة صبر / قولي لي إيش اللي تبين تسمعيه مني ، إيش تبين تعرفين .
تكتفت وهي تسند ظهرها على الأريكة ، ونظرت إليه بجرأة .
خيل إليه للحظات أنها ليست نوف التي رآها في المرتين السابقتين .
اللتان كانت فيهما خجلة وحييّة للغاية .
أما الآن فتصرفاتها ونظراتها وحتى نبرات صوتها أقرب ما تكون للوقاحة !
قالت / قصتك كاملة ، من ولدت لين جيت تخطبني ، أنا من حقي أعرف عنك كل شيء ، حتى حقيقة مشاعرك تجاه كل شخص كان في حياتك .
رفع أحد حاجبيه بغرابة / ما أظن اني مجبر على الشيء ، ولا من حق أي مخلوق يعرف تفاصيل حياتي حتى لو كانت زوجتي .
نوف بذات البرود / أجل أنا بعد مو مجبرة أقول لك إيش اللي مزعلني .
أغمض ليث عيناه بقلة صبر / نوف أنا جاي أتفاهم معك وأعرف إيش صاير معك ، ما يصير من بداية العلاقة نختلف بهالشكل ومن دون أي سبب واضح ، أو نبدأها وواحد منا مو صريح مع الثاني ، مو جاي أتهاوش معك ، رجاء .
تقدمت نوف قليلا لتنظر إلى عينيه / فكر ، فكر كويس بيوم الملكة ، حاولت تعرف إيش اللي زعلني ، بروح أكمل نومي .
وقفت تنوي الخروج من المجلس فعلا .
إلا أنه نهض وأمسك بذارعها بقوة .
لتلتفت إليه وهي تشهق .
وارتجفت حدقتيها لتوضح ضعفها وشخصيتها الضعيفة أساسا .
سقط القناع المزيف الذي وضعته عليها .
نطق بهدوء / نوف .
عضت باطن شفتها السفلية بارتباك وهي تبعد أنظارها عنه .
ليكمل بذات الهدوء / أنا أشك انك سمعتي عني شيء مو طيب ، وهالشيء هو اللي مخليك تتصرفين بهالطريقة ، انطقي يا نوف ، قولي الصدق وخليني أوضح لك ، لا تحكمين علي من كلام الناس .
صارت ذراعها التي بيده ترتجف فجأة .
ليتركها وهو يتنهد بضيق ثم يقول / ارجعي غرفتك الحين ما أبي أضغط عليك ، نتكلم بوقت ثاني .
ظن أنها ستخرج فورا ، ولكنه تفاجأ حين سألت بنبرة مرتجفة / كنت تحبها .
لم يكن سؤالا ، بل خبر يقين .
جعله يرتبك حقا / وش تقولين ؟
أدمعت عينا نوف / كن تحب شذى ليش كذبت علي ؟ ليش قلت انه كان مجرد عقد؟
ليث بارتباك / مين قال لك هالكلام ؟
نوف / جاوبني .
أكملت وهي تبتسم حين لم تسمع رده / مين اللي قاعد يبدأ العلاقة من دون ما يكون صريح مع الثاني ؟
كانت عيناه متسعتان والارتباك واضح عليه بشدة .
لذا ضحكت بسخرية وقالت وهي تضع باطن كفها على خده / فكر بكذبة مقنعة واتصل فيني ، تمام ؟
أنهت عبارتها وغادرت وقلبها يعتصر من الألم .
حتى وصلت إلى حجرتها وأقفلت الباب كالعادة .
تشعر بالضغط الشديد .
وأنها على وشك الانهيار .
لو لم تكن هيفاء في الموضوع ، لأنهت كل شيء على الفور .
دون أن تفكر بأي شيء أبدا .
ولكن الآن ، هناك عمر وسعادته ، هيفاء وإرضائها ، والدتها وراحتها !
لمَ سعادتها وراحتها ليست في القائمة ؟


__________


بالأمس بعد أن هدأت هديل رغما عنها ، وبعد أن استدعت حسناء الممرضة وجعلتها تغرس فيها ابرة مهدئة .
سقطت الأخرى بتعب مغمضة عينيها والوهن يملأ جسمها كله .
حينها خرج الجميع من الحجرة ، وعادت والدة حمود إلى المنزل مع بناتها حيث كان احد اخوة حمود ينتظرهم في الخارج .
وظل هو في الداخل مع هديل .
أما سعود فوقف أمام الحجرة يسير يمنة ويسرة والقلق يكاد يسقطه أرضا .
منظر ابنته آلم قلبه بشدة .
حتى أنه بالكاد حبس دموعه أمام الآخرين .
صمت حمود مريبا للغاية .
ذلك أكثر ما يجعله خائفا .
كانت بشرى تقف أمامه مستندة على الحائط ومتكتفة ، بجانبها حسناء ثم مساعد.
وجميعهم يعلمون عما يدور بذهن سعود .
إلا ان الأمر بالنسبة إلى مساعد يبدوا غريبا للغاية .
كونه لا يعلم شيئا عن طبيعة علاقتها مع حماتها .
لذا كان هو الوحيد المستغرب من قلق والده .
أما حسناء وبشرى فيعلمون ، ويشكّون أيضا مثلهما مثل سعود .
اقتربت بشرى من زوجها وأمسكت بذراعه / سعود ممكن تهدأ الحين وتريح نفسك ؟ لو سمحت .
سعود بجيبين مقطب / كيف أهدأ ؟ كيف تبيني أهدأ يا بشرى قولي لي كيف ؟ شفتي بنتي من شوي كيف بغت تموت ؟ كيف انهارت وبكت ؟ والله يا بشرى انه الدمعة الواحدة من عينها أغلى من كنوز الدنيا عندي ، كيف تبين أهدأ .
طبطبت بشرى على ذراعه بخفة / أدي يا سعود صعب تشوف بنتك بهالوضع ، بس هذا أمر ربي وهذا المكتوب ، ما تقدر تعترض .
سعود / أنا مو معترض على أمر ربي ، بس مو قادر أتحمل ، أحس قلبي بيتقطع من الوجع عليها ، وأنا متأكد انه في مسبب للحادثة هذي .
لم تتمكن بشرى من قول المزيد أمام انفعاله .
هي بنفسها حزينة للغاية .
ولكنها أيضا لا تتحمل رؤيته بهذا الشكل .
التفتوا إلى حسناء التي شهقت فجأة وبصوت عالٍ / وين يُمنى ؟
نظروا إليها بأعين متسعة ، والصمت خيم عليهم .
ليبادر مساعد أخيرا بالسؤال / ليش هي جات معك أصلا ؟
دبّ الخوف في قلبها / إيه جات ، بس…. ما أذكر اني شفتها من دخلت المستشفى .
أخرجت هاتفها بسرعة لتتصل عليها .
داهمهم القلق جميعا وأخذوا يترقبون ردها .
كونهم يعرفون بطبيعتها وأنها لن تتحرك من مكانها أبدا دون أن يكون معها أحد .
اتسعت عينا حسناء أكثر وزاد الخوف في قلبها حين انقطع الرنين دون أن ترد يُمنى.
ورفعت عيناها إليهم / بتصل مرة ثانية .
عاودت الاتصال مجددا والقلق يكبر فيها مع كل رنة ، مرة ثانية وثالثة وسادسة!
أنزلت الهاتف باحباط وبدأت عيناها تدمعان فجأة / ما ترد .
بشرى بخوف / وين بتكون راحت يعني ؟ وليش جوالها مو عندها ؟
ضربت حسناء جبينها / يا الله ما كان لازم أجيبها معي ، أنا من فرحتي نسيت انه ممكن أهل سلمان يكونون هنا ، أخاف تكون تأثرت أو شيء .
مساعد / بلا كلام فاضي حسنا، يعني تأثرت بتموت ؟ بروح أدور عليها في الممرات يمكن كانت تبى تتمشى .
قالها وهو غير مقتنع على الاطلاق .
حسناء / وأنا بعد بروح .
ابتعدا الاثنان وتحركا في جهات مختلفة .
سعود / انا بعد ، انتي اجلسي يا بشرى ، بخلي حمود يجلس وانتي ادخلي جوة ، يلا .
بشرى / ليش ما أدور معاكم ؟
سعود / انتي توك في بداية الحمل ما يصير تتحركين كثير .
وضعت بشرى يدها على بطنها دون أن تشعر .
وهي تتذكر ما حل بالداخل وما فعلته هديل لتهز رأسها بإيجاب ، لن تفقد جنينها أبدا ، لا ترغب في تجربة شعور هديل .
وإن كانت لم تحمل إلا منذ فترة قصيرة .
كيف تألمت تلك المسكينة التي شارفت على الولادة ؟
هزت رأسها بإيجاب .
وخلال دقائق كان الجميع بما فيهم حمود يبحثون عن يُمنى ، حتى أن حسناء صارت تطرق أبواب الغرف وتسأل .
اتجهوا أخيرا إلى رجال الأمن حين يأسوا .
وسألوهم عنها .
إلا أنه وبسبب كثرة الزائرين في الوقت المخصص للزيارة ، لم يتذكروها ولم يعرفوا أين ذهبت .
ليطلب منهم سعود الرجوع إلى كاميرات المراقبة .
حتى ظن الجميع أن من يبحثون عنها طفلة صغيرة وليست شابة تبلغ من العمر 22 سنة !
جن جنونهم حين رأوها تخرج من المبنى وحالتها غريبة .
كأنها كانت تترنح وهي تسير دون وعي .
حسناء وبعد أن خرجوا من حجرة الأمن ، قالت بنبرة مختنقة من العبرة / شكلها رجعت البيت ، تعالوا نشوف .
خرجوا من المستشفى حائرين ، حتى وهم يمرون من جانب المستشفى بحثوا عنها علها تجلس في الخارج !
بالرغم من أنهم اتبعوا ما قالته حسناء ، إلا أنه لم يقتنع أي أحد منهم ولم يصدق في نفسه أنها قد تكون عادت إلى المنزل بمفردها .
يا للخيبة والصدمة !
لم تكن هناك !
ومنذ الأمس حتى صباح اليوم ، لم يتوقف بحثهم أبدا .
تعبهم ووهنهم الشديد لم يوقفهم إطلاقا .
ليسوا هم فقط .
بل حتى راشد وأبناءه .
عايض الذي جن جنونه ، هو بل الجميع .
اخوة يُمنى الذين وصلهم الخبر .
حين اتصلوا بهم .
ربما ذهبت مع أحدهم ؟
هناك أمل قليل ولو كان مستحيلا .
انهارت هي وبشرى بالليل ، لم يتمكنوا من كبت دموعهم بسبب خوفهم عليها .
حتى بعد أن أبلغوا الشرطة .
حالات الاختطاف والأخبار المنتشرة زادتهم خوفا .
يُمنى راشدة نعم ، ولكنها فتاة .. وليست أي فتاة .
بل فتاة ضعيفة ليس لها حول ولا قوة إلا بالله .


_________


فتحت عيناها فجأة وبقوة ، وهي تشعر بألم غريب يكاد يقطع أسفل ظهرها .
لم يكن الألم حديثا ، بل ظل يأتيها طوال الليل وحتى الآن والساعة الثامنة صباحا.
بالكاد تمكنت من النهوض لتصلي فرضها .
سمعت صوت عهود وهي تطرق الباب وتنادي باسمها ، لترفع صوتها بوهن وتأذن لها بالدخول .
عهود التي استغربت عدم خروجها من غرفتها من الصباح ، وهدوها المريب .
وان كانت آمال هادئة على الدوام ولا تخرج أبدا .
إلا انها تحافظ على وجباتها وتتناولها في أوقاتها .
فتحت الأنوار واقتربت منها / إيش فيك يا بنت ، انتي بخير ؟
جلست آمال بتعب / إيه ليش تسألين ؟
عهود / ما خرجتي من الصباح ، وجهك مو مطمني قولي ايش فيك .
عضت آمال شفتها بألم / حاسة بألم مو طبيعي من الليل .
اتسعت عينا عهود بصدمة / يمه لا يكون موعد الولادة ؟
لم تجبها آمال ، بل ملامح وجهها هي من أجابت .
حين تغضن جبينها أكثر وأغمضت عيناها بقوة وتأوهت .
اقتربت منها عهود وجلست بقلق / وين بالضبط تتألمين ؟
آمال / أسفل ظهري .
عهود بقلق / إلا شكلها ولادة ، دامك تتألمين من الليل ليه ما تكلمتي ؟ الحين ثامر راح الدوام ما يمديه يوصل ، بس بروح أتصل .
ما ان نهضت واقتربت من الباب حتى صاحت آمال من شدة الألم .
قلقت عهود أكثر وركضت ناحية غرفتها ، اتصلت بزوجها بسرعة وهي ترتجف من شدة القلق .
خاصة حين صار صوت آمال يرتفع ويزيد شيئا فشيئا .
ارتدت عباءتها وعادت إلى آمال ، ساعدتها على ارتداء العباءة .
ارتبكت أكثر حين بدأت آمال تبكي من شدة الألم ، وقد أخبرها ثامر أنه يحتاج إلى ساعة على الأقل ليصل .
ووضع آمال واضح أنه لا يحتمل الانتظار ساعة كاملة !
ماذا عليها أن تفعل الآن ؟
ان طلبت المساعدة ممن هم في المدينة سيتأخرون أكثر من ثامر .
وان طلبت من الجيران ستكشف آمال !
ولكن ليس هناك خيار آخر .
خرجت من المنزل مسرعة تغطي نصف وجهها .
كان المكان هادئا بشكل مريب ، كون أغلب الناس ذهبوا إلى أعمالهم .
والأطفال إلى مدارسهم .
لم يبقى سوى النساء .
ماذا عليها أن تفعل الآن !
كانت هناك سيارة أمامها ، سيارة تخص زوج جارتها البغيضة .
اقتربت من منزلها مكرهة .
لو لم يكن الأمر مهما وعاجلا لما لجأت إليها بالتأكيد .
التفتت ناحية اليمين ، حين شعرت بسيارة ما تقترب .
لم تتعرف عليها ولكنها تنهدت براحة .
إذ لم تكن تخص أحدا من جيرانها ، وتوجد هناك فتاة شابة أيضا .
أشارت بيدها فتوقفت ، وأنزلت الفتاة النافذة من ناحيتها / آمري أختي .
عهود وأنفاسها متلاحقة بسبب التوتر / لو سمحتوا اذا ما عندكم مانع ، تقدروا توصلوني أنا وأختي للمستشفى ؟ بتولد وما عندنا أحد من الرجال ، زوجي بعيد وراح يوصل بعد ساعة ، الله يسعدكم .
لم تتردد الفتاة أبدا وهي تنزل من السيارة / إيه أكيد ما في مانع ، وينها هي خليني أساعدكم .
هزت عهود رأسها بالإيجاب وأسرعت ناحية المنزل .
تبعتها الفتاة حتى دخلتا إلى الحجرة .
كانت آمال تجلس على الأرض تنحني بظهرها وتشهق من الألم .
أسرعتا نحوها وساعدتها على النهوض .
حين اقتربتا من الباب قالت آمال بصعوبة / جوالي ومحفظتي يا عهود .
الفتاة / وينها أنا بجيبها .
آمال / بدرج الكومدينة .
اتجهت الفتاة ناحية المنضدة وفتحت الدرج لتخرج المحفظة وتأخذ الهاتف من فوقه .
توقفت يدها في الهواء فجأة ، وهي ترى صورة ما بداخل الدرج .
لآمال وزوجها !
يبدوا انها التقطت بليلة عرسهما .
كان زوجها شخصا مألوفا ، ولكنها لم تتذكر من هو على الفور .
ابتلعت ريقها وهي تلتفت ، لتأخذها حين وجدت الغرفة خالية .
خبأتها بجيب عباءتها وخرجت مسرعة .
أغلقت باب المنزل خلفها ، اقتربت منهما وساعدت آمال على الركوب .
التفتت إلى أخيها بذهن شارد ، ثم إلى الفتاتين في الخلف .
الحامل التي تكتم آهاتها بشدة ، وأختها تضغط على كفها والخوف بلغ منها مبلغا عظيما .
وصلوا إلى أقرب مستشفى من الديرة خلال ربع ساعة .
وأدخلوا آمال إلى غرفة الولادة على الفور .
بل أنهم وبخوا عهود على الاتيان متأخرا هكذا .
حين جلست أخيرا على مقعد الانتظار التفتت إلى الفتاة التي لم تغادر بعد ، بل ظلت واقفة تنظر إليها .
نهضت عهود واقتربت منها تبتسم لها بعد أن أزالت غطاء الوجه بما ان المنطقة خاصة بالنساء / مشكورة يا اختي صدق مشكورة والله مو عارفة ايش أقول ، الله يسعدك يارب ويوفقك انتي وزوجك .
الفتاة بغموض / مو زوجي اخوي .
ارتبكت عهود من نبرتها الغريبة وضحكت بتوتر / آسفة والله .
الفتاة بذات النبرة / مو مشكلة ، عندي سؤال وأبيك تجاوبين بصراحة ، إيش اسم زوج اختك ؟
أجفلت عهود وفغرت فاهها / هااه ؟
اقتربت منها الأخرى خطوة أخرى لتسأل بنبرة مخيفة أكثر / ايش اسم زوج أختك ؟
ابتلعت عهود ريقها من ملامح هذه الغريبة / ليش تسألين ؟
غارت عينا الغريبة أكثر / جاوبيني وبس .
عهود التي غضبت قليلا / مو لأنك ساعدتيني لك الحق انك تسألين ، ما ني قايلة .
الفتاة / واذا قلت لك اني أعرف ؟
فغرت فاهها مجددا ، وصار قلبها يقرع كطبول من الخوف والتوتر / شلون ؟
أخرجت الصورة من جيب العباءة وأمسكت بها بقوة قبل أن ترفعها أمام وجه عهود التي شهقت وعادت إلى الخلف خطوة أخرى ، قبل أن تمد يدها وتحاول انتزاع الصورة .
كانت الأخرى أقوى منها إذا سحبتها بقوة وأعادتها خلف ظهرها / والحين ؟
صارت عهود ترتجف من الغضب والخوف والتوتر / ايش تبين ؟ مين تكونين ؟
أدارت الفتاة عيناها بملل ، قبل أن تزيح غطاء وجهها هي الأخرى .
فتسقط عهود على المقعد جالسة من هول الصدمة .


__________



في منزلهم الكئيب ، يجلس في الصالة أمام التلفاز يتابع برنامجا مباشرا .
يتناول فطوره بهدوء وروية .
رفع عيناه ناحية السلم حين سمع صوت خطوات والده .
نهض واقترب منه وسلم عليه وقبل رأسه / صباح الخير يبه .
والده / صباح النور ، أنا كم مرة قايل لك يا بدر ما تاكل قدام التلفزيون ؟
ضحك بدر / الله على اللي ما يشوفني ولا يلاحظ الا لما أغلط ، صار لي مليون سنة أفطر على الطاولة والحين جاي أفطر هنا من الملل جيت تنتقد .
ابتسم والده وهو يتفحص ملامح وجهه / بالك مشغول .
بدر / سؤال ولا ؟
والده / مو سؤال .
زم بدر شفتيه وهو يرفع حاجبيه اشارة للحيرة ، ثم وضع بفمه زيتون لا يعرف كيف يتحدث إلى والده .
والده / كلمني أبو صالح ، يقول لي انك رحت له تسأل عن قضية طفل عمره 9 سنين امه تبيه ، تتعلق بالدكتورة ؟
هز رأسه إيجابا ثم قال باحباط / أمس رحت عند آخر واحد توقعت انه يقدر يساعدني ، لكن للأسف .. كلهم يقولون مستحيل بما انه الأب رافض تماما ، واصلا مو من حقها تطالب بالولد بعد هالعمر .
تنهد والده بضيق لأجله / هالشيء حتى الطفل الصغير يعرفه ، ليش هي مصرة لهالدرجة ؟
هز كتفيه بحيرة .
والده / وانت ليش استسلمت منها من أول مرة ؟ كيف تسمي هذا حب ؟ ليش ما تحاول مرة ثانية وثالثة ورابعة ما دامك فعلا تبيها ؟
رفع أنظاره إلى والده مستغربا ثم ضحك / يبه !
والده / لا تستغرب، ما أبي حياتك تروح وانت متحسف على الحب اللي ضيعته من دون محاولات ، ما أقول لك ترتكب شيء محرم ، تزوجها يا بدر .
بدر / بس يا يبه هي على طول جابت طاري الولد ، يعني أنا اصلا شكلي غلط اذا رحت وقلت برضوا أبي اتزوجك .
والده / ما دام موضوع الولد مستحيل بتتركها لغيرك ؟
نظر بدر إلى والده مطولا بصمت ثم قال / طيب .
وقف والده واقترب منه ثم ربت على كتفه وخرج دون أن يقول شيئا آخر سوى / لا تتأخر على الشغل .
تنهد بدر بحيرة وضيق بعد أن خرج والده ، ثم نهض مسرعا حين تذكر أن اليوم موعد عودتها إلى العمل !
نعم عليه أن يستغل الفرص المتاحة له كما قال والده .
ارتدى معطفه فوق لباسه وخرج بعد أن أخذ مفاتيحه وهواتفه .


قاد سيارته نحو العيادة وهو يتمنى من كل قلبه أن يراها .
أوقف سيارته ونزل وهو يشعر بنشاط مفرط فجأة .
وشعر بفرح شديد حين اقترب من العيادة ورآها تنزل من سيارة ما ، ثم تدخل بعد أن تحدثت إلى السائق لبضعة دقائق .
نظر إلى السيارة حتى اختفت ، ثم دخل إلى العيادة مسرعا .
لينادي / دكتورة حسنا .
التفتت إليه حسناء مسرعة .
اقترب منها بتردد / كيف حالك إن شاء الله انك بخير .
بدت مرتبكة على غير عادتها وهي تجيب / تمام ، أخبارك انت ؟
بدر بابتسامة / بخير ، ممكن شوي من وقتك ؟
بدت حسناء مترددة بعض الشيء / سامحني بدر أنا توني راجعة من فصل ، فــ اعذرني عندي مرضى كثير .
بدر / ما بطول ، أقل من 5 دقايق .
تنهدت حسناء / أنا تحت المراقبة حاليا وانت مستحيل تقدر تجيني كمريض عندي مواعيد مليانة ، لو تقدر تجيني نتكلم بعد المغرب ، أفضل .
أصابه الاحباط إلا انه فرح بما ان هناك فرصة بالفعل / تمام ما عندي مشكلة .
هزت حسناء راسها ثم تحركت من أمامه بكتفيه المتدليتين ، ما جعله يتألم من أجلها .
يبدوا أنها تعاني بسبب ذلك الموضوع !
اتجه إلى عمله شارد الذهن حتى أتى وقت خروجها من عملها .
هذه المرة كان مرتبكا بالفعل .
دخل واتجه إلى غرفتها على الفور ، كان هناك المريض الأخير بداخلها .
انتظر حوالي النصف ساعة ، حتى خرج المريض .. ودخل هو بعد ان استأذن .
سمحت حسناء للممرضة المساعدة بالمغادرة .
وجلست في مكانها .
جلس أمامها مترددا وسأل / صار شيء على قضية ولدك ؟
أجابته بهدوء / لا ، ما سويت شيء ماحد شجعني ، و………
لم تتمكن من الاكمال ، ليسأل بدر باستغراب / وايش ؟
حسناء / أنا خايفة ، خايفة أتقدم وأنصدم بعدين ، أخاف يكون ولدي كارهني .
بدر بعد صمت قصير / حتى لو يكرهك صدقيني تلاقيه ينتظر الوقت اللي يرجع فيه لحضنك .
حسناء بضحكة ساخرة / ما يتذكر حضني ، آخر مرة حضنته يوم كان عمره شهر ونص .
نظر إليها بدر بحزن .
حسناء بتعب / بدر الله يسعدك قول اللي عندك أنا جدا تعبانة ومنتهية ، لو ما كان المدير زعلان ما كنت داومت اليوم .
بدر ، سلامتك ما تشوفين شر ، احم … أنا …..
أكمل بعد تردد كبير / أنا صراحة حاولت كثير ولو اني عارف انه تدخلي راح يزعلك ، بس كلمت اللي اعرفهم من أصحاب القانون ، للأسف كلهم يقولون انه الموضوع مستحيل .
الأمر كان مزعج بالفعل ، لم ترغب من أحد أن يتدخل حتى والدها .
إلا ان ذلك الشعور اختفى وهي تسمع نهاية كلامه .
الوجع الذي شعرت به لم يكن عاديا .
جعل دموعها تنزل على الفور .
كانت المرة الثانية التي تنهار بها أمام هذا الغريب .
ندم بدر وتمنى لو لم ينطق بتلك العبارة .
لم تسمح حسناء لنفسها بالبكاء وهي تنهض من مكانها وتتجه ناحية المشجب ، تأخذ عباءتها ترتديها فوق المعطف في محاولة لكبت باقي دموعها .
قالت وهي تحمل حقيبتها / اكتفيت لليوم يا بدر ، ما أقدر أسمع أكثر سامحني .
نهض بدر وقال معتذرا / أنا آسف ، بس كانت هذي الحقيقة و ……..
ضحكت حسناء / عادي حقيقة معروفة من البداية ليه أزعل ، صحيح تدخلك زعلني بس مشكور .
أكملت بأسف وهي ترى ملامح الإحباط على وجهه رغم تعبها الشديد بسبب سهرها وعدم نومها منذ الامس / أدري ما عطيتك وقتك ، لكن أنا فعلا منتهية .
وبنبرة مبحوحة ومختنقة / اختي فقدت جنينها أمس ، و…. عمتي مخطوفة من أمس الصباح كمان وما لها أي خبر إلى الآن ، يعني فعلا مزاجي ما يسمح لي اتناقش مع أي أحد .
اجفل بدر من الصدمة ولم يتمكن من قول شيء .
حتى غادرت حسناء من أمامه.
حتى انه لا يدري كم بقي واقفا في مكانه لما عادت الممرضة وطلبت منه أن يخرج لتغلق الغرفة .
ليخرج باحباط مجددا ، حزينا عليها وعلى نفسه.


_________


انشغل بموضوع هديل ويمنى ، ولم يفكر أبدا بموضوع طيف على الإطلاق .
بل نسيه تماما .
لتذكره هي باتصالها ، بعد أن أوصل حسناء إلى عملها .
تأفف وهو يمسك بالهاتف ويجيب بملل / نعم ؟
طيف بصوتها المستفز / صباح الخير .
أغمض عيناه بقلة صبر ، قد واجه الكثير من الأمس فعلا .
ليست لديه الطاقة ليتحملها أبدا / وش تبين ؟
طيف / غريبة يا مساعد ، شلون مهمل الموضوع كأن نجد مو هامتك .
أوقف السيارة جانبا ووضع رأسه على المقود بتعب / خلصيني طيف ، مو فاضي لك.
طيف / أفاا يعني صدق الموضوع مو هامك ؟ ما ادري لأنك تبي تعاندني ولا لأنه عادي عندك صور نجد تنتشر ؟
رفع رأسه وعيناه احمرتا من الغضب / إياك طيف ، ولا والله نهايتك بتكون على يدي.
ضحكت طيف / معناته موافق ترجع تملك عليّ من جديد صحيح ؟ أعطيتك مهلة يوم واحد وانتهت المهلة طبعا ، وهذا قرارك الأخير ؟
عض مساعد شفتها كي لا يشتمها / طيف والله اني مو فاضي لك ولسخافتك ، أنا مشغول ونفسيتي تعبانة ، اعقلي وامسحي صور البنت .
ضحكت مجددا تخفي قهرها / تعتقد الموضوع هين لهالدرجة ؟ تمام خلك مشغول لأني بنفذ كلامي وأنشرها ، ما راح يوقفني شيء .. وانت هذا كل اللي عندك صحيح ؟ مع السلامة .
مساعد بقلة صبر / اصبري طيف .
طيف / نعم ؟
مساعد / عطيني يومين كمان أفكر كويس ، لأني مثل ما قلت لك مشغول ويا الله ألقى وقت أنام فيه .
طيف / ما لي دخل بانشغالك ، يا تجيني اليوم بالعصر أو بنفذ كلامي ، باي .
أقفلت الخط ليرمي الهاتف جانبا بغضب ويضرب بقبته على المقود .
ثم يضع يده على جبينه مغمضا عيناه بتعب .
فتحهما ليأخذ الهاتف مجددا ، وهو يشتم طيف بداخله .
كيف لها أن تكون حقيرة إلى تلك الدرجة ؟
كيف تمكنت من ترخيص نفسها هكذا ؟
ظل ينظر إلى اسم نجد لبعض الوقت بضيق ، قبل أن يرفع يده الخالية من الهاتف ويمسح بها وجهه بقوة .
ثم يتصل بها بعد تردد .
أخذ ينتظر ردها وهو لا يعرف ماذا سيقول وما ذا عليه أن يفعل .
لم يسعها الرد على المكالمة والتفوه بأي حرف حتى هاجمها بنبرة حادة / وش ودى صورك عند طيف ؟


_________


نجد التي كانت قلقة طوال الأمس وقبله ، بعد أن جلست مع بشرى ثم شرعت في تقديم الشكوى.
وعجزوا هم عن مساعدتها فورا .
كون طيف كانت ذكية للغاية ، ولم تترك لهم سبيل للوصول إليها .
ثم انها سمعت ما أخبره مساعد لبشرى ، وهي نقلت إليها الكلام .
يعني أن هناك مهلة ، ولكنها قصيرة للغاية .
غير مفيدة أبدا .
حقا تعجُّبِها وصدمتها من طيف تكبر يوما عن يوما .
كيف تمكنت من تفوه ذلك الكلام لمساعد ؟
لم تخبرها بشرى ولم تقل لها شيئا عن ارسل طيف الصور إلى مساعد .
لأن مساعد لم يذكر ذلك الشيء أصلا .
فقط قال ان طيف تهدده بصور نجد .
وأنها ستنشر تلك الصور إن لم يتزوجها !
يا لها من وقحة !
فوق خوفها كانت تشعر بالحرج الشديد من مساعد .
من شدة ما تشعر به من المشاعر السيئة لم تتمكن من الذهاب مع عائلتها صباحا للإطمئنان على هديل .
ثم ذلك الخبر المفجع عن يُمنى أقلق الجميع وأقضّ مضاجعهم .
خاصة عائض الذي لم يعد إلى المنزل وظل يبحث عنها طوال الليل مع مساعد والبقية .
فزت من مكانها وفزعت من الخوف حيث كانت شاردة تماما وهي تجلس على السرير.
ابتلعت ريقها بتوتر وارتباك وهي ترى اسم مساعد ينير الشاشة .
صار قلبها يدق بسرعة .
لتأخذ الهاتف بيد مرتجفة وترد، لتعض شفتها من هجومه بتلك النبرة الحادة / وش ودى صورك عند طيف ؟
لم تتمكن من الرد فورا ، لتغمض عينيها وهي تسمع صراخه الغاضب / جاوبي ؟
نجد بخفوت / هكرت حسابي وأخذتها ، ما كنت أدري .
مساعد بغضب / وليش الصور موجودة بحسابك أصلا ؟
تسارعت أنفاسها وغضبه يزيد فيها القلق / نسيت احذفها .
مساعد بذات النبرة / ليش تتصورين أصلا ؟ وبهاللبس وتخلينها هناك ؟
اتسعت عينا نجد وبدأت الدموع تتجمع بعينيها / كيف ؟
ضحك مساعد بسخرية / إيه متصورة بلبس جدا ساتر ، لمين أرسلتيها !
تلاحقت أنفاسها وهي تدرك أنه رآها بالفعل ، نعم نبرته لا توحي إلا بذلك ، ثم سؤاله الصادم الذي جعل الصداع يداهمها / ما أرسلتها لأحد ، ليش تقول كذا ؟ ليش متوقع اني بكون مرسلتها لأحد يا مساعد ؟
أغمض مساعد عينيه بندم من تسرعه بإلقاء ذلك السؤال / ليش تصورتي ؟
نجد ونبرتها بدأت تختنق من عبرتها / بس كذا صورتها لنفسي والله وكنت بحذفها بس نسيت ، ما كنت متوقعة اللي بيصير والله ما كنت متوقعة ، قول لي مساعد .. هي أرسلتها لك ؟
مساعد بضيق من نبرتها التي علم منها أنها تبكي ، وتردد في الإجابة / لا .
نجد / متأكد ؟
مساعد / إيه .
تنهدت نجد بشيء من الراحة / الحمد لله .
وبعد صمت قصير قالت بتردد / مساعد أنا آسفة ، والله آسفة على اللي قاعد يصير فيك من وراي وانها دخلتك بهالسالفة ، ما تدري قد إيش انا متفشلة منك ، ارتبطت فيها قبل بسبتي والحين بعد أزعجتك بسبتي .
مساعد بهدوء / لا يا نجد ما لك ذنب ، صحيح غلطتي يوم تصورتي ، لكن … هي قاعدة تنتقم منك بسببي أنا .
وبضحكة ساخرة / تظن اني احبك وتبي تنتقم مني بهالطريقة ، أنا آسف .
لكم تألمت من عبارته تلك !
رغم ذلك شعرت بالتأنيب الضمير لأجله ، لتقول / ما عليك مساعد لا تتعب نفسك ولا تشيل هم ، اليوم بإذن الله راح يتصرفون ، أقص\د بلغت عليها ، يعني بإذن الله الصور راح تنحذف وما ارح تضطر تتزوجها ، لا تقلق .
رفع مساعد حاجبه / متأكدة ؟
نجد / إيه إن شاء الله .
أغمض مساعد عيناه وتنهد براحة / الحمد لله .
نجد / روح ارتاح يا مساعد ، انت مشغول بأهلك كفاية لا تشغل بالك بموضوعي ، أنا أعتذر على كل اللي صار .
مساعد / لا تعتذرين يا نجد ، و ….. انتي بعد انتبهي على نفسك ، إياك تتصورين مرة ثانية بجوالك تحت أي ظرف ، لا جوالك ولا جوال أي أحد بهالدنيا .
نجد / لا طبعا توبة .
صمت الاثنان ولم يعرفا كيف يغلقا الخط أو بأي عبارة ، حتى بادرت نجد / تمام أخليك الحين .
مساعد / مع السلامة .
وضعت نجد الهاتف على المنضدة وأغلقت عينيها لتنحدر بقية الدموع المتجمعة ، ثم تنهدت بعمق قائلة يارب .
علّ ما في قلبها يذهب !


__________



الظلام يحيط بها من كل جانب .
لا تبصر شيئا بسببه ، ولا تسمع سوى صوت جهاز التكييف .
منذ ان فتحت عيناها بالأمس وهي تشعر بخوف ليس عادي .
داهمها الصداع بسببه .
وهي تتذكر ما حصل قبل سقوطها على اثر الصدمة العظيمة التي تلقتها .
هربت من تأثير عائلته ، لتسقط أمامه هو !
هو نفسه وبذاته ، لم يكن خيالا بسبب الذكريات .. على الإطلاق .
كانت ترغب بالهروب حقا ونهضت لتفعل ذلك .
الا انها ما ان تحركت بضع خطوات حتى أغشى الظلام عينيها .
ولا تدري ماذا حصل بعد ذلك .
لكم تمنت لو ان احدا من عائلتها أدركها وساعدها ؟
ولم يحصل ما يقلق هاجسها !
لذا لم تتحرك أبدا ، حين استشعرت غرابة المكان عليها .
الرائحة غريبة وجديدة عليها ، لذا احست أن هناك خطأ ما .
صدق احساسها ، لما سمعت صوت رجل غريب ، ثم صوت خطواته وهو يقترب .
مهلا لم يكن غريبا ، كان هو !
اتسعت عيناها برعب وشعرت بأنفاسها تختنق .
لتغمض عينيها مجددا تدعي النوم .
تسارعت دقات قلبها حين سمعت صوت مقبض الباب لما تحرك نتيجة فتحه للباب .
أبدا لم تتمكن من كبت دموعها .
رفعت يدها بخفة من تحت الغطاء ومسحت دموعها سريعا .
أغمضت عيناها مجددا ، وجسدها يشتد كلما شعرت به يقترب منها أكثر .
صارت ترتجف ، حين فتح الأنوار وسحب مقعدا من مكان ما .. وجلس أمامها .
ليقول بصوته الخبيث / لسه نايمة حبيبتي ؟
شعرت بالدم يفور في جسدها من شدة غضبها منه ، إلا انها لم تتمكن من فعل شيء.
تعرف انها ضعيفة للغاية ولن تتمكن من الهروب منه .
ربما لو ادعت انها لا تزال نائمة سيخرج ، وقتها ستتمكن من التفكير في حل ما للهروب !
خاب ظنها .
نهض من مكانه ليجلس بجانبها على السرير ثم يمد يده ناحيته ويلمس شعرها .
ما جعلها تنتفض وتفتح عيناها بقوة ، ثم تنهض وتمسك بيده تلك .. وتعضها بقوة .
صرخ سلمان بقوة ، محاولا سحب ذراعه منها .
حتى تمكن بعد مضي بعض الوقت وقد احمرّت يده تماما .
ربما لو بقيت بين اسنانها أكثر لاقتلعت ذلك الجزء منه !
نظر إليها بصدمة وهي تبتعد إلى الخلف حتى وصلت إلى الطرف الآخر من السرير / ايش سويتي يا مجنونة .
يُمنى بوجهها المحمر تماما وعيناها المليئتان بالدموع ، شعرها الأشعث ولبسها الغير مرتب ، صرخت بقوة / إيش تبى مني ؟ ايش تبى مني يا حيوان يا قذر يا سافل ، ما كفاك اللي سويته فيني قبل ؟ جيت تكملها عليّ الحين ؟
نهض سلمان وسار ناحيتها ، إلا انها قامت من مكانها أيضا وهربت إلى الجهة الأخرى.
تكاد تصاب بالجنون من خوفها ومن شعورها بالتقزز لمجرد رؤيتها وجهه .
أسرع سلمان ناحية الباب وأقفله بالمفتاح ثم وضعه بجيبه .
لتتسع عيني يُمنى تماما حتى بدتا مخيفتين من شدة الاحمرار أيضا .
ابتعدت إلى أبعد ركن منه تحضن نفسها بذراعيها ، تحاول تغطية يديها على الأقل .
بينما تترقب سلمان بخوف شديد .
الذي رفع يده ونظر إلى مكان عضتها ثم التفت إليها ليضحك / كبرتي أكثر وصرتي شريرة ، بغيتي تاكلين لحمي يا يُمنى .
هزت يمنى رأسها بالنفي عدة مرات وهي ترتجف / إيش تبي مني يا سلمان ؟ اتركني ، اتركني اروح الله يخليك .
وقف سلمان في مكانه يتفحصها ، يمرر أنظاره عليها من الأعلى إلى الأسفل / احلويتي أكثر .
كانت نظراته بمثابة الرصاصات التي تخترق جسدها ، وتخترق قلبها فتدميه بشدة ، لتصرخ / اسكت اسكت يا حيوان اسكت .
تقدم سلمان ببطء وهو يقول / اهدأي لا تخافين ما راح أأذيك ولا راح أسوي اللي سويته قبل خمس سنين .
صرخت مجددا / لا تقرب مني بذبحك .
ضحك سلمان وهو يجلس على ذات المقعد ، والذي كان بعيدا عنها نوعا ما ، ثم رفع رأسه ينظر إليها ، يقول بجدية / تدري اني ندمان على اللي سويته ؟
ضحكت يُمنى بسخرية من بين دموعها / إيش ؟ ندمان ؟
سلمان / إيه ، لأني لو ما سويت هالشيء كان مداني أتزوجك ومدانا نخلف اثنين او ثلاث .
نظرت إليه بذهول لثواني قبل أن تقول بتقزز / وانت متوقع اني كنت بتزوجك مثلا ؟ أخلي عايض وأتزوجك انت ؟ تخسي والله .
نهض واقترب منها وهي متصلبة في مكانها ، شعرت بقدميها لا تقويان على الحركة .
تنظر إليه بخوف شديد حتى وقف أمامها / بس خليتيه الحين ، خليتيه وبقيتي مطلقة ، يمكن هذا الشيء الوحيد اللي استفدته من اللي صار ، اني خليت قلب عايض يحترق طول هالسنين .
أكمل بقهر وهو ينظر إلى عينيها / انتي ما تدرين قد ايش أكرهه ، أكرهه لأنه عمي اللي هو ابوك فضله عليّ وزوجك اياه .
صرخت بقهر / يا مريض آذيتني واغتصبتني لأنك تكره عايض ؟
ضحك سلمان / لا ، لأني احبك بعد .
رفعت يدها تلقائيا وضربت بها وجهه بقوة ، مرة ومرتين وثلاث .
ودموعها تنزل أكثر فأكثر ، وتزيد معها رجفتها وصداعها الغير محتمل .
كذلك خوفها وقلقها .
لم تتوقف عن التفكير في طريقة للهروب من هذا اللعين .
أنزلت يدها وهي تنتفض / اتركني يا سلمان ، ولا والله صدق راح أذبحك وما حد راح يدري عنك .
ارتفع صوت ضحكته أكثر هذه المرة وهو يضع باطن يده على خده حيث ضربته / ترى فعلا بتخوفيني ، إيش هذا يا يُمنى ؟ متى مداك تكبرين لهالدرجة ؟ كيف صايرة تقدرين تمدين يدك عليّ وتضربين ؟
يُمنى التي شارفت على الانهيار فعلا / اتركني اروح يا سلمان ايش تبى مني ؟ لو انا ما قدرت اسوي لك شيء صدقني اخواني ما راح يرحموك .
سلمان بنبرة مستفزة للغاية / اخوانك اللي ما قدروا يلاقوني طول هالسنين ولا قدروا ياخذون حقك مني ، إيش تتوقعين بيسوون الحين وانتي بالغة وعاقلة وعديتي العشرين سنة ؟ يعني المفروض تكونين مسؤولة نفسك وش هالاهمال ؟ هذا اللي راح يقولونه أنا متأكد .
آلمها قلبها من تلك الحقيقة .
أن اخوتها جميعهم سوى سعود ، ألقوا عليها اللوم بسبب والدتها ولم يجتهدوا في البحث عن مسبب الفضيحة .
وان كانوا لا يلامون ، فهم لا يعرفون الحقيقة الكاملة .
رفعت قبضتيها تضرب على صدره بقوة وهي تصرخ / قلت لك اتركني خلني أروح .
سلمان بهدوء بعد أن امسك بقبضتيها بقوة / راح أتركك تروحين ، بس قبل أبيك تعرفين ليش أنا جايبك هنا .
سحبت يديها منه ورفعت أنظارها تترقب ما سيقول .
ليصدمها تماما / تزوجيني .
صاحت باستنكار / نعم ؟
أكمل بذات النبرة الهادئة المستفزة / أنا حياتي مو حياة بعد اللي صار ، عايش كأني مجرم ، خايف انمسك بأي لحظة ، محروم من أبسط حقوقي ، وأمي شوي وتموت من خوفها وقلقها علي .
يُمنى بقهر وتشفي / تستاهل ، كلكم تستاهلون .
سلمان بنبرة رقيقة / خليني أكمل يا قلبي ، بتقولين لهم انك تحبيني ، تحبيني من زمان من قبل لا يخطبك عايض ، واللي صار صار برضاك ، بما انهم أساسا ما يدرون عن اللي صار كله صحيح ؟
احمرّ وجهها للغاية وكذلك عينيها ، وهي تنقض عليها وتضربه على صدره بغضب شديد / انكتم .
ضحك سلمان / أبي أرجع أعيش مع أهلي بشكل طبيعي يا يُمنى ، وهذا الحل الوحيد ، إذا قلتي انك جيتي بنفسك وهذا الحق ! ما راح يذبحوني اخوانك .
يُمنى بغضب العالمين / تحلم يا سلمان تحلم ، تموت وانت عايش زي المجرم إن شاء الله ويموتون أهلك كلهم ، تحلم تقرب مني مرة ثانية .
اقترب منها سلمان أكثر حتى التصق ظهرها بالحائط ، ليهمس في اذنها/ هذا أنا قريب منك الحين ، وأقدر اسوي اللي أبيه من دون ما احد يدري ، بس أنا ما عاد أبي أأذيك ، أبيك بالحلال يا يُمنى ، لا تخليني أفقد أعصابي .
ابتعد عنها قليلا ليقرب وجهه من وجهها / عندك مهلة لبكرة الصباح ، يا تقولين لهم زي ما قلت لك ، أو تختفين معي لين أموت أنا أو تموتين انتي ، مفهوم ؟
قبل خدها وابتعد عنها متجها ناحية الباب ، يقول بكل برود / الحين بجيب لك أكل لا تموتين من الجوع ، مع اني ما أعرف كيف عايشة بهالجسم اللي ما فيه غير العظم .
أنهى عبارته المقززة وخرج وأقفل الباب بالمفتاح من الخارج .
حينها وأخيرا سقطت يُمنى على الأرض جالسة .
لم تتمكن من التحمل أكثر .
ورفعت يدها لتمسح خدها بقوة عدة مرات حتى صار متورما ، وصارت تشهق وتبكي .
تتذكر نظراته وكلامه فيزداد بكاءها ويقشعر جسمها ، تتأوه وتنحني بظهرها .
ثم رفعت رأسها للسماء حين علمت أنه لن ينقذها من هنا ويخرجها من بين يدي ذلك المجرم سوى الله .
نطقت باسم الله من أعماق قلبها موقنة بأنه سيستجيب دعواتها السرية وسيكون معها .
وقفت على مهلها وهي تمسح دموعها لتتضح لها الرؤية .
مررت أنظارها على كافة أنحاء الحجرة .
كانت خالية سوى من السرير والمقعد الذي جلس عليه سلمان .
المشجب خلف الباب ، حمدا لله أن عباءتها كانت معلقة عليه .
اتجهت ناحيتها مسرعة وأخذتها لترتديها ، ثم اتجهت ناحية السرير .
لترفع الأغطية تبحث عن هاتفها .
تأففت حين لم تجده .
نظرت مرة أخرى إلى أنحاء الحجرة ، لتبصر النافذة وتسرع نحوها .
يأست وهي ترى المنطقة خالية إلا من عدة بنايات حديثة .
يبدوا أنه مخطط سكني حديث .
التفتت ناحية الباب قليلا ، قبل أن تحاول فتح النافذة .
تأوهت بيأس وهي تعض شفتها ، لم تتمكن من فتحها .
تدلت كتفيها بإحباط وهي تتجه ناحية دورة المياه ، لتدخل وتنظر إلى وجهها المحمر والمنتفخ .
خرجت بعد أن توضأت ، واقتربت من الباب تطرقه بقوة حتى أتاها صوته / قررتي؟
يُمنى بغضب / الله يأخذك إن شاء الله ، عطني سجادة أبي أصلي .
انتظرت قليلا حتى أتاها بالسجادة وأعطاها إياها ، حاول أن يسترق النظر إليها إلا انها لم تسمح له ، حيث غطت وجهها بطرف حجابها ، لتسأل عن اتجاه القبلة .
أخبرها لتقول / ما أقوم من السجادة إلا وانت ميت إن شاء الله .
أغلقت الباب بقوة تغمض عيناها بغيظ تسمع ضحكته الساخرة .
الشمس شارفت على الغروب ، يعني أنها فاتتها صلاتي الظهر والعصر .
صلت وهي تبكي وتدعوا الله أن ينقذها من تلك المحنة بسلام .
حتى سمعت صوت المفتاح وأجفلت مجددا .
وبقيت متصلبة وهي تسمعه يقول / عشاك وغداك ، اذا تبين شيء علميني أنا جالس بالصالة ، فكري كويس .
أغمضت عيناها بألم وهي تقبض يدها بقوة وتتمنى له الموت والهلاك .
نهضت من سجادتها لتجلس مستندة على السرير وتفتح كيس الأكل .
فور رؤيتها للطعام شعرت بشهيتها تنسد تلقائيا .
عادت لتجلس على السرير .
لتداهمها الذكريات مجددا والخوف يتعاظم في قلبها .
بالتأكيد الآن حسناء واخوتها فقدوا عقلهم من خوفهم عليها .
فقد مر على غيابها عنهم قرابة الاثني عشرة ساعة !
أسندت ظهرها دون أن تخلع حجابها ، وأبصارها شاخصة على الباب .
دون أن يتوقف لسانها عن الدعاء .
فالعدو خلف هذا الباب ، وقد يأتيها ويهاجمها بأي لحظة !
ثم ذلك الهاجس كان يقلقها بشدة ، خلال ساعات نومها هل اعتدى عليها ؟
هل فعل ذلك !
برالغم من أنه لا يوجد شيء يدل على ذلك .
إلا أنها فقدت الثقة تماما بسلمان وذلك ليس بغريب .


نامت على وضعها دون أن تشعر ، رغم محاولاتها الجاهدة في المقاومة .
إلا انها لم تتمكن ، خاصة وانه لا يوجد شيء حولها ليسليها .
والخوف عميق للغاية !
أما الآن ، فهي أكثر قلقا خوفا .
لم تبرح مكانها من على السجادة بعد أن أدت فرض الفجر .
الجوع يكاد يقتلها ويرديها أرضا ، إلا انها أبت أن تتناول أي شيء .
آخر مرة وضعت بها شيئا على فمها كان في الليلة قبل الأمس !
تسمع صوت بطنها من شدة الجوع ، وتشعر برأسها ثقيلا للغاية .
والوهن يطغى على جسدها .
مرت ساعة كاملة ولم تسمع أي صوت حتى الآن !
أين يكون قد ذهب ؟
لو انها وجدت أي وسيلة للهروب لهربت بالتأكيد .
ولكن أبدا ، ليست هناك أي وسيلة .
استلقت بتعب على السجادة ووضعت رأسها على ذراعها ، وبدأت الدموع تنزل مجددا .
حتى سمعت صوت المفتاح وجلست بسرعة لتغطي وجهها .
سلمان الذي تنهد بضيق حين دخل ووقعت عيناه على كيس الطعام ثم عليها حين نهضت وابتعدت إلى ذلك الركن ، كأنه لن يتمكن من الوصول إليها !
سلمان / ليش ما أكلتي شيء ؟
لم تجبه يمنى وهي تقبض كفيها بقوة .
سلمان / يمنى أنا قلت لك ما أبي أأذيك ، ليش تسوين كذا ؟ بس توافقين على الزواج صدقيني راح أرجعك لأهلك ونملك على طول .
صدرتها منها ضحكة خفيفة ، ثم اعتلت شيئا فشيئا وهي تقول بسخرية / أبي أفهم من وين جايب هالثقة ؟ كيف أصلا فكرت بهالفكرة الخايسة ؟ كيف متوقع اني بوافق مثلا ؟
تكتف سلمان وابتسم قائلا بثقة / لأنه ما عندك خيار ثاني ، يا تملكين ونتزوج بالطريقة المعروفة ، أو تختفين معي مثل ما قلت .
ابتلعت ريقها وارتعدت مفاصلها لمجرد التفكير .
ضمت نفسها حين اقترب من السرير ووضع كيسا كان بيده عليه / هذا فطورك يا يُمنى ، كليه ولا تذبحي نفسك ، ما ودي أرجع لأهلك جثة .
يُمنى بحقد / ترجعني جثة ولا أخذك يا حقير يا تافه يا مريض .
ضحك سلمان وهو يتأملها ، ثم أخرج هاتفه من جيبه حين رن .
رد على المتصل ، وسرعان ما اتسعت عيناه وهو يستمع إليه .
ثم ما لبث أن ركض باتجاه الباب وخرج دون أن يقفل باب الغرفة !
استغربت يُمنى من ذلك .
لتنزل الحجاب عن وجهها وتتجه ناحية الباب المفتوح ببطء .
شعرت بشيء من السعادة وهي تسمع صوت الباب الخارجي يغلق !
ولكن يا للخيبة ، تبع ذلك الصوت صوت المفتاح أيضا !


______


انتهى الفصل


أتمنى يارب إنه يعجبكم
وأتمنى أشوف تفاعل أفضل
الأسابيع الماضية ما قلت شيء لأني فعلا كنت مقصرة ، والمتفاعلات أبدا ما قصروا معي
بس الحين فعلا ودي أشوف تفاعل أفضل ، لأنه التعليقات تشجعني وتساعدني على الكتابة أكثر
أتمنى اللي خلف الكواليس يشاركون
الفصل جدا أتعبني واستنزف طاقتي الجسدية والعقلية ههههههههه
بديت اكتبه أمس وخلصته اليوم عشان ما أتأخر عليكم
فــ أتمنى الكل يعلق
وبس ، قراءة ممتعة


أميرالز likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 07:17 AM   #65

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل السابع عشر
___________


حرفيا ، لا ترغب شيئا في هذه اللحظات سوى أن تنام .
تنام طويلا ولا تشعر بأي شيء .
تقصد ألم قلبها الشديد على فقدان ابنها الذي انتظرته طويلا .
طوال تسعة أشهر .
تلك الشهور المتعبة للغاية بالنسبة إليها .
كان الحمل صعبا للغاية ، ليس بسبب سنها .. بل بسبب جسدها الذي لم يكن قويا كفاية .
إلا انها كانت سعيدة وراضية ، وتحملت كل تلك الآلام بكل رضا وسرور .
حتى أنها لم تشتكِ كثيرا ، لأنه فعلا .. كان تعبا لذيذا .
وحتى رغم تعبها الذي زاد في الأيام الأخيرة ، كانت متحمسة جدا .
تعد الأيام وتنتظر ميعاد الولادة بفارغ الصبر .
ليحصل ما حصل ، وفقدت جنينها إلى الأبد .
حتى الآن وقد مر يوم ونصف على سماعها ذلك الخبر ، لم تتمكن من تصديقه !
تشعر بأنها يخدعوها ، يكذبوا عليها لأي غرض كان .
سواء مزاح أو أي شيء آخر .
لذا ان اكتشفت انه كان خداعا ربما لن تفعل شيئا سوى الضحك من شدة الفرح .
أتى إليها الكثيرون من أقاربها وأقارب زوجها في وقت الزيارة ، وطوال ذلك الوقت أيضا كانت مغمضة عيناها ولم تتجاوب معهم إطلاقا .
بدت شاحبة كالأموات .
التفتت ناحية الباب حين فُتِح ، لتبصر حمود الذي ابتسم لها ما إن رأى عينيها مفتوحتين / سلام عليكم .
ردت بصوت منخفض / وعليكم السلام ، وين كنت ؟ ما تدري قد ايش حسيت بالوحشة لما فتحت عيوني وما لقيت أحد .
أسرع ناحيتها وجلس بجانبها على السرير ، ليمسك بكفها ويقبلها قائلا / آسف يا قلبي ، أنا موجود على طول بس رحت أصلي المغرب ورجعت الحين .
هديل / وين أهلي ؟ ليش ما أشوفهم ؟ قعدوا شوي وراحوا ؟
حمود / مو مسموح لهم يقعدون يا هديل ، بس شخص واحد يبقى مرافق معك .
جلست هديل بمساعدة حمود لتقول / ما حسيت انهم بخير ، في شيء صاير ؟
حمود الذي لم يرغب بإقلاقها أكثر وهي أساسا ليست بخير / لا أبد ، أكيد انهم متأثرين معك .
سكتت هديل قليلا على اثر تحدثه في ذلك الموضوع لتسأل / على هالطاري حمود ، صدق … الجنين مات ؟
أجفل حمود مجددا ، لم تكن هذه المرة الأولى ولا الثانية التي تسأل بها هذا السؤال ، بل أنه لم يتمكن من عد المرات التي سألت فيها .
ليمسح على شعرها بحنان / هديل يا روحي ، أدري انك صدق مصدومة بس …
قاطعته برجاء / دفنتوه ؟ أبي أشوفه يا حمود الله يخليك ، انتظرته تسع شهور ، ما يصير ما أشوفه ولا مرة وحدة ، أرجوك يا حمود .
نظر إليها حمود بحزن ثم قبل جبينها / راح تشوفينه إن شاء الله .
أمسك وجهها بكلتا يديه / وربي راح يعوضك أكيد .
هزت رأسها بوهن / إن شاء الله .
رفعت رأسها إليه وهي تتذكر شيئا / حمود ، متى آخر مرة شفت فيها سلمان ؟
حمود باستغراب / قبل خمس سنين .
هديل وعيناها بعينيه / متأكد ؟
حمود / إيه ، ليش تسألين ؟
هزت هديل كتفيها بحيرة / بس كذا .. فضول ، ما عندكم أي خبر عنه ؟
حمود / لا .
وبتردد / هديل بعد شوي بيجون يحققون معك ، يسألون كيف طحتي ومين كان معك .
رفعت عيناها بصدمة / ليش ؟
حمود / عمي ما هو مرتاح ، وأنا …… أنا بعد حاس انه ….
وضعت هديل يدها على فمه بانزعاج / إياك تكمل حمود .
نظر إليها بتعجب ، وأكملت هي / لا تشك بأحد ، أنا طحت لوحدي .
حمود بشك / متأكدة ؟
ضحكت هديل / أنا أدري انت حسيت انه في شيء غريب لأنه عمتي كانت عندي ؟ وقبلها كنا شبه متهاوشين ؟ وش هالدراما بخيالك حبيبي ؟
ارتبك حمود ولم يتمكن من قول شيء ، لتكمل هي بابتسامة بعد أن امسكت بكفه / صدقني حتى لو كانت تكرهني مستحيل تأذيني بهالشكل ، هي تدري انك تحبني وتنتظر البيبي مثلك مثلي ، مستحيل تسوي هالشيء هي مو ضرتي يا حمود .
تنهد حمود براحة وهو يلمس الصدق في نبرتها ، ثم عانقها / الحمد لله إنك بخير .


بعد لحظات كان هناك والدها والمحقق الذي أخذ أقوالها ثم ذهب .
بما انها لم تقل شيء يثير الريبة .
بعد أن غادر وذهب حمود ليودعه في الخارج ، اقترب سعود من ابنته مبتسما .
هذه المرة الأولى التي يراها بها تجلس وتتحدث وتبتسم بعد استيقاظها .
مع ان الوهن بادٍ عليها بشدة .
إلا أنها تبدوا أفضل .
جلس بجانبها وعانقها بقوة .
لتتأثر هديل وتبكي بصمت في حضنه .
ترك لها سعود الحرية في اطلاق العنان لدموعها .
ثم ابتعد بعد لحظات ومسح دموعها وقبل جبينها / ارتاحي يا هديل لا عاد تبكين ، دموعك توجعني حيل .
وضعت هديل يدها فوق قلبها / قلبي يعورني يبه ، أحس انه قاعد يحترق والله حاسة اني بموت ، يعني طول هالشهور وأنا حاسة فيه ، أنام وأصحى وأنا بداخلي روح ثانية ، كنت أصيح من الفرحة لما يتحرك ، وأنتظر اللحظة اللي أشيله فيها .
توقفت قليلا تتنفس وتمسح دموعها / أنا مو معترضة على أمر ربي ، بس مو قادرة يبه .
سعود الذي عجز عن قول أي شيء بعد كلامها المليء بالألم ، عانقها مجددا / إن شاء الله كم يوم وراح يخف هالألم يا بنتي .
هزت هديل رأسها ومسحت وجهها / آسفة أقلقتك علي ، بس قول لي ، كأنه في شيء ثاني مشغلكم ؟ انت واخواني وبشرى ؟
هز سعود رأسه نفيا بارتباك / لا يا بنتي إيش بيكون في يعني ؟
هديل بحيرة / ما أدري ، بس ما أحس انكم بخير …
وصمتت قليلا وهي تتذكر يُمنى وعدم رؤيتها لها / لحظة يبه وين يُمنى ؟ هي بخير ؟
ارتبك سعود مجددا ، لذا لم يتمكن من الكذب عليها / عمتك مخطوفة يا هديل ، ما ندري وينها من أمس الصبح .
شهقت هديل بصدمة / من جدك يبه ؟
أومأ سعود برأسه / إيه يا يبه ، قومنا الدنيا وقعدناها وما لقيناها ، حتى الشرطة تدور الحين .
أدمعت عيناها حزنا عليها / يا عمري ، أخاف تتعقد زيادة الحين ، غير انه .. مو باقي كثير على ملكتها يبه ، هم دروا ؟
هز رأسه نفيا / ما في داعي نعلم أحد مو من العايلة ، يمنى راح ترجع لنا سالمة إن شاء الله .
نهض / يلا يا بنتي اتركك ترتاحين الحين ، أساسا الحين مو وقت زيارة بيجون يسحبوني من رقبتي .
ضحكت هديل ، إلا انها شهقت مجددا وهي تمسك بذراعه / اجلس يبه تذكرت شيء ، ما قلته للمحقق عشان حمود .
جلس سعود ينظر إليها بفضول / اللي هو .
هديل / صراحة ذاك اليوم المفروض بعد ما أسلم على عمتي أجيكم ، حتى كلمت بشرى وقلت لها اني جاية ، بس فجأة أم حمود قلبت ومنعتني ما حبيت أكبر المشكلة وأرفض وأسوي شيء ما له داعي ، عشان كذا رضيت أقعد ، لكن صراحة ما كان السبب الوحيد ، لما وصلت كانوا كلهم مرتبكين بطريقة غريبة ، وفجأة كلهم خرجوا من غرفة وحدة ، حسيت انه في شيء غريب قاعد يصير ، لما نام حمود نزلت أشوف إيش السالفة ، دقيت باب الغرفة اللي كانت مقفلة بالمفتاح ، سمعت صوت شخص غريب .. وحسيت انه ممكن يكون سلمان .
هز سعود رأسه بأن اكملي، لتكمل هي/ وطلعت يوم سألني مين، ما قدرت أوقف أكثر قلت يمكن يكون احساسي غلط، وطلعت.. قابلت عمتي عند الدرج وسألتها، توترت وارتبكت وعصبت علي.
قاطعها سعود بحدة / ودفتك؟
ضحكت هديل / لا يبه سيناريوهات المسلسلات هذي ما صارت، سألتها لو كان سلمان ولا لا، قالت لي كم كلمة وطلعت ، دخت فجأة زي ما قلت للمحقق وطحت.
تنهد سعود / متأكدة ؟
هديل/ والله يبه إني ما أكذب عليك، عشان أكون صريحة معك أنا يا الله أبلعها وأتحملها عشان حمود، بس مستحيل أتبلى عليها وأقول عنها شيء ما سوته، أنا قصدي من هالكلام كله انه يمكن سلمان رجع فعلا وكان في بيت أهله.
وبتردد رغم رفض قلبها لذلك الاحتمال المزعج/ ويمكن يكون هو… خاطف عمتي.
اتسعت عينا سعود أقصى اتساع وهو يسمع ما تقوله ابنته.
ثم نهض مسرعا وذهب دون أن يقول شيء.
ليقابل حمود أمام الباب ، ويمسكه من ياقة ثوبه بغضب / تعرف صح؟ تعرف انه أخوك رجع؟
نظر إليه حمود بصدمة / اهدأ يا عمي وفهمني وش تقصد .
تركه سعود حين علم من ردة فعله أنه لا يعرف شيء ، إلا أنه أراد التأكد / أخوك سلمان كان عندكم يوم طاحت هديل ، قول انك ما تدري !
حمود الذي أصابته الدهشة فعلا / مين قال لك هالشيء، صدقني ما أعرف شيء يا عمي.
نظر إليه سعود بقلة صبر لبعض الوقت ثم غادر بخطوات أقرب للركض وهو يتصل بإبنه، يخبره بما سمع .
علّ تلك المعلومة تساعدهم أكثر في البحث.
مع انهم وضعوا ذلك الاحتمال في أذهانهم.
إلا أنهم لم يهتموا كثيرا بموضوع سلمان بما انه غائب منذ فترة طويلة.
واحتمال عودته فجأة وبهذا الوقت قبل عقد قرانها ، كان أمرا لا يمكنهم التنبؤ به صدفة، أو تأكيده بالأصح .


_______________


أما عايض فكانت الأوضاع مختلفة لديه تماما.
فهو الوحيد الذي وضع ذلك الاحتمال في المقدمة.
وظل يحترق بمفرده دون أن يشعر به أحد ، أو يعلم أنه يمر بتلك الحالة العصيبة مذ علم عن فقدانها.
كأنه حقا يرى سلمان وهو يختطف محبوبته !
كلما ذهب إلى مكان للبحث عنها ولم يجدها ، راودته ذكرى من ذكرياته معها.
فيتألم أكثر .
خاصة اعترافها بما فعله بها سلمان .
الاعتراف الذي شطر قلبه وجعله هائما على وجهه ولا يعرف إلى أين يتجه .


تلك الذكرى قبل ست سنوات، قبل عودته إلى الديرة ليخبر يمنى فقابله ذلك الخبر البشع.. بسنة واحدة تقريبا .
وعدها أنه سيجعلها تعتاد على الخروج دون خوف وقلق.
دون تلك الرهبة التي تلازمها فتجعلها ترتجف بطريقة لا إرادية، فور سماعها لكلمة( خارج البيت ).
وعدها أنه سيكون الدرع الحامي لها، ولن يسمح لأي أحد بالاقتراب منها وأذيتها مجددا.
كما أنه أراد وبشدة في ذلك الوقت، أن يخرج برفقتها إلى أي مكان.
بعيدا عن الديرة وأجوائها التي تضيق صدر يُمنى أكثر.
طلب منها ذات مرة، فرفضت بشدة.
لم يسبق لها وأن ذهبت إلى المدينة.
بالرغم من أن اغلب اخوتها يسكنون في المدن.
إلا أن والدتها كانت شديدة للغاية، لدرجة أنها لم تزر أي أحد منهم ولو لمرة واحدة.
طلب مرة ثانية وثالثة ورابعة، لم تجبه سوى بالرفض في كل مرة!
إلا أنها رضخت في المرة الخامسة، وأسعدته كثيرا.
أتى إلى الديرة والسعادة لا تكاد تسعه، سيخرج في موعده الأول مع محبوبته حقا!
ذهب إلى المنزل وتأنق دون أن تفارقه الإبتسامة لحظة واحدة، حتى أن اخوته لم يتوقفوا عن المزاح معه والضحك عليه .
ليتجه إلى منزل عمه الراحل بعد ان انتهى ، واتصل بها لتنزل.
انتظر قرابة الربع ساعة أمام باب المنزل .
ما لم ينتظره ويتوقعه، أن يرى سلمان في ذلك اليوم الجميل بالنسبة إليه.
تجاهله وهو يتظاهر بالانشغال بهاتفه .
إلا ان الآخر أتى وفتح باب الجهة الثانية ودخل دون أن يستأذن.
نظر إليه عايض بدهشة/ وش عندك ؟
سلمان وهو يدعي الصدمة/ أفاا يا ولد عمي وش فيك عليّ؟ تحقد علي عشان بنت؟ ما سمعت الشاعر يوم قال لا جمع الله الرجال اللي تفرقهم مرا.
اتسعت عينا عايض وهو يمسك بياقة قميصه بغضب/ أي مرا هذي اللي فرقتنا؟ ما لك شيء عند يُمنى يا سلمان، حلّ عن وجهي الحين لا أرتكب في جريمة.
أبعد سلمان يدي عايض عنه يبتسم بسخرية / بس كنت بسلم عليك وعصبت علي؟ انت اللي تدور مثل هالحجة يا عايض عشن تفتك من يُمنى، اعترف.
أغمض عايض عيناه بقلة صبر، وهو حقا على وشك أن يرتكب به جريمة!
سلمان بخبث/ على العموم تهنى فيها كم يوم يا ابن عمي ، يمنى مردها لي ، رضيت ولا ما رضيت.
أمسك عايض بياقته مجددا وقربه منها ليلكمه على وجهه بقبضته بقوة .
ليهمس بأذنه/ وقسم بالله يا سلمان، لو لمست شعرة وحدة من يمنى إن يصلون عليك بعد أقرب فرض .
ضحك سلمان بطريقة مستفزة للغاية وهو يفتح باب السيارة، ويضع يده الأخرى على خده الذي ضربه به عايض/ نشوف يا ولد عمي، بالنهاية أنا أقرب لها منك ، حرفيا .
خرج وأغلق الباب بقوة، بنفس الوقت الذي خرجت به يُمنى من منزلهم.
ووقف سلمان يبتسم لها ويلقي عليها السلام.
فترد عليه ثم تدخل السيارة !
كان عليه أن يحذر الوقت !
أن يستوعب أن نبرته الخبيثة حقيقية للغاية !
وأنه حقا يقصد الإيذاء .


التفت إلى يُمنى ليقول بخفوت يحاول كظم غيظه بقدر الإمكان/ يُمنى أنا مو قلت لك لا تعطين سلمان وجه؟
نظرت إليه مستغربة من نبرته / إلا، بس وش سويت أنا؟
عايض/ صارحيني وقولي، قد تكلمتي معاه من بعد ما منعتك؟
توترت يُمنى وهي تقول / لا يا عايض، بس أرد على سلامه لما يجي عند أمي.
أغمض عيناه بقهر وهو يضرب المقود بيده/ يعني لسه يجيكم؟
يُمنى بارتباك/ إيه، يعني كيف نقول له لا تجينا؟
اقترب منها عايض يقول بحدة/ ما يهمني كيف، بس أهم شيء ما يجيكم مرة ثانية يا يُمنى، خير شر، مفهوم؟
انتبه إلى نفسه حين رآها تقبض كفيها بقوة ، وترتجف حدقتيها بوضوح.
حينها اعتدل بجلسته واستعاذ من الشيطان ، ثم تنهد والتفت إليها بهدوء.
ليمسك بكفيها المضمومتين ببعض، ثم يرفعهما ويقبلهما/ أنا آسف يا روحي، بس فعلا سلمان رافع ضغطي ومستفزني حيل .
ردت بنبرة مرتجفة / أنا ما لي ذنب طيب ، ما لي دخل بخلافاتكم.
نظر إلى عينيها بصمت، يقول في نفسه ( انتِ أساس خلافنا يا يُمنى ، يستفزني عشانك انتِ ).
كبت تلك المشاعر الغاضبة وابتسم لها/ تمام، إن شاء الله هذه المرة الأخيرة اللي أعصب فيها عليك بسبب هالحيوان، آسف .
يُمنى/ إن شاء الله، يعني أنا متوترة كفاية ، أربكتني أكثر عايض.
ضحك عايض وهو يرفع كفها ويقبلها مجددا/ آسف مرة ثانية.
سحبت يُمنى كفها بإحراج / بس عايض لا يشوفنا أحد.
عايض بابتسامة / خليهم يشوفون يا يُمنى ، خليهم يعرفون هالرجل المسكين قد إيش مبسوط ، لأنه أخيرا قدر يطلع مع حبيبته.
نظرت إليه بخجل ثم التفتت عنه .
تنهد عايض مجددا بهيام وعشق، ثم قاد سيارته مبتعدا عن منزل عمه، وعن الديرة كلها.
كان طوال الطريق يتحدث إليها، يمسك بكفها.. يحاول تهدئتها وطمأنتها.
يشعر بها وهي ترتجف من الرهبة والخوف، يشعر بها وهي تندهش وتتسع عيناها فور دخولهم إلى المدينة.
حين التفتت إليه فجأة وهي تضحك / أشوف هالأشياء بالجوال، بس صراحة في الواقع مرة غير، أحس انه المدينة قاعدة تبتلعني .
ابتسم وهو يستمع إليها ، ليستغرب وهو يرى ملامحها تتغير فجأة، ويدها التي بيده أصبحت مشدودة.
سألها بخوف/ فيك شيء ؟
قالت بصوت منخفض عكس حماسها في اللحظات القليلة الماضية/ كنت اظن اني أظلم نفسي بالسجن اللي فرضته عليّ ، أو عادات أهلي القديمة هي اللي قاعدة تظلمني، بس يا عايض.. الحقيقة انه المدينة أكثر ظلم من الديرة .
أوقف سيارته جانبا وهو يشعر برجفتها تزيد، ليلتفت إليها بكامل جسده/ ليش تقولين كذا؟
يُمنى/ ما أدري عايض، أنا خايفة.. خايفة كثير، رجعني تكفى .
ابتسم لها عايض يطمئنها ، وقلبه يؤلمه عليها / خايفة وانتي معي ؟ عارف انك ما نسيتي أذكارك ، يعني قبل لا أكون مصدر أمانك لازم تكوني واثقة بالله .
ادمعت عيناها لا إراديا / أدري عايض بتقول اني قاعدة أبالغ ، بس فعلا أنا مو قادرة أثق بأي شيء غير الله ، مو قادرة أحاول حتى ، لأني … رضيت بوضعي ، وهذا اللي خلاني ضعيفة بهالشكل .
أنزل عايض غطاءها عن وجهها بما أن المنطقة خالية ، ليضع كفه على خدها / أنا فاهم عليك وحاس فيك ، عشان كذا زي ما وعدتك راح أخليك أقوى من قبل ، خليك واثقة فيني .
نظرت يُمنى إلى عينيه ثم ابتسمت تهز رأسها إيجابا / أثق فيك .
عانقها عايض بقوة ليطمئنها أكثر .


عاد إلى الواقع وعيناه محمرتان ، ذلك اليوم كان مشؤوما أكثر من كونه يوما جميلا وفريدا!
في بدايته ظهر أمامه سلمان الكريه ليقول ما نفذه بعد سنة بالتمام !
ويصبح ما خافت منه يُمنى بالفعل ، ونطقته بلسانها دون أن تشعر ، حين قالت ( أحس انه المدينة قاعدة تبتلعني ) .
ابتلعتها أرض المدينة بالفعل ، وأصبح سلمان أقرب إليها منه .. حرفيا .
كما قال بالضبط .
حين وصلته رسالة مساعد التي أخبرها فيها أنه من الممكن سلمان هو مَن خطفها .
جن جنونه وهو يسرع بسيارته ، دون أن يدري إلى أين هو ذاهب !


__________


صباحا..

كانت عهود تجلس في الغرفة التي نُقِلت إليها آمال بعد ولادتها .
وجهها محمر من الإنفعال التي تكبته .
ماذا سيحصل إن علم ثامر بما حصل ؟
خلال اليوم أتى الكثيرون بالفعل من عائلة آمال ، والديها وإخوتها .
هنأوها وباركوا لها ثم ذهبوا إلى حيث أتوا منه .
وبقيت هي كمرافقة لها .
أخفت انفعالها بطريقة عجيبة .
لم تتمكن من الاسترخاء بعد أن رأت تلك الفتاة في الصباح .
وقالت لها ما قالت .
آمال سبب كل ما يحصل ، تنام بكل هدوء دون أن تدري ما هو على وشك الحصول.
تشفق عليها تارة، وتغضب تارة أخرى .
اليوم وفي وقت باكر، حين جلست مصدومة ، اقتربت منها الفتاة وهي تقول / الحين عرفت ليش انصدمتي من عرفتي اسم عمتي يُمنى !
التفتت إليها بهدوء تسأل بنبرة جامدة / وش تبين مني ؟
الفتاة التي لم تكن سوى حسناء / ما أبي منك شيء ، ما أعرف مين إنتي مين تكونين بالنسبة للي قاعدة تولد غير انها زوجة الــ …….. سلمان ، ما أبي منك شيء أبد تطمني .
وبكل هدوء أخرجت هاتف آمال من حقيبة عهود المفتوحة / بس تفتحيه وتتصلي على زوجها ، من حقه يعرف انه زوجته قاعدة تولد الحين !
عهود بغضب / ماني متصلة .
رفعت حسناء حاجبها بحدة / بتتصلين وغصبا عنك ، الحين .
سحبت عهود الجوال وهي تقول / اسمعي أنا ما أدري إيش اللي صار بين عمتك وسلمان بالضبط ، إيش الخلاف اللي خلاهم يتطلقون ، بس احنا بعد ترى ما نبيه ولا راضيين على هالزواج ، باللحظة اللي تولد فيها آمال راح تصير طليقته مو زوجته.
حسناء التي تعجبت من كلامها / ولا أنا تهمني طبيعة العلاقة بين هالآمال وسلمان ، المهم إني أشوفه الحين ، اتصلي .
تنهدت عهود بضيق ، وأغمضت عيناها بقهر في نفس الوقت ، ثم فتحت هاتف آمال بعد محاولات عدة لمعرفة الرمز السري .
أتاها الرد سريعا / ألو .
عهود باشمئزاز من صوته الذي تكرهه / آمال بتولد في مستشفى الـ ………. تعال بسرعة يبونك عشان الأوراق .
أقفلت فور أن انهت كلامها .
لتلتفت إلى حسناء / ارتحتي ؟
حركت حسناء حاجبها دون أن تقول شيئا .
وتكتفت وهي تسند ظهرها على الكرسي الحديدي ثم تغمض عيناها بتعب .
نظرت إليها عهود لبعض الوقت ثم سألت بتردد / ممكن أعرف إيش اللي صار بين عمتك وسلمان ؟ وليش هو هارب بهالطريقة كأنه ارتكب جريمة ؟
فتحت حسناء عيناها بتعب ثم قالت بهدوء / أولا هو ما طلقها .
اتسعت عيناها بصدمة / شلون ؟
ابتسمت حسناء / لأنه ما تزوجها أساسا .
اعتدلت بجلستها قائلة / وأنا بعد ودي أعرف كيف تزوج آمال .
سردت عليها ما فعله وما حصل قبل خمس سنوات باختصار .
لتردف عهود / الحيوان ، عشان كذا ما يتجرأ يقرب من الديرة !
نظرت إليها حسناء بتساؤل ، لتزفر عهود أنفاسها بضيق ثم تقول / آمال تصير أخت زوجي الصغيرة وبنت عمي ، تعرفت عليه عن طريق الجوال ، ما أدري كيف بالضبط بس انها حبته ، جا خطبها وأهل زوجي رفضوه لأنهم ما يعرفوه وجاي من بعيد وآمال بنتهم الصغيرة ، لكن هي كانت مصرة وزعلانة وإلا تبي تتزوجه ، طنشت أبوها وأمها وأخوانها وأهلها كلهم وعاندتهم عشان تأخذه ، لين رضوا غصبا عنهم عشانها ، بعد زواجهم بشهرين تقريبا جاتنا تبكي ههههههههه تقول انه تغير عليها ، وانه فجأة صار يكلمها عن وحدة اسمها يُمنى ، وانه راح يرجعها لذمته بيوم من الأيام ، اختنا كانت تحسب انها الوحيدة بحياته ، طلع باني فندق بقلبه ، يحب ويكلم ألف وحدة ، لما شفت عمتك عرفت انه يحاول يطيح البنات الضعيفات والصغيرات أمثالهم .
تنهدت وهي تكمل / فجأة قرر زوجي انه ينقل شغله ويسكن في ديرة ، ومعاه أخته .. سألته عن السبب وما جاوبني ، الحين بس عرفت انه عرف هالقصة اللي قلتيها لي ، عشان كذا جا يسكن هنا عله يقدر يمسكه بيوم من الأيام ، بعد ما عرف انه اخوان آمال راح يطيرون رقبته لو مسكوه على اللي سواه بأختهم .
ضحكت بحزن وهي تقول / زوجي من النوع الكتوم في الشيء اللي يخص أهله ، تدرين كم صار لي ما شفت أهلي عشانه وعشان أخته ؟ كنت توني مخطوبة لما صار اللي صار ، حتى زواج زي العالم ما سواه لي عشان أخته ، ومع ذلك رضيت وسكتت لأنه زوجي ، هذا اللي قالته أمي وتقوله كل يوم ، لازم تتحملي كل شيء عشان زوجك!
سكتت شوي ثم قالت / وبس يعني، هذا كل اللي صار ، واللي قهر في السالفة كلها انه هالغبية بعد ما هربت منه واشتكت ، حاولت ترجع له ألف مرة ، بس كنت أحاول قد ما أقدر اني امسكها وأخليها تتراجع عشان زوجي .
نظرت إليها حسناء لبعض الوقت ، كأنها تقرأها تماما .
تشعر من عينيها أنها حقا تعيش حياة خالية من المشاعر .
خالية من الحب ، خالية من السعادة .
مليئة بالتضحيات ، والتحمل الذي يفوق قدرتها .
ولو أن تلك الحياة تكاد تكون عادية !
إلا أنها بالتأكيد ليست كذلك بالنسبة لصاحبتها .
ابتسمت لها / الحين بس يجي سلمان بتكوني قدمتي خدمة لزوجك وفكيتي نفسك ، وقدمتي لنا احنا نفس الخدمة .
لم تنتهي عبارتها حتى اتصل سلمان ، لترد عهود دون أن تقول شيء ، ثم ما لبثت أن اتسعت عيناها وهي تسمعه يقول / ما راح أجي الحين ، أهلها راح يكونوا موجودين ، بجيها وقت ما يكون فيه الزيارات مسموحة .
أقفل لتخبر حسناء بما قال .
نهضت الأخرى وهي تضحك / توقعت ، عموما انتي خذي رقمي ، بس يجي كلميني .
أملت عليها رقمها ثم غادرت .
في الوقت الذي خرجت به الممرضة لتخبرها أن آمال أنجبت مولودا ذكرا .


الآن ..
وقد حل الظلام وصارت الساعة تشير إلى الثامنة مساء .
استلقت بتعب على الأريكة بعد أن صلت العشاء .
لتتأفف وهي تسمع رنين هاتف آمال .
نهضت مسرعة لكي لا تستيقظ الأخرى وقد نامت بعد عناء ، لتجد المتصل سلمان .
خرجت إلى الخارج وهي تجيب / نعم .
سلمان / أنا جاي الحين ، ما في أحد صحيح ؟
عهود / لا .
سلمان / وعدتيني إنك تخليني أشوف ولدي وآمال وأمشي ، لا تخلفين بوعدك .
ابتسمت بمكر وهي تقول / أبد ، ما أبي أأذي آمال وأجرحها كثير وهي توها والدة ، لا تتأخر .
أقفلت الخط لتتصل بحسناء من هاتفها ، وتخبرها أن سلمان على وشك القدوم .
ثم اتصلت بزوجها أيضا .


____________


كانت محتارة وهي تقف أمام دولابها ملابسها .
ماذا عليها أن تلبس !
تأففت وهي تسحب قميصا عاديا مع تنورة واسعة بحزام على الخصر .
لن تضطر لخلع العباءة أساسا .
رفعت شعرها بعشوائية كذلك ، ثم وضعت شيئا بسيطا على وجهها .
وخرجت بعد ان ارتدت عباءتها .
كانت والدتها نائمة في ذلك الوقت ، بعد أن تناولت عشاءها .
ذلك الوضع يخيفها كثيرا ويقلقها .
تعب والدتها الذي يزيد يوما عن يوما .
تنام اليوم كله إلا قليلا !
خرجت من المنزل بعد ان اتصل بها ليث وأخبرها أنه وصل بالفعل .
ارتبكت قليلا وهي تراه بداخل السيارة .
زفرت أنفاسها المحبوسة ثم تقدمت من السيارة ، فتحت الباب وركبت / السلام عليكم .
حرك السيارة بعد أن رد بهدوء / وعليكم السلام .
ساد الصمت بعد رده ، وكانت هي تضم كفيها ببعض بتوتر شديد .
ملامحه الجامدة التي تراها بطرف عينها تخيفها وتوترها كثيرا .
تخاف مما ستسمعه منه .
لأنها حتى هذه اللحظة لم تسمع شيئا يصب في صالحها .
إن كان عليها أن تستغل تلك العلاقة من أجل مصلحة هيفاء ، عليها هي أيضا أن تستفيد !
حتى وصلا إلى أحد المطاعم وأوقف السيارة ، ليترجل وتترجل من وراءه .
سارت خلفه حتى دخلا إلى قسم العائلات ، وإلى الطاولة الخاصة بهما .
أزالت النقاب حين خرج ليتحدث إلى النادل .
احمرّ وجهها بإحراج حين دخل وبيدها المرآة ، حيث كانت تنظر إليها وتعدل شعرها .
جلس أمامها ووضع قبضته تحت ذقنه ومرفقه على الطاولة ، تأملها قليلا وأردف / أعتقد كل ملابسك زرقا ؟
نظرت نوف إلى كمها الطويل الظاهر من تحت كم العباءة ، ثم ابتسمت / يمكن ، أغلبها .
ابتسم لابتسامتها ثم قال بعد أن تنهد / أكيد تنتظري الكذبة اللي اخترعتها أو المناسبة مثل ما قلتي ؟
ارتبكت مجددا وهي تتذكر أسلوبها معه صباح الأمس ، واكتفت بالصمت .
ليث بجدية / صدمتيني يا نوف .
نظرت إليه بدهشة / كيف ؟
ليث / ما توقعت ولا واحد بالمية انك تكونين ضعيفة لهالدرجة ، أو على الأقل تصدقين اللي تسمعيه فورا ، من دون ما تتثبتين من الخبر .
أكمل بعد صمت قصير / أنا كنت متأكد انك سمعتي عني شيء ، لكن شيء بشع مثل اللي قلتيه أمس ، طبعا لا .. ما كنت مصدوم من الكلام كثير ما كنت مصدوم منك انتي .
تنهد وهو يقول بضيق شديد/ أنا كنت صريح في المرة الماضية، ما كان بيني وبين بنت عمي شيء غير اللي قلته لك، ما أدري عن مشاعرها سابقا والحين، بس أتذكر إنها قد هددتني إنها راح تخرب بيني وبين زوجتي مستقبلا، أشك انك سمعتي منها هي.
هزت نوف رأسها نفيا ووجهها محمر/ لا.
عقد ليث حاجبيه وصمت لبعض الوقت قبل أن يقول/ أيا كان هذا اللي سمعتي منه، تأكدي إنه ما يتمنى لك الخير.
رفعت عيناها إليه بضعف وهي تبتلع ريقها، ثم ولته جانب وجهها بصمت.
استغرب ليث أكثر من ملامحها تلك ، ليمسك بكفها ويسأل / نوف ، أبيك تكونين صريحة معي وصادقة ، أنا صحيح غلطت يوم خبيت موضوع زواجي قبل ، بس مثل ما قلت لك لأنه ما عاد يهمني ، بس بعد كذا وعدت نفسي إني أكون صادق معك على طول ، ما تقدرين تسوين هالشيء إنتي ؟
استمرت نوف بالسكوت ، ليكمل هو / بصراحة أنا جدا مستغرب منك ، إلى الآن مو عارف كيف أحدد شعوري تجاهك ، مرة تكونين هادئة ومرة تفقدين صوابك وتصيرين إنسانة ثانية ، جاوبيني بأي شيء .
زفرت نوف بصوت مسموع قبل أن تقول / أنا آسفة لأني أسأت الظن … و ، ماني عارفة إيش أقول والله ، بس من جد آسفة ، أوعدك إني ما راح أصدق أي شيء قبل لا أتأكد منه .
ليث بجدية / لا تكونين ضعيفة كذا .
هزت رأسها إيجابا وهي تسحب كفها منه ثم تقف / بروح دورة المياه .
لفت حجابها وخرجت بخطوات مسرعة ، حتى استقرت بدورة المياه .. دخلت إلى أحد الحمامات وأغلقت الباب .
أزاحت الغطاء عن وجهها لتمسح دموعها التي لم تتوقف سريعا .
كل ما مرّ يوم ، ومرت هي بموقف ما .. اكتشفت جانبا جديدا من شخصيتها .
كل جانب أضعف من سابقه .
كأنها بالسابق كان تتغطى بقشر رقيق مزيف .
لذا صارت المواقف توضح حقيقتها !
كانت متأكدة تماما أن ليث بالفعل كان يحب ابنة عمه ، والآن بعد أن قال بضع كلمات صارت تصدق العكس !
حتى متى ستظل هكذا ؟
صار صدرها يعلوا ويهبط فجأة ، وجسمها يصبح ساخنا حين تذكرت هيفاء .
أعماها الحقد تماما .
هي من وضعتها في هذا الموقف ، وهي من تذيقها هذا العذاب .
إن استمعت إليها أكثر ، ستتجرأ على إزعاجها أكثر بالتأكيد .
عليها أن تضع نصيحة ليث نصب عينيها ( لا تكوني ضعيفة كذا ) .
مسحت وجهها بقوة وخرجت ، لتغسل وجهها وتمسحه ثم تعيد لف حجابها .
عادت إلى ليث وهي تشعر بالتوتر الشديد .
حتى جلست أمامه مخفضة رأسها بخجل .
رفعت رأسها أخيرا لتقول / بصدقك هالمرة ، وأتمنى فعلا توفي بوعدك لنفسك وتكون صادق للنهاية .
ابتسم لها ليث وهز رأسه إيجابا .


عادت إلى المنزل بعد ساعتين ، وهي عازمة على فعل ما رغبت به بشدة حين كانت في المطعم .
كان المجلس مفتوحا ، سمعت بعض الأصوات الصادرة منه .
دخلت وألقت السلام على عمر وابناء إحدى شقيقاتها ، لتقف بجانب الباب / عمر أبي أكلمك بموضوع .
نهض عمر بعد أن ترك يد لعبة الفيديو ، واتجه إليها مستغربا / إيش صاير ؟
أمسكت بيده / تعال فوق .
صعدت إلى الأعلى وهو خلفها ، حتى دخلا وأغلقت الباب .
جلست على الأريكة مترددة ، تفرك يديها بقوة .
فكرت كثيرا وهي بالسيارة ، هل تخبره أم لا .
قررت أخيرا أن تفعل .
كانت ترغب بالتضحية بسعادتها وحياتها الطبيعية من أجل عمر ، من أجل سعادته .
كانت تظن أن سعادته ستكون برفقة هيفاء .
ولكنها للتو أيقنت أن ذلك كان خطأ .
هيفاء وإن بقيت معه حتى آخر العمر ، لن تنجب له الطفل الذي سيسعده .
لن يكون سعيدا إن علم أن زواج شقيقته الصغيرة كان من أجله هو !
سيغضب كثيرا بالتأكيد .
لذا ، ألا ينبغي عليها أن تنهي هذا وتتفادى غضبه منها منذ الآن .
قاطع عمر تفكيرها / نوف ، تكلمي إيش عندك ؟
أغمضت عيناها بقوة قبل أن تفتحهما مجددا وهي تقول دون أن تنظر إليه / كنت صادق ، لما قلت إنه فيني شيء يوم الملكة .
نظر إليها بصدمة وتعجب / وش قصدك ؟
نوف / ما أجبرت نفسي ، بس ما كنت مرتاحة أبد .
عمر / سمعتي شيء عن ليث ؟
هزت نوف رأسها نفيا / لا ، في سبب ثاني .
أكملت بعد صمت قصير / ترددت كثير قبل لا أقول لك ، وإلا الآن مترددة وخايفة ، بس أحس لازم تعرف الحين ، ما أبيكم تتزاعلون انت وهيفاء ، بس لازم تعرف يا عمر ، وأنا آسفة .
عقد عمر حاجبيه من كلامها الغير مرتب / تكلمي يا نوف .
شجعت نفسها أخيرا على النظر إليه / هيفاء هي اللي أجبرتني على الزواج .
قطب جبينه بتعجب / شلون ؟
عضت نوف شفتها بضيق / تذكر هذيك المرة لما راحت بيت أهلها زعلانة ومو ناوية ترجع ، ثم رجعت مرة ثانية ، وارحت ورجعت ؟ ما تدري إيش صار فيها .
أكملت بغصة / كنت أنا بموت من إحساسي بالذنب ، وإلى الآن يا عمر ، ندمانة على اللي صار .. وحسيت إني السبب في إنها راحت بيت أهلها ، أدري قد إيش تحبها وما ودك تخسرها ، عشان كذا صار هالشيء .
زاجت تقطيبة جبينه وهو يسمع ما تقوله ويحاول إستيعاب ذلك / نوف تكلمي كويس ، رتبي كلامك أنا مو فاهم شيء !
ابتلعت نوف ريقها تقول بصعوبة / هيفاء قالت إنها راح تسامحني ، وراح ترضى تكمل معك إذا … إذا تزوجت وخلفت ، وأعطيها ولدي أو بنتي .
نظر إليها لبعض الوقت فاغرا فاه بذهول وغير تصديق ، ثم ضحك / إحنا في فيلم ؟ وش اللي قاعدة تقوليه يا نوف ؟ إيش هالكلام الغبي ؟
نهضت نوف من مكانها واقتربت منه ، جلست وأمسكت بكفه / أرجوك يا عمر لا تزعل مني ، أنا كنت بكمل من دون ما أخبرك عشان هيفاء تقعد ، خفت تصير بينكم مشاكل وأكون أنا السبب ، يكفي إني كنت سبب فقدانكم بنتكم .. بس .. كل ما مر يوم حسيت إني أختنق أكثر عن اليوم اللي قبله ، تعبت والموضوع لسه في بدايته .
أبعد عمر كفها عنه / نوف ! انتي غبية ؟ وش هالكلام اللي تقولينه ؟ تسمعين نفسك ؟
هزت نوف رأسها والدموع تتجمع بعينيها / آسفة .
فزت حين نهض عمر وهو يصرخ / آسفة على إيش ؟
نهضت معه وهي تنظر إلى الأسفل ، ليمسك بعضدها بقوة / وش هالغباء ؟ أنا فاعلا عاجز أستوعب اللي قاعدة تقولينه ، وانتي تقولين آسفة ؟
نزلت دموعها وهي ترفع رأسها تنظر إليه بوجل .
ليكمل ووجهه محمر / انتوا بزران ؟ وش هالكلام السخيف؟ الحين هيفاء رجعت عشان انتي وعدتيها تعطينها ولدك بعد ما تتزوجين وتنجبين ؟ عشان كذا جايبة لك عريس من طرفها ؟
هزت رأسها بالإيجاب ، ليضحك بغير تصديق وهو يترك يدها / وانتي بكامل قواك العقلية ؟ كيف ضمنتي موافقة ليث ؟ كيف توقعتي إنه ممكن يرضى يعطي ولده لغيره ؟
نوف / ما فكرت كثير ذاك الوقت ، كل اللي كان هامني إنه هيفاء ترضى ترجع .
رفع عمر يديه وأمسك برأسه ، ثم ضحك مجددا / أنا أبصم بالعشرة إنه حتى الأطفال ما راح يفكرون بالطريقة الغبية ، وش صابك ؟
نوف بهدوء / يمكن الحين استوعبت وصحيت من اللي كنت فيه ، بس عمر … أرجوك ، لا تزعل من هيفاء ولا تسوي مشاكل ، أرجوك .. هي أم يائسة وزعلانة من فقدناها بنتها الصغيرة اللي جات بعد انتظار طويل ، كانت تبى أي شيء يريحها .
عمر بغضب / بس ما تحاول تستغلك بهالطريقة الغبية ، اللي ما يستوعبها انسان عاقل !
اقتربت منه نوف وأمسكت بيده بحنان / أرجوك عمر ، أنا الوحيدة الغلطانة ، إذا في أحد لازم تزعل منه فهو أنا ، ما قلت لك إلا لأني حاسة اني فعلا تعبانة ، ومستحيل أقدر أخدع ليث .
ضحك عمر بغير نفس / طبعا ، لأنها خطة في منتهى الغباء ، ما أدري شلون جات في بالكم .
سكت قليلا ثم أكمل / وهيفاء … هيفاء ، راح تتحاسب على خطأها بعد .
أبعد نوف عنه واتجه ناحية الباب ، لتسرع نحوه بعينين متسعتين ، خائفة مما قد يفعله دون تفكير .

____________


أظلمت الدنيا بالفعل ، وهي لا زالت بعيدة عن عائلتها وبيتها .
لا تدري إلى أين عليها الذهاب .
أنهكها التعب والجوع ، حيث لم تتناول شيئا منذ الصباح .
كرهت أن تأكل ما لمسته يد ذلك الخبيث اللعين سلمان .
مر يوم ونصف بالضبط ، أو ستكمل يومين وهي لم تضع شيئا بفمها سوى الماء !
كان عليها أن تأكل وتتقوى على الأقل !
حتى لا تنهار وتسقط بهذا الشكل مرارا وتكرارا ، وتحدث هذه الكدمات في أماكن مختلفة من جسدها الواهن .


سقطت جالسة مجددا ، وتأوهت حين احتكت يدها بالأرض الخشنة .
رفعتها وهي تحاول النظر إليها من خلال بعض الأنوار الخفيفة المنتشرة في أنحاء ذلك المخطط الحديث .
تشعر بالرعب يدب في أوصالها ، تخاف أن يخرج أحد من تلك المباني فيؤذيها .
كانت تفتقر الثقة إلى الغرباء على أي حال ، بالطبع ستنعدم الثقة أكثر بعد أن حصل ما حصل الآن !
في لحظة ما تمنت لو أنها بقيت بداخل الشقة ، ولم تخرج وتضيع بهذه الطريقة .
فالأمان ضائع على أي حال .
ولكن لو كانت هناك وفعلت ما قاله سلمان ، وخدعته .. لتمكنت من العودة على الأقل .
حينها كانوا اخوتها سيتصرفون بالتأكيد .
ولكنها لا تُلام ، لم تكن في موقف يسمح لها بالتفكير جيدا .
كل ما كان يهمها هو ان تفر من سلمان، ولا يُعاد ما خصل تلك المرة.
استجمعت قواها مجددا بعد أن زفرت أنفاسها ، ونهضت تسير ببطء وعلى غير هدى ، وهي تترنح من شدة التعب والوهن .
تسارعت دقات قلبها واتسعت عيناها حين أبصرت أنوار سيارة آتية من بعيد .
ابتلعت ريقها وهي تبتعد إلى جانب الطريق ، وتختبئ خلف صخرة كبيرة نوعا ما .
حتى اختفت السيارة بعد أن مرت من جانبها .
لتتأفف بعد ذلك ، هل كان عليها طلب المساعدة !
لمَ هربت إذا ؟ ولمَ هذا المكان خالٍ بهذه الطريقة المفجعة .
اتكأت بظهرها على الصخرة وأغمضت عيناها ، لتتبلل وجنتيها مجددا ، وهي تضع يدها على صدرها وتدعوا الله من كل قلبها أن ينقذها ويخرجها من هذه المصيبة .
بعد مضي بعض الوقت ، وبعد أن حاولت تقاوم الخوف وتطلب المساعدة من أي من يمر من الشارع ، ولم تتمكن من ذلك .
استودعت الله نفسها وهي تعود إلى المبنى الذي به شقة سلمان .
ستخبره أنها موافقة للزواج به بعد أن يعيدها إلى عائلتها ، ثم لكل حادث حديث .
بما أنه لا توجد أي حيلة مع ضعفها ذلك !
الآن فقط فهمت وعرفت الحقيقة ، وهي عائدة إلى وكر الثعلب .
أن نفسها حقيرة وضعيفة للغاية .
وأنها لا تستحق العيش في هذه الحياة .
التي لم تفعل بها شيء سوى قبول الضعف والهوان .
لو كان اللعن حلالا وجائزا ، لربما لعنت نفسها ألف مرة .. والعياذ بالله من لو ، وما تؤدي إليها ( لو ) !


رفعت رأسها تنظر إلى الشقة المضاءة أنوارها وهي تبتلع ريقها .
ترقرقت عيناها مجددا ودقات قلبها تتسارع أكثر ، حتى ظنت أنه ربما سيتوقف بعد قليل بسبب ذلك .
التفتت إلى الخلف حيث الطريق الذي أتت منه ، وهزت رأسها نفيا مرات عدة وهي تبصر سيارة سلمان .
لتسرع الخطى خلف المبنى .
وتختبئ هناك ، وهي تشتم نفسها مجددا .
إن بقيت تتردد وتختلف مع نفسها هكذا ، ستموت لا محالة !
الآن لا تعتقد أنها ستتمكن من الذهاب أمامه !
لا تأمن جانبه أبدا ، لن تثق به وبخطته الحمقاء بالتأكيد .
نعم ، تفضل الموت على العودة إليه .


___________


في السابق..

كان حبه ليُمنى لم يكن عاديا .
بل أشبه بالهوس .
في تلك القرية الصغيرة التي لا تضم إلا أقاربه وأبناء قبيلته ، وبعض الذين لا ينتمون إلى القبيلة ، إلا أن الجيرة كانت أقوى من الروابط العائلية بالتأكيد .
كانت هي ، هي فقط من تلفت انتباهه منذ أن كانت طفلة رضيعة .
لم يكن جمالها عاديا على الإطلاق ، كانت كفلقة القمر .
حتى أن البعض كانوا يمازحون عائلتها فيقولون أنها طفلة متبناة من عائلة أعجمية من الغرب .
لشدة اختلافها عنهم جميعا .
لا أحد ينكر أنها اكتسبت ملامح والدتها ، ولون بشرة والدها .
إلا أنها بالفعل كانت مختلفة للغاية ، جميلة للغاية ، فاتنة للغاية .
لذا لم يمر يوم لم يذهب به إلى منزل عمه لرؤيتها .
كان يلازم منزلهم في الأحيان القليلة .
كان سعيدا حين لم يجد من يهتم بها أكثر منه !
أو ربما لم يلحظ ذلك !
حين تذهب إلى الخارج يراقبها عن بعد .
حتى يتمكن حمايتها من أي من يحاول التعرض لها .
ربما يُمنى لا تتذكر تلك الأشياء الكثيرة التي فعلها من أجلها ، ولكنه حقا تعرض للضرب مرات عديدة من بعض المراهقين في ذلك الوقت ، بينما كان هو بمفرده يحاول ضربهم بسبب تحدثهم عن يُمنى !
شتم نفسه كثيرا على غفلته عنها حين حاول البائع اغتصابها ، إلا أنه كان سعيدا إذ أدركها قبل فوات الأوان .
لكم كان فرحا حين مدحه عمه وشكره ألف مرة ربما ، وظل كذلك .. ممتنا له كثيرا لوقت طويل .
حتى بعد أن صدمه وحطم قلبه ، حين زوجها بعايض !
عايض .. الشخص الذي كان يغار منه لحب جميع أعمامه له ، ثم هذا الأمر .. جعله يحقد عليه أكثر .
لمَ كان عايض وليس هو؟
تحمل الأمر بصعوبة .. ولكنه بالتأكيد لم يتمكن من قبوله .
لذا لم يفارق منزل عمه ، وحاول أن يستفز عايض كلما رآه .. لربما يترك له يُمنى ويرحل بعيدا .
ولكن الآخر كان يبدوا متشبثا بها للغاية ، لا يدري ما السبب .. هل من أجل وصية عمه ؟ أم شيء آخر !
ما أغضبه كثيرا أيضا ، أن يُمنى كانت تكن مشاعرا غير عادية لعايض !
حقا لم يتمكن من فهم السبب ، بالرغم من انها كانت تشكوا له تصرفاته التي تغضبها .
تلك الشقية لم تكن تفهم لتلميحاته أبدا .
لذا وبعد مُضي بعض السنوات ، وأصابه اليأس..
ثم أتته الفرصة على طبق من ذهب، وأتته هي بقدميها .. لم يتمكن من تفويت تلك الفرصة على الإطلاق !
أحاطت به الشياطين من كل جانب، فلم يقدر على الفرار من تلك الرغبة .
فحصل ما حصل ، وضيع حتى تلك الفرصة الضئيلة في أن يتمكن من الزواج بها بعد أن يجعل عايض يطلقها رغما عنه بطريقة أو أخرى .
ليت الشائعة التي تدور حتى الآن عنه وعن يُمنى ، بأنه جذبها من يدها فقط بينما منزلهم خاليا ، كانت صحيحة !
لتمكن من إثبات براءته ثم الزواج بما أن عايض طلقها فور أن سمع عنها ذلك الأمر .


قبل ساعتين ..

بقدر لهفته على نيله ليُمنى ، كان متلهفا على سماع خبر ولادة زوجته آمال .
لذا ما إن وصله إتصال زوجة أخيها ، ترك كل شيء خلفه وهرع إلى الخارج دون أن يفكر بـأي شيء.
ولكنه بالتأكيد لم ينسى إغلاق الباب حتى لا تهرب منه .
ولكنه ما إن سار بعض الطريق تذكر إخوة آمال ، وأنهم ربما سيقطعونه إربا حالما تسنح لهم الفرصة لفعل ذلك .
لذا أكمل طريقه إلى تلك المدينة ، ولكنه لم يذهب إلى المستشفى .
بل بقي ينتظر بضع ساعات حتى بعد انتهاء وقت الزيارة ، لكي يضمن إمكانية ذهابه بينما المكان خالٍ تماما إلا من زوجته وعهود.
حين اطمأن خاطره اشترى بعض الورد والحلويات ، وذهب إلى المستشفى فرحا سعيدا .
على الرغم من أنه كان خائفا ، إلا انه اضطر على تجاهل ذلك الشعور .
ولم يكن لديه أي خيار سوى أن يثق بعهود !
ولكنه ما إن اقترب من هناك ، ونزل من سيارته حاملا تلك الأشياء .. انقض عليه من لم يتوقع رؤيته على الإطلاق !
وأخذ يضربه ويركله على مختلف أنحاء جسده ، حتى أوقفه والده بعد أن أمسك به من الخلف / يكفي مساعد ، لازم يطلع من هنا حي ، سوي فيه اللي تباه بعد ما يأخذنا ليُمنى .
رفع رأسه بصعوبة ينظر إليهما ، سعود ومساعد إبنه .
كان مساعد يلهث بشدة ووجهه محمر تماما ، أما سعود فكانت ملامحه جامدة .
رغب بالهروب من أمامهما ، ولكن ذلك مستحيلا ..
مساعد وسعود لم يكونا بمفردهما ، بل هناك آخرون غيرهما .. أحد إخوة يُمنى ، واثنين من أبناء اخوتها .
لم تكن لديه أي فرصة للتفكير ، حين انقض عليه مساعد مجددا وضرب خده بقبضته بقوة ، ثم جعله ينهض .
دفعه نحو سيارته بعد ذلك / اركب وخذنا ليُمنى ، الحين .
لا يدري ما الحماقة التي جعلته ينطق بما نطق ، حين قال بصوت منخفض / مين قال لكم إنه يُمنى عندي ؟
اتسعت عينا مساعد للحظات ، قبل أن يصرخ ويلكمه مجددا / والله يا سلمان إنك لا تصير جثة على يدي لو حاولت تتلاعب وتلف وتدور ، الحين تودينا عندها ، أو تعلمنا وينها واحنا نتركك لأخوان زوجتك اللي ينتظرون مع الشرطة .
التفت إلى ناحية ما ، ليلتفت هو معه ويبصر اخوة آمال ، اتسعت عيناه حين رفع أحدهم صوته بغضب / ما عليك خلصوا شغلكم معه ثم سلمونا إياه .
ابتلع ريقه وهو يعاود النظر إلى مساعد ويهمس / يُمنى مو عندي ، ما أعرف وينها .
اقترب منهما سعود يقول بحدة / يعني سبحان الله ما اختفت إلا يوم ظهرت انت فجأة وعرفت عنك بنتي ؟ وما تدري وينها ؟ علمنا بسرعة وينها قبل يبكون عليك أهلك .
ضحك سلمان بقهر رغم خوفه وارتعابه ، بالطبع الآن ليست لديه أي فرصة للهروب أو الكذب ، وهو محاط بأعداءه أجمعين !
ولكنه حقا إن نطق وأعلمهم عن يُمنى ، سيفقد فرصته الأخيرة للعودة إلى حياته الطبيعية !
إلى تلك الدرجة كان يائسا في تلك اللحظة ، ويتمنى أن تحصل معه معجزة تمكنه من الفرار منهم بأي طريقة حتى يعود إلى يُمنى ويقنعها بفكرته الحمقاء للغاية !
نطق بسخرية / وإذا ما قلت ؟
التفت حيث اقترب أحد إخوة آمال ، والذي ربما لم يبلغ العشرون سنة / أقدر أعرف من جواله وين كان .
نظر إليه مساعد للحظة قبل أن يخرج هاتف سلمان من جيبه ثم يمسك بإبهامه ويجعله يفتحه ، ثم يرميه على الشاب بعد ذلك .
كان ماجد مهووسا بالأجهزة الإلكترونية ، ويعرف كل شيء يخص الالكترونيات.
تعلقت عينا سلمان بذلك الشاب وهو يشتمه ويسبه بداخله ، خاصة وأنه يشبه آمال كثيرا .. لأنه لم يكن سوى تؤامها .
يذكره بزوجته ، ويجعله يتحسر ألف مرة في آن واحد .
انتهى ماجد في غضون عدة دقائق ، ليناول الهاتف لسعود قائلا / كان بهالمكان قبل كم ساعة .
نظر إلى سلمان بقهر / خلهم يرجعون بنتهم ، والله لا أشرب من دمك يا خسيس .
ويبدوا أن تلك العبارة لم تكفيه لإفراغ غضبه ، حين اندفع ناحيته وأبعد مساعد ثم أخذ يضربه بكل غضب.
دون أن يدرك أنه بفعلته تلك سنح لسلمان فرصة الهروب من قبضة مساعد القوية .
ولكن الآخر ما إن تحرك ونوى الهروب أمسك به شقيق يُمنى ، وأدخله بسيارته بمساعدة ابنه/ بجيبه معي اسبقنا مساعد بنجي وراك.
ماجد الذي أمسك به ثامر بغضب / مجنون انت ؟ بعد شوي راح يكون عند الشرطة ، إيش راح تسوي إذا اتهمك بالإعتداء .
ماجد الذي لم يتمكن من منع نفسه على الإنفعال بتلك الطريقة / خليه يموت على يدي وأنسجن ما همني ، كيف تجرأ يكذب على أختي ويخدعها .
هز سعود رأسه بأسى ثم ربت على كتف ثامر وابتعد مع الآخرين .
سعود والآخرون لحقوا بسيارة مساعد الذي قادها متجها حيث الموقع الذي تشير إليه الخريطة بهاتف سلمان .


وصلوا إلى هناك خلال نصف ساعة تقريبا .
كان سلمان منهك القوى ، تؤلمه الكثير من أعضاء جسده .
خاصة وجهه الذي تلقى به الكثير من اللكمات ، حتى من ذلك المراهق !
حتى توقفت السيارة أمام المبنى ، أخرجه شقيق يُمنى بالقوة .
وجعله يقودهم إلى شقته .
اتسعت أعينهم جميعا حين وجدوا الباب مفتوحا ، وبقعة من الدماء بجانب الباب!
تسارعت دقات قلوبهم جميعا من الخوف ، سلمان أكثرهم بالتأكيد .
ابتلع ريقه وهو يسرع إلى الداخل ، والأخرون خلفه .
اتجه ناحية الغرفة التي كانت بها يُمنى ، خرج منها حين وجدها خالية .
ثم صار يفتح أبواب الغرفتين الأخرتين ، أبواب دورات المياه .. المطبخ الذي كان مفتوحا ، وبعض الأدوات على الأرض بعشوائية .
عاد إليهم بوجه شاحب / ما هي موجودة .
نظروا إليه بعينين متسعتين ، ثم تفرقوا بعد ذلك يبحثون عنها .
بعضهم بداخل الشقة نفسها ، والآخرون في المبنى .


___________


لا يدري بأي سرعة قاد سيارته ، وهو يتجه نحو الموقع الذي أرسله مساعد منذ لحظات قليلة .
حتى وصل خلال خمس دقائق .
ترجل من سيارته بعد أن أوقفها بجانب السيارات الأخرى ، ورفع هاتفه يتصل بمساعد .
ولكنه قبل أن يتمكن ، لفت انتباهه صوت خطوات صادرة عن يمين المبنى .
ثم صوتها المنخفض ، وهي تنادي بإسمه / عايض .
اتسعت عيناه بدهشة وصدمة وهو يبصرها ، وحالتها التي بالتأكيد لا تسر حتى العدو .
أعاد الهاتف إلى جيبه ببطء وهو يقول بصدمة / يُمنى !
نظرت إليه بوهن ورجاء ، قبل أن يسرع نحوها ينظر إليها وحالتها المزرية .
ليشهق وهو يرى يدها اليسرى التي تحولت إلى الأحمر من الدماء !
وما إن وصل إليها حتى أظلمت الدنيا بعينيها مجددا ، وسقطت على الأرض بقوة، مغشيا عليها .
وضج المكان بصوته وهو يصرخ بإسمها مفجوعا.


__________


انتهى الفصل



أتمنى يعجبكم
وأتمنى تعذروني للمرة الأخيرة إذا تأخرت عليكم في تنزيل الفصل الجاي
لأني جدا حايسة والترم على وشك ينتهي ، واحنا ضايعين تماما
والله المستعان



أميرالز likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 11:04 PM   #66

زهرة٢٠١٨

? العضوٌ??? » 421501
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » زهرة٢٠١٨ is on a distinguished road
افتراضي

رجعي يمنى لعايض حتى لو غصب يكفي 💔😢

زهرة٢٠١٨ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-20, 11:50 PM   #67

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير يا حلوات
إن شاء الله الليلة في بارت
طبعا قاعدة أعلمكم الحين عشان أجبر نفسي على إكمال البارت
بعد ما انتهيت من أعمال السنة
وقبل لا نبدأ الإختبارات النهائية الله يستر منها
طلع هذا ما هو البارت الأخير
الأحداث الباقية ما تكفيها بارت واحد
خلوكم قريبين
وإن شاء الله يعجبكم البارت

وحابة أعترف لكم إنه التأخير والتباعد بين البارتات مو فقط عشان الإختبارات ولا عشان غياب الإلهام
أنا خلال السنوات الماضية كتبت كثير أشياء واحتفظت فيها لنفسي
هذي الرواية هي الوحيدة اللي طلعت للناس
والأحداث متعبة نفسيا بالنسبة لي ، جدا متعبة
عشان كذا أقعد كثير على حدث واحد
لحاجة في نفسي ربما سأذكرها لاحقا

كثرت كلام
المهم خلوكم قريبين
إن شاء الله برد على تعليقاتكم قريبا



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-04-20, 02:10 AM   #68

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثامن عشر

_________


تمسك هاتفها بيد مرتجفة، مرتبكة وخائفة ولا تدري ماذا حصل حتى الآن.
كل ما تعرفه أن مساعد منشغل، منشغل للغاية ليهتم بأمرها.
لذا عليها أن تتأكد بطريقة ما.
تجلس بجانب باب السطح منذ ما يقارب الساعة، وقلبها يخفق بسرعة من الخوف الشديد.
إن نفذت طيف تهديدها قبل أن يصلوا إليها فريق الجرائم الإلكترونية.
ستصبح هي في عداد الموتى بالتأكيد.
الجميع بالخارج الآن، والدتها ذهبت إلى حسناء، ولينا ذهبت إلى نوف التي طلبت رؤيتها.
عاطف وعايض خرجوا للبحث عن يُمنى.
التي هي الأخرى تنتظر خبر إيجادها بفارغ الصبر.
تلك المسكينة حتى متى ستعاني، ويعاني معها شقيقها!
غطت وجهها بكفها بإرهاق، لتفزع من صوت ضحى العالي، والآت من الأسفل / يمه لا يكون خطفوك بعد يا نجد، وينك يا أختي الحبيبة ؟
ضحكت وهي تنهض بوهن وتنزل بخطوات بطيئة، ارتفع صوت ضحكاتها أكثر وهي ترى وجه ضحى المحمر والفزع من الخوف، وهي تفتح الباب تلو الآخر / أنا هنا.
تأوهت ضحى ثم تنهدت براحة / يمه بغيت أموت من الخوف ، حسبت انك انخطفتي مثل يُمنى .
فاجأتها حين نزلت وعانقتها .
حينها لمعت في بالها فكرة / ضحى أكيد طفشانة لأنك اضطريتي تجلسي عشاني؟ إيش رايك نطلع أنا وانتي؟
ضحى / وين بنروح ؟ لا يا نجد تكفين ، أخاف انخطف .
نجد / بلا دراما ضحى ، يلا روحي البسي عبايتك ، بعشيك على حسابي ، يلا ولا ترى بغير كلامي الحين .
لم تنهي عبارتها إلا وضحى بداخل غرفتها ترتدي العباءة .
ضحكت نجد وهي ترتدي عباءتها ، ولا زالت مترددة .
لا تعرف إن كان ما تنوي فعله صائبا أم لا .
ولكنها حقا خائفة ، وتكاد تموت من الرعب .
كيف لا وصورها بيدي إنسانة مجنونة؟
وقفت بجانب الشماعة عدة لحظات قبل أن تزفر أنفاسها المختنقة ، ثم تأخذها وترتديها .
كانت ضحى تنتظرها بجانب الباب ، حين انتهت حملت حقيبتها وهاتفها وخرجت .
ظلت ضحى تلح عليها لمعرفة وجهتهما ، لذا أخرستها قائلة / بنروح نتمشى بأي حديقة ثم نروح نتعشى ، أبي أشم هوا اختنقت .
انتظرتا السائق لبضعة دقائق ، لتخبره نجد بوجهتها بعد ركوبها السيارة .
شهقت ضحى بصدمة / ليش بتروحين لطيف؟
تجاهلتها نجد وهي تنظر إلى الخارج ، لتمسكها ضحى من عضدها بإصرار / أمانة نجد وش في بالك ؟ إيش تبين منها ؟ مو مساعد طلقها خلاص يعني ما عاد فيه علاقة بينك وبينها ولا بين أي أحد من عايلتنا .
التفتت إليها نجد تقول بهدوء / شوفوا البزر ، بس بتأكد من شيء وأرجع ما بدخل عندها .
ضحى بفضول / من إيش ؟ أمانة علميني .
أراحت نجد ظهرها على المقعد وأغمضت عيناها / اسكتي شوي بالله والله إني دايخة ، إذا وصلنا هناك بعلمك .
سكتت ضحى مرغمة ، وظلت هي مغمضة عيناها ، ولكن بداخلها الكثير من الأفكار .
كان حبها لمساعد صعبا من البداية ، بما أنه من طرف واحد ، ولا يعلم عنها ,
ولكنه الآن بات مستحيلا ، لا أمل منه !
بالتأكيد تغيرت نظرته تجاهها !
بعد مضي بعض الوقت ، حين وصلوا في منتصف الطريق .
وردها اتصال من فريق التحقيق والجرائم الإلكترونية ، توترت حين نظرت إليها ضحى / لو سمحت وقف هنا .
ضحى بإستغراب / ليش يوقف هنا ، نجد انتي صاحية ؟
أوقف السائق السيارة ، لتترجل هي بعد أن قالت لضحى / انتظري شوي .
اتسعت عينا ضحى وهي ترى هذه التصرفات الغريبة من نجد .
لم يكن بيدها حيلة سوى انتظارها بفارغ الصبر .
وما هي إلا لحظات ، حتى دخلت نجد مجددا وهي تضحك .
صدمتها أكثر حين عانقتها بقوة ، وصارت تبكي فجأة .
أبعدتها ضحى بدهشة / بسم الله نجد سلامات؟ إنتي بخير؟ عقلي بيطير من حركاتك الغريبة .
نجد وهي تمسح دموعها / روح لمول الــ …….
والتفتت إلى ضحى / والله يا ضحى إن تشترين كل اللي بخاطرك ، وتأكلين كل شيء تبيه ، يا ليت لينا معانا بعد ، لكن مو مشكلة بعوضها بعدين .
ضحكت وهي ترى ملامح ضحى ، وعيناها المتسعتان ، قبلتها وهي تقول بسعادة / بس نوصل المول بقول لك إيش صار معي ، بس اوعديني إنه هالشيء راح يكون بيني وبينك ، ما احد يعرفه من البشر إلا انتي ، تمام ؟
ضحى التي تكاد تموت من فضلها / تمام تمام ، خليه يسوق بسرعة ، والمخالفات عليك ، أهم شيء أعرف السالفة بموت والله .
ضحكت نجد ثم أغمضت عيناها براحة تامة .
حمدت الله بداخلها ألف مرة ، تمنت لو تمكنت من مشاركة فرحتها مع جميع من بالعالمين .
تشعر أن هم ثقيل للغاية انزاح عن قلبها وأراحها كثيرا .
بعد أن أخبرها الموظف أنه تم القبض على طيف ، ويجري التحقيق معها بشأن التهمة التي رفعتها نجد .

فور وصولهم إلى المركز التجاري توجهوا إلى المصلى بما أن آذان العشاء رُفِع .
صلتا الفرض ، ثم أتبعتها نجد بصلاة شكر .
بعد أن خرجتا وتوجهتا إلى مقهى بداخل المركز ، أخبرت نجد شقيقتها بكل ما حصل في الأيام الماضية .
فغرت الأخرى فاهها بذهول وعدم تصديق / كذابة ، كل هذا صار معك واحنا ما ندري ؟
نجد بصدق / أمانة ليش أعلمكم وأضيق صدوركم معي ، غير كذا اخواني وأبوي لو دروا ذبحوني ، بس أمانة ضحى مثل ما قلت لك ، لاحد يدري .. أنا أثق فيك ، لا تخيبين ظني .
هزت ضحى رأسها بإيجاب / مجنونة انتي ليش بعلم والموضوع منتهي خلاص ، بس أخاف طيف هذي تكون أدهى من كذا وتكون أرسلت لأحد .
نجد / كنت خايفة من هالشيء ، بس طمنوني قالوا انهم تصرفوا كويس .
ضحى / ما أعلم لينا حتى ؟ تدرين قبل النوم كل الأسرار تخرج من تلقاء نفسها واحنا ننام بغرفة وحدة .
ضحكت نجد / لينا قلبها رهيف لا تعلمينها ، بتقعد سنة كاملة حزينة عشاني ، خلاص الموضوع منتهي يا ضحى .
ابتسمت ضحى بمكر / أجل يبي لي أشكر طيف ، لو ما سوت اللي سوته ما تكرمتي عليّ بهالشكل اليوم .
ضربتها نجد على ذراعها بخفة / يا ناكرة المعروف دايم تأخذين مني فلوس زيادة على المصاريف اللي تأخذينها من أبوي .
ضحكت ضحى / أمزح أمزح ، يا ربي شكثر ارتحت والله ، الحمد لله .
تنهدت نجد براحة / إيه والله والحمد لله .
لم ترغب نجد بأن تخبر أحدا من عائلتها بما أن الموضوع منتهي بالفعل .
ولكن من بدأت معها هذا الأمر ، وهي بشرى .. ليست بجانبها الآن .
هي مشغولة بما يكفي لتزعجها .
غير أن ضحى أيضا عليها أن تعرف ما حصل بأختها حين أهملت الموضوع وصورت نفسها بتلك الملابس ، حتى وإن كانت الملابس محتشمة .. فعلى الفتيات الحرص دائما .
لعلّ شقيقتها الصغرى تتعظ وتبتعد عن ذلك ، فلا تعاني في المستقبل .

___________


منذ أن فتح معها بدر الموضوع ، لم يرتح بالها يوما واحدا .
أصبحت الأمور المزعجة تصبح واحدا تلو الأخر .
ليست معترضة على الإطلاق ، ولكنها حقا متعبة .
متعبة للغاية .
رؤيتها له بعد مرورها بكل تلك الأمور أتعبتها أكثر .
لذا أعطته الإشارة الأولى ليبتعد ، يبتعد تماما ولا يعاود الظهور أمامها .
تعرف جيدا أنه لا شيء أصعب من حب مستحيل .
لذا عليه أن يهرب بعيدا بينما لا يزال الموضوع في بدايته ، ولم يتعمق به كثيرا.
حتى وإن كان أخذها لإبنها مستحيلا ، ترغب بالمحاربة أكثر .
بعد أن خرجت من المستشفى برفقة والدها وشقيقها .
اقترحت على مساعد أن يتجه إلى الديرة ، بما أن يُمنى تحب منزلها أكثر من أي شيء آخر !
كان هناك أملا بسيطا ساذجا في قلبها .
ولكن ذلك الأمل قادها هي وشقيقها لاكتشاف مكان سلمان ، الآن حتما يمكنهم تصفية الحسابات جيدا !
والتخلص من شوائب الماضي .
علّ روح يُمنى تهدأ قليلا ، فتعود إلى عائض وتريح قلبه أيضا !


ترقد على سريرها منذ ساعة تقريبا ، بعد أن صلّت فرض العشاء وحتى الآن .
تترقب اتصالا من أي أحد ، يطمئنها بإيجاد يُمنى .
مثلها مثل بُشرى التي تجلس مع هنادي في الصالة .
كانت تجلس برفقتهم قبل الصلاة ، ولكن شعورها بالتعب الشديد جعلها تستأذن وتذهب عنهما .
وللتو أيقنت أن الجلوس بمفردها يجعلها تستمر بالتفكير وتتعب أكثر .
نهضت ببطء وملل وخرجت إليهم ، لتتفاجأ فور خروجها بأحدهم يطرق الباب .
اقتربت منه سائلة / مين ؟
أتاها صوت نجد / احنا يا حسنا .
فتحت الباب وابتسمت لها .
رفعت ضحى الأكياس التي بيدها / جايين بالعشا لا تموتون من الجوع .
ضحكت حسناء / يعني ما كنا بنتصرف ؟
اقتربن منها وسلمن عليها، حتى لينا التي مرت بها نجد قبل المجيء إلى هنا .
جلسوا جميعا على السفرة ، بعضهن يأكلون غصبا .
بُشرى التي ترغب بالإتصال بزوجها كل دقيقة ، ولكنها بنفس الوقت لا ترغب بإزعاجه .
نظرت إلى حسناء حين قالت بتعب / يا خي والله مخي بينفجر ، أبي أعرف على الأقل هم وين وإيش قاعدين يسوون .
بشرى بهدوء / كلمت سعود بعد الصلاة، قال لقوا سلمان وقفل.
نظرت إليها حسناء بدهشة لبعض الوقت قبل أن ترمي ما بيدها على الصحن بغضب / لا والله ، وما تعلميني شيء ؟
بشرى باستغراب / قلت لك ما قال شيء مهم ، قفل على طول باين انه مشغول ، ما حبيت أزعجه أكثر ، وأساسا ما راح يرد عليّ.
وقفت حسناء بوجه محمر / برضوا المفروض تعلميني بكل شيء ، تدرين إني على أعصابي وبموت وأعرف شيء .
بشرى بإحراج / اهدأي حسناء ، قلتي لنا انك تعبانة ودخلتي ، ما كنت بزعجك .
ضحكت بسخرية / طبعا بتلقين ألف حجة وحجة عشان ما تطلعين غلطانة .
غادرت الصالة تضرب الأرض برجلها من القهر .
لتضحك بشرى بهدوء / ما عليكم ، أكيد أعصابها تعبانة من اللي قاعد يصير ، أختها تعبانة وعمتها مخطوفة ، عن اذنكم بشوفها .
اتجهت ناحية غرفة حسناء وهي في غاية الإحراج ، من نظراتهم تجاهها ومن شعورهم بالإحراج هم أنفسهم .
ضحى بهمس بعد أن ابتعدت بشرى / يا ويلي ايش فيها حسناء أحرجت المسكينة .
وكزتها نجد بمرفقها لتصمت .


فتحت حسناء الباب وتفاجأت ببشرى / إيش تبين ؟
بشرى / ممكن نتكلم ؟
حسناء ببرود / ما عندي شيء أقوله .
بشرى وهي تدخل عنوة / أنا عندي .
نظرت إليها حسناء لبعض الوقت قبل أن تغلق الباب وتجلس / نعم .
بشرى بهدوء / لازم نحل هالخلاف اللي بيننا الحين ، الخلاف اللي ما له سبب .
حسناء بحدة / على كيفك ؟ مين قال انه ما له سبب ؟
تكتفت بشرى / وش هالسبب طيب ؟ نوريني حسنا ، لأني ما أعرفه وتعبت وأنا أحاول أعرفه ، تمام زواج أبوك بوحدة قدك تقريبا كان شيء صادم ، عذرتك هذاك الوقت ، بس الحين بعد ما مر وقت طويل ما عاد أقدر أعذرك على تصرفاتك السيئة معي يا حسناء .
حسناء / الحين هذا موضوع تتكلمين فيه ؟ هذا همك ويُمنى ما ندري وينها ، ميتة ولا حية ولا إيش صار معاها .
بشرى بنبرة حادة للمرة الأولى مع حسناء / إيه هذا همي الحين ، أنا زوجة أبوك بمثابة أمك ولازم تحترميني .
نهضت حسناء بإنفعال ووقفت أمامها / مين انتي حتى تحطين نفسك بمكان أمي ؟
بشرى ببطء / زوجة أبوك ، لو كنتي زمان تتمنين انه يطلقني فاعتبري انه هالشيء مستحيل الحين ، بما إني حامل بولده .
نظرت إليها حسناء بدهشة / والله ! ما أدري قد إيش حاولتي واجتهدتي عشان ما تتطلقين ، لهالدرجة كنتي يائسة عشان تتزوجين رجال كبير عنده عيال؟ ما احد طالع فيك ؟
أجفلها ما قالته حسناء ، لطالما كان لسانها مسموما ، ولكن ليس إلى هذه الدرجة / تزوجته عشان يُمنى وعشان هديل ، كان مستحيل يلقى وحدة تهتم فيهم مثلي ، وانتي اللي تركتيهم كلهم ورحتي ، ترى أنا تعبانة وأتوجع عليهم أكثر منك ، عشان كذا احترمي نفسك واحترميني قدام الناس ولا عاد ترفعي صوتك عليّ ، مفهوم ؟
صمتت قليلا ثم أكملت / لو فعلا عند سبب مقنع لكرهك لي، علميني عشان أعذرك.
أبعدتها عن طريقها وخرجت ، تشعر بالحرارة تملأها كاملا وتخرج من أذنيها .
عضت حسناء شفتها وأغمضت عيناها بغيظ لكيلا تغضب أكثر .
قبل أن تتفاجأ بإتصال على هاتفها الذي كان على السرير .
أسرعت نحوه وقلبها يخفق بعنف ، ردت بسرعة حين وجدت المتصل مساعد / بشر ، لقيتوها ؟


__________


قبل ساعة ..

لم يصدق عيناه وهو يرى يُمنى بهذا المنظر الفظيع .
لم يتمنى يوما أن يراها بهذا الضعف ، وإن كانت ضعيفة على الدوام .. ولكن هكذا !
لا يتمنى هذا الشيء لعدوه ، أيرضاه إذا لها !
محبوبته ، بل روحه .
ركض ناحيتها حين سقطت وهو يصرخ بإسمها .
كشف عن وجهها مرغما وعيناه متسعتان من كمية العرق الذي يغطيه .
ضرب على خدها بخفة عدة مرات وهو ينادي بإسمها بخوف .
اتسعت عيناه أكثر وهو يرى ما لم يتوقعه ، يدها اليسرى لم تنزف القليل فقط ، بل الكثير .. الكثير من الدماء !
ليوقن أنها حاولت الإنتحار !
هل فعلا وصلت إلى تلك الدرجة من اليأس ؟
وصلت إلى تلك المرحلة من الضعف ؟
صرخ بإسمها مجددا وهو يمسك برأسها ويضعه على حجره ، والدموع تتجمع بعينيه دون أن يشعر .
حتى سمع خطوات من خلفه .
نهض بعد أن تركها بلطف .
وقف في مكانه يرتجف من شدة القهر والحزن والغضب .
تجمع الجميع حول يُمنى ، وهم بالكاد يصدقون ما رأته أعينهم .
انتبه إلى من خرج من المبنى ينظر إليهم بحذر ، ثم يسير مبتعدا كأنه يريد الهرب .
شعر بالدم يغلي في عروقه ، وقبضته تشتد تلقائيا .
اشتعل البركان في قلبه بعد رؤيته له بعد هذه الفترة الطويلة .
ومرّ شريط الذكريات أمام عينيه ، محاولاته الكثير في استفزازه ، الوضع في الديرة حين أتى ليبشر يُمنى ويخبرها بموعد اقترب الزواج ثم صدمته بما سمع ، منظر يُمنى حين ذهب إليها ، منظرها وهي تطلب الطلاق ، منظرها وهي تخبره بالحقيقة المفجعة .
كل تلك الأشياء جعلته يفقد أعصابه تماما ، ويركض نحوه دون أن يشعر .
حتى أمسك به من الخلف ، وأسقطه أرضا .
جلس على بطنه وبدأ يلكمه على وجهه بشدة ، يصرخ بغضب كالأسد الهائج .
انتبه سعود والآخرون إليه ، تكفل هو ومساعد وآخر بحمل يُمنى والتوجه إلى أقرب مستشفى .
بعد أن آمر الأخرون بالتصرف مع عايض وسلمان الذي كاد أن يموت بين يدي الآخر.
لم يتركه عايض إلا بعد أن سكن الآخر تماما ولم يعد يتوه أو يصرخ من الألم أو يقاوم .
شقيق يُمنى طارق وابنه الذين كانا يحاولان ابعاد عايض عنه ، وفشلا في ذلك .
اتسعت أعينهما بصدمة / شكله مات .
صرخ الشاب / عايض يا مجنون شكلك قتلته .
عايض وهو يلهث / حلال عليّ قتله .
أوقفه طارق بغضب وأمسك بياقة قميصه قبل أن يصفعه بقوة / اصحى يا خبل ، قتلت الولد الحين وش يطلعك من السالفة .
استوعب عايض وضعه بعد تلك الصفعة ، والتفت إلى سلمان بصدمة .
ابتلع ريقه وهو يرى جسد سلمان الساكن تماما ، والمضجر بالدماء .
أبعد طارق عنه وجلس على ركبته بجانب رأس الآخر ، ليمد يده المرتجفة ناحية عنقه .. ويلمس عروقه .
اتسعت عيناه وهو يجلس على الأرض بصدمة .


الآن ..
في الطوارئ..
حيث يجلس سعود وابنه وابن أخيه وهم في غاية التوتر والخوف .
ينتظرون خروج الطبيب والممرضين الذين هرعوا إليها ما إن سمعوا أنها قطعت وريدها !
التفتوا إلى الباب حين سمعوا بعض الضجة ، وانصدموا وهم يرون طارق وابنه .
أسرع سعود ناحيتهم واتسعت عيناه بصدمة وغير تصديق وهو يرى منظر سلمان الذي بعث به الرعب ، التفت إلى أخيه / وش صار ؟ ما قدرتوا توقفون عايض؟
طارق / عايض مجنون ما قدرنا نوقفه ، شكله ما عاد فيه عظم صاحي .
سعود / مات ؟
طارق بتوتر / ما في نبض ، يعني .. شكله مات ، بس .. بس بيتأكدون .
قالها وتنهد بضيق من التوتر والخوف ، سأله سعود / وين عايض ؟
طارق / أخذته الشرطة ، بيحققون معه .. عاد إذا هالحيوان صدق مات بيروح فيها.
قبل أن يرد عليه سعود، خرج الطبيب الذي كان عند يُمنى .
أسرعوا ناحيتها ليسألوا عن حالتها .
طمأنهم حين قال أنهم تمكنوا من التصرف بما أنهم لم يتأخروا كثيرا .
حينها فقط تنهد الجميع براحة .
والآن مرت نصف ساعة منذ أن نقلوها إلى احدى الغرف ، حيث طلب منهم سعود أن يضعوها في غرفة خاصة ، ومنع الزيارات تماما .. أمرهم ألاّ يسمحوا بدخول أي أحد، كائنا من كان .
حتى أنه طلب حارسا يحرس الغرفة من الخارج !
لن يسمح بالمزيد من الأشياء السيئة أن تحدث لشقيقته الصغيرة .
التي تأذت بما يكفي لتفكر بالإنتحار !
وإن كانت تلك الأشياء ليست عذرا لذلك اليأس والقنوط المؤدي إلى تلك الفعلة الشنيعة .
أرسل الجميع إلى المنزل، فهم جميعا متعبون للغاية.
خاصة مساعد الذي خرج منذ صباح الأمس، يشك في أنه تناول شيئا أو أغمض عيناه على الأقل.
وبقيَ هو..
يجلس في الخارج بحيرة وحزن.
غير قادر على النهوض والدخول إليها.
يشعر بالعجز فجأة، هل حقا كان مقصرا إلى تلك الدرجة؟ مهمل؟ حتى وصلت إلى الحافة؟
يشعر بأنه سيفقد عقله من زيادة التفكير.
كل مرة يجد أن الإحتمالات تؤديه إلى فكرة مؤذية ومزعجة للغاية.
هل ربما.. آذاها ذلك اللعين، واغتصبها مجددا؟
أخبرته الممرضة أنه لا يوجد في جسدها أي أثر يدل على الإعتداء، ولكن لمَ؟
ما الذي أوصلها إلى تلك الحالة!


أغمض عيناه بضيق، ثم نهض فجأة بقوة يقبض كفه بغضب.
قبل أن يلتفت إلى الحارس ويقول بحدة/ مثل ما قلت لك ، إياك تسمح لأحد يدخل ، حتى لو قال انه من العائلة .
أومأ الحارس بإيجاب، ليتنهد هو بصوت مسموع ، ثم يغادر المكان .
متجها إلى مكتب الإستقبال .
يسأل عن المريض سلمان .
ليخبره الموظف أنه تم نقله إلى العناية المركزة ، فهو في حالة حرجة للغاية .
ما تلقاه من ضرب لم يكن هينا على الإطلاق .
لا يدري هل يفرح أم يحزن .
بأن تلقى من أودى بحياة شقيقته إلى الهاوية شيئا مما يشفي غليله .
ولكنه بالتأكيد ليس كافٍ!
سلمان عليه أن يذوق العذاب طوال حياته .
حين التفت ينوي العودة إلى حجرة يُمنى ، تفاجأ بحمود ووالدته وإحدى شقيقاته يدخلون ويتجهون نحوه .
أسرعت والدة سلمان إليه / وين ولدي ؟ وش سويتوا فيه ؟
نظر إليها طويلا بحدة قبل أن يقول بسخرية / شوي من اللي يستحقه يا عمتي ، باقي ما شاف شيء.
اتسعت عيناها بصدمة قبل أن تقول بغضب / إيش تقول انت ؟ والله يا سعود لو صار فيه شيء ما تلوم إلا نفسك .
نظر إليها بدهشة قبل أن يقول بنبرة أقرب للهمس / تسترك عليه وشفقتك اللي ما لها داعي هي اللي وصلته لهالمرحلة ، ادعي انه يموت ، لأنه لو بقى حي ما احد راح يفكه من يدي ، لا أنا ولا اخوان زوجته .
انصدمت أكثر وهي تسمع هذا الكلام منه .
لم تتوقع أبدا أن يعلم أحدا بزواجه !
من أين سمع ؟
سأل حمود / زوجته ؟
التفت إليه سعود رافعا حاجبه بحدة / طبعا انت ما تدري عن شيء ، غافل عن أهلك تماما ، لكن صدقني يا حمود لو عرفت انك تدري وساكت لا يصير مصيرك مثل أخوك .
حمود المصدوم تماما ، من سؤال سعود عن سلمان أولا ، ثم سماعه عن اختطافه ليُمنى ، ثم اتصال أمه التي استنجدت به ليوصلها إلى المستشفى ، والآن سماع هذا الشيء ، هل لديه زوجة أيضا / والله يا عمي إني ما أدري عن شيء .
هدأ سعود قليلا ليسأل / وين هديل ؟
حمود / كتبوا لها خروج ووديتها عند حسناء مثل ما طلبت .
والدته التي أوشكت على فقدان أعصابها بغضب شديد وصوتها ارتفع قليلا / الحين احنا جايين نتكلم عنها ؟ اسأل من الموظف وين أخوك .
هز حمود رأسه قبل أن يتجه إلى الموظف ليسأل ، والتفت سعود إليها مجددا قائلا بتهديد / لا احد يتجرأ يحيك شيء من ورانا ، لأنه والله ما راح تستفيدين شيء غير انك تزيدين فترة عقوبة ولدك اللي تسترتي عليه قبل خمس سنين وتسببتي في الحالة اللي وصلت لها يُمنى ، والحين بعد مدري وش فكر فيه الغبي ووش اللي سواه عشان تحاول اختي انها تنتحر ، أنا أحذرك .
سكت قليلا حين شهقت أسيل بصدمة، ليكمل بعد ذلك / أساسا الشرطة بنفسها راح تراقبه حتى لو كان على وشك الموت .
أنهى كلامه وغادر والأرض تضيق به من كل جانب ، حتى شعر بأسيل تأتي خلفه ، ثم تنادي بإسمه بخفوت / سعود ، لو سمحت .
التفت إليها بهدوء / نعم .
أسيل وهي تطرق بنظرها إلى الأرض بضيق / اسمح لي أشوفها .
سعود بحدة / ليش ؟ وش بعد ناويين تسوون فيها ؟
أسيل / معاك حق يا ولد عمي لو كنت معصب مننا كلنا ، بس تكفى بشوفها مرة وحدة بس ما بطول ، أرجوك .. عندي كلام أبي أقوله ، ومن خمس سنين وهو محبوس في صدري ، أبي أرتاح .
سعود بتساؤل / أي كلام ؟ إيش تعرفين؟
هزت أسيل رأسها نفيا / ما راح أقوله غير ليُمنى ، لو سمحت .
وقف يفكر للحظة قبل أن يقول بعدم إقتناع / تعالي وراي ، بس إياك تأذين يُمنى بأي شكل ، ما تقولين أي شيء ممكن يضايقها ، وإذا لقيتيها نايمة تطلعين بهدوء .
أسيل / أبشر .


تبعته حتى وصلا إلى الغرفة المنشودة ، وجعل الحارس يسمح لها بالدخول .
ليجلس على المقعد منتظرا .
دخلت أسيل إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها .
أغمضت عيناها من شعور غريب مرّ بها ما إن وضعت قدميها بداخل الغرفة .
شعور مهيب ، خاصة حين رأت جسد يُمنى الساكن على السرير .
والسكون يلف المكان بطريقة مخيفة .
ابتلعت ريقها وهي تتقدم منها بخطوات بطيئة ، حتى وقفت على يمينها .
تجمعت الدموع بعينيها حين رأت وجهها المتعب بشكل فظيع .
بدت كما لو أنها فتاة أخرى غير يُمنى .
كل تلك المصائب لم تتمكن سوى من روحها وعيناها دون وجهها ، أما الآن فكل خط وكل تقسيمة من تقاسيم ذلك الوجه الفاتن ، وكل تعبير حتى لو كان بسيطا ، يعبر عن ألمها الشديد .
عن اليأس الذي حلّ بها حتى صارت هكذا .
ألم غير عادي ، ذلك الذي شعرت به حين سمعت سعود يتفوه بما لم تتوقع سماعه ، أن يُمنى حاولت الإنتحار !
والسبب ، شقيقها !
يُمنى عانت طوال حياتها ، ولكن كان لشقيقها النصيب الأكبر في السبب .
مدت يدها نحوها بتردد ، تلمس وجهها بكل حزن وكأنها تعتذر .
نيابة عنها وعن والدتها وشقيقها .
الذي تتمنى لو لم يكن كذلك !
تعتبر نفسها مسبب لتلك الآلام أيضا .
قبل خمس سنوات أتت يُمنى فحصل بالمسكينة ما حصل .
وقبل الأمس هربت بسببها فحصل ما حصل الآن أيضا .
جلست على المقعد بضعف وهي تجهش بالبكاء بعد أن وضعت رأسها على طرف السرير .
تود لو أن يُمنى تفتح عيناها الآن ، فتعتذر منها .. تطلب منها السماح ، علّها تشعر بالراحة .
الله وحده يعلم كم عانت منذ ذلك اليوم .
كم تقلبت في الفراش في محاولة للنوم .
نعم ، لم تتمكن من إغماض عينيها جيدا طوال تلك الفترة .
شعور الذنب يقتلها كل يوم ، دون أن تملك أدنى حيلة في دفع ذلك بعيدا عنها !


__________

منذ الأمس ، حلّ بها جمود غير طبيعي .
لم تتحرك من مكانها سوى لقضاء الحاجة .
لم تأكل شيئا ولم تشرب رغم إصرار من حولها .
إلا أنها بقيت ثابتة .
تتمنى لو أنها تغادر العالم الآن ولا تمر بهذا الشعور الفظيع .
لا تشعر بهذا الألم الغير محتمل .
لا تشعر بالوجع الذي شطر قلبها إلى نصفين .
منذ فترة قصيرة وحين دخلت في الشهور الأخيرة من حملها ، تمنت لو يطول ذلك الحمل ولا تلد!
حتى لا يقع الطلاق فتُحرم منه إلى الأبد .
تُحرم من حبها الوحيد .
بالرغم من أنه أوجعها كثيرا بحقيقته وخيانته ، وعادت إلى منزل والدها بإرادتها ، إلا أنها كثيرا ما كانت تشتاق إليه وتحن .
كانت تتمنى لو أنها لم تتسارع وتتركه قبل أن تعطيه فرصة واحدة على الأقل .
أما الآن فهي نادمة أشد الندم على كل تلك المشاعر .
على كل لحظة أمضتها وهي تفكر في ذلك الحثالة !
على كل يوم مرّ بها وهي مشتاقة إليه .
على كل لحظة تمنت بها رؤيته .
فهو حقا لا يستحق ذرة من مشاعرها .
لمَ إذا منحته كل تلك الأشياء ؟ كيف ولمَ أحبته أصلا !
لمَ أضاعت شيئا من عمرها عليه ؟
تريد أن تبكي ، أن تصرخ وتخرج ما بها من قهر وغلّ .
ولكنها غير قادرة ، تشعر أنها مقيدة .. مقيدة تماما لا تتمكن من فعل شيء على الإطلاق .
مرّ يوم كامل تقريبا على ولادتها لطفلها الذي لم تبصره بعد .
أتت إليها عهود مرات عديدة ، تحاول أن تقنعها برؤيته ، ولكنها ترفض .. مدعية التعب والوهن .
ها هي دخلت إليها مجددا بعد أن غابت لدقائق قليلة ، اقتربت منها تتنهد بضيق / آمال يا قلبي قومي لو سمحتي ، كلي كم لقمة ، أدري مو حابة تأكلين أكل المستشفى عشان كذا طلبت لك أكل صحي ولذيذ من برة ، يلا يا قلبي قومي كُلي .
ظلت صامتة وساكنة بلا حراك كأنها لم تسمعها .
لتقترب عهود وتجلس على يمينها / أنا صدق ما أدري إنتي ليه قاعدة تعاندين ، إيش اللي مخليك بهالحالة ، مو معقولة إلى الآن فيك تعب أمس .
نظرت إليها بطرف عينها واكتفت بالصمت مجددا .
عهود بملل / يلا آمال تكلمي على الأقل قولي شيء ، نفسيتك في الحضيض وما أشوفك مبسوطة بالولد مع انك كنتي متحمسة .
ابتسمت بسخرية / ولدت وتطلقت ، تشوفين الموضوع يستاهل إني أفرح ؟
نظرت إليها عهود بدهشة / يعني طول الوقت متضايقة وساكتة عشان هالموضوع ؟
التزمت آمال الصمت مما زاد من حيرة عهود التي فضلت الصمت هي الأخرى .
وعدم التحدث في الموضوع أكثر .
ربما وقع الطلاق موجعا لها بالتأكيد ، بما أنها لم ترغب به منذ البداية !
ولكن آمال صدمتها بما قالت / ليش ما علمتيني ؟
عهود / إيش ؟
آمال بهدوء / اللي صار بسلمان ، خطف بنت عمه ، ومسكوه أخوانها واخواني .
اتسعت عينا عهود بدهشة وتلعثمت / وانتي من وين عرفتي ؟
آمال / ماجد كلمني واتس ، قال انهم قاعدين ينتظرون اخوانها يخلصون منه عشان يعاقبوه على اللي سواه فيني هههههههه .
عهود بحزن على حالها / وانتي زعلانة عليه ؟
ابتسمت مجددا بسخرية / أحزن عليه ؟ ليش ؟
أكملت بعد صمت قصير / أتمنى يموت ، لا .. أتمنى يذوق أقسى أنواع العذاب ويتمنى الموت ولا يموت ، الله يأخذه ، كنت أنتظره وصلاحه على الفاضي ، بالنهاية أسمع مثل هالخبر ؟ خطف بنت عمه بيوم ولادة طفله .
عضت شفتها هي تسمع دموعها العصية / الله يأخذه ، أنا ليش حبيت واحد زيه ، كيف وثقت فيه .
اقتربت منها عهود ومسحت على ذراعها بحنان / خلاص موضوعه انتهى يا آمال ، راح ينال عقابه ، لا عاد تفكرين فيه وتعورين رأسك ، ما يستاهل .
آمال بنبرة مختنقة / مو قادرة يا عهود ، مو قادرة أوقف عقلي عن التفكير فيه ، تعبت .
تنهدت عهود بضيق ، قبل أن تتفاجأ بآمال تجهش بالبكاء بصوت مسموع .
رفعت رأسها تنظر إلى الباب حين فتحه أحدهم .
كان ذلك ثامر .
الذي أسرع نحو شقيقته مصدوما / إيش صاير آمال ؟ إيش فيك ؟
ازداد بكاءها وهي تسمع نبرته الحنونة ، وترى نظرات الخوف بعينيه .
بل نظرات جميع اخوتها الذي دخلوا وراءه واقتربوا منها بعد خروج عهود .
كانت تلك اللحظة مناسبة جدا لتندم أشد الندم على كل ما فعلته بهم ، على عنادهم لهم وعصيانها وتمردها من أجل من لا يستحق .
حاولت أن تتوقف عن البكاء لكيلا تقلقهم ، إلا أنها لم تتمكن .. بل ارتفع صوتها أكثر حين اقترب منها ثامر أكثر وضمها إلى صدره / اهدأي يا قلبي اهدأي وفهميني السالفة ، إيش فيك ؟
شدت على ذراعه ودفنت وجهها بصدره دون أن تتفوه بشيء .
مرّ بعض الوقت قبل أن يلتفتوا إلى الباب ، حين طرقته الممرضة وفتحته .
ابتعدت آمال عن ثامر ودفعته عنها ، وجلست بقوة كأنها ممسوسة بشيء ، حين سمعت الممرضة تقول أن الطفل بحاجة إلى أمه ، وأنه مضى الوقت المناسب لفعل ذلك أساسا .
احمرت عيناها بطريقة مفجعة وهي تشد على طرف بطانيتها وتصرخ بغضب / شيليه من هنا وانقلعي .
اتسعت أعينهم وهم ينظرون إليها بدهشة وغير تصديق .
الممرضة باستغراب / عفوا ؟
آمال بنفس النبرة / اللي سمعتيه ، شيليه من هنا لا عاد أشوفه مرة ثانية .
ثامر / حطيه وروحي .
نظرت الممرضة إلى آمال قبل أن تقترب بتردد وهي تدفع العربة الصغيرة الخاصة بالطفل ، لتفزع من صرخة آمال العالية / قلت لك شيليه من هنا ما تسمعين ؟
ثامر للمرضة / خلاص اطلعي .
خرجت الممرضة بخطوات سريعة وهي مندهشة مما حصل للتو .
أما آمال فغضبت أكثر / ليش ؟ قلت ما أبي أشوفه ، شيلوه من هنا لا أذبحه .
أحد اخوتها بغضب / آمال هدّي ووطي صوتك ، إيش فيك على الولد .
نظرت آمال إلى الطفل الذي ارتفع صوت بكاءه هو الآخر .
وأجهشت بالبكاء مجددا، تقول بضعف / تكفون ما أبي أشوفه ، خذوه ودوه لأهل أبوه أنا ما أبيه .
شقيقها بحدة / وش ذنبه تعاقبيه على أغلاطك يا آمال ؟ إيش ذنبه يتحمل نتائج أخطائك .
رفعت آمال قدميها وضمت ركبتيها إلى صدرها بضعف ، يؤلمها قلبها على سماع تلك العبارات من شقيقها ، بل تتألم لأنها تعرف أنها تستحق ذلك .
أغمضت عيناها وعضت باطن شفتها بقوة وهي تسمع صوت طفلها الذي يرتفع أكثر فأكثر .


__________



مضى يومين بالفعل على ما حصل ..
تحسنت بهما نفسيتها أكثر من السابق .
كيف لا وقد حلّت أغلب مشاكلهما ، وتخلصت من همومها .
قبل الأمس وحين غضب عمر ونوى الذهاب إلى هيفاء ، لحقت به بسرعة وأمسكته وهي تترجاه وتبكي / أرجوك عمر لا تسوي كذا ، لا تخرب حياتك وحياتها .
عمر الذي احمرت عيناه من شدة الغضب / اسكتي يا نوف ، أي حياة هذي ؟ لما بالنهاية أكتشف إنه زوجتي قاعدة عندي وتستغل أختي عشان مصلحتها ؟
هزت نوف رأسها نفيا بعد أن نظرت إلى الأرجاء / مو عشان مصلحتها يا عمر والله مو عشانها ، قلت لك إنها كانت حزينة لدرجة انها ما كانت قادرة تفرق بين الصح والخطأ ، إذا أنا عمتها ودخلت في حالة نفسية كيف عنها وهي أمها اللي جابتها بعد انتظار 10 سنين ؟ عمر صح يمكن خطتنا غبية وفاشلة ، بس كلنا كنا نبي شيء يريح قلوبنا ، أنا متسببة بموتها وبحزنك ويأس هيفاء ، وهيفاء بس فقدتها فقدت روحها ، كنا يائسين لهالدرجة ، لدرجة إنه عيوننا صارت عميا عن الواقع .
عمر بضعف / كنتوا بتنسون مع مرور الأيام ، الحياة بتمشي يا نوف .
نوف بنبرة مختنقة / تخيل ننسى يا عمر ، أنا ما أبي أوجعك .. بس صدق ، تخيل ننسى أوجاعنا وكملنا حياتنا ، إيش عن رند الصغيرة ؟
أجفل عمر وهو يسمع هذا الكلام الموجع من نوف .
نوف ووجهها غارق بالدموع تماما / كنت بعاقب نفسي طول العمر ، كنت بتحمل والله كنت بتحمل ولا أنسى وجع اللي صار ، بس ما قدرت ، ما قدرت أخدع ليث ، أنا آسفة .
ربط الحزن المفجع لسان عمر الذي لم يتمكن من الرد عليها .
رفع رأسه حين أمسكت نوف بكفيه / أرجوك عمر ، افهمها عشان رند وعشانها وعشان رند ، لا تروح هالحياة كلها وانت خسران كل شيء ، قالت لي هيفاء مرة انك أوجعتها لما قلت لها بتطلقها وتخليها تشوف حياتها مع غيرك ، كأنها حست إنه خلاص ما عاد لك عندها شيء .
ابتلع عمر الطعم المر في حلقه وهو يقول ببطء / بس أنا قلت هالشيء عشانها ، أبيها تخلف وتنبسط .
نوف / بس هي تحبك وتبي تكمل معك يا عمر ، صبرت عشر سنين ما تقدر تصبر أكثر ؟
شدت على كفيه / إذا فعلا تحبها وودك تسعدها ، تعالج يا عمر .
نظر إليها بدهشة / أتعالج ؟ تدرين إنه مستحيل .
نوف / ليش مستحيل ؟
عمر بتردد / أوضاعي ما تسمح يا نوف .
ابتسمت نوف / إلا تسمح ، أنا من البداية فكرت إني أعطيك مهري هدية ، يمديك تتعالج .
هز رأسه نفيا وقال بحدة / وش هالكلام يا نوف ؟ انسي وخلي مهرك عندك .
نوف بإصرار / ما أقدر ، راح تأخذه غصبا عنك يا عمر ، ولا ما بسامح نفسي طول العمر .
عمر بغضب / نوف قلت لك خلي مهرك عندك ، ما بأخذ منه ريال واحد .. وأنا خلاص كبرت وحياتي ………
قاطعته نوف / لا تصير أناني ، انت تدري إنه اللي صار مو هين ورغم هالشيء هيفاء صابرة ، ما تستاهل انك تفرحها يا عمر ؟ ليه ما تبي مهري ؟ مستحي ؟ أنا ماني غريبة يا عمر ، أنا نوف بنتك ، صدقني أنا بحياتي كلها ما راح أنبسط ولا راح أكون سعيدة إلا إذا تعالجت وعوضت هيفاء بعلاجك بعد إرادة الله .
صمت عمر ينظر إليها لثوانِ قبل أن يقول بهدوء / ما أقدر يا نوف ، إذا ودك أتعالج فعلا ، بصبر كم سنة أجمع فيها المبلغ المطلوب و……..
قاطعته مجددا بحزن / اسمح لي أكفر ذنبي على الأقل ، أرجوك .
أطال النظر إلى عينيها المليئتين بالدموع ، قبل أن يجذبها إليه ويضمها بقوة ، يقول بإختناق / نوف لا عاد تلومي نفسك لو سمحتي ، هالشيء يوجعني كثير .
ضمته نوف بقوة وهي تبكي ، آلمها قلبها كثيرا وهي تشعر به يهتز ويبكي بصمت.
ولكنها سعدت كثيرا بذلك الوقت .
حين أخبرها أنه سيقبل بمهرها ، شريطة أن يعيده إليها فيما بعد .
مررت الأمر قائلة أنها موافقة ، وهي في قرارة نفسها لا تنوي أخذ قرش واحد منه.


لم تعلم هي ولم يعلم عمر في ذلك الوقت ، أن هيفاء كانت شاهدة على كل ما حدث .
وأنها بدورها انهارت تماما وبكت كما لو لم تبكِ من قبل .
فقد ابنتها وظلمها لنوف .
التي كانت صادقة بكل حرف نطقت به .
وكأنها حينها فقط استيقظت من غفلتها على الواقع ، وشعرت بحجم الغلط الذي ارتكبته .
وأنها تغيرت تماما عن هيفاء القديمة .
لكنها لم تعترف أبدا لعمر ولا لنوف ، ولم تخبرهما أنها سمعتهما .. ولم تعتذر .
فالجرح لا زال كما لو أنه جديدا .
غير أن كبرياءها لا يسمح لها بفعل ذلك على الإطلاق .
بالرغم من أن مبادرة نوف أسعدتها للغاية .

لم يهم نوف ذلك الشيء ، وهي أساسا لا تعرف أن هيفاء علمت عما فعلته .
المهم أن عمر حتى لو لم يبدوا عليه الرضا حاليا ، لم يفعل شيئا ولم يحاسب هيفاء.
وأنه بالتأكيد سيسعد مع هيفاء مستقبلا .
وأن بداية علاقتها بليث تبدوا جيدة ومريحة .


__________


يترجل من سيارته بعد أن أوقفها أمام مركز الشرطة .
تقدم برفقة والده حتى دخلا إلى الداخل .
اتجهوا ناحية طارق بخطوات مسرعة ، ليسأل راشد / وينه عايض ؟
أشار طارق إلى الحجرة التي بها عايض ، ليستأذنهم بعد ذلك ويغادر .
دخل راشد وخلفه عاطف .
ركض عاطف نحو عايض بلهفة وخوف ، بينما راشد نظر إليه من أعلاه حتى أخمص قدميه وكأنه يرغب بالإطمئنان عليه .
ثم اقترب من مكتب المحقق وجلس أمامه بعد أن ألقى عليه السلام .
جلس عاطف أمام عايض / بسم الله وش هالحالة اللي انت فيها ؟ وش مسوي ؟
نظر إليه عايض لبعض الوقت قبل أن يهمس غاضبا من بين أسنانه / ما ذبحته يا عاطف ، ما خلوني أذبحه ، ما صبروا لين يموت وأشرب من دمه هالخسيس .
عاطف بدهشة / أعوذ بالله يا عايض وش هالكلام ، صحيح غلط ومسكته بس ما ترتكب هالجريمة وتنسجن وتخسر حياتك عشانه .
أغمض عايض عيناه بغيظ قبل أن يفتحهما مجددا ويقول بعد أن اقترب من عاطف يقول بكل قهر / تخيل يا عاطف ، إني لما وصلت لهناك ولقيتها كيف كانت حالتها ؟ قطعت وريدها يا عاطف ، كانت تبي تنتحر ، لو ما وصلنا في الوقت المناسب كانت ميتة الحين وخسرناها للأبد .
اتسعت عينا عاطف بصدمة ولم يتمكن من قول شيء من الصدمة .
أكمل عايض بهدوء / ما أنكر إني خفت لما أغمى عليه وصار كأنه ميت ، بس صدقني حتى لو مات ما كنت راح أندم ، هالحيوان يستاهل أكثر من اللي جاه منا كلنا ، طبعا بنتظره لين يقوم ويشوف الويل الحقيقي .
أمسك عاطف بكفه بتحذير / عايض انتبه انت في مركز الشرطة ، أي كلمة ممكن تحسب ضدك ، أبوي قاعد يحاول يطلعك بكفالة على الأقل لين يقوم سلمان ويتحاسب ، لأنه أمه حلفت وقالت انها ما راح تسامحك ، وراح تأخذ حق ولدها .
احمرّ وجه عايض وشعر بضغطه يرتفع / وحق يُمنى مين بيأخذه من هالحيوان ؟
التفت عاطف إلى المحقق ووالده بإحراج / عايض !
عايض الذي لم ينتبه إلى نفسه ، أخفض رأسه وهو يستغفر .
ثم رفعه مجددا يسأل بقلق / طمنني على يُمنى ، عساك سمعت شيء ؟
هز عاطف رأسه بالنفي / لا والله ، بس قالوا انه حالتها مستقرة وما قالوا شيء ثاني ، ياخي توني أدري انها حاولت تنتحر ، إيش ممكن سوى سلمان .
زفر عايض أنفاسه الحارقة / لا تخليني أفكر يا عاطف والله حاس بدمي يحرقني ، ممكن أذبح أي أحد .
ابتسم عاطف يربت على فخذه علّ غضبه يخف قليلا / اهدأ يا رجال خلاص البنت بخير ، إن شاء الله إنها بتصير لك .
نظر إليه عايض بصمت ، عيناه تنطقان ألما كبيرا .
وهو يتذكر ما قالته يُمنى قبل أن تسقط مغشيا عليها .


التفتا إلى راشد حين نهض وقال / يلا يا عايض ، مشينا .
وقف الإثنان ، وروح عايض يلفها الضيق والحزن الشديدان .
حتى أنه يشعر بصدره مثقل ، وأنه غير قادر على التنفس .
ما إن وقع عايض على الورقة التي أشار إليها المحقق ، واقتربا من الباب حتى أوقفه مجددا / لحظة ، جانا إتصال من المستشفى .
نظر عايض إلى والده ثم إلى عاطف ، قبل أن يصدمهم جميعا ما قاله المحقق / ما راح تخرج ………


_______


انتهى الفصل
وأعتذر على قصره
حاولت بجد ، وهذا اللي طلع معي
كان ودي يكون أطول من كذا
إن شاء الله بعوضكم في المرة القادمة
أستودعكم الله
لا تنسوني من دعواتكم


أميرالز likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 11:09 PM   #69

زهرة٢٠١٨

? العضوٌ??? » 421501
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » زهرة٢٠١٨ is on a distinguished road
افتراضي

لا كذا حرام والله 😭😢😭😭😭😭😭

زهرة٢٠١٨ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-20, 07:32 AM   #70

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل التاسع عشر

________



تفتح عيناها ببطء شديد ، ثم تعود وتغلقهما مجددا حين آلمتها بسبب النور القوي .
سمعت صوته يقول متلهفا / صحيتي يُمنى ؟ أقفل لك الأنوار تعور عيونك؟
هزت رأسها إيجابا، وهي تشعر به ينهض بسرعة ليجعل الأنوار أقل سطوعا.
نظرت إليه حين جلس على المقعد بجانبها / فديتك يُمنى كيف حاسة الحين؟
ابتسمت بوهن / انت كيف حاس؟ شايف وجهك كيف صاير من التعب؟ وعيونك تفجع والله.
ابتسم لها بحنان / أهم شيء انتي تكونين بخير يا قلبي.
نظرت إليه بامتنان ثم عادت تغمض عيناها مجددا وهي غير قادرة على بذل أدنى جهد لتتنفس حتى .
أطال سعود النظر إليها وهي ساكنة بلا حراك ، لا شيء بها يتحرك .. سوى تلك الاهتزازات البسيطة بسبب تنفسها ، والتي تثبت له أنها ولله الحمد حية حتى الآن .
ظل كذلك منذ الأمس ، يتأملها وينظر إليها كما لو أنه لم يرها منذ زمن طويل .
وكأنه يخشى عليها حتى من نسمة الهواء لا تؤذيها .
مدّ يده إلى يدها بتردد وأمسك بها بحنان بالغ / طمني قلب أخوك يا روحه .
فتحت عيناها تنظر إلى السقف بشرود ، أو تحاول أن تتحاشى النظر إليه بالأصح / ما صار شيء .
نظر إليها باستغراب / شلون ؟
يُمنى بنبرة هادئة للغاية / ما صار شيء قبل خمس سنين ، ولا أمس وقبله ، تخيل ؟ كل اللي صار معي مجرد كابوس .
ربت سعود على كفها حين شعر أنها تريد الهروب من الواقع فقط / ما عليه يُمنى ، سلمان راح يتحاسب على كل اللي سواه ، ما راح يقدر يهرب من يدينا بعد الحين .
التفتت إليه بقوة / سعود أنا قاعدة أقول لك الحقيقة .
عقد حاجبيه باستغراب / وش قصدك يُمنى ؟ وش تقولين مو فاهم عليك .
يُمنى بملامح متصلبة للغاية / أمس ، أسيل كانت عندي صحيح ؟
سعود / إيه ، وأنا سمحت لها تجيك ، قالت لي إنك كنتِ نايمة وما قدرت تكلمك .
يُمنى / تكلمنا ورجعت نمت .
سعود بتساؤل / طيب ؟
ابتسمت يُمنى بسخرية / سلمان ما سوى لي شيء لما خطفني ، بس كان يبيني أقول لكم إني أبي أتزوجه ، إنه وده يرجع يعيش حياته الطبيعية مع أهله .
رفع سعود حاجبه بحدة / وبعدين ؟
يُمنى بنبرة مؤلمة للغاية / تخيل ، أمس … أسيل تقول لي ، إنها كانت موجودة في بيتهم هذاك اليوم .
اتسعت عينا سعود بصدمة وهو يقول / وش تقولين ؟ أسيل كانت موجودة ؟
هزت رأسها بخفة / إيه .
كان قلبها يخفق بعنف في تلك اللحظة ، وهي تتذكر الموقف الذي حصل بالأمس ، ثم تسرده على شقيقها .



كانت مغمضة عيناها وجسدها ساكن تماما ، لا يصدر أي شيء يوحي بأنها على قيد الحياة.
لا تشعر بأي شيء حولها .
حين دخلت إليها أسيل كانت لا تزال غائبة عن الوعي ، أو ترفض الاستيقاظ لمرارة الموقف الذي مرت به قبل أن تفقد وعيها .
حتى عاد وعيها على صوت بكاء أسيل الخافت .
واهتزازات جسدها على سريرها .
فتحت عيناها بصعوبة وهي تشعر بجسدها يتقطع من الألم .
وعيناها تحرقانها من الدموع التي ذرفتها قبل أن تصبح بهذا الوضع .
لتسأل بصوت منخفض للغاية / مين انتي ؟
رفعت أسيل رأسها بلهفة / يُمنى يا روحي إنتي بخير ؟
تفاجأت بها يُمنى / أسيل !
مسحت أسيل دموعها وهي تقول / الحمد لله على سلامتك ، آسفة إذا أزعجتك .
اكتفت يُمنى بالصمت وهي تغمض عيناها وتحاول تنظيم أنفاسها ، تحاول إبعاد ما يشتت ذهنها ويتعبها فور استيقاظها .
لتقاطعها أسيل قائلة بهدوء / سوى لك شيء؟ أقصد …. سلمان ؟
يُمنى بعد صمت قصير / من متى وانتم تتواصلون معه ؟ أو متى رجع لكم ؟ممكن أعرف ؟
تنهدت أسيل بارتباك / من زمان ، أذكر إنه ما قاطعنا إلا كم شهر ، يمكن .. أقل من سنة .
نظرت إليها يُمنى بعتاب / وظليتوا تتستروا عليه وتحموه إلى هاليوم ؟ لين سوى اللي سواه فيني ؟
أكملت وهي تضحك بسخرية / الفترة الأخيرة كانت مجنونة بالنسبة لي ، خاصة بعد ما انخطبت ، ما تدرين شكثر تعبت وأنا أعيش كل المشاعر اللي عشتها بعد اللي سواه فيني أخوك قبل خمس سنين يا أسيل ، كأنه عقلي كان قاعد يمهد لي اللي صار ، أقصد خطفه لي .
نهضت أسيل من مكانها وجلست بجانب يُمنى على طرف السرير تقول بنبرة صادقة / أنا أعتذر لك يا يُمنى من كل قلبي ، على كل شيء سواه سلمان حتى خلاك بهالحالة .
يُمنى وعيناها بعيني أسيل وبنبرة حادة / صدقيني الاعتذار لوحده حتى لو منه ما يكفي .
هزت أسيل رأسها إيجابا / أدري ، راح ينال عقابه ، ونال شوي من اللي يستحقه على قولة سعود .
عقدت حاجبيها باستغراب / ليش ؟ صار شيء ؟
أسيل / أنا ما عندي وقت أشرح لك كل شيء الحين يُمنى ، بس بقول لك كم كلمة وأمشي .
نظرت إليها يُمنى بترقب ، تنظر إلى ملامحها وهي تتغير وتتباين ، توضح صراعها الداخلي .
حتى أغمضت أسيل عيناها أخيرا ، وهي تنطق بغصة / ذاك اليوم ، أنا كنت بالبيت يُمنى .
شعرت يُمنى بقلبها تتوف نبضاته من شدة الصدمة / وش تقولين ؟

عضت أسيل شفتها بارتباك / كنا في بيت خالتي ، تعبت فجأة ورحنا لها كلنا ، لدرجة اني نسيت اللي طلبتيه مني ، صحيح جهزته وخليته عندي بالغرفة بس نسيت أوصل لك ، ويوم تذكرت رجعت لوحدي عشان أجيبها لك …. لما دخلت البيت تفاجأت من الأصوات اللي جاية من غرفة سلمان ، أصوات أشياء قاعدة تنرمي وتتكسر ، طلعت بسرعة أشوف ايش قاعد يصير ، يوم فتحت الباب انصدمت أكثر ، شفته هو بنفسه قاعد يرمي هالأشياء ووجهه أحمر من الانفعال ، سألته إيش صار وليش هو كذا ، مسكني وخرجني برة قال مو شغلي ، وقال لي لا أعلم أحد ، حتى ما أعطاني فرصة أعتب داخل غرفته أشوف الوضع ، والله يا يُمنى إني ما دخلت ولا شفتك أو شفت شيء ثاني ولا دريت عن شيء ، إلا بعد ما انتشر الخبر عنك وعن سلمان ، ومن ثاني يوم كان هو مو موجود ، هرب وصار اللي صار .
كانت يُمنى تنظر إليها بصمت وملامحها متصلبة ، حتى انتهت الأخرى من حديثها وهي تبكي ووجهها محمر ، لتسأل بجمود / طيب ؟ وش الفايدة من كلامك الحين ؟ إيش تبين توصلين لي ؟
أسيل بتردد / لما وصلت البيت كان منظر سلمان كأنه انسان طبيعي ، يعني … أقصد ما كان باين عليه شيء ، إنه ممكن … قرب منك مثلا .
يُمنى بشيء من الذهول / كيف يعني طبيعي ؟
أسيل بعد أن ابتلعت ريقها / أقصد انه كان مرتب يا يُمنى ، لو فعلا …. اغتصبك أو قرب منك كان راح يبان عليه هالشيء ، عشان كذا أنا وقتها ما اهتميت وخرجت ولا فكرت بالموضوع ، قلت يمكن كان معصب أو تهاوش مع أحد عشان كذا كان يبي يفرغ عصبيته بالغرفة ؟
أطالت يُمنى النظر إليها قبل أن تقول بحقد وغل / إذا تبين تبرئين أخوك قدامي عشان أسامحه ويطلع من الموضوع مثل الشعرة من العجين ، فتحلمين يا أسيل ما نلتي اللي تبغينه .
أمسكت أسيل يدها برجاء / صدقيني يا يُمنى أنا ما أكذب أو أحاول أبرأه ، أنا أكثر وحدة تبيه يتعاقب على اللي خلاك تمرين فيه انتي وعايض ، بس أبي أريح ضميري على الأقل ، والله تعذبت كثير خلال الفترة الماضية وأنا أشوف حياتكم تضيع انتي وعايض اللي ما له ذنب ، كنت شاكة بالموضوع من يوم سمعت الإشاعة عنك وعنه ، لكن كل ما مرت الأيام وشفت سلمان حاقد على عايض ويتمناك ويتكلم عن حبك حتى وأمي معصبة منه ، كل ما زاد يقيني إنه كل اللي صار تمثيلية علشان عايض يتركك وينالك هو ، مستحيل يأذيك وهو يحبك هالكثر .
ضحكت يُمنى بسخرية / يعني الحين هو استفاد من اللي سواه ؟ كل اللي كسبه انفصالنا أنا وعايض ، خسر حياته الطبيعية بعد اللي سواه ، كيف تقولين هالكلام الغبي اللي ما يدخل العقل يا أسيل ؟ بعدين أنا ….
أغمضت عيناها لصعوبة الكلمة التي تنوي نطقها ، والتي جعلتها تشعر بالسكاكين تمر بحلقها وتؤلمها حد الموت / أنا أتذكر اللي صار يا أسيل ، أنا متأكدة انه اغتصبني ….
أسيل / طيب ليش لما جيت ما كان لك حس ؟ ليش ما طلعتي صوت على الأقل ؟ ليش ما وضحتي لي انك موجودة عشان أطلعك من هناك ؟
أجفلت يُمنى من تلك الأسئلة التي لم تمر على عقلها .
شعرت وكأنها للتو تعود بذاكرتها إلى الوراء لتتذكر التفاصيل .
زادت حيرتها حين تابعت أسيل / ليش انصدمتي قبل شوي لما قلت إني كنت في البيت ؟ انتي ما تدرين عن جيتي ولا عن شيء ثاني ، كل اللي تتذكريه إنه حاول يغتصبك .
يُمنى بحيرة / طيب ليش ؟ إيش استفاد من اللي سواه إذا كنتي صادقة ؟ ما قدر يتزوجني بعد كل شيء ، بس …. خرب سمعتي وخرب اللي كان بيني وبين عايض .
أكملت بهدوء / هذي مجرد تخمينات يا أسيل بس عشان تقدرين تريحين ضميرك مثل ما تقولين ، ما في شيء من الحقيقة في كلامك .
عضت أسيل باطن شفتها / لا يُمنى ، أنا أتمنى إنك انتي ترتاحين وترجعين تعيشين حياة طبيعية ، سواء مع عايض أو مع غيره ، والله هذا كل اللي أبيه .
أدمعت عينا يُمنى وهي تقول بغصة / يعني قصدك ….. أمي ماتت مفجوعة من اللي سمعته مني وهو ما صار ؟ وخليت عايض يطلقني ويعيش كل هالوجع بسبة شيء ما صار ؟ وجعته كل هالسنين وتعبت معي كل اللي حولي عشان شيء ما صار يا أسيل ؟
نظرت إليها أسيل بقلة حيل دون أن تقول شيء .
ليرتفع صوت يُمنى قليلا قائلة بحدة / ليش طيب كنتي ساكتة كل هالوقت ؟ ليش خليتي عمري يضيع ؟ ليش خليتني أعيش كل هالحسرة والضياع ؟ وألوم نفسي طول حياتي على وفاة أمي ؟
بكت أسيل وهي تمسك بكف يُمنى وتضغط عليها برجاء / ما كنت عارفة كيف أتصرف ، ما كنت متأكدة من الموضوع ، ما بغيت أخرب الموضوع أكثر .
يُمنى بغضب / كيف كنتي بتخربين الموضوع ؟ إيش كان راح يصير أكثر من اللي صار ؟
أكملت بعد صمت قصير وهي تضحك وتبكي بذات الوقت / بس تطمني يا أسيل واعتبري إنه ما لك صلة بالموضوع أبد وأنا كمان مثل الفترة الماضية ، لأنه أخوك مو غبي لهالدرجة ، ولا كان راح يضيع خمس سنين من عمره وهو يعيش مثل المجرم الهارب على شيء ما سواه ، سلمان فعلا اغتصبني ، وأنا ما أتذكر اللي صار كويس لأني كنت شبه فاقدة للوعي ، ومهما حاولت ما أقدر أتذكر ، بس تدرين إيش اللي أثبت لي الموضوع ؟ غير العلامات اللي تركها بجسمي ، وهو نفس الشيء اللي خلى أمي تموت من الصدمة !
أكملت بهمس حارق وهي تشعر بجسدها يحترق من تلك الكلمة / إني كنت حامل .
عمّ الصمت أرجاء الحجرة ، وعينا أسيل متسعتان تماما ، تحت أنظار يُمنى الساخرة والمؤلمة بذات الوقت ، قبل أن تقطع يُمنى ذلك الصمت قائلة / والحين اخرجي لو سمحتي ، تأذيت منكم كفاية ، لا تحاولي تسوين أي شيء من الحين ولا تفكرين الموضوع ، أكثر شيء وجعني حتى الحين ، سكوتكم وتستركم على الحقير اللي حتى ما يستحق يكون على وجه الأرض ، اخرجي يا أسيل .
أسيل بغير تصديق / يُمنى تتكلمين جد ؟ كنتي حامل ؟
يُمنى بحقد وغل / إيه ، إيش شعورك الحين بعد ما عرفتي انك انتي وأهلك كنتوا تحمون مجرم وزاني ؟ كيف تحسين !
أخرس لسانها الصدمة ولم تعرف بماذا تجيب ، لتكمل يُمنى / طلب أخير منك ، لما تطلعين قولي للي موجود برة وأظن إنه سعود ، إني نايمة وما قمت أبد ، ما أبي أحد يعرف عن اللي انقال من شوي ، لأنه وقتها بتلحقين أخوك لو قاعد يتعاقب الحين مثلا ، ووالله يا أسيل لو أحد درى عن موضوع حملي إنك لا تندفين وانتي حية ، أحسن لك تبلعين لسانك وتسكتين وتكملين تمثيليتك اللي بدأتيها من خمس سنين ، إن شاء الله تموتين إنتي وأهلك وانتوا صدوركم ضايقة من تأنيب الضمير ومن إحساس الذنب .
أسيل التي تعجبت من قوة النبرة التي صدرت عن يُمنى ولم تتوقعها منها أبدا / يُمنى أنا ….
أخرستها يُمنى / اسكتي يا أسيل ما أبي أسمع شيء ، اخرجي برة .
نظرت إليها أسيل بقلة حيلة وحزن ، قبل أن تخرج من الحجرة ذليلة صاغرة ، تنتظر سماع شيء آخر من يُمنى ، يريح قلبها .
إلا أن يُمنى التزمت الصمت تمام حتى خرجت وأغلقت الباب خلفها .


عادت يُمنى إلى الواقع تقول بغصة / تخيل لو فعلا ما صار شيء مثل ما قالت أسيل ؟ صح يمكن الموضوع كان إيجابي ، بس كنت راح أظل ندمانة على كل شيء صار من ورى هالموضوع .
تنهد سعود بضيق / تعوذي من الشيطان يُمنى واستغفري ربك ، كل شيء راح يكون تمام لا تشيلي هم ولا تفكري كثير ، بس ريحي بالك واسترخي .
يُمنى / قدرتوا تمسكوه ؟
ارتبك سعود من سؤالها ، إلا انه ابتسم / إيه أبشرك .
ابتسمت هي أيضا ، وتغيرت ملامحها حين وقعت عيناها على الشاش الأبيض الذي يلف معصمها ، لتسأل بتردد / وعايض ؟ أظن اني شفته أمس ، ولا … تهيأ لي ؟ ما أدري .
سعود / صحيح كان موجود ، وهو أول واحد شافك .
نظرت إليه وكأنها تتنظر منه الإكمال ، إلا أنه غير الموضوع حتى بعد أن فهمها / ترى مديرتك درت انك بالمستشفى ، كانت تبي تكلمك عن شيء متعلق بالحفل ، والظاهر انها كلمت حسناء بعد ما عجزت توصل لك ، قالت لها انك تعبانة وبالمستشفى ، يعني احتمال تجي تزورك .
ارتبكت يُمنى بشدة / تكفى .
سعود وهو ينهض / للأسف الموضوع مو بيدي ولا كنت منعتها أكيد .
بروح أجيب لك شيء تأكلينه ، انتبهي لنفسك يُمنى أنا راجع الحين .
خرج بعد أن التفت إليها عدة مرات قبل أن يفعل ذلك .
لتتنهد يُمنى بضيق وهي تفهم مقصده .
رفعت يدها تنظر إلى معصمها الملفوفة بالشاش ، لتعض شفتها بضيق وتزفر أنفاسا حارقة .
لتغمض عيناها ، وتتمنى لو أنها تنام مجددا لوقت طويل .
ولا تعيش هذا الصراع المزعج ، بين عايض .. والشخص الذي ربما ستأتي والدته للاطمئنان عليها .


_________________


يرفع ذراعه عن عيناه بملل بعد أن ظل مستلقيا قرابة النصف ساعة.
صلى الفجر وعاد إلى شقته يريد النوم وإراحة ذهنه قليلا، إلا أن الأرق حرمه من ذلك.
ظلت الأفكار المزعجة تأتيه وتشغل ذهنه دون توقف.
حادثة يُمنى، ما فعله عايض بسلمان حتى أصبح وراء القضبان، و…. موضوع نجد بالتأكيد!
الذي انشغل عنه بسبب بحثه عن يُمنى، إلا أنه لم ينساه قط.
بما أن الأمر له صلة بطيف، معدومة الضمير والمشاعر.
سأل من بُشرى عبر رسالة نصية، عما إذا استجد شيء أم لا، لتخبره أن الأمور على ما يرام، وأنه لا داعي للقلق على الإطلاق.
لم يُتعب نفسه بالسؤال عن التفاصيل، فقط أغلق الخط وأغلق هاتفه ونام.
وما إن استيقظ حتى وجد باله منشغلا بها مجددا.
نهض من سريره ببطء وملل، قبل أن يأخذ هاتفه وينظر إلى الساعة.
خرج بعد ذلك من حجرته متجها إلى المطبخ بشعر أشعث، ولباس غير مرتب.
جلس على أحد الكراسي ينتظر غليان الماء، ينوي شرب القهوة، علّ هذا الأرق والتعب يتركانه وشأنه.
عيناه لا تبرحان الهاتف منذ جلوسه، لديه رغبة قوية في محادثتها هي شخصيا وسؤالها.
ولكن أيضا آلاف الأشياء تمنعه من ذلك.
رغبات مجهولة لا يستطيع فهمها .
حتى ضغط على رقمها أخيرا واتصل .
انتظر عدة ثوانِ قبل أن يحاول إغلاق الخط سريعا بسبب توتره الشديد ، إلا أن صوتها المبحوح أوقفه / هلا .
أغمض عيناه نادما على اتصاله دون التفكير جيدا ، ولكن كان لا بد من الرد حين قالت / مساعد انت معي ؟
تنهد يقول بخفوت / صباح الخير .
نجد / صباح النور .
ساد صمت قصير أربك الإثنين ، لتتحدث نجد أخيرا تسأل ببطء / بغيت شيء مساعد ؟
مساعد / كيف الأوضاع في بيتكم ؟ أكيد اللي صار مع عايض صدمكم ؟
نجد بضحكة / ما انصدمت ، كنت متوقعة الأسوأ .
ابتسم لضحكتها / شلون يعني ؟
نجد بصدق / مساعد انت ما تدري عايض شكثر يحب يُمنى ، وكان عايش طول هالسنين كأنه على نار ، يعني أكيد إذا لقى اللي عذبها هي واياه أكيد بيسوي كذا وأكثر ، ومتأكدة بعد انه مو ندمان على اللي سواه .
مساعد بابتسامة / واضح انك مرتاحة حيل .
نجد / هممم مرتاحة من ناحية انه سلمان الزفت انمسك أخيرا ، بنتظر الحلقة الأخيرة عشان أعرف إيش راح يصير فيه ، بنفس الوقت مقهورة انه امه مو راضية تسامح عايض ولا راضية تتنازل لين يقوم سلمان على قولتها ، يعني فعلا في ناس بهالعقلية إلى هالوقت من الزمن ؟ لا وكمان تقرب لي ، فشلتنا .
ضحك مساعد من انفعالها وحماسها / بس أنا ما أقصد هالموضوع ، أقصد … صورك ومشكلتك مع طيف .
يبدوا أنها ارتبكت هذه المرة ، إذ تلعثمت وهي تقول / إيه .. نسيت .
مساعد بتساؤل / نسيتي ؟ معناته خلاص الموضوع انحل ؟
نجد بابتسامة وراحة عظيمة / إيه الحمد لله ، أمس المغرب اتصلوا فيني وقالوا انهم مسكوها ويحققون معاها ، قالوا يبوني بعد أروح لهم يحققون بخصوص الصور وكيف وصلتها أصلا وإيش مشكلتي معاها ، يعني … الحمد لله .
تنهد مساعد براحة عظيمة / الحمد لله ، بس ما دامها عندهم ما أعتقد في داعي تروحين .
نجد / عادي ما عندي مشكلة ، وعدوني انه الموضوع راح يظل خاص ما حد يدري عنه من أهلي ، على قولتهم لازم يقتلعوا المشكلة من جذورها عشان ما تتكرر ، ما تدري شكثر ارتحت من كلامهم ، الحمد لله عندنا جهة رسمية تتعامل مع هالمواضيع كويس ، ولا والله يا مساعد كنت مذبوحة الحين ، يمه تخيلت وبغيت أموت .
احمرّ وجه مساعد من الضحك من تلك النبرة التي عبرت عن شعورها الحقيقي لو حدث العكس فعلا .
ضحكت معه نجد ووجهها يحمر من الإحراج .
حتى هدأ هو قائلا / خلاص تبتي الحين ؟ ولا لسه بتصورين ؟
نجد بجدية / أكلمك من جوال كشاف .
اتسعت عيناه باستغراب / تمزحين .
نجد / والله ، على الأقل بعاقب نفسي وأقعد من دون جوالي لفترة لين أنسى سالفة التصوير .
ابتسم مساعد / الله يقويك .
نجد بتردد / انت بخير ؟ صوتك تعبان .
مسح وجهه بإرهاق / الحمد لله ، باقي بس لو عايض يطلع بكون مرتاح تماما .
نجد / يارب بأسرع وقت .
مساعد / بإذن الله .
ساد الصمت المربك مجددا ، وقطعه مساعد هذه المرة / تمام أجل أخليك ، بس بغيت أتطمن وأعرف وين وصلت السالفة .
نجد / مشكور مساعد ، وأنا آسفة لأنه طيف حاولت تقحمك في الموضوع وتربطك فيها مرة ثانية بسبتي .
مساعد / ما عليك نجد ، انسي واسترخي .
نجد / إن شاء الله .
أغلق الخط مبتسما ، وضحك مجددا وهو يتذكر ردودها وانفعالاتها .
لينهض من مكانه ويبدأ بإعداد الفطور الخاص به .
وهو يشعر بشيء من النشاط يعود إليه بعد هذه المكالمة .
وفكرة الارتباط بنجد تدور في عقله مجددا .


_________________


في مكانها المعتاد بصالة شقة حسناء .
تستلقي على الأريكة الصغيرة وهي تتدثر جيدا من اللا شيء .
جميع الأجهزة التكيفية مغلقة ، إلا أنها تشعر بالبرد الشديد .
ربما بسبب إصابتها بالحمى .
تنظر إلى حسناء حينا ، وإلى بشرى حينا آخر .
حتى انتهت الاثنتان من تناول إفطارهما ونهضت حسناء تحمل بيدها صحنين ، نطقت حين عادت / إيش فيكم كأنكم تبون تذبحون بعض ؟
نظرت حسناء إلى بشرى بطرف عينها واكتفت بالصمت ، وبشرى فعلت المثل .
قبل أن تقول حسناء / يلا بروح الدوام تأخرت ، لازم أرجع بدري عشان أزور يُمنى .
قالتها ودخلت إلى حجرتها بسرعة قبل أن تقول هديل شيئا آخر .
وخرجت في غضون دقائق ترتدي عباءتها وتحمل حقيبتها وهاتفها .
التفتت هديل إلى بشرى / صار بينكم شيء ؟
هزت بشرى رأسها نفيا / مو شيء كبير لا تشيلين هم .
هديل / كيف ما أشيل هم والله باين ما تبون تطالعون في بعض حتى .
بشرى / يعني انتي عارفة يا هديل حسناء ما تطيقني أبد ، الحين وأنا قاعدة في بيتها أكيد ما راح تتحملني ، أمس واحنا نتكلم اختلفنا شوي ، يمكن عشان كذا زعلانة مني .
هديل / الله يصلح اللي بينكم يا رب ، ترى صدق أتمنى يجي يوم وأشوفكم فيه تعاملون بعض كويس .
بشرى بعتاب / أفاا يا هديل أنا ما أعاملها كويس ؟
هديل بابتسامة / لا يعني أقصد …..
قاطعتها بشرى / فاهمة قصدك يا هديل ، وأنا مثلك أتمنى انها تتقبلني على الأقل ، ما أبيها تحبني بس تتقبلني ، الحين أنا كم لي مع أبوك !
زمان كنت متفهمتها هي وزعلها ، بس الحين مر كثير على زواجي وكلكم كبرتوا قدام عيوني ، حتى الحين ترى كنت بمشي الموضوع ولا اهتميت لأني ما أبي تصير بيني وبينها أي مشكلة حتى لو صغيرة ، بس شلت هم الطفل اللي ببطني ، ما أبيه يجي على الدنيا وأخته تكره أمه ويمكن تكرهه بعد .
تغيرت ملامح هديل على اثر حديث بشرى عن الطفل ، لتلاحظها بشرى وتنهض لتجلس بجانبها / آسفة هديل مو قصدي أضايقك بالموضوع .
ابتسمت هديل وهي تضع كفها على بطن بشرى / بالعكس يعني ليش بتضايق ؟ أنا مثلك متحمسة أشوف أخوي الصغير ، يمكن أعتبره طفلي بعد إذا ما عندك مانع .
بشرى وهي تضع يدها على خد هديل وتضحك / أكيد يا روحي .
بعد صمت قصير وبشرى تتأمل ملامح هديل الغامضة / هديل يا بنتي ، إذا تبين تتكلمين عن الموضوع أنا عندك ، افتحي لي قلبك .
هديل بهدوء / اممم الصراحة إني ما ودي أتكلم أبدا ، خلاص قررت أقفل الموضوع ، لأني صغيرة مثل ما قال الكل ، إن شاء الله العمر قدامي وربي راح يعوضني .
مسحت بُشرى على شعرها بحنان / أكيد يا روحي .
وسألت بتردد / وصدق إنه …. أم حمود ما لها دخل ؟
ضحكت هديل / واضح الكل يبي أم حمود تكون غلطانة ، وأنا بعد ودي لو انها هي اللي دفتني عشان أقدر ابتزها وتسامح عايض المسكين .
بشرى بضحكة / الله يصلحها إن شاء الله قلبها يحن أو تستوعب اللي صار من ورى ولدها .


_____________________


تدخل إلى حجرة والدتها وبيدها سطل بيدها ماء بارد ، وبعض الكمادات .
جلست بجانبها على الأرض حيث تفضل أن تستلقِ حين يشتد عليها التعب والمرض .
وبعتاب / يا يمه ليش مو راضية تروحين المستشفى ؟ والله حرارتك مرتفعة حيل لو تروحين مو أحسن ؟
والدتها بوهن / نوف يا بنتي انتي خففي هالقلق ما فيني شيء ، كله يوم أو يومين وبتخف هالسخونة وبرجع لوضعي الطبيعي .
لم تتمالك نفسها وهي تضع الكمادة على جبين أمها ، والتي تكاد تجف على الفور من حرارتها / يمه أرجوك ، تعالي نتطمن على الأقل .
أمسكت والدتها بكفها تبتسم لتطمأنها / انتي لو كنتي بخير يا نوف أنا ارح أكون بخير.
شدت على كفها بضيق شديد ، لم تتمكن من النوم جيدا طوال الليل وهي تستلقِ بجانب أمها تمرضها وتطمأن عليها كل حين .
لم تنزل الحرارة ولو قليلا .
ومع ذلك ترفض الذهاب إلى المستشفى رغم محاولاتهم الكثيرة وإصرارهم هي وهيفاء وعمر .
نظرت إلى أمها حين سألت / شلونك مع زوجك ؟
احمرّت وجنتيها على حين غرة / تمام يمه ، كل الأمور تمام الحمد لله .
ربتت على كفها / الحمد لله ، أهم شيء راحتك وسعادتك يا بنتي ، وإن شاء الله انه ليث يستاهل الثقة ، أنا متأكدة ومتطمنة من ناحيته .
ابتسمت نوف / إن شاء الله .
خلال لحظات نامت والدتها بعد أن قرأت عليها نوف بعض المعوذات ونفثت عليها .

خرجت نوف وأغلقت الباب ببطء حتى لا تزعج والدتها.
سألتها هيفاء التي كانت في المطبخ / كيف حالها الحين ؟
نوف بتعب وهي تجلس على الكرسي / لسه الحرارة ما نزلت ، حاولت أقنعها نوديها المستشفى مو راضية تسمعني أبد .
هيفاء / ما راح تقتنع أبد ، بس يرجع عمر من الدوام راح يوديها بنفسه ما نقدر ننتظر كثير ، الحرارة الزايدة خطر عليها .
نوف بضيق / خايفة عليها كثير ، أمس ما قدرت أغمض عيوني من خوفي والله ، كل ما لمستها بيدي انفجع .
جلست هيفاء بجانبها وهي مشفقة عليها ، ملامحها التي توضح خوفها العظيم والحقيقي على والدتها ، وكأنها لا زالت الطفلة الصغيرة المتعلقة بأمها / اهدأي نوف لا تخافي كثير ، إن شاء الله راح تصير كويسة .
نوف ووجهها محمر من الانفعال والضيق بداخلها / تراها من زمان تعبانة يا هيفا ، صح حرارتها ارتفعت الحين بس لها قريب الأسبوع مريضة .
أمسكت هيفاء بذراعها / تمام نوف اهدأي ، ادعي لها وطمني قلبك ، خوفك ما راح يفيدك بشيء .
مسحت نوف دموعها القليلة التي نزلت دون أن تشعر ، لتقول وهي تنظر إلى هيفاء / لحظة ، ترى حاسة انك صايرة لطيفة هالأيام ؟
هيفاء / أنا دايم هيفاء متى صرت لطيفة .
ضحكت نوف بملل / يمه من السماجة ، ترى صدق كأنك قاعدة ترجعي لطبيعتك الأولية .
ابتسمت هيفاء / اممم انتي حاسة كذا ؟
نوف بقلة صبر / هيفاء بلا سماجة .
هيفاء بضحكة / تمام أجل لو انتي حاسة اعتبري انه احساسك بمحله .
نوف بشيء من الراحة / ليش يعني فجأة ؟
وبتردد أكملت / أقدر أقول انك سامحتيني الحين ؟
نظرت إليها هيفاء لبعض الوقت قبل أن تهز رأسها إيجابا / طولتها كثير أدري ، أزعجتك بما فيه الكفاية و ….. بس ، رند ما راح ترجع .
تجهمت ملامح نوف وهي تشعر بألم في قلبها ، لتكمل هيفاء / بس ربي قادر يعوضنا بغيرها ، ما راح تجي في مكانها ، بس أكيد راح يخفف شوي من هالوجع .
تابعت بابتسامة وهي تمسك بكف نوف / سمعت اللي قلتيه لعمر ، وانك قررتي تعطينا مهرك نروح نتعالج ، صح اني ما أبي أحرمك من حقك ، بس صدقيني تضحيتك عشان أخوك وسعادته تعني لي الكثير .
توترت نوف وشعرت بالإحراج / صدق ؟ هو قال لك ؟
هزت هيفاء رأسها نفيا / لا ، أنا سمعتكم بنفسي .
ابتسمت نوف بسعادة / يعني خلاص صدق سامحتيني ؟
هيفاء / إيه ، الحين جا دورك تسامحيني .
ضحكت نوف والدموع تتجمع بعينيها من التأثير / يا شيخة أسامحك على إيش ، صحيح كنت أتضايق منك ، بس في قرارة نفسي كنت أدري اني أستحق كل اللي مريت فيه ، بس بهاللحظة مسامحتك لي عندي بالدنيا تعرفين ؟
ابتسمت لها هيفاء وهي تشعر بالضيق من أجلها ، لتجذبها الأخرى إليها وتضمها بقوة وهي تبكي .
وتشكرها على مسامحتها لها !
وكأنها تريدها أن تشعر وتتذكر كم كانت مؤذية لتلك الإنسانة التي لم ترتكب أي ذنب ، غير أنها أرادات ان تسعد طفلتها ، فجرى أمر الله عليهما .
ماتت الأولى والثانية تنام وتستيقظ على العذاب وتأنيب الضمير ، غير عذاب رجلها الصناعية !


_________________


لا زالت كما كانت منذ ما يقارب الساعة ، تجلس على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها ، وأبصارها شاخصة على سرير طفلها المسكين .
تراه وهو يرفع يده الصغيرة ثم يخفضهما بكل لطف .
تصدر عنه أصوات خفيفة ، تحرك قلبها وتجعلها في شوق لحمله وضمه إلى صدرها.
تود أن تفعل ذلك الآن ، ولكنها حقا متعبة .. متعبة للغاية لتثير في نفسها أي من تلك الاحاسيس والمشاعر .
تعبت من كثرة التفكير والذي حرمها حتى من النوم .
عيناها انتفختا من بكاءها المتواصل .
كذلك وجهها محمر بشكل مفجع .
إن حاولت التفكير بشكل إيجابي ، فالشيء الوحيد الإيجابي فعلا .. أنها لم تعد زوجته .
ذهبت عهود بالأمس ، وسافرت إلى المدينة حيث أمها التي لم ترَها منذ مدة طويلة .
وبسببها هي .
لتحل محلها شقيقتها الكبرى ، التي تركتها منذ عدة دقائق وذهبت تتمشى في الخارج.
بعد لحظات صارعت بها نفسها حتى شعرت بالتعب ، اعتدلت بجلستها تغمض عينيها بقوة ، ثم تنزل قدميها إلى الأرض ، وتقف بتردد .
سارت ببطء نحو عربة الصغير وعيناها تمتلآن بالدموع .
قلبها يخفق بعنف وكأنها على وشك ارتكاب جريمة مروعة .
حتى وقفت على رأس طفلها الذي تبصره للمرة الأولى منذ أن خرج على هذه الدنيا .
وصارت تشهق وتبكي وهي تمد يدها ناحية وجهه وتتلمسه .
انحنت بظهرها وهي غير قادرة على التحمل .
حتى لمست شفاهها جبينه الصغير .
وصارت تمرر يدها على خده تتحدث إليه بصوت منخفض , وكأنها ترجوه أن يسامحها على ما فعلت .
حملته بلطف وعلى شفاهها ابتسامة واسعة بعد أن مسحت وجهها الغارق بالدموع.
جلست على طرف السرير تنظر إليه وتتأمله بكل حب ، وتأنيب الضمير بذات الوقت على ما فعلته بالأمس ، لتهمس في أذنه مجددا / آسفة يا روحي ، ما كنت بوعيي أمس.
ضحكت حين تحرك في حضنها وقبلته بحنان ، لتقول بعد أن تأملته قليلا / الحمد لله انه ما فيك منه ولا شوي ، وإن شاء الله حتى لما تكبر ما تشبهه أبد ، ما أبي أتذكره بعد اليوم .
تنهدت بضيق وهي تتذكر موضوع ابنة عمه ، تريد أن تعرف ماذا حصل معاها حتى الآن ، وأن تعرف ماذا حل به هو الآخر .
سألت أختها وأخبرتها أنها لا تعرف شيئا .
لذا قررت انتظار اخوتها علهم يخبروها بأي شيء حتى يرتاح صدرها من الهم على من لا تعرف عنها شيئا سوى انها هي الأخرى ضحية لطليقها النذل .
رفعت رأسها والتفتت إلى الباب حين فتحه أحدهم ، قالت بابتسامة / نجوى تعالي شــ……..
اختفت باقي الأحرف واختفت ابتسامتها ، واتسعت عيناها وهي ترى من يقف بجانب الباب !


___________________


يذرع الحجرة الصغيرة جيئة وذهابا .
والتي وضعوه بها مؤقتا حتى يأتيهم القرار بشأنه .
يكتف يديه بغضب وعلى محياه نظرة غاضبة وحادة للغاية .
نعم حتى الآن في قرارة نفسه متأكد بأن سلمان نال أقل مما يستحق ، حتى لو مات بين يديه لكان استحق ذلك على كل ما فعل .
ولكن هو لا يستحق أن يبقى وراء القضبان على تلك الأفعال !
فهو لم يتركب شيئا خاطئا سوى أنه أراد تحقيق العدالة لنفسه ولمحبوبته المسكينة .
يتذكر ما قاله عاطف قبل ذهابه حين غضب من عدم سماحهم له بالخروج / صحيح سلمان يستاهل وكنت تبي العدالة على قولتك ، بس في قوانين في الدولة وشرطة تتعامل معه ، ما كان لازم تورط نفسك بهالشكل .
غضب أكثر من حديثه ، إلا انه لم يمتلك أي حيلة لفعل شيء آخر .
رغبته في الاطمئنان على يُمنى أكبر من رغبته بالخروج والعودة إلى المنزل .
انتبه إلى نفسه حين تأفف واحد ممن هم بالحجرة معه ، بسبب ازعاجه لهم بالسير يمنة ويسرة .
ليتنهد بضيق وهو يجلس في مكانه .
مرّ بعض الوقت قبل أن يأتي الحارس ويناديه .
نهض سريعا واتجه ناحيته بلهفة ، ليخبره أن والده والمحامي بانتظاره .
شعر بشيء من الراحة كونه أحضر محاميا .
يعني أنه ربما إن تمكن من تقديم حجة مقنعة سيتمكن من الخروج دون أن يكون هناك داعي لمحاكمة أو انتظار أو ما شابه .
قاده الحارس حيث ينتظره والده والمحامي ، اقترب من والده الذي بدى عليه التعب والوهن ، وقبل رأسه ثم صافح المحامي .
همس لوالده برجاء / يبه طمنني عليها ، كيف صارت ؟
راشد / قالوا لي انها بخير وبدأت تتحسن ، بس للحين ما شفتها ، الزيارة راح تكون بعد المغرب .
تنهد براحة / الحمد لله .
بدأ المحامي يتحدث إليه ويسأل عن التفاصيل ، ومذ متى بدأ هذا الصراع والحقد بينهما .
كان عايض منفعلا للغاية وهو يسرد عليه ما يتذكره من الماضي !
كل تفصيل وكل شيء يشعره بالقهر والغضب الشديدان ، كل ما يحرق روحه وجسده من الغيرة الشديدة .
كل ما آذى يُمنى وأوصلها إلى هذه الحالة .
انتهت مقابلتهم ليغادر المحامي بعد ان استمع إلى جميع أقواله ، ووعده بأنه لن يدخر جهدا في إظهار الحقيقية كما هي ، وفي مساعدته للخروج بأسرع ما يمكن .
حين نهض راشد للخروج أسرع عايض ناحيته وأمسك بكفه برجاء / يبه تكفى طلبتك.
نظر إليه راشد / نعم .
عايض بتردد / أبي أكلم يُمنى ، وأتطمن عليها بنفسي ، لما تروح تزورها اتصل هنا وقول انه أمي بتكلمني ، يعني ما ارح تكذب بكلم أمي وأكلمها بعد ، أرجوك .
تأمل راشد ملامحه وعينيه لبعض الوقت قبل أن يتنهد بضيق من حال ابنه / بشوف يا عايض .
عايض / يبه عاد لا تكون محبط أو تحس الموضوع مستحيل ، ترى ما سجنوني على جريمة قتل أو جريمة كبيرة ، أكيد راح يسمحون .
راشد بحدة / ما هي جريمة قتل لكن مثلها ، ولا تحسب في فرق كبير بين القتل والشروع في القتل .
عايض بصدمة من حديث والده / يبه وش تقول ؟
راشد / حركاتك وانفعالاتك وكل كلمة تنطق بها في مركز الشرطة اعتبرها محسوبة ضدك ، هم عارفين انه كان ودك تقتله وحتى القتل ما كان راح يبرد دمك ، لا تهون الموضوع كثير وتحسبه سهل يا عايض وخليك منتبه ، صحيح المحامي وعدك انه راح يسوي كل شيء يقدر عليه ، بس برضوا خليك منتبه عشان مصلحتك .
جلس عايض على الكرسي بإحباط ينظر إلى يديه المقيدتين / بس يبه ، تعرف انه اللي سواه هو مو هين ، وانه ………….
قاطعه راشد / إياك تقول انه يستاهل ، هذي الكلمة اللي راح توديك في داهية ، وراح تحسب ضدك على انك كنت ناوي تقتله من زمان .
هز عايض رأسه بضعف وعجز / أبشر يبه ، بس أرجوك …حاول .
أومأ راشد رأسه إيجابا ومنظر ابنه يؤلم قلبه / إن شاء الله ، إذا هي وافقت تكلمك ، يلا بروح الحين ، استودعك ربي .
ضحك عايض بسخرية بعد أن غادر والده ، فعلا لن يتمكن من التحدث إليها إلا ان وافقت ، تلك العنيدة التي لا تفعل سوى ما يعجبها !
ليكن الله يعونه إن كان الأمر صعبا وعظيما مثلما صوره له والده .



________________


تترجل نجد من سيارة عاطف بلهفة شديدة ما إن توقفت أمام المستشفى .
ووراءها ضحى .
والتي أسرعت بدورها خلفها حتى استقلتا المصعد .
وصلتا أمام حجرة يُمنى ، ولم يكن الجمع أمام الحجرة مفاجئا أبدا .
أغلب إخوة يُمنى وأبناءهن قدموا للاطمئنان عليها ، ولمحاسبة والدة سلمان على حمايتها ابنها المجرم بالتأكيد .
اقتربتا من النساء وسلمتا عليهن ، حيث كان جميع الرجال بالداخل .
كانت هناك والدة طراد وشقيقته أيضا .
المرأة التي تجلس بجانبها شقيقات يُمنى ويتحدثن إليها .
لم يعرفها أي أحد سوى شقيقاتها بالتأكيد ، بما انها أمرت بالتكتم على الموضوع حتى يتم .
بحثت نجد بعينيها عن بشرى حتى تسألها عن هوية تلك المرأة الغريبة التي يبدوا عليها الوقار والاحترام الشديد ، إلا انها لم تكن موجودة .
لتشير بعينيها لحسناء التي كان التعب باديا عليها بشكل فظيع .
نهضت الأخرى واتجهت إليها / هلا .
نجد / مين هذي اللي كلهم جالسين عندها ؟ أول مرة أشوفها .
ارتبكت حسناء التي لم تحضر نفسها جيدا لهذا الموقف ، إلا انها أجابت بثقة / هذي تصير مديرتها بالمدرسة وبنتها صديقة يُمنى ، جارتي بنفس الوقت .
نجد باستغراب / جارتك ؟ كيف مديرة مدرسة تسكن بسكن الأطباء ؟
حسناء / مو معي بنفس العمارة ، أقصد بيتها بنفس منطقتنا يعني .
أومأت نجد برأسها دون أن تقول المزيد .
إلا انها لم تتمكن من إبعاد ناظريها عن المرأة وشقيقات يُمنى ، حتى لو كانت والدة صديقتها ومديرتها الأمر ليس معقولا .
تعني احترامهم الشديد لها والاهتمام بها هكذا !
حسناء التي توترت وارتبكت وشعرت بالقلق ، أمسكت بذراع نجد / شكلهم مطولين الرجال ، تعالوا تحت نتقهوى ونرجع ، مصدعه مرة من الصباح وأنا برة .
وافقتها نجد وهي تسير برفقتها ، بعد أن دعت حسناء الشابات الأخريات لتناول القهوة على حسابها .
سألتها / وين بشرى ؟
حسناء / قاعدة مع هديل اليوم ، ومن بكرة راح تجي تقعد مع يُمنى مرافقة إذا ما كتبوا لها خروج يعني .
حلّ بينهما صمت قصير بعد أن أومأت نجد برأسها بإيجاب .
سألت حسناء / عايض شلونه ؟
نجد بإحباط / القضية صارت كبيرة نوعا ما ، وأمي منهارة من جهة اختها الكبيرة تعبانة ومن جهة عايض متهمينه بالشروع في القتل .
حسناء بأسف / يا عمري والله قد إيش محزنني هالولد ، والله لو حبني بدال هاليمنى كنت تركت كل شيء وراي ورحت له كاسر خاطري .
ضحكت نجد / أجل كويس ما حبك ، صحيح ما قلتي لي ، وش صار على موضوع ولدك ؟
فضلت حسناء أن تصمت ولا تقول شيئا بدل أن تفتح الجروح وتؤذي نفسها مجددا .
يكفيها ما عانت بمفردها ، ويكفيهم هم ما يعانوه .
حتى تغير الموضوع / صحيح عطيني رقم نوف أكلمها وأحاول أزور أمها في أقرب وقت ، كان عندي بس مدري وينه الحين شكله انحذف بالغلط .
زمت نجد شفتيها بضيق حين علمت من نبرة حسناء أنها تخفي الكثير ، وأنها مرت بشيء جعلها بهذه الحالة الغريبة .
عكس ما كانت عليه طوال حياتها ، من شخصية مرحة باعثة للأمل والتفاؤل في نفوس من حولها .





في الداخل …

تستلقِ هي على سريرها نصف استلقاء بسبب ألم جسدها .
واخوتها وابناءهم يلتفون حولها .
يتحدثون ويضحكون في محاولة واضحة لتغيير مزاجها .
خاصة مساعد الذي يجلس بجانبها ، ويتجاهل تعبه من أجلها .
كأنها للتو تلاحظ .. أن كل من لهم صلة قريبة بها يبدون متعبين للغاية !
يبدوا أنهم سهروا من أجلها طويلا .
حتى انهم لم يتمكنوا من إعطاء هديل الاهتمام الكافي .
كانت تحاول أن تتفاعل معهم وتجيب على أسألتهم إن سألوها عن شيء ما .
مع انها لا ترغب بالتحدث أبدا وعلى الإطلاق .
إلا أن اهتمامهم وخوفهم الواضح على محياهم جعلها تشعر بتأنيب الضمير ، لذا لم تقوى على الاستسلام لتعبها .
لاحظ الجميع أن يُمنى وطوال وجودهم معها تحاول اخفاء معصمها عن أنظارهم ، تغطيها في كل ثانية بكم رداءها .
وهي أيضا لاحظت أنهم يتحاشون النظر إلى تلك المعصم !
والحديث في ذلك الموضوع .
يبدوا أنهم تلقوا تحذيرا شديد اللهجة من سعود بشأن ذلك !
شرد ذهنها لبعض الوقت وهي تتساءل في نفسها عن عايض ، بداخلها شوق عظيم وغريب له .
نعم لا تشعر بأي شيء سوى الشوق .
حتى أمسكت بيد مساعد وشدت عليها دون أن تشعر .
ليلتفت هو إليها متسائلا .
رفعت أنظارها إليه بضياع ، وسألت بنبرة هامسة / وين عايض ؟
أجفل مساعد من سؤالها وتغيرت ملامحه ، لتتسارع دقات قلبها من الاحساس الغريب الذي راودها / فيه شيء ؟
هز رأسه نفيا وهو يبتسم / أبد ما فيه إلا الخير ، وأكيد انه في البيت الحين ، تدرين اليوم ويكند .
تأملت عيناه كأنها تريد أن تعرف اليقين / متأكد .
هز رأسه إيجابا / إيه ، إذا ودك أوصل له شكرك عنك أبد ما عندي مشكلة .
ابتسمت يُمنى / تمام .
قاطعهم شقيقها الكبير / يُمنى انتي متأكدة الحين ؟
نظرت إليه باستغراب / بخصوص ؟
حامد / خطوبتك اللي المفروض انها تتم بكرة واللي أكيد بنأجلها لين تتعافين ، بس أنا أسألك عن قرارك ، متأكدة انك موافقة وراضية ؟
توترت وارتبكت حين عم الصمت بالغرفة / قبل فترة كنت راح تجبرني أوافق على الزواج ، ليش مستغرب الحين ؟
احتدت ملامحه من ردها ، إلا انه تمالك نفسه / مستغرب لأنك وافقتي فجأة بعد ما كنتي ترفضين بقوة .
ازداد ارتباكها ، ردت وهي تنظر إلى الأسفل / أحتاج …شوية وقت ، أبي أفكر أكثر .
هز رأسه بتفهم / خذي وقتك يا يُمنى وفكري زين .
نظرت إليه متعجبة من تفهمه السريع لها .
إلا انها علمت انه تأثر مما حصل مؤخرا ، ولا يريد لها المزيد مما سيتعبها في المستقبل .
مثله مثل جميع اخوتها .
وكأنها للتو تدرك أن وجود الاخوة في حياة كل انسان نعمة عظيمة .


في مواقف سيارات المستشفى ..
خرج راشد بعد ان اطمأن الى ابنة أخيه ، ضائق الصدر عليها وعلى ابنه المسكين .
كان يود لو تمكن من تحقيق رغبة ابنه ، ولكن ذلك كان مستحيلا .
مع وجود اخوتها هناك جميعا ، وصعوبة الأمر في مركز الشرطة أيضا .
بالتأكيد ذلك المسكين لن ينام طوال الليل بعد أن ينتظر كل الوقت حتى يتصل به والده ويسمح له بالتحدث إلى يُمنى .
ماذا عليه أن يفعل ! ليس بيده أي حيلة حقا .
خرج من المستشفى سريعا وقبل الجميع ، حتى دون أن ينتظر بناته بعد أن أخبره عاطف أنه بحاجة إلى مساعدته ، فهو غير قادر على السيطرة على والدته المنهارة تماما .
ما إن وصل إلى سيارته حتى سمع صوت أحدهم يناديه / عمي راشد .
التفت إليه وابتسم / هلا طراد .
اقترب منه طراد وصافحه / شخبارك يا عمي ؟ إن شاء الله انك بخير .
راشد / بخير يا ولدي ، أخبارك انت من زمان عنك ؟
طراد / إيه لنا فترة ما تقابلنا أنا وعايض ولا جيته من زمان ، ومن أمس أحاول أوصل له هو وعاطف بس ما قدرت ، عسى ما شر ؟ فيهم شيء ؟ ومين جاي تزور عسى الأهل ما فيهم شيء ؟
تنهد راشد بضيق ليخبره عن إصابة ابنة اخيه طليقة عايض وعن حادثة الاختطاف التي ورطت عايض دون المجرم وجعله وراء القضبان .
أصابته الدهشة مما سمع / ليت عاطف رد عليّ على الأقل أتطمن عليهم ، الله يعين عايض ويفك أسره بأقرب وقت .
راشد / آمين الله يسمع منك ، وانت وش تسوي بالمستشفى ؟
طراد بإحراج / أبد جايب أهلي يزورون خطيبتي ، قالوا انها تعبانة ومنومة بهالمستشفى .
ابتسم راشد / ما شاء الله يا طراد خطبت وبتتزوج أجل ، سلامة خطيبتك ما تشوف شر .
قبل أن يرد عليه طراد بشيء قاطعهما صوت رنين هاتف راشد ، الذي رد على عاطف / خلاص أنا بالطريق توني طالع من عند يُمنى ، بكون عندكم خلال ربع ساعة .
أقفل الخط ونظر إلى طراد / اسمح لي يا ولدي عاطف مستعجل يبيني بسرعة خالتهم تعبانة .
ركب سيارته دون أن يسمع رد طراد ، الذي لم يتمكن من الرد أصلا بسبب الصدمة الذي أصابته وربطت لسانه .
ابتعد عن طريق راشد ووقف في مكانه مذهولا وحائرا ومصدوما .
هل قال يُمنى ؟ هل نطق اسمها للتو !
خطيبته التي أتت والدته من أجل الاطمئنان عليها ، خطفها أحدهم قبل الأمس ، وهي نفسها طليقة عايض ! طليقة صديقه المقرب !
عاد إلى سيارته بخطوات بطيئة ، غير مصدق ما سمع ، غير مستوعب تلك الحقيقة الغريبة التي كانت بمثابة الضربة التي أيقظته من غفلة وضعتها به تلك الــ يُمنى !
أمسك برأسه حين جلس على مقعده في السيارة وهو يشعر بالصداع الفظيع .
ماذا عليه أن يفعل الآن ؟


___________________


كان عاطف في سيارته المتجهة إلى مستشفى آخر ، برفقته والدته المنهارة وشقيقته لينا .
منذ أن أوصلهم خبر نقل والدة نوف إلى المستشفى وهنادي تبكي دون توقف .
تارة تبكي على ابنها ، وتارة على شقيقتها الكبرى .
ولينا تجلس بجانبها في الخلف تحاول تهدئتها .
كان هو الآخر متوترا للغاية وبالكاد يركز على الطريق .
بكاء والدته المحزن ، وحزن محبوبته المسكينة .
خلال ربع ساعة كانوا يقفون بجانب غرفة الطوارئ التي أدخلوا إليها والدة نوف .
ساعد عاطف والدته على الجلوس على أحد المقاعد ، ثم اقترب من عمر يسلم عليه ويصبره .
حيث كان هو الآخر شبه منهار والخوف واضحا عليه .
أما نوف فأسرعت ناحية لينا وضمتها وهي تبكي .
خلال لحظات قليلة كان بعض الأطباء المتواجدين في قسم الطوارئ يسرعون نحو تلك الغرفة ، مما جعل نوف تشهق وتبكي أكثر وتذهب خلفهم .
وهنادي كذلك .
أمسك عمر بنوف من الخلف حتى يمنعها من الاقتراب من والدتهم في تلك اللحظة المؤلمة ، وعاطف فعل المثل لوالدته .
الا أن عمر لم يتمكن من السيطرة على نوف التي فلتت منه بقوة واقتربت من والدته متجاهلة كل من حولها .
لتمسك بيد والدتها ترجوها أن تبقى معها ولا تتركها .
جلست لينا على المقعد بعجز ، تنظر إلى الوضع الفوضوي بضياع .
كذلك فعل عمر ووجهه غارق بالدموع ومحمر من الانفعال المكبوت بداخله .
وعاطف أيضا يضم والدته وينظر إلى نوف بحزن ، وقلبه يؤلمه بشدة على حالتها .
يتمنى لو كان بإمكانه الربت على كتفها على الأقل والتخفيف عنها !
حلّ صمت قصير وسكون مفاجئ بالمكان مع توقف جهاز تخطيط القلب الخاص بوالدة نوف ، ارتفع بعدها صوت صراخ نوف الذي ضج بالمكان .


_________

انتهى الفصل

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
لا تنسوني من دعواتكم

الله يبارك لي ولكم ، ويتقبل صالح أعمالنا .
ويزيح الغمة عن هذه الأمة ، ويشفي مرضانا ومرضى المسلمين .
ويرحم جميع أمواتنا يا رب.
اللهم آمين .


أميرالز likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.