شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة (https://www.rewity.com/forum/f175/)
-   -   وبي شوقٌ إليك أعلّ قلبي،للكاتبة/ يُمنى خالد " مميزة " ( مكتملة ) (https://www.rewity.com/forum/t455318.html)

فيتامين سي 30-08-19 03:31 AM

وبي شوقٌ إليك أعلّ قلبي،للكاتبة/ يُمنى خالد " مميزة " ( مكتملة )
 


https://upload.rewity.com/upfiles/RZx88645.png

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

(( وبي شوقٌ إليك أعلّ قلبي ))

للكاتبة/ يُمنى خالد

https://upload.rewity.com/upfiles/DdD37272.gif

https://upload.rewity.com/uploads/157666819679511.jpg

قراءة ممتعة للجميع ...

فيتامين سي 30-08-19 03:34 AM

تواقيع الأبطال

https://upload.rewity.com/uploads/157659799253221.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/15765979925662.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659799260323.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659799261894.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659799263385.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659817609691.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659817613112.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659817615984.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659817617485.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/157659817619767.jpg


الرواية خيالية ولا تمت للواقع بصلة
إذا عنكم انتقادات أو ملاحظات بخصوص القصة أو السرد أو أو أو
أرجوكم اكتبوا لي عشان استفيد
بما انها أول رواية لي
وأنا بحاجة للي يوجهني ويقيمني
بنزل المقدمة , وإذا شفت تفاعل بنزل الفصل الأول إن شاء الله
انا لسه قاعدة اكتب الرواية وما عندي فصول جاهزة
بس اوعدكم اني بكون ملتزمة وبحدد موعد للتنزيل
وإذا منعني أي ظرف عن التنزيل بعلمكم من قبل
وبس والله
أترككم مع المقدمة




فيتامين سي 30-08-19 03:41 AM



مقدمة روايتي الأولى [ وبي شوقٌ إليك أعلّ قلبي ]

*******


داخل سيارة أنيقة , فاخرة .. بيضاء وتبدوا حديثة.
يقودها شاب حسن المنظر , يرتدي اللباس الرسمي للبلاد .
ما جعله يبدوا وسيما جدا , لكل من تقع عيناه عليه .. خاصة الفتيات بالطبع .
بجانبه فتاة محجبة , بعباءة سوداء واسعة , ضاعت هي بداخلها .
تلف حول جسدها من الأعلى , وشاحا واسعا جدا .. النقاب بحجرها , خلعته بسبب الحر الشديد في هذا الوقت من السنة .
متكتفة , تسند رأسها على النافذة .. تفرك يديها بقوة .
تكاد تموت من التوتر والارتباك .
التفت إليها , وتنهد وهو يرى أثر التوتر عليها .
مساعد / هدّي حالك شوي يُمنى , على هالحال ما راح تدرسين .
التفتت إليه بهدوء ثم عادت تنظر أمامها وهي تتنهد / ماني قادرة يا مساعد , شفت قد إيش في رجال قدام المبنى ؟ يا ويلي حسيتهم كلهم يطالعون فيني .
ابتسم , ثم مد يده ليمسك بكفيها المضمومتين , وضغط عليهما / ما عليك يا روح مساعد , أنا بكون معك لين تتخرجين بإذن الله , وما راح يضرك شيء طول ما انتي محافظة على نفسك بالأذكار والحجاب .
أومأت برأسها وهي تسحب كفيها ببطء , ورفعت أصابعها تتلمس النافذة
.
تحيط بها هالة من الغم والخوف .
كيف ستنسى ما حصل ؟ كيف يمكنها مواصلة حياتها وكأن شيئا لم يكن ؟
لتقول بهدوء / والله ما ودي أتعبك معي كثير , بس تحملني شوي لين أتعود على الوضع .
ضحك مساعد ليريحها / والله يا يُمنى لو قلتي مثل هالكلام مرة ثانية اني لا أزعل منك , أي تعب وأي بطيخ .
ابتسمت له بامتنان / الله لا يحرمني منك , ما أدري من دونك إيش بسوي .
اكتفى بابتسامة , وهو يركز على الطريق الوعر .. الذي يؤدي إلى منزل جده .
مرّ بعض الوقت , لتتأفف يُمنى وتقول / يعني الحين كل يوم يبي لي أروح وأجي من هالطريق الخايس وأقطع كل هالمشوار ؟
هز رأسه نفيا / لا , أنا جهزت كل شيء من أول , وعندك أكثر من خيار وأكثر من بيت .
عقدت حاجبيها باستنكار / أي بيت وأي خيار ؟
مساعد / عندك بيت أخوك جمال وزوجته ………
قاطعته بصرخة مستنكرة / الملسونة , لو أموت ما قعدت عندهم .. بس تعال لحظة , يعني تباني أسكن في المدينة وأخلي بيتي ؟
مساعد / أدري ما راح تتحملين هالطريق يوميا , عشان كذا فكرت بهالشيء .. واسمعيني للنهاية , إذا مو اخوك جمال عندك ولد أختك , جابر وزوجته فرح , وأفضل خيار .. بيت أختي حسناء , تعرفين إنها ساكنة لوحدها .
تأففت وهي تتكتف مرة أخرى / جابر وفرح توهم متزوجين يعني تتوقع مني بروح أتلقف عندهم ؟ وحسناء ما سكنت لوحدها إلا عشان تكون وحيدة ما بروح أزعجها .


تنهد وهو يطرق بأصابعه على المقود / لا تشيلي هم , بكلمها إذا رضت بتسكنون مع بعض , ولا بشوف لك شقة ثانية .
ارتجفت من مجرد التخيل / ما بسكن لوحدي .
ابتسم لها / بكون معك إن شاء الله .
تظاهرت بالعبوس / لا كذا كثير مساعد .
قاطعها / أصص وصلنا , يلا روحي نامي زين .. تدرين هذا آخر اسبوع في الاجازة والكل بيجي يسلم عليك , خواتي بيجونك بعد شوي .
أومأت بإيجاب , وهي ترتدي نقابها وتنزل بعد أن سلمت عليه .
ولم تستغرب عدم ذكره لمنزل عمها راشد , الأقرب إلى المبنى من جميع ما ذكر للتو .

( اعتذر إذا ما اتقنت اللهجة المصرية )
اتجهت إلى المنزل , لتخرج المفتاح من الحقيبة وتفتح الباب .
لفحتها رائحة البخور فور دخولها , المختلطة برائحة الطعام الشهية .
أنزلت حجابها من على رأسها , وابتسمت وهي ترى ( سمية ) تخرج من المطبخ وترحب بها بلهجتها المحببة / يا أهلا وسهلا يا أهلا وسهلا , نورتي بيتك يا ستي .
اقتربت منها وعانقتها ثم قبلت وجنتيها بحب / البيت وحش من غيرك يا يُمنى .
ضحكت يُمنى / يعني تنصحيني أكمل باقي حياتي بين هالجدران وما أدرس ؟
شهقت سمية وهي تضع يديها على صدرها بطريقة الأمهات / لا والله يا بنتي مش قصدي واللهِ مش قصدي , بس يعني …
ضحكت يُمنى وهي تقبل رأسها : عارفة يا ستي أمزح معك .
سألت بحذر / سويتي الغداء ؟
سمية / أكيد يا بنتي عملت لك أحلى غدا , والأكل اللي بتحبيه طبعا .
مدّت يُمنى شفتيها بأسف / للأسف مساعد كان مبسوط بزيادة وعزمني في مطعم .
فغرت سمية شفتيها بطريقة مضحكة / إيه دا ؟ انتي تغديتي برة من دون ما تقولي لي ؟ لا والواد مساعد كمان أكل معاكِ وأنا محضرا له طبقه الخاص ؟ لا دنا زعلانة , زعلانة خالص .
اقتربت منها يُمنى وعانقتها / لا يا سمية إلا زعلك , آسفة والله اني ما علمتك بس تعرفين قد إيش أخاف وأتوتر لما أكون برة , نسيت أتصل , ولا تشيلي هم الأكل أبد , بنات اخوي بيجون بعد شوي عشان الجيش اللي بيجون بكرة , أكيد ما ارح يخلون أي صحن إلا وهو ممسوح .
مسحت سمية على ذراعيها بحنان / ماشي يا بنتي , طمنيني بقى , عدى الموضوع على خير ؟
ابتسمت / إيه الحمد لله , الدوام من الأسبوع الجاي بإذن الله .
حاوطت وجه يُمنى بكفيها / ربنا يوفقك يا بنتي ويحفظك .
تنهدت / آمين يارب من بقك لباب السماء , يلا بروح أنام الحين شوي قبل يجون , وانتِ بعد روحي نامي عشان نلحق على الشغل تمام ؟


صعدت إلى الأعلى بعد أن قبلتها سمية مرارا وتكرارا وهي تدعوا لها الله من كل قلبها , أن يفرج همها وييسر أمرها .
تباطأت خطواتها أمام حجرة والديها , لتقترب وتمرر يدها على الباب
.
زمت شفتيها بقوة تتمالك نفسها حتى لا تبكي .
وسرعان ما توسطت حجرتها بعد أن دخلت إليها وأقفلت الباب خلفها بالمفتاح .
خلعت عباءتها وعلقتها على المشجب .
ثم اتجهت نحو دورة المياه , لتخرج بعد دقائق .. بعد أن استحمت وارتدت قميصا مريحا .
جففت شعرها على وجه السرعة , ثم استلقت .
لتنام من فرط التعب .
بالرغم من أن المشوار كان قصيرا , إلا أنه أتعبها كثيرا .
كونها لم تخرج منذ مدة طويلة , طويلة جدا .


**************


داخل منزل هاديء , واسع ..
مصمم على طريقة حديثة , أنيقة جدا .. انتقل إليها أصحابها منذ أيام قليلة .
العائلة المكونة من أب وأم , ابنين من الذكور , وثلاث فتيات .
ذلك المنزل , في هذا الوقت من النهار .. هادئ , لا سيما وأنها أيام إجازة .
يطيلون السهر في الليل , وينامون طوال النهار .
فقط .. الوالدَين , وعائض , كانوا مستيقظين .
يتناولون غداءهم .
فلا تسمع سوى أصوات الملاعق , وصوت عائض , الذي يتوقف عن الأكل كل لحظة وأختها , ليمدح أمه .. على صنعها هذا الطعام اللذيذ .
حين توقف هذه المرة بعد أن تذوق شيئا من اللحم , أوقفه والده / بس يا عايض يكفي كُل وانت ساكت , ما تشوف أمك كيف انحرجت .
ضحك عايض وهو يمسك بكف والدته ويقبلها / والله تستاهل الوالدة كل الكلام الزين , وعاد الحين وانا مو ماكل من يدها أسبوع كامل لازم أسمعها معلّقة طويلة مو كم عبارة مدح .
ابتسمت له بحنان / بالعافية يا حبيبي , لو انك خبرتني عن رحلتك مع اصحابك بدري كنت سويت لك معجنات على الأقل وفرزنتهم عشان تشيل معاك .
أطلق ضحكة صاخبة وهو يقبل كفها / ما انحرم منك يا حبيبتي .
وقف والده واستأذن / يلا بروح أنام شوي لين يأذن العصر , ورانا رحلة طويلة للديرة , خلي البنات يجهزون من بدري يا هنادي .
أومأت بإيجاب , ليلتفت إلى ابنه / وانت بعد قوم روح نام , بتجي معانا .
توقفت الملعقة في الهواء دون أن تكمل طريقها إلى فم عائض , ثم ابتلع ريقه ليعيدها إلى الصحن / ما ابي أروح يبه .
بصرامة / بتروح يا عايض , وما أبي اسمع اي اعتراض , مفهوم ؟
تنهد عائض , ثم أومأ بإيجاب دون أن يرفع أنظاره إلى والده .


غادر راشد المكان , وترك المكان خاليا إلا من عائض ووالدته .
نظرت هنادي إلى عائض تتفحص ملامحه , ثم قالت تطمئنه / ما عليه حبيبي , السالفة مر عليها دهر ولسه تبي تتهرب منهم ؟ انسى .
مضغ عائض اللقمة ببطء , ثم قال / لو أنا نسيت , هي بتنسى ؟
تنهدت هنادي بضيق وهي تهز رأسها بأسى / الله يعينها , بس عاد ما يصير تتهرب طول العمر .
صمت عائض ولم يجبها , وأصبح صدره مثقل فجأة بعد ان انشرح برؤية والديه .
بعد غياب اسبوع كامل عنهما .
آخر ما كان ينقصه , أن يسمع ذلك الصوت الكريه , الآت من ناحية الباب الخارجي للمنزل .
طرقه أحدهم قبل قليل , يبدوا أن المساعدة فتحت للطارق , وكانت هذه الــ ………… وراءه .
تأفف بداخله وهو يكمل طعامه غصبا , في حين قامت أمه من مكانها متجهة إلى من تناديها بالخارج .
مرت دقيقتان , قبل أن تدلف هنادي برفقة المدعوة ( نوف ) , التي سلمت عليه بصوت عالِ .
ردّ السلام دون أن يرفع عيناه , لتقول / حمد الله على سلامتك .
عائض / الله يسلمك .
ولا إراديا , رفع عيناه لتسقط على حقيبة كبيرة بجانبها , عقد حاجبيه بتساؤل / وش هالشنطة اللي جايبتها معك ؟
أخفضت رأسها بخجل .
لتبتسم هنادي وتضع يدها خلف ظهر الفتاة / بعدين بقول لك عايض , يلا حبيبتي تعالي معاي بوديك غرفة لينا .
اعترضت نوف / لا خالتي كملي أكلك , أنا بطلع لوحدي , بالعافية عايض .
نظر إليها بطرف عينه , وهو يكمل طعامه يمثل اللامبالاة .
حتى غادرت , والتفت إلى أمه حين جلست بفضول / خير , وش فيها ؟
زفرت بصوت مسموع / تعرف بعد ما ماتت سهى الصغيرة من ورى سواقتها واخوها وزوجته كارهينها , حتى اختي تلومها كل شوي كأنها كانت متعمدة , تقول ماهي قادرة تتحمل أكثر المسكينة , ودها تريح عندنا كم يوم .
وضع عائض الملعقة على الطاولة وهو يتأفف من هذه المتطفلة / لا عاد , هذا اللي كان ناقص , خليها تموت تحبس نفسها بغرفتها مو تجي تنام عندنا .
عضت هنادي شفتها بضيق / ما عليه يمه , بس كم يوم .
عائض / ما قلتي لها إننا بنروح الديرة ؟
هنادي : بندخلها عند سعاد في طريقنا , واحنا جايين نرجعها معانا .
ضحك عائض بسخرية وهو يقف / كملت يا هنادي كملت .
اقترب منها وقبل رأسها بحب / يعطيك العافية وتسلم يدينك على هالأكل الحلو , عسى النار ما تمس هاليدين يارب .
ابتسمت له / عوافي يا عايض , روح نام وارتاح .
هز رأسه ليصعد إلى حجرته , بعد أن حمل حقيبته .


دخل إلى الحجرة , وابتسم بحنين .
بالرغم من كونه منزل جديد , ولم يعتاد عليه بعد .. إلا أنه حن إلى حجرته بشدة .
التي اعتبرها موطن له منذ اليوم الأول .
قطب جبينه مستغربا , حين وجد جهاز التكييف مفتوحا .
والحجرة أشبه بثلاجة أموات , من شدة البرودة .
فتح الأنوار , ليجد كائنا بشريا ملفوفا بالبطانية .
اقترب ليرفع الغطاء , وضحك وهو يرى الفم المفتوح واللعاب المسيل على جانب فمه من اليمين , صرخ بصوت عالِ / عاطف يا حمار .
فز الآخر من نومه وجلس مفزوعا / خير خير إيش صاير المطبخ احترق ؟
ضحك عائض , وأشفق عليه في نفس الآن .. بل ندم على صراخه , مد إليه منديلا / لا ياخي كل الأمور تمام , بس انت وش جايبك في غرفتي ؟ وامسح لعابك يا وسخ .
مسح عاطف لعابه , ثم وقف وقفز على الأرض .
يعانق عائض بقوة , وكأنه غاب عدة سنوات وليس اسبوعا واحدا / ياخي مشتاق لك , طولت الغيبة , من كثر شوقي جيت انام في مكانك , لعلّ طيفا في المنام يكونُ .
ضحك عائض وهو يربت على ظهره / تشتاق لك العافية يا حبيبي وانا بعد مشتاق لكم والله , بس عاد ما تنام في غرفتي ! يلا انقلع الحين بموت من التعب .
أومأ عاطف برأسه بإيحاب , قبل أن يتجه إلى الباب ويقول / عازمك على كوفي اليوم بالعصر , بمناسبة رجوعك بالسلامة .
ابتسم عائض وهز رأسه , وصرخ بعاطف قبل أن يخرج / انتبه يا ولد نوف عندنا .
اتسعت عينا عاطف بصدمة / حقا ..! قصدي من جد ؟
ضحك من ردة فعله / إيه من جد , يلا روح .


خرج عاطف , واستلقى عائض حتى قبل أن يبدل ملابسه .
فهو متعب بشدة , ليس تعبا جسديا بسبب السفر .
بل تعب نفسي .
بعد أن أخبره والده أنه لا بد وأن يذهب إلى حيث هي , يُمنى ..
التي لم يراها ولم يقابلها منذ مدة ( طويلة ) طويلة جدا .
كان ذلك اللقاء الغريب , هو الأخير .
بعدها تاب أن يطأ بأقدامه أرض ( الديرة ) .
كان صادقا في توبته .
ولم يذهب إبدا منذ سنوات .
وعد نفسه ألاّ يذهب ولا يقترب منها , إلا إن غادرتها ( يُمنى ) برفقة زوجها .
لم يحصل ما أراد , يُمنى لم تغادر بعد , ووالده يُجبره على الذهاب ..!
لا بأس , ربما .. لن تجمعهما أي صدفة حمقاء .

انتهت المقدمة


فيتامين سي 31-08-19 04:39 AM




الفصل الأول


إن شاء الله يعجبكم , قراءة ممتعة يا حلوين

____


الرابعة والنصف عصرا ..

بينما تنام سمية في أمان الله .
طُرِق الباب بقوة.
مما جعلها تستيقظ مفزوعة , وتتجه إلى خارج حجرتها في الطابق السفلي , بعد ان ارتدت حجابها .
لترفع صوتها حين اقتربت من الباب / مين ؟
أتاها صوت , بل أصوات شقيقتيْ مساعد / احنا يا سمية افتحي .
فتحت الباب وعيناها منتفختان ومحمرتان , لتستقبلهما بضربات قوية على ظهورهما , حتى دخلتا وأقفلت الباب .
التفتت إليهما بغضب / انتوا اي انتوا ؟ ما تحترموش أصحاب البيت وتخوفوهم كدا ليه ؟
اصطنعت هديل الزعل وهي تقترب منها / افا يا سمية هذا واحنا جايين مشتاقين لك تضربينا كذا ؟
تخصرت سمية / ما انتوا لو دقيتوا الباب بشويش ما كنتش ضربتكوا , تعالوا .
قالتها وفتحت يديها ليقتربوا ويعانقوها وهم يضحكون .
وضعت بشرى عبائتها على الأريكة لتسأل / يُمنى وين ؟
أجابتها سمية / يُمنى نايمة , سيبوها دلوقتي تشبع نوم , عارفين انها خرجت من البيت بعد وقت طويل , وتعبانة يا قلبي عليها .
حزنت عليها بشرى وآلمها قلبها , لتقول / تمام خليها تنام , واحنا نبدأ ننظف على ما تصحى ثم نجهز الأكل , يلا يا بنات .
جلست هديل على الأريكة ووضعت رجل على أخرى / لا أنا بستناها لين تصحى , سمية ما عندكم أكل ؟
هزت سمية رأسها بأسى وهي تتجه إلى المطبخ لتسخن لها الطعام .
هذه الفتاة لا تكفُّ عن ابتلاع الطعام أبدا , والغريب أنها مهما أكلت تبقى ضعيفة ولا يزيد وزنها أبدا .
خاصة بعد حملها , صارت تأكل أكثر .

مرت نصف ساعة ..
انتهت بشرى خلالها من تنظيف مجلس الرجال الخارجي .
ولم تنتهي هديل من تناول الطعام بعد .
حين دخلت بشرى إلى الصالة بجسد متعب ووجه مبلل من العرق , وجدتها تلتهم قطعة الحلا بشراهة وتحتسي القهوة , وتتحدث مع سمية التي لم تكف عن الحديث منذ دخولهما .
ألقت نفسها على الأريكة بتعب .
التفتت إليها هديل عابسة / الله يقرفك إيش فيك عرقتي كذا ؟
ضربتها بشرى على خاصرتها بقوة / كنت قاعدة ألعب في الحوش يعني ليش بعرق , قاعدة أنظف مو مثلك من جيتي وانتي تبلعين .
فغرت هديل فاهها تمثل الزعل / قولي ماشاء الله بموت من عينك , وبعدين في كائن هنا يبي أكل مو لوحدي .
نظرت إليها بطرف عينها بازدراء , لتتسع ابتسامتها فجأة وهي ترى يُمنى تهبط من السلم بكل رقة وببطء .. كعادتها منذ تلك الفترة الكئيبة من حياتها , ترتدي قميصا باللون الكحلي الغامق , وتنزرة من الجنز الأزرق الفاتح .
حتى أتت إليهما وألقت السلام / السلام عليكم .
وقفت بشرى وصافحتها ثم عانقتها بحب / ياخي لك وحشة , شخبارك ؟
أومأت بإيجاب , وردت بابتسامة هادئة / تمام الحمد لله , انتوا كيفكم طمنوني عليكم ؟
ردت بشرى / بخير .
وضربت برجلها رجل هديل بقوة لتتأوه الأخرى بقوة / هاااه ؟
بشرى بحدة / سلمي على عمتك يالخبلة .
هديل وهي تتناول قطعة أخرى من الحلى / طيب خليني أكمل الحلى .
ضحكت يُمنى / عوافي .
أنهت هديل قطعة الحلى سريعا , لتقف وتعانق يٌمنى بقوة / يا عمري يا عمتي الحلوة وحشتيني جدا جدا .
قبلت يُمنى وجنتها / وانتي وحشتني , ووحشني الفيل اللي بداخلك .
وضعت هديل يدها على بطنها بتلقائية / يسلم عليك أبو الفيل ترى .
يٌمنى / ههههههههه وينه ما جا ؟
جلست هديل / إلا بيجي مع أهله بكرة , أنا كنت عند أهلي وقلت أجي مع بشرى ولا أفوت أكل سمية اللذيذ .
ابتسمت سمية بفخر , لتقبل هديل جبينها وهي تضحك .


أمسكت بشرى بيد يُمنى / تغديتي صح ؟ يلا أجل خلينا ننظف الحوش قبل لا يأذن المغرب وتغيب الشمس .
ذهبت يُمنى خلفها , حتى صارتا وسط الحوش الكبير .
ناولت بُشرى كمامة بيضاء ليُمنى , ومكنسة لتنظيف الأرضية المغبرة , سألتها / بشري , كيف المدرسة ؟
أومأت يُمنى برأسها بإيجاب , وأجابت بهدوء / يعني , كويس .
بشرى / كيف يعني كويس ؟ ارتحتي للمعلمات ؟
صمتت يُمنى لبعض الوقت وهي تكنس الركن , ثم قالت / كانوا يحاولون يمسكون نفسهم لا يضحكون مني , بعد ما شافوا هويتي , كيف وحدة عمرها 22 سنة تدرس أول متوسط .
تنهدت بشرى عليها بحزن / ما عليك حبيبتي طنشيهم , لو عرفوا ظروفك ما سووا كذا .
ابتسمت يُمنى / خلينا من المعلمات , لو زميلاتي بالفصل عرفوا هههههههههه فشلة وربي .
ابتسمت لها بشرى / ما عليك ما راح يعرفون , جسمك مثل وحدة في الـ14 مو فوق العشرين وانتي عارفة هالشيء .
يُمنى بضحكة / بلا كذب ومجاملة بشرى , وخليك صادقة , لأني ما انتظر الصراحة إلا منك ومن مساعد .
صرخت بها بشرى بغضب / وانا صادقة يا حمارة .
أجفلت يُمنى من صراخها , ثم ضحكت / طيب طيب كنسي .
أكملن التنظيف , وأخذوا استراحة مدتها نصف ساعة بعد صلاة المغرب , ثم أخرى .. ربع ساعة بعد صلاة العشاء .
انتهوا أخيرا , والساعة تشير إلى العاشرة مساء .
بعد ان انضمت إليهم سمية .
وتكفلت هديل بإحضار الطعام .
كانوا منهكات تماما , حين جلسوا حول السفرة .. بعد استحمام سريع بالماء البارد .
ولم تمر سوى ساعة واحدة بعد تناولهم الطعام , حتى غرقوا في نوم عميق .
ليستيقظوا باكرا , ويبدوأن بإعداد الطعام .

____________


الساعة الخامسة عصرا ..

ألقى على نفسه نظرة أخيرة , بعد أن وقف أمام المرآة الطويلة بجانب السلم .
ثم هبط بخطوات سريعة .
كان المنزل هادئا , سأل العاملة عن أفراد العائلة .
لتخبره أن والديه خرجا عقب صلاة العصر ليشتروا ما يلزمهم للذهاب إلى الديرة .
أما البنات فلا تدري عنهم .
هز كتفيه باستغراب .
وخرج مسرعا , إلى عاطف الذي ينتظره بالخارج .
حين اقترب من سيارته , تفاجأ واندهش من الجمع بجانبها .
وجد عاطف يقف أمام السيارة , بينما الفتيات بعيدات عنه قليلا بجانب الباب الخلفي للسيارة , سأل / عسى ماشر , وش فيكم ؟
نظر إليه عاطف بابتسامة واسعة / صح نسيت أعلمك , حبيت أعزم البنات بعد بمناسبة فرحتهم بجية نوف .
اقترب منه عائض بحدة ورفع رجله ليركله على جانب ساقه / وانت كل ما صار شيء قلت مناسبة ؟
ضحكن الفتيات , لتقترب ضحى من عائض وتمسك بيده بدلال / يعني خواتك الحلوات ما يستاهلون عزيمة ؟
ابتسم لها / إلا أكيد , بس ليتكم علمتوني من قبل , وبعدين ليش كلكم عند سيارتي ؟
أتاه الرد من لينا / ما دريت ؟ سوى حادث والسيارة صارت في خبر كان .
اتسعت عيناه بدهشة / كيف ؟ متى ؟
ضحك عاطف / ما عليك أنا بخير وما فيني إلا العافية , السيارة ولا روحي صح هههههههههه .
هز رأسه بأسى , ثم تأفف وهو يدخل إلى السيارة , ويتبعه الجميع .
حين رفع عيناه إلى المرآة ليعدلها , سقطت بعيني نوف التي تتأمله بصمت ,
تنهد بضيق , ثم شغل المحرك .. ليحرك السيارة متجها إلى الشارع العام / أي كوفي تبون ؟
عاطف / روح للي تبيه انت .
بعد صمت قصير , تحدث عاطف فجأة / تبون تسمعون شعر يا بنات ؟
ارتفعت أصواتهم جميعا إلا نوف الهادئة منذ البداية / لا تكفى .
لينا / ارحمنا من شعرك الفصيح الخايس .
نجد بحدة / انتي الخايسة وش دراكم عن الذوق الأدبي يا جيل عشق موت .
اصطنع عاطف الزعل / خلاص أنا زعلت ما بقول شيء .
ضحك عائض وهو ينظر إلى نجد من خلال المرآة / نجد , وش يقول قيس بن ذريح , وإني لأهوى النوم ….
أكملت نجد / وإني لأهوى النوم في غير حينه .. لعلَّ لقاء في المنام يكونُ
تحدثني الأحلام إني أراكم .. فيا ليت أحلام المنام يقينُ
نظر عاطف إلى عائض بطرف عينه , ثم التفت ينظر من خلال النافذة يدعي أنه لم يسمع .
ضحك عائض وهو يضربه على كتفه / كأنه في واحد قال لي لما رجعت , لعلّ طيفا في المنام يكونُ .
تعالت ضحكات البنات الساخرة , بينما اغتاظ عاطف ليقول / طيب ليش ما نبهتني ما كان في داعي تفشلني قدام البنات .
همس له عائض / قدام نوف .
اكتفى عاطف بابتسامة , ثم ارتفع صوته فجأة / طيب تبون أغني لكم ؟
الجميع / لا .
التفت إليهم يدّعي الصدمة / إيش فيكم عليّ يا بنات ؟ ترى صوتي حلو .. يلا ما علي منكم يالخايسات , نوف إيش تبين أغني ؟
استحت نوف ولم تجب على الفور , بل بعد ثوانِ بخفوت / عادي أي شيء .
ابتسم عاطف , وتنحنح يعدل صوته .. متجاهلا صرخات البنات الاستنكارية , ليغني ( قولوا لها أنني .. ما زلت أهواها .
مهما يطول النوى .. لا أنسى ذكراها )
وسكت , لينظر إليه عائض مستغربا / بس ؟
ابتسم / إيه بس , طالع ورى بيغمى عليهم من جمال صوتي العذب .
ضحك عائض , بينما ارتفع صوت ضحى من الخلف / أنباء عاجلة من مصدر خاص للفنان مـــ …….. , عن اعتزاله الغناء بعد سماعه هذا الصوت الخايس , وأصابته نوبة قلبية أدت إلى موته .
صرخ عاطف / يالسامجة .
تقدمت نجد من الخلف لتترجى عائض / عايض تكفى هالولد هيج مشاعري أبي أسمع الأغنية , تكفى شغلها .
شغل عائض الأغنية , لترتفع أصواتهم جميعا .. ويغنون معا .
حتى عائض المغتاظ من وجود نوف , نسيَ غيظه وغنى .
بينما نوف تنظر إليهم بابتسامة .
تتمنى لو تملك عائلة وإخوة مثل هؤلاء الرائعون .
وصلوا إلى المقهى أخيرا .
بعد ان انتهوا , وحان وقت دفع المبلغ .


فيتامين سي 31-08-19 04:40 AM



بعد ان انتهوا , وحان وقت دفع المبلغ .
أخرج عاطف محفظته , ليشهق / نسيت فلوسي وبطاقتي في البيت .
نظر إليه عائض بصمت , ونظرات حادة / احلف .
ازدرد ريقه وأخفض رأسه , كأنه نادم ومُحرَج .. ليقول بهدوء / خلاص انت ادفع الحين , إذا رجعت البيت برجع لك , صدقني .
ضربه عائض على رأسه / ماهي أول مرة يا حمار , أدري انك متعمد , بس دواك عندي .
ضحى / إيه والله متعمد , شفته يخرج الفلوس والبطاقة ويحطها في الدرج قبل لا يجي .
رمقها عاطف بنظرة حارقة لتبتلع لسانها .
كتم عائض ابتسامته , ليخرج المبلغ من جيبه ويدفع .
ليضرب عاطف على رأسه من الخلف بقوة / آخر مرة , لا وعازم الجيش كله .
كتم ضحكته هو الآخر , وقلبه يتراقص فرحا لأنه لم يضطر للدفع .


خرجوا من المقهى متجهين إلى السوق .
فاجأ عائض نجد , حين افترق الجميع وأصبح هو معها , حين سأل / يُمنى وش تحب ؟
رفعت أنظارها إليه بدهشة / إيش ؟
تحاشى النظر إليها , متظاهرا بالإنشغال بما بيده / أقول يُمنى وش تحب ؟ أبي أشتري لها شيء , بما إني بروح بعد هالفترة الطويلة .
فغرت فمها بذهول , لتمسك بذراعه وتسحبه معها إلى الخارج , حتى أجلسته على مقعد وجلست بجانبه / احلف , بتروح ؟
هز رأسه بإيجاب / أبوي يبيني أروح , غصبا عني .
نظرت إليه بصمت لبعض الوقت , ثم قالت / طيب , يبيك تروح غصب , بس .. بس خلاص ما لك دخل فيها , إيش اللي إيش تحب يُمنى وتبي تشتري لها ؟
رمقها بنظرة غريبة , لتسأل بصدمة / لسه تحبها ؟
تنهد بضيق / ما نسيتها أبد .
أشفقت عليه نجد / يا روحي يا عايض , المفروض تنساها من أول , خلاص هي ما عاد تبيك ولا من نصيبك .
أجابها بهدوء / حاولت أقنع نفسي بهالشيء من خمس سنين , بس .. ما قدرت , وظنيت إني نسيت , بس كل ما رحتوا انتوا للديرة أرجع أفكر فيها مثل قبل , والحين عاد وأنا رايح بعد هالمدة !
عضت شفتها بحزن / طيب عايض روح , بس لا تأخذ لها شيء ترى مو من صالحك إذا تقدمت أي خطوة , ما دام مافي أمل ترجعون لبعض .
نظر إليها بحدة / ليش مافي أمل ؟ نجد تكفين على الأقل انتي اوقفي معي , تعبت ترى .
نجد / لأنك تعبت يا عايض ما أبيك تتأمل زيادة وتنجرح , يُمنى جاها اللي يكفيها , لا ترجع تدخل في حياتها مرة ثانية , تراها بالقوة رجعت وقفت على رجولها , حتى لو كنت أخوي , أنا ما أرضى عليها , سامحني .
تنهد هو الآخر بضيق / تتوقعين عايض ممكن يأذي يُمنى بيوم من الأيام ؟ تعرفين قد إيش أحبها , وقد إيش أخاف عليها حتى من نفسي .
نجد بإصرار / يا حبيبي يا عايض والله عارفة إنك مستحيل تأذيها , بس هي خلاص , ما تثق بأي أحد غير مساعد , مستحيل تسمح لأحد يدخل حياتها مرة ثانية , لا انت ولا أي أحد غيرك .
اكتفى بالصمت , وعيناه تنظران إلى الفراغ أمامه .
يعرف هذا الشيء جيدا .
ولكنه غير قادر على نسيان تلك المخلوقة .
لكم يغار من مساعد , ويحقد عليه لقربه من يُمنى إلى هذه الدرجة .
حتى أنه لازمها طوال حياتها .
وقف بابتسامة باهتة / ما عليك نجد ,خليني اشتري الهدية وانتي أعيطها اياها , ما راح تعرف انها مني .
وقفت متكتفة / ما راح أقول لك وش تحب , بلاش تسوي هالحركة الغبية عويض .
نظر إليها بحنق / لا تقولين , أنا أعرف أكثر منك هي وش تحب .
تنهدت نجد بضيق وهي تنظر إلى قفاه .


__________


في اليوم التالي ..

لم تصل xxxxب الساعة إلى الواحدة ظهرا , إلا وقد امتلأ المنزل بالضيوف .
اخوة يٌمنى وأبناءهم , وأعمامها وعماتها .
أصبح البيت يضج بأصوات النساء وضحكاتهم , وصراخ الأطفال .
الآتون من بعيد , جلسوا يرتاحون في المجالس .
أما الفتيات الشابات , فقد أتوا منذ الصباح الباكر ليساعدوا يٌمنى وبشرى .
الجميع يعمل على قدم وساق .
حتى الشباب في الخارج .
بعد مُضي ساعتان من تناولهم الغداء , جلسوا يتسامرون ويضحكون .
بعض البنات لا زالوا يعملون في المطبخ , ينظفن الصحون ويرتبن المطبخ .
بينما جعلوا يُمنى تخرج من المطبخ رغما عنها , هي وسمية وبشرى .
المتعبات بحق .
كان الجميع معتادا على سمية , وأحاديثها التي لا يمل منها .
جلست مع النساء تتحدث إليهن وتضحك .
أما يُمنى , فكانت تجلس مع بنات عمومتها واخوتها بصمت .
تستمع إليهن ولا تشارك بأي تعليق , كعادتها .
تنبهت فجأة , وهي تسمع جميلة ابنة عمتها تقول / غريبة هنادي جاية لوحدها مع خالي , لينا وخواتها ما جوا لسه , ماهم جايين ؟
ردت هديل / إلا , كلمت ضحى من شوي , تقول اضطروا يوصلون نوف بنت خالتهم عند خالتهم الثانية سعاد عشان كذا تأخروا .
سمر الواقفة بجانب النافذة تتأمل من بالخارج , وبيدها كوب قهوتها , شهقت / الطيبين عند ذكرهم وصلوا .
لتشهق مرة أخرى وتقول بصوت أعلى / وحزروا مين جايبهم ؟ عايض .
نظر إليها الجميع بدهشة , وعمّ الصمت .
لتتجه الأنظار إلى يُمنى , المتظاهرة بالانشغال بهاتفها وعدم سماعهم .
بينما قلبها يخفق خلف ضلوعها بقوة .


نظرت بشرى إلى الجميع بحدة , ليفهمها الجميع ويعودون إلى الحديث مجددا .
وقفت يُمنى / بروح أجهز لهم القهوة .
قالتها وابتعدت .
وهي تغمض عيناها وتتنهد .
كأنها ترى من ظهرها نظرات الشفقة المصوبة نحوها .
كانت يداها ترتجفان , وهي تحاول وضع الأكواب الصغيرة على الصينية .
حين أتت بشرى من خلفها / عنك , أنا بسوي .
ساعدنها الباقيات في تجهيز صينيتين .
تنظر إليها بشرى بطرف عينها , حين جلست وأخفضت رأسها .. وهي تقبض على الهاتف بقوة .
نبهتها بعد ان انتهت / يلا يُمنى .
وقفت يُمنى وذهبت خلف بشر التي حملت الصينية عنها , حين اقتربت من باب المجلس .
تنفست بعمق لتخفف من توترها , ثم دخلت .
لتبتسم للفتيات .
اقتربت منهن , ليصافحنها ويسلمن عليها بحب .
كما فعلن طوال الخمس سنوات الماضية .
وأثبتن لها أن خلافها مع عائض , لم يغير شيئا من مودتهم وحبهم لها .
كان هذا الظاهر أو الواضح بالنسبة للجميع , الجميع بلا استثناء .
سواء اخوتها أو غيرهم من أقاربها , بما فيهم شقيقات عائض .
أما بالنسبة ليُمنى ..
ترى تصرفاتهم وتعاملهم الأكثر من لطيف معاها , ليس سوى قشرة .. لفت شفقتهم وحزنهم عليها .
لذلك لا تأبه لشيء .
ولا يهمها أي أحد , غير سمية ومساعد وبشرى .
وهديل ربما .
أما البقية , ليسوا سوى أناس أشفقوا عليها ,
فعاملوها بإحسان , زائد عن الحد .

_______


في مجلس الرجال ..

دخل عائض , وراءه أخيه عاطف ..
ليعم الصمت فجأة .
حزّ بخاطره ردة فعلهم , إلا أنه تجاهل ذلك .
وسلم بصت عالِ , ببشاشته المعهودة .
ثم صافح الجميع , وقبل رؤوس الكبار احتراما لهم .
بينما عاطف صافح الجميع بسرعة , وهو مخفض رأسه .. حين انتهى جلس في آخر المجلس , يحاول أن يخفي وجهه عن الجميع .
حين وصل عائض إلى مساعد , نظر إليه الآخر بعتاب , ليضغط على كفه / ما توقعت هالشيء منك عايض , قطاعة مرة وحدة ؟
ابتسم له عائض / آسف , كنت مجبور .
تنهد مساعد / ودي أعاتبك النهار بطوله , لكن ما دام جيت الحين , بنسى .. اشتقنا لك ياخي .
عانق عائض بقوة , وربت على ظهره , ليهمس / أتمنى مرة ثانية ما يفرقنا أي شيء يا عايض .
أومأ برأسه , يكتم في نفسه الألم .. ليكمل السلام على البقية .
جلس أخيرا بجانب عاطف , متجاهلا نظراتهم المصوبة نحوه .


____


في آخر الليل , جلس الجميع في الحوش الخارجي .
النساء والفتيات في جهة , والرجال مع الشباب في جهة أخرى .
نام البعض من تعب السفر والطريق .
حاولوا الفتيات أن يجعلوا يُمنى تخرج وتجلس برفقتهم , إلا أنها رفضت رفضا قاطعا .
بالرغم من اصرارهم الشديد , إلا أنهم لم يتمكنوا من اقناعها .
حتى تعللت بالتعب بسبب استيقاظها في وقت مبكر .
لتصعد إلى حجرتها , وتقفل الباب من الداخل كالعادة .
بدلت ملابسها , لترتدي بيجامة سوداء .
أفردت شعرها الطويل , ورفعت الأمامي بتاج أسود كذلك .
لتقف بجانب النافذة , وتزيح الستارة قليلا .
تحت نافذتها , كانت مجموعة الشباب .. مساعد , بجانبه عاطف .. صاحب الصوت العذب , الذي لا يتركوه إلا إن غنى لهم شيئا .
وبعد أن يشبع أسماعهم الجائعة لأصوات خالية من التأثيرات الموسيقية , يقولون مازحا أن صوته بشعا جدا .
بجانب عاطف , هو .. ثم الأخرون .
صارت تسمع صوت دقات قلبها في حجرتها الهادئة .
لترفع كفها وتضعها على قلبها .
وهي تتأمل ملامحه التي اشتاقت إليها كثيرا .
يا له من قاسِ ..
كيف امكنه الغياب طوال خمس سنوات ؟
كيف تمكن من الغياب عن أنظارها ..!
ودون شعور , نطقت بتلك العبارة بهمس , وعيناها تلمعان بالدموع / ليش يا عايض ؟
وكأنه سمع صوتها ورجاءها , ليرفع رأسه , وتسقط عيناه بعينيها .
ظلت واقفة في مكانها , تتأمله .. وعيناه الملهوفتان .
حتى شعرت بأحد الجالسين انتبه إلى عائض وهو ينظر نحو النافذة , فاختفت من أمام عينيه بسرعة البرق .


_____


انتهى الفصل
تفاعلوا الله يسعدكم , واذا في أي ملاحظات اكتبوا لي



فيتامين سي 04-09-19 02:26 AM



الفصل الثاني

____


في الصباح الباكر
عمّ الهدوء أرجاء المنزل , بعد أن سهروا الليل بطوله .
صلوا الفجر وذهبوا للنوم .
إلا هي .
نامت بوجه مبلل من الدموع , واستيقظت برأس مصاب بالدوار الشديد .
ابتلعت حبة مسكنة , ثم توضأت لتصلي الفجر , وتقرأ وردها اليومي .
بعدها ارتدت لباسا رياضيا .
واتجهت إلى الصالة الصغيرة , التي اعدتها لتمارس الرياضة .
بها بعض الأجهزة الغالية الثمن .
والديها لم يبخلا عليها بشيء , طوال سنوات مكوثها داخل سجنها المنزلي .
لذا استطاعت أن تحافظ على رشاقتها , ووزنها .
مارست الرياضة على مختلف أنواع الأجهزة , لمدة نصف ساعة .
ثم استحمت وارتدت قميصا واسعا طويلا , باللون الكحلي كالعادة .
أجمعت شعرها بعشوائية دون أن تجففه .
لتهبط إلى الدور السفلي , وهي متأكدة تماما بأن الجميع نيام .
دخلت إلى المطبخ , كان نظيفا تماما .
يبدوا أنهم نظفوا كل شيء قبل أن يناموا .
فتحت الثلاجة لتخرج البيض والزيتون .
إلا أن الصوت الغريب الذي أتاها من ناحية الباب الخارجي للمطبخ , أجفلها .. ليسقط من يدها كل شيء / صباح الخير يُمنى .
ارتجفت وهي تغلق باب الثلاجة ببطء , وتعود إلى الخلف بتلقائية حتى ارتطم ظهرها بالخزانة .



ليصلها صوته الهاديء / لا تخافين يُمنى , ما راح أدخل ولا بسوي لك شيء .
ابتعلت ريقها بارتباك وخوف , ولم تقل شيء .
مرة أخرى تحدث بخفوت / حبيت أتطمن عليك , إن شاء الله إنك بخير ؟
زمت شفتيها بقوة , وعيناها ترمشان بسرعة , وعلى وشك أن تذرف الدموع .
تشد على قميصها بقوة , حتى ابيضت مفاصل يدها .
سأل / يُمنى ؟ إنتي موجودة ؟
تنهدت , تستجمع قوتها لتخرج هذه العبارة القصيرة / روح يا عايض .
أغمض عيناه , حين أتاه صوتها أخيرا / الحمدلله إنك بخير , بس تدرين .. عيونك أمس , كانت تقول لي العكس , كانت تترجاني أبقى .
أمسكت نفسها بقوة , لكي لا تبكي وتنهار / لا تكذب , ما شفت عيوني من بعيد .
ضحك / كنتت أعرف اللي فيك وأنا في المدينة , تعتقدين ما بعرف وما بيني وبينك إلا الشباك ؟
تنفست مرة أخرى بعمق / روح يا عايض .
صدمها بما قاله / أحبك .
لترفع عيناها بدهشة وذهول , وتبصر كتفه من النافذة .
تنهدت بوجع , وعيناها تذرفان الدمع أخيرا .
كم تمنت لو استطاعت أن تلمس ذلك الكتف , أو تبكي عليه .
مشتاقة إليه بشدة .
ولكن , لا تستطيع .
لن تعود إليه أبدا مهما حصل .
إتيانه أوجعها أكثر مما أسعدها .
لم ينبغي عليه أن يأتي , إطلاقا .
أو على الأقل , لم يكن عليه أن يأتي ويتحدث إليها .
ضحك عائض / صدمتك ؟ ترى سهرت الليل كله عشانك , لأني عارف إنك نمتي بدري , وبتصحين الفجر , تتريضين نص ساعة بعد الصلاة وتنزلين عشان تفطرين , ما تغير جدولك , ظل ثابت مثل ما هو .
عضت شفتها بقوة , وهي تحاول أن توقف بكاءها .
كانت تود أن تعاتبه , أن تسأله عن سبب ابتعاده .
إلا أن صوت خطوات آتية من داخل الصالة , جعلها تتحدث بسرعة / روح يا عايض , في احد جاي .
قالتها ومسحت دموعها سريعا .
ثم أسرعت نحو المغسلة لتغسل وجهها بقوة .
التفتت حين سمعت صوت مساعد / صباح الخير .
ردت بهدوء وهي تجفف وجهها بالمنديل / صباح النور , ما نمت ؟
هز رأسه نفيا وهو يجلس على أحد الكراسي حول الطاولة / لا , انتظرتك تنزلين عشان أتطمن عليك , ايش فيه جوالك مقفل ؟
ردت وهي تنظف الفوضى بجانب الثلاجة , وتحاول أن يكون صوتها ثابتا بقدر الإمكان / نسيت أشحنه .
صمت قليلا , يحاول أن يعرف ما بها من خلال ملامحها / إنتي بخير ؟
هزت رأسها بإيجاب / إيه أكيد بخير , وش بيكون فيني يعني ؟
تأملها لبعض الوقت , قبل أن يقول / أقصد عشان , عايض جا بعد فترة طويلة .
ضحكت وهي تقف بعد أن انتهت من التنظيف / وش دخلني فيه ؟
عقد حاجبيه / سمعتي عن جيته صح ؟
أومأت بإيجاب / إيه سمعت يا مساعد , وخلاص تكفى الله يسعدك قفل الموضوع , أنا وعايض انتهينا من زمان .


زم شفتيه بعدم رضى على ما قالته .
ارتجافها الشديد وهي تمسك بالمنظف , ثم الرجفة في صوتها .. يأكدان ويثبتان له العكس .
وأنها لم تنسى عائض يوما .
فاجأها بما قاله بهدوء / ما له ذنب .
لتنظر إليه بدهشة / هااه ؟
أكمل / عايض ما له ذنب باللي صار .
زمت شفتيها لترد باقتضاب / عشان ما له ذنب يا مساعد , تركته .
مساعد باصرار / بس هو راضي يا يُمنى , عارف وراضي بكل شيء , حتى قبل خمس سنين لما طلبتي منه يتركك حاول وبقوة انه يرفض طلبك بس كنتِ مصرة , وإلى الآن ما نساكِ يا يُمنى , لسه يبيك , عرفت هالشيء من شفته أمس , ليش ما تعـــ …….
قاطعته بحدة وغضب وهي تضع الصحن الزجاجي على الطاولة بقوة / بس يا مساعد , عايض طلب منك تقنعني ؟
هز رأسه نفيا وهو يتأمل عيناها وملامحها / لا .
شعرت بالخيبة بالرغم من أنها كانت تنتظر عكس هذا الجواب , لترد بهدوء / أجل خلاص , قفل الموضوع .
تنهد بضيق , وعيناه محمرتان من شدة النعاس .
قبل أن يقول شيء آخر , التفت على صراخ وصوت سقط احداهن .


تركت يُمنى ما بيدها , لتركض نحو الباب .
انحنت تتفقد الساقطة على وجهها , حتى تعرفت على الفتاة من شعرها / نجد , انتي بخير .
جلست نجد بصعوبة وهي تأوه وتأن / آآه انكسر خشمي .
أخفضت رأسها لتعرف سبب سقوطها , ليعلو صوتها بغضب / مين حاط هالأكياس الشفافة هنا اللي ما شفتها بسبب الظلام .
اتسعت عينا مساعد , وعض شفته يمنع نفسه عن الضحك .
إلا أنه لم يتمكن .
فارتفع صوته عاليا .
لتصرخ نجد بغيظ / مساعد يالحمار .
أخفضت صوتها تشتمه وتسبه , ثم صرخت مرة أخرى / دم دم .
مساعد / سلامات يا دكتورة .
نجد بغضب / انطم يا حمار , ليش حاط الأكياس على الأرض ؟
مساعد بابتسامة / كنت بشيلها وانا طالع , جايبها بعد نظفت وصخ اخوانك وقذارتهم .
نجد / والله ما الوصخ غيرك .
وقف مساعد ليهم بالخروج وهو لا زال يضحك , ولكنه توقف قليلا / أبشرك يا نجد , خطبت زميلتك اللي كلمتيني عنها , وان شاء الله بس ترجع بشرى للمدينة بنروح نشوفها .
نجد التي وقفت بمساعدة يُمنى , صرخت بدهشة / احلف , ياخي الحمدلله , قلت لك طيف بنت ما تتعوض , الله يوفقكم يارب .
يُمنى كالضائعة بينهما / لحظة , مين طيف وتخطب إيش فهموني .
ابتسم لها مساعد / خليها تشرح لك , بروح أنام .


خرج من الباب الخلفي .
لتساعد يُمنى نجد , حتى أجلستها على الكرسي .
وأسرعت نحو الثلاجة لتخرج بعض مكعبات الثلج .
جلست بجانبها وأخذت تمرر الكعب على الجبين وعظام الخد الأيمن المحمرين , وهي تحاول أن تتمالك نفسها بقوة كي لا تضحك على خيالها الذي يرسم طريقة سقوط نجد .
تذمرت الأخرى من ارتجاف يد يُمنى , لتنزل قطعة القماش من أنفها , والمتحولة من الأبيض إلى الأحمر / اضحكي وفكيني .
ضحكت يمنى بصوت عالٍ / كيف طحتي على وجهك مو قادرة أتخيل .
ابتسمت نجد وأخذت تتأمل يُمنى , لتصدر تنهيدة ضيق دون شعور .
اختفت ابتسامة يُمنى بعد سماعها تلك التنهيدة , لتقف وتضع الثلج / سوي بنفسك أنا ميتة جوع بسوي لي فطور , مزعجين انتي ومساعد , وش منزلك بهالوقت ؟ ليش ما نمتي ؟
أخذت نجد قطعة ثلج وابتسمت , هذا ليس اسلوب يُمنى , واضح أنها تريد السيطرة على نفسها / ما تعشيت زين , سوي لي معاكِ .
يُمنى وهي توليها ظهرها وتحضر إفطارها على الصينية / ما في غير النواشف , أنا اتبع حمية .
نجد / هههههههههههه من يومك تتبعين حمية يا يُمنى , راح استغرب اذا ما شفتك هيكل بعد كم يوم .
عمّ صمت قصير لعدة ثوانِ , قبل أن تقول / صحيح , جايبة لك هدية .
التفتت إليها يُمنى / بمناسبة ؟
ابتسمت نجد / انك رجعتي للدراسة , مبروك يا يُمنى وربي يوفقك .
أومأت لها بإيجاب , وردت بهدوء / شكرا .
عمّ الصمت مرة أخرى .
لتقطعه يُمنى بتأوه .
ركضت نجد نحوها / وش فيك .
شهقت وهي ترى اصبع يُمنى المجروح , والدم ينزف بغزارة / وين شنطة الاسعافات ؟
أمسكت يمُنى باصبعها وأغمضت عيناها تكتم صرخة الوجع , لتقول بصوت منخفض من الألم / الدولاب الصغير جنب الدرج .
أمسكتها نجد من ذراعها , وأجلستها على الكرسي / تمام اجلسي , بجيك الحين .
حين عادت نجد بالحقيبة .
تفاجأت بيُمنى وهي تجهش بالبكاء , وبصوت عالِ نوعا ما .
أسرعت نحوها لتبدأ بتضميد جرحها الكبير نسبيا .
بينما يُمنى تصرخ وتتأوه , قائلة / مو قادرة أتحمل يا نجد , والله كذا كثير علي .
عضت نجد شفتها السفلية بحزن .
لترفع عيناها إلى ملامح يُمنى الناطقة عن وجع كتمته منذ مدة طويلة , ولم يعد بإمكانها كتمه وتحمله .
تعلم جيدا , أنها لا تقصد ألم جرح الأصبع .. بل ألم جرح القلب .
وأنها لا تبكي بسبب اصبعها أيضا , بل بسبب وجع قلبها .
لتقول بهدوء / هوني على نفسك يا يُمنى , وانسي .. عشان تنبسطين انتي وينسبط غيرك .
هزت يُمنى رأسها عدة مرات , قبل أن تضع رأسها على كتف نجد باستسلام تام / ما أقدر يا نجد , والله ما أقدر , تكفين قولي له يسامحني .


_______


في المدينة ..


جافاها النوم ليلة الأمس أيضا , كما هو الحال منذ شهرين .
كيف وقد تغير مكان نومها فجأة ..!
تجلس على السرير , تضم ركبتيها إلى صدرها .
في حجرة ابنة خالتها الصغرى سعاد , الفتاة التي تبلغ من العمر 12 سنة .
اضطرت أن تنام في حجرتها .
لا بأس ..
إن كان ذلك يبعد عن أعين عائلتها المعاتبة , حتى ولو كان لمدة قصيرة .
المهم أن تبتعد .
صحيح أن الهروب ليس الحل , إلا أنها متعبة بشدة .
كلما خرجت من حجرتها , ووقعت أمام أحدهم .. نظر إليها بغضب وقهر , حتى تشعر بجسدها يرتجف اثر تلك النظرات .
أخيها عمر , وزوجته هيفاء .. بل حتى والديها .
كأنها كانت متعمدة , كأنها أرادت أن تقتل ابنة أخيها بنفسها .
تلك الصغيرة , بياض الثلج الحقيقية في هذا العالم .
الطفلة ذات الثلاث سنوات , رَند ..
يا إلهي كم تشتاق إليها .
قبل شهرين , كانت عائدة من الجامعة منهكة تماما , فهي على وشك التخرج , وعليها أن تبذل ما بوسعها لتتخرج بمعدل جيد .
لتجد باستقبالها الصغيرة رَند , والتي تنتظرها كل يوم .
بل تنتظر الحلويات التي تحضرها نوف .


ركضت نحوها الصغيرة , وحاوطت ساقي نوف بذارعيها الصغيرتين , وتسأل بنبرتها الغير مفهومة .. إن أحضرت لها الحلويات أم لا .
لتشهق نوف وتجلس على ركبتيها أمام الصغيرة بحزن / يووه نسيت والله إيش أسوي الحين .
غضبت الصغيرة وأخذت تبكي , حتى حزنت نوف على حزن الصغيرة .
لتلتفت إلى من دخل وراءها , والد رند / عمر تكفى روح جيب لها شي من البقالة , اليوم أنا نسيت اشتري وزعلت .
أجابها عمر بوهن / والله مالي نفس أطلع بهالحر , دولابها مليان حلويات أعطيها من هناك .
نوف / ما تبي إلا من برة الحين , تكفى .
ابتعد عمر وهو يهز رأسه بالنفي , ودخل إلى المطبخ .
ركضت خلفه / طيب أنا بروح وباخذها معي .
عقد حاجبيه / نعم ؟ أقرب بقالة بعد شارعين , خلاص هديها بأي شيء .
هزت رأسها لتركض نحوه / بروح بسيارتك , تكفى عطني مفتاحك تدري اني اعرف أسوق انت بنفسك علمتني , تكفى تكفى تكفى .
وأخذت تصر عليه وتتدلل رغم رفضه الشديد ورفض والدتها وهيفاء .
إلا أنه استسلم أخيرا , لتقفز بفرح .. وتحمل الصغيرة وتخرج .


وجدت نفسها على سرير المستشفى , بعد اسبوع من خروجها من المنزل برفقة الصغيرة .
لم تستوعب بعد ما حدث , حتى تفاجأت بهيفاء تهاجمها وتضربها وتصرخ بها بغضب عاصف .
كانت منهارة تماما , وعمر يحاول تهدئتها .. إلا أنه فشل , ليهاجمها هو الآخر , ويتهمها بقتل الصغيرة .
حينها اصيبت بنوبة من الصدمة وعدم الإستيعاب .
لم تصدق أبدا ما سمعته , حين تركاها بمفردها في حيرة تامة .. وخرجا .
لتدخل الممرضة بعد ذلك , وتتفحصها .. سألتها نوف عما حصل .
فأخبرتها أن الصغيرة قد فارقت الحياة , في الحادث المروري الذي تعرضت له برفقتها .
أجهشت بالبكاء وهي تسب نفسها وتشتم مرارا وتكرار , حتى شعرت بالتعب ونامت .

عادت إلى الواقع , وهي تشهق وتبكي بصمت .
تغطي فمها بيديها لتكتم صوت بكاءها .
منذ شهرين , أصبحت وحيدة تماما .
بلا رند ..
بعد وفاتها هجرها الجميع , تركوها بمفردها .
كل فترة والأخرى يذكرونها بما حصل , ويلومونها .
لا تلومهم أبدا .
فقدانهم لابنتهم فجأة ومن دون سابق انذار , صادم جدا وموجع .
حرقة قلبهم هي من تجعلهم يتصرفون بهذه الطريقة , ولكن هي ..
لم تتعمد , انحرف مسارها فجأة ودون أن تشعر .
لم ترغب بقتل الصغيرة ..هي أيضا تعاني .
لم تفقد رند فقط , بل فقدت ساقها اليمنى .
لتركب أخرى صناعية , حتى تواصل حياتها بطريقة طبيعية .
الأمر صعب , صعب جدا .
وعليها أن تتحمل حتى تفارق الحياة هي الأخرى ..


الجميع قد تغير عليها بالفعل .
إلا خالتها هنادي , وبناتها .
لذلك تلجأ إليهم دائما .
وحين قررت الابتعاد عن عائلتها لفترة , لم تجد سوى منزل هنادي .
ولو انها علمت عن نيتهم بالذهاب إلى الديرة , لما خرجت من المنزل أساسا .
فحتى سعاد باتت تعاملها بجفاء .
رحمتك يارب ولطفك ..


_______

فيتامين سي 05-09-19 11:53 AM




في العيادة ..


تقف حسناء من مقعدها , لترفع يديها وتمدهما إلى الأعلى بتعب .
حتى سُمعَ صوت فرقعة عمودها الفقري .
الساعة تشير إلى الخامسة عصرا .
يعني وقت عملها انتهى أخيرا , وستتمكن من مغادرة العيادة .
بعد أن تخرج ستسير على قدميها متجهة إلى المطعم أمام العيادة .
والذي يقدم مأكولات بحرية شهية جدا .
وهي بالطبع من مدمني الأكل البحري ..
لن تلتهم الطعام على الفور , بل ستستمتع أولا بمشاهدة البخار المتصاعد من الطبق الحجري .
وستلتقط صورا عديدة لتنزلها على تطبيق السناب شات .
ثم ستأكل ببطء , وتتلذذ بكل لقمة من طلبها المعتاد .
والذي أدمنته مؤخرا .
بعد ذلك ستشتري مشروبا باردا , يجعلها تنتعش حقا .
وهي في طريقها إلى ( الديرة ) .
قد سبقها الجميع بالفعل , منذ الأمس ..
وهي متأخرة جدا .
عليها اللحاق بهم في أقرب وقت ممكن , لن تجعلهم يهنؤون دونها .
صحيح أنها متعبة جدا , وظهرها يؤلمها .. وتشعر بالخدر في يدها .
إلا أن ذلك لن يمنعها من الذهاب .
لأن الاجتماع العائلي بنهاية الإجازة الصيفية , أبدا لا تُعوَّض .
لذا ضحت بوقت استراحة الغداء , وأكملت عملها وهي جائعة .
كل ما سبق , كانت خيالات تدور في ذهن حسناء , وهي تخلع العباءة البيضاء , وترتدي السوداء .. وتتلثم ثم تأخذ حقيبتها وهاتفها .
لأنها ما إن اقتربت من الباب , حتى طرقه أحدهم وفتحه .


كان ذلك الطبيب من الحجرة المجاورة لها , ابتسم بغباء وهو يراها مستعدة للخروج / طالعة ؟
أجابت بسخرية / لا قاعدة أسوي عرض أزياء .
ضحك بإحراج / آسف دكتورة حسناء لكن عندنا حالة طارئة وأنا جدا جدا مستعجل , وضروري أخرج الحين , ممكن تشوفين الحالة .
اتسعت عيناها بصدمة , لترفع يديها بإعتراض وتقول بصوتٍ عالٍ / لا معليش يا دكتور ما أقدر , أنا اليوم حتى ما أخذت استراحة وكملت شغلي وخلصته , ما أقدر .
الطبيب الآخر برجاء / أرجوك دكتورة والله إنه ولدي ينتظرني في الجامعة وعدته أجي أخذه .
حسناء بقلة صبر / وينها عايدة ؟ ليش ما تكلمها ؟
الطبيب / عايدة خرجت من الساعة 4 .
صاحت حسناء باستنكار / لا والله , تخرج قبل لا يخلص الدوام ؟ اعذرني يا دكتور لكن وراي طريق .
حين نوى التحدث بملامحه الحزينة , قاطعته / أنا بروح آخذ ولدك لكن لا تجبرني أشوف الحالة .
استغرب الطبيب / ولدي في الجامعة .
تأففت حسناء , وهي تتكتف بهدوء / إيش فيه مريضك ؟
ابتسم الطبيب لظنه أنها قد وافقت / خلع سن .
ضحكت بغير تصديق / واللهِ ؟ أجل خله يروح عيادة ثانية ماني فاضية , ما أشتغل في أوقات غير وقت دوامي .
تعدته خارجة من الغرفة .
لتتفاجأ بأحدهم يجلس أمام غرفة الطبيب ناصر , يمسك بخده .. مغمضا عينيه بقوة , يشد على قبضة يده الأخرى .
ويعض شفته من الألم .
أشفقت عليه .
اتجهت نوحه ووقفت أمامه متكتفة , وسألته بحدة / إيش عندك ؟
فتح الشاب عيناه ونظر إليها , ليعتدل بجلسته / أبي أخلع سني , تعالجت كم مرة وسويت حشو لكن خلاص ماني قادر أتحمل .
أغمضت عيناها بقلة صبر / ليش اليوم ؟
الشاب / هااه ؟
حسناء / أقصد ليش ما رحت عيادة ثانية ؟ خلاص دوامنا خلص نبي نرجع البيت والله ميتة تعب .
الشاب بملامح عابسة / أنا آسف بس ما قدرت أتحمل , تكفين اخلعيه وفكيني , رحت عيادات ثانية لكن ما حصلت أطباء , غير كذا الألم قوي مرة ما قدرت أسوق كويس وأروح عيادات بعيدة .
حسناء / كان طلبت مساعدة من أحد .
عقد الشاب حاجبيه / الحين بتعالجيني ولا لا ؟
غضبت حسناء / لا والله وتطول لسانك على اللي أكبر منك ؟ احترم نفسك يا مريض .
ضحك الشاب بغير تصديق , ليقول باستسلام / خلاص أنا مريض وقليل حيا , تكفين اخلعي سني .
أدارت عيناها بملل , ثم تنهدت بصوت مسموع لتقول / تعال .
اتجهت نحو الغرفة , لترى الطبيب ناصر يحييها ويبتسم لها من بعيد ثم يغادر / اللي ما يستحي .
دخلت إلى الحجرة وأوقفت الشاب / انتظر .
أقفلت الباب , لتعود وترتدي العباءة البيضاء .. وتستبدل اللثمة بكمامة .
لتفتح الباب وتدعوه للدخول .


أمرته بالاستلقاء , وجلست على مقعدها وهي تتذمر بعد أن خدرته بالإبرة .
سألته الأسئلة المعتادة , ثم التفتت إلى من طرق الباب المفتوح أصلا .
كانت موظفة الاستقبال التي طلبتها حسناء من خلال الهاتف .
وقفت وهي تتجه نحو المريض / تعالي ساعديني يا زينب , نور راحت من خلص الدوام , وناصر الله يأخذه للجنة ورطني بهالمريييض .
كتم بدر ضحكته وتأوه , لتقول باستنكار / يا كذاب خدرتك ما يعورك شيء , تعالي زينب .
اقتربت زينب وساعدتها , حتى انتهت من خلع السن البائس كما أسمته حسناء .
كانت طوال الوقت تتذمر وتتأفف , وتشتم المريض ..
وتتفوه بعدة عبارات ( بسببك ما أقدر أشوف أهلي اليوم كمان – لو غربت الشمس وما وصلت الديرة بتتحمل المسؤولية – يا ويلي من مساعد إذا سقت والدنيا ظلمة – بموت جوعك بسببك ما راح يمديني آكل سمك اليوم – يا ويلي من مساعد – يا ويلي من أبوي – حسافة ما أقدر أشوف الديرة بالنهار حتى ) .
وغيرها الكثير من العبارات التي جعلت زينب تغرق بالضحك , وبدر يكتم ضحكته .
ولم تصمت إلا حين قال بصعوبة / عيونك حلوة .
توقفت لثانية , لتقول بغضب / يا قليل الحيا , تراك مو مخدر بالكامل عشان تغيب عن الوعي وتقول كلام ما له داعي , احترم نفسك وانطم .
ابتسم / أنا بكامل وعيي , وصادق .
احمرت وجنتيها , ثم أكملت بصمت وهي غاضبة .
حتى انتهت , وابتعدت .
ودونت على الورقة شيئا ما بسرعة , ووضعتها على الطاولة / هذي الأدوية والمسكنات اللي بتأخذها , وموعد المراجعة , لا تنسى تاخذ سنك وتحطه تحت مخدتك عشان جنية السن تأخذه وتأخذك ويفك العالم من أمثالك اللي يعطلون الناس ويتعبونهم فوق تعبهم .
ابتسم بدر واقترب ليأخذ الورقة / آسف والله بس صدق ما قدرت أتحمل الألم , ولو ودك أوصلك عادي ما عندي مشكلة .
حسناء بلا مبالاة / انت صدق قليل أدب , ايش اللي توصلني ؟
بدر / خدمة انسانية .
حسناء / وفر هالخدمة لنفسك وروح ريّح , وأنا بعد بروح أنام وراحت عليّ الرحلة .



شعر بدر بالحرج , وحزن عليها / أنا صدق آسف .
وقفت حسناء من المقعد / خلاص يا شيخ اطلع على الأقل خلني أروح أتغدى يااه .
شكرها بدر واعتذر منها عدة مرات قبل أن يخرج .
كانت منهكة تماما , وهي تخرج من باب العيادة .
لتتفاجأ بالمريض يقف بالقرب من باب المطعم , ويرفع يده مشيرا إليها .
اتجهت نحوه وهي مستغربة / نعم ؟
ابتسم لها / غداك على حسابي , اطلبي اللي تبيه وأنا بدفع .
نظرت إليه مستغربة , وبصمت لبعض الوقت قبل أن تقول / أوكي , أنا ما أرفض الأكل المجاني صراحة ولو اني مستغربة منك , بس مو أحسن لك تروح البيت ترتاح أكيد انك مصدع الحين .
بدر / أجل لا تطولين وانتي تطلبين .
رفعت حاجبها / ما راح أطول .
فتحت الباب ودخلت , ليبتسم لها الموظف الذي حفظها وحفظ طلبها عن ظهر قلب , وما إن رآها حتى وقف وذكر طلبها بالحرف .
لتلتفت إلى بدر وتحرك حاجبها , فكتم هو ضحكته على حركتها الطفولية .
لم تمر سوى عدة دقائق , حين كانت تجلس وأمامها أشهى المأكولات .
أخذت هاتفها لتبدأ بالتصوير , ثم تنزلها على الــ ( قصة ) وتكتب [ الأكل ألذ لما ما تكوني مضطرة تدفعين من جيبك ولا ريال ) .
أجفلت حين اتصل بها والدها , لتجيب وتخبره أنها لن تستطيع القدوم اليوم , لأن الوقت قد تأخر فعلا ..


_____


في الديرة ..

كل الآتون من الأماكن البعيدة , لديهم عادة ثابتة .. يفعلونها في كل اجتماع .
حين تبرد الشمس , أو قبل المغيب بساعة .. يصعدون أعلى الجبل وراء منزل منصور والد يُمنى الراحل .
الجميع بلا استثناء , إلا من يعاني من مشاكل الركبة أو يتعبهم السير مثلا .
كان عائض متلهفا بشدة لرؤية يُمنى حتى ولو من بعيد .
وكان محبطا بشدة , لعلمه أنها لن تأتِ .
مثلما فعلت بالأمس ..
حين خرج الجميع , بحث عنها بعينيه بين كل الفتيات اللاتي ترتدين العباءة وتغطين أوجههن .
ولكن أنى له أن يعرفها ..!
سأل عنها نجد , إلا أنها اخبرته أن يُمنى صعدت للنوم , ولم تخرج برفقتهم .
حينها اتجهت عيناه تلقائيا نحو نافذة حجرتها .
لمح طيفها , ولم يصدق ذلك ..
خشي أن تختفي بسرعة حين تجده ينظر ناحية النافذة , إلا أنها لم تفعل .
بالرغم من أنه لم يلمح سوى الطيف , إلا أنه فرح كثيرا ..
وتمنى لو رآها أمامه .
خيبت ظنه يُمنى , وخرجت لتصعد الجبل برفقة الجميع .
علم ذلك حين وصلته رسالة من نجد , تخبره فيها أن يُمنى قد خرجت بالفعل .
ليكتب ( نجد تكفين خليني أشوفها ولو من بعيد , ما ارح أتعرف عليها من بين هالجيش كله ) .


صعد الجميع , حتى انتصفوا الجبل .
وعائض يلتفت بين الفينة والأخرى .. يبحث عن نجد , ستفعل ما أمرها به بالتأكيد .
وستجعله يرى يُمنى بعد خمس سنوات .
انشرح صدره , حين مدت نجد يدها لإحداهن .. وهي تقول بصوت يصل إليه / هاتي يدك يُمنى .
توقف في مكانه .
بل توقف الزمن عند تلك اللحظة , وهو يرى هذا الجسد الصغير والنحيل .. لم تتغير يُمنى أبدا .
نحيلة كما عهدها , بل ربما أضعف , والعباءة أعطتها حجما أكبر .
لكنها صارت أطول .
حين مدت يدها , لمح اصبعا ملفوفا بشاش أبيض .
وباقي الأصابع , مخضبة بالحناء .
كما عهدها تماما .. لم تتغير أبدا .
كيف لم يتمكن من التعرف عليها ؟
هو أٍساسا لم ينظر إلى أي فتاة .. لذا طلب من نجد أن تساعده .
وكان مخطئا بالتأكيد .
أكمل طريقه بعد أن أشبع عيناه من النظر إليها من وراء الحجاب , وغض النظر .. وأكمل طريقه مخفض الرأس .
يؤلمه قلبه جدا , وتمنى لو عاد الزمن إلى ما قبل خمس سنوات , حتى يتمكن من أخذها معه إلى أبعد مكان , فلا تصاب بالأذّى أبدا .
مرت بباله قصيدة قيس , وهو يقول في ليلى :
ولما تلاقينا على سفح رامة .. وجدتُ بنان العامرية أحمرا
فقلت خضبت الكف بعد فراقنا؟ فقالت معاذ الله ذلك ما جرا
ولكنني لما رأيتك راحلاً .. بكيت دماً حتى بللت به الثرا
مسحت بأطراف البنان مدامعي .. فصار خضاباً بالأكف كما ترا.

ضحك بألم وهو يعاود النظر إلى تلك الجهة , هل بكت من أجلي يوما ..!

….


في جهة أخرى ..
ما جعل يُمنى تقرر الخروج من قفصها , شوقها الغير محتمل لعائض ..
خاصة بعد أن سمعت صوته صباح اليوم .
تركت كل الذكريات الأليمة جانبا , ولحقت بهم .
صحيح أن رأته , وتنظر إليه من خلال الصور التي يحدثها على مواقع التواصل دون علمه .
لأنه سجلت اسما مستعارا بدل اسمها لتراقبه .
لم تكن تدري عن العواصف التي ستثار داخلها حين تبصر عائض بهذا القرب .
أصبح وسيما , فاتنا .. تغار بشدة على من ستصبح زوجته في المستقبل .
مهلا .. هل سيصبح ذلك ؟
هل سيتزوج بأخرى سواها ؟
شعرت بالوجع على هذه الخاطرة , لتتنهد بضيق وهي تتحاشى النظر إليه أخيرا , منذ أن خرجت من المنزل .

حين فاجأتها نجد وهي تنادي بإسمها , وتمد يدها .
مدت يدها دون تفكر وقبلت مساعدة نجد , لتستوعب بعد ذلك أن عائض ليس بعيدا عنها .
وأنه .. ينظر إليها .
خفق قلبها بقوة , وازدردت ريقها بصعوبة وهي تكمل الصعود .
حين جلسوا في الأعلى .
كعادتها , تشبثت ببُشرى , وجلست بجانبها دون الجميع .
لتسقط عيناها على المنزل المهجور , والبعيد عن منزلهم نوعا ما .. لم تره منذ زمن , بدا واضحا جدا من فوق الجبل .
ارتجفت أطرافها , وشعرت بالدوار .. والذكري الأليمة المتعلقة بذلك المنزل تعاودها , حتى امتلأت محاجرها بالدموع , وغرست أظافرها بذراع بُشرى لا شعوريا .


شهقت بشرى وهي تلتفت وتنظر إلى يُمنى / بسم الله يمنى ايش فيك ؟
ظلت يُمنى ترتجف وتغرس أظافرها أكثر ودموعها تنزل بغزارة , وبصمت دون أن يشعر بها أحد سوى بشرى .
ظلت بشرى تلح عليها وتسأل , حتى رفعت يمنى أخيرا يدها ببطء .. وتشير ناحية المنزل .


قبل 10 سنوات بالضبط ..
كانت يُمنى تلعب مع الفتيات بسنها في الخارج ..
حين سمعت صوت بائع المثلجات الذي يدور في حيهم , وهو ينادي بصوتٍ عال حتى يجذب الأطفال , في هذا الوقت من النهار .. كان الجو خانق جدا , في نفس هذه الأيام من السنة , في عز الصيف .
فرحت يُمنى بشدة , لتركض عائدة إلى المنزل , وتطلب المال من أبيها .
كان أخيها سعود والد عائض موجودا ذلك الوقت , هو وأبناءه ..
منعها من الابتعاد عن المنزل .
إلا أنها لم تنصت له .
لتركض بأسرع ما لديها , وشعرها الطويل يتطاير من خلفها .
والعرق بلل وجهها الفاتن .
وتختفي وراء المنزل .. حتى وصلت بالقرب من ذلك المنزل المهجور , حيث بائع المثلجات .
طلبت ما أرادت , ولم تشعر به إلا وهو يسحبها فجأة ويدخلها داخل ذلك المنزل , وهي تصرخ متفاجئة وخائفة .
بدأت دموعها بالنزول , وهي غير مصدقة ما يحصل أمامها .
وغير مستوعبة ما يفعله ذلك الرجل الكبير جدا بالنسبة لها , إلا أنها فهمت أنه يحاول أن يتحرش بها ..!
أخذت تصرخ بصوتها العالِ , رغم محاولاته في تغطية فمها بقوة , إلا أنها ظلت تقاوم بشدة .. حتى شعرت بأحدهم يجذب الرجل من الخلف , ويدفعه على الأرض بشدة .
ثم يجلس على بطنه , ويلكمه على وجهه لكمات قوية , واحدة تلو الأخرى .
حين فرغ غضبه , اخرج هاتفه .. واتصل بالشرطة .
وظل مقيدا الرجل حتى لا يهرب .
التفت إليها وهو يلهث من غضبه ومن التعب , ليسأل / انتِ بخير ؟
حدقت إليه لبعض الوقت بذهول , ثم أومأت برأسها بإيجاب .
ووجهها غارق بالدموع , وثيابها في حال يرثى لها .
أصبحت ترتجف , وهي تعود إلى الخلف تلقائيا .
من نظرات الرجل المخيفة والبشعة جدا .
ليشعر بها ابن عمها ( سلمان ) ويلكمه مرة أخرى .
ارتفع صوت نحيبها فجأة , وركضت نحو المخرج .
نظر سلمان إلى الرجل بقلة صبر , ثم إلى يُمنى التي تركض بسرعة وتتعثر , تقوم وتتعثر .
ترك الرجل وركض إلى خارج المنزل , ارتاح حين رأى بعض الناس يقفون خارجه / روحوا قيدوه الشرطة بتوصل الحين .


أسرع حتى وصل إلى يُمنى , وأمسك بذراعها .
لتنتفض هي بقوة وتدفعه بعيدا عنها .
إلا أنها حين تعرفت عليه , بكت مرة أخرى واقتربت منه لتضمه دون شعور .
ترتجف بشدة .
طمأنها وهدأها , حتى أوصلها إلى منزل والدها .
كان سلمان آنذاك , يبلغ من العمر 23 سنة .
أما هي فــ 12 .
تلك الحادثة ..
نتجت عنها أشياء كثيرة .
غيرت حياتها تماما ..
وتركت بها أثرا بالغا , وعقدة نفسية .
هي ،والحادثة بعد خمس سنوات !

انتهى البارت ..
____

هذا تعريف بسيط بشخصيات الرواية المهمة :
يُمنى / الابنة الصغرى لوالديها , تبلغ من العمر ( 22 ) سنة .
بُشرى / زوجة أخيها سعود الثانية , والتي تزوجها بعد وفاة الأولى بمدة , تقرب لوالدهم ( منصور ) تبلغ من العمر ( 36 سنة ) معلمة للمواد العربية .
أبناء سعود من الزوجة الأولى ..
حسناء / الابنة الكبرى , طبيبة أسنان ( 31 سنة )
مساعد / الابن الوحيد من الذكور , يبلغ من العمر ( 29 ) سنة .
هديل / الابنة الصغرى لسعود , ( 18 سنة ) متزوجة ابن عم والدها ( حمود ) .

___

عائض / ابن عم يٌمنى ( راشد ) يبلغ ( 29 سنة ) .
عاطف / الابن الثاني لراشد , ( 27 سنة ) .
نجد / الابنة الكبرى ( 24 سنة ) .
نوف / ابنة خالتهم ( 23 سنة ) .
هذي فقط الشخصيات المهمة , ما حبيت أذكر أي شخصية ما لها دور حتى لا أشتتكم .
____

هذا البارت أخذ مني وقت طويل وجهد كبير , أتمنى تتفاعلون ربي يسعدكم
أشوفكم في البارت الجاي ..



فيتامين سي 11-09-19 12:52 AM



الفصل الثالث

____


لم تغب الشمس بعد ..
الجميع مستمتع بالهواء فوق الجبل .
إلا يُمنى التي زادت ارتعاشتها , حتى آلمت ذراع بشرى من شدة ضغطها وغرس أظافرها الطويلة عليه .
دفنت وجهها بصدر بشرى , تقول بصوت مرتجف / أبي أرجع البيت , تكفين أبي أرجع .
ربتت بشرى على ظهرها / طيب حبيبتي الحين بنرجع , بس انتي اهدأي .
آلمها قلبها على الصغيرة يُمنى ..
وتذكرت ما سمعته قبل 10 سنوات .
حين كانت في كنف أبيها وأمها ذلك الوقت , وكانت تبلغ السادسة والعشرون من عمرها .
وما إن سمعت بالأمر حتى هرولت إلى منزل خالتها والدة يُمنى , بما إنها كانت أيام العطلة الصيفية , فلك تكن منشغلة بالتدريس مثلا .
لتجد الأمور في فوضى تامة .
انصدمت .. بل صُعِقت وهي ترى ما يحصل أمامها .
كانت خالتها تخرج من المطبخ , بوجه مبلل بالدموع .. وتحمل بيدها سكين , متحولة إلى الأسود .
أسرعت نحوها ووقفت أمامها بدهشة / خالتي وش قاعدة تسوين ؟
أبعدتها خالتها ودفعتها جانبا , لتصعد إلى حجرة يُمنى بخطوات سريعة .
وتركض هي خلفها وقلبها يخفق خلف ضلوعها بعنف .
حين اقتربت من حجرة يُمنى , كانت صوت شهقاتها العالية تصل إليها .
تبكي بصوتها العالي , بكاء يقطع أنياط القلب .
وحين دخلت خالتها , صرخت يُمنى بقوة .. حتى ظنت أن البيت سيُهدم عليهم من قوة صرختها .
كان زوج خالتها في الداخل , يقف بجانب يُمنى , يحاول تهدئتها .
ولكن من أين لها ذلك ؟
وقد رأت هذه السكين على يد أمها ؟
ليصبح وجهها شاحبا كالأموات , وتسكن شهقاتها
وتتسع عيناها تماما , وهي تضم ركبتيها إلى صدرها , وتحشر نفسها في الركن أكثر وأكثر .
شهقت بشرى حين رأت خالتها تقترب من ابنتها أكثر , لتقف أمامها / خالتي اصحي وش ناوية تسوين ؟
صرخت بها بغضب / بعدي عني بشرى ولا بحرق وجهك انتي .
فغرت فمها بذهول , وهي لا تصدق ما تسمع .
هل تنوي حرق وجه ابنتها ؟


تفاجأت بنفسها على الأرض , حين دفعتها خالتها مرة أخرى حتى سقطت .
تعالت صرخات يُمنى مرة أخرى , بل وصرخات بشرى أيضا , وهي تحاول إيقاف خالتها بقوة .
إلا أنها كانت كالمغيبة عن الوعي تماما .
ولا تستوعب ما حولها , وهي تصرخ بقهر / قلت لك ما تطلعين من البيت لوحدك , ولا تبعدين عنه , بس ما سمعتي كلامك لين صار اللي صار , لو ما لحقك ولد عمك إيش كان بيصير .
يُمنى بنبرة تستنجد بها أمها وترجوها أن لا تفعل ما تنوي فعله / آخر مرة والله آخر مرة , خلاص ما عاد بخرج من البيت , ولا بروح أي مكان , حتى بين عمي راشد ما بروح له , تكفين لا تسوينها الله يخليك يمه لا تسوينها أبوس رجولك .
كل رجاءاتها صار في مهب الريح , ووالدتها تحاول إبعاد كفيها عن وجه يمنى الذي غطته .
وبشرى تصرخ من خلفها , وانصدمت وهي ترى زوج خالتها ساكن الجسد ولا يفعل شيئا .
لتقترب هي منه دون شعور , وتمسك بذراعه وهي تترجاه وتبكي / خالي سو شيء , وقفها تكفى لا تموت البنت .
أبعد ذراعها بلطف , وهو يهز رأسها بأسى ..
ليزداد نحيبها , وتركض نحو سعود الذي دخل للتو / سعود تكفى سو شيء وقفها , بتحرق وجه يمنى .. تكفى .
أسرع سعود نحو والدته / يمه تكفين لا ………..
اختفت باقي الأحرف داخل فمه , مع علو صوت صراخ يُمنى العالي جدا , والذي آلم آذانهم من قوتها .
توقفت دموع بشرى عن النزول من الصدمة .
وسعود توقف في المنتصف من شدة دهشته وذهوله , حتى مساعد , سقط جالسا على ركبتيه .
وهو يرى يُمنى تتلوى من الألم .
وجدته تبتعد , لتضع السكين على المنضدة , وتأخذ السكين من عليها .
أما جده فولاهم جانبه , وهو يمسح دموعه .
استوعبت بشرى من صدمتها , وهي ترى خالتها تقترب من يمنى مرة أخرى بالسكين , وتمسك بشعرها الطويل .
ركضت حوها مرة أخرى وأمسكت بكفيها برجاء / خلاص يا خالتي تكفين , كذا كافي والله كافي , الرجال ما قدر يعتدي عليها ولا قدر يغتصبها , ليش مكبرة الموضوع لها الدرجة , بتعقدين الصغيرة يكفي .
أبعدتها خالتها وهي تبكي بحرقة / مو أول مرة يا بشرى مو أول مرة , لو ما لحق عليها سلمان كان بيسويها , بنتي كانت بتضيع مني , أكثر من واحد كان بيغتصبها يا بشرى وكل مرة تسلم بفضل ربي , ما أبي هالشيء يتكرر .
بشرى برجاء / ما راح يتكرر خالتي أوعدك ما راح يتكرر , أساسا هي قربت تتغطى لا تعقديها تكفين , لو صار شيء مرة ثانية أنا بتحمل المسؤولية , بس خلاص يكفي .


تركت خالتها المقص , ليسقط على الأرض .
ثم غادرت وهي تبكي من القهر على ابنتها .
فعلا , يُمنى كانت طفلة فاتنة منذ الصغر .
كيف وقد بلغت الثانية عشر من عمرها , وبدأت علامات النضوج تظهر على جسدها .
حيث لم تسلم من التحرشات اللفظية أو الجسدية على حد سواء .
قبل فترة قصيرة , تحرش بها سائق يُمنى الذي كان يوصلها إلى مدرستها , بما أن جميع اخوتها في أماكن بعيدة , غير سعود المنشغل بالتأكيد بأبنائه , خاصة بعد وفاة زوجته قبل سنة .
واضطر والد يُمنى أن يجلب لها سائق خاص , لينصدما ذات يوم بيمنى تدخل وهي تبكي , قائلة أن السائق تحرش بها .
حينها بلغ والدها عنه إلى الشرطة , وعاد سعود يقلها ويذهب بها إلى مدرستها .


خرج الجميع من الحجرة كما طلبت بشرى , لتخلع حجابها الذي كتمها أخيرا .
وجلست أمام يُمنى , وجذبتها إليها .
لتبكي الصغيرة بقدر ما تريد .
ثم أبعدتها بلطف , لتشهق شهقة مريعة .
وهي ترى وجه يُمنى مشوه تماما .
ندبة على شكل السكين , من تحت عينها حتى فكها .
تحول الجلد من الأبيض الصافي , إلى البني المحمر .
نزلت دموعها حزنا على الصغيرة .
خاصة حين قالت يُمنى بصوت مبحوح / يحرق مرة يا بشرى والله مرة يحرق .
لتمسح بشرى على شعرها , ثم تقف / لحظة بخليهم يجيبون ثلج .
وقفت بالقرب من الباب , وفتحته قليلا وهي تصرخ بمساعد .
الذي كان يذرع الصالة أمام حجرة يُمنى جيئة وذهابا , قلقا عليها .
وما إن فتحت بشرى الباب حتى هرع إليها / نعم .
بشرى / انزل وجيب لي ثلج , وروح مع ابوك جيبوا مرهم حرق من الصيدلية , بسرعة قبل لا ينكمش جلدها أكثر ويتشوه وجهها .
مساعد / أبوي راح يجيب المرهم , الحين بجيب لك الثلج .


وخلال نصف ساعة , كانت يُمنى تنام بعد نوبة بكاء عنيف .
وبعد أن ساعدتها بشرى وجعلتها تستحم بماء دافيء .
ثم جففت شعرها , وظفرته لها .
ووصل سعود في الوقت المناسب , لتضع لها المرهم بعد أن استلقت وغطتها جيدا .
ثم نامت معها , وبقيت معاها أياما طويلة .
كانت يُمنى تخاف من أمها , وغضبها الناري .
لذا تعلقت ببشرى تماما , ولم تسمح لها بالمغادرة .

_______


الآن ..


رفعت بشرى صوتها عاليا , منادية بإسم مساعد .
الذي أتى إليها مستغربا .
واصابته الدهشة وهو يرى يُمنى في حضنها / خير عسى ما شر .
أشارت بشرى بعينيها تجاه المنزل , ثم إلى يُمنى / خلينا ننزل .
نظر مساعد ناحية المنزل , لتتسع حدقتيه بصدمة .
كيف سمح لها بالمجيء وهو يعرف تأثير ذكريات الماضي عليها .
ازدرد ريقه وهو ينحني , ويمسك بذراع يُمنى بلطف / يلا حبيبتي ننزل ؟
وقفت بمساعدته هو وبشرى .
نزل قليلا , وهو يسند جسد يُمنى الصغير عليه .
ثم التفت حين ناداه عاطف / مساعد على وين , لسه بدري تونا جايين .
مساعد / أنا بسبقكم , وانتوا بعد لا تطولون , انزلوا قبل تظلم الدنيا .


قالها وأكملوا طريقهم إلى الأسفل بحذر .
بشرى تساندها من اليمين , ومساعد من اليسار .
بينما الجميع بالأعلى مشغولون , إما بالتصوير أو بالحديث مع الآخرين .
إلا عائض ..
الذي يراقبهم بقلق , منذ أن نادت بشرى باسم مساعد , شعر بشيء من القلق على يُمنى .
خاف أن يكون بها شيئا .
وتأكد من شعوره حين رآى مساعد يساعدها على الوقوف , ثم ينزلون ويُمنى مستندة على الاثنين .
ظل يراقبهم , حتى اختفوا عن ناظريه .
ليقف ويكتب رسالة سريعة لنجد / نجد أول ما نرجع روحي شوفي يُمنى وش فيها , وليش نزلت قبل الكل .


فيتامين سي 11-09-19 12:54 AM



في المدينة ..

كانت تجلس على جهازها في أمان الله , حين تفاجأت بصوته يصل إليها في حجرة ابنة خالتها .
لتقف بذعر , وتقفل الجهاز .
اقتربت من الباب , وقربت أذنه حتى تسمع ما يقوله .
إلا أنها تفاجأت به يفتح الباب بقوة , فعادت إلى الخلف تلقائيا .. بعينين متسعتين .
نظر إليها بغضب , وعينان تتقدان شرا / لا والله برافوا , صايرة تطلعين من البيت وتأخذين راحتك وتروحين من بيت لبيت من دون ما احد يدري .
ازدردت نوف ريقها وهي تقول بهدوء عكس الخوف بداخلها / ليش ما احد يدري أنا علمت أمي .
اقترب منها / وتشوفين اللي تسوينه عادي ؟ تروحين لبيوت فيها رجال شباب ؟ يلا الحين قدامي , البسي عبايتك وجيبي أغراضك .
هزت نوف رأسها / تكفى عمر , أنا تعبت في البيت والله خلني أقعد بس كم يوم .
أغمض عمر عيناه بقلة صبر / نوف ما أبي أتكلم أكثر مرة , الحين تلبسين عبايتك وتنزلين لي , مفهوم ؟ ما أبي أنتظر كثير .
نظرت نوف إلى خالتها تستنجد بها , إلا أن الأخرى خيبت ظنها وجرحتها كثيرا , حين قالت وهي تدعي الإحراج / آسفة نوف حبيبتي والله بيتنا مفتوح لك دايما وودي لو تقعدين على طول مو بس كم يوم , بس تعرفين عندي أولاد ما يقدرون راحتهم وفي غريبة في بيتهم , سامحيني حبيبتي .

شعرت بقلبها ينشق إلى شطرين , وهي تسمع هذا الكلام اللطيف من الخارج , والمدسوس بالسم من الداخل .
لتقع عينيها على عيني عمر المحمرتين من حديث خالته أيضا .
لتهز رأسها وتبتسم غصبا عنها / مو مشكلة , وآسفة يا خالتي إذا أزعجتك خلال الأربع وعشرين اللي حبست نفسي فيها بهالغرفة .
هذه المرة انحرجت سعاد بشدة , لتبتسم بقهر وتغادر .
التفتت نوف عن عمر سريعا , وهي تمسح دمعتها اليتيمة وتقول / بنزل الحين , اسبقني .
جلس عمر على أحد الكراسي / ما راح أسبقك , أعرف سعاد ما راح تسمح لك تخرجين قبل لا ترمي عليك كلمة ثانية , عجلي .
نظرت إليه تدّعي الصدمة وهي تلف وشاحها حول رأسها / غريبة خايف عليّ من لسانها , بس انتم يا أهلي ماحد فيكم راعى خاطري .
نظر إليها بحدة , واكتفى بالسكوت .
كيف يشرح لها ويفهمها أن الأمر ليس ما بيده ؟
وأن تلك النظرات المعاتبة التي ينظر بها إليها تصدر عن غير إرادة ؟
لم تتأخر نوف , بل لم تستغرق حتى خمس دقائق .
حين وقفت أمامه تحمل حقيبة جهازها , وحقيبة كتفها الصغيرة جدا .
أخذ عمر حقيبة الملابس وخرج .
حين استقرت على المقعد الخلفي للسيارة , نظر إليها عمر باستغراب / تعالي قدام ماني سواقك .
تظاهرت بعدم السماع , وهي تنظر إلى الخارج من خلال النافذة .
التفتت إليه حين قال بحدة / نوف قلت تعالي قدام .
ردت بخفوت / ما أبي عمر , تكفى .
زفر بقلة صبر / بتجين قدام ولا لا .
ترجلت رغما عنها , لتجلس بجانبه .


حين ابتعدت السيارة عن منزل خالتهم , نظر إليها بطرف عينه .
كانت يدها ترتجف من التوتر .
لم يسبق لها وأن جلست في المقعد الأمامي منذ أن حصل ما حصل .
حين نظر إلى وجهها , وجدها تسند رأسها خلفها على المقعد , وتغمض عينيها بقوة , ليقول لا إراديا / كان لازم تفكرين مليون مرة قبل لا تخرجين , عشان لا توصلين لهالحالة .
فتحت عيناها بدهشة / يعني الحين مخليني أجلس قدام عشان تقول هالكلام ؟
تنهد عمر ولم يرد عليها .
لتندفع هي نحوه بقهر , وهي تبكي / عمر تحسب اللي صار هين عليّ ؟ تحسبوني نسيت بسهولة يعني ؟ حتى أنا قاعدة أعاني , يمكن أكثر منكم , بس ماحد فيكم حاس فيني , وأنا بعد ساكتة ومتحملة نظراتكم وكلامكم لأني عارفة إني غلطانة , بس خلاص يكفي .. إلى هنا وبس يا عمر , تدرون إني مو متعمدة ليش تتعمدون انتوا انكم تجرحوني ؟
صرخ عمر بغضب أجفلها / لأنها بنتي الوحيدة , واللي جات بعد سنين من العلاج والمعاناة , والروحة والجية لأكثر من 100 مستشفى , جات أخيرا بعد 10 سنين حرمان , ما مدانا نفرح إلا وحرمتينا منها مرة ثانية , كيف ما تبينا نلومك ولا نعاتبك ؟ واحنا أساسا منعناك من الخروج ذاك اليوم بس ما سمعتِ كلام أحد .
صرخت نوف من صوت صرير كفرات السيارة العالية , إثر إيقاف عمر للسيارة بقوة , مما جعلها تتقدم إلى الأمام بقوة , ويضرب رأسها بما أمامها , بما أنها لم تربط حزام الأمان .


عادت إلى الخلف بذعر , وهي تضع يدها على قلبها المتسارع نبضاته .
حتى توقفت دموعها عن النزول .
وهي تبدأ بتذكر الحادث البائس الذي أفقدها الصغيرة , بياض الثلج !
ولكن ما جعلها تجفل حقا , هو صوت نحيب عمر العالي .. والذي قطع قلبها حقا هذه المرة , وجعلها تندم على كل حرف تفوهت به .
بكت هي معه بصمت .
حتى توقف بعد عدة دقائق , ومسح وجهه بمنديل .
ثم قال بهدوء / لو إيش ما صار يا نوف , إحنا اهلك .. لو طلعتي من بيت أهلك اعرفي انك ما راح تبقين عزيزة في أي بيت , وأقرب دليل اللي قالته سعاد من شوي .
هزت رأسها بصمت , وهي تقول بصمت / أنا آسفة .
رمقها بنظرة غريبة بعينيه المحمرتين , ثم أكمل القيادة .
بينما انقبض قلبها من شدة الألم والوجع .
عمر صادق ..
لن تبقى عزيزة خارج منزل والدها .
عائلتها يمكنهم لومها وعتابها طالما كانت مخطئة ( وإن ارتكبت الخطأ عن غير عمد ) .
ولكن من هم من خارج عائلتها , لا يمكنها تحمل أي كلمة غير جيدة منهم .
مثلما فعلت سعاد , وقالت عنها ( غريبة ) .
أو حتى نظرة غير مرغوبة , كما فعل ( عائض ) حين كانت تتأمله طوال الوقت , وسقطت عيناه بعينيها عدة مرات .. لتجده ينظر إليها بحدة .
لا تعلم سببه .

عادت ترتجف مرة أخرى , حين اقتربت السيارة من حيهم .
وأغمضت عيناها بقوة , فتحتهما حين سأل عمر بهدوء / كل أدويتك موجودة ؟
ردت بخفوت / إيه .
عادت لتشعر بتأنيب الضمير .
عمر يحدثها حينا بحنية العالم , وبقسوة في حين آخر ,
هل يتألم إلى هذه الدرجة ؟ ليتناقض في الساعة ألف مرة ؟
يا إلهي سامحني .
لست قادرة على التحمل أكثر من ذلك .
توترت بشدة , وارتبكت .. حين توقفت السيارة أمام الباب .
كيف ستتمكن من مواجهة هيفاء مجددا ؟
دخلت إلى المنزل , واتجهت إلى مجلس النساء .. حيث وصلها صوت والدتها التي تقرأ القرآن بصوت خاشع .
ألقت السلام / السلام عليكم أمي .
رفعت والدتها رأسها عن القرآن , وأغلقته .. وأدمعت عيناها لا إراديا , ثم ردت / وعليكم السلام .
خلعت نوف حذائها عند الباب , ثم اقتربت منها .
لتنحني وتقبل رأسها , ثم تجلس على الأرض وتعانقها / اشتقت لك يمه .
مسحت والدتها على شعرها بحنان , ثم قالت / أجل لا تتركيني مرة ثانية وتروحين لخالاتك .
ردت بغضة / إن شاء الله يمه .
سألت بتردد / هيفاء وين ؟
والدتها / هيفاء راحت عند أهلها .
تنهدت نوف براحة , ثم خلعت عباءتها ووضعتها على الأريكة .
لتستلقي على الأرض , وتضع رأسها بحجر أمها / تعبانة يمه اقرأي لي قرآن .


نظرت إليها والدتها بحزن , لتبدأ بالقراءة بصوتها المعروف بجماله .
وهي تمسح على شعر ابنتها الصغيرة , بل الطفلة التي لن تكبر بعينها أبدا
إلا أنها هذه الأيام تبدوا كإمرأة وصلت إلى أرذل العمر , بعد أن ماتت الصغيرة , حفيدتها الغالية ( رند ) .
والتي كانت بمثابة الغيث على أرض أصابها الجفاف منذ سنوات طويلة , ففرحت بشدة , من فرحة ابنها .
كانت متلهفة بشدة على قدوم أي مولود , ذكر أو أنثى .. ليفرح ابنها البار بها جدا ( عمر ) .
إلا أن ذلك الغيث , كان قصير الأمد .. ولم يروي الأرض القاحلة كما تمنت .[
ولعل في الأمر خير


فيتامين سي 11-09-19 01:10 AM



في العيادة ..

كانت غاضبة حقا , طوال اليوم .
لم يمر عليها مريض إلا وتحدثت إليه بحدة .
كانت متوترة وخائفة , أن يفوتها الموعد مثل الأمس .. فلا تتمكن من الذهاب إلى الديرة .
ولا تتمكن من اللحاق بالاجتماع الأخير في هذه العطلة .
بعد أن يخرج المريض , تجلس في مكانها وتحدث نفسها بغضب ( أصلا إيش اللي يستاهل هالعصبية يا حمارة ؟ يعني الديرة بتطير ؟ ولا بموت إذا ما شفت البزر هديل هي وبطنها الكبير ؟ ولا إذا ما شفت بُشرى مالت عليها ؟ ) .
فتضطر الممرضة المساعدة لكتم ضحكتها .
حتى لا يطول غضب حسناء ويصلها هي إن ضحكت ..
انتهت من العمل أخيرا , لترتدي عباءتها .. وتخرج من العيادة مسرعة .
قبل أن يصيدها طبيب أحمق غير ناصر , ويجعلها تعالج مريضا آخر .


بعد ساعتين ..
كانت قد وصلت إلى الديرة أخيرا , بعد أن أظلمت الدنيا تماما .
لتترجل من السيارة والسعادة تملؤها .
استقبلها والدها بالقرب من الباب , والذي ظل يراقبها من برنامج الموقع طوال الوقت , خوفا عليها من الضياع أو ما شابه .
تقدمت منه بمرح , حتى وقفت أمامه وقبلت جبينه بحب .. وتعانقه / اشتقت لك يا عجوزي .
ضحك سعود وهو يربت على ظهرها / أفاا يا حسناء الحين أنا صرت عجوز ؟
حسناء بمكر / لو مانت عجوز كنا شفنا بزارين بشرى مالين بيتك .
ضحك سعود / قولي الله يرزقها .
مثلت حسناء الحزن / ودي أقول يا يبه بس حرام يعني بنتك الصغيرة بتجيب بيبي مو حلو انت بعد تجيب .
ضربها سعود على كتفها وهو يصطنع الغضب / صدق انك ما تستحين .
ضحكت حسناء وهي تقبل كفه / أمزح يا يبه إن شاء الله يرزق بشرى الذرية الصالحة ويفرح قلبها .
سعود / آمين يارب , وانتِ مو ناوية ترجعين البيت ؟
حسناء وهي تهز رأسها بالنفي / آسفة يبه بس صدقني عمري ما راح أتفق مع بشرى إذا قعدنا بنفس البيت , احنا كذا حلوين .
تنهد سعود بقلة حيلة , ثم ابتسم / يلا ادخلي أكيد تعبتِ من الطريق .
حسناء بضجر / آآه يا يبه مو من الطريق , من الشغل والله , عن اذنك حبيبي .


دخلت إلى الداخل , لتجد الجميع يجلسون في الصالة .
وأصواتهم عالية جدا .
حتى أنهم بالكاد سمعوها حين رفعت صوتها عاليا وألقت السلام / سلام عليكم يا قوم , أنا جيت .
صرخن بعض الفتيات متفاجئات من قدومها الغيرمتوقع , ووقفن ليتجهن نحوها يسلمن عليها بمرح مثلما تفعل هي .
كانت حسناء محبوبة الجميع , كبيرهم وصغيرهم .
أكثر من يضحكهم , وهي أيضا من تضيف جو المرح كل مرة بالفعاليات التي لا أحد يدري من أين تأتي بها .
حين اقتربت أخيرا من بشرى , وقفت الأخيرة ببطء .. وسلمت عليها بهدوء .
بينما حسناء ضغطت على كفها .. وأخذت تسلم على خديها بقوة , تقول من بين اسنانها / اشتقت لك يا مرت أبوي .
بادلتها بشرى الضغط والسلام بقوة / وأنا أكثر يا بنت زوجي .
دفعتها حسناء بخفة حتى جلست على الأريكة , ثم رفعت صوتها / وين أختي الخبلة وينها اللي بتصير أم بعد كم يوم .
بشرى بابتسامة / بديتي تغارين يا حسناء ؟
التفتت إليها حسناء بنظرات نارية , وهي تغصب نفسها على الإبتسام / والله ما أدري من اللي يغار الحين أنا ولا انتِ ؟ على الأقل أنا اخترت إني اشتغل بدال لا أتزوج شخص ما يناسبني ثم أنتظر طفل .
نظرت إليها بشرى بصدمة , لم تتوقع منها هذا الهجوم , إلا أنها تظاهرت بالهدوء , بما أن أعين الجميع أصبحت عليهما / الأرزاق بيد الله يا حسناء ما يصير تعايريني بهالشيء .


صمتت حسناء ولم ترد عليها , حين شعرت من لمعة عيني بشرى أنها تجاوزت حدودها , وقالت ما لا ينبغي عليها قوله .
وأنقذتها هديل حين أتت وعانقتها من خلفها / وحشتيني حسون .
التفتت إليها حسناء وأخذت تتأملها وقامتها القصيرة , وجسدها النحيل الذي بالكاد يتحمل الطفل بداخلها صاحب الــ7 أشهر / آآه يا هدول مدري إيش اللي خلاك تشقين نفسك وانتِ بهالعمر , طمنيني عليك كيف صحتك ؟
ابتسمت هديل وهي تقبلها / أنا بخير , حسناء ترى ما يصير تغيبين عنا بالشهور وكأننا مو أهلك .
حسناء / الحين انتِ عندك زوج زيادة عن أبوي ومساعد , ليش ما تجيني انتِ ؟
هديل بإحراج / والله متعبني الحمل صراحة , وبالقوة جيت أشوف يمنى .
حسناء / إيه على طاري يُمنى , وينها ؟
هديل / جالسة مع مساعد عند باب المطبخ الخلفي , تقولين ما عاد في مكان داخل .. إيه صحيح مساعد يبيك .
خرجت إليهما حسناء بعد أن خلعت عباءتها وأعطتها لهديل .
جلست برفقتهما عدة دقائق , قبل أن تصيح مستنكرة / لا والله هذا الناقص .
ابتسمت يُمنى بإحراج وهي تنظر إلى مساعد , الذي قال / ليش وش فيها يعني ؟ انسانة زي النملة بتزعجك يعني ؟
اتسعت عينا يُمنى من هذا التشبيه الغريب , لتقرص يده / إيه أنا نملة .. نملة .
تأوه مساعد , ثم ضحك لينظر إلى حسناء / هااه ؟
حسناء / هذي النملة تربية بشرى , وأنا ما طلعت من مكان فيه بشرى عشان تجيني بنتها .
ضربها مساعد على كتفها / وش فيها بشرى عشان تقولين مثل هالكلام عنها ؟ عمرها ضرتك أو آذتك ؟
صمتت حسناء ولم تقل شيء , ولكنها تفاجأت حين رأت ملامح يُمنى المتجهمة .
والتي التفتت إلى مساعد لتقول بهدوء / خلاص مساعد مافي داعي , تقدر تدبر لي سواق , وأروح وأجي مع سمية كل يوم , ما أبي أكون ثقيلة على أحد .


بالرغم من محاولتها في ادعاء القوة وهي تقول هذه العبارة , إلا أن الرجفة بصوتها كانت واضحة جدا .
لينظر مساعد إلى اخته بلوم .
حسناء بابتسامة / شوفي يُمنى أنا مو اني ما ودي انك تجين , بس أنا انسانة جدا مزعجة وما أحب أحد يشاركني السكن , هذا كل اللي في الموضوع , ما في داعي تزعلين .
ابتسمت يُمنى / عادي ما زعلت , بيتك وانتِ حرة .
حسناء بعد تفكير قصير / طيب ليش ما تاخذين لك شقة صغيرة ؟
اتسعت عيناها بخوف , وكأنه واقع وليس مجرد اقتراح .
لتهز رأسها نفيا عدة مرات .
نظرت إليها حسناء بحدة / يُمنى إلى متى بتتركين هالعقدة تتحكم فيك ؟ ليش ما تعطين لنفسك فرصة عشان تتغيرين ؟ ليش ما تصيرين أقوى ؟ ترى خلاص مر على السالفة دهر .
مساعد بنبرة معاتبة وهو يرى ملامح يُمنى التي تتغير / حسناء .
رفعت كفها لتوقفه / أصص يا مساعد , حركاتكم هذي ومراعاتكم الزايدة عن حدها هي اللي خلتها ضعيفة لهالدرجة , الواحد لما يطيح يقوم ويكمل حياته , مو زيها .. من 10 سنين وهي مثل ماهي , وتسألني إيش فيها تربية بشرى ؟ هذي هي ؟ هذي تربية بشرى اللي خلتها تقعد في مكانها ولا تتحركها , كل ما بكت طبطبت عليها وقالت معليش , لين ثبتتها على مكان واحد طول عشر سنين , عاجبكم هالشيء ؟ عاجبكم إنها مو قادرة توقف على رجولها من جديد ؟ ولا قادرة تتقدم في حياتها ؟
صمتت تلهث من التعب , ثم أكملت / طالع في وجهها , هذي الندبة لو انها عالجتها من بدري ما كانت بتختفي ؟ ياخي حتى التجميل تركته ورضت تبقى مشوهة طول العمر .


عمّ الهدوء أرجاء المكان أخيرا , لتمسح حسناء دمعة خرجت من عينها رغما عنها .
وهي ترى بكاء يُمنى الصامت .
وقفت حسناء , لتمسك بذراع يُمنى بقوة وتوقفها / باخذها معي يا مساعد , وبربيها من جديد عشان تعرف تتصرف صح , ولا تظل جبانة طول عمرها .
فتحت باب المطبخ بقوة , لتتأوه من كانت تقف خلفه .
تفاجأت وهي ترى الجمع .
نساء وفتيات , صرخت بهن بغضب / لا لو جبتوا كاميرا عشان تصورون وتفضحونا مو أحسن ؟ تالله العظيم .
دخلت إلى الداخل بخطوات واسعة , وهي تسحب يُمنى خلفها .
تحت أنظار الجميع المندهشة من تصرفها الغريب .
حتى استقرت بداخل حجرة يُمنى , وأقفلت الباب خلفها .
لتسحب يُمنى كفها , وتقول بقهر / تحسبين اللي صار فيني هين ؟ ولا أنا راضية بشخصيتي الضعيفة هذي ؟ انتِ ما تدرين شيء , ما تعرفين شيء , لا تقولين بشرى السبب .. لو ما كانت جنبي طول الوقت كنت انتحرت وانتهيت من الدنيا .
وقفت حسناء أمامها وضغطت على كتفيها / لأني عارفة إنه اللي صار مو هين يا يُمنى , ولأني عارفة إنك مو راضية عن نفسك .. أبيك تصحين وتشوفين الدنيا , أبي أشوفك تتقدمين بحياتك ولا توقفين على أسوأ نقطة مريتِ فيها , إنتِ لسه صغيرة يا عمتي , وانتِ تستحقين الأفضل .
عضت يُمنى شفتها السفلية بقلة حيلة , وهزت رأسها بيأس .
لتجلس على طرف السرير وتكمل بكاءها الحزين .
تكتفت حسناء ونظرت إليها بقلة صبر , ثم اتجهت نحو الخزانة , لتقف على أطراف أصابعها وتنزل حقيبة الملابس الكبيرة , ولم يصعب عليها الأمر , بما أن قامتها طويلة / هذي آخر مرة أشوفك تبكين فيها مفهوم ؟ ما أسمح للأطفال يدخلون بيتي .
رفعت يُمنى رأسها وصرخت / ماني رايحة معك .
حسناء بصوتٍ أعلى / بتروحين .
يُمنى / مو رايحة .
حسناء / بتجين وغصبا عنك .
يُمنى / مو جاية .
حسناء / قلت بتجين .
وظلتا على هذا الحال دقيقة كاملة , لتقاطعهما طرقات الباب العالية .
أجفلت حسناء , واتجهت نحو الباب بخطوات غاضبة بعد أن وضعت الحقيبة على الأرض , تضرب الأرض برجلها متذمرة / مين اللي تجرأ وخوفني , مين اللي ما عنده ذوق عشان يدق الباب بهالطريقة , بذبحك .. صدقيني بموتك .
فتحت الباب لتجد نجد , تنظر إليها بعينين واسعتين من ملامحها الغاضبة والمخيفة / بسم الله .
أمسكت حسناء بشعرها وجذبتها إلى الداخل , لتقفل الباب مرة أخرى / اللي ما تخاف ربها , في أحد يدق الباب بهالطريقة ؟



تأوهت نجد وهي تسحب شعرها بلطف من يد حسناء / آآي اتركيني يا حمارة , خفت تبطشين بالمسكينة , خوفني صوتك العالي تقولين غوريلا .
صاحت يُمنى فجأة / أنا ماني مسكينة , وانتم الثنتين اخرجوا من غرفتي الحين , يلا .
نظرتا إلى بعضهما بغير تصديق , لتمسك نجد بكف حسناء وتضعها على جبينها / شوفي حرارتي مرتفعة ولا لا .
حسناء / شكله حتى حرارتي مرتفعة .
أخذت يُمنى مخدة صغيرة من سريرها , لترميها عليهما / يا السامجات , يلا برة .
اتجهت حسناء ناحية حقيبة يُمنى / بتروحين معي يا يُمنى وأص ما أبي أسمع أي كلمة , بمشي بعد صلاة الفجر على طول عشان كذا نامي بدري , من الحين لو تبين .
نظرت إليهما نجد بفضول / وين بتوديها ؟
حسناء / بتسكن معي .
جلست يُمنى على الأرض باستسلام / تكفين حسناء والله ترى مو غصب .
اقتربت نجد من حسناء بحماس / الله وأخيرا بتسكن معك وحدة ثانية عشان يمدينا نجي نسهر عندك , يعني لو تنامين من بدري زي الدجاج نسهر مع يُمنى .
ضربتها حسناء على قدمها بقوة / كأني بفتح لكم الباب يعني .
ضحكت نجد وهي تساعدها في توضيب أغراض يُمنى المهمة .
وهما يتحدثان ويضحكان بصوتٍ عالِ .
ويُمنى تراقبها بصمت .
ثم وقفت لتتجه نحو النافذة , تقف عنده تنظر إلى الخارج بحزن .
وقد أثر بها حديث حسناء بقوة .
حقا , حتى متى عليها أن تتوقف عند أسوأ نقطة مرت بها في حياتها ..!
حتى لو كان الأمر صعبا , يجب عليها أن تتحمل قليلا .
وتنسى أو تتناسى , لتعيش .
على الأقل لتصبح ناجحة مثل حسناء .
لن تصبح مثلها أبدا , إلا أنها عليها أن تتحلى بالقوة لمواجهة ما سيأتيها مستقبلا .
لفتها اسم عايض , الذي يتحدثون عنه .. حين ردت نجد بخفوت , إجابة على سؤال حسناء /الحين عايض مو ناوي يكمل حياته هو الثاني ؟
نجد بصوت منخفض / والله مدري , هالولد مو قادر يتجاوز يُمنى .. ادعي له ينساها أو يجمعهم ببعض مرة ثانية .
نغزها قلبها بقوة وهي تسمع الخيار الأول ( ينساها ) إلا أنها لم تتمكن من التأمين على الثانية ( يجمعهم ببعض ) .
اتسعت عينا حسناء بصدمة / قصدك إنه ما نساها إلى الآن ؟
هزت نجد رأسها نفيا .
لتقول حسناء بحسرة / والله من قاطعنا ولا عاد جانا حسبته خلاص بينساها , طيب شوفوا له وحدة مناسبة تنسيه يُمنى وطوايفها , هذي يبي لها دهر على ما تصير انسانة مناسبة لعايض مرة ثانية يا حليله .
عقدت يُمنى حاجبيها بغيظ , ولكنها لم تتمكن من فعل شيء .. بما أنها تتظاهر بعدم سماعهما منذ البداية .
إلا أن نجد خافت من أن تسمعهما , لتضرب برجلها فخذ حسناء تنبهها .
رفعت حسناء صوتها / خليه يتزوجني وش زيني والله وعندي وظيفة حلوة , يعني مال وجمال وين بيلقى أحسن مني , وأنا وين بلقى أحسن من عايض , وسيم وطيب وما يتعوض والله .
لم تتمكن يُمنى من التحكم بنفسها هذه المرة , لتقول بغضب / تخسين تقربين منه شبر يا العجوز .


اتعست عيناها بغير تصديق , وهي تلتفت إليها ببطء .. وتنظر إليها فاغرة فمها بذهول .
بينما يُمنى أخذت تضحك من المفاجأة والسعادة , هذا يعني أنه ربما يوجد بعض الأمل ..!
أخرجت هاتفها من جيبها سريعا , لتدخل إلى المحادثة بينها وبين مساعد , وتسجل ملاحظة صوتية ( عايض اسمع يُمنى وش تقول , شكله في أمل يا عايض ) .
أرسلتها سريعا بعد أن فشلت في إكمال التسجيل . رغم محاولات يُمنى القوية في أن لا تفعل .
لتصرخ وهي توشك على البكاء , ثم تجلس وتبدأ بضرب نجد بكل ما أوتيت من قوة / راح أذبحك , والله بذبحك يا نجدو ما بتطلعين من تحت يدي سالمة .
تشجعها حسناء من الخلف وتصفق , ونجد تضحك بقوة وهي مستلقية على ظهرها وكأن يُمنى تدغدغها وليست تضربها .
نجد / ضرباتك رقيقة ما تعور .
حاولت يُمنى بعد ذلك أخذ الهاتف , حتى تمكنت .. لتتسع عيناها بصدمة حين وجدته متصلا , وقد استقبل الملاحظة الصوتية الحمقاء لنجد .
ربما يستمع إلى ما أرسلته نجد للتو .
رمت الهاتف جانبا وهي تهوي على نجد مرة أخرى بنبرة باكية وتضربها / ما أسامحك يا السامجة ما راح أسامحك .



الساعة الآن 07:00 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.