آخر 10 مشاركات
357 -من أجل ولدي- إيرس وليامز-عبير مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          356 - الحب في فصل الخريف - فايرين مك أنيني - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          354 - الحلم و الحقيقة - هيلين ستراسر - المركز الدولي** (الكاتـب : angel08 - )           »          358- البحث عن السعادة - هيلين دوفال - م.د (عدد جديد)** (الكاتـب : Gege86 - )           »          353-الحب الصامت - بيليه وليامز... [م.د] حصرياً فقط على منتدى روايتي** (الكاتـب : Andalus - )           »          352 - ملاك وشيطان - ليندا بشيستر - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          355 - ليلة الليالي - ايما دارسي - م.د*كاملة* (الكاتـب : سنو وايت - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          351 - من أجل عينيك - سوزان هوغ - م.د ( عدد جديد )** (الكاتـب : Dalyia - )           »          350- لن أبقى وحيدة- بولا جوهانسن- عبير جديدة -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-03-20, 01:29 AM   #611

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل رائع، سلمت أناملك ودام نبض قلمك..😍

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:30 AM   #612

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

انا اول مرة اخد بالى ان المنتدى دا بيفهم
ياعنى قطع من اول الفصل الكئيب اللى اتجوزت فيه سما ودخلت العيلة المنيلة دى

شكله مش راضى عن الجوازه دى زينا بالظبط


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:31 AM   #613

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

حنستكمل تنزيل باقي الفصول التى حذفت اثناء الصيانة تباعا حتى اخر فصل نزل الجمعة الماضية

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:36 AM   #614

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

وعشان المنتدى حبيب هارتى وعامل فيا المقلب دا قبل كدا

فا انا كنت محتفظة بشوية تعليقات بالعند فيه

الفصل 19

جن اما يبقى يركبك يا سمير يا ابن زينات
حرقت دمى يخربيتك بجد ناس شبع بعد جوع عدمين الاصل
لو دى ناس محترمه ومقدره النعمه اللى جاتلهم كانوا احترموا بنات الناس وخافوا عليهم انما نقول ايه والاصل فاسد
سمير اللى شاف ان سما عندها وقت عشان تدرس لاخواتها زود الحصص كمان عشان ما تلحقش حتى تتلفت حواليها اهانة واستغلال ملعون كلام الناس اللى يخليها تعيش بالشكل دا وللأسف كلام الناس هو السبب فى ان الست تفضل عايشه فى المرار عشان محدش يشمت فيها او يقول عليها كلمه وحشه
الزفت سمير مش قادر يشوف الحق وسايب امه بس تتحكم فى كل شئ وعايز رغباته وبس بدون الدفاع عن مراته وحقها
رباب مش بتتصرف بعقل ابدا كل همها انها ترجع حقها من عيلة عز الدين وسامية اتصدمت بالعرض واكيد هتخاف تدخل التجربة تانى ودلوقتى راحتله يمكن عشان ترفضه فى وشه بس ربنا يستر والعقربة رقية ما تشوفهاش
قصدك ايه بقى ان القادم لأسر اسوء ربنا يستر ماصدقنا انه تخلى عن محاربة اللى ما يتسموا دول وهنخلص منهم وكويس انه ماشى بالطريقة دى عشان ما يعرفوش انه هو اللى ورا الموضوع دا يبقى ايه اللى هيحصله
عوض ياترى ايه اللى حصل زعلانه انه كسر بخاطر صباح ياترى اهله فى البلد طلبوا منه يتجوز مرات اخوه ولا ايه
الزفت شحاته والله ياريت تريحينا منه البخيل الجلده دا
وسيد عسل والله وهو بيصحى اخواته ههههههههههههه
سيد هيفضل فاهم المجنونة رؤى غلط كتير كدا ولا ايه كفاية عليه بؤس ياريدا الواد ماشافش يوم حلو من ساعة ما بدأنه فكيها عليه بقى اللهى تنسعدى ياشيخه كفاية عليه المنيل ابوه
هادر يختى عليه وعلى حلاوته وهو مبسوط وفرحان كدا
الفصل روعه كالعادة تسلم ايدك ياجميلة


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:41 AM   #615

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل العشرين

"سامية ؟!!"
أغمضت عينيها للحظة ...فقط لحظة تعيد فيها شتات نفسها ..تتمالك نبضات قلبها الخائنة والتي ازدادت وتيرتها مع سماعها صوته يناديها ...صوته الذي لم تنساه يوما رغم كل ما كان ...نفس النبرة ..نفس اللهفة وهو ينطق اسمها كما لو كانت السنوات لم تمر ...كما لو كان ما جرى لم يجري …

عز الدين وجع قلبها ونبضته المخفية خلف ألف قناع …

استنشقت نفسا طويلا قبل أن تستدير تنظر إليه ..لأول مرة بعد سبعة عشر عاما ..مئتان وأربع أشهر ...ستة آلاف ومائة وعشرون يوما …
أتراه يذكر أن تاريخ هذا اليوم ..هو تاريخ آخر يوم رأته فيه؟ …
إنها لم تنسى ...تحسبه رغما عنها بالشهور والأيام ....بل بالساعات والدقائق …
هل ظنت أن صوته أخل بنبضة قلبها الخائنة ...اذا فماذا فعلت بها رؤيته ...وهي تتطلع لوجهه الذي زادته السنوات وسامة في عينيها ...رغم شحوبه الشديد ...ونحوله عن الماضي ...وتلك النثرات البيضاء التي اختلطت بسواد شعره فأعطته مزيجا فريدا يسحر العيون .

آآآه من قلبها الخائن ..كيف ثار وكيف هاجت تلك النبضات المجنونة التي صارعت بعضها بعضا وعيناها تلتقي عينيه …

لكن ..وآه من لكن ...لابد أن تتجاهل كل النبض الخائن ...تحجمه كما فعلت دوما ...تخفيه خلف أقنعة تغلف بها قلبها قبل ملامحها فازدردت لعابها وشدت قامتها تحاول إخفاء ما بها خلف واجهة من جمود وهي تقول له برسمية :
"مرحبا دكتور عز ...لو سمحت أريد التحدث معك "

لم يصدق عيناه وهو يراها هنا ...لقد أتت إليه بقدميها ...يا الله ...ما أحلاها ...كيف زادتها السنوات دفئا رغم محاولتها ادعاء البرود ...لكن عيناها اللتان كانتا دوما مرآته الحقيقية لما في قلبها خانتاها وهو يرى فيهما شوقا أخفته بسرعة ...أتراه رآه حقا أم هي أحلامه تراوغه كالعادة ... لقد اجبر نفسه على الابتعاد عن دربها مكتفيا برؤيتها من بعيد ...باختلاس النظرات لها دون أن يجرؤ على الاقتراب ... لكنها هي من أشفقت على قلبه الموجوع واتت إليه ...أيا كان السبب فهو شاكر له ...يكفيه أن رآها بهذا القرب ..أن سمع صوتها تحادثه …
اقترب منها كمسير ..عيناه تلتهمانها بشوق ...يشعر بهدير قلبه يطن بأذنيه حتى كاد يصمه عن سماع كلماتها ...لكنه بالنهاية حاول تمالك نفسه وهو يزدرد لعابه العالق بسقف حلقه ويشير لها بيده ناحية باب مكتبه لتتقدمه ...وعيناه تتشرب كل ذرة منها ...بلهفة
ثوبها البسيط ألكحلي اللون المطبوع بزهرات صغيرة جدا بلون اصفر ....حجابها البيج الملتف حول وجهها المستدير ..حذائها ألقماشي البني المسطح بلا كعب فلا يصدر صوتا أثناء سيرها وحقيبتها البنية الضخمة التي تضمها لصدرها كما لو كانت تحتمي بها ...ما أن دلفت للمكتب حتى سارع بإغلاقه مستندا بجسده عليه كما لو كان غير قادر على الابتعاد عنه ...لا يدري أبسبب ساقيه التي تكاد تخذله أم خوفا من أن تهرب من أمام عينيه …
لحظات ظل كل منهما ينظر للآخر بصمت ... مكتفي هو بالنظر لها ...
أما هي فقلقة مما أقدمت عليه ...تحاول التفكير بكيف تبدأ حديثها …
حاولت إجلاء صوتها لكنه سبقها بقوله الذي نفذ لروحها رغم محاولتها الثبات وادعاء الجمود :
" ما زلت كما أنت سامية ...لم تتغيري ...كما لو كانت الأعوام لم تمر عليك "
رفعت حاجبها لتنظر له بذهول وتعجب وهي تفكر هل يجاملها أم يهزأ منها ...أم ترى عيناه أصابها شيء فلم يعد يرى جيدا …
ردت عليه ساخرة بمرارة :
"لم أتغير؟!! ...حقا !...يا لتهذيبك ...ما زلت مجاملا كعهدي بك دكتور "
رد بلهفة يتحرك ليقف أمامها لا يفصله عنها إلا خطوة واحدة :
"لم اكذب عيك يوما ، أو أجاملك ...كنت دوما أخبرك بكل ما بداخلي بصدق ...أنت كما رأيتك دوما جميلة تشعين دفئا وتأثرين العين "
مال فمها ببسمة جريحة وهي تقول :
"إذا أنت بحاجة لنظارة يا دكتور ...نظارة توضح لك علامات السنين وخطوط الظلم والقهر التي حُفرت في وجهي ، لترى كتفي الذي انحنى تحت ثقل الأحمال والهرب من عيون الناس وكلماتهم التي نهشتني وأسرتي ...وحتى هذه لن تكون كافية لتظهر لك هرم روحي و قلبي الذي شاخ بأضعاف عمري"
ونظرت لعيناه المليئتان بالألم ...بالحزن ...بالاعتذار لكنها قسَت قلبها وهي ترفع رأسها قائلة بصوت ينضح عتابا ولوما:
"على كل حال هذا غير مهم ...لم آتي إليك لنتسامر حول ملامحنا وكم غيرتها السنون ...لقد جئت لأبلغك قراري على طلبك لـ..."
قاطع كلماتها فتح مفاجئ للباب تلاه دخول مدحت الذي نظر لكلاهما بقلق وهو يقول كاذبا :
"عفوا أبي ...لم أعلم أن معك ضيفة .."
وناظرها بابتسامة متجاهلا نظرتها القلقة وهي تتراجع خطوتين عن مكان وقوف أبيه واقترب منها مادا يده إليها مرحبا بمرح مفتعل وهو يقول :
"سيدة سامية أليس كذلك ...رأيتك بالمشفى عدة مرات لكن لم يتح لي الحظ لأتعرف عليك ...أنا مدحت عزالدين "

مدت يدها بارتباك لتسلم عليه لتتفاجأ به يرفعها لفمه مقبلا فأجفلت وسحبتها بسرعة وهي تنظر له بذهول وتقول بتلقائية :
" استغفر الله ..."

انطلقت ضحكة مدحت قائلا :
"عفوا سيدتي ...كنت أرحب بك ...فأنا سعيد جدا بلقائك ...لقد سمعت الكثير جدا عنك ...حتى أصبحت متشوقا للقائك وجها لوجه "
شحب وجهها وقالت وهي تنقل نظراتها بينه وبين أبيه :
" سمعت عني أنا ؟!!"

أجابها بمودة :
"نعم أنت ...أبي أخبرني الكثير عنك ...وكنت سعيدا جدا عندما علمت برغبته بالتقدم لكِ ...حتى أنني أصررت على أن أكون أنا من أتحدث مع أخيك محمود بنفسي حتى تعلمي أنني مرحب بوجودك بيننا وسيسعدني جدا لو وافقت على الارتباط بأبي "

كانت تحدق لوجهه بعدم تصديق وفم متدل جعلها لا تنتبه لنظرة الصدمة والذهول على ملامح عز وهو ينظر لمدحت ولا حتى انتبهت لهمسته المتفاجئة بكلمة (ماذا؟! )...لكن مدحت لم يتح لكليهما فرصة التعليق وهو يقول مشيرا لبعض الأوراق بيده :
" آسف على مقاطعتكما .. فقط اسمحي لي بدقيقتين ليوقع لي أبي على هذه الأوراق"

قالها وهو يقترب من أبيه يسحبه باتجاه المكتب معطيا إياها ظهره وهو يضع الأوراق على المكتب ويهمس لأبيه :
"آسف لمعرفتك الأمر بتلك الطريقة ...أعرف كم تحبها لذا طلبت يدها بالنيابة عنك من أخيها …"
اتسعت عيني عزالدين باندهاش فربت مدحت على كتف أبيه وهو يقول بنفس الهمس :
"لقد طرقت لك الباب وعليك أنت أن تظل مصرا حتى يتم فتحه لك ...إياك أن تدعها تهرب منك … "
غمزه وهو يستدير ممسكا بأوراقه المزعومة تاركا له الذي يعاني من الصدمة والذهول وتحرك نحو سامية قائلا :
"كنت أتمنى البقاء والتعرف عليك أكثر ...لكن للأسف لدي عميل لا أستطيع تركه ...عموما أتمنى أن أراك قريبا ...وسيسعدني أن تكوني عضوا بأسرتنا عن قريب بإذن الله "

أومأ برأسه لها بتحية صامتة وخرج زافرا بعمق شاكرا للحظ الذي جعله يخرج من مكتبه ليسأل نسرين عن أبيه لتخبره أن هناك سيدة طلبت لقائه قبل دقائق ...فانتابه القلق أن تكون أمه فسألها عن هويتها لكنها أخبرته أنها سمعت والده يناديها باسم سامية ...فخشي أن يفسد أبيه الأمر لاعنا غبائه الذي جعله يؤخر أخبار أبيه حتى اللحظة وقرر الإسراع لإنقاذ الموقف ..

ما أن أغلق مدحت الباب خلفه حتى كان عز قد استوعب ما يحدث وتعالت دقات قلبه وهو يتساءل ..أمن الممكن للحلم القديم أن يتحقق حقا بعد كل هذه السنوات ...أيحق له أن يأمل في الوصول إليه …

نظر لسامية الساهمة بعينين معلقتين على الباب خلف مدحت وقال بحشرجة :
"تفضلي سامية لنجلس ...أظنك كنت قادمة لتبلغيني ردك على ( ليزدرد لعابه قبل أن يكمل بصوت خنقته العاطفة ) طلبي للزواج منك "
احتدت ملامحها كما لو كانت كلماته قد أعادتها للواقع فالتفتت إليه تقول بغضب متجاهلة طلبه للجلوس :
" كيف فعلتها ...كيف واتتك الجرأة والوقاحة لتطلب طلبا كهذا ...بعد كل ما فعلته ...و بعد كل ما فعلته بنا زوجتك ...أتظن بعد ما تعرضنا له على يد أسرتك أنني يمكن أن اقبل بك... هل جننت؟! "

كانت تنهت مع انتهاء كلماتها ورغم السنين بدت أمام عينيه جميلة كما هي بخديها المستديرين اللذان كانت عيناه تتغزلان بهما قديما وسمرتها المحببة المحتقنة.

حاول إجلاء صوته ليركز على إيجاد ردا مناسبا لكلماتها الثائرة التي لا تتناسب مع أفكاره لحظتها وبحث عن كلمات تجعلها تسامحه وتبرئه أمامها ليقول بحشرجة:
"وما الذي فعلته يا سامية ( وأسرع بالقول بمجرد ان لمح الثورة والغضب في عينيها ) أنا لا أنكر ما تعرضت له من ظلم أنت وأسرتك كاملة على يد زوجتي السابقة ...لكني اقسم بالله لم أعلم بالأمر ...ولم يكن لي أي ضلع فيه ...ولو علمت لما سمحت بأن ينالكم أذى ..بل ...لحاربت الدنيا لحمايتكم "

صاحت بقهر :
"كاذب ...أنت كاذب ...حتى لو لم يكن لك ضلع بالأمر كما تقول ...يكفي أنك هربت ...تركتنا نواجه تبعات جنون زوجتك أو زوجتك السابقة لا فرق واختفيت ...لم تسأل ...لم تهتم ...لم تحاول المعرفة والتقصي ...عندما طلبت يدي بالسابق أخبرتني أنك تحبني ...أنك ستحضر العالم بين يدي ...وتواجه الدنيا لأجلي ...حتى حين رفضتك أتيتني تخبرني أنك لن تقبل بهذا الرفض وستظل جواري حتى أقتنع وأرضى ...لكنك كاذب ...لم تحمني ...لم تبقى ...لم تحارب ...بل بسببك حاربتني زوجتك وزبانيتها والدنيا بأسرها حتى هزموني في معركة لم أكن خصما بها ...وأنت انسحبت وتركتني بمواجهة الجميع ينظرون لي باحتقار واصمين إياي بالسافلة سارقة الرجال ، ولن أخبرك عن أختي وأخي وما نالهما ...لذا إليك قراري يا عز ...أنا لن أتزوجك ولو كنت آخر رجل على وجه هذه الأرض...لن أتزوجك "

وتحركت نحو الباب تخرج مهرولة دون أن تهتم بمن وقف خلفها يتطلع في أثرها بقلب مكلوم …
دخل مدحت بعد خروجها يتطلع لأبيه بقلق ونظرات متسائلة فقال عز بعينين مشتعلتين بالتصميم رغم شحوب وجهه وألم قلبه الذي بدأ ينغزه فيمسده بيده :
"رفضت ...لكني هذه المرة لن اهرب و لن استسلم ...لن أتنازل بسرعة عن حلم جاءني متأخرا دون حتى أن اسعي إليه ......وكأن القدر يهديني فرصة ثانية لذا لن أضيعها فلم يعد في العمر الكثير ...فلو لم يبق إلا يوما واحد ...فسأقضيه محاربا لنيلها ".........
*************

تعالت ضحكات سيد وهو ينظر لصديقه الذي يحكي له بعض ما فعلته به زوجته أثناء مطاردته لها لتوافق على الزواج به ..بينما ياسر محتقن الوجه وهو يبادله الضحك ويضربه بكفه على ذراعه قائلا :
"أتضحك يا سيد ...لك حق لقد جعلت من نفسي مسخرة "
ازدادت ضحكات سيد حتى دمعت عيناه وهو يقول :
"ادفع نصف عمري وأنا أراك بهذا الموقف الأحمق ....راكعا على ركبة واحدة وبيدك باقة الورد وعلبة الخاتم ... هل كنت تظن نفسك في مشهد من فيلم (وهز رأسه بعدم تصديق وهو يضيف ) يا ياسر يا حبيبي كان آخرك أن تحضر لها وجبة طعام جيدة وتقسم عليها ما أن تراها أنها لن تذوق منها لقمة إلا إن لبست خاتمك أولا ...بدلا من الفضائح وسط الحدائق "
هز ياسر رأسه ساخرا وهو يوضح:
"أي فضائح يا أحمق يا عديم الرومانسية ...بالخارج تلك الأمور طبيعية ومعتادة لديهم ..."
غمغم سيد ساخر :
"حقا! ...والله لو فعلها شاب لدينا بالحارة لعيروه بها عمره كله واتهموه بأنه شاب (سيس ودلدول ) وألقاب أخرى تعرفها أنت جيدا مالم تكن الغربة مسحت ذاكرتك ... يركع على ركبته أمامها !.. أي حمق هذا!! ..أتعرف لقد كنت تستحق أن تضربك بالورود على رأسك كما فعلت وهي ترفضك أمام الناس يا مراهق "
لعب له ياسر حاجبه وهو يقول :
"العبرة بالخواتيم أيها الجلف ...لقد وافقت في النهاية ...صحيح عذبتني ... لكن مشاعري لها والتي ظلت تنكرها طويلا وصلتها ...لعلمك لقد كانت تبادلني شعوري لكنها فقط كانت كعادة النساء بتعقيداتهم النفسية الغبية حول أفكار الشفقة وأنني سأظلم نفسي ..بلا ..بلا ...صدقني عقول النساء متاهة من الغباء الغير مفهوم ...هل هناك من يتزوج شفقة ...الحمد لله أنني عالجتها من الغباء وتزوجتها قبل أن أصاب أنا بجلطة "

ابتسم سيد وربت على كتفه قائلا :
"أسعدك الله يا صاحبي ..أنت تستحق كل سعادة بعد ما عانيت سابقا "
ليستدير ناظرا للمقهى الشعبي الصاخب حوله لينادي بصوت صادح :
" دقدق ...اثنين شاي في الخمسين "
صاح دقدق بنغمته المعتادة الممطوطة :
" ايوه جاااي ...عيناي للأستاذ سيد "
ليلتفت بعدها لياسر قائلا :
"إذا ما هو الموضوع الهام الذي لا يقبل التأجيل الذي كنت تريدني فيه ..لا أظنك جعلتني اترك عملي واحضر لهنا حتى تخبرني فضائح ماضيك الرومانسية في دول الفرنجة "
ابتسم ياسر بغموض وقال :
" لا ...بل أحضرتك لنتحدث عن أحلام ماضينا نحن قبل أن أسافر لدول الفرنجة "
قطب سيد سائلا :
"أي أحلام تلك ...لقد كنا نملك منها الكثير والذي ضاع كله على صخرة الواقع المرير الذي نحياه "
اعتدل ياسر على كرسيه مقتربا من سيد وهو يشبك كفيه ناظرا له بجديه قائلا :
"أحلامنا نحن الثلاثة عندما كنا بالكلية عن مصنع الدهانات والمذيبات الذي سننشئه معا "
اتسعت عيني سيد بذهول وخرجت ضحكة مريرة من حلقه وهو يقول لصديقه ساخرا :
" يااااه ..أما زلت تذكر ...كنا نعيش في عالم الأوهام يا صديقي ...(وغامت عيناه بذكرى أيام جميلة وهو يضيف مشيرا له برأسه ) ما لم تكن قد أصبحت مليونيرا في هذه السنوات بالغربة ...أو سطوت على بنك مثلا فستظل ذكريات أحلام المراهقة والجامعة كلها مجرد ذكرى لأوهامنا الماضية... "
عاد ياسر لكرسيه بينما دقدق يرفع أقداح القهوة المنتهية ويضع أكواب الشاي الساخنة أمامهم وهو يقول :
"شاي في (الخمسينة) على ماء ابيض سكر بره لأجدع شباب ( وتركهما متجها لمن ينادي عليه صائحا )ايوة جاااااي "
ما أن ابتعد حتى مد ياسر يده ليضيف السكر لكوبه وهو يقول بجدية :
"لا يا سيد ...لم أتحول لمليونير ولا حتى ربع مليونير ...الحياة بالغربة ليست كما كنا نتخيلها ...والمال لا يتدفق هناك كما كنا نظن ...لقد تعبت جدا هناك ...في البداية كدت أن أموت جوعا حتى استطعت الحصول على عمل ...معظم ما عملت به بالعامين الأولين كانت أعمال حقيرة بالكاد تكفي القوت والسكن ...حتى استطعت بعد فترة إيجاد عمل بمصنع صغير للدهانات ...وهناك تعلمت الكثير ...أكثر مما تعلمته بالجامعة ...ورغم أن الراتب كان لا بأس به ...لكنه لم يكن كافيا لأستطيع ادخار ملايين تجعلني اعود لهنا لفتح مصنع "
ارتفع حاجب سيد وقال ساخرا:
"إذا ما موضوع مصنع أحلامنا هذا ...هل سنرسمه على ورق ونطيره مثلا يا ثقيل الدم والوزن "
ارتشف ياسر من كوبه بتلذذ وهو ينظر لسيد ويلعب حاجبيه لوجهه المغتاظ قائلا :
" بل سنرسمه على ارض الواقع يا خفيف "
نظر له سيد مقطبا ومد يده يسحب ياقة ياسر قائلا بغيظ :
" اعتدل يا (....) وكف عن السخافة ..أنا لست متفرغ لمزاحك هذا قسما بالله سأقلب الطاولة بما فيها على رأسك "
تعالت ضحكة ياسر وهو يخلص ياقته قائلا بمهادنة :
"اهدأ يا سيد ما زلت عصبي وهمجي كعادتك يا فتى ...أقسم بالله أنا لا أمزح ...بل أنا جاد بالفعل في كلامي عن البدء بتحقيق أحلامنا الماضية ..طبعا لا اعني إنشاء مصنع بالبداية ...بل سنبدأ بمعمل صغير ...نصنع الدهانات والمذيبات ونبدأ بتسويقها ...وبعد أن نثبت أنفسنا ويتأكد عملائنا من جودة منتجاتنا نتوسع بالتدريج ...ويوما ما سننشئ المصنع الذي نحلم به "
ارتفع حاجب سيد وربع ذراعيه وهو يعود بكرسيه للخلف قائلا:
"أتعرف يا ياسر تكلفة إنشاء مثل هذا المعمل ...إن إيجار أي مكان صغير للبدء فيه سيقضى على أي ربح محتمل ...ناهيك أصلا عن الخامات التي سنحتاجها بالبداية ...ولا أريد أن أصدمك يا صديقي ...لكني لا أملك أي قدر من المال لأشاركك به "
ابتسم ياسر وهو يقول :
"لا أريد منك مالا ..أريد منك عقلك ...قدراتك الفذة في مزج التركيبات الكيميائية وإخراج أفضل الخلطات ذات الثبات العالي والتي لا تتغير ألوانها ...أنت كنت أفضلنا في الكلية ...كنت تثير جنون المعيدين والأساتذة بقدرتك وبراعتك بالأمر ..وكنت تثير حنقهم عندما تدعي كل مرة أنك لا تذكر نسب المكونات بالضبط لتحصل على هذه النتائج ...لقد قمت بدراسة جدوى للمشروع ...المشكلة ليست بالخامات ..تكلفت صفيحة الدهان تتراوح ما بين خمسة عشرة إلى خمس وعشرون جنيها ...وتباع بمئات الجنيهات إن كانت من إنتاج شركة كبرى أو مستوردة ...وبما لا يقل عن مائة جنيه إن كانت من معمل مغمور ...واغلب العمال يشتكون من عدم ثبات الألوان للصفائح الرخيصة وارتفاع التكلفة للصفائح الغالية الأكثر ثباتا وحتى بعضها ليس جيدا تماما ...وحتى المذيبات المستخدمة بنزع الطلاء القديم أغلبها ليس بجودة عالية ...تخيل لو استطعنا نحن غزو السوق بمنتجات بثمن معقول وثبات عالي ...أنا عليّ التسويق وأنت الإنتاج ...صدقني سنحتاج لفترة بالبداية وسنتعب قليلا حتى يتعرف علينا الناس وخاصة عمال المعمار ...سنتعامل بالبداية مع العمال الصغار وبعدها سنتوسع وستطلبنا شركات المقاولات ومكاتب الديكور الكبرى و ..."
قاطعه سيد الذي أنهى كوبه ووضعه أمامه وهو يستمع له بتركيز وقال:
" هووهووووه!.. اهدأ قليلا يا صديقي قبل أن تسترسل في عالم الأحلام كل كلامك جيد ...لكن يظل هذا حلم صعب التحقق ..أخبرتك أن إيجاد مكان مناسب وتوفير إيجاره سيقضى على أى أرباح بالبداية خاصة أن من سيبدأ مشروعا كهذا سيظل ما يقرب أو يزيد عن العام حتى يبدأ الناس بمعرفته والثقة بمنتجاته ...وفى هذه الأثناء لن يكون لديه ربح يذكر بل على الأغلب عليه أن يتحمل الخسارة بالبداية ..لهذا مستحيل بحالتنا ...لا ظروفي تسمح بالصبر والانتظار ...ولا أظن ما معك من مدخرات يكفي أيضا خاصة انك متزوج وبانتظار طفل "

صفق ياسر بكفه قائلا بمرح :
"إذا يا صديقي معضلتنا الكبرى هي المكان وإيجاره أليس كذلك ؟!( مال ناحية سيد قائلا بمرح وحاجب مرفوع أمام ملامح سيد المتعجبة قائلا ) ...لقد حُلت تلك المشكلة .. تعرف مشاكلي قبل السفر مع إخوتي غير الأشقاء وأكلهم حقوقي وسرقتهم لميراثي عن طريق تزوير أوراق بتوقيع أبي ... (وغامت عيناه حزنا قبل أن يشيح بيده كأنما يزيل الذكرى وهو يكمل ) وأنني لولا مصاغ أمي وقد كان أبي ترك لها الكثير منه ما استطعت السفر والبقاء هناك بالفترة الأولى ...المهم أن خالي قبل سفري طلب مني عمل توكيل له ...هو محامي كما تعرف ...ورغم عدم اهتمامي وقتها لكني رضخت لطلبه ...لأكتشف بعد عودتي أنه ظل يحاربهم بالمحاكم من وقتها حتى استطاع بالعام الماضي أن يصل معهم لاتفاق بأن يتنازلوا لي عن أحد مخازن الخشب التي يملكها أبي في منطقة (.....) ورغم أن المخزن لا يساوي ربع ميراثي لكن على الأقل حصلت على شيء منه ...والمهم أن موقعه ومساحته مناسبة تماما لنبدأ بالمشروع ونحقق أول خطوة بأحلامنا ...ليس هذا فقط ...بل شريكنا الثالث ...شريك أحلامنا سيكون معنا "

قطب سيد وهو ينظر لصديقه كما لو كان قد جن وهو يسأله :
" أى ثالث ...هل جننت ...رامي رحمه الله فكيف سيشاركنا "
لتأتيه ضربه على كتفه من الخلف وصوت يقول بمرح :
"سيشارككما باسمه من خلالي أنا "
نظر سيد متفاجئا لهادر بملابسه العصرية المكونة من بنطال جينز ازرق وقميص بولو بدرجة افتح من زرقة البنطال و الذي سحب كرسيا وجلس بجوارهما يضع هاتفه ومفاتيحه على الطاولة ويحي ياسر بمرح ثم أوضح :
"حدثني ياسر عن المشروع وكنت اذكر جيدا أن رامي رحمه الله كان كثيرا ما يخبرني عن حلمكم بإنشائه يوما ...فقررت أن ادخل معكم شريكا ...لدي مبلغ مدخر من المال ...ليس كبيرا ...لكنه كافي كبداية لشراء المستلزمات ..سيكون رامي شريككم الثالث وأي ربح سيتحصل عليه سيكون صدقة جارية على روحه رحمه الله "
نظر لهما سيد بقنوط مفكرا ..ها هي أحلامه تطالعه من بعيد ..كما لو كانت تسخر منه وهي تقترب من بين أصابعه ...لكنه للأسف غير قادر على تحقيقها ...فهذا المشروع سيحتاج تفرغا وصبرا حتى يحقق عائدا ...وكلاهما أمران لا يملك رفاهية تحقيقهما ...فاعتدل مجليا صوته قبل أن يقول :
"حقا الفكرة رائعة ...وقابلة للتحقق لكن أنا ..."
قاطع كلماته رنين هاتف هادر فوق المنضدة ...فانقبضت يد سيد وملامحه وهو يعض شفته بغضب حين لمح اسم رؤى يضئ شاشة الهاتف فأسرع بالإشاحة بوجهه خاصة حينما خطف هادر الهاتف بلهفة واعتذر لهم وهو يقف مبتعدا ليرد ...
لم يستطع سيد منع عينيه من متابعة هادر الذي وقف على بعد أمتار ولم يخف عليه لهفته الظاهرة على وجهه وهو يجيب على الاتصال ..ورغم انه لم يسمع ما يقوله ...لكن ملامح الفرح والسعادة كانت تبدو ظاهرة على وجهه قبل أن ينهي المكالمة ويعود إليهم ...فتقبض بقوة وظل مطرقا برأسه أمامهما في وضع متخشب غريب .. يحاول أن يتحكم في خلطة مشاعر تعصف به لحظتها حتى لا يبدو مجنونا أمامهما .. إحباط وقنوط من عدم استطاعته المشاركة في تحقيق حلمه الذي عاد يغازل عقله من جديد .. وتلك الغيرة التي تشتعل في صدره والتي تكاد أن تقضي عليه.. وتلك الرغبة الملحة في تحطيم المنضدة التي عاد ذلك الهاتف اللعين ليستقر عليها تحت أنظاره وكأنه يسخر منه هو الآخر..

صمته وهيئته الغريبة استرعت انتباه صاحبيه وقبل أن ينطق أحدهما رن هاتف سيد بنفس اللحظة فقطب وهو يرى اسم أمه ليرد بحشرجة:
" نعم أمي"
قالت أمه باكية:
" أبوك يا سيد.. أبوك مريض جدا ولا أعرف ماذا أفعل "

قال سيد بسرعة " أنا آت حالا "
أغلق الخط واعتذر منهم رافضا عروضهم بالذهاب معه ليخرج بسرعة ويستقل دراجته البخارية منطلقا بها ...
**********
الجامعة قبلها بدقائق

تتأفف بضيق وهي تنظر لياسمين الساهمة قائلة بغيظ:
"اسمعي أيتها الكئيبة ...عليك بنسيان ما حدث وإلقائه خلف ظهرك ...لن تعيشي طويلا في دور النكد ...عريس تقدم ولم يحصل نصيب ...تحدث كثيرا ولكل الفتيات ..نقطة ونهاية السطر ونبدأ من جديد "
قالت ياسمين بسخرية مرة :
"لا يوجد سطر جديد لأن سبب الرفض قائم وسيظل قائم "
زفرت رؤى وقالت صارخة بحنق :
"سبب غبي كمن يهتم به ...لن أعيد كلاما بح صوتي بتكراره ..من يفكر بتلك الطريقة أناس معاقين الفكر والسلوك ..وقد رحمك الله منهم ...( وأضافت بلهجة حالمة منغمة ) وأنا أكيدة بأنك ستقابلين يوما شخصا سويا رائعا وسيما ...مفتول العضلات ...يرتدي زيا رسميا يزيده هيبة ووسامة ويذوب بك ويتمنى رضاك "
نظرت لها ياسمين ذاهلة وغمغمت ساخرة :
"حقا ... وأي زي رسمي هذا بالضبط ...وأين سأقابل كامل الأوصاف هذا.. في الأحلام طبعا "
ازدردت رؤى لعابها بارتباك وهي تشعر أنها قد تمادت وكادت أن تفسد الأمر لتقول بمزاح محاولة مدارة ما كادت أن تذل به :
"بل هي حاستي السادسة يا فتاة ...قلبي الذي لا يخطئ يخبرني بأنك قريبا ستقابلين شاب بالموصفات التي ذكرتها ...ويرتدي زيا رسميا ...ربما زي جيش أو شرطة أو.. "
قاطعتها ياسمين هازئة :
" أو معطف طبي وهو يعالجني من غيبوبة سكر .."
زفرت رؤى غيظا وسألتها في محاولة لتغيير الموضوع :
"لم تكملي لي ما حدث مع أبيك وقراراته الجديدة "

جلست ياسمين بإرهاق على مصطبة قريبة وهي تقول بضيق :
" رغم سعادتي باقترابه مني منذ ما حدث ...وتصميمه على قضاء الكثير من الوقت معي ...إلا أن أوامره الأخيرة لا تروقني ... لم يكتفي بإيقاظي مبكرا كل صباح وجري من فراشي لنسير بطرقات الحي بحجة ضرورة ممارسة الرياضة ..لأجده بعد أن تعرضت للمعاكسة معه يقرر أننا سنشترك بأحد النوادي ...ومساء أمس أخبرني بأنه اشترك لي بنادي (.....) وليس هذا فقط ..بل اشترك لي أيضا لتعلم التنس هناك ...يبدو انه تذكر حلمي القديم بطفولتي عندما كنت أعجب وانبهر بلاعبي التنس وأتمنى تعلمه ... أبي لا يفهم أن أحلام الطفولة تظل أحلاما ...لكنه مصر على إعادة xxxxب الساعة للخلف ...وعندما رفضت اخبرني انه سيأخذني ولو رغما عني ...وسنبدأ الذهاب لمدة ساعتين كل يوم بدء من الغد بعد عودتي من الكلية ..(وأضافت بضيق ) هل الذهاب للنادي وممارسة الرياضة بالغصب ... هذا ظلم أبي.. أصبح يتحكم بتحركاتي ويشعرني بالاختناق "
وقفت رؤى أمامها متخصرة وهي تقول لها بغيظ :
"الذهاب للنادي ولعب التنس يخنقك ... انك أنت الخنيقة ...( ورفعت يدها لأعلى داعية ) اللهم ارزق أبي ببعض ظلم أبو ياسمين وارزقها ببعض تحكمات أبي لتعرف الفرق تلك الغبية الجاحدة "
لتستدير تاركة إياها وردت بسخرية حين نادت عليها ياسمين :
"سأذهب للمقهى احضر لنا علبتي عصير حتى استطيع ابتلاع كلامك الماسخ هذا "
وأخرجت هاتفها ما ان ابتعدت قليلا لتخبر هادر بحضور ياسمين للكلية وتبلغه بموضوع النادي فربما يكون هذا هو المكان المثالي للقائهما
ولم تدري بأنه على بعد عدة أمتار كانت هناك عينان تراقبانها من فترة ...تتحينان الفرصة للاقتراب وتنفيذ مخططه في إيقاعها ...

انتظر باسم بضع دقائق حتى انتهت من حديثها الهاتفي واقترب منها قائلا بمرح :
" كيف حال فاتنة قسم اللغة الصينية ...مبارك نجاحك بالترم الأول ...سمعت أنك حصلت على تقديرات جيدة بمواده "

التفتت ناظرة لباسم بتعجب وهي تقول ساخرة بحاجب مرتفع :
"ما شاء الله ...وعرفت بنتيجتي التي ظهرت أمس فقط ...ماذا هل تتابعني ..أم تراك معجب "
اقترب منها أكثر مما دفعها للرجوع خطوة مع نظرة تحذير غاضبة ليقف مكانه ويميل برأسه جانبا ثم رفع نظارته عن عينيه و نظر لها بإغواء قائلا:
"وهل هناك من يراك ولا يكون معجبا !"
رغم وسامته الشديدة وتلك الهالة التي تحيط به من الثراء لكن اقترابه الشديد منها جعلها تتوجس من نواياه خاصة وهي تلمح بعض المارين من زملائها وهم يتطلعون فيهما باستنكار ..فنظرت له بعيون ساخرة وهي تميل برأسها ناظرة لوجهه مليا بهزء ثم أطلقت من فمها صوتا موسيقى وهي تحرك يدها كما لو كانت تعزف على آلة الكمان :
" تارتتا ...هل هناك المزيد من الأغاني حتى أكمل العزف "
سارع باسم بالنفي محتدا :
"رؤى أنا لا أغني عليك ...أنا حقا معجب بك ( واخفض صوته ورققه وهو يكمل ) صدقيني منذ أن رأيتك للمرة الأولى وأنا لا أستطيع نسيانك ونزعك من رأسي أفكر بك ليل نهار ...لم أشعر بأي سعادة أو متعة بالرحلة لأنك لم تأتي معنا ...(ليميل ناحيتها أكثر قائلا ) آه لو حضرتي كنتِ ستستمتعين كثيرا ...وتبهجي أيامي التي أصبحت باهتة بدونك" ...
اعتدلت واقفة وشدت جسدها تضرب كفا بكف وهي تقول له بسخرية حادة :
"لا حول ولا قوة إلا بالله ...وأنا من كنت أظن أن شباب الطبقات الراقية لا يستخدمون تلك الاسطوانات البالية ...يا بني ..كلام الأفلام القديمة هذا الذي كانوا يوقعون به الفتيات بالماضي قد اندثر ..."
قالتها وتركته واقفا مكانه يعض نواجذه غيظا وعادت لصديقتها ثم وصله صوت ضحكاتها الساخرة وهي تكرر كلماته ( تبهجي أيامي التي أصبحت باهتة بدونك ...من أي فيلم قديم جاءت تلك الكلمات !...)
*************
الحارة مركز الدروس

كانت تنهي شرح إحدى قواعد الانجليزية بآلية وجمود ...وشعور الاختناق الذي أصبح معتادا بداخلها يتزايد ...فهي لا تطيق التدريس ...تعترف أنها تفتقد للكاريزما اللازمة وتلك الملكة الخاصة بالمدرس والتي تجعله يجيد توصيل المعلومة للطلاب بسهولة ...إنها تجيد اللغة ...بل باللغتين ...لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها قادرة على شرحهما بسهولة ..إن أخويها دوما ما تذمروا منها ومن سيد لأنهما لم يكونا يفهمونهما جيدا ولا يصبران عليهما ولا يطيقان نفسيهما كلما طلبا منهما إعادة الشرح ...تشعر أنها تظلم هؤلاء الطلاب أمامها رغم أنها تحاول بذل أقصى طاقتها ...ما يجعل مشاعر الضيق بداخلها تتزايد كل يوم أكثر ...

أطلقت زفرة راحة مع سماعها صوت الصافرة التي تشير لموعد انتهاء الحصة صافرة وضعها سمير حتى يتم التزام الجميع بموعد الحصص فلا يزيدوا عليها دقيقة أو ينقصوا ...كم يشعرها بأنه يدير مدرسة وليس مجرد مركز للدروس ...ليلتوي فمها بسخرية وهي تتابع خروج التلاميذ من أمامها بسرعة وفرحة كما لو كانوا قد جاءهم إفراج من السجن ...وفكرت بضيق أن هناك مجموعة أخرى ستدخل بعدهم ...فخرجت متجهة ناحية المطبخ الصغير لتحضر لنفسها كوبا من الشاي قبل بدأ حصة التعذيب الثانية عازفة عن الطلب من تلك الفتاة المدعوة دنيا ...والتى لا تدري لمَ لا تطيقها ...لتقطب وهي تفكر بغيظ حول تعامل تلك الفتاة معها بتجاهل وإهمال ... المفروض أنها سكرتيرة المركز ...وهي ترى كيف تسارع بالاهتمام وتلبية أوامر سمير وناهد وعبد العظيم ...لكن أي طلب لها هي تتجاهله مدعية بأنها نسيت أو انشغلت ...لتقرر أن تتحدث معها بحسم فلن تسمح لها بتجاوزها فالأمر لن ينقصها ...يكفيها ما تعانيه من حماتها وشقيقتي سمير والتي أصبحت معاداة علنية بعد إصرارها على البقاء في شقتها وعدم مشاركتهم الوجبات مكتفية كحل وسط بصنع الطعام لهم في شقتها ليحمله سمير لأمه بالأسفل ...
لمعت عيني سما بمكر وابتسمت وهي تفكر في أنها أصبحت تتعمد صنع كميات لا تكفى سوى لسمير وأمه مخبرة إياه أنها ليست خادمة لشقيقاته وأزواجهم ولن تطهوا لهم الطعام ...هي ملزمة به وبأمه فقط ...
أنهت صب كوبها وتحركت للخارج لتتجهم وهي ترى مشهد مكرر يخنقها حيث تمنع تلك السكرتيرة السمجة دنيا تلميذا من دخول الحصص لنسيانه المال أو تأخره بالدفع ...فسمير يضع نظامين للدفع إما بالحصة ..أو بالشهر ...من يدفع شهريا يحصل على خصم بينما من يدفع بالحصة يكاد يدفع ضعف المبلغ ...لتقطب وتحتد ملامحها وهي ترى دنيا تهين الفتى أمامها بوقاحة وتطرده بقلة ذوق وتسخر منه أمام باقي زملائه

وضعت سما ما بيدها جانبا واقتربت منهما قائلة بحزم :
" كيف تتحدثين معه بتلك الطريقة ...(وأمسكت بيد الفتى الدامع والذي كان يهم بالمغادرة وقالت موجهة الكلام لدنيا ) إياك أن أسمعك تتحدثين مع احد التلاميذ بتلك الطريقة المهينة ثانية ...فهم لا يعملون عندك "
تخصرت دنيا وردت بوقاحة :
"أنا لا آخذ أوامري منك ..أنا أنفذ تعليمات الأستاذ سمير ...هو ابلغني أن من لا يدفع لا يدخل ..."
ضغطت سما على شفتيها غيظا واقتربت منها تجر معها الفتى قائلة :
" وأنا أبلغك أن هذا الفتى سيدخل لحصتي ...(واستدارت له قائلة )...أنت زيد ابن الخالة سعاد أليس كذلك؟ "

أومأ الفتى برأسه المنكس فاشتعل قلبها عطفا عليه ...فهي تعرف جيدا ظروف هذا الفتى الأشبه باليتيم ...والذي هجرهم والدهم سيئ السمعة وطلق أمه تاركا لها ثلاث أطفال صغار في عنقها واختفى منذ سنوات ...والخالة سعاد رغم صحتها الواهنة تحاول وتكافح لتربيتهم .. ومصرة أن يتعلم أبنائها رغم كل شيء ...فتعمل خياطة على مكينة صغيرة... هي لا تجيد التفصيل فقط تقوم بإصلاح الأثواب أو تقصيرها وغير ذلك من أمور بسيطة ...ويساعدها زيد بالعمل لبعض الوقت بمحل البقالة الصغير بناصية الحارة ...مسكين هذا الفتى ...ما المشكلة لو أعفاه سمير من المصروفات ...فالكل يعلم بظروفه ...فليعتبرها صدقة جارية ...
تجاهلت دنيا وحملت كوبها الذي برد وسحبت الفتى معها متجهة لحجرة الدرس التي امتلأت .. لتجد دنيا تسرع لتقف في وجهها أمام الباب مربعة يديها وتقول بعناد وصلف:
"لن ادعه يدخل طالما لم يحضر النقود إلا لو أخبرني الأستاذ سمير بنفسه"

اشتعلت سما غضبا فألقت بكوبها أرضا بعصبية دون اهتمام بتحطمه وهي تصرخ بها آمرة إياها بالتحرك لكن الأخرى رفضت بشدة وعناد.
حاول الفتى ترك يد سما معتذرا راغبا في المغادرة لكنها تشبثت به أكثر وعلا صوت الشجار بينهما ليحضر سمير من الحجرة المجاورة مسرعا وتخرج كلا من ناهد وعبد العظيم ليستطلعا ما يحدث ...

بمجرد أن فهم سمير الأمر قال بجدية لسما :
"دنيا لم تخطئ ..هي تنفذ تعليماتي ...لو فتحنا باب الاستثناءات لن ننتهي ...وكل يوم سيأتينا من يتحجج بظروفه "
لمعت عيني دنيا بانتصار .. وناظرتها بنظرات متشفية بينما تسارعت أنفاس سما وهي تنظر لهما مضيقة عينيها بشكل أثار توجس سمير قبل أن تقول بفحيح :
"إذا أنت لن تدعه يدخل الحصة"
أومأ سمير برأسه متمسكا بموقفه رغم توجسه ..فاستدارت سما وهي تسحب الفتى ناحية الباب قائلة :
"إذا اجعل الآنسة دنيا تعطى لهم الحصة طالما أن كلامها هو ما سينفذ "

لحق بها سمير يقول بغضب :
"ماذا تعنين ؟! ..سما ردي عليّ ...إلى أين أنت ذاهبة ؟"

استدارت سما وردت بتحدي :
" ذاهبة لزيارة أبي المريض الذي لم أجد وقتا لزيارته طوال الأيام السابقة بسبب الحصص التي لا تنتهى .. وسآخذ زيد معي لأذاكر له وامنحه درسا خصوصيا مجانيا مع إخوتي ومن لا يعجبه فليشرب من البحر "

صرخ سمير ناهرا:
"سما لا تزيديها ...لديك عمل الآن أجلي زيارة أبيك لحين الانتهاء من العمل ...وإن كان على الفتى ...سأسمح لك بإدخاله هذه المرة فقط و… "

تجاهلته سما واستدارت مكملة طريقها للخارج وتجاهلت كلماته الغاضبة ...وصرخات أمه المنادية عليه من أعلى السلم ليقف متخصرا ينقل عينيه بينها وبين أمه ... فسخرت سما في سرها وهي تلمح بطارف عينها دنيا الواقفة بجوار أمه تنقل لها آخر الأخبار ...فقررت أن تتجاهلهم جميعا وتكمل طريقها للخارج .

×××××
بعد أسبوع
مقر مجموعة الراشد الراوي التجارية


مال بها على مكتبه يقبلها بشغف فبادلته بحرارة وعواطفهما تغيب عقليهما .. حتى بدأت تفيق من غياهب العاطفة على يديه التي بدأت بالتطاول لمناطق خطرة وهي تستشعر فقدانه لتحكمه في نفسه .. فحاولت إبعاد يديه التي تفك أزرار بلوزتها بلهفة للوصول لما تحته وقالت وهي تنهت:
"خالد ...توقف ...خالد هل جننت ... نحن بالمكتب ...سيدخل أحد علينا وسننفضح "
كان خالد مغيبا وهو يميل برأسه لتنهل شفتاه مما ظهر من بلوزتها وتسرح يديه على جسدها بشوق يعتصره عصرا مما جعلها تئن بقوة قبل أن تمسك برأسه بين كفيها ترفعه بصعوبة وتنظر لعينيه الغائمة بالعاطفة وتقول بتقطع :
"حبيبي أرجوك ...أرجوك ...كفى ...نحن بالمكتب "

قال بخشونة وصوت مثقل :
"لنغلق الباب بالمفتاح ...سأعطي أوامر بعدم المقاطعة "
حاولت تهدئته وإقناعه وهي تربت على خده بينما تحاول تحمل ألم ضغط المكتب خلفها على فخذها فقالت :
" حبيبي اصبر بضع ساعات فقط حتى نذهب لبيتنا ووقتها سنفعل ما نريد "
اعتدل واقفا وحاول جذبها ناحية الباب قائلا :
"ولمَ الانتظار فلنذهب الآن "
سحبت يديها منه ووقفت معتدلة محاولة إعادة ترتيب ملابسها وهي تقول له بجدية :
"تعرف أننا لا نستطيع الذهاب الآن خالد ...وفد الشركة الايطالية على وشك الحضور ... ونحن نحتاج لهذه الصفقة فهي هامة جدا و نسعى لها من شهور ..."
شعرت بالشفقة عليه وهي ترى وجهه المحتقن وهو ينظر لها بغيظ قائلا :
"أنت السبب فيما أعانيه ...سأدخل للحمام أحاول تبريد أعصابي "

تعالت ضحكات همس وهي تراه يتجه للحمام مغمغما بغيظ كطفل ضخم غاضب ...فعضت شفتها السفلى بشقاوة وهي تفكر بقلب عاشقة بأنه معذور في انفجاره العاطفي ...فزوجها المسكين عاندته الظروف الفترة السابقة كلما حاول مقاربتها حتى كادا أن يقاربا الشهر دون وصال .. فمرة أمجد مريض ومرة هو أو كلاهما مشغول يعودا منهكان فيغلبهما النوم بالإضافة لسفره لآسر وعندما عاد كان بنفس يوم موعد بداية ظرفها الشهري .. وما أن انتهت حتى كان مضطرا للسفر لعدة أيام لأجل العمل ...والمسكين عاد أمس متأخرا ليجد أمجد نائما في حضنها وكلما حاول نقله لغرفته استيقظ باكيا متمسكا بها حتى فقد الأمل وغلبه النوم ...لهذا انفجر أتون عواطفه وهما هنا ...
ضحكت على منظره المتجهم وهو يخرج من الحمام بشعر مبتل وينظر لها بغيظ فتحركت هي أيضا ناحية الحمام وقبلت خده وهي تمر بجواره قائلة بإغواء :
"لا تغضب ...سأعوضك الليلة أعدك ...(لتخفض صوتها وتهمس بأذنه) ...لقد اشتريت قميصا جديدا يشبه بدلة رقص خليعة بلون احمر ناري وسأرقص لك به على أنغام أغنية شعبية جديدة "

وغمزت له مطلقة ضحكة عالية وهي تتملص من يديه التي حاولت اقتناص خصرها وتغلق خلفها باب الحمام وتركته مبتسما ببلاهة وهو يدعك هو كفيه معا مغمغما بتمن:
" ستكون ليلة حمراء مشتعلة حتى الصباح يا قلب خالد "

رسم ملامح الجدية على وجهه بسرعة حين سمع طرق الباب قبل أن تدخل سكرتيرته تقى مخبرة إياه بوصول الوفد الايطالي وأن الآنسة ماهينار استقبلتهم وصحبتهم لحجرة الاجتماعات ..فأومأ لها وأعتدل ممررا يديه بشعره وهو ينادي همس مخبرا إياها باللحاق به .

قبل أن يتحرك رن هاتفه بالنغمة المخصصة للأرقام الهامة فنظر للهاتف بقلق ما أن وجد رقم آسر فأسرع بالرد وهو يتجه للخارج لكنه تسمر مكانه فجأة وهو يقول بحدة :
"ماذا ...متى ...أين أنت تحديدا ...أبقى مكانك ولا تتحرك خطوة ..أنا قادم لك "
والتفت لهمس التي خرجت من الحمام يقول بعجلة وهو يسرع بالتقاط مفاتيح سيارته من فوق المكتب :
"همس احضري أنت الاجتماع وحاولي التصرف ..أنا يجب أن اذهب بسرعة ..."
ليتركها مهرولا للخارج فلحقت به عند المصعد تناديه بقلق سائلة عن ما حدث فطمئنها قائلا :
"لا تقلقي ...مشكلة تخص آسر ...سأشرح لك عندما أعود ...فقط لا تخبري احد وتصرفي مع الوفد ..."

*****
الحارة شقة شحاته العسال

دخل سيد مسرعا ينهت وهو يتجه لحجرة أبيه الذي يصارع بصعوبة لأخذ أنفاسه المتحشرجة فهو لم يستطع إيجاد طبيب في المركز الصحي القريب ...ليحضره معه...فأتجه جوار الفراش قائلا:
" ...ساعديني أمي لأرفعه على كتفي ...لقد أحضرت تكتك ( عربة صغيرة بثلاث عجلات تستخدم للنقل في الحارات الضيقة ) لينقلنا لأول الحارة وبعدها سآخذ سيارة أجرة لأي مشفى خاص جيد ...لن اتركه يعاني أكثر "

قالت أمه الجالسة بجوار أبيه ممسكة يده بصوت باك :
"ومن أين بني سنأتي بنقود المشفى الخاص ...ثم ما الفائدة ...ألم يخبروك أول أمس بالمشفى العام أن الأمر ميئوس منه وجعلوك تخرجه من هناك
"
دخلت سما تحمل كوبا من الأعشاب الدافئة فهم منذ يومين يحاولون أن يجعلوه يشرب شيئا بلا فائدة ...كل ما يحاولون إدخاله بفمه يتساقط من فيه كما لو كان فقد قدرته على الابتلاع ...في الوقت الذي صرخ سيد قائلا :
"سأتصرف أمي ...لن أتركه يتعذب هكذا وأنا أقف لأتفرج "

وضعت سما الكوب ثم قامت بخلع أسورتها الذهبية من يدها لتناولها لسيد قائلة :
" خذ هذه سيد بعها وبثمنها ندخله مشفى خاص "
أزاح سيد يدها بغضب قائلا :
" أعيدي مصاغك ليدك سما ...هل جننت ...أتريدي أن يعيرنا زوجك وأهله ( وقاطع اعتراضاتها قائلا بحدة) سامح في طريقه لهنا ...وسيحضر لي معه مبلغا من المال كسلفة مؤقتة فإن أتى بعد أن أذهب بأبي فاجعليه يلحق بي "

قالها ومال بسرعة ناحية أبيه يحاول رفعه فوجد عينيه شاخصة وصوت حشرجة تخرج من حنجرته مصاحبة لسيلان جانب فمه باللعاب ...

انقبض صدر سيد بقوة واتسعت عيناه وقد شعر بأنها النهاية ... فسحب يده من تحته ومال على رأسه قائلا :
" أبي قل أشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله "

نظر له شحاته بعيون غاربة ...وازداد صوت حشرجته بقوة دون أن يقدر على إخراج أي صوت .. ليسكن جسده تماما في اللحظة التالية وتبرد يديه بين كف سيد الذي نظر لأبيه بعيون دامعة وهو يتلمس جانب رقبته بيد مرتعشة فلم يستشعر نبضا .. وأيقن أن روح أبيه صعدت لبارئها .

مد سيد يده يغمض عينيه وهو يقول بحزن:
"إنا لله وانا إليه راجعون "
لتتزامن كلمته مع صرخة صادحة من أمه وأخرى مختنقة من سما ودخول فزع من سامح وأبيه

...........
يتبع






Layla Khalid and noor elhuda like this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:47 AM   #616

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي


بعد مرور أسبوع
الحارة شقة شحاته العسال

جلس بانتظارها بشوق قلق ...يخشى من عنادها الذي لمسه في فترة حياتها معه ...رغم قصرها.. وأدرك بأن سما لا ترضخ بسهولة ... فأطرق برأسه وهو يفكر أن موت أبيها جاء نجدة له أمام أمه التي كانت تستشيط غضبا بسبب تركها للبيت ...ولم تصدق محاولته إقناعها بأن أبيها مريض جدا واضطرت للذهاب له ...خاصة بعد أن تبرعت كلا من دنيا وناهد بتأجيج غضبها ضدها …

زفر بضيق يتمنى الوصول لحل يجعله قادرا على إرضاء سما دون إثارة غضب أمه ....فالأخيرة تصر على ضرورة أن تعود سما لخدمتها هي وإخوته والقيام بكل مهام بيتها بالإضافة لعملها معه ...وسما كانت قبل ذهابها بأيام قد اشترطت عليه أنها لن تقوم إلا بالاهتمام بشقتها وطهي الطعام لأمه فقط دون أن تنزل لتشاركها الوجبات…

ما أن سمع صوت حذائها حتى رفع رأسه لينبض قلبه بقوة حين وقعت عيناه عليها …
يا الله كم اشتاقها بقوة.. يراها بعين قلبه أجمل نساء الأرض حتى وهي بعباءتها السوداء وحجابها المماثل والملفوف بإهمال حول وجهها الذي ازداد نحولا ... آه لو تعرف كم يحبها لما عذبته وضغطت عليه بهذا الشكل …

تابعتها عيناه تتغزلان في ملامحها التي يراها رغم الشحوب والإجهاد فاتنة تثير شوقه إليها ...ثم اجلى صوته يقول وهي تجلس بجمود على مقعد بعيد :
"كيف حالك حبيبتي ...اشتقت لك "
نظرت له ببرود وهي ترد :
" بخير الحمد لله "
ازدرد لعابه وهو يفكر أن أسلوبها غير مطمئن .. فترك مقعده واقترب ليجلس على المقعد المجاور لها قائلا بصوت منخفض حتى لا يصل لأمها بالداخل :
"حبيبتي ...ألا يكفى بقاءك هنا حتى الآن ...لقد مر أسبوع على الوفاة ...وانتهت أيام العزاء ..وآن أوان عودتك لبيتك "
ردت قائلة بسخرية :
"عودتي لبيتي ..أم لعملي لديك وأهلك كمدرسة وخادمة بلا أجر!! "
قطب وهو يرد بضيق:
"ما هذا الكلام سما ...هل معاونة الزوجة لزوجها يجعلها خادمة لديه !! "
نظرت له للحظات بصمت قبل أن تربع ذراعيها تحت صدرها وتقول بجدية وحزم :
" اسمع سمير ...أنا لن أدخل معك بمجادلة حول مهام وحقوق وواجبات الزوجة ...ولن ارفض أو استنكر أن تقوم الزوجة بمعاونة زوجها ..أو حتى خدمة أمه لكن أن يصل الأمر لتجاهلك لي ...وإهانتك لكرامتي لأجل إخوتك وأمك مرات ومرات بل وحتى أمام موظفة تعمل لدينا وضع لن اقبله أبدا "
حاول سمير مقاطعتها مستنكرا فرفعت يدها أمامه بحزم وقالت وهي تستقيم واقفة :
" سمير ...أنا فكرت كثيرا طوال الفترة السابقة ...أنت لست برجل سيئ ...لكن للأسف أنا وأنت بيننا العديد من الاختلافات ...هناك أمور لن أتقبلها أبدا ...وهي للأسف جزء ثابت من حياتك ...لذا سنظل دوما بخلافات ...وأنا لا أريد أن اقضي حياتي في حرب مع اهلك ...ولا أن اعمل باقي عمري بمهنة لا أطيقها ...ولا أرغب في أن أظل طوال الوقت في صراع مع ما تريده أنت وأسرتك وما أريده أنا ...نحن لن نتفق سمير ...والحمد لله لا يوجد بيننا أطفال حتى الآن ليجعلوني أتحمل حياة سيكون كلانا تعيسا بها ...لذا من الأفضل أن نفترق الآن ونحن ما زلنا نحمل لبعضنا معزة وتقدير قبل أن تزيد المشاكل "
همس سمير بغضب :
" نفترق!! .. ما هذا الذي تقولينه "
قالت بثقة:
" أنا لن استطيع الحياة مع عائلتك سمير "
ظل مطرقا صامتا للحظات قبل أن يقف أمامها بملامح مغلقة ليسألها بغضب مكظوم:
"ما الذي تعبينه عليّ وعلى أهلي بالضبط سما ...ما هي الأمور المسيئة بحياتنا التي تجعلك نافرة وغير راضية ولا تستطيعين التأقلم"
حاولت الرد فرفع يده قائلا بصوت بدأ يرتفع :
"تلومين أمي لتملكها وبعض تجاوزتها بحقك؟ ...ترينها سيدة أنانية تحاول فرض أوامرها وسلطتها علينا؟ .. وأنا تريني ضعيفا أمامها ...لا أوقفها عند حدها؟ ...وربما تتهميني بينك وبين نفسك بالضعف والخنوع ...وماذا أيضا ؟... آه تريني إنسانا ماديا ... كل همه جمع المال ولا يملك قلبا يجعله يتجاوز عن من لا يستطيع الدفع أو يدعى انه لا يستطيع الدفع فكل تلاميذنا يراوغون ويدعون أنهم لا يملكون المال ولولا حزمنا معهم لما حصلنا منهم قرشا واحدا..."
أشاحت سما بوجهها بعيدا فابتسم بمرارة وهو قال وهو يتأملها: أتظنين بأني لم أرى واعي نظراتك المستهجنة والرافضة كلما رفضت استقبال تلميذ دون أن يدفع ...عيناك التي تنظر لي برفض ...تحاكمني وتحكم علي بقسوة ...دون حتى أن تحاولي سؤالي ...دون أن تفهمي سببا لما أفعل ...تريدين أن ننفصل سما ...ترين حياتك معي سيئة ولا يوجد توافق بيننا ...لذا قررت أن نفترق ...ألم تفكري قبلها ولو للحظة أن تقتربي مني.. أن تسأليني عن أسباب ما أفعل ...عن أسباب تمريري لأفعال أمي وإخوتي ..."
ازدردت سما لعابها ونظرت له محاولة إفهامه صعوبة الأمر واستمرارها معه لتجده ينظر لها بعتاب مرير وخيبة أمل وهو يقول لها لائما :
"ظللت تفكرين في أخطائي طوال الفترة السابقة لتقرري أن نفترق ...وماذا عن أخطائك أنت بحقي سما ( لينظر لعينيها المتسائلة وهو يوضح ) أنت من أول لحظة بزواجنا ...لا حتى منذ لحظة تقدمي لك وانت نائية بنفسك عني ...لم تحاولي الاقتراب ..."
شعرت سما بالارتباك وحاولت الهرب بعينيها عنه معترفة بما يقول وقد أيقظ عندها ذلك الشعور بالذنب الذي يتعاظم بداخلها تجاهه بينما أكمل سمير بنفس اللهجة المرة :
" أجل لم تحاولي التقرب لي .. لكني كنت أمني نفسي أنك بعد فترة ستريني ...ستعتادين عليّ ...ستقتربين مني ...وربما ...ربما يوما ما تحبيني ..."

نظرت له لا تدري بما ترد فهز سمير رأسه وقال مؤكدا " نعم سما ...اعرف انك لم تحبيني ...رغم أني احبك ...لكني اعرف أني لم المس قلبك ...ورغم ذلك تحملت ...أملت ...انتظرت ...كل يوم كنت احلم باليوم الذي ستلمسينني فيه برغبتك ...ستقتربين مني ...ستهتمين بي ...(وارتفع صوته صارخا) ستسألين يا سما .. ستسألين "
كلماته كانت تجلدها وهي تشعرها بالذنب فقالت بهمس مرتبك :
"اسأل عن ماذا؟"
رد سمير بلهجة متألمة :
"عني ...عن حياتي ...عن ماضي ...عن سبب ما أفعل ...عن سبب تحملي لهوس أمي وتملكها وتملك إخوتي ...لاهتمامي بالمال ...نعم سما أنا لا أنكر ...أنا أهتم بالمال كثيرا ..أتعرفين لماذا ...حتى لا ننام ليلة بلا طعام ..حتى لا تجربين أنت أو احد أولادنا يوما مرارة وقسوة الجوع ...أو ذل ارتداء ملابس مهلهلة ..مرتقة فيسخر منكم الناس ويتنمر عليكم الجميع "
أخذت تتطلع فيه بذهول ..إنها المرة الأولى التي تراه بهذه الحالة المنهارة ...المرة الأولى التي ترى عينيه تلمعان بالدموع ...المرة الأولى التي تسمع القهر في نبرات صوته وهو يقول بصوت أثقله الخذلان :
"أرأيت أنك لا تعرفين عني شيئا سما .. لا تعرفين شيئا عن الشخص الذي تزوجتيه"
غمغمت بارتباك:
" سمير أنا"
قاطعها قائلا:
"أنا سأخبرك سما .. رغم أنك لم تسألي لكني سأخبرك ( وأشار لها أن تجلس فأطاعت ليجلس هو على الأريكة المقابلة ويقول بلهجة هادئة حزينة) .. كان أبي عامل بناء ...لم يكن غنيا ...لكنه كان يكسب جيدا ...ونحيا بظله سعداء مستورين ...حتى أنقلب الحال بعد موته تنكر لنا الأهل والأقارب ...ابتعد عنا الجميع خوفا أن نطلب منهم معونة ..أو أن يتحملوا مسئولية أرملة وثلاث أطفال ...أكبرنا كانت ناهد بعامها الجامعي الأول ...وأنا بالصف الأول الثانوي ..وأصغرنا لم تتخطى العشر سنوات ...هل تعرفين كيف كنا نحيا بلا عائل ...بلا دخل ...العام الأول بعد وفاة أبي ..باعت أمي كل ما له قيمة لدينا ..مصاغها ...أثاث البيت ...حتى لم يعد هناك شيء يمكن بيعه ...لتحاول اللجوء لأهل أبي وأهلها ...فيتنكر الجميع لها ويمنحوننا ظهورهم ..الجيران كن يتهربن منها عندما تطرق بابهم ...صاحب البقالة رفض بيعها بالأجل ...مرت علينا أيام لم نكد نجد سوى الخبز الجاف نأكله ... كنت اسمعها ليلا تبكي وتدعو الله أن ينقذنا ...رأيتها في أحد الأيام تتذلل لجارتنا لأجل بعض أرغفة خبز وقطعة جبن أو حبات بطاطس بعد أن نفذ حتى الخبز منا وكانت اختى تبكي من شدة الجوع ..لأقرر ليلتها ترك الدراسة والنزول للعمل ...لكنها رفضت أصرت أن أكمل دراستي ...كانت تحتضني منهارة بالبكاء وهي تخبرني أني حلمها ..أملها ...أنها ستنتظر الغد الذي سأعوضها وأخوتي فيه بعد أن أتخرج ..ظللنا أياما سوداء نعاني الفاقة والجوع ...حتى أتي لها خالي يوما ...تخيلي خالي شقيقها جاء يعرض عليها أن تأتي لزوجته يوميا تعاونها بأعمال المنزل وخدمة أبنائه حيث كانت زوجته وقتها حاملا وحالتها حرجة وممنوعة من الحركة ...في مقابل أن تأخذ معها كل يوم تذهب لهم فيه طعاما لنا ...(وضحك بمرارة ساخرة وهو يضيف) ...خالي جعل أمي خادمة لديه بلقيمات يمنحها لنا ...ورغم ذلك قبلت ...قالت أخي ولن ينتبه الناس أو يتقولوا علينا ...ناهد قبل ذلك كانت قد بحثت عن عمل بجانب الدراسة ...كانت تخرج صباحا لجامعتها ...وتذهب بعدها للعمل بمحل ملابس تقف فيه حتى قرابة منتصف الليل ...لتتحصل بنهاية الشهر على بضع جنيهات لكنهم كانوا لنا كنزا رغم قلتهم حتى لو لم يكفوا إلا أن نشتري بهم خبزا وملحا ...لكن المهم أن لا نتسول من أحد ...فقلوب الناس قاسية لم ترحمنا... ..أنت ترين أني بلا قلب لأني أصر على أن يدفع الجميع ...نعم ...لم لا ...من ساعدني أنا وإخوتي ...من منحنا شيئا لنرده له ...دعيني أخبرك عن ليلة سوداء كدنا أن نفقد بها شقيقتي الصغرى ..عندما داهمها المرض وارتفعت حرارتها ...كانت تنتفض بين يدينا غير قادرة على التنفس ...ولم نجد من يمنحنا ثمن اجر طبيب...استجدت أمي الجميع حتى اضطرت ليلتها لبيع السرير الذي كنا ننام فوقه ...وكان أخر ما تبقى لدينا بأثاث بيتنا لتستطيع دفع ثمن دواء غال الثمن وصفه طبيبا لنا في أحد المستشفيات المجانية كدواء منقذ لحالتها ...لا دعك من هذا ...تعالي أخبرك عني أنا ...عندما أصريت بعد ما حدث على العمل مقنعا أمي بصعوبة أني لن أقصر بدراستي ...فعملت بمحل أحذية حقير انحنى على أقدام زبائن أكثر حقارة ...أشم روائح أرجلهم الكريهة وهم يتعالون ويتنمرون علي ..وفي يوم أعجبني حذاء بالمحل فأردت تجربته ...كل ما أردته أن أراه بقدمي .. للحظات فقط لحظات وسأعيده بعدها لمكانه ...لكن صاحب المحل رآني واتهمني بالسرقة وطردني بعد أن ضربني وصبيانه بعنف تسبب بكسر ذراعي ...فانهارت أمي ما أن رأتني وجرت بي لأقرب مشفى حكومي وأنا أئن من شدة ألمي وهناك أخبروها أنها غالبا مكسورة و لابد أن تقم بعمل أشعة على حسابها بالخارج وتشتري الجبس بعدها على نفقتها ...(وضحك ساخرا وهو يضيف) ...أخبروها أن جهاز الأشعة معطل وأن المشفى نفذ منه الجبس ...وعندما اعترضت سخروا منها قائلين يكفى أن الطبيب سيحبر يد ابنك مجانا ...بكت أمي وتوسلت الممرضات أن يجدوا لي حلا مقسمة لهم أنها لا تملك ثمن الأشعة أو الجبس بلا فائدة .. تستجديهم فينظرون لها بوجوه كالحة وينهرونها بقسوة......( وأشار لها على رأسه ) أذكر أنا كل التفاصيل .. محفورة في ذهني وستظل محفورة للأبد .. لن أنساها .. ولن أنسى شكل أمي وهي تجلس بجواري تحضني على سلم المشفى تبكي بقلة حيلة وكنت ابكي بجوارها حزنا عليها والألم ينشر في ذراعي ...ولولا الصدفة التي جعلت طبيبا كبيرا يمر لحظتها فيرانا ويعرف بالأمر فيغضب ويصرخ بالعاملين هناك ...لنجد سبحان الله أن الجهاز المعطل قد أصبح يعمل والجبس وجد فورا ..."

دمعت عيني سما غير مصدقة لما تسمع ولا لذلك الحزن العميق في عينيه بينما أكمل سمير " ماذا تعرفين أنت عن القسوة حتى تتهمني عيناك بها ...ماذا فعلت لك منذ أن تزوجنا حتى ترين حياتنا صعبة الاستمرار ...هل أهنتك يوما! ...حرمتك شيئا! ...جرحتك بكلمة!"
صاحت من وسط دموعها باستنكار :
" أنت لم تجرحني سمير؟؟.. لم تهينني! .. والدتك لم تجرحني بالحديث!! .. أخواتك وأنت تنحاز إليهم .. كل هذا "

قال سمير عاتبا " تلوميني على ماذا سما؟!...تلوميني على تنازلي أمام أمي ...حسنا ...نعم أنا أفعل...ولن استطيع أن ارفض لها طلبا لأني لا استطيع نسيان أنها كانت تحرم نفسها الطعام لأيام حتى تمنح حصة طعامها لي ...ترين اني أغمض عيني عن تجاوزات إخوتي ودلالهم عليّ ...نعم فكل مرة أحاول نهرهم أتذكر ناهد وهي ترتق ثوبها حتى توفر من قروشها القليلة لتشتري لي قميصا أو بنطالا بدل ما ضاق وتفتق على جسدي الذي ينضج ولم تعد ملابسي تناسبه ...هم تحملوني ...فضلوني على أنفسهم ...وقد عاهدتهم وعاهدت نفسي أن أعوضهم ...أن أمنحهم كل ما يتمنون ...أن يكون لدي من المال ما يجعلهم ويجعل أبنائي بالمستقبل آمنين من غدر الزمن "
ناظرته سما بحيرة والدموع تنساب من وجنتيها .. يخنقها شعور بالذنب تجاهه منذ زواجهما واليوم ازداد هذه الشعور وتعاظم بعد ما قاله .. وزاد عليه شعور بالتعاطف الشديد تجاه ماعاناه في حياته .. لكنها لا تتفق معه بأن عليه أن يكون متطرفا بهذا الشكل كرد فعل لما حدث له في الماضي .
للحظة شعرت بالتردد .. وتذكرت كلمات والدتها أمس واعتراضها على ما قررته هي وسيد الذي شجعها على الانفصال .. وكيف أن والدتها حذرتها من كلام الناس أن تطلقت بهذه السرعة .. ليأتي الآن هذا الوجه الجديد لسمير الذي أثار شفقتها وزاد من إحساسها بالذنب تجاهه وهز ثقتها في القرار الذي كانت مصرة عليه ..
قاطع سمير أفكارها وهو يترك مكانه ويقترب ليجلس بجوارها قائلا :
" ومع هذا أعدك أني سأحاول أن أجد حلا وسطا بين أهلي وبينك ..لأنك ( واختنق صوته قائلا )لأنك بالنسبة لي جائزة القدر التي حصلت عليها بعد سنوات طويلة من التعب والمعاناة "
رفعت إليه عينيها تقول بتأثر وقد رق قلبها لكلماته وأشفقت عليه لما مر به "أنا جائزة؟ "
أمسك بذراعيها وقال بعينين تنضحان بالألم :
" أجل أنت سما .. أنت "
قالها ثم سحبها ليحضنها بقوة مصدرا آهة وجع وهو يقول بشوق " أنا احبك.. أحبك بقوة.. لا تبتعدي عني... لا تتركيني مهما حدث.. أرجوك حبيبتي أرجوك..."

كان يتحدث بتقطع من بين قبلاته التي تطال كل انش في وجهها رغم أنها كانت ذاهلة متخشبة تفكر في حيرة متسائلة .. هل ظلمته؟ .. هل عليها أن تعطيه فرصة أخرى؟ ..
بعد ثوان استقرت أنفاس سمير اللاهثة بتنهيدة راحة بين مرفأ شفتيها يكاد يعتصرهما عصرا بينما سما تقنع نفسها بأن تمنحه فرصة أخرى لربما استطاعت أن تجد معه سعادتها .
*******
المكتبة (عمل سامية )
وقف يرتكن على السيارة خلفه ينظر لها بتحدي وابتسامة تثير غيظها وحنقها.. خاصة وهي تسمع همزات ولمزات زميلتها مع بائعة المحل المجاور وهما تتهامسان عن هذا الرجل الوسيم راقي الهيئة والذي يأتي كل يوم ليقف بنفس المكان...

فكرت بغيظ كيف تتخلص منه.. ثم لمعت فكرة في رأسها وابتسمت بخبث وهي تفكر في انه قد آن أوان رش الماء أمام المحل.. فالشارع يحتاج للتنظيف .

خرجت بعد دقائق تسحب خرطوما وصاحت في زميلتها صغيرة السن بحدة :
"ثناء .. شغلي صنبور الماء "

نظرت لها ثناء متعجبة وقالت :
"وما الداعي للرش يا أبلة سامية ...نحن بالشتاء والجو بارد ..ولن تجف الأرض بسرعة ...وأيضا ستتسبب باتساخ المحل من أقدام الزبائن !! "

التفتت لها سامية التي كانت تناظر عز بطرف عينها آمرة بحدة :
" افتحي الماء وكفي عن المجادلة ...الهواء شديد ويحمل الأتربة لداخل المحل ...( أضافت وهي تنظر ناحيته متعمدة رفع صوتها ) أريد إبعاد الغبار الخانق الذي يهب علينا "
لحظات وكانت المياه تنطلق من فوهة الخرطوم لترشها سامية حول المحل متعمدة بالبداية البدء بناحية المحل المجاور حتى أجبرت العاملة فيه على الدخول ...ثم أكملت الناحية الأخرى وهي تحدث ثناء من خلف ظهرها تأمرها بمسح وترتيب الأرفف الداخلية ..فدخلت الفتاة وهي تدمدم غيظا …

ما أن أصبحت وحيدة معه ..نظرت له بمكر خبيث قبل أن تستدير للخلف لتطلب من ثناء أن تقوم بحصر الكتب الخارجية المتبقية حتى يطلبوا الناقص لديهم بعد أن تنتهي مما تفعل ...وكتمت ابتسامة ملحة وهي تضغط على فوهة الخرطوم في اتجاهه مدعية البراءة وانشغالها بالحديث مع سناء التي شهقت وهي تنظر للخارج .. لكن سامية ادعت عدم الفهم وهي تسألها ببلاهة عن سبب إشارتها ثم استدارت بعدها ببطء متعمد تنظر لعز الغارق بالماء والذي لدهشتها لم يتحرك من مكانه أو يحاول الاحتماء من انتقامها الطفولي بل ظل ثابتا بمكانه ينظر لها بمرح ساخر والماء يقطر منه ثم ابتسم حين قالت بلهجة آسفة مزيفة :
"آه ...يا الهي ...عفوا يا أستاذ ...لم أنتبه ...يجب عليك أن لا تقف هنا ثانية حتى لا يصيبك رزاز الماء ...أو ... أي شيء آخر"

قالتها واستدارت تدخل المكتبة بعد أن ألقت بالخرطوم أرضا ...فاتسعت ابتسامة عز برضا ...واستدار ناحية باب سيارته وهو يمرر يده فوق شعره نافضا قطرات الماء عنه .. ثم خلع سترته المبللة ما أن استقر بداخلها وألقى بها للخلف وأغلق النوافذ ليشغل التدفئة وهو يتحرك بالسيارة ضاحكا مليء فيه ..

لقد قرر أن يسعى لتحقيق حلمه .. قرر أن يعيش ما تبقى لديه من عمر في محاولة للفوز بها .. بسامية .. حبيبة العمر التي رغم ما تجرعه من حزن بسبب مشاعره تجاهها ظل حبها في قلبه كامنا .. رغم الحزن .. رغم الفراق .. ورغم سنوات العمر..
آملا أن تغفر له يوما عما تسبب لها ولأسرتها من شقاء وعذاب دون يدري ..
متمنيا أن تعطيه فرصة ليعوضها عن كل ما فات ..
متمنيا أن تمنح قلبه الذي شاخ قدرا من السعادة المتأخرة بموافقتها على الارتباط به ..
مدحت كان على حق .. لقد مهد له الطريق وفتح له الباب وعليه هو المواصلة عليه المواجهة والإصرار على الوصول إلى قلبها ..

حدث نفسه بخواطر قلبه :
"أتظنين أن بعض المياه ستبعدني يا صاحبة الخدود الشهية ...مخطئة أنت يا حبيبتي …
لن يبعدني عنك حتى الأحصنة البرية …
فانتقمي مني بكل حيلك الطفولية …
وأعيدي لي صخب عمر ضاع مني بعيدا منفيا …
ويوما قريبا ستغفرين لي حين تثقي أني لن ابتعد ..
مهما فعلت يا شقية "
********
شقة شحاته العسال

مضجع على فراش أبويه يتلاعب بميداليتها بين يديه شاردا قبل أن ينتبه لدخول أمه فيخفيها داخل جيبه وهو يعتدل جالسا ينظر لوجهها الحزين سائلا:
"هل غادرت سما مع زوجها؟ "
أومأت برأسها مع زفرة راحة وهي تنظر لسيد عاتبة :
"الحمد لله ...لكني ما زلت غاضبة منك سيد ...كيف كنت توافقها وتشجعها على هذا الجنون الذي كانت تنتويه ؟!! "

قال بضيق:
"سما حزينة أمي ...ليست مرتاحة في حياتها ...إنها تذبل منذ زواجها ...أنا لن أدعها للتعاسة خوفا من كلام الناس "
ردت أمه بغضب:
"سيد الزواج في بدايته صعب ...وكل الفتيات تتعبن ببداية حياتهن ...لو كل واحدة قابلتها مشكلة مع زوجها أو أسرته طلبت الطلاق لما بقيت واحدة متزوجة ...لابد أن تتحمل و.."

قاطعها سيد هادرا :
"تتحمل ماذا يا أمي؟! ...الإهانة ...الإجبار على عمل تكرهه ؟!...أتفق معك أن الفتاة يجب أن تتحمل مع زوجها .. لكن تتحمل مشكلاته المادية ...تتحمل ظروف عمله الصعبة ... تتحمله إن مرض ..إن غضب مرة أو مرات حتى ودخل بيته يشب نارا ويخانق ذباب وجهه مادام لا يهين ولا يضرب طبعا ... تتحمل خدمة أمه خاصة وهو وحيدها ويعيش معها ...لكن دون أن تَهان أو تستعبد منه أو من أهله ...والله لولا أنها أخبرتني أنها ترغب بإعطاء زواجها فرصة أخرى لم أكن لأتركها تعود له بعد ما حكته لي ولو وقف على رأسه ...أختى ليست ممسحة أقدام له ولأهله ...ولو علمت أنهم مسوها بسوء مرة أخرى فسأطلقها منه ولن يرى ظفرها وليذهب كلام الناس للجحيم "

أشاحت أمه بيدها منهية هذا النقاش الذي لا يعجبها قائلة بضيق :
"دعك من سما الآن ولندعو الله أن يهدي سرها مع زوجها وتعال لنتحدث بالمهم "

قطب حاجبيه قائلا :
"خيرا أمي ...هل ينقصك شيء؟ "
مدت أمه يدها من خلفه لتسحب من تحت الوسادة ظرفا تمنحه له قائلة بجمود:
" هل أنهيت اليوم إجراءات صرف المعاش؟ "

تناول منها الظرف بتعجب ليفتحه وهو يجبها بإرهاق :
"نعم أمي ..منذ ثلاثة أيام وأنا ألف من مكتب لمكتب لإدارة ...حتى كلت قدمي ...لكنك تعرفين الروتين الحكومي ...ومع هذا لن يتم البدء بالصرف قبل عدة أشهر "
وصمت فجأة فاغر الفاه وهو يدقق في الأوراق بين يديه .. قبل أن يتصلب جسده وهو يدقق فيها مرة ثانية ثم رفع عينيه لأمه سائلا بذهول:
"ما هذا أمي ...كيف ؟!"
نظرت له بثبات وهي تجيبه بحزم:
"كما ترى ...الأوراق الخاصة بديّن جهاز سما ...أوراق الدين التي كانت باسمك وأبيك ضامن بنفس تاريخها السابق فقط أصبحت باسم أبيك وأنت مجرد ضامن "
استقام سيد واقفا يتطلع في الأوراق ذاهلا وهو يسألها عن كيف ولما فعلت ذلك.

لتقف أمامه تنظر له بجمود يخفي شعورها بالخيانة ...نعم خيانة ...فما فعله زوجها الراحل تراه خيانة ...شحاته رفيق عمرها الذي تحملت معه ومنه الكثير ...اكتشفت بعد رحيله أنه كان يخفى عنها ماله ...و يتركها وأبنائها يعانون العوز مدعيا الفقر ويجبرهم على التقشف بينما يدخر المال لنفسه والله وحده يعلم ما الذي كان ينوى عمله به لتقول بتأكيد :
" تجهيز سما كان مسئولية أبيك ...وأبيك وحده ...كونك تحملتها عنه ظنا أنه لا يملك المال لا يعفيه من هذا الواجب ...وطالما وجدنا أن لديه مالا مخبئا عنا ..اذا فالدين دينه هو ؟ أما كيف ..( نظرت له بحدة قائلة بسخرية) ليس الأمر صعبا زيارة لصاحب المعرض أخبرته فيها أنك لن تستطيع السداد ...وأن أبيك الضامن توفي لكن لديه ميراث ...ولو أراد ماله حالا غير آجل وبنفس قيمة الأجل فعليه أن يغير اسم صاحب الدّين ... "
قطب سيد حائرا ثم سألها :
"ولم كل هذا أمي ؟"
ردت بغضب حاد :
"حتى لا يدخل الدين في قيمة ما سيرثه بقيتكم سيد ...حتى لا يطالبك شبيه أبيه بما لا يحق له"
ارتسم الفهم في عيني سيد وزفر باختناق وهو يمرر كفيه على وجهه يخفي شعوره بالحزن والخذلان ويفكر بأخيه الأكبر محمود .. فهو لا يستطيع لوم أمه على شعورها بالغضب ...فمحمود لم يكتفي بعدم الحضور طوال فترة مرض أبيه رغم اتصالهم به مرارا ...بل أيضا عندما حضر بعد الوفاة كان يتصرف كغريب نائي ...لم يسأل عن ما يحتاجونه ...لم يحاول المساهمة بقرش في نفقات العزاء التي لولا سامح لم استطاع إقامته...بل إنه بمجرد انتهاء أيام العزاء الثلاث أخذ أسرته وعاد مسرعا دون سؤال عن إن كانت أمه وإخوته سيحتاجون شيئا …

التوى فم سيد ببسمة ساخرة وهو يفكر بأن محمود لو علم أن أبيه ترك قدرا من المال لكانت حُجة عمله ومدارس أبنائه اختفت ولبقي معهم حتى يحصل عليه...يعرفه جيدا ..ويدرك مدى أنانيته ...لكنه رغم ذلك لا يستطيع أن يقبل أن يبخسه حقه أو يأكل نصيبه ...فحاول التحدث مع أمه قائلا بمهادنة :
"يا أماه ..كيف ترضينها...أتريدين أن نُزور لنأكل حق ابنك يا أم محمود "
ردت بغضب:
" لا تنادني باسمه ...أنا أم سيد ...أم سيد فقط "
رفع رأسه ينظر للسقف مدمدما بهمس :
"سامحك الله يا أخي (وعاد لأمه مدعيا المزاح وهو يمد يده يضمها لصدره مقبلا جبينها بينما يقول ) أتتبرين من ابنك الكبير يا فوزية حتى لا يكتشف أحد سنك الحقيقي ويعلمون بأنك جدة "

دفعت يده بعيدا وناظرته بحدة تقول :
"الأمر لا مزاح فيه سيد ...نحن لا نأكل حق أحد ...ولعلمك حتى لا تجادل كثيرا ...أخيك سيأخذ نصيبه الشرعي من باقي المبلغ ...لكن بعد سداد الدين ...المبلغ مئة وخمسون الفا ...صاحب المعرض سيأخذ الخمسون وبهذا تتحرر أنت من الدين الذي يطوق عنقك والذي هو واجب أبيك وليس أنت ..والباقي سيقسم حسب الشرع ...أنا وسما قررنا التنازل عن نصيبنا لك ( اتسعت عيناه رفضا وحاول مقاطعتها فرفعت يدها وأوقفته وهي تكمل بخذلان) أخاك سارع بالعودة عندما أخبرته أن أبيك مدان بقيمة جهاز سما ...وأننا لسنا واثقين إن كان صاحب المعرض سيقبل أن ينتظر علينا عدة أشهر حتى يبدأ صرف المعاش ...(وضحكت هازئة وهي تقول) ...فلم تمر ساعة إلا وكان يجمع حاجياته ويضع زيله بأسنانه هاربا خوفا أن نطلب منه المساعدة …(واحتدت ملامحها وهي تقول بانتقام ) تعمدت ألا أخبره عن دفتر البريد الذي وجدناه وسط حاجياته ، هو لن يسأل أو يشكك بأمر الدين بعد إخباري له ...بل سيأخذ نصيبه ويطير هاربا منا "
قطب سيد مفكرا ثم قال بتردد قلق:
"لكن يا أمي ..ألن يكون في الموضوع شبهة ...أنا أخاف يا أمي أن نأكل قرشا لا يحق لنا فيحل علينا غضب من الله ..وأيضا أنا لن أقبل بتنازلك وسما ...ما سأناله من نصيبي سأسدد به جزءا كبيرا من الدين والباقي على أقساط كما كنت سأفعل و..."
قاطعته أمه تقول بحسم:
"بل ستفعل ما قلت يا سيد وقسما بالله لن يحدث إلا ما أريد ...ستسد الدين كاملا ...وتأخذ نصيبك مع نصيبي ونصيب أختك ...ولولا أن أخويك لا يمكن المساس بنصيبها حيث سيكونا تحت وصاية المجلس الحسبي لمنحتهم لك أيضا ...وبمجرد حصولنا على المال ستبدأ مع صديقك بالمشروع الذي سمعتك تتحدث مع اختك عنه"

نظر لها متفاجئا فرقت ملامحها وهي تنظر له بمحبة وتقترب منه لتربت على وجنته قائلة :
"نعم يا حبيبي ....يا سندي ...سمعتك وأنت تحكي لها ...خذ الأوراق ...وأذهب للبريد أبلغهم بالوفاة ...وعند الصرف ضع أوراق الديّن ليتم تجنبيها وصرفها لصاحبها قبل توزيع الباقي على الورثة "
أخذ سيد الأوراق مطرقا لكن بداخله كان لا يشعر بالراحة ...يخشى أن يكون بالأمر شبهة حرام ...لكنه سرعان ما حسم أمره بأن الموضوع يستلزم سؤال أحد المشايخ فهو لن يتحمل أكل حق أخيه …
حتى لو كان أخيه لا يستحق..
*******
شقة سامح محفوظ

انتفضت واقفة وهي تصرخ في وجهه :
"ماذا قلت ؟؟؟؟؟… أبي يتزوج مستحيييل !!!! .. لن يحدث انا لن اقبل أبدا أبدا "

أخذت ماهي تلهث بجنون وهي تنظر لوجه أخيها الذي يناظرها ببرود قبل أن يقف مواجها لها وهو يسألها:
" ولماذا مستحيل؟ ...وكيف ستمنعينه عن فعلها؟! "

امتلأت عيناها دمعا حتى سال على وجنتها وهي ترد على أخيها بغضب باكي :
" سأخبره بأني سأقاطعه إن فعلها ... ثم لماذا يريد الزواج ؟...ألا نكفيه نحن ...بعد كل هذا الغياب و البعد عنا ...يعود بالنهاية لتأخذه أخرى منا "

نظر لها مدحت بمزيج من الغيظ والشفقة ...فشقيقته المدللة ما زال بداخلها طفلة حُرمت طويلا من حنان أبيها فحاول مهادنتها قائلا :
" يا صغيرة العقل ...ما المشكلة بأن يتزوج أبيك ...هو لن يهاجر أو يختطف ...فقط ستأتي امرأة تشاركه الحياة والسكن ...هل تعجبك وحدته؟!"

تشنجت باكية وقالت بحشرجة:
"حسنا ليأتي للعيش معي ...أو اجبر أنا سامح على أن نذهب للإقامة معه ...لكن لا داعي ليتزوج "
ضرب مدحت كفا بكف وقال لها بصبر بدأ ينفذ :
" هل تستهبلين يا ماهي ، تعلمين جيدا أن أبيك لن يأتي ليعيش معك وزوجك ...الأمر غير لائق ولا مقبول ...وسامح يستحيل أن يوافق أن يعيش بشقة أبيك وأنت أدرى بكبرياء زوجك ...ثم ما المشكلة ها ...ما مشكلتك بزواجه ...لقد تزوج كلانا والحمد لله نعيش سعداء مستقرين مع شركاء حياتنا ...أتضنين على أبيك ببعض الراحة والسعادة بأواخر أيامه "

ربعت ذراعيها كطفلة نزقة وقالت بنشيج :
" هو لا يحتاج للزواج ليسعد ...يكفيه نحن ...سنزوره يوميا ...وإن كان الزواج ضروريا جدا ...فليعد لأمي ...لقد ألمحت لي آخر مرة برغبتها بالأمر ...غير ذلك لا "

لمعت عيني مدحت غضبا وضيقا من شقيقته البلهاء وهتف بحدة وغضب :
"ماهينار ...انسي فكرة عودة أبي لأمي وانزعيها من رأسك ...تعرفين كما أعرف أنها مستحيلة الحدوث بعدما حدث بينهم سابقا ...ولا تفتحي مع أمك مجالا للحديث بالأمر ...وإياك أتسمعين إياك أن تحاول استغلالك للضغط عليه أو التلاعب بأي صورة كانت ...وإلا والله سيكون عقابك معي عسيرا ..."

نظرت له بعنين غاضبتين ثم رفعت رأسها بعناد وهي تقول :
" حسنا ...لا يستطيع أو لا يريد العودة لأمي ...اذا لينسى فكرة الزواج ...هو كبر على أية حال ...يكفي عليه الاهتمام بعمله و بي ...أقصد بنا وكفى ... لقد بقى عازبا لستة عشر عاما وهو وحيد بالغربة ...لمَ يريد الزواج الآن ...ثم من هذه التي يرغب بالزواج منها ...ومتى وأين تعرف عليها ...لابد أنها امرأة لعوب تضحك عليه ...سأقوم بنتف شعر أي واحدة تحاول الاقتراب من أبي... ولا تنظر لي بتلك الطريقة فانا أبدا لن أتنازل عن رأيي أو أوافق على زواجه.. ها "

زفر بسخط ومال ناحية الطاولة آخذا متعلقاته وهو يقول لها بغضب :
"الحديث معك مضيعة للوقت ...اسمعي ...أبي سيتزوج قريبا ...وطني نفسك على الأمر ...وكفى عن الطفولة والتدلل ...وإياك أن تقولي أو تفعلي ما يحزنه أو يجرحه ...صحته ليست على ما يرام مؤخرا ...ولو زاد مرضه سيكون بسببك "

وأشار بيده محذرا وهو يترك جملته معلقة ...ويتجه ناحية الباب قائلا:
"شكرا على القهوة التي لم تصنعيها لي ...سلمي لي على سامح عندما يعود واخبريه عن لساني أن قلبي معه ..كان الله في عونه على ابتلائه "

وضرب الباب خلفه بقوة جعلتها تجفل منتفضة قبل أن تتماسك وترفع رأسها بإباء وتلتمع عيناها بتصميم وعناد هاتفة :
" لن يتزوج ...لن تأخذك مني أخرى يا أبي ..أبدا... أبدا... أبدا "

***********
النادي (قرب ملعب التنس)

لمعت عيناه غضبا وغلت الدماء بعروقه وهو يرى هذا المتحذلق الذي يتجاوز قواعد التدريب وهو يتحجج كل بضع دقائق ليقترب منها بشكل سافر ...مرة يمسك يدها بحجة تعليمها كيف تمسك المضرب بشكل سليم ...ومرة يمسك معصمها مدعيا تنبيهها لكيفية ميله بزاوية صحيحة …

غلى الدم في عروقه أكثر واشتعلت النيران بداخله حتى كادت تحرق خلايا رأسه وهو يراه يميل ناحيتها .. ليفقد تحكمه في أعصابه ويقرر الاقتراب ضاربا بكل خططه للتأني عرض الحائط فاتجه ناحيتها.. لكنه توقف قبل وصوله بخطوات وهو يراها تبتعد عن المدرب بحدة وتقول له بتحذير حازم :
"كابتن ...لا داعي للمسي عندما تريد الشرح لي ...أنا لا أحب ولا أقبل تلك الطريقة ...يكفي أن تخبرني أو تشير لي وأنا سأنفذ الأمر "
ابتسم هادر بسعادة وفخر بها قبل أن تنمحي ابتسامته مع صوت هذا اللزج وهو يقول:
" عفوا آنسة ياسمين ..أنا لا اقصد التجاوز كل هدفي فقط إن تجيدي الإمساك بالمضرب بطريقة جيدة والميل بجسدك بزوايا صحيحة فهذان الأمران هما أساس ضبط تسديد الكرات "
غمغم هادرا ساخرا بغيظ :
"يبدو أنني أنا من سأجعلك تميل بجسدك بزاوية تسعين درجة ولا تستطيع الاعتدال بعدها أيها الأحمق ...اقتراب آخر منها وسيكون آخر عهدك بمسك الكرات ومعاصم الفتيات "

تراجع لمكانه المخفي خلف الشجرة القريبة يتابعها بعدما اطمئن على حزمها وإصرارها على إلزام هذا السمج بقواعدها السلوكية.. وفكر في أنه لن يتحمل أن يستمر هذا الرجل بتدريبها يوما آخر ...لحسن الحظ أن من كانت تدربها طوال الأسبوع كانت مدربة أنثى ...لكن لا يدرى لمَ حل هذا السخيف مكانها اليوم ...ودعا في سره أن يكون الأمر مؤقتا ..وإلا سيرتكب جريمة قريبا .

اطرق هادر برأسه مفكرا وهو ينظر ناحية الطاولة التي يجلس عليها أبيها لاهيا عن ما حدث بهاتفه الذي يشاهد عليه شيئا ما ..فقرر أنه قد آن الأوان ليخطوا خطوة جادة ...فلن يظل يراقبها من بعيد أكثر من ذلك...ولن يستطيع الاقتراب منها فأبيها يلازمها ذهابا وإيابا ...ثم هو لا يضمن رد فعلها إن حاول التحدث معها ...فالأفضل أن يتخذ الطريق المستقيم …

اقترب هادر من الرجل الوقور ووقف أمامه متنحنحا ..رفع عبد العزيز نظراته لهذا الشاب الذي لمحه أكثر من مرة هذا الأسبوع ...ولاحظ بتوجس نظراته ناحية ابنته ومراقبته لها لدرجة جعلته يلازمها ولا يفارقها لحظة خوفا من نواياه ...وانتظر بتوجس لما سيقوله..
قال هادر بهدوء ظاهري بينما قلبه يخفق بعنف بين جوانحه :
"السلام عليكم باشمهندس عبد العزيز ، أسمح لي أن أخذ من وقتك بضع دقائق"
نظر له بعد العزيز باستغراب قلق وهو يسأله :
" هل تعرفني؟! ...ومن تكون أنت! "

اخرج هادر هويته ومدها إليه قائلا :
" أنا الرائد هادر البحيري سيدي ...ونعم أعرفك وأعرف كريمتك الآنسة ياسمين وأريد التحدث معك بأمر يخصها "

على الجانب الآخر كانت ياسمين تحاول التركيز على قذف والتقاط الكرات برشاقة فطرية ...لقد أحبت اللعبة وتشعر أنها لن تستطيع التوقف عن ممارستها بعد ذلك ...ورغم أنها ما زالت فاشلة في التقاط أغلب الكرات ...لكنها تحسنت بشكل مقبول خلال هذا الأسبوع رغم أنه أسبوعها الأول في ممارسة اللعبة التي ظلت تتابع مبارياتها عبر الشاشات طوال عمرها .. فقط تتمنى أن تعود مدربتها السابقة ...فهذا المدرب رغم براعته عن مدربتها لا يعجبها... ونظراته لا تريحها ، حمدا لله أنها لن تتغيب سوى يومين حسب ما سمعت ...ومع فقدانها الكرة الأخيرة زفرت بقنوط وهي تشير له علامة الاكتفاء ...لتستدير بملابسها الرياضية الساترة التي ترتديها رافضة اقتراح التنورة القصيرة الخاصة بالتنس ...وأخرجت من حقيبتها منشفة صغيرة وقنينة ماء ...لتشرب منها بشراهة وهي تجفف عرقها ثم أغلقت الحقيبة ورفعتها على كتفها لتتجه ناحية الحمامات .. ونظرت ناحية ابيها لتشير له بذهابها لكنها وجدته لاه عنها بالحديث مع شخص يوليها ظهره فلم تتبين ملامحه لكنها شعرت بأن هيئته مألوفة لها بشكل ما …فهزت كتفها بعدم اهتمام وذهبت بسرعة لتنعش نفسها ..

حين عادت بعد ربع ساعة متجهة ناحية أبيها وجدته يبتسم بسعادة وراحة وهو ينظر لمن يجلس قبالته .. فاقتربت بهدوء وهي تلقي التحية ثم اتسعت عيناها ذهولا مع التفاته ناحيتها خاصة بعد أن استقام واقفا أمامها مع صوت أبيها :
"رحبي صغيرتي بالرائد هادر البحيري "

********

حاول إقناعه بقوله :
"صدقني خالد قد تكون الأرض مرتفعة السعر لكن مجاورتها لأرض المدينة السكنية سيجعل مستقبلها ممتازا ، وأيضا سيتيح لك فرصا للتوسع مستقبلا"
رد خالد بشرود وتركيزه موزع بين القيادة ومتابعة تلك السيارة التي يشك أنها تتابعه منذ أن خرج من المجموعة:
"أنا متفق معك سامح ...لكن يظل سعرها مرتفعا جدا ومساحتها اكبر من احتياجاتي ...لو اشتريتها ستتسبب لي بأزمة سيولة ..وأنا لا أحب أن أتعرض لمفاجآت وتقلبات السوق دون غطاء كافي "
حاول سامح مجادلته بقوله :
"إذا لما لا تُدخل معك شريك آخر ...قريبك آسر مثلا ...خاصة والأرض ناحية فندقه و آآآآآآآ....."
تمسك بماسكة الباب بيد ورفع الأخرى لرأسه التي ارتطمت بزجاج شباك السيارة وهو ينظر بتفاجؤ لخالد يسأله متعجبا :
"خالد ماذا هناك؟ ...لمَ انحرفت فجأة بهذا الشكل المتهور ...لقد كدت أن تكسر رأسي يا رجل ..."
لم يجبه خالد وهو يركز على ما خلفه وهو يسب بضيق لعدم قدرته على الإفلات من السيارة التي تتبعه ...يبدو أنهم محترفين ...لقد استطاعوا اللحاق به بسرعة رغم مفاجأته لهم بانحرافه ...لكنه لاحظ أنهم ما زالوا يحاولون المحافظة على أن لا يكونوا ظاهرين له تاركين بينه وبينهم مسافة ...
زفر بضيق وهو يمد يده ليجري اتصالا متجاهلا الرد على سامح بل قال لمحدثه :
"آسر ...سأتأخر عليك قليلا ...هناك من يتبعني ...سأحاول مراوغتهم قليلا وعندما أتأكد من اني أضعتهم سأحضر ( لينصت قليلا قبل أن يقول بحدة ) كف عن التهور والحماقة ولا تتحرك من عندك بجميع الأحوال يجب أن نغير مكانك فطالما وصلوا لي فسيبحثون خلف كل الأماكن التي تخصني ..حسنا ...نتحدث عندما أراك "
أغلق الهاتف وأجرى محادثة أخرى قائلا دون تحية :
"أريدك أن تشدد الحراسة حول الشقة التي يقيم بها آسر حاليا ولا تسمح لمخلوق بدخولها أو الخروج منها ولا حتى آسر نفسه ...(وجز على أسنانه وهو يقول بغيظ آمرا)..نعم امنعه بالقوة ولا تسمح له بالخروج ...سأكون عندك قريبا ...وأريدك أن تبحث لي عن شقة أخرى لا تكون من ضمن أملاكي حتى ينتقل لها قريبا "

ما أن أغلق الهاتف حتى جاءه صوت سامح يسأله بقلق :
" ماذا هناك خالد ...ماذا يحدث معك ومع قريبك؟!! "
زفر خالد بضيق ونظر بطرف عينه لسامح قبل أن يقول ببوح يحتاجه :
"سأخبرك ...فأنا أريد مساعدة شخص أثق به "
****
في نفس الوقت تحرك آسر جيئة وذهابا في تلك الشقة المحتجز بها يتوعد خالد بغيظ مستنكرا أن يأمر رجاله بحبسه.. ورغم معرفته بأنه يخاف عليه ويحميه لكنه لن يستطيع قبول سجنه بهذا الشكل كالجبناء ..وشرد يتذكر رنين هاتفه بمجرد خروجه من مطار القاهرة.
قبل أسبوع
فتح الخط وهو يستقل السيارة التابعة للفندق والتي كانت بانتظاره حتى فاجأه صوت مارجريت وهي تقول بفحيح غاضب :
" أتظن أنك قد نجوت بفعلتك آسر ...كسبت كل شيء وأخذت ما تريد وهربت بعد أن هدمت المعبد! "
أجابها مدعيا عدم الفهم قائلا:
"أي معبد عزيزتي ...على حسب علمي أنت من حصلت على ما تريدين ...وأنا الخاسر الوحيد بالأمر ...حصلت على فندق لم يعد ضمن سلسلة عالمية ...وسقط تصنيفه الدولي ، وسيتم رفعه من قوائم حجز النخبة ...وسأبدأ فيه من الصفر ...فأين هو ما كسبته لا أفهم "
أتاه صوتها تصرخ بجنون فأبعد الهاتف عن أذنه وهز رأسه يضع إصبعا داخل أذنه:
"كف عن مراوغتك أيها الحقير ...اعرف أنك خلف ما حدث ...السلسلة انهارت ...وأسهمها سقطت ... والنزلاء بعد انتشار فضيحة التلصص والتعاون مع المافيا لن يقتربوا من أي فرع فيها ...وفوق كل ذلك أنا متهمة بجملة تهم كافية لقضاء عمري بالسجن والشرطة تبحث عني في كل مكان ...هل تظنني حمقاء ...لن أعرف أنك خلف الأمر!! "
رد آسر بلهجة تمثيلية متهكمة :
"ماذا!! ...يا الهي مارجريت! ...كل هذا حدث ...متى؟ ...مسكينة عزيزتي ...لم اعرف إلا منك الآن ...كان الله في عونك ...لكن ماذا أقول ...سبق وحذرتك من العمل مع المنظمات الإجرامية ...لكنك حصدت نتائج طمعك هيييييه ماذا نقول ... الغبي من لا يستمع للنصح "
قاطعته تصرخ بجنون :
"قد تظن أنك فزت آسر ... وقد تصدق تلك المنظمة الغبية أن لا شأن لك بالأمر وينفذون اتفاقك معهم محملين الخطأ لفرانكو ...لكني لست بغبائهم ..أنا أعرف أنك وراء ما حدث ولن أتركك لتهنئ آسر ...تظن أنك بعيد وأنت ببلادك ...غبي أنت آسر ..ولا تعرف من عاديت ...فلن يطلع عليك شمس غد ...وداعا أيها العربي الحقير أراك في الجحيم "
تفاجأ بعدها بلحظات بسيارة رباعية الدفع تصدم سيارته من الجانب مضيقة عليه الخناق محاولة دفعه قصرا ناحية الجانب المقابل للطريق ...ولولا مرور مفاجئ لسيارة شرطة لحدث ما لا يحمد عقباه ...لكن للأسف السيارة استطاعت الهرب ..لتعاود مارجريت الاتصال بعدها من رقم آخر مهددة إياه أنه إن فلت من واحدة فلن يفلت من الأخرى ...ورغم أنها لم تستطع الاتصال مرة أخرى خاصة مع إغلاقه لهاتفه وكسره للشريحة القديمة حتى لا يتم تتبعه من خلالها ...لكنه يعلم أنها لن تتوقف إلا إن بأحد أمرين ...موته أو القبض عليها .

عاد آسر من شروده يضرب بقدمه الأريكة عدة مرات شاعرا بالغضب..
إنه يفضل الموت على البقاء كفأر حبيس ...لن يسمح لتلك الحقيرة بتقييد حريته فقال محدثا نفسه :
"مهما حدث لن تخيفني هذه الأفعى "

بعد ساعتين كان سامح يقف جانبا مرتكنا بكتفه بجوار شرفة الشقة يتابع باهتمام القطبين المتناحرين بغضب أمامه وصوت آسر يأتيه غاضبا:
" لا خالد لا أفهم ...أنا لست سجين ...أنا لم أرفض الدخول لبرنامج حماية الشهود ..وتنازلت عن الكثير الذي تعبت فيه طيلة عمري لآتي بالنهاية و يتم حبسي هنا ...كيف تجرؤ أن تأمر الرجال بمنعي من الخروج "
رد خالد عليه صارخا :
"أأنت مجنون أم أحمق! ...لقد تعرضت لمحاولتي اغتيال خلال أسبوع واحد ...حاولوا صدم سيارتك بمجرد خروجك من المطار ...وحاولوا طعنك بمصعد الفندق عن طريق أحد العاملين لديك ...كما أنهم يراقبوني منذ يومين محاولين الوصول لمكانك ...ولا أستبعد أن يحاولوا شراء أحد رجالي ...لابد أن نؤمنك حتى يتم القبض على تلك المرأة المسألة ليست لعبة ..إنها حياتك تلك التي تخاطر بها ...وليست كل مرة ستسلم الجرة ...أنهم قتلة محترفين "

أشاح آسر بيديه غاضبا :
"وحتى يحدث هذا هل سأبقى أنا قيد الاعتقال ..هل جننت خالد ...أنا لن افعل أبدا ...ثم أن مارجريت كما أخبرنا ستورم تعمل وحدها ...المافيا لا علاقة لها ...لقد صدقوا خدعة رغبتي بالبيع ولم يربطوا التحقيق بي ...وتصفيتهم لفرانكو بمجرد القبض عليه حتى لا يتحدث جاء في مصلحتي ...إن تلك الحية اللعينة تعمل وحدها الآن ...هي فقط من تصر على أني خلف الأمر وترغب بالانتقام مني "

ظل الجدال بينهما محتدما حتى أوقفهما صافرة عالية من سامح وهو يقترب من كليهما قائلا بينما يشير بيده بعلامة الوقت المستقطع :
"حسنا يكفي هذا ...نرجو بعض الهدوء يا سادة ...الأمر لن يحل بتلك الطريقة ...فلنفكر بالعقل "
زفر كلاهما بغضب وهما يناظران بعضهما كديكين متناحرين بينما قال سامح بهدوء وجدية :
"الموضوع كما فهمته باختصار ...هناك امرأة مجنونة في أمريكا لها علاقات خطرة تطاردك آسر وترغب في موتك ..بإصرار ... وخالد يريدك أن تختبئ حتى يتم القبض عليها ...وأنت ترفض البقاء حبيسا ...حسنا ...هناك حل يريح كلاكما "

اعتدلا يناظراه بتحفز فاتسعت ابتسامة سامح وقال موضحا :
"سنخفي آسر تماما بعيدا عن عيون كل من ممكن أن يراه أو يعرفه ...ولن يبقى بأي نطاق يمكن الوصول إليه فيه ...لا فنادق أو شقق مستأجرة ..أو أي مكان معروف لطبقتكم...وفي الوقت نفسه ...سيكون حرا في التحرك والخروج والدخول "

نظر كلاهما إليه كما لو كان مجنونا ليقول خالد :
"لا أفهم ما تعني ...كيف سنخفيه وفى نفس الوقت يخرج كما يحلوا له ...حتى لو ابتعد عن فندقه وكل الأماكن التي يمكن البحث عنه بها فسيظل خروجه مخاطرة ...لأنهم بالتأكيد سيراقبون كل من يمت له بصلة ويبحثون خلفهم وسينقبون عليه في كل شارع وشقة مستأجرة حتى لو كانت باسم شخص آخر .. أنت بنفسك اختبرت معي معاناتنا منذ قليل ونحن نفعل الأفاعيل حتى لا نترك لأحد فرصة مراقبتي وأنا آت لهنا .. وكما قلت ليست كل مرة ستسلم الجرة "

قال سامح بابتسامة ماكرة وهو يرفع هاتفه على أذنه :
" سيبحثون في كل شارع وخلف أقاربك أنت ..لا في الحواري وخلف أقاربي أنا ( وغمز بعينه قبل أن يقول في الهاتف ) مساء الخير يا سيد "
****
انتهى الفصل

Layla Khalid and noor elhuda like this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 01:56 AM   #617

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الواحد والعشرون
بعد ساعتين

وقف سامح وسيد متجاوران ينظران لآسر بتمعن وحاجب مرفوع مما أثار توجس الأخير من هاذين الأحمقين.
يعرف أنهما لا يحبانه ، ولا يعرف أو يهتم بالسبب ، لكن تهامسهما هذا لا يريحه فمال على خالد الجالس بجانبه على الأريكة وقال له بمجرد ان انتهى من مكالمة هاتفية مع همس يبلغها بتأخره :
"خالد أنا غير مستريح لفكرة بقائي عند سيد في تلك الحارة الشعبية ، أولا الموقف محرج ، ثانيا لا أظن أنني سأستطيع التأقلم هناك "
رد خالد هامسا :
"ربما ستتعب قليلا في مسألة التأقلم ، لكن صدقني فكرة سامح هي الأفضل ، أنت لن تتحمل أن تظل حبيسا بأي مكان ، وأيضا هناك احتمالية لأن يصلوا لك ، لكن لن يفكر أحد في البحث عنك في مكان كحارة سيد صدقني ، كما أن تلك الأماكن الشعبية بها عدة مميزات ، بعيدا عن كونها ستمنحك أجواء جديدة وستكون كأنك تستكشف عوالم أخرى ، فأي وجه غريب يقترب من هناك يكون مكشوفا لأهل المكان ويتم الانتباه له ، لذا لن يستطيعوا التسلل لك هناك، اعتبرها احدى رحلات السفاري والاستكشاف التي كنت تعشقها أيام مراهقتك وبداية شبابك "
قطب آسر ورد عليه مجادلا:
"لكن الأمر في هذه الحالة سيكون سلاحا ذو حدين ، لأنني أنا نفسي سأكون وجها غريبا هناك وسأثير التساؤلات ...وتظل أيضا مشكلة إقامتي مع أسرة سيد غير لائقة "

" بالتأكيد كلامك صحيح لو كنت ستقيم مع أسرتي ، لكن الحقيقة أنك ستقيم بنفس المنزل ولكن ليس بنفس الشقة منعا لأي حرج "

جاء صوت سيد مفاجئا لخالد وآسر الذيّن لم ينتبها لاقتراب الشابين منهما فاعتدلا في جلستهما بينما أكمل سيد وهو يتحرك ليجلس هو وسامح متجاورين على الأريكة أمامهما :
" أما بالنسبة لكونك غريبا وستثير التساؤلات فهذه حقيقة ، خاصة وطبيعة الحياة بالحارات تفتقد للخصوصية والناس هناك يتميزون بالفضول لذا نحن سنفكر بهوية وخلفية ترضي فضولهم حولك "

ونظر لسامح غامزا بعينه وابتسامة خبيثة ترتسم على فم كليهما أثارت قلق آسر.. في الوقت الذي سأل خالد عن ما يقصده سيد فأجابه الأخير :
" هناك على سطح منزلنا حجرة صغيرة يعيش بها شاب صعيدي يدعى عوض وهو صديق مقرب لي ...شاب جدع ومحل ثقة ويكن لي معزة كبيرة ، لذا عندما اطلب منه أن يشاركه آسر السكن سيرحب ولن يسأل عن التفاصيل "

رفع آسر يده مشيرا بعنجهية رافضة قائلا:
"ماذا!! ، أتريدني أن أتشارك حجرة مع آخر ، مستحيل ، أنا لا أطيق تشارك مكان واحد مع قريب فما بالك بغريب ، لا..الأمر مرفوض.. (وحين ناظره خالد بنظرة تعني هل هذا وقته أكمل مستدركا بكبرياء ) ربما لو كان الأمر ضروري ولا يوجد مكان آخر مناسب أن تجعله يترك لي الحجرة منفردا وأنا أعوضه عن فترة إقامتي بمبلغ جيد ، أو حتى امنحه حجرة بفندقي يقيم بها طوال مدة إقامتي بحجرته "

تبادل سامح وسيد نظرات مغتاظة ودمدم الأخير ببعض السباب بخفوت يشعر بالغيظ من هذا المدلل أمامه قبل أن يرد بلهجة ساخرة :
"عفوا يا سيد آسر ...أولا عوض لا يستطيع تأجير حجرته لك لأنه هو نفسه مستأجر لها من صاحب المنزل ، ثانيا نحن نحتاج وجوده لأنه هو من سيكون غطاء وجودك هناك ، حيث سندعى أنك قريبه من البلدة وجئت لتبقى لديه فترة حتى تجد سكنا ما "
قطب آسر مفكرا بينما مال سامح على سيد قائلا بخفوت مسموع :
"كيف سنقنع الناس بكونه قريب عوض وهو بتلك الهيئة ( مشيرا لمظهر آسر المترف) ناهيك عن لهجته المختلفة ولسانه المعوج بلكنته الأجنبية "

رفع سيد رأسه بعيدا عن سامح يدقق النظرات في آسر متفحصا من أعلى لأسفل ببطء كما لو كان يستكشف جسد صرصور على طاولة المعمل قبل تشريحه فبلع آسر ريقه بتوجس .. قبل أن تنفرج أسارير الأول بعد لحظات ويعود ليميل برأسه ناحية ابن خالته بعينين يلمع فيهما الشر وهو يقول بنفس الخفوت المسموع :
"بسيطة سنغير هيئته لتتناسب مع وضعه الجديد وبالنسبة للكنته يمكننا أن ندعي بأنه أخرس "

رفع سامح رأسه يتفحص آسر قليلا فوضع الأخير يده تلقائيا على عنقه متوجسا يناظرهما بعينين متسعتين بينما عاد سامح مبتسما يميل برأسه ناحية سيد ويقول بنفس الخفوت المسموع وقد أعجبته الفكرة :
" أممم فكرة جيدة ... وبرأيك ماذا يجب أن نفعل لنغير تلك الهيئة اللامعة المشعة باستفزاز"

رفع سيد حاجبه وابتسامة خبيثة منتقمة تتلاعب على شفتيه ورد:
" أول شيء لابد أن نتخلص من شعر رأسه تماما.. ثم بعدها... (واخرج من جيبه المطواة وأكمل بابتسامة شريرة) نضيف لوجهه ورأسه بعض العلامات "

شهق آسر بينما مرر خالد نظراته المتفاجئة بينهما وبين آسر الذي انتفض واقفا وهو يقول بحدة:
" انسوا الأمر (واستدار لخالد قائلا) شكرا خالد ولكن الأمر منتهي ...لن أضع نفسي بين يدي هاذين المختلين ليمارسا علي أفكارهما الحمقاء "

بابتسامة متهكمة استفزته قال سيد وهو يتلاعب بمطوته بمهارة :
"هل أنت خائف منا ، أم خائف على فساد مظهرك الأنيق "
عقد آسر حاجبيه وقد لمع الغضب في عينيه بينما نظر سيد لسامح يضيف بلهجة ساخرة "الم أقل لك منذ أن هاتفتني بشأنه أنه شاب مدلل لن يتحمل الحياة في حارتنا ولن يطيق ارتداء ملابس ليست من ماركات مشهورة أو تناول طعام الفقراء (وأشار بالمطواة) انظر إليه انه يكاد يبكي من أجل حلق شعره الأشقر الناعم المصفف بعناية ، صدقني مثله لن يتحمل يومين لدينا وسيبكي كالنساء طالبا العودة لحياته المترفة مفضلا الموت على تحمل شظف العيش لبضعة أيام "

تنحنح خالد وقال محذرا " يا شباب الوضع لا يحتمل المزاح بالله عليكما"
أما آسر فقد احتقن وجهه غيظا فاقترب من سيد وشده بحدة من قميصه حتى يقف قائلا بغضب :
"من هذا المدلل الذي سيبكي كالنساء أيها الفتى!! "

بنفس الابتسامة المستفزة أغلق سيد مطواته وأعادها لجيبه وهو يقول ببرود ولهجة متسلية سعيدا بحالته :
" اقصد من كاد يبكي ورفض الذهاب للحارة لأنه لا يتحمل مشاركة السكن مع شاب فقير ، وانهار رافضا لمجرد اقتراح قص شعره "
كانت أنفاس آسر تتعالى حنقا وهتف من بين أسنانه بغضب وهو يشدد من قبضته على ملابس سيد :
"أحفظ لسانك يا هذا ، أنت لا تعرفني ، ولا تعرف ما واجهته في حياتي وما استطيع عمله أو تحمله"

تدخل خالد قائلا" اهدأ يا آسر إنهما يستفزانك لا أكثر "

تطلع آسر في وجهي سيد وسامح اللذان يحملان ابتسامة متسلية وقال بغضب "لن أتركه قبل أن يعتذر عن وصفي بالمدلل "

ارتفع حاجبا سيد وقال بتحدي وقد شعر بأن الوضع قد أصبح أكثر إمتاعا :
" إذن اثبت لنا ذلك أولا .. بعيدا عن أي أسباب ضرورية لتخفيك ، فلنجعله رهانا بيننا ...ونرى مدى قوة تحملك على المعيشة كشاب عادي دون مال أو سلطة لمدة شهر لدينا بالحارة ، إذا تحملت الحياة لشهر واحد عندنا دون أن تهرب عائدا لحياتك فأنا عندها سأعترف بخطئي بحقك واعتذر لك "
وقف سامح قائلا وقد أعجبته الفكرة :
"وأنا انضم للرهان ...شهر هناك حتى لو انتفت أسباب وجودك واختفائك ، مقابل اعتراف كلانا بخطأ رأينا بك"
تجهم وجه آسر وهو ينظر لكليهما قبل أن يترك ملابس سيد و يقول بعد لحظات من التفكير :
"الرهان بهذا الشكل غير كافي ومجحف بحقي ، لنرفع سقف التحدي ...شهر هناك بشرط... لن تفرضوا عليّ فيه أي هيئة غريبة أو شاذة ، وفي نهايته أنال منكم اعتذارا علنيا و يحق لي بعدها أن اطلب من كلا منكما طلبا ويجب أن تنفذاه لي دون اعتراض "

نظر سيد وسامح لبعضهما ثم استدارا فجأة كل منهما يفرد ذراعه على كتف الأخر يوليان ظهريهما للواقفان خلفهما يتبادلان النظرات المتسعة .. فبديا بهيئتيهما تلك كصبيين ماكرين يتفقان على خطة الهجوم في مباراة كرة قدم في إحدى الحواري الشعبية .
سأل سامح ابن خالته بخفوت" ما رأيك ؟"

رد سيد بملامح متجهمة وقد استفزه تحدي آسر له :
"لا بأس فأنا واثق أنه لن يتحمل أسبوعا فما بالك بشهر .."

هز سامح رأسه مؤمنا واستدار لآسر قائلا :
"اتفقنا ...لكن بالمقابل إن خسرت فسنقوم نحن بطلب شيء منك وتجبر على تنفيذه "

هز آسر رأسه موافقا وهو يقول :
"لا بأس بشرط أن لا يكون طلبا شاذا فيه تغيير لشكلي أو إهانة لي ...وأيضا سأمنح كلا منكما أسبوعا إقامة مجانية بالفندق إن خسرت "

هز سيد وسامح رأسيهما بموافقة ووقف ثلاثتهما متخصرين يتبادلون النظرات المتحدية كصبية قد انتهوا للتو من عقد رهان ..
سيد وسامح من جهة وآسر من جهة أخرى..
كل هذا أمام نظرات خالد المستنكرة لهم جميعا
***********
صباح اليوم التالي
شركة الذهبية

دخل عز من باب الشركة وهو يضع منديلا على فمه يخفي به انفه السائل وسعاله الذي يشق صدره وقال بصوت متحشرج لا يكاد يعلو عن الهمس وهو يتجه ناحية مكتبه
" نسرين اجعلي شهاوي يصنع لي كوبا من الينسون ...وتأكدي أنه يسمع الطلب جيدا حتى لا يحضر لي عصير قصب بدلا منه "
لم يكد يجلس على مكتبه حتى لحق به مدحت الذي نظر بقلق لوجه أبيه وقال بلهجة عاتبة :
"أبي لماذا حضرت اليوم وأنت مريض ...ألم أطلب منك على الهاتف أن تستريح ولا داعي لحضورك اليوم "
أشاح والده بيده قائلا من بين سعاله المتزايد:
" لا أطيق الجلوس بالمنزل ، لقد أخذت الدواء ، لا تقلق ..ثم أنا لدي موعد هام بعد قليل ولن أفوته "
قطب مدحت حائرا وهو يسأل :
"أي موعد هذا ، لا يوجد مواعيد هامة لدينا اليوم "
ابتسم عز بشقاوة رغم وهنه ورد:
"ليس موعد عمل ، وألان اتركني وحدي قليلا يا ولد ، فهناك خطاب هام أرغب في كتابته وأنت تشتت تفكيري ...أريد أن أركز "
نظر مدحت لأبيه بتمعن للحظات قبل أن يضيق عينيه وهو يقول:
"هل لموعدك علاقة بحبية القلب ؟"

ابتسم عز ونظر له بصمت ..فرفع مدحت حاجبيه ذاهلا وهو يقول باستنكار :
"هل ستذهب لها وانت بحالتك تلك"
ونظر للأوراق الملونة الغريبة أمام أبيه ثم اقترب قليلا يدقق فيها قبل أن يخفيها الآخر وهو يناظره باستنكار فقال مدحت متعجبا وهو يضرب كفا بكف :
"لا اصدق يا أبي ...هل ستكتب لها خطاب على ورق ملون بحواف مزينة بالزهور!!!.. (وأضاف باستهجان) لا تخبرني بأنك تنوى أن ترسله بالبريد!! ...من أي عصر أتيت يا أبي !...تلك الأمور انقرضت منذ عهد أفلام الأبيض والأسود "
نظر له عز باعتراض ورد :
"وما أدراك أنت وجيلك بأساليب الغزل الراقي العفيف "

هتف مدحت باستنكار:
" عفيف !!!!!!.... ( وأضاف ساخرا ) وهل هذا الغزل الراقي العفيف يتطلب أن تكتب لها خطابا على ورق! ...أخشى أن تذهب في الخطوة القادمة لتقف تحت شرفة بيتها كشحات الغرام وتلقي لها وردة على شرفتها ...وطبعا هي ستطل عليك من خلف الشباك ساهمة العينان مبتسمة ، أو ربما في حالتك ووضعك معها حاليا تلقي عليك دلوا من الماء"

وضيق عينيه مفكرا قبل أن تتسع وهو ينظر لأبيه قائلا بشك خاصة مع رؤية ارتباكه واحمرار وجهه وهو يهرب بعينيه:
"لا أرجوك... لا تقول لي أنك فعلتها فعلا .. وأن هذا سبب عودتك بالأمس بملابس مبتلة يا أبي؟!"
صوت طرقات على الباب أنقذ عز من الرد في الوقت الذي دخلت نسرين تضع كوبا الينسون يتصاعد منه البخار وهي تقول بنزق:

" اوجدا حلا مع هذا الرجل ...لقد اضطررت لصنعه أنا بعد أن تعبت لأجعله يفهم ما أريد بلا فائدة ، وهو كل مرة يصنع شيئا آخر ...(ورفعت نظارتها على عينها وأشارت لكليهما ) وهذا يا سادة ليس من مهام وظيفتي ...أنا هنا مديرة مكتبكما ولست عاملة البوفيه "

لم تكد تستدير ناحية الباب المفتوح حتى فوجئ الجميع بوقوف ماهي على الباب بارتباك وهي تنظر لأبيها بقلق وتقول متجنبة النظر لشقيقها:
"صباح الخير أبي ...كيف حالك ...أخبرني عم مصيلحي عندما مررت عليك صباحا أنك اصريت على النزول للعمل رغم مرضك فقلقت وجئت لأطمئن عليك "
وقف عز مبتسما وتحرك حول المكتب ليرحب بابنته لكنه توقف فجأة بمنتصف الطريق عندما رأي من أزاحت ماهي من أمام الباب وهي تقول لها بتأنيب :
"ماهي ما هذا التصرف الوقح...تحركي قليلا من أمامي حتى اسلم واطمئن على أبيك"

لتدخل رقية بغرورها المعتاد وتتحرك بثقة ناحيته وهي تقول :
"كيف حالك عز ...اشتقت لك كثيرا ...ما أن علمت أنك مريض حتى أصريت على المجيء للسلام والاطمئنان عليك مع ماهي رغم أنك لم تفكر في تحيتي منذ أن عدت من السفر "
وقف الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ...مدحت غاضب وهو ينظر بلوم لماهي .. وعز مصدوم ينظر لرقية برفض واستنكار لوقاحتها بالقدوم إليه بعد كل ما كان كما لو كانا قد افترقا وهما أصدقاء أو بعد خلاف عابر …

أما رقية فتجاهلت كل الأجواء العدائية الرافضة حولها وهي تقترب ناحية عز تمد يدها له بأناقة ...لم تلق استجابة من الأخير الذي ظل متصنما مكانه يناظرها بنفور ورفض فدارت حرجها من رد فعله برفع يدها لتربت على صدره متجاهلة تشنجه واستدارت بعدها تتحرك بأناقتها المعتادة ناحية مدحت لتقترب منه تقبل وجنته وهي تقول له بلوم :
"مرحبا مدحت ...كيف حالك صغيري ...اشتقت لك أيها الجاحد ( ونظرت لعز تقول شاكية) أيرضيك يا عز تصرفات مدحت ...تخيل لم يحدثني أو يأتي لزيارتي منذ أسبوع كامل ..( وتنهدت تكمل بطريقة تمثيلية حزينة ) لا يراعي وحدتي وكوني احتاج لوجود من يؤنسني ويسأل عني .."
ساد صمت مربك لم يقطعه إلا نوبة سعال متواصلة انتابت عز جعلت ماهي تقترب من أبيها بفزع قلق بينما أسرع مدحت يرفع إليه بكوب الينسون قائلا:
"أبي اشرب بعض رشفات …"
أطاع عز وارتشف قليلا من الينسون فقال مدحت متجاهلا كلا من ماهي وأمه :
"هيا أبي ...سأوصلك للمنزل ...أنت بحاجة للراحة ...وأجل كل شيء ليوم آخر ...فصحتك لن تساعدك"
تحرك عز معه مستجيبا لكلمات ابنه فاقتربت ماهي من والدها تقول بارتباك ونبرة طفولية :
"أبي "
ربت عز على كتفها مانعا إياها من الاقتراب منه قائلا بحشرجة:
"لا بأس صغيرتي أنا بخير ...فقد لا تقتربي كثيرا حتى لا تصابي بالعدوى"
لم تهتم ماهي بما قال وحاولت احتضانه قائلة :
"لا يهم وسأذهب معك لمنزلك لاهتم بك "
سحب مدحت يدها المتمسكة بأبيه ببعض الحدة وهو يقول من بين أسنانه :
"لا داعي ماهي ...اذهبي أنت مع ماما ...وأنا سأوصل أبي وأبقى معه وأطمئنك بالهاتف ...(وأضاف بتوعد مبطن ) ولنا حديث معا لاحقا "
حاولت مجادلته لكن نظرة عينيه العاصفة بغضب مكبوت جعلتها تهز رأسها مستجيبة وأشارت لأمها ليتحركا ففاجأتهم رقية بقولها:
"ما رأيك أن أذهب أنا معك يا عز لأهتم بك وأرعاك فأنا الأقدر على تقديم ما تحتاجه ...ولندع مدحت وماهي ليهتم كل منهما بعمله؟ "

اتسعت عينا مدحت ذهولا وكاد يرد بعصبية لولا يد أبيه التي ضغطت على كفه وهو يستدير من عند الباب قائلا بسخرية :
"شكرا لعرضك الكريم سيدة رقية ...لكن ما احتاجه لن تستطيعي أنت تقديمه لي ...لم تفعليها بالماضي ...وبالتأكيد لن تفعليها الآن "

بثقة قالت رقية وهي تقترب منه تتمايل بدلال على كعب حذائها الأنيق:
" الماضي ولى عز ...ونحن أبناء اليوم ... كلانا قد تغير .. صدقني ...لن يرعاك ويهتم بك أحد مثلي ...يعرف كل ما يريحك ويرضيك "
ناظرها عز بسخرية من أعلى لأسفل ثم قال من بين أنفاسه المتحشرجة :
"لو كنت بالفعل تعرفين ما يريحني لعلمت أن عدم رؤيتك لآخر عمري هو أكثر ما يرضيني "

واستدار تاركا إياها تتميز غيظا ...وهو يشعر بالوهن لدرجة كادت تجعل ساقيه تخوناه لولا ساعد مدحت الذي أسنده بقوة بمجرد أن لاحظ ترنحه وهو يقول :
"تماسك أبي ...ستكون بخير"
تطلع فيه عز بمحبة وهو يحمد الله بداخله أن عوضه به ورزقه بره رغم كل ما حدث وما كان.
************
يتبع



رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:00 AM   #618

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحارة شقة سامية وإخوتها
لم تكد رباب تنهي ارتداء ملابسها بعد عودتها من المدرسة حتى سمعت صوت جرس الباب فاتجهت ناحيته لتتفاجئ بسهام شقيقة يوسف تقف أمامها بوجه مرتبك وهي تحييها قائلة :
"مساء الخير رباب ...أعتذر عن إزعاجك "
ردت رباب بمودة :
" لا يوجد إزعاج سهام تفضلي البيت بيتك"
هزت سهام رأسها رافضة الدخول وهي تقول بحرج :
"لن استطيع الدخول ...فانا متعجلة ...لقد تركت ابني الصغير مع جارتي ...وأيضا موعد عودة الأطفال من المدرسة اقترب ولابد أن أعود بسرعة لأجهز الطعام ...تعرفين زوجي ...لو جاء ولم يجد الطعام جاهزا سيثور"

كانت تثرثر بسرعة وتهرب بعينيها من رباب التي ارتفع حاجبها لا تفهم ما تريده سهام التي صمتت للحظات قبل أن تنظر لها قائلة بتوسل :
"رباب أمي أصرت على العودة لشقتها اليوم ولم تقبل حتى أن أتصل بيوسف لأخبره ...أعرف أنك متشاجرة معه ولا يصح أن أطلب منك ذلك ...لكن هل بإمكانك مراعاتها وأن تطلي عليها كل فترة ...صحتها أصبحت أسوء ..وتحتاج لرعاية دائمة ...وخاصة أنها لا تأخذ دوائها إن لم يعطها احد إياه في موعده (ونكست رأسها وهي تقول بضيق و قلة حيلة ) زوجي عاد من السفر منذ عدة أيام ...وتعرفين أن كليهما لا يطيق الآخر ...وأنا غير قادرة على إرضاءهما...لقد كان عصبيا في الصباح فظنت أمي أنه متضايق بسبب وجودها لذا أصرت على العودة فورا ...حاولت إرضائها بلا فائدة ...حاولت الاتصال بيوسف عدة مرات لكن هاتفه كان مغلقا لأدري لماذا .."
عقدت رباب حاجبيها بقلق حين قالت أنها لا تستطيع الوصول ليوسف بينما أكملت سهام حديثها بصوت مخنوق:
" وهي أقسمت على الخروج من بيتي فورا ولو زحفا لو لم أعيدها لهنا فلم أجد بدا من الاستجابة وإحضارها ...ولابد أن أعود فورا ...لذا لا حل أمامي إلا أن أطلب منك العناية بها ( ورفعت وجهها لرباب موضحة) ولا تقلقي هذا الوضع ليس لفترة طويلة فقط ليوم أو يومين ...فيوسف ما أن علم بعودة زوجي حتى أخبرني أنه سيعدها لهنا لكنه سيبحث أولا عن امرأة تبقى معها طوال فترة عمله ...لذا لو لم يكن لديك مانع "
قاطعتها رباب قائلة وهي تربت على كتفها بمودة:
"لا تقلقي سهام ... اذهبي لبيتك ولا تشغلي بالك أو تحملي هم خالتي ...تعرفين محبتي لها ...ومهما حدث بيني وبين أخيك فأمك خارج الموضوع ليس لأنها فقط جدة أولادي لكن لأن غلاتها بقلبي من غلاة أمي رحمها الله "

امتلأت عيني سهام بالدموع وهي تشكرها وتميل مقبلة وجنتها قبل أن تنزل السلم مسرعة تداري دموعها التي سالت دون أن تدري رباب إن كانت بسبب قلقها على أمها أم حزنها على تصرفات زوجها التي تكاد رباب تجزم أنه السبب برغبة حماتها العودة لبيتها فورا …

زفرت رباب بعمق واتجهت لتحضر المفتاح من حقيبتها ثم ذهبت لباب الشقة المقابلة ودخلت بعد أن طرقت عليه بخفة وهي تنادي
" السلام عليكم ..أمي ...يا أم يوسف .."
نظرت أم يوسف التي كانت مضجعة بنصف نومة على الأريكة لرباب ثم أشاحت عنها بوجهها غاضبة دون أن ترد السلام ..فابتسمت رباب وهي تقترب منها تحشر نفسها بجوارها وتربت على كتفها و تناغشها بقولها:
" يبدو أن أمي الغالية جدة منصور غاضبة مني لذا لا ترد السلام ...ترى ما الذي فعلته لتغضب على ...وهي تعرف أني لا يمكن أن أتحمل غضبها هي بالذات "
أزاحت حماتها يدها بحدة رغم ووهنها وهي تقول لها بغضب لائم:
"اذهبي رباب ...أنا لا أحتاج شيئا منك...ولا داعي لتتعبي نفسك وتضغطي عليها لتطلي علي كما طلبت منك سهام ...أنا قادرة على العناية بنفسي ... وحتى لو لم أقدر ...فلتدعوني أموت لأستريح منكم وتستريحوا مني "

أنقبض قلب رباب وهي تستمع لكلمات حماتها الحزينة الغاضبة التي اختنق آخرها بحشرجة بكاء جعلها تقترب مقاومة رفض حماتها لتضمها إليها قائلة بمحبة عميقة تكنها لتلك السيدة التي ساندتها دوما وكانت لها نعم الأم والسند والنصير ضد تصرفات يوسف معها :
"أطال الله بعمرك يا غالية وحفظك لنا ...بالله عليك لا تذكري الموت يا أمي ...والله لو خدمناك جميعا برموش عيوننا ما وفيناك حقك ...يكفى حنانك وقلبك الطيب ودعواتك التي تشملنا جميعا ليل نهار"
نكست حماتها رأسها تقول بمسكنة :
"لقد أصبحت حملا ثقيلا عليكم جميعا ...ولم يعد لي فائدة ...أصبحت كخرقة بالية تتقاذفها الأيدي من مكان لآخر دون حتى اخذ رأيها ...يوسف أراد الخلاص من همي فالقاني لشقيقته ...التي ما أن عاد زوجها ورآني أصبح كالثور الهائج ولم يطقني لديهم ...وكان يتعمد أهانتها أمامي ...ورفع صوته متأففا من الضيوف الثقال ...والعديد من الكلمات المهينة والجارحة التي اعلم أنه يقصدني بها ليدفعني لمغادرة بيته كما لو كنت أكل طعامه .. لكن الحق علي أن وافقت على ترك بيتي ...فصدقا من خرج من داره قل مقداره ...وأنت أيضا هيا اذهبي واتركيني ...ألم تصري على هدم بيتك وطلب الطلاق ... ولم يثنيك عن يباس رأسك توسطي لديك لتغفري ما فات وتعودي لهنا "
زفرت رباب بوجع وردت بحنق :
"أنت بالذات أمي تعلمين أنه يصعب علي العودة ليوسف بعد كل ما فعله وكنت أنت شاهدة عليه ... لكن هذا لا يعني أنني سأتخلى عن رعايتك ...أنت أمي كما أنت أم يوسف ويعلم الله مدى محبتك بقلبي ...فأرجوكِ لا تغضبي على ولا تحرميني صحبتك ..."

أخذت رباب تناغشها وتحايلها حتى استجابت لها الأخيرة ورق قلبها ..

بعد قليل كانت رباب تغلق باب حجرة حماتها بإنهاك بعد أن ساعدتها بتغيير ملابسها وصنعت لها مشروبا دافئا ومنحتها دوائها لتنام بعدها قريرة العين .. فاتجهت ناحية المطبخ مفكرة أنها يجب أن تصنع لها بعض الحساء الساخن ..

سمعت صوت فتح باب الشقة فقطبت وهي تنظر لساعتها مستغربة ...فموعد عودة يوسف لم يحن بعد في الوقت الذي دخل يوسف من الباب حانقا وهو يسب هاتفه ...لابد أن يشتري جهازا جديدا فهذا لم يعد صالحا وأصلحه عدة مرات بلا فائدة ، لقد جن عندما استطاع تشغيله بعد محاولات عدة ليجد عدد من المكالمات الفائتة من شقيقته ورسالة منها تخبرها أن أمه عادت للمنزل …

أغلق الباب وتحرك مسرعا بقلق ناحية حجرة أمه لكنه توقف فجأة وهو يرى رباب تخرج من باب المطبخ فلم تخبره شقيقته في رسالتها بأنها قد تركت رباب معها .

تسمر مكانه وعيناه تلتهمانها .. يا الله ما أجملها ..حتى بثوبها المنزلي القديم بلونه الأزرق الباهت ...وتلك الطرحة الملقاة بإهمال فوق رأسها تظهر اغلب خصلاته يراها أجمل نساء الأرض …
ظل صامتا يتملى بوجهها وقد نسى كل شيء ...آه كم افتقد ذلك الشعور بوجودها بين جدران بيته ..

أخرجه من تيهه صوتها المحرج وهي تهرب من اسر عيناه قائلة :
"عفوا يوسف ...أنا هنا لأن سهام طلبت مني الاهتمام بوالدتك حتى تحضر ...أنا ..أقصد هي بخير ...أخذت دوائها ونامت ...سأعود الآن لشقتي "
تحركت ناحية باب الشقة مسرعة لتوقفها يده تمسك بمعصمها عندما مرت من جواره ثم قال بصوت خنقته العاطفة :
"هذه هي شقتك رباب ...ألم يأن أوان عودتك لها ...لقد اشتاق كل حجر فيها لسيدة البيت "
مالت برأسها تناظره بحزن ثم ابعدت يده وهي تقول:
"لو سمحت يوسف لا داعي لهذا الكلام ..أنا أخبرتك قبلا أني غير قادرة على العودة لك ...قلبي غير قادر على النسيان والسماح ...فلتدع الأمور كما هي...( وصمتت لحظة ثم عادت لتضيف) دعها للزمن"

تحركت خطوة أخرى ناحية الباب لكنها وقفت وأدارت رأسها تتطلع في وقفته الحزينة ورأسه المنكس ..
فنادته برقة :
" يوسف "
رفع رأسه والتفت إليها بلهفة فقالت رباب:
"لا تقلق على أمي ...سأنتبه لها وأنت في عملك "
تجهمت ملامحه ورد بجمود :
"شكرا رباب ...لا تتعبي نفسك أو تشغلى بالك ...أنا سأتصرف "
ترددت للحظات قبل أن تسأله :
"ماذا ستفعل ؟!"
نظر لها بصمت للحظات قبل أن يقول بسخرية مرة :
"كأنك تهتمين "
تخصرت وردت بغضب :
"بالطبع اهتم فأنا أحب أمك "
ناظرها باستجداء يسألها بلهفة :
"فقط أمي ؟! "
ارتبكت ولم ترد فأشاح بوجهه قائلا بحزن:
"كما أخبرتك لا تقلقي نفسك.. ثم إنك تذهبين لعملك صباحا وهي تحتاج لشخص متواجد بصورة دائمة معها بسبب نوبات الاختناق التي تنتابها ...لذا سأطلب من أم حسنات أن تجعل ابنتها تحضر للبقاء معها فترة الصباح مقابل مبلغ مالي "
اتسعت عيني رباب فجأة وهي تلتف إليه بكليتها وتهتف باستنكار:
" نعااااام .. من التي ستأتي لتجلس معها يا حبيبي!"

أجفل يوسف من وجه رباب الذي أشعره كما لو كانت قد تحولت لأنثى تنين فقال بحيرة وارتباك لا يفهم بم أخطأ :
"ما المشكلة؟ ... لقد قابلتني حسنات من يومين وسألتني عن أمي مخبرة إياي أنها متواجدة لو احتجت لأحد يراعيها "
شعرت رباب بالنيران تشتعل برأسها وهي تفكر في أن هذا الغبي الأحمق أمامها يريد إحضار تلك الحسناء المغناج لتجلس هنا بشقتها ...

فوقفت تناظره بعينين ناريتين تهز ساقها وهي تفكر في تلك الفتاة اللعوب التي تزوجت من ثري عربي لعدة أشهر وعادت بعدها مطلقة لتعيد الكرة مع رجل عجوز أملا في أن ترثه لكنها اكتشفت بعد موته بأنه لم يترك لها شيئا من ثروته التي كتبها بأكملها لأبنائه ...فأخذت ترمي شباكها على كل من يتواجد بدفي طريقها من الرجال ...دون أن تهتم بكونه متزوج أم أعزب..

بلع يوسف ريقه وهو يراها ترفع طرفي الطرحة لتربط بهما رأسها بقوة كمن تستعد للهجوم .. ثم تحركت نحوه بخطوات بطيئة تشمر ذراعيها كأنثى تنين على وشك الانقضاض على فريستها .. فوقف يناظر اقترابها بتوجس .. لتقول رباب وهي تطحن ضروسها:

" تريد أن تحضر سيئات ابنة أم سيئات لتبقى مع أمك يا يوسف !!"
رد بحشرجة :
" أجل بمقابل مادي"

رفعت رباب سبابتها أمام عينيه بعصبية حتى كادت أن تفقأ له إحداهما فرجع يوسف بجزعه للخلف قليلا لتقول رباب محذرة " والله لن يحدث ...لن تخط تلك المرأة عتبة هذا البيت ...ولو فعلتها سأكسر لها قدمها .. هل فهمت "

رمش يوسف عدة مرات وهو يتطلع في جمالها الغاضب ثم اتسعت ابتسامته فجأة وقال بحيرة :
"أنا مضطر ليس لدي حلا أخر "

أنزلت رباب إصبعها ونظراتها ووقفت متخصرة أمامه تهتز في عصبية واضحة فتأملها يوسف متقبضا يمنع نفسه من الانقضاض عليها والتهامها وهي تقف أمامه حلوة وشهية وهو جائع ومشتاق بشدة ..
فجأة رفعت رباب عينين ناريتين إليه فعاد لتوجسه لتقول هي :
"أسمع يا أبا منصور … أنا سأخبرك ماذا سنفعل.. سنقسم الوقت بيننا لرعاية أمك(وعدت على أصابع يدها )..أنا وأنت نخرج بالسابعة أنا للمدرسة وأنت لتوصيل تلاميذ المدارس ...لكن سامية تكون موجودة حتى العاشرة فسترعاها في هذه الفترة ..وتعود أنت لتبقى معها حتى الثانية عشرة والنصف .. بعدها سأعود أنا من المدرسة وابقي معها حتى تعود أنت مساءا ...وهكذا حلت المشكلة …"
وضربت بكفها بقوة على صدره حتى كاد أن يتراجع بجزعه للخلف وقالت متهكمة:
"و لا داعي لتبذير مالك على سيئات فأولادك أولى بنقودك "

قالتها وتحركت مغادرة تدمدم بغيظ وهي تخرج و تضرب الباب بعنف خلفها :
" يحضر حسنات لتبقى مع أمه هئ ..هذا ما كان ينقصنا ! "

ظل يوسف متسمرا يناظرها حتى خرجت واغلقت الباب ثم ضحك وضرب كفا بكف وهو يفكر متسائلا (هل جنت رباب ؟)

*******
مدخل شركة الذهبية عصرا


تسارعت خطوات محمود وهو ينظر لساعته ...لقد تأخر كثيرا ووقت نهاية الدوام حل ...إنه سعيد ويحمد الله كثيرا ..لقد طمأنه الطبيب على حالة مازن واستجابة جسده للكلية الجديدة ...وقريبا سيمارس ابنه حياته كأي طفل طبيعي …

كان يرغب في البقاء معه والاحتفال بالأخبار السعيدة مع إخوته لكن هناك أوراق لابد أن ينهيها اليوم ويرسلها بالبريد ...ولا يريد أن يقصر في عمله ..

توقفت خطواته على بعد مترين من باب الشركة الخارجي وهو يلاحظ الرجل الذي سبق ورآه يقف مع نسرين يقف مع آخر قرب المدخل ويبدو أنهم يتجادلان ...كان أحدهما يعطيه ظهره فلم يره بينما الأخر يقف بجانبه ولم يلمحه كلاهما وهو يمر من خلفهما باتجاه المصعد لتتوقف خطواته وهو يسمع حديثهما :
"أختك عنيدة يا شاكر ولسانها طويل ...قد تثير لنا فضيحة ..لا ادري سبب تصميمك على أن ننتظرها هنا"
قال الأخر حانقا:
"لن نعيده ثانية يا هاشم ...نسرين كانت زوجتك لسنوات وأنت تعرف أنها مجنونة ولسانها طويل ..ولن اكرر الفضيحة التي أثارتها لنا بآخر مرة حضرت عندنا للمنزل طالبا إعادتها لعصمتك...لقد تسببت بتجمع الجيران وكادت أن تضرب زوجتي ...هنا لن تجرؤ على إثارة المشكلات حتى لا تفضح نفسها في محل عملها "
ليقول هاشم بنزق :
"وماذا بعد ...حتى لو لم تثر زوابعها المعتادة ...لكنها ستظل ترفض وتعاند ...لابد أن نجد حلا يجبرها أن تعود لي ...يجب أن تجبرها أنت شقيقها تصرف معها "

رد عليه شاكر :
"ستعود لك رغما عنها ...زوجتي هددتني بترك المنزل لو بقيت نسرين فيه ...وأنا مللت من مشاكلهما وشجاراتهما ...لا تقلق ...سأعيدها لك حتى لو رغما عنها"


اتسعت عيني محمود وهو يستمع لحوارهما واخذ يسب نفسه على غبائه وسوء ظنه ..

فمرر يده في شعره يؤنب نفسه ويستغفر الله وهو يفكر بأنه قد أساء لها بسوء ظنه ...ما الفرق بينه وبين من أساء لشقيقتيه ..ليعود للاستغفار وسب نفسه من جديد..

وقبل أن يتحرك لمح المصعد الثاني يفتح وتخرج منه نسرين تدفن رأسها بحقيبتها الضخمة تبحث عن شيء ما بدون انتباه له أو حتى للواقفين بتحفز بانتظارها …

شعر محمود بالقلق وقرر البقاء فتحرك بخفة ناحية الجدار الجانبي الذي أخفاه عن نظر الثلاثة الذين تواجهوا معا …

تنهدت نسرين براحة عندما وجدت محفظتها أخيرا خلف كيس الشطائر الذي تبقى فيه واحدة …

لقد كان يوما مرهقا و تتوق للعودة واخذ حمام ساخن وإلقاء جسدها المتعب فوق الفراش الصغير بتلك الحجرة التي انتقلت لها بعدما استولى أخيها على حجرتها القديمة..
كادت أن تصطدم بشيء أمامها فرفعت رأسها وتراجعت خطوة مجفلة وهي ترى أمامها هاشم وشاكر معا ...فقطبت حاجبيها وسألتهما بحدة :
"ما شاء الله متجمعين عند النبي ...ما سبب حضوركما إلى هنا ووقوفكما هكذا كأسدي قصر النيل ..."
رد هاشم ببشاشة :
"نريد الحديث معك ففكرنا أن نفاجئك وندعوك على الغذاء بمطعم مشويات فاخرة على حسابي أنا "
رفعت حاجبها الأيمن ونظرت له باحتقار وهي تقول ساخرة :
"ما شاء الله أصبحت كريما ولديك مال لدعوات غداء ...رحم الله أياما سوداء عشتها معك لم تدعوني مرة على شطيرة فول ...وفر مالك هاشم ...ما تريد الحديث فيه وجررت معك أخي المبجل لن يحدث ولو وقفت على شعر رأسك"
مد شاكر يده وجذبها من ساعدها قائلا بحدة :
"اسمعي نسرين ...لقد اكتفيت من دلالك وعنادك ...هاشم يريد عودتك الرجل شاري لك ...ومستعد لتقديم كل الضمانات التي تريدينها "
نفضت يدها بعنف وهي تستدير ناحية أخيها صارخة :
" ونعم الشراء يا سندي ...ونعم الرجل الذي تريد أن تعيدني له عنوة …"
امتقع وجه شاكر بينما نظر هاشم حوله في الشارع بحرج وقد أدرك أنها ستفضحهما لا محالة بينما راقب محمود ما يحدث يقف بجوار باب البناية من الداخل متقبضا .. لتكمل نسرين بنفس الانفعال وقد اختنق صوتها بالبكاء :
"ونسيت ما فعله بأختك ...نسيت حقارته معي وهو يتزوج علي أخرى ويحضرها لبيتي ويطردني منه بعد أن خيرني إما أن ابقى كخادمة له ولها ولأهله أو يلقي بي في الشارع .. "

تسارعت أنفاس محمود ولا يعلم لم آلمه صوتها وكلامها ولماذا استحضر كل ما يغل في صدره غضبا من وضع أختيه المظلومتين في هذه الدنيا .. بينما رد شاكر مجادلا :
" الشرع يكفل للرجل ان يتزوج من ثانية وثالثة ورابعة .. هل ستمنعنين شرع الله !!"

هتفت نسرين تقول باستنكار " وهل شرع الله يعطيه الحق أن يرفض تطليقي حتى لجأت للخلع متنازلة عن حقوقي لأناله ... نسيت ما فعله بي يا شاكر واهاناته لي ...والآن تأتي لتقول لي شاري وضمانات …(ونظرت لهاشم بكره شديد وأضافت ) فليأخذ ضماناته معه وليبتلعها بماء نار ينزل ليهري معدته وليذهب للجحيم ويأخذ معه من يحاول إجباري على العودة لحقير مثله "

تقبض هاشم يجز على أسنانه وهو لا يزال يلتفت حوله ويحدج من يحاول الوقوف لمعرفة ما يحدث شذرا بينما تكلم شاكر مبررا لينفي عن نفسه تهمة المشاركة في ظلمها :
"الرجل كان من حقه ان يتزوج أخرى طالما انك عاقر لا تنجبين ...هل ستحرمين حلال الله وتمنعيه حقه !"
شحب وجه نسرين بقوة وشعرت بضربة مؤلمة بصدرها أوهنت ساقيها حتى كادت تترنح ساقطة لتحتضن جسدها بيديها وهي تقول بوجع :
" كل ما قلته للتو لم تعر له اهتماما سوى أن أتعيرني يا أخي يا ابن أمي وأبي بقضاء الله ...أهو ذنبي أن الله لم يكتب لي نعمة الإنجاب ...( سالت الدموع من عينيها وقالت بقهر ) وحتى لو كان حقه ..هل الحقوق تؤخذ بالغدر والخسة والخيانة .... لو كان رجلا لصارحني برغبته ...لخيرني بين القبول والرفض ...لمنحني حقوقي ...لعاشر بالمعروف وفارق بالمعروف ...لكنه خائن وضيع لا يفرق كثيرا عن آخر لا يهمه حق أخته وكرامتها ..كل ما يهمه أن يخرجها من بيت أبيها ليستولي على غرفتها ولو ألقاها بالشارع ( وهمت بالتحرك وهي تقول محاولة لاستجماع أعصابها )...لكن لا وربي لن أمكن أيا منكما من ما يريد ...وليذهب كلاكما للجحيم "

استدارت مبتعدة فشعر شاكر بالحرج أمام هاشم وفقد أعصابه فشدها من معصمها يديرها ناحيته بعنف قائلا بحدة :
"بل ستعودين له ولو رغما عنك ...الرجل سيعيدك لشقتك معززة مكرمة وزوجته الثانية سيجعلها تعيش بشقة أمه مع أبنائها ماذا تريدين أكثر "
تكلم هاشم بخبث أشعل جنونها :
"يبدو يا شاكر يا أخي ..أن حياة الحرية أعجبتها حتى تعيش على راحتها بلا حسيب أو رقيب ..والله يعلم ما تفعل من خلف ظهرك "

شدت نسرين يدها من كف أخيها واستدارت إلى هاشم تلطمه على وجهه وهي تصرخ بجنون :
"قطع لسانك يا ناقص ...يا عرة الرجال ...أنا اشرف منك ...ولا تظن أني لا اعرف غرضك من الإصرار على عودتي لتستولي على مرتبي يا ناقص ... والله كلاكما محسوبان على الرجال خطأ يا من لا تسويا بسوق الرجال قرشا واحدا "

جن كلاهما فرفع شاكر يده يلطمها لكن يده توقفت في الهواء وصوت محمود يقول بغضب :
" إياك أن تفكر حتى بفعلها وإلا قسما بالله سأكسر لك يديك "

هتفت نسرين متفاجئة:
" استاذ محمود"
ناظر شاكر محمود باندهاش بينما قال هاشم مستهزئا :
"ومن يكون حامي الحمى هذا .. أهو من تسيرين معه على حل شعرك وترفضين العودة لعصمتي لأجله أم تراه ..."

لم يكمل جملته لأن قبضة محمود انهالت على وجهه بضربات متتالية مجنونة …
ضربه بغضب وحقد …
ضرب فيه كل حقير يستغل ضعف النساء …
كل حاقد يسيء لسمعتهن …
ضرب كل من مس سمعة رباب وسامية بكلمة ...
ضرب محمود وضرب وضرب ولم يستطع أحد السيطرة عليه أو إيقافه ..
لم يكن يشعر بمن يجذبه ...ولا بصرخات مدحت ولا الناس التي تجمعت ..
ولم يكن يشعر بأن الممدد تحته على الأرض تسيل دمائه وتغرب عينيه ويلفظ أنفاسه..
أنتهى الفصل


رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:01 AM   #619

عبير سعد ام احمد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبير سعد ام احمد

? العضوٌ??? » 351567
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,136
?  نُقآطِيْ » عبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اه منك ياسيد ومن غبائك
مش تعطى فرصة لرؤى تشرحلك علطول مستعجل ومتعصب


عبير سعد ام احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:30 AM   #620

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

مكملين يا جميلات تنزيل باقي الفصول التي سبق حذفها شكرا للغاليات اللاتي يقمن باعادة تنزيل الريفيوهات والمشاركات والتعليقات مرة اخرى خالص حبي وتقديرى لكن

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:56 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.