شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   ظل في قلبه *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t456040.html)

نغم 08-09-19 01:32 AM

الفصل التاسع



بعد أسبوعين ،
داخل قاعة المحاضرات ، رفعت إيثار عينيها تتأمل ظهر أكرم المواجه لهم .
نبرة صوته الرخيمة تخفت شيئا فشيئا قبل أن يستدير مفاجئا نظرتها نحوه .
ارتج قلبها حرجا و خجلا و هي تسرع بإطراق رأسها ، تلعن في سرها فكرها الشارد عنه فيه .
بعد دقائق و المحاضرة على وشك الانتهاء ، مدت يدها للمرة العاشرة تزيل عن سطح خدها دمعة أخرى نافرة .
- خيرا إيثار ، لماذا تبكين ؟ ما بك ؟

ببطء يحمل عدم رغبة واضحة التفتت إيثار إلى بسنت ، تنهد خفيف انفلت من بين حبس شفتيها و هي تقول بهمس :
- أنا لا أبكي ، العدسات تضايقني .
- إذن عودي إلى نظارتك ، قالت الأخرى و هي تهز كتفيها بخفة .
- نظاراتي انقسمت نصفين ، تمتمت ، ترددها يفضح كذبها .

هي ببساطة استغنت عنها لأن الأخرى بجانبها أقنعتها بأنها تبدو أجمل بدونها .
- إيثار ، جاءها صوت بسنت قريبا فالتفتت لتجدها تميل جدا بجسدها نحوها ، هل أخبرتك أن عيد ميلاد تامر قريب ؟
- و ؟
- أريدك أن تقترحي علي هدية له ، بصراحة احترت .
- و هل هذا وقته بسنت ، فحت في وجهها ببرود ، نتكلم عن تامر و هديته أثناء المحاضرة ؟
الدكتور أكرم أصلا لا يطيقنا .
- بالعكس ، قاطعتها بسنت و هي تعود لهز كتفيها ، هذه المرة برضا ، الدكتور " كيمو " منذ دخلت لم يغادرني بنظراته .
- سخافة ، رمتها إيثار في وجهها بحدة و هي تطرق أكثر على ورقتها تراقب القلم في أصابعها يخط شخابيط عملاقة تعبر عن لهيب سخطها .

بعد ثوان ارتفعت أصابعها تمسح دمعة أخرى و بدافع أقوى منها رفعت عينيها لتقابل عينيه .
ثقلت أنفاسها و زمت شفتيها في محاولة فاشلة للسيطرة على رجفة فمها ، تراقب عينيه تتسللان منه ، تتجاوزان رؤوس الطلبة لتستقر نظراته على سفح عينيها ، يراقب ولادة دمعة جديدة أخرى لفظتها مآقيها الملتهبة .
أما هي فكل ما استطاعت فعله هو مبادلته نظرته بقلة حيلة بانتظار معنى تنطق به نظراته أو تعبير تفشيه قسماته .
- إيثار ، نادتها بسنت ثانية فقطعت عليها حبل تواصلها معه .

تنهدت بيأس و بضجر تمتمت :
- ماذا الآن ؟
هذه الأيام الأخيرة منذ ظهور أكرم كدكتور محاضر لهم وجدت مشاعرها تبدأ بالبعد عن بسنت و عالمها .
هل صارت لا تطيقها بسببه أم فقط لأن الأخرى أثبتت بما لا يقبل الشك أنها تافهة ؟
لم تعد قادرة على التميز لأن تصرفاته الغريبة معها أقامت الشتات بداخلها المشتت أصلا .
مرة يهتم و مرات يذيقها برود تجاهله .
ربما السبب الأكبر لقرفها الحديث من بسنت هو ملاحظتها للبطولات العالمية التي تمارسها في محاولة لفت انتباهه إليها .
- هناك نقطة لم أفهمها دكتور ، تعالى صوت بسنت المتراخي .

نقاط ، سخرت إيثار و هي تغرق بصرها المتجهم داخل صفحة الكتاب أمامها .
- تفضلي أنا أسمعك
- لم أفهم كيف تكون السرعة سالبة
أقصد مثلا سرعة دوران المحرك ؟
المفروض أن السرعة تقدمنا نحو الأمام لذلك من المنطق أن تكون علامتها موجبة
- هذا يعتمد على المرجع الذي نضعه ، قال بعد صمت مفكر ، يعني مثلا لو قلنا أن التقدم إلى الأمام يكون حين ندور باتجاه عقا رب الساعة فكل سرعة في هذا الاتجاه سنعتبرها موجبة ، و بنفس المنطق الآلة التي تدور بالعكس تعتبر سرعتها سالبة .

مطت بسنت شفتيها ، كورتهما و لعبت بهما عدة ألعاب و في الأخير خرجت الإجابة المتوقعة :
- آسفة لم أفهم .

" ما الجديد " ، سخرت إيثار ثانية بينما عيناها تتعلقان بجسده
تراقبه يتجه إلى لوحة الكتابة البيضاء العريضة ، يبحث عن القلم ليشرح لها عن طريق رسم توضيحي ، المسكين لم يفهم أن الفتاة " ترسم عليه " .
لا تدري كيف انطلق صوتها يحارب سكون الفصل
- بالعكس الموضوع سهل جدا ، بدأت تقول بجفاف و هي تتجه بجسدها نحو بسنت ، سأعطيك مثالا حيا من واقعنا ، لنعتبر أن البحر المتوسط هو المرجع الذي تكلم عنه الدكتور .
الدول التي في الناحية الأخرى كما هو واضح تتقدم إلى الأمام ، سرعة موجبة ، الدول التي على هذه الضفة تجري إلى الخلف ، سرعة سالبة ، فهمت الآن ؟

*
*
بعد قليل و هي تتجه مطرقة نحو الباب ،
- آنسة إيثار ، شل صوته القوي تقدم سيرها ، تعالي لحظة من فضلك .

تقدمت نحوه ، مع كل خطوة تتضاعف دقات قلبها و تتقلص علامات هدوءها .
- أنت بخير اليوم ؟
- بأحسن حال و الحمد لله ، شكرا لحضرتك ، تساقطت كلماتها بخجل ملهوف و شيء من الحمرة يزحف على خديها .
- جيد ، سرح صوته ، تأملها مطولا ثم أضاف ، نصيحة مني إذا أردت أن تبقي بخير ابتعدي عن السياسة و الحديث عنها خاصة في الفصل .

تسابق الغيظ و الخيبة أيهما يسكن نظراتها أولا ، هي التي ظنته رق قلبه لدموعها .
يلعب دور البارد المتباعد معها فليكن .
فغرت فمها بدهشة ، التفتت حولها كأنما تبحث عن شيء ضاع منها ثم قالت بدهشة :
- سياسة يا دكتور ؟!! أين هي ؟ أين ؟

ساد صمت مفاجئ و بعض الطلبة يتوقفون عن التحرك حولهم ، اهتمامهم انجذب للموقف .
بقلق تأملت إيثار تغير نظراته نحوها .
من قال أن أبرد درجات الصقيع تتواجد في قطب الكوكب الجنوبي مخطئ ، أبردها تتخذ مسكنها داخل عينيه و على زاوية شفتيه .
قطع سكون اللحظة الجليدي وقع خطواته الواسعة و هو يعطيها ظهره و يبتعد .
- دكتور ، لحظة من فضلك ، دكتور ، تقطعت أنفاسها و هي تكاد تجري وراءه ، لا يساعدها كعبها العالي و لا خطوات المحاربين التي يسير بها .

توقفت قليلا تضع يدا مرتجفة على صدر أكثر ارتجافا ، تراقب ظهره المتصلب الذي يرسل شرارات غضب واضحة لها .
جذبت نفسا عميقا ثم عادت تلحقه ، هذه المرة تركض بالفعل .
توقفت مع وقوفه أمام باب مكتبه .
- دكتور ، رجاء واضح في صوتها اللاهث ، من فضلك اقبل اعتذاري .
دكتور أنا آسفة ، صدقني لم أقصد ، ابتسامة مرتجفة تبدت على شفتيها و هي تراه يلتفت نحوها
- دكتور ، همست ثانية فأغلق الباب في وجهها .
*
*

بعد ساعات ، كانت تدخل أخيرا للمنزل لتجد لا أحد في استقبالها كالعادة .
تقابل في الخارج بالبرود و تقابل في الداخل بعدم المبالاة ، هل يوجد لأحد غيرها مصلحة في حياتها هذه ؟ إذا كان هذا هو الحال فهي مستعدة لإهدائها له الآن و فورا .
مثقلة ، خائبة الأمل جدا ، توجهت إلى غرفتها ، كل ما تريده هو أن تعتكف في سريرها .
نامت على جانبها الأيسر ، أصابع يدها اليمنى تعبث ببطء على شاشة هاتفها .
" هنالك أسطورة خطيرة تقول بأن الطالبة من الممكن أن تحب زميلها في الجامعة و أسطورة أخطر بأنها من الممكن أن تحب أحد الدكاترة .
ربما هذه الأساطير هي سبب ارتفاع نسبة الفتيات المنتسبات للجامعة . "
تأملت المنشور لمرة أخيرة ثم رمت هاتفها و فردت جسدها على سريرها ، أطرافها جميعا ممتدة كأنما تحلق في سمائه .
أغمضت عينيها تأخذ استقالة وقتية من العالم لكن أفكارها خانتها كالعادة و شدت الرحال إليه .
لم تطل مدة انشغال بالها به لأن بابها فتح فجأة عن مظهر أمها الجدي المتحفز كما هو دائما .
قامت نصف قومة تستند بكسل على مرفقيها .
- نائمة ؟ تساءلت أمها باتهام .
- و أحلم أيضا .

رفعة حاجب غاضبة ثم :
- تعالي أحتاجك .

" و أنا كذلك أحتاج نفسي " ، تمتمت إيثار بعبوس و هي تجر ساقيها جرا .

وقفت في زواية غرفة الاستقبال تشاهد أمها تأخذ بلوزتها ، طرحتها ، تنحني لتنتعل حذاءها ، تفعل كل ذلك و هي ترمي أوامرها خلفها
- أنا أعددت الكشري لكن ...
- لا أحب الكشري .
- لا تقاطعيني ، رفعت السيدة سهير عينيها نحوها بغضب .
أعددت بعضه و أنت أكملي الباقي .
اسلقي المكرونة
و أعدي الأرز مع العدس
و طبعا لا تنسي قلي البصل
- ماما ما الذي لن أعده ؟
- الصلصة .
قالتها و صفقت الباب في وجهها .
- بسم الله الرحمان الرحيم ، ما بالكم يا قوم معي اليوم ؟


*
*

بعد قليل كانت داخل المطبخ تتنقل بين القدور ، صوت أغنية يصدح تتصادم نغماتها مع صوت غليان الماء و فرقعة البصل داخل الزيت الملتهب .
تعالى صوت نجاة يحنو على ضياعها ، يربت على سخفها و يجعلها نوعا ما تجد المبرر لرخصها .
" يامن يفكر فى صمت ويتركنى فى البحر
أرفع مرساتى وألقيها
كفاك تلعب دور العاشقين معى
وتنتقى كلمات لست تعنيها
كم اخترعت مكاتيب سترسلها
وأسعدتنى ورودا سوف تهديها
وكم خلفت لوعد لا وجود له
وكم حلمت بأساور سوف أشريها
وكم تمنيت لو للرقص تطلبنى
وحيرتنى ذراعى أين ألقيها "
- ألقيها على أم رأسي ، تمتمت و هي تصفي المكرونة ، أضربه و أخبطه لعل عقلي المقلوب يعود لوضعه الأصلي .
- غبية ، نفثتها بعنف
غبية

غبية تعرف عيبها و تعترف به لكنها لا تقدر على التخلص منه .
لأنها ذات شخصية مضطربة ذات تفكير سطحي .
تخفي طاقات متعددة بداخلها لكنها تركز فقط على ذلك العطش المهتاج إلى الحنان الرجولي .
غبية و فوضوية مثل الكشري الذي تكرهه و تشك بأنه يكره نفسه مثلها .
من وحي اللحظة ، أرسلت رسالة قصيرة مجنونة إلى نادية
- هل تعتقدين أن الكشري يكره نفسه ؟

كان رد نادية مختصرا
- لا يهم ، كل الشعب يحبه
حالتك تبدو صعبة ، تعالي عندي فورا ، أنا في الصيدلية

و قد كان ..
*
*

- أريد حلا جذريا لما أنا فيه ، تمتمت إيثار بتعب و هي تستند على الرخامة التي تفصل بينها و بين نادية .
- موجود و اسمه مكون من أربعة حروف .

نظرت إليها بتساؤل فقالت نادية و هي تميل نحوها بهمس :
- باهر
- باهر ، ضيقت إيثار عينيها بحيرة .
- زميلي الصيدلاني ، أخذ خطوة أخرى و كلمني جديا عنك .
و لأني أردت مجاملتك كما سبق و فعلت معي أعطيته رقم هاتفك .

****************

بخطوات أثقلها إجهاد الساعات الأخيرة دخلت بريهان بهو عمارتهم الرطب الهواء ، جذبت نفسا عميقا تلقته رئتاها الجافتان بلهفة ثم سارت بآلية نحو صندوق البريد ، قلبت المجلات الإعلانية لبعض المحلات التجارية الضخمة بحركات رتيبة ، وضعتها داخل حقيبتها الواسعة ثم انتقلت باهتمامها إلى الفواتير ، تأففت و هي تلاحظ بعض المبالغ المرتفعة ، مرة أخرى سيكون عليها أن تؤجل موضوع سفرها لخالتها خارج البلد .
أكملت وضع القصاصات المختلفة الحجم داخل حقيبتها و سارت بنفس البطء نحو المصعد .
ضغطت على الزر مشغولة الفكر و فجأة تجعد جبينها و هي تتذكر أنها لم تدفع للدكتور ذلك اليوم بسبب اضطرابها .
دقائق قليلة و كانت تقف أمام عيادته تطرق الباب بتردد بعد أن ضغطت زر الجرس مرتين دون فائدة ، الحركة الخافتة التي تصلها بوضوح تدل أن أحدهم موجود بالداخل و هي تريد أن تدفع له اليوم قبل أن تخونها ذاكرتها مرة أخرى .
توقفت يدها في الهواء و الباب يفتح أخيرا ليظهر من ورائه و جهه العابس ..
كالعادة .
اعتدلت فورا في وقفتها المائلة و بدأت تكلمه بحرج .
- دكتور ذلك اليوم نسيت أن أدفع ثمن الكشف
- الآن ليس الوقت المناسب ، عودي غدا يا آنسة ، أخر قدما في إشارة لها لتنصرف و يغلق الباب ثانية لكنها أضافت بحرج أكبر .
لدي كذلك بعض أسئلة فيما يخص حالة ماما

تراجع بصمت يترك لها المجال للدخول ، نظرت حولها تبحث عن خيال السكرتيرة لكنها لم تجد أحدا غيرهما ، ما ذلك الصوت الآخر إذن ؟ تساءلت في سرها بينما تعود بجسدها إلى الوراء حتى التصق ظهرها بإطار الباب الذي تركه مفتوحا .
- الدواء الذي وصفته حضرتك لم أجده ، بدأت تتمتم مرتبكة الحروف ، أعطاني الدكتور الصيدلي بديلا عنه لكن ماما قالت أنه لم يلائمها .

توقفت عن الكلام فجأة و عيناها تتسمر على ذلك المشهد وراءه ، الآن عرفت مصدر ذلك الصوت .
و المصدر كان يقوم بشيء خطر جدا .
شهقت دون وعي ثم اندفعت متجاوزة له إلى داخل الغرفة .

في آخر لحظة ، لحظة ما قبل اللاعودة ، كانت يد بريهان تهوي بتصميم على تلك الأصابع الصغيرة تحضنها بقوة داخل كفها ثم تجذبها هي و صاحبها ذلك الطفل الذي لم يتجاوز السنتين ، بعيدا عن المقبس الكهربائي .
أطلقت أنامله بلطف ثم بيدين تخلى عنهما تماسكهما أحاطت وجهه بكفيها تتأمله و تتأكد أنه بخير .
مقلتان واسعتان بلون سحاب مثقل بادلتها تحديقها و داخلهما انعكست ملامحها الفزعة .
ابتسمت له و هي تتمتم بكلمات مطمئنة خافتة بينما عيناها تجريان مسحا سريعا على الملامح التي داعبت براءتها رقة جعلته أقرب لفتاة منه لفتى .
هو الآخر كان مستمرا بالتحديق في وجهها الشاحب بمزيج من الفضول و اللوم فكيف تجرأ على حرمانه من لعبة حشر الأشياء داخل بعضها .
" كان سيضيع " ، أضاءت الفكرة داخل عقلها فارتجفت ابتسامتها .
رفعت يدها اليمنى إلى موضع قلبها ، تحسست دقاته التي ضاع نسقها في موجة الرعب التي اجتاحتها .
التفتت و هي تسمع وقع خطى الدكتور الذي نسيت تماما وجوده ، أخذت الأداة المعدنية الدقيقة الأشبه بدبوس طرحة طويل من أصابع الطفل ثم رفعت عينيها إليه .
ملامحه الباردة استقبلتها ، جعلت صوتها يتقلد رجفة واضحة :
- أنا آسفة على دخولي بتلك الطريقة دكتور لكنه كان يحاول أن ...
- رأيت ما الذي كان يحاوله .

لطمتها فظاظته الجافة على غير توقع منها ، تجمد كل شيء فيها و على سطح عينيها تلاقت صدمتها بجموده .
أخفضت بصرها فورا تخفي شيئا كالألم بعيدا عن قتامة عينيه و قلبه .
وقفت ببطء ، مدت يدها إليه بالأداة المعدنية و تمتمت دون تعبير :
- تفضل ، أعتقد أنها تعود لحضرتك و آسفة مرة أخرى .

كانت على وشك الاستدارة بجسدها بعيدا عن مجاله ، تشعر بجميع تعاطفها السابق معه يتبخر في أدراج رياح جفاءه . أوقفها صوته ، عمليا ، هادئا :
- لحظة يا آنسة ، كنا نتكلم عن دواء السيدة والدتك .
أومأت برأسها بصمت فأضاف :
- هل تحفظين اسمه ؟

أومأت برأسها ثانية و مدت يدها إلى حقيبتها تبحث عن قلم لتكتبه له ، سلمته القصاصة الصغيرة و هي تتمتم بنبرات أرادتها مؤدبة فخرجت جافة :
- تفضل .
- انتظريني قليلا هنا ، تردد قليلا و هو ينقل نظراته بينها و بين الطفل فقالت و هي تنزل لمستوى الجسد الصغير
- سأظل بجانبه .

كانت ستضيف " لا تقلق " و لكنها تراجعت و ضمت شفتيها بقوة .
فليقلق ، فليمت قلقا ، فليجرب أن يكون آدميا بدلا من ارتداء تلك الهيئة الآلية التي لا تليق بمهنته .
*
*

على كرسيه الدوار ، وراء مكتبه جلس نديم متأملا الباب المغلق بينه و بين غرفة الانتظار ، يسيطر بصعوبة على الرعشة التي عادت تخونه .
جزء آخر من حياته كاد يشهد على انهياره ، ما الذي كان سيتبقى له ؟
بعينان لا تريان راقب أسماء الأدوية التي تراصت متتابعة على شاشته بينما ذهنه يستعيد بالتصوير البطيئ مشهدها تنقذ ابنه من مصيبة محتمة .
مع ذلك لم يستطع أن يشكرها ، لم يصل إلى تلك المرحلة بعد .
حيث يحس بعرفان الجميل ، حيث يشكر ، حيث يتفاعل .
تنهد مرتاحا و الرجفة تغادره أخيرا ، أجبر تركيزه أن ينصب على اختيار الدواء الأنسب من اللائحة أمامه ، تلك ستكون أفضل وسيلة لشكرها ، هل يجب على الشكر أن ينطق كلماتا ؟
بعد ثوان كان يحني رأسه ، يملأ وصفة جديدة من أجل والدتها حين تجمد القلم بين أصابعه و هو يسمع صوتها ، منبعثا من الهاتف الداخلي المستقر فوق سطح مكتبه .
لابد أن ابنه هو من عبث بزر الجهاز في الحجرة الأخرى .
- حبيبي كف عن الركض هنا و هناك و تعال اجلس في حضني قليلا ، سمع صوتها تقول .
نعم هكذا أحسنت يا قمر و الآن هل من الممكن أن نتعرف ؟
أخبرني ما اسمك ؟
- أوث ، أتاه صوت طفله .
- أوس ؟ ! حقا ، تهادت ضحكتها تأسر المزيد من اهتمامه .
فاجأني اسمك أوس ، بصراحة أبوك شكله يعطي على ملحد .
أرجوك لا تنظر إلي بصدمة هكذا ، نعم بصراحة هكذا ظننته ، انظر إلى عيادته ، تخلو من حتى صورة واحدة فيها ذكر لله .

دون وعي التفت نديم يتفحص الجدران حوله ، هو اهتم بالتفاصيل الطبية و ترك الديكور لسكرتيرته .
عادت عيناه من دورتهما لتتوقفا على شاشة المراقبة ، رآها تداعب خد ابنه بظاهر يدها بحنان وصله كاملا غير منقوص .
- سأخبرك سرا أوس ، عاد صوتها يسبح بنعومة حوله و حول أحاسيسه الحائرة .

ضحكة خافتة انطلقت منها قبل أن تواصل حديثها الهادئ :
- أبوك حضرة الدكتور أصبح شخصيتنا المفضلة أنا و البنات لهذا الأسبوع
لا أستطيع أن أصف لك ردة فعلهن بعد أن أخبرتهن بالقلم الذي أكله من يد سنية .
نادية ضحكت حتى الدموع و أنا شخصيا أعترف لك بالكاد أمسكت نفسي عندما أخبرتني .
لا تنظر إلي هكذا ، كنت سأعاقبها طبعا ، تصرفها بكل المقاييس لا يصح .
لكن قلبي لم يطوعني على معاقبتها .
فهذا ما تكفلت به الحياة ، ما الذي فعلته بها الدنيا سوى أن تعاقبها .

بتثاقل عاد نديم للكتابة ، ذيل الورقة بإمضائه و ختم عيادته ثم دفعها بعيدا عنه و اختار إغماض عينيه .
لا يدري إن كان هربا أم رغبة في مزيد من الغوص داخل طيات نبراتها التي تدفقت مع معانيها تصنع لحنا شجي له قلبه .
تكلمت و تكلمت و صوتها يستمر بالانسياب داخل سراديب روحه .
أنشودة آسرة تلقيها حورية بحر متمرسة في نثر تعاويذ لا تقهر على بحارة فقدوا الطريق إلى ديارهم .
يتغلغل داخله ، يتعلق بتلابيب فكره ، يأخذه من يده إلى أماكن ظن أنه تاه عنها ، أن وجدانه أقفر منها ، يسحبه نحو دوامة مشاعر آمن أنه شفي إلى الأبد منها .

******************

ebti 08-09-19 02:15 AM

ليلتك سعيدة.... لديك فصل ناقص وهو الفصل الثامن ارجو منك تنزيله وان شاءالله يتم ترتيبه والفصول التي تليه في اماكنهم الصحيحة....

رنا رسلان 08-09-19 02:21 AM

#انا زي ايثار بكون منبهرة دايما باشكال ورسومات طلاء الاظافر
#إيثار المتعبة من عدم اهتمام والديها بها وأنها شئ اضافي 💔 والاقسي ان المعاملة ديه لها فقط ولم يكونوا هكذا مع اخيها وأختها
التفرقة وحشه
( هو مجرد بلّون نفخته أنت باهتمامك ، الآن عليك أن تفلتيه ليحلق في سماء غيرك و هناك دائما الحل الأسهل : افقعيه) يا علي ناديه هموت من الضحك 😂😂
#بري ذات الماضي المؤلم اخاها وحبيبها يموتا في يوم واحد بعدها والدها حاجه صعبه اوي 💔
وانا اللي كنت فاكره انه تركها
#ايه الدكتور الاعمي ده بدل ما يضع الجبس علي الرجل المصابه يضعها علي السليمة😠

(ارتشف شوكت بعض الشاي و هو يهز رأسه باستغراب .
- أخبرني ، قال و الشك يغرق نظراته ، هل من يجلس أمامي الآن الدادة أم فوزي أم الدكتور نديم أبو المجد الأول على دفعته) يالله يا نغم المشهد يكون جاد وتقلبيه كوميدي مرة واحدة وببراعة وكلمات احسنتي اختيارها 😂😍
#نديم التي أثيرت رغبته الذكوريه بسبب بريهان وصدمته لذلك لدرجه سؤال شوكت
#ميرفت ديه هي المرأة صاحبة الدواء وعدم اقتناعها به ونادية هي العروس وجائت تعاينها وتري شخصيتها
#واكيد ده اصف
بس ليه تسرع في قراره هل بسبب زواج الاخري
الفصل رائع حبيبتي تسلمي😍

نغم 08-09-19 02:22 AM

الفصل العاشر


جالسة مستندة على ظهر السرير ، راقبت إيثار يدها المحتواة داخل كف نادية ، تتأمل بشيء من الافتتان طبقات من الألوان بأطيافها و تموجاتها تغزو أظافرها و نادية ترسم فوقها أشكالا دقيقة ناعمة ، تلصق نجوما لامعة ، تجعل من كل ظفر لوحة فنية تبحث عن متذوق لها .
- ما رأيك ؟ تمتمت نادية بهدوء و هي تجمع أدواتها و تقوم لتعيدهم مكانهم داخل درج دولابها .

لم تجب إيثار على الفور ، تجمدت شفتاها في وضع منبهر و هي تحرك يديها حركات بطيئة تستمتع بسحر انعكاس الضوء على سطح أظافرها .
- أنت فنانة نادية .
- شكرا .

تمتمتها ببطء بينما إحساس المراعاة بداخلها يكبر مع تعبيرات صديقتها المتغيرة .
- سعيدة لأني استطعت إخراجك من تعاستك السابقة ، قالت و هي تعود للجلوس بقربها و تمسك يدها تتأملها بإعجاب .
يدك جميلة جدا حبيبتي و أصابعك في غاية الرقة تماما كشخصيتك .
- رقيقة إلى حد العطب ، همست إيثار و هي تضع يديها في حجرها باستسلام مفاجئ .
تعرفين يا نادية ، استمرت تقول ، ألم ينبض بين همساتها الخفيضة .
الحال في بيتنا أنه لا أحد يسأل .
لا أحد يسأل عني أنا .
الحال أني كنت دائما شيئا ... إضافيا .
كما عندما تذهبين في رحلة و تأخذين مع حاجياتك الأساسية أشياء أخرى إضافية لعل و عسى أن يحدث طارئ .
تفهمينني ؟

بدت بعيدة كل البعد و قد أعلنت عيناها بشفافية هذا البعد .
- ربما ما يجعل مني هذه الأنا هو إحساسي بعدم الجدوى .
ربما كل ما أريده هو أن أشعر يوما بأني أساسية في حياة إنسان ما .
- أنت أساسية في حياتي .
- أعرف نادية لكني لن أظل هكذا إلى الأبد .
- حقا ، أمسكت نادية ذقنها تديرها إليها ، على ماذا تراهنين ؟

ساد صمت اختارت فيه نادية باتزان كبير كلماتها :
- إيثار صعب علي أن أغير ببضع كلمات ما ترسخ في قلبك و كيانك لكن تأكدي أنك أساسية في حياة جميع من تنتمين إليهم .
أعرف أن خالتي سهير ربما لم تعرف كيف تعبر .
- هي لم تحاول أصلا لا هي و لا بابا .
- بعض الناس حبيبتي لديهم مشكلة في التعبير .
- بالفعل البعض لديه مشكلة مع البعض ، أطلقت تنهدا تضيع به بعض رواسب أساها ، ماما و بابا لم تكن لديهما أبدا هذه المشكلة مع أختي أو مع أخي .
فقط معي أنا .
فقط معي أنا .

" عدنا " ، فكرت نادية ببعض من اليأس ، " ضاع طلاء الأظافر و وجع رقبتي هدرا " .
مدت يدها تدلك عضلة كتفها ، تثاءبت بكسل ثم قالت برجاء .
- أتعرفين ما مشكلتك إيثار ؟ مشكلتك أنك تأخذين الموضوع بشكل شخصي .
افعلي مثلي و خذي كل شيء بسطحية ، لا تعقدي الأمور كي لا تتعبي حبيبتي .

- حاضر ، همست متعبة الوجدان ، سأحاول مع أني أشك بأني سأقدر ، أنا كلي عقد فكيف آخذ أي شيء ببساطة .
- نحن معك أنا و بيري و سنساعدك على فك عقدك واحدة واحدة .

صمتت إيثار قليلا ثم تكلمت كأنها تناجي نفسها :
- ما الحل لمشكلتي مع أكرم ؟ أعني كيف أتخلص من مشاعري تجاهه ؟ تعتقدين أن باهر هو الحل ؟
- كلا طبعا .
باهر كان ليكون الحل في حالة لو لم يكن قلبك مشغولا بغيره ، الآن حبيبتي الحل بيدك .

تنهدت إيثار بعمق ، الحيرة تطفئ بريق عينيها :
- ماذا أفعل ؟
- تنسينه ، أجابت نادية ببساطة

ارتفعت أصابعها تمسح تقطيبة جعدت نعومة جبين صديقتها و أضافت :
- هو مجرد بلّون نفخته أنت باهتمامك ، الآن عليك أن تفلتيه ليحلق في سماء غيرك و هناك دائما الحل الأسهل : افقعيه .
- تجعلين الأمر يبدو بمنتهى البساطة ، أطرقت إيثار برأسها ثم زفرت بإحباط ، كم أتمنى لو كان لي قلبك أو قلب بريهان البارد .

استنكار فوري غزا تقاسيم نادية ، تحفز تقلدت به جميع حركات جسدها و هي تقول بلوم :
- لا تتمني أبدا قلوبا لا يعلم بشأنها سوى من خلقها ، أبدا إيثار .
- أنا أعلم ، أعلم أن ..

حاولت أن تبرر فقاطعتها نادية بعتاب أكبر :
- لا تعلمين شيئا و لا جزءًا من الشيء .

تراجعت إلى الوراء ، ذاكرتها تتراجع معها إلى أيام كانت أكثر من حزينة .
- ما الذي تعرفينه عن قلب بريهان يا إيثار ؟ لا شيء .
أنت تعلمين فقط القصة التي يعرفها الجميع ، تعلمين أن والدها و شقيقها توفيا في نفس السنة .
لكن هل تعرفين مثلا كيف توفي والدها ؟ من الصدمة حبيبتي .
كان عائدا إلى بيته من شغله فاعترضه جاره و عزاه في ابنه ، الابن الذي تركه صبحا ينبض بالحياة .
و هكذا عاش أسابيع بعده ثم لحقه .
هل تعلمين أيضا أن حبيبها الذي كان ينتظر ملهوفا لحظة تخرجه ليتقدم لطلب يدها مات غرقا مع شقيقها في نفس اليوم .

راقبت دموعا تولد و تتكاثر بين رموش إيثار فأضافت بهمس مبحوح :
- تلك هي بريهان الباردة .
تلك هي بريهان التي تتمنين قلبها .
تلك هي بريهان التي ..

لم تستطع أن تقول أكثر لأن الشهقات انفجرت تهز جسد إيثار هزا .

***************************

يدها تتحرك بآلية بطيئة ، تقلب ذرات سكر ذابت منذ وقت طويل في دفء شايها الأخضر .
تنهدت بريهان حائرة محتارة ، تشعر كأنما أحاسيسها تلعب الغميضة داخل متاهات قلبها .
طوال الأيام الماضية ، لم يدع فكرها أية فرصة فراغ إلا استغلها و ذهب فورا إليه و إلى ذلك اللقاء الغريب الأخير .
لا تفهم ما السبب .
بدا سهوها واضحا و هي ترفع عينيها تديرهما حولها بينما تكاد تشاهد نفسها ذلك العصر داخل عيادته ، تتذكر عندما فتح باب غرفة مكتبه ببطء و دخل عليهما هي و ابنه الذي نام على حجرها .
بكل غرابة مر الموقف ، لم تجد هي كلمات تقولها و أي الألفاظ يمكن أن تقال لرجل مثله غريب المبادرات ، شحيح المجاملات .
لا تدري كيف وجدت نفسها تقف تقول له بهمس هادئ :
- أنا آسفة دكتور لم أنتبه إليه إلا و قد نام ، هل أضعه على الأريكة ؟
- كلا لا داعي .

صوته بدا مختلفا ليس كأنها تعرفه حقا لكن الطريقة التي تكلم بها ، التي تردد بها بدت أكيد مختلفة .
- أنا سأغادر الآن .

نظر إليها بصمت شعرت فيه كلاما غير منطوق و برغبة أقوى منها تمتمت و هي تقف :
- هل تسمح لي دكتور بأن أحمله .

أومأ برأسه ، راحة شفافة طافت بملامحه لوهلة قصيرة ثم دون كلام أو تعبيرات سبقها إلى الباب .
الدقائق التي تلت كان الأطول ، الأثقل و الأكثر إحراجا في حياتها ، وقفت جنبا إلى جنب مع جسده الطويل الخامل عن التعبير ، بصعوبة تتنفس ، الارتباك يكتسيها ، الخجل يعتريها و هي تعي جيدا كيف ستبدو صورتهما لأي غريب يراهما .
فمن سيصدق و هو يراها تحمل ابنه أنها ليست زوجته و لا تكون له أي شيء .
اللحظات أمام بابي شقته و شقتها كانت الأصعب .
كادت حرفيا تغمض عينيها خجلا و حياءًا و هي تمد ذراعيها إليه ، تسلمه ابنه الذي كان غافيا في حضنها .
أسدلت جفنيها و هي تتذكر كأنما تؤازر ذاتها في تلك اللحظة التي مضت و تركت آثارا ما تزال مطبوعة بداخلها و باقية .
رن جرس هاتفها فجأة ففتحت عينيها الواسعتين دفعة واحدة .
كان رقم الدار التي تتطوع للعمل فيها بشكل شبه يومي ، تنهدت و فتحت المكالمة :
جاءها صوت إحدى العاملات تتكلم بضجر كلاما كثيرا غير مفهوم .
- من فضلك أعيدي ما قلته ثانية سيدة هادية ، لم أفهم شيئا .
- سأمرر لك أنس ، ردت الأخرى بضجر واضح .

ضيقت بريهان عينيها بقلق ، أنس سقط البارحة من الدرج و كسر رجله ، أخذوه للمستشفى و وضعوا له الجبس ، ماذا يحدث له الآن ؟ أكيد مضاعفات .
- ماذا يحدث لك حبيبي ؟ همست بسرعة و صوت الطفل يصل سمعها مجروحا بدموعه :
- رجلي " أبلة " بريهان !
- ما بها رجلك حبيبي ؟ هل الجبس يؤلمك.

آهة طويلة مثقلة انفرجت عنها شفتا أنس قبل أن ينطق بعذاب :
- تركوا رجلي المكسورة و وضعوا لي الجبس على السليمة يا " أبلة" .

اتسعت عينا بريهان على آخرهما و لم تقدر أن تقول سوى :
" ارحمنا يا رب "

********************

دوائر من الضوء مختلفة حجما تتسرب من النافذة الأرابيسك تسرق بقاعا من العتمة و تحتلها تطوف بين الزوايا ، تجد لنفسها مستقرا في كل مكان ، على الأرضية ، على الجدران و حتى على وجه نديم الذي جلس تقريبا دون حراك ينتظر عودة شوكت إليه ، ببطء أدار رسغه الأيسر يتأمل الوقت .
مضت بالضبط عشر دقائق منذ تركه الأخير في غرفة استقبال شقته و غادر مستجيبا لنداء زوجته .
لم يكد يعيد يده تستريح على فخذه حتى سمع صوت الباب يفتح يقترن بضحكة شوكت الهادئة :
- اعذرني لأني تأخرت عليك .

أغلق الباب بعقب رجله و سار نحوه يحمل صينية فضية حجمها يفوق المتوسط .
- لم يكن لدينا شاي أخضر لذلك أرسلت ابن البواب ليشتريه .

وضع الصينية برفق ، جلس مقابلا له مادا رجليه أمامه ثم قال بابتسامة :
- إذن ؟

مد نديم يده لفنجان الشاي فأضاف :
- مازال ساخنا لذلك نستطيع تزجية انتظارنا بقليل من الثرثرة .

تثاقلت أنفاس نديم و توترت نظراته ، ارتفعت أصابعه و شرع يحك ذقنه ببطء .
من جهته التزم شوكت صمتا تاما يترك له كل الوقت و الحرية ، يعلم أن الآخر لم يكن ليأتي و يقحم نفسه داخل روتين يوم عطلته إلا لسبب قوي .
- لدي سؤال شوكت .
- و شوكت كله أذان صاغية .

تنحنح نديم بدل المرة مرات ، سرح صوتا متجمدا في منتصف حلقه ثم بتردد كبير بدأ يقول :
- بخصوص مضاد الاكتئاب الذي أتناوله حاليا .
- ماذا بشأنه ؟ رفع شوكت حاجبيه و مد يده إلى فنجانه .
- هل من آثاره الجانبية أنه ، تحركت تفاحة آدم مرتين ثم واصل ، أقصد هل يسبب هيجانا للهرمونات ؟
- الذكورية تقصد ؟
- نعم .

ارتشف شوكت بعض الشاي و هو يهز رأسه باستغراب .
- أخبرني ، قال و الشك يغرق نظراته ، هل من يجلس أمامي الآن الدادة أم فوزي أم الدكتور نديم أبو المجد الأول على دفعته ؟

لم يجب نديم ، مد يده هو الآخر لفنجانه و اكتفى بالصمت في حين واصل شوكت بشيء من اللوم .
- كطبيب رغم أن اختصاصك طب الأطفال لكنك تعلم تمام العلم أن مضادات الاكتئاب تثبط لا تهيج ، تثبط نديم .
لهذا يفر منها الكثيرون .
و الآن نأتي لأهم نقطة في حوارنا ، ما السبب وراء سؤالك دكتور نديم ؟

أخيرا نطق نديم ، نبراته هادئة على عكس كلماته التي كانت نوعا ما .. صادمة :
- رأيت امرأة في وضع ما و ، تنهد بعمق و واصل بصوت أخفض ، أثرت في .
- أثارتك ؟

الكلمة و الطريقة لم يحتملا أكثر من معنى .
- أثارتني ، اعترف نديم باستسلام غريب .
- هذه المرأة هل لك معرفة سابقة بها ؟

إحساسه بنظرات شوكت المتفحصة زاد جلسته ثقلا و توترا .
فتح شفتيه قليلا ثم بسرعة عاد لإغلاقهما .
لسبب ما يجهله ، لا يريد أن يعترف لشوكت بجميع أركان مشكلته ، يريد أن يخفي أي شيء يتعلق بها هي .
أسدل جفنيه و على الفور عادت تلك الصورة ، صورتها ، إليه .
يد ابنه تستريح بداية على صدرها ثم تتحرك على تفاصيلها ببطء.
بطء أشعل نيرانه الخامدة .
أو ربما ظن مخطئا أنها خامدة لأنها اشتعلت و التهبت و ثارت تصرخ داخل عروقه عنيفة ، متدفقة و صريحة .
و زادت هي الجمر احتراقا عندما حاولت دون جدوى إبعاد يد ابنه عن منحنياتها بضحكة مازال صدى رقتها يدغدغ أعصابه .
كانت لوحة محرمة بكل الطرق عليه و مع ذلك كم طال نظره إليها .
- شيء جيد ، جيد جدا في الواقع ، صوت شوكت رن كنداء صحوة لضميره الآثم .
- ها ؟ تمتم نديم ، كلماته أضاعت الهدف و الجدوى ، ما الشيء الجيد ؟
- أنها أثارتك ، هذا يعني أنك لم تفقد الشعور تماما كما تظن نفسك و أنا سعيد جدا لأنك أخذت هذه الخطوة العملاقة و اعترفت لي و لم تحتفظ بشعورك لنفسك .

أعاد نديم نظره إلى طرف حذائه ، السبب الوحيد لاعترافه هذه المرة أن هذا " الشعور " صار بالفعل مزعجا إلى درجة أنه يقض عليه مضجعه أغلب الليالي .

- و من ادعى كذبا أن القدرة على الشعور شيء جيد ؟ همهم بصوت تلاشى منه كل حماس .
عندما لا تشعر فإنك لا تتالم .
- عندما لا تشعر أنت لا تتلافى الألم أنت تتلافى الحياة ، قالها شوكت بأقوى ما يقدر عليه من حزم معاتب .

لا يريد رؤيته يختبئ داخل تلك الزواية السوداء البعيدة ثانية .
- عندما لا تشعر فإنك تتلافى السعادة نديم ، أضاف بمزيد من الحزم .
- السعادة ، هزت ضحكة عميقة صدر نديم الخاوي .
- متأكد أنك لا تعرفها .
- السعادة ؟ أكيد لا أعرفها ، كيف تسأل أصلا ؟

رفع شوكت يده ، يصحح له خطأ فهمه :
- أقصد المرأة ، تلك التي أثارتك ، لا تعرفها ؟
- لا أعرفها و لم أرها من قبل ، قال نديم فورا ، قالها بصوت قوي ، بصوت حاسم ، يقطع الطريق أمام كل شيء .
- اممم ، أجاب شوكت بغموضه المألوف ، عيناه تغوصان في قعر فنجانه و ابتسامة ترفع زاية شفتيه .

**************

مستندة على طرف الرخامة ، وقفت إيثار كعادتها كل هذه الأيام الأخيرة تنتظر انتهاء نادية من دوامها لتعودا معا إلى العمارة التي تضم شقتي أسرتيهما .
بملل محتار راقبت نادية في حوارها الصبور مع واحدة من الزبائن .
تأملت السيدة الوقورة ، في منتصف خمسيناتها ربما ، تناقش نادية و الأخيرة تعيد شرحها مرات و مرات بكل طول بال .
- صدقيني يا حاجة هو نفس الدواء ، نفس التركيبة ، نفس المادة الفعالة ، فقط الاسم هو ما تغير .
- لا أدري يا ابنتي ، لا أفهم لماذا لم أسترح له ، كان صوتها هادئا مثل ابتسامتها و هي تضيف ، لو كان كل شيء هو نفسه لماذا الاسم مختلف ؟
- لأنها ليست نفس الشركة المصنعة يا حاجة .
- أنا اسفة يا ابنتي لكني لست مقتنعة .

تنهدت نادية بصوت عال و تنهدت إيثار بصوت أعلى .
لو كانت هي على الجانب الآخر من الرخامة لمزقت الوصفة و علبة الأدوية و مزقت البلوزة البيضاء و غادرت دون رجعة .
لكن نادية هي ببساطة امرأة المستحيل ، راقبتها تستأذن من المرأة ، تتوجه داخل الصيدلية ، تغيب لحظات ثم تعود و بين يديها كوبين مختلفين .
أمام العيون الأربعة الحائرة ، قامت بسكب الماء داخل الكوبين ، رفعت عينيها الفاتحتين نحو المرأة ثم قالت بهدوء :
- هل هناك فرق بين هذا الماء و هذا الماء يا حاجة ؟
- كلا يا ابنتي .
- مع أن الكوبين مختلفين .
- لكن الماء يظل ماء .
- بالظبط يا حاجة بالظبط ، تماما مثل الدواء ، وضعناه داخل هذه العلبة أو تلك ، على شكل كبسولات أو حبات ، يظل هو نفسه طالما التركيبة لم تختلف .

من بين ابتساماتها رسمت الأحلى و الأكثر إشراقا و بنبرة متوسلة قالت :
- أرجوك يا حاجة قولي أنك اقتنعت .

*
*

بعد دقائق ،
جلست السيدة ميرفت على المقعد الوثير في السيارة الرياضية الفخمة التي تحمل جميع صفات ابنها الجالس بجوارها يحتل مقعد القيادة .
تأملت بفخر جانب وجهه الأنيق الصارم ثم عادت تنظر أمامها تخفي ابتسامة ارتياحها عن نظاراته الجانبية الفضولية .
في أول إشارة حمراء ، التفت يسألها ، هدوء صوته تخونه لهفة واضحة :
- ما رأيك فيها حاجة ؟

************************

ام زياد محمود 08-09-19 04:38 AM

وراكى وراكى ان شاء الله

خدى راحتك خالص وفكى كدا يابنتى تنزلى الرواية هنا هناك كله واحد
ايثار ووحدتها وسط اسرتها اللى مش مهتمين بيها ولا بوجودها فى الحياة كل دا اثر عليها وخلاها شخصية هوائية سريعة العطب

ياربى على مأساة بيرى صعب جدا اللى مرت بيه تفقد كل دول مرة واحدة دا كويس انها لسه عايشه وبتقاوم عشان امها
نديم ليه بتاخد مضاد الاكتئاب ياترى حياتك فيها ايه وطلعنا بنغير ومشاعرنا اتحركت سيدى ياسيدى

نادية الله على صبرك وحسن تصرفك مع الحاجه مرفت اللى جايه تختبرك زى مارى منيب هههههههههه
تسلم ايدك ياجميلة

affx 08-09-19 05:34 AM

ايثار كتير حساسة لازم ترد ع نصيحة نادية وتقوي قلبها وتصير باردة احسنلها من هل الحساسية والرقة اللي عايشة فيها ...🤷🏻‍♀️🤦🏻‍♀️
بريهان المسكينة كتير عانت بحياتها....💔
نديم شو قصته وليش هيك كئيب بس شكلوا معجب فيها جدا🖤
نادية عنجد عندها صبر رهيب 😮🥺
بس هي ميرفت ام ااصف ؟💃🏻

Sohyla246 08-09-19 06:23 PM

😂😂😂😂🤣 حلو قوي الفصل ده. دا انت طلعت صايع يا آصف. جايب الحاجه تختبرها. بصراحة انا لو كنت مكان ناديا كنت هسقط. انا اشتغلت ف صيدلية خمس شهور كرهت نفسي بسبب المواقف اللي زي دي.
ايثار صعبانه عليا مشاعرها السايحه دي. نفسي تفكها من اكرم .
بريهان ونديم 😂
هو اللي حصل انه كان في جره وطلع لبره ( المثل ده سمعته امبارح وعجبني قوي) . انت معنكش حلول وسط خالص ؟ . بس عموما ابنك هو اللي غلطان. انت راجل آلي بصراحه ومينفعش الومك.
على فكرة انا عجبتني عربية آصف. وهو كمان عجبني برضه. ما شاء الله عليه اول ما عجبته جاب امه على طول. راجل عارف هو عايز ايه. انا فخوره بيك. تقريبا انت مختلف عن ابطال نغم اللي بيلفو السبع لفات ويقرفونا. بس ياريت متكنش مخبيالنا حاجه كده ولا كده.
انا رغيت كتير بس انا قاعده فاضيه بصراحة
بالتوفيق يا نغم
نسيت حاجه ، هو حجم الفصل طول صح ؟

NH_1927 08-09-19 10:01 PM

قريت الفصلين اخيرا😂❤❤
حلوين اوي من كل حاجه و الصراحه فيه تقدم حلو جدا و مُناسب مع الاحداث ...احنا صبرنا كتير😂❤...
اخيرا الحج نديم طلع له شعور و بيحس زيينا .. بس طلع قليل الادب هذا الرعشه😂❤
و بيري قاعدة تحكي لابنه كده ده ابوك بقى علكه فى لسان صاحباتها و هى مفضوحه ع ال bbc 😂... و ابنك يحط أيده ع ...كده بعفويه و انت تستلم الرايه و تقعد تبحلق🌚💔...جيل اسود جيل اليومين دول يا جماعه😂💔
بس بيري دى ماشاء الله عجبانى شخصيتها جدا ...حنونه و صبورة ... يعنى اخوها و باباها و حبيبها يعتبروا فى فترة واحدة راحوا منها ...ربنا يصبر الجميع على مفقودينهم❤
بس هى بيري كده ليها اخين صح ؟ ...ذاكرتي فى الضياع خلاص😂💔
ناديه دى شخصيتها جميله جدا ...مديه الدنيا طناش كده و باردة حبتين😂...عجبتنى انها مش واجعه دماغها بحاجه و نفسى اكون زيها جدا فى الحته دي ❤...و اهى هتتجوز الوكسه آصف 😂نشوف برودك ده بقى معاه😂💔
و حضرتك بعتلها الحجه عشان تختبرها ...اطمنت انها مش مُسجله خطر الحمد لله 😂 ...الحجه شكلها حبيتها بس مش مستريحه للجوازة دى من ناحيه الوكسه مش ام الوكسه😂💔
إيثار ...صراحه شخصيتها مش عجبانى عشان انا يُعتبر زيها😂💔💔💔...اكتر حاجه شدتني فى حوارها مع ناديه لما ناديه قالت ليها بالمعنى يعنى : انها مش هقدر بكلمات بسيطه تغير مفهوم ترسخ فى قلبها و كيانها ...فعلا الكلام قدام حاجه ثابته فى الكيان تُعتبر مُواساة فى لحظتها يعنى زى مُسكن و بيروح فى الآخر ...عجبتنى فعلا الحته دي اوي❤❤
اكرم ...فعلا إيثار نفخاه بإعجابها بيه 😂...انا اُعجبت بيه و انا قاعدة 🌚💔..بس عادي يعنى مُجرد إعجاب و بيروح بس المُصيبه أكرم بطل 🌚...مش عارفه ازعل و لا افرح😂
بس ع العموم ربنا يهدّى سر الجميع😂❤❤❤
دعوة حلوة لابطال الروايه عشان خاطر اوسؤستى الصُغنن اللى نوّر الفصل😂❤...انا فى الحنيّه معنديش ياما ارحمينى 😂
مش هقدر اتكلم عن حلاوة كلماتك بجد بتأثر فيّا و فعلا بتقولي حاجات واقعيه و جُمل فى الصميم كده ...لدرجه بحس أنه ايه ده هى بتراقب الواحد ولا ايه 😂❤
بالتوفيق يا حُب 💜🌼

modyblue 09-09-19 08:10 PM

لا تتمني أبدا قلوبا لا يعلم بشأنها سوى من خلقها

modyblue 09-09-19 08:11 PM

عندما لا تشعر فإنك لا تتالم .
عندما لا تشعر أنت لا تتلافى الألم أنت تتلافى الحياة ،

عندما لا تشعر فإنك تتلافى السعادة


الساعة الآن 08:52 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.