آخر 10 مشاركات
معذبتي الحمراء (151) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          ثَأري..فَغُفْراَنَك (الكاتـب : حور الحسيني - )           »          الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          شـقّ الـغَـمـام (الكاتـب : مدامع حزينة - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          17- غدا يعود الماضي - فيوليت وينسبير (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree70Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-12-19, 10:50 PM   #421

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,076
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الخير🌺🌺
تسجيل حضور ✋
بانتظار الفصل ❤❤


منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-12-19, 11:13 PM   #422

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fairtulip مشاهدة المشاركة
تسجيل حضورررر
بإنتظار الفصل وقلبي نار 🔥🔥🔥 على ربُى
أجمل تسجيل حضور 😍😍
هانت أقل من نص ساعة و الفصل ينزل🔥🔥


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-12-19, 11:14 PM   #423

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
مساء الخير🌺🌺
تسجيل حضور ✋
بانتظار الفصل ❤❤
مساء الورد عليك منال🌹🌹
أقل من نص ساعة و ينزل ان شاء الله 💞


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-12-19, 11:29 PM   #424

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر

حملت العديد من الأكياس الملونة المرسوم عليها أطفال صغيرة حتى وصلت بها لسيدتها في غرفة المعيشة... وقفت قبالتها ببسمة سعيدة تقول ببشاشة:
(لقد أتت الطلبية التي طلبناها من متجر ملابس الأطفال سيدة "رباب"...)

تركت إبرة الكروشيه من يدها لتنظر حيث كومة الأكياس العديدة التي طلبتها بتدقيق كبير... انحنت للأمام تأخذ الأكياس بلهفة تنظر بداخلهم واحد واحد... قالت ببسمة راضية:
(هذا جيد جدا يا "كريمة"... لقد أتت ملابس الفتيات أخيرا ...)

ضحكت "كريمة" بخفوت تقول بحب:
(رزق الله سيدة "رُبى" بطفل سليم معافى كامل الخلقة... لكن ألا يجب عليها أن تعرف نوعه على الأقل؟!)

نظرت لها "رباب" بأعين لامعة بحمد كبير تقول:
(و الله هي ترفض معرفته الآن... لكن لا يهم فقط كون حياتها استقرت و رزقهما الله بطفل جعل قلبي يطمئن و عقلي يرتاح...)

تنهدت "كريمة" تقول بتأكيد:
(أنتِ محقة سيدتي... و هل ننسى قبل أشهر حينما أتى سيد "هاشم" بوجه متوتر يطلب منكِ الاطمئنان على السيدة الصغيرة!!)

وضعت "رباب" يدها فوق صدرها تقول بجزع:
(الله لا يكررها أيام يا "كريمة"... كانت روحي تنسحب منيّ ببطء و هو يزيد من قلقي بهيئته هذه ... و حينما سألته ما بها قال أن زوجها أتى له المكتب بوجه غاضب يخبره أن ابنتي ليست على ما يرام...)

تشدقت الخادمة بكلمات مواسية تقول:
(للأسف السيدة "رُبى" عانت كثيرا في هذه الزيجة... نحمد الله أن وضعهما استقر وها هما على وشك استقبال اول أبنائهما...)

ابتسمت "رباب" تتذكر تورد و خجل ابنتها حينما علمت بخبر حملها و ذهبت لتبارك لها و تحدثت معها عن بعض الأشياء المهمة فيما حدث و فيما يجب أن يحدث بعد الحمل... صغيرتها طرأت باب النضوج مبكرا جدا و كانوا هم السبب الأول في هذا... غمغمت بقلب مرتاح تقول:
(الحمد لله الذي قر عيني برؤية حياة ابنتاي هادئة مستقرة...)

نظرت للخادمة تفكر قليلا ثم قالت بسعادة:
(هاتِ هاتفي يا "كريمة" لأطمئن على ابن أخي و ابنتي و حبيبة جدتها "روفان" التي حرموني منها منذ مدة...)

اومأت لها "كريمة" بفرحة و هي ترى بنات سيدتها التي عاصرتهما من وقت طويل تعيشان حياة تتمناها أي أم لهما... اسرعت للخارج تجلب هاتفها ليطمئنوا جميعا على حال ابنتها الكبرى ...

........................................

راقب الأجواء خارج المطبخ في الطابق الأرضي ... حينما تأكد من عدم وجود أي شخص تقدم منها... بداخل جلبابها الأخضر ذو الورود الحمراء... لم يكن يتخيل أن مالكة القلب ستصبح أكثر جمالا و إغراء في زي نساء قريته المعتاد... لكن هذا ما حدث و بدأ يطلب هو منها ارتداء مثل هذه الملابس طوال الوقت... كانت منشغلة في تحضير القهوة لوالدته ... جسدها يتحرك بأنوثة محطمة له تجعله يود مغازلتها طوال الوقت... و قد بات البوح بالمشاعر مباحا لهما... تسحب ببطء حذر و خطوات محسوبة حتى وقف خلفها تماما ... امتدت ذراعاه حيث خصرها المنحوت رغم نحالة جسدها... احاطه مرة واحدة جعلتها تشهق بفزع حقيقي... أسرع يهمس لها بعشق متدفق من أوردته:
(لا تجزعي ... أنه أنا يا مالكة القلب)

تنفست ببطء تستوعب دخوله المفاجئ عليها... ضحكت بخفوت تقول بهمس مشابه له:
(ماذا تفعل هنا؟!)

شدد من ضمه لها يقربها منه قائلا بهمس يدغدغ روحها التي باتت عاشقة له حتى النخاع:
( أبحث عن قلبي بين يدكِ...)

انزاحت ذراعه من فوق خصرها لتصل إلى كفها تفتحه ببطء مغري ... أكمل حديثه بنفس الهمس اللذيذ لها:
(هنا بداخل هذه الكف التي عشت عمرا طويلا أحلم بالتمسك بها... هنا يا مالكة القلب يوجد قلبي)


التفتت بداخل ذراعيه لتقابل وجهه الوسيم ... نظرت داخل عينيه الرمادية بحب فاض من مقلتيها و بدأ يراه هو بوضوح... وضعت يدها فوق صدره تقول بنبرة أصبحت تخصه بها:
(قلبك الذي وهبته ليّ قد قبلته منك ... و أعدك سأعيش عمري كله لأحميه بروحي ... لن أدعه يتألم مجددا ، لن أحرمه مما يريد مجددا ، لن أجبره على الابتعاد مجددا ... )

ضحكت عاليا قليلا لتقول بخجل بينما تضع وجهها أرضا:
(أصلا أنا من لم تقوى على البُعد عنك ... فلن أسمح لك بالبُعد يا أرضي و موطني...)

عيناه زادت لمعة و حنان ليميل عليها يقبل خدها ببطء جعلها تغمض عينيها و شعور تواجده معها يرفع روحها للسماء... ارتفع ينظر لوجهها البهي المتورد و عيناها المغمضة ليميل على الخد الآخر يقبله بتمهل عاشق... عاد ينظر لها ليبتسم بحب و هو يرى تأثرها به الكبير ... كما دُهست كرامته و رجولته ذات يوم ما يعيشه معها الآن يعوضه بكرم عما حدث... همس بمشاغبة يقول:
(هلا تكرمتي و فتحتي عينيكِ لأتمتع ببنيتكِ الساحرة...)

تشبثت بقميصه تقول بصوت متهدج:
(أحب دلالاك ليّ... أحب كل ما بك بكل ما فيّ)

تسارعت انفاسه لتلفح وجهها الذي ازداد تورده بعدما شعرت به... فتحت عينيها ببطء ليمتلكها لوقت طويل لم يشعر به... رفعت حاجبها عاليا لتقول بنبرة مشاغبة كما تعودت منه...
(هل ستظل تحت تأثير سحري البني كثيراً؟!)

انتبه لصوتها الرائع ليضحك بخفوت يقول:
(لو فقط تعرفين ماذا تفعل بيّ عيناكِ؟)

استندت على صدره بذراعيها براحة تنظر للأعلى حيث وجهه قائلة بهمس خجل:
(ماذا تفعل بك؟!)

مال يقبل ما بين حاجبيها بمشاعر تخجلها ... اعتدل يبعد يديه عنها قائلا بصوت مرح:
(هذا الوصف سيطول جدا ... و سنحتاج أن نكون بمفردنا لأخبركِ به...)

من خارج المطبخ وقفت "نعمة" تراقب الأجواء و خلفها "صباح" التي غطت فمها بطرف حجابها تكتم بسمتها الخجولة... رفعت الهاتف فوق أذنها تقول ببسمة كبيرة:
(أنهما بألف خير يا "رباب"... ابني يرى عمله على أكمل وجه)

زادت ضحكة "صباح" فأوقفتها الحاجة بمؤخرة ذراعها كي لا تعكر صفو هذه اللحظة على ابنها و زوجته... استمعت لحديث أخت زوجها من الجهة الأخرى تقول:
(هل حقا باتت أمورهما بخير؟!... الحمد لله)

غمغمت الحاجة بصوت منخفض للغاية تقول:
(نعم الحمد لله... كيف حالكم أنتم؟)

بعد سماع صوت رنين الهاتف الأرضي تركت "كريمة" سيدتها لتجيب عليه... فور رفع السماعة و استقبالها ما يُقال اتسعت عيناها بصدمة و ارتجفت يدها... سقطت السماعة منها لتهرول لسيدتها تقول بدموع متكتلة في مقلتيها...
(سيدة "رباب".... ابنتكِ)

انقبض قلب "رباب" فتراخى الهاتف من يدها لتهب واقفة تقول بترقب:
(ماذا حدث؟!)

تحكمت في بكائها بصعوبة لتقول بصوت متقطع:
(السيدة "رُبى" ... أصيبت في حادث و تم نقلها للمشفى)

سقط قلبها بين قدميها لتسقط هي أيضا بضعف فوق الأريكة تستوعب ما قيل!... وصل صوت الخادمة الباكي للحاجة "نعمة" و التي استقبلت الخبر بألم حقيقي و خوف كبير على حال الصغيرة... هتفت مجددا بصوت عالٍ تنادي على أخت زوجها و لكن لا حياة لمن تنادي رغم أنها تسمع صوت شهقات الخادمة...

انسكبت القهوة فوق الطاولة حينما صدح صوت زوجة خالها بخوف... ارتعدت و التفتت تقابل وجه زوجها المتعجب مثلها... أسرعا للخارج ليجدا "صباح" تولول بدموع بينما "نعمة" متماسكة تحاول التواصل مع "رباب" مجددا... تشبثت بكف زوجها و شعور مخيف يحاوطها... تحدث "معاذ" بدهشة يقول:
(ما الذي حدث يا أمي؟!)

التفتت له تقول بوجه قلق:
(عمتك حدثتني و اثناء الاتصال سمعت صوت خادمتها تخبرها أن... ابنة عمتك الصغيرة صار معها حادث)

تجمدت يدها في كفه و قد شعر بها لذا التف إليها ليجدها متخشبة بصدمة كبيرة... فمنذ عرفت أن أختها الصغيرة حامل و قد حملتها الفرحة على جناحي السعادة بأنها ستحمل طفل أختها كما حملتها هي من قبل... شدد من ضمة كفه لها يهمس بترقب:
("ريهام"!...)

شهقت فجأة و كأن روحها تُعذب بألم... نظرت له بأعين زائغة قد استوعبت للتو هول ما حدث لتقول بدموع تتساقط:
(أختي يا "معاذ"... هل أختي في خطر؟!!!... أريد أن أذهب لها )

اومأ بسرعة يقول بتأكيد:
(سنفعل ... فقط اتركي ليّ فرصة معرفة ما حدث و أين هي الآن!!)

........................................

(الأم تعاني من نزيف بالإضافة إلى عدة كدمات منتشرة في الجسد... سنأخذها إلى غرفة الأشعة لنعرف هل تأذت الأعضاء الداخلية أم لا...)

(بالنسبة للجنين لقد فقد معظم المياه المحيطة به ... كما أن نبضه ضعف بشكل كبير لكننا سنبذل كل جهدنا لحمايتهما..)

هذا أخر ما قيل بعدما أوصلتهم سيارة الاسعاف إلى هنا ... قاموا بجرها فوق السرير النقال لتختفي داخل إحدى الغرف و بعدها خرج طبيبان لتوضيح الأمر ... و منذ هذا الوقت لم يخرج أي شخص يخبره بأي شيء... مرت ثلاث ساعات و هي مختفية عن عينيه لتترك لمخيلته العنان في اعادة مشهد اصطدام السيارة بها و دمائها السائلة...
لم يجد مهرب سوى له... لم يعد يتحمل هذا الذنب أكثر... لقد عصاه و تجاوز حدوده ذات يوم... يوم دفع فيه ثمن غالٍ حينما نال زوجته عنوة... هرب من الجميع إليه يعيد ما كان يفعله منذ فاق من سكرته... دلف المسجد القريب من المشفى بقلب مفتت و روح معذبة و ذنب يُجر خلفه كقيد يكبله عن الحركة... كما كان يفعل قبل شهور توضأ و اتجه حيث القبلة يرمي حمله عليه يشكو له من نفسه و يعترف بجرمه في حقه و يتوسل له بأن ينجده من مأزقه... استندت جبهته على الأرض ليهمس لها بوجع قلبه و تُحمل كلماته لعنان السماء إلى إله واحد يُجيب المضطر إذا دعاه... سالت دموعه كما سالت دمائها و تهدج صوته ليعبر عن ألمه...
(إلهي قلّبت و جهي في السماء و في الثرى ، و أنا الطريد فلم أجد إلاكا ، من ذا الذي يصغي سواك لشكوتي ، هل ليّ سواك لأشتكي لسواكا ، فبحق هذا اليوم و النور الذي أطلقته في طينتي فدعاكا ، أغفر لعبدك فهي أول مرة اخطأت عن جهل و حسبي ذاكا...)

هذه الكلمات التي عبر بها أحدهم مرة عن "آدم" حينما عصى الله لأول مرة كانت تلامسه بقوة... كانت تزيد من دموعه بقوة... تاهت كلماته وسط دموعه المتساقطة ليقول بعدها بتوسل كبير:
(يا الله لقد اخطأت و أجرمت و تعديت حدودك ، نسيت نفسي و ديني و قربت الخمر... أذنبت و عصيت لكنني بشر و البشر دائما يخطئون ... إلهي إن عظمت ذنوبي فإن عفوك أعظم... أتوسل إليك يا خالقي أحفظهما ليّ لا تجعل ذنبي يحول بين رحمتك و حالي... أتوسل إليك هي لا ذنب لها و ابني لا ذنب له ... أنا المجرم هنا يا الله أنا من عصيتك يا الله فأرجوك لا تجعل سوء يمسها أو يمس طفلها... أنا كلي مستعد لأتحمل عقابك رغم طمعي في رحمتك لكن أرفق بها أرجوك...)

تشبثت أصابعه بالأرض يطلب الرحمة و العفو يطلب العون من صاحب العون...
(أعرف أنني أجبرتها من قبل و لكني أحبها ... أعرف أنني لا أستحق و لكني وجد بها سكينتي ... فبحقك أنت يا الله أحفظها اتوسل إليك... اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تغفر ليّ ذنبي و تقبل توبتي و تحفظهما يا الله... اللهم أغفر ليّ ...)

بعد قليل...
"مصطفى" يقطع الممر يتصل بأكثر من شخص منذ دلفوا جميعهم للمشفى... و هو جالسا فوق الكرسي البارد في ممر يلوح الموت فوقه مرات و مرات في اللحظة الواحدة... لا يملك من أمره شيئا و غير مدرك لما يحدث... "رُبى" في غمضة عين تحارب لتعيش!!... حياتها الصغيرة على وشك الانتهاء و هو السبب!!!...
انتبه لصوت والدتها اللاهث و هيئتها المزرية... وقف يستقبلها بوجه متبلد و عقل شارد... كانت تائهة ضائعة و خائفة حد الموت... هتفت بكلمات مبعثرة و قلب مرتعد...
(أين ابنتي؟!... ماذا حدث لها؟!)

تحدث "مصطفى" يقول بمواساة:
(في غرفة العمليات... ستكون بخير)

اقتربت من "أحمد" تنظر له بتأنيب ... همست بدموع ملتاعة تقول:
(هل هذا هو حفاظك على الأمانة بني؟!... أهكذا تفرط بها ؟!... لماذا؟!)

حاد بعينيه بعيدا عنها و شعور بالخزي يفتته... تدخل أخاه مجددا يقول بمؤازرة:
(اهدأي سيدتي... لقد كان حادث سير ، هذا قدر الله و علينا الصبر)

ضربت فوق صدرها بخوف تقول:
(ابنتي بين الحياة والموت... احفظها ليّ يا الله)


ابتلع ريقه بصعوبة و كلمات والدتها تجلده و تسلخ روحه المعذبة لتزيد عذابها ... بعد بعض الوقت فُتح باب غرفة العمليات لتخرج منه الطبيبة... هب واقفا يسرع نحوها بقلب وجل كما فعلت والدتها و أخاه... أول من تكلم كانت "رباب" حينما سألتها بلهفة أم خائفة...
(ابنتي ... كيف هي؟)

نزعت الطبيبة غطاء رأسها البلاستيكي لتقول بوجه متعكر:
(كانت حالة نزيف صعبة للغاية... لكننا تمكنا من توقيفه الحمد لله ... الأم الآن بخير تعاني من كسر في الذراع الأيسر و عدة كدمات متفرقة ... اعضائها الداخلية في حالة طبيعية... سيتم نقلها في غرفة العناية حتى تفيق...)

تابعوا ما يُقال بكل كيانهم... تسللت لهم الراحة مما يسمعون ف "رُبى" بخير و هذا أكثر من كافٍ... ابتلعت والدتها ريقها بعصوبة لتقول بترقب خائف...
(و الجنين؟!)

نظرت الطبيبة حيث "أحمد" لترفع كفها تربت فوق كتفه قائلة بمواساة...
(استرد الله أمانته... للأسف ولِد ميتا و لم نتمكن من إنقاذه)

شهقت "رباب" بجزع ثم انفجرت في بكاء مرير... ربت "مصطفى" فوق كتفها و وجهه حزين بشكل كبير لم يكن يتخيله... بينما هو تسمر مكانه و هو يستلم خبر وفاة ابنه الأول... مات قبل ولادته بأسابيع تعد على كف اليد الواحد... لقد قتله بيده!!!

تكلمت الطبيبة بهدوء تقول:
(لا تحزنوا هذا أمر الله... كما أن الأم صغيرة في السن و أمامها العمر كله ، سيرزقها الله مجدداً...)


عادت تنظر ل "أحمد" المتخشب في وقفته تقول بتأكيد:
(لكن يجب أن تكونوا حولها في موقف كهذا... عادة فقدان الجنين قرب الولادة يكون صعبا جدا على الأمهات... ستحتاج دعمكم الدائم...)

تحركت لتتركهم بين جحيم يعذب روحهم بقسوة... "أحمد" عقله لم يعد يستوعب أنه جاء بالأمس و كاد يفقدها اليوم!... الصغيرة كانت في خطر و هو سببه!... لم يكن يقصد ما فهمته مطلقا ... لم يكن ينوي لأن يبوح بهذه الكلمات مطلقاً...
خرج السرير النقال من غرفة العمليات و هي فوقه... نائمة بجسد انتقص وزنه بشكل ملحوظ بعدما زال بروز بطنها... بعدما مات ابنه !
وجهها المتورم و الكدمات تغطي معظمه يوجعه بقوة... تقدمت منها والدتها تبكي و تهمس لها بحنان:
(ابنتي حبيبتي... هل تسمعيني يا قلب والدتكِ؟!... ليتني أنا يا "رُبى" ليتني أنا يا حبيبتي)

سحبها "مصطفى" بأعين حزينة من مشاهدة زوجة أخيه هكذا... قلبه يتألم بقوة على فقدان أبن أخيه قبل ميلاده... تُرى ماذا ستكون ردة فعل "رُبى"؟!!!...

............................................

ظلام محيط و ألم منتشر و هي تعرف أنها هنا لكنها لا ترى نفسها... فجأة انتشر ضوء ساطع من العدم ليحول الرؤية عنها... و بعدها ارتطام مدمي كان أخر ما عاشته ... فتحت عينيها فجأة لتُطالع هذا السقف الأبيض... متسعة متألمة مرهقة بقوة... و كأن كل عظام جسدها تم طحنها تحت طاحون دون رحمة... سمعت اصواتا متداخلة تحوم حولها فحاولت أن تتشبث بالواقع و تنظر لهم... وجه والدتها على جانبها الأيمن و وجه اختها على الأيسر... ينظران لها ببسمة مختلطة بدموع كثيفة... ماذا حدث؟!
كانت جملة تلح عليها بشدة ... ماذا حدث لها؟!... وصلها صوت والدتها الباكي تقول:
(حبيبتي حمد لله على سلامتكِ...)

اغمضت عينيها ببطء مرهق تحاول ايجاد ذاكرتها المفقودة... صدح صوت "ريهام" تقول :
("رُبى" هل تسمعيننا؟!)

لم تقوى على الرد مما دفع أختها لتسأل بخوف:
(أمي هل أثر الحادث سلبا عليها؟!)

حادث!!!...
نعم لقد سمعته في مكتبه يصفها و يصف طفلهما بالغلطة... نعم ركضت مسرعة للخارج تبكي بعدم تصديق... نعم اصطدمت بها سيارة مسرعة لتقع أرضا و تتدرج بدمائها!... دماء يا إلهي!!!

تحركت يدها ببطء متعب حتى استقرت فوق بطنها بجزع... مسطحة!!
بطنها أصبحت مسطحة !!... ماذا حدث له؟!... أين ذهب؟!...
همست بخفوت مرتعد تقول:
(ابني!!!!)

نظرت والدتها لأختها بحزن شديد... مسحت "رباب" فوق شعرها بحنان تقول ببكاء على فقد حفيدها:
(سيعوضكِ الله غيره حبيبتي...)

نظرت لوالدتها بعدم تصديق و رفض... عادت تنظر لأختها لتجدها تشيعها بنظرات حزينة مواسية تهمس بخفوت:
(ولِد ميتا للأسف...)

تراخت كل خلايا جسدها و لجأت روحها للسكون بينما قلبها يئن بوجع أليم... وجع ساحق يفتت كل ما بها ... يفتت دواخلها بقسوة و غلظة...
اغمضت عينيها ببطء و استسلمت للصمت الذي دفع والدتها و أختها لتظنا بأنها غفت مجددا... لكنها بعيدة كل البعد عن النوم عن الراحة عن السلام الذي يظنوا أن المهدأ سحبها حيثه... بل هي في النيران تتلظى دون صراخ... تتحمل لهيبها دون ألم... اليوم فقدت طفلها و حبها دفعة واحدة... اليوم عرفت حقيقتها في حياة زوجها ... اليوم كُتب فيه نهايتها ... نهاية "رُبى هاشم الحسيني"...

جالسا خارج الغرفة بين أخيه و زوج أختها ... عقله توقف عن العمل منذ رآها تسقط أمام عينيه في الشارع و تختلط بدمائها... دماء صغيره ابنه الذي فقده من ساعات فقط... هل يحق له رؤيتها أو الاطمئنان عليها؟!... وجوده في حياتها دوما تدفع هي ثمنه... تدفع ثمن تخبطه و عدم استقراره حتى الآن... نعم يحبها بل يعشقها لكن ماذا يفيد العشق عندما يتسبب في قتل الروح؟!... انتبه لصوت "معاذ" حينما قال بخفوت يواسيه:
(لا تحزن سيرزقكما الله مجددا إن شاء الله...)

اومأ له برأسه بصمت جعل "معاذ" يحزن لأجله... هو أيضا أب و يعرف معنى الفقد حينما يتعلق بصغيرك... يا الله أنه لا يتحمل الهواء على "روفان" فما بال ابنة عمته الصغيرة بمثل هذه المصيبة و زوجها؟!... وقف يتجه ناحية الغرفة ليقابل زوجته الباكية و التي خرجت تقول له بدموع:
(لقد فاقت و أول شيء سألت عنه طفلها... أختي تتألم يا "معاذ"...)

ضمها إليه بحنان يقول:
(مصيبتهما صعبة جدا لكن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها... سيبرد قلبهما و يريحهما لا تقلقي)

شددت من تشبثها به تقول بحزن:
(لكنها صغيرة جدا ... )

تنهد زوجها بحزن على الصغيرة ثم قال:
(يفعل الله ما يشاء... أختكِ قوية و هذا معروف عنها)

بعيدا عنهما قليلا مال "مصطفى" على أخيه يقول بخفوت:
(أخي ألن ترى زوجتك و تطمئن عليها؟)

رفع "أحمد" انظاره المرهقة له يقول ببطء:
(لا أريد أن تراني الآن...)

عقد أخاه ما بين حاجبيه بتعجب يقول :
(لقد حدث الأمر و انتهى أخي... عليك البقاء جوارها ألم تسمع الطبيبة حينما قالت علينا مؤازرتها؟!)


زفر نفسه ببطء ليخرج هما ثقيلا يجثو فوق صدره... قال بجمود خافت:
(راحتها في عدم رؤيتي على الأقل الآن...)

تحدث أخاه برفض يقول:
("أحمد" لا تبتعد أرجوك... يكفي طوال شهور الحمل و أنت بعيد ، لا تتركها تعاني بمفردها مجددا)

نظر لأخيه نظرة طويلة متألمة و لسان حاله يهمس بتعب و ضيق:
(يا ليت ظللت بعيدا عنها... يا ليت بقيت وحيدا احترق بنيران شوقي لها ... لكني كنت قاسيا للمرة الثانية ... كنت قاسيا ، ظالما و خائنا ... خنت أمانة والدتها و أجبرتها على أن تصبح ليّ زوجة ... و خنت أمنيتها التي قرأتها في عينيها بالأمس بأنني سأكون جوارها لأستقبل طفلنا...)


مر الليل عليها وحيدة بين تفكيرها المرهق... تدّعي النوم لأنها غير قادرة على رؤية أحد أو محادثة أحد... خائفة من رؤيته مجددا ربما لأنها تأكدت من قرب الفراق!... و ربما لأنها لا تستطيع النظر في وجهه بعد ما سمعته و ما حدث لها... كل فترة تتحسس بطنها كحركة تلقائية اعتادتها منذ ثمانية أشهر تقريبا ... كان هنا بالأمس يركل و يعذبها... كانت تشعر بنبض قلبه أسفل قلبها... كانت تحدثه تخبره بكل ما تمر به... لماذا أخذوه منها بعدما قبلته و نوت أن تعيش حياتها له؟!... لماذا يعطوه لها عنوة و يأخذوه عنوة؟!... لماذا هذا اللهيب المشتعل في قلبها يحرقها وحدها؟!... لماذا ترفض الدموع السقوط من مقلتيها؟!... ألف لماذا تهشم رأسها لتتزامن مع وجع جسدها المؤلم... متى سينجلي هذا الليل الطويل؟!... متى سيأتي النهار ليغسل بضيائه عتمة قلبها الموحشة؟!...

سمعت صوت الباب يُفتح أغمضت عينيها بقوة كي لا يلحظ صحوتها أحد... سمعت صوت كعب عالٍ يقترب منها حتى توقف تماما فوق رأسها... بعدها انتشر عطر ما تشعر بأنها تعرفه لكن ذاكرتها مشوشة بقوة بعد الحادث... همس حاد بصوت يقطع الروح قطعا صدر جوار أذنها ليوقف كل دقة صادرة من قلبها و يزيد لهيبه بكل تبجح...
(أيتها المراهقة التافهة... تحسبين أنكِ قادرة على أخذ دوري منيّ؟!... أغويته ليجعلك زوجته قولا و فعلا ثم حملتي طفله لتربطيه بكِ طوال العمر... لكن ماذا حدث يا حلوة... كنتِ له غلطة مجرد نكرة أشبع رغبته بها و ركنها جوار أقرب حائط... "رُبى الحسيني" لم يُخلق بعد من يقف ليّ ندا... تذكري جيدا هذا الحديث طوال عمركِ ، "سارة الراوي" لا يُثنيها عن تحقيق حلمها شيء و من يقف في طريقها تدهسه دون شفقة... رؤيتكِ اليوم و أنتِ ملقاه فوق هذا السرير تبهج قلبي و تشرح صدري... حينما تعودين لكامل صحتكِ سأذيقكِ الهوان إذا بقيتي له زوجة أيتها التافهة الصغيرة...)

ارتعش جفنها بقوة و لولا ظلمة الغرفة لعرفت "سارة" أنها مستيقظة... تقبضت يدها الصغيرة على سريرها تكتم كل ما يجيش في صدرها من ألم... هي لم تفرض نفسها عليه... لم تغويه كما تزعم "سارة"... لم تكن تنوي خوض تجربة كتلك معه الآن على الأقل... كل شيء فُرض عليها و هي كانت مجبرة لتقبله!... شعرت بها تبتعد عنها و صوت كعبها العالي ينحسر شيئا فشيئا...
لا تريد فتح عينيها ... ماذا سترى سوى سواد حالك ليس سببه العتمة في الغرفة ... بل سببه قلبها النازف بأنين قاتل... مجرد سؤال يحق لها أن تسأله بعد ما مرت به...
«لماذا تجرحني بهذه القسوة كل مرة؟!... ما هو ذنبي لأعيش هذا الألم؟!»
.....................................

بعد يومين صباحا بعدما صرحت لها الطبيبة بالخروج وقفت تستند على السرير في غرفتها بينما أختها و أمها تبدلان لها ثياب المشفى بثياب عادية... كانت بين يديهما بلا حول و لا قوة... مسلوبة الإرادة و منتهكة بشكل سافر... كانت مختلفة عن "رُبى" التي عرفوها يوما و هذا قذف القلق في قلب أختها بشدة عليها... انتهت والدتها و أختها من تجهيزيها ثم اسنداها حتى باب الغرفة... خرجت معهما تنساق حيث تودان أخذها ... ما عاد يفرق شيء في حياتها و مع هذا الجرح في قلبها ما عادت تتحمل المزيد من الألم... خرجت من غرفتها لتلمحهم الطبيبة المعالجة لها... تقدمت ببسمة اعتادت أن تقابل بها المرضى لتبث بهم الأمل فقالت:
(ما شاء الله تبدين أفضل بكثير عن ذي قبل)

لم يصدر منها أي رد فعل مما دفع والدتها تجيب ببسمة صغيرة شاكرة:
(الحمد لله... الفضل بعد الله لكِ)

ابتسمت الطبيبة لتقول بصدق:
(ما أنا سوى سبب أوجده الله ليشفي عباده...)

عادت تنظر ل "رُبى" المستسلمة بين يديهما فقالت بمواساة:
(الحياة لا تقف و ما فقدناه الآن سيعوضنا الله أضعافه غداً... فقط نصبر و نحتسب و لله ترجع الأمور)

رفعت أنظارها التائهة إلى الطبيبة لتنظر لها نظرة خاوية لا تعبر عن شيء... ربتت الطبيبة فوق كتفها ببسمة ثم ودعتها و هي تأمل أن يرزقها الله عوض عن طفلها المفقود...

واقفا في أخر الممر يراقب خروجها من الغرفة... تبدو شاحبة جدا و ضعيفة جدا ... ماذا فعل بها بحق الله؟!... ماذا فعلت هي لتستحق منه هذا السحق الكاسح لها و لكرامتها؟!... لم يكن يقصد و لكن هل سيجدي شرح نيته الآن شيئاً؟!... تقبضت يده جواره حينما وجدها تتعرقل بين يدي والدتها و أختها... جرحها لم يلتئم بعد و النزيف محتمل يعود لو بذلت جهد زائد ... هذا ما اخبرته به الطبيبة... "رُبى" تعامل معها للمرة الثانية كورقة خطَّ عليها خربشة لا قيمة لها ثم كورها ليلقيها بإهمال أسفل قدمه... الصغيرة التي علمته كيف يحب ، التي نشرت البهجة في حياته يفعل بها ما فعل!!...

شعر بكف أخيه توضع فوق كتفه و صوته يقول بحزن:
(هل ستتركها تذهب معهما؟!)

سحب نفسا كبيرا ليهدأ ما يجيش في صدره فقال بصوت متعب:
(والدتها طلبت أن تأخذها في بيت والدها لتهتم بها)

طالت نظرته حيث مشيتها البطيئة المتمهلة ... شعور بالفقد يداهم قلبه من الآن ... شعور خانق مميت و زاهق للروح أن تبتعد عنه هكذا... أو تبتعد للأبد!!!...

التفت إلى الممرضة التي ظهرت أمامه تقول ببسمة:
(هذه الأدوية لزوجتك سيدي... لقد ذهبوا قبل أخذها)

التقف "مصطفى" منها كيس الأدوية ليقول لأخيه مسرعا:
(علينا اللحاق بها لنعطيها هذا... هيا يا أخي على الأقل قل لها كلمة واحدة تُشعرها بأنك مهتم بها)

مهتم بها!!...
آه يا "مصطفى" لو تعرف ما في قلبي لها!... آه لو تركت العنان لمشاعري نحوها لتسير وفق حكم الحب!...

زفر مرات متتالية ليقول بعدها بغضب:
(لا أريد أن تراني يا "مصطفى"... كم مرة سأعيد هذا الحديث؟!)

عقد أخاه ما بين حاجبيه بتعجب يقول :
(و لمَ؟!)

ضرب فوق صدره بعنف يقول بأعين غاضبة يتساقط الندم منها ..
(لأنني السبب في خسارتها لطفلها... أنا السبب للمرة الثانية في أن تعاني في صمت كما هي الآن)

اتسعت عين أخيه ليقول بعدم تصديق:
(لا أفهم... كيف أنت السبب؟)

أغمض عينيه يشد فوق شعر رأسه بحدة ... فتحهما ليلحظ أخاه هذه الغيمة النادرة الوجود في مقلتيه... غيمة ملبدة بسحب سوداء تهدد بهطول المطر... هل "أحمد" يبكي؟!!... لم يكن سهل البكاء من قبل!... هل ما حدث كبير لهذه الدرجة؟!... سمع صوته المختنق يقول بأعين حمراء :
(لأنها استمعت ليّ في مكتبي و أنا... و أنا أصف ما فعلته بها كغلطة)


حالة أخيه كانت حرجة يراها لمرته الأولى... ما أصعب ما يسمعه الآن !... لكن لن يصبح بصعوبة رؤية أخيه يتألم كما يراه... رفع كفه يشدد فوق كتف أخيه قائلا بمواساة:
(اتركها لله سيعود كل شيء كما كان... لا تبتأس)

نظر مجددا في ظلها المتروك ليهمس بقلب موجوع و متألم من فراق يحوم حوله ليسلب منه نبضه و يتركه خاويا دون رحمة...
(لم يعد هناك ما هو قابل للعودة....)

....................................

هذا الألم الذي لازمه في صدره منذ عرف خبر حادثة ابنته أصبح يأتي و يذهب كل فترة... ربما من قلقه عليها و حزنه على ما أصابها!... سمع صوت باب مكتبه يُفتح عليه ثم ظهرت زوجته بوجهها الحزين ... سألها بخفوت و قد بدا على وجهه علامات الألم...
(كيف هي الآن يا "رباب"؟!)

تنهدت بتعب تقول:
(كما هي منذ عادت من المشفى من خمسة أيام... تلتزم غرفتها و لا تتحدث مع أحد... حتى أنها لم تبكي مطلقا لمرة واحدة)

جلس "هاشم" فوق كرسيه و التفكير لا يترك عقله و يزيد من الألم في صدره... قال بصوت حوى الهم:
(عليها الخروج من هذه الشرنقة التي وضعت بها نفسها... يجب أن تعود لحياتها الطبيعية في اسرع وقت)

تكلمت زوجته بدموع لم تتوقف منذ حادثة ابنتها:
(صعب عليها يا "هاشم" ما تعيشه... ابنتنا في هذا السن الصغير تخسر طفلها!)

أبعد عينيه عنها ليقول بصوت هادئ:
(أنه أمر الله ... عليها العودة لجامعتها و متابعة دراستها حتى حياتها مع زوجها يجب أن نعرف إلى أين سترسو)

وقفت "رباب" تقول برفض:
(ابنتي لن تترك البيت يا "هاشم" حتى اطمئن عليها و اتأكد أنها أصبحت بصحة جيدة)

وضع إصبعيه حول أنفه يضغط عليها بإرهاق قائلا:
(كما تشائين لكن يجب أن تعود حياتها لطبيعتها عاجلا أم آجلا...)

صمت قليلا ليسألها بشك:
(ألم يتصل زوجها يطمئن عليها؟!)

هزت رأسها نفيا بحيرة لكنها قالت بسرعة:
(لكن والدته و جدته حتى خطيبة أخيه يتصلن باستمرار...)

هز رأسه ببطء و عقله يعيد التفكير في حال "أحمد"... لماذا اتصل به بعد مجيء ابنته لبيته ليخبره أن شراكتهما مستمرة مهما كانت الخطوة التالية في حياتهم ... ماذا كان يقصد و لماذا كان صوته يحمل الأسف وقتها!!...

بعد أسبوع آخر...
قررت أخيرا أن تنزل للأسفل... أن تترك غرفتها التي تقوقعت بها تفكر و تفكر ليل نهار دون توقف... يرونها صامتة هادئة و لكنها مذبوحة تئن بخفوت غير مسموع... اغلقت باب غرفتها بلا روح كل ما باتت تفعله أصبح بلا روح... اتجهت حيث الأسفل بينما يدها لا تترك معدتها التي أصبحت مسطحة تلمسها و كأنها تلمس جنينها... صوت والدتها الخافت و صوت "كريمة" يصلها و يعزز بها رغبة العودة للبقاء وحيدة في غرفتها حتى يلتئم هذا الجرح الدامي في قلبها... لم يتصل بها لمرة واحدة ... لم تكن لتجيب عليه و لكن على الأقل يتصل ... يُشعرها أنها إنسانة لها كرامة ... يعتذر عما بدر يقول أي شيء... لكنه لم يفعل و كأن الفرصة قد سنحت ليتخلص منها و يرتاح... لم تنتبه أنها وصلت لنهاية السلم و هي غارقة في تفكيرها لكن صوت والدتها السعيد الذي استقبلها أخرجها من تفكيرها لتنظر لها نظرة خاوية تائهة... هكذا أصبحت هي منذ الحادث خاوية من الداخل خواء مفجع...

قبل أن تلمس قدمها الأرضية سمعت صوت جرس الباب... اتجهت "كريمة" إليه تفتحه ليطل منه رجل غريب يحمل دفتر كبير و يسأل بتدقيق جعلها تشعر بالخوف...
(هل هذا بيت السيدة "رُبى هاشم الحسيني"؟)

توترت ملامح الخادمة فعادت تنظر لسيدتها بترقب... نظرت "رباب" لابنتها بوجل و لا تعرف من أين أتى... نزلت "رُبى" الدرجات الباقية و اتجهت ببطء حيث الباب... اسرعت والدتها جوارها لتقفا معا أمامه ... كرر سؤاله مجددا فهمست "رُبى" بخفوت يكاد يُسمع:
(نعم ... أنا هي)

فتح الرجل الدفتر الكبير و عكسه ليواجه وجهها ثم مد يده بقلم يقول بروتينية :
(وقعي هنا اسمكِ الثلاثي...)

عقدت حاجبيها بعدم فهم ثم نظرت لوالدتها التي لم تقل جهلا عنها ... تدخلت "رباب" تقول بتعجب:
(على ماذا توقع ابنتي؟!... من أنت في الأساس؟)

غمغم الرجل باقتضاب يقول :
(على استلام ورقة طلاقها من السيد "أحمد علي النجار"...)



شهقت "كريمة" بجزع بينما كتمت "رباب" صوت صدمتها بصعوبة بالغة... يا إلهي ابنتها الصغيرة أصبحت مطلقة!!!...
تقدمت بوجه لم تتغير ملامحه لوهلة... كانت ملامح باهتة تائهة بشدة... وقفت قبالة الرجل و أمسكت القلم بهدوء لتخط بيدها اسمها الثلاثي كما طلب منها... حملت الورقة التي أعطاها إياها ثم تراجعت للخلف بنفس الهدوء الغريب...
أغلقت الخادمة الباب خلفه بأعين دامعة و وجه غير مصدق... شيعت "رباب" ابنتها بصدمة لم تتركها منذ سمعت الرجل... تحركت تحت أنظارهما حركة بطيئة متعبة بوجه جامد الملامح لتعود من حيث أتت تعود إلى غرفتها تحبس وجعها هناك...

أغلقت باب غرفتها خلفها واسندت ظهرها عليه لتسقط أرضا ببطء ... استقرت خلفه فوق الأرض الباردة ... برودة كالصقيع تسرق روحها ببطء و تذيقها الويل ألوانا لم تكن تتوقع أن تذوقها يوما...
نظرت بأعين زائغة ذابلة للورقة في يدها ... تذكرت جملته لها عندما لحقها عند موقف الحافلات...
(طلاق لن أطلقكِ يا "رُبى" لو أخر يوم في حياتي... لن أطلقكِ هل سمعتي؟)

همست بخفوت تقول:
(كاذب ... لقد فعلتها)

..................................

(ماذا فعلت يا "أحمد"؟!... كيف تطلق زوجتك هكذا و هي في هذه الظروف؟!)

صوت جدته الغاضب صدح في ارجاء الصالة و جعل كل المتواجدين واقفين في ذهول... "أحمد" أتى ليخبرهم قبل قليل أنه طلق زوجته بعد هذا الحادث الصعب الذي خسرا به طفلهما... جميعهم غير قادر على الاستيعاب ... وقف بجسده المنحني بفعل الحزن يقول بصوت مرهق خافت من كثرة التفكير...
(هذا ما كان يجب أن يحدث من قبل يا جدتي...)

ضربت الأرض بعكازها تقول برفض:
(ليس بعد ما أصبحت زوجتك و أم طفلك...)

تنهد ليزيد حزنه أضعافا فقال بخفوت:
(و هذا كان أكبر خطأ افتعلته في حقها... كان يجب أن تعود لحياتها و لا أن اسحبها أنا لحياة ليست لها)

اشتد صوت الجدة تقول بتعجب غاضب:
(ما الذي تهذي به يا "أحمد"؟!... منذ متى تفكر بهذه الطريقة؟!... طوال عمرك تتميز برجاحة العقل ماذا حدث لك؟!)

تحرك من أمامها ليقول بصوت خافت:
(أحيانا العقل يقف عاجزا أمام بعض الأمور...)

هتفت الجدة بتعب بينما تجلس فوق الأريكة :
(لا حول و لا قوه الا بالله... ماذا أصابك بني ماذا فعلت بها؟!)

همس بقلب متمزق:
(جرحتها للمرة الثانية جرح لن يُشفيه شيء)

دخلت "سوزان" عليهم لتجد والدة زوجها جالسة فوق الأريكة بتعب بينما ابنها الكبير واقفا يتنفس بصورة سريعة و كأنه يحارب ليبقى قويا... و "مصطفى" يقف بعيدا يراقب في صمت رافض لما حدث... سحبت نفسًا كبيرًا لتقول بنبرة مصدومة مغلفة بالحزن:
(لقد اتصلت بوالدتها لأطمئن عليها... اخبرتني أنها وقعت على الورقة و صعدت غرفتها دون كلمة واحدة...)

قلبه و كأنه بين يدي شخص قاسي يعصره عصرا دون رحمة... نغصة مريرة قوية و سالبة للروح تضرب قلبه المتألم عليها... أخطأ نعم أخطأ و لكن عليه البعد و عليها العيش من جديد من دونه... عقله لا يرى سوى هذه الحقيقة التي يجب أن يعوضها بها... لكن هل ستقوى أنت أيها القلب على البعد؟!!!...

تحدثت والدته بصوت متألم تقول:
(ألم تجد طريقة لترميم ما حدث بينكما بني غير الطلاق؟!... أنت لا تعرف وقع هذه الصفة على المرأة فما بال زوجتك في سنها الصغير هذا)

نظر لها نظرة طويلة متعبة ... تعرفه جيدا و هذه النظرة تدل على خراب يستوطن روحه ... اكملت تقول بتأني علّه يرجع عن قراره:
(أعرف أنها سمعتك دون قصد منك للمعنى الذي وصلها... أعرف أنك جرحتها ليس مرة بل أثنين ... اعرف أنك كنت سببا في سلب طفلها منها بعدما عاشت أشهر تنتظر لقياه... لكن ألا يوجد طريق آخر لترميم كل ما حدث؟!... بني فكر في مستقبلها بل فكر فيما تعيشه الآن من ألم وحزن...)

انقبض قلبه بقوة و هو يتخيل هيئتها الحزينة المنكسرة بضعف... و الله الموت عليه أهون من وضعها هذا لكن يكفي ... عليه إعادتها لحياتها العادية ... عليه البعد عنها لمصلحتها ... لن يقوى على مسايرة الحياة معها بعد ما حصل ... لن يستطيع فعلها و جرحها أكثر كلما نظرت في وجهه ستتذكر كلماته في مكتبه ... ستتذكر أنه كان سببا في فقد ابنها...

هتف عاليا بغضب و كأنه يصارع افكاره هو الداخلية:
(يكفي يكفي... ما فعلته كان لمصلحتها ، و هذا ما كان عليّ فعله من قبل...)

تكورت يده و تألم فؤاده و هو يقول بنبرة ضعيفة مميتة له و لحبه لها:
(من اليوم أنا خارج حياتها...)

تركهم و خرج من البيت بصورة أخافت والدته عليه... اسرعت تطلب من ابنها الصغير برجاء تقول:
(كن معه بني لا تتركه... أخشى أن يؤذي نفسه)

تابعت "دلال" ما يحدث بأعين رافضة و قلب حزين على ما آل إليه أمر حفيدها الكبير و زوجته... همست بخفوت :
(أنت تحبها لدرجة أن تلتمع الدموع في عينيك لفراقها... ماذا فعلت بنفسك و بها بني ؟!)
........................................

("رُبى" هل يمكنني الدخول؟!)
صوت "ريهام" القلق عليها جعلها تتجه ببطء نحو الباب تفتحه بهدوء ... اتجهت ناحية سريرها بصمت دون انتظار دخول اختها... اندثرت أسفل غطائها جالسة فوق السرير بوجه احتفظ بملامح التيه و الضياع... و كأن كل ما تحياه كابوس ستصحو منه قريبا!... ربما عقلها يرفض صياغة الأمر و ربطه بالواقع و ربما قلبها من كثرة الألم المتفاقم به أعلن تخليه عنها و تركها معلقة بين الصحوة و الغفلة....

راقبت ذبولها الواضح للعين... و حركة يدها المتحركة بصورة متتالية فوق بطنها المسطح... شرودها و هيئتها هذه اوجعت قلب أختها الكبيرة عليها... تقدمت منها لتجلس أمامها فوق السرير ... أمسكت يدها الحرة و تركت التي تتحس بها بطنها كما هي ... شددت برفقٍ عليها تقول بلهجة حانية:
(حبيبتي ألا تودين النزول من غرفتكِ هذه؟!... جميعا قلقين عليكِ)

نظرت لها نظرة طويلة صامتة و خاوية من أي معنى... ظنت "ريهام" أنها لن تتحدث لكنها همست بخفوت تقول:
(أريد البقاء وحدي...)

تكلمت أختها بسرعة تقول برجاء:
(من أجل والدتكِ حبيبتي تعالِ لننزل سويا ... دعينا نساعدكِ على اجتياز هذه الفترة)

تحركت عيناها من النظر لأختها إلى النظر حيث الطاولة الجانبية للسرير ... امتدت يدها هناك لتأخذ علبة دواء و تعود بها ل "ريهام" تقول بخفوت:
(دواء وقف النزيف أنتهى... هلا أشترى أحدكم ليّ غيره؟)

تكلمت "ريهام" بقلق تقول:
( هل لا يزال النزيف مستمراً؟!)

عادت تربت فوق بطنها المسطح تقول بتيهٍ:
(أحياناً ... )

أكملت "ريهام" تقول بترقب:
(هل هناك شيء يؤلمكِ حبيبتي ؟!... هل تعانين من شيء آخر؟)

هزت رأسها نفيا ثم انحنت رأسها للأسفل بشكل بائس... ارتعش جسد "ريهام" بقوة و شعور بالمسؤولية يدق بابها... اختها الصغيرة التي حملتها يوما بين يديها ... علمتها معنى اولى الكلمات... كانت لها دليلا لترى الدنيا تنهار أمامها و المصيبة أن انهيارها صامت!... امتدت أصابعها إلى ذقن أختها ترفع وجهها إليها لتقول بدموع تلتمع في مقلتيها:
(حبيبتي البكاء يريح القلب و يخرج منا كل الشحنات السلبية... أبكِ حبيبتي و دعي روحكِ تتنفس)

طالت نظرة "رُبى" لها و زاد الصمت... قضمت "ريهام" شفتيها بقوة كي لا يفلت منها الأمر و تبكي و تضعف عزيمة أختها... أكملت تقول و شعور بالذنب يحاوطها:
(أعرف أنني قصرت في حقكِ ... ابتعدت عنكِ لفترة طويلة و لم اسأل عليكِ و اتحدث معكِ لكن...)

زادت الدموع في عينيها تقول بضعف:
(لكن كلا منا لديه وجع يحاول أن يطمسه و يمضي قدماً... يحاول أن يعاند الدنيا و الظروف ليعيش... و أنا خير من يعرف كم هذا الحال مؤلم للقلب لذا أطلب منكِ أن تبكي ... تصرخي ... تكسري... و أنا معكِ من هذه اللحظة أنا معكِ ... لن أدعكِ بمفردكِ ثانيةً)

همسة صغيرة للغاية ... خافتة ... ذابلة كحالها ككل... صدرت منها لتسقط معها كل محاولات "ريهام" في التماسك و تجعل دموعها تسيل بصمت...
(شكرا لكِ...)

راقبتها تندثر أسفل غطائها و توليها ظهرها لتنام أو هكذا تفعل كي لا يُخرجها من وحدتها أحد...
اغلقت أضواء الغرفة و خرجت تقف جوار بابها تشهق عاليا ببكاء موجع ... قلبها لا يتحمل ما تمر به أختها الصغيرة... هي أضعف و أصغر من أن تتحمل كل هذا!...

خرج "معاذ" من غرفة زوجته ليجدها واقفة متكورة على نفسها تبكي بصوت عالٍ... اتسعت عيناه بوجل و اقترب منها بسرعة يقول بلهفة:
("ريهام" ما بكِ؟!...)

شهقة خرجت منها مصحوبة بهمس متقطع:
("رُبى" يا "معاذ"...)

نهش القلق قلبه على ابنة عمته الصغيرة و قد زاد عندما لمح علبة الدواء في يد زوجته... قال بوجل:
(ما بها أختكِ؟!)

رفعت له عينيها المنغمسة في الدموع لتقول:
(أختي تعاني يا "معاذ"... قلبها ينزف و يحوي خراب... لا تريد البكاء لا تريد أن تخفف عن نفسها هذا الثقل... أنا قلقة عليها)

سحبها من ذراعها لتسكن أحضانه ... قبّل رأسها بحنان يقول بصدق:
(ستكون بخير صدقيني... "رُبى" عنيدة ربما تكابر كي لا تظهر ضعيفة أمامنا)

شددت من قبضتها فوق قميصه تقول ببكاء:
(لكن هذه المكابرة تنخر في روحها ببطء و هذا يوجعني عليها)

رفع وجهها بين كفيه يقول ببسمة صغيرة آمله:
(أعطها وقت لتتعافى ... ما مرت به صعب جدا عليها... ان شاء الله ستعود لنا "رُبى" القوية العنيدة الصامدة كما اعتدنا...)

أحاطت خصره بذراعيها تدفن وجهها في صدره تقول بتمني:
( يا رب يا "معاذ" ... يا رب)

.....................................

(كيف كان الامتحان معكِ يا "رُبى"؟!)
وجهها الشاحب و ملامحها التي تجمدت على هذه الهيئة... هيئة الجمود و الضياع تقلق "رحمة" بقوة... منذ خرجتا من الامتحان و هي جالسة هنا بصمت كحالها مؤخرا... همست بخفوت تقول:
(لا أعرف...)

تنهدت صديقتها بحزن قاتل عليها لتقول بهدوء حذر:
(هذا رابع امتحان نخرج منه و تقولين لا أعرف كيف أجبت به!... هذه ليست أنتِ يا "رُبى" !!... منذ طلاقكِ و أنتِ هكذا صامتة ، زاهدة و متقوقعة داخل غمامة سوداء تمنعكِ عن الدنيا الخارجية ... ما أخر كل هذا؟!)

نظرت لها نظرة جامدة لتقول بهدوء:
(سأذهب للبيت ... هل تودين الذهاب أم أذهب بمفردي؟!)

اتسعت عين "رحمة" بصدمة من حالة صديقتها... تبدلت كليا بعد ما حدث لها... نعم تعترف أنه صعب جدا أن تفقد طفلها الذي تعلقت هي به ما بال والدته... نعم تعرف أن طلاقها من زوجها الذي أحبته صعباً... نعم تعرف أن صديقتها لا تزال واقفة في وجه الدنيا بصمود لكن إلى متى سينتهي هذا العتم الذي باتت تعيش بداخله؟!... وضعها يزداد سوءاً و هي بهذا الشكل المؤلم لهم جميعاً... حملت حقيبتها ثم وقفت تهز رأسها بغير تصديق أن من تحدثها الآن هي "رُبى"...
(هيا بنا يا "رُبى" ... هيا)

أمام باب الجامعة كانت تنتظر خروجها بفارغ الصبر... تود الاطمئنان عليها قبل زوجها حتى... هذه الفتاة الصغيرة التي وضعت في طريق عائلة "النجار" و دخلت قلوبهم جميعا دون استثناء تشعر نحوها بالشفقة بعد كل ما مرت به... فور رؤيتها لها خرجت مسرعة من سيارتها تنادي عليها بصوت عالٍ ... التفتت "رحمة" تنظر لهذه متوسطة الطول ذات الشعر البني المحمر و الأعين الملونة ... عقدت حاجبيها بتعجب من معرفة هذه السيدة بصديقتها... تقدمت منهم لتقف أمام "رُبى" التي يبدو عليها في عالم آخر و لم تسمع ندائها السابق... لهثت قليلا لتقول بعدها ببسمة صغيرة حانية:
("رُبى" كيف حالكِ و كيف مر الامتحان؟!)

نظرت لها بهدوء لتقول بصوت باهت:
("ندى"... ماذا تفعلين هنا؟!)

ربتت فوق كتفها ببسمتها التي اتسعت لتقول:
("مصطفى" أخبرني أنه لديكِ امتحان اليوم... كان يود المجيء لكن لديه اجتماع طارئ لذا وكلني أنا بهذه المهمة)

اومأت لها بهدوء و بعدها صمتت... تعجبت "ندى" من حالتها المستسلمة هذه لتنظر لصديقتها بدهشة... تنحنحت "رحمة" بحرج تقول:
(مرحبا بكِ ... شكرا على هذه الزيارة الرائعة... أنا صديقتها "رحمة")

امتدت يد "ندى" لتقابل يد "رحمة" و تسلما على بعضهما... قالت بصوت مشوش من رؤية "رُبى" بهذه الحالة:
(أنا "ندى" زوجة أخ زوجها...)

ابتلعت كلامتها بسرعة لتصحح بعدها بقلق من جرح مشاعر الصغيرة...
(عفواً... أقصد أنني)

اومأت "رحمة" بتفهم تقول:
(لا بأس ... تشرفت بمعرفتكِ)

عادت "ندى" تتبادل أطراف الحديث مع "رُبى" لتزيد معدل خوفها و قلقها عليها... الفتاة تبدلت تماما لشخص آخر... شخص ضعيف مغيب و مرهق من كثرة الألم...
وصلت لسيارتها بعدما أنهت الحديث معها لتجد زوجها يتصل بها ... فتحت الخط ليصلها صوته القلق يقول:
(هل رأيتها يا "ندى"؟!... كيف هي؟!)

تنهدت بصوت مسموع تقول بحزن:
(لماذا فعل أخاك بها ما فعل؟!... الفتاة تغيرت تماما يا "مصطفى" تماما... لو رأيتها ستعرف كم أصبحت ذابلة و تائهة)

زفر بحدة يقول بغضب:
(و أخي أيضا تبدل و أصبح غاضبا طوال الوقت... لا يخرج من غرفتها و يقضي معظم يومه بها... أصبح مشوشا و عصبيا بطريقة كبيرة...)

صمت ليقول بصوت مهزوز متأثرا بما يحدث لأخيه الكبير:
("أحمد" يحبها يا "ندى"... يحبها جدا ، لكنه يتوقع أن ما فعله في مصلحتها و أنه هكذا يعوضها عما اقترفه في حقها)

اسرعت تقول برجاء:
(رجاء لا تنفعل حبيبي... أخاك رجلا يعرف كيف يخطط لحياته ، دعه يهدأ و ربما أعاد التفكير في وضعه مع "رُبى"...)

زفر مرة أخرى بتعب يقول بصوت خافت مرهق:
(يفعل الله ما يريد... شكرا لكِ يا "ندى" أعرف أنكِ قمتي بإلغاء مواعيد العيادة لتطمئنيني عليها...)

وصله صوتها العذب تقول:
(لا تشكرني حبيبي... أنا و أنت واحد كما أني أردت رؤيتها جدا)

أغلق مع زوجته الخط ليميل على مكتبه يستند بتفكير عميق... منذ الطلاق و الطرفان يعانيان بقوة... قرار أخيه كان صعبا على الجميع و لكنه لا يريد التراجع عنه ... همس بخفوت:
(ما الذي ستأخذك الحياة إليه يا أخي؟!... و هل ستكون هناك نقطة التقاء لك معها مجددا؟!)

..................................

اتجهت بخطوات هادئة مغيبة لتصل إلى هاتفها تجيب على المتصل... فتحته لتسمع صوت صديقتها المتردد تقول بتلعثم:
("رُبى" لقد ظهرت النتائج...)

وصلها صوتها الخافت الغير مبالي تقول:
(حسنا... سأراها فيما بعد)

نادت عليها بتردد أكبر من قبل تقول:
("رُبى" لا تفعلي... رجاء)

تكلمت بخفوت تقول:
(ماذا حدث يا "رحمة"؟!)

أجابتها "رحمة" بنبرة مهزوزة باكية تقول بحزن:
(لقد رسبتِ في مادتين و نجحتِ بتقدير مقبول...)

ارتعشت يدها فوق الهاتف و لم تتغير ملامح وجهها للحظة... صمتت لفترة ثم قالت بصوت خافت:
(ماذا فعلتي أنتِ؟!...)

مسحت دموعها تقول و شعور بالذنب يداهمها رغم كونها ليست مذنبة بالمرة...
(لقد نجحت بتقدير ممتاز...)

وصلها صوت صديقتها الذي لم يتغير:
(مبارك لكِ... سأغلق الخط الآن)

اسرعت "رحمة" تقول برجاء:
(لا تحزني ارجوكِ... سننتقل سويا للسنة الثانية الحمد لله يمكننا التعويض بها و أنتِ ستمتحنين المادتين اللتين رسبتِ بهما و سننسى هذا العام بكل ما فيه)

وصلها ردها الفاتر بخفوت تقول:
(حسنا... )

اغلقت الخط و شعور الألم بداخلها يزداد بقوة... يزداد حتى قام بالاستيلاء على كل خلايا قلبها و لم يترك لها خلية واحدة فارغة تعيش على أثارها... جلست فوق سريرها تنظر للفراغ بصمت رغم الحرب المشتعلة بخراب مدمر بداخلها...

في المساء...
دلفت والدتها غرفتها تقول بصوت متعجب:
(حبيبتي والدكِ يريدكِ في غرفتنا)

تقدمت من والدتها لتخرج معها حيث غرفتهما... منساقة للحياة التي لا تعرف إلى أين ستأخذها... دخلت الغرفة لتجد والدها محتقن الوجه و يبدو عليه الغضب... فور رؤيته لها اعتدل ليقترب منها قائلا بترقب:
(نتائجكِ ظهرت...)

أجابته بخفوت:
(نعم...)

سألها بصوت عالٍ لحد ما...
(و هل عرفتي درجاتكِ بها...)

طالت نظرتها له و طال صمتها مما دفع والدتها تقول بقلق...
(هل عرفتي نتيجتكِ حبيبتي؟...)

لم تجب عليها مما دفع والدها ليقول بصوت رافض غير مصدق:
(ابنتكِ رسبت في مادتين و نجحت بتقدير مقبول يا "رباب"... لا أصدق أن هذا يصدر منكِ أنتِ يا "رُبى"!!)

تحركت عيناها بحركة سريعة نسبيا و قد كان أول تغيير يطرأ عليها منذ طلاقها... استمعت و تحاملت على كل ما يصدر منه... غضبه ، صوته ، حدته و هو بذاته و كل شيء حولها يشعل النيران بها... يعطي مساحة للحرب الداخلية التي طال حبسها لأن تخرج و تهدد بالحرق!...
(أصمت...)

كلمتها العالية نسبيا جمدت والديها بصدمة... نظر "هاشم" لها ليجد عينيها لا تزال جامدة رغم تحفزها و رغبتها المميتة في الصراخ... همس بصدمة يقول:
(كيف تتحدثين مع والدكِ بهذه الطريقة؟!)

تحدثت بسخرية تقول بصوت ميت:
(والدي!!... ماذا تعرف أنت عن الأبوة؟)

دهشة والدتها تحولت لجملة مصعوقة تقول:
("رُبى" ما الذي تقولينه؟!)


اكملت و كأنها لا تستمع لهما... لا تعرفهما ... لا تشعر سوى بركل جنينها المفقود يزداد داخل رحمها و يشعل لهيب الفراق في قلبها...
(تتشدق بأوامر طوال الوقت و تحسب نفسك أبا صالحا... أي أب أنت؟!... أي أب يبيع ابنته من أجل العمل؟!... أي أب لا يسأل عنها أو عن حالها؟!... أي أب يرى ابنته تفقد طفلها و تنفصل عن زوجها و ترسب في جامعتها و بدلا من أن يأتي ليخبرها أنه جوارها و لا بأس يأتي ليزيد وجعها...)

ارتفعت عيناها تنظر له في صدمته لتكمل بقسوة:
(أنت بالنسبة ليّ تفقد معنى الأبوة و لا تستحق لقب أب الذي تفتخر به... أنت لا شيء في حياتي سوى اسم وضع خلف اسمي في شهادة ميلادي... أنا بسببك اليوم راسبة ، مطلقة و فاقدة لابني... أنا في عمر التاسعة عشر مطلقة يا أبي...)

رفعت إصبعها تؤشر على قلبها تقول بصوت متألم:
(أعدك أنه بقدر الألم هنا لن اسامحك ما حييت يا أبي... لن أسامحك مهما صار و مهما مر الزمن علينا...)

اولتهما ظهرها لتخرج من الغرفة لكنها اصطدمت بالمرآة لتتسع عيناها و هي ترى نفسها في هذه الهيئة الغريبة عليها... من هذه؟!... هذه ليست هي الفتاة المطيعة البارة بوالديها... هي أصبحت شبح لفتاة قتلت يوما على يد أقرب الناس لها...

وضع "هاشم" يده فوق صدره و الألم يتفاقم به... جز فوق أسنانه بتعب ليسقط للخلف في غمضة عين ... اسرعت "رباب" إليه لتجده فاقدا للوعي ... صرخت بخوف و جزع عليه بينما ارتعدت اوصال "رُبى" لتنظر لما جنته يدها في حق والدها... كيف فعلتها بحقه ؟!... همست بجزع قلق و قلب يزداد ألمه...
(أبي!!!...)

..................................

جالسة على المقعد في الممر أمام باب غرفة والدها في المشفى... عيناها ازدادت تيه و ضياع... و قلبها يصرخ من الألم به... شعرت بأختها تقف فوق رأسها مع زوجها تسألها بدموع مرتعدة...
("رُبى" ما به أبي؟!... ماذا حدث؟)

نظرت لها برؤية مشوشة و قد رحمها خروج الطبيب الذي وقف يقول بعملية:
(المريض أصابته ذبحة صدرية ....)

شهقات... بكاء... صراخ... و حركة الكثير من الحركة حولها... كل شيء بالنسبة لها توقف و لا تشعر بالدنيا حولها... هي السبب و هذا ما يدور في رأسها...
تحركت بأرجل لا تعرف طريقها إلى أين... صعدت سلالم المشفى بعقل مغيب و كأنه هناك من ينادي عليها و هي تلبي النداء في صمت... وقفت في هذه الساحة الواسعة المنتشر بها الظلام الحالك و البرودة ... ضوء المصابيح في البنايات المقابلة لها يتخلل الظلام و يشعرها بالراحة و لو قليلا... تقدمت دون عقل حيث هذا الارتفاع العالي لتصعده و تنظر للأسفل.... العديد من السيارات المسرعة و الاضواء المتداخلة... نسمات الهواء الباردة تلفح وجهها و تشعرها بأنها حرة تطير فوق السحاب... فردت يديها بجانب جسدها و أغمضت عينيها و قد سمحت لنفسها بأن تطير فعلا... تقدمت من الحافة و تبقت لها خطوة واحدة و تعلن عن نيل حريتها... سترتاح لو فعلتها لو طارت للبعيد في السماء الواسعة تتناسى كل ما مرت به من ألم...

من بعيد تقف فوق حافة سطح المشفى مغمضة العين و في وضع استعداد لل... الانتحار!!!!
خطوة واحدة يا "رُبى" و بعدها سينتهي كل هذا...
فتحت عينيها فجأة و كأن أحدهم صفعها بقوة حينما صدح صوت الآذان!...
نظرت للأسفل لتجد نفسها واقفة على هذا الارتفاع يفصلها عن الموت خطوة واحدة... ارتعدت و قد عاد عقلها للعمل من جديد... ابتعدت للخلف بقدم مرتعشة حتى سقطت على ارضية السطح... نظرت للسماء بأعين مرعوبة تقول بهستيرية:
(آسفة ... لم أكن أنوي الانتحار .... استغفر الله العظيم)

زاد معدل تنفسها بصورة كبيرة جدا ... تحولت انفاسها لشهقات عالية دامية و باكية... وضعت يدها فوق صدرها تضربه ببطء يكتسب القوة كلما مر الوقت... صوت بكائها كان كطفل صغير متألم... ضربت و ضربت و هي تقول بصراخ:
(لقد تعبت ... قلبي تعب من كثرة الألم... أريد أن ارتاح و لكني لا أريد أن اعصيك يا الله... هنا يؤلم و لا يوجد غيرك يعرف... هنا يحترق و لا يوجد غيرك يرى... هنا يموت كل لحظة و لا يوجد غيرك يا الله... يا رب أنا متعبة جدا)

نزلت يدها حيث بطنها تتلمس مكان ابنها و تقول ببكاء مرير ...
(ابني مات ... قُتل و أنا كنت السبب ... أبي مريض و أنا السبب ... أنا تعبت يا رب تعبت )

تكورت على نفسها بصوت يخفت شيئا فشيئا... انفاسها هدأت لتسقط معها في غفوة اجبارية مقيتة... أخر ما شعرت به أنها محمولة بين يدي أحدهم و بعدها غابت كليا عن الوعي...

(انهيار عصبي حاد ... تحتاج للراحة مع المهدئات و علينا متابعتها و عدم اهمال حالتها)
اقرار الطبيب بأنها مصابة جعل والدتها تسقط فوق كرسيها بلا حول و لا قوه... زوجها في الغرفة المجاورة و ابنتها في هذه الغرفة!... ماذا يحدث بحق الله؟!...

بعد ثلاث أسابيع...
همس بخفوت مرهق ...
(تعالِ يا "ريهام"...)

اقتربت من والدها بدموع لتقبّل يده و تجلس جواره على سرير المشفى... تحدث "هاشم" بخفوت دامع:
(سامحيني ابنتي عما بدر منيّ في حقكِ... كان يجب عليّ اطلاعكِ على حقيقة هذا الشاب لا أن أجبركِ على الزواج دون رغبتكِ... و الله يا ابنتي ما فعلته سوى خوفا عليكِ...)

زادت دموعها تتذكر كيف مضت حياتها السابقة ... مسحتها ببسمة صغيرة تقول بصدق:
(لا أستطيع ألا أسامحك يا أبي... كلنا نخطأ و أنت كنت تحاول حمايتي...)

نظرت لزوجها خلفها لتقول ببسمة محبة:
(كما أني أحب "معاذ" يا أبي... و ارتضيه زوجا ليّ)

ابتسم لها والدها بضعف ليقول بخفوت:
(الحمد لله...)

نظر لزوجته يسألها بخفوت :
(أين "رُبى"؟!)

توترت ملامح "رباب" لتقول بتلعثم:
(في البيت ترتاح قليلا من مكوثها هنا طوال الوقت...)

سألها مجددا بشك يقول:
(ابنتي بخير ؟!)

اومأت له بصمت متوتر بينما ترمق ابنتها الكبيرة بقلق... ارسلت لها "ريهام" نظرة مطمئنة تقول ببسمة:
(أختي بخير يا أبي... فقط علينا اعطائها بعض الوقت لتستوعب ما حدث)

هز رأسها بنعم ضعيفة و قلبه يؤلمه على ما فعله بحقها... ثورتها كانت سببا ليفيق من غفوته الطويلة جدا... لكن هل لا يزال في كيانها مكان يسمح له يأن يعوضها عما بدر منه؟!...

بعد اسبوع آخر...
وقفت بينهم تحاول التربيت على والدتها قليلا و على اختها قليلا... لقد اتخذت قرارها بعدما تأكدت من استقرار صحة والدها و فاقت من صدمتها... ستعيد ترميم حياتها من جديد ... ستعود قوية من جديد... ضمتها والدتها بين احضانها تقول:
(هل ضروي هذا السفر يا ابنتي؟)

اومأت لها ببسمة صغيرة تقول:
(نعم يا أمي... هذا ما أريده)

تدخلت "ريهام" ببكاء تقول:
(هل الذهاب إلى انجلترا لا غيرها هو ما تريدين؟)

ضمتها بين ذراعيها بينما هي تجيب عليها بخفوت:
(نعم عليّ مواصلة تعليمي هناك ...)

ربت "معاذ" فوق كتفها يقول بتشجيع:
(صغيرتنا ستأخذ شهادة الهندسة من جامعة أكسفورد البريطانية هذا جيدا...)

ابتسمت له بخفوت فمسح فوق وجهها بحنان كبير... التفتت لوالدها الجالس فوق كرسي متحرك ينظر لها بأعين دامعة... أشر لها لتذهب إليه و تجلس القرفصاء في مواجهته... مسح فوق وجهها بحنان تشعره منه لأول مرة... قال بصوت مهزوز و دموع ظاهرة لأول مرة أمامها...
(سامحيني ابنتي... ما اقترفته في حقك لن يسعه عمري الباقي لأكفر عنه...)

امسكت يده تقول ببسمة صغيرة:
(أنا من يحق لها الاعتذار يا أبي... اقسم لك لم أكن في وعي يومها ... أنا حقا آسفة عما بدر منيّ)

جذبها بضعف حتى استوت بين أحضانه يربت فوق ظهرها بحنان... اغمضت عيناها و قد سحبت نفسا عميقا مرتعشا و هي تستقبل هذا النوع من التواصل معه للمرة الأولى... همست لنفسها بدموع تتوسل لتسقط...
(هل كان ضروريا يا أبي أن تكن حياتي ثمنا لهذا الحنان الذي حرمتنا منه يوما... هل أنا الصدمة التي كان يجب أن تحدث لنستفيق جميعا... ثمن صحوتك كلفني كثيرا يا أبي كثيرا جدا... لكنني لست حانقة عليك بعد الآن ... لست مستاءة مما صار ليّ... سأكون قوية يا أبي و سأعود قوية أعدك بهذا...)

وقفت أمام ابن خالها في المطار تقول ببسمة صغيرة:
(لقد اديت مهمتك يا "معاذ"... هيا عد لزوجتك و انتبه لعنزتكما الصغيرة جيدا حتى يحين اللقاء)

ابتسم لها بسمة حانية يقول :
(ألن تسمحي ليّ أن أدخل معكِ للداخل؟!)

هزت رأسها نفيا تقول ببسمة :
(لا ... هذه رحلتي بمفردي و عليّ بدأها من هنا )

هز رأسه تفهما يقول :
(حسنا يا "رُبى"... وفقكِ الله يا صغيرة)

نغصها قلبها بشدة وهي تتذكر هذه الكلمة التي لطالما نادى لها بها... كتمت ما تشعره في جوف قلبها لتقول بمزاح زائف:
(عد لمالكة القلب و عنزتك الصغيرة... إلى اللقاء)

اتسعت عيناه بصدمة يقول:
(من أين عرفتي هذا اللقب؟!)

اجابته بينما تتحرك لتوليه ظهرها:
(هذا سر سأخبرك عنه حالما اعود... سلام)

ترجل من سيارته أمام المطار بوجه مصدوم و صدر يلهث... لقد اخبرته والدته أنها هاتفت والدتها و عرفت منها أن الصغيرة ستسافر إلى انجلترا بمفردها تستكمل تعليمها!... لم يدري بنفسه سوى و هو يأخذ السيارة و يسرع حيث هنا أملا أن يراها للمرة الأخيرة... دخل ركضا للداخل يبحث بعينيه عنها كالمجنون... الناس كثر و هي كحبة سكر ذابت بينهم لتختفي... ذابت للأبد لتسحب منه الطعم الحلو الذي ذاقه معها و تترك مرارة كالعلقم في حلقه!... سمع نداء مكبر الصوت الذي سلب منه راحته و جعل قلبه ينزف بقوة...
«النداء الأخير للطائرة»

جلست في مقعدها المخصص تنظر في عتمة الليل من نافذة الطائرة... التمع أمام عينيها فنظرت له بدهشة و كأنها تسأله ماذا تفعل هنا... هذا الخاتم الذي منحها إياه ذات يوم!... نزعته من يدها ببطء لترميه أسفل مقعدها بصمت و كأنها تتخلص من كل ذكرياتها هنا على أرض الوطن... كأنها تسلخ حبه من كل شبر في جسدها... رعشة ضربت جسدها لتجعلها تبكي بصوت عالٍ متألم ... هنا في هذا الوقت ستدفن كل شيء تحت التراب لتتخلص مما عانته و تحاول تكوين حياة جديدة...

واقفا مستندا على سيارته خارج المطار... يراقب طيران الطائرة أمام عينيه... امتدت اصابعه لتمسح زاوية عينه ببطء متألم... بكى و يبكي و سيبكي عمره كله على فقدانها... قلبه و روحه و كل ما به رحل مع رحيلها... تركها و لكنه ترك معها كل ما فيه... "رُبى" حبيبته التي أذاها بشكل لا يتمناه لعدو ما بال هي؟!!!...

بكاؤها العالي الذي جذب نظر الركاب تزامن مع دموعه الملتهبة على فراقها... صدفة اللقاء التي جمعتهما و ظنا معها بأن القادم ما هو سوى متعة ... تحولت لفراق مضني و مميت لقلوبهما .... و بين سريان رياح الحياة و عواصفها هل سيحين لقاء جديد؟!...
يسألني الليل آيا قمري...
أ تغيب حبيبي عن نظري؟!...
يسألني فتفيض دموعي...
في فجري و نسيم السحرِ...
يا آدم مهلا يا عمري...
يا شمعة قلبي المنكسرِ...
فلفضّك روحي تنقسمُ...
و أجر جناحي بذعري...



أنتهى الفصل....
ألقاكم الفصل القادم....

noor elhuda likes this.

AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:04 AM   #425

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

تسجيل حضور واسترها علينا يارب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 85 ( الأعضاء 38 والزوار 47)
‏ام زياد محمود, ‏برهانة, ‏سيلينان, ‏chiraz10, ‏AyahAhmed, ‏asomgogo, ‏الغيد 11, ‏ghada.samir, ‏منال سلامة, ‏فتاة طيبة, ‏Abrakhom, ‏مجد صالح, ‏رسوو1435, ‏فديت الشامة, ‏مون شدو, ‏انجيليك, ‏bella snow, ‏سمية21, ‏همتي للمولى, ‏Eman shafeey, ‏MonaEed+, ‏الغفار, ‏قمر صفاء, ‏bataomar, ‏simsemah, ‏زهرورة, ‏Fairtulip+, ‏fathimabrouk, ‏Soy yo, ‏جلاديوس, ‏العزوف 22, ‏نور المعز, ‏الياسمين14, ‏•درة•, ‏امل رغم الألم, ‏فاطمه عمر, ‏s. essa, ‏Hanan123




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:26 AM   #426

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل مفرق الطرق في الرواية....احزنني فقدان ربى لطفل ...واحزنني اكثر طلاقها لا اعرف لماذا احمد طلقها ..فقد زادها وجع على وجع...لانه وان كان يظن انه حررها لترجع لحياتها و لكن دون تاكد من مشاعرها.....و المواجهة ببن ربى و ابيها كانت مؤثرة جدا الحقيقة و كانت صفعة للاب لكي يعيد تفكيره بطريقة تعامله مع بناته.... .
اما فكرة الانتحار التي داهمتها كانت هي دفع لكي تنهض بنفسها و تنفض عنها احزانها و تكون ربى جديدة تفكر في مستقبلها و فقط....ولا ننسى عذاب احمد ايضا يموت بحبها و لكنه يضن انه تصرف صح..و كم اتمنى ذلك...هذا الفصل هو الفيصل في الرواية على ما اضن ننتظر كيف ستكون حياتها في انجلترا...و هل سيحاول احمد التواصل ام لا ...ارجوك يا يويا نريد القليل من الفرحة و رومانسية في الفصول القادم....و نرجو منك القضاء على صرصور في روايتك يسمى سارة ....افعصه بقلمك و سنرتاح منه هههههههه


Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:37 AM   #427

Maryam Tamim

مصممة في قسم وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Maryam Tamim

? العضوٌ??? » 435378
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 2,733
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Maryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond reputeMaryam Tamim has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل دمووووووووع دمووووووووع يا آية
قطعتي قلبي
😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭


Maryam Tamim غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:40 AM   #428

houda4

? العضوٌ??? » 389949
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » houda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل في القمة احمد اثبت انه ضعيف الشخصية للاسف 😏
اعجبني كثير مواجهة ربي لأبيها لانه هو سبب ما حصل لها ☹


houda4 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:43 AM   #429

Abrakhom
 
الصورة الرمزية Abrakhom

? العضوٌ??? » 416052
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Abrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond reputeAbrakhom has a reputation beyond repute
افتراضي

ما في كلمات توصف روعة الفصل و الله بكيت........
دمت مبدعة


Abrakhom غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-19, 12:49 AM   #430

عبير سعد ام احمد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبير سعد ام احمد

? العضوٌ??? » 351567
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,136
?  نُقآطِيْ » عبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond repute
افتراضي

ربى قلبى وجعنى عليها
كان المفروض احمد قبل مايطلقها يصارحها بحقيقة مشاعره
ويعتذر لها
وكمان الحقيرة سارة المفروض يطردها من حياته


عبير سعد ام احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:24 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.