آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          زواج على حافة الانهيار (146) للكاتبة: Emma Darcy (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          عندما يعشقون صغاراً (2) *مميزة و مكتملة *.. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          154 - الوريثة الفقيرة - روايات ألحان (الكاتـب : MooNy87 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree70Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-12-19, 09:24 PM   #581

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


تسجيل حضوور للفصل💃💃 متشوقين ياايوش متطوليش😍😍

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-19, 09:37 PM   #582

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرورة مشاهدة المشاركة
تسجيل حضوور للفصل💃💃 متشوقين ياايوش متطوليش😍😍
نورتينا حبيبتي😍😍
مش حنأخر حاضر🌹


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-19, 10:52 PM   #583

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فى انتظارك يا كاتبتنا العزيزة
تسجيل حضور لحجز مقعد بالصف الامامى 😘
مساء الجمال
👏👏🌹🌹


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-19, 11:13 PM   #584

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاثي و العشرون

الفصل الثاني و العشرون

قبل خمس سنوات....

برودة سرت من مقبض الباب ليده التي تمسكت به منذ فترة طويلة و لم يقوى على فتحه!... لقد خلا المكان حوله في هذا الوقت من الليل... رحل الجميع و تركوه هنا أمام باب غرفتها بمفرده... لو شرح ما يشعر به في هذه اللحظة لم يكفيه مجلدات عملاقة ليكتب عن شعوره بالفقد... الفراغ... الندم...و الذنب ...
هو بيده قام بتدمير كل شيء... مجرد كلمات خرجت منه دون شعور قضت على كل شيء... و الأهم سلبته من أحب و أخذت منه ما مُنح تلك الليلة!...
سحب نفسًا عميقًا ثم أغمض عينيه لبضع ثوان و بعدها أدار المقبض بقلب مرتعد... قابلته الظلمة لتبتلع معها روحه و تذيقه من الوجع ألوانا مختلفة... هنا بين عتمة الغرفة تنام بمفردها تهرب مما حدث لها ... بسببه
أقترب من السرير بقدم عاجزة على الحركة و لكنها مجبرة... شعور بالندم يجبره بأن يتقدم و يرى ما جنته يده اليوم بها... بصغيرته التي لا ينفك عن أذيتها بقسوة...
غامت عيناه بحزن كبير و قد ازدوجت الرؤية حينما وجدها ملقاه على السرير بذراع مكسور و خدوش فوق وجهها الملائكي... ابتلع ريقه بصعوبة بالغة ثم اقترب أكثر حتى جلس جوار السرير على عاقبيه ببطء ... بطء أصابه ليكبل حركاته كما كبل إحساسه و جعله خاويا لا يستشعر سوى الذنب... امتدت يده بتردد حيث كف يدها السليمة و القريبة منه... تمسك به بحذر و قلبه يئن بأنين مرهق لعضلته التي باتت تضرب بعنف داخل صدره ...رفع كفها الصغير إلى فمه تلمسه شفتاه بحذر و ترقب... نظرته تزداد تشوش و قلبه يقصف النبض بعنف... طالت نظرته لها نائمة بلا حول ولا قوه... ممددة فاقدة للوعي بعدما فقدت ما هو أعز من العالم... فقدت ابنهما...
همس بخفوت مختنق بصوت يكاد يُسمع ينظر لها و يرسل كلماته لعقلها الذي ربما يسمعه في هذه اللحظة:
("رُبى"....)

اسمها حمل غصة حلقه و خرج مؤلما يكوي فؤاده... أكمل بصوت أشد خفوت و ضعف...
(لقد طلب منيّ "مصطفى" أن أراكِ أكثر من مرة... طلب منيّ أن اطمئن عليكِ فقط أنظر لكِ من بعيد... لكنه...)

ابتلع ريقه بصعوبة بعدما خنقته كلماته و زاد شعور الذنب داخله:
(لكنه لا يعرف أنني إذا فعلت سأكون كمن ينظر لذنبه بكل تبجح أمام الناس... كمن ستره الله و ذاع هو سره للعلن... لا أحد يعرف أنني لا أستطيع رؤية عينيكِ لست قويا لفعلها... لست قويا لعتاب طويل و قاسٍ من عينيكِ يا "رُبى"... أعرف أنني أجرمت في حقكِ ليس مرة و ليس أثنين بل ثلاث يا "رُبى" ثلاث يا صغيرة... و أنتِ قبلتي جرمي في حقكِ ببسمة راضية و آمله في غد جديد ... غد جديد معي أنا بعد كل شيء... أخبريني صغيرتي كيف أواجه كرم أخلاقكِ بقساوة أفعالي؟!... أخبريني أنكِ عندما تفيقين ستغفرين و تنسين و أقسم لكِ سأبقى لأكفر عن كل ما فعلت و لن يكفي عمري لمحو ما زرعته بيدي داخلكِ من حزن... "رُبى" ...)

صمت يلملم شتات نفسه المبعثرة بعشوائية ثم تحدث بألم كبير ...
("رُبى"... لقد فقدنا...ابننا ... بيدي أنا أفقدتكِ طفلكِ الذي حلمت به مثلكِ... بيدي أنا )

تسارعت انفاسه بألم و زادت غصته في حلقه بقوة... قبّل يدها ببطء و فم مرتعش ليهمس اسمها بصوت خافت بعيد للغاية ... و بعدها فقد الكلمات و صمت لفترة طويلة فترة كانت دموعه التي غمرت كفها الصغير في عتمة الغرفة كافية لتعبر عما يعيشه من وجع.... أبعد كفها قليلا لينظر لوجهها الذي بدا عليه علامات التألم و كم أوجعه أن يرى ألمها بعينيه... اشتد تمسكه بكفها و بيده الأخرى مسح زاوية عينه ليهمس بعد فترة طويلة بعد تفكير كبير ... كبير جدا
(أنا أحبكِ... يا حلمي الصغير الجميل البعيد ... بعيد للغاية )

وضع كفها جوارها ليعتدل بقامته ينظر لها في نومها الإجباري... قال بحزن دفين:
(لكن حينما يكون الحب مؤذيا و قاسيا علينا وأده في مهده...)

ابتسم بسمة مختلطة بدموعه العالقة في عينيه ليقول بتأكيد :
(لكن حبكِ هرب من المهد... حبكِ كبر بداخلي و تعمق بقوة ... تغلغل في خلايا قلبي يا "رُبى" لكن... لكن عليه أن يبقى بداخلي أنا فقط ما دام هو مؤلما لكِ في كل مرة يريد أن يظهر و يعرفكِ على نفسه... )

منحها نظرة أخيرة ...طويلة... نادمة... و متألمة للغاية... و بعدها خرج من المشفى و بداخله نية صادقة في إعفائها من حمل علاقتهما معا... سيعطيها حريتها لتعيش بعيدا عنه و تصلح ما أفسده بها... سيطلقها!!

بعد أسبوعين...
بداخل سيارته يتطلع حيث البوابة الكبيرة لجامعتها... منذ بدأت امتحاناتها و هو يأتي هنا كل يوم ينتظرها ليراها من بعيد و يطمئن عليها... لمح سيارة "ندى" قادمة من الاتجاه المقابل له فأخفى وجهه عنها حتى مرت به و صفت سيارتها قبالة باب الجامعة تماما... عقد حاجبيه بتعجب من تواجد زوجة أخيه هنا لكنه آثر الصمت حتى يعرف ماذا يحدث... بعد فترة خرجت هي بهيئتها الساكنة كحالها بعد الطلاق... كان قاسيا عليها يعترف لكنه يشهد الله كم يموت في اللحظة الواحدة بعد طلاقها... عليه تركها تتنفس بعيدا عن حياة فرضها والدها عليها و أجبرها هو على عيشها... عليه تركها تعيد ترميم ما أفسده العالم بداخلها... لكن السؤال الذي نخر في روحه بقوة هل الصغيرة ستقوى على ترميم نفسها بمفردها؟!... هل تركها في هذه المرحلة لصالحها أم هو ذنب جديد يُضاف على قائمة ذنوبه في حقها؟!... تابع توديع زوجه أخيه لها و بعدها تحرك بسيارته خلفها كما يفعل كل مرة حتى تصل لبيت والدها و يطمئن أنها أصبحت في أمان... ودعها بقلبه المشتاق لصوتها... لعطرها... لخجلها... لعنادها... لكل شيء كل شيء يا "رُبى" ... بُعدكِ عني موت هلاك فناء يا حبيبتي ... بُعدكِ قاتل يسلب روحي و يعذبها بقسوة!... لكني مجبور لأن أتحمل هذا الألم تكفيرا عما فعلته بحقكِ و وعد بأن أمنحكِ فرصة العيش من جديد كما تريدين أنتِ لا كما نريد نحن...

بعدها بأيام...
كعادة والدته بعد طلاقهما تهاتف والدتها لتطمئن عليها... و ما يصله من أخبار يقتله ببطء متلذذ بما يمر به من وجع... حالتها التي تزداد سوء بصمتها القاتم هذا و تقبلها لأمر طلاقهما بهدوء و هيئتها التي يراها كلما ذهب لها الجامعة... كل ما هي به يزيد وجعه و ألمه و يؤرق مضجعه ... وقف في صالة البيت يستمع لها من بعيد كحاله كل مرة لكنه فزع بقوة حينما تكلمت والدته بهلع على الهاتف تقول بخوف حقيقي نزع قلبه بقسوة يلقيه في نيران مشتعلة ...
(من بالمشفى؟!... "رُبى" ما بها؟!)

أوقف سيارته أمام باب المشفى يخرج منها بسرعة البرق ... ملابسه البيتية حتى خف قدمه البيتي لم يتغير... دلف بوجه أصفر مرتعد يسأل في الاستقبال عما حدث و قد سكن قلبه بعد صراع كبير طوال الطريق حينما أخبره العامل أن والدها هو من تم نقله هنا... مسح فوق وجهه بتعب شديد و قلب كلما مرت الأيام تثقل همه ثم توجه ناحية المصعد حيث الطابق الذي أبلغه به العامل...
خرج من المصعد ينظر يمينا و يسارا تحت نظرات الممرضين المتعجبين من هيئته و حالة وجهه الغير مبشرة بالمرة... تحرك يعبر هذا الحائط الفاصل بين الممر و المصعد و لكنه تسمر مكانه بأعين متسعة غلبها الحنين... هناك فوق كراسي المشفى جالسة... بسكونها المعتاد منها مؤخراً... لكن السكون شابه التوتر و حركة كفيها تزداد بمرور الوقت... وقف خلف الحائط يراقبها من بعيد بقلب يرسل لها نبضه العاشق يغلفها بحنان قد حرمها منه و أظهر لها قسوة لم تكن به يوما... أظهرها لها هي دونًا عن البشر أجمعين!!... لمح أختها و زوجها آتيان من بعيد فأختفى بسرعة خلف الحائط بالكامل و بعدها سمع صوت بكاء والدتها مختلط مع أختها بعدما أخبرهم الطبيب بحالة والدها... و هي لم يسمع صوتها بكلمة واحدة حتى!!... كاد يسترق بعض النظرات مجددا ليطمئن قلبه لكنه ابتعد بسرعة حينما وجدها تقترب منه!!... ابتلع ريقه بقلق من أن تراه و يحدث لها شيء... لكنه راقب صعودها للأعلى هيئتها الساكنة و عيناها الجامدة بشكل مخيف .... اصابته الحيرة هل يتبعها أم يذهب يطمئن على حالة والدها... حيرته كلفته بعض الدقائق التي جعلتها تختفي من أمامه و يفقد أثرها... ضرب الحائط بقلة حيلة ثم أسرع يصعد خلفها السلم الذي انتهى به إلى السطح!!!!... ماذا تفعل هي هنا؟!... فتح باب السطح ينظر فيه بأكمله و لم يجدها... كاد يخرج منه معتقدا أنها ذهبت لمكان آخر لكنه التفت بسرعة حينما سمع صوت حركة بعيد... اتسعت عيناه بصدمة حقيقية و هو يراها هناك فوق الحافة تفرد ذراعيها و تتقدم ببطء و كأنها تنوي الموت!!!...

حركة قدمه ثقلت بشلل نفسي و قلبه اختفى نبضه تماما كحال عقله الذي وقف عن العمل و هو يراقب نيتها في الانتحار!!!... تحرك بثقل بعدما توسل قدمه أن تفعلها و تصل لها .... تصل لحبيبته لينقذها... لكنه وقف في منتصف المسافة بعدما وجدها تتراجع للخلف و تتكوم حول نفسها ... ضيق عينيه حينما سمع همهمة قادمة منها ... خافتة بعيدة و باكية ... اقترب بحذر منها حتى توقف يسمع صدى صرختها الدامية... ندائها المتكرر لله بأنه يسمع و يرى ما تمر به... ضرباتها المتكررة فوق صدرها بقسوة تكاد تفتت قفصها الصدري الرقيق... ضعفها و ذبولها أمامه... كل ما يراه و يسمعه يصفعه صفعات متكررة فوق قلبه... قلبه الذي نبض لها ... نبض بعد عمر طويل فقط ليؤذيها ... نبض ليؤلمها ألم لن يمحوه شيء!...
اتسعت عيناه بينما قدمه تتخذ خطواتها إليها يراقب خفوت صوتها و انكماشها حول نفسها بضعف... وقف قربها يراقب اهتزاز جسدها الذي يقل تدريجيا و بعدها صمتت ... انحنى ينادي عليها بخفوت هامس قلق و لكن لا رد... لامس كتفها بخوف ليجدها فقدت وعيها بينما دموعها لا تزال تتساقط فوق خديها ... فزعت روحه و هو يقلبها ذات اليمين و ذات اليسار و لكن لا إجابة مطلقا... حملها بسرعة بين ذراعيه يقطع مساحة السطح بقدم تأكل الأرض أسفلها حتى يصل بها للأطباء... همستها الخافتة المختلطة بأنفاسها المتقطعة من البكاء جعلته يقبض بقوة غير مقصودة فوق خصرها ليبرز كم الألم الذي يعاني منه معها...
(ابني... أريد ابني ... أعيدوه إليّ )

نزل حيث الطابق الموجود به والدها يصرخ بعلو صوته على الأطباء حتى خرج "معاذ" من غرفة والدها بأعين مصدومة مما حدث ... اتجه نحو ابنة عمته يلتقفها منه مستفسرا عما حدث لها... كان تواجده غريبا و هيئته أكثر غرابة عما اعتادوا عليه لكنه لا يهتم سوى بها... بعد فترة قصيرة خرج الطبيب يخبره أنها تعاني من انهيار عصبي حاد و يحذره من تركها بمفردها لاحتمالية لجوئها للانتحار و هذا ما رآه بعينيه قبل قليل فوق السطح...
هذه المرة و هذا اللقاء أكدا له أهمية إعادة "رُبى" في حياته... ليس من أجله و لا من أجل قلبه الذي يحترق كل لحظة في بعادها ... لكن من أجلها على الأقل كي يكفر عن ذنوبه و هي معه تحت جناحيه كما كانت... عليه أن يحاوطها حتى لو رفضت أو عاتبت... ترك المشفى في هذا اليوم بعدما اصابت حالتها روحه في العمق و بددت راحته المتبقية من يوم ما حدث لها...


بعد يومين....
تحرك في مكتبه في الشركة يرتدي سترته مستعدا للخروج لكن دخولها المفاجئ جعله يزفر بتعب و إرهاق و يوليها ظهره بمهانة... رفعت حاجبها بوعيد عما تستقبله منه منذ حادث المراهقة التافهة... لكن هي ليست بالغصن اللين الأخضر مثلها... لن تنحني للريح و لن تنكسر مهما حدث... بل غصنها تكلس بحبيبات رملية و جيرية منحته صلابة و متانة ليقف في وجه العواصف و ليس مجرد رياح... أجلت صوتها لتقول بتأنيب اعتاد عليه منها منذ الحادث:
(إلى أين يا "أحمد" ؟!... هل ستتركني دون كلمة واحدة منذ ما حدث؟!)

التفت يتجه ناحية الباب دون أن يجيب عليها بحرف... اندفعت نحوه تجذبه بقوة من كم سترته حتى تلاقت عيناهما... و كم من رسالة قرأها بداخل عينيها المشتعلة برفض لما تمر به معه... تحدث بصوت خاوٍ يقول بهدوء:
(هناك على مكتبي ورقة ترقيتكِ إلى نائب مدير عام الشركة ... عليكِ ترك العمل هنا للأبد)

اتسعت عيناها بصدمة ألجمتها و ربطت لسانها... تراخت اصابعها من فوق كم سترته لتقول بترقب:
(ماذا تعني؟!... هل تطردني من العمل؟!)

اتجه بوجهه ناحية الباب يقول بهدوء:
(أخبرتكِ تمت ترقيتكِ... لن أقوى على العمل معكِ بعد الآن يا "سارة"... لن أقوى على رؤيتكِ بعد الآن لأنه كلما فعلت سأتذكر كيف آذيتها دون ذنب)

تحركت عيناها بجنون حولها في كل مكان... ماذا يقول هو ؟!... هل يعني أنه بالفعل تخلى عنها... عن عملها ... عن حلمها... عن زواجهما؟!...
لم يتحمل عقلها خسارة بهذا الحجم ففي غمضة عين اتجهت ناحية مكتبه تحمل بيدها هذه الآلة الحادة التي يستخدمونها لفتح الأظرف و تضعها فوق شرايين يدها بتهديد... اتسعت عيناه بصدمة مما يراه منها... تحدث بنبرة قلقة:
("سارة" ماذا تفعلين؟!... اتركي ما بيدكِ)

حركت الآلة فوق رسغها بأعين مهددة تقول بصوت مؤكد:
(تريد أن تبعدني عنك ؟!... تسلب حبي لك و سنوات عمري جوارك!!... سأقتل نفسي أمامك الآن كي تحمل وزر ضحيتين بدلا من واحدة... طليقتك على قيد الحياة لكن أنا ربما لن يلحقني أحد و أموت بسببك...)

لاحظت توتر ملامحه و قلقه عليها و خصوصا حينما ذكرت ورقتها الرابحة... "رُبى" زوجته السابقة... أكملت بنفس الثقة و التأكيد تقول:
(سأرحل من هذا العالم الذي تبعدني فيه عنك... لكن تأكد بأن روحي ستظل حولك تذكرك بما فعلت بيّ... ما فعلت بنا أنا و هي سنسقط و أنت السبب)

حرك يده بحدة أمامها يقول بصوت عصبي:
(حسنا ... حسنا اتركي ما بيدكِ و لن تذهبي لأي مكان... ستبقين معي كما تريدين... هيا أتركي من يدكِ يا "سارة" يكفيني ما أنا به)

هزت رأسها رفضا تقول :
(لا لن أفعل قبل أن تقسم ليّ أننا سنظل معا حتى النهاية... حتى زواجنا)

الرفض لاح فوق وجهه بقوة وقد لاحظت هذا بسهولة... فصرخت عاليا تشتت تفكيره و تجبره على فعل ما تريد بينما الآلة تتحرك ببطء فوق رسغها لتشكل خيط رفيع من الدماء...
(هيا... أقسم و إلا انتحر أمامك)

صورة "رُبى" و هي فوق حافة سطح المشفى دفعته لأن يهدر بصوت متألم محذر بها... صوته و خوفه أراح قلبها فأبعدت الآلة عن رسغها ببسمة متملكة رغم خيط الدماء عليها... اقترب منها يخرج منديله من جيبه يربط لها يدها موبخا إياها بتأنيب... راقبت ما يفعله بأعين راضية ثم همست بتعب زائف:
(هذا ما سأفعله لو ابتعدت عني... "أحمد" أنا أحبك و أعد نفسي في مكانة زوج...)

تركها بحدة يوليها ظهره قائلا برفض و صوت قاطع:
(يكفي... لا أريد سماع هذا الحديث مرة ثانية... أردتِ البقاء هنا و أنا وافقت غير ذلك لا أملك ما أمنحه لكِ)

تركها ليخرج من مكتبه بصورة حانقة بينما هي جلست فوق كرسيه تحرك كفها المربوط أمام عينيها تقول بصوت بدا مختلا أو يعاني اضطرابا نفسيا ما...
(بل لديك كل ما أريد... و لا تخف طريقة المنح عرفتها اليوم... "رُبى" هي كلمة السر يا "أحمد" و ما حدث بيننا للتو سيجعلني استفاد من هذه الكلمة حتى أملأ خزائني و أشبع)

بعد خمسة أيام أُخر...
منذ انفصل عنها و هو لا يبرح هذه الغرفة التي سكنتها من قبل... غرفته أخر مكان يحمل عطرها الناعم بين جوانبه... صورتها الموضوعة في إطار فوق الطاولة المجاورة للسرير كانت مؤنس لياليه من دونها... ملابسها القليلة التي تبقت هنا بعدما أرسلوا أحد من بيت والدها يأخذ أغراضها كانت ملجأه من الوجع الذي يسلب روحه... هنا حيث سكنت حبيبته و حلمه الضائع... هنا حيث كانت "رُبى"!!...
اتجه نحو الباب بعدما سمع صوت والدته بالخارج... فتح لها ليجدها تحمل هاتفها و هناك نظرة صدمة فوق وجهها أرعبته... همسة صغيرة منها جعلته يتجمد برعب دفين... رعب يشعره لثاني مرة في حياته... رعب من فقد الأحبة !
كما فقد والده سيفقد حبيبته...
("رُبى" في المطار ستسافر انجلترا بعد ساعة يا "أحمد"!!!)

واقفا جوار سيارته يراقب السماء السوداء سواد يحاكي ظلمة قلبه ... طائرتها تحلق فوق رأسه و عيناه تنعي رحيلها عنه... كان ينتظر بأن تعود و والدها من المشفى ليعيدها إليه ... سبقته هي و رحلت للبعيد... بعيد جدا يا صغيرة... لم يشعر بكفه الذي أخذ يضرب به زجاج نافذة سيارته مرات متتالية و هو يتابع ابتعاد الطائرة عنه... الدماء السائلة و العروق النافرة و القلب الجريح و الروح المكبلة كلهم تزامنوا عليه في وقت واحد ليحرقوه و يلقوا رفاته في هوة باردة تسجنه بداخلها بلا رحمة!...

بعد ثلاثة أيام...
كفه الملفوف برباط لاصق يدق بأمل فوق باب بيتها الكبير... فُتح له الباب ليتدفق الأمل و تولد الحياة بين جنبات روحه مرة أخرى... اتسعت عينا "كريمة" و هي تقابله بعد ما حدث مؤخرا... همست بتلعثم تقول :
(مرحبا سيدي... السيدة "رُبى" لم تعد هنا بعد الآن)

اومأ لها بوجه جامد الملامح ليقول بعدها بهدوء:
(أعرف... أريد مقابلة السيد "هاشم" من فضلكِ)

سمحت له بالدخول و حملت دهشتها إلى سيدتها تخبرها عما حدث... بعد وقت قليل وصلت "رباب" بمصاحبة "معاذ" لاستقباله... رغم ما تحمله النفوس من أنين إلا أنها تشعر باهتمامه بأبنتها و كما يقولون قلب الأم لا يُخطئ... بعد محادثة قصيرة رفض فيها البوح عن نيته من الزيارة سوى لوالدها وافقت "رباب" أن يقابله رغم أن حالته الصحية لم تسمح بعد بالمقابلات!...

دلف عليه بكرسيه المتحرك و خلفه زوجته تساعده كي يصل له... وقف "أحمد" لاستقباله و قد قرأ "هاشم" في عينيه نيته للكلام بمفرديهما... تنحنح يطلب من زوجته أن تتركهما قليلا... بدأ "أحمد" حديثه بسرعة يقول بلهفة و أمل:
(ألف لا بأس عليك سيد "هاشم"... في الحقيقة أنا هنا اليوم متناسيا كل ما مررنا به من قبل و رافضا أن استخدم حقي الذي يمنحه ليّ الشرع و القانون دون علمك...)

عقد "هاشم" حاجبيه يقول بهدوء متعجب:
(أي حق؟!...)

نظر له "أحمد" بدهشة يقول باستفسار:
(ألم ترى قسيمة الطلاق؟!)

اشتد الحزن على "هاشم" فأشاح بوجهه يقول بخفوت مهزوز:
(لا...)

تنحنح "أحمد" بحرج يقول:
(لا بأس كلنا أخطأنا و "رُبى" من تحمل النتيجة بمفردها... لذا أنا هنا اليوم لأصلح ما أفسدته في حقها حتى و إن كان جزء لا يُذكر)

ارتسم الاهتمام على ملامح والدها فقال بخفوت متريث:
(لا أفهم بني... ماذا تريد؟)

سحب نفسه بقوة و قد غزت الكلمات وجدانه قبل أن ينطق بها لتزيد من شعورها الخاص بقوة...
(أريد زوجتي... سأعيد "رُبى" لعصمتي سيد "هاشم")

ضيق "هاشم" عينيه يقول بترقب:
(ألم يكن طلاقا بائنا؟!)

اسرع "أحمد" يقول بنفي:
(لا... كان طلاقا رجعيا و يحق ليّ إعادتها لعصمتي أثناء شهور العدة حتى دون موافقتها... لكني لا أريد فعلها دون علمك و أيضا أخشى أن أجبرها على شيء مجددا...)

هذه السعادة التي لفحت قلب "هاشم" و أثلجت أبوته كانت كبيرة لدرجة أنه ابتسم برضا رغم ارهاق ملامحه... بسمته دفعت الأمل لأن يتوالى في قلب "أحمد" بقوة... خطوته تبدو كانت موفقة و ها هو على وشك إعادة زوجته له... لكن صوت "هاشم" بعد هذه اللحظة القصيرة جعله يتلبد بقلق...
(لا تفعل بني... )

لا يعرف كيف وجد صوته حينها ليقول بصدمة:
(ماذا؟!!!)

ابتسم "هاشم" بسمة صغيرة يقول بهدوء يقر حقيقته قبل أزمته الأخيرة و التي كانت ضحيتها ابنته:
(أنت هنا اليوم تستأذني لإعادة زوجتك لك رغم أنك تستطيع فعلها دون اللجوء لأي شخص فالشرع و القانون في صالحك... لكنك متيقن من أن إيجاد رد مُطمئِن سيكون عندي يعني اعتقدت أنني سأمنحك رخصة التقدم خطوة بقلب قوي في هذا الموضوع... و السبب أنني فعلتها من قبلك و زوجتها لك جبرا فأتيت أنت اليوم لترى كيف أشعر بعد فعلتي في حقها... أتيت لتؤكد لنفسك أنك إذا أجبرتها مثلي ستعيش باقي حياتك خالي البال...)

اتسعت بسمته بتعب ليشير على كرسيه المتحرك قائلا بصوت نادم:
(لكن عليك النظر جيدا لحالي الآن... هذا ما وصلت له بعدما فرطت في ابنتي و أجبرتها يوما... بما أنك هنا اليوم لتسمع منيّ فكل ما أقوله لك هو ابتعد عنها بني... دعها تلملم ما تبقى من روحها و تعيد بناء ما أفسدناه بداخلها... ابنتي قبل رحيلها من هنا قرأت ما في عينيها من نية خالصة لأن تعود أقوى و أشد من قبل... لو ظهرت الآن في حياتها ربما ستخسرها للأبد... ابنتي في هذه اللحظة مكسورة كقطعة زجاج من يلمسها ستقطعه حتى يموت نزفا...)

حرك كرسيه للخلف قائلا بشعور كبير باليقين :
(أعرف ما في قلبك تجاه ابنتي... لكن لا تظهر في حياتها الآن بني... لو لكما نصيب سيجمعكما الله و لو بعد حين..)

حلَّ الشتاء بجوه الفريد من نوعه... رائحة الوحدة تلف حول روحك... و برودة الجو تثلج قلبك...
ألقى كوب المشروب الدافئ في صندوق القمامة الكبير بعدما أنهاه... تحرك في ملابسه الثقيلة المكونة من معطف طويل رمادي اللون أسفله كنزة صوفية مربعات ألوانها دمج بين الأحمر الغامق و الرصاصي... أسفلها قميص أسود ثقيل بداخل بنطال قماشي ... فوق رأسه يرتدي هذه القبعة الصوفية الخاصة بالشتاء كحال يده التي تغلفت بقفاز صوفي... فمه يخرج أشباح لخيالات دخان بسبب برودة الجو الشديدة... وصل حتى الباب الحديدي لهذه الجامعة المشهورة في العالم كله... جامعة أكسفورد البريطانية... وقف من بعيد يرمق الوافدين و الخارجين بأعين ألهب جفنيها البرد و وقف أمامها كأشواك قاسية... لكنه لم يهتم بما يشعر به و لا يتعب من هذه البرودة...فبرودة قلبه أشد وطأة مما يحيطه من مناخ خارجي... لمح بعض الأصدقاء الذين تعرف عليهم على مدار شهرين!... فتأكد من أنها أنهت محاضراتها لليوم... اقترب من البوابة بحذر خوفا من أن تراه... و فور رؤيته لها في نفس المكان ابتسم بحنان يغمرها من بعد و يحصنها بحبه الكبير...
منذ رفض والدها أن يعيدها لعصمته لم يجد بد سوى أن يسافر لها انجلترا... لا يريدها أن تعرف عن تواجده... لا يريدها أن تتحدث معه رغم شوقه لها... فقط يطمئن عليها من بعيد... يشبع روحه الهائمة بها... سحب نفسًا كبيرًا محملا بصقيع الشتاء و أخرجه كسراب دخان من فمه... تجلس بسكون فوق هذا المقعد الذي تلازمه بعد كل محاضرة... تقرأ قليلا في كتبها ثم تسرح كثيرا في الفراغ حولها... لم تكوّن صداقات حتى الآن و لكن هناك بعض الفتيات يحاولن معها و خصوصا بعد سؤاله المتكرر عنها من بعيد... لقد لفت نظر الفتيات فاعتقدن أنه «مطارد»!!!... لكن لا بأس ما دام يعرف اخبارها و يراها هذا أكثر من كافٍ...
رآها تنظر للأعلى بأعين ضيقة و كأنها تتعجب من شيء ما... بعد لحظات هطل المطر بكثافة لتبقى هي عارية تحته مغمضة العينين و كأنها تستمع بهذه النفحة الربانية لتزيل عن كاهلها الصغير أوجاع لم تقوى بعد عليها!... حالتها و ابتلالها جعله كمن يقف على الشوك... لا يتحمل أن يصيبها سوء و لا يستطيع الاقتراب... لمح إحدى صديقاتها خارجة فتقدم منها يتحدث بالإنجليزية برجاء كبير:
(من فضلكِ آنستي... هلا أعطيتي هذه المظلة ل "رُبى الحسيني"؟)

رفعت الفتاة حاجبا واحدا بتعجب ثم عادت تنظر ل "رُبى" لتبتسم بعدها قائلة :
(هل العربية الانطوائية حبيبتك؟!... تبدو وسيما عنها بكثير!...)

ضيق عينيه بغضب ليقول بنبرة حادة بعض الشيء:
(هلا أعطيتي لها المظلة أم أبحث عن غيركِ؟!)

سحبتها من يده بسرعة لتقول ببسمة عريضة:
(اعطني إياها... من خلف رأس "رُبى" سندينك بخدمة في المستقبل)

تابعها بعينيه حتى استقرت أمامها و تحدثت معها قليلا و بعدها رفعت "رُبى" عينيها تجاه البوابة ليختفي هو بسرعة من أمامها...
ظل مكانه وقت طويل تحت المطر مبتل تماما ترمقه نظرات الناس المستنكرة... اعتدل يضم المعطف عليه جيدا حينما وجدها تخرج من البوابة تختبأ تحت مظلته... هي تجدد شعور كونها تحت رعايته بداخله... ابتسم بحنين و تتبع خطواتها الهامسة للأرض حتى وصلت للشقة التي تسكن بها...

بعد قليل...
خرج من الحمام يجفف جسده و شعره بمنشفة قطنية بيضاء... سمع رنين هاتفه فتقدم منه ليجد اسم أخيه عليه... اغمض عينيه بتعب يشعر بأن حلقه يؤلمه و رأسه يداهمه الصداع بينما انفه رشحت بقوة... فتح الخط ليسمع صوت أخيه المتذمر منذ شهرين...
("أحمد" أين أنت؟!... لقد مر وقت طويل و تركنا لك الحرية لتخبئ عنا مكان تواجدك لكن ألا يكفي؟!... الجميع قلق عليك و نحن لا نعرف بأي بلد أنت!!!)

خرج صوته محتقنا يقول بخفوت:
(هذا صوتي يجيب عليك كل مرة ألا يعني هذا أنني بخير... و مكان تواجدي لا أريد أحد أن يعرفه هل بها عيب؟!)

وصله صوت "مصطفى" القلق يقول:
(هل أنت مريض؟!... صوتك يبدو كمن لديه حمى!)

اتجه ناحية الصيدلية الصغيرة الموضوعة في الحمام ليخرج منها جهاز قياس الحرارة وضعه بداخل فمه و انتظر قليلا ثم أخرجه ليجدها تعدت التسعة و الثلاثين درجة بشرطتين... أجلى صوته ليقول لأخيه بهدوء:
(أنا بخير... مجرد برد ليس أكثر)

لمح ضوء شقتها من نافذته فاتجه بسرعة ناحيتها ينظر لزجاجها بتمعن... لقد فعل المستحيل ليأخذ هذه الشقة التي يسكنها الآن فقط لأنها تقع في البناية المقابلة لها و في نفس الطابق أيضا... تابع وجهها الجميل يشرف عليه من نافذتها فابتسم بسعادة كبيرة... لا تزال ملك يده حتى الآن و لكنه لا يريد أخذها عنوة مجددا... ستنتهي فترة العدة قريبا و بعدها ستفلت من يده للأبد!!... لكن كما قال والدها لو لهما نصيب سيجتمعان و هو سيفعل المستحيل حينما يحين وقت هذا النصيب... خرج من سيطرتها عليه ليسمع صوت أخيه يقول بنزق:
(يا أخي بالله عليك أمي لا تتركني في حالي ... اخبرني أين أنت كي أريح رأسي من كل هذا؟!)

لامس لوح زجاج نافذته و استند برأسه المحموم عليه يراقب اهتمامها بالنباتات الصغيرة في شرفتها ليقول بصوت عاشق حد النخاع...
(أنا متواجد في المكان الذي ينبض به قلبي يا أخي... )

.................................
الآن.....

صعدت هذا السلم الحديدي الصغير كي تصل لكومة الملفات الموضوعة فوق الرف الأخير... بحلتها الرسمية و قامتها الصغيرة الرقيقة تشبثت بالسلم كي تؤدي عملها على أكمل وجه... كادت يدها تصل للملفات و لكن كعب حذائها خانها فأنزلق مرة واحدة لتنحرف هي للخلف بعدم اتزان و تقع أرضا... أغمضت عينيها بخوف و لكنها شعرت بنفسها محمولة بين ذراعي أحدهم!... فتحت عينيها لتجد شبيه "أحمد رمزي" يتمسك بخصرها بقوة بينما وجهه قريب من وجهها ... اتسعت عيناها من نظرته التي يرمقها بها... لم تجد تفسيرا معينا لها حتى الآن لكنها تربكها بقوة... ابتلعت ريقها بخجل و وجدت صوتها بصعوبة تقول:
(شكرا لك مجددا... يمكنك تركي الآن)

ابتسم بسمة خطيرة جعلتها تبتلع ريقها بصعوبة هذه المرة حينما قال بهدوء خافت:
(كم مرة عليكِ شكري يا حبة الكرز؟!)



تملصت بين ذراعيه حتى تركها تخرج بوجه زادت حمرته التي تجعله يود أكلها كل مرة... قالت ببعض الصرامة المرتبكة:
(كيف يمكنني مساعدتك سيد "أدهم"؟!)

ضحك عاليا ثم اتجه يجلس على الكرسي المقابل لمكتيها ليقول ببساطة:
(من باب أولى يجب أن تقولين كيف ستساعدني المرة القادمة سيد "أدهم")

تنحنحت بحرج لتجلس فوق كرسيها تحاول إعادة وقارها الذي بعثره للتو فقالت بجمود:
(لو أتيت من اجل ملف المشروع الخارجي للقرية السياحية فأريد أن أشرح لك أنني كنت أنوي جلبه لولا انزلاقي المفاجئ...)

راقب السلم خلفها و طول الرف التي حاولت الوصول إليه... وقف فجأة و اقترب منها بصورة جعلتها تخاف و ترتبك أكثر... ابتسم بسمته الخطيرة ليمر بها و يمد ذراعه الطويل ليصل حيث الرف المقصود دون عناء و يحمل كومة الملفات في لحظة ليضعها أمامها فوق المكتب تحت نظراتها المندهشة... راقبته يستوي فوق كرسيه مجددا لتقول بدهشة:
(ذراعك طويل!!...)

ضيق عينيه بغرابة ليقول بتحذير:
(هذه تُعد سبة في قاموسنا يا حبة الكرز!!)

ابتسمت بحلاوة جعلته ينظر لها بتفحص أخجلها... تحدثت بتلعثم من نظرته تقول بصدق:
(لم أقصد ما فهمته... أنا أقصد أنك تتمتع بالاكتفاء الذاتي...)

رفع ساقه فوق الأخرى ليقول بتأكيد و نظرة ذكورية:
(من قال؟!!!... أنا لست مكتفيا بنفسي فالرجل دوما بحاجة لمرأة يستكين إليها... الحياة دونكم كفنجان قهوة سادة يضبط الدماغ و لكنه مر مرارة العلقم غير مستساغ للشاربين...)

احمرت خجلا من حديثه و قلبها يقفز بسرعة كبيرة داخلها... هذا الرجل الغريب يفعل بها الاعاجيب... امسكت هاتفها الارضي تقول بحركات خرقاء:
(لم أضيفك شيئا حتى الآن أعتذر...)

طلبت مجيء الساعي و وضعت سماعة الهاتف تحت انظاره المربكة... بعد لحظات وصل الساعي لتقول هي برسمية:
(أجلب لنا كأسين عصير مانجو من فضلك...)

قاطعها "أدهم" برفض يقول بجدية:
(و هل نحن أطفال في روضة؟!... اسمع يا ابني هات ليّ كوب قهوة معتدلة... كوب و ليس فنجانا هل سمعت كوب و ليس فنجانا؟!!)

اومأ له الساعي تحت أنظار "رحمة" التائهة به... كله يجذبها بغرابته عنها و اختلاف بيئته... بخطورته و وسامته الشعبية... كله يسبب لها اضطراب غير مبرر حينما تراه... عادت من شرودها على صوت الساعي لتجيب بتلعثم:
(آه ... نعم... أنا أريد عصير مانجو )

نظرت ل "أدهم" بنظراته المتربصة لها لتشمخ بقامتها تقول بعزة نفس:
(من دون كأس... أريده في كوب أيضا)

كتم ضحكته عليها و هو يراقب هيئتها اللذيذة المرتبكة... تشغل تفكيره بقوة و تدفعه لأن يناكفها... لكنها تختلف عن الشرسة كثيرا... فالأخيرة تستفزه و تجذبه ناحيتها دون مجهود ليكتشف ما تخفيه من صفات للمرأة التي لم يعتد عليها في بيئته بعد!!!...

..............................

دلفت مكتب صديقتها بعدما سمعت الأذن بالدخول... تحمل ملفات كثيرة فوق بعضها ببسمة جميلة... ابتسمت لها "رُبى" لتترك ما بيدها و تتجه ناحيتها بسرعة تحمل معها بعضا من الملفات... جلستا فوق كرسيهما لتتحدث "رحمة" بتعب تقول:
(لقد قمت بإعادة كل الاوراق اللازمة بعد خروج السيد "عزيز" من الشراكة بسبب رفضنا التعامل مع شركة "عدوي الجندي"... و قد سلمت ملف القرية السياحية للسيد "أدهم البنا" و أخبرني أنه سيمر عليكِ ليناقش معكِ بعض الأشياء)

اومأت لها صديقتها بينما تنهي بعض الأعمال على حاسوبها الشخصي... تنحنحت "رحمة" تقول بترقب:
(بقى فقط أشهر معدودة على بدء مشروع الفنادق الذي رفضتي مشاركة "الجندي" بها... هل تملكين شريك آخر قبل انتهاء هذه المدة؟!)

تركت ما بيدها لتنظر لصديقتها نظرة واثقة تقول:
(لدي واحدا بالفعل لكنني لم أعرض الموضوع عليه بعد... كما أنه ليس هنا من الأساس)

تابعت "رحمة" خصلات شعرها القصيرة التي تتطاير هنا و هناك فقالت بغضب:
("رُبى" حبيبتي اجمعي شعركِ هذا في ذيل حصان إذا صح له التجميع من الأساس... و لا تتركيه أمامي يذكرني بجرمكِ في حق شعركِ الرائع)

ابتسمت لها بسمة مهزوزة لتقول بخفوت:
(هو يعجبني هكذا...)

زمت "رحمة" شفتيها بحنق تقول بتأكيد:
(أشك !!)

عادت بعينيها تتابع الحاسوب بينما ترمقها صديقتها بحزن كبير... وقفت تتجه ناحية الباب لتكمل كلتاهما عملها لكن "رحمة" عادت لتجلس تحت انظار صديقتها المراقبة بحاجب مرتفع... تنحنحت ليخرج صوتها قائلة:
(هل يمكنني أن اعترف لكِ بشيء؟!)

ضيقت "رُبى" عينيها تقول بهدوء:
(بالتأكيد...)

ابتسمت الأخرى بخجل تهمس بخفوت :
(أنا... معجبة بشخص ما)

ابتسمت "رُبى" بحنان تتابع خجل صديقتها... ضيقت عينيها ثانيةً حينما همست "رحمة" بوجه متورد:
(هل تودين معرفة من هو؟!)


اقتربت "رُبى" برأسها منها تقلد صوتها الهامس قائلة:
(أعرفه... أنه السيد الجديد سليل عائلة "البنا")

اتسعت عينا "رحمة" بمفاجأة فهمست بخفوت خجل:
(كيف عرفتي؟!...)

غمزت لها "رُبى" ببسمة رائعة تقول:
(قلب الأم...)

علت ضحكة "رحمة" بقوة لتقول بعدها:
(آمل ألا يملك أحد غيركِ هذا القلب الذي سيفضح أمري!)

ضحكت "رُبى" بخفوت لتقول بتأكيد:
(لا تقلقي ... فقط لأنني أعرفكِ جيدا لاحظت عليكِ لكن غيري مستحيل أن يعرف)

تنهدت "رحمة" بولهٍ تقول:
(لا أعرف يا "رُبى" لماذا هو تحديدا؟!... هو شخص همجي بعض الشيء ، غير متحضر ، عنصري بطريقة كبيرة من ناحية الطبقات الاجتماعية! ، عديم الذوق و ربما لقب ثور سيكون لائقا عليه لكنه...)

أحمرت خجلا لتبتسم "رُبى" قائلة بنظرة خبيثة:
(لكنه؟!)

اكملت بصوت خافت من الخجل:
(لكنه سرق نبضة قلبي الأولى... دون شعور منيّ جعل قلبي يخفق له... ربما شهامته و رجولته معي لا أعرف...)

ضحكت "رُبى" بخفوت تقول:
(ما شاء الله... بعد مجلد فارس الأحلام تقعين في ثور عديم الذوق !!!... يا لحسن اختياركِ!!)

ضحكت "رحمة" تشارك صديقتها المزاح قائلة:
(القلب و ما يريد... نحن لا نملك قلوبنا للأسف)

غامت عينا "رُبى" بحزن لتهمس بتأكيد متألم:
(نعم... نحن لا نملك قلوبنا للأسف)

وقفت "رحمة" تحمل أوراقها و تتجه ناحية الباب مودعة صديقتها لتستكمل العمل... ابتسمت لها "رُبى" بحنان و بعدها تركت كرسيها لتتحرك في مكتبها بلا هدف... تفكر في كل ما تعيشه بعد عودتها من الخارج... منذ جاءت و هي مضطربة و لا تعرف بأي أرض تستكين... ظنت أنها ستنتقم و لكنها لم تفعل بعد... ظنت أنها ستقسو لكنها لم تقوى بعد... ظنت أنها كرهته لكنها لم تتأكد بعد... تنهدت بتعب و اتجهت ناحية النافذة الداخلية المطلة على ممر المكاتب... امتدت يدها تتحسس الستائر الورقية المفرغة فوق النافذة و عقلها شريد للبعيد... لكنها لمحت حركة ما أمامها مباشرة فرفعت عينيها حتى تسمرت و تصلبت يدها فوق الستار... إنه مكتبه و هو بداخله معها!!... مع "سارة" النقطة السوداء في حياتها... هذا الألم الذي نضح بها رفضا لما تراه في قلبها تكرهه... ترقرقت عيناها غصبا و هي تشاهد تعلق "سارة" بكتفه حتى لامسته رأسها!... و هو صامت رغم تحرك جسده للبعيد عنها بإهانة... بينما هي تحترق بنيران هربت منها سنوات و ظنت أنها اخمدتها!... رمشت بعينيها بقوة حينما تلاقت عيناهما على حين غفلة... تظن أنه تجمد كحالها و طالت نظرته لها المحملة بعديد من الكلمات... رفعت ذقنها لأعلى ثم أنزلت الستار بحدة و نظرة محتقرة... ارتعشت يدها بعدما اختبأت خلف الستار ... نظرت للمكتب بأعين دامعة و قلب متألم ... شددت فوق شعرها القصير بيدها بقوة ... تحركت بأقدام مرهقة حتى وقفت أمام مكتبها تستند عليه بضعف... حالها كحال كلمات "نزار قباني" التي طافت بخلدها لمدة خمس سنوات... و في كل سنة كانت تنتظر نسيانها ... نسيانه هو على وجه الخصوص ... لكن ما زادها البُعد سوى شوقا و حنينا...غبية هي غبية بكل ما في الكلمة من دلالة ... غبية لأنها لا تزال متعلقة به بعد كل ما فعله بها...

وعدتُكَ أن لا أحبَّكَ...
ثم أمام القرار الكبير ، جبنتُ...
وعدتُكَ أن لا أعودَ ، و عدتُ...
و أن لا أموتَ اشتياقًا ، و متُ....
وعدتُكَ أن لا أكونَ ضعيفًا ، و كنتُ...
و أن لا أقول بعينيكَ شعرًا ، و قلتُ...
وعدتُ بأشياء أكبر منيّ فماذا بنفسي فعلتُ؟!...

ضربت سطح المكتب بيدها بقوة و هي تهمس بدموع فشلت في كبحها...
(ماذا بنفسي فعلت؟!... ماذا فعلت؟!...)

فتحت عيناها تنظر حولها كالتائهة ... هو يعيش حياته كما يريد و هي تحترق بنيرانها... هو يذوق العشق من الغريب و هي تقتلها آهاتها... هو نسى و مضى في حياته من جديد و هي في ظلمة الحياة ساكنة... تعيش بين الذكريات و الألم رفيق يكبل صرخاتها...
اشتد وجعها بقوة فصرخت بصوت مكتوم تطيح بيدها ما يقابلها فوق سطح المكتب... تطايرت مصنوعات الكريستال لترتطم بالأرض بقوة و تتناثر أسفل قدمها... صوت التهشم أشبع خواء روحها... رؤية الزجاج المتناثر أشعرها بشيء من الرضا... رضا مؤقت و لكن لا بأس به حتى تنتهي مأساتها يوما ما... مسحت عينيها بقسوة و هي تراقب بقايا الزجاج يتراقص فوق الأرض ليستقر بتتابع و يركن للهدوء... تنفست بصورة سريعة لتضبط من حالتها ثم جلست فوق كرسيها تتمسك بقلمها و تحفر داخل أوراقها بينما تهمس بتأكيد :
(مهما كانت مشاعري ... عليه دفع ثمن كل ليلة قضيتها بمفردي في بلد غريب بقلب نازف... عليه الندم على ما اقترفه في حقي و حق ابني...)

سمعت طرقا فوق بابها فسحبت نفسا عميقا و بعدها صدر صوتها الثابت تأذن للطارق بالدخول... دلف هو بهيئته المختلفة عنهم رغم كونه يرتدي مثلهم ... لكنها الطبائع التي ترتسم فوق الروح و تترجمها ملامح الوجه... عقد حاجبيه بدهشة حينما رأى الزجاج الكثير المتناثر أسفل مكتبها... فدلف يراقب كل شيء ليقول بتعجب:
(ماذا حدث هنا؟!)

ابتسمت بعملية تقول:
(مرحبا سيد "أدهم" ... لا تشغل بالك لقد سقطت سهوا و الآن سيأتي العامل لينظف كل شيء)

عيناها الحمراء و شعرها المبعثر بعض الشيء لا يتناسبان مع نبرة صوتها الواثقة هذه... هز رأسه بتفهم ثم اتجه ليجلس قبالتها بنظرة متفحصة لهذه الشرسة التي تخفي بداخلها ملايين الأسرار كي تبدو أمامهم بهذا الثبات و القوة... تستفزه بكل ما فيها و هو مستمتع بهذا النوع الجديد من التأثير!...
ابتسم بسمته الخطيرة ليقول بهدوء:
(لقد استلمت ملفات القرية السياحية و بعد الغد سنبدأ في العمل)

اومأت له بهدوء و فمها يزينه بسمة صغيرة لتقول:
(جيد... أمامنا ثلاثة أشهر تقريبا لنوقع على التصميم النهائي لهذه القرية... أعرف أنك لست مهندسا و لكني آمل خير في فريقك الذي اخترته كي يخرج لنا عمل يليق باسم مجموعتنا)

اتسعت بسمته بإعجاب يقول:
(سأنهي التصاميم قبل ميعادها و بجودة عالية لا تقلقي... على الرغم أنني كنت أفضل تدخلكِ الهندسي في هذا المشروع)

عقدت حاجبيها بتفكير فقالت بتأكيد:
(أنا معكم طوال الوقت... إذا احتاج المشروع منيّ شيء لن اتأخر)

اطربته بما تقول فتحدث ببسمة يقول:
(نحن لا نستغنى عنكِ... بالتأكيد سنحتاجكِ)

هزت رأسها بتفهم و نوت قول شيء آخر لكن دخوله المفاجئ ألجمها بقوة... واقفا عند باب مكتبها بصدر يعلو و يهبط ينظر لها بتفحص قلق... عيناه لمحت الزجاج المنكسر فاقترب دون الاهتمام بتواجد "أدهم" ليقف قبالتها يقول بنبرة خائفة:
(هل أنتِ بخير؟!... ما هذا الزجاج؟!)

رمقته نظرة طويلة لمح بها العتاب... هل تعاتبه لما رأت؟!... هل يسمح لنفسه بالسعادة لان هذه تعد غيرة أم انها ناقمة عليه و على "سارة" لأنهما السبب فيما حدث لها؟!... طال صمتهما فتنحنح "أدهم" بعدما تابع نظرة "أحمد" لها جيدا... هذه النظرة و ما توصله له تؤكد شيئا واحدا "أحمد" متيما ب "رُبى" لكن هناك ما يمنعهما من التواصل و لكن ما هو؟!...
(لا شيء مجرد انكسرت بعض الكريستالات)

وقفت هي بهدوء تجمع بعضا من اوراقها و بعدها تحركت تحت أنظاره المتتبعة لها لتعبره بنظرة لم يلتقط معناها الحقيقي و لكنها أوجعته بقوة...
تحرك خلف ظلها ليصل لها لكن يد "أدهم" أوقفته ليقول بهزة رأس بعدما ضيق عينه باستفهام:
(ما هي نيتك من "رُبى"؟!)

اسمها الذي يخرج مجردا من أفواه الغرباء ينزل على قلبه كسوط غليظ يتعبه و يحرق خلاياه... نظر له بنظرة خطيرة ليقول بلهجة حادة:
(و ما شأنك من نيتي ؟!)

ابتسم "أدهم" ببطء ليقول بتأكيد:
(لأنه إذا صح ما ظننته سأبتعد و إن لم يصح سأقترب ... و حينما أقترب لن اتراجع أبدا)

نفض "أحمد" ذراعه بقسوة و لاح الخطر في عينيه ليواجه أعين "أدهم" الناظرة له ببسمة مستفزة... قال بنبرة تملكية أرسل بها كل نيته الخفية من "رُبى"... زوجته... أو من كانت يوما زوجته..
(تقترب ... تتراجع... تبقى في المنتصف أنت حر... لكن كن متيقنا من تواجدي في كل خطوة ستخطوها إليها... و لست مضطرا لتبرير نيتي لك)

زادت بسمة التحدي على فم "أدهم" ليخرج مسواكه من جيبه و يضعه في فمه قائلا بانتشاء:
(أحب التحديات جدا... لكن أعذرني فسعيك و سعي متوقفين على قبولها أيًا منهما...)

ربت فوق كتفه بحركة متتالية بينما يتحرك للخارج قائلا ببسمة أشعلت الخطر في نفس "أحمد"...
(و أنا قادرا على جعلها تقبلني بسهولة... فكما يبدو ليّ بينكما شيء يعكر الأجواء و هذا يصب في صالحي.. )

تركه و خرج ليضرب "أحمد" إطار الباب بقوة قائلا بوعيد:
(فقط أقترب منها سنتيمترا واحدا و أنا أكسر ساقك التي سعت لها...)

......................................

انحنى أمامها يدخل حذائها الأرضي في قدمها المتورمة بصعوبة... بعدما استطاع أن يفعلها ابتسم برضا ثم رفع نظره للأعلى حيث هي... جالسة على السرير ببطنها المنتفخ بقوة داخل فستان متسع بسيط بوجه مرهق للغاية و أنفاس بطيئة و قصيرة... لامس فخذها بحنان يقول بمؤازرة:
(إذا كنتِ تشعرين بالتعب لن نذهب يا "ندى")

ابتسمت بضعف تقول بصوت متقطع:
(لا يا حبيبي أنا بخير... تعرف الولادة قريبة جدا كما حددت الطبيبة و عليّ المشي كي نسرع الوقت)

اعتدل يقبل وجهها ببطء يرسل في قبلته الاعتذار عما تمر به بسبب الحمل فقال:
(و الله أشعر و كأنكِ ستلدين اليوم يا "ندى"!)

ضحكت بخفوت و تشبثت بيده كي تستقيم... حاوطها من خصرها بعدما ألقت بثقل جسدها عليه لتعتدل... لامس بطنها الكبير بقلق لكنه همس لها بمزح زائف كي يبدد مخاوفه:
(و أنا الذي كان يمني نفسه بأن أعيد الليلة مهارة ليلة عرسنا)

تعالت ضحكتها فتوجعت تمسك بطنها و شعور بالثقل أسفلها يؤلمها... قالت بصوت خافت مصحوب بأنين غير ملحوظ:
(و الله سألد قبل ميعادي بسبب مهاراتك هذه...)

طاف الحنان في عينيه و هو يراقب ألمها فمال عليها يضمها بقوة قائلا بصدق:
(شكرا لأنكِ تتحملين كل هذا الألم فقط لسعادتي... لتأتين ليّ بابن يحمل اسمي و يقف جواري في شيخوختي... شكرا لكِ و آسف عما تمرين به و لا أقوى بمساعدتكِ سوى بالمواساة)

ربتت فوق كتفه بحنان ثم حاولت لتصل لرأسه و تطبع قبلة هناك قائلة بصوتها الخافت:
(بل شكرا لك على شعورك هذا... شكرا لأنك زوجي و والد طفلي...)

عاد يقبل وجهها بينما يرمقها بنظرات عاشقة ... تحدث بسرعة يسندها حيث باب الغرفة:
(هيا بنا لأنني لو جلست معكِ للحظة أخرى لن ينتهي حديثي المتيم بكِ... و لو تأخرنا على افتتاح القرية السياحية لربما قتلنا هذا الذي اسمه "أدهم" و تخلص منا)

بعد حوالي نصف ساعة...
أوقف سيارته أمام هذه السفينة الكبيرة التي تم اختيارها لإقامة احتفال بانتهاء مشروع هام كمشروع القرية السياحية التي تولى قيادته "أدهم البنا"... ساعد زوجته بأن تخرج من السيارة و بعدها دلفا للداخل حيث الحفل ..
في الداخل وقفت بوجهها الوردي تراقب الحفل ببسمة خجولة... اقترب منها بحلته الرسمية التي تزيد من وسامته الخطيرة يحمل كوب عصير و يقول بهدوء:
(تفضلي...)

ابتسمت "رحمة" بخجل جعلها حلوة في عينيه... تناولت منه الكأس تقول بشكر:
(شكرا لذوقك..)

اتسعت بسمته يراقب جمال وجهها النقي و تورد وجهها اللذيذ... شعرها يتطاير بسبب جو البحر خلفهما و فستانها يتمايل برقة مع نسمات الهواء... بدت له كقطعة شكولاتة فاخرة... لكنه رجل لا يميل للحلى بل يميل لطعم لاذع يجعل جلده يقشعر و يرسل لمحة من روح التحدي بداخله... و هذه الخلطة متواجدة في الشرسة... هي فقط من تملك مواصفات تتوق ذكورته لامتلاكها ... عاد ينظر ل "رحمة" ببسمتها الهادئة الخجولة ليعقد حاجبيه و يتساءل مع نفسه...
أيضا هي تتوق نفسه إليها... ما أجمل أن تمتلك مرأة خجولة هشة مثلها... معها تشعر بأنك حمايتها الوحيدة في الحياة... تغذي بداخلك رجولتك و شهامتك... همس بخفوت متعب من كثرة التفكير:
(آه يا حاج "صلاح" بيدك جلبت لولدك وجع الرأس... ما ذنبي أنا و أنت تلقيني في مصنع الحلويات هذا و تطلب منيّ ألا اتذوق سوى نوعا واحدا فقط بينما أمامي العديد و العديد!!)

لمح كفها الذي يتحرك بنزق فوق شعرها لتعيده مكانه فأسرع دون شعور حيث شعرها يلملمه لها ببطء... تجمدت و هي تراقب كفه الكبير جوار وجهها مباشرةً... اغمضت عينيها فجأة حينما لمس كفه وجهها دون قصد... راقب تأثرها به و قد سرقته حركتها العفوية هذه من نفسه لتزيد حيرته بقوة... ابتعدت عنه بسرعة تقول بتلعثم:
(يبدو يحتاجون مساعدتي... بعد أذنك)

راقب هروبها من أمامه لينظر لكفه قائلا بنبرة ذكورية:
(ناعمة... بشرتها كأوراق الورد!)

حركتها كانت خرقاء و هي تتجه بلا هدف للبعيد عنه... قربه بات يوترها بقوة و حركاته معها تشعل نبض قلبها حتى باتت تهفو لهذا القرب!... وقفت تتنفس بصعوبة في محاولة لإعادة ضبط حالتها... انتفضت على لمستها الناعمة لتشهق بإجفال!... تقدمت منها "رُبى" داخل هذا الفستان الأصفر بلون الكناري ذو حمالات رفيعة أعلاها يتواجد وردة كبيرة على كل كتف... و فوق صدره نفس الوردة بشكل أصغر تحيط به و تزينه كله لتنتهي عند اتساعه من أسفل الصدر حتى نهايته... كانت ساحرة بكل ما في الكلمة من معانٍ... ابتلعت "رحمة" ريقها تقول بحمد:
(الحمد لله أنه أنتِ...)

وقفت قبالتها تبعد خصلات شعرها القصيرة للخلف قائلة:
(و من سيكون؟!... ما بكِ؟)

اعتدلت تقول بهدوء:
(لا شيء... أنا يجب أن أذهب على الأكثر بعد نصف ساعة )

تحدثت "رُبى" ببؤس تقول:
(هل ستتركينني بمفردي هنا؟!... يمكنني مهاتفة والدتكِ كي تزيد من وقتكِ معنا)

هزت رأسها رفضا تقول:
(لا يا "رُبى" .... أمي تبقى بمفردها طوال اليوم و هذا يحزنني لذا يجب أن أكون معها في ساعات الليل ... هذا حقها)

ابتسمت "رُبى" تقول بمحبة:
(أدام الله وجودها... حسنا يا "رحمة" أنا أيضا لن أطيل المكوث هنا فأنا لا أعرف معظم المتواجدين و لا أميل للاختلاط بأحد)

تنهدت "رحمة" بحزن و هي تنظر تجاه هذا الذي لم ينزل عينيه عن صديقتها منذ بدأ الحفل... يقف هناك جوار هذه الصفراء لكن كل روحه هنا مع "رُبى"... متى ستعود المياه إلى مجاريها متى يا صديقتي ؟!!... ربتت فوق كتفها تقول بصدق:
(أنتِ لا تعرفين أحد و لكن هناك من يعرفكِ و يود فقط لو يبقى جواركِ...)

توترت ملامحها و عقلها يترجم كلام صديقتها بمعنى واحد ليس له ثان... سحبت نفسا عميقا ثم قالت ببسمة زائفة:
(سأمر على الضيوف قليلا... لا ترحلي قبل أن تخبريني...)

تابعت هروبها من أمامها بأعين حزينة... التفتت تنظر تجاه "أحمد" الذي اتجهت نظرته حيث صديقتها البعيدة... لملمت خصلاتها تهمس بحنق:
(ما هذا الذي يفعلاه بنفسيهما؟!... هل الحب معقد هكذا؟!... ألم يكن يتكون من كلمة أحبك و بعدها تزهر الحياة للطرفين؟!!...)


واقفا يتابعها منذ بدأ الحفل... لا يمل من مراقبتها بداخل هذا الفستان الرائع... لقد أغضبه بشدة أن تبرز كتفيها للعين كما أن قصة شعرها هذه تمنح لعنقها المغري أن يظهر للعلن و تطوله الأعين... لكنها برغم كل هذا جميلة بل هي الجمال نفسه... تبتعد عنه كلما اقتربت من المكان المتواجد به... هذا حالها معه البُعد!...
احتدت نظرته حينما لمح هذا الثقيل "أدهم" يقف جوارها ببسمة عريضة و كأنه يقارعه في حرب نفسية لا يفهمها سواهما... تحرك بأعين مشتعلة رافضة حينما رمقه "أدهم" بنظرة عابثة ثم انحنى قرب أذنها يهمس لها بشيء ما و هي تبتسم... سيعلمها كيف تبتسم مع الغرباء جيدا؟!... تحرك بقلب غيور و نفس تفور و روح تثور حيث هي و الثقيل!...
لمحه "أدهم" من بعيد فزاد في عبثه معها دون أن تلحظ هي... هيئتها هذه جعلته يميل لكفتها أكثر من كفه "رحمة"... حتى الآن لا يعرف من تؤثر به لكنه متأكد بأن "رُبى" ستضيف لشخصيته الكثير... ستشبع جزء ما بداخله قامت باستفزازه يوما... وقف "أحمد" قبالتهما بوجه يهدد بالخطر فضحك "أدهم" عاليا يقول:
(أنظري يا "رُبى" نحن في حفل لنسعد و هو يقابل الضيوف بهذا الوجه الغاضب...)


توترت من قربه الذي تحاول جاهدة أن تنساه... رفعت طرف عينيها إليه لتهمس بصوت جامد:
(كل منا حر في تصرفاته... لكن علينا مراعاة الضيوف)

كادت تتحرك و تتركهما لولا صوت "أحمد" الحاد يقول:
(جيد أن رئيس المجموعة الجديد يعرف أن هناك ضيوف علينا مراعاتهم... لا أن نقف هنا نضحك و نلقي النكات بلا معنى!!)

علت ضحكة "أدهم" أكثر بطريقة استفزته بقوة... تكلم يقول بصوت ضاحك:
(يا رجل ما دام تحب الضحك فتعال و اجتمع معنا لا أن تخترع أسباب لا معنى لها...)

تكورت يد "أحمد" بقوة جانبه و كان على وشك لكمه في فكه لولا تدخل "مصطفى" السريع الذي كان يتابع الموقف من بدايته... سحب أخاه الأكبر للخلف ليهمس له ببعض كلمات كي يهدأ و لا تحدث مصيبة في ظل تواجد كل هؤلاء الضيوف... تابعت "رُبى" غضبه العارم بأعين متلصصة و قلبها يأمرها بأن تطمئن عليه... لكنها تدهسه بقسوة تعلمتها من سنين الغربة ... تدهس كل نبضة به و كل مطلب بداخله... هي هنا لتعيد كرامتها و تثأر لطفلها و لا شيء آخر...

بعد انتهاء الحفل بقليل...
جمع "أدهم" الجميع حول طاولة كبيرة في السفينة ... جالسا في مقابلة "أحمد" الذي تجاوره "سارة"... جوارها "مصطفى" و زوجته... بينما هي جواره في الكرسي الذي طلب منها أن تجلس به...
هذا المكان الذي اختاره لها يجعلها في مواجهة "أحمد" الذي يربكها بنظراته حتى لو لم تنظر هي تجاهه... تشعر بها تخترق روحها بقوة... صدح صوت "أدهم" يقول بسعادة كبيرة:
(اليوم تحقق أول نصر صغير ليّ منذ دخلت كشريك معكم بدلا من أبي... النجاح ليس بالجديد عليّ لكن هذا النجاح تحديدا له طعم مختلف... لأنه نجاح لأجل عيون شخص محدد بذاته...)

تابعته الأعين بترقب... جلس جوارها يكمل حديثه قائلا:
(طوال عمري ما أريده أسعى لتحقيقه... و منذ دخلت مجموعتكم و أنا لدي حلم و قد سعيت له و اليوم سأعمل على تحقيقه...)

نظر لها جواره تضع وجهها في طبقها تستمع له بتدقيق... نادى عليها بخفوت باسم.
("رُبى"...)

رفعت وجهها البهي له ليطيل النظر فيه للحظات اربكتها و اشعلت روح "أحمد" بشدة... ابتسم "أدهم" بسعادة مقصودة ليناطح بكلماته القادمة "أحمد" قائلا:
(كنتِ أنتِ حلمي الجديد...)


اتسعت عيناها تدريجيا و شعور بالخطر يهدد أمنها... تجمدت و هي تراقب حركة شفتيه حينما قال بصوت سعيد للغاية:
(أمام الجميع أطلبها منكِ... هل تتزوجيني؟)

تلاشى صوت الموسيقى الهادئة... صمتت أمواج البحر المتلاطمة حولهم... اختفت الأنفاس من صدورهم ليبقوا كتماثيل جيرية منحوتة بدقة عالية و متروكة لتذهل الناظرين... شكلت النظرات شكل رباعي حينما ثبتت على وضعيتها التي تصلبوا بداخلها...
"أدهم" ينظر ل "رُبى" بسعادة بينما هي تبادله النظر بصدمة... "أحمد" يقتنص وجهها بأعين متسعة و جسد مشلول... بينما "سارة" ترمق "أحمد" بترقب لردة فعله...
صمتت الألسن لتعوي القلوب بأنين مؤلم... مؤلم بقوة



أنتهى الفصل....
نجدد اللقاء مع الفصل الثالث و العشرون بعد قليل...


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-19, 11:23 PM   #585

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
فى انتظارك يا كاتبتنا العزيزة
تسجيل حضور لحجز مقعد بالصف الامامى 😘
مساء الجمال
👏👏🌹🌹
حبيبتي وجودك اسعدني♥
الفصل 22 نزل


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-19, 11:25 PM   #586

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثالث و العشرون

الفصل الثالث و العشرون

أخبرتك ذات مرة أنه حينما أحب أمنح بكل ما فيّ... و حينما أكره أسلب بقوة كل ما كان ليّ... و إن كان قلبي معلقا بك فبيدي لا بيدك أفتت خلاياه و أنثره في هواء البرية بقسوة لأشفيه... شفاء تظن أنه سقم و لكن ما الذي إذا سقم الفؤاد يداويه؟!... فبحق يوما منحتك به الحياة لآخذن ثمن دمعاتي من نبض قلبك حتى أنهيه!... و أقف على رفاتك بأعين راضية فاليوم مكان رفاتي تأتيه!... تطأه قدمك ليس زائرا و إنما ساكنا و من ظلمة قبر الألم تسقيه... فإذا تشبع و اختلط بحبات الثرى مُنحت أنا راحةً عن كل ما عاشه رفاتي تغنيه... يا قاتلا جاء يومك فكن مستعداً فاليوم يعود الحق لمالكيه...

.......................................

عيناه تملكتها بنظرة متوسلة راجية... لم يفكر يوما أنه بعد عودتها يفقدها!... لم يشيء يوما أن يصور حياتها بعيد عنه... لم يعتقد يوما أن هناك ألم يفوق ألم فراقها كالذي يشعره الآن!... ملامحها التي تخشبت أمام عينه تنظر بها إلى "أدهم" جوارها... جسدها الذي يراقب لغته بتدقيق و يلمح الذهول ينضح من جوانبه... لا شيء بها يتحرك سوى خصلاتها القصيرة و التي تحجب عنه رؤية عينيها... فقط ليطمئن قلبه بأنها رافضة ما عرض عليها... فقط ليلمح ذكرى واحدة لهما تطوف بين جفنيها... فقط لتُشعره بأن طريقه ليس مسدودا إليها... اعطني حياتي و لا تكوني قاسية كما كنت أنا... لا تتركي يدي تماما و دعِ هذا الترابط الخفي المتهالك بيننا... لا تقتلي قلب تعلق بكِ رغم حقارته معكِ... لا يا "رُبى" ... أتوسل لكِ لا!!

(آه... آااااااااه)
صرختها المدوية دقت فوق رؤوسهم كناقوس الخطر... أجبرتهم أن يخرجوا من صدمتهم عنوة لينظروا جميعهم لها... تشبثت بيد زوجها بقوة بينما صوتها لا ينفك يعلو و يعلو بألم مميت... اتسعت عينا "مصطفى" بخوف فتحدث بصوت مرتعد عصبي:
(ماذا يا "ندى"؟!... هل تلدين حقا؟!)

زادت صرخاتها العالية لتتمسك بكل قوتها في ذراعه ... تبكي بألم يعتصر جسدها بكل جبروت... صاحت ببكاء لم تفلح في السيطرة عليه تطلب المساعدة منه برجاء:
(أرجوك يا "مصطفى" ساعدني... أنا أموت من الألم)

انتفضت "رُبى" من مكانها لتقترب منها بأعين شاخصة... لم تجرب ألم الولادة من قبل و كم مرة مرت عليها و هي ترتعد من فكرة تجربة هذا الألم... و لكن ببساطة حُرمت ممن كان سيمنحها تجربة كل هذا... توتر صوتها حينما خرج مهزوزا تقول بخوف:
("ندى" بماذا تشعرين تحديدا؟)


اعتصرت كف زوجها بين يديها بينما ترمق "رُبى" بنظرات متألمة باكية فقالت بصوت صارخ:
(ألم... ألم رهيب أسفل بطني و أشعر برغبتي في دخول الحمام... و ظهري يتفتت أنا...)

صمتت بصدمة حينما نظرت أسفلها لتجد بضع قطرات من الماء تتساقط ببطء و بعدها ازداد الأمر... صرخت بزوجها بقلق تقول:
(لقد ... نزل الماء!!!... "مصطفى" لقد نزل ماء ابنك أفعل شيء)

تكبل بما يحدث لها و صوت صراخها يمنعه من التفكير... نظر حيث أخاه الأكبر يطلب منه العون لكنه لم يجده... فعاد برأسه لزوجته يتكلم بتيهٍ متلعثم:
(لا تقلقي حبيبتي... سنذهب للمشفى الآن )

امتدت يدها إلى "رُبى" لتصبح متشبثة بزوجها و بها تقول لها برجاء:
(لا تتركيني يا "رُبى"... كوني معي )

اومأت لها بأعين خائفة مما يحدث الآن... ربتت فوق كفها تقول بتأكيد:
(لا تخافي أنا معكِ ...)

وصل "أحمد" بعدما خرج سريعا منذ سمع صراخ زوجة أخيه... وقف خلف "مصطفى" يقول بصوت هادئ كي يبث الأمان في أخيه الذي تبدل كليا بعدما رأى زوجته تعاني...
(هيا يا "مصطفى" جهزت لكما السيارة ... خذ زوجتك للمشفى لقد حدثت طبيبتها و أخبرتها بالأمر و هناك يستعدون لاستقبالها...)

هز رأسه بسرعة تنفيذا لكلام أخيه... ثم انحنى يحمل زوجته التي ابتل فستانها من الأسفل و جعل "مصطفى" يتوتر أكثر... تعلقت في رقبته تكتم صراخها بها مما جعله يهمس لها بصوت متألم:
(آسف يا "ندى" على كل ما تمرين به... آسف حبيبتي)

انغرست أصابعها في كتفه بعدما ازداد الألم فهز رأسه بسرعة عصبية يقول:
(سينتهي كل هذا يا روح "مصطفى"... سنذهب للمشفى و ستلدين و تصبحين بخير)
تحرك بها بسرعة حيث مكان سيارته و قلبه يئن بصمت مرتعد عليها...

كانت تراقب الموقف بأعين ذاهلة و كل ما بها يرتعد من الخوف... لا تعرف من أين توالى عليها أحداث يوم خسارتها لابنها و لكنها توالت بقوة... شعرت بثقل في كفها فنظرت له بتعجب لتجده كفه الذي مده لها من قبل مرات... كان قويا رغم حنانه... كان متشبثا برغم ليونته... كان هو بذاته "أحمد"... نظرته و نبرة صوته و تحفز جسده كل ما به كان يخبرها بشيء واحد فقط... شيء رفضته بعناد ... أنتِ ملكي مهما حدث لنا!!!
تكلم بصوت آمر و نبرة تملكية بينما نظرة عينيه تتجه إلى "أدهم" بتحدٍ أن يرفض ما يقوله...
(ستأتين معي...)

ابتلعت ريقها بتيهٍ و كأنها مغيبة... ما يحدث ل "ندى" يوقف تفكيرها و لا تعرف أهو تعاطف أم خوف كان مُخبأ قديما في زاوية نفسها و اليوم حان وقت خروجه... أم أنين رحمها بطلب ابنها منها الذي حرمته منه!!... كل ما بداخلها في هذه اللحظة دفعها لأن تنصاع معه دون تفكير و ربما كان دون شعور... ربما وجدت به الأمان الذي كانت تطلبه أثناء حملها هي... ربما اعتقدت أنه أتى ملبيا مطلبها بالقدوم ... ربما اختلط الأمر كله و لكن ما يحدث الآن هي لا تفقهه!...
أخذها معه تحت أنظار "أدهم" الغاضبة و "سارة" الناقمة... منذ شهور بعدما عادت و هو يهمش وجودها أكثر من الأول... بعد محاولة انتحارها و هو بعيد بعد مرعب... بات لا يتحمل صوتها لا يعبأ بلمسها لا يريدها كلها في ظل وجود "رُبى"... حادت منها نظرة له واقفا بغضب جوارها ينظر في أثر محبوبته الجديدة... عروسته التي طلبها للتو طارت مع آخر!!... ابتسمت بخبث و تقدمت منه تقول بنبرة مقصودة:
(تُركنا سويا و كأن لا قيمة لنا... لكن تعرف أنا أعذرهم ففي مثل هذه اللحظات لا يملك المرء من العقل ما يخوله لتنصيب كل شخص في مكانه الصحيح... يعني بدلا من قول «نعم موافقة» تشبثت بيد آخر و ذهبت معه دون حتى اعتذار!!)

التفت لها نصف التفاته لينظر إليها بنظرة خطيرة... ابتلعت سواد نظرته و تقدمت أكثر تقول ببسمة صغيرة سوداوية جدا:
(لا تنظر ليّ هكذا أنا فقط أحلل معك الموقف بصوت عالٍ... من يحق مثل هذه النظرة هي عروستك )

استندت على الطاولة تنظر في أثرهما الذي خرج منه و كأنهما عاشقان محبان... غامت عيناها بسواد لتهمس بفحيح:
(تُرى ما علاقتهما التي تجعل رئيسنا الجديد ذات الرأس العنيد توافق بصمت لتذهب معه بكل هذه الطاعة؟!...)

احتد الغضب به فضرب الكرسي المجاور له بحدة جعلتها تجفل بصمت... ضرب فوقه بيده يقول بحدة:
(ماذا تقصدين من كل هذا؟!... ألستِ سكرتيرته و تعرفين عنه كل شيء ؟!!!... إذا كنتِ تعرفين شيئا يجب أن أعرفه كفي عن الثرثرة و الهمز و اللمز هذا و أخبريني به ، و إن لا فاصمتي لأنكِ لا تنطقين بما يروق ليّ)

عادت بسمتها الخبيثة لتقول بصوت خافت بطيء :
(ما تود معرفته يجب أن تعرفه من صاحب الشأن و ليس منيّ)

تحركت أمامه تحمل حقيبتها و تعبره لتمر حيث الباب لكنها توقفت من قبضة يده القوية التي أشعرتها بمدى غضبه في هذه اللحظة... نظر لها بأعين خطيرة مهددة يقول بهدوء رغم خفوته لكنه مخيف:
(ماذا تقصدين بالضبط؟!)

نفضت يدها منه بحدة مماثلة له ثم نظرت في عينيه بأعين لمح بها الشماتة و لا يعرف السبب... قالت بصوت خافت هامس:
(كل ما أقوى على قوله... أبحث وراء عروسك يا عريس جيدا... فربما كانت في حياتها تجارب قبلك خصوصا أنها كانت في بلد أجنبي لمدة خمس سنوات!!!)

تركته تحت صدمة ما قالت و تحركت بغنج مكروه لديه... عاد يستند بكفه على الكرسي و ينظر للبعيد بأعين مشتعلة... ما تقوله هذا المرأة لا يعني سوى معنى واحد في قاموسه!!... معنى لا يستسيغه عقله لمرأة عابرة ما بال من اختارها لتكون زوجته؟! ... من اختارها لتحمل اسمه و شرفه... من وقع بسببها في حيرة بين فتاة مطيعة رقيقة كالفراش و بينها هي الثائرة الشرسة!!... مسح فوق شعره ببطء شديد و وجهه لا يبشر بخير... سؤال واحد يلوح في الأفق و يجعله يحترق بقوة... ماذا لو كانت في علاقة قبله؟!... بل ماذا لو تطبعت بطباع الغرب و كانت كما وصفتها "سارة" قبل لحظات؟!... هناك حلقة مفقودة في الأمر و لكي يعرفها عليه البدء من حياتها هنا قبل السفر... حياة "رُبى الحسيني" في الوطن قبل خمس سنوات...

.......................................
توقفت السيارة في منتصف الطريق بعدما طلبت منه زوجته لتشتد صرخاتها و ألمها ... نظر لها جواره تتمسك بأسفل بطنها ببكاء مزق نياط قلبه عليها... همس بحروف متلعثمة متوترة يسألها عن وضعها... صوت وجعها و هيئتها أمامه تجعل الأمر أصعب عليه بكثير... لم يكن يعرف أن لحظة الولادة بها كل هذا الألم... لكنه تأكد للتو بأن زوجته تكاد تموت فقط لتمنح الحياة لابنه الأول... سمع صوت رجائها الباكي المختلط بالوجع تهمس..

(لا أستطيع التحمل يا "مصطفى")


و قبل أن يتحدث صرخت بقوة أكبر من قبل ليتخشب هو بقلق دفين عليها... تكلم بتلعثم يحاول أن يخفف عنها ما تمر به:
(تناسي الألم يا "ندى"... حاولي أن تشتتي فكركِ بعيدا عنه)

احتدت نظرة عينيها و هي تصرخ به قائلة بوجع:
(اصمت يا "مصطفى" أنت لا تعرف أي شيء عن مقدار الألم الذي أمر به حاليا... أصمت )

هز رأسه بتوتر يومئ لها بقلب مرتجف عليها... وضع يده فوق مقود السيارة يقول بتوتر...
(دعينا نذهب للمشفى بسرعة حبيبتي... وقوفنا هنا ان يجدي نفعا)

امتدت يدها تتشبث بذراعه و تهمس بأعين دامعة متألمة برجاء...
(لا تشغل المحرك اهتزاز السيارة يجعل الألم أكثر سوءا)

ابتلع ريقه بقلق يسألها بخفوت...
(لكن يجب أن نذهب للمشفى يا "ندى" و إلا كيف ستلدين؟!)

هزت رأسها بلا أعرف و عادت تتمسك ببطنها ببكاء يزداد...
احترقت عيناه بدموع متأثرة بحالتها... أقترب بجسده منها حتى وصل لها يأخذ رأسها فوق صدره يضمها إليه بقوة و يدعو أن يخفف وجوده معها عنها بعض الألم رغم أنه صعب... تشبثت بقميصه بقوة تقول بخفوت أوجعه:
(أتألم يا "مصطفى"... أموت من الألم الذي يشتد مع الوقت)

انحنى يقبل رأسها يحدثها بصوت مختنق بالدموع:
(سيمر كل هذا يا روح "مصطفى"... سيساعدكِ الله بالتأكيد لأنكن قويات قوة لا يفهما غيركن لذا يمنحكن الله المساعدة لتحمل هذه الأمور... سينتهي الألم و تحملين طفلكِ بين يديكِ بعد قليل)

اشتدت قبضتها حول قميصه و صدر صوت صراخها المتألم... انتفض ينظر لها بأعين مذهولة يقول بتلعثم:
(ماذا يا "ندى"؟!!!... ماذا يحدث؟!)

اتسعت عيناها بقوة لتنهمر منهما الدموع و تقول هي بغير تصديق:
(هناك شيء ينزل!!!!)

نظر حيث ساقيها المستندة على ارضية السيارة ليقول بعدم فهم و خوف:
(ماذا الذي ينزل؟!...)

فجأة انفجرت المياه من بين ساقيها بقوة عن ذي قبل... اشتدت صرخاتها تقول بتألم مميت:
(هناك ثقل اشعر به... اشعر بشيء يخرج)

ابتعد للخلف بعدما ترك رأسها ينظر لها بصدمة و قلق... راقبها بتوتر و خوف لم يمر عليه من قبل... هيئتها أمامه ترعبه و صوت صرخاتها توقف تفكيره... تابعها ترفع ساقيها قليلا تنظر بينهما نظرة مصعوقة و تهمس بألم باكٍ...
(لقد نزل الرأس.... لقد ظهرت الرأس)

اتسعت عيناه بخوف يقول بعدم استيعاب:
(أي رأس ؟!... لا تخبريني!!!)

صرخت به بأنفاس متسارعة:
(ساعدني..)

اعترض يقول بقلق:
(يجب أن نذهب للمشفى يا "ندى" كي...)

قاطعته بحدة تقول بخوف:
(لا يجب أن ننتظر ... يجب أن يخرج)

هز رأسه رفضا فعادت تصرخ به بألم:
(افعل ما أقوله فأنا طبيبة أيضا...)

عقد حاجبيه بدهشة يقول:
(أنتِ طبيبة حيوانات يا "ندى"!!!)

همست بأعين باكية و رجاء مرتعش:
(تعال أرجوك ساعدني و ساعد ابننا...)

زفر برعب و قلق ليخرج من السيارة و يتجه ناحية بابها يفتحه بأيد مرتعشة... بعدما تمددت على الكرسيين الأماميين انحنى قليلا يقترب منها ليرى مقدمة الرأس بالفعل على وشك الخروج... هذه رأس طفله الذي حان وقت خروجه للحياة من رحم زوجته التي تموت ألما... الموقف برمته يصيبه بالشلل و العجز عن فعل أي شيء... تشبثت هي بالمقعد تقول بأنفاس متسارعة:
(سأدفع للخارج و أنت أسحبه...)

هز رأسه بتيهٍ و قد استعد بخوف ليتلقى ابنه!!... محاولة زوجته و صوت صراخها المكتوم... رأس ابنه و خروجها تدريجيا أمامه... حالة قلبه المتأهبة بكل ما فيها من مشاعر لن ينساها... كل ما يعيشه الآن يحفر داخل ذاكرته للأبد!... خرجت رأس ابنه بالكامل فسمعها تأمره بأن يسحبه بسرعة... لامس بكفه الكبير رأس ابنه لتصيبه رعشة قوية جعلته مصعوق بقوة... سحبه ببطء متزامن مع محاولات زوجته لتدفع باقي جسده للخارج... لحظات فقط و تمكن من سحبه كاملا لتحمله كفه الملطخة بدماء زوجته و جنينه معا تحت أعينه المتسعة بعدم تصديق... خفت صوت "ندى" لتعود برأسها للخلف تستند على المقعد بأنفاس تنتظم ببطء ... صرخة صغيرة خافتة مرتعشة من ابنه جعلته يتركه بخوف فوق المقعد و عقله لا يستوعب ما يحدث...
بعد لحظات تدارك الموقف لينزع سترته و يلف بها ابنه جيدا... حمله و وضعه فوق حجر زوجته التي اعتدلت ببطء تلتقفه منه بأنفاس مرهقة...أسرع يجلس فوق كرسيه ليأخذهما حيث المشفى...

استقبلتهما الطبيبة بدهشة بعدما قص لها كل ما حدث في كلمات متلعثمة متوترة ... ضحكت الطبيبة تقول:
(أعمل طبيبة نسائية منذ خمسة عشر عاما و أول مرة يمر عليّ موقف يولد فيه الزوج زوجته!!!... هذه أسرع ولادة حدثت في حياتي)

راقبت نظرات "مصطفى" المصدومة لتقول برفق:
(هون عليك... هكذا هي المرأة تضع حياتها على المحك لتهب لطفلك حياة جديدة... مبارك لكما)

بعدما تم نقل زوجته لغرفة في المشفى و تم أخذ ابنه لتهتم به الممرضات دلف لها ينظر لوجهها المتعب ليتقدم منها بذهول يقول:
(لقد ولد على يدي ... أنتِ بخير أليس كذلك؟)

ابتسمت بتعب تقول:
(نعم يا منقذي... ابنك يبدو كان متعجلا للخروج فلم أجد سواك ليساندني)

ابتسم بسمة مرتعشة لينحني يقبّلها بشكر و حب قائلا:
(كدت أموت خوفا عليكِ... حمدا لله على سلامتكما ليّ يا غصن الزيتون)

اغمضت عينيها تدفن وجهها في عنقه قائلة بخفوت:
(ألم أكن شجرة الزيتون من قبل؟!...)

نظر لها بأعين متأثرة مما عاشه للتو يقول:
(غصن أو شجرة يكفي أنكِ "ندى" ... حبيبتي )

......................................

بعدما عرفا رقم الطابق المتواجدة به "ندى" صعدا في صمت رافقهما طوال الطريق ... و حينما وصلا أخبرتهما الطبيبة بما حدث و أن "ندى" في غرفتها مع زوجها و طبيبتها تتابع استقرار حالتها قبل أن تخرج من المشفى... جلست فوق المقعد الموضوع في الممر بأعين شاردة و جسد متعب... لقد كانت ليلة طويلة جدا و انتهت نهاية غير متوقعة بالمرة... طلب الزواج و ولادة "ندى" كل شيء حولها يدفعها بقوة لأن تركن الصمت كي ترتب تفكيرها... شعرت بلمحة برد في الجو فأحاطت ذراعيها العاريتين بكفيها طلبا لبعض الدفء... لكن هذا الظل الذي خيم عليها فجأة و هذه السترة التي حاوطتها من قبل تلامس جسدها ببطء... ارتفعت عيناها حيث هو ينظر لها بنظرة عين لا تزال كما هي منذ عرفته... نظرة حانية دافئة و لكن خلفها يختبئ الألم الذي ذاقته معه سنوات... حركت كتفيها برفض كي تنزلق السترة من عليهما لكنه أحكم قبضته حولها يقول بصوت آمر:
(دعيها كما هي... تشعرين بالبرد فكفي عن العناد)

سحبتها من يده بحدة دون أن تنظر له و احاطت بها جسدها بصمت... عاد يستند على الحائط خلفه و عينه لا تتركها للحظة... هل ستوافق على طلب الزواج ؟!... هل ستقتله بقسوة و تحرمه منها للأبد؟!... لكنه لن يتركها لغيره بالمرة... لن يفعلها و لو كان أخر ما يفعله في عمره هو اعادتها له... جرحها نعم... ظلمها نعم... كان قاسيا معها نعم... لكنها روحه حبه الذي زين فؤاده و زوجته... التي كانت ذات يوم!!....

زفر بصوت مكتوم يهدأ من غضبه المشتعل بداخله منذ سمع "أدهم" يعرض عليها الزواج... ماذا يفعل مع رأسها اليابس و رغبتها في الانتقام منه؟!... هل يعترف لها بحبه و يخبرها عن مشاعره نحوها منذ سنوات... هل يقولها أن طلاقهما كان رجعيا و كان من الممكن أن يعيدها له من جديد... كيف يتخذ خطوته نحوها كي لا يجرحها مجددا؟!... كيف يا "رُبى" أصل إليكِ من جديد كيف؟!... تابع حركة يدها التي ارتفعت تبعد خصلات شعرها القصير عن وجهها بنعومة... توقفت عيناه على عنقها الطويل الذي سمحت للناظرين بحرية التمتع به... شعرها كان يحميه و يخفي روعته عن الجميع... أما الآن بات مباحا للكل... مباح ل "أدهم" !!!

عقله رفض هذه الفكرة بشدة و دفعه لأن يقترب منها بوجه غاضب ... ظله عاد يخيم عليها فرفعت عينيها له بحدة و لكنها اتسعت بصدمة حينما جلس القرفصاء أمامها على حين غفلة... هذا الوجه ... هذه الأنفاس... و النظرة من عينيه... ملامحه التي حفرت بداخلها من قبل... قلبها و نبضه رغم كل ما سببه لها!!... اربكها بقوة و حطم جزء كبير من نفسها الجديدة التي حاولت بنايتها بعيدا عنه... لتكتشف بكل غباء أنها بعد عودتها لا تزال.... تحبه!!!!
لم يكن حب مراهقة ... لم يكن مرحلة و انتهت... لم يكن زوجا اجباريا... لم يكن حلم عاشت تحلمه في بيته تحت جناحيه... بل كان حقيقة تمكنت منها و امتلكت روحها قبل قلبها... كان الشخص الوحيد الذي دمغ اسمه بداخلها و تسرب لها ... كان زوجها الذي أحبته رغم كل ما فعله بها... كان و لا يزال "أحمد النجار" ... الذي كان من المفترض أن يندم على فعلته بها لكن الآن لا تعرف أي طريق تسلك!!!...
همس بصوته الغاضب بغضب مكتوم متسلسل خلف قناع الجمود ...
(ماذا سيكون ردكِ على طلب الزواج؟!)

أخافها بنظرة عينيه الثاقبة هذه... جموده هذا تعرفه جيدا أنه يخفي خلفه الغضب ... لكنها عاندت و رفعت ذقنها تقول ببرود مقصود:
(و ما دخلك أنت؟!)

هذه الجملة التي تقولها كل مرة يتحدث معها ... هذا البرود الذي تواجهه به... هذه النظرة التي تقتله منها... نظرة خيبة مختلطة بألم... لقد خاب ظنها به ليس مرة بل مرات!!!... كل ما ارسلته عيناها لعينيه جعله يغمضهما بغضب ترجمه جسده في ضربة قوية من يده على المقعد الجالسة هي عليه... اتسعت عيناها و اختض جسدها من فعلته هذه التي جاءت على حين غفلة... نظرت له بترقب تراقب وجهه الذي تخلى عن قناع الجمود ليخرج الغضب و يرتسم بقوة... فتحهما ينظر لها مباشرةً بطريقة زادت من خوفها ليقول بصوت خافت بطيء:
(هل ستوافقين يا "رُبى"؟!... فقط أريد إجابة واحدة)

ابتلعت ريقها بتوتر من هيئته هذه... نظرت له بأعين حاولت قدر الامكان ان ترسم بها عدم الاهتمام... وقفت فجأة لتتحرك و تتركه في وضع القرفصاء ... زفر بحدة من عنادها ليقف بسرعة يجذبها من ذراعها بقوة جعلتها تتألم... سحبها مرة واحدة لتصطدم بصدره الذي احتواها ذات مرة من قبل... تسارعت انفاسها بخوف حقيقي من هيئته و بعدها سمعته يقول بتحذير:
(عنادكِ كان مسموح به من قبل لكن الآن لا أسمح به ... لا اسمح بعناد سيأخذكِ حيث شخص آخر)

كلماته التي يتوارى خلفها حقه بها... غضبه الغير مفسر لها... تحكمه بها حتى بعد انتهاء حياتهما معا... كل شيء دفعها هي ايضا للغضب ... ضربته بحدة مقصودة فوق صدره جعلته يعقد حاجبيه بصورة طفيفة من حدتها... اشتعلت عيناها لتقول بنبرة صوت رافضة:
(من أنت لتسمح ليّ بفعل هذا أو ذاك؟!... من أنت في حياتي؟! ... و من أنا في حياتك؟!!!)

لانت قبضته على ذراعها بشكل ملحوظ... تحركت كفه فوقه ببطء مشتاق للغاية... عيناه فاض منها الحنين و الحب... قلبه أوصل له رسالة واحدة عبر نبضه العالي... "رُبى" بين يديك من جديد!!...
حملته روحه المعلقة بها ... دفعه قلبه المشتاق لها... ساندته ذكرياتهما معا منذ سنوات أن يقول بصوت غلفه الحب الكبير...
(أنتِ .... زوجتي)

اتسعت عيناها لتقول بصوت حاد غاضب:
(كنت... كنت و لن أعد)

اشتدت قبضته مجددا ليقول بحدة :
(لن تعودي لتتزوجي من "أدهم" أليس كذلك؟!!!)

ارتعشت حركة جفنيها و شعرت بوخزة الدموع تحرقها... لو يعرف أنها لا تقوى سوى على حبه... لو يعرف أن وصفه لها بأنها غلطة يقتلها... لو يعرف أن رفضه لها في ذاك اليوم يكبلها بقوة و يلقيها في محيط أسود مياهه ثقيلة تسحبها للعمق... لو فقط يعرف أنها الآن تكره نفسها التي تميل له بكل ما فيها... فقط لو تعرف يا "أحمد" كم أحبك ليتغاضى قلبي اللعين عما فعلته بيّ و يتعلق بك من جديد... كتمت ما تشعر به في قلبها لتحتد عيناها و تتملص من قبضته قائلة بصوت مختنق:
(ابتعد عني...)

كادت تفلت لكنه جذبها مجددا يقول بتأكيد لا رجعة به:
(لا... لن أبتعد)

صرخت به متناسية مكان تواجدهما...
(لماذا؟!... لماذا ألم أكن غلطة من قبل؟!!!)

كلمتها ضربته بحدة في قلبه... وصفه بما حدث بينهما بأنه غلطة وقع بها هو ظنت أنه وصف لها هي... كانت غلطتي أنا يا "رُبى"... غلطتي في حقكِ حبيبتي... كانت ذلة وقعت بها و اوقعتكِ معي يا كل روحي... غلطة أنا مقترفها و أنتِ من حمل نتائجها بمفردكِ ... اهتاجت مشاعره و حان وقت أن تتضح الصورة التي تأخر في ايضاحها... تركها منذ سنوات خوفا من أن يكون ظهوره أكثر إيلاما لها... تركها لتتنفس بعيدا عما فعله بها... تركها ليموت اشتياقا و تموت هي بفعل كلمته... هدأ صوته و حمل كل الأسف ليقول بصدق لامسها:
(لم تكوني غلطة يوما... أنتِ وطفلنا لم تكونا سوى هبه من الله و كنت غافلا عنها حتى ضاعت من يدي... يومها ما وصفته بالغلطة هو فعلتي بكِ هو تعديّ عليكِ... هو تحميلكِ فوق طاقتكِ في شيء لم تكوني تريدينه...)

راقب توتر ملامحها و حزنها الذي طفى على السطح بقوة... راقب الدمع المتراكم في زاوية عينيها بكثافة... همس بصدق و صوت عاشق ينوي قولها لأول مرة لها... ينوي بإخبارها عن مشاعره نحوها ....
("رُبى" أنتِ لم و لن تكوني غلطة في حياتي... بل أنتِ... حب......)

قطع اعترافه صوت الممرضة التي ظهرت من العدم تقول :
(إن أردتما رؤية الطفل يمكنكما الآن...)

نظر لها من خلف كتف "رُبى" ليهز رأسه بهدوء و يراقب رحيلها... عاد ينظر لها بين يديه ساكنة صامتة و نظرتها متسعة بعض الشيء... نظر لكفه التي تلمس ذراعها بلوعة مشتاقة... قربها منه و طيب رائحتها الخاصة ... كلها معه الآن بعد فراق طويل جدا... شعر بها تتحرك حتى ابتعدت عنه ترفع ذيل فستانها بتيهٍ تقول:
(سأذهب لأرى الطفل...)

تحركت كفها لتنزع سترته من عليها لكنه قاطعها يقول بأمر:
(لا تفعلي... ستلتقطين البرد)

تركتها مكانها و تحركت بأعين شاردة... هل ما قاله صدق؟!... هل هي عاشت سنوات تحت صعوبة وصف كهذا و في النهاية يخبرها أنها ليست كذلك؟!...
راقب تحركها ليزفر ببطء شديد... كاد يبوح بحبه لها... كاد يخبرها أي عذاب عاشه معها و ليست هي فقط من عانت... أراد بشدة أن يقولها أحبكِ يا كل حياتي.... مسح فوق وجهه يقول بخفوت:
(لا بأس... المكان ليس مناسبا لقولها... كما أنه يجب أن أصلح ما أفسدته بداخلها قبلها)

نظر لكفه الذي لامسها به ليبتسم بسمة صغيرة جدا... رفعه حيث قلبه يضعه عليه هامسا بخفوت:
(أنتِ ليّ يا "رُبى"... أعرف كم جرحتكِ حبيبتي ... أعرف كم تألمتِ بسببي و لكنني أقسم لكِ سأصلح كل هذا ....)

......................................

دلف خلفها الغرفة المخصصة المتواجد بها ابن أخيه... وجدها تحمله ببسمة حلوة حلاوة تسلبه من نفسه و تلقيه داخل حبها ... تلامس كف الصغير بأصابعها الرقيقة و تبتسم له بسمة مشتاقة... قبلت اصابعه الناعمة بفمها ثم سحبت نفسها بقوة كي تمنع دمعاتها التي لامست قلبه... وقف خلفها يتابع فرحتها بطفل أخيه... وقف يشاهد أمومتها التي حرمها منها يوما ... همس بخفوت متأثر يقول:
(هل هو غافي؟!...)

هزت رأسها نفيا تقول ببسمة داعبت روحه:
(لا... يبدو جميل جدا)

غامت عيناه بحبها ليهمس بحزن:
(نعم...)

التفتت له بنفس البسمة الرائعة تقول بحماس:
(سآخذه لوالدته... هل هو مسموح؟)

نظر في وجهها السعيد نظرة طويلة معتذرة... بسببه حرمها من ابنهما دون قصد... اومأ بحنان يقول :
(لا تهتمي سأتحدث مع الطبيبة...)

اتسعت بسمتها له لتسرق نبض قلبه حينما قالت بعرفان:
(شكرا لك...)


تحركت أمامه تحمل الصغير بفرحة و تتجه نحو غرفة زوجة أخيه...
دلفا معا للداخل ليظهر للعين أنهما زوجان يحملان صغيرهما بفرحة كبيرة... رقت عين "مصطفى" لرؤيتهما معا مجددا و نظر لزوجته بأمل في عودة الود بينهما... بادلته "ندى" نظرة باسمة آمله مثله... تقدمت منهما "رُبى" تقول بسعادة:
(حمدا لله على سلامتكِ يا "ندى"... مبارك عليكما الصغير )

ابتسمت بخفوت لها تقول بضعف:
(سلمتِ يا "رُبى" و اعتذر عن تعبكِ معنا حتى هذا الوقت من الليل...)

أسرعت تقول بصدق :
(ماذا تقولين؟!... لا تعرفين كم أنا سعيدة برؤية صغيركما الآن!)


بكى الصغير مرة واحدة لتتسع عين "رُبى" بخوف و تنظر لوالدته قائلة:
(يبدو أنه شعر بالجوع...)

ابتسمت لها بحنان ثم مدت يدها تقول :
(هاتِه لأرضعه...)

تنحنح "أحمد" بحرج يقول:
(سأنتظر بالخارج...)

أسرع أخاه يقول بضحكة خافتة:
(انتظر سآتي معك...)

راقبت "رُبى" "ندى" و هي ترضع ابنها ليشتعل بداخلها حنين كبير لطفلها... لامست بطنها المسطح بأعين حزينة لتهمس بخفوت:
(اشتقت لك حبيبي...)

بالخارج...
ابتسم "أحمد" لأخيه يقول بفرحة:
(مبارك عليك يا "مصطفى"...)

اتسعت بسمته ليقول بعدم تصديق:
(لقد ولد على يدي يا أخي و الله لا أصدق ما مررت به... الحمد لله)

ربت "أحمد" فوق كتفه يقول بحنان:
(أصبحت أبا يا ولد و جعلتني عما ...)

تأثر بحديث أخيه بشدة و تذكر يوم معرفتهم بحمل "رُبى"... لقد استعد لاستقبال ابن أخيه و اليوم يستقبل ابنه هو !!... تكلم بقلب حزين على حال أخيه الكبير:
(كان ليصبح في عمر الخامسة الآن...)


ارتعشت كف "أحمد" و هو يفهم ما يرمي إليه أخاه... ابتسم بسمة مرتعشة يقول:
(أعطاه الله ليّ دون طلب و شاء أن يأخذه دون طلب... له الحمد على كل شيء)

صمت يبتلع وجعه الذي عاشه و هو يفقد ابنه الأول... يفقد قطعة منه اتحدت معها... يُفقدها حلمها ... يفقد فرحته مع فقدان جسده الصغير... همس بألم:
(تعرف ربما كان سيصبح ولدا غير صالحا... و ربما رؤية والدته له ستجعلها تتذكر تلك الليلة... و ربما أنا من لا يستحق هذا السخاء و المنح من الله لذا أخذها منيّ... أنا حقا لا استحق ما امتلكته يوما لذا أعاقب بخسارته)

تنهد "مصطفى" بحزن و اتجه يضم أخيه بقوة قائلا بهدوء:
(و ربما يصلح الله علاقتكما التي بدأت بالإجبار ... يمهد لقصتكما الطريق من جديد لتبدآ من بداية صحيحة لا وجع بها)

سحب نفسه بعمق ليقول بحزن:
(هل ستسامح ما فعلته بها يوما؟!... هل ستنسى و تعطني يدها من جديد؟!)

اعتدل "مصطفى" ليبتسم بأمل يقول:
(هذا كله معتمد عليك... اخبرها عن حبك يا أخي أو دعني اخبرها كيف مرت سنوات بعدها عنك عليك...)

ابتسم "أحمد" بشكر يقول:
(سأفعل يا أبا...)

عقد حاجبيه يقول بتساؤل:
(بماذا ستسمي ابنك؟!)

اتسعت بسمته يقول بسعادة:
("مالك"... "مالك مصطفى علي النجار"...)

........................................

بعد رفض مميت منها بأن يوصلها لبيتها في هذا الليل وافقت بعدما اتعبته معها... تجلس جواره في السيارة كما فعلت مرات في السابق... يتذكر مراهقتها و توصيلها للمدرسة يتذكر جمالها و حبه لها و هي بزي المدرسة... راقب هيئتها المختلفة عن الصغيرة التي عرفها من قبل ... بدت جميلة في شعرها القصير رغم بشاعة مقصدها من قصه... وصلت عينه حيث عنقها الطويل ... يغريه ليطبع قبلة عليه و يخبرها بعدها أن تخفيه عن الأعين المتلصصة... تنحنح يقول بغيرة:
(عنقكِ يبرز كله لأعين الناس!!... لا ترتدي ملابس كهذه حتى يطول شعركِ مجددا)


ابتلعت ريقها بخجل ثم رفعت يدها تتحسس عنقها بحمرة وجه لم يلحظها من الظلام... همست بعد فترة تقول:
(غض بصرك إن كان يزعجك)

ابتسم بعبث يقول بصوت تسمعه منه لأول مرة:
(من قال يزعجني ؟!... بل يروق ليّ جدا لكن ليّ أنا وحدي لا للجميع)

اتسعت عيناها فنظرت له بحدة تقول برفض:
(أنا لا اسمح لك بمثل هذا الكلام... ليس لأنك كنت تعرفني من قبل تسمح بأن ت... تتغزل فيّ بهذه الطريقة)

غامت عيناه بعاطفة قوية ليقول بحب:
(أعرفكِ من قبل جملة خاطئة... كنت زوجكِ و والد ابنكِ من قبل هي الجملة الصحيحة)

نبض قلبها الغبي بقوة فابتعدت عن نظرته التي تربكها لتقول بتلعثم:
(كنت... كم مرة سأخبرك أنك كنت و انتهى الأمر)

ضحك بخفوت لامس قلبها ليقول بتأكيد:
( من يدري هل أنتهى أم أن لقصتنا فصول أخرى؟!!)

ضربت إطار النافذة بيدها بحدة لتلتفت له تقول بعصبية :
(ماذا تريد منيّ بالضبط؟!)

عيناه تسمرت فوق شفتيها الجميلتين ليبتسم ببطء و يزداد وجهه وسامة قائلا بهمس داعبها:
(لو أخبرتكِ بما أريد الآن منكِ بالضبط لن يعجبكِ بالمرة!)


ابعدت وجهها عنه و قلبه يُعاد للحياة بقوة... رغم ألمها مما فعله بها تتوق له... رغم وجعها سابقا لسنوات تهفو نفسها لسماعه ، لرؤيته و لحنانه...
زفرت بحدة تقول بصوت متوتر:
(أوقف السيارة و دعني أنزل)

عاد ينظر للطريق قائلا بصدق متملك:
(تحلمين ... لن أترككِ حتى تصلين لبيت والدكِ)

هتفت بغضب تقول:
(حسنا لكن اصمت و لا تتحدث حتى نصل...)

ازدادت بسمته بقوة و هو يرى تأثرها به... صغيرته ذات الرائحة العطرة لا تزال كلماته تلامسها و تُخجلها... "رُبى" ربما طريقي لكِ طويل و صعب لكنه غير مستحيل...
اوقف سيارته تحت نظرتها المصدومة بقوة... هتفت فيه بحدة تقول:
(لماذا نحن هنا الآن؟!... أين بيت والدي؟!)

خرج من سيارته يقول ببسمة صغيرة مستمتعة:
(أريد أن أبدل ثيابي اولا...)

اخرجت رأسها من النافذة تقول بعدم فهم:
(و ما دخل ثيابك في توصيلي؟!!...)

انحنى برأسه ليقف قبالة رأسها فجعلها تجفل و تعود للخلف بسرعة... ابتسم بمشاغبة يقول:
(بيتي أقرب للمشفى من بيت والدكِ و اليوم كان طويل و احتاج تبديل ثيابي...)

فتحت الباب لتخرج منه قائلة بهدوء:
(حسنا لقد وصلت بيتك و أنا سآخذ سيارة أجرة لبيتي...)

أمسك يدها بقوة ليسحبها خلفه حتى عبر بوابة بيته الحديدية قائلا بأمر قاطع:
(ألا زال حبكِ في ركوب وسائل المواصلات العامة موجودا حتى بعد سفركِ للخارج؟!... لا سيارات اجرة و أنا من سيوصلكِ فقط دقائق أبدل ثيابي و آتي...)

وصل بها حتى الأرجوحة الخشبية التي جلست عليها من قبل مرات كثيرة... وقف يقول بهدوء:
(تعالِ للداخل حتى انتهي...)

احتل الحنين قلبها لهذا البيت الذي عاشت فيه قرابة السنة... هنا ذاكرت و هناك ضحكت و بين اروقته نبع حبها له... اختلطت ذكرياتها عليها لتظهر صورا من حنان والدته و جدته و طيبة "حنان" معها... كيف مر العمر هكذا و سرق منها ذكريات جميلة... أو كانت جميلة حتى تركها!!
ارتفعت عيناها له تقول برفض:
(لن أدخل البيت...)

هل لهذه الدرجة كرهت كل ما جمعهما سويا؟!... لكنه لن يتراجع عن اصلاح كل هذا ... لن يستسلم حتى يمتلكها من جديد... و يبدل ذكرياتها السيئة بأخرى رائعة معه هو فقط... همس بهدوء يحاول إقناعها:
(ألا تريدين رؤية الجميع؟!...)

ابعدت عينيها عنه تخفي اشتياقها لهم لتقول بخفوت:
(الوقت متأخر و بالتأكيد الجميع نيام...)

أولته ظهرها تنظر إلى اللا شيء مما جعله يعطيها حرية التصرف كما تريد... تحدث بهدوء يقول:
(حسنا كما تشائين... سأبدل ملابسي في دقائق و آتي)

اتخذ خطواته للداخل لكنه توقف ليلتفت لها قائلا بتحذير:
(إياكِ يا "رُبى" أن تتحركِ من هنا... و أخرجي فكرة سيارات الاجرة من بالكِ)

نظرت له ببرود تقول بهدوء مستفز:
(إن أحببت أن أفعلها سأفعلها.... أنا لا انتظر إذنك)

اغمض عينيه بغضب يقول بصوت مكتوم:
(فقط حاولي أن تفعليها و سأكسر رأسكِ العنيد هذا)

اتسعت نظرتها له لتقول بعدم تصديق:
(ماذا تقول أنت؟!)

التفت يعطيها ظهره و بسمة كبيرة مرتسمة على محياه... "رُبى" هنا بعد خمس سنوات غياب... بعد جرح كبير تركه في روحها... لكنه مستعد لأن يدفع روحه هو ثمن لأن يندمل و يُنسى...
راقبته يتجاهلها حتى اختفى للداخل... اتجهت بغضب ناحية الأرجوحة تنزع سترته بحدة و تلقيها فوقها بعصبية... تنفست بسرعة و غضبها منه يتفاقم... من هو ليتحكم بها بعد كل هذا الوقت؟!... من هو ليعبر عن مشاعره بكل حرية أمامها؟!... من هو ليظل ساكنا في قلبها بعد كل ما حدث؟!!...
زفرت بحدة تشتت تفكيرها بالنظر في أي اتجاه... توقفت عيناها عند سترته لترى محفظته ساقطة فوق الأرض... يبدو حدث هذا بعدما ألقتها بحدة قبل قليل... اتجهت نحوها بأعين رافضة مساعدته حتى لو بشيء بسيط كهذا... يستحق منها فقط العذاب و العناد و حرقة الاعصاب... لكنها انحنت بمضض تحملها بين كفيها كي تعيدها مكانها داخل سترته... وقفت بأعين متسعة و هي ترى صورتها في عمر الثامنة عشر بداخلها!!... يا إلهي هذه الصورة التي تواجدت في استمارتها الخاصة بالثانوية العامة!!... هل يحتفظ بها كل هذا الوقت؟!... و لماذا يفعل ؟!... تحركت أصابعها فوق صورتها بحنين لنفسها في هذه الفترة... لمشاعرها الصادقة حينها... لحبه الذي طرأ قلبها وقتها... توالت ذكرياتها حتى توقفت عند يوم الحادث لتغمض عينيها بألم على هذا الشعور بالخواء و الفقد... اليوم فقط أخبرها أنها لم تكن تلك الغلطة التي وصفها يومها... لكن ماذا عن ابنها الذي فقدته بسببه؟!... ماذا عن حالتها النفسية في تلك الأيام؟!... احتدت نظرتها فأسرعت تخرج صورتها من محفظته تنوي تمزيقها لقطع صغيرة كي يفقدها للأبد... كي يمحو هذه الهيئة من باله للأبد...

بعد قليل...
خرج من البيت بعدما بدل ملابسه لملابس مريحة ... ترك حلته الرسمية ليرتدي قميصا قطنيا و بنطال من الجينز... وجدها واقفة جوار الأرجوحة بصمت و شرود... تقدم منها يراقب هذا الجمال الذي كان له ذات يوم... يراقب الفتاة الوحيدة التي نبض قلبه لها... يراقب هضبته الخضراء الرائعة... قطته البرية الناعمة عطرة الرائحة... تنحنح كي يلفت نظرها فاعتدلت و توجهت ناحية البوابة الحديدية دون كلمة واحدة... تحرك خلفها يتابع مشيتها بقلب حزين على ما فرطت يده به... وصلا للسيارة و بعدها أدار المحرك حيث بيتها...
عندما أصبح بيتها على بعد شارع واحد فقط أجفلت على صوت احتكاك مفزع في هدوء الليل... نظرت له بأعين مرتعد ليبادلها النظر بتعجب... أوقف سيارته و خرج منها ليجد أن إطار السيارة الخلفي تلف ... خرجت بعده تنظر حيث ينظر فزفرت بصوت مسموع تقول بنبرة سخرية مقصودة:
(هل كنا سنموت لو لم تبدل ملابسك؟!... أنظر الآن ماذا حدث في سيارتك قبل أن اصل بيت والدي؟!)

نظر لها بحاجب مرتفع يراقب هذه السخرية منها... تقدم منها بينما ينفض يده من الغبار قائلا بهدوء:
(بيت والدكِ بعد شارع واحد تعالِ لنمشي حتى اوصلكِ...)

فلتت منها غصبا تقول بتساؤل:
(و أنت كيف ستعود في هذا الوقت؟!...)


امتلك وجهها بنظرته التي تربكها فتلعثمت تقول بسرعة:
(أقصد كي لا أحمل ذنبك و يحدث لك شيء بسببي!)

ابتسم بوسامة ليقول بهدوء:
(بقى على الفجر حوالي ساعتين و سأجد حينها سيارات اجرة)

زفرت مجددا و انحنت تحمل ذيل فستانها و تتحرك أمامه بغضب... تحرك خلفها بشعور سعيد يكفي أنه معها بعد سنوات... يكفي رؤيتها و سماع صوتها يكفي أن تكوني أنتِ "رُبى" حبيبتي...
دلفت البوابة الحديدية و وقف هو خارجها ليطمئن عليها حتى تدخل بيتها... ترددت أكثر من مرة و فكرها كله مرهون في طريقة عودته!... كادت تتكلم لولا صوت والدتها الذي جاء من خلفها قلقا:
("رُبى" حبيبتي ما كل هذا التأخير؟!...)

التفتت لها تقول بأسف:
(آسفة أمي "ندى" كانت تحتاجني...)

اومأت لها براحة بعد رؤيتها سالمة ثم قالت:
(لا بأس حبيبتي... كيف هي و صغيرها؟)

ابتسمت بحلاوة تقول:
(بخير الحمد لله... الصغير جميل جدا يا أمي)

تنهدت "رباب" بحزن تراقب ابنتها التي باتت تستشعر حلاوة خاصة في الصغار... حادت عيناها ناحية البوابة لتجده واقفا هناك يتابع ابنتها بنظرات قرأتها بسهولة... لا يزال يحب ابنتها و يريدها لكن كيف السبيل لإعادة ما فسد بينهما؟!... تحركت نحوه تقول بابتسامة صغيرة:
(مرحبا بني... مبارك لكم جميعا... تعال بني للداخل لا يصح وقوفك هنا )

حاول ان يعتذر لتتدخل هي قائلة بلا مبالاة زائفة:
(لقد تلف إطار سيارته قبل شارع من هنا... سينتظر سيارة أجرة)

اتسعت عينا والدتها برفض لتخرج له تسحبه من يده قائلة بصدق:
(انتظار ماذا؟!... الوقت متأخر جدا بني كيف ستبقى في الشارع بمفردك؟!... لربما خرج لصوص عليك!!)

اعترض يقول بذوق:
(لا تقلقي سيدتي... سأنتظر في أي فندق قريب حتى يحين الصباح)

نظرت له بتوبيخ تقول:
(فندق و بيتنا مفتوح... هذا عيب يا "أحمد")

التفتت ابنتها بأعين رافضة تقول :
(أي بيت مفتوح؟!!!... أمي ماذا تقصدين؟!)

اخرستها نظرة والدتها المحذرة من التمادي فقالت بهدوء:
(الرجل أتعب نفسه و أوصلكِ حتى باب البيت و نحن نتركه في أزمته و كأننا لا نعرفه... سيبيت هنا ساعات الليل المتبقية و بعدها نفكر في حلول لسيارته)

هتفت بها برفض كبير:
(أمي!!...)

عبرتها "رباب" التي تمسكت بكفه تأخذه معها حيث الداخل دون الاهتمام بنداء ابنتها!... تابعتهما بأعينها المستنكرة فعلة والدتها لتزفر بغضب حانق...
بالداخل حاول كثيرا أن يعترض على ما تنويه والدتها لكنها يبدو ورثت العناد منها!... رأسها يابس أكثر من ابنتها بمراحل... التفت حيث صوت "هاشم" الذي ظهر يقول بتعجب:
(ماذا يحدث يا "رباب" في هذا الوقت؟!)

شرحت له الموقف في كلمات قليلة لينظر بعدها حيث "أحمد" قائلا بتأكيد:
(شكرا لك بني على توصيلك لها... لا يصح البقاء في فنادق و بيتنا مفتوح)

زفرت "رُبى" بحنق ثم صعدت للأعلى بتذمر رافض مبيته هنا معها تحت نفس السقف... كيف بعد ما فعله بها يتعاملون معه بهذه الطيبة... إذا كان قلبها عاصيا و لا يزال يعشقه ماذا عنهم هم؟!... دلفت غرفتها و صفقت الباب بحدة كبيرة خلفها... وقفت تتنفس بغضب بداخلها و عقلها يرفض بشدة المبيت معه في مكان واحد!!!...
بعد دقائق سمعت دقا فوق بابها فاتجهت بمنامتها القطنية الرياضية تفتحه... وجدت والدتها تبتسم لها بسمة تريد من خلفها شيء... خرجت لها حتى وقفت بابها تقول بترقب:
(ماذا تريدين يا أمي؟!)

همست لها والدتها بخفوت:
(غرفة الضيوف تحتاج للتنظيف و "كريمة" ليست هنا... لا يمكنني جعله يدخلها لا أن ينام بها!)

انحنت تستند على بابها تعقد ذراعيها حول بطنها و تنظر لوالدتها بأعين متتبعة ما تقوله... همست بحروف ساخرة:
(و هل تريدين منيّ تنظيفها له؟!!!)

هزت والدتها رأسها نفيا تقول :
(بالتأكيد لا حبيبتي... لكن يعني لو ينام بغرفتكِ الليلة سيكون...)

اعتدلت فجأة في وقفتها تقول بصوت حاد رافض:
(هل تريدين منيّ مشاركته غرفتي يا أمي؟!)

ضربتها والدتها بخفة فوق رأسها تقول:
(اخفضي صوتكِ... أي مشاركة هذه يا مجنونة ؟!... أنا أقصد تعطيه غرفتكِ الساعات المتبقية من الليل)

تكلمت بغضب تقول:
(و ما دخلي أنا به؟!... أنتِ من دعوته للمبيت فجدي له مكان ينام فيه... لكني لن اتنازل عن غرفتي له!!... مستحيل)

احتلت ملامح الحرج وجه والدتها لتقول بضيق:
(ماذا سأفعل أنا في هذا الوقت؟!... أين سينام هو؟!)

زفرت بغضب تقول:
(دعيه يتشارك الغرفة مع "معاذ" و دعي "ريهام" تنام معي...)

نظرت لها بتوبيخ تقول:
(هل تريدين أن ينام في غرفة أختكِ يا "رُبى"؟!... و الله "معاذ" لو عرف سيهدم البيت فوق رؤوسنا!)

ارتفعت شفتيها بتعجب تقول:
(غرفة "ريهام" ممنوعة و غرفتي أنا مباحة أليس كذلك؟!!!)

تنهدت والدتها تقول برجاء:
(رجاء حبيبتي الرجل ضيف في بيتنا!!)

ضربت الباب جوارها بحدة لتقول بصوت مكتوم من الغضب:
(كان سيبيت في فندق لماذا تسحبينه للداخل ها؟!!!)

دخلت غرفتها تسحب غطائها و وسادتها و تخرج عند عتبتها تقول بضيق:
(دعي سمو الأمير يتفضل!)

ظهر "أحمد" من خلف والدتها فجأة لتتسع عيناها بحرج... هل كان هنا طوال الوقت؟!... هل سمع كل ما قالته؟!... اشاحت بعينيها عنه لتتحرك بتذمر تلقي ما بيدها فوق الاريكة المقابلة لغرفتها... جلست عليها بغيظ بينما والدتها تحدثه بصوت حنون و مضياف...
نادتها والدتها بعدها تقول بعشم:
(ابنتي تعالِ من فضلكِ لتبدلي شراشف السرير)

أغمضت عينيها بغضب تهمس بخفوت مشتعل:
(هذا كثير... كثير جدا)

ضربت الاريكة بكفها ثم وقفت تتجه نحوهما تحت نظراته الثاقبة لها... دلفت الغرفة تحت انظارهما المراقبة ... ابتسمت "رباب" بخفوت ثم تحركت لتذهب حيث غرفتها تاركة المساحة لهما لبعض الحديث... دلف خلفها الغرفة راقبها و هي تبدل شراشف السرير بحدة... وضع يديه في جيبيه يقول بدهشة:
(لقد اعطيتك غرفتي من قبل بطيب خاطر بينما أنتِ ترفضين اعطائي خاصتكِ لساعات قليلة!!!)

زفرت بصوت مسموع جعله يبتسم بمشاغبة... تحرك في غرفتها التي يدخلها لأول مرة ... ينظر في كل شيء يخصها بها... تبدو مرتبة كبيرة و ملائكية مثلها في سن الثامنة عشر... انهت عملها و التفتت له لتجده يتابع كل ركن بغرفتها ببسمة رائعة... احمرت وجنتاها بقوة ثم صدح صوتها الحاد تقول:
(سأترك لك غرفتي لكن لا تعبث في أي شيء بها... فقط ما تحتاجه هو السرير و قد جهز لك)

اقترب منها بخطوات بطيئة تحت أنظارها المتوترة ليقف قبالتها ثم ينحني للأمام ليقابل وجهها قائلا ببسمة عبثية:
(تُرى هل تخبئين بها سر؟!...)

عيناها حادت ناحية دولابها حيث حقيبة ملابس صغيرها لتتغلف بالحزن... عقد حاجبيه لينظر حيث تنظر بدهشة... ماذا يوجد هنا و يوجعكِ هكذا حبيبتي؟!... سحبت نفسها بقوة لتقول بأنف مرتفع:
(لا دخل لك بيّ...)

تحركت من أمامه لكنها عادت للخلف بسبب جذبه لها بقوة... امتلكها بالقرب من صدره يقول بنبرة توبيخ و نظرة عين محذرة:
(أخبرتكِ لا تقولين هذه الجملة مجددا...)

ابعدته عنها بحدة لتقول بتحدي:
(بل سأقولها كلما يحلو ليّ...)

تركته و خرجت سريعا من الغرفة تهدأ قلبها المضطرب بسبب قربه منها... اتجهت نحو الأريكة تعدل وضع الوسادة و تندس اسفل الغطاء بأعين غير مصدقة أنه هنا في غرفتها و سينام فوق سريرها!!...

........................................

تحرك ببطء حتى وصل فوق رأسها... انحنى يجلس القرفصاء قربها و ينظر جليا لوجهها الجميل الذي افتقده بشدة... دس يده في جيب بنطاله ليخرج قفاز صوفي صغير لطفل رضيع... قربه من وجهها ليهمس بخفوت متأثر:
(لا زلتِ تحتفظين بملابس ابننا يا "رُبى"!... في خزانتكِ حبيبتي تغلقين على أوجاع قلبكِ)

عاد يدخل القفاز بجيبه و ينظر لها بحب... جلس على ركبتيه حتى أصبح وجهه قريب منها ... تابع ملامحها الغافية و انتظام تنفسها الذي يخرج محملا بعبق رائحتها السالبة لقلبه ... ابتسم بخفوت و هو يستقبل انفاسها فوق وجهه... قلبه يحيطها بحنان و عقله يخلد قربها هذا في ذكريات جميلة... اشرأب برأسه حتى وصل لجبهتها يطبع قبلة حنونة دافئة و مشتاقة جدا هناك... رفع وجهه ليقابل وجهها من هذا القرب المميت له... لا يعرف لماذا الآن لكنه تذكر تلك الليلة و أخر قبلة وضعها فوق جبهتها كهذه أيضا... تحرك عنقه ببطء و هو يراقب شفتيها الناعمتين... بعد سنوات من البعد استطاع عقله أن يتذكر كل ما حدث تلك الليلة... يتذكر زوجته حبيبته و التي نالها بعقل مغيب و قلب عاشق... همس بصوت متأثر من قربها:
(تلك الليلة كنتِ أجمل و أنقى من رأت عيني... تلك الليلة يا "رُبى" دون قصد منكِ منحتني ما لا يقوى عليه أحد ... منحتني شعورا خاصا مرتبطا بقربكِ فقط... شعور أحيا حتى هذه اللحظة على ذكراه... رغم خوفكِ و رفضكِ يومها الذي تناسيته و كنت مغيبا تماما كنت ثملا بكِ إلا إنكِ يومها كنتِ تمنحين عاشقا لحنكِ الفريد الذي ظل يبحث عنه طوال العمر... و لحنكِ خُلد بداخلي جوار قلبي حبيبتي...)

في الصباح...
تحرك "معاذ" مع ابنته في الممر الخاص بغرف النوم... اتجهت "روفان" نحو الأريكة لتجلس عليها لكنها لمحت شيء متكوم هناك و مختفي بداخل غطاء... اقترب "معاذ" يحمل هاتفه و ينظر به باهتمام ثم جلس دون ان يتفقد الاريكة بكل ثقله عليها... صدر صوت تأوه متألم اسفله فوقف سريعا ينظر بتعجب لهذه الرأس التي تخرج من تحت الغطاء تقول بألم:
(ماذا تفعلون ؟!)

عقد حاجبيه بدهشة يسحب الغطاء عنها قائلا:
(بل ماذا تفعلين أنتِ هنا ؟!)

اعتدلت بوجه منتفخ تقول بنزق:
(أنام... ألم ترى شخص ينام فوق اريكة من قبل؟!)

ابتسم "معاذ" على هيئتها يقول بتساؤل:
(و ما دفعكِ لتنامي هنا دون غرفتكِ؟!)

حكت رأسها بنزق و أعين مغلقة تقول:
(لأن السيد "أحمد" ينام هناك)

اتسعت عيناه ليقول بترقب:
("أحمد"!!!!)

تشدقت بسخرية تقول:
("النجار"...)

جلس قبالتها يقول بفهم:
(و ماذا يفعل السيد "أحمد النجار" في غرفتكِ؟!)

نظرت له بغضب تقول:
(اسأل عمتك...)



عادت ترتمي فوق الأريكة لتنام بينما وقف هو يفكر بجدية ماذا يفعل طليقها هنا!!!... اقتربت منها "روفان" تقبلها من وجهها قائلة بصوتها الطفولي:
(استيقظي يا "رُبى" يكفي نوم... أريد أن أفطر)

فتحت عينيها تقبلها بحنان قائلة:
(لست جائعة الآن حبيبتي...)

جذبت غطائها للأسفل تقول بنبرة مصدومة:
(لا يجب أن نؤخر وجبة الفطور مطلقا... هكذا تحكي ماما و معلمتي في الروضة)

زفرت لتعتدل على مضض تقول بصوت ناعس:
(هو يوم لطيف من بدايته... هيا يا "روفان" كي نفطر)

وصلت لطاولة الطعام بهيئتها الفوضوية... ساق منامتها مرتفعة قليلا للأعلى بسبب نومها و تظهر بشرتها البيضاء ... شعرها القصير مشعث قليلا ... و وجهها منتفخ و لا يزال عليه أثر النوم... وقفت مكانها تنظر له في هيئته المرتبة الوسيمة يجلس بهدوء فوق طاولة الطعام يرمقها بنظرة مختلفة مربكة... ابتلعت ريقها بخجل لتتحرك تجلس دون حديث... التفت هو لصوت "معاذ" الذي قال:
(لقد اتصلت بشركة الصيانة و سيأتون في غضون ربع ساعة ليصلحوا العطل بالسيارة...)

شكره بمودة و بدأوا جميعا في تناول الفطور... تحدثت "روفان" تقول بتأكيد:
("رُبى" اشربي الحليب كي تكبرين مثلي...)

نظر لها "أحمد" يراقب امتقاع ملامحها فقال بهدوء للصغيرة:
(هي لا تحب الحليب...)

ارتفع حاجبها عاليا لتقول بعند:
(من قال هذا؟!... أنا أحبه هاتِه حبيبتي)

راقبها تحمل الكوب بأعين رافضة و ترفعه باشمئزاز حيث فمها لتلقيه في جوفها مرة واحدة تغصب معدتها على تقبله!... ارتسمت بسمة صغيرة فوق فمه و هو يراقب تغير ملامحها للقرف... تحملت دقيقة واحدة و بعدها وقفت تقول بسرعة:
(لقد شبعت... بالهناء لكم)

اسرعت تختفي من أمامهم تحت انظاره المستمتعة... بعد لحظات وقف هو ايضا يقول بهدوء:
(سأهاتف أخي لأخبره أنني سأتأخر عن الشركة...)

وصل بسرعة حيث الحمام الذي دلفته تفرغ ما وصل معدتها من حليب... بعد قليل خرجت بوجه متعب و نفس جازعة... توقفت بدهشة تراقبه مستندا على الحائط المقابل للحمام يقول ببسمة عابثة:
(كنت متأكدا من مكان وجودكِ الآن... لماذا تعاندين ما دام أنتِ كما أنتِ لم تتغيري أبدا)

وضعت يدها فوق صدرها تحاول السيطرة على شعور القرف قائلة بحدة:
(بلى تغيرت كثيرا ... لكنك ترى ما تحب أن تراه)

نزلت عيناه للأسفل حيث ساقها الظاهرة ليقول بتأكيد صادق:
(و الله ما دام ما أحب أن أراه جميلا لهذه الدرجة ليس لدي مانع!!)

تتبعت نظرته حتى ساقها لتزفر بغضب و تتحرك من أمامه... جذبها من يدها ليسحبها حيث الكرسي القريب ليجلسها عليه عنوة... انحنى حتى وصل لساقها يسحب بنطالها للأسفل ببطء قائلا بتحذير:
(انتبهي على ملابسكِ بعد الآن... لستِ هنا بمفردكِ فابن خالكِ يعيش معكِ)

ابعدت ساقها منه تقول بتعجب:
(ابن خالي هذا كان يحملني فوق كتفه قبل سنوات!!!)

صمتت قليلا لتقف تقول بغضب:
(ثم ما دخلك أنت؟!!)

اغمض عينيه يتحكم في فوران غضبه ليقول ببطء محذر:
(لو تكررت هذه الجملة ثانيةً سأكسر لكِ ساقكِ التي تظهرينها للناس هذه!)

اتسعت عيناها بقوة و لكنه تركها ليذهب دون كلمة اضافية... تنفست بصعوبة لتعود تجلس فوق كرسيها بقلب تعب من شدة النبض...

............................................

(حسنا "رُبى" لا بأس حبيبتي ما دام أنتِ بخير و لا تشتكين من شيء يمكنكِ الراحة لليوم كما تريدين... لا تخافي أنا هنا اتابع كل شيء)

اغلقت الهاتف لتجلس فوق مكتبها تتابع عملها بهدوء... منذ ما حدث بالأمس و قربه الذي بات يهدد سلامها و هي تعيش في دوامة لا تعرف إلى أين ستأخذها... "أدهم" رغم كل ما به يعجبها و لا تعرف كيف لقلبها أن يختاره... لكنه فعل و انتهى الأمر... رفعت أنظارها حيث "سارة" التي هبطت عليها من اللا مكان تبتسم بسمة مستفزة... زفرت "رحمة" بضيق تقول:
(خير يا "سارة"... ماذا هناك؟!)

اتسعت بسمة "سارة" بقوة تقول بنظرة شامتة:
(صديقتكِ في إجازة أليس كذلك؟!)

تنهدت بضجر تقول:
(نعم ماذا تريدين؟!)

ضحكت بسخرية تقول:
(بالتأكيد تفكر في عرض الزواج!)

عقدت حاجبيها بدهشة تسألها بترقب:
(عمن تتحدثين؟!)
اعتدلت في وقفتها تنظر لها باستخفاف ... لقد لاحظت ميلها لهذا الجلف "أدهم" و هو يهيم عشقا في صديقة عمرها... لن تكن "سارة" إذا لم توقع بينهما و تفرق ما بنتاه لسنوات... قالت ببطء شديد:
(ألا تعرفين؟!... حسبتها ستخبركِ لكونكِ أقرب الناس لها!!... لكن لا بأس أنا سأفعل)

مالت تستند بكفيها على المكتب تقول:
(بالأمس استلمت صديقتكِ عرض زواج من... "أدهم البنا" ... و يبدو أنها تفكر بجدية فيه لأنها تغيبت اليوم عن العمل )

سقط القلم من يدها فوق سطح المكتب و اتسعت عيناها بصدمة كبيرة... "أدهم" و "رُبى"!!! ... من أحبته أحب رفيقتها!!!... ابتلعت ريقها بصعوبة و ترقرق الدمع في عينيها لتهمس بخفوت متألم:
(لماذا دوما هي القمر و أنا النجمة الخافتة؟!... لماذا يا "رُبى"؟!!!!)



أنتهى الفصل....
ألقاكم الفصل القادم....



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-01-20 الساعة 05:19 PM
AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-19, 12:00 AM   #587

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

تسجيل حضور يا احمد يا ابن ام احمد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 77 ( الأعضاء 35 والزوار 42)
‏ام زياد محمود, ‏Lautes flower, ‏houda4, ‏mango20103, ‏حررره, ‏د/عين الحياة, ‏همس البدر, ‏suzi ar, ‏zezo1423, ‏منو6, ‏فديت الشامة, ‏ward77, ‏samira bouanane, ‏جعلنى عاشقه, ‏shammaf, ‏زهرورة, ‏هاجر هجوره, ‏Pretty flower, ‏سمية21, ‏fathimabrouk, ‏منال سلامة, ‏Wejdan1385, ‏مون شدو, ‏Abrakhom, ‏الغفار, ‏الغيد 11, ‏Mat, ‏اشراقه حسين, ‏eng miroo, ‏لاار, ‏سوووما العسولة, ‏موضى و راكان, ‏نور علي عبد, ‏Soy yo, ‏جلاديوس




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 20-12-19, 12:07 AM   #588

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
تسجيل حضور يا احمد يا ابن ام احمد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 77 ( الأعضاء 35 والزوار 42)
‏ام زياد محمود, ‏lautes flower, ‏houda4, ‏mango20103, ‏حررره, ‏د/عين الحياة, ‏همس البدر, ‏suzi ar, ‏zezo1423, ‏منو6, ‏فديت الشامة, ‏ward77, ‏samira bouanane, ‏جعلنى عاشقه, ‏shammaf, ‏زهرورة, ‏هاجر هجوره, ‏pretty flower, ‏سمية21, ‏fathimabrouk, ‏منال سلامة, ‏wejdan1385, ‏مون شدو, ‏abrakhom, ‏الغفار, ‏الغيد 11, ‏mat, ‏اشراقه حسين, ‏eng miroo, ‏لاار, ‏سوووما العسولة, ‏موضى و راكان, ‏نور علي عبد, ‏soy yo, ‏جلاديوس


منورة يا غالية😍😍


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-19, 01:09 AM   #589

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون
ياختااااااااااااااااي الطم
ياعني كان الواد احمد صعبان عليا بعد ما عرفنا المعاناة اللي عاشها في بعد ربي
بس دا مايمنعش انه اهبل بتصرفاته المتسرعه وضحك المنيلة سارة عليه اللي ماصدقت وعرفت تضغط عليه بنقطة ضعفه
وبعد ما البت حبة الكرز الغلبانه اعترفت لربي انها بتحب الجلف عديم الذوق اللي حشر نفسه في الليلة كدا بدون مقدمات
ايه يا ادهم يا ابن البنا حلم ايه ياخويا اللي عايز توصله
اما اروح اشوف المصيبة دي



ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 20-12-19, 01:35 AM   #590

MonaEed

? العضوٌ??? » 413356
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 356
?  نُقآطِيْ » MonaEed is on a distinguished road
Rewity Smile 2

الحقيرة سارة كالافعى ناعمة لكن لدغتها مميتة
ادخيوانة تريد تسميم كل شيئ حولها

ادهم البنا شو حلو
احمد نجار والله المفروض ندبح شئ اخيرا خرج عن صمته يالا الهول
سلمت يمناكى حبيبتى


MonaEed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.