آخر 10 مشاركات
دموع على خد القمر (124) للكاتبة: Helen Bianchin (الجزء 2 من سلسلة عواطف متقلبة) كاملة (الكاتـب : salmanlina - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          غريق.. بين أحضانك (108) للكاتبة: Red Garnier *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [تحميل] عقلي عنده ، للكاتبة/ لينا المنفي " ليبية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          حَمَائِمُ ثائرة! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree41Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-12-19, 11:30 AM   #91

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي


صباح الورد
تسجيل حضور
بانتظار الفصل


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-19, 05:32 PM   #92

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل الثالث عشر ||

بعد بضعة ساعات
عاد إلى مدينته غاضبا من نفسه ويلوم حاله على ما فعله قبل ساعات في بيت شمس، يشعر بالضيق من نفسه التي باتت فجأة غريبة عنه، لا يعلم لماذا تحول بين ليلة وضحاها إلى شخص جاحد ناكر لمعروف الغير عليه؟
كل ما يحدث معه يتلخص في إسم واحد 'صخر'
جلس في مكانه المفضل بالقرب من اسطبل فرس أخيه 'ريحانة' ، جلس مستندا بظهره على الشجرة العتيقة من خلفه وهو يزم شفتيه بشدة
رأسه تكاد تنفجر من كثرة الأفكار التي تدور وتدور وكلها تعود وتتمحور في فلك صخر
لا يعرف لماذا يحقد عليه بهذا الشكل وهو الذي لم ير منه سوا كل الخير من قبل أن يظهر في حياتهم حتى؟
هو موقن من صميم روحه بصدق حديث الجميع عن صخر وبأنه يستحق محبتهم حقا لكنه ورغم ذلك ينتابه تجاهه شعور خانق بالضيق
صرخت روحه فجأة باعتراض تخبره بما يحاول قمعه واخفائه عن الجميع، عن الحقيقة التي يحاول درأها حقيقة أنه لا يشعر تجاه صخر بالضيق ولا بالحقد كما يدعي وإنما بالضآلة
نعم الضالة الشديدة وكأنه طفل صغير جاهل أمام بطل همام وفارس مغوار عالم بكل شيء
لقد تكون لديه هذا الشعور الموحش منذ قص عليه يوسف كل ما حدث معه خلال السنوات التي قضاها مع عائلة زين الدين في العاصمة بعيدا عنهم ودور صخر في حياته
كان زيد لحظتها يستمع إلى أخيه بذهول غير مصدقا لما يسمعه وكان الأمر الذي يتحدث عنه يوسف خارق للطبيعة أو كأنه إحدى المعجزات
لن يكذب زيد ويقول بأنه كره صخر فور أن علم عنه كل هذا وإنما انتابه لحظتها وللعجب شعور بالفخر لأن هذا البطل المُضحي يكون ابن عمه
تعجب من إخلاص صخر لعائلة نبذت أمه بقسوة من قبل وترتب على ذلك نشأته في جو غامض غير صحي بالنسبة لأي طفل صغير بل وتقبله لمساعدتهم جميعا من كبيرهم إلى صغيرهم بصدر رحب ودون أن يطلبوا منه المساعدة من الأساس
تنهد بحيرة لا يعلم على أي بر يرسو، هو لم يكن يوما بهذا الجحود والغرور الغير مبرر ولذا هو يشعر تجاه صخر بالغضب أكثر
طالع الفرس التي تطل برأسها من الحاجز الخشبي للإسطبل وهو يقول ببؤس: " انظري لما فعلته بغيابي اليوم يا ريحانة.. كدت أخسر شمس وأخرب على نفسي سعادتي بسبب.. لا للأسف ليس هناك سببا لما فعلت "
تنهد بإحباط وهو يتابع: " لا أفهم ما يحدث لي كلما ذكر أحدهم اسمه أمامي.. أنا شخصيا لا أعرف نفسي وقتها "
أطرق برأسه وهو يضيف بضيق من نفسه: " هو لا يستحق عداوتي أبداً بل يستحق مني كل الشكر والامتنان على ما فعله من معروف عظيم مع أخي.. لقد رد عليّ روحي بتلك التضحية التي بذلها لأجل أخي ولولاه لكان أخي الآن بين طيات الماضي السحيق، لكان في مكان بعيد عني وإلى الأبد "
تنهد بعمق وهو ينظر للفرس مكملا حديثه: " صدقيني لو لم يفعل لي أي شيء سوا ما فعله ذاك اليوم السيء وإنقاذه لحياة أخي لكان ذلك أعظم هبة قد حصلت عليها يوما.. هو لم ينقذ يوسف فحسب بل انقذني معه لأنني بدون توأمي لا أكون.. يوسف ليس مجرد أخي أو توأمي إنه نصفي الآخر، مُكملي ومن بدونه حياتي لا تستقيم "
عاد يطرق بكآبة وهو يقول: " أنا أحمل صنيعه الطيب هذا في داخلي ولا أنكره والله لكني لا أعرف كيف أبدي له هذا أو ربما... ربما أنا لا أريد أن أبدي له شيء "
صمت لحظات قبل أن يزم شفتيه وهو يردف بخفوت: " أنا سيء يا ريحانة.. سيء جدا ولا أستحق الكرم الغزيز الذي يغدقه الله عليّ.. حتى أني لا أستحق تلك النعم الكثيرة التي وهبني الله إياها.. نعم أنا سيء ولا أستحق "
" كنت أعلم أنني سأجدك هنا "
رفع رأسه مجفلا وهو ينظر إلى أخيه متسع العينين وهو يقول متفاجئا: " أنت هنا.. متى وصلت؟ "
رد يوسف عابسا: " للتو.. أخبرني ما هذه السخافة التي قمت بها في بيت خطيبتك؟ "
زم زيد شفتيه بحنق وهو يقول: " تقصد زوجتي "
زفر يوسف بضيق وهو يقول: " أيا كانت صفتها فليس هذا ما جئت خصيصا لأناقشه معك "
سأله زيد بدهشة: " هل حضرت خصيصا من العاصمة لأجل هذا الموضوع حقا؟ "
هتف يوسف بحدة: " بالطبع.. وماذا تظن غير ذلك أيها الأبله؟ هل فقدت عقلك لتفعل ما فعلت.. تتشاجر مع زوجتك وتتشابك بالأيدي مع أخاها بل ويصل بك تهورك أن تتطاول على السيدة مروة في بيتها؟ "
أطرق زيد برأسه وهو يشعر بالحرج والخزي من فعلته المتهورة دون أن يعقب بشيء فصاح يوسف بنزق: " متى ستتخلص من عدائيتك تجاه صخر؟ بالله عليك ألا ترى أنك تماديت كثيرا وبسبب شعور وهمي أنت من غذيته لينمو ويتضخم بداخلك تجاه صخر أصبحت تفسد حياتك بيديك؟ "
قطب زيد وهو يلتزم الصمت بينما يتابع يوسف توبيخه: " لم أكن أظن أنك تبدلت لشخص آخر تماما بهذا الشكل خلال السنوات الماضية.. بت لا أعرفك حتى "
عاوده الشعور بالضيق من نفسه مجددا فغمغم ببؤس: " أنا آسف "
صرخ يوسف بحنق: " علام تعتذر بالضبط؟ ولمن؟ لي أنا؟ لماذا.. هل أنا من أخطأت في حقه؟ "
زفر زيد وهي يقول: " كفى يا أخي أنا... "
قاطعه يوسف بحدة: " أنت غبي "
رفع زيد رأسه يطالع أخاه بكآبة وحزن سكن مقلتيه مما جعل غضب يوسف يتراجع قليلا وهو يشعر بحيرة أخيه
رمقه بنظرة مقتضبة وهو يخطو ناحية ريحانة يملس على رأسها بحنو وهو يبتسم لها متمتما: " أهلا وسهلا بالغالية.. عذرا ريحانتي ازعجنا سكونك بصراخنا الصبياني وكأننا لم نكبر بعد "
صهلت الفرس محركة رأسها وهي تتلقى تربيتات يوسف الحانية على رأسها بحبور فاتسعت ابتسامته وهو يقول: " هل تصدقين أنكِ الوحيدة التي لم تزورني يوما في منامي؟ هل تعلمين السبب؟ (مال يقبل ما بين عينيها وهو يضيف بهمس حاني) لأنكِ كنتِ تسكنين صحوي وقلبي في كل وقت "
أجفل فجأة على لمسة خفيفة على كتفه من زيد وهو يقول ببؤس مس قلبه: " وماذا عني؟ "
تنهد يوسف وهو يستدير بوجهه ليواجهه قائلاً: " أنت كنت ولازلت نقطة ضعفي يا زيد.. مهما غضبت منك أعود وأختلق لك الأعذار حتى أستطيع التجاوز عن حماقاتك.. لقد أكتشفت أنك أحد أهم الأشخاص المزعجين في حياتي وللأسف الشديد لا أستطيع العيش بدونكم "
أقترب زيد منه فجأة حتى عانقه بقوة وهو يتمتم بحزن: " لا أعرف ما بي يا يوسف.. أنا لا أريد أن أكون هكذا ولا أعرف ماذا أفعل لأعود إلى طبيعتي الأولى؟ "
ربت يوسف على ظهره وهو يقول: " مشكلتك مع صخر "
تنهد زيد وهو يقول: " أعلم أني أظلمه ولكن... صدقني لا أعرف لماذا ينتابني شعور بالضيق كلما سمعت أي شيء عنه؟ "
أبعده يوسف عنه بلطف وهو ينظر له قائلا: " لما لا تمنح نفسك فرصة للتعرف عليه عن قرب؟ صدقني صخر شخص رائع وستسعد جدا بالتعرف عليه "
غمغم زيد بتذمر: " أقول لك مجرد سماع إسمه يزعجني تقول لي أقترب منه.. هل تريد اصابتي بالجنون يوسف؟ "
تنهد يوسف بإحباط وهو يقول: " لقد مللت منك "
عبس زيد وهو يقول: " ماذا قررتم بشأن جدنا؟ "
زفر يوسف وهو يقول: " لا شيء.. نحن نعتمد على جدي صالح في إقناعه بضرورة وجود صخر ليلة العرس حتى يعرف جميع أهل مدينتنا أنه واحد منا "
قطب زيد بتفكير للحظات قبل أن يتمتم: " معك حق وجوده ضروري.. سأرى ماذا يمكنني فعله من تلك الناحية عساني أجد طريقة اتخلص بها من شعوري البغيض تجاهه "
اومأ يوسف برضا وهو يسير بمحاذاته قائلا: " هيا بنا إذن لنرى كيف تسير الأمور بالداخل فعاصم أخبرني أن جدي صالح يتحدث مع جدي عبد الرحمن منذ ساعة تقريبا "
***

في الداخل / بمجلس الدار
كان عبد الرحمن يجلس على كرسيه الوثير قابضا بكفيه على عصاه المثبتة رأسيا في الأرض وهو يستند بذقنه على قبضتيه بينما عينيه مغمضتين بقوة
تنهد صالح بيأس وهو يقول: " لم أعهدك قاسيا بهذا الشكل.. ماذا يحدث معك وتخفيه عني؟ "
قطب عبد الرحمن وهو يرد بوجوم دون أن يفتح عينيه: " أشعر بالغضب يا صالح.. أشعر بالهزيمة أمام تلك المرأة التي سلبتني ولدي في يوم من الأيام ولم ترده لي بعدها "
تكلم صالح بهدوء: " أنت تظلمها من جديد يا عبد الرحمن ولا أعرف لماذا تفعل هذا وأنا أثق بأنك موقن من أن ما حدث ليس لها يد فيه؟ "
فتح عبد الرحمن عينيه وهو يرد على صاحبه بضيق: " نعم اظلمها وأعلم ذلك لكنه أهون عليّ من الإعتراف بأن ابني عصى أمري بإرادته ورغبته "
قطب صالح وهو يقول: " لماذا خالد بالذات يا كبير الجبالية؟ لو أحد إخوته فعلها ما كنت قسوت عليه كما فعلت.. فلماذا هو بالذات دون الآخرين؟ "
عبس عبد الرحمن وهو يجيبه: " تسألني لما هو بالذات يا صالح؟ تسألني وأنت تعلم الإجابة؟ "
رد صالح بقوة: " نعم أسألك يا عبد الرحمن.. أسألك لأنني لست مقتنعا بحجتك ولست راضيا عنها.. كفاك ظلما له يا صاحبي.. خالد ليس أنت "
صاح عبد الرحمن بإنفعال: " ولما لا يكون مثلي؟ إنه بكريي ومن ستكون له الكلمة من بعدي.. لقد ظللت لسنوات أربيه وأعلمه حتى يكون أهلا لذلك وفي النهاية ماذا فعل؟ ها.. ماذا فعل؟ استسلم للعشق السخيف وخارت صلابته أمام امرأة "
زفر صالح بضيق من صلابة رأس صاحبه بينما الأخير يكمل: " لو أنه ما عصاني وتزوج تلك المرأة من خلف ظهري لما شعرت اليوم بالعار على تعب سنوات أضعتها في تربيته التي ضاعت في لمح البصر "
هب صالح من جلسته غاضبا ثائرا بحمية لأجل خالد وهو يواجه صديقه بقوة قائلاً: " كفاك يا عبد الرحمن أوهاما.. ابنك لم يخطئ ولم يرتكب معصية وحينما أراد الزواج أتاك أولاً وطلب مباركتك ورضاك لكنك أنت من وقفت في طريقه وحطمت سعادته بيديك.. أنت من كسرت صلابته بتجبرك عليه وليس عشقه لتلك المرأة ما فعل كما تدعي "
قطب عبد الرحمن بغضب وهو يطالع صديقه بينما الأخير يتابع بنفس النبرة: " لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب.. جميعنا بشر نخطئ وليس منا من هو معصوم من الخطأ.. خالد أخطئ في حق تلك المرأة وليس في حقك أنت.. ظلمها هي ولم يظلمك أنت "
نهض عبد الرحمن من مكانه في اللحظة التي صاح صالح بضيق شديد لأول مرة متخليا عن هدوئه المعهود: " يفترض بك أنت أن تقف أمام ابنك وتعاقبه لما تسبب فيه من تشتت وظلم دام لسنوات وأثر في صميم أعماق حفيدك.. يفترض بك يا كبير الجبالية أن تكون أول من يهب مسرعا لنصرة حفيدك وليس لسلبه أبسط حقوقه "
شعر عبد الرحمن للحظة بالندم وقد أثر فيه حديث صالح لكنه أخفى ذلك ملتزما بصمته المقتضب بينما الأخير يضيف بحزن: " الشاب ضاع من عمره الكثير محروما من التنعم بكنف والده وعائلته.. ظل مشتتا لسنوات طويلة وحينما ظهر لم يطالبك بأي شيء كل ما أراده الحصول على هويته ليس أكثر وأنت في المقابل ماذا فعلت؟ أردت أن تحرمه منها وتبقيه على تشتته دون أن تنظر أو تفكر بالحيوات المتعلقة بتلك الهوية "
أشاح عبد الرحمن ببصره بعيدا بينما تنهد صالح بعمق وهو يقول: " أغضب منه وعاقبه لكن وهو أمام بصرك وتحت رعايتك هذا ما علمتنا إياه يا كبير الجبالية وقبلها حاول أن تفكر مليا في كل التضحيات التي أخبرنا يوسف بأن صخر فعلها لأجل العائلة دون أن يطلب مقابلا لها وحينها سترى ما أراه وستعلم بأنه لا يستحق العقاب بل عظيم الجزاء "
عاد عبد الرحمن ببصره إلى صديقه يطالعه بعدم فهم فرد صالح تساؤله الصامت بلطف: " إن من تسري دماء الجبالية في عروقه لا يستحق منك أن تنبذه بعيدا عنك.. أنا أعلم بأن ما فعله خالد تسبب لك في جرح كبير لكن صدقني لو نظرت بتأمل للحظات في مقلتي حفيدك الكحيلتين لهان عليك خطأ خالد وودت لو تمادى وأنجب لك المزيد من الأبناء على شاكلة ذاك الصخر القوي "
أشاح عبد الرحمن بوجهه من جديد يخفي بريق التأثر الذي ظهر في عينيه عن صديقه وهو يغمغم بغضب مزعوم: " إنه وقح قليل التهذيب.. ألا تتذكر تهجمه عليّ؟ "
ابتسم صالح بمكر وهو يقول: " تقصد ما فعله ردا على كلمات المجاملة التي قلتها في حق أمه أمامنا دون أن تراعي وجوده حتى.. نعم أتذكر ذلك "
زفر عبد الرحمن بضيق دون تعقيب فأبتسم صالح بمحبة وهو يقول: " أعد التفكير مرة أخرى يا صديقي.. حفيدك يستحق ودك فلا تضني به عليه فأنت أهل الكرم كله "
رمقه عبد الرحمن بإقتضاب قبل أن يتمتم: " فليقدم الله ما فيه الخير "
اتسعت ابتسامة صالح وهو يتنهد براحة قائلاً: " هذا هو صديق عمري كبير الجبالية وفخري "
غمغم عبد الرحمن بنزق: " بالطبع أنت سعيد بعدما حققت مسعاك "
ضحك صالح بوقار وهو يجيبه: " بالطبع ولأجل هذا الخبر السعيد سأبقى لتناول الغداء معك "
إبتسم عبد الرحمن بمحبة وهو يقول: " الدار دارك يا صالح.. تنيرها في كل وقت تحب "
***

{ أمام باب المجلس المغلق من الخارج {
اتسعت عينيّ زيد وهو يحدث أخوه بخفوت قائلاً: " لم أكن أعرف أن جدي صالح يمتلك أسلوب الضغط الملتوي هذا حتى يحقق مأربه "
ابتسم يوسف بإتساع وهو يرد عليه: " المهم أن جدي وافق.. تعال لنبشر عمي خالد "
اومأ زيد بتعجب من سرعة تبدل حال جده وهو يلحق بخطى أخيه الواسعة مفكرا بأن سيرة صخر لها تأثير قوي على الجميع لا يستطيع أحد تجاهله أبداً
***

في العاصمة
كان يجلس أمام مكتبه على نفس وجومه، ينظر إلى شاشة هاتفه الظاهر عليها إسم نبض.
منذ نصف ساعة كاملة وهو يحدق في رقمها وكلما قرر مهاتفتها يتراجع في اللحظة الأخيرة مستمرا في مطالعة الشاشة بوجوم.
لازال سفر أمه يؤرق مضجعه ومرض والده يكبله عن الإتيان بأي رد فعل حاسم في الوقت الحالي وما بين هذا وذاك تظهر نبض في الوسط بينهما فتزيد من شعوره بالعجز.
يريدها أن تعود فقد ملّ الهجر وما عادت روحه تقبل بفراقها لكنه أيضًا لا يريدها أن تتورط معه في المزيد من المشكلات ولسوء حظه كلما حاول حلّ إحدى العقبات تظهر أخرى من العدم فتُعيقه عن التقدم.
لكم يشتاق إليها ويرغب في رؤية جمال عينيها والغوص أكثر في حنان قلبها ودفء بسمتها!
مال برأسه للخلف يستند على ظهر كرسيه وهو يحدق في السقف بإرهاق وتعب
إنه شاحب للغاية.. شاحب الروح والمحيا
يعلم أن إرهاقه عائد لقلة ساعات نومه بل لانعدام فرصته في الراحة ولو قليلا منذ استلم تلك الحالة الجديدة التي دخلت المشفى قبل أيام في حالة حرجة
أجفل فجأة على صوت دقات خفيضة على الباب تلاها دخول آدم دون أن ينتظر سماع الإذن منه
شعر في لحظة بتبدد القليل من إرهاقه وهو يرى الابتسامة الواسعة المرتسمة على شفتي صاحبه فهب من جلسته مرحبا به: " أهلا وسهلا بالنذل الذي ما إن وجد أحبابه نسى أصدقائه.. يبدو أن اجتماعاتك مع حبيبك يوسف في مدينتكم قد أنستك وجودي وحيدا في العاصمة "
ضحك آدم بمرح وهو يعانقه مربتا على ظهره بخشونة وهو يقول: " لا تقُل هذا أنت حبيبي الوحيد "
دفعه صخر بغيظ وهو يقول: " لا أصدقك.. كذبك يتقافز أمامي ويطل من عينيك "
عبس آدم ببراءة مصطنعة وهو يجلس على الكرسي المقابل لمكتب صخر قائلاً: " هذه إهانة كبيرة في حقي واتهام لا أقبله سيدفعني لرفع دعوة قضائية عليك "
رمقه صخر ببرود وهو يرد: " اشرب من البحر "
قهقه آدم وهو يقول: " حبيبي الواثق "
رفع صخر حاجبا بمكر وهو يقول: " أي مصيبة فعلتها وجعلتك سعيدا بهذا القدر؟ "
غمز آدم بطرف عينه بخبث وهو يجيبه: " ليس أنا وإنما أبي من فعل "
قطب صخر بإهتمام وهو يقول: " حقا! وماذا فعل والدك؟ "
رد آدم بهدوء مترقبا لرد فعل صخر: " لقد رضى جدك مبدئيا عنك و... "
هتف صخر غاضبا: " وأنا لم أكن أنتظر رضاه من الأساس.. لم أطلب من أحد التدخل في هذا الأمر "
زفر آدم وهو يقول: " هلا هدأت أعصابك وفكرت ببعض التعقل؟ "
صاح صخر بضيق: " عن أي تعقل تتكلم يا آدم؟ هذا الرجل سب أمي أمامي دون أن يراعي لوجودي أي إعتبار "
رد آدم بمهادنة: " لا تنس أن هذا الرجل يكون جدك والد والدك ولا أظنك تريد بناء أي حواجز سد بينك وبين أحد بعد الإنجاز الرائع الذي حققته وبعد أن نلت هويتك ودعم أبناء عمومتك لك "
قطب صخر وهو يتكلم بحنق من بين أسنانه: " هويتي حقي يا آدم وهو لم يتعطف عليّ بها.. كنت سأنالها برضاه أو رغما عنه.. ما كنت لأتنازل عنها أبداً "
زفر آدم بملل وهو يقول: " أنا لا أفهم كيف تفكر يا رجل؟ لم أر في حياتي من هو عاشقا للكآبة والبؤس أكثر منك "
تنهد صخر وهو يحاول أن يهدأ من أعصابه قبل أن يبدأ الحديث قائلا: " هل تقصد أنه سمح لي بحضور عرس زيد؟ "
اومأ آدم إيجابا وهو يردف بحماس: " ليس هذا فحسب بل أنت ووالدتك أيضا "
قطب صخر بشك وهو يقول: " لا أصدق "
ابتسم آدم وهو يؤكد كلامه: " بلى صدق واطمئن فطالما تدخل الحاج صالح في موضوع ما فهو مقضي بإذن الله "
لانت نظرات صخر وهو يرد على صديقه باسما بامتنان: " أنا ممتن لدعم والدك لي.. بلغه سلامي وشكري حتى ألتقيه بنفسي وأشكره "
عبس آدم بغيظ طفولي وهو يقول: " صدقني لا داعي للشكر فهو فخور بك وللحظة شعرت برغبته في استبدالي بك "
ضحك صخر وهو يقول مازحا: " يبدو أن والدك يحبك جدا "
شاركه آدم في الضحك وهو يرد بمرح: " لولا أنني أخاف الحسد لكنت أخبرتك عن علاقة الحب الكبيرة التي تجمع بيننا "
أراح صخر رأسه على ظهر كرسيه وهو يقهقه قائلاً: " هذا واضح "
قطب آدم فجأة وهو يدقق النظر إلى صخر قائلا بتنبه: " ضحكتك خاوية يا صاحبي.. ماذا بك يا صخر؟ "
تنهد صخر بإحباط وهو يجيبه: " لا أعلم يا آدم.. صدقا لا أعلم "
طالعه آدم بجدية وهو يقول: " هل الأمر يخص زوجتك؟ "
قطب صخر ببؤس مجيبا: " أنا أظلمها معي يا آدم "
زفر آدم بإحباط قائلا: " ونفس الشيء مع نفسك يا صخر.. أنت لا تمنح نفسك أي فرصة للراحة أبدًا "
رمقه صخر مقطبا بعذاب وهو يرد: " وهل هذا بإرادتي يا آدم؟ انظر لحجم المصائب التي تحيط بي.. أمي سافرت وأبي هزمه المرض وعلاقتي بجدي سيئة وإلى جانب كل هذا لست قادرا على الاستقرار بعد في حياتي مع الانسانة التي أحببتها واخترتها لتلون عالمي الأسود "
مسح آدم على وجهه بأسى وهو يقول: " بقائك صامدا حتى اللحظة لهو أمر عظيم تُحسد عليه يا صاحبي "
ازدرد صخر ريقه وهو يتمتم بإرهاق: " بل هو من سوء حظي فلو انهرت وقُضِيَ عليّ لكان أرحم لي حتى أرتاح من هذا العذاب الذي لا ينتهي "
ابتسم آدم بمرح أراد به تخفيف الجو المشحون وهو يقول: " كيف تظن المُحال؟ إنك الصخر يا بني "
ابتسم صخر بتهكم مرير وهو يرد: " إسمي كان نذير شؤم عليّ "
زفر آدم بيأس قائلا: " لم أرك بائسا هكذا من قبل.. ماذا تخفي عني يا صخر؟ "
اعتدل صخر في جلسته وهو يقول بغموض: " لم تناقشني ولا مرة في موضوع خالك منذ أكتشف الجميع حقيقة ما فعله بعائلة الجبالي "
رد آدم ببرود لم يسبق أن تحدث به إلى صخر من قبل: " دعنا لا نتحدث في هذا الأمر رجاءً يا صخر "
قطب صخر وهو يسأله بترقب: " ليس قبل أن تخبرني السبب الذي جعلك تتحاشى التطرق إلى هذا الموضوع يا آدم "
لمعة من خليط الحسرة والحزن مرت في مقلتي آدم قبل أن تختفي تماما وهو يغمغم بنفس البرود: " لن يفيد الحديث في شيء فالموضوع انتهى "
لم يستسلم صخر وهو يكرر سؤاله بإلحاح: " لازلت انتظر معرفة السبب يا آدم "
نهض آدم من مكانه، موليا ظهره لصخر ومتحاشيا النظر له وهو يجيبه بصوت متباعد: " ماذا تريد أن تعرف بالضبط؟ أنني شعرت بصدمة كبيرة من كل ما عرفته.. أنني شعرت وكأني لم أعرفك أبدًا ولم أكن لك يومًا الصديق الذي تثق فيه لدرجة ان تبوح له بأسرارك وحقيقتك "
نهض صخر هو الآخر، يتقدم نحوه وهو يقول: " ما أخفيته عنك كان خوفًا عليك.. لم أكن أريدك أن تتشتت بيني وبين خالك.. هل تظنني كنت سعيدا بكتم الأمر؟ كنت راضيا عما أفعله؟ "
إلتفت آدم له يصيح بحنق: " لو كنت تثق بي ما كنت أخفيت عني حقيقة خالي يا صخر "
صاح صخر في المقابل: " لا تهذي يا آدم.. تعلم جيدًا أن ثقتي بك لا حد لها فلا تتصرف بصبيانية "
لكزه آدم في كتفه وهو يهتف: " لا يا صخر.. أنا لا أعلم شيء سوا أنك لم تجدني محل ثقة لتخبرني عن... "
قاطعه صخر وهو يضحك بصوت خاوي: " اصمت بالله عليك يا آدم أنت تدفعني حقا للضحك رغم إرادتي.. تتحدث عن الثقة مع أكثر شخص لا يمكن أن يبخس من يستحقها قدره وكأنك نسيت أنني عانيت أيضًا من نفس النقطة في حياتي "
للحظة أشفق آدم عليه لكنه عاد لجفائه قائلا: " حاول أن تقنعني بوجهة نظرك إذن "
زفر صخر بملل وهو يمسح وجهه متمتما: " كان من الصعب عليّ مواجهتك بكل ما فعله خالك .. لم أستطع أن أخبرك عن أعماله المشبوهة وأسيء إليه أمامك وأنت الذي لطالما تغنيت عن عائلة أمك وسمعتها الطيبة "
طالعه آدم بصمت واجم بينما صخر يضيف: " لقد حاولت جديا أن أخبرك ذات مرة لكنني لم أستطع.. من الصعب أن تكتشف أن أحد أفراد عائلتك يحمل كل هذا الكمّ من الفساد والظلم وأنا لم أرد أن تتشوه صورته في نظرك وتركته للوقت المناسب.. ظننت أنك ما إن تعود من سفرك حتى أكون قد استجمعت شجاعتي لأفصح لك عن كل شيء ولكن... "
أطرق آدم رأسه بخزي وهو يكمل ما لم ينطق به صخر: " هل خشيت أن أتهور وافضح سرك؟ "
زفر صخر بإحباط وهو يجيبه: " بل خشيت أن تتشاجر معه ويؤذيك "
رفع آدم رأسه يرمقه بغموض وهو يقول: " كما خشيت على سعد؟ "
فكان جواب صخر صادق للغاية: " بل أضعاف ما خشيت على سعد فأنت صديقي يا آدم "
ازدرد آدم ريقه قائلا بترقب: " هل تقصد أننا لازلنا على عهدنا أصدقاء أم أن ما فعله خالي كسر عهدنا؟ "
رد صخر بعبوس طفولي: " وهل كان خالك طرفا في صداقتنا أو عهدنا يومًا من الأساس أيها الأحمق؟ "
زفر آدم وهو يقول: " وماذا عن يوسف؟ "
أجابه صخر برضا: " يوسف يتلمس أولى خطواته في العودة إلى ما خسره في الماضي.. لقد حكى لي عن الحفاوة التي استقبلوه بها عند عودته وكأنه كان مسافرا لا عائد من الموت "
أنهى حديثه وهو يغمز بمرح شاركه فيه آدم وهو يقول: " لا أعلم كيف لم يخافونه أو يظنونه شبحا؟ "
ضحك صخر متمتما: " كنت أتمنى أن أكون حاضرا وقتها لأرى الصدمة المرتسمة على وجه المغرور زيد حين سمع صوت أخوه وأكتشف أنه ليس نفس صوت من كان يحدثه من قبل "
زم آدم شفتيه وهو يغمغم بأسى مصطنع: " معك حق.. يا للخسارة! فاتنا العرض إذن ولن نستطيع أن نشمت فيه "
رمش صخر ببراءة زائفة وهو يرفع يده باستسلام قائلا: " تكلم عن نفسك إذا سمحت.. أنا لا أشمت في أحد فالشماتة صفة سيئة وأنا أخلاقي لا تسمح لي بذلك أبدًا "
ابتسم آدم بسماجة وهو يقول: " آه نسيت أنك لا تشمت في أحد إطلاقا وخاصة إن كان زيد "
اومأ صخر وهو يكتف ساعديه أمام صدره، مبتسما بسماجة مماثلة فانفجر آدم ضاحكا وهو يرفع يده ملوحا بها بينما يقول: " إلى اللقاء يا سيد مؤدب.. نلتقي قريبا في المدينة بإذن الله "
فتنهد صخر وهو يرد: " حسنًا يا آدم فليكن إن شاء الله "
غادر آدم المكتب ولازال صخر على وقفته شاردا حتى غمغم بإرهاق: " رُحماك يارب "
***

مساءً / في فيلا الجياد
كانت نغم تسير على غير هدى منذ قليل وهي تشعر بالضيق والاختناق ففضلت النزول إلى الحديقة واستنشاق بعضا من هواء الليل الرطب علها تعود إلى هدوئها الذي بات يلازمها منذ انتساب صخر لعائلته الحقيقية
وكأنها فجأة وعت لحقيقة أنها فتاة ناضجة عليها الكثير من المسئولية تجاه عائلتها وخاصة مع الظروف الحرجة التي كانت تمر بها العائلة في الفترة الأخيرة
أنكسر القناع الصلب وتشققت القشرة الوهمية التي كانت تحمي نفسها خلفها من إظهار مشاعرها الحقيقية لمن حولها حتى لا يكتشف أحد نقاط ضعفها ويستغلها
لطالما عاشت سنواتها الماضية كلها تغذي بداخلها شعور التخفي خلف الأقنعة المتعددة حتى تحمي نفسها من الخسارة أو المرور بتجربة الفقد المريرة كما حدث مع أمها حينما فقدت الرجل الأول في حياتها والتي سلمته ذات يوم قلبها بدون شروط
وقفت على بُعد أمتار قليلة من البوابة الضخمة التي تقف كحارس عملاق يحرس الفيلا وهي تحتضن نفسها بنفسها وقد كان شعرها حرا طليقا يتحرك بنعومة على وجهها بفعل تلك النسمات الباردة الرقيقة من حولها
نظرت مُحدقة بقوة في البوابة وكأن بصرها قادر على اختراق تلك المادة الصلبة وكشف ما يقع من خلفها على الناحية الأخرى من الطريق، للحظة تمنت لو تحقق ذلك فعلا.. لو أنها تستطيع اختراق أي شيء تريد حتى تعلم ماهية ما يخفيه بجعبته
تنهدت بقوة وهي تفكر أن ما أصعبها دواخل البشر.. كآبار لا قرار لها من الصعب كشف ما تحويه بداخلها وخاصة مع قدرة النفس البشرية على التلون في أثواب الخديعة والمكر والدهاء وقتما تشاء لتخفي ما تشاء
أجفلت فجأة على صوت علية من خلفها وهي تقول بقلق: " نغم هانم هل تحتاجين لشيء؟ "
إلتفتت نغم تنظر لها بهدوء مجيبه: " لا علية.. شكرا لكِ "
اومأت علية دون أن تتحرك من مكانها فسألتها نغم بنفس النبرة: " ما الذي يبقيكِ مستيقظة حتى الآن؟ "
ارتبكت علية للحظة وهي تغمغم: " كنت سأنام حالا لكنني أردت قبلها سؤال مصطفى عما إذا كان يحتاج لشيء أولاً "
رفعت نغم حاجبا بمكر وهي تردد: " مصطفى! اممم ولماذا مصطفى بالتحديد.. لما لا يكون سيف؟ "
اخفضت علية بصرها بحرج شديد وهي تتمتم: " كنت سأسال من أجده منهما يا هانم "
رمقتها نغم بنظرة متسلية قبل أن تقول ببساطة: " هيا اذهبي لمصطفى... أقصد لمن تجديه منهما فأنت قلتِ أنكِ لا تقصدين مصطفى بالتحديد أليس كذلك؟ "
اومأت علية بسرعة وهي ترد: " أجل نغم هانم "
أنهت حديثها وفرت من أمام نغم مسرعة الخطى ناحية البوابة حيث يقف سيف يتحدث في الهاتف ومصطفى يجلس على كرسي واضعا ساق على اخرى وهو يدندن بلحن ما
أنهي سيف المكالمة واستدار حول نفسه وهو يقترب من أخيه وبدى عليه رغبته في إخباره عن شيء ما إلا أن رغبته تلك تراجعت فورا مع تراجع خطواته حينما انتبه لقدوم علية في اتجاههما
انسحب بهدوء دون أن يعقب بشيء وهو يعلم أن وجوده قد يمنع علية من الحديث مع أخيه عما تريده وفي داخله يشعر بأنها تكن مشاعر خاصة لأخيه المستفز الذي دومًا ما يعاملها بطريقة تغيظها
توقف مصطفى عن دندنته وهو يقطب حاجبيه متحيرا من انسحاب أخيه الصامت لكن في لحظة اقتراب علية منه أدرك ما يحدث فرفع حاجبا بمكر وهو يحدث نفسه: " إنه يخلي لي الساحة ويتصرف بلباقة حتى لا يحرجها.. أخي المهذب لا يعلم أن المسكينة تحتمي في وجوده مني "
تنبه على صوتها الخافت بحرج وهي تقول: " مساء الخير "
نهض من مكانه وهو يبتسم لها بخفة قائلاً: " مساء النور كله "
أطرقت بوجهها في خجل وهي تقول بتلعثم: " أردت سؤالك عما إذا كنت تحتاج لشيء قبل أن أخلد للنوم "
ضيق عينيه وهو يطالعها بمكر قائلاً: " وإن أخبرتكِ أنني في حاجة لشيء ما ماذا ستفعلين حينها؟ "
ردت على الفور بحماس: " سأحضره لك بالتأكيد أخبرني فقط أي شيء تريد؟ "
تحكم في إبتسامة تلح عليه أن يسمح لها بالظهور وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله صامتا للحظات قليلة قبل أن يعبس ببؤس طفولي وهو يقول: " أنا جائع جدا "
رفعت حاجبيها بذهول وهي تطالعه متمتمة: " كيف؟ قبل ساعة واحدة رأيتك وأنت تلتهم كل ما حوته أطباق العشاء التي احضرتها لك أنت وأخاك "
تفاجأ مصطفى من علمها بما فعله بينما هي تضيف بعبوس متحير: " ألا يفترض بسيف أن يكون هو من يشعر بالجوع وليس أنت؟ "
تحكم في ضحكته بصعوبة وهو يتصنع الحنق مغمغما: " ماذا تقصدين آنسة علية؟ أنني شرِه مُحب للطعام "
هزت رأسها سلبا وقبل أن تتمكن من الرد كان هو يضيف بخبث: " ثم تعالِ هنا وأخبريني هل تراقبينني أم ماذا؟ "
أطرقت برأسها من جديد ووجهها يحتقن حرجا منه بينما تجيبه بصوت مرتبك: " أنا لا أراقبك.. أنا... لقد رأيتك بالصدفة "
رفع مصطفى حاجبا باستفزاز وهو يقول: " ألا ترين أنها كانت صدفة طويلة مكنتك من رؤيتي وأنا ألتهم كل الأطباق؟ "
زمت شفتيها بقوة وهي تشعر برغبة مُلحة في البكاء من شدة الحرج الذي تشعر به بعد أن كشف مراقبتها له
لانت ملامحه قليلا وهو يراقب حرجها وارتباكها كطفلة صغيرة أمامه فأبتسم بخفة وهو يقول: " بصراحة أنا فعلا مُحبا للطعام كثيرا حتى أنني أحيانا ما أنسى ترك القليل منه لأخي (أكمل وهو يضحك) أخشى أن يموت جوعا بسببي ذات يوم "
ابتسمت بهدوء وقد بدأ حرجها يتراجع أمام خفة ظله وهو يتابع حديثه: " لكن هناك مشكلة "
نظرت له بترقب فقطب بجدية مصطنعة قائلاً: " بما أنكِ قد كشفتِ سري فبالطبع قد لاحظتِ إختفاء أحد الكوبين الزجاجيين اللذين أحضرتِهما لنا في وقت سابق "
قطبت علية بجدية وهي تفكر فيما يقول لكنها لم تتوصل لشيء فسألته بحيرة: " عن أي كوب تتحدث؟ لا أفهم "
تنهد براحة عميقة وهو يقول كاتما ضحكاته: " الحمد لله طمأنتيني كثيرا.. يبدو أنكِ لم تكتشفي اختفائه إذن وهذا من حسن حظي "
طالعته بعدم فهم وهي تقول: " إختفاء ماذا؟ "
رد مصطفى بجدية زائفة: " الكوب الزجاجي "
قطبت للحظات وهي تحاول الفهم حتى عبست وهي تسأله: " هل تقصد أن هناك كوب زجاجي مفقود؟ "
اومأ مصطفى دون تعقيب فسألته بإهتمام: " وهل تعلم أين هو؟ "
اومأ من جديد بصمت فكررت سؤالها بترقب: " أين هو؟ "
رد بصوت مختنق من أثر كتمه للضحك: " إنه في خبر كان الآن "
رفعت حاجبيها بعدم فهم تقول: " ماذا؟ "
أجابها بنفس النبرة محركا كتفيه بخفة: " ليس ذنبي.. لقد كنت جائعا ولم أشعر بما فعلت "
سألته بحيرة بالغة: " لا أفهم.. ماذا فعلت من الأساس؟ "
رد بلامبالاة وهو يهز كتفيه بطفولية: " أكلته "
طالعته بهدوء للحظات قبل أن تجحظ عينيها بشدة وهي تهتف بلا وعي: " أكلت ماذا؟ الكوب الزجاجي! هل تتحدث بصدق؟ "
اومأ برأسه إيجابا وهو يزم شفتيه بقوة فهتفت من جديد بذعر: " كيف تأكل الزجاج؟ يا إلهي.. ألا تشعر بالألم؟ هل معدتك بخير؟ بل هل جسدك كله من الداخل بخير؟ "
نظر لها ببساطة مجيبا: " ليست المرة الأولى.. أنا مُعتاد على ذلك كلما فلت الأمر مني وشعرت بالجوع الشديد "
تراجعت علية خطوة للخلف دون أن تشعر وهي تطالعه بخوف متمتمة بحذر: " هل... هل هناك أشياء أخرى ت... تضطر لأكلها حينما تجوع غير الزجاج؟ "
رد بنفس النبرة بعدما تصنع التفكير للحظات: " اممم لا أظن فأنا لست من هواة أكل لحوم البشر "
رددت مصعوقة وهي تضع كفها على فمها: " آكلي لحوم البشر! "
طالعها ببراءة زائفة بينما هي أخذت تتراجع بخوف وهي تتمتم: " يبدو أنك بخير ولا تريد لشيء لذا... سأذهب أنا.. تصبح على خير "
وفي لحظة كان قد أطلقت لساقيها الريح وهي تهرول بعيدا عنه ونظراتها تفضح خوفها الشديد وقد صدقت بالفعل أن مصطفى قد أكل الكوب الزجاجي
أما هو بمجرد أن ابتعدت انفجر في الضحك منتشيا بمقلبه الجديد الذي أوقع تلك المسكينة فيه دون أن تلاحظ أنه يمزح
اتجه لكرسيه من جديد وهو يتمتم بمكر: " تمت المهمة بنجاح.. حان وقت بدء التفكير في المقلب الجديد حتى تكون المسكينة تخطت صدمتها "
ثم عاد يضحك براحة بال من جديد وهو يفكر في رد فعل سيف عليه إن علم بأنه كالعادة أضاع الفرصة ولم يخبر علية بأنه يبادلها نفس الشعور الخاص
***

في نفس التوقيت / دار الجبالي
} غرفة يوسف }
كان يتقلب على فراشه بلا هوادة، النوم يُجافيه وهو يشعر بالغيظ من عقله الذي لا يكف عن التفكير في عفريتته.
زفر بضجر وهو يرمي الغطاء بعيدا عنه محدثا نفسه: " وماذا بعد؟ ألن ننام كبقية البشر الطبيعيين في ليلتنا هذه أم ماذا؟ "
إنتهت جملته في نفس اللحظة التي فتح زيد الباب وهو يدخل قائلا بدهشة: " هل تتحدث مع نفسك يا أخي؟ "
رمقه يوسف بعبوس وهو يغمغم: " ماذا تريد أنت الآخر؟ "
جاوره زيد على فراشه وهو يسأله: " فيمن كنت تفكر؟ "
رد يوسف وهو يزفر بحنق: " في فتاة أحبها (رمقه بعبوس وهو يسأله) وماذا عنك؟ "
تنهد زيد قائلا: " في صخر "
قطب يوسف يطالعه بتعجب صامت فأردف زيد بشرود: " لقد توصلت أخيرا إلى السبب الذي يجعلني أنزعج منه "
وضع يوسف ذراعه على وجهه وهو يتمتم: " اطربني إذن "
رد زيد بنزق طفولي: " أنا أغار منه "
إبتسامة مستفزة زينت ثغر يوسف وهو يقول: " معك حق هو وسيم جدا "
تأفف زيد قائلا: " لا أغار منه لهذا السبب "
تمتم يوسف بنفاذ صبر: " إذن "
فرد زيد بتردد: " أنت تحبه أكثر مني "
اتسعت ابتسامة يوسف وهو يقول باستفزاز: " في الحقيقة هناك فتاة أحبها أكثر منكما "
هتف زيد بغيظ وهو يلكزه في كتفه: " يوسف كُف عن غلاظتك فلصبري حدود "
أزاح يوسف ذراعه عن وجهه وهو يطالعه بحيرة مصطنعة بينما يسأله بفكاهة: " من 'صبري' هذا؟ هل هو ضحية جديدة تمارس عليها طقوس غرورك؟ "
جز زيد على أسنانه وهو يسحب إحدى الوسائد بخشونة قبل أن يضرب يوسف بها وهو يصيح: " بتَّ شخصًا مستفزا، لا يُطاق "
ضحك يوسف وهو يحاول تفادي ضرباته متمتما: " يا حبيبي هذا من مِعرفتي السوداء بك "
شهق زيد وهو يتخصر هاتفا بنبرة ممطوطة: " نعم "
فقهقه يوسف وهو يغيظه بالقول: " لقد تدنت أخلاقك كثيرا ويلزمك إعادة تربية من جديد "
قبل أن يرد زيد انفتح الباب من جديد ودخل ياسين وهو يقول بتعجب: " ظننت أنني وحدي من يُجافيه النوم "
ضحك يوسف وهو يشير له قائلا: " لا.. لست وحدك.. تعال وانضم إلينا حتى تكتمل الليلة الدلماء فيبدو أن النوم ليس عنوان ليلتنا على أي حال "
أقترب ياسين بهدوء يسأل زيد عن سبب تخصره على هذا النحو بينما يوسف يتنهد هامسا بسخرية لنفسه: " وكيف ظننت أن نهاية ليلة بدأتها بالتفكير في عفريتة كنغم ستكون بشكل غير هذا؟ "
***

بعد أسبوع
كان صخر يسير إلى جوار يوسف في الرواق المؤدي إلى غرفة استراحة الأطباء حينما توقفا كلاهما فجأة متعجبين وهما يجدان زيد أمامهما
شعر يوسف ببعض القلق والخوف مما قد يفعله أخاه بتهور ولم يكن لديه علم بتلك الزيارة من الأساس أما صخر فبدى جامدا وملامحه لا تعبر عن شيء من الأفكار التي تدور في عقله
تنحنح زيد بحرج وهو يقول: " السلام عليكم "
ردا عليه التحية بينما يضيف يوسف: " خير يا زيد.. ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هل حدث شيء في الدار؟ "
هز زيد رأسه سلبا وهو يسلط نظراته على صخر مجيبا: " لا.. الجميع بخير "
رمقه صخر شذرا وهو يتخطاه بتجاهل فاستوقفه زيد وهو يمسك مرفقه قائلاً: " أنتظر "
نظر صخر إلى قبضة زيد التي تحيط مرفقه قبل أن يرفع نظراته له وهو يحدجه بخطورة جعلت الأخير يزدرد ريقه مرتبكا وهو يسحب يده متمتما: " آسف أنا... أنا أردت أن أدعوك على... "
قاطعه صخر ببرود: " سبق ودعتني شمس وأبلغتها ردي.. مجيئك إلى هنا لم يكن له داعٍ "
نظر زيد جانبا إلى أخيه وكأنه يستجديه التدخل فعلى ما يبدو أن صخر لا يريد التحدث إليه فأومأ يوسف برأسه يحثه أن يحاول معه من جديد
توتر زيد وهو يعود ببصره لصخر قائلاً: " نعم شمس أخبرتني بذلك وبأنك رفضت دعوتها "
تكلم صخر بإيجاز مقتضب: " لأنني مشغول "
ابتسم زيد بإرتباك وهو يقول: " ألا تستطيع أن تفرغ القليل من وقتك لأجل عرس ابن عمك؟ "
رد صخر هازئا: " كرم منك أن اعترفت أخيرا سيد زيد بأنني ابن عمك "
شحب زيد وهو يطرق برأسه في حرج بينما يضيف صخر بسخرية لاذعة: " لو كنت تعتبرني ابن عمك فعلا لما أتيت تدعوني لعرسك متأخرا كل هذا الوقت كما تفعل مع الأغراب لكن على ما يبدو أنك لن تراني ابن عمك يوما "
رفع زيد رأسه بتوتر وهو يقول: " الأمر ليس كما تظن.. أنا لم أقصد ما فهمته أنا... "
قاطعه صخر بصوت جامد مُهين: " أنا لا أريد سماع المزيد منك.. (التفت إلى يوسف يكمل بنفس النبرة) أراك فيما بعد "
تحرك مبتعدا دون أن يضيف المزيد فاستدار زيد يطالعه وهو يقبض على كفيه إلى جانبيه للحظة واحدة قبل أن يندفع خلفه وهو يصيح: " أنتظر أنا لم أنهِ حديثي معك "
توقف صخر منتظرا دون أن يستدير ليفاجئ بقبضة زيد التي انفجرت في فكه بعنف والأخير يسب بإنفعال ومن صدمة صخر مما حدث اتسعت عينيه بشكل طفيف وهو ينظر له دون أن يقوم بأي رد فعل
هتف يوسف بحدة وهو يقف حائلا أمام صخر: " هل جُننت يا زيد؟ كيف تفعل هذا؟ "
رد زيد بغضب: " أنا حر أفعل ما أشاء وهذا المغرور سيحضر العرس رغما عن أنفه المتعالي "
حاول يوسف دفعه بعيدا وهو يهتف بحنق: " أصمت زيد.. لابد أنك تهذي "
رد زيد بصياح غاضب: " لا لست أهذي.. أنا أعلم جيدا ما أفعله وراضٍ عنه (رفع سبابته في وجه صخر وهو يتابع بغل) من تظن نفسك حتى ترفض دعوتي.. ها.. من تظن نفسك؟ ألا تحمل بداخلك بعضا من الامتنان لوقوفنا إلى جوارك ودعمك في الفترة الماضية؟ "
طالعه صخر بصمت غامض بينما زيد يردف بنفس النبرة: " هل تظن نفسك محور الكون أجمع؟ لا أفق من وهمك هذا أيها السيد المغرور.. وجودي هنا اليوم كان لمجرد الواجب ليس أكثر أما عن حضورك من عدمه فهو لا يعنيني في شيء بل إن تخلفك عن الحضور سيسعدني أكثر "
تبلدت ملامح صخر بجمود ولم يرد ويوسف يصيح بإنفعال: " ليس هذا ما كنت أنتظره منك يا أحمق.. لقد أفسدت الأمر تماما "
فتح زيد فمه ليرد لكن سبقته قبضة صخر الذي أزاح يوسف من أمامه في لمح البصر وهو يردف بصوت قاتم: " هذه بتلك "
ران بين ثلاثتهم صمت طويل قطعه صوت إحدى الممرضات وهي توجه حديثها لصخر: " لقد استعادت الحالة وعيها توا يا دكتور "
رد صخر بعملية: " أنا قادم حالاً "
انسحبت الممرضة وهي تومئ برأسها فوجه صخر حديثه ليوسف بينما كانت نظراته المخيفة مسلطة على زيد: " أخبر أخاك أن يغادر المشفى حالاً لأنني لولا معزتك عندي لكنت جعلت الأمن يلقون به في الشارع فهذا المكان المناسب لمن يمتلكون نفس عقليته الأنانية المريضة "
اختفى صخر من أمامهما في لحظات فاستدار يوسف ينظر إلى أخيه وهو يلكزه في كتفه هاتفا بحدة: " ما هذه السخافة التي فعلتها؟ ها.. ماذا فعلت؟ كيف أتتك الجرأة على التفوه بهذا الكلام المؤذي؟ ألا حد لسلاطة لسانك هذه أبداً؟ "
رمش زيد بتوتر فتابع يوسف هتافه بضيق: " أنت أحمق.. كان يجب أن تخبرني أولاً قبل أن تحضر على الأقل حتى أمنعك من لقاء صخر اليوم.. كان يجب أن تخبرني "
عبس زيد وهو يسأله: " ماذا تعني باليوم؟ ما به صخر اليوم؟ "
رد يوسف من بين أسنانه وهو يكتم غضبه: " اليوم كما رأيته مزاجه عكر ولا يطيق حتى الأنفاس التي تعبر من وإلى رئتيه وأتيت أنت بكل وقاحة وافسدت نهاره أكثر مما هو عليه "
دار يوسف حول نفسه وهو يمسد جبينه بقلة حيلة متمتما: " ألم تجد سوا اليوم يا زيد؟ لماذا اليوم بالذات؟ أضعت مجهودي الذي بذلته منذ الصباح حتى أخرجه من حالته القاتمة.. لقد جرحته.. يا ربي ماذا أفعل؟ "
طالعه زيد بقلق وهو يقول: " أنا لا أفهم شيء.. هل هو مريض؟ "
رمقه يوسف بسخرية مريرة وهو يجيبه: " إن كانت مصارعة إحدى الكوابيس التي ما إن تحتل كيانك وتتوحد مع روحك رافضة أن تحررك من أسرها ومحاولة بكل الطرق سحبك إلى أعمق أعماقها يُعد مرضا فنعم هو مريض.. مريض في حالة حرجة ليس منها شفاء ولا رجوع.. مريض لا يحتاج ممن حوله سوا بعض الرحمة.. فقط القليل منها وأنت ضنيت بها عليه اليوم يا زيد.. ليتك أخبرتني ولم تتصرف من تلقاء نفسك "
***

بعد ساعة
كان صخر يخرج من غرفة إحدى الحالات التي يعالجها فإذا به يجد ريم في انتظاره أمام الباب مما جعله يغمض عينيه لوهلة بتعب وهو يحدث نفسه: " ألا توجد نهاية لهذا النهار ياربي أم ماذا؟ لقد تعبت "
تخطاها ببرود وهو يتمنى أن تتحلى ببعض الذوق وتتركه يمضي في سبيله إلا أن أمنيته كانت أبعد من لمس النجوم في المساء إذ لحقت به كالعلقة السمجة الملتصقة به وهي تقول بحزن ظاهري: " لقد انزعجت كثيرا مما فعله ذاك المتهور معك؟ "
فهم قصدها فرد بلامبالاة: " لا تشغلي نفسك بالأمر دكتورة.. لقد كان شجار عادي بيني وابن عمي "
رسمت التعاطف على ملامحها بمهارة وهي تقول بمكر: " رغم ما فعله وأنه يستحق تلك اللكمة منك لكنني شعرت بالشفقة عليه فلكمتك له كانت الأقوى والأكثر عنفا.. المسكين عرسه بعد أسبوعين كما سمعت وسيكون أمر محرج أن يحضر عرسه وهناك كدمة زرقاء تزين وجهه "
قطب صخر وهو يفكر للحظة بأنه بالفعل نسى أمر العرس في خضم غضبه مما قاله زيد، شعر بغضب مهول موجه لنفسه من تسرعه في رد فعله وتمنى حقا لو أنه تركه وانصرف دون أن يمسه فقط لأجل ألا يُفزع عروسه عليه إذا ما رأت كدمته
لم يرد عليها علها تمل منه وتتركه، دلف إلى غرفة استراحة الأطباء فشعر بها تدخل من خلفه فزفر بحنق ليسمعها بعد لحظة تقول بلهجة ممطوطة مغوية لم يستسيغها: " أشعر بأنك اليوم مرهقا ولست على ما يرام أظن هذا لأنك وحيد وفكرت بأنك لو حصلت على صحبة لربما ساعدك هذا على التحسن "
كز على أسنانه مجبرا نفسه على إلتزام الصمت البارد حتى ترحل فهو ليس في مزاج يسمح له بالرد على أحد اللحظة ويكفيه الصداع الذي يضرب في رأسه من كل جانب بدون رحمة، تقدم من ماكينة إعداد القهوة وهو يتصنع التشاغل في تحضير فنجان قهوة عل صداعه يهدأ قليلا أما هي فتابعت حديثها بنفس النبرة: " إن كنت في حاجة للمساعدة فما عليك إلا أن تخبرني وسأتصرف.. فأنا بارعة في هذا "
توقف عما يفعله والتفت لها وهو يقول بنبرة غامضة بها بعض السخرية: " ماذا تقصدين ب 'هذا'؟ في أي شيء أنتِ بارعة بالضبط دكتورة؟ "
تقدمت منه بوقاحة فكان مجبرا على التراجع للخلف حتى لا يمسها بينما هي لم تتوقف عن الاقتراب أكثر وهي تجيبه بنفس النبرة: " في كل وأي شيء.. فقط أنت تأمر وأنا ألبي "
رفعت يدها نحوه فقطب بغضب حينما مررت أناملها على شعره وهي تضيف بهيام: " أنت لا تعرف كم أتعذب وأتألم وأنا أراك تبتعد عني وتتحين الفرص حتى تهرب من وجودي لكن صدقني أنا لست غاضبة منك.. أنا فقط أريدك أن تتوقف عن هذا وتمنحنا فرصة سويا (تهدجت أنفاسها فجأة وهي تنظر لشفتيه قبل أن تتابع كلامها بهمس) وصدقني لن تندم.. أبداً "
شهق صدمة رغما عنه وهو يراها تميل على وجهه وتهمّ بتقبيله بكل وقاحة وقلة حياء منها فدفعها بعنف قبل أن تمس شفتيه وهو يرفع يده ليهوي على وجهها بصفعة قوية تزامنا مع صوته الصارخ بشراسة وهو يقول: " أيتها الحقيرة "
وضعت ريم كفها على وجنتها المصفوعة وهي تطالعه بحقد هاتفه: " كيف تجرؤ؟ "
رد من بين أسنانه: " احمدي ربك أنني سأكتفي بتلك الصفعة ردا على وقاحتك وأعلمي أن عرضك الحقير المبتذل بالنسبة لي مرفوض.. تماما وأبداً "
شعرت فجأة بالغضب الشديد منه والحرقة على ضياع فرصتها في الإقتراب منه كما تحلم وتتمنى فصرخت بهياج وهي تتنفس بحدة: " من تظن نفسك لترفضني؟ أنت أحمق لتشيح بوجهك عن نعمة يتمناها الكثيرين.. هل تعلم ما كنت سأقدمه لك؟ كنت سأمنحك نفسي بدون مقابل "
هدأ انفعالها فجأة وهي تقترب منه من جديد واضعة كفها على صدره ناظرة له بإغواء شديد دون أن تمل بينما تقول بهمس خافت ونبرة متهدجة من الحماس والانفعال من قربه: " إن كانت مشكلتك هي الزواج فصدقني هذا الأمر لا يشغل تفكيري أبداً.. أنا أقبل بأن أكون عشيقتك في السر حتى لا يتأثر زواجك من تلك الطفلة الساذجة.. كل ما أريده أن أكون معك ولك وحدك "
تغضنت ملامح صخر باشمئزاز وهو يزيح يدها عن صدره متمتما بقرف: " أنتِ مريضة بالفعل وتحتاجين لزيارة معالج نفسي في أسرع وقت هذا إن كان هناك القليل من الأمل في محو قذارة أفكارك واستبدالها بأخرى أكثر استقامة "
لم تمل من رفضه لها وهي تهمس بنفس النبرة: " لما تطلق الحكم قبل التفكير؟ صدقني عرضي هذا يحلم به الكثيرين فلا ترفضه دون أن تفكر فيه مليا وأعلم أنني على أتم إستعداد بمنحك كل ما تريد لأنني لا أريد سواك "
أشاح صخر بوجهه عنها وهو يقول بصوت مختنق وملامحه يعلوها الاشمئزاز أكثر: " صدقيني أنتِ.. أنا لا أظنني سأحتمل سماع كلمة أخرى منكِ فبداخلي رغبة مُلحة في التقيؤ وافراغ كل ما في جوفي بعد كمية القرف التي سمعتها منكِ لذا من الأفضل أن تنصرفي حالاً من أمامي (قبض كفيه إلى جانبيه بشدة وهو يكمل بصوت خطير شرس) هذا لمصلحتك "
بالفعل انسحبت من أمامه فور أن أنهى حديثه فهي ليست من الغباء بأن تتحداه وتبقى وهي تعلم أن الصخر لا يلفظ تهديدا دون أن ينفذه وهي مهما بلغت رغبتها المريضة به لكنها لا تستطيع فرض نفسها عليه طالما لا يريد فالصخر لا يفعل شيئا ليس راضيا عنه ولا يستطيع أحد أن يجبره على ما لا يريد
شعر صخر فجأة بالاختناق وكأنه محبوس داخل قمقم لا يحتوي على ذرة واحدة من الهواء، نزل بجسده أرضا جالسا القرفصاء وهو يغطي وجهه بكفيه
لازلت رغبته في إفراغ كل ما في جوفه تسيطر عليه بعد الموقف البشع الذي تعرض له للتو مع ريم
غاضب.. غاضب بشدة من نفسه ومن ريم ومن شذى هي الأخرى
كلتاهما تطالبانه بمنحهما فرصة.. فرصة لكي تعيثا في حياته الفساد تحت غطاء العطاء
أي عطاء يكون بهذه الطريقة الفجة المقرفة!
كلتاهما تريدان منحه جسديهما في حين أنه ليس فقط يرفضهما وإنما يشعر بالاشمئزاز من سماعهما وهما تنطقان برغبتيهما المريضة بدون خجل أو حياء
إنه مستنزف بشدة ولم تكن تنقصه سماع تلك الكلمات البشعة من ريم لكي يزداد يومه قتامة ووحشة
أجفل فجأة على كف رقيق وضع على كتفه فأزاح كفيه عن وجهه بسرعة لتزداد دهشة وهو يرى نغم تقف أمامه تطالعه بقلق
رمش لوهلة قبل أن يستقيم واقفا وهو يسألها بصوت مختنق قليلا من انفعاله السابق: " ماذا تفعلين هنا يا نغم؟ "
قطبت بخفة وهي تسأله سؤال آخر: " لماذا كنت تجلس على تلك الهيئة البائسة؟ ماذا جرى لك لتفقد صلابتك هكذا فجأة؟ "
تعجب من ملاحظتها لتغيره فقال: " منذ متى بتِ قوية الملاحظة وتهتمين لأمري؟ "
ردت بهدوء دون أن تؤثر فيها نبرة السخرية في صوته: " منذ أكتشفت ذاتي يا أخي.. أكتشفت حينها أنني دومًا كنت أهتم لأمرك لكنني كنت حمقاء قليلا لأنني أخفيت ذلك عنك "
تنهد بتعب وهو يمسد جبينه متمتما: " أسعدني اكتشافك لذاتك يا نغم.. أنتِ تستحقين أن ترسو حياتك على بر الأمان وتحظي بالهدوء أخيرا "
وضعت كفها على جانب وجهه برقة حتى تجبره على النظر لها وهي تقول: " وأنت تستحق ذلك أيضا يا صخر "
اومأ برأسه وهو ينظر لها بيأس مجيبا: " نعم أستحق لكن... أنا حاولت أن أرسو بسفينتي على البر فلم يستقيم الأمر ليس كل من يستحق شيء يحظى به يا نغم أحيانا يكون الخير مخبأ في فقده "
أطرقت برأسها محبطة وهي تقول: " لا أحب رؤيتك على هذا الحال "
ابتسم بلطف وهو يمسد على شعرها بحنان قائلاً: " لا عليكِ لا تهتمي بي أنا أعلم كيف أخرج من حالتي تلك.. أخبريني الآن ما الذي جاء بكِ إلى المشفى اليوم؟ "
تنحنحت بحرج وهي تنظر له قائلة: " أشتقت إليك فأردت أن أطمئن عليك "
رفع حاجبا بمكر وهو يقول: " لكنني لم أتغيب عن البيت سوا ثلاثة أيام أم أن شوقك هذا لأجل شخص آخر؟ "
رمشت بتوتر وهي تجيبه: " ماذا تقصد؟ "
إبتسم بتعجب وهو يناكفها بالقول: " لا أصدق أن نغم التي كانت تستفزني بجرأتها هي نفسها الشابة الجميلة المتوترة أمامي الآن؟ "
أشاحت بوجهها عنه وهي تغمغم بحنق: " صخر كفى غلاظة "
كتم ضحكته وهو يرفع كفيه باستسلام قائلاً: " حسنا سأكف حالا (وتابع بمكر وهو ينظر لنقطة خلفها) بل سأتركك واذهب لمرضاي.. أراكِ فيما بعد "
قبل وجنتها برقة ثم انسحب بهدوء وحينما تخطاها غمز بطرف عينه ليوسف وهو يخرج من الباب
استدارت بعد لحظة وهي تتنهد بخفوت لتتفاجأ بوجود يوسف فتحبس أنفاسها رغما عنها وهي تطالع ملامحه التي اشتاقت إليها كثيرا في الفترة الماضية
إبتسم يوسف بلطف وهو يبدأ الحديث: " مرحبا آنسة نغم "
ردت بإرتباك طفيف وهي تطرق برأسها في خجل من تحديقها السابق فيه: " أهلا يوسف.. أقصد دكتور يوسف "
اتسعت بسمته وهو ينظر لها بسعادة متمتما: " لا أصدق أنكِ تكرمتِ أخيرًا وتركتِ عرشكِ لأجل إشباع رغبات رعيتكِ "
قطبت حاجبيها بعدم فهم وهي تطالعه سائلة: " أي رغبات تقصد؟ "
أجابها برقة مغازلا: " منحهم الحياة التي افتقدوها في غيابكِ عنهم.. أنتِ لا تعلمين أي عذاب يتقلبون فيه حينما تهجرهم أحبتهم.. خاصة وإن كانت تلك الأحبة بالنسبة لهم متجمعة في شخص واحد وفتاة واحدة هي كل مبتغاهم وهي أنتِ "
فغرت فاهها بذهول وهي تفكر بأن يوسف لم يعد يلعب معها بإنصاف أبداً، إنها المرة الأولى التي يتحدث معها بهذه الطريقة وها هو يجعلها عاجزة عن إظهار طبعها المتعجرف أمام ما يقول من عذب الكلام
عضت شفتها السفلى بحرج وهي تشيح بوجهها جانبا بينما ارتفعت يدها لتزيح خصلة من شعرها خلف أذنها وهي تتمتم بإرتباك خجول: " دكتور يوسف هذا الكلام لا يصح أنت... أنت توترني بهذا الكلام "
رد يوسف بنفس النبرة: " التوتر هو أقل ما يحل بي في وجودكِ آنستي "
رمقته بطرف عينها وهي تقول بخجل: " لقد تغيرت كثيرًا.. في السابق ما كنت تحدثني بهذه الطريقة أبداً "
ابتسم يوسف بعذوبة وهو يجيبها: " كان فرضاً عليّ أن أتغير لكي أستطيع مجاراة تغيركِ أنتِ الأخرى "
طالعته بترقب وهي تقول: " نعم أنا تغيرت لكني لا أعلم أهكذا أفضل أم... "
قاطعها يوسف بحنان وهو يقول: " أنتِ هكذا في أبهى صوركِ.. ليس هناك أفضل من إظهار حقيقتنا دون خوف وهذا ما فعلتيه بالضبط وأنظري لنفسكِ الآن كيف أصبحتِ؟ "
طالعته بحماس حذر وهي تقول: " كيف؟ "
رد بإبتسامة واسعة تشع حنانا وسعادة: " أنتِ فراشة بهية قلباً وقالباً.. لا فرق بينكِ وبينها وكما تجذب هي البشر بجمال شكلها أنتِ تجذبين قلبي بجمال روحكِ.. أنتِ رقيقة مثلها لا تستحقين إلا كل جميل مثلكِ "
اتسعت عينيها بذهول وهي تتمتم بلا شعور: " كل هذا الكلام تصفني به.. أنا؟ "
اومأ بتأكيد وهو يقول بعذوبة: " بالطبع.. وهذا قليل عليكِ فأنتِ تستحقين أكثر من هذا "
دمعت عيناها فجأة وهي تتمتم بفرح طفولي: " أحببت وصفك لي.. إنه جميل "
غمز بشقاوة بطرف عينه وهو يقول: " مثلكِ تماماً "
أطرقت رأسها بخجل وبعد لحظة تذكرت شيء فقالت بغيظ مكتوم: " كم فتاة أخبرتها بهذه الكلمات قبلي؟ "
رفع حاجبيه متعجبا من تغيرها السريع في حين يجيبها بصدق: " لم تكن هناك قبلكِ ولن تكون هناك أخرى بعدكِ.. ما الداعي لهذا السؤال؟ "
رفعت رأسها تطالع بضيق وهي ترد: " رأيتك مرة تقف مع الحرباء المسماة ريم وتضاحكها "
قطب بتفكير للحظة قبل أن يجيبها بهدوء: " لقد فهمتِ الأمر بطريقة خاطئة يا نغم.. ما من علاقة تربط بيني وبينها ولعلمك ريم ليست نوعي ولا المرأة التي تجذبني إليها ثم ريم أصلاً لن تنظر لي يومًا بتلك الطريقة التي تدور بعقلكِ لأنها تريد آخر "
طالعته بشك وهي تقول: " من تقصد؟ "
رفع حاجبا بمكر وهو يقول: " من برأيكِ؟ "
عبست بشدة وهي تقول: " صخر متزوج "
رد يوسف بتهكم: " إنها تطارده منذ سنوات يا نغم ولازالت.. نعم هي يأست من فكرة الزواج به لكنها لم تيأس في المحاولة معه بطريقة أخرى في ظنها أنها لا تتعارض مع كونه رجل متزوج "
ضيقت نغم عينيها وهي تقول بترقب: " طريقة أخرى.. لا تقل لي أن ما صوره عقلي صحيح "
اومأ إيجابا وهو يؤكد صحة تفكيرها قائلاً: " بلى ما يدور بعقلكِ صحيح.. تريد أن تكون عشيقته "
شهقت نغم بصدمة وهي تضع كفها على فمها مغمغمة: " الحقيرة "
تنهد يوسف وهو يطمئنها بالقول: " لا تقلقي على صخر هو كفيل بإيقافها عند حدها إذا تمادت معه "
هزت نغم رأسها بكآبة وهي تغمغم بضيق: " هذا كثير.. ألا يكفي ما تفعله شذى لتأتي تلك الحرباء القذرة هي الأخرى وتضيف عليه؟ "
إبتسم يوسف متفاجئا فهو لم يكن لديه علم بمطاردة شذى لصخر، حدث نفسه بأن هناك بالتأكيد لغز في عمق صخر هو ما يجذب إليه بنات حواء حتى يلتصقن به كالعلقة بهذا الشكل
رفعت نغم حاجبا بغيظ وهي تطالع بسمته سائلة بإقتضاب: " ما سبب هذه الإبتسامة؟ "
اختفت بسمته في الحال وهو يرد: " لا تعني شيء.. دعينا نعود لموضوعنا الأساسي "
قطبت وهي تسأله ببرود: " أي موضوع تقصد؟ "
إبتسم بشقاوة وهي يقول: " الفراشة "
رمشت لوهلة قبل أن تتنحنح بحرج وهي تتمتم: " لقد تأخرت كثيرا.. يجب أن أذهب "
تنهد بإحباط وهو يقول: " حسنًا كما تحبين "
ابتسمت بإرتباك خجول وهي تطالعه قائلة : " سعدت برؤيتك اليوم يوسف.. أراكَ على خير "
تلونت إبتسامته بالحنان وهو يرد: " أتمنى أن أراكِ في عرس ابن عمي.. أريد أن أعرفكِ على أبي "
فغرت فاهها للحظة ثم أشاحت بوجهها في خفر وهي تجيبه بخفوت: " سيكون من دواعي سروري التعرف عليه.. إن استطعت القدوم فسوف أكون أول الحضور بإذن الله "
هز رأسه وهو يقول باسما: " ستكونين بإذن الله "
هزت رأسها في المقابل وهي تقول برقة: " إلى اللقاء إذن "
رد يوسف بعذوبة: " صحبتكِ السلامة آنستي "
***

مساءً / دار الجبالي
زمجرت ملك بغيظ وهي تستدير هاتفة: " أترك يدي حالاً وإلا صرخت وأخبرت الجميع بما تفعل "
إبتسم ياسين باستفزاز وهو يقول: " ستكونين حينها قد قدمتِ إليّ معروفا كبيرا.. هيا أصرخي واخبريهم لكي يسارع جدي بتزويجنا في أسرع وقت "
تأففت بضيق وهي تغمغم: " من أين لك بهذه الوقاحة؟ لا أصدق أنك ابن عمي خالد الرجل الوقور ولا أنك أخا لقاسم المحترم "
ضحك ياسين بمرح وهو يقول: " أنا شبيه أخي وحبيبي صخر "
برمت ملك شفتيها وهي تغمغم بتهكم: " من تخدع يا حسرة؟ ليتك مثله.. (تابعت بهيام) إنه قادم من الفضاء ولا شبيه له على الأرض "
عبس ياسين بغيظ وهو يضربها على جبهتها صائحا: " احترمي نفسكِ يا ملك وإلا قطعت لسانكِ "
تأوهت بألم وهي تمسد جبينها مغمغمة بحنق: " فظ "
أشاح بوجهه عنها عابسا فزمت شفتيها تقول: " هل تخاصمنا الآن؟ "
لم يرد فتابعت بصوت حزين: " كنت أمزح معك "
أيضا لم يرد فلمست ذراعه برقة تقول: " أنت تعرف أنني أمزح وأن صخر أعتبره أخا لي كقاسم وبقية أبناء عمومتنا تماما "
زفر ببرود وهو يقول: " أعرف "
قطبت بغيظ وهي تقول: " وطالما تعرف لماذا تعبس في وجهي هكذا؟ "
رمقها بطرف عينه وهو يقول: " لأنك لا تطيعيني "
تأففت وهي تغمغم: " أوف.. ها قد عُدنا من جديد لنفس النقطة "
صاح بتذمر طفولي: " إنها مجرد قُبلة "
شهقت ملك وهي تلكزه في كتفه بخشونة متمتمة بغيظ: " أخفض صوتك ستفضحنا "
هز رأسه بقلة صبر وهو يقول: " امنحيني ما أريد حتى أذهب وإلا والله صرخت أنا وأخبرت الجميع بأنكِ تغررين بي "
ضحكت ملك وهي تضع كفها على فمها قائلة: " أفعلها إن شئت وعلى كل حال لن يصدقك أحد فأنت مجنون "
زم شفتيه ببؤس طفولي تسارع له نبضها وهي تطالعه بعشق وهو يتمتم: " أنتِ لا تحبينني يا ملاك "
ردت بنعومة عذبة وهي تضع كفها على جانب وجهه برقة: " بل ليس هناك من يحبك بقدر ما تحبك ملاك يا قلب ملاك "
فتح فمه ليرد حينما قصف صوت حياة من خلفه وهي تصيح بحدة: " لقد تعبت منكما ومن قلة حيائكما "
استدار ياسين مجفلا بينما اختبأت ملك خلفه وهي تكتم ضحكتها الشقية فحياة كجني المصباح دومًا تظهر أمامهما في آخر لحظة فتعيق تنفيذ مُخطط المسكين ياسين
عبس ياسين وهو يقول: " أنتِ فهمتِ الأمر بطريقة خاطئة؟ "
رفعت حياة حاجبا وهي ترد بتهكم: " حقاً! الآن بتُّ أنا صاحبة الأفكار المنحرفة أليس كذلك؟ "
زفر بغيظ وهو يشيح بوجهه جانبا فتابعت حياة صارخة بحنق: " تعالي هنا يا قليلة الحياء أنتِ "
ضربت ملك الأرض بقدمها في تذمر وهي تتقدم نحو أختها التي سرعان ما ضربتها على كتفها حينما أصبحت تجاورها وهي تقول: " حتى متى سأظل اتتبعكِ في كل مكان هكذا؟ "
غمغمت ملك بنزق وهي تمسد كتفها: " ومن قال لكِ أن تتبعيني من الأساس هل أنا طفلة صغيرة تخشين ضياعها؟ "
ضربتها حياة من جديد وهي تصيح: " بل أخشى انفلاتها يا قليلة الحياء "
كتم ياسين ضحكته بينما ملك تحدجه بسخط مغمغمة: " وماذا عنه؟ ألن يوبخه أحد أم أنني وحدي ابنة البطة السوداء التي من نصيبها التوبيخ في هذه الدار الظالمة؟ "
انفجر ياسين ضاحكا لكن ضحكاته انقطعت فجأة وهو يتأوه بألم واضعا كفه على مؤخرة رأسه من الخلف في حين ظهر قاسم وهو يرمقه بخطورة قائلاً من بين أسنانه: " ألم أحذرك في المرة الماضية من تكرار تلك الوقاحة أم ماذا؟ "
ابتسمت له ملك بشماتة بينما هو يرد بحنق: " وماذا فعلت يا أخي؟ "
التفت قاسم لملك يقول بإقتضاب: " ماذا كان يريد منكِ هذه المرة؟ "
أخفت ملك إبتسامتها وهي تنظر لقاسم بهدوء برئ قائلة: " لا شيء يا قاسم.. إنه متأثرا برفض صخر لحضور العرس "
كتفت حياة ساعديها أمام صدرها وهي تقول بسخرية: " وأنتِ كنتِ تواسينه بالطبع "
ردت ملك بسماجة: " نعم بالطبع فأنا قلبي رقيق مرهف لا يحتمل رؤية ألم من أحب وأظل مكاني مكتفة اليدين دون أن أهب لمساعدته "
عبست حياة بضيق وهي تفهم تلميح ملك الموجه لها بينما إبتسم ياسين بمكر وهو يغمغم بخفوت: " ضربة مُوفقة يا ملاكي "
أما قاسم فقد أخفى رضاه عما قالته ملك تحت قناع الغضب وهو يقول: " هذا ليس مبررا لتسمحي له بالتمادي معكِ يا ملك.. هذه آخر مرة سأكتفي فيها بالكلام في هذا الموضوع.. هل فهمتِ؟ "
اومأت ملك بطاعة بينما يغمغم ياسين بسخط: " أي تمادي بالله عليك.. وكيف سيحدث من الأساس طالما حياة تضبط وقت ظهورها بأهم لحظة في كل مرة؟ "
لم يعقب قاسم على حديث أخوه رغم سماعه له في حين قال لملك: " اذهبي إلى غرفتكِ يا ملاك "
تمتمت بوداعة: " حاضر قاسم.. تصبحون على خير "
خطت في إتجاه ياسين حتى تدخل غرفتها التي كانا يقفان أمامها منذ البداية، تراجع للخلف خطوة حتى تمر دون أن تمسه وحينما فعلت وفتحت الباب إلتفت قاسم ينظر إلى حياة التي بادلته النظرات بيأس من ذلكما المجنونان فاستغلت ملك تلك الفرصة ومالت نحو ياسين بسرعة تهمس بخفوت: " أتعلم؟ لقد غيرت رأيي وقررت أن أمنحك تلك القُبلة التي تريدها غيظا في أخوك وأختي "
أغلقت الباب على وعد بأن تمنحه ما يريد في وقت قريب بينما شقت إبتسامة واسعة طريقها إلى ثغر ياسين الذي كاد يتقافز كالأطفال من شدة الفرح بتحقيق هدفه.. غادر بعدها وتركهما من خلفه دون أن يبالي بحرب النظرات المتراشقة بينهما.
كتف قاسم ذراعيه أمام صدره وهو يقول: " قريبا ستتزوج أختكِ وابنة عمتكِ ولن تبق هناك عانسا في الدار سواكِ "
ردت حياة بعبوس طفيف: " هل نسيت أن فرح لم تتزوج بعد؟ "
رمقها قاسم بسخرية وهو يقول: " وهل تنتظرين زواجها هي الأخرى أم ماذا؟ "
أطرقت حياة برأسها وهي ترد ببرود: " أنا لا أنتظر أحد ولا يهمني في الأساس أن أظل وحدي عانسا بينما تتزوج فتيات العائلة "
جز على أسنانه وهو يتمتم: " هذا لأنكِ قالب متحرك من الجليد "
رفعت عينيها إليه تطالعه بعبوس وهو يردف: " ابقي عانسا إذن فقد أحتاجكِ في يوم قريب لترعي أولادي أثناء سفري مع زوجتي في رحلة شهر عسل جديدة "
ابتسمت بسماجة وهي ترد: " أنت على الرحب يا ابن عمي وبالطبع أولادك أيضًا "
شعر بأنه إن استمر في هذا الحديث العقيم معها فسوف تصيبه جلطة لا محالة.. هز رأسه بسخط وهو يتمتم مغادرا: " عساكِ تحترقين ببرودكِ هذا يا عديمة الإحساس "
تنهدت حياة تغيظه بالقول: " شكرا لك على الدعوة الحلوة يا ابن عمي "
رفع قاسم بصره للأعلى وهو يضع كفه على صدره موضع القلب مغمغما: " الرحمة يا رب قبل أن تجلطني مكعب الجليد تلك "

انتهى الفصل.
(يتبعه الفصل الرابع عشر)...👇

noor elhuda likes this.

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-19, 05:44 PM   #93

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل الرابع عشر ||

بعد يومين / في العاصمة
كان يجلس في مكتبه يقلب بين يديه ملف حالة جديدة وصلت إلى المستشفى مساء الأمس وقد رشحه رئيسه في العمل لمعاينة حالتها بنفسه
شبح ابتسامة تشكل على ثغره فجأة وهو ينسى ما يتعلق بتلك الحالة ويفكر في معتز والذي خَلَفَ مختار بعد وفاته واستحق أن يحظى بمكانته عن جدارة
لطالما كان مختار رحمه الله يعتبر معتز بمثابة أخ له أكثر منه صديق، دوماً كان هو يغار من علاقتهما الوثيقة التي لا تغيرها كثرة تكالب مشاكل الحياة بينهما
كما أثبت معتز أنه نِعمَ الصديق على حق فمنذ توفي مختار وهو لا يترك فرصة إلا وأظهر دعمه الكامل ورعايته واهتمامه غير المشروط بنبض، كما أنه لم يبخل عليه كالعادة لا بالإرشاد في العمل أو بالنصح في حياته الخاصة ولو رغماً عنه نظراً لطبيعة صخر العدائية وعدم تقبله لتدخلات الغير في حياته بأي شكل من الأشكال ومهما بلغت مكانتهم لديه
أخرجه من سيل أفكاره المتدفقة طرقات هادئة على الباب تبعها دخول الممرضة بعد حصولها على الإذن منه
لم تفت عنه نظرة الإعجاب والوله التي كانت ترمقه بهما أثناء اخباره عن سبب وجودها: " لقد أفاقت سارة للتو دكتور صخر "
هب صخر من كرسيه وهو يقول بهدوء: " حسنا اتبعيني "
***

بعد لحظات معدودة كان صخر يعاين تلك الفتاة باهتمام بالغ أثناء تبادله بعض الحديث معها: " كيف تشعرين الآن يا سارة؟ "
ردت الفتاة البالغة من العمر عشرين سنة: " أنا بخير.. لم يعد قلبي يؤلمني "
اومأ وهو يدون بعض الملاحظات: " الحمد لله "
ابتسمت الفتاة وهي تقول: " أريد شكرك لكنني لا أجد في هذا ما يكفي لما فعلته معي "
رد صخر دون أن يرفع عينيه عما يدونه: " لم أفعل سوا واجبي فقط لذا فالشكر كافٍ وإن لم أجد له داعي من الأساس "
اتسعت ابتسامة سارة وهي تقول: " أنتَ متواضع جداً دكتور "
رد بإيجاز: " ربما "
انتهى مما يدونه والتفت برأسه يعطي تلك الورقة إلى الممرضة وهو يقول بحزم: " نفذي ما دونته فيها بالحرف الواحد دون زيادة أو نقصان وإياكِ والتقصير معها أتفهمين؟ "
اومأت الممرضة بخوف وهي ترد قبل أن تفر هاربة من أمامه: " بالطبع أفهم.. أوامرك كلها مجابة دكتور صخر "
ضحكت سارة بعدما خرجت الممرضة وقالت: " يبدو أنني أسأت تقديرك.. لا تبدو متواضعا أبداً.. أنتَ واعذرني فيما سأقول... (نظر لها مقطبا فأردفت بضحكة مكتومة) تبدو مخيفا دكتور حينما تنفعل "
برم شفتيه بلامبالاة وهو يرد: " هذا أنا "
هزت رأسها قليلاً وهي تقول: " كان الله في عون من سيرزقها الله بك زوجا لا أظنها سيكون من السهل عليها التأقلم مع طبيعتك الغريبة تلك "
أجاب ببسمة ساخرة: " لعلمكِ فقط تلك المعنية بالأمر قد رزقها اللي بي بالفعل وانتهى أمرها "
تصنعت سارة الحسرة وهي تزم شفتيها قائلة: " يا إلهي! هذا يعني أنني قد خسرت عريس مقترح "
رفع حاجبيه يقول بتهكم: " لا تبتئسي هكذا عزيزتي فالشرع أحل لنا نحن معشر الرجال مثنى وثلاث ورباع.. أعطيني موافقتكِ فقط وسأجعلكِ تنالين اللقب الغالي كزوجة لي "
كممت سارة فمها حتى لا تنفجر ضاحكة فتؤلم قلبها الذي لايزال في طور شفائه فتنهد صخر يقول بجدية: " حاولي أن تنامي الآن وأريحي جسدك قبل أن أمنح لعائلتكِ إذن السماح بزيارتكِ "
ابتسمت سارة بشوق لعائلتها وهي تقول: " يا الله لكم أشتاق لحضن أبي الدافئ ورائحة أمي وحتى لشقاوة أخي نادر وعبوس أخي هيثم الذي لا ينمحي.. حقاً إشتقت إليهم جميعاً "
مرارة وحسرة تمكنت منه فجأة وصدى كلماتها يتردد من حوله ويجلده بسياط الوجع والخذلان والغدر الذي يشعر به دون رحمة
تراجع للخلف خطوة وهو يقول بصوت أجش مختنق: " سلمكِ الله لهم سارة ورزقهم سعادة رؤيتكِ سليمة معافاة.. حمداً لله على سلامتكِ مرة ثانية "
خرج بعدها وهو يشعر بالغرفة تطبق على صدره متوجها إلى غرفته الخاصة، حمل هاتفه ومفاتيح سيارته وغادر المشفى متجها إلى الفيلا على الفور، ألم تكن تكفيه جرعة الكوابيس المتتابعة التي تُلاحق غفوات نومه على مدار الأسبوعين الماضيين لتأتي كلمات سارة وتكمل على البقية الباقية من آخر ذرات من الصلابة كان يمتلكها لمنع تلك الكوابيس المريرة الموحشة من الضغط على أعصابه التي تكاد تنهار
دقائق من القيادة الجنونية ووصل بعدها إلى الفيلا ليتسلق الدرج بسرعة وكأنه في سباق عدو وبعد أن وصل إلى جناحه وأوصد الباب من خلفه بالمفتاح شعر بحريق وحرقة موجعة في قلبه وروحه وعينيه، اتجه رأسا ناحية المكتب الصغير الذي يحتل إحدى الزوايا وبزئير مُخيف كان يُزيح كل ما على سطحه ليرميه أرضاً فتتناثر الشظايا والأوراق من حوله دون أن يبالي بها
صرخ عالياً وهو يرفع رأسه للأعلى، تعالت صرخاته الحادة الوحشية دون انقطاع لوقت طويل حتى شهق فجأة مرات ومرات في محاولة منه لسحب أكبر قدر مستطاع من الهواء المحيط به دون جدوى فهوى على ركبتيه أرضاً يمسد على صدره بقوة وهو يشعر بالاختناق
تدافعت الدموع من عينيه الكحيلتين تنهمر بغزارة على وجنتيه ومنهما إلى الأرض مشكلة بركة صغيرة مالحة حوله
أطبق عينيه بقوة وهو يقول بصوت متقطع: " لا أريد أن أتذكر.. لا أريد.. لن أفعل... لاااا "
لكن ورغما عنه توالت الأحداث الواحدة تلو الأخرى دون أن تبالي بما يريد وما لا يريد

قبل عشر سنوات
أخيرا كان قد تمكن من استعادة الوعي والشعور بجسده الذي أصابه الخِدر لوقت طويل لا يعلم قدره بالضبط
كان هناك شيء ثقيل يجسم على صدره ويسبب له الاختناق لكنه لم يحاول أن يزيح ذاك الشيء عنه وهو يرجح أن السبب هو إصابته وجرحه الذي لم يندمل بعد
ببطء شديد كان يرفرف بأهدابه الكحيلة ليفتح عينيه أخيرا بعد نوم عميق ظل أسيرا له لأسابيع خلال تلك الغيبوبة الطويلة التي سقط فيها بعد إجرائه لعملية جراحية
لم يكد يفتح عينيه حتى أغلقهما ثانية وقد ازعجته إنارة الغرفة العالية في هذا الوقت المبكر من الصباح، أعاد فتح عينيه ببطء من جديد حتى أعتاد النور من حوله ولم يعد يزعجه وحاول أن يرفع جذعه ليعتدل لكنه لم يستطع وهو يشعر بأن كل عضلة في جسده متصلبة، متشنجة من طيلة رقدته بدون حركة لأسابيع
تنهد بيأس وهو يستكين في مكانه من جديد مستسلما لذاك الوضع المفروض عليه، نظر مقطبا لصدره الملفوف بالضماد الطبي وهو يحاول تذكر ما حدث له
كان عقله ككل خلية أو عضو آخر في جسده يعاني الجمود والتيبس وكأن ما بداخله من أفكار قد نضبت فجأة وأصابها التلاشي
أجبر نفسه على الهدوء حتى يتمكن من تذكر كل شيء وتدريجيا بدأ عقله يبثه ما يحتاجه من معلومات
تذكر عودته من إسطنبول بعد إلحاح شديد من أمه استمر لأشهر حتى قرر الرضوخ لطلبها أخيرا بأن يعود من سفره الذي طال لسنوات
تذكر اليوم الذي أخبره والده بأنه يجهز مفاجأة تتعلق بشيء يحبه
تذكر يوم أن اصطحبه والده لتلك المدينة الجبلية لأجل زيارة الشيخ عبد الله الأخ الأكبر لعمه مختار صديق والده المقرب
تذكر أنه في هذا اليوم بعد أن سلم على الشيخ أخبره والده بأن تلك المفاجئة عبارة عن جواد قرر أن يشتريه له من تلك المدينة
تذكر أنه ذهب مع والده وعمه مختار إلى مزرعة تعود ملكيتها لعائلة كبيرة تسمى عائلة الجبالي
تذكر ذهاب والده مع عمه مختار للتعرف على رجل يُدعى عبد الرحمن الجبالي وفي طريقهم إليه تركاه مع أثنين من أبناء ذاك الرجل حتى يختار هو الجواد الذي يريده واتفقوا بأن ينهيا تلك الزيارة سريعا ويعودا إليه لشراء الجواد واصطحابه معهما لبيت الشيخ عبد الله مرة ثانية قبل أن يعودا إلى العاصمة
تذكر لحظة أن كان يمر بين إسطبلات الخيول يطالعهم بانبهار وفجأة فزعه صوت إطلاق رصاص كثيف
تذكر أنه لم يستطع فعل شيء سوا الاختباء خلف إحدى الأشجار العتيقة في إحدى الزوايا وهو يراقب ما يحدث بوجل
وتذكر لحظة أن اندفع بدون تفكير ليحمي ذاك الصبي من بطش الرجل الذي كاد يقتله
وآخر ما تذكره أنه تلقى الرصاصة بدلا منه وفقد الوعي بعد ثوان معدودة
توقف عقله فجأة بعد أن مده بكل المعلومات التي كان يبحث عنها
خرجت منه تنهيدة طويلة ولسانه على الفور يردد بالحمد لله الذي كتب له النجاة وقد كان يظن نفسه هلك في الحال
شعر بالإرهاق فجأة لمجرد أن تحامل على نفسه وفكر قليلا فأغمض عينيه من جديد وحينها تسللت إليه بعض الراحة والسكون
مع انفتاح الباب وانغلاقه بطريقة عصبية كان يقطب جبينه بضيق فهو ممن يكرهون الأصوات المرتفعة رغم أنه ما شاء الله قدوة ومثلا أعلى في الصراخ عند الغضب
ارتفع صوت إمرأة وهي تقول بغضب من بين أسنانها: " انظر لحال ابني معتز.. كل ما جرى له بسبب اقتراحك عليه بأن يذهب معك إلى تلك المدينة "
تكلم معتز بهدوء: " سيكون بخير يا ليال فقط اهدئي "
فصاحت بإنفعال: " كيف تطلب مني الهدوء وابني لازال في غيبوبة لا أعلم متى سيصحو منها؟ كيف تطلب مني أن أهدأ وابني كاد يضيع من بين يدي؟ "
تنهد معتز بتعب وهو يرد: " سيكون بخير يا ليال.. صخر لن يصيبه مكروه... "
قاطعته بسخرية مريرة تقول: " أوَ هناك مكروها قد يصيبه أكثر مما هو فيه؟ "
جلس معتز على أحد الكراسي بصمت بينما هي تردف بصوت مختنق: " حذرتك منذ البداية وأنت لم تسمع لي وفعلت ما أملاه عليك عقلك دون أن تلتفت لكلامي أو تهتم به "
عبس معتز منزعجا وهو يقول: " علينا أن نتفق على شيء يا ليال وهو أنني لم أكن أعلم بأن ما حدث كان سيحدث وإلا بالطبع ما كنت اصطحبته معي إلى هناك ولا عرضت حياته للخطر "
هتفت ليال من بين أسنانها: " وهل هناك خطر أكبر من أن تذهب به بنفسك إلى تلك المدينة التي يسكنها ذاك الرجل؟ "
قطب معتز وهو يقول: " لم أقصد شيء بهذا.. كل ما أردته أن اشتري له الجواد... "
قاطعته ليال بعصبية تقول: " وهل نفذت خيول العالم حتى تذهب إلى تلك العائلة بالذات لتشتري منها الجواد؟ "
سألها معتز بنفس التقطيب: " ماذا تقصدين؟ "
ردت ليال بصوت متشنج كأعصابها: " ما اقصده واضحا يا معتز وكلانا نعلمه.. أنت ذهبت إلى هناك عن قصد لأجل أن تقابل خالد "
أشاح معتز بوجهه عنها زاما شفتيه بقوة دون أن يعقب فتابعت هي بحرقة: " أرأيت أنني على حق؟ أنت ذهبت لأجل خالد في الأساس وليس لأجل شراء الجواد.. أردت أن تتعرف عليه عن قرب لسبب لازلت أجهله "
تأفف معتز وهو يقول: " ليس هذا هو الوقت المناسب للحديث في هذا الموضوع "
هدأت ليال بشراسة: " بلى إنه أنسب وقت.. أخبرني كيف استطعت فعلها بي؟ كذبت عليّ بحجة الجواد ولم تخبرني عن وقت ذهابكما لأنك تعرف أنني رافضة وما كنت لأسمح لك باصطحاب ابني معك "
سألها معتز بسؤال آخر مراوغا: " ماذا ستفعلين معهم إن أتى أحدهم وطلب زيارة صخر؟ "
سالت بضعة دمعات من عينيها بحرقة وهي تقول بجمود: " لن يراه أحد منهم.. لن أسمح له بأن يأخذ ابني مني.. لن يراه "
نهض معتز من مكانه وهو يقول بحنق: " أنتِ هكذا ستثيرين شكوكهم وأنا لا أجد خطئا في أن يطمئنوا عليه "
هدرت ليال بضيق: " لن يروا طرف ابني يا معتز.. لن يروه.. لقد قررت وانتهينا "
قطب معتز وهو يقول بتأفف: " تفكيركِ خطأ "
صاحت ليال بشراسة: " ابني وأنا حرة فيه.. لا دخل لك أنت.. إياك أن تفعل شيء آخر أبديت اعتراضي عليه وإلا... "
قاطعها بغضب: " وإلا ماذا يا ليال؟ هل تهددينني؟ "
رفعت حاجبا ببرود وهي تجيبه: " ما عندي قلته يا معتز.. صخر ابني أنا وأنا وحدي من لي حق إصدار القرارات الخاصة به وبما أني قلت أنهم لن يروه فأنا أعني هذا فعلا "
عبس بغير رضا فأشاحت بوجهها عنه وهي تتمتم بحرقة: " لن أسامحك على هذا أبدًا يا معتز.. كاد ابني يضيع مني بسبب غيرتك من رجل لم تعد له أي مكانة في حياتي.. غيرتك كادت تكلفني حياة ابني "
زفر معتز وهو يتمتم بالاستغفار قبل أن يقترب منها ويرفع يده ليمسح عبراتها عن وجنتيها بلطف وهو يقول: " هلا هدأتِ قليلا؟ مختار طمئننا على حالته وليس هناك داعٍ للبكاء الآن.. فقط أهدئي حبيبتي "
دفعت يده بعيدا وهي ترد بغضب مكبوت: " كيف أهدأ؟ كيف وقلبي يحترق؟ "
شهقت باكية بنحيب عالٍ وهي تشير بيدها تجاه سرير صخر بينما هي مستمرة في حديثها مع معتز: " ماذا سأفعل لو انكشف الأمر وظهرت الحقيقة؟ هل تظن أن صخر سيتقبل الأمر برحابة صدر؟ لا بالطبع سيثور "
هوت على الكرسي وهي تغطي وجهها بكفيها مجهشة في البكاء بينما تتمتم: " لو علم أنك لست والده ستكون كارثة.. ماذا أفعل؟ ساعدني يا ربي "


تتلون الذكرى بأخرى وقعت بعدها بأسبوع واحد من خروجه من المشفى وتعافيه قليلا
صوت أمه لازال يدك حصونه وهي تقبض على ملابسه بعنف وتصرخ في وجهه بلا رحمة: " إنه يكرهك ولا يريدك.. لديه أبناء آخرين هم لديه أفضل وأهم منك.. هل تسمعني؟ هو لا يريدك.. لا يريدك في حياته أبدًا "
يعود هو بتخاذل يخبرها بما تهتف به كل نبضة ثائرة في فؤاده: " لكن أنا أريده.. أريد أبي... "
فتنهره بقسوة: " هو ليس والدك.. انساه "


مع توقف سيل الذكريات فجأة كما بدأت فجأة كان يشهق من جديد وهو يميل بجذعه للأمام حتى مس الأرض بجبهته ويده مستمرة في التمسيد على صدره برتابة ودموعه لا تنقطع ولا تتوقف
فجأة تعالا رنين هاتفه فلم يبالي به حتى انقطع الصوت ليشهق هو من جديد ببكاء حار بينما الرنين عاد يصدح من جديد فتركه ثانية لينقطع مجددًا لكنه بعد بضعة لحظات عاد بإلحاح مرة ثالثة فأخرج الهاتف من جيبه ووضعه على الأرض إلى جوار رأسه وضغط على زر الرد دون شعور منه حتى أنه لم ير هوية المتصل لكن ذلك الصوت الذي يحفظ نبرته عن يقين أعلمه هوية صاحبته التي تحدثت بخجل وتردد تقول: " اعتذر صخر إن كنت عطلتك عن عملك لكن... أنا كنت... سأعود الليلة إلى المدينة كما تعرف فلم يتبق على العرس سوا يومين وأردت فقط... لو لم يكن لديك مانع بالطبع أريد أن التقيك لبضعة دقائق فحسب وبعدها... "
قاطعها بصوته الخافت الجاف من أثر الصراخ الطويل: " نبض "
فردت عليه بقلق: " صخر ما بك؟ صوتك يبدو متعبا جداً؟ هل أنتَ مريض؟ "
ازدرد ريقه الذي لم يجده من الأساس وهو يحاول أن يستجمع القليل من طاقته ليصل صوته إليها: " نعم يا نبض أنا متعب.. كل جزء في جسدي يئن من التعب "
ردت بلهفة: " سلامتك صخر.. أخبرني أين أنتَ لآتي إليك؟ "
شبح ابتسامة زحف إلى شفتيه وهو يقول بخفوت أجش: " ألن تخشي التنقل وحدكِ في أرجاء العاصمة كعادتكِ منذ الصغر؟ "
أتاه صوتها صارخاً بإنفعال: " كف عن المزاح صخر وأخبرني حالاً أين أنتَ؟ يا إلهي صوتك... صوتك مريب "
عادت الدموع تنسكب من مقلتيه مجدداً وهو يرد بعد برهة من الصمت: " حالتي مزرية قد... قد تخيفكِ يا صغيرة "
صرخت نبض بغضب: " فلتذهب حالتك المزرية إلى الجحيم أنا لا أخافك.. هل تسمعني.. لا أخافك؟ "
حاول أن يناكفها لتهدأ: " ترفقي بأحبالك الصوتية قليلاً يا نبض فهي ليست على قدر عنفكِ وصراخكِ الشرس وتحاملكِ عليها "
سكنت نبض للحظات بصمت ثم عادت تسأله بقلق من جديد: " أين أنتَ يا صخر أرجوك اخبرني؟ (ثم أضافت المزيد بخجل) أحتاج لرؤيتك "
فاجئها رد صخر بصوت باك استوضحته بذهول بالغ: " وأنا الآن وفي تلك اللحظة بالذات في أمس الحاجة لكِ يا نبض.. في حاجة لرؤيتكِ أمامي والشعور بنقائكِ وبراءتكِ من حولي حتى تسكن روحي ويرتاح ضجيج قلبي "
ردت عليه برقة كمن يهدهد ويهادن طفل صغير عنيد: " إذن أخبرني بمكانك حتى آتيك يا صخر؟ فقط أخبرني أين أنتَ؟ أرجوك يا صخر.. أرجوك "
ما إن أخبرها بمكانه حتى هرولت للخارج حيث ينتظرها السائق ليُقِلها إلى أي مكان تريده، أعطته عنوان الفيلا قبل أن تنشغل بالدعاء والتوسل لله أن يحفظه ويحميه
***

بعد نصف ساعة تقريبا
كانت نبض قد وصلت إلى الفيلا وتسلقت الدرج بلهفة بعد أن اخبرتها علية بأنه في جناحه، وقفت أمام الباب المغلق بلهفة وارتباك وخوف يعصف بكيانها وهي تطرق الباب دون أن يأتيها منه رد
حتى أتاها بعد لحظات اتصال منه فأجابت بقلق وبادرت بالحديث: " صخر أين... "
قاطعها بصوته الغريب المتعب: " هل تحملين ميدالية مفاتيحكِ الخاصة؟ "
قطب بحيرة ترد: " تقصد تلك التي أعطيتني إياها يوم رحيلي عن العاصمة مع العمة فاطمة؟ "
ردت بصوتها مرهق: " نعم هي.. وكأنني كنت أشعر بدنو لحظة انهياري وأن ليس غيركِ سيكون شاهداً عليها.. هل هي بحوزتكِ الآن؟ "
ردت بتلقائية وهي تضع يدها في جيبها لتخرج المفاتيح: " نعم معي.. لماذا؟ "
رد بزفرة حارة: " أحد تلك المفاتيح هو نسخة أخرى لمفتاح الجناح "
لم تنتظر سماع المزيد منه وبالفعل كانت تجرب المفاتيح الواحد تلو الآخر حتى دار أحدهم وفتح الباب وقبل أن تدلف للداخل أتاها صوته يقول: " أغلقي الباب خلفكِ مباشرة "
نفذت أمره دون تردد وما إن أصبحت في الغرفة معه وحدهما حتى إلتفتت تطالع الغرفة المنقلبة رأسا على عقب والأشياء المتناثرة هنا وهناك بذهول
فتحت فمها لتناديه ولكن الكلمات توقفت في حلقها بعجز وهي تنظر لهيئته ووضعه وهو مكوما على نفسه في تلك الزاوية البعيدة أمام مكتبه
تسمرت مكانها وأخذت تحدق فيه، تريد التقدم منه لكن هناك شيء يمنعها، شيء يحثها على الفرار من أمامه قبل أن تتورط معه أكثر
وهل بقى لديها ما لم يتورط معه؟!..
عقلها يخبرها أن هذه المرة الضربة مختلفة.. أقوى من أي ضربة مضت لكن قلبها يجبرها على البقاء.. يدفعها دفعا نحوه لتساعده وتنتشله من بئر ضياعه السحيق
بخطى بطيئة كانت تتقدم منه وهي تناديه بخفوت حتى لا تُجفله: " صخر.. هل تسمعني؟ "
هزة بسيطة من رأسه صاحبت صوته الضعيف وهو يقول: " لا تقتربي أكثر يا نبض.. أبقي على بُعد مني صغيرتي "
تسمرت لبرهة قصيرة ثم اقتربت منه من جديد بخطى أكثر تصميما وهي تقول بهدوء: " أحب النظر إليك عن قرب "
رد عليها بنبرة تحمل من الحسرة الكثير: " لم تنظري لعينيّ أبداً.. أ نسيتِ يا نبض؟ أنا من خذلكِ و... "
قاطعته بصوت قوي تقول: " لا مزيد من ذكريات حزينة أما يكفيك ما تمر به الآن؟ يا إلهي ماذا يحدث معك يا صخر؟ "
جثت أمامه على ركبتيها ووضعت يدها بتردد على ظهره وهي تقول بصوت مختنق بالبكاء: " لم أرك هكذا يوماً يا صخر.. لا أحب رؤيتك ضعيفاً "
ظل على وضعه وحالته طويلا دون أن يرد عليها فتشجعت نبض وهي ترفع رأسه بحرص وحذر فلم تجد منه أي مقاومة تذكر
اسندته برفق حتى اعتدل جالساً على ركبتيه كوضعها تماماً، كانت كفيها لازالتا على كتفيه وعينيها الزرقاوين لأول مرة مثبتة بعمق في عينيه البنيتين دون أن تحيد بهما بعيداً ككل مرة
آلمها ما قرأته في عينيه من ضعف وقهر مس قلبها حتى أدماه وجعاً، وطال روحها حتى توحد مع أنينها فصدح صداه بوحشية وهو يزأر
قطب بغرابة فجأة وهو يقول: " نبض.. أنتِ هنا "
ارتفع حاجبيها بحيرة وتشتت للحظات وهي لا تفهم ما يقصده لكنها سرعان ما تداركت نفسها وهي تبتسم له بحنان تقول: " نعم صخر.. أنا هنا معك دائماً وأبداً "
ابتسم بتهكم مرير وهو يقول: " كاذبة.. لا أحد يريد البقاء معي ولن يفعل بشر يومًا "
قطبت بكآبة تقول: " سامحك الله يا صخر.. أ تتهمني بالكذب؟ "
تنهد بحرقة يرد: " ارحلي نبض.. لا أمل في وجودكِ هنا.. لن تستفيدي شيء سوا أنني سأجرحكِ بكلامي السام دون حساب "
ابتسمت له من جديد تقول بمناكفة: " وأنا لا أبالي فعلى أي حال كلامك السام مفعوله ليس بالقوة الكافية لترديني قتيلة "
اطبق جفونه بقوة وهو يميل برأسه يستند بجبهته على كتفها وهو يتنهد بتعب قائلاً: " أريد أمي يا نبض.. أشتقت إليها.. لحضنها ورائحتها.. لكل شيء فيها "
ترقرق الدمع في عينيها وهي تربت على كتفه بمواساة بينما هو يضيف بصوت متحشرج: " أتعلمين نبض؟ حينما أنظر إلى عمق بحريتيك أشعر بأنها هي من أمامي لا أنتِ "
سألته بلطف: " لم أدقق النظر لعينيها من قبل.. هل عينيها زرقاوتين كعينيّ تماما؟ "
تنهد وشبح ابتسامة يزحف إلى شفتيه بينما يرد عليها: " لا.. عينيها زرقاوتين بدرجة فاتحة لكنني أحب النظر لعينيكِ أنتِ فأرى فيهما كل ما أحب "
ابتسمت بعذوبة وهي تقول: " لم أكن أعرف بأنكَ تطيل النظر لعينيّ دون علمي "
حرك رأسه قليلا بخفة على كتفها وهو يرد عليها بخفوت: " وكيف ستعرفين يا نبض وأنتِ لا تنظرين إليّ أبداً كما أنظر إليكِ؟ "
ردت بمراوغة: " ربما ما يمنعني هو الخجل "
رد بتهكم مازح: " إذن لماذا لا تعتبرينني بمثابة زوجكِ حتى تتخطي حاجز الخجل المزعوم؟ "
كتمت ضحكتها وهي تجيبه: " لا أستطيع فلدي زوج بارع في إطلاق الأحكام قبل السؤال أو التفكير وإن علم بما تطلبه مني لن يتوانى لحظة عن تفجير سلاحه في رأسي وربما بعدها يأتيه خاطر بأن يسألني عن تفاصيل ما حدث "
فاجئته نبض وهي تصيح بتذمر: " هلا أخبرتني أيها الطبيب المحترم ما حاجتك لسلاح ناري؟ "
تنهد صخر دون أن يرد فصاحت مجدداً بحنق: " هذا ما تفلح فيه صخر تجيد التهرب مما لا تريد الإجابة عليه "
ناداها بصوت مختنق: " نبض "
فردت بلهفة: " نعم صخر "
تنهد يقول: " ضميني إلى صدرك يا نبض أحتاج لأن أغفو بين ذراعيك لربما... (جز على أسنانه بألم قبل أن يكمل) لربما خمدت نيران الحرقة والوجع التي تشتعل في صدري وتطبق على أنفاسي "
كانت نبض تهز رأسها برفض ووجهها يشتعل خجلاً من طلبه وقهرا عليه
فتحت فمها لتتكلم فقاطعها يقول: " إنسي المكان والزمان يا نبض.. إنسي من أنا ومن تكونين.. إنسي أنني زوجكِ واعتبريني أخاكِ مثلا "
قطبت تقول ببراءة: " لكنك لست أخي بأي حال من الأحوال حتى لو تجاهلنا حقيقة أنكَ زوجي "
زفر بقوة وهو يرد: " إذن أفعليها لوجه الله يا نبض.. اعتبريها عمل خيري "
عبست بغيظ وهي ترد: " عمل خيري! وهل تراني أسير في الشارع أوزع أحضان بالمجان سيد صخر؟ نظرتك لي مشرفة جداً "
فتح عينيه على أقصى اتساع وهو يتمتم بذهول وعجب محدثا نفسه: " بقاء نبض مع تلك العائلة لفترة أطول سيشكل ضررا كبيرا على عقلها وطريقة حديثها "
رمشت نبض ببراءة تقول: " بماذا تتهامس مع نفسك يا صخر؟ "
رفع رأسه عن كتفها وقال بتنهيد عميق: " أترين تلك الزاوية هناك؟ "
التفتت برأسها ونظرت حيث يشير ثم سألته: " نعم.. ما بها؟ "
رد بصوت جاد قدر ما استطاع: " أريدكِ خلال ثانية واحدة جالسة هناك.. دون أن تصدري أي صوت أو حركة "
عادت برأسها للأمام ونظرت له بتعجب وهي تسأله بتقطيب: " لماذا؟ "
رد ببؤس: " لن أحصل على حضن، لا غفوة قصيرة، ولا إطفاء لاشتعال صدري إذن على الأقل دعيني أنظف تلك الفوضى التي أحدثتها في المكان "
أشفقت عليه فقالت: " أرتاح أنتَ وأنا سأنظف المكان بدلاً منك "
رد بإقتضاب: " لا.. أعتدت أن أنظف الفوضى التي أُحدثها بنفسي دون مساعدة من أحد (نهض بتثاقل من مكانه وهو يشير بسبابته تزامنا مع أمره لها) اجلسي هناك بعيداً عن شظايا الزجاج المنكسرة حتى لا تجرحين نفسكِ "
نكست رأسها ونهضت من مكانها متوجهه إلى تلك الزاوية التي أشار عليها وحينها تركت الكرسي وهبطت بظهرها أرضا مستندة على الحائط من خلفها ورفعت ركبتيها إلى صدرها ثم طوقتهما بذراعيها قبل أن تستند بذقنها عليهما وبصرها مثبت بشفقة وحزن على صخر
كان يتحرك بخفة يعيد هذا لمكانه، ويلملم هذا بحرص، ويرفع هذا، ويضع هذا وفي خلال بضعة دقائق كانت الغرفة قد عادت إلى حالتها الأولى مرتبة ونظيفة
هوى على الأريكة الجانبية بتعب وهو يزفر بقوة بينما عينيّ نبض لا تحيدان عنه قيد أنملة وهو كان غافلاً عنها لينتبه فجأة على صوتها الكئيب بنبرة حزينة تمس القلب: " لست وحدك من أشتاق لماما خاصته.. حتى أنا... أنا أيضاً إشتقت لماما خاصتي.. أشتاق إليها مع صوت أذان الفجر كل يوم وأنا أنتظرها حتى تأتيني وتوقظني لنصلي معاً لكنني... لكنني أصبحت أصلي وحدي دون ماما.. أشتاق إليها مع طلوع شمس كل نهار جديد وأنا أنتظر بأمل أن يصلني صوتها وهي تناديني حتى أستعد للذهاب للمدرسة لكن... لكن يا صخر لا يصلني أي شيء إطلاقا.. أشتاق إليها في موعد كل وجبة حينما أنظر إلى المائدة ولا أراها وأبحث عنها في المطبخ ولا أجد لها أثر.. أشتاق إليها كلما نظرت للقمر في الليل وأراه يشق ظلمة السماء بنوره البهي فأسأله عنها... ألم ترها؟ ألم تمر عليكَ الليلة أيضاً؟ ألم... ألم تسألك عني أو ترسل لي معك شيء؟ فيوجعني برده أنه لا يعلم عنها أي شيء وأنها رحلت عنه هو الآخر "
شهقت باكية بحرقة وهي تشير له بينما تضيف المزيد: " لست وحدك من يشتاق ويؤلمه فراق أحبته لكنك أفضل حالاً مني.. لازال لديك بابا وماما خاصتك بينما أنا... أنا خسرت بابا وماما.. كلاهما رحلا "
نظر لها باستنكار وكاد يقاطعها في حين لم تسمح له وهي تكمل حديثها: " لا تحاول إظهار كرهك وحقدك عليهم بسبب ما فعلوه معك أو بسبب ما حدث لأنك ستكون حينها كاذب مخادع يا صخر.. والديك وعائلتك أجمع لا تستحق منكَ ذلك.. عليكَ أن تُقدر النعمة التي بين يديك وأن تحمد الله عليها حتى يحفظها لك فصدقني يا صخر... صدقني إن حدث ما يتسبب في خسارتك تلك النعمة فسوف تتألم أشد الألم وحينها لن ينفعك الندم فعلى كل حال تعلم أنه ما من فائدة مرجوة من البكاء على اللبن إن سُكِب أرضاً "
ضرب بقبضته إلى جانبه بإنفعال وهو يقول: " أصمتي نبض.. أصمتي أنتِ... أنتِ لا تفهمين أي شيء "
قطبت بضيق وهي تقول مع استمرار دموعها في الانسياب: " هل تعلم من أنت حقا يا صخر؟ أنتَ أحمق.. أنتَ من يظن نفسه يفهم كل شيء ويعرف كل شيء لكنه في الحقيقة مجرد عنيد حجر.. أصم قلباً وقالباً لا يفهم ولا يعي أي شيء مما يدور حوله.. ثور يندفع في طريق هلاكه دون حساب أو تفكير "
حدق فيها بذهول حينما هبت من جلستها تتخصر أمامه وهو تصيح بغضب: " تظن نفسك جبل عملاق أليس كذلك؟ تظن نفسك قوي لا تُهزم؟ إذن دعني أخبرك بحقيقة أنكَ بالفعل جبل عملاق لكنك أبله لا تعرف أين توجه قوتك في شيء صالح يفيدك "
وقفت أمامه تلهث بقوة وكأنها كانت في سباق انتهى للتو وقبل أن يتفوه بحرف كانت هي ترفع سبابتها في وجهه بغيظ وهي تصرخ بشراسة: " للمرة الأولى في حياتي... للمرة الأولى أخرج عن طوري وانفعل بهذا الشكل أو اتلفظ بتلك الألفاظ السيئة لكن دعني اقولها لك للمرة الأولى والأخيرة لأنني لو لم أفعل سأنفجر من القهر الذي أشعر به بسببك.. (سحبت نفس عميق ولم تكد تزفره حتى عادت تصرخ بشراسة أكبر) تباً لك صخر خالد عبد الرحمن الجبالي.. تباً لمعتقداتك الغبية وأفكارك المتطرفة.. تباً لصلابة رأسك وعنادك في الخطأ وكِبرك الذي لن يودي بك سوا للهلاك "
فتحت الباب وخرجت ثم صفقته خلفها بعنف ولم تمض لحظة وهو لازال على جلسته الذاهلة يحدق في أثر اختفائها حتى فتحت نبض الباب من جديد وصرخت من بين شهقات بكائها: " لعلمك زوجي العزيز أحد زملائي في الجامعة يريد رقم هاتفك حتى يتمكن من التواصل معك باعتبارك أخا أكبر لي لأنه يريد التقدم لخطبتي في أسرع وقت "
جحظت عينيه بغضب وهو يهدر: " أخوكِ! من أخبره بتلك المعلومة الغبية؟ "
نظرت له للحظات بغموض قبل أن تبتسم في وجهه بتشفي وهي تقول بتحدي: " أنا أخبرته وليس وحده بل الجامعة بأكملها تعلم أنني أمتلك أخا يكبرني بسبع سنوات وذلك الأخ ليس سواك.. أخي صخر "
تركته بعدها ورحلت وهي تشهق باكية بحرقة بينما تتمتم بهمس مختنق: " يا رب دعه يصحو من غفلته قبل أن يفوت الأوان ويندم "
***

مساءً / في المدينة الجبلية
كانت فاطمة ترتل القرآن الكريم دون أن تتدخل في النقاش المحتدم بينهما وقد أعتادت أن ينشب بينهما خلاف كل فترة
هتفت نبض بحنق: " لن أصحح أي معلومة لأي شخص فلا أحد يعلم بأني متزوجة من الأساس "
صرخ صخر غاضبا: " ومن السبب في جهل الجميع بأنكِ متزوجة نبض هانم؟ "
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تشيح بوجهها جانبا مغمغمة ببرود: " هل كان يجب أن أنشر الخبر في الجريدة أم ماذا بالضبط؟ "
جذبها من مرفقها بخشونة صارخا: " لا تستفزيني نبض.. إن كنتِ تتحلين ببعض العقل والحكمة فمن الأفضل لكِ ألا تفعلي "
قطبت مغتاظة وهي تنفض يده بعيدا عنها صارخة في المقابل: " وماذا فعلت أنا؟ "
جز على أسنانه وهو يتمتم بخفوت مخيف: " أخرسي نبض.. فقط أخرسي "
عبست وهي تقول بإعتداد: " لا تخاطبني بهذه الطريقة.. لا أسمح لك "
هتف صخر فجأة بإنفعال شديد: " لن أخاطبك بعد اليوم بكلمة حتى (ثم تابع حديثه بصراخ كاد أن يصيبها بالصمم) تريدين الطلاق أليس كذلك؟ "
لم يكن هذا ما أرادته لكنها لا تريد إظهار تمسكها به وهو لا يفعل معها المثل فردت ببرود زائف: " أجل هذا ما أريده "
هز رأسه بإنفعال وهو يقبض على كفيه إلى جانبيه بقسوة قائلا من بين أسنانه: " حسنا نبض سأطلقك.. سأفعلها قبل أن أسافر "
قطبت بتعجب وهي تردد بعدم فهم: " تسافر! إلى أين ستسافر؟ "
رد بنفس النبرة القاسية: " لا دخل لكِ.. عامة وفي كل الأحوال كان سفري وشيك "
ازدردت ريقها وهي تنظر إلى فاطمة بصدمة فلم تجد من الأخيرة أي رد فعل على ما سمعته لتعود ببصرها إليه قائلة بشحوب: " قررت أن تسافر ولم تخبرني.. ألا توجد لي أي صفة في حياتك؟ ألهذه الدرجة لا أمثل لكَ أي شيء يا صخر؟ "
أشاح بوجهه عنها وملامحه تصرخ بالجمود فتحركت لتكون في مواجهته وهي تقول بنبرة مصدومة تغلفها غصة البكاء: " ستتركني وترحل مجددًا يا صخر.. أهكذا تكون حافظت على الأمانة التي آلت إليك؟ "
رد ببرود قاس: " لن أفعل أكثر من تلبية رغبتكِ.. تريدين الطلاق وأنا سأمنحكِ ما تريدين وإلى هنا أكون فعلت ما بوسعي للحفاظ عليكِ "
فغرت فاهها بصدمة وقبل أن تتدارك صدمتها منه كان هو يغادر البيت
تلفتت حولها بذهول بعدما خرج من البيت وفي لحظة كانت تركض للخارج وهي تناديه بقهر: " صخر أنتظر أنا أكلمك.. لم ننهِ حديثنا بعد "
لم تكن خطواته تتوقف أبداً أو تتباطأ في إشارة منه بالاستماع إليها بل تزداد عجلة وتسارعا حتى اضطرت إلى الهرولة خلفه وما إن تمكنت من الوصول إليه حتى قبضت على مرفقه وهي تصرخ: " ألا تسمع؟ قلت توقف "
زمجر بقوة وهو يلتفت بحدة كادت تطيحها أرضاً وهي تقف خلفه مباشرة فأسرع هو بمهارة في اسنادها بأن أحاط خصرها بذراعه العضلي حتى استعادت توازنها فتركها على الفور ومن تلقاء نفسه قبل أن تأمره بذلك
وقفا متواجهين أمام بعضهما كل منهما يقبض على كفيه بتشنج إلى جانبيه وانفعالات الغضب المتلاحقة على صفحة وجهيهما لم يحاولا اخفائها حتى
كان هو أول من قطع الصمت المتوتر بينهما وهو يقول: " أظنني توقفت كما امرتني.. ما التالي؟ "
قطبت نبض وهي تقول: " أولاً أنا لم آمرك بشيء، ثانياً كف عن التصرف كالأولاد الصغار فلا سنك ولا مركزك يسمحان لك بذلك "
رفع حاجباً باستفزاز وهو يقول: " سني! لا أظن الشيب غزاني بعد "
رغماً عنها توجهت نظراتها إلى شعره البني المصفف بعناية قبل أن تتنقل على ملامحه الوسيمة لتعبس برد فعل تلقائي وشعور بالغيظ ينتابها كلما تأملت هيئته الرجولية الصارخة بجذب كل ما يحمل لقب أنثى ليلتصق به بترحيب
صرخت بغيظ طفولي: " لا تتفاخر بنفسك لهذا الحد فحتى الشيب الذي تسخر منه يُعد علامة من علامات الوسامة في بعض الرجال "
قطب بشر يقول: " بعض الرجال! وما أدراكِ أنتِ بهذا؟ هل أنتِ معجبة بأحدهم دون علمي؟ أم أن هذا التافه الذي يريد خطبتك هو الذي... "
قاطعت حديثه وهي ترفع حاجباً باستفزاز تقلده وهي تقول: " وما دخلك أنت؟ معجبة أم عاشقة حتى؟ ليس لديك الحق بسؤالي عما يخصني "
هدر بوحشية مخيفة وهو يقبض على مرفقها بخشونة: " معجبة أم ماذا؟ عاشقة! امرأتي أنا عاشقة لغيري! هل تريدين الموت اللحظة يا نبض؟ "
رمشت بإرتباك لحظي حينما أدركت خطأ ما نطقت به لكنها أرتدت قناع البرود وهي تواجهه متعجبة من سرعة تبدل حاله: " الآن أصبحت امرأتك ومنذ دقيقة واحدة كنت على أتم الاستعداد بأن تطلقني ترى ما الذي تغير؟ "
توترت قبضته المحيطة بمرفقها قليلاً وهو يقول بمراوغة: " أعرف أنكِ تريدين استفزازي ليس أكثر "
رفعت حاجباً ببرود تقول بصلابة: " ولماذا أفعل؟ ألست تريد أن تطلقني؟ تفكر وحدك وتعطي الأوامر بما تريد؟ إذن فما الضير إن فعلت المثل وبحثت عمن يستحق حبي؟ "
اشتدت قبضته بقسوة وهو يجز على أسنانه قائلاً بعنف هادر: " أغلقي فمكِ يا نبض.. اغلقيه بنفسكِ وإلا فعلت أنا "
زفرت بغيظ وهي تقول: " لماذا تعطي نفسك الكثير من الصلاحيات والحقوق بينما تحرمني من أبسط حقوقي في الحياة؟ "
صرخ بحدة وقد بدأت أعصابه في الانفلات: " هكذا أنا.. رجل مستبد، ظالم، متعجرف وتعجبني نفسي على هذا الحال "
استطالت نبض على أطراف أصابع قدميها وهي تجز على أسنانها غيظا منه بينما تقول: " لكنه لا يعجبني يا سيد مستبد أنت "
قطب ببرود يرد: " لم أطلب رأيكِ فيما يخصني "
توسعت عينيها بذهول لحظي قبل أن تنفض يده عنها وهي تعبس بشدة بينما تقول: " أنت بالفعل مستبد وظالم.. حسناً طلقني صخر علني ارتاح منك ومن مزاجك السوداوي المتقلب "
تنهد بلامبالاة وهو يرد: " مزاجي ليس متقلبا "
ضحكت نبض ضحكة قصيرة ساخرة وهي تقول بتهكم: " حقاً! وماذا تعتبر حالتك إذن وأنت تخبرني بأنني امرأتك فلا تمر لحظة حتى تقول بأنك ستطلقني قريباً قبل أن... "
سكتت بكآبة وهي تنكس رأسها بقهر أرادت اخفائه عن عينيه المتربصين بها كعيني قناص ماهر
بعد لحظات قليلة قالت ببؤس: " لو سافرت يا صخر... لو فعلتها حقاً فسوف... فسوف... (رفعت رأسها ونظرت لعينيه برجاء صامت تقول) أنت لن تفعلها بي مجددا أليس كذلك؟ محال أن تتركني وحدي وتسافر "
أشاح بوجهه عنها وقد قرأ رجائها الذي مس شغاف قلبه وهو يرى تلك الحبات الندية قد بدأت في التكاثف على صفحة بحريتيها فلم يستطع مواجهتها وهو ينظر إلى عينيها، كان ذلك أكبر من طاقته وقدرته
قال بصوت متصلب: " هذا أفضل "
صرخت بغضب: " أفضل لمن؟ وكيف؟ "
قطب يتصنع البرود وهو يرد: " لستُ مطالباً بالشرح أو التفسير "
لم تشعر بنفسها وهي ترفع يديها وتقبض على مقدمة قميصه وهي تصيح بانفعال: " بلى أنت مطالبا بهذا لأنني بشر ويجب أن أفهم أسبابك.. عليك بالشرح لأتمكن من استيعاب ما يحدث معك فهذا حقي "
ظل صامتا للحظات طوال ثم قال بنفس البرود المصطنع: " ترفقي بأحبالكِ الصوتية المسكينة فلا أظنها تملك القدرة على تحمل صياحكِ المتكرر "
طالعته بذهول لم يدم وهي تصرخ بشراسة: " أنت بالفعل لا تطاق.. لا تطاق يا صخر الجبالي وأنا بلهاء لأنني استجدي قربك المرير الذي لا تذيقني فيه سوا الوجع أضعاف ما تملك.. طلقني.. طلقني يا صخر فأنا أكرهك "
خرجت فاطمة على صوتها المرتفع تقول بحنق: " لقد مللت من تكرار نفس المشهد في كل زيارة بائسة لك يا ولد.. ألا تملك في قلبك الأصم المتحجر هذا بعضاً من الرحمة؟ "
التفتت نبض برأسها لفاطمة تقول: " أخبريه عمتي.. أخبريه لأنني أكاد أجن بسببه "
ابتسمت فاطمة بحنان وهي ترد: " حماكِ الله وحفظك حبيبتي.. إنه أحمق دعكِ منه وتعالي فالجو بارد هنا "
رمقته بغيظ مكبوت وهي تتخطاه للداخل وحينما وصلت حذو فاطمة همست لها بعبوس: " لا تدعيه يرحل قبل أن يتناول عشاءه ولا أرى بأس في أن يبيت معنا فالجو سيء الليلة ولا أظنها ستكف عن المطر "
دخلت نبض فتقدمت فاطمة منه تقول بحنان: " حتى متى ستظل تحارب قربها منك بهذا الحمق؟ تارة تقاتل لتظفر ببسمة منها وتارة تتوعدها بالهجر "
لم يرد فتابعت بتنهيد: " يا ولدي أفهم.. الفتاة لازالت صغيرة ولا أظنك بحاجة لكي أخبرك أنها تملك من الجمال ما يجعلها فتاة أحلام كل شاب فلا تدعها تفلت منك.. أنتَ أحق بها من غيرك "
ظل مشيحا بوجهه بعيدا بجمود فقالت بحزم أمومي شديد: " فكر مليا وتريث قبل اتخاذ القرار فوالله إن فعلتها يومًا وطلقتها بغبائك فلن أسمح لك برؤية طرفها ثانية "
نظر لها بضيق فتجاهلته ببساطة وهي تتخطاه للداخل بينما تقول: " اغسل يديك.. خلال لحظات سيكون العشاء جاهزاً "
***

تعمدت نبض الجلوس إلى جواره في سابقة لم تحدث من قبل مما جعله متوترا على غير عادته الثابتة، الواثقة دومًا
قالت فاطمة بهدوء مدروس: " ما أخبار إياد ابن خالتكِ؟ سمعت أنه سيعود من أمريكا خلال أيام "
عبست نبض بحيرة وهي تفكر أنها هي من أخبرت العمة فاطمة بذلك بل اخبرتها أيضاً أنه سيعود مع خالتها ومروان وليس وحده، فلم تفهم لماذا تسأل عنه هو بالتحديد
ردت بعد لحظة بهدوء: " إنه بخير حال.. موعد عودته بعد ثلاثة أيام "
ابتسمت فاطمة بمكر تقول: " وبالطبع سيطلب رؤيتكِ بنيتي "
ردت نبض بتلقائية: " بالطبع عمتي فهو يفعلها دوما.. بعد كل مرة كان يعود من سفره كان يأتي لزيارتنا "
رفع رأسه بحدة ونظر أمامه دون تعقيب فسألت فاطمة ببراءة زائفة: " ألم تعجبه أي فتاة في الخارج؟ ظننته سيتزوج ويستقر هناك "
ابتسمت نبض بسعادة طفولية وهي تقول بفخر: " لم يجد لي شبيهة بعد "
قطبت فاطمة تتصنع عدم الفهم وهي تقول: " ماذا؟ "
ضحكت نبض بعفوية وهي تقول: " إنه يريد لفتاته أن تكون نسخة مني.. منذ صغرنا وهو يخبرني أنني فتاة أحلامه وحينما سافر أول مرة لأمريكا أخبرني أنه سيبحث عن فتاة تشبهني هناك لكنه سيحرص بألا تكون محجبة (برمت شفتيها بحزن تقول) دومًا كان يسخر من حجابي فهو يريد أن تكون زوجته متحررة قليلاً "
ضرب بقبضته على سطح المائدة فسألته فاطمة بلطف ماكر: " هل تحتاج لشيء بني؟ "
حرك رأسه سلبا وهو يقول جازا على أسنانه: " لا.. شكرا "
كتمت بسمتها التي كادت تفصح عن تلاعبها بأعصابه وهي تقول: " إياد شاب جيد رغم أنه سليط اللسان أحيانا "
اومأت نبض إيجابا وهو تقول بتنهيد: " معكِ حق عمتي.. لو فقط يتخلى عن ذلك لأصبح... "
غلى الدم في عروقه وهو يستمع إلى صوت تنهيدتها الحارة ليشعر ببراكين تتفجر بداخله وهو يفكر بأنها تحب إياد، بل الأسوء بأنها تتمناه لنفسها وقد تتزوج به بعد أن يطلقها هو
قاطعها بحدة وهو يضرب بقبضتيه على سطح المائدة بينما وجهه ملتفا إليها: " لأصبح... ماذا يا هانم؟ اطربيني بوقاحتكِ "
رمشت نبض بذهول وتوتر من حدته قبل أن تجيب بتلعثم: " أنت فهمتني خطأ أنا لا أقصد ما تظنه أنت "
لاحظت انسحاب فاطمة متوجهه لغرفتها فاتسعت عينيها بصدمة بعدما فهمت أنه كان مخطط منها منذ البداية لاستفزاز صخر وقبل أن تعي ما يحدث كان هو يميل بجذعه عليها مستندا بذراعه على ظهر كرسيها فشعرت بالخوف وهو يحتجزها بهذه الطريقة
رفعت عينيها إليه تقول بإرتباك: " قصدت أنه... أنه لو تغير قليلاً سيصبح أفضل حالا مما هو عليه "
تكلم من بين أسنانه المطبقة بقوة: " كم مرة أخبرتكِ ألا تتحدثي عن رجل لا في وجودي أو غيابي ولا حتى في أحلامكِ؟ "
ردت ببراءة مستفزة: " لكنه ابن خالتي.. إياد ليس غريبا عني "
هدر بانفعال: " لكنه رجل.. إسمعي نبض أنا لن أكرر كلامي ثانية لكن إن سمعتكِ تذكرين على لسانكِ إسم رجل كائن من كان أقسم بالله أن... "
قاطعته برقة تسأله: " هل تغار عليّ أم أنه فقط تحكم منك؟ "
ردت بجمود: " ماذا ترين؟ "
تنهدت بصبر تقول: " لا أريد ما أراه أنا بل أنت.. أخبرني صخر هل هي الغيرة أم التحكم؟ "
سأل بمراوغة: " هل لديكِ محاضرات في الغد؟ "
عبست بغيظ شديد لكنها ردت رغم ذلك: " لا.. لا في الغد ولا بعد الغد حتى "
تنهد بقوة وهو يشيح بوجهه عنها مفكرا بينما يقول: " جيد "
قطبت بحيرة تسأله: " ماذا؟ "
أعاد نظراته إليها وهو يرد: " سأبيت الليلة هنا "
اومأت برأسها بخفة دون تعقيب فتابع بترقب غامض: " معكِ.. في غرفتكِ.. على فراشكِ "
مالت برأسها وهي تقول بحيرة: " ها! هل هذه أحجية؟ "
رد بلامبالاة مقصودة: " لا.. أنا أخبركِ تفاصيل ما سيترتب عليه بقائي هنا الليلة "
قطبت للحظة ثم ابتسمت بلطف تقول: " آه فهمت.. أنت تريد أن تنام في غرفتي.. حسناً لا بأس سأنام أنا الليلة في الغرفة الأخرى "
هز رأسه سلبا وهو يميل عليها أكثر مسببا لها المزيد من الانكماش والتوتر: " يبدو أنكِ غفلتِ عن أول حديثي "
سألته بتوتر: " ماذا تقصد؟ "
رفع حاجباً بتحدي مستفز يقول: " معكِ.. قلت أنني سأنام... "
صرخت تقاطعه وهي تدفعه ليبتعد عنها: " مستحيل.. أنت تمزح "
رد ببساطة: " لا.. أنا لا أمزح "
طالعته بصدمة متسعة العينين وهي تقول: " إذن أنت محموم "
عبس وهو يقول: " لا.. أنا بخير "
قطبت وهي تقول بحيرة: " لم يبق سوا الخيار الأخير وهو أنك جُننت "
رد بتأفف مصطنع: " لازلت بكامل قوايّ العقلية على حد علمي "
قبل أن يضيف أحدهما كلمة وصلهما صوت فاطمة من الداخل تقول بصوت بدى فيه أنها تكتم ضحكاتها المتسلية: " هل أجهز لكَ غرفة الضيوف بني؟ "
قطبت نبض بغيظ تتمتم بخفوت: " هي حتى لم تأتِ لتخبره بذلك وجها لوجه يبدو أنها لا تنوي تجهيز شيء من الأساس "
في حين رد صخر بصوت هادئ مستفز وهو ينظر إلى مقلتي نبض المتزعزعتين بتوتر: " لا عمتي لا ترهقي نفسكِ.. ستقوم نبض بذلك بدلاً منكِ "
ردت فاطمة ببساطة منهية الموضوع: " حسناً "
غمغمت نبض وهي تشعر بالغدر: " عمتي متواطئة معه.. يبدو أنهما يخططان معاً.. كيف سأتخلص من هذه الورطة يا ربي؟ "
رفعت عينيها ترمقه بحذر فتراه ينظر إليها بغموض يهدد ثباتها ويشتت شجاعتها فتفقد إحدى نبضات خافقها وهي ترى التماع عينيه الغريب
فتفكر بأنها فعلا وقعت في ورطة صعبة جداً، ماكرة جداً ويبدو أنها... حلوة جداً.. جداً
***

يكاد ينفجر ضاحكاً وهو يرى توترها وارتباكها الذي يصل حد الخوف منه وهي ترمقه كل ثانية بقلق وكأنه وحش سيقتنص الفرصة في أي لحظة حتى يهجم عليها ويفترسها
جلس على الفراش متربعا وهو يراقب تحركاتها الحمقاء المتعثرة في الغرفة جيئة وذهابا فسألها بهدوء: " هل تبحثين عن شيء؟ "
توقفت عن الحركة ونظرت له بتوتر وحذر وهي تجيبه: " كنت أبحث عن... لا أجد سجادة الصلاة "
قطب بتعجب يقول: " سجادة الصلاة! لماذا؟ ألم تصلي العشاء حتى الآن؟ "
ازدردت ريقها بإرتباك ترد: " بلى صليتها لكن... سأصلي قيام الليل "
رفع حاجباً باستفزاز وهو يقول: " وهل أنتِ معتادة على صلاة قيام الليل كل ليلة.. أم قررتِ البدء منذ اليوم تحديداً؟ "
ردت بتلقائية: " طبعا أصلي كل ليلة لكن... (رمقته بتوتر وهي تكمل) سأبدأ الليلة أبكر قليلاً "
عبس بغيظ يقول: " أفعلي ما يحلو لكِ يا جبانة "
لم ترد عليه وعادت للحركة بتوتر من جديد فزفر بحنق يقول: " سجادة الصلاة بجوار المسبحة في الزاوية التي تصلين فيها.. ألم تجدينها بعد؟ "
نظرت إلى تلك الزاوية حيث تخصصها للصلاة فيها وقالت بخفوت: " وهل يظنني بلهاء؟ أنا أعرف أين هي بالضبط فأنا من وضعتها من الأساس.. أحمق "
سأل ببرود: " هل تقولين شيء؟ "
هزت رأسها سلبا بسرعة وهي تتجه حيث زاوية الصلاة بصمت
استرخى هو على الفراش، تمدد وشبك أصابع كفيه خلف رأسه وهو يتأملها في صلاتها بهدوء
كانت تختم كل ركعتين بسلام يليه التفاته بسيطة منها له وما إن تلاحظ مراقبته لها حتى تعود إلى الصلاة من جديد واستمر الحال على هذه الطريقة حتى فاض به الكيل فقال بخفوت حتى لا يجفلها بعدما سلمت وختمت ركعتين إضافيتين: " هل تنوين إقامة الليل بطوله؟ "
ردت بنفس خفوته: " لا.. سأنام بعد قليل "
رد بمناكفة: " اممم إذن أنتِ لا تتهربين من النوم إلى جواري مثلاً؟ "
ردت وهي توليه ظهرها بشجاعة واهية: " أنا لا أهرب من النوم إلى جوارك "
سأل باستفزاز: " ولستِ خائفة مني؟ "
ردت بنفس النبرة: " بالطبع لا.. وهل ستعضني إن نمت بجانبك؟ "
قال ببساطة: " إذن ستنامين إلى جواري "
تمنت أن تصرخ ب 'لا' لكن بدلاً من ذلك وجدت نفسها تقول: " أجل "
سكت بعدها ولم يضف المزيد فألتفتت إليه تسأله بقلق: " ماذا؟ "
مال برأسه يرد ببراءة: " ماذا 'ماذا'؟ أنا انتظرك "
تتالت الأفكار والانفعالات على صفحة وجهها بدأت بعدم الفهم ثم القلق والترقب تلاه وانتهت عند الارتباك والحذر وهي تتجه إلى الفراش بخطى متعثرة تقدم واحدة وتؤخر أخرى
أفسح لها المكان ببساطة وهو ينقلب على جنبه ليكون في مواجهتها مستندا بمرفقه على الوسادة بينما يريح جانب رأسه على قبضته المضمومة
كانت تنظر إليه بطرف عينها وهي تكاد تبكي من الحرج بينما هو لا يحيد ببصره عنها
لانت نظراته برقة فجأة وهو يقول بصوت هامس عجيب: " بحريتيكِ عميقتان جداً ألا قرار لهما؟ "
حدقت في عينيه بذهول وهي ترد: " لا أعرف "
تنهد بعمق وهو يقول: " رغم ذلك هما آمنتين جداً "
رمشت لوهلة بحيرة فصدمها بابتسامة صغيرة زينت ثغره وهو يقول: " أحب رفرفة اهدابكِ وكأنها جناحي فراشة ناعمة "
فغرت فاهها ببلاهة وقد تهدجت أنفاسها، لا تصدق بأن من يتحدث عنها بتلك الرقة هو صخر العصبي القاسي المغرور بالإضافة لأنه...
صخر وكفى؛
أغمض عينيه فجأة دون أن تخبت ابتسامته وهو يقول بعد لحظة صمت: " رائحتكِ جميلة يا نبض.. أحبها حد الجنون "
اتسعت عينيها بصدمة وهي تحدق في ملامحه المسترخية بهدوء فظنت أنها تحلم أو ربما تتوهم ما يحدث معها
فتح صخر عينيه ناظرا إلى خاصتها يقول: " لا تخافي مني يا نبض.. أبداً لن ارغمكِ على ما لا تريدين أو ترغبين فيه "
اومأت برأسها دون أن تجد القدرة على النطق فاعتدل برشاقة ناهضا عن الفراش فسألته وهي ترفع جذعها: " إلى أين؟ "
أشار على الأريكة الجانبية ببساطة وهو يقول بمناكفة: " سأنام هناك فعلى أي حال أنا لم أعتد بعد على النوم إلى جوار أحد "
فهمت قصده وأنه يريد أن يمنحها مساحة آمنة كي لا تخافه فقالت بإرتباك: " لكن الأريكة صغيرة وأنت... "
سأل بهدوء: " أنا ماذا؟ "
ردت بعفوية: " أنت ضخم ولن تشعر بالراحة وأنتَ تنام على الأريكة لأنها صغيرة "
تنهد وهو يقول ببساطة: " إذن سأنام على الأرض "
هبت من مكانها بسرعة تقول: " لا.. هذا لا يصح إلى جانب أن النوم على الأرض متعبا جدا وسيؤذي جسدك.. تعال أنت نام على الفراش وأنا سأنام على الأريكة فهي ستكفيني "
هز رأسه سلباً يقول: " رغم أن الأريكة بالفعل تكفيكِ وتفيض لكني أرفض أن تنامي عليها.. عودي إلى فراشكِ يا نبض ولا تشغلي نفسكِ بي "
عبست وهي تقول: " كيف هذا.. أنت زوجي؟ "
رغماً عنه إبتسم ولم يفطن لما تسببه تلك الإبتسامة الصغيرة لنبض
قال بحنان: " يفترض بي أنا العمل على راحتكِ وليس العكس يا نبض "
ردت برقة عذبة: " أنت بالفعل تعمل على ذلك حتى أنك لم تقصر معي أبداً.. أنا سعيدة لا تقلق "
تنهد وهو يشيح بوجهه عنها قائلاً: " أتمنى ذلك "
بعد لحظة قال بحزم: " هيا استلقي على فراشكِ يا نبض.. سأنام على الأرض.. انتهى النقاش عند هذا الحد "
زمت شفتيها بغيظ وهي تتمتم: " مستبد، متسلط "
***

بعد بضعة ساعات
أحس بيد رقيقة تربت على كتفه وصوت هامس محمل بالقلق اخترق أذنه وصاحبته تقول: " صخر.. أستيقظ أرجوك "
بعد عدة محاولات فاشلة منه تمكن أخيراً من فتح عينيه لتقعا مباشرة على عينيها الدامعتين التي تطالعانه بخوف
قطب بقلق يطالعها بحيرة وهو يقول بصوت أجش من أثر النعاس: " ماذا حدث نبض؟ "
شهقت بنعومة وهي تقول ببكاء: " أنت اخفتني "
ارتفع حاجبيه بذهول وهو يقول: " أخفتك! كيف؟ ماذا فعلت أنا؟ "
شهقت من جديد وهي تقول: " يبدو أنكَ كنت تحلم أو ربما هو كابوس ما لكنك كنت... كنت تصرخ "
ردد كلمتها بشحوب: " كابوس "
تذكر صراعه الذي لا ينتهي مع كوابيسه أثناء النوم فزفر بضيق لينتبه على صوتها الهامس بحذر وهي تقول: " كنت تقول أنا لدي عائلتي الخاصة... وبعد ذلك ناديت عليّ كثيرًا "
قطب بحيرة من كلامها في بادئ الأمر لكن فجأة ومضت أمامه أحداث الكابوس الذي حلم به منذ لحظات قبل أن توقظه
تنبه من جديد على صوتها الهامس تقول: " هل أنت خائفا؟ لا تخف أنا معك.. نم أنت وسأظل إلى جوارك.. لا تخش أي شيء لن أدع تلك الكوابيس السيئة تقترب منك ثانية "
فتح فمه بذهول، أراد أن يخبرها أنه ليس خائفا ولا يخاف من مخلوق أبدًا لكنها سبقته وهي تربت على شعره قائلة برقة: " لا تخف لن اتركك.. أطمئن أنا سأظل إلى جوارك طوال الليل "
رمش لوهلة بدهشة وهي تتابع: " هيا أغمض عينيك حتى ينطفئ مرجليك المشتعلين.. دعهما ينالا قسطا من الراحة (ثم مالت على جبينه وقبلته برقة فأغمض عينيه بشدة وهو يسمع همسها العذب) تصبح على جنة طيبة من الرحمن "
سكن دون حركة وهو يشعر بالسكينة والاطمئنان
شعور بالراحة غزاه من حيث لا يدري فزاره النوم في لحظات وسحبه بين طياته بنعومة وصفاء دون كوابيس مزعجة أو ذكريات أليمة فقط حلم وردي دافئ وجميل

فجأة ومض ضوء دافئ محبب ومألوف لنفسه وظهرت من خلفه سلطانة الأحلام
رآها من جديد ترفل في ثوبها الأبيض وهي تطالعه ببحريتيها الآمنتين تحدثه بصوتها الحلو الشجي: " ألم أخبرك أنني سُلافَ الفؤادِ.. فؤادك أنتَ.. إذا ما نظرت فيه وجدتني وإذا ما احتجت إليّ يومًا لا تكلف نفسك سوا النداء وستجدني.. وها قد صدق قولي "
قطب بعبوس وهو يقول: " لا.. لقد ناديتكِ فلم تأتيني بل من فعلت هي نبض "
اتسعت ابتسامتها الحلوة وهي ترد: " وما الفرق بيني وبين نبض أيها الأحمق؟ أنا وهي نفس الشخص "
رد بذهول: " كيف نفس الشخص؟ "
اجابته ببساطتها: " ألم أخبرك أنني منك.. نبض يسكنك ويخفق به فؤادك؟ "
اومأ إيجابا فتابعت ببسمة حلوة: " هذه أنا جزء منها أما هي... هي سلطانة ومالكة النبض ذاته "


مع إشراقة أول خيوط للشمس كان هو يفتح عينيه بتكاسل ليجفل بشدة وهو يصطدم بالبحريتين الباسمتين له بينما صاحبتهما تتمتم بعذوبة: " صباح الخير.. كيف كان نومك؟ "
رمش لوهلة وهو يطالعها قبل أن يتمتم بنفس خفوت صوتها: " هل سهرتِ إلى جواري الليل كله حقاً؟ "
بابتسامة حلوة اجابته: " بالطبع.. فقد وعدتك بذلك "
سألها بغموض: " ما الذي تمنيتِه لي قبل نومي؟ "
قطبت بعدم فهم بينما تقول: " اممم تمنيت أن تستيقظ على خير هل تقصد هذا أم... "
قاطعها يتنهد بعمق وهو يغمض عينيه من جديد قائلاً: " بل على جنة ويبدو أن الله استجاب أمنيتكِ لي يا نبض "
ضحكت برقة وهي تقول: " حقا! "
رد بهدوء: " نعم "
ظنته يمزح فأراحها تبدل مزاجه عن الأمس فناكفته تقول: " اممم وكيف ذلك؟ "
فتح عينيه يطالعها برقة مست شغاف قلبها وهو يهمس بصوت قوي واثق وصادق النبرات: " لأنني استيقظت على مرآكِ أمامي.. أنتِ جنتي الخاصة يا نبض ولا أظن هناك أجمل منكِ جنة "
فقدت إحدى خفقاتها من جديد وهي ترمش بخجل بينما وجنتيها تتوردان بحمرة شهية أمام نظراته المتربصة بها
هبت من مكانها تقول بتوتر: " يجب أن أذهب.. عمتي... عمتي فاطمة تحتاجني "
ناكفها يقول: " ألن تقبليني ثانية كما فعلتِ بالأمس قبل نومي؟ "
شهقت بخجل وهي تتذكر قبلتها البريئة التي لم تشعر بعواقبها إلا بعدما خلد هو للنوم ووعت على ما فعلت
أسرعت الخطى نحو الباب دون أن ترد فصاح من خلفها بمكر: " يبدو أنني سأطيل البقاء هنا يا جنتي الحلوة فغرفتكِ بكوابيسها وما يليها راقني جدًا "
همهمت بغيظ وهي تفتح الباب قبل أن تخرج صافقته خلفها: " وقح "
***

في دار الجبالي
كانت شمس ترتب بعض الأغراض الخاصة بها في غرفة نومها الجديدة والتي ستتشاركها مع زيد قريبا جدا
خرجت من الغرفة بعد قليل وهي تنظر للجناح ككل بنظرة تقييمية أنثوية قبل أن يفرج ثغرها عن بسمة راضية وهي ترى كل شيء في مكانه كما أرادت بالضبط ولكن سعادتها في الأساس كانت لأن زيدها الأناني ظاهرا قد جهز جناحهما على ذوقها هي وكانت هذه هي مفاجئته لها بعد إعلانه المستبد سابقا بأنه سيجهزه كما يحب هو
تنهدت وهي تفكر كم تحب هذا الأناني الذي لم يعترف لها بالحب بعد رغم أنها تقسم بأنه يبادلها نفس المشاعر ويفوقها أحيانا.. هي واثقة من ذلك وهذا ما يطمئنها في كل مرة يثور غاضبا عليها
استدارت فجأة قاطعة كل أفكارها الخاصة حينما سمعت طرقة خافتة على الباب وقبل أن تفتح فمها سامحة للطارق بالدخول وجدت مُحتل أحلامها وأفكارها يتمثل أمامها وكأنها تملك المصباح السحري الذي يُحقق الأمنيات وفور أن خطر زيد على بالها نفذ لها الجني رغبتها وأحضره لها في الحال
منحته ابتسامة واسعة وهي تقول: " ظننت أنني سأنهي ما جئت لأجله وأغادر قبل عودتك "
أغلق الباب من خلفه بهدوء قبل أن يتقدم نحوها وهو يرد: " وأنا ظننت أنكِ أتيتِ من الأساس لأجلي "
ضحكت بمرح قائلة: " إذن خاب ظنك يا حرام "
رفع حاجبا بمكر وقد وصل إليها يقول: " لازالت الفرصة أمامكِ لتغيري رأيكِ وأنا سأقتنع بدون تفكير "
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تنظر جانبا متمتمة بدلال: " لا أحب الكذب.. وفي الحقيقة أتيت لأرتب بعض الأغراض التي تخصني لا أكثر من هذا "
فطالعها بحزن طفولي وهو يغمغم: " وهذه هي الحقيقة المُرة "
كتمت شمس ضحكتها وهي تعود بأنظارها إليه قائلة: " لماذا عُدت من عملك باكرا؟ "
تمتم بيأس: " ظننت أنني قد أحظى بقُبلة "
توردت وهي تخفض بصرها عنه هامسة: " أخشى أن يخيب ظنك مرة ثانية "
عبس بغيظ وهو يهتف: " لماذا شمس هانم؟ هل أطلب منكِ المستحيل؟ "
غمغمت بخجل: " لا ولكن... "
قاطعها وهو يرفع وجهها لتتمكن من النظر إليه قائلا برقة: " أنا احتاجها يا شمس.. صدقيني احتاجها.. لقد صبرت كثيرًا "
طالعته بصمت تتأمل ملامحه الوسيمة، شعره البني المصفف بعناية، عينيه بلونهما البني الرائق تختلط فيما نظرة العشق بالرغبة فتتورد أكثر بينما هو يضيف: " أنا منعت نفسي عن الإقتراب منكِ منذ عقدنا القرآن بشق الأنفس والله شاهدا عليّ ولولا ظهور أنس ومقاطعته لنا كل مرة وكأنه أسوء ذنوبي التي لا تفارقني أينما كنت لا أعرف ما كنت سأفعل حينها "
ابتسمت برقة وهي تقول: " اصبر قليلا بعد.. لم يتبق الكثير على عرسنا يا زيد "
تأفف بضجر وهو يصيح: " بلى هناك الكثير من الساعات التي لا تمضي "
عبست في وجهه وهي تغمغم: " أنت نزق جدا "
تنهد بشوق واضح وهو يتأمل طلتها المشرقة، شعرها الأشقر الطليق على كتفيها، عينيها البنيتين بدرجة قاتمة وملامحها المتوهجة بفرحة عروس هو جدا مشتاق ليشاركها فرحته بها هو الآخر
رمش ببؤس يمس القلب وهو يقول: " ومشتاق جدا.. جدا "
قربها منه وهمَّ بأن يقبلها في اللحظة التي اندفعت حلا الصغيرة للداخل وهي تصيح بتذمر: " كل هذا ترتبين بعض الأغراض.. ماذا كنتِ ستفعلين إذن لو كُلِفتِ بتنظيف الدار كلها مثلا؟ "
قطبت شمس بغيظ من تلك الطفلة طويلة اللسان بينما صرخ زيد غاضبا: " اذهبي أنتِ يا حلا وشمس ستلحق بكِ بعد دقائق "
ناظرته حلا بسماجة وهي تقول: " ولما لا تأت معي حالاً؟ "
زفر زيد وهو يجز على أسنانه بغيظ مغمغما: " قلت اذهبي يا حلا وإلا... "
قاطعته حلا ببرود تقول: " حسنا.. حسنا وفر تهديدك لنفسك أنا راحلة "
كتمت شمس ضحكتها بينما استدارت حلا متجهة إلى الباب لتخرج كما دخلت وهي تغمغم بحنق: " هذا البيت يحوي عُصبة من المجانين "
أغلقت الباب في اللحظة التي انفجرت شمس ضاحكة وهي تقول: " لازلت غير مصدقة بأن هذه طفلة "
ابتسم وهو يطالع ضحكاتها قائلاً: " وأنا لا أصدق بأنها ابنة عاصم وحفصة.. تليق أكثر بياسين وملك "
هزت رأسها وهي تؤكد كلامه: " نعم معك حق.. إنها طويلة اللسان كملك تماما "
رفع حاجبا وهي يقول بشقاوة: " أظن بأن الفرصة سانحة الآن كما لن تكون بعد لحظة ربما "
تراجعت شمس للخلف وهي تشير بسبابتها محذرة بينما تقول بإرتباك: " تعقل يا زيد.. حلا قد تعود مرة ثانية و... "
وصل لها بخفة وأمسك مرفقيها يقربها منه وهو يكتم ضحكته قائلا: " لهذا علينا بأن ننهي الأمر سريعا "
خفضت بصرها بحياء وهي تعض باطن خدها منتظرة بإستسلام الحصول على قبلتها الأولى
مال زيد بخفة يقتنص شفتيها بشوق وهو يترك مرفقيها ليمسك بخصرها من الجانبين يقربها منه أكثر وقبل أن يتوغل عميقا كان الباب ينفتح مرة أخرى وملك تدخل مندفعة صارخة بغيظ: " لا يعقل أن... أن... ماذا تفعلان؟ "
شهقت شمس بخجل بينما استدار زيد صارخا بعصبية: " نعم هذا لا يعقل.. لا يعقل ابدا أن يكون جناحي مرتعا لكل ساكني هذه الدار.. ما الفائدة من هذا الباب إن لم تطرقوه قبل دخولكم؟ "
رمقته ملك ببرود وهي توجه حديثها لشمس: " والدكِ ينتظركِ في السيارة لكي تغادرا "
اومأت شمس برأسها بسرعة وهي تتخطى زيد خارجة من الجناح دون أن تتفوه بحرف بينما ابتسمت ملك بإغاظة وهي تقول: " حظا موفقا في المرة القادمة.. يا ابن عمي "
خرجت هي الأخرى وتركت زيد من خلفها يضرب الأرض بقدمه كالأطفال وهو يغمغم بضيق: " الجميع تحالفوا ضدي.. كلهم خائنين "
***

بعد بضعة ساعات
عاد إلى بيت العمة فاطمة بعد أن خرج منذ الصباح لمكان ما دون أن يتناول الإفطار أو يخبر نبض عن الوجهة التي يقصدها، دخل بصمت وجلس على أحد مقاعد مائدة الطعام وهو يشعل السيجارة تلو الأخرى، يدخن بشراهة وأصابع يده الأخرى تنقر على سطح المائدة بنغمة رتيبة تثير في نفسها التوتر والاضطراب دون سبب محدد
عينيه ترمقان الساعة المعلقة على الحائط المقابل له بنظرة خاطفة كل بضعة دقائق تليها زفرة حانقة منه، لا تعلم ماذا ينتظر بالضبط فهو حينما دخل لم يوجه لها أو للعمة فاطمة أي كلمة؟
قطبت مفكرة وهي تنظر له.. ألم يخبرهما بالأمس بأنه سيغادر صباح اليوم التالي وهذا ما ظنته قد حدث حينما رحل.. إذن ما الذي يبقيه حتى اللحظة؟
وضعت فاطمة آخر الأطباق على المائدة وجلست تقول: " ضع سجائرك جانبا واغسل يديك لتتناول غدائك "
رد بصوت لامبالي وهو يسحب نفس عميق من سيجاره: " لست جائعا "
غمغمت فاطمة بحنق تقول: " لا أعرف كيف تكون طبيبا وتجهل خطورة وضرر التدخين على الصحة وخاصة بتلك الشراهة التي تدخن بها؟ "
نظر لها بهدوء ظاهري يقول: " لا تخافي عمتي صحتي جيدة والحمد لله "
جلست نبض قبالته تتمتم بخفوت: " ليست جيدة "
رفع حاجبيه بحيرة وهو يطالعها سائلا: " ماذا؟ "
عدلت من وضع حجابها وهي ترد دون أن تنظر له مسلطة نظراتها على طبقها: " سمعت أبي رحمه الله يوماً وهو يخبرك بشأن قلبك وأضرار التدخين عليه وليلة أمس كنت تسعل بشدة ولولا أني أخشى سخريتك مني لطلبت منك أن تذهب للطبيب "
نظر أولا للسيجارة بين أصبعيه ثم إلى نبض وقال بتنهيد: " لا أظنكِ تخافين عليّ لهذه الدرجة يا نبض "
قطبت بضيق وهي تفكر بأنه مجنون ليفكر بأنها لا تهتم بشأنه.. أ بعد كل ما فعلته ولازالت تفعله لأجله يظنها لا تبالي به؟
رفعت نبض عينيها إليه ترد بإندفاع: " ولما لا أفعل وأنتَ كل من لي في الحياة؟ "
غامت عينيه في لُجة قاتمة واشتعلتا فجأة كالمراجل وهو يهب من جلسته قائلا: " يجب أن أرحل حالا.. وداعا... "
قاطعته بهدوء تقول: " بل قل إلى اللقاء فليس بيننا وداع "
قطب بغيظ يقول: " يا بنت أتريدين إصابتي بالجنون؟ ألم تصرخي في وجهي يومًا حتى أغادر حياتكِ وعالمكِ وبالأمس طلبتي مني الطلاق والآن تقولين بأنه ليس بيننا وداع "
توردت قليلا وهي تخفض بصرها متصنعة التشاغل بطبقها وهي تقول: " هذه أنا وعليك تقبل حالتي المتقلبة رغما عنك "
رفع حاجبا بخطورة وهو يميل فجأة مستندا على ظهر مقعدها بكفه متمتما بخفوت إلى جوار أذنها: " رغما عني! اممم هل أفهم من ذلك أنكِ بدأت تعتادين الأمر الواقع يا زوجتي العزيزة وتريدين إخضاعي له في المقابل؟ "
كانت رائحة عطره المحيطة بها لقربه الشديد منها تصيبها بالتوتر حد الرغبة في البكاء مما جعلها تغمغم ببرود مستفز لتبعده: " رائحة الدخان عالقة بك كسماء ملبدة بالغيوم "
ظهر شبح ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يتمتم بتسلية: " وهل تنفركِ مني يا زوجتي العزيزة؟ "
ردت بتلقائية: " وهل تجعل الغيوم السماء منفرة؟ بالطبع لا.. فتلك الغيوم مهما استعمرت صفحة السماء والتصقت بها إلا أنها تتبدد وتختفي في لحظة ما فتعود السماء لصفائها ونقائها المحبب للنفس من جديد "
حينما سكت ولم يعقب بشيء إلتفتت له برأسها فتسارع تنفسها وهي ترى تحديقه فيها وقربه منها فاستعادت ذكرى ما حدث بينهما في المستشفى لتشعر فجأة بالدوار
لا تعلم لماذا لم تخفض بصرها عنه كما يحدث معها في كل مرة؟ لكن شيء في بريق مقلتيه أو مرجليه كما تحب وصف عينيه جذبها للتحديق فيهما
قال بصوت هادئ رقيق: " إذن رائحتي لا تنفركِ؟ "
هزت رأسها سلبا وهي أسيرة نظرته المشتعلة بينما ترد بخجل تمكن منها فجأة: " لا.. رائحتك كما هي وأحببتها دائماً فقط يعكر صفوها دخان سجائرك "
سألها بحنان مفاجئ: " هل تريديني أن أقلع عن التدخين؟ "
اومأت بحماس وهي تبتسم له: " نعم أتمنى ذلك "
رد بشقاوة: " وبماذا ستكافئينني إن نفذت أمنيتكِ؟ "
ردت ببرائتها المحببة تناكفه: " بأي شيء تطلبه.. لكن هذا لن يحدث إلا إن حققت أمنيتي وكنت ولدا مهذبا مطيعا "
رفع حاجبا بمكر يقول: " حقا "
اتسعت ابتسامتها الجميلة وهي ترفع سبابتها تشير إليه وهي مستمرة في مشاكسته: " بالطبع يا حبيبي فحينما تكون ولدا مهذبا يطيع كلمة ماما ستسعى هي لتنفيذ طلباته كلها دون تأخير "
اومأ موافقا حديثها وهو يميل نحوها هامسا: " إذن أعدي نفسكِ منذ اللحظة وصاعدا على تنفيذ طلباتي كلها واعلمي أنني لحوح ومتطلب جدا "
أنهى حديثه الهامس بغمزة من طرف عينه بطريقة أخجلتها وجعلتها تترك كرسيها على الفور وتركض إلى غرفتها تختبأ فيها منه ومن مشاعرها المضطربة التي تلح عليها الإستسلام للكثير مما تخاف الوقوع به
أما هو فحينما أستقام واقفا وعلى شفتيه بسمة صغيرة لم تغادرهما بعد قالت فاطمة بحنان: " لازلت حائرة في أمرك يا ولد كيف تبكيها وتبهجها في لحظة؟ وكأن لا أحد يملك مفاتيح خزائنها سواك "
شمخ بهامته في اعتداد وهو يرد واضعا كفيه في جيبي بنطاله: " لأنه لا أحد بالفعل يمتلكها بخزائنها سواي يا عمتي.. أشعر بها جزءًا لا يتجزأ مني، من روحي، من فؤادي وحتى كياني تحتل فيه الحيز الأكبر.. أفهمها أكثر مما قد أفهم نفسي المعقدة لذا فمن اليسير عليّ إيجاد الثغرات لأقتحم تلال شجونها وأحزانها وأبني لنفسي مملكتي الخاصة بداخلها.. مملكة ليس فيها بشر سواي كما تحتل مملكتي طبيبة القلوب.. طبيبة قلبي أنا "

انتهى الفصل / قراءة ممتعة..
🌼 في انتظار آرائكم،،، دمتم بود🌼 ..


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 02:37 AM   #94

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل التاسع

مواجهة قوية بين صخر وفؤاد خرجت كل حقد فؤاد تجاه عيلة الجبالى وخالد بالأخص

فؤاد زكى بس للأسف بيستخدم ذكائه فى الدمار وتشويه الحقائق

لقاء صخر بعمران كشف حقائق كتير وتورط فؤاد القوى فى قتل اخوه والدليل على التليفون اللى صورت بيه بنت عمران

اعتقد كدا ان شاء الله ان زيد هيتجنن على ايد شمس ربنا يصبره على ما بلاه

اصابة صخر جمعت الكل حواليه من نغم المجنونة اللى مش عايزه حد من عيلته الحقيقية يقربله خوفا من تركها وبعده عنها ودا اللى بيخليها تتصرف بعنف وحمائية ناحيته

وانتهاء بقاسم اللى بيحاول يدخل اخوه العيلة بس تعنت جدها فى رفض صخر وتصرفات صخر المجنونة بتخليه يتصرف كأخ أكبر حامى الدماء بس بصراحة مش مقنع وهو بيمنع نبض من التواجد مع صخر فى حالته دى ياعنى صحيح صخر متهور وباسها بالعافية بس هى ظبطته واديتله القلم التمام

حلا عندها حق جدا ازاى الاسد يمنعها من اكل السكر ويروح هو ياكله
تسلم ايدك ياجميل وربنا ينفخ فى صورتى واكمل الباقى


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 01:46 PM   #95

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
الفصل التاسع

مواجهة قوية بين صخر وفؤاد خرجت كل حقد فؤاد تجاه عيلة الجبالى وخالد بالأخص

فؤاد زكى بس للأسف بيستخدم ذكائه فى الدمار وتشويه الحقائق

لقاء صخر بعمران كشف حقائق كتير وتورط فؤاد القوى فى قتل اخوه والدليل على التليفون اللى صورت بيه بنت عمران

اعتقد كدا ان شاء الله ان زيد هيتجنن على ايد شمس ربنا يصبره على ما بلاه

اصابة صخر جمعت الكل حواليه من نغم المجنونة اللى مش عايزه حد من عيلته الحقيقية يقربله خوفا من تركها وبعده عنها ودا اللى بيخليها تتصرف بعنف وحمائية ناحيته

وانتهاء بقاسم اللى بيحاول يدخل اخوه العيلة بس تعنت جدها فى رفض صخر وتصرفات صخر المجنونة بتخليه يتصرف كأخ أكبر حامى الدماء بس بصراحة مش مقنع وهو بيمنع نبض من التواجد مع صخر فى حالته دى ياعنى صحيح صخر متهور وباسها بالعافية بس هى ظبطته واديتله القلم التمام

حلا عندها حق جدا ازاى الاسد يمنعها من اكل السكر ويروح هو ياكله
تسلم ايدك ياجميل وربنا ينفخ فى صورتى واكمل الباقى

فعلا المواجهة مكنتش هينة ولإن الشر مصيره الإبادة ففؤاد أستحق النهاية دي.
عمران كان اقرب الشبه بالمرسال اللي جه في وقته عشان يوصل لصخر الحقائق اللي هتفيده في مواجهته مع فؤاد.
أنا اعترض.. بقى شمس هي اللي بلوة برضو؟ طيب زيد ايه ملاك بغروره وغيرته المستفزة دي؟😏
فعلا إصابة صخر جمعت الكل حواليه لكن يا ترى فين زيد من كل دا؟؟؟
اه شوفتي الظلم اللي المسكينة حلا بتتعرض له على إيد باباها، مستبد أوي عاصم دا.😂

إن شاء الله ربنا يعينك وتكملي قراءة وتمتعيني بريفيوهاتك الجميلة.😍
يسلم مرورك الحلو يا سُكرة 🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-19, 08:18 PM   #96

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
علاقة نبض وصخر ما زالت بين مد وجذر
فهو يخشي اذيتها لذلك يبتعد عنها
ولكن روحها اصبحت معلقة بة فهى لا تمتلك سواة
بعد وفاة والديها
حياة ما زالت تعذب ياسين معها...المسكين بإنتظار
إشارة منها ....
اما زيد المنحوس ف عجز عن الحصول على قلبتة😂😂
لقد ادرك زيد ان صخر شخص جيد وانة يشعر بالغيرة
منة لانة حظى بقرب يوسف ..
فصلين رووعة
تسلم ايدك حبيبتى
بإنتظار القادم ❤❤❤


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 06:49 PM   #97

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبض وصخر قربوا يجيبوا اخرتي هما الإتنين دول حيتعدلوا امتى
انا جبت اخري منهم سواء هي او هو
يعني هو بكوابيسه الي مش عاوز يساعد نفسه بقا
ومش قادر حتى يتفاهم مع بنت زي نبض
ولا هي كمان الي طول الوقت صخر صخر ولما تيجي قدامه
تتخانق معاه وتتستفزه ولا زوجها وباخجل منه ايه البنت دي
حخنقهم يا هنود اتصرفي 👿👿👿
حياة على رأي قسام باردة جدا
وزيد اظن بدا يستعيد عقله الضايع وهو اكثر واحد يشبه صخر
نفس الكبر وقلة العقل🙄🙄
يوسف ونغم ايه حيكون رد الجد ..
في انتظار القادم باذن الله تحياتي


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 12-12-19, 09:18 PM   #98

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبض وصخر قربوا يجيبوا اخرتي هما الإتنين دول حيتعدلوا امتى
انا جبت اخري منهم سواء هي او هو
يعني هو بكوابيسه الي مش عاوز يساعد نفسه بقا
ومش قادر حتى يتفاهم مع بنت زي نبض
ولا هي كمان الي طول الوقت صخر صخر ولما تيجي قدامه
تتخانق معاه وتتستفزه ولا زوجها وباخجل منه ايه البنت دي
حخنقهم يا هنود اتصرفي 👿👿👿
حياة على رأي قسام باردة جدا
وزيد اظن بدا يستعيد عقله الضايع وهو اكثر واحد يشبه صخر
نفس الكبر وقلة العقل🙄🙄
يوسف ونغم ايه حيكون رد الجد ..
في انتظار القادم باذن الله تحياتي
بالنسبة لصخر ونبض حاضر هتصرف معاهم، هانت وكلنا هنرتاح منهم.
حياة دي اكتر من البرود بشوية حلال فيها الموقف اللي هتتعرض ليه بعدين.😉
زيد بيكابر فعلا رغم يقينه بمعروف صخر على أخوه وهو فعلا الأكثر شبها لصخر في نقطة قلة العقل زي ما حضرتك ذكرتي.
يوسف موضوعه معقد شوية وخصوصا إن الجد رافض صخر فمن الطبيعي انه يرفض اخته كمان يبقى مربط الفرس عند صخر وإن شاء الله قريب تتحلى الأمور.
شرفتيني بمرورك أستاذتي ❤


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-12-19, 02:10 AM   #99

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل العاشر

معقول خلصنا من فؤاد بسهولة كدا وبعد كل جبروته دا انتحر بسهولة

مروة اخيرا بدأت تفوق وتشوف اللى بتضيعه من ايديها بتجاهلها لابنها وانشغالها بالصراع مع شمس وواضح انها بدأت تهتم بالاحداث اللى بتدور حوليها وعايزه تشارك شمس ولو بحاجه بسيطة بس من غير ما تظهر لشمس اهتمامها او تغيرها
قاسم بيدفع صخر بكل قوه عشان يحارب للحصول على حقه فى اسم ابوه ووجوده فى العيلة وطبعا صخر مستسلم ومش عايز الحق دا وبيرفضه بكل تعنت لاعتقاده الدائم ان ابوه تخلى عنه يبقى مش من حقه يطالب بوجوده فى حياته او يسأل عنه

المجنونة زهراء هتتطير البرج اللى فاضل عند حمزة
والفالحه حفصة رايحه تاخد نصايح هههههههههههههه
تسلم ايدك يانودا


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 14-12-19, 02:01 PM   #100

عبير سعد ام احمد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبير سعد ام احمد

? العضوٌ??? » 351567
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,136
?  نُقآطِيْ » عبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond reputeعبير سعد ام احمد has a reputation beyond repute
افتراضي

والله صخر ونبض اثنين مجانينكل شوية طلقنى طلقنى وهو يقولها هطلقك ويرجع فى كلامة ويرجع يتغزل فيها شوية
وهى تتغزل فيه شوية تانيين خلصونا بقى

امتى صخر يستقر اكيد لما تعود والدته وتستقر حياتها مع معتز
وجده يتقبله ويتقبل وجوده
يوسف ونغم مشكلتهم اكبر لان نغم اخت صخر من الام والجد ان كان وافق بحصور صخر زفاف زيد

وشمس صعب يقبل بارتباطهم
ريم دة انسانة حقيرة مفيش حد لحقارتها
حلا فعلا كانت المفروض تكون بنت ملك وياسين بلرسانها الطويل
زيد حظ اوفر المرة القادمة

ونصيحة بعد الزفاف اقفل غرفتك بالمفتاح افضل
دة بيت مجانين على راى حلا


عبير سعد ام احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.