آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          طريقة صنع البخور الملكي (الكاتـب : حبيبة حسن - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          في بلاط الماركيز(71)-غربية-للكاتبة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة بالرابط -مميز (الكاتـب : منى لطفي - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          436 - سراب - كارول مارينيللي ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree41Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-19, 06:49 AM   #11

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي


عزيزتي🌹 ردي على تعليقك هتلاقيه مباشرة بعد الفصل الرابع..

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-19, 05:43 PM   #12

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل الخامس ||

في مشفى العاصمة
كان يوسف يسير في الممر المؤدي إلى استراحة الأطباء منشغلا بهاتفه بين يديه وهو يحاول أن يهاتف صخر وفي كل مرة ينتهي جرس الرنين دون إجابة حتى وجده مغلقا تماما في آخر مرة
زفر بضيق وهو يتمتم: " لا يمكن أن تكون قد أسأت الظن بي يا صخر.. هذا غير معقول "
اتصل بهاتف الفيلا فردت علية على الفور تخبره أن صخر لازال في جناحه ولم يغادره بعد فطلب منها أن تخبره حينما يستيقظ أن يعاود الإتصال به
وضع الهاتف في جيبه وهو يتمتم بتعجب: " ليست من عادته أن يطيل النوم حتى هذه الساعة.. ترى ماذا يحدث معك يا صاحبي ولم تخبرني عنه؟ "
وفجأة ظهرت أمامه ريم تتهادى في مشيتها بخيلاء كطاووس مغرور يتباهى بريشه الملون
أشاح بوجهه عنها وهو يتأفف وكاد يتخطاها بتجاهل لكنها وقفت أمامه تقطع عليه الطريق وهي تقول بإبتسامة خبيثة: " صباح الخير دكتور يوسف "
وقف أمامها يحاول تمالك أعصابه بصعوبة وهو يرد ببرود: " صباح الخير دكتورة ريم "
حرك رأسه بلا معنى وهو يحاول تخطيها مرة أخرى لتعود وتقف أمامه قائلة: " ألن تبارك لي؟ "
حدث نفسه بضيق: " على دنو أجلكِ إن شاء الله "
زفر متماسكا أعصابه وهو يرد بهدوء ظاهري: " على ماذا دكتورة؟ هل فاتني شيء؟ "
ابتسمت ريم بمكر وهي تقول: " قريبا جداً سأكون شريكة أساسية في هذه المشفى "
قطب يوسف بعدم فهم يتمتم: " ماذا؟ عذرا.. هلا وضحتِ لي أكثر فأنا لم أفهم قصدكِ؟ "
ردت ريم بهدوء خبيث: " دكتور معتز كان يتحدث بالأمس عن نصيب دكتور مختار رحمه الله من المشفى وأنا أرى أنني الأحق بالمشاركة "
عبس يوسف وهو يرد: " إن كان دكتور معتز فتح موضوع ملكية هذه المشفى وتحدث عن نصيب دكتور مختار رحمه الله فبالطبع لم يقصد أن يعرض على أحد شراء نصيب دكتور مختار فابنته موجودة "
ردت ريم ببرود: " لا تكن واثقا هكذا.. دكتور معتز سيفعلها اليوم أو الغد فبالتأكيد سيكون بحاجة لشريك جديد بدلا من دكتور مختار أما عن ابنته فلا أظن تلك المراهقة السخيفة ستفقه شيئا في تلك الأمور "
جز يوسف على أسنانه بغضب وهو يقول: " والله يا ريم لولا أننا في مشفى محترم لكنت أخبرتكِ بطريقة أفضل من الكلام من هي السخيفة على حق "
قطبت ريم بذهول غاضب من الطريقة التي يحدثها بها لأول مرة في حين تابع يوسف بحقد: " أنسيتِ أن تلك المراهقة باتت امرأة متزوجة الآن.. اممم وخمني ماذا سيفعل بكِ زوجها إن علم بأنكِ تهينين زوجته؟ "
قبضت على كفيها بغيظ وهي تتمتم بغل: " لن أتركه لتلك الحقيرة طويلا.. صخر سيكون لي في النهاية "
قبض يوسف على ذراعها بقسوة مفرطة وهو يميل على أذنها هامسا بشراسة: " ليس هناك من هي أكثر منكِ حقارة يا ريم ولولا معرفتي الوثيقة بسجلكِ وعائلتكِ الحافل لكنت خُدِعت كالكثير بمظهركِ المنافق أيتها الحرباء المتلونة "
تسارعت أنفاسها فجأة وهي تحدق في عينيه برعب قائلة: " م... ماذا تقصد؟ "
رفع حاجبا وهو يبتسم بغل مكبوت قائلا: " سأترك عقلكِ العبقري يخبركِ بما أقصده دكتورة... ريم... فؤاد... الناصر "
دفعها بعنف بعيدا فتراجعت للخلف بعدم ثبات وهي تكاد تصرخ بينما تقول بشراسة: " كيف عرفت؟ من أخبرك؟ "
إبتسم ببراءة زائفة وهو يغيظها بالقول: " العصفورة أخبرتني "
تخطاها ببساطة لكنه توقف فجأة يقول: " لا تعبثي بممتلكات الغير ونصيحة لكِ مني ابتعدي عن طريق صخر وإلا سترين منه ما لن يسُركِ أبداً "
رمى ما في جوفه وذهب تاركا إياها خلفه ترتجف من الرعب والتفكير يعصف بها
كيف علم هويتها الكاملة التي بذلت جهدا كبيرا في السنوات الماضية لكي تخفيها عن الجميع؟
جزت على أسنانها بقوة وهي تقول بغل: " لست صيدا سهلا كما ظننتك يا يوسف لكن حسنا.. أنت اخترت عداوتي وأنا سأكون كريمة معك ولن أحرمك من هذا الشرف الكبير "
***

بعد ساعة
كان صخر يصف سيارته في مرآب المشفى حينما رن هاتفه فأخرجه من جيب سترته يطالع الشاشة التي تومض بإسم نبض بتعجب متحير ليجيب بعد لحظة بقلق: " نعم نبض.. ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟ "
ردت نبض على استحياء: " أجل أنا بخير لكن... "
سكتت فتكلم هو يسألها بقلق شديد: " لكن ماذا يا نبض؟ تكلمي صغيرتي "
تنحنحت قليلا وبدت مترددة في الحديث قيل أن تستجمع شجاعتها وهي تقول: " أريد القدوم إلى العاصمة "
قطب بحيرة يسألها: " لماذا؟ "
ردت بخجل: " نسيت في شقة أبي شيء مهم وأريد أن أحضره "
تنهد براحة وهو يقول: " أي شيء صغيرتي؟ أخبريني ما هو وسأحضره لكِ بنفسي؟ "
هتفت على الفور بإندفاع: " لا.. لا يمكنني إخبارك عنه إنه... إنه... شيء خاص "
عبس بغيظ وهو يصيح: " أي شيء خاص هذا الذي تريدين اخفائه عني يا نبض؟ أنطقي "
ردت بغيظ طفولي: " لماذا تصرخ عليّ؟ ألا تستطيع أن تتكلم بهدوء كالأشخاص الطبيعيين؟ "
صاح بحنق: " لا "
فردت هي بصراخ مغتاظ: " إذن من الأفضل أن يبدأ عمي معتز في البحث لك عن علاج مناسب في أسرع وقت فقد أصبحت شخص لا يُطاق "
سحب صخر الهاتف يطالع شاشته المظلمة فجأة وهو يتمتم بصدمة: " هل أغلقت الهاتف في وجهي بعدما أنهت حديثها؟ أيتها المتمردة سأريكِ مقامكِ "
***

بعد بضعة ساعات / في المدينة الجبلية
كانت تقف خلف ظهر فاطمة تحتمي فيها من ذلك المارد الذي يكاد ينفث اللهب من فمه وأذنيه من شدة غضبه الذي يكبته
صرخ من جديد وهو يتخصر: " تغلقين الهاتف في وجهي يا نبض!.. "
خرجت من مخبأها خلف ظهر عمتها فاطمة تقف أمامه بصورة مماثلة له متخصرة وهي ترد: " أنتَ من بدأت أولاً في الصراخ عليّ إذن البادئ هو الأظلم "
رفع حاجبا وهو يقول بشراسة: " تتحديني إذن "
رمشت لوهلة قبل أن تقول بشجاعة: " أجل أتحداك "
صرخ بضيق: " حسنا.. دعينا نرى إلى أين ستصل بكِ شجاعتكِ في تحديكِ لي؟ "
تقدم منها عابسا فصرخت بخوف وهي تركض هاربة منه بينما هو يطاردها بلا هوادة
تنحت فاطمة جانبا والتزمت المطبخ وهي تعد طعام العشاء في وقت باكر لسبب ما بينما تزين شفتيها إبتسامة راضية وهي تدعو الله بأن يوفق بين قلبيهما ويرزقهما المحبة والسكينة والسلام
بعد لحظات كانت قد توقفت مكانها على بُعد مسافة منه بعدما تعبت من الركض وبدأت تتراجع للخلف وهي تشهر سبابتها في وجهه قائلة من بين أنفاسها المتسارعة من المجهود الذي بذلته: " أبق مكانك.. إياك أن تقترب "
نظر لها صخر ببرود وهو يقول متهكما: " خانتكِ شجاعتكِ سريعا يا صغيرة "
صاحت بغيظ: " وكيف لا تفعل؟ معها حق أن تخونني وتفر هاربة من أمامك قبل أن تأكلها يا متوحش "
رفع حاجبا بوحشية وهو يتقدم منها بخفة متمتما بغيظ: " هكذا إذن "
تراجعت نبض خطوة أخرى بخوف حتى لا يمسك بها لكنها فجأة شهقت برعب وقدمها تنزلق عن الدرج فصرخت بقوة: " صخر "
قبل أن تسقط أرضا كانت ذراعيه تضمانها إلى صدره بلهفة ولسانه ينطق بلا شعور: " فداكِ روح صخر "
كانت تتشبث بقبضتيها الصغيرين في قميصه بقوة، صدرها يعلو ويهبط هادرا بأنفاس حبستها خوفا من السقوط بينما صدره هو يضربها بشدة من أنفاس حبسها خوفا عليها
بعد لحظات رفع وجهها إليه فوجدها تطبق جفونها بقوة وتزم شفتيها بطريقة طفولية رقيقة مست قلبه
تكلم بخفوت حاني: " نبض.. صغيرتي افتحي عينيكِ وطُلي عليّ بجوهرتيكِ الزرقاوتين حتى يطمئن قلبي من أنكِ بخير "
رمشت بأهدابها الكثيفة عدة مرات وهي تفتح عينيها التي قد تجمعت فيهما العبرات تطالعه بنظرة حملت من الرقة والبراءة ما اخترق روحه حتى الصميم وعاث بقلبه الفساد بلا رحمة
كانت ترمش مرة بين الفينة والأخرى فيضيع بين قتامة زرقاوتيها ورفرفة أهدابها حتى قالت أخيرا برقة: " قل لقلبك يطمئن فأنا بخير "
تمتم لنفسه بتنهيد: " هذا من رحمة ربي بي وإلا هلكت "
ابتسمت وهي تسأله ببراءة: " لماذا أنت طويل هكذا؟ عنقي آلمني "
كانت قصيرة بالكاد يصل طولها لكتفيه مما أضطرها لأن ترفع رأسها عاليا حتى تتمكن من النظر إليه
وجد صخر نفسه يبتسم إبتسامة صغيرة تنبض رقة وعذوبة وهو يميل على وجهها هامسا بمناكفة: " لأنه لا يليق بالمارد المتوحش أن يكون قصيرا يا قزمة "
ارتد رأسها للخلف بصدمة وارتباك وهي تترك قميصه فجأة قائلة: " صخر.. أتركني "
تركها دون جدال وهو يسأل بحيرة: " ماذا حدث نبض؟ هل فعلت ما ازعجكِ دون شعور مني؟ "
هزت رأسها سلبا وهي تقول بتوتر خجول بينما تشيح ببصرها عنه: " لا لكن... لكنك كنت قريبا جداً مني و... و... "
سألها مقطبا: " وماذا يا نبض؟ "
ردت بصوت خافت يكاد لا يصل إليه: " أنا أتوتر من قربك مني بهذا الشكل.. لم أعتد تلك الفكرة بعد "
سأل ببرود: " أي فكرة؟ "
ردت بتوتر: " فكرة أن... أن يقترب مني رجل "
صاح بضيق وهو يتحرك ليكون مواجها لها: " لست مجرد رجل يا نبض.. أنا زوجكِ ولي من الحقوق عليكِ ما ليس لرجل سواي ولن تكن أبداً طالما في صدري نفسا يتردد.. هل سمعتني جيداً؟ "
صدمته وهي تقول بحيرة وتشتت: " أنا أشعر بأنك لست أنت.. أشعر وكأن صخر الذي يصوره عقلي شخص آخر غيرك.. أشعر بأنني لا أعرفك يا صخر.. لست أكرهك ولا أبغضك ولكني... لكني أخافك "
تمتم بذهول: " ماذا؟ "
هزت رأسها بعصبية وبدأت تتحرك جيئة وذهابا وهي تتكلم بنفس النبرة الضعيفة الضائعة: " نعم أخافك.. أهاب رؤياك أكثر من أي شخص آخر.. قبل أن يموت والداي لم أكن أشعر بالخوف منك بل كنت أرى في وجودك راحة كبيرة أما الآن وبعد أن... أن تغيرت الكثير من الأمور أصبحت حياتي تدور في فلكك وحدك وهذا جعلني أشعر بالرهبة منك وكأنني ما عرفتك يوما قبل أن تعقد قرآنك عليّ ذاك اليوم في المشفى "
توقفت فجأة تنظر إلى عمق عينيه وكأنها تحاول ثبر أغواره: " من أنتَ يا صخر؟ "
نجحت في اختراق أولى طبقاته الخفية فوترته حتى قطب بحنق وهو يقول مراوغا: " ماذا تعنين بسؤالكِ هذا يا نبض؟ لم أفهم ما تقصدينه بالضبط "
تنهدت بيأس وهي ترد: " لا أعرف لكن... إن كنت أنت لا تعرف من تكون فكيف ستجيبني على سؤالي يا صخر؟ "
***

بعد بضعة دقائق
حينما خرجت فاطمة من المطبخ وجدت صخر يجلس على الأريكة بينما نبض تقف أمام النافذة مكتفة ساعديها أمام صدرها ومنشغلة بمراقبة عصفور يقف على إحدى الأغصان في الحديقة
شعرت فاطمة أن حالة السكون السائدة بينهما لابد أن تكون خلفها مشكلة جديدة ففضلت عدم التدخل كعادتها حتى يطلبان منها النصح
ابتسمت بهدوء وهي تقول: " لم تخبرني بني كم من الوقت ستمكث هنا لكن لا بأس فعلى أي حال وجودك جيد لأنني سأخرج الآن ولم أكن أريد ترك نبض في البيت وحدها "
سألها صخر بإهتمام: " ستخرجين! إلى أين عمتي؟ "
ردت بنفس الإبتسامة: " إلى دار الجبالي اشتقت لزهراء كثيرا وقد علمت أنها عادت وحمزة منذ بضعة أيام "
قطب صخر بحيرة يسألها: " أليس باكرا على عودتيهما؟ لم يمر أسبوعين على عرسهما بعد "
تنهدت فاطمة وهي ترد: " هذا أفضل بني.. هنا سنستطيع حل الخلاف الذي بينهما بشكل أسرع "
رفع حاجبا يردد بتعجب: " خلاف! بهذه السرعة "
عبست فاطمة بغيظ وهي تقول: " الحمقاء أرادت أن ترسم صورة لأحد الرجال هناك وليس هذا فحسب بل وأخبرت حمزة بأنه شديد الوسامة والذوق ويجيد معاملة النساء برقة على خلافه "
قطب صخر بغضب وهو يهتف بشراسة: " قليلة الحياء هذه تستحق أن يفصل زوجها رأسها عن جسدها وقبل ذلك يقطع لسانها الطويل الوقح "
تفاجأت فاطمة من انفعاله البالغ بينما استدارت نبض تطالعه بعبوس وهي تقول: " ماذا تظن أنت؟ هل تعتقد أن كل الرجال مثلك يجنحون إلى القسوة والعنف؟ ليس كل خطأ يلزمه عقابا صارما.. بعض الأخطاء تحتاج إلى عِظة ونصح.. الفتاة لكي ينصلح حالها مع زوجها تحتاج إلى من يرشدها إلى الطريقة الصحيحة في التعبير عن رأيها وليس لمن يقطع لسانها "
هب من جلسته وهو يرفع سبابته في وجهها قائلا بحدة: " لا تتدخلي أنتِ فيما لا يعنيكِ.. كوني بعيدة عن تلك العائلة نهائيا "
رفعت نبض حاجبا وهي ترد بكبرياء: " لا تستطيع منعي عنهم فقد كانت هناك صلة وثيقة بين تلك العائلة وأبي يوما ما ومن قبله عمي عبد الله رحمهما الله ولا أظن بأنك تحتاج إلى أن أعيد كلامي أكثر من مرة حتى تفهمه.. (نظرت إلى عينيه مباشرة وهي تكمل بإباء) لا سلطة ولا حق لك عليّ يا صخر.. ضع كلامي نصب عيناك وزنه بعقلك جيدا قبل أن تتشدق بأوامرك "
لم تدع له نبض فرصة للرد وهي تلتفت إلى فاطمة قائلة: " أخبريها عمتي أنها أخطأت فيما قالته لزوجها وأن ذلك جرح كبريائه.. أيا كانت الطريقة التي يعاملها بها لا يجب أن تصف معاملة رجل آخر بأنها الأفضل.. أظن بما أنها عروس جديدة فهي بحاجة للنصح أكثر من أي شيء آخر "
ابتسمت فاطمة راضية عن رأيها وطريقة حديثها الواعية التي تفوق سنوات عمرها وردت: " بالطبع سأخبرها حبيبتي لا تقلقي "
سألتها نبض بإهتمام: " هل لديها موهبة الرسم بالفعل أم كانت تريد إغاظة زوجها فحسب؟ "
ابتسمت فاطمة بفخر وهي تجيبها: " زهرة آل الجبالي فنانة بالفطرة بنيتي.. أظنكِ ستعجبين كثيرا برسمها فلديها الكثير من اللوحات الرائعة التي رسمتها لكل فرد من عائلتها "
قبض صخر كفيه بقوة وهو يشيح بوجهه جانبا وقد بدأت أنفاسه تثور عليه معلنة عن نفسها
ترددت كلمات فاطمة من حوله وكأنها تحاصره، تحكم طوقها حول عنقه وتريد خنقه
هل حقا رسمت لوحة لكل فرد من العائلة؟
وماذا عنه؟
هل رسمت له لوحة أيضا؟
هل يمكن أن ترى نبض صورته من بين تلك الصور حينما تشاهد اللوحات التي رسمتها زهراء؟
ردت نبض برقة: " أوصلي لها سلامي ومباركتي عمتي وبإذن الله قريبا سأزورها لأرى لوحاتها وأتعرف على العائلة كلها "
اومأت فاطمة وهي تقول بحنان بينما تتجه ناحية غرفتها: " حسنا بنيتي سأفعل وهذا سيسعدها كثيرا "
تقدم نحوها بمجرد أن أغلقت فاطمة باب غرفتها فثبتت مكانها دون أن تتراجع أو تظهر له أي خوف منه وكأنها تتحداه
قبض على مرفقها وهو يميل برأسه عليها يحدثها بخفوت كيلا تسمعهما فاطمة: " تماديتِ كثيرا يا نبض وقد سكت حتى لا يزيد الأمر سوءًا أمام العمة فاطمة لكن والله يا نبض إن... "
نفضت ذراعها من قبضته بعنف وهي تجز على أسنانها بقوة بينما ترد بصوت رغم خفوته يصرخ غضبا: " اصمت قليلا وكف عن القسم.. ألا تملك بعضا من الخجل من الله؟ أخبرني كم مرة أقسمت عليّ ألا أفعل شيء وقد فعلته رغما عنك ها.. كم مرة؟ وكم مرة تشدقت بكل عجرفة أنني لا أستطيع فعل شيء ما وقد فعلته؟ كم مرة أخبرني؟ "
صمتت لحظة ثم تابعت بعنفوان: " كثير جدا يا صخر.. كثير بقدر ما لا تستطيع إحصائه ولن تستطيع لأنني لست طوع بنانك، لست دمية تحركها كيفما تشاء.. أنا إنسانة من لحم ودم، إنسانة أملك عقل كالذي وهبه لك الله.. أستطيع مثلك التفكير والتمييز فلا تعاملني على أنني أقل منك لأنني لن أسمح لك بهذا "
هتف بغضب وقد بدأ يفقد سيطرته على نفسه: " متى عاملتكِ بتلك الطريقة التي تصفينها؟ "
هتفت هي الأخرى بنفس الغضب: " في كل مرة تملي عليّ أحكامك وأوامرك أشعر بأنك تعاملني بهذه الطريقة.. في كل مرة تصرخ عليّ بدون سبب أشعر بأنك تعاملني بهذه الطريقة، وفي كل مرة تتعامل معي بمبدأ أنك الرجل ذو القوامة وصاحب العقل ذو الذكاء الخارق بينما أنا الطفلة الحمقاء الساذجة التي لا تعي أي شيء أشعر بأنك تعاملني بهذه الطريقة "
حدجها بإستنكار لما تقول بينما هي أردفت بترفع وهي تشهر سبابتها في وجهه بأنفة: " إن كنت أعتدت لعب دور صاحب السلطة وما دونك دون فلا تظن بأنني سأشارك في هذه اللعبة السخيفة لأنها لا تليق بي (ثم شمخت بذقنها وهي تقول) أنا نبض مختار زين الدين لست نداً ضعيفا فلا تستهين بي دكتور صخر الجياد "
تركته من خلفها في حالة خرس وهو يتابع خطواتها الغاربة عن مدى بصره في صدمه
تلك الشرسة ليست نبض بل لا تمس لها بصلة
لا يصدق أنها تمتلك كل هذه الشجاعة لدرجة أن تقف أمامه وتتحداه بهذه الطريقة
يشعر بأن هذه كانت فتاة أخرى غير نبض التي يعرفها وفي لحظة كانت ذاكرته القوية تعيد عليه كلمات فاطمة التي أخبرته بها حينما كانوا في العاصمة
' هذا أكبر دليل على أنك لا تعلم عنها شيء.. أنت لا تعرف متى تكون نبض المهرة الخجول ومتى تكون الفرس الجامحة؟ '
لقد أكتشف في هذه اللحظة أنه حقاً لا يعرف عنها أي شيء!
لسنوات كان يرسم لها صورة محددة قصرها هو على رؤيته الخاصة دون أن يمنح نفسه فرصة لتأملها عن كثب لربما حينها علم أن نبض كما قالت عن نفسها ليست نداً ضعيفا يستهان به
تنهد بإحباط وهو يتمتم: " هذا يزيد الأمر سوءًا.. رُحماك يا الله "
***

كانت زهراء تبكي من القهر وهي تشهق كالأطفال قائلة: " وما ذنبي أنا؟ الرجل رآني وأنا أرسم فطلب مني رسم لوحة له ولست أنا من ركضت خلفه أتوسله أن يسمح لي برسمه كما يصف حمزة الموقف "
قالت فاطمة بتقرير: " وأنتِ وافقتِ مباشرة "
عبست زهراء متمتمة: " بالطبع ولماذا أرفض؟ "
ضربتها فاطمة بخفة غير مؤلمة على رأسها وهي تجيبها بغيظ: " ترفضين لأن زوجكِ يغار يا ذكية.. أحمدي ربكِ أنه لم يتشاجر مع الرجل وأكتفى بأخذكِ ومغادرة المكان "
رفعت زهراء سبابتها وهي تلوح بها بعصبية، هاتفة: " أنتِ تدافعين عنه أكثر مني.. هذا ظلم "
كتمت فاطمة ضحكتها وهي تقول بلامبالاة مصطنعة: " بالطبع سأدافع عنه فأنتِ من أخطأتِ وليس هو "
صاحت زهراء بغيظ: " بل لأنكِ تحبينه أكثر مني "
كتمت فرح ضحكتها بصعوبة وهي تقول ببؤس مصطنع: " أنسيتِ زهراء أن العمة فاطمة هي مؤسسة جبهة التحالف العليا مع رجال الجبالي وأنها قائدة رابطة للرجال القوامة والكلمة والحق أما نحن... زمرة المساكين علينا الطاعة.. لا تحزني يا ابنة عمي لنا الله "
عبست زهراء أكثر وهي تقول بعناد: " أنا لن أطيع أحد وليكن ما سيكون "
هتفت فرح بحماس: " هذا ما أريدكِ عليه يا فتاة.. كوني شجاعة "
لم تكد زهراء تتفوه بحرف حتى ناداها حمزة بعبوسه الملازم: " إذا سمحتِ زهراء أريدكِ قليلا "
نهضت من مكانها ببرود وهي تتقدم منه قائلة: " قل ما تريده هنا فأنا لازلت أريد مجالسة عمتي فاطمة "
قطب بغيظ متمتما: " لن أؤخركِ كثيرا عليها "
ناظرته بعناد تقول: " لا.. تكلم هنا "
مال عليها يهمس من بين أسنانه بغيظ: " كيف سأخبركِ بأنني اشتقت إليكِ هنا أمامهن وخاصة مع أذني فرح الواصلتين إلينا "
توردت زهراء خجلا وهي ترمق فرح بطرف عينها لترى الأخيرة مسلطة نظراتها عليهما بإبتسامة واسعة بينما العمة فاطمة تتصنع الإنشغال بالنظر إلى السجادة
عادت نظرات زهراء إلى حمزة وهي تهمس له بدلال معاتب: " تأخرت كثيرا سيد حمزة ظننتك نسيتني من الأساس "
زفر حمزة بضيق وهو يرد بخفوت: " وكيف أنساكِ زهرة وأنتِ تظهرين أمامي كجني المصباح في كل مكان؟ يا حمقاء أنا لا أستطيع الفكاك منكِ حتى في أحلامي فما بالكِ بيقظتي؟ "
اندمجت روحها مع قلبها متعانقين في رقصة خاصة على أوتار نبضها من السعادة
تشعر أنها تكاد تقفز كالأطفال من فرحتها وهي تسمعه يعبر عن تعلقه بها بكلمات صريحة أخيرا حتى ولو كانت تخرج منه بعبوس وكأنها شتائم
أطرقت برأسها للأرض في خجل وهي تزم شفتيها حتى لا تظهر إبتسامتها فقال هو بنفس العبوس: " هل ستصعدين معي إلى جناحنا أم أذهب إلى المكتب وأقتل نفسي في العمل "
نظرت له زهراء ببلاهة وهي تسأله: " ولماذا تقتل نفسك في العمل؟ "
رد بغيظ وهو يجز على أسنانه وكأنه يريد خنقها لا الإعتراف بحبه لها: " لأنني سأفعل على أي حال فإما أن يكون بين أحضانكِ أو في العمل لأنني بالفعل سأموت شوقا إليكِ يا زهرة "
رمشت زهراء بذهول للحظة قبل أن تقول بعبوس طفولي: " ولماذا تقولها بهذه الطريقة وكأنني سرقت منك شيء ألا يمكنك أن تبتسم على الأقل؟ "
تنهد بعشق وهو يقول: " أوَ لستِ بسارقة يا زهرتي؟ ألم تسرقي قلبي مذ كنتِ طفلة تنطقين إسمي بالسين وليس بالزاي؟ "
ضحكت زهراء بحرج وهي تلكزه في كتفه بغيظ: " هل هذا وقت تلك الذكريات البائسة؟ لماذا تذكرني بهذه العقبة التي عانيت منها طويلا في طفولتي؟ "
إبتسم بحنان وهو يرد: " دومًا كان النطق عقبة لديكِ في طفولتكِ ولكن انظري لنفسكِ الآن ما شاء الله لا نستطيع إسكاتكِ عن الكلام لدقيقتين حتى "
رفعت حاجبا بغيظ تقول: " إذن تريد إسكاتي سيد حمزة؟ "
هز رأسه سلبا وهو يقول برقة: " بالطبع لا ثم أنتِ لا تعرفين كم أن مراقبة هذا الفم الجميل وهو لا يكف عن الحديث متعة بالنسبة لي "
أشاحت بوجهها جانبا في خجل وهي تقول: " عيب ما تقوله يا حمزة "
جرها خلفه بنفاذ صبر وهو يتمتم: " سأخبركِ تفصيلا ما هو عيب وما ليس عيبا يا زهرة "
صاحت باعتراض وهي تهرول خلفه: " لكن عمتي فاطمة... "
قاطعها بسرعة يقول: " لا تقلقي بشأنها هي تعلم أنني أتيت لأصالحكِ ولن تنزعج منكِ لتركها "
وصلا إلى جناحهما فأدخلها حمزة وأغلق الباب من خلفهما بالمفتاح وهو يقول: " لم أكن أعرف أنكِ قاسية الفؤاد هكذا يا زهرتي؟ "
عبست بغيظ وهي ترد: " وأنت ما شاء الله رقيق للغاية لم تتركني ليلة أنام باكية "
رد ببرود: " ومن السبب في كل ما جرى بيننا أليس أنتِ؟ "
طالعته بذهول وهي تقول: " ألازلت على تمسكك برأيك يا حمزة؟ إذن أنا المخطئة وأنت البرئ أليس كذلك؟ "
تأفف حمزة دون رد فسألته بنبرة مختنقة: " إن لم تكن غيرت رأيك فلماذا جئت لتصالحني؟ هل إشتقت للعبتك؟ "
قطب بضيق وهو يرد: " ليس هناك داعٍ لما تقولين يا زهراء.. الموضوع إنتهى "
شهقت ببكاء وهي تقول: " لا لم ينته يا حمزة... لم ينته.. بعد إذنك "
أمسك رسغها بسرعة وهو يسألها: " إلى أين؟ "
ردت عليه بقهر وقد انفلتت منها المزيد من الشهقات: " إلى الجحيم "
جذبها برفق إلى صدره وطوق خصرها بذراعيه وهو يقول ببرود مصطنع: " ستجدين الكثير منه لدي لا تقلقي "
رفعت ذراعيها تطوق بهما عنقه بقوة وهي تدفن وجهها في كتفه شاهقة بحرقة: " أنا أحبك أنت "
تنهد بعمق وهو يرد: " وأنا أغار عليكِ يا زهراء.. احترمي مشاعري حتى لا اجرحكِ بدون قصد فهذا والله يؤلمني قبلكِ "
رفعت رأسها تنظر إليه برقة مست قلبه وهي تسأله بترقب: " أنت تحبني يا حمزة أليس كذلك؟ "
رفع حاجبيه مصدوما وهو يرد: " ألازلتِ تجهلين ما أكنه لك يا زهراء؟ المجرة بأكملها تعلم وأنتِ لازلتِ تسألين "
برمت شفتيها ببؤس طفولي وهي تقول: " قُلها صريحة وأرح قلبي وإلا قتلت نفسي اللحظة "
إبتسم بحنان وهو يميل مقبلا جبينها قبل أن يقول بحب: " ألا تشعرينها معي يا زهرة بدون كلام؟ "
رمشت ببراءة تأسره وهي تتوسله برقة: " مرة واحدة.. أرجوك يا حمزة.. لأجل خاطري قُلها مرة واحدة "
كانت شهية بالنسبة له وهي ترمش بتلك البراءة المخادعة التي يقع في فخها كالأبله
يحبها وكيف لا يفعل وهي تلك الزهرة التي نشرت عطرها في حياته فجعلته يحيا كما لم يكن من قبل
زهرة فاحت بعبق شذاها في روحه فأزهرتها بعدما كانت تشكو الجفاف
إبتسم بهيام عاشق وهو يميل على أذنها هامسا برقة عذبة: " أحبكِ زهرتي "
هللت زهراء فجأة وأخذت تتقافز كالأطفال وهي تصفق بكفيها في جذل صائحة بسعادة: " لقد قُلتها أخيرًا "
ضحك حمزة بسعادة لسعادتها وهو يقول: " وسأعيدها عليكِ حتى تملينها "
توقفت عن الحركة تطالعه بحب وهي ترد: " لن أملها أبداً يا حمزة.. أشعر اللحظة بأن قلبي يرفرف في السماء من السعادة "
انفجر حمزة ضاحكا وهو يقول بمناكفة: " أخبري بقية الأعضاء أن تثبت مكانها حتى لا نضطر إلى تقفي أثرهن طوال الليل بدلا من تعويض ما فاتنا "
لكزته في كتفه بخجل وهي تتمتم: " غليظ "
ضحك من جديد وهو يقول: " هذا خطئي لأنني أنصحكِ يا مجنونة "
عبست وهي ترد: " لا تقل مجنونة هذه "
رفع حاجبا باستفزاز وهو يقول بإغاظة: " بلى سأقولها يا مجنونتي "
زفرت بغيظ فقربها منه برفق وهو يقول برقة: " نعم مجنونة وأنا أحبكِ في كل حالاتكِ يا زهرتي "
طوقت عنقه وهي تقول بدلال: " أعتذر لأنك أبكيت زهرتك كثيرا "
إبتسم بمكر وهو يقول: " سأفعل يا حلوة لا تقلقي ولكن أولا علينا سداد الديون المتراكمة علينا "
قطبت بعدم فهم تسأله: " أي ديون تقصد؟ "
اتسعت إبتسامته وهو يقول بخبث: " سأخبركِ بالتفصيل عن ماهية تلك الديون "
وبعدها لم يعرفا أيهما ضاع في الآخر أولاً، تلاشى بينهما الزمان والمكان وسبب الخلاف ولم يتبقى سوا ظلال العشق التي ظلت تنثر عطرها من حولهما
لم تعد زهراء تبالي ولا تهتم بأن يعتذر لها فكلمة أحبك منه تكفيها لتغفر له ألف خطأ وتمنحه ألف عذر وتضحي في سبيله بالغالي والنفيس
ولم يشعر حمزة بنفسه وهو يخضع لإرادة ورغبة زهرته.. وجد لسانه طواعية يبثها من كلمات الغزل والغرام ما كان يجهله حتى يوم قريب وشعر بالحرج من قوله لها بعد الزواج
شعر بأنه يريد أن يفعل لأجلها أي شيء وكل شيء لأجل أن يرى الفرح يتراقص في عينيها الحبيبتين كما يتراقص قلبه فرحا بقربها
إن كانت هذه ستكون نهاية كل خلاف بينهما فليتشاجرا كل لحظة وليختلفا بسبب أو بدون فليصرخ وتصرخ.. فليغضب وتنزعج هي منه بطفوليتها التي يعشقها وليكن حبهما لبعضهما ثالثا لهما وشاهداً عليهما ومرسى لهما في نهاية الأمر
***

كانت فاطمة على وشك الخروج من دار الجبالي عائدة إلى بيتها حينما قابلها حبيب قلبها قاسم.
تحب كل فرد من عائلة الجبالي بطريقة مختلفة ولقاسم مكانة خاصة وحظوة بقلبها لا ينافسه عليها سوا اثنين 'نبض، يوسف'
انتظرته على بعد خطوات من بوابة الدار فتقدم منها على الفور حينما رآها
مال على رأسها يقبل جبينها وهو يقول: " مرحبا بك عمتي "
ابتسمت له بحنان وهي تربت على لحيته الخفيفة المشذبة قبل أن ترد: " الحمد لله أن رأيتك قبل رحيلي بني.. أين كنت منذ الصباح الباكر؟ "
رد بهدوء: " كنت في العاصمة أنهى بعض الإجراءات القانونية اللازمة بخصوص العمل وللتو عدت "
طالعته بحسرة وهي تقول: " عُدت جسدا خاليا يا قاسم.. أين أضعت روحك بني؟ "
قطب وهو يطرق برأسه للأرض قائلًا: " أظن في زاوية ما من زوايا هذه الدار يا عمتي لكنني... (أكمل بصوت كسر قوته الألم) مللت من البحث عنها دون جدوى لذا قررت أن أتركها حيث تكون فلم أعد أشعر بحاجتي لها بعد اليوم "
تكلمت فاطمة بحزن مرير لأجله: " عهدتك محاربا لا يستسلم يا قاسم ولازالت في بداية المعركة لما لا تحاول مرة أخرى قد... "
قاطعها بيأس تملكه يقول: " تعبت من كثرة الآمال الخائبة يا عمتي.. أنا لا أستحق هذا الألم الذي يفتك بأحشائي لأجل إنسانة منعدمة الشعور.. تبا لها.. حتى وأنا غاضبا منها وحاقدا عليها لا يسكت قلبي الغبي عن الخفقان كلما أتى أحد على ذكرها أمامي "
ابتسمت فاطمة بحنان وهي تربت على كتفه قائلة بمواساة: " لأنها مهما فعلت ستظل حبيبة روحك يا قاسم.. هون عليك يا بني وأصبر عليها قليلاً "
إبتسم قاسم بسخرية وهو يرد: " وهل تبقى لدي من الصبر ولو مثقال ذرة عمتي؟ حياة قضت على كل ما كنت أملكه حتى الصبر.. حتى الصبر الذي ظللت لسنوات أمارسه أتت هي وفي لحظة استنفذته كله "
تنهد بحرقة وهو يقول بنبرة عكست وجعه الشديد منها: " رفضتني حياة يا عمتي.. أخبرتني يوما أنها لا تستطيع أن تردني خائبا فارغ اليدين لكنها كذبت علي وببساطة فعلت.. قتلتني يا عمتي.. قتلتني دون رحمة حتى الرمق الأخير ولم ترأف بي "
أخذ يجز على أسنانه من الغضب المكبوت والألم القاتل الذي يشعر به بينما تقول فاطمة: " وماذا ستفعل بني؟ هل استسلمت حقا؟ "
نظر لها بقوة وهو يقول صائحا بمرارة: " لم تترك لي أي خيار آخر عمتي.. هي أجبرتني على الإستسلام وأوصدت بيديها كل باب ظننته سيُفتح لي يوما ما.. (ارتفع صوته فجأة وهو يقول بغضب يخنقه وكأنه سيبكي) فيما كان سيضرها إن منحتني بعض الأمل؟ لو طلبت مني الصبر أكثر لكنت فعلت والله كنت صبرت لأجلها لكنها... لكنها قالت لا صريحة وأراقت بيديها كرامتي ومن قبلها قتلت قلبي "
صمت لحظة ثم عاد يهتف بإنفعال: " أنا لم استسلم لكني فقط قررت حفظ ما تبقى لي من كرامتي.. حياة وإن كانت روحي لكنها ليست آخر النساء.. سأحب وأتزوج بأخرى وأرد لها الصاع إثنين ولتبقى هي عانس وحيدة بين أركان هذه الدار حتى يقتلها الندم ولن ارأف بحالها... أبداً لن أفعل "
هزت فاطمة رأسها بيأس وهي تخرج من الدار مغمغمة بحسرة: " اللطف من عندك يارب.. لا حول ولا قوة لنا إلا بك يا الله "
***

كان صخر يقف في حديقة بيت فاطمة يدخن سجائره كالمحرقة الواحدة بعد الأخرى بينما يستقبل في تلك اللحظة اتصالا من مصطفى
رد صخر بصوت جامد: " ماذا لديك مصطفى؟ "
قال مصطفى مباشرة: " ريم الناصر تعبث خلف الدكتور يوسف "
هتف صخر بضيق: " ماذا؟ "
رد مصطفى بتأكيد: " لقد أرسلت خلفه أحد الرجال ليراقبه ومن حسن حظنا أنه أحد رجال فؤاد لذلك تمكنت من التعرف عليه بسهولة "
قطب صخر بتفكير منزعج وهو يقول: " ولماذا فعلت شيء كهذا؟ "
رد مصطفى بما يعتقده: " لربما أرادت من خلاله الوصول إلى شيء يخصك يا باشا "
تدخل سيف في المكالمة يقول بشبه يقين: " أو ربما تريد الوصول إلى شيء يخص دكتور يوسف "
قطب صخر منتبها وهو يوجه الحديث لسيف: " أشعر بأن لديك ما تقوله يا سيف.. أفصح "
رد سيف بهدوء: " دكتور يوسف يعلم حقيقة ريم الناصر يا باشا فلربما حاول استفزازها مثلا أو شيء من هذا القبيل ف... "
صرخ صخر فجأة وهو يقول: " ماذا؟ كيف يعلم يوسف حقيقتها؟ من أخبره منكما؟ "
عبس مصطفى وهو يرد: " ولماذا نخبره يا باشا إن كان هو من ساعدنا في كشف حقيقتها منذ البداية؟ "
قطب صخر بعدم فهم وهو يقول: " لا أفهم "
رد سيف بشرح وتوضيح: " دكتور يوسف كان في زيارة لمعتز بك في الفيلا أثناء حديثك مع مصطفى ذاك اليوم وسمع الإسم بالصدفة فسألنا عن سبب بحثك خلفها وبالطبع لم نكن نعرف السبب فلم نخبره بشيء.. حينها هو أخبرنا أنه يعرف عنها بعض الأمور التي قد تساعدنا ومن ضمن تلك الأمور أنها ابنة فؤاد الناصر "
شرد صخر مفكرا وهو يتمتم: " كيف علم يوسف هذا؟ ولماذا لم يخبرني بهذا الأمر؟ "
تكلم مصطفى بقرف يقول: " يا باشا اعفيني مقدما عن القيام بأي عمل يخص تلك ال... يخصها لأنني لن أستطيع "
تأفف صخر وهو يقول بإنفعال: " ليس وقتك يا مصطفى.. نحن في مشكلة الآن "
تكلم مصطفى بجدية يقول: " أية مشكلة يا باشا؟ "
رد صخر وقد بدأ يتحرك في الحديقة: " ما فهمته منكما أن الرجل الذي يراقب يوسف أحد رجال فؤاد إذن هي على إتصال به وإذا نجحت في مسعاها وعلمت أي شيء وأنا أعني ما أقوله جيدا.. إذا علمت ريم أي معلومة ولو صغيرة بلا قيمة عن يوسف سنكون حينها في ورطة حقيقية "
سأل سيف بحيرة: " لا أظن دكتور يوسف يخفي أمرا ذو أهمية كبيرة لهذه الدرجة.. حياته عادية جدا وليس فيها شيء مريب فلماذا أنت قلق بشأنه لهذا الحد يا باشا؟ "
قطب صخر وهو يقول بنبرة لا تقبل النقاش: " ليس هذا وقت أسئلة كثيرة يا سيف اسمعا ماذا ستفعلان بشأن هذا الرجل... "
بعدما أنهى الاتصال التفت زافرا وهو يضع الهاتف في جيبه ليفاجئ بنبض تقف خلفه عاقدة ساعديها أمام صدرها وتطالعه بنظرة جامدة وهي تقول: " من أنت حقا؟ مجرم متطرف أم طبيب محترم أو ربما أنت مزيج بين الإثنين؟ "
عقدت الصدمة لسانه عن الرد فظل يطالعها بصمت بينما هي تكمل بإنفعال: " وبعد أن تهدد الرجل بأبنائه ماذا ستفعل إن تحداك ورفض طاعتك؟ هل ستقتله هو أو أحد أطفاله؟ لماذا سكت؟ رد عليّ "
قطب ببرود يقول: " لا تتدخلي في عملي هذا أفضل لكِ يا نبض "
صرخت بغضب: " أفضل لي من أية ناحية؟ من تزوجت بالضبط؟ "
تقدم منها بخفة وهو يضع كفه على فمها قائلا بنظرة حارقة: " لا ترفعي صوتكِ عليّ يا نبض.. إياكِ أن تكرريها ثانية فأنا لا أسامح أكثر من مرة "
نظرت له بشراسة وهي تزيح كفه بعنف صائحة في وجهه: " بلى سأفعل ما يحلو لي وإن لم يعجبك فلتشرب من البحر "
رمقها بدهشة وهو يقول: " أصبحتِ وقحة بين ليلة وضحاها "
ضربته في كتفه وهي تصرخ بشراسة: " من هي الوقحة يا عديم الإحساس والمسؤولية؟ تتجبر على الناس وتنتظر مني أن أبجلك؟ من هو الوقح بيننا؟ "
فغر فاهه بصدمة وهو يتمتم بذهول: " هل شتمتيني للتو يا نبض؟ "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي تقول: " واضربك أيضا إن كنت لم تلاحظ بعد "
توحشت نظراته فجأة وهو يقول: " تحتاجين إلى إعادة تربية يا نبض وسيكون من دواعي سروري أن ألقنكِ إياها بنفسي "
تراجعت خطوة للخلف خوفا منه وهي تشهر سبابتها في وجهه قائلة بتهديد مرتبك: " إن حاولت الإقتراب مني سأصرخ و... "
قبل أن يمد يده ليمسكها كانت هي تفلت منه راكضة للداخل بسرعة وهي تكمل تهديدها: " سأشكوك لعمي معتز وأخبره أنك تسيء معاملتي أيها المتوحش "
بسرعة تمكنت من الدخول لغرفتها وإغلاق الباب خلفها قبل أن يلحق بها وبعد لحظة واحدة كان صخر يضرب على الباب بكفيه صائحا بغضب: " افتحي الباب يا نبض وإلا سأكسره فوق رأسكِ "
قهقهت تغيظه وهي تستند بظهرها على الباب قائلة باستفزاز: " أكسره يا زوجي العزيز وأنا سأقفز من النافذة وأفر منك قبل أن تفترسني.. يا متوحش "
ضرب بقوة أكبر وهو يصرخ: " قلت افتحي يا نبض لا تضطريني لفعل ما لن يعجبكِ وكسر الباب بالفعل "
ابتسمت بمكر وهي تتلاعب في هاتفها لتقول بعد لحظة حينما وجدت الرقم الذي تريده: " حسنا أكسره يا صخر وأنا سأبرئ نفسي من كل هذا وأجعل عليك شاهدا من أهل بيتك ولنرى حينها ما سيكون رأي عمي معتز فيما تفعله معي.. يا متوحش "
فجأة صدح صوت معتز عبر مكبر الصوت الذي فتحته نبض: " مرحبا بنيتي.. كيف حالكِ؟ "
ردت نبض بوداعتها المعتادة: " بخير يا عمي والحمد لله.. كيف حالك أنت؟ "
أجابها معتز بصوت حنون: " سعيد بسماعي لصوتكِ يا حبيبتي.. طمأنيني نبض هل كل أموركِ بخير؟ ألا تحتاجين لأي شيء أحضره لكِ؟ "
ردت نبض برقة: " بارك الله لي فيك عماه.. أنا لا أحتاج لأي شيء بالفعل فصخر يحضر لي كل ما أريد لكن لي رجاء خاص عندك "
رد معتز بإهتمام بالغ: " أي شيء بنيتي.. اطلبي ما شئتِ "
كتمت نبض ضحكتها وهي تقول: " أريدك عماه أن تمنع صخر من المجيء إليّ.. لا أريده أن يزورني "
رد معتز بتعجب: " لماذا بنيتي؟ ماذا فعل صخر؟ "
هتفت نبض ببؤس طفولي: " يا عماه أنا بت أخاف أن يفترسني في أي لحظة إنه متوحش ولا يكف عن الصراخ كالأولاد الصغار المدللين ورأسي سينفجر بسببه "
انفجر معتز في الضحك ومن جواره كان يوسف يستمع إلى المكالمة هو الآخر فتدخل قائلًا: " معكِ كل الحق صغيرتي فمن لا يخاف على نفسه منه؟ "
صاحت نبض بسعادة وهي تقول: " يوسف كيف حالك؟ إشتقت إليك يا أخي "
ضرب صخر على الباب فأجفلها بشدة وهو يقول بغيظ متفاقم من خلف الباب: " احترمي نفسكِ يا نبض وإلا سأقطعكِ إلى نبضات صغيرة لا يمكن جمعها ولا تكوينها ثانية أبداً "
صرخت نبض بحنق: " هل سمعت عماه؟ إنه هكذا دومًا لا يكف عن تهديدي والصراخ عليّ "
ضحك معتز وهو يجيبها: " لا تبالي به حبيبتي إنه جلف لا يفقه شيء في معاملة الفتيات الجميلات "
ابتسمت برضا وهي تسمع يوسف يضيف بإغاظة لصخر: " آكل لحوم البشر هذا لا يليق بكِ يا نبض فما رأيكِ أن يطلقكِ وتنسين كلمة أخي التي تناديني بها تلك وأتزوجكِ أنا؟ "
قهقهت نبض بجزل وهي ترد: " لما لا؟ دعني أفكر قليلا "
صرخ صخر بغضب عاصف: " أخرس يا يوسف وحسابك معي حينما أعود إلى العاصمة وأنتِ يا حلوة اغلقي فمكِ وإلا سأقتلكِ صدقا "
ردت نبض بدلال تغيظه: " يا حبيبي أنا أتكلم وقتما وكيفما أشاء وإن لم يعجبك ونفذ ماء البحر فلتضرب رأسك في أي حائط يعجبك في البيت لا أظن عمتي فاطمة ستمانع ذلك "
انفجر معتز ويوسف في الضحك بينما يقول الأخير مازحا: " ضاعت نبض في شربة ماء.. كنتِ طيبة يا فتاة فليرحمكِ الله "
ردت نبض بكبرياء: " لا تخف عليّ أخي أختك تجيد الدفاع عن نفسها أمام المتوحشين أمثال صاحبك "
شهقت فجأة بعدما انكسر الباب وطل أمامها صخر بهيئته الفارعة وملامحه الشرسة وهو يبتسم بوحشية
خرست للحظة قبل أن تقول بصدمة: " هل كسرت الباب يا صخر؟ حطمت جزء من غرفتي الجديدة! "
رفع حاجبا باستفزاز وهو يرد: " حذرتكِ ولم تتعظي "
صرخت بغيظ: " فكسرت الباب "
رد ببرود وهو يتخصر أمامها: " وأكسر رأسكِ الصلب هذا أيضا يا زوجتي المصون "
رفعت سبابتها تشير للباب وهي تقول بجدية تامة تهدده: " ستصلحه بنفسك يا صخر قبل عودتك إلى العاصمة وبالله إن لم تفعل فلن تحصل على مفتاح سيارتك وحافظة نقودك ولعلمك بطاقة الائتمان المصرفي خاصتك وبطاقة هويتك فيها "
عبس بضيق بينما يوسف يضحك قائلا: " الحمد لله أنني لستُ ضمن القائمة السوداء خاصتكِ يا فتاة "
رفعت حاجبا بتحدي وهي تنظر له بينما معتز يقول ضاحكا: " لو رأتك نغم وأنت تصلح الباب لكانت شمتت فيك حتى آخر العمر "
صرخ صخر بغيظ: " حتى أنت يا أبي؟ ألا يكفيني ذاك الخائن الذي فضل تلك القطة المتشردة على صديقه؟ "
ضيقت نبض عينيها وهي تتمتم بغيظ: " أنا قطة متشردة؟ حسنا صخر والله لأشرد بك وبكرامتك أنتظر وسترى مني ما لم تتخيله "
***

في الثانية بعد منتصف الليل
عاد صخر إلى الفيلا منهكا من التعب وهو يشتم في سره ليفاجئ بنغم تقف أمام سيف ومصطفى، توليه ظهرها ومنشغلة تماما في توبيخهما على شيء ما
تقدم نحوهم بخفة وقبل أن يسأل عما يحدث سمعها تقول: " يا قليل الذوق أنت وهو كيف تتركان صخر باشا يصلح الباب بنفسه؟ هل أنتما منعدمان الشعور لهذه الدرجة؟ "
تثاءب مصطفى وهو يضع يده على فمه بينما يقول بنعاس لا مباليا: " نعم أنا مذ وُلِدت وأنا قليل الذوق، عديم الشعور هل أذهب لسريري الآن؟ "
بينما سأل سيف بحيرة: " أي باب تقصدين نغم هانم أنا لا أفهم صراحة ما تقولين؟ "
كتمت نغم ضحكتها وهي تعلم أن صخر يقف خلفها ويسمعها فقد نزلت مسرعة قبل وصوله بدقائق قليلة حتى تنفذ مخططها وتتشفى فيه
ردت بعبوس أجادت تصنعه: " أقصد باب غرفة النوم الخاصة بنبض هانم؟ "
فعبس مصطفى وهو يتمتم: " ومن الذي كسره إن شاء الله؟ هل كانت تستخدمه في ممارسة الملاكمة مثلا؟ "
منعت نغم ضحكتها أن تفلت بشق الأنفس وهي تجيبه ببرود زائف: " أولا من كسره هو صخر بك بنفسه.. ثانيا لا تتحدث بتلك الطريقة عن نبض هانم وإلا كسر صخر بك عنقك في المرة القادمة "
تأفف مصطفى وهو يقول برجاء مغتاظ: " ارحميني نغم هانم أكاد أنام وأنا واقف.. مالي أنا ومال الباب هل أنا من كسره؟ "
شهقت نغم وهي تتخصر صارخة: " كيف تقول هذا؟ ألست تعمل لدى أخي كما تقول إذن فهذا عملك؟ "
رد مصطفى بحنق: " أنا حارس ولستُ نجارا نغم هانم.. أخبريني فقط ألن أنام في ليلتي الكحلاء تلك؟ "
رفعت حاجبا تقول بعجرفة: " أذهب للنوم أيها المتبلد الإحساس.. أنت لا تصلح للعمل في أي مجال "
أشاح مصطفى بيده بلامبالاة وهو يتمتم: " جيد "
أما سيف فقال بتهذيب: " هل هناك شيء تريدينه مني نغم هانم؟ "
اومأت سلبا وهي تستدير بتمهل مدروس لتشهق فجأة صائحة: " صخر.. هل وصلت؟ "
توقف مصطفى مكانه يعبس وهو ينظر إلى صخر بينما رفع سيف حاجبيه بتعجب لما يحدث وهو يشعر أن هناك ما لا يفهمه في الأمر
رد صخر من بين أسنانه: " لا.. لازلت في الطريق "
تدخل سيف قائلا: " حمدا لله على سلامتك يا باشا "
اومأ صخر برأسه بهزة بسيطة كرد بينما تقدم مصطفى منه عابسا وهو يضيف: " الحمد لله أنك وصلت في الوقت المناسب يا باشا.. كادت مراراتي أن تفقأ "
حدجته نغم بشراسة فأطرق برأسه يلتزم الصمت على مضض بينما قالت هي بسخرية مبطنة: " كيف حاله الآن؟ "
قطب صخر وهو يرد بغيظ مكتوم وقد فهم قصدها جيدا: " بخير "
عبس مصطفى وهو يسأل أخاه: " عمن تسأل العفريتة؟ "
رد سيف بخفوت يكتم ضحكته: " عن الباب "
رفع مصطفى حاجبيه يطالع نغم بدهشة وهو يتمتم لنفسه: " العفريتة تريد إحراجه أمامنا.. ونعم الأخُوة المشرفة "
أشار صخر لهما أن يذهبا بينما يسأل لنغم: " متى هاتفتيها؟ "
ردت نغم بصراحة وهي تبتسم شامتة: " هي من هاتفتني وأرسلت لي بث مباشر لك وأنت تصلح الباب (غمزت بطرف عينها بشقاوة وهي تضيف متهكمة) يبدو أنها تحبك جدا.. مثلي بالضبط "
تركته وذهبت وهي تقهقه فرحة بنصرها الصغير الذي حققته عليه بينما هو يغمغم بغيظ: " لن أمررها لكِ بسلام يا نبض.. حمقاوتين "
***

بعد ثلاثة أيام
ربتت حفصة بحنان على كتفها وهي تسألها بقلق بالغ: " أخبريني حياة لماذا تبكين حبيبتي؟ ماذا حدث؟ "
تمتمت حياة بتقطع من بين شهقات بكائها: " قاسم... قاسم سيتزوج يا حفصة.. أنا سمعته "
قطبت حفصة بحيرة تقول: " ماذا سمعتِ منه بالضبط؟ قد تكونين أسأتِ الفهم وهو يتحدث عن شخص آخر "
حركت حياة رأسها سلباً وهي ترد بقهر: " لا.. هو من سيتزوج يا حفصة.. هو ولا أحد غيره.. لقد سمعته وهو... يتحدث مع جدي وعمي خالد "
ارتفع حاجبي حفصة بحيرة وهي تسألها: " أتقصدين أنه قرر أخيراً الزواج؟ لكن... لكنه منذ أيام فقط أخبر جدي بأنه لم يعد يفكر في هذا الموضوع الآن بعدما رفضتيه "
ابتسمت حياة فجأة بمرارة وهي تطرق برأسها وظلت تحرك رأسها يميناً ويسارا وكأنها تنفي ما سمعته بنفسها
لا تصدق ما سمعته.. بل لا تريد أن تصدقه.. تتمنى أن يكون مجرد كابوس مُخيف سيؤرقها ليلة أو ليلتين ثم يتبخر إلى العدم
ليته يكون كابوس كما تتمنى! لكن المعضلة تكمن في أن 'ليس كل ما يتمناه المرء يدركه'
رفعت حياة رأسها بغتة فأجفلت حفصة وهي تقول بصوت لا حياة فيه: " قاسم قرر الزواج من ابنة خالته يا حفصة.. أخبر جدي بهذا "
رفرفت حفصة بأهدابها ببلاهة وهي تطالع حياة دون فهم حتى سمعت الأخيرة تقول بنفس الصوت الغريب: " إنه يريد زواج سريع بدون خطبة ويبدو أن... أن جدي وافق على طلبه ولا يرى مشكلة في زواج قاسم من... منها.. لم يعترض أحد يا حفصة.. لا أحد "
لم تشعر حفصة بنفسها إلا وهي ترفع يدها إلى فمها تكتم شهقتها قبل أن تخرج بينما جحظت عينيها في صدمة
تعلم أن الأمر صعب تحمله بالنسبة لحياة ولا تعلم اللحظة هل تلوم حياة أم تضع اللوم على قاسم ولكن... أليس ما قرره قاسم بسبب ما فعلته حياة؟
ترى من فيهما يظلم الآخر الآن؟..
ترقرقت عينيها بعبرات حارقة كانت تهدد للإفصاح عن وجودها لكنها اخفتها وهي تقول بصوت هادئ تماماً: " لا تحزني حبيبتي هو الخاسر إن فكر في الزواج من فتاة غيركِ "
أطرقت حياة رأسها وعادت إلى بكائها ولكن بصمت كاتمة شهقاتها وأنينها بقهر بينما كانت حفصة تمنع نفسها من البكاء حزناً لحال ابنة عمها بصعوبة
بعد قليل قالت حياة بحسرة: " أنا السبب يا حفصة.. أنا من دفعته بيدي لأخرى.. أنا من أهنته أمام الجميع برفضي.. لذلك لا يمكنني لومه على ما قرره.. أنا من أضعته من بين يدي، من ركضت خلف الماضي وظللت متشبثة بالسراب حتى... حتى ضاع مني "
ردت حفصة بإحباط: " لقد نصحتكِ من قبل كثيرا يا حياة "
اجهشت حياة في البكاء وهي تتمتم بحرقة: " لم يعد يفيد يا حفصة.. قاسم لم يعد يحبني.. توأم روحي ما عاد يريدني وأنا وحدي المُلامة.. أنا السبب في كل ما جرى.. أنا الخاسرة "
ربتت حفصة على كتفها تواسيها وهي لا تجد ما تقول ولم يسعفها عقلها بأي كلمة تطيب بها خاطر ابنة عمها
شهقت حياة وهي تتمتم بقهر: " ليتني ما خذلته مرة بعد مرة يا حفصة حتى أجبرته على اليأس مني وفقدان الأمل في حبي "
جلست حفصة إلى جوارها بيأس وهي تقول: " لو شئتِ طلبت من عاصم أن يتحدث معه مرة أخرى لربما... "
قاطعتها حياة على الفور: " لا يا حفصة.. لا تفعلي.. أنا غبية لا أصلح له.. سأجرحه ثانية وهو لا يستحق هذا مني.. لكنني... لكنني لا أريده أن يبتعد عني رغم ذلك "
وضعت كفها على فمها بسرعة تكتم شهقتها وهي تقول بوجع: " أنا أنانية يا حفصة.. لا أستطيع السماح له بالاقتراب مني ولا أريده أن يبحث عن امرأة أخرى.. لا أعلم ماذا أفعل حتى لا أخسره؟ "
ردت حفصة بلطف: " إن كنتِ كما تقولين لا تريدين خسارته فتمسكي به يا حياة.. أتركي الماضي وتشبثي بمستقبلكِ مع من تحبين "
هزت حياة رأسها سلبا وهي تغمغم: " لا أستطيع "
تنهدت حفصة بيأس منها وهي تقول: " هكذا سيحلق طيركِ بعيدا عنكِ يا حياة باحثا عن مأوى آخر له.. الفرصة تأتي في العمر مرة واحدة فإما تقتنصينها بحكمة أو تتركينها تفلت منكِ بغباء "
عادت حياة إلى بكائها المرير من جديد فعلمت حفصة أن ابنة عمها العنيدة اختارت أن تفلت فرصتها بغباء!
***

آخر الأسبوع
كانت تجلس مع بنات عمومتها بين مجموعة أخرى من النساء، شامخة الذقن بطلتها البهية المعتادة دائماً وهي ترسم على شفتيها إبتسامة واسعة مصطنعة بمهارة لتعبر عن فرحتها بخطبة ابن عمها
من يراها وهي تطالع العروس بود وتسامح لا يصدق بأن بين جنبيها يسكن قلب كسير مسكين يئن وجعاً وحسرة على ضياع مالكه وسلطانه ومعشوقه الأول.. والأخير
على يمينها كانت حفصة تحمل على ساقيها ابنتها حلا وتتشاغل بمداعبتها حتى تخفي عمن حولها قهرها على حال ابنة عمها وصديقة عمرها
أما على يسارها كانت ملك، تجلس جامدة المحيا وكأنها تمثال منحوت من الجليد وقد رفضت بعناد أن تتصنع السعادة بتلك الخطبة وهي تعلم بحرقة قلب أختها، ورغم أن ملك ليست على وفاق تام مع حياة إلا أنها أكثر من يشعر بما يدور بخلد أختها وأكثر من يؤلمه وجعها
في حين كانت فرح تجلس بجوار العمة فاطمة وكلتيهما تطرقان برأسيها للأرض في بؤس وكآبة رغم المناسبة السعيدة التي يحضرانها لكن حال حياة كان يحزنهما لذلك لم تستطيعا الانسجام مع الأجواء التي تدور من حولهن وتحيط بهن
بعد لحظات دخلت والدة العروس والتي كان محياها يشع فرحاً وزهوا بابنتها وعريس ابنتها ذو الحسب والنسب
بعد أن تبادلت الحديث جانباً مع إحدى النساء خرجت من الغرفة ثانية في حيت تقدمت تلك السيدة من حياة وجلست أمامها وهي تتصنع الترحيب بها
ابتسمت بسماجة وهي تقول: " العقبة عندكِ قريباً حبيبتي "
اومأت حياة بأدب وهي ترد: " إن شاء الله يا خالة "
قالت أخرى بمكر: " يبدو أن ما سمعناه من قبل كان مجرد إدعاء وكذب عليكما إذن "
قطبت حياة وهي تسألها: " علينا! ماذا تقصدين بالضبط يا خالة؟ "
هتفت المرأة بإرتباك مصطنع: " يبدو أنكِ لا تعرفين.. ظننتكِ تعرفين ما يقال على ألسنة الناس "
عبست حياة بضيق وهي تقول: " هل تلك أُحجية عليّ حلها أم ماذا؟ فسري كلامكِ يا خالة "
ردت المرأة بحزن زائف: " يبدو أن هناك من تجرأ من أبناء الحرام ونشر بين الناس أنكما.. أقصد أنتِ والسيد قاسم ابن عمكِ على علاقة ببعضكما وأنكما قريباً ستعلنان خبر زواجكما "
شهقت حفصة بهلع بينما توترت فرح والعمة فاطمة صامتة لم تتدخل أما حياة فقد شحب وجهها في حين مالت ملك بجذعها على تلك المرأة وهي تقول بتهديد صريح من بين أسنانها: " نصيحة لكِ مني وأنا لا أُكثر من تقديم النصائح لأحد.. أغلقي فمكِ واكرمينا بصمتكِ حتى تمر تلك الليلة الكحلاء على خير... هذا الأفضل لكِ صدقيني "
تدخلت أخرى تتمتم ببرود: " وهل ستخرسيننا في دارنا أيضاً؟ هذا ما ينقصنا والله "
قبل أن ترد ملك كانت ثالثة تقول بتهكم: " فليخرسن الناس أولاً قبل أن يتأمرن علينا.. فتيات آخر زمن صحيح "
هبت ملك من مكانها بغضب في اللحظة التي دخلت فيها والدة العروس تقول بعبوس ومسكنة: " ماذا يحدث؟ كل واحدة تلزم مكانها وتخفض صوتها هل تردن أن تفسدن على ابنتي خطبتها؟ "
كظمت ملك غيظها ولم تكد تجلس مكانها حتى سمعت والدة العروس تحدث حياة بخفوت ماكر: " أعلم أن الجميع يتهامس عليكِ وقد كانوا يتوهمون لوقت طويل أنكِ أنتِ من ستكونين عروس قاسم ابن أختي الغالية لكنه النصيب كما ترين والناس كعادتهم يتكلمون ولا نملك سلطة لإسكاتهم فإن لم تتمكني من التحكم في أعصابكِ فأرجوكِ غادري حتى لا تتصرفي بما لا يليق وتفسدي على ابنتي فرحتها ولا أظنكِ ترضينها لها لمجرد أن تنتقمي من قاسم لأنه ترككِ وفضل ابنتي عليكِ "
ترقرقت دموع الإهانة في مقلتي حياة وقبل أن تبادر بأي رد فعل صدمتها ملك وهي تصرخ بشراسة في وجه والدة العروس: " من تلك التي يتهامس عليها ومن حولها الناس؟ هل جننتِ يا امرأة ونسيت نفسكِ ومع من تتحدثين؟ (أشارت على أختها بزهو وفخر وهي تكمل) إنها حياة محمد الجبالي ابنة الجبالية التي تسير بين الناس فتلتفت الرؤوس من حولها "
ثم تابعت بابتسامة ماكرة: " ومن ضمن تلك الرؤوس التي تلتف حولها ابن أختكِ الغالية.. هذا إن لم يكن هو الأول بينهم "
تكلمت العروس بتهكم تقول مزهوة بنفسها: " وإن كان مهتم بها بهذا القدر كما تقولين فلماذا تركها لأجلي أنا؟ "
هبت حياة من جلستها وقبضت بسرعة على معصم أختها تمنعها من الرد بتهور حتى لا تنتقص من قدر قاسم فمهما فعل وحدث يظل هو حبيب الروح وابن عمها الذي لا تقبل بالإهانة له
قالت حياة بصوت خافت: " كفى يا ملك.. دعينا نرحل بهدوء ويكفي ما حدث منا جميعا "
رفضت ملك أن تتحرك من مكانها وهي تهتف بغيظ وتضرب الأرض بقدمها كالأطفال: " والله أبداً.. لن أرحل قبل أن أنهي حديثي كله وإلا سأموت قهراً.. أيرضيكِ أختي أن أموت قهراً؟ "
قالت حياة ترجوها بخفوت: " ملك أرجوكِ "
أولتها ملك ظهرها وهي تقول باقتضاب: " أرجوكِ أنتِ حياة.. اتركيني آخذ فرصتي فقد كنت انتظرها منذ فترة والحمد لله أن أتت أخيراً لأنفس عن القليل من غضبي المكبوت في تلك المرأة المختلة وابنتها السمجة "
تقدمت ملك من العروس وقالت ببرود: " رداً على سؤالكِ فأحب أن أوضح لكِ حقيقة أن قاسم ابن خالتكِ الغالية لم يترك أختي لأجلكِ.. حياة هي من تركته بل رفضته منذ البداية وإن لم تصدقينني يمكنكِ أن تسأليه بنفسكِ "
بدأت الهمهمات الخافتة في الظهور بين النسوة بينما حياة تنظر إلى العمة فاطمة بإرتباك فنهضت الأخيرة من مكانها واتجهت إلى ملك، قائلة بوقار: " يكفي لهذا الحد يا ملك.. دعينا نرحل كما قالت حياة فهذا أفضل للجميع "
زفرت حفصة وهي تؤكد: " نعم الأفضل.. علينا الرحيل قبل أن تخرب الخطبة "
إلتفتت ملك برأسها تطالع حفصة بغضب وقد بدت فاقدة أعصابها وهي تصرخ عالياً تزامنا مع تلويحات يديها المنفعلة: " لا دعينا نبقى حتى تخرب على رؤوسهم جميعا.. فلتفسد الخطبة والليلة معاً ليس عندي أي مانع "
تناظر الجميع فيما بينهم بذهول من انفعالها الغريب في حين إلتفتت هي من جديد تصرخ في وجه العروس: " عريس الهناء ابن خالتكِ الغالية لو علم بالحديث الذي تجرأتِ وأمكِ على نشره بين النساء لتكون أختي بينهن مادة للتندر والسخرية فأنا على تمام الثقة بأنه لن يتم هذه الخطبة ها.. هل نناديه من الخارج ونسأله رأيه فيما فعلته خالته وابنة خالته الغالية؟ "
ران التوتر والارتباك على وجه العروس ووالدتها فأبتسمت ملك بتشفي وهي تشير إلى أختها بينما تخاطب العروس بترفع: " اعتذري حالاً لأختي أنتِ وأمكِ "
لم تأخذ أياً منهما لحظة تفكير أو تردد حتى وهما تقدمان إعتذار طويل كتقرير تفصيلي لحياة التي تقبلته بصمت حينها شمخت ملك بذقنها وهي تشير بذراعها مفرودا أمامها قائلة: " تفضلي أختي.. أصبح الجو خانقا هنا.. علينا الرحيل بالفعل "
نظرت حياة إلى حفصة بتعجب ثم خطت للخارج أمام الجميع بكبرياء وهي تكتم ضحكتها مما فعلته أختها المجنونة
قالت فرح بتنهيد بعدما خرجوا: " الحمد لله أنكِ لم تحضري نبض معكِ عمتي وإلا كانت المسكينة صدمت مما حدث "
تنهدت فاطمة وهي ترد: " نبض لا تميل للحفلات أو التجمعات من الأساس "
برمت ملك شفتيها وهي تتمتم محدثة نفسها: " يبدو أنني سأحب تلك الفتاة كما كنت أحب أباها.. رحمة الله عليك عماه.. كم أشتقت إليك! "
بينما سألت حفصة بهدوء: " متى ستأتي لزيارتنا عمتي؟ أنا متشوقة لرؤيتها "
ابتسمت فاطمة وهي تجيبها: " غداً بإذن الله سأحضرها معي "
***

اليوم التالي / قبيل الظهر
في دار الجبالي
كانت حياة تصعد درجات السلم بإحباط وهي تتمتم بغيظ طفولي: " رقص قاسم بك ومرح مع خطيبته الحرباء ليلة أمس وتأخر في النوم حتى الظهر.. له كل الحق بأن يفعل فأنا الحمقاء التي فتحت له القفص وتركته يُحلق بعيدا.. ذاك المتعجرف، الفظ، البارد ال... ال... قاسم "
تسمرت مكانها وهو يشرف عليها من عليائه مقطبا بعبوس شديد وعينيه حمراوتين وكأنه لم يذق طعما للنوم طوال الليل
ازدردت ريقها بحزن وهي تمرر بصرها فوق صفحة وجهه الحبيب، رغم عبوسه الدائم إلا إنه في نظرها أوسم رجال الكون
تنحنحت بخفة وهي تحاول الصعود مشيحة بوجهها عنه وهي تقول: " مساء الخير "
لم يتحرك من مكانه ولم يرد عليها فشعرت بالغيظ منه أكثر فتمتمت ببرود زائف: " يبدو أن حفل خطبتك بالأمس استنفذ كل طاقتك حتى لم يترك لك بعضا منها لترد التحية على الأقل "
تحرك قاسم جانبا قاطعا عليها الطريق فرفعت عينيها إليه بعبوس تقول: " ابتعد عن طريقي قاسم.. أريد المرور "
رد بصوت أبح سببه صراخ ليلة أمس وعبوسه كما هو لم يختفي: " أنتِ من استنفذتِ طاقتي يا ابنة العم فلا تدعي العكس "
لعن لسانه بعد أن نطق ما نطق وفضح تعلقه بها.. ذلك التعلق المرضي الذي لا يقل مهما فعلت به محبوبته الحمقاء
رمشت بتوتر قبل أن تشيح بوجهها جانبا وهي تقول بحسرة: " لم تعد هناك فائدة من هذا الحديث يا قاسم.. أصبحت مرتبطا بأخرى و... "
قاطعها ببرود متهكم: " ومتى كان لهذا الحديث فائدة لديكِ يا ابنة العم؟ "
لم ترد حياة وهي تشعر بطعم مر كالعلقم وغصة خانقة تستحكم حلقها وتمنعها من القدرة على الاسترسال في الكلام
وماذا يفيد الحديث بعد أن حدث ما حدث وأصبح قاسم مرتبطا بأخرى؟ نعم تلك ال 'الأخرى' أبداً لا تليق به لكنها وللأسف باتت مرتبطة به
تابع قاسم بمرارة نضحت جلية في نبرته: " دومًا كان الحديث في هذا الموضوع يقابله الرفض والتجاهل منكِ وكأنه أمر تافه تترفعين حتى عن مناقشته "
تمتمت حياة بجمود تخفي خلفه قهرها لضياعه منها: " إذا سمحت تنحى جانبا حتى أمُر وقوفنا بهذا الشكل غير لائق "
رد قاسم ببرود فظ: " ولماذا هو غير لائق؟ هل أقف معكِ في الظلام أم ربما احتجزكِ بين ذراعي؟ "
تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل وهي تقول بصوت متوتر يبدو وكأنه هارب منها: " قاسم ما تقوله لا يصح أن يسمعه أحد.. احذر "
إبتسم بسخرية وهو يرد: " ممن عليّ أخذ الحيطة والحذر يا ابنة العم؟ من قلبكِ المتحجر الذي لا أعلم أي حظ أسود هذا الذي أوقعني في حبه أم من لسانكِ الذي تمت برمجته على نطق كلمة واحدة وهي 'لا'؟ "
رفعت رأسها تناظره بعبوس فقطب باستخفاف يسألها: " رباه! أوَ تجرؤين على العبوس في وجهي أيضا؟ صدقا لا أعرف ممن ورثتِ تلك الوقاحة يا فتاة؟ "
شهقت حياة بذهول قبل أن تزمجر بغضب وهي تقول: " كيف تتطاول عليّ بهذا الشكل يا قاسم أنت... "
قاطعها بتهكم مستفز وهو يقول بخفوت: " ششش.. اخفضي صوتكِ يا ابنة العم حتى لا يسمعكِ أحد ويفهم وضعنا بطريقة خاطئة فلربما ظنوا بأني أقبلكِ مثلا "
قطبت بضيق تخفي حرجها مما يقول بينما تابع هو بنفس النبرة: " أخبريني يا ابنة عمي ماذا ستفعلين إن قبلتكِ اللحظة؟ "
جحظت عينيها من وقاحته لكن لسانها لم يطاوعها على تعنيفه بل انطلق رغما عنها كالقذيفة وبإندفاع وجدت نفسها تقول: " سأفقد وعيي بالطبع "
قهقه قاسم بإستمتاع من ردها المتوقع بالنسبة له فهذه هي حياة التي أحبها إن أمرها عقلها بقول شيء يتمرد عليها لسانها قبل قلبها لأجله ورغم ذلك لا ترأف به أبداً
شعرت حياة فجأة بأن قلبها المتحجر بدأ يتفتت رويدا رويدا وتخرج من بين شقوقه أزهارا وردية تنثر عطرها الفواح في روحها التالفة فتحييها من جديد
كانت تطالعه بعيني طفلة منبهرة بتلك الضحكات المغردة وكأنها تسمعها لأول مرة في حياتها
توقفت ضحكاته فجأة كما بدأت وهو ينظر لعينيها بعبث قائلا: " لهذه الدرجة تتمنيها يا ابنة العم؟ "
شهقت فجأة بفواق متأخر وهي تخرج من حالة الهيام التي سيطرت عليها بسبب انطلاق ضحكاته التي لم تسبق أن سمعتها بهذه الطريقة المحببة
عبست في وجهه وهي تقول من بين أسنانها: " وفر وقاحتك تلك لعروس الهناء ابنة خالتك واتركني أمضي في طريقي "
رد ببساطة وثقة تامة وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: " لم أترككِ من قبل وبالطبع لن أفعلها الآن.. الطريق الذي أمضي أنا فيه أنتِ مجبرة على المضي فيه "
ابتسمت بسخرية وهي تقول: " وهل ستسمح لك عروسك المصون بهذا؟ "
مال على وجهها فجأة فأجفلها لترتد برأسها للخلف وهي تحدق في عينيه بينما هو يرد: " لن تكن لي عروس سواكِ يا ابنة العم.. ضعي هذه الحقيقة في رأسكِ الصغير هذا وردديها في كل وقت حتى تترسخ بداخلكِ فتصلين إلى بر الأمان وارتاح أنا في المقابل من حماقتكِ "
تمتمت بعدم فهم: " وماذا عن ابنة خالتك؟ بالأمس فقط كانت خطبتكما "
اعتدل في وقفته وهو يرد بلامبالاة: " تركتها "
شهقت حياة بصدمة وهي تقول: " ماذا؟ متي؟ "
رد بنفس اللامبالاة: " ليلة أمس قبل أن أضع محبس الخطبة في يدها "
سألته بإرتباك: " ل... لماذا؟ "
نظر لها بهدوء وهو يرد: " لأنها أهانتكِ.. ما كنت لأرتضيها عليكِ يا ابنة عمي فأنتِ... "
سكت فسألته بترقب: " أنا ماذا؟ "
أشاح بوجهه عنها في جمود تلبسه فجأة وهو يتمتم: " لا شيء.. لا تشغلي نفسكِ بكلامي فيبدو أنني بدأت أهذي "
عبست وهي تصيح: " هل تعني أن أنسى ما أخبرتني به بأنك ستجبرني على المضي في طريقك؟ "
رمقها ببرود مقصود وهو يقول: " نعم.. أنسي "
هتفت بحنق: " لعب أطفال هو "
رفع حاجبا باستفزاز وهو يرد: " فسري الأمر كما يروق لكِ هذا لا يهمني.. يمكنكِ المرور في طريقكِ "
تملكها شعور غريب في تلك اللحظة ورغبة قوية بأن تبكي نائحة على غبائها وحماقة لسانها وبعد ذلك أن تتشبث في ملابسه وتخبره بأن يتراجع عن حديثه الأخير
تريد أن تخبره بأنها موافقة ولا تريد سوا السير في الطريق الذي يسلكه هو.. بأنها طوع بنانه لكن عليه ألا يتركها
تنحى جانبا حتى تمر لكن حينما وجدها متسمرة في مكانها لم تتحرك تخطاها نازلا وهو يتمتم ببرود مستفز: " إذن سأنزل أنا فلدي الكثير من الأمور ولن ينتظرني النهار بطوله "
استدارت تطالعه بمرارة وهو ينزل الدرج بقامته المديدة ورأسه المرفوع في شموخ حتى اختفى عن أنظارها فتنهدت ببؤس وهي تستدير بإحباط سالكة طريقها نحو غرفتها
ما إن أغلقت الباب خلفها حتى قطبت بحنق وهي تقول: " البارد الفظ رفعني إلى السماء وفي لحظة أوقعني أرضا "
توجهت نحو مرآتها وهي تتنهد بإحباط حتى واجهت صورتها فعبست وهي تحدث نفسها بعتاب: " أنتِ المخطئة حياة.. دائما تعبسين أمامه وتغلقين بابكِ في وجهه.. له حق بأن يمل منكِ "
زمت شفتيها وهي تتمتم ببؤس: " عليه أن يصبر ويحتملني أكثر فهو يعلم كم أحبه "
عبست مجددا وهي تقول ساخرة من نفسها: " وكيف سيعلم وأنتِ لا تمنحينه أي أمل حتى؟ أنظري إلى نفسكِ بهذا العبوس يا متبلدة المشاعر لقد جعلتِ الرجل يفر هاربا من بين يديكِ وبالطبع لن يلومه أحد فمعه كل الحق بأن يفعل "
ضحكت بتهكم وهي تقول: " أنا شخصيا لا ألومه.. تحمل مني ما لم يتحمله أحد ولازال واقفا على قدميه دون أن يهتز حتى ولو ظاهريا "
ترقرق الدمع في عينيها فجأة وهي تكمل: " ماذا ستفعلين الآن يا حياة؟ هل ستتركينه يتسرب من بين يديكِ مرة أخرى؟ لازال حراً طليقاً عليكِ أن تجيدي التفكير والتصرف معه حتى لا تخسريه هذه المرة.. وللأبد "
صمتت للحظات تفكر بجدية قبل أن تلتمع مقلتيها بإصرار وعزم وهي تقول: " لا.. لن أسمح لنفسي بخسارته من جديد.. سيكون لي وحدي فهذا حقي.. قاسم لي.. أنا وحدي "
ابتسمت بإتساع وهي تتمتم بشقاوة: " يبدو أنني سأحتاج إلى تلك الماكرة ملك في الفترة القادمة "
***

مساء اليوم التالي
لم تكد تسحب الغطاء لتخلد للنوم حتى أجفلها عاصم وهو يسحب الغطاء من بين يديها بخشونة هاتفا بغيظ: " أكاد انفجر من الغيظ بسببكِ وأنتِ تنوين النوم "
اعتدلت حفصة جالسة وهي تسأله مقطبة بحيرة: " ما بكَ يا عاصم؟ ماذا فعلت أنا؟ "
صاح بغيظ طفولي: " هذه هي المشكلة يا حفصة.. أنتِ لم تفعلي شيء "
حدقت فيه بدهشة تقول: " إذن ما المشكلة لا أفهم؟ "
تخصر أمامها وهو يقول بضيق: " أين قضيتِ ليلة أول أمس؟ "
ردت بتلقائية: " مع حياة في غرفتها.. لقد أخبرتك قبل أن أذهب إليها "
تكلم بغيظ من بين أسنانه: " آه بالطبع فابنة عمكِ كانت منهارة لأن قاسم سيخطب ابنة خالته.. حسنا وماذا عن ليلة أمس أين كنتِ؟ "
ردت ببساطة: " قضيتها معها أيضا "
سأل بحنق مكبوت: " لماذا؟ هل لازالت آنسة حياة منهارة حتى بعدما علمت بأن قاسم لم يخطب ابنة خالته؟ "
قطبت بترقب وهي ترد بهدوء: " لا.. لقد تحسنت حالتها عن أول أمس "
قطب بغيظ سائلا: " إذن لماذا تركتِ جناحنا وذهبتِ إليها؟ "
ردت بهدوء أغاظه: " حتى لا أتركها وحدها فتسوء حالتها مرة أخرى "
زمجر بحنق وهو يقول: " وماذا عني؟ "
ابتسمت بلطف وهي تجيبه: " أنت حضرت بالأمس في وقت متأخر من الليل دون أن تخبرني يا عاصم وإلا لما كنت تركت جناحنا وذهبت للنوم مع حياة في غرفتها "
زفر بضيق وهو يقول: " والآن تريدين أن تنامي؟ "
اومأت بخفة دون أن ترد فصاح بإنفعال: " وماذا أفعل أنا هل أضرب رأسي بالحائط؟ "
سألته بتعجب حائر: " ولماذا تضرب رأسك بالحائط؟ ماذا حدث؟ "
زمجر مغتاظا وهو يميل بجذعه عليها فحدقت في عينيه بترقب وهو يقول من بين أسنانه: " حفصة أنا إشتقت إليكِ "
ردت حفصة برقة: " وأنا إشتقت إليك أيضًا "
تكلم بعبوس: " إذن؟ "
هزت رأسها بحيرة وهي تقول: " إذن ماذا؟ "
ضيق عينيه وهو يقول بغيظ: " والله يا ابنة محمود الجبالي لولا أني أخاف الله لكنت قتلتكِ اللحظة وقتلت نفسي من بعدكِ "
جحظت عينيها بهلع وهي تقول: " لما كل هذا؟ ماذا يحدث معك يا عاصم؟ "
استقام وهو يصرخ بقهر: " تبا لسذاجتكِ تلك يا حفصة ستصيبينني بجلطة "
رمشت بقلق وهي تقول: " عاصم هل أنت مريض؟ "
نظر لها بصدمة للحظات قبل أن يبتعد متمتما بغضب: " سأمرض بالفعل إن بقيت لحظة أخرى في هذه الغرفة "
خرج من الغرفة صافقا الباب من خلفه بينما حفصة تعبس بحيرة وهي تحدث نفسها: " نسى أن يخبرني عما يريد.. حسنا سأنام الآن وأسأله في الصباح حتى تكون أعصابه هدأت "
***

خرج عاصم إلى الحديقة وهو يزفر بغيظ ويركل الحصوات الصغيرة المرمية على الأرض بضيق وهو يغمغم: " ما الصعب فيما قلت حتى لا تفهمه تلك الحمقاء؟ تبا لحظي العاثر "
أجفله ياسين وهو يقهقه بمرح قبل أن يقول: " نزلت أهلا وحللت سهلا في حديقتنا المتواضعة والمخصصة لذوي الحظ العاثر يا ابن العم "
قطب عاصم بدهشة وهو يرى قاسم يجلس على الأريكة الجانبية الموضوعة في إحدى زوايا الحديقة
كان يجلس ممددا ساقيه أمامه باسترخاء ويديه في جيبي سترته، عابس الوجه وشارد الفكر
أما ياسين فقد كان يجلس على الأرجوحة، عاقدا ساعديه أمام صدره وعلى ثغره إبتسامة صغيرة ساخرة
ثم زادت دهشته وهو يلاحظ جلسة أنس على الأرض مستندا بظهره على إحدى الأشجار على بُعد بضعة سنتيمترات من الأريكة التي يجلس عليها قاسم ويبدو هو الآخر شاردا في أمر ما
قطب عاصم بتعجب وهو يقول: " ماذا يحدث؟ لماذا تجلسون بهذا الشكل البائس؟ "
لم يرد قاسم بل زاد عبوسه أما أنس فلم ينتبه له من الأساس في حين رد ياسين بتهكم: " هناك حالة استنفار في الدار ألم يصلك الخبر؟ "
ابتسم عاصم بسماجة وهو يرد: " بلى وصلني يا خفيف الظل "
هز ياسين رأسه وهو يقول باستفزاز: " بالطبع وصلك فها أنت تلبي النداء على الفور.. وديع طوال عمرك يا ابن عمي "
تأفف عاصم بضيق وهو يتوجه إلى الأريكة ليجلس على الطرف البعيد عن قاسم عاقدا ساعديه أمام صدره وهو يغمغم بنزق: " عُد لصمتك واتركني في حالي "
حرك ياسين كتفيه بخفة وهو يقول بتهكم: " لا ينقصنا إلا زيد وحمزة حتى تكتمل جلستنا "
وكأن زيد كان ينتظر تلك اللحظة التي يذكر أحدهم فيها إسمه حتى يظهر.. تقدم نحوهم وهو مقطب الجبين وقبل أن يتفوه أحدهم بكلمة كان يجلس بضيق على الأرض مقابلا لأنس مستندا على شجرة أخرى وهو يقول بإقتضاب: " اعتبروني لست موجودا ولا يسألني أحد عما بي لأني أوشك على الانفجار "
كتم ياسين ضحكته وهو يقول: " أنت بالفعل غير موجود.. عن نفسي سأعتبرك هواء لا تقلق "
زفر زيد بحنق وهو يمدد ساقيه على الأرض دون تعقيب بينما تمتم ياسين لنفسه وهو ينظر إلى إحدى شرف الدار: " محظوظ أنت يا حمزة.. بالتأكيد تسبح في نهر العسل ونحن هنا نكاد نغرق في بحر الكآبة والبؤس "
ما هي إلا لحظات حتى حضر حمزة بوجه محتقن من الغضب الذي يبدو أنه يكبته بشق الأنفس وهو يغمغم بخفوت غير منتبها لأبناء عمومته: " سأجن على يديها قريبا تلك الحمقاء المستفزة ال... (تنبه لهم فجأة فأردف مقطبا بذهول) ماذا تفعلون هنا جميعا؟ "
كتم ياسين ضحكته وهو يقول بتسلية: " تعال يا حبيبي كنا ننتظر قدومك "
بنظرة واحدة لكل واحد من أبناء عمومته أدرك أن حالهم لا يختلف كثيرا عن حاله فأبتسم ساخرا وهو يقول: " الحمد لله أن العرض لازال في بدايته ولم يفوتني الكثير "
ظل على وقفته بضعة دقائق وقد ران الصمت على الجميع حتى تكلم عاصم بعبوس يقول: " لماذا تركت زوجتك؟ "
تقدم حمزة نحو الأرجوحة بضيق قبل أن يجيب أخاه وهو يرمي بثقله إلى جوار ياسين: " هي من تركتني.. (ثم أكمل بغيظ) الفنانة تريد أن ترسم "
رفع ياسين حاجبيه يسأل بدهشة: " الآن! في هذه الساعة! "
غمغم حمزة بغيظ: " لم تكد تغفو حتى اجفلتني وهي تهب فجأة عن الفراش صارخة كالمجانين بأنها حلمت بصورة بالأمس وتريد أن ترسمها الآن قبل أن تنسى تفاصيلها "
رفع أنس أنظاره إلى حمزة سائلا بهدوء: " وهل تجيد زوجتك الرسم؟ "
رد حمزة بفخر رغم ضيقه: " إنها موهوبة بالفطرة.. اللوحات والألوان بالنسبة لها عبارة عن كيان لا يتجزأ عنها.. ستنبهر باللوحات التي رسمتها زهرتي سأريها لك في الصباح "
اومأ أنس دون تعقيب بينما قطب حمزة وهو يوجه حديثه لأخيه: " وأنت ماذا تفعل هنا؟ ما سبب تركك لزوجتك؟ "
رد عاصم من بين أسنانه وهو يرمق قاسم بطرف عينه بغيظ: " إنها تشعر بالإرهاق بعد الليلتين الماضيتين التي قضتهما مع حياة وهي تحاول تهدئتها حتى لا تنهار أكثر فأشفقت عليها وتركت لها الجناح كله حتى ترتاح "
قطب ياسين متصنعا الحزن وهو يقول: " حياة المسكينة.. أوجعت قلبي على حالها يا ابن العم "
رمق قاسم أخاه شذرا بسخرية دون أن يتدخل في الحديث في حين تمتم حمزة بحسرة: " حظنا واحدا يا أخي.. أخذنا أختين كان الله في عوننا منهما.. زوجتك ساذجة وزوجتي مجنونة "
سأل عاصم بتنهيد: " وماذا عن بقية الحضور؟ "
قطب زيد وهو يقول بحنق: " جدي يتعجلني حتى أجد طريقة للتفاهم مع شمس في أسرع وقت.. يريد أن يكون العرس خلال ثلاثة أشهر كحد أقصى "
عبس حمزة وهو يقول: " العجلة لا تكن في مثل تلك الأمور "
غمغم زيد بنزق: " أخبر جدك بهذا "
رفع أنس حاجبيه بتعجب وهو يقول: " عمن تتحدثان بالضبط؟ "
رد زيد: " عن أختك "
قطب أنس قائلا بامتعاض: " وتقولها في وجهي بهذه البساطة "
صاح زيد بضيق: " هل قلت لك أنني سآكلها؟ أنا سأتزوجها شرعا وقانونا وإن لم يعجبك الأمر إذهب إلى جدي وأخبره لننهي الأمر "
رمقه أنس ببرود وهو يتمتم لنفسه: " لا أعلم ما الذي يعجبها فيك أيها الجلف (ثم تنهد براحة وهو يكمل) الحمد لله أن فرح ليست أختك "
عبس زيد وهو يسأله ببرود: " لماذا انضممت لفريق البؤس العالمي؟ ما بك أنت الآخر؟ "
رد أنس بسماجة: " ليس بي شيء.. لكن الهواء يعجبني في تلك البقعة بالذات وحين أتيت لم أرى أي لوحة تشير أن تلك المنطقة محظورة عليّ فهل لديك مانعا؟ "
ضحك ياسين وهو يقول بتسلية: " أعجبني قصف الجبهة هذا يا صاحبي "
قطب زيد بغيظ وهو يقول: " صاحبك! منذ متى؟ "
رد ياسين بسماجة حتى يغيظه: " منذ اللحظة.. هل لدى سيادتك أي مانع في هذا أيضا؟ "
هتف حمزة فجأة قبل أن ينشب شجار بينهما: " كفوا عن أفعال الأولاد الصغار هذه.. ما بكم؟ "
عبس ياسين وأنس بينما زفر زيد وهو يلتزم الصمت وشرد كل واحدا منهم في ساحات خلده العاصفة بالأفكار
عاصم؛ حانق من وضعه ومشتاق لزوجته التي تفني وقتها على الجميع وتهتم بأمور الدار ومن فيها عداه هو فحينما يأتي دوره تكون طاقتها قد نفذت وتحتاج للراحة في الوقت الذي يكون هو بحاجتها
حمزة؛ يكاد يعض على أنامله من الغيظ وهو يرى زوجته تتركه لأجل أن تمارس هوايتها الأثيرة في وقت يفترض أنه من حقه هو وحده دون أي دخيل معهما خاصة وهما لازالا في بداية زواجهما
زيد؛ منزعج من إلحاح جده المتكرر لكي يتقدم رسميا لابنه عمته رقية في أسرع وقت ويتم زواجه منها في وقت قصير وكأنه إن لم يفعل كل شيء بسرعة فإنها ستهرب منه أو ربما تختفي ولن يعلموا مكانها
أنس؛ قلق بشأن أفكاره التي أصبحت تتخذ محورا عجيبا يدور في فلك تلك الفرح المبهجة، يخشى بشدة أن يتورط معها ويحبها أكثر فتجرحه وهو في الأساس مستنزف ولن يحتمل أي وجع جديد
ياسين؛ مشتت ولا يعلم ما يتوجب عليه فعله، أ يتقدم أكثر بثقة نحو ملاكه أم يتمهل الخطى ويتريث معها؟ يخشى أن تعود لحالة المكر والتمنع غير المبرر من جديد وهو قد وصل معها لأقصى درجة في الصبر والتحمل
قاسم؛ واجم يشعر بنفسه يخطو على بساط شائك يُدمي قلبه قبل قدميه، يشعر ببرودة موحشة تسكنه كلما خطر في باله أنه وحياة لن يجتمعا قريبا كما يتمنى بل يبدو أن القدر لم يكتب لهما أن يجتمعا أبداً
***

صباح اليوم التالي
من بين ضحكات الجميع واستمتاعهن بأحاديث وقصص العمة فاطمة لاحظت نبض انزواء حلا بكآبة في إحدى الزوايا بعيداً عنهن فنهضت من مكانها وتوجهت إليها تقول: " حلا لما تجلسين وحدكِ بعيداً عنا؟ "
ردت حلا بعبوس: " لأنني أريد أن ألعب بدميتي وأنتن تتحدثن في أمور لا أفهمها "
ابتسمت نبض بلطف وهي تسألها: " ولماذا لا تلعبين إذن؟ "
أطرقت حلا برأسها وهي ترد ببؤس مصطنع: " لأنني لا أملك رفيقات تلعبن معي ولا يوجد أطفال صغار في الدار غيري "
اتسعت إبتسامة نبض بشقاوة وهي تقول: " ولماذا لم تطلبي مني مشاركتكِ في اللعب؟ فأنا الأخرى أحب اللعب بالدمى جداً كما أنني لازلت طفلة صغيرة مثلك ويمكننا أن نصبح رفيقتين "
توسعت عينيّ حلا بسعادة وهي تقول: " حقاً يمكننا أن نصبح رفيقتين؟ "
اومأت نبض برأسها وهي ترد بحماس: " بالطبع حلا.. هيا أريني ما لديكِ من لعب ودمى "
بعد قليل سألت حلا وهما تلعبان: " هل كان لديكِ أصدقاء وأنتِ صغيرة تلعبين معهم؟ "
هزت نبض رأسها سلباً وهي تمشط شعر إحدى الدمى: " لا.. كنت أشبهكِ تماما لا أملك أي رفاق لكن ماما رحمها الله كانت كثيراً ما تلعب معي ولدي ابن خالتي كان يلعب معي أحيانا "
سألتها حلا بحيرة: " وأين اخوتكِ؟ "
ردت نبض ببساطة: " أنا وحيدة والديّ "
ضحكت حلا بحماس تقول: " إذن نحن متشابهتان "
ابتسمت نبض برقة تجيبها: " حتى اللحظة نعم.. لكن أتمنى قريباً أن تحظي بأخت أو أخ يشاركانكِ اللعب "
عبست حلا وهي تقول: " لا.. لا أريد أية أخوة "
رفعت نبض حاجبيها بتعجب تسألها: " لماذا؟ "
ردت حلا بحنق: " لأن الطفل الجديد سيسرق مكانتي لدى بابا وماما والجميع وسيكون هو أهم مني لديهم "
هزت نبض رأسها سلبا وهي تترك الدمية من يدها جانبا بينما تحدث حلا بلطف: " هذا غير صحيح.. لكل من الأطفال نفس المكانة لدى والديهما سواء كانوا صغارا أم كبارا "
عبست حلا وعقدت ساعديها أمام صدرها دون تعقيب فأبتسمت نبض برقة تقول: " هل أخبركِ بشيء من ذكرياتي؟ (اتسعت ابتسامتها حينما لاحظت انتباه حلا فتابعت) منذ صغري وأنا معتادة على إنتظار أبي مهما تأخر حتى يعود من عمله لكي استقبله بنفسي.. كنت أحب أن أقص عليه كل ما فعلته طوال اليوم وهو كان يحب الإستماع إليّ وذات يوم بعدما عاد من المشفى أخبرني وهو سعيد جداً أن عائلتنا الصغيرة من اليوم أضيف إليها فردا جديدا.. في البداية لم أهتم بالأمر كثيراً لكن بعدما رأيت ذاك الصبي الذي سيشاركني في كل ما كان من حقي وحدي أصبحت منطوية على نفسي أغلب الوقت.. كنت خائفة أن يقل حب أبي وأمي لي بعدما رأيت اهتمامهما الكبير بذاك الصبي "
تنهدت بشجن وهي تكمل شاردة في البعيد: " لكني كنت مخطئة يا حلا.. فرغم اهتمامهما به وانشغالهما معه في كثير من الأحيان إلا أنهما لم يهملانني أبداً أو يقصران معي في شيء.. ظلا كما هما والدين محبين عطوفين لا يفرقان بيننا في المعاملة حتى... حتى أخذهما الموت مني "
عبست حلا لاهية عن دموع نبض التي تترقرق في عينيها وهي تسألها: " ولماذا انشغلا معه إذن؟ "
رمشت نبض بشفقة فانهمرت دموعها كحبات الندى وهي تقول بصوت كئيب: " لأنه كان مريض ويحتاج للرعاية "
زمت حلا شفتيها بشفقة وهي تتمتم: " أوه المسكين "
ابتسمت نبض برقة وهي تمسح عبراتها بأناملها بينما ترد: " إنه بطل يا حلا وليس مسكينا أبداً "
قطبت حلا بعدم فهم تقول: " بطل! بطل كالذي اشاهده في أفلام الكرتون؟ "
هزت نبض رأسها سلبا فتابعت حلا: " طبعاً لا لأن ماما أخبرتني أنهم ليسوا بشرا حقيقين إذن كيف يكون بطلكِ هذا؟ "
ابتسمت نبض بشقاوة تجيب: " يوماً ما سأريكِ إياه "
صفقت حلا بجذل وهي تصيح بحماس: " حسنا اتفقنا إذن لكن... (قطبت بحيرة تسأل) هل كنت تلعبين مع البطل ذاك بالدمى؟ "
كتمت نبض ضحكتها وهي ترد: " بالطبع لا.. وهل رأيتِ من قبل بطلا يلعب بالدمى؟ "
سألت حلا بحماس: " إذن بماذا كنتما تلعبان؟ "
تنهدت نبض ببؤس مصطنع وهي تقول: " والله يا حلا لا أريد أن أحبطكِ بالحقيقة... (ظلت حلا على حماستها فكتمت نبض ضحكتها المتسلية وهي تكمل) إذن سأخبركِ وأمري إلى الله.. أنا وذاك البطل لم نلعب سويا ولا لمرة واحدة حتى لأنه وببساطة واختصار شديد كان انطوائيا أكثر مني وحينما جربت معه مرة بطلب وإلحاح من أمي إنتهى بنا الحال غافيين وألعابي المسكينة من حولنا دون أن تمس حتى "
انفجرت حلا في الضحك من طريقة سرد نبض للموقف وتعابيرها المرحة بينما نبض شردت في تلك الذكرى تستعيدها من جديد وهي تبتسم بشوق وحنين للغائبين

كم مضى عليه منذ خرج من المستشفى لا يعرف، كم مضى عليه منذ صرخ وكسر وبكى؟ أيضا لا يعرف فقد نسى عدّ الأيام منذ فترة وانشغل مع القطيطة الصغيرة التي لا تكف عن مراقبته من بعيد فأصبح هو الآخر يفعل معها المثل
تذكر ما حدث وكم ظل يصرخ بجنون حين استمع إلى ذاك التسجيل بصوت والده، كم بكى حين علم بوفاة أمه
لا يصدق بأن أمه، حبيبته، شعاع الأمل والدفء في حياته قد خبت
سالت دمعة وحيدة من زاوية عينه وقد عادت الذكرى تقبض على قلبه بقسوة من جديد ليجفل بقوة حينما وجد تلك الأنامل الرقيقة تتلقف دمعته وصوتها الشجي المنغم كعصفور صغير يقول: " هل تبكي لأنني أرفض الاقتراب منك؟ لا تبك مجدداً ها أنا ذا إلى جوارك "
رمش ذاهلا وهو ينظر لها تجلس على ركبتيها أمامه وتبتسم له برقة لا يظنها خلقت لسواها فقال يناكفها: " هل كان يجب أن أبكي حتى تأتِ إليّ؟ "
هزت رأسها بلا صامتة فقال: " إذن ماذا جاء بكِ إلى عندي؟ "
ردت بصوتها الجميل: " ماما قالت لنبض أن تذهب وتنادي أخوها "
توسعت عينيه بدهشة من طريقتها في الحديث فكتم ضحكته يقول: " وماذا أيضاً؟ "
حركت كتفيها وهي ترد: " ماما لم تقل لنبض أكثر من هذا "
هنا علا صوت مريم تنادي من الخارج: " نبض! قطيطتي.. أين ذهبتِ يا صغيرة؟ "
هبت نبض من مكانها وهي ترد: " نبض آتية ماما "
ركضت نبض خارج الغرفة لكنها عادت بعد ثانية واحدة تسحبه من يده وهي تقول: " ماما ستخاصم نبض إن لم تأت معها "
دخلا المطبخ حيث كانت مريم تعد الغداء وما إن رأته حتى تهللت اساريرها وهي تقول: " وأخيراً خرج صغيري من كهفه "
ابتسم بحرج من لطف تلك المرأة التي كان قبل أسابيع قليلة لا يعلم عنها شيء ولم يكن لها دور في عالمه من قبل أبداً
إنه وللعجب يحبها! منذ اللحظة الأولى التي التقاها بها وقد سكب الله في قلبه حبها كما سكب في قلبها محبته فأصبحت لا تنام قبل أن ينام ولا تضع لقمه في فمها قبل أن تتأكد من شبعه أولاً، تفرط في الاهتمام به ورعايته على حساب ابنتها في كثير من الأحيان وما يدهشه هو عدم شكوى الأخرى من ذلك أو غيرتها منه لسرقة إهتمام أمها منها
مريم تنظر له كإبن حقيقي لها وتعامله على هذا الأساس وكأنه خرج من رحمها فمنذ انتقل للعيش في هذا البيت وهو يجد منها معاملة خاصة لم يتلقاها من إنسان يوماً حتى أمه حبيبته الغالية التي رحلت وتركته ضائعا من بعدها لم تكن تميزه عن أخاه بل تعاملهما بنفس الطريقة والمساواة
أما عائلته فكانت دائمًا تتحيز لأخيه بحجة أنه أكثر حاجة منه إلى الحنان والرعاية لأنه أضعف منه في البنية فكانوا يفرطون في تدليله على حسابه هو ورغم ذلك لم يكن يغضب أو يحقد على أخيه
رفع عينيه ينظر الى تلك السيدة الجميلة بإبتسامتها التي لا تخبو أبداً فتنشر الحياة في كل ما حولها وتزيد العالم بهجة وقبل أن يتفوه بحرف أتاه الصوت الشجي من جواره ونبض تتحدث: " هل إنتهت مهمة نبض الآن ماما؟ "
اومأت مريم وهي تبتسم منحنية إلى ابنتها: " نعم إنتهت لكن... (حملت نبض بخفة ثم اجلستها على المنضدة المستديرة، المرتفعة الموجودة في وسط المطبخ وهي تكمل) على القطيطة الحلوة حبيبة ماما أن تبقى قليلاً بعد "
رمشت نبض بقوة وهي تقول بصوت حزين: " ألن تذهب نبض إلى خالتها منال حتى تلعب مع إياد؟ "
ابتسمت مريم ترد: " بلى ستذهب لكن ليس الآن "
أطرقت نبض برأسها وهي تقول: " لكن ماما قالت الآن؟ "
ربتت مريم على وجنتها وهي ترفع وجهها إليها ترد: " يمكنكِ الآن اللعب مع أخاكِ بعد أن تتناولان الغداء وفي المساء سنذهب جميعاً عند خالتكِ منال وحينها سيكون أمامكِ الوقت الكافي لتلعبي مع إياد "
مالت على أمها تسر لها بخفوت: " إنه كبير وضخم كيف سيلعب مع نبض؟ سيحطمها! "
ضحكت مريم وهي ترد: " نبض ليست دمية حتى يحطمها "
هزت نبض كتفيها تقول ببؤس: " نبض تخافه يا ماما فكيف ستلعب معه؟ "
قطبت مريم وهي تجيبها: " كيف تخافينه نبض؟ ألم تذهبي إليه بنفسكِ وتحضريه معكِ؟ "
اومأت برأسها دون رد فتابعت مريم: " وهل أذاكِ حينها أو ازعجكِ؟ "
اومأت نبض سلباً وهي تقول بفرح كمن وجد كنز ثمين: " لا.. هو ابتسم لنبض "
اتسعت ابتسامة مريم وهي تقول: " إذن هو ليس مخيفا فالوحوش المخيفة لا تبتسم للقطيطات الجميلة أمثالكِ صغيرتي "
مالت نبض برأسها لتطالعه من خلف كتف أمها في وقفته المتشنجة عند باب المطبخ ثم عادت تهمس لأمها: " هل هو خائف مني إذن؟ "
صدحت ضحكات مريم وهي ترد: " بالطبع لا صغيرتي الحلوة أنتِ لا تخيفين أحد "
رمشت نبض وهي تهمس لأمها من جديد: " لكنه خائفا "
ران على مريم الحزن وهي تقول: " المسكين حزين لأنه وحيد ولا يجد من يلعب معه "
قطبت نبض تقول: " كيف وحيد؟ نبض وبابا وماما معه.. إذن هو ليس وحيداً أليس كذلك ماما؟ "
حركت مريم كتفيها ببؤس مصطنع تقول: " لكنكِ لا تلعبين معه أبداً "
رمشت نبض وهي تقول برقة وبراءة: " نبض لا تريد أن تكون ماما خاصتها حزينة أبداً "
ابتسمت مريم بمكر وهي ترد: " إذن نبض ستطيع ماما خاصتها وتلعب مع أخاها أليس كذلك؟ "
مالت نبض برأسها من جديد تنظر إليه في وقفته التي لم تتغير وحينما تلاقت أعينهما رمشت لوهلة وهي تنظر له ثم ابتسمت ببراءة تقول: " حسناً.. نبض ستلعب مع أخاها "
مالت مريم وقبلت وجنتها ثم قالت بحنان: " ما أجملكِ حبيبتي ونبض فؤادي! "
***

بعد دقائق معدودة
كانت نبض تجلس إلى جواره على الأرض في غرفتها بعدما أحضرت كل ألعابها والدمى الخاصة بها لكي تلعب معه كما طلبت منها أمها
لكنه ظل منطوياً على نفسه دون أن ينظر لها حتى، كان يجلس إلى جوارها، ضاماً ركبتيه إلى صدره مطوقاً إياهما بذراعيه ونظره مثبت على نقطة في الفراغ دون أن يحيد ببصره عنها
أخذت نبض تنظر له بين كل دقيقة وأخرى بطرف عينها للحظة واحدة قبل أن تعاود النظر بحسرة إلى ألعابها التي لم تمسها
كانت تشعر بالكآبة وهي تظن أن أياً من ألعابها لم تنل رضاه لذلك هو حزين وكادت تنهض مهرولة إلى أمها لتخبرها أن تحضر لها المزيد من الألعاب لأن هذه لم تعجبه لكنها قبل أن تتحرك من مكانها فوجئت برأسه تميل على كتفها
كانت تنظر لرأسه متسعة العينين وهي تتمتم بخفوت: " لماذا نام الآن؟ موعد النوم لم يحن بعد؟ "
رفعت عينيها إلى ألعابها التي تغريها بأن تزيح رأسه عن كتفها لتذهب إليها لكنها تعاود الإلتفات له فيأثر قلبها باستكانته وملامحه الحزينة منذ رأته في المستشفى يبكي فتغرق في الحيرة
أي الأمرين تختار؟
هو أم ألعابها الكثيرة الجميلة؟
وبعد تفكير عميق حسم قلبها البرئ الأمر فأنتهى بها المطاف تتزحزح ببطء وحذر شديد حتى لا توقظه من نومه وآل بهما المطاف هي تستند بظهرها على فراشها أرضا بينما هو ينام ممدداً على الأرض ورأسه على ساقها المطوية تحتها
***

بعد نصف ساعة
طرقت مريم الباب بخفة وهي تدلف إلى الداخل مثيرة زوبعة من الحماس بينما تصيح بمرح: " الغداء جاهز يا أولاد و... ماذا؟ هل نمتما؟ "
رفعت حاجبيها ذهولا من المشهد المجسد أمامها وما هي إلا لحظات حتى شعرت بذراعين قويتين تطوقان خصرها بينما صوت ضحكات مشاكسة تدغدغ مسامعها تزامنت مع صوت صاحبها الذي مال يهمس في أذنها: " ابنتكِ تمارس دورها على الفتى على أكمل وجه.. يبدو أنه قد حضر أخيراً من سيكسر نطاق دائرتها المحدود ويقتحم حصونها من أوسع الأبواب "
ابتسمت مريم وهي تقول بمناكفة: " تتحدث بطريقة تفوق تفكير الأولاد ولازال باكراً جداً عما تفكر فيه أيها الطبيب الماكر "
كتم مختار ضحكته وهو يرد: " حقاً تتحدثين! انظري لنفسك أيتها الحسناء لقد حاصرتكِ وأنتِ ابنة التاسعة عشر ثم غزوتكِ واحتللت بلادكِ وأقمت دولتي على اراضيكِ وأنتِ في العشرين إذن ما أفكر فيه ليس باكراً بل جاء في وقته "
ضحكت مريم تقول: " يبدو أنك نسيت في خضم حساباتك أن ابنتك لازالت في السابعة من عمرها فحسب "
حرك رأسه سلباً قبل أن يميل على وجنتها يقبلها وهو يقول ببساطة: " لا لم أنس حبيبتي لكنني أريدها أن تكون خطبة طويلة.. هكذا سيدرسان طباع وتصرفات بعضهما البعض على مدى واسع "
قطبت مريم بذهول وهي تستدير بين ذراعيه بخفة قائلة: " خطبة! أي خطبة؟ مختار أنت تمزح أليس كذلك؟ "
رد بمرح: " لا "
أمسك بيدها وسحبها خلفه بينما هي تقول: " أنتظر مختار سأعدل من وضعية نوم الأولاد "
دفعها بلطف خارج الغرفة وأغلق الباب من خلفه وهو يقول بمكر: " لا دعيهما حتى يتعلما من اخطائهما فلا يكرران النوم بتلك الوضعية المتعبة مرة أخرى "
عبست مريم بطفولية وهي تعترض: " لكن يا مختار... "
قاطعها بجدية وهو يسحبها خلفه من جديد تجاه غرفتهما الخاصة: " ليس هناك لكن مريم أتركيهما يتصرفان وحدهما هما ليسا صغارا "
ما إن دخلت الغرفة حتى وقفت أمامه عاقدة ساعديها أمام صدرها وملامحها عابسة بطريقة طفولية مضحكة وهي تقول: " أنتَ لست حنونا بالمرة "
رفع حاجبيه بذهول من اتهامها الموجه له وهو يقول: " أنا! "
اشاحت بوجهها عنه وهي تتصنع الانزعاج والخصام فاقترب منها وعلى ثغره إبتسامة لا تصمد مريم أمامها طويلاً
مال يقبل وجنتها برقة بينما صوته يأتيها هامسا يحمل حنان العالم وهو يقول: " لازلنا في البداية ولم يفت الوقت بعد فإن كنت غير حنون فعلميني كيف أكون كذلك يا مالكة فؤادي أليست لديكِ كل خزائن الحنان؟ إذن امنحيني منها القليل حتى ارضيكِ؟ "
وضعت كفيها على كتفيه وهي تنظر لعمق عينيه فتغرق في أمواج زرقاوتيه بينما تقول: " أنتَ تعلم أن كل خزائني أضحت مشرعة أمامك بعدما سلمتك مفاتيحها منذ زمن بعيد "
ناداها بعذوبة: " مريمي "
فترد برقة آسرة: " نعم يا فؤاد مريم! "
نظر لها للحظات طويلة بصمت كان أبلغ من كل الكلام حتى قطعه فجأة وهو يميل إلى شفتيها هامسا بصوت أجش: " مريم.. يا مالكة فؤادي وتوأم روحي وكل حياتي والله إنني أحبكِ ولم ولن أحب بعدكِ سوا ابنتكِ لأنها قطعة منكِ "
توردت مريم بخجل وهي تميل برأسها تسند جبهتها على كتفها بينما تهمس له بعشق: " وربي يعلم أنني أحبك أكثر "
ضمها إلى صدره وهو يتنهد براحة وسكينة لا تفارقه في جوار حبيبة عمره وهو يتمتم: " أنتِ الحب يا مريم والحب أنتِ "

***

في المساء
كانت شمس تستمع إلى فرح بإنصات شديد وملامحها تعبر عن الدهشة وما إن إنتهت فرح من سرد الأحداث التي مروا بها في الفترة الماضية حتى هتفت شمس بذهول: " كل هذا حدث في تلك الفترة القصيرة التي مضت! ما كل هذا؟ "
تنهدت فرح ببؤس وهي ترد: " لقد كانت أصعب فترة مررنا بها يا شمس.. أتمنى أن تتحسن الأوضاع قريبا وإلا... "
صمتت فرح فسألتها شمس بترقب: " وإلا ماذا يا فرح؟ "
نهضت فرح من مكانها وهي تقول: " وإلا ستزداد الأمور سوءًا يا شمس خاصة بعد ما حدث بين قاسم وحياة "
قطبت شمس وهي تقول بعدم رضا: " حياة تكابر يا فرح وقاسم معه حق فيما فعل.. صراحة لا ألومه "
ناظرتها فرح برفض لما تقول وهي ترد: " لا يا شمس.. أنتِ لا تعرفين شيء.. قاسم يحب حياة وهي الأخرى متيمة به ومهما حدث ما كان عليه أن يكسر قلبها بهذا الشكل "
نهضت شمس من مكانها هي الأخرى حتى تقف أمام فرح وهي تقول: " ولو يا فرح.. هي تستحق ذلك فقد كسرته في المقابل بل هي من أخطأت أولاً.. قهر الرجال ليس بالأمر الهين يا فرح خاصة إن كان مع رجل عزيز النفس معتز بكرامته وكبريائه كقاسم "
عبست فرح وهي تقول بإحباط: " المهم الآن أن يتصالحا.. أنا شخصيا لا أستطيع تحمل رؤيتهما متباعدين أبداً لا أتخيل حياة لرجل غير قاسم أو قاسم لامرأة أخرى غير حياة "
تنهدت شمس وهي تقول: " أتمنى أن يجمعهما الله قريبا على خير ولكن فلتتعقل حياة أولاً وتحارب لأجل من تحب حتى تستحق الفوز به في النهاية "
ابتسمت فرح بلطف وهي تقول: " سأترككِ الآن لترتاحي فمنذ وصلتِ وأنا لم أكف عن الثرثرة "
اومأت شمس بمودة وهي تقول: " وأنا سعيدة بثرثرتكِ تلك يا فرح "
قبلتها فرح على وجنتها وهي تقول: " حسنا تصبحين على خير "
ابتسمت شمس وهي ترد: " وأنتِ بخير حبيبتي "
***

بعدما خرجت فرح من غرفة شمس كانت في طريقها إلى الطابق العلوي متوجهه إلى غرفة ياسين وهي تدندن بخفوت وفجأة أجفلت حينما كادت تصطدم بأنس الذي كان ينزل على الدرج بسرعة
توقفا كلا منهما يطالع الآخر فاغر الفاه لتقطب فرح فجأة وهي ترفع سبابتها في وجهه بغيظ: " تعمدت هذا أليس كذلك؟ "
رمش أنس لوهلة قبل أن يرد بحيرة: " ما الذي تعمدته؟ لا أفهم "
عبست بطفولية وهي تقول: " أن توقعني "
رفع حاجبيه بذهول وهو يرد: " بالطبع لا.. ولماذا قد أفكر في شيء كهذا؟ "
رفعت حاجبا باستفزاز تقول: " إذن اعتذر حالا لأنك أخفتني "
فقطب بحنق يرد: " حقا أخفتكِ! وماذا عنكِ؟ "
شهقت بدهشة وهي تقول: " هل تقصد أنك خفت مني؟ يا مسكين "
تأفف أنس مغتاظا منها وهو يتنحى جانبا بينما يشير لها قائلا: " تفضلي اصعدي يا آنسة حتى ننتهي من هذا الموقف السخيف "
ابتسمت بهدوء تقول: " لا تفضل أنزل أنت أولاً "
تنهد وهو يقول بنفاذ صبر: " لا يصح.. النساء أولاً "
كتمت ضحكتها وهي تقول: " إلى أين كنت ذاهب؟ شمس نامت "
عبس وهو يرد بغيظ: " هذا كثير والله.. هل يجب أن أقدم بيان كامل لكل فرد في هذه العائلة عن كافة تحركاتي؟ "
عبست بتفكير وهي تسأله: " من سألك أيضا؟ زيد أم قاسم؟ "
رفع حاجبا بلامبالاة وهو يرد: " ولماذا لا يكون عاصم أو حمزة أو حتى ياسين؟ "
ردت بإبتسامة واسعة وهي تقول بعفوية: " أولاً لأن عاصم لا يحب التدخل في شئون الغير ثانيا لأن حمزة بالتأكيد مشغول مع عروسه وليس متفرغا لسؤال أحد عن أي شيء أما ثالثا فأخي ياسين لا يشغل نفسه بأحد من الأساس فهو يرى أنه ليس من حقه معرفة خصوصيات الغير كما يحب أن نفعل معه "
سألها بإهتمام: " ولماذا زيد أو قاسم؟ "
ردت بنفس العفوية: " زيد ابن عمي طبعه مغرور قليلا يحب أن يعرف التفاصيل الكاملة عن أي شخص يمر من أمامه ولو عن طريق الصدفة أما أخي قاسم فإن كان سألك فبالطبع ليعرف هل بوسعه فعل شيء ليساعدك في إنجاز ما تريد أم لا "
اومأ بفهم وهو يرد: " زيد من سألني.. عامة أنا كنت متوجها إلى الحديقة أردت الجلوس قليلا وحدي "
اتسعت إبتسامتها وهي تقول: " وأنا كنت متوجهه إلى الحديقة أيضا "
رفع حاجبا بدهشة وهو يقول: " كنتِ صاعدة للأعلى لأجل الذهاب إلى الحديقة (ثم تابع متهكما) هل تريدين الوصول إليها عن طريق القفز من نافذة غرفتكِ؟ "
ضحكت فرح بحرج وهي تجيبه: " لا.. لا أقصد هذا لقد أخطأت.. أنا ذاهبة لأخي ياسين "
هز رأسه بتفهم وهو يمنع بسمته من الظهور بينما يقول: " ما التالي؟ هل ستصعدين لكي أنزل أم سنبقى طويلا على هذا الحال؟ "
قطبت بعبوس فتابع بمناكفة: " أنا أسأل فقط لكي أعلم وضعي.. هل أجلس أم أستعد للنزول؟ "
ابتسمت بخجل وهي تصعد بسرعة بينما تتمتم لنفسها: " الكثير من الحلوى ضار بالصحة يا فرح.. خاصة الحلوى بالعسل "
بينما أنس تمتم متنهدا وهو ينزل: " لا أصدق أن تلك القردة الشقية تقرب لتلك العائلة العجيبة بصلة.. إنها كفرصة لا تأت سوا مرة واحدة في العمر.. لا ليست فرصة وإنما...فرحة.. فرحة العمر "

انتهى الفصل..
قراءة ممتعة..🌹

noor elhuda and السكر like this.

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-19, 06:05 PM   #13

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل السادس ||

آخر الشهر
كانت نبض سعيدة للغاية بعدما أنهت كافة الأوراق اللازمة للالتحاق بكلية الطب
أخيرا وصلت إلى أولى الأحلام وبدأت في تحقيقها وبداخلها عزم وإصرار على تحقيق البقية
سألها صخر بإهتمام: " هل تريدين فعل أي شيء في العاصمة قبل أن اعيدكِ إلى العمة فاطمة؟ "
إلتفتت نبض تقول بحماس: " أريد رؤية يوسف وعمي معتز.. لقد إشتقت إليهما كثيرا "
عبس بغيظ طفولي وهو يتمتم بغيرة: " لماذا دائما تشتاقين لهما دوني؟ "
ضحكت بخجل وهي ترد: " وكيف سأشتاق إليك وأنت لا تكاد تغيب عني يوما حتى أراك في اليوم التالي؟ "
تأفف هو بحنق فقالت تناكفه: " لا تغضب.. المرة القادمة حينما تأتي لزيارتي سأخبرك على الفور بأنني اشتقت إليك.. هل يرضيك هذا؟ "
اومأ مستسلما وهو يغمغم: " جيد "
ضحكت نبض وهي تغطي فمها بكفها كعادة ملازمة لها بينما تابع هو: " إنهما في المشفى "
ردت ببساطة: " اممم لا بأس خذني إليهما "
قال متهكما: " اوامركِ يا هانم.. سائقكِ أنا على ما يبدو "
قهقهت نبض بمرح وهي تقول: " سائق نزق "
رد ببرود: " إن كان يعجبك "
اومأت برأسها وهي تقول بمناكفة: " تعجبني طبعا.. وهل أقوى على قول لا حتى تتخذها حجة وتقوم بقتلي أيها المتوحش؟ "
عبس ببرود وهو يقول: " جيد.. لا أريد سماع صوتكِ حتى نصل "
ردت بوداعة وهي تكتم بداخلها بقية ضحكاتها حتى لا تزعجه: " حاضر "
***

بعد بضعة دقائق
كانت تسير إلى جوار صخر في الممر الطويل المؤدي إلى استراحة الأطباء حيث علموا أن يوسف هناك، تضع كفيها في جيبي فستانها الأبيض ذي الزهرات الصغيرة الوردية المنثورة على نسيجه كاملا بينما هو يدخن إحدى السجائر بين يديه أما الأخرى كانت في جيبه مثلها
رمقته بطرف عينها بعدم رضا وهي تقول: " هذا لا يصح في المشفى يا دكتور "
عبس دون أن يرد فتابعت ببرود: " لو كنت أملك المشفى ما كنت سمحت لك بدخولها أبداً "
ظهر على زاوية فمه ابتسامة صغيرة وهو يقول ببساطة: " أنتِ تملكينها بالفعل "
قطبت بعدم فهم وهي تقول: " تقصد نصيب أبي رحمه الله "
توقف عن السير ففعلت المثل وهي تطالعه بانتباه بينما يقول هو: " بعد تخرجكِ بإذن الله ستكون تلك المشفى ملككِ وحدكِ يا نبض.. أنا اشتريت نصيب أبي والشركاء الآخرين لأجل أن تكون المشفى كلها لكِ وحدكِ دون أي شريك "
رمشت بذهول وهي تقول: " حقا صخر! فعلت هذا لأجلي "
اومأ إيجابا وهو يضيف: " لقد فعلت هذا منذ بضعة أيام قليلة ولم أكن سأخبركِ حتى تنهي دراستكِ لتكون هذه هدية نجاحكِ لكن انظري للحظ.. كشفتِ الهدية قبل أن تبدأي الدراسة حتى "
لم تعرف كيف فعلتها واندفعت له تتعلق به وهي تحتضنه بقوة هاتفة بفرح: " شكرًا يا صخر.. أسعدت لي قلبي "
كان صخر لا يشعر بنفسه من الأساس لكي يرد، ظل جامدا بدون أي حركة للحظات حتى ازدرد ريقه وهو يبعدها عنه بلطف قائلا بحنان رغم ارتباكه: " لا داع لشكري صغيرتي.. أنا لا أريد سوا سعادتكِ "
ابتسمت نبض بحماس وهي تقول: " أنت بطلي يا صخر لطالما كنت كذلك دوما "
سحبته من يده وهي تتابع كلامها بحماس: " تعالِ.. سنخبر يوسف أولا حتى أغيظه بأنه يعمل لدي ويمكنني طرده في أي لحظة إن وجدت منه أي تخاذل أو تقصير "
توقفت فجأة وهي ترفع سبابتها في وجهه بتهديد قائلة: " وأنت تعمل لدي أيضا وإن علمت بأنك تدخن في المشفى سأفصلك فورا ودون رجعة.. هل فهمت؟ "
رد بجدية مصطنعة: " اه طبعا.. طبعا صغيرتي "
رفعت حاجبا بأنفة وهي تعدل حجابها بعجرفة مصطنعة بينما تقول: " لا انسى كلمة صغيرتي تلك.. منذ اللحظة أنا الدكتورة نبض "
ثم خطت أمامه وهي ترفع رأسها بشموخ وكفيها في جيبي فستانها تقول بغرور مشاكس: " هيا أتبعني لنرى صديقك ماذا يفعل مع مرضاه؟ "
كان مبهورا بها وهي تسير أمامه بخيلاء ذكرته على الفور بفرسه العنان
كم تشبهها جمالا قلبا وقالبا!
تحرك خلفها يتبعها بهدوء وهو يحاول قدر الإمكان إخفاء تأثره وارتباكه من قربها منه
قرب محرم لا يجوز له.. ولو كانت هي تعلم بذلك لمَّا اقتربت منه بل كانت على الفور ستقصيه بعيدا عنها
وصلا إلى غرفة الاستراحة فدخل صخر أولا وهو يقول: " من الجيد أنك هنا "
تبعته نبض على الفور وهي تقول برقة: " يوسف.. أخي.. لقد إشتقت إليك "
هب يوسف من جلسته فورا وتقدم منها بسرعة يقول بدهشة: " نبض أنتِ هنا "
اومأت بسعادة وهي تقول باسمة: " نعم هنا.. أنا إشتقت إليك كثيرا يا يوسف "
تمتم صخر بغيظ: " إنها ثالث مرة تقولينها.. فهمنا أنكِ أشتقتِ إليه "
تجاهله يوسف وهو يبتسم له بإغاظة قبل أن يلتفت إلى نبض قائلًا بحنان: " وأنا أيضا يا صغيرتي إشتقت إليكِ.. لماذا لم تخبريني أنكِ قادمة إلى العاصمة؟ "
ردت ببساطة: " أحببت أن أفاجئك "
إبتسم يوسف وهو يقول: " إنها أجمل مفاجأة حصلت عليها منذ سنوات طويلة "
غمغم صخر بخفوت مغتاظ وهو يجلس على إحدى الكراسي: " وآخرها بإذن المولى "
هتفت نبض بفرح: " هل علمت بهدية صخر التي سيقدمها لي بعد التخرج بإذن الله؟ "
رد يوسف بحنان: " نعم.. صخر أخبرني.. مبارك لكِ مقدما يا صغيرتي "
ابتسمت نبض وهي تقول: " بارك الله لي فيك أخي "
فجأة دخلت ريم التي علمت منذ قليل بحضور صخر لكنها بدت متفاجئة من وجود نبض
قالت بدلال رقيق وهي تقترب من صخر: " مرحبا صخر.. إشتقت إليك في اليومين الماضيين.. أين كنت؟ أقلقتنا عليك "
عبست نبض بشراسة وهي تنظر إلى يوسف بتساؤل صامت رد عليه الأخير بتأفف واستياء وهو يهز رأسه يأسا
أما صخر فرد ببرود: " أهلا دكتورة ريم "
تدخلت نبض فجأة تقول: " يمكنك توديعه دكتورة ريم بشكل كافي لأنه سيغيب عن المشفى لوقت طويلا على ما أظن وليس ليومين فقط "
رفعت ريم حاجبا ببرود وهي تنظر لها باستخفاف قائلة: " اه القطة الصغيرة هنا.. وأنا التي كنت أتساءل من أين أتت تلك الرائحة الغريبة عن رائحة المشفى المعتادة؟ "
عقدت نبض ساعديها أمام صدرها وهي تنظر لها بترفع قائلة: " حمدا لله أن فتح النافذة أتى بمفعول إيجابي فقد كانت الغرفة خانقة بشكل كبير (ثم إلتفتت تشير إلى النافذة وهي تكمل) انظري.. في الخارج الهواء طلق سبحان الله عكس ما في الداخل تماما "
جزت ريم على أسنانها بغيظ وهي تقول بإبتسامة سمجة: " لم تخبريني ماذا تفعلين هنا؟ هل تظنين أن المشفى مكانا مخصص للهو الأطفال؟ "
ابتسمت نبض ببراءة تغيظها: " بالطبع لا.. ولا حتى أظنها مكانا مخصصا لاصطياد عريس لأجل مستقبل مبهر فكما ترين.. (تقدمت من صخر تجلس على ذراع الكرسي الذي يجلس عليه وهي تكمل برقة) أنا حظيت على أوسم الشباب ومحال أن أفكر في سواه "
كتف يوسف ساعديه أمام صدره وهو يراقب المشهد بتسلية شديدة بينما نبض تقول بدلال رقيق: " ألن تخبرها حبيبي أننا سنسافر سويا لنقضي شهر عسلنا المؤجل لذلك ستضطر إلى التغيب عن الحضور إلى المشفى ربما لثلاثة أشهر كاملة؟ "
رفع صخر حاجبا متعجبا مما تقول بينما رد يوسف كاتما ضحكاته: " لم تخبريني بعد يا نبض.. أين ستقضيانه؟ "
نظرت إلى يوسف تتصنع التفكير وهي تقول: " اممم لم نحدد بعد.. لكني ليس لدي مشكلة مع أي بلد سيختارها صخر فأنا أثق بذوقه وهو بالتأكيد سيختار ما أحب.. أليس كذلك حبيبي؟ "
رد صخر برقة شديدة يجاريها: " بالطبع حبيبتي فما تحبينه له الأولوية عندي "
كادت ريم تبكي غيظا في تلك اللحظة فأنسحبت سريعا والحقد يحرق أحشائها على نبض وبمجرد أن خرجت هبت نبض من جلستها وهي تزفر بضيق وامتعاض قائلة: " أوف.. فتاة وقحة.. أنا لا أحبها "
إبتسم صخر بتهكم وهو يضع ساقا على الأخرى قائلا: " لماذا ابتعدتِ حبيبتي؟ هل إنتهت فقرة التباهي بتلك السرعة؟ "
رمقته نبض بحنق وهي ترد: " أظنك أحببت ما كانت تفعله تلك الفتاة "
اومأ صخر وهو يقول ببراءة زائفة: " جدا وخاصة ما دفعتكِ لفعله في المقابل.. أعجبني المشهد لكنكِ لم تخبريني بعد أي بلد تحبين أن نقضي فيها الثلاثة أشهر الموعودة؟ "
عبست نبض بغيظ وهي تتمتم من بين أسنانها: " لا تمزح صخر.. تعلم أنني لم أعني ما قلته حقا "
ضحك يوسف وهو يقول: " بدوتِ رائعة يا نبض.. قمتِ بدوركِ على أكمل وجه وكدت أصدق ما تقولين بالفعل "
ثم غمز إلى صخر وهو يضيف بمشاكسة: " محظوظ يا صديقي ستنال ثلاثة أشهر كلها عسل وليس واحدا فقط بالإضافة إلى أنها نادتك 'حبيبي' مرتين في دقيقة واحدة هل تصدق هذا؟ "
تأوه يوسف فجأة قبل أن ينفجر ضاحكا حينما قذفته نبض بعلبة السجائر الخاصة بصخر وهي تصيح بحنق: " أحترم نفسك يا يوسف وإلا سأجعله يقطعك ونرسلك إلى العمة فاطمة لتصنع منك صينية بطاطس باللحم المفروم "
رفع يوسف يديه باستسلام وهو لازال غارقا في موجة الضحك بينما صخر كان يرفع حاجبا شريرا وهو يقول بغضب مصطنع: " نعم أحترم نفسك يا يوسف ولا تزعج حبيبتي وإلا لا تلومن إلا نفسك "
صاحت بغيظ وهي تلكزه في كتفه: " وأنت الآخر أحترم نفسك.. أنا لست حبيبتك "
نظر صخر ليوسف بغيظ وكلاهما يكتمان ضحكاتهما بينما قالت نبض بعبوس: " أين عمي معتز؟ "
رد يوسف بهدوء: " قبل نصف ساعة غادر المشفى وذهب إلى عيادته الخاصة "
برمت شفتيها ببؤس وهي تقول: " هل يعني هذا أنني لن استطيع رؤيته قبل عودتي إلى المدينة "
إبتسم يوسف بحنان وهو يرد: " بلى صغيرتي تستطيعين رؤيته فلدي موعد معه بعد ساعة ويمكنني اصطحابكِ معي إلى هناك إن أردتِ "
قطبت نبض وهي تسأله: " موعد معه في عيادته! أي موعد هذا؟ "
ظهر الارتباك على يوسف وهو يتنحنح قليلا قبل أن يجيبها بمراوغة: " أحتاج إلى مناقشته في أمور تخص بعض الحالات التي أعالجها ولم أحظى بفرصة لسؤاله في المشفى لذلك سأزوره في عيادته "
رفعت حاجبيها تسأله بحيرة: " أنت طبيب أطفال وعمي معتز طبيب مختص في العلاج النفسي فأي أمور تلك التي تربط بين مرضاك وتخصصه؟ "
شعر يوسف بأنه تورط ولا يستطيع إيجاد منفذ ليتخلص من سؤال نبض فنظر إلى صخر يطلب منه التدخل فلم يتأخر الأخير في الإجابة عن طلبه وإنقاذه وهو يقول بهدوء: " يوسف يعالج حالة خاصة تمر بظروف صعبة وتلك الحالة يهتم كثيرا لأمرها لذلك أراد أن يساعدها عن طريق مُعالج نفسي حتى تتخطى تلك الأزمة التي تمر بها ولم يجد أفضل من أبي ليطلب منه النصح "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي تقول: " كيف حالة واحدة وهو قال بعض الحالات؟ "
زفر صخر بغيظ وهو يهب من جلسته قائلا: " هل يجب أن تدققي في كل كلمة ننطقها بهذا الشكل؟ "
عبست دون أن ترد عليه فدفعها بلطف للخارج وهو يقول: " هيا سأقلكِ بنفسي إلى عيادة أبي حتى تقابليه وننتهي "
بمجرد أن خرجت نبض إلتفت صخر إلى يوسف متمتما بغيظ: " ماذا كنتم تطعمونها لتكون بكل هذا الذكاء وقوة الملاحظة؟ بدأت أخاف على نفسي من الخطأ بكلمة أمامها "
ضحك يوسف براحة وهو يرد: " إذن لا تنس أبدًا أن تفلتر حديثك وأفكارك أولاً بأول قبل أن تنطق به ومن فضلك أخبر عمي معتز أنني سأمر عليه في المساء فأنا لا أريد أن تراني نبض هناك يكفي ما حدث الآن.. كدت أفضح نفسي بنفسي أمامها "
اومأ صخر برأسه بهزة خفيفة قبل أن يخرج لاحقا بها وهو يقول ببساطة: " سأفعل "
***

في المساء / بعيادة معتز
كان يقاوم شعور اللهفة الذي ينمو بداخله كل يوم أكثر من سابقه لكي يسمع صوت والديه ويتنعم بفيض الحنان في نبرتهما العذبة
كان في أمس الحاجة لذلك ، يجبر نفسه على التعافي بسرعة من تلك الحالة النفسية المضطربة السيئة التي أصابته منذ ذاك الحادث الأليم حتى يعود لأحضان أمه التي اشتاقها حد الجنون، لكن مقاومته لم تصمد طويلاً أمام إلحاح عقله على سماع ذلك التسجيل الذي سلمه إياه الدكتور مختار
انتظر حتى حل المساء وعلم أن الدكتور مختار غادر المستشفى لسبب ما ثم هرع إلى الحاسوب المحمول الذي احضره له مختار ليسلي نفسه به وخلال لحظات كان ينظر بابتسامة واسعة إلى شاشة الحاسوب في انتظار صورة والده أن تظهر لكن ذلك لم يحدث
فقط وبعد لحظات صدح صوت والده يقول:
*أتمنى أن تكون بخير ولدي الغالي، وأدعو الله لكَ بالسلامة في كل وقت*
قطب بترقب وشيء في نبرة صوت والده تخبره أن القادم لن يسره وبالفعل تحدث والده بصوت حزين يقول:
*هناك الكثير من الأمور حدثت بخلاف موت عميك لقد... لقد فقدنا أمك يا بني*
صاح هو بصدمة: " ماذا؟ "
لكن بالطبع والده لم يسمعه أو يجيبه خلال هذا التسجيل بينما يتابع حديثه:
*حينما رأت زيد وثيابه مغطاة بالدماء وهو يصرخ باكياً بأنهم قتلوك لم تحتمل الصدمة وخرت في الحال صريعة الخبر ظننا... (تقطع صوت والده وهو يجهش في البكاء بدون تحفظ بينما يكمل) ظننا أنها مغشيا عليها فقط من الصدمة لكن... لكن الطبيب أكد بعد مجيئه أن... أنها ماتت إزاء سكتة قلبية في الحال دون أن يحتمل قلبها هول الصدمة فكما تعلم هي كانت مريضة بالقلب*
صرخ بأنفاس متقطعة: " م... ماذا؟ أمي.. حبيبتي رحلت.. هذا مستحيل أمي حية.. أمي... "
عاد صوت والده المسجل يقاطعه وهو يردف:
*الحمد لله أن ذلك القاتل أخطئ في توجيه الرصاصة وإلا لكانت اخترقت قلب الصبي الذي فداك وأودت بحياته كما قال دكتور مختار*
انهمرت عبراته بحرقة على أمه وهو يستمع إلى صوت والده يدلي بالمزيد بصوت يقطر قهرًا ووجعا:
*جدك وعمك خالد لن يتركوهم يفلتون بفعلتهم أبداً حقك لن يذهب هباءً بني*
ضرب بقبضته على الفراش وهو يصرخ: " حقي! أي حق هذا؟ أمي ماتت بسببي.. أنا من قتلها، أنا الجاني، أنا القاتل.. يا ويلي في فراقك يا أمي.. يا ويلي! "
كان يبكي بحرقة بينما صوت والده ينساب عبر الأثير مضيفاً المزيد دون أن يستمع له أو يجد القدرة على الإنصات له حتى سمع والده فجأة يقول:
*عليك بطاعة عمك مختار فيما يأمرك به بني.. لا تجادله فهو يعلم الصالح لك ومنذ اليوم سيكون هو المسؤول عنكَ وستكون أنتَ تحت رعايته.. أنا أثق به تمام الثقة فامنحه ثقتك أنتَ الآخر دون خوف فهو جديراً بها*
قطب من بين بكائها يقول: " مسؤولا عني! لماذا أبي؟ أنا مسؤول منكَ أنتَ أنا... "
عاد صوت والده يصدح من جديد:
*سوف يصلك كل ما تحتاج إليه بني أولاً بأول عن طريق عمك مختار.. لن ينقصك شيء ولن تكن بحاجة لأي شيء في بيته لكن... (ران صمت طويل وهو يحدق في شاشة الحاسوب المظلمة كمن ينتظر إصدار الحكم عليه بالإعدام والذي تمثل في قول والده) لا يمكنك بني العودة إلينا في الوقت الحالي ربما... ربما بعد فترة تكون الأوضاع هنا استقرت وهدأت*
فتح فمه ليجادل لكن صوت زيد الذي صدح برجاء باك استوقفه:
*لا تعد يا أخي.. أبتعد قدر ما استطعت عن هنا.. لن يرحموك إن علموا بنجاتك.. أرجوك لا تعد.. أبي قال أنكَ ستكون في أمان مع العم مختار فأبقى معه أرجوك*
فغر فاهه مصدوما، يشعر بالغدر من أقرب الناس إليه.. لا أحد يريده، الجميع فجأة تخلو عنه وسلموه لآخر يكفله
لكن ما ذنبه؟ هو لم يتمن حدوث ذلك الحادث اللعين التي قلب موازين حياته
من أين يطالبونه بمنح مختار ثقته وقد بدأ يفقد ثقته فيهم؟
تأوه بألم لا يعلم أهو في قلبه أم في روحه؟
لا يعلم أهو ألم الخذلان والغدر أم هو مجرد ألم نفسي عادي كالذي يمر به منذ فترة؟
أراد الصراخ فيهم واخبارهم أنه لا يحتاج أموالهم ولا ثروتهم، أراد ضربهم جميعاً لعل الألم في صدره يهدأ ويستكين
بإندفاع كان يسحب هاتفه المحمول ويضرب بعنف رقم والده الذي يحفظه عن ظهر غيب حينما أتاه صوت والده بنبرة كئيبة متحسرة يقطع عليه محاولته وكأنه يفهم ما قد يدور بخلده حينما يستمع إلى ذاك التسجيل:
*ولا تحاول بني أن تهاتفني فلا يعلم أحد سوا الله ما تنوى تلك الشياطين فعله فقد يكونوا يراقبون هواتفنا فلا شيء مستبعد عنهم وأنا أخشى أن ينكشف أمرك عندهم.. أرجوك بني لا تفعل هذا حتى لا تفسد كل ما عانيناه لإخفائك عنهم وتأكيد خبر موتك حتى نبعد عنك الأنظار*
شهق بفزع من وقع الكلمة وهو يرددها: " موتي يا أبي.. أكدت خبر موتي وأنا لازلت على قيد الحياة "
عاد صوت والده يضيف بنفس النبرة:
*لقد اخفينا حقيقة ما يحدث الآن سوا عن أشخاص قلائل حتى نضمن سلامتك وعدم إفشاء أحد للسر*
انتظر بصبر أن يخبره أن عائلته وحدها من تعلم بنجاته.. على الأقل عائلته تعلم وسنحاول بطريقة أو بأخرى من التواصل معه و.. لكن والده صدمه بقوله:
*فقط جدك عبد الرحمن وجدك صالح وعميك خالد ومختار من يعلمون بما حدث معك وبالطبع العمة فاطمة إذ لم نستطع إخفاء الأمر عنها حتى لا نضيف المزيد من المرار على مصابها بفقد أمك*
اتسعت عينيه هلعا مما فهمه، هو ميت في نظر الجميع حتى أغلب أفراد عائلته لا يعلمون عنه شيء!
أصبح في انظارهم لمحة من الماضي، لا أكثر من ذلك ولا أقل
ترى ماذا فعل ياسين حين علم بأن ابن عمه الذي كان يدافع عنه أمام سخرية بقية أبناء عمومتهم قد مات؟
وماذا فعل عاصم؟ هل سينسى أنه كان المفضل لديه أكثر من أخيه حمزة حتى؟
وماذا عن حمزة؟
هل تقبل قاسم الأمر واستكان؟ هل سينساه قاسم الذي دوما كان يقف إلى جواره يدعمه ويسانده؟
تخاذلت يده عن حمل الهاتف فسقط على الأرض محدثاً ضجيجا عالياً بينما جسده كله يسقط في هوة سحيقة من انعدام الشعور والكره الأسود
وبعد لحظات كان يزيح الحاسوب عن الفراش بعنف حتى اصطدم بالحائط المقابل ليسقط مهشما ويسكت الصوت، تلاه صوت زمجره شرسة منه وكأنه ذئب جريح يعوي في جنح الليل ووسط الظلام
كان صوته أكثر من كافياً ليندفع إلى غرفته عدد لا بأس به من الأطباء والممرضين وهم يناظرون حالته الغريبة بقلق وحذر حتى استل أحدهم هاتفه بتوتر وهاتف دكتور مختار يخبره بالوضع لكن وقبل أن يحضر مختار كان يوسف قد سقط في بئر سحيق من فقدان الوعي بئر اخمد ببرودته الموحشة نيرانه المشتعلة قليلاً ولكنه لم يقض عليها للأبد

توقف يوسف عن سرد ذكرياته للحظات بأنفاس لاهثة وصدره يرتفع ويهبط بإنفعال مكتوم وكالعادة يراقب معتز كل شاردة وواردة تصدر منه دون أن يحاول مقاطعته أو حثه على الكلام حتى يدلي بما لديه بالكامل
هو ليس طبيبه وإنما ببساطة شخص أ أتمنه يوسف على جزء منه.. على ذكريات ماضيه وأول الخيوط في طريق حريته ومستقبله.
لازال يتذكر المرة الأولى التي أتاه يوسف يطلب منه تخصيص حيز من وقته فقط لسماعه دون الحكم عليه.. دون تحليل ما يقول ورغم ذلك تحول اصغاء معتز بعد المرة الأولى لجلسته مع يوسف إلى مناقشة طلبها الأخير بنفسه وكأنه يتحاور في أمر لا يخصه هو وإنما يخص شخص آخر من الماضي.
يوسف كان بحاجة لشخص يمتلك القدرة على الإصغاء والفهم.. كان بحاجة لشخص إن بكى أمامه أو صرخ لا يضطر إلى تقديم شرح وافي لذلك بل يتفهمه الآخر بصمت وهذا ما أجاد معتز فعله بفضل مهنته.
أما معتز فكان بحاجة لسماع يوسف حتى يتمكن من مساعدته كما يفعل مختار مع صخر فيكون بهذا قد رد ولو جزء صغير من أفضال صديقه عليه.
تكلم يوسف بعد لحظات بصوت مختنق تائه: " حينما استيقظت بعد مدة لا أعلم قدرها شعرت بأني لست أنا وكأن روحي انسلخت عن جسدي رغما عني.. شعرت بأن... بأنني مخدوع في أقرب المقربين إليّ.. شعرت بأنني بت منبوذا عن عالمهم، نكرة في حياتهم "
أطرق رأسه بذل قبل أن يتابع: " أتعلم عماه شعرت لحظتها بشعور طفل كان يترقب اقتراب أمه منه حتى تغمره في حضنها وتحتويه لكنها صدمته بصفعة لم يتوقعها على سبب لم يكن له دخل فيه، وخطأ لم يكن من صنعه "
بدأت دموعه تنساب من عينيه مدرارا وهو يضيف بصوت بائس: " شعرت بأن الكل تخلى عني، خذلني.. شعرت بأن دنياي أظلمت أمامي وأوصدت أبوابها في وجهي "
شهق كطفل صغير في بكائه وهو لا يشعر بنفسه بينما يتمتم بقهر: " ظللت أفكر بيني وبين نفسي لوقت طويل عن خطأ فعلته أو ذنب اقترفته ليكون هذا عقابي لكني لم أجد.. لم أحصل على جواب يشفي غليلي ويطفئ نار حرقتي ولوعتي على فراقهم "
ضرب فجأة بقبضتيه على السرير من جانبيه وهو يصرخ بحدة: " بالله عليك أخبرني ما كان ذنبي؟ ما هي جريمتي التي استحققت عليها أن ينفوني بعيدا عنهم؟ "
رد معتز بعقلانية يقول: " لماذا تنظر إلى الأمر من تلك الناحية المظلمة؟ عليك أن تفكر فيه من وجهة أخرى "
سأل يوسف بصوت مختنق متحير: " أي وجهة تقصد؟ "
شبك معتز أصابع كفيه وهو يستند بمرفقيه على سطح المكتب بينما أسند ذقنه على كفيه المعقودين وهو يرد بهدوء: " في كل مرة تصف الأمر بطريقة سيئة.. تذكر سلبياته فقط وترى أنهم خدعوك، خذلوك، ونفوك بعيدا عن عالمهم وحياتهم.. ترى أنهم اخطؤوا في هذا لكنك ولا مرة فكرت في إيجابيات ما فعلوه وما حدث بناءً على ذلك "
طالعه يوسف بإهتمام مقطبا حاجبيه فتابع معتز بهدوء وحذر: " ألا ترى أنهم نفوك عن عالمهم لحين ولو كان غير معلوم الأجل لكنهم لم ينفوك عنهم للأبد فقد أخبرتني أن والدك قال لك أنك يجب أن تبتعد قليلا حتى تهدأ الأمور وتستقر الأوضاع؟ "
رد يوسف بغضب: " فعلا أخبرني أن عليّ الإبتعاد قليلا لكنه على ما يبدو نساني نهائيا ومحاني من قاموسه.. إنه حتى لم يطلب رؤيتي لمرة ولم يهاتفني أبداً منذ ذلك الحادث.. عشر سنوات كاملة مرت وأنا لا أعلم عنهم أي شيء حتى بدأت أنسى أصلي وهويتي الحقيقية "
رد معتز باستفزاز بارد: " أنت كاذب "
فغر فاهه ببلاهة وهو يردد: " كاذب! "
اومأ معتز مؤكدا وهو يقول: " تقول أنك لا تعلم عنهم أي شيء لكن صخر يبلغك بأخبارهم أولا بأول.. لديك كل المستجدات التي تطرأ في حياتهم جميعا.. تشهد على كل اللحظات التي يمرون بها ولو من خلف الكواليس لكنك موجود بينهم وإن لم يكن وجودك بينهم أمر ملموس "
صاح يوسف بانفعال: " لكني لا أريد هذا.. أنا أريد إستعادة حياتي القديمة.. أريد استعادة هويتي وكياني، أريد أن استعيد شعوري بعائلتي.. لا أريد أن أكون خلف الكواليس أريد أن أكون تحت الأضواء، أريد إستعادة ذاتي التي فقدتها منذ عشر سنوات "
كبح معتز لجامعة لسانه الذي كان يلح عليه بأن يصرخ 'أنت محظوظ فغيرك لا يعرف سبيلاً لكيانه وذاته ورضا مجبرا على التخفي في الظلام دون أن يحظى حتى بالمشاهدة خلف الكواليس'
كلمات لو خرجت منه لسببت الف مشكلة ومشكلة ولفعلت الأعاجيب.
رفع معتز حاجبا وهو يسأله بلامبالاة مقصودة: " وما الذي يمنعك من إستعادة ما تريد؟ "
أطرق يوسف رأسه وهو يزدرد ريقه بيأس قبل أن يجيب بإحباط شديد: " لا أريد أن أفسد عليهم حيواتهم.. أخشى أن تحدث عودتي انقلابا غير محمود العواقب.. نعم أريد العودة لكنني أرفض التسبب لهم في المشاكل.. لا أقبل لهم التصارع بعد هدوء وسكينة ظللت على أرواحهم.. أخشى أن تكون عودتي بداية لعودة نيران الثأر اللعين من جديد "
سأله معتز بترقب: " إذن قررت الإستسلام للأمر الواقع والرضا عن منفاك الأبدي "
تنهد يوسف بإرهاق وهو يرد: " لا أعلم.. بت لا أفهم نفسي وأشعر دومًا بالضياع "
وعلى الحائط المجاور للباب المغلق كانت قبضة صخر تنفجر هناك وهو يضرب على الحائط بوحشية بينما يغمغم بخفوت غير مسموع: " ومن منا ليس بضائع؟ من منا عالم بدواخل نفسه وضامن لتقلباتها الغادرة؟ من منا مطمئن البال؟ "
كان يلهث بعنف وهو يستمع أخيرًا الى السكون الذي ساد في الغرفة بعدما سكت يوسف فغمغم هو بقهر وبؤس شديد: " يبدو أن القدر أصدر كلمته بأن حرقة القلب من نصيبنا دون الاخرين.. يا ابن العم.. رُحماك يارب، رُحماك وإلا هلكنا "
***

منتصف الليل / في فيلا الجياد
كانت تدور حول نفسها بغيظ وهي تطلب رقمه للمرة العاشرة دون أن يصلها أي رد منه
صرخت بغضب وهي ترمي الهاتف فاصطدم بالحائط المقابل لها وسقط على الأرض مهشما في تلك اللحظة طرق صخر على الباب فردت بحنق: " لا أريد رؤية أحد "
فتح الباب دون أن يبالي بأمرها وبنظرة واحدة للهاتف المكسور علم سبب غضبها
أغلق الباب خلفه ببساطة وهو يتقدم منها بهدوء عكس ما تثور به نفسه حتى وقف أمامها واضعا كفيه في جيبي بنطاله قائلا ببرود: " كل ما تفعلينه لن يفيد يا نغم.. سبق ونبهت عليكِ ألا تحاولي الإقتراب منه "
صرخت في وجهه بحدة: " وما دخلك أنت؟ أهتم بشئونك واتركني في حالي "
قطب بلامبالاة وهو يرد: " لا أستطيع.. فمن تحاولين تدميره يكون صديقي ومن واجبي أن أحميه منكِ "
كان صدرها يعلو ويهبط وهي تتنفس بسرعة بينما ترد بوقاحة غاضبة: " لن تستطيع منعي.. أنا أريده وما أريده أناله ولو بالقوة "
جز على أسنانه يمنع نفسه بصعوبة عن صفعها على وقاحتها أمامه بينما يرد بنفس البرود واللامبالاة المصطنعة: " لن ينفع الأمر هذه المرة.. يوسف ليس دمية أعجبتكِ وقررتِ شرائها "
ابتسمت ببرود وهي ترد بوقاحة أكبر: " بلى هو دمية أعجبتني وسأشتريها يا صخر.. سيكون لي بأي طريقة وبأي ثمن "
أغمض صخر عينيه وهو يقول بصوت قاتم: " لن تحصلي عليه أبداً يا نغم.. محال أن تتقاطع بكما الطرق "
ردت بصوت حاد ونبرتها يغلفها التهكم: " ولماذا تظنه مُحالاً إن كنت أنتَ يا أخي رغم كل ظلامك وجحيمك حظيت بالسلطانة الرقيقة الملائكية.. فلما تضني عليّ بأن أحظى بالقليل مما حظيت أنتَ به؟ "
تابع حديثه وكأنها لم تتكلم وقد بدت نبرة صوته أكثر قتامة وجمودا: " حتى لو أحبك يوسف وأرادك لن يستطيع أن يطلبكِ للزواج وفرضا لو أقدم على تلك الخطوة ستظهر له عقبة أخرى تعيق ذلك.. عقبة أكبر ستمنعه رغما عنه من الزواج بكِ "
فتح عينيه يطالعها بنظرة غامضة مخيفة وهو يقول محدقا في عينيها: " هل تعلمين ما هي تلك العقبة؟ "
عبست بشدة بينما تابع هو بحرقة نضحت بها نبرته وهو يضرب بيده على صدره بقوة: " أنا تلك العقبة يا نغم.. بسببي أنا لن تجتمعي مع يوسف أبداً.. لن تقبل عائلته بكِ لأنك أختي أنا.. لأنني... لأنني ابن ليال الوالي المرأة المنبوذة لديهم وأنا مثلها منبوذ بل سراب بالنسبة لهم "
أشاح بوجهه عنها وهو يكمل بصوت مختنق غاضب: " أنا تلك العقبة التي لن يستطيع يوسف تخطيها لأجل الوصول إليكِ.. لو كان اختفائي سينفعكِ كنت رحلت بعيدا لكن حتى موتي لن يفيدكِ في شيء.. ستظل الصلة التي تربطكِ بي نقطة سوداء في حياتكِ "
وضعت كفها على وجنته تعيد وجهه إليها لينظر إليها وهي تقول بحيرة: " ما دخل عائلة يوسف بك وبأمي؟ أنا لا أفهم "
رد بصوت جامد: " هناك أمرا يجمع بيني وبين يوسف.. أمرا لا تعلمينه ولن تعرفيه حتى يحين الوقت المناسب لذلك وهذا الأمر هو ما يجعلك مرفوضة بالنسبة لعائلته "
صاحت نغم بنفاذ صبر وعصبية: " ما هذه الألغاز أنا لا أفهم شيء؟ عن أي عائلة تتحدث؟ عمي مختار كان يحبني وهو صديق أبي و... "
قاطعها صخر صارخا بإنفعال: " كل هذا لا قيمة له.. يوسف ليس ابن الدكتور مختار زين الدين "
ردت نغم بتلقائية: " أعرف.. لكن يوسف من نفس العائلة وعمي مختار رحمه الله لم يظهر لي يوما أي رفض أو... "
قاطعها من جديد وهو يقول بصوت قاتم: " هناك ما لا تعرفينه بخصوص يوسف يا نغم.. لست وحدي من يملك أسرارا تخص هويته وأصله "
رفعت نغم حاجبا ببرود وهي تقول بعزم: " إذن سأسأله وأعلم منه ذاك السر لكي أفهم السبب الذي سيجعل عائلته ترفضني "
جذبها صخر من ذراعها بقسوة وهو يهدر في وجهها بوحشية: " إياكِ يا نغم.. أقسم بالله إن فعلتيها لأقاطعنكِ العمر كله "
صرخت في المقابل: " إذن أخبرني أنت "
رد بقهر تملكه: " لا أستطيع.. الأمر صعب ومعقد "
ناظرته بضيق فقال بغموض: " لا تفعلي يا نغم لأجل يوسف ليس لأجلي أنا.. من الممكن أن تتسببي في قطيعة بين يوسف وعائلته إن أخبرهم عن رغبته في الزواج بكِ.. سيخيرونه بينهم وبينكِ ومن الظلم أن يختارك أنتِ ويحرم نفسه منهم "
هتفت نغم بحرقة: " وأنا.. ماذا عني؟ أليس من الظلم أن يختارهم هم ويتركني؟ "
ابتسم بمرارة وهو يقول: " سبق وفعلها عمه يا نغم.. العائلة أحق بأن يختارها.. أن يضحي بكِ أفضل بكثير من أن يضحي بالجميع لأجلك.. يوسف حُرِمَ منهم لوقت طويل اتركيه في حاله عساه يحظى بقربهم الذي يتمناه "
جحظت عيني نغم بإدراك متأخر وهي تقول: " ماذا تقول يا صخر؟ لماذا تربط بين يوسف وذاك الرجل الح... "
قاطعها بحدة وهو يصرخ: " نغم إياكِ والإساءة إليه "
صرخت في وجهه بحدة مماثلة: " بلى سأفعل.. أليس حقيرا، نذلا لا يستحق حتى لقب رجل بين الرجال... "
قاطعها بصفعة قوية أخرستها تماما، رافعا سبابته في وجهها وهو يهدر بوحشية: " الزمي حدودكِ يا نغم هذه المرة أكتفيت بصفعة واحدة ولا أعرف لاحقا ما قد أفعله بكِ.. لا تنس أن هذا الرجل يكون... "
سكت فجأة بعجز عن إتمام جملته فأبتسمت بغل وهي تنظر له بشماتة قائلة: " لماذا سكت؟ تابع حديثك.. أخبرني ماذا يكون لك هذا الرجل؟ "
أشاح بوجهه عنها وقد بدأت عيناه تلمعان بعبرات القهر والعجز فتابعت هي بكره: " هل أخبرت نبض عن أصلك الرفيع صخر بك؟ لم تخبرني بعد بأي هوية تزوجتها؟ "
بدأ صدره يعلو ويهبط ويتعالى تنفسه بحدة وهي تتابع بسخرية مهينة: " ااه بالطبع بهوية الدكتور العظيم صخر معتز الجياد فأنت على أي حال لا تملك هوية أخرى غير هذه.. يبدو أنني نسيت أنك فاقد لأصلك وهويتك الحقيقية وفاقد الشيء لا يعطيه بل لا يجرؤ حتى على التلفظ به "
أطرق رأسه بخزي من نفسه لأول مرة يفعلها أمام أحد
لأول مرة يشعر بأنه ذليل، عاجز لا قيمة له لتلك الدرجة التي جعلته نغم يشعر بها
لأول مرة يستطيع شخص أن يسدد له ضربة قاتلة كالتي سددتها له نغم
لأول مرة تهبط دمعة من عينه!
فغرت هي فاهها بصدمة وقد شلتها تلك الدمعة التي فرت من زاوية عينه جارية بسرعة وكأنها سعيدة بتحررها أخيرا من عقالها حتى سقطت على الأرض
لم يستطع رفع رأسه والتفوه بحرف واحد يدافع به عن نفسه
تراجع ببطء عدة خطوات للخلف قبل أن يستدير بحدة مندفعا للخارج بسرعة وكأن هناك من يطارده ويحاول هو الهرب منه
أما هي فقد هوت على فراشها بعدما خرج واجهشت في البكاء بحرقة وندم على ما فعلت
هناك ما انكسر بينهما وقد شعرت بهذا بعد فوات الأوان
وليت البكاء والندم بقادر على إصلاح ما انكسر!
***

في الصباح
أستيقظ من غفوته التي حظى بها بعد شروق الشمس على تربيته خفيفة على كتفه ليفتح عينيه ببطء مرفرفا برموشه الكحيلة الطويلة فيطالعه وجه يوسف الصبوح الباسم وهو يقول بمناكفة: " أستيقظ يا بك لست نزيلا في فندق أنت في المشفى "
فرك عينيه بحركة طفولية وهو يغمغم بصوت متحشرج من النوم: " كم الساعة الآن؟ "
رد يوسف: " السابعة "
فتأفف صخر بإحباط وهو يتمتم: " قبل نصف ساعة فقط غفوت ولم أنم دقيقة واحدة طيلة الليل.. حرام عليك يا يوسف "
كتم يوسف ضحكته وهو يقول بضيق مصطنع: " كنت ترتع طوال الليل هنا وهناك يا بك وتأتي في الصباح لتقلب حال المشفى إلى فندق لكي تنام.. ما هذا الاستهتار؟ "
رفع صخر حاجبا وهو يقول بلامبالاة: " أرتع! ليته كان نمطي في الحياة لكنت حينها أريتكم العجب العجاب لكنني للأسف لست من هذا النوع.. والآن أخبرني من سلطك عليّ؟ "
أولاه يوسف ظهره وهو يقترب من النافذة قائلا بمراوغة: " لا أحد.. أنا من قلقت من وجودك هنا اليوم وقد أخبرتني مساء الأمس أنك ستذهب لزيارة نبض ولن تأتي إلى المشفى "
تنهد صخر وهو يرد: " اه فعلا.. يبدو أنني نسيت ذلك ولم اتذكر سوا الآن "
ابتسم يوسف حينما صرف انتباه صخر عن سؤاله الأول فهو بالطبع لن يخبره بأن نغم هي من هاتفته منذ ساعة لتخبره بأن صخر ترك البيت بالأمس غاضبا بعدما تشاجرا على أمر ما وأنها لا تريده أن يعلم بأنها كلمته من الأساس لكنها تريد الإطمئنان عليه
كم يتمنى يوسف لو يشكر صخر لأنه تشاجر معها بل ويطلب منه أن يكرر ذلك مرارا حتى تضطر نغم إلى مهاتفته!
سعيد بتلك النبرة المستجدية التي كلمته بها نغم وكأنها تضع فيه كل آمالها وترى فيه منفذ لكل مشاكلها
نهض صخر من مكانه وهو يحدث نفسه: " أحتاج إلى حمام بارد حالا لينعشني قليلا بعد أحداث ليلة الأمس الكارثية "
بمجرد أن أستقام على قدميه تذكر حالة الإنهيار والبؤس التي كان عليها يوسف في الأمس أثناء جلسته الخاصة في عيادة والده فاقترب منه بهدوء يسأله بإهتمام: " هل أنت بخير يوسف؟ "
إلتفت له يوسف مقطبا وهو يرد: " في فضل ونعمة من الله.. لماذا تسأل؟ "
حرك صخر كتفيه بخفة وهو يقول: " أشعر بأني مقصر معك تلك الفترة خاصة بعد وفاة عمي مختار والعمة مريم رحمهما الله وما تلا ذلك من أحداث متداخلة "
استدار يوسف بجسده كله وهو ينظر إلى صخر قائلا بصدق ومحبة خاصة: " والله يا صخر لا أظن أخي أبن أمي وأبي كان ليفعل ما فعلته أنت ولازلت تفعله لأجلي.. أنت يا صخر بطلي الخاص، حارسي، وحصني.. حماك وحفظك لي رب الملكوت والعباد "
أطرق صخر رأسه وهو يبتسم بحرج قائلا: " كم مرة أخبرتك أنني أعتبرك أخي بالفعل وما أفعله لأجلك أبسط مما تستحقه يا يوسف "
ناكفه يوسف بود وهو يقول: " أعلم ولكني غليظ أحب احراجك لكي يحمر وجهك.. أين أنتِ يا نبض لترى زوجكِ العزيز وهو يحمر خجلا حينما يمتدحه أحد؟ "
صاح صخر بغيظ وهو يلكزه في كتفه: " تبا لك "
قطب يوسف حاجبيه وهو ينظر إلى صخر بحزم مصطنع بينما يلوح بسبابته في وجهه وهو يقول مقلدا صخر في طريقة تأنيبه الساخر: " لا.. لا تقل هذا الكلام يا ابني فهذا عيب.. أخلاقك أصبحت متدنية جدا تلك الفترة يا صخر وهذا خطأ ولا يصح "
عبس صخر بغيظ شديد وهو يقبض على مقدمة قميصه متمتما من بين أسنانه بشر: " أخلاقي متدنية أليس كذلك؟ "
اومأ يوسف برأسه كاتما ضحكاته وهو يرد: " قليلا يا صخر.. صدقني قليلا فقط "
رفع صخر حاجبا شريرا وهو يتمتم: " سأريك إذن نبذة صغيرة عنها حينما تصبح متدنية بالكامل؟ "
ظلا يتمازحان بخشونة وهما يضحكان ببهجة يفتقدها كلا منهما في حياته الخاصة حتى رن هاتف صخر فجأة...
***

في نفس التوقيت / في دار الجبالي
قدمت الخادمة القهوة لآدم وهي تخبره بأن السيد قاسم سيوافيه حالا هو والسيد زيد ثم خرجت
تناول آدم فنجان القهوة وبدأ يرتشف منها على مهل وهو يفكر في أمر ما حتى دخل قاسم بعد لحظات قليلة يقول بهدوء: " السلام عليك آدم "
نهض آدم من مكانه واضعا فنجان القهوة على المنضدة من أمامه قبل أن يبتسم بود وهو يستقبل عناق قاسم له وهو يردف: " حمدا لله على سلامتك يا ابن العم "
رد آدم بود وهو يربت على ظهره: " سلمك الله يا قاسم "
بعدها استسلم لعناق زيد والذي رحب به بنفس الود وهو يقول: " عادت دار الجبالي لتنير بوجودك من جديد يا آدم "
رد آدم باسما: " الدار مُنارة بأصحابها يا زيد "
جلسوا ثلاثتهم ليسأل آدم بإهتمام: " أين البقية؟ اليوم الجمعة "
إبتسم زيد وهو يقول: " ألازلت تذكر أن يوم الجمعة إجازة رسمية لدينا من أي عمل؟ "
رد آدم بهدوء: " بالطبع.. إنه يوم التجمع العائلي "
تنهد قاسم وهو يقول: " ياسين في الحديقة الخلفية وسيحضر بعد قليل أما عاصم فقد خرج منذ ساعة بصحبة حلا ولا أعلم متى سيعودان، حمزة لن يستيقظ قبل موعد الصلاة فقد عاد قرابة الفجر من العاصمة "
اومأ آدم بتفهم وهو يقول: " وبالطبع فتيات العائلة تحتلن المطبخ "
رد زيد ببسمة ماكرة: " يبدو أنهن في إجازة اليوم من المطبخ.. الكل منشغل بابنة الدكتور مختار رحمه الله فقد حضرت قبل ساعتين تقريبا مع العمة فاطمة "
ارتفع حاجبي آدم بذهول وهو يقول: " تقصد نبض! لكن ماذا تفعل هنا؟ "
رد زيد بتلقائية: " لقد حضرت لتبارك لزهراء بمناسبة زواجها وأظن هذه لن تكن زيارتها الأخيرة لنا بعدما انتقلت للعيش مع العمة فاطمة "
اتسعت عيني آدم بصدمة وهو يقول: " ماذا؟ كيف هذا وهي إمرأة متزوجة؟ "
قطب زيد بعدم فهم وهو يسأله: " يبدو أن الأمر اختلط عليك يا آدم.. أنا أتكلم عن ابنة الدكتور مختار زين الدين رحمه الله "
رد آدم بحنق: " وهل تظنني أحمق؟ أنا أعرف أنك تتكلم عن ابنة الدكتور مختار زين الدين وأنا أيضا أتكلم عنها أليست تدعى نبض؟ "
اومأ زيد إيجابا بينما تكلم قاسم بهدوء يقول: " لقد جلست مع جدي وعمي سليم وتحدثت إليهما كثيرا ولم تذكر أي شيء يشير إلى أنها متزوجة "
تأفف آدم بحيرة وهو يقول: " بلى هي متزوجة يا قاسم.. أنا واثق مما أقول "
أخرج هاتفه على عجلة من أمره وبحث عن رقم ما ثم ضغط زر الإتصال وانتظر بصبر ليأتيه الرد بعد لحظة: " السلام عليك آدم.. كيف حالك؟ "
رد آدم بنزق: " أليست نبض زين الدين زوجتك؟ "
رد صخر بصوت متحير: " أنا لا أفهم.. هل تشكك في الأمر؟ لقد سبق واخبرتك بذلك "
زفر آدم وهو يقول: " أنا لا اشكك في كلامك بالطبع ولكن هل يمكنك أن تخبرني حالا لماذا تعيش زوجتك في بيت العمة فاطمة؟ "
رد صخر بإقتضاب: " من أخبرك؟ "
تنهد آدم بحنق وهو يقول: " أنا في دار الجبالي الآن وزوجتك هنا أيضا "
صرخ صخر بحدة: " ماذا تقول؟ هل أنت واثق أنها هناك؟ "
قطب آدم وهو يرد: " نعم واثق "
تكلم صخر بنبرة لا تنم على خير: " سأعاود الإتصال بك بعد قليل.. سلام "
نظر آدم إلى هاتفه بتعجب وهو يتمتم: " ما به هذا؟ "
سأله زيد بحيرة: " هلا وضحت لنا الأمر يا آدم؟ مع من كنت تتكلم؟ "
قطب آدم وهو يرد بينما عقله يشرد في التفكير: " إنه صديق لي من العاصمة لن تعرفه وهو نفس الشخص الذي تكون ابنة الدكتور مختار رحمه الله زوجته "
***

كانت نبض منشغلة بالحديث مع ملك وزهراء حينما رن هاتفها فألتقطته تطالع شاشته التي تومض بإسم صخر للحظة قبل أن ترد: " السلام عليكم "
صرخ صخر دون سابق إنذار: " أين أنتِ يا نبض؟ "
ردت نبض بتلقائية: " خرجت مع عمتي فاطمة لدار الجبالي "
تكلم بصوت حاد: " بدون إذني "
قطبت بملل وهي تقول: " لماذا تصرخ الآن؟ ستصيب أذنيّ بالصمم "
صمت لحظة واحدة قبل أن يتكلم بهدوء ما قبل العاصفة: " من قابلتِ من رجال العائلة؟ "
تعجبت لسؤاله لكنها ردت بهدوء: " جدي عبد الرحمن وعمي سليم "
سأل بتأكيد: " فقط يا نبض؟ "
قطبت بحيرة وهي تقول: " نعم هاذان فقط "
قال بنفس الهدوء المخادع: " وماذا عن البقية؟ "
ردت بعفوية: " ملك أخبرتني أن الشباب سيتجمعون بعد صلاة الجمعة على مائدة الغداء وأيضًا عمي خالد سيكون حاضرا لأسلم عليه "
قال بأمر: " ستغادرين حالا "
عبست بعدم فهم تقول: " ماذا؟ "
صرخ بعصبية: " قلت ستغادرين تلك الدار حالا "
ردت نبض بعناد: " لن أفعل قبل أن أسلم على عمي خالد.. لقد أخبرت الجميع أنني سأنتظره "
فقد صخر كل صبره وهو يهتف بحدة: " قسما بالله يا نبض إن لم تغادري حالا لتعودين الليلة إلى العاصمة "
لم تشعر نبض بنفسها وهي تصرخ في المقابل: " أي بشر أنت؟ لقد مللت من تحكمك في كل ما يخصني "
رد ببرود سقيعي: " لقد أقسمت "
صاحت بتحدي: " لن أغادر "
كز على أسنانه وهو يقول بغضب مكبوت: " والله لن أحنث قسمي هذه المرة يا نبض فإما أن تعودي حالاً إلى بيت العمة فاطمة أو سأنفذ قسمي وتعودي الليلة إلى العاصمة "
كادت تصرخ فيه من القهر الذي تشعر به وقبل أن ترد دخلت فرح باسمة وهي تقول: " نبض أبي وصل وينتظركِ في المجلس "
كان صوت فرح عاليا بقدر كافي يجعله يصل إلى صخر الذي كسر شيء ما وهو يصرخ بوحشية: " إن قابلتِ ذلك الرجل ستكونين الليلة في بيتي.. اختاري ما يعجبكِ يا نبض.. الأمر بين يديكِ "
أطرقت رأسها بقهر بعدما أغلق صخر الهاتف في وجهها وفرت دموعها بلا حول منها ولا قوة وهي تشعر بالانكسار والحرقة
كيف يعاملها بتلك الطريقة المهينة؟ بل كيف يتجبر عليها بتلك الطريقة المتسلطة؟
وماذا فعلت له لكي يفعل كل هذا؟
حتى خروجها من البيت دون إذنه لا يعطيه الحق بأن يهينها بهذه الطريقة
كانت ملك وزهراء تتناظران فيما بينهما بتعجب حتى ربتت الأخيرة على كتفها بحنان وهي تقول: " مع من كنت تتحدثين؟ "
ردت نبض بصوت مختنق: " مع شخص مغرور متعجرف يظن أنه يملك الكون "
دخلت العمة فاطمة في تلك اللحظة فراعها رؤية نبض باكية على هذا النحو
تقدمت منها بسرعة وهي تسألها بقلق: " ماذا حدث حبيبتي؟ هل هناك ما ازعجكِ؟ "
رفعت نبض رأسها وهي تشهق بحرقة قائلة: " ومن غيره "
عبست فاطمة وهي تقول بضيق: " ذلك الولد لن يلزم حده حتى يضربه أحد على رأسه الصلب بشيء حاد يعيد إليه رشده "
أطرقت نبض برأسها من جديد فسألتها فاطمة: " ماذا يريد؟ "
قبل أن ترد نبض سبقها صوت قوي لرجل وقور وهو يقول: " السلام عليكن "
رفعت نبض رأسها بهدوء تمسح عبراتها وهي تنظر إليه بصمت بعدما ردت السلام مع البقية
تقدم هو باسما بحنان وهو يقول: " لم أستطع الصبر أكثر حتى أرى ابنة الغالي رحمه الله "
نهضت نبض على الفور وقد نست كل شيء حدث قبل لحظة لتقول بأدب مستفسرة: " عمي خالد! "
اومأ خالد وهو يمد يده لها فتقدمت إليه على استحياء وهو يقول: " أهلا بالغالية ابنة الغالي.. سمحة الوجه كعمكِ ووالدكِ رحمهما الله "
ابتسمت بخجل وهو يميل مقبلا جبينها بينما يضيف بود: " جدكِ عبد الرحمن أمر بإعداد مأدبة ضخمة على شرف وجودكِ معنا اليوم "
شعت روحها بسعادة وهي تشعر بإهتمام هؤلاء الأشخاص بها منذ وطأت قدميها هذه الدار
إهتمام غير مشروط بدون سبب أو مقابل
إهتمام يعبر عن محبة وود كان من حسن حظها أن ورثتهما من بعد عمها ووالدها
ردت برقة وتهذيب: " وأنا يشرفني أن أتواجد معكم هنا عماه "
رفع خالد حاجبا وهو يقول بإعجاب: " ورثتِ عن والدكِ رحمه الله لباقة الحديث "
ابتسمت بخفر دون تعقيب فربت خالد على وجنتها بحنان وهو يقول: " إذن سنلتقي على مائدة الغداء بإذن الله "
فتحت فمها لترد عليه بتأكيد لكلامه لكنها بغتة تذكرت كلام صخر فشحب وجهها وهي تجد أن قسمه قد وقع بالفعل فقد قابلت خالد
انصرف خالد دون أن ينتبه لحالة نبض التي تغيرت في لحظة بينما قالت فاطمة بقلق: " ما بكِ يا نبض؟ "
رفعت نبض عينيها إلى السماء بقهر وهي تتمتم بإنكسار: " رُحماك يا ربي.. رُحماك "
***

في المساء
كانت تبكي بحرقة وهو يقف أمامها كالمارد لا يبالي بحالتها الضعيفة أو توسلاتها إليه
شهقت بعنف وهي تقول: " أرجوك يا صخر.. اتركني مع عمتي فاطمة.. أرجوك "
ظل على وقفته الجامدة أمامها، واضعا كفيه في جيبي بنطاله ببرود وهو يرد: " إن لم تبدئي بحزم حقيبتكِ حالا سآخذكِ بدونها بعد عشر دقائق لا أكثر "
صاحت بحرقة: " أنا لا أريد الذهاب معك إلى أي مكان.. هل ستجبرني؟ "
نظر لها ببرود قاس وهو يقول: " وإن اضطررت سأحملكِ للخارج أيضا.. مرت دقيقة وتبقت تسعة "
نظرت إلى فاطمة بقهر فقالت الأخيرة بضيق: " أرني كيف ستأخذها من بيتي عنوة؟ "
نظر لها بجمود وهو يقول: " لا تتدخلي عمتي إذا سمحتِ فأنا في أكثر حالاتي انعداما للتهذيب الآن ولن أبالي بأحد "
صرخت نبض بعصبية: " سأهاتف أخي "
رفع حاجبا بتهديد وهو يقول: " إياكِ يا نبض.. يوسف لن يعرف أنكِ ذهبتِ إلى هناك من الأساس "
قالت فاطمة بحنق وقد فهمت ما يرمي إليه ولم تعيه نبض: " يوسف لن يزعجه ذلك "
سألت نبض بحيرة: " ما دخل يوسف بهم هو الآخر؟ ألا يكفيني واحدا يبدو عدائيا تجاههم؟ "
نظر صخر إلى فاطمة بغموض فزفرت الأخيرة وهي ترد بمراوغة: " هو يقصد أن يوسف لن يعجبه أن تذهبي إلى هناك دون علم زوجكِ "
هتفت نبض ببؤس: " لقد حاولت أن اهاتفه أكثر من مرة ولم يجبني وأرسلت له بضعة رسائل ولم يرد على أي واحدة منها.. ماذا كان عساي أن أفعل أكثر من هذا؟ "
تمتم صخر بنفس البرود: " تبقت خمسة دقائق "
تعلقت نظرات نبض فجأة بالباب المفتوح والذي كانت هي أقرب له من صخر ولم تأخذ أكثر من لحظة تفكير وتركت لساقيها الرياح وهي تصرخ بتحدي: " لن أعود معك ولو كان الثمن روحي يا صخر "
كانت تركض ولا تعلم إلى أين ستذهب أو تختبئ منه لكن كل ما أرادته أن تبتعد عنه اللحظة قبل أن تكرهه
كان الظلام قد خيم في الخارج وكانت السماء مرصعة بالنجوم وكأنها لآلئ تلمع في عمق الظلام فتبدد بعضا منه
ظلت نبض تركض وتركض حتى شعرت بنفسها فجأة تصطدم بجسد صلب قوي تلقفها بين ذراعيه قبل أن تسقط أرضا من شدة ارتطامها به
شهقت بقوة حينها!
كانت شهقة ألم وليس خوف وقد تعرفت منذ الوهلة الأولى على صاحب البنية العضلية الذي اصطدمت به
كانت ذراعيه تلتفان حول خصرها بقسوة وتملك حد الألم لكنها شعرتها احتواء حد السكن
أو ربما أوهمت نفسها بذلك حتى تخفف القليل من الشعور البغيض الذي يقبض على روحها في تلك اللحظة بأنها ليست أكثر من دمية يتسلى بها
تمسكت بقميصه بشدة وهي تدفن وجهها في كتفه مجهشة في بكاء حار حارق ولسانها فقد القدرة على أي كلام عدا نطق إسمه باستجداء منه وإليه
استجداء اوجعه عليها لكنه لم يخفف من الغضب الذي يسيطر عليه منذ علم بما فعلته
تركها تبكي قدر ما تشاء دون أن يحاول أن يهدئها حتى فقد أنشغل بالتفكير في شيء يهدئه هو أولاً حتى لا ينفجر فيها منفثا غضبه وغيظه
بعد دقائق طويلة كانت تتمتم بخفوت متوجع مس قلبه وهي تحرك وجهها بنعومة في كتفه: " لا تجبرني على ما لا أريد يا صخر.. لأجل خاطري لا تفعل "
أغمض عينيه بقوة وهو يرفع أحد ذراعيه يضع يده على رأسها من الخلف يضغطها أكثر في كتفه وهو يميل مستندا بذقنه على مقدمة رأسها دون تعقيب
تكلمت هي بصوت مختنق من البكاء: " أنا لا أحب أن يجبرني أحد على شيء.. أشعر حينها بالاختناق وكأنني سجينة داخل قبو مظلم بارد.. أرجوك لا تحرمني من عمتي فاطمة إنها آخر من تبقى لي من عائلتي يا صخر "
تمتم بتنهيد حار: " لقد أقسمت عليكِ وأنتِ خالفتِ أمري "
شهقت باكية من جديد وهي ترد: " لم أتعمد ذلك.. عمي خالد دخل فجأة ولم يترك لي أي خيار في لقائه صدقني "
تمتم بصوت شارد: " أنا أصدقكِ يا نبض "
رفعت وجهها إليه فجأة تقول بأمل: " إذن ستتركني مع عمتي فاطمة أليس كذلك؟ "
هز رأسه سلبا وهو ينظر إلى عمق عينيها التي تتلألأ بالمزيد من الماسات التي تهدد بالهروب من عقالها في أي لحظة: " لن أحنث قسمي يا نبض ستعودين معي الليلة إلى العاصمة "
زمت شفتيها كاتمة شهقاتها المريرة وهي تعود لإخفاء وجهها في كتفه فقطب بألم وهو يقول بعد لحظة: " إن كان يرضيكِ فسأعيدكِ لها في الغد بنفسي لكن على شرط "
رفعت وجهها له بترقب ووجهها الجميل يشرق بالأمل فتابع هو مبهورا ببريق محجريها القاتمين: " ستكفين حالا عن البكاء "
اومأت بسرعة وهي تمسح عبراتها قائلة بوداعة محببة: " حاضر.. لن أبكي ماذا تريد أيضا؟ "
إبتسم برقة وهو يجيبها: " كان شرطا واحدا فحسب يا نبض.. ليس هناك المزيد يا صغيرتي "
سألته بتوتر: " هل سنذهب إلى شقة يوسف؟ "
قطب صخر وهو يسألها بتعجب: " منذ متى أصبحت شقة والديكِ رحمهما الله ليوسف؟ "
ردت ببراءة: " دوما كانت كذلك.. إنه أخي "
ضمها صخر إلى صدره بقوة وهو يتمتم بحنان: " يا إلهي ما أحلاكِ يا نبض وأرق قلبكِ! "
رمشت بخجل وهي تغمغم: " صخر.. اتركني "
شدد عليها بين ذراعيه وهو يتنهد بقوة هامسا: " أبداً لن أفعل "
***

ترجلت نبض من سيارته بعد بضعة ساعات قليلة وقد انتصف الليل
ما إن وطأت قدميها الأرض حتى فوجئت بشابين واقفين أمام السيارة التي توقفت للتو بمجرد أن عبرت البوابة الحديدية الضخمة
رمشت بإرتباك وهي تخفض بصرها للأرض في حياء متراجعة للخلف خطوة دون أن تشعر
بعد لحظة كان صخر يقف إلى جوارها محتويا كفها الناعم الصغير في قبضته القوية وهو يسير بثقة متقدما من الشابين
بادر أحدهما قائلا بتهذيب: " حمدا لله على سلامتكما يا باشا "
فرد صخر بهدوء: " شكرا سيف "
بينما إبتسم مصطفى يقول: " مرحبا يا هانم أنرتِ الفيلا والعاصمة كلها "
قطبت نبض قليلا وهي ترد بخجل دون أن ترفع رأسها: " وكأنك تبالغ قليلا يا سيد "
قطب مصطفى متصنعا عدم الفهم وهو يقول: " من سيد هذا؟ أنا إسمي مصطفى يا هانم "
ابتسمت نبض رغما عنها من خفة ظله وهي ترد ببساطة: " أعلم.. كان مجرد لقب كالذي لقبتني به "
تنهد مصطفى ببؤس مصطنع وهو يقول: " ومن أنا لتمنحيني أي لقب يا هانم؟ ما أنا إلا حارس مسكين "
كتمت نبض ضحكتها وهي تقول بجدية: " مستواك لا بأس به.. لما لا تحاول المشاركة في إحدى برامج إكتشاف المواهب؟ "
قطب مصطفى متصنعا التفكير وهو يقول: " برأيكِ هل هناك أمل؟ "
اومأت نبض وهي ترد بعفوية: " نعم بالطبع.. أنت موهوب "
ضحك مصطفى وهو يقول: " حسنا سأفكر في الأمر وأعدكِ إن نجحت لن أنسى ذكر إسمكِ كونكِ ملهمتي وصاحبة الفكرة "
زمجر صخر بغيظ وهو يسحبها بخشونة متمتما بشراسة: " حسابك معي يا مصطفى "
قطب مصطفى ببراءة يقول: " ماذا فعلت يا باشا؟ "
غمغم صخر بضيق: " الكثير.. فعلت الكثير أيها الأحمق "
كانت نبض تجاريه في خطواته السريعة الواسعة بصعوبة وهي تكاد تهرول خلفه بينما كانت تتكلم بعفوية: " إنه خفيف الظل "
تمتم صخر بالاستغفار دون أن يعقب على حديثها بينما هي تضيف: " لم تخبرني من قبل أن لديكم حراس في الفيلا؟ "
زفر بحنق وهو يرد ببرود مستفز: " لم تأت مناسبة لكي أخبركِ كما أنني لا أحب أن أتحدث كثيرا عما اقوم به من أعمال الخير "
قطبت بحيرة تردد: " أعمال خير! "
رد ببرود: " نعم فأنا وظفته لدي لأنني أعطف عليه وحتى لا يشرد في الشارع "
تأوهت نبض بتعاطف وشفقة وهي ترد ببراءة: " أوه المسكين.. لقد أوجعني قلبي عليه "
كز صخر على أسنانه غيظا وهو يغمغم لنفسه: " منك لله يا مصطفى.. وكأن ما بي لا يكفيني "
***

أما عند مصطفى؛
وقف يحدق في ابتعادهما بتعجب وهو يقول: " صخر باشا بالطبع يمزح.. لا يعقل أن تكون تلك الأميرة الصغيرة هي نفسها الفتاة التي تزوجها "
رد سيف بهدوء: " لما لا؟ تبدو رقيقة وتليق به "
رفع مصطفى حاجبا وهو يقول مستهزئا: " حقا تليق به؟ "
قطب سيف بحيرة وهو يسأله: " ماذا تقصد مصطفى؟ إلى ماذا ترمي بالضبط؟ "
رد مصطفى ببرود يقول: " أنت قلتها بلسانك أخي.. إنها رقيقة "
زفر سيف وهو يقول بملل: " نعم وقلت أيضا أنها تليق به "
هز مصطفى رأسه سلبا وهو يستند على الحائط المجاور للبوابة قائلا: " أخطأت يا أخي في هذا.. تلك الصغيرة لا تليق به بل هو من لا يليق بها "
عبس سيف بضيق وهو يقول: " مصطفى كف عن مزاحك السخيف ليس وقته ولا موضوعه "
ظل مصطفى على وقفته المسترخية وهو يقول: "أنا لا أمزح يا أخي.. أنا جاد فيما أقول.. ألا ترى أن الفتاة كالزهرة المتفتحة ستذبل إن بقيت للحظة أخرى بجواره؟ "
رفع سيف سبابته في وجه أخيه محذرا وهو يقول بضيق: " مصطفى إن سمعك صخر باشا سوف... "
قاطعه مصطفى ببرود لامباليا وهو يرد: " ماذا سيفعل؟ هل سيقتلني؟ لا أظن فهو لم يفعلها مع أكثر أعدائه ليفعلها معي لأجل بضعة كلمات تفوهت بها "
تنهد سيف بيأس وهو يقول: " أبداً لا أفهمك.. حبيبه أم عدوه لا أعرف؟ أنت غريب حقا "
عبس مصطفى وهو يقول: " أ لأنني أقول الحق أصبحت غريبا يا أخي؟ كلانا نعلم أن صخر باشا ليس ملاكا تماما.. أصغر عيب فيه قادر على إحراق تلك الصغيرة بل الفتك بها دون رحمة "
قطب سيف وهو يقول: " لا دخل لك "
أشاح مصطفى بوجهه جانبا وهو يتمتم ببرود: " وهل تدخلت يا أخي.. ها أنا أكتفي بدور المراقب عن بُعد كالعادة لكن صدقني سيحرق قلبها يوما بدون رحمة.. (ثم تابع في نفسه) أنتَ لا تعرفه يا سيف كما أعرفه أنا.. إنه وحش "
زفر سيف بعدم رضا عن وجهة نظر أخيه عن صخر والتي يراها سوداوية جدا ومجحفة في حقه لكن كما أخبره مصطفى هو لم يكن يعلم أن خلف رداء التحضر والفخامة التي يظهر به صخر أمام الناس وحش قابع في أعماق روحه كبركان خامد حتى حين ومتى حانت لحظة انفجاره ستكون مدوية مرعبة ولن يعود البركان ليخمد بعدها مرة ثانية
تذكر مصطفى يوم أعاق صخر خطة سعد التي أراد منها قتل زيد

حدث ليلتها إشتباك وحشي بين الاثنين كانا وكأنهما ثورين يتناطحان في حلبة مصارعة
ليلتها لم يصدق مصطفى عينيه وهو يرى الطريقة العنيفة التي كان صخر يضرب سعد بها ورغم أن الأخير كان الأضخم إلا أن صخر بدى أعنف وكأنه مارد أستيقظ فجأة بعد سبات طويل ويريد أن يفرغ كل ما خزنه في وقت راحته في أي شخص وبأي شكل
جحظت عينيّ مصطفى في لحظة ما حينما أستل سعد سلاحه من تحت قميصه بينما كان صخر يبصق بضعة قطرات من الدماء من فمه غافلا عما ينتويه الآخر له
حاول مصطفى حينها أن يخرج من السيارة لكي ينبه صخر لكنه تذكر بأن السيارة مغلقة عليه
ضرب على زجاج النافذة لكي يلفت انتباه صخر له حتى يحذره لكن الأخير لم يراعيه أي إهتمام وفي لحظة كانت طلقة نارية تخرج من فوهة سلاح سعد ولولا ستر الله الرحيم ولطفه بصخر لكانت اخترقت الرصاصة قلبه إلا أنه بمهارة إستطاع أن يحيد للجانب فأصابت كتفه إصابة سطحية ليست بالخطيرة
سكن مصطفى في كرسيه وهو يحبس أنفاسه بترقب منتظرا رد فعل صخر والذي آثار تعجبه وهو يراه يقهقه فجأة وبدى مستمتعا بما حدث قبل أن يقول بغموض: " وكأنك لم تمسك سلاحا من قبل "
رد سعد مقطبا بنفس الغموض وهو يحدق في عينيه: " وأنت وكأنك ابن الجبل "
ارتعد جسد صخر برجفة لم يستطع السيطرة عليها وهو يقول بعد لحظات بصوت ساخر: " لست أول من يخبرني بذلك وأخبره أنه مخطئ فأنا ابن العاصمة المدلل كما تروننا "
رد سعد بغموضه وهو يحدق ملء عينيه في وجه صخر الملثم: " إذن أخطأنا في نظرتنا لكم ولكَ أنتَ على وجه الخصوص.. تبدو وكأنك من نسل الجبال "
رفع صخر حاجبا وهو يقول مستهزئا: " ربما لو علمت إسمي لظننت بنفسك أن أفكارك على حق بالفعل لكنك مخطئا فأنا ابن العاصمة المدلل مع نفحة بسيطة من القوة "
بعد لحظات من الصمت قال صخر بجدية: " أنا لا أريد ايذائك ولم أكن لأفعل لو لم تبادر بإهانتي "
سأله سعد بجمود: " حتى اللحظة لم تخبرني من تكون ولما اعترضت طريقي من الأساس؟ "
رد صخر بغموض: " لن تفيدك هويتي في شيء أما عن سبب ظهوري في طريقك فهو لمنعك عما كدت تفعله "
رفع سعد حاجبا وهو يقول ساخرا: " وكأنك تعلم! "
رد صخر باسما بمكر: " وكأنك تستخف بقدراتي! "
قطب سعد بجدية وهو يقول: " ماذا تريد؟ "
قطب صخر في المقابل وهو يجيبه مباشرة دون مماطلة: " عائلة الجبالي من صغيرها إلى كبيرها خط أحمر بالنسبة لي.. من يجرؤ على تخطيه ولو بنثر قطرة ماء أردها له بالدم "
سأله سعد بتحير غامض: " أنا واثق بأنك لست منهم.. لكنتك قوية لكنها ليست جبلية "
رد صخر ببرود: " أخبرتك أنني من العاصمة "
تابع سعد حديثه بنفس النبرة: " وليست نبرة أبناء العاصمة أيضا.. أنت مزيج بين هنا و... بلد آخر لا يمس لبلدنا بصلة "
أشاح صخر بوجهه جانبا وهو يقول بصوت متصلب: " لم آت إلى هنا لكي اثرثر معك (ثم إلتفت إلى سعد وطالعه بقسوة وهو يتابع) لن أسمح لك أو لغيرك بأن يصيب تلك العائلة ولو بخدش أو كلمة غير مقصودة حتى.. يمكنك أن تأخذ كلامي على محمل الجد أو الهزل هذا يعود لذكائك أنت.. لكن قسما بالله لو علمت بأنك أو ذاك الحقير فؤاد تخططون لتوريط تلك العائلة في أي مشكلة لما جعلت نهار يوم جديد يطلع عليكما وأنتما على قيد الحياة "
سار خطوة في اتجاه السيارة فاستوقفه صوت سعد قائلا: " رميت بتهديدك كطفل صغير ثم وليت هاربا "
لم يتوقف صخر بل تابع تحركه بهدوء فصاح سعد من خلفه بإقتضاب: " أما تخشى أن أصوب سلاحي تجاهك من جديد وأنت غافل وأعزل؟ "
إلتفت صخر برأسه بعدما توقف يناظره بغموض وهو يقول: " وإن خفت منكَ فماذا تركت لأفعل أمام ربي وهو الأحق بأن أخشاه؟ "
استفزه سعد بالقول الساخر: " لا تدل أفعالك المتطرفة العدوانية التي فعلتها قبل لحظات على أنك شخص ورع لهذا الحد "
رفع صخر حاجبا ببرود يقول: " وهل قلت عن نفسي ذلك؟ ما أنا ورع وما أنا عدواني متطرف أيضا "
سأله سعد بإلحاح: " من تكون إذن؟ "
تنهد صخر وهو يجيبه بصوت عميق خرج من زاوية ما من زوايا روحه المعذبة: " إن وجدت إجابة ترضيني عن سؤالك يوما فلك وعدا مني لن أخلفه بأن أخبرك.. أنا من أكون؟ "
ظل مصطفى يراقب ما يجري بينهما بقلق وترقب وهو لا يسمع أي كلمة حتى رأى صخر يقترب من السيارة وفي اللحظة التي فتح فيها الباب زفر براحة وهو يقول: " كدت أموت من الرعب عليك يا باشا.. تعرفني لا أحب أفلام الأكشن تلك "
قبل أن يدلف صخر إلى داخل السيارة رفع رأسه ناظرا إلى سعد وهو بقول: " أمامك مهلة ثلاثة أيام فكر خلالها بهدوء وحكمة فيما أخبرتك به وإن قررت الإستماع إليّ فحينها سأخبرك من هو قاتل والدك الحقيقي؟ فكر.. والقرار لك في النهاية "


تنهد مصطفى بعمق وهو يعود إلى أرض الواقع والحاضر بعدما تلاشت من أمامه ذكريات تلك الليلة الغريبة ليتمتم لنفسه بإحباط: " ليتك فقط وأنتَ تسعى لحماية الجميع ألا تنسى نفسك فيجرفك الموج "
***

في الداخل
لا تعلم نبض كيف تحول فجأة ترحيب ليال الحار بها إلى تجاهل ونفور بمجرد أن علمت أنها لن تبقى معهم وستعود في الصباح إلى العمة فاطمة في مدينتها
حتى نغم تباعدت على الفور وأعلنت انسحابها بصمت عن التدخل فيما يحدث، الوحيد الذي ظل إلى جوارها يمنحها الدفء بابتسامته الحنونة كان معتز
نظرت إلى صخر تسأله أن يفسر لها ما يحدث لكنه كان يوليها ظهره وبعد لحظات انسحب هو ووالده متجهين إلى المكتب
اقتربت من ليال تسألها بلطف: " هل فعلت شيء ازعجك مني بدون قصد عمتي؟ "
ردت ليال بإقتضاب: " لماذا تصرين على الرحيل؟ "
ردت بعفوية: " لأنني لم أقرر البقاء منذ البداية.. لم آتِ الليلة لأبقى هنا.. مكاني مع عمتي فاطمة "
هتفت ليال بحدة: " بل مكانك حيث يكون زوجكِ "
تراجعت نبض خطوة للخلف وهي تشعر بالخوف فجأة بينما ترد بتردد: " لم أتفق مع صخر على البقاء في العاصمة.. هو يعلم أنني لا أريد و... "
قاطعتها ليال صارخة: " أخبريني ما حاجتك للبقاء هناك بعيدا عن زوجكِ؟ هل تدركين حجم المعاناة التي تتسببين له بها؟ "
قطبت نبض وهي تقول بدفاع عن نفسها: " عن أي معاناة تتكلمين عمتي؟ ظروف زواجنا لم تكن بشكل طبيعي أو حتى تقليدي نحن حالة خاصة و... "
قاطعتها ليال ثانية بغضب وهي تقول: " ورغم ذلك كان عليكِ التنازل حتى لا توجعي قلبه وهو يرى زوجته تسكن بين أناس رفضوه "
سألت نبض بحيرة بالغة: " أناس رفضوه! أنا لا أفهم شيء "
صاحت ليال بعصبية: " ما الذي لا تفهمينه؟ أنه كاد يجن حينما علم بوجودكِ عندهم أم أن زواجه بكِ منذ البداية كان جنون؟ "
شحبت نبض من الإهانة وهي ترمش بألم حابسة عبراتها بصعوبة وهي ترد بكبرياء: " لم أجبره على الزواج بي عمتي وهو ليس طفلا ليجبره أحد على فعل شيء لا يريده "
زفرت ليال بيأس شديد وهي تقول بضيق: " يا بنت افهمي أنا أتحدث عن شيء وأنتِ فهمت شيء آخر "
عبست نبض دون رد فجلست ليال بإرهاق وهي تسند رأسها بين كفيها بينما تسألها بشكل مفاجئ: " هل حدث بينكما شيء خاص؟ "
نظرت لها نبض ببلاهة وهي تقول: " لا أفهم "
تأففت ليال وهي تشتم بالتركية قبل أن تنظر لها بغيظ قائلة بجرأة دون مواراة: " هل أصبحتِ زوجته فعلاً؟ هل تممتما الزواج؟ "
شهقت نبض بخجل شديد وهي تضع كفيها على فمها فانطلقت ضحكات نغم التي كانت تشاهد ما يحدث ملتزمة الصمت
تمتمت نغم بتسلية وهي تنظر لنبض: " اخجلتها ماما.. القطة بريئة إذن من التهمة الموجهه إليها "
تنهدت ليال براحة وهي تتمتم: " الحمد لله "
ترقرق الدمع في مقلتيها وشعور الإهانة يتضخم أكثر في داخلها ليشعرها بالضآلة بينهم فقالت بترفع: " ما كنت لأسمح له بأن يقربني من الأساس "
ردت ليال دون أن ترفع وجهها إليها: " جيد "
لم تستطع نبض السيطرة على نفسها أكثر فانفجرت باكية وهي تقول: " لا أفهم إن كنتِ لا تطيقينني لهذا الدرجة لما لم تطلبين منه أن يطلقني؟ "
رفعت ليال وجهها مبهوتة مما تقول نبض بينما الأخيرة تتابع بألم: " إن كنتِ تكرهينني فأنا لا ألومكِ لكن ماذا فعلت أنا لتهينيني بهذا الشكل؟ "
هبت ليال على الفور من جلستها تقترب من نبض وهي تحتويها بين ذراعيها تحاول تهدئتها وهي تقول: " لقد فهمتني بطريقة خاطئة حبيبتي.. أنا لا أكرهكِ أبداً.. أنا سألتكِ لأطمئن لا أكثر "
عبست نغم بعدم فهم تقول لأمها: " علام تريدين الإطمئنان ماما؟ "
ردت ليال بعفوية وهي منشغلة بتهدئة نبض: " لازالت نبض صغيرة على فهم أمور الزواج وما يتعلق به وخشيت أن يكون أخوكِ وقع في السهو ونسى أنه ليس من الشرع حدوث أي علاقة بينهما "
انتفضت نبض جزعة مما سمعت وهي تقول بصدمة: " ماذا؟ "
ابتسمت ليال بحنان وهي تحيط وجنتيها بكفيها قائلة: " لا تقلقي حبيبتي طالما صخر لم يمسكِ فلا تخافي كل شيء بخير "
سألت نبض بشحوب وهي تشعر بأن كارثة على وشك الوقوع: " لا أفهم.. لماذا لا تصح حدوث علاقة بيننا ونحن متزوجين شرعا "
ردت ليال بتلقائية: " لأن هذا الزواج باطلا.. غير شرعيا "
عبست نبض وهي ترد محتجة: " كيف باطلا؟ الزواج عُقِدَ على يد مأذون شرعي بوجود شهود وولاية أبي وأنا وافقت على ذلك إذن كافة الشروط الأساسية لعقد أي زواج صحيح قد تمت "
قطبت ليال وهي تقول ببساطة: " لكن هوية الزوجين أمر ضروري لعقد الزواج الصحيح يا نبض "
رفعت نبض حاجبيها بحيرة وهي تقول: " أعلم ذلك وقد قدمت هويتي وصخر للمأذون و... "
قاطعتها نغم تلك المرة وهي تقطب بغموض بينما تسألها: " أخبريني نبض... حينما سألكِ المأذون عن كونكِ موافقة على الزواج من أخي هل قال صخر معتز الجياد؟ "
طالعتها نبض بعدم فهم وهي تقول: " هذا ما قاله.. هل هناك خطأ ما؟ "
شحبت نغم فجأة وهي تتمتم بصدمة: " أنتِ لا تعلمين إذن "
سألت نبض بحذر: " ماذا تقصدين نغم؟ ما هذا الذي تخفونه عني؟ "
فتحت نغم فمها لترد لتقاطعها فجأة صيحة صخر الجهورية والتي كادت تهز أركان الفيلا: " نغم "
تجمد الموقف بينهم والجميع تعلقت انظارهم بصخر الذي بدى في هيئة وحشية مخيفة بنظراته الشرسة وملامحه المتصلبة وقبضتيه المشدتين إلى جانبيه
وجهت نغم أنظارها إلى والدها تقول بصدمة: " هل أفهم من ذلك أنكم أخفيتم الحقيقة عن عمي مختار هو الآخر؟ كيف استطعت أن تخدعه بتلك البساطة يا أبي؟ كيف بعد كل ما فعله لأجلك؟ "
أغمض معتز عينيه وكأنه يحاول الهرب من كابوس يطارده في حين تكلم صخر نيابة عنه: " أبي لا دخل له فيما حدث لقد عاد من أمريكا بعد زواجي ووفاة عمي مختار رحمه الله ولم يكن لديه علم بأي شيء كحالكم تماما "
هوت ليال جالسه على الأريكة وهي تقول بصدمة شديدة: " كيف استطعت خداعه يا صخر؟ ما فعلته ذنب لا يغتفر "
جالت نبض بنظراتها بينهم بحيرة قبل أن تسأل بشحوب وخوف من القادم: " فليفسر لي أحد عما تتكلمون فأنا لا أفهم شيء "
اجهشت ليال في بكاء شديد فجأة وهي تتمتم بمرارة: " أنا السبب.. يا إلهي! أنا السبب "
سألت نبض باضطراب قلق وهي تشعر فجأة بالاختناق: " أخبروني ماذا يحدث بالضبط؟ "
ردت نغم بتشفي وهي تنظر بحقد لأخيها: " فليخبركِ من صنع منا جميعا أضحوكة.. خدعكِ ووالدكِ بدناءة بل وتجاهل وجودنا أيضا فلم يخبرنا بالكارثة التي أوقع نفسه فيها.. لم أكن أعلم أنك متعدد المواهب لهذا الحد... يا أخي "
دخلت علية فجأة تقول: " دكتور يوسف حضر للتو ويطلب رؤية نبض هانم "
ابتسمت نغم بسخرية وهي تقول: " هذا أفضل لتكتمل الليلة "
بينما قال معتز: " سنوافيه حالا "
اومأت علية وهي تنسحب بهدوء من الغرفة لتقول ليال فجأة: " ماذا سنفعل؟ "
ردت نبض بصوت متصلب: " ستخبرونني عما تخفونه عني حالا ودون تأخير أو مراوغة.. يبدو أن هناك سر خطير وأنا متورطة فيه "
***

بمجرد أن دخلت نبض غرفة الإستقبال ورأت يوسف يقف في انتظارها حتى هرولت إليه تتشبث في كم سترته وهي تطالعه بمقلتين تغشاهما العبرات وهي تقول بضعف: " أخي يوسف لا تتركني.. أنا خائفة "
رفع يوسف بصره إلى صخر مقطبا وهو يقول بهدوء ظاهري: " هلا أخبرني أحد ماذا يحدث؟ "
أشار معتز للجميع أن يجلس وهو يقول: " سنفعل بني لكن أهدأ "
جلس يوسف ليفاجئ بنبض تجلس إلى جواره دون أن تترك تشبثها به فشعر بالقلق عليها
سألته نبض بصوت مختنق: " ألم تكن شاهدا على زواجي من صخر؟ "
اومأ إيجابا وهو يقول: " أجل "
فتابعت هي بحيرة: " إذن كيف تكون كل الشروط مستوفاة ومع ذلك زواجي منه باطل؟ "
قطب يوسف ذاهلا وهو يقول: " ماذا؟ من أخبركِ بما تقولين يا نبض؟ "
رفعت نبض سبابتها وهي تشير إلى ليال قائلة بصوت متحشرج: " عمتي ليال "
نظر لها يوسف بتساؤل فردت ليال بتنهيدة مريرة متحسرة: " وكونك كنت شاهدا على عقد الزواج أيضًا يؤكد على بُطلانه يا يوسف "
ازدرد يوسف ريقه سائلا بقلق: " كيف؟ أنا لا أفهم "
اجابته ليال بإحباط تقول: " لأنك شهدت على عقد الزواج بهوية أخرى غير هويتك الحقيقية "
لم يستطع يوسف كتم شهقته المصدومة متمتما: " يا إلهي! أنا كيف غفلت عن ذلك الأمر؟ (ثم طالع صخر بحيرة وهو يقول بضيق) وأنت كيف لم تنبهني إلى ذلك السهو الذي وقعت فيه؟ "
رد صخر بقسوة: " وما الفرق؟ في كلا الحالتين سواء شهدت بهويتك الحقيقية أو أتينا بشاهد آخر غيرك كان الزواج سيظل على حاله... باطلا "
صاح يوسف بحنق: " صخر كف عن التلاعب بالكلمات.. أنا لا أفهم شيء "
أطرق معتز برأسه ملتزما الصمت بينما تمتمت نغم بشحوب وذهول بعد ما سمعته من أمها وصخر عن يوسف: " يبدو أن صخر ليس الوحيد ممن يحملون هوية ليست لهم "
أما ليال فقد نكست رأسها بقهر وهي تتمتم: " كل ما يجري اللحظة بسببي.. أنا من عليها تحمل الوزر كاملا.. أنا السبب.. يا إلهي الرحيم ساعدني "
صاح يوسف بإنفعال حينما لم يصله رد من أحد: " لما الصمت؟ أريد أن أفهم حالا ما يحدث وإلا غادرت ومعي نبض "
بعد لحظات أخرى من الصمت تكلم صخر بصوت قاتم وهو ينظر إلى يوسف: " لست وحدك من تملك سرا تخفيه أو هوية ليست ملكك (جز على أسنانه وهو يكمل) أنا الآخر لدي سر لا يعرفه أحد سوا ثلاثة أشخاص "
أشار على أمه ووالده وأخته قبل أن يضيف: " تخيل كانوا يعرفون هذا السر حتى من قبلي وأنا من يخصه الأمر اكتشفته عن طريق الصدفة "
قال يوسف بحنق: " لازلت لا أفهم "
وجه صخر نظراته إلى نبض وهو يقول بصوت جاد مباشر: " زواجنا باطلا بالفعل يا نبض كما أخبرتكِ أمي الآن... لأنني تزوجتكِ بهوية ليست لي (هب من جلسته فجأة وهو يتابع بصوت متصلب وكأنه يريد إنهاء الأمر سريعا دون نقاش) أنا لست إبن الدكتور معتز الجياد "
شهقت نبض بهلع بينما شحب وجه يوسف وهو يتمتم بصدمة: " ابن من إذن؟ "
رد صخر بقسوة مفرطة: " لا دخل لك.. لا تسألني ابن من أنا فأنا لا أب لي؟ "
إلتفت إلى نغم يقول بوحشية: " لن تخبريه عن إسم ذاك الرجل يا نغم وإلا والله قاطعتكِ لآخر عمري "
اومأت نغم برأسها بحركة سريعة وهي ترد مشفقة عليه: " أعدك أخي لن أخبره "
هب يوسف من جلسته متقدما من صخر بإندفاع وفي لحظة كان يمسك بتلابيبه صارخا: " ماذا تعني بهذه السخافات التي تفوهت بها؟ هل تعني أنك كذبت علينا وخدعتنا؟ "
رد صخر بجمود، ساخرا بمزاج سوداوي: " تتكلم وكأني الوحيد من يكذب ويخدع دكتور يوسف "
هزه يوسف بعنف وهو يصرخ بعصبية: " أنا لم أكذب ولم أخدعكم بشأن هويتي جميعكم تعلمون أصلي جيدا و... "
قاطعته نغم بحذر وهي تقف على مقربة منهما تقول: " أنا لا أعلم من تكون يا يوسف؟ "
رد يوسف بإنفعال واندفاع غافلا كحال الجميع عن نبض التي تجلس ساكنة شاحبة كطير جريح: " لو سألتِ والديكِ أو أخوكِ لكانوا أخبروكِ أن إسمي الحقيقي هو يوسف سليم الجبالي "
شهقت نبض من جديد وقد أضيفت لها صدمة جديدة بينما جحظت عيني نغم بجزع وهي تلتفت ناظرة إلى أمها التي اومأت لها مؤكدة ما فهمت فقالت بدون وعي: " ابن ع... "
قاطعتها صرخة صخر: " اخرسي يا نغم "
خرست بالفعل وهي تنظر تارة إلى يوسف وتارة أخرى إلى صخر قبل أن تستدير على عقبيها مهرولة للأعلى تسبقها دموعها وهي تشهق من شدة البكاء
أما نبض فقد نهضت تقول بصوت خافت غريب ليس لها وملامح تئن من الألم: " وأنا أيضا يا يوسف لم أكن أعلم أنك أحد أفراد عائلة الجبالي.. لم تخبرني يا أخي.. لا أنت لست أخي بل أنت... أنت... "
سكتت بعجز وهي تقول بعد لحظة بوجع: " كلاكما خدعتماني.. كذبتما عليّ "
نفض صخر يدي يوسف عنه وهو يقول ببرود قاس: " أنا لم اخدعكِ فأنا لا أملك هوية أخرى لأخبركِ عنها من الأساس "
نظرت له بقهر وهي تصرخ: " حقا! ولماذا يا ترى هل رفض والدك الحقيقي الاعتراف بك أم... أم ماذا أجبني؟ "
رد صخر ببرود متعمد وكأنه لا ينزف من الداخل وكأنه لا يتوجع: " لا يعلم بوجودي من الأساس ليكون له حق الاعتراف بي أو نكراني "
كتمت شهقة بكاء كادت تفلت منها وهي تطالعه بكره وغل قائلة: " متى كنت ستخبرني عن حقيقتك أيها المخادع الجبان؟ "
رد بلامبالاة: " لا أعلم "
استفزها ببروده وثباته فصرخت بقهر وهي تشعر بأنها تحترق بينما كانت تدفعه بقوة في صدره: " كيف جرؤت على خداع أبي بتلك الدناءة؟ كيف وهو من كان يأمنك على بيته وزوجك ابنته.. كيف؟ "
ظل ثابتا كالجبل لا يتزحزح ولا يبدي أي تأثر بضرباتها لتصدمه نبض كما الجميع وهي تنزل على وجهه بصفعة قوية تردد صداها عبر السكون المخيم على الفيلا وشهق الجميع على إثرها وهي تصرخ في وجهه: " حقير "
أغمض عينيه بقوة وهو يصر على أسنانه بينما جمدت ملامحه بشدة حتى كادت تتفتت وهو يحاول التماسك حتى لا يرد لها صفعتها في الحال أما هي فقد تراجعت للخلف وهي تنظر إليهم جميعا بقهر وغضب صارخة: " أنا أكرهكم جميعا.. لا أريد رؤيتكم مجددا.. أخرجوا من حياتي.. ابتعدوا "
ركضت للخارج وهي تشهق بعنف منفجرة في البكاء حتى وصلت إلى البوابة الرئيسية للفيلا فوقف أمامها سيف يسألها بقلق: " ما بكِ يا هانم؟ "
شهقت بقوة وهي تقول مشيرة بسبابتها على البوابة: " أفتح البوابة "
كاد يجادلها لكنها ترجته بضعف: " أرجوك أفتح البوابة كفاني ما حدث لي ليوم واحد.. أرجوك.. أتوسل إليك أفتحها "
أراد سيف الإعتراض لكن صوت مصطفى سبقه وهو يفتح البوابة فجأة قائلًا: " تفضلي "
صاح سيف بحنق: " مصطفى هل جننت؟ صخر باشا س... "
قاطعه مصطفى بغضب يقول: " قلت لك سيحرق قلبها ولم تصدقني وها قد رأيت بنفسك النتيجة "
***

في الداخل
لم يتحرك صخر من مكانه قيد أنملة ولم يفتح عينيه حتى بينما صاح يوسف بإنفعال: " لم ينته هذا الموضوع بعد يا صخر.. لازال بيننا حديث طويل "
وخرج بعدها مهرولا ينوي اللحاق بنبض لكنه حينما خرج كانت قد رحلت، قد اختفت، ولم يجدها
***

بعد ساعة
كانت تجلس على قارعة الطريق في الظلام، عبراتها تنساب مدرارا وملامحها منقبضة من شدة الألم وهي تطالع السيارات المارة من أمامها بشرود ولسانها يردد دون شعور منها: " لمن تركتماني من بعدكما؟ إلى أخ لا أعرفه أو زوج لا أدري عنه حتى هويته؟ لمن أذهب الآن ولم يعد لي أحد؟ "
انفجرت فجأة في البكاء بانهيار وهي تقول بقهر يدمي القلب: " ألم أخبركما أنني من بعدكما سأضيع ويتشتت نبضي؟ ها هو يتشتت أمام عيني ويسقط نبضة وراء أخرى أمامي على الطريق ولا أقو حتى على لملمة نبضاتي التي تبعثرت.. تدهسها عجلات تلك السيارات التي تمر أمام بصري دون أن ترأف بحالي أو تحيد بعيدا عنها وتتركها تقبع على الأرض بسلام "
رفعت رأسها إلى السماء تناجي ربها بحرقة فؤاد وقهر روح وانكسار: " يا مليكي! يا إلهي ويا سندي.. يا أملي من بعد يأس الروح وقبضة القلب.. ليس لي غيرك يا ربي فساعدني "
أجفلت فجأة شاهقة حينما توقفت أمامها سيارة سوداء ترجل منها شاب اطمأنت نبض حينما اقترب منها وقد تعرفت عليه
تقدم منها قاسم مقطبا بذهول وهو يقول: " أنتِ ابنة الدكتور مختار زين الدين أليس كذلك؟ "
اومأت برأسها بسرعة وهي تشهق قائلة: " أجل أنا هي "
أشار لها بحيرة قائلا: " ما الذي يجلسكِ هنا؟ وكيف جئتِ إلى العاصمة؟ "
أشارت له ببراءة حتى ينتظر ويصبر فسكت مترقبا ليراها تنفجر فجأة في البكاء شاهقة بعنف لبضعة دقائق ظلت على هذا الحال وهو يطالعها مصدوما حتى تكلمت أخيرا من وسط شهقات بكائها تقول: " ليس مهما كيف جئت إلى هنا.. هل يمكنني أن أطلب منك معروفا تسديه لي؟ "
اومأ موافقا دون تردد وهو يقول: " بالطبع يا صغيرة أي شيء "
نظرت له برجاء تقول: " هل تستطيع أن تدبر لي مكان أبيت فيه هذه الليلة؟ "
طالعها بتعجب يقول: " ولما لا أعيدكِ إلى العمة فاطمة أفضل؟ "
هتفت برفض قاطع: " لا لن أعود إليها أنا غاضبة منها (ثم أكملت بقهر) هي... هي الأخرى اشتركت مع يوسف في تلك الكذبة.. هي الأخرى كانت تعلم حقيقته ولم تخبرني وأخفت الأمر عني "
ردد قاسم الإسم بشجن: " يوسف "
فتحت نبض فمها وكادت على وشك قول شيء ما لكن صوت قاسم الكئيب وهو يردد إسم يوسف اخرسها وهي تفطن لتلك الذلة التي كادت أن تقع فيها أمامه
طالعته بحيرة أقرب إلى الضياع لا تعلم ماذا يفترض بها أن تفعل؟
هل تثق فيه أم تأخذ حذرها وحيطتها؟
أ تخبره عما عرفته أم تخفي الأمر عنه؟
لكن ماذا تخبره وهي حتى لا تعلم أي شيء خلاف هوية يوسف التي اكتشفتها قبل قليل؟
ابتسم لها فجأة بحنان وهو يقول بلطف: " من يوسف هذا الذي اشتركت معه العمة فاطمة في إخفاء شيء عنكِ؟ "
رمشت نبض بإرتباك وهي ترد بسؤال آخر: " هل... هل تعرف أحد بإسم يوسف؟ "
أشار لها أن تنهض وهو يقول: " تعالِ.. سأخبركِ ونحن في الطريق "
شعرت نبض بالاطمئنان إلى جواره رغم تلكما الصدمتين التي تلقتهما قبل قليل من أناس قريبين منها وهذا آثار في نفسها العجب
بعد لحظات من الصمت الذي ساد بينهما بعدما استقلت نبض معه السيارة وجدته يتكلم بهدوء: " نعم أعرف شخص بهذا الإسم.. شخص يمنعنا جدي عن ذكره "
سألته نبض بحذر: " أين هو؟ "
رد بغصة خانقة في صوته: " واراه الثرى عن أعيننا وتركه موصوما بقلوبنا "
سألته من جديد: " ابن من يكون؟ "
رد بتنهيد: " لا يفترض بي أن أخبركِ بهذا "
ألحت عليه بإهتمام: " أرجوك يا أبيه قاسم أخبرني وأعدك ألا أخبر أحد أنك أخبرتني "
رمقها قاسم بذهول وهو يقول: " بما دعوتني للتو؟ "
ردت ببراءة: " أبيه قاسم "
رفع حاجبا وهو يسألها: " كم عمركِ؟ "
ردت بنفس البراءة: " بعد بضعة أشهر قليلة سأكمل تسعة عشر عاما "
ابتسم بحنان وهو يقول: " وأنا بعد شهر سأكمل تسعة وعشرون عاما.. يمكنكِ إذن أن تناديني أبيه "
سألته بلطف: " أخبرني إذن يا أبيه ابن من يكون هذا ال 'يوسف' الذي تعرفه؟ "
رفع حاجبا وهو يقول: " على شرط أن تخبريني عن حكاية زواجكِ تلك لأنها غريبة قليلا وخاصة أن دكتور مختار لم يذكر عنها شيء حينما زارنا في عرس حمزة وزهراء "
قطبت بألم وهي ترد بحسرة: " ليست غريبة وإنما أضحوكة هزلية "
بعد لحظة تفكير قالت بتنهيد: " لكن هذا سيكون سرنا الخاص أليس كذلك؟ "
رد قاسم بتأكيد وهو يقول: " اتفقنا إذن "
***

في فيلا الجياد
دلفت ليال إلى غرفته وهي تبكي بحرقة، اقتربت من فراشه تلمسه ببطء وتشتم عطره فيتعالى بكائها أكثر وهي تقول بمرارة: " أنا السبب يا صغيري.. أنا السبب ولا أستطيع طلب المغفرة ولا السماح منك.. ذنبي عظيم ولا أجد لي منه مفر "
وقفت نغم على الباب تراقب إنهيار أمها بحسرة ودموعها هي الأخرى لم تجف بعد
تبكي الكثير...
حبيب أدركت صعوبة الوصول إليه!
أخ يتمزق قلبها لوعة عليه!
أُم لازالت تعاني من تبعات ماضيها التي لا تريد أن تتركها تهنأ بحياتها!
أجفلت فجأة على تربيته حنونة من والدها قبل أن تسأله بخفوت ملهوف: " هل وجدوا نبض يا أبي؟ "
رده عليها تمثل في ايماءة بالسلب جعلتها ترتمي بين أحضانه مجهشة في البكاء وهي تقول: " لابد أن يجدوها نبض وحيدة تماما.. أنا خائفة عليها كثيرا يا أبي "
تنهد معتز بألم وهو يتمتم: " اهدئي بنيتي واطمئني لن يضيعها الله أبداً "
رددت نغم بأسى شديد: " ألطف بها ياربي الرحيم وأحفظها "
***

أمام بوابة الفيلا
كان سيف ومصطفى يقفان مطرقي الرؤوس بينما يوسف يكاد يبكي من القلق عليها
الوحيد الذي بدى كجبل صامد لا يهتز كان صخر، كان يقف متكئا على مقدمة السيارة يديه في جيبي بنطاله وعينيه مغمضتان
استفز هدوئه يوسف فهدر فيه بغضب: " هل سنظل منتظرين أن يأتينا خبرا عنها أم ماذا؟ "
لم يرد صخر بكلمة فتابع يوسف بحدة: " تكلم يا بني آدم.. قل أي شيء ولا تقف هكذا.. أنا أكاد أجن وأنت تقف مسترخيا وكأننا خرجنا في نزهة "
رد صخر متنهدا بصوت جامد: " أنا فقط أنتظر أن يتكرم مصطفى بك ويعلمنا عن مكانها "
ردد يوسف بعدم فهم: " ماذا؟ "
رمق سيف أخوه حتى يتكلم بينما ظل الأخير صامتا ببرود وهو ينظر للأرض
تقدم يوسف منه يقول بحنق: " مصطفى هل تعلم شيء عن مكان نبض؟ "
رد مصطفى بهدوء مستفز: " لا يا بك.. لا أعرف مكانها فلست أنا من أضاعها من الأساس "
زفر يوسف وهو يتحرك بعصبية يحاول التفكير لكنه يعرف أن نبض ليس لها أحد في العاصمة لتذهب إليه في هذا الوقت
رفع مصطفى نظراته المتفحصة إلى صخر فوجد الأخير يفتح عينيه ببطء ليواجهه وكأنه شعر به
من نظرة واحدة لعيني مصطفى علم صخر أنه يعلم مكان نبض لكنه لن يخبرهم عنه فسأله بصلابة لا تقبل المراوغة: " مع من ذهبت إذن؟ "
رد مصطفى بشماتة خفية: " لن يعجبك ردي يا باشا "
قطب صخر وهو يقول آمرا: " تكلم يا مصطفى "
رد مصطفى بتمهل مغيظ: " الهانم عادت إلى بيتها على ما أظن "
جز صخر على أسنانه غيظا وهو يقول: " مع من؟ "
رد مصطفى بدون مراوغة: " مع السيد قاسم "
زمجر صخر بوحشية وهو يركل عجلة السيارة بقوة بينما يقول: " تباً ألم تجد سواه؟ لماذا هو يا ربي.. لماذا؟ "
ارتفع حاجبي يوسف بذهول وهو يقول: " مع قاسم.. تقصد قاسم الجبالي ابن... ابن عمي خالد؟ "
اومأ مصطفى إيجابا فهتف يوسف بهلع: " ياربي ألطف.. نبض ستخبره "
عاد صخر يركل إطار السيارة من جديد بعنف وهو يصرخ: " تباً.. تباً... تباً.. لماذا هو بالذات؟ "
قطب يوسف فجأة وهو يقول: " ما مشكلتك مع قاسم بالذات دون بقية أبناء عمومتي يا صخر؟ ماذا فعل لك؟ "
هتف صخر بقهر خفي لم يشعر به أحد: " لم يفعل شيء.. فقط أنا شخص جاحد أناني... وأكرهه "
***

قرابة الفجر / في المدينة الجبلية
كانت نبض تختض بعنف وهي تشهق باكية بين الفينة والأخرى أثناء قص قاسم ما جرى في الماضي وما تسبب به هذا الثأر القديم لعائلة الجبالي من خسائر
حينما إنتهى من كلامه انفجرت نبض في البكاء وهي تقول بتلقائية: " لكنه لم يصاب أنا واثقة من هذا "
قطب قاسم بإهتمام وهو يقول: " ماذا تعرفين عن هذا الموضوع يا صغيرة؟ "
مسحت عبراتها التي تغرق وجهها بظهر يدها كالأطفال وهي تقول بتأكيد: " لن تخبر أحد أليس كذلك أبيه؟ "
اومأ قاسم إيجابا دون تردد وهو يؤكد بالقول: " سبق واخبرتكِ أنه سيكون سر بيننا "
أطرقت برأسها للأرض وهي تقول بعد لحظة من التماسك وضبط النفس: " يوسف لم يصب في هذا الحادث القديم بأي رصاصة.. وهو حي لم يمت "
أجفلت حينما ركع قاسم أمامها ممسكا بيديها بقوة وهو يقول بخفوت من الصدمة: " أنتِ لا تمزحين أليس كذلك نبض؟ "
هزت رأسها سلبا وهي تزدرد ريقها قبل أن تكمل بخفوت متوتر: " إنه بخير.. حاله على أفضل ما يكون صدقني "
سألها قاسم بلهفة: " أين هو يا نبض؟ تعرفين مكانه صحيح؟ "
اومأت إيجابا وهي تقول: " منذ عشر سنوات وهو يسكن معنا.. أقصد أنه كان ينام في الشقة المقابلة لنا لكن عدا وقت النوم كان دائما متواجد معنا في نفس الشقة "
سألها مقطبا: " ولماذا لم يخبرنا دكتور مختار أنه حي؟ "
ردت بصدق وذكاء: " لا أعرف يا أبيه.. لكن بالتأكيد الأمر أكبر مما تظن فأنا لا أتخيل أن يكون أبي رحمه الله أخفى وجود يوسف عن عائلتك كلها.. هذا ليس منطقيا "
قطب قاسم بتفكير وهو يتمتم: " إذن هناك من العائلة من يعلم بأن يوسف لازال على قيد الحياة.. لكن من؟ "
قطبت هي الأخرى تفكر بتركيز قبل أن تتمتم: " اممم أظن لو كان الأمر يعنيني فبالطبع والدي وأخوتي كانوا سيعلمون بوجودي و... "
قاطعها وهو ينظر لها بتنبه قائلا: " إذن عمي سليم وزيد يعلمان وبالطبع جدي فمن غير المعقول أن يحدث أي شيء دون علمه "
اومأت توافقه القول فتابع هو بحيرة: " السؤال هنا هو.. لماذا أخفوه؟ "
برمت شفتيها علامة أنها لا تعرف فتنهد بإحباط وهو يقول: " يبدو الأمر أكثر تعقيدا مما ظننت "
ابتسمت له بحماس وهي تحاول أن تبثه بعض الأمل قائلة: " ألا يكفي أنه موجود؟ ابن عمك حي يرزق، يتنفس، يسكن على بُعد كيلومترات منك وليس ميتا كما كنت تظن لسنوات "
رسم بسمة صغيرة على شفتيه وهو يقول: " معكِ كل الحق يا صغيرة يكفيني هذا بالفعل "
تنهدت قليلا وهي تنظر حولها بتركيز قائلة: " أشعر بوجود أحد هنا "
قطب قاسم بتركيز وهو يستقيم واقفا قبل أن يبدأ بالنظر إلى كل زاوية من الحديقة الخلفية للدار بتفحص بعد لحظات عاد ببصره لها يقول: " لا أظن ذلك.. هيا أخبريني عن الموضوع الآخر الخاص بزواجكِ "
نكست رأسها ونظراتها للأرض وهي تزدرد ريقها بصعوبة قائلة بشكل مباشر دون مراوغة: " يوم وفاة والداي رحمهما الله كنت أؤدي آخر إمتحان متبقي لي في المرحلة الثانوية.. خرجت من الصف لأفاجئ بيوسف ينتظرني وقبل أن اسأله عن سبب وجوده أخبرني أن أبي يريدني حالا في المشفى "
سكتت تزدرد ريقها قبل أن تكمل بمرارة: " كانت المرة الثانية التي أدخل فيها هذه المشفى.. أول مرة وأنا أزور يوسف وصخر مع والدي وثاني مرة يوم الحادث "
رفعت بصرها له في أسى تقول: " حينما وصلت كانت المشفى منقلبة رأسا على عقب الكل يصيح بأنهم فقدوا السيدة التي وصلت قبل ساعات لم أفهم شيء حينها حتى أدخلني يوسف إلى إحدى الغرف لأفاجئ بأبي يستلقي على أحد الأسرة وبعض الجروح تخط علاماتها على وجهه بينما جسده كله كان مخفي تحت غطاء أبيض.. لم يمنحني حتى فرصة سؤاله عما حدث لأجده يخبرني أن عليّ الزواج من صخر وأن ذلك لابد أن يحصل لكي يرحل وهو مطمئنا عليّ بعدها لم أشعر بشيء ولم أفهم أي شيء "
حينما سكتت سألها بلطف أن تكمل فقالت وهي تبكي بحرقة: " خلال لحظات قليلة وجدت نفسي أمنح المأذون موافقتي على زواج لم يخطر في بالي يوما وبعدها بأقل من ساعة كان أبي يلفظ آخر أنفاسه وهو يخبرني أنه تأخر في اللحاق بحبيبته.. علمت حينها أن تلك السيدة التي فقدوها والتي تأخر أبي عليها كانت أمي.. كلاهما رحلا وتركاني وحدي "
جلس قاسم أمامها القرفصاء وهو يربت على حجابها بحنان بينما يقول: " اهدئي يا نبض وأكملي حديثكِ صغيرتي أريد أن أعلم القصة كاملة "
ردت نبض بعد لحظات بصوت مختنق: " حدثت الكثير من الأمور ونظرا لظروف زواجنا الخاصة فقد حضرت إلى هنا مع عمتي فاطمة وكان هو يأتي كل يومين لزيارتي.. بالأمس حينما كنت عندكم هنا هاتفني صخر وهو يعرف أنني خرجت من البيت وأمرني بالعودة إلى بيت عمتي فاطمة لكنني رفضت "
قال قاسم بهدوء: " نعم آدم من أخبره أنكِ في دارنا "
اومأت وهي تكمل: " سألني من قابلت من رجال العائلة فأخبرته بأنني لم أرى سوا جدي وعمي سليم فألح عليّ بأن أغادر وأقسم إن لم أطيعه فسوف يأخذني إلى العاصمة "
قطب قاسم بفهم وهو يقول: " إذن هذا يفسر سبب وجودك في العاصمة.. نفذ قسمه عليكِ "
شهقت بعنف وهي تقول: " لم يكن يريدني أن اقابل عمي خالد وأنا بالفعل كنت سأعود لبيت عمتي حتى لا ينفذ قسمه لكن عمي خالد دخل فجأة ولم أعرف ماذا أفعل وبعدها اضطررت للبقاء وحضور تلك المأدبة "
عبس قاسم وهو يقول: " ولماذا أبي خاصة؟ "
هزت رأسها بعدم فهم وهي تقول: " لا أعرف "
تنهد وهو يقول: " حسنا أكملي "
أجبرت نفسها على ابتلاع العلقم المر الذي تشعر به يسد حلقها وهي تكمل بحرقة وانكسار: " حدث بيني وبين والدته سوء فهم وكانت النتيجة أن علمت أنه... أنه ليس ابن الدكتور معتز الجياد صديق والدي "
سأل قاسم بحيرة: " ابن من إذن؟ "
ردت نبض بقهر: " لا أعرف.. هو لم يخبرني فقط أكد عليّ أن زواجنا باطلا لأنه تزوجني بهوية مزيفة وأنه لا يمتلك هويته الحقيقية من الأساس "
قطب قاسم بغضب وهو يتمتم: " الحقير، النذل "
اجهشت نبض في البكاء وهي تقول بقهر: " ماذا أفعل الآن يا أبيه؟ لقد أكتشفت في لحظة أنني كنت أعيش بين أناس لا أعرفهم.. الجميع خدعوني وأخفوا عني هوية يوسف وصخر خدعني حينما كذب عليّ.. لقد أذاني جدا يا أبيه "
كانت على وشك الإنهيار وهو أمامها يشعر بالعجز لا يدري ما يجب أن يفعله ليخفف عنها حتى غطت وجهها بكفيها وهي تغمغم بحسرة: " ماذا فعلت أنا؟ والله لم أفعل لهم شيء... أي شيء ليكون عقابهم لي بهذه البشاعة "
رفع رأسه يتنهد بحرقة وهي يحدث نفسه: " وأنا من كنت أظن نفسي أكثر شخص بائس في الكون فما حال تلك الصغيرة إذن يا ربي؟ "
شهقت وهي تقول بخفوت: " لماذا يحدث معي كل هذا؟ أنا لم أؤذيهم أبداً.. والله لم أفعل "
سمع قاسم فجأة شهقة أخرى يبدوا أنها افلتت بدون قصد من صاحبتها التي كانت تتلصص عليهما وفي لحظة كانت عينيه تتوجهان صوب المكان الذي صدرت منه تلك الشقة ليتهدل كتفيه بإحباط فجأة وهو يقول: " تعالِ يا ملاك.. صدق حدس نبض إذن بأن هناك شخص آخر موجود هنا غيرنا "
تقدمت ملك منهما وهي تبكي شاعرة بالحرج من اكتشافه لها فقالت وهي تطرق رأسها: " أنا آسفة رأيتكما صدفة وأنا في طريقي إلى ياسين حيث يطعم جروه الجديد "
جحظت عيني قاسم وهو ينظر إلى المكان الذي أتت منه ملك ليقول بصدمة: " لا تقوليها "
اومأت إيجابا تؤكد ظنه وهي تقول: " هو الآخر هناك يبكي دون أن يشعركما بوجوده لكنني بلهاء وفضحت نفسي "
تنهد قاسم بيأس وهو يرفع بصره إلى السماء متمتما: " يا الله "
رمشت نبض وهي تتوقف فجأة عن البكاء قائلة بجزع: " هناك صوت عالٍ في الداخل "
شهقت ملك وهي تقول بهلع: " هذا صوت ياسين يا للمصيبة "
ركض ثلاثتهم إلى الداخل مسرعين وهم يدعون الله بأن يلطف بهم ولا يزداد الأمر سوءًا
***

في الداخل
وقف ياسين أمام جناح جده يضرب على الباب بهمجية أيقظت الجميع ليخرجوا فزعين من مخادعهم ليروا ماذا يحدث؟
خرج عبد الرحمن مقطبا بغضب وهو يقول: " ما بالك يا ولد؟ ماذا تفعل؟ "
صاح ياسين بحدة: " أنا من يجب أن أسألك يا جدي ما الذي فعلته بنا؟ "
زاد تقطيب عبد الرحمن وهو يصيح بضيق: " كيف ترقع صوتك عليّ يا ولد وتحدثني بهذه الوقاحة؟ "
صرخ ياسين بإندفاع دون أن يشعر: " لا يحق لك أن تتحدث عن الوقاحة يا جدي بعد ما فعلته بنا؟ "
في لحظة كانت تتعالى الشهقات أثر تلك اللطمة القوية التي تلقاها قاسم من جده بدلا من أخيه
وتجمد الموقف للحظات بين الجميع وعم صمت وسكون موحش فجأة
خالد يقف جامدا في مكانه أمام باب جناحه دون أن يتفوه بحرف
زيد ينظر إلى جده في صدمة بينما سليم ينظر لوالده بعتاب قوي
زهراء كانت تختض فعليا بين ذراعي زوجها الذي ينظر إلى جده فاغر الفاه غير مصدقا لما حدث
أما حفصة فقد تشبثت بذراع زوجها وهي تنظر إلى قاسم بشفقة وعاصم كان مصدوما كالبقية
وقفت حياة أمام باب غرفتها بوجه شاحب وكأنها هي من تلقت تلك اللطمة بدلا من قاسم
ملك تقف إلى جوار نبض وكلاهما جامدتين كتمثالين من الشمع ونظراتهما مصوبة على قاسم الذي يشد قبضتيه إلى جانبيه بقوة
قطع ياسين الصمت وهو يصيح بشراسة: " ثمن تلك اللطمة غاليا جدا يا جدي.. لن أبقى هنا لحظة واحدة بعدما أكتشفت بأني حييت عمرا كاملا مغفلا في هذه الدار "
هرعت إليه نبض تتشبث بذراعه باكية وهي تقول برجاء: " أرجوك لا تفعل.. أنا آسفة كل ما حدث بسببي "
رد ياسين بحرقة: " وما ذنبكِ أنتِ؟ أنتِ مثلنا جميعا ضحية لذلك الوغد الذي خدعكِ كما خدعنا جدي بالضبط "
نظرت له نبض بلوعة وهي تقول: " بالله عليك لا ترحل.. سيقتلني شعور الذنب إن تركت بيتك "
لم يرد ياسين فنظرت لقاسم باستجداء تقول: " أبيه "
رمش قاسم لوهلة قبل أن يتكلم بصوت جاف: " أعتذر حالا عن قلة أدبك ووقاحتك مع جدك يا ياسين "
رمقه ياسين باستنكار فقطب قاسم بصلابة وهو يقول: " قلت... حالا "
أراد ياسين الجدال فقال: " لكن... "
قاطعه قاسم بحزم: " اعتذر "
جز ياسين على أسنانه بغضب مكبوت وهو يقول بغمغمة رغما عنه: " أنا آسف جدي "
إلتفت قاسم إلى جده يقول بهدوء ظاهري: " إنه يمر بإحدى تلك الأيام العصيبة التي لا يشعر بما يقوله فيها فلا تؤاخذه على ما فعل يا جدي.. (ثم إلتفت للبقية يقول) تصبحون على خير "
رمق قاسم أخاه بغموض وهو يقول: " اتبعني أنت وملك حالا "
استوقفه عمه سليم وهو يقول: " ما الذي تفعله صغيرة الدكتور مختار رحمه الله هنا في هذه الساعة؟ هل حدث شيء؟ "
رد قاسم وهو يتجنب النظر لعمه: " لا تقلق يا عمي لم يحدث شيء "
***

بعد ساعة
هب ياسين من مكانه صارخا بعنف: " لن أفعل يا قاسم.. إن كنت سأبقى في هذه الدار فيجب أن يعرف الجميع الحقيقة "
زفر قاسم بسخط وهو ينظر لأخيه دون تعقيب بينما ملك تحاول التدخل بمهادنة: " قاسم معه حق.. علينا التحلي بالصبر قليلا حتى نتمكن من سؤال عمي سليم أو... "
قاطعها ياسين هاتفا: " حسنا اصبروا أنتم لكن أنا لا.. لن أصبر "
حينها ترك قاسم مقعده وتقدم منه يقف أمامه، يقول بإقتضاب: " ما هذا الذي تفعله؟ تصرخ كالصبية الصغار ولا ينقصك سوا القفز كالمعاتيه "
أشاح ياسين بوجهه دون رد فأكمل قاسم حديثه بصلابة: " أنت أكثر من يعلم أنني قادر على اخراسك لو شئت لكنني لا أريد ذلك كل ما أريده منك أن تتحلى بالصبر وتعطي عقلك فرصة للحكم على الأمور بعد تفكير دون أن تترك لسانك يتحكم فيك "
زفر ياسين بضيق مغمغما: " الأمر صعب.. أنت لا تعلم شعوري اللحظة.. أكاد احترق يا أخي "
ثم وجه بصره ناحية قاسم يتمتم بذهول وكأنه للتو عرف الخبر: " يوسف حي.. ابن عمنا لازال على قيد الحياة.. يوسف حيا يرزق "
اومأ قاسم بصبر وهو يقول: " نعم حي لذلك يجب أن نكون أكثر حرصا على حياته فلا نتسرع في الإقدام على فعل شيء قد يجعله يخسر تلك الحياة "
تمتم ياسين بلهفة: " بعيد الشر عنه "
ربت قاسم على كتف أخوه باسما وهو يقول: " إذن أصبر يا أخي حتى نستطيع التفكير في طريقة آمنة نُعيد بها الغائب "
***

في شرفة جناح خالد
كان يقف في زاوية متخفية، يراقب ولديه بعين فطنة تعلم سير الأمور ونهايتها، ما إن تراخت تعابير وجه ياسين أخيرا حتى تنهد خالد براحة عالما بأن قاسم قد إستطاع بعد جهد من السيطرة على عنفوان واندفاع أخوه كالعادة.
تمتم خالد وهو يعقد ذراعيه أمام صدره: " يبدو أن أولى رصاصات بداية النهاية قد حان دورها يا أبي.. أخبرتك أن إخفاء يوسف ليس حلا وإنما المواجهة هي سبيل فض الماضي لكنك رفضت رأيي وحكمت رأيك وها هي النتيجة "
رد عبد الرحمن بحدة وهو يجلس على كرسي وثير في مواجهة ابنه: " في أي شيء كانت ستفيدنا المواجهة حينها؟ ألم تكن حاضرا لنكبة الماضي، شاهدا على ما حدث وقتها؟ كيف كنت تريدني أن أواجه وللتو فقدت اثنان من أبنائي وفقد أخوك زوجته؟ "
رد خالد بهدوء صلب: " تعلم أنني ما قتلت شخص في حياتي يا أبي.. لا أخا لذاك المختل فؤاد ولا بشرا غيره ورغم ذلك لا أعلم لِما تحمل نبرة صوتك لوما خفيا تجاهي وكأنني السبب فيما جرى "
أطرق عبد الرحمن برأسه حاجبا نظراته عن ابنه وهو يتمتم برد بارد كمحتواه: " أنا لا ألوم أحد على شيء ولكن إن كنت تشعر بذلك ففكر في السبب الذي يدفعك لفهم الأمر بتلك الطريقة "
ابتسم خالد بألم جاهد ليخفيه لكنه فشل: " سأظل مُلاماً يا أبي طيلة حياتي على كل شيء وأي شيء يحدث.. خطأ واحد في الماضي جعلني أسقط من نظرك عمري كله.. خطأ لم يكن لي ذنب فيه ورغم ذلك دفعت الكثير من جهدي وطاقتي لأتحمل عواقبه التي فاقت الحد "
تغضنت ملامح عبد الرحمن بقسوة عنيفة ونبرة صوته أتت غاضبة كموج جارف وهو يقول: " خطأك هذا كافيا ليُخرِجك من الجنة ويُلقي بك في عمق الجحيم.. عِصيانك لأمري ليس بالخطأ الهين إن كنت تحسب.. ما فعلته منكرا في نظري فلا تعد وتذكر سيرته أمامي يكفي خيبة أملي فيك "
كانت كلمات والده سهاما حادة لا ترحم تصيب قلبه في الصميم وتدمي روحه دون أدنى ذرة من الرحمة.
حرقة ألجمت لسانه عن البوح بشعوره الشرس بالقهر والألم وبدلا من ذلك كان يقول: " أوَ لم أفعل أي شيء في حياتي يشفع لي عندك تلك الذلة يا أبي؟ "
أشاح عبد الرحمن بوجهه جانبا وهو يرد بجمود قاس: " ومهما فعلت لا تطمع في غفراني لك بخصوص ذاك الخطأ "
أغمض خالد عينيه يخفي لهيب نظراته المشتعلة وهو يرد بصوت مختنق: " إذن يجدر بي أن أحمد ربي على أن خطئي لم تنتج عنه تبعات تلاحقني حتى يومي هذا وإلا لكنت خارج دارك يا أبي "
رد عبد الرحمن بقسوة: " نعم حينها ما كان ليكون لك مكانا في داري لذا أحمد ربك صبح مساء على رحمته بك "
لم يستطع خالد تمالك نفسه أكثر ولا لجم تلك الدمعة الحارة التي هوت فارة من سجن مقلته وهو يشعر بالضآلة والذل والمهانة وكأنه عاد لسنوات مضت.. عاد طفل صغير يختض ذعرا من عقاب واقع عليه لا محالة نتيجة خطأ صغير فعله.
همس لروحه المُعذبة بكلمات أعتاد على ترديدها منذ ذلك الخطأ الذي فعله، وكانت في تلك الكلمات القليل من المواساة له: " تحملي يا روح ورابطي فرج ربك آتٍ ذات يوم فأصبري "
نعم الفرج آتٍ.
مُخرج الزهر حيا من بين صخر صلبا قادر على تبديد العسر وتبديله يسرا.
خالق الأكوان، مُحسن الصنع كدأبه قادر على تذليل الصعاب وتحويلها لأمر سهل المنال.
يقين خالد بفرج ربه القريب كان سببا لاستكانت روحه وتمهلها للحظة الإحياء من بعد موت طويل.. لكن تفكيره وتمنيه بنسيان عثرة الماضي لم يمكنه من الوصول بتفكيره إلى أن تلك العثرة من الصعب أن تذهب ادراج الرياح بتلك السهولة دون أن تقذف بذرة حية تدل على أنها كانت موجودة ذات يوم، دون أن تخلد ذكراها.
للأسف العثرة بقت وطرفيها بقيا وبذرة الإثبات الشاهدة عليهما باقية حية ترزق فماذا قد يفعل خالد حين يعلم أن الفرج حين أتى صحب معه دليلا حيا على ذلة ماضيه التي لم ينساها هو ولم يغفرها والده ولم تذهب إلى حال سبيلها بسلام؟

انتهى الفصل..
قراءة سعيدة.

noor elhuda and السكر like this.

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-19, 07:39 PM   #14

houda4

? العضوٌ??? » 389949
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » houda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond reputehouda4 has a reputation beyond repute
افتراضي

شكرا على الفصل الرائع إذن صخر هو ابن خالد وأخ قاسم وياسين
لكن الذي لم افهمه اهو ابن حرام ؟؟ لذلك لا يملك هوية ؟؟


houda4 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-11-19, 02:26 PM   #15

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واخيرا اتممت الفصول القصة الصراحة معقدة وغامضة
بشكل مذهل. يعني مررت من توقعات كثيرة ووضعت
وجهات نظر متعددة حتى فوجئت في الأخير بحل عقدة
الثلاثي يوسف وزيد وصخر....
اذن خالد الجبالي تزوج من ليال التركية وخرج من طوع ابيه والعائلة الذين لا يتزوجون من خارج العائلة ويعتبر قانون صارم لانني لا اظن بتاتا بان خالد قد يخوض في علاقة محرمة ... وحين طلق ليال من اجل والده
اخفت عنه الأخيرة انها حامل بل وتزوجت من معتز في امريكا ونسبت الابن له لكن هنا اتساءل هل معتز علم ومع ذلك اقترف حراما وتزوج من ليال وهي حامل ام انه لم يعلم وتزوج من مطلقة على حد علمه وعلم بعد ذلك أو كيف هي القضية تحديدا في إنتظار حل ذلك اللغز الذي اول مخطئ فيه هي ليال حين اخفت عن خالد حملها الذي نتج عنه صخر الذي وللصدفة القدرية عاد وهو مراهق حين علم بحقيقته الصادمة لكي يرى اهله الحقيقين فجاء على موعد مع الثأر الذي اخذ شخصين وكان سيأخذ التالت لولا تدخل صخر لينقذ احد ابني عمه سليم...وكان سيكون هو ايضا ضحية للثأر اللعين سبب اللعنة الملاحقة للعائلة من طرف اللعين فؤاد الذي استغل تلك اللعنة لينفذ انتقامه من عائلة الجبالي والذي لا اعرف له سبب بعد مع انني اشك ان له علاقة بليال التركية لذلك والد خالد يرفض سماحه وهنا أتساءل كيف
سيتقبل حفيده صخر وهو الذي ضحى لينقذ حفيده من الموت ثم حماهم من بعيد بكل افرادهم ويضحي ليومهم هذا في سبيل حماية العائلة هل كل ذلك سيشفع له امام جده ويتقبله أم انه سيظل على رفضه الذي كان واضحا فيه؟؟؟؟
هناك مواضيع اخرى جانبية مثل رقية الجبالي والدة شمس لماذا وللمرة الأولى يوافقون على تزويجها لرجل من خارج العائلة وهنا ايضا يحضر اسم خالد الجبالي اخوها و هو صديق وشريك والد شمس فلماذا يا ترى ومن كان الآخر الذي خيروها به ؟؟ حتى تقرر الفرار العظيم في مقاطعة عائلتها؟

في انتظار باقي الأحداث الشيقة تحياتي لك.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 02-11-19, 06:12 PM   #16

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
B10

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة houda4;1
4570853
شكرا على الفصل الرائع إذن صخر هو ابن خالد وأخ قاسم وياسين
لكن الذي لم افهمه اهو ابن حرام ؟؟ لذلك لا يملك هوية ؟؟
حبيبي وجودك أروع🌸
نعم صخر هو ابن خالد لكنه جاء بصورة شرعية تمام على خلاف ما تقره هويته المزيفة.. وإن شاء الله في الفصل السابع الأمور هتتضح أكثر.


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-11-19, 06:32 PM   #17

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي وعليكِ سلام الله ورحمته وبركاته..

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واخيرا اتممت الفصول القصة الصراحة معقدة وغامضة
بشكل مذهل. يعني مررت من توقعات كثيرة ووضعت
وجهات نظر متعددة حتى فوجئت في الأخير بحل عقدة
الثلاثي يوسف وزيد وصخر....
اذن خالد الجبالي تزوج من ليال التركية وخرج من طوع ابيه والعائلة الذين لا يتزوجون من خارج العائلة ويعتبر قانون صارم لانني لا اظن بتاتا بان خالد قد يخوض في علاقة محرمة ... وحين طلق ليال من اجل والده
اخفت عنه الأخيرة انها حامل بل وتزوجت من معتز في امريكا ونسبت الابن له لكن هنا اتساءل هل معتز علم ومع ذلك اقترف حراما وتزوج من ليال وهي حامل ام انه لم يعلم وتزوج من مطلقة على حد علمه وعلم بعد ذلك أو كيف هي القضية تحديدا في إنتظار حل ذلك اللغز الذي اول مخطئ فيه هي ليال حين اخفت عن خالد حملها الذي نتج عنه صخر الذي وللصدفة القدرية عاد وهو مراهق حين علم بحقيقته الصادمة لكي يرى اهله الحقيقين فجاء على موعد مع الثأر الذي اخذ شخصين وكان سيأخذ التالت لولا تدخل صخر لينقذ احد ابني عمه سليم...وكان سيكون هو ايضا ضحية للثأر اللعين سبب اللعنة الملاحقة للعائلة من طرف اللعين فؤاد الذي استغل تلك اللعنة لينفذ انتقامه من عائلة الجبالي والذي لا اعرف له سبب بعد مع انني اشك ان له علاقة بليال التركية لذلك والد خالد يرفض سماحه وهنا أتساءل كيف
سيتقبل حفيده صخر وهو الذي ضحى لينقذ حفيده من الموت ثم حماهم من بعيد بكل افرادهم ويضحي ليومهم هذا في سبيل حماية العائلة هل كل ذلك سيشفع له امام جده ويتقبله أم انه سيظل على رفضه الذي كان واضحا فيه؟؟؟؟
هناك مواضيع اخرى جانبية مثل رقية الجبالي والدة شمس لماذا وللمرة الأولى يوافقون على تزويجها لرجل من خارج العائلة وهنا ايضا يحضر اسم خالد الجبالي اخوها و هو صديق وشريك والد شمس فلماذا يا ترى ومن كان الآخر الذي خيروها به ؟؟ حتى تقرر الفرار العظيم في مقاطعة عائلتها؟

في انتظار باقي الأحداث الشيقة تحياتي لك.
بالنسبة لموضوع زواج رقية/ كانت الفرصة الأفضل لها في الزواج هي الاقتران بأكرم رغم أنه متزوج من ابنة عمه في المقام الأول والسبب في تدخل خالد ظهر على ما اظن ولو بشكل مبهم في نهاية الفصل السابع حين أقر خالد بأنه فعل الكثير ابتغاء أن يصفح له والده الذلة القديمة التي فعلها رغم أنه ما كان داخليا راضيا على إجبار اخته من الزواج برجل غريب عنهم.
أما صخر/ من قال أنه كان عائد للتعرف على عائلته وقتما صادفه القدر بالثأر القديم بين عائلته وفؤاد؟؟؟
زيارة صخر كان مرتب لها منذ البداية.. ما السبب لها؟؟؟ ومن الذي رتب لها؟؟؟ هذا ما سنعرفه في الفصول القادمة.
وبالنسبة لحمل ليال/ هي لم تخفي عن خالد حملها منذ البداية لكن كيف اليوم لا يعلم خالد بأن له ولد من الأساس ولم يبحث عنه؟؟؟ هذا ما سينكشف في الفصل السابع أي القادم بإذن الله.
لغز حملها سوف تنكشف عقدته رويدا.. رويدا مظهرا السبب في اخفائه وأيضًا ردا ومواجهة صارمة على خطئها في النهاية.

أرجو إني أكون أجبت عن استفساراتك أستاذتي وسعيدة بحصولي على أطول تعليق من حضرتك😍


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-11-19, 05:40 PM   #18

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل السابع ||

صباحًا / في فيلا الجياد
كان صخر يعد حقيبته في اللحظة التي دخلت عليه نغم تقدم خطوة وتؤخر أخرى حتى وصلت إليه فقالت بخفوت: " لا داع لسفرك يا صخر أنا... أنا لن أحاول الإقتراب من يوسف مجددا و... "
قاطعها صخر وهو يقول بصوت عميق: " لستِ السبب يا نغم.. كل ما حدث كان خطئي أنا "
تشبثت بذراعه وهي تقول بندم: " أنا آسفة يا صخر لم أقصد أبدًا أن اؤذيك بما قلته لك قبل يومين "
رد صخر بإحباط: " لم تخطئي في شيء.. أنتِ محقة يا نغم أنا فاقدا لأصلي وهويتي وفاقد الشيء لا يعطيه (قطب بألم وهو يكمل) كيف كنت سأمنحها هوية لا أمتلكها من الأساس؟ كيف حييت لسنوات أفتخر بنسبي لعائلة لست منها؟ "
هتفت نغم بأسى: " بلى أنت منها يا صخر.. أنت منا... من عائلة الجياد "
رفع حاجبيه باستخفاف ساخر رغم ما بداخله من وجع وحرقة وهو يقول: " ولماذا إذن أشعر بنفسي غريبا عنكم؟ أشعر بأني لا أنتمي لكم "
شعر بدخول أمه فاستدار يواجهها وهو يسألها بقسوة: " صِفيه لي أمي.. أ هو جاحدا مثلي؟ حقيرا مثلي؟ مخادعا مثلي؟ نذلا وجبانا مثلي؟ كيف هو أخبريني؟ "
كانت ليال تهز رأسها سلبا ودموعها تنساب على وجنتيها بغزارة فقال هو بتعجب ساخر: " إذن أنا لا أنتمي له هو الآخر فيبدو أنه أفضل مني رغم كل ما فعله.. (صاح فجأة بشراسة يكمل) ترى ممن ورثت كل ما بي من عيوب إذن؟ ابن من أنا وما هي هويتي وماذا يكون أصلي وأين هي جذوري؟ من أنا؟ "
ردت ليال من بين بكائها: " تعلم جيدا ابن من تكون ومن أنت "
صرخ بحدة: " لا تقولي أنني ابن معتز الجياد فأنا لست إبنه وهو ليس أبي "
قطبت ليال تتصنع القوة وهي ترد: " لم أقل هذا فهناك من الحقائق ما لا نستطيع أن نبدلها مهما حاولنا "
سألها بصبر: " أخبريني إذن ابن من أكون؟ "
ردت بألم: " أنت تعلم "
هز رأسه بعصبية وهو يصرخ: " أريد أن أسمعها منكِ يا أمي.. منكِ أنتِ بالذات.. انطقيها مرة أخيرة علها تريحني بعدها "
صاحت نغم بمرارة: " لماذا توجعها يا صخر؟ أرجوك أترك هذا الأمر ودعنا نتابع حياتنا من حيث توقفنا "
هدر صخر بغضب: " حياتي أنا من توقفت.. توقفت للأبد يا نغم أشعر بها إنتهت تماما.. كنت سابقا أشعر بالضياع لكني اليوم... اليوم فقدت القدرة على الشعور بأي شيء حتى الضياع فقدت الحق في الشعور به.. إن كان هناك ما يجب أن تتيقنوا منه فهو أنني مُت "
هتفت ليال إسمه بلوعة في اللحظة التي وطأت قدمي يوسف باب جناح صخر
تمتم يوسف بيأس: " ما به هذا المجنون؟ "
ولم يكد يخطو خطوة واحدة للداخل حتى سمره صراخ صخر الذي ينبض بالقهر في مكانه وهو يقول هادرا: " انطقيها يا أمي واريحيني.. أحتاج لسماعها منكِ أكثر من أي شيء آخر في حياتي.. إبن من أنا؟ من هو أبي؟ "
ردت ليال بحرقة ودون شعور: " أنت إبن خالد عبد الرحمن الجبالي "
جحظت عيني يوسف بصدمة وهو يشعر بأنه سيفقد وعيه من هول ما سمع، في نفس اللحظة اندفع صخر للخارج فكاد يصطدم به
وقفا متقابلين أمام بعضهما يوسف كان كورقة ضعيفة في مهب الريح بينما صخر كان كمارد ضخم وحشي الهيئة والنظرات
غمغم يوسف بدون وعي: " أنت ابن عمي "
قهقه صخر فجأة صادما الجميع وهو يقول بفحيح ساخر: " أثبت ما تقول إن استطعت ولعلمك فقط لن تستطع "
صاح يوسف بذهول وكأنه يتأكد مما سمع: " كيف تكون إبن عمي خالد ولا أحد يعلم بهذا الأمر؟ "
رمش صخر ببراءة تنافي شراسة ملامحه في تلك اللحظة وهو يقول: " وهل قلت أنني إبنه؟ يبدو أنك تتوهم سماع أشياء غريبة يا دكتور "
صرخ يوسف بإنفعال: " أنا لستُ مجنوناً "
إبتسم صخر ببرود قائلا: " ولم أقل هذا أيضًا "
تحرك صخر للخارج فسأله يوسف: " إلى أين أنت ذاهب؟ "
رد صخر بتهكم دون أن يقف: " إلى المريخ "
***

وضع صخر حقيبته في السيارة ثم تقدم من سيف ومصطفى يقول: " يمكنكما أن تغادرا من الفيلا وقتما شئتما أنا لن أعود و... "
قاطعه مصطفى ببرود مصطنع: " سنكون في إنتظار عودتك يا باشا ورجاء خاص مني لا تتأخر كثيرا حتى لا تفقأ نغم هانم مرارتي "
نظر سيف إلى أخيه باستهجان بينما الأخير يكمل بلامبالاة: " لا تقلق عليها سأجعل سيف يعتني بها فهو طويل البال وسأهتم أنا بليال هانم "
رمقه صخر بغموض وهو يقول: " لا أعرف لماذا لم اقتلك حتى اللحظة؟ "
رد مصطفى بسماجة: " لأنك تحبني يا باشا "
تنهد صخر بإحباط وهو يقول: " أراكما يوما ما إن شاء الرحمن على خير "
قبل أن يبتعد صخر سأله سيف: " ماذا تريدنا أن نفعل بشأن نبض هانم؟ "
رد صخر بجمود: " لا تفعلا شيء.. الهانم أصبحت حرة وهي الآن بين يدي من سيعتني بها جيدا "
قال مصطفى باستفزاز: " يبدو أنك تثق بالسيد قاسم كثيرا يا باشا "
فرد صخر بغموض: " أكثر مما ينبغي أن أفعل في الحقيقة "
***

في بيت فاطمة
ضرب قاسم بقبضته على المنضدة التي يتجمعون حولها وهو يصيح: " لا تراوغ يا آدم.. أنت تعرفه جيدا وقلت بنفسك أنه صديقك "
زفر آدم بحنق وهو يقول: " ورغم ذلك لن أخبركم بأي شيء يخصه في غيابه "
صاح قاسم بضيق: " لا أريد أن أعرف سوا مكانه "
هتف آدم بغيظ: " لما لا تسأل زوجته فهي أدرى بمكان زوجها؟ "
ضرب قاسم على المنضدة من جديد وهو يصيح بحدة: " لا تقل زوجها فذلك الحقير خدعها وتزوجها بهوية مزيفة "
قطب آدم بعدم فهم وهو يقول: " يبدو أن الأمور تداخلت في رأسك يا قاسم "
ابتسم قاسم ساخرا وهو يقول: " يبدو أنك أنت من لا تعرف صديقك حقا يا آدم.. أنا أتحدث عن صخر معتز الجياد "
حاد آدم بنظراته إلى نبض التي كانت تجلس على الكرسي المجاور لقاسم فقال: " من أين أتيتِ بهذه الخرافات؟ "
ردت عليه بخفوت كئيب: " من صديقك وإن لم تكن تصدقني يمكنك أن تهاتف يوسف... صديقك الآخر وتتأكد منه من صحة خرافاتي "
عبس آدم وهو يلتقط هاتفه مغمغما: " بالطبع سأهاتفه لأثبت لكم أن ما تقولونه لا أثر له من الصحة "
قال ياسين مزدردا ريقه وهو يحاول إخفاء لهفته لسماع صوت ابن عمه: " فَعِل مكبر الصوت نريد أن نتأكد بأنفسنا إذا كانت خرافات كما تقول أم لا؟ "
نفذ آدم ما قاله ياسين وبمجرد أن فُتِحَ الخط وقبل أن يتفوه بحرف سبقه يوسف وهو يصرخ بإندفاع: " هل كنت تعلم أن صخر ابن عمي؟ "
صاح آدم بعدم فهم: " صخر من؟ "
هتف يوسف بإنفعال: " آدم ليس هذا وقت مزاحك.. أتكلم عن صخر الجياد "
رد آدم بتشتت: " إن كان صخر الجياد فكيف يكون إبن عمك؟ "
زفر يوسف وهو يقول: " صخر ليس ابن الدكتور معتز الجياد "
سأل آدم ببلاهة: " إبن من إذن؟ "
رد يوسف بذهول لم يخرج منه بعد: " إبن عمي "
هبت نبض من مكانها شاهقة بعنف وهي تنظر إلى قاسم بصدمة وإدراك بينما سأل آدم بحذر: " عمك من؟ "
رد يوسف ونبض في صوت واحد: " عمي خالد "
تعلقت أنظار الجميع بها في صدمة فتمتمت هي بشحوب: " هذا يفسر سبب عصبيته وقت سمع فرح وهي تخبرني بأن عمي خالد ينتظرني في المجلس "
صاح يوسف حينما وصله صوت نبض: " نبض هل أنتِ بخير؟ "
هزت نبض رأسها سلبا وقد بدأت العبرات تطفر من مقلتيها وهي تحتضن نفسها بذراعيها متمتمة بحرقة: " أنا ضائعة "
نظر ياسين إلى أخيه بذهول وهو يقول: " لنا أخ "
شهق يوسف فجأة وهو يسب غاضبا: " تبا لك يا آدم أين أنت؟ "
رد آدم وهو يشعر بالغباء: " في بيت العمة فاطمة "
سأله يوسف بأنفاس لاهثة: " من معك؟ "
رد آدم ساخرا وهو يتطلع في الوجوه الشاحبة أمامه: " أمامي مباشرة أخين أبلهين اكتشفا للتو أن لهما أخا رابعا لا يعرفان عنه شيء وإلى جوارهما قطة صغيرة ترتجف ضياعا وتختض لوعة عليك أنت وصخر بعدما خدعتماها.. وفي الزاوية تجلس ملك تبكيك أو تبكي حسرة على حبيبها الذي يحترق لا أعلم بالضبط على أيهما تبكي؟ وعمتك فاطمة تدعو لكما رغم أنكما لا تستحقان صراحة "
أغلق بعدها آدم الهاتف دون إنتظار رد يوسف ونهض من مكانه قائلا بوجوم: " عرفت صخر من خلال يوسف واخفيت عنكم ما أعرفه عن يوسف بأمر من أبي وجدي عبد الرحمن والآن لا أعرف عن أيهما أكثر مما عرفتموه "
شعر آدم بالحزن والشفقة وهو يتطلع إلى قاسم الذي بدى كتمثال مصنوع من الجليد، وجهه شاحب وعينيه مثبتتان على نقطة في الفراغ بنظرات واجمة أما ياسين فقد بدى كالأبله وهو فاغرا فاهه جاحظ العينين وصدمته فيما سمعه تخط معالمها على وجهه بوضوح
نظر إلى العمة فاطمة بحسرة لما آل له الأمر فلم يجد حالها بأفضل من البقية لكنها على عكسهم كانت متماسكة وهي تقول بهدوء ظاهري: " لنا حديث بخصوص هذا الموضوع في دار الجبالي بعد ساعة.. أخبر والدك بهذا بني "
اومأ آدم بصمت ثم تنهد بقلة حيلة وهو ينسحب من تلك الجلسة مغادرا بيت العمة فاطمة
فتحت ملك فمها بذهول باك تقول: " عمتي أنا لا أصدق ما حدث أشعر وكأننا داخل كابوس "
ردت فاطمة بوجوم: " ليته يكون كما تشعرين به يا ملاك وإلا طالت الجميع خسائر مهولة.. أجارنا الله منها "
***

في المساء / دار الجبالي
كانا قاسم وياسين لا يزالان على جلستهما الصامتة منذ اجتمعت العائلة من صغيرها إلى كبيرها بعدما حضرت شمس بأمر من جدها على وجه السرعة بصحبة والدها وأخيها بالإضافة إلى حضور صالح وولده آدم والعمة فاطمة
كل هؤلاء كانوا يجلسون في صمت وكأن على رؤوسهم الطير بينما أخذت العمة فاطمة تقص عليهم ما جرى بالتفصيل دون أن تتجاهل ذكر أي كلمة مهما بدت عديمة النفع وبعد قليل تحول الصمت فجأة إلى شهقات تعبر عن صدمتهم ودموع غزيرة تظهر فرحهم بالخبر وهمهمات بالحمد والشكر لله الرحيم بهم
أنهت العمة فاطمة حديثها قائلة: " هذا ما يتعلق بيوسف ابن الحبيبة الغالية رحمها الله لكن هناك أمر آخر "
تكلمت فرح بحماس وهي تبتسم بسعادة: " لا شيء آخر مهم يا عمتي.. يوسف هو الأهم... "
قاطعتها العمة فاطمة بهَمّ وهي تقول: " بل هناك الأهم من ذلك "
قطبت فرح متعجبة وهي تقول: " أهم من حقيقة أن يوسف إبن عمي حيّ "
تنهدت فاطمة قبل أن تجيبها: " نعم بنيتي هناك ما هو أهم من كون يوسف حيّ فهناك من كاد عمره يفنى قبل أن يكتشف ذاته الحقيقية "
سادت بعض الهمهمات الدالة على عدم فهمهم لما تقول فرفعت بصرها إلى خالد تسأله بغموض: " قل لي يا أبا قاسم.. أ هناك ما تخفيه عنا؟ "
قطب خالد قليلا وهو يقول: " أنا! بالطبع لا فماذا سأخفي عنكم؟ "
ضيقت عينيها قليلا وهي تنظر إلى الحاج عبد الرحمن قائلة بغموض: " إذن أنتَ تعلم يا حاج بما يخفيه طالما يتحدث أبا قاسم بثقة كعادته "
بدت الحيرة على وجه عبد الرحمن وهو يقول: " لا أفهم ما تقصدينه يا أم حبيبة "
رمقت فاطمة قاسم وياسين بشفقة قبل أن ترد بهدوء وتريث: " لا يحق لنا أن نظن أن كل حدث وقع في الماضي دُفن مع الزمن فهناك بعضا من أفعالنا تظل تطاردنا وإن مرت عليها عصور ودهور كالأبناء مثلًا.. حتى وإن تنكرت لهم يظل أثرهم يطاردك لآخر العمر خاصة حينما يكونون كجبال أوتادها راسخة لا تهزها أقوى الرياح "
ران الصمت والاهتمام على الجميع وهي تكمل حديثها بينما كانت تنقل بصرها بين عبد الرحمن وخالد وكأنها تريد الولوج إلى تفكيرهما في هذه اللحظة: " قد أتفهم كثير من الأمور، اتسامح فيها وأبرر أسبابها بل وأختلق لبعضها الحجج لكن ما لا أفهمه أبدًا كيف يتنكر الوالد من ولده حتى وإن لم يكن له رغبة فيه؟ أي قوة تلك التي يمتلكها لتجعله يفعل شيء كهذا؟ "
قطب خالد بترقب وهو يقول: " ماذا تقصدين بالضبط يا أم حبيبة؟ لماذا أشعر بأنكِ توجهين لي إتهام لسبب أجهله؟ "
نظرت له فاطمة بقوة وهي تقول: " أوَ تجهل السبب حقا يا أبا قاسم؟ أم أقول يا أبا صخر "
ردد خالد بعبوس حائر: " صخر! من صخر هذا؟ "
قطبت فاطمة بإحباط وهي تقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله.. أوَ تجرؤ أيضًا على النكران؟ "
ظنته فاطمة ينكر وظن هو أنه يتوهم ما يسمعه منها فصاح بإنفعال: " ماذا تقولين يا أم حبيبة؟ ما الذي أنكره لا أفهم؟ "
ردت فاطمة بعبوس: " تنكر أن لكَ ولدا اسمه صخر "
هب خالد من مكانه كالملسوع وهو يهتف بذهول حقيقي: " ولد! من أين جاءتكِ تلك الوساوس يا أم حبيبة؟ "
لم ترد فاطمة بكلمة بينما تدخلت ملك تقول: " يوسف من أخبرنا يا عمي "
صاح خالد بعصبية: " يبدو أنه يهذي.. كيف يكون لي ولد ولا أعرفه؟ ومن أين جاء هذا الولد المزعوم من الأساس؟ "
فجأة تكلم عبد الرحمن بصوت قاتم غامض موجها الحديث لابنه وحديثهما الأخير بشأن عثرة الماضي يصدح جليا في الأفق: " هل كانت حاملا وقتها؟ "
إلتفت خالد مصدوما ينظر إلى والده ولسانه دون إرادته يجيب: " أمرتها أن تجهضه "
قطب عبد الرحمن بغضب مكبوت وهو يقول: " وهل تأكدت بنفسك من أنها فعلت؟ "
حرك خالد رأسه سلبا وهو يقول بخفوت شاحب الوجه من الصدمة وهول الخبر: " لقد سافرت مباشرة بعدما طلقتها ولم أعرف عنها أي شيء بعدها بأمرك "
أخيرا خرج قاسم عن صمته وهو يسأل والده بصوت بارد لا حياة فيه: " متى فعلتها يا أبي؟ قبل أن تتزوج بأمي أم... أم بعدما تزوجتها؟ "
رد خالد وشحوبه يزداد: " بعد زواجي منها بثلاثة أعوام "
رمش قاسم لوهلة وهو يقول بصوت حمل غصة خانقة: " إذن لازلت أنا ولدك البكري يا أبي لكن... لكني قصرت في رعاية أخ لي كما لم أفعل مع أحد من قبل وذلك بسبب اخفائك أمر بهذه الأهمية عنا "
رد خالد بصوت هارب منه: " لم أكن أعرف بوجوده.. أنا... ظننتها أجهضته.. ليال لم تكن تلك المرأة المولعة بالأطفال وأنا... "
هب ياسين فجأة يقول: " وأنت ماذا يا أبي؟ تدعي الفضيلة أمامنا وأنت في جوفك تحمل من الضعف ما لا يليق بالرجال... "
" ياااسين "
أخرسته صرخة قاسم الجهورية باسمه وبترت جملته التي كانت تحمل المزيد من الشتائم والتطاول على والده
هذا هو ياسين دومًا لسانه يسبق عقله واندفاعه يسبق صبره وحكمته.
وقف ياسين يلهث بأنفاس هادرة غاضبة ومشاعر متأججة بالقهر قبل أن يدفعه قاسم بخشونة إلى خارج المجلس وهو يقول: " ستستمع إلينا وأنت تقف أمام الباب فبعد وقاحتك تلك لا مكان لك بيننا اللحظة حتى تتعلم التحكم في أعصابك... ولسانك "
كتم ياسين شهقة كادت أن تفلت منه وهو يقول بعينين دامعتين: " قاسم أنا أحترق "
رد قاسم وهو ينظر إلى عمق عينيه: " أعلم فأنا الآخر على وشك الانفجار "
ازدرد ياسين ريقه بصعوبة بالغة هو يقول بتحشرج: " دعني أبقى ولن أفتح فمي بكلمة "
هز قاسم رأسه سلبا وهو يقول بصلابة: " لن تستطيع السكوت وتمالك أعصابك وأنا لن أسمح لك بأن تهين والدنا لا أمام أحد ولا حتى أمام نفسه لذا فخروجك هو الأفضل "
أنهى جملته وهو يغلق الباب في وجه ياسين الذي استدار ببطء قبل أن ينزلق ملامسا الجدار جالسا على الأرض وهو يترك العنان لدموعه تنساب كما تشاء دون أن يبالي بأن يراه أحد
بعد خروج ياسين وعودة الصمت سألت فرح بصدمة: " أنا لا أفهم شيء يا أبي.. من ليال هذه؟ ومن صخر؟ هل لي أخا حقا؟ "
كان رد خالد الوحيد قبل أن يلتزم مجلسه وصمته من جديد: " لا أعلم "
بعد صمت طويل سألت شمس بتوتر: " نحتاج إلى توضيح أكثر يا جدي فإن كان ما يدعيه يوسف حق بأن لنا ابن عم فمن حقنا أن نتعرف عليه "
رد عبد الرحمن بحدة يقول: " لطالما كانت وصمة العار الوحيدة في حياته كلها تلك المرأة ال... "
قاطعه خالد بضعف: " أبي أرجوك "
هتف عبد الرحمن غاضبا: " ألازلت تحب تلك المرأة الرخيصة؟ "
وضع خالد رأسه مستندة بين كفيه في قهر وهو يقول من بين أسنانه: " بالله عليك يا أبي لا تزد "
أجفل الجميع على صوت عصا عبد الرحمن وهي تدك الأرض بغضب مع ارتفاع صوت صاحبها وهو يهدر: " إذن لم أنجح في انتزاعها من قلبك كما كنت أظن.. لازلت غارقا في عشقها الذي لم تستطع أن تتخلص منه بعد "
تمتم خالد ببؤس: " رُحماك يارب "
أشار عبد الرحمن فجأة الى آدم يقول: " هاتف يوسف حالا وأخبره أن... "
" رغم أنك تأخرت كثيرا في الإفراج عني من السجن الذي وضعتني فيه قبل عشر سنوات لكني حضرت بنفسي ولا حاجة لأن تسألني عن شيء عبر الهاتف يا جدي "
تعالت همهمات الجميع بكلمة واحدة واسم واحد رددوه في صوت واحد ذاهل: " يوسف "
اومأ يوسف بخفة وهو يفتح ذراعيه قائلا بفكاهة لا تليق بالحدث: " بشحمه ولحمه، جملة وتفصيلا "
تسمر الجميع للحظات قبل أن ينهضوا فجأة وكأنهم للتو أصابهم الفواق بأن من أمامهم هو يوسف حقا
يوسف الابن الغائب
ابن العم الذي كان في اعتقادهم تحت الثرى
الأخ والتوأم الحبيب
الحفيد القريب للقلب
والصديق الصدوق
قبل أن يتحرك أحد إليه قال بحزم: " لا سلام قبل إستكمال الجلسة والوصول إلى حل.. نحن في مأزق حقيقي يا سادة "
التزموا جميعا أماكنهم بالفعل وكل واحد منهم يطالعه بلهفة ويكتم مشاعر اشتياقه إليه حتى يصلوا إلى نتيجة في تلك الورطة التي ظهرت لهم من العدم
اقترب يوسف وجلس إلى جوار نبض التي كانت تتخذ من إحدى الأرائك البعيدة نسبيا عنهم مجلسا لها
أشاحت بوجهها عنه على الفور دون أن توجه له كلمة واحدة ولتكن عتاب كما تمنى
تنهد هو قائلا بخفوت إلى جوار أذنها: " هل سيحدث شيء إن سمحنا لدكتور معتز بسماع ما نقول؟ "
نظرت إلى يده التي تحمل هاتفه بفهم قبل أن تتمتم بخفوت رغما عنها: " أخشى أن يتلفظ جدي عبد الرحمن بما يسيء إليه "
طمأنها بالقول: " لا تخافي هو من طلب مني ذلك وبالتأكيد سيتفهم سبب انفعال جدي.. دكتور معتز حكيم وعاقل "
تمتمت بتنهيد: " أفعل ما تشاء "
شغل يوسف الصوت الذي كان قد كتمه قبل دخوله إلى المجلس فأصبح معتز يسمع ما يقولون على الجانب الآخر من خلال هذا الاتصال الذي بينه وبين يوسف
خلال بضعة دقائق حدثت مشادة كلامية قوية بين عبد الرحمن وولده خالد وسط صمت الجميع حتى هتف خالد فجأة بقهر لم يكن فيه يومًا: " ما ذنبي أني أحببتها؟ لطالما أحببتها قبل أن اتزوج من ابنة عمي واخبرتك برغبتي فيها لكنك رفضت يا أبي كالكثير من الأمور التي كنت اطلبها فترفضها دون أن تناقشني فيها حتى "
نهض من مكانه وهو يكمل بحرقة: " إن كنت تريد إلقاء اللوم على أحد فها أنا أمامك إرمه عليّ وحدي كالعادة ولن أجادلك في هذا لأنني أستحق.. أنا من تزوجت على زوجتي ولم أستطع أن امنحها قلبي، أنا من سعيت خلف حلم كان يمثل لي كل ألوان الحياة وحينما حققته أتيت على غفلة يا أبي وانتزعته مني "
ضرب على صدره وهو يتابع: " أنا من استغليت سذاجتها وبراءتها وأوهمتها بأنني لم أتزوج بعد وبأنني باقٍ على حبي لها.. نعم كذبت في أول شيء لكنني لم أكذب في الثاني "
طفرت عينيه بعبرات حاول منعها من السقوط وهو يضيف المزيد بقهر تأصل في نبرة صوته: " أسبوع واحد.. فقط أسبوع وكما دخلت جنتها غفلة خرجت منها على غفلة أيضًا.. أتذكُر حينما علمت يا أبي ماذا فعلت بي؟ "
قطب جبينه بغضب مكبوت وهو يقول: " لطمتني على وجهي كطفل صغير أمامها وصرخت في وجهي بأني حقير.. وضعتني في مواجهة صعبة وأنت تخيرني بين أن أطلقها وأعود لعائلتي وزوجتي وابني وبين... وبين أن أظل معها شرط أن أطلق ابنة عمي وفي المقابل أنسى أنني رجل من عائلة الجبالي وأن لي ولد من الأساس "
صر خالد على أسنانه بقوة حتى كاد يطحنها وهو يكمل بصوت ينبض بالغيظ والندم: " لم يكن أمامي إلا أن أختار عائلتي وأعود صاغرا معك في نفس اللحظة كما أمرتني.. طلقتها وتركت معها كل ما كان لها عندي وعدتُ معك يا أبي رجل بلا قلب لأنني كنت تركته معها هو الآخر فهي الأحق بممتلكاتها مني "
فرت دمعة حارة رغما عنه وهو يشير إلى قاسم بينما يوجه حديثه لوالده: " عدتُ لأجله.. لأنني لم أستطع احتمال فكرة أن أخسر ولدي حتى وإن كان من المرأة التي تزوجتها غصبا بأمر من أبي حتى لا يصدر فرمانا سريعا بطردي من العائلة.. أنظر يا أبي لما جنيته بيدي اللحظة؟ أنظر إلى ما خسرته أنا في المقابل "
نكس رأسه بقهر وانكسار وهو يقول: " في تلك اللحظة أشعر بأنني ما خسرت قلبي فقط منذ سنوات بل إنني خسرت روحي أيضًا.. خسارة الولد ليست بالخسارة الهينة يا أبي وأنت تعلم ذلك وتعلم كيف أن مذاقها كالعلقم؟ "
وسط سكون الجو ووجوم الجميع صدحت شهقة حادة بدت أن صاحبتها لم تتحكم في كتمها أكثر من ذلك وتلاها انفجارها في البكاء
كان يوسف يطالعها متألما لحالها ولا يقو على فعل شيء لها وبعد لحظات نهضت نبض من مكانها واقتربت من خالد ببطء حتى أصبحت تقف قبالته فقالت بصوت مختنق رغم نبرته الحانية: " صخر شاب رائع.. فخر لأي عائلة وأي أب.. هو قاسي قليلا لكنه حنون جدا.. رجل على حق سيسعدك التعرف عليه "
طالعتها ملك بذهول أقرب إلى الصدمة لا تصدق بأن نبض هي من تتحدث عن صخر بهذه الطريقة الحنونة الودودة وكأنه بالأمس فقط لم تكتشف خداعه وكذبه عليها
أما قاسم ورغم طوفان المشاعر والأفكار التي تعصف في رأسه فقد أشفق عليها خاصة وهي تبدو على هذا النحو الرقيق الضعيف الذي يمس القلب ويتفتت له الحجر
رمشت قليلا قبل أن تقول بصوت مختنق باك: " إنه أحمق يقول بأن لا أب له.. ذاك الجاحد لا يعلم بأن له أب رائع مثلك عماه فأرجوك أثبت له أنه مخطئ "
تدخل يوسف يقول ساخرا: " هل تظنين الأمر بهذه السهولة يا نبض؟ صخر لن يتقبل عمي ببساطة؟ "
حدجته بنظرة حارقة وهي تربت على كتف خالد دون وعي وكأنها تواسيه وتقدم له دعمها بينما ترد على يوسف: " رغما عنه سيتقبله كما سأتقبله أنا في المقابل.. لا تنس بأن عمي خالد لم يكن يعلم بوجوده وهذه نقطة تحسب له أما ذاك الأحمق المتعجرف فقد خدعني وجرحني دون أن أؤذيه وهذه نقطة تحسب عليه "
ابتسم يوسف رغما عنه قائلًا: " بتِ تحسبين الأمور بطريقة عقلانية وتستغلين الثغرات لصالحكِ "
اومأت بتهكم وهي ترد بقهر: " يجب أن أفعل ذلك واستيقظ من غفلتي قبل أن يفكر أحد في خداعي من جديد.. أظن بأن الضربتين التي تلقيتهما منكَ أنتَ وصخر تكفياني العمر كله "
أطرق يوسف رأسه بندم بينما إلتفتت هي إلى خالد تقول بصلابة: " لم يفت الأوان لاسترجاعه بعد عماه.. أنا معك وسأظل معك حتى تجمع شمل أبنائك جميعا "
قبل أن يتكلم خالد سبقه والده وهو يقول بلهجة جافة: " ذلك الولد لن أعترف به أبدًا.. هو ليس منا كما لسنا منه "
أصدر عبد الرحمن حكمه دون تفكير، دون تحليل.. حكم صارم في إطلاقه ظالم في ظاهره وشديد القسوة والجور في باطنه.
قطبت نبض بغضب وحمائية لأجل صخر وهي تهتف: " يجب أن تقابله أولاً وتتعرف عليه قبل أن تصدر حكمك عليه يا جدي.. هذه هي العدالة "
هتف عبد الرحمن باستحقار: " لن أمنح ابن هذه المرأة الرخيصة شرف النسب لعائلة الجبالي "
تعالت الشهقات والهمهمات بين الجميع وهم يطالعون عبد الرحمن في صدمة من قسوته وحديثه الجارح في حق ليال بينما هتفت نبض: " أنتَ مخطئ يا جدي.. عمتي ليال امرأة شريفة ذات نسب تتشرف به أعرق العائلات كما أنني لا أصدق بأن امرأة على خُلقها قد تكون بهذه الحقارة التي تدعيها يا جدي "
أشار عبد الرحمن إليها بعصاة وهو يقول بغلظة مهينة: " أسكتِ أنتِ ولا تتدخلي فيما لا يخصكِ.. طفلة صغيرة مثلكِ لا تعي أمور كبيرة كهذه لا يحق لها أن تقف أمامي لتملي عليّ الصواب والخطأ "
قطبت قليلا وهي تقول بشجاعة: " هذا الأمر يخصني أكثر من أي شخص آخر يا جدي.. فإن كان صخر ابن عمي خالد فعلا فلابد أن يعترف به ويجد حلا لتلك المشكلة حتى يمنحه هويته الحقيقية كما يستحق.. هذا الأمر في غاية الأهمية بالنسبة لي شخصيا لأنني... لأنني زوجته "
صاح الجميع بصدمة بسؤال واحد: " ماذا؟ "
هدر يوسف فجأة قبل أن تتمكن نبض من الرد على سؤالهم: " أنت مجبر على تقبله يا جدي "
رفع عبد الرحمن حاجبا وهو يقول بحدة: " ومن ذاك الذي سيجبرني؟ "
رد يوسف وهو ينظر إلى جده ببرود مدعي: " أنت من ستجبر نفسك على تقبله يا جدي إن لم يكن لأنه حفيدك فلأجل أن ترد له جميل ما صنعه معي قبل عشر سنوات "
نظر زيد إلى أخيه بدهشة فأومأ يوسف بخفة وقد فهم سبب دهشته فقال: " نعم ما فهمته صحيح يا زيد.. صخر هو ذاك الصبي الذي ظهر فجأة وتلقى تلك الرصاصة الغادرة بدلا مني.. هو من كاد يخسر حياته في سبيل أن يحمي شخص لا يعرفه.. دفعته غريزته النقية لحمايتي دون أن يفكر في نفسه في المقام الأول كما يفعل الكثيرون "
قطب عبد الرحمن غير مصدقا ما يقول فتدخل سليم فجأة يقول بذهول: " أ تقصد أن ابن الدكتور معتز صديق دكتور مختار رحمه الله هو نفسه ذاك الصبي الذي تقول أنه ابن عمك خالد؟ "
تبسم يوسف بفكاهة لا تليق بالموقف وهو يرد: " لم يعد صبي يا أبي.. إنه في السابعة والعشرين من عمره الآن "
تمتمت نبض بخفوت: " سيكمل عامه السابع والعشرين في نهاية هذا الشهر "
هللت فرح فجأة مجفلة الجميع: " لي أخ.. سيكون لي أخ جديد.. يا لهناي! "
طالعتها شمس بذهول بينما قالت حفصة ببسمة حنونة: " وكأنه طفلا رضيعا ستلعبين معه! يوسف قال إنه في السابعة والعشرين "
صفقت فرح بجذل وهي تقول بسعادة غافلة عمن حولها: " ما يهمني أن لي أخا جديدا سيدللني وهكذا أكون أكثركن حظا.. يا لهناي! بات هناك حارسا جديدا في قصر الأميرة فرح "
فاجئتهم وهي تهرول للخارج متمتمة بحماس: " لابد أن أفكر سريعا في طريقة جيدة لاستقباله حينما يحضر.. يجب أن أرتب لكل شيء منذ اللحظة "
نظرت شمس إلى والدها تقول بخفوت: " هل جُنت؟ "
ابتسم أكرم دون تعقيب بينما قال زيد متأثرا بوجود أخيه وعودته بعد طول غياب: " يوسف محق يا جدي.. ما فعله صخر سيبقى جميل فوق رؤوسنا طوال العمر وأنا أرى أن أفضل طريقة لنرد جميله أن نمنحه ما يستحق "
نظر عبد الرحمن إلى سليم قائلا بسخط: " ما قولك فيما يهذي به ولديك؟ هل ستتخذ صفهما أنت أيضا؟ "
رد سليم بلطف: " يا أبي الحق أحق أن يتبع، وهذا ما تعلمناه منكَ.. المعروف الذي صنعه صخر مع يوسف يجبرني على الوقوف بصفه حتى وإن عارضتموه جميعا.. لا أستطيع أنا سوا تأييده ونصرته "
أشاح عبد الرحمن بوجهه غاضبا فتلاقت عينيه بعيني صديق عمره
كان صالح يمثل الجانب المستمع والمفكر في صمت.. منذ بداية الجلسة لم يحاول أن يتدخل أو يبدي رأيه أبداً حتى يعلم ما يفكر به الجميع لكن في هذه اللحظة شعر بأن عليه أن يخرج عن صمته أخيرا ويدلي بما توصل إليه
تنحنح صالح بهدوء وهو يقول: " ما أفهمه وتربينا عليه معا يا أبا خالد أن المولى سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: 'بسم الله الرحمن الرحيم'
<< وَلَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربَى... >> |سورة فاطر|
فإن كان لديك أي تحفظ على طليقة ابنك فهذا لا يسمح لك بأن تعاقب ابنها على ذنبها لأن هذا ظلما له ولا يمس لحكم العدل بصلة.. فكر مليا في الأمر فقبل أن تطلق الأحكام فالولد يظل من دمك حتى وإن رفضت ذلك "
هدر عبد الرحمن بإقتضاب: " وما أدرانا أنها تقول الحق وهذا الولد من نسلنا حقا؟ ما أدرانا أن هذه ليست لعبة وضيعة منها؟ "
قطبت نبض تقول بتعجب حانق: " ولماذا برأيك ستضطر عمتي ليال لأن تحيك تلك اللعبة عليكم يا جدي؟ إنها امرأة متزوجة ولديها ابنة أخرى من زوجها وهي تحبه جداً "
توسعت عينيّ خالد بألم من تلك الضربة التي وجهتها له نبض دون أن تشعر وهو يقول بصوت لم يسمعه أحد: " تحبه جداً "
أكملت نبض تقول: " وعامة هناك فحص للحمض المنوي يسمى ال dna يمكن لعمي خالد أن يجريه هو وصخر حتى تتأكدوا من أنه ابنه بالفعل "
تدخل يوسف يقول بإحباط: " صخر سافر "
تمتمت نبض مصدومة: " سافر وتركني وحدي! "
بدأ ياسين يطرق على الباب ببعض العصبية وهو يقول بصوت حانق: " كفاكم كشفا لمصائب جديدة فلننتهي أولاً مما بين أيدينا الآن "
ران الصمت على الجميع لبضعة دقائق حتى قال صالح بمهادنة وهو ينظر إلى صديقه: " دعنا ننتظر حتى يعود الشاب من سفره لكي نجري ذلك الفحص حتى نتأكد وبعدها فليقدم الله ما فيه الخير يا أبا خالد.. لا تتعجل الأمور "
كانت كلمات صالح كجملة ختامية بعد مقال طويل استمر لساعات عصيبة بين مد وجزر
***

بعد شهر / في إسطنبول
كان صخر ينام على الأريكة في غرفة جدته ملتحفا ببؤسه وسُحب ضياعه ليقي نفسه من برودة الجو التي تنبعث من صميم روحه
منذ دقائق وهو يستمع إلى تلك الترنيمات الخافتة التي تتمتم بها جدته والتي تتمتع بصوت عذب لم ينال منه الزمن
سكتت التمتمات فجأة وتبعها صوت جدته تقول بتنهيد: " مللت تجاهلك وأنت تتصنع النوم يا ولد.. تعال إلى هنا حالا "
زفر صخر بإحباط وهو يزيح ذراعه عن رأسه ويستقيم بتكاسل عن الأريكة متقدما من فراش جدته بهدوء حتى جلس إلى جوارها قائلا: " أوامرك جلنار هانم "
عبست في وجهه بطفولية وهي تقول بلكنة عربية متكسرة: " لماذا تتصنع النوم يا ولد؟ هل مللت مجالستي؟ "
رمقها صخر بإحباط وهو يغمغم: " دعينا أولاً نتفق على شيء وهو أنكِ فاشلة جدا في التحدث بالعربية لذلك أرجوكِ لا تحاولي التحدث بها مجددا حتى لا تفسدين لغتي "
ضربته على رأسه وهي تتمتم بغيظ: " ولد وقح، قليل الأدب والحياء "
إبتسم وهو يقول بسماجة: " شكرا جلنار هانم لكني لا أحب أن يمتدحني أحد "
تأففت جلنار كطفلة صغيرة وهي تقول: " لا أصدق أن ابنتي الرقيقة الجميلة أنجبت هذا الثور؟ ياربي لطفك "
رد صخر بلامبالاة وهو يقول: " ليس هذا فحسب بل وأنجبت متشردة أخرى تشبه العفاريت "
شهقت جلنار بقوة وهي تقول: " متشردة تشبه العفاريت.. هل تقصد صغيرتي نغم؟ "
غمغم صخر ببرود: " ظلمها من سماها نغم بل كان يجب تسميتها فزع "
شهقت جلنار من جديد وهي تقول: " فزع! "
كتم ضحكة كادت تفلت منه وهو يرى مظاهر الرعب تتجلى بالفعل على وجه جدته وهي تضع يدها على صدرها
طرق شخص ما الباب بخفة ثم دخل قبل أن يمنحه أحد الإذن حتى وتقدمت شذى من فراش الجدة بخفة وهي تقول بمشاكسة: " بدأت أغار من حفيدكِ جلنار هانم منذ حضر وهو يستحوذ على جل وقتكِ بالكامل "
ابتسمت جلنار بحنان وهي تربت على ذراعه بينما تقول: " يحق لكِ أن تغاري "
جلست شذى إلى جوار جدتها وهي تخاطب صخر قائلة: " لم تخبرنا يا صخر لكم من الوقت ستظل معنا هنا؟ "
رد صخر بهدوء: " لم أقرر بعد "
قالت شذى بحماس: " أتمنى أن تطيل البقاء هذه المرة فأمامنا الكثير من الأمور يمكننا أن نفعلها معا "
لم يرد صخر بينما يحدث نفسه: " أين أنتِ يا نغم؟ لكم أحتاجكِ في هذه اللحظة لتكفي يدي شذى عني "
تبادلوا الحديث لبعض الوقت حتى قالت جلنار بعبوس: " أكملا حديثكما خارج غرفتي.. أريد أن أرتاح "
عبس صخر بقرف مصطنع وهو يستقيم على قدميه بينما يقول: " وكأنكِ تطردينني من الجنة يا جلنار؟ أنتم لا تمتلكون أبسط قواعد الذوق في حسن استقبال ضيوفكم حتى "
زمت جلنار شفتيها وهي ترد: " دع الذوق لأصحابه فأنا أعاملك بالطريقة التي تفهمها يا ولد.. أنت جلف ولا تفلح معك سوا هذه الطريقة الجافة "
رفع حاجبيه ساخرا وهو يقول: " من الجميل أن أجد من يفهمني أخيرا.. يبدو أنني سأطيل البقاء حقا "
خرج بعدها وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله متمتما بتحية خافتة فلحقت به شذى وهي تغلق باب غرفة جدتهما قبل أن تقول: " إلى أين أنت ذاهب؟ "
رد صخر دون أن يتوقف عن متابعة سيره: " إلى غرفتي أحتاج الى الراحة أنا الآخر.. أراكِ في المساء إن شاء الله "
لحقت به من جديد بسرعة وهي تمسك بمرفقه قائلة بدلال رقيق: " يمكنني أن أجلس إلى جوارك حتى تنام فأنا لا أشعر بالنعاس وقد استيقظت قبل وقت قصير "
نظر صخر إلى يدها المتشبثة به قبل أن يرفع عينيه إليها قائلا بتهكم: " أنا لا أخاف النوم في غرفة وحدي، ولا أحتاج لمن يهدهدني حتى أنام، ولا أحب سماع قصص ما قبل النوم.. أخبريني إذن لما قد أسمح لكِ بأن تجلسين إلى جواري حتى أنام؟ "
رفعت يدها الأخرى تضعها على صدره وهي تقول بخفوت لاهث يحمل الرجاء: " صخر أنا أريدك وأنت تعلم ذلك لكنك لا تمنحني أي فرصة.. لما لا تدعني أقترب منك كما أريد لأمنحك ما تستحق؟ "
أغمض عينيه بيأس وهو يشعر بها تقترب منه أكثر ولا يعلم كيف يصدها؟
وللمرة الثانية يتمنى حقا لو كانت نغم أتت معه إلى هنا.
ما هذا الحظ البائس إنه لم ينته من ريم بعد حتى ظهرت له شذى وهذه الأخيرة لا يريد جرحها إحتراما لصلة الرحم بينهما
صلة لا يبدو أنها تبالي بها كما يفعل هو
فتح عينيه ببطء ونظر إلى عينيها الخضراواتين وهو يقول بصوت هادئ جاد: " اسمعيني شذى.. أنتِ لستِ ابنة خالتي فحسب بل أنتِ إنسانة غالية عليّ وما تطلبينه أمر صعب لا سبيل لتحقيقه سوا بالزواج وأنا... "
قاطعته بلهفة وأمل تقول: " إذن دعنا نتزوج أنا أحبك ويمكنني جعلك تحبني في بضعة أيام كل ما أحتاجه منك أن تمنحني فرصة.. فقط فرصة واحدة يا صخر "
زفر بإحباط وهو يقول: " دعيني أكمل كلامي من فضلكِ "
نظرت له بترقب فتابع بلطف: " شذى أنا لا أملك ما أقدمه لكِ أو لأي فتاة أخرى ولا أريد أن أظلمكِ معي فأنت تستحقين الأفضل.. وصدقيني أنا لستُ الأفضل لكِ وأبداً لن أكون "
ردت بهيام دون أن تيأس: " أنا أحبك "
فرد هو بإندفاع دون أن يشعر حتى بما يقول: " وأنا أحب أخرى "
قطبت شذى بضيق وهي تسأله: " لكنك قلت أنك لا تملك ما تمنحه لي أو لأي فتاة أخرى "
تنهد بعمق وهو يقول بصوت مرهق: " لم أعد أملك المزيد بالفعل لأنني سبق وقدمت كل ما أملك لتلك الفتاة التي أحببتها "
سألته بغل: " من تكون؟ "
رد ببساطة حتى ينهي هذا النقاش: " نبض "
شهقت بصدمة أخرستها للحظات قبل أن تهدر بحقد شديد: " هل فضلت تلك الطفلة الحمقاء عليّ أنا؟ "
رفع صخر حاجبا وقد تصلبت ملامحه بجمود وهو يرد: " لم تكوني يوما ضمن مخططاتي يا شذى ولم أضع نبض أبدا في منافسة مع أخرى لأنها بالطبع كانت ستربح في كل مرة.. لم أفضلها عليكِ أنتِ أو غيركِ لكنني ببساطة منحتها ما أملك لأنها تستحق "
صمت لحظة ثم قال وكأنه يريد أن يجرحها علها تبتعد عنه وتنسى تلك الأوهام التي تعيش فيها: " إنها زوجتي "
شهقت شذى من الصدمة وظلت للحظات طويلة تطالعه بشراسة ثم هدرت فجأة بصوت مرتفع: " زواجكما باطلا.. كيف تدعي الفضيلة وأنت تقيم معها علاقة محرمة.. أ نسيت أنك لا تمتلك هوية... "
قاطعها صوت جلنار فجأة وهي تقف عند باب غرفتها: " كفى شذى "
إلتفتت شذى إلى جدتها تقول: " أنا لا أقول شيئا خاطئا.. أليس..."
قاطعتها جلنار من جديد وهي تقول بحزم: " لا أريد سماع كلمة أخرى منكِ.. اذهبي إلى غرفتكِ وأنت صخر تعال.. هناك ما يجب أن نتحدث فيه "
رد صخر بإرهاق من بين أسنانه: " انتظري حتى الصباح فأنا متعب وأحتاج للراحة الآن "
قطبت جلنار بعناد تقول: " لا.. سنتحدث الآن "
أطرق رأسه يزفر بيأس وهو يغمغم بخفوت: " يا إلهي! نبض أخرى في عنادها وتعنتها "
***

أخبرها صخر بإيجاز عما حدث في الفترة الأخيرة وكانت جلنار كعادتها مستمعة جيدة لم تحاول أن تقاطعه حتى سكت هو من تلقاء نفسه فقالت بهدوء تام: " لم يكن عليك الهرب من الساحة قبل أن تنتهي المعركة فإما تنتصر على خصمك أو تُهزم وفي هذه الحالة تفكر في طريقة أخرى لتحقق النصر في آخر الأمر "
أطرق رأسه بإحباط وهو يرد: " هذه المرة الأمر مختلف.. أنا أحارب في أكثر من اتجاه ولسوء حظي جميعهم ضدي "
سألته بترقب: " وماذا عن نبض؟ "
رد بشرود: " إنها أصعب معاركي وأخشى أن أُهزم فيها.. خسارتها لا يمكنني تعويضها بأي شخص "
قالت جلنار بحنان: " يبدو أنك تحبها حقا "
رفع عينيه إليها يقول بصوت عميق: " لا أعرف لكنني على تمام الثقة بأن الحب لم يُخلَق إلا لأجلها وحدها؟ "
وضعت يدها على كتفه وهي تقول: " لن تقف ضدك.. نبض ستدعمك "
سألها مقطبا حاجبيه: " وما أدراكِ؟ "
رفعت حاجبها بمكر وهي تجيبه: " مُحال أن تتخلى الفرس عن فارسها وقتما يحتاجها حتى وإن أساء إليها يومًا.. إن كان فرسك أصيل فلا تخف ستظل في قلبه حتى الأبد لأنك راعيه "
أطرق رأسه وهو يتخلل خصلات شعره قائلا بمناكفة: " الآن فقط اكتشفت من يدفعني دفعا إلى الغرور والعجرفة "
ابتسمت جلنار بفخر وهي تقول: " تليق بك ثم إنك صخر وكفى ولهذا تستحق كل وأي شيء "
قهقه صخر برضا وهو يقول: " لهذا السبب ألجأ إليكِ بعد كل هزيمة تلحق بي.. ثقتكِ بي تمنحني شعورا رائعا وكأنني فارسا بحق كما تصفينني "
ربتت على رأسه وهي تقول: " لا تقلق وقودك لدي.. كلما شعرت بأن مخزونك قارب على النفاذ تعال إلى هنا لتشحن طاقتك ومن ثم تعاود الرجوع إلى ساحة القتال.. أريدك أن تبشرني دومًا بانتصارك لا أحب رؤيتك يومًا مهزوما "
رفع رأسه بغتة يقول: " لما لا تأتِ معي وتحاولين اقناعها؟ نبض ستسمع منكِ أنا واثق "
قطبت بحيرة تسأله: " ولماذا أنت واثق بهذا القدر؟ "
رد ببساطة: " لأنها رقيقة خجولة ستُحرج منكِ ولن تستطيع معكِ الجدال أو العناد "
أمسك يديها برجاء يقول: " ستفعلينها لأجلي يا جلنار أليس كذلك؟ "
رفعت حاجبا وهي تقول: " على شرط أن تمنحني حفيد في أقرب وقت "
شحب وجهه وهو يرد: " عن أي حفيد تتحدثين يا جلنار أنا لا أملك هوية أتزوج نبض بها؟ "
قطبت ببرود تقول: " هذه مشكلتك وحدك "
فعبس بضيق يسألها: " ماذا تريدين بالضبط؟ "
ردت بهدوء حذر: " أريدك أن تترك الماضي للماضي وتبحث عن ذاتك.. أريدك أن تحيا حاضرك في سلام وتخطط لمستقبلك كما يفعل أي بشر سوي "
جز على أسنانه بقوة وهو يقول بنبرة غاضبة: " كيف تقولين هذا وأنتِ أدرى الناس بما حل بي بسبب هذا الماضي؟ أخبريني جدتي أي إنسان سوي هذا الذي سأبحث عنه وأنا على هذا النحو المعقد من البشر؟ "
تنهدت جلنار في كآبة وهي تقول: " وحتى متى ستظل معقدا هكذا؟ لابد أن تتخذ خطوة نحو المستقبل إن كنت تريد أن تحيا حياتك مع نبض حقا كما تقول.. لن تملكها بين يديك قبل أن تحصل على هويتك المفقودة وإن ظللت عنيدا لهذا الحد فأنا أؤكد لك أنك ستخسر نبض فهي لن تنتظرك العمر كله "
فتح فمه ليرد حينما سبقه صوت هاتفه ذو الرنين المكتوم وشاشته تضوي بإسم سعد
قطب للحظة بتفكير سريع قبل أن يرفع الهاتف إلى أذنه وهو يرد بهدوء: " السلام عليك "
رد سعد التحية بنفس الهدوء: " وعليك السلام.. عندي لك خبر جديد "
سأل صخر بترقب موجز: " أسمعك "
رد سعد: " فؤاد يجهز لصفقة سلاح سيعقدها خلال الشهر المقبل مع إحدى التجار في الخارج "
رمق صخر جلنار بغموض فوجدها تعبس مغتاظة لأنها لم تفهم أكثر ما قاله سعد بينما الأخير كان يكمل حديثه: " أظن أنه بات يشك بي في الفترة الأخيرة "
قطب صخر بضيق وهو يقول: " لماذا؟ ماذا فعلت حتى جعلته يشك فيكَ؟ "
رد سعد بخشونة: " بالطبع لم أفعل شيء هل تظنني أحمق، لكنه بات حذرا تجاهي منذ تلك المرة التي أمرني فيها بقتل ابن الجبالية؟ "
تكلم صخر بهدوء حذر: " سعد أنت أخبرته ما اتفقنا عليه أليس كذلك؟ "
أكد سعد كلامه وهو يقول بصدق: " بلى أخبرته ما حدث دون أن أكذب عليه واختزلت مما جرى ما وجدته لا يخصه "
زفر صخر براحة وقد فهم ما يرمي إليه سعد من أنه أخبره عن الشجار الذي جرى بينهما تلك الليلة دون أن يخبره بأن هناك من يقايضه على ترك عائلة الجبالي في حالها مقابل أن يخبره عن قاتل والده الحقيقي
صمت صخر مفكرا فبادر سعد بالحديث يقول: " ماذا سنفعل؟ "
رد صخر بلامبالاة: " لا تشغل عقلك بهذا الأمر، دعه لي سأتصرف فيه أنا حتى لا تؤكد له شكوكه ضدك.. ما عليك إلا أن تخبرني بالتفاصيل حينما ترِدك "
رد سعد ببرود: " حسنا ومتى ستنفذ الجزء الخاص بك من اتفاقنا "
ابتسم صخر ابتسامة خطيرة وهو يقول: " حينما تبلغني بالتفاصيل سأخبرك عن القاتل وسأهديك دليلا قاطعا على ما أقول حتى لا تبحث طويلا خلف ما سأخبرك به وتضيع وقتك "
سأل سعد مترقبا: " في ذات الساعة أليس كذلك؟ "
رد صخر بغموض: " لا.. بل بعد أن تتم تلك الصفقة "
هدر سعد بضيق: " ولماذا عليّ انتظار كل هذا الوقت؟ هل تنوي أن تخلف عهدك معي؟ "
رد صخر ببرود مستفز: " سعد يا ابن حسين الناصر إن لم يكن في عائلتك كلها رجلاً واحداً يبقى على عهده فما ذنبي أنا لتتهمني هذا الاتهام الفظيع؟ أتعلم؟ لقد جرحتني حقا "
هدر سعد بخشونة: " أيها الغبي المتعجرف الذي لا أعرف له شكلا ولا هوية لا تحاول أن تمزح مع سعد الناصر حتى لا يغضب منك وأنت لا تعرف كيف يكون وقت غضبه؟ "
أصدر صخر صوتا متهكما وهو يستفزه بالقول: " بل أعرفه جيدا فالمرة الوحيدة التي قابلته فيها أوسعته ضربا حتى كاد يتوسلني الرحمة لأتوقف "
صاح سعد شاتما بوقاحة جعلت وجه صخر يحتقن غضبا قبل أن يهدر بحدة: " متخلف كعمك تماما لا تجيد التحدث بلطف ولا اختيار اللفظ المناسب للقول "
عاد سعد يشتم من جديد فأبعد صخر الهاتف عن أذنه وهو يغمغم بحنق: " من أين يحصل على تحديث قاموسه هذا المتخلف؟ ألا يوجد لديه سوا الشتائم؟ "
بعد لحظات قليلة أعاد الهاتف إلى أذنه وهو يقول بقرف: " أتمنى أن تكون انتهيت من وصلة السباب الخاصة بك سيد سعد آل الناصر فقد أصبت أذنيّ بتلوث سمعي فظيع وأظنهما يحتاجان لعلاج فوري حتى يتخلصان من تأثير شتائمك الوقحة "
قبل أن يرد سعد قالت جلنار مقطبة بشدة: " شتائم وقحة.. تقصد خادشة للحياء؟ "
اومأ صخر وهو يجيبها بمكر: " نعم الكثير مما يخدش الحياء "
جحظت عينيها بغضب وقد احتقن وجهها بشدة وهي تمد كفها منبسطا أمام صخر قائلة بحزم: " هات الهاتف "
كتم صخر ضحكته وهو يفكر أن قليلا من العبث والتسلية لن يضر فناولها الهاتف وهو يقول: " لكن احذري جلنار فهو كالتيس يقذف كلامه كالحجارة دون حساب "
رفعت جلنار حاجبا بعجرفة وهي تقول: " سترى كيف سأوقفه عند حده؟ "
اومأ صخر كاتما ضحكاته وهو يقول: " طبعا.. طبعا "
رفعت جلنار الهاتف إلى أذنها وبدأت مباشرة في سيل من الكلمات التركية التي كانت كلها توبيخ له على وقاحته وأسلوب غير المهذب في الحديث، كانت توبخه بطريقة يظن السامع لها أنها موجهة لطفل صغير وليس لرجل خشن الطباع كسعد الناصر
لم يستطع صخر كتم ضحكاته أكثر فخرجت كقهقهات مغردة أسعدت قلب جلنار وهي تعطيه الهاتف قائلة بإبتسامة طفولية واسعة: " انتهيت منه "
رفع صخر الهاتف إلى أذنه فبادره سعد يقول بذهول: " لمن كان الصوت السابق؟ لم أفهم كلمة واحدة سوا إسمي والذي كان بنبرة لم أسمعها من قبل بدت كصوت البلابل "
كتم صخر ضحكته بصعوبة وهو يتصنع الغضب قائلا: " أحترم نفسك أيها الثور هل تغازل جدتي؟ "
تكلم سعد مغمغما ببرود: " جدتك من؟ صوتك وحده يشير إلى أنك أكبر منها بعشر سنوات على الأقل "
رد صخر ببرود مقتضب: " لن أكررها لك سعد.. أحترم نفسك "
هدر سعد حانقا: " وهل نطقت يا بني آدم؟ "
تأفف صخر وهو ينهي حديثه قائلا: " سأنتظر التفاصيل.. سلام "
غمغم سعد: " عسى أن ينقضي أجلك قبلها حتى ارتاح من عجرفتك "
رفع صخر حاجبا وهو يقول بقرف: " هل تقول شيء يا سعد؟ "
تمتم سعد بخشونة: " سلام "
حينما وضع صخر الهاتف إلى جواره قالت جلنار بعبوس: " لم أحب هذا الولد أبدًا "
سأل صخر باسما: " لماذا يا جلنار هانم؟ "
ردت بنفس عبوسها الطفولي: " لا أحب أن أتكلم ولا يرد عليّ الطرف الآخر "
قهقه صخر وهو يرد: " حرام عليك يا جلنار أنتِ تظلمينه.. المسكين لم يفهم منكِ كلمة واحدة حتى فعلى أي شيء كان سيرد عليكِ؟ "
حركت كتفيها بخفة وهي تقول: " وماذا أفعل له أنا لا أجيد العربية؟ "
رد صخر بحنو: " لم يجبركِ أحد على تعلمها جلنار هانم رغم أن ابنتكِ تتحدثها بطلاقة تحسدها عليها نساء البلاد العربية كافة "
تبسمت جلنار بفخر وهي تقول: " ليال حبيبتي تحب أن تعرف كل شيء عن أي شيء.. ورثت ذلك عن والدها رحمه الله كان مثلها نهما في البحث عن كل ما يخص أي أمر يروق له "
تنهد صخر وهو يقول: " أنا ونغم ورثنا ذلك عنها أيضًا جدتي وليتنا ما ورثناه "
صمتت ليال دون أن تعقب بشيء بينما قطب صخر بألم وهو يكمل: " أتعلمين جدتي أنا اللحظة أتمنى لو لم تفعل أمي الكثير من الأمور، أولها لو أنها ما غادرت إسطنبول أبداً وسافرت لأي بلد آخر "
رفع بصره إليها وهو يتابع بصوت مختنق: " ليتها ما ألتقت بذاك الرجل ولا أحبته.. وليتكِ استطعتِ منعها من الزواج به "
ردت جلنار بشجن: " ليال صعبة المراس مستحيل أن تغير رأيها على شيء اختارته بكامل إرادتها وهي كانت تحبه "
هدر صخر بضيق وهو يهب من جلسته: " وماذا جنت هي من خلف هذا الحب يا جدتي؟ حطمت نفسها وظلمتني معها.. ما ذنبي أنا؟ هي من أحبته وليس أنا فلماذا إذن أنا من أتعذب وعليّ مواجهة الجميع حتى أظفر بما هو من حقي كأي إبن حر، شرعي؟ "
أطرقت جلنار رأسها بكآبة دون أن ترد وفجأة ضوت شاشة هاتفه برنين جديد فرمق الهاتف بجمود وهو يغلقه دون أن يرى هوية المتصل مغمغما: " لا أريد سماع أحد.. يكفيني ما أنا فيه.. تكفيني مصائبي "
***

في ذات اللحظة / في المدينة الجبلية
كانت تقبض على الهاتف بكفيها وهي تضمهما إلى صدرها والدموع تهطل من عينيها بحرقة كأشد ليالي الشتاء الممطرة
تشهق بين الفينة والأخرى وهي تبكي بنشيج مكتوم وبصرها مثبتا على قرص القمر المكتمل في بهاء
" كنت أريد أن اطمئن عليه فقط.. أردت أن أسمع صوته الذي اشتقته ولم أرد منه المزيد لكنه أغلق الهاتف في وجهي "
شهقت من جديد قبل أن تكمل: " لماذا أشعر بكل هذه الحرقة في داخلي وكأنه أغلق بابه في وجهي وليس هاتفه فحسب؟ "
رأت إحدى النجوم تضوي لوهلة قبل أن يخفت وهجها كالبقية من جديد فنظرت لها بعبوس تقول: " لا أمي لا تحاولي مواساتي تلك المرة لن تفلح معي كلماتكِ المهدئة.. يجب أن ألقن ذاك المتعجرف درسا قاسيا حتى يكف عن ازعاجي بطبعه المستفز هذا أنا... "
قاطعها صوت ياسين من خلفها يقول: " ما شاء الله هكذا تكون اكتملت عائلتنا المتخلفة.. مع من تحدثين يا مجنونة؟ "
إلتفتت نبض له تقول بغيظ: " إذا سمحت ياسين أغرب حالا عن وجهي فأنا بالكاد أحتمل نفسي "
رفع ياسين حاجبا بإستفزاز وهو يرد: " أنا أقف في ملك الحكومة.. إن لم يعجبكِ هذا قدمي شكواكِ إلى الجهات المختصة أنا لن أمنعكِ "
أشاحت بوجهها عنه في حنق وما هي إلا لحظات حتى انفجرت في البكاء بحرقة فرفع ياسين حاجبيه بذهول قبل أن يجلس إلى جوارها على الأرض قائلًا: " لماذا تبكين يا صغيرة؟ "
ردت من بين شهقات بكائها: " أخوك المتعجرف أغلق الهاتف في وجهي "
رفع يديه باستسلام وهو يقول: " ليس أخي أنا برئ منه "
رمقته مقطبة وهي تقول: " لماذا؟ "
رد ببساطة: " لأنه أبكاكِ "
رمشت نبض برقة وهي تبتسم قائلة: " لا أظنه قصد ذلك.. قد يكون رنين الهاتف ازعجه وهو نائم مثلا فأغلقه دون أن يرى هوية المتصل "
قطب ياسين متعجبا وهو يقول: " لماذا لازلتِ تلتمسين له العذر في كل شيء رغم ما فعله معكِ؟ "
ردت نبض بحنو: " لأنه وحيد وبحاجة لدعمي حتى لو لم يطلبه مني لكني أعلم أنه يحتاجه.. أحب أن ألتمس له العذر دومًا حتى لا أغضب منه فأنا لا أحب أن أكون غاضبة منه هو بالذات "
رفع ياسين حاجبا بمكر وهو يقول: " هل تحبينه لهذه الدرجة؟ "
فغرت فاهها بصدمة متمتمة: " أحبه! "
كتم ياسين ضحكته وهو يغير الموضوع حتى لا يحرجها فسألها: " إن لم تكوني غاضبة منه فلماذا كنتِ تبكين إذن؟ "
ردت نبض بخجل: " لأنني أشتقت إلى صوته كثيرًا "
ضيق ياسين عينيه وهو يسألها بمكر: " صوته فقط يا نبض أم هناك المزيد؟ "
نظرت له ببراءة وهي تقول: " ماذا تقصد؟ "
حرك كتفيه بخفة وهو يرد بلامبالاة: " لا شيء.. لا تفكري في كلامي كثيرًا فقد تفقدين الوعي من الخجل إن علمتِ قصدي "
عبست نبض وهي تقول: " هل ما تقصده وقح لهذه الدرجة؟ "
رد ياسين ببساطة مرحة: " بل أكثر وقاحة مما قد تظنين "
تخضب وجهها بحمرة الخجل وهي تشيحه بعيدا عنه بينما تابع هو: " لا أعرف ممن اكتسبت هذه الوقاحة صراحة لكنها تعجبني.. ألا تليق بي؟ "
نظرت له مقطبة بدهشة وهي تردد: " الوقاحة؟ "
اومأ إيجابا وهو يقول: " نعم "
ردت نبض كاتمة ضحكتها: " بلى تليق بك "
إبتسم ياسين برضا وهو يقول: " كنت أعرف.. أظن بأني أكون جذابا أكثر وأنا وقح أليس كذلك؟ "
اومأت برأسها بلا معنى وهي تحاول ألا تضحك حتى لا يغضب فتنهد ياسين متمتما: " كنت أعرف "
بعد لحظات من الصمت الطويل بينهما سألها ياسين بشجن: " أخبريني نبض كيف يكون هو؟ "
سألته نبض في المقابل مدعية عدم الفهم: " من تقصد؟ "
رد ياسين متنهدا: " أخي "
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تنظر أمامها بهدوء قائلة: " لماذا أتيت لتسألني أنا عنه في حين بإمكانك سؤال يوسف أو حتى العمة فاطمة؟ "
رد ياسين وهو يعقد ساعديه مثلها: " لا أعرف صراحة لكنني شعرت بأنني أحتاج لسماع ما أريد بخصوصه منكِ أنتِ.. أشعر بأنكِ ستخبريني بما لن تخبرني به العمة فاطمة ولا يوسف حتى "
رمشت بتعجب وهي تقول: " هذا يعني أنكَ تثق بي "
رد ياسين بتلقائية: " بالطبع أثق بكِ خاصة وقد منحكِ قاسم ثقته الكاملة "
تنهدت نبض وهي تقول بشجن: " أنا سعيدة بحصولي على عائلة رائعة مثل عائلتكم والتعرف على أناس طيبين مثلكم رغم تحفظي على بعض أفعالكم "
إبتسم ياسين إبتسامة جانبية باستخفاف قائلًا: " أنتِ لم ترِ شيء بعد.. في القريب العاجل سيكون لديكِ تحفظ على كل أفعالنا وليس البعض.. فقط انتظري وترقبي المزيد "
عبست نبض بحيرة وهي تقول: " أنت غريب جدا يا ياسين "
قطب ياسين وهو يقول: " لماذا؟ "
ردت بتلقائية: " بالأمس تطاولت على جدك واليوم على أبيك ورغم سخريتك الآن وأنت تتكلم معي إلا إنك لست كما تريد إظهار نفسك "
نظر لها بإهتمام بينما هي تكمل: " أنت لست وقحا كما تدعي ولست سيئا كما يظن البعض بعد ما فعلته مع جدك ووالدك.. لا أقول بأنك لست مخطئا في هذا ولكنك لست سيئا أبدًا "
إبتسم بتهكم وهو يقول: " لست سيئا! وبما تفسرين سيادتك قلة تهذيبي مع جدي وأبي؟ "
ردت ببساطة منطقها الذي تفهمه: " أنت كنت غاضبا، منزعجا مما سمعته وقتها وما دفعك لقول ما قلت دون تفكير كان غضبك وضيقك ليس إلا "
تنهد ياسين بإحباط وهو يقول: " تبسطين الأمر كثيرا يا نبض وتجعلينه أكثر تقبلا ومرونة مما هو عليه "
ردت بلطف: " هذا ما هو عليه بالفعل يا ياسين لكنكم من تميلون إلى التعقيد.. لو فقط تلتمسون الأعذار لبعضكم لكانت مشاكلكم تُحل بطريقة أبسط "
أغمض عينيه بقوة يخفي عنها بؤسه ويأسه وهو يقول: " أنتِ لا تعرفين شيء عن التماس الأعذار يا نبض.. لا تعرفين كم مرة التمست العذر لملاك حتى حظيت أخيراً بفرصة معها.. لا تعرفين كم مرة طلب قاسم الزواج من حياة وفي كل مرة كانت تجيبه بالرفض كان يلتمس لها العذر فيصبر أكثر ويمني نفسه بسماع موافقتها قريبا حتى طلبها من جدي أمامنا جميعا وفي حضور جدي صالح فرفضته.. لا تعلمين ماذا حدث له حينها؟ لا تعرفين حجم الإهانة التي شعر بها "
ترقرق الدمع في عينيها وهي تنظر له بشفقة بينما هو يكمل: " لا يغرنك هيئة رجال عائلتنا المتجبرة وكأنهم جبال حقا لا تهزها الريح ولا تقوى على مسها أيا من المخلوقات.. نحن في عمقنا يسكننا ضعف هو دافعنا الوحيد لكي نظهر بتلك الصورة القوية.. المظاهر خداعة يا نبض فإياكِ والوقوع في فخها "
ابتسمت نبض برقة وهي تقول: " أنت تشبهه في بعض الصفات فهو الآخر يسلك جانب السخرية حينما يريد إخفاء مشاعره الحقيقية عمن حوله "
فتح ياسين عينيه وهو يقول بمشاكسه: " من الأوسم بيننا؟ أنا أم ابن السيدة التركية؟ "
نظرت له نبض وهي تقول بصدق: " صخر لم يأخذ من عمتي ليال أي شيء.. إنه يشبهكم كثيرا "
كرر سؤاله بإصرار: " هل هو وسيم أكثر مني؟ "
ضيقت مقلتيها مفكرة وهي تستحضر صورة صخر من ذاكرتها بقامته المديدة وعرض منكبيه وجسده العضلي الرياضي الذي يناسبه بشكل جذاب وكأنه لا يخرج من مراكز اللياقة البدنية
تذكرت عينيه البنيتين اللتين تحترقان غضبا بعيدا عنها فلا تستطيع حتى أن تواسيه أو تخفف عنه ، وتذكرت ملامحه الرجولية الجذابة، لكنته التركية الراقية التي يلجأ إليها في بعض الأحيان حينما تفلت أعصابه ويغضب أكثر من الطبيعي، صوته القوي ونبرته الواثقة في غرور متأصل بشخصه ويليق به، وتذكرت أكثر ما يغيظها فيه وهو تلك الغرة الناعمة الطويلة التي تسقط أحيانا بشكل عفوي على جبينه فتكاد تخفي عينيه عنها
عبست فجأة فسألها ياسين بتعجب: " ما بكِ؟ أ لهذه الدرجة المقارنة بيننا صعبة؟ "
ردت بعفوية دون أن تشعر: " أكثر مما تظن.. إنه فارس بحق "
إبتسم ياسين باستخفاف وهو يقول: " طمأنتِ قلبي "
ابتسمت نبض بلطف وهي تقول: " لا أقصد التقليل من شأنك ولكن حينما تلتقي به ستدرك بنفسك صعوبة المقارنة بينه وبين أي شخص آخر "
تنهد ياسين بإحباط وهو يتمتم: " أتمنى فقط لو ينتهي هذا الكابوس في أسرع وقت.. فكلما طال الوقت زاد الجرح عمقا "
قطبت نبض برجاء رقيق وهي تقول: " أنت ستدعمه أليس كذلك؟ "
رمقها بطرف عينه وهو يقول: " قاسم ينتظر عودته على أحر من الجمر.. لا أعلم السبب في ذلك إن كان يريد قتله أم امتاع عينيه بالنظر إليه "
شعرت نبض بالفرح لأجل صخر وهي تقول: " فرح أيضا متحمسة لعودته وتريد رؤيته في أسرع وقت "
اومأ إيجابا وهو يرد بهدوء: " فتيات العائلة بأكملها متحمسات للقائه لتكتمل سعادتهن خاصة بعد عودة يوسف "
اتسعت ابتسامتها برقة وهي تقول: " وماذا عنك؟ "
أطرق رأسه بيأس قبل أن يجيبها: " لن أخفي عليكِ غضبي مما اكتشفناه لكنني أيضا أشعر كالجميع بالحماس للقائه.. أشعر وكأننا في انتظار عودة شخص مهم رحل وهاجر لسنوات بعيدا عنا واخيرا سيعود قريبا "
قبل أن تتكلم نبض تابع ياسين: " لكن جدي لازال رافضا له.. لا يريد رؤيته ولا منحه إسم عائلتنا "
رفعت نبض حاجبا بحماس وهي تقول: " سيتراجع عاجلا أو آجلا عن قراره ورفضه خاصة حينما يراكم جميعا تناصرون صخر وتؤيدون وجوده بينكم "
إبتسم ياسين بلطف وهو يقول: " أنتِ جوهرة يا نبض.. محظوظ أخي لأنكِ من نصيبه "
تخضبت وجنتيها خجلا ونهضت بخفة تقول: " شكرا لك ياسين.. تصبح على خير "
عبس فجأة بغيظ مصطنع وهو يقول: " لماذا تنادين قاسم ب 'أبيه' وأنا تنطقين إسمي مجردا؟ "
ردت نبض ببراءة: " أنت أصغر من صخر بعامين فكيف أناديك أبيه؟ "
رد ياسين ببرود: " وقاسم لا يكبره إلا بعامين "
ابتسمت نبض برقة وهي تقول: " لهذا أناديه أبيه لأنه الأكبر "
عبس ياسين مكتفا ساعديه أمام صدره وهو يقول بتذمر: " إذن ستنادين الجميع ب 'أبيه' عدا أنا وزيد "
ردت نبض بمشاكسة كاتمة ضحكاتها: " بل سأنادي الجميع ب 'أبيه' عداك أنت "
صاح ياسين بغيظ طفولي: " لماذا يا هانم؟ هل أنا ابن البطة السوداء؟ "
قهقهت نبض برقة قبل أن ترد عليه بإغاظة: " لأنك تكون أخا صخر الأصغر "
قطب بضيق يقول: " ويوسف؟ "
ردت ببساطة تغيظه: " منذ اليوم سأعامله مثل الجميع وسأناديه أبيه لكن أنت لا "
زفر بغيظ وهو يقول من بين أسنانه: " إذن سأطلب من أبيه صخر أن يجبركِ على منادتي كما الجميع "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي تقول بتسلية قبل أن تتركه وتذهب: " سنرى "
***

ذات يوم / وقت الغروب
كانت نبض تسير إلى جوار حفصة تتسامران في جو من الألفة والود وكأنهما صديقتان منذ القِدم
ابتسمت حفصة وهي تفسر لها سبب الجدال الذي حدث قبل بضعة ساعات بين الجد عبد الرحمن وصديقه صالح في حين كانت نبض تستمع إليها بإنصات واهتمام شديد: " جدي ما أعتاد أن يجادله أحد في شيء.. أعتاد على أن تكون أوامره مُطاعة وألا يناقشه أحد فيها لهذا تجدين الأمر صعب عليه في تقبل رأي الآخرين لكنه ورغم ذلك لا يجبرنا أبداً على ما لا طاقة لنا به "
وضعت نبض كفيها في جيبي سترتها وهي ترد بإحباط: " وما الفائدة من عدم إجباره لكم على طاعة أمره يا حفصة؟ في الحالتين ستنفذون ما أمر به إرضاء له "
اومأت حفصة بخفة وهي تقول: " معكِ حق دومًا نفعل ذلك في الكثير من الأمور لكن في هذه الحالة التي نواجهها اليوم فالأمر مختلف "
توقفت نبض عن متابعة السير ونظرت لحفصة بإهتمام وهي تسألها: " كيف مختلف لا أفهم؟ "
ردت حفصة بهدوء: " هذا الأمر لا يخص شخص واحد منا وإنما يخص الجميع.. مسألة تقبل صخر كفرد من العائلة مسألة علينا جميعا إبداء الرأي فيها فالأمر ليس بالهين كما ترين لننصاع طائعين خلف أمر جدي هذه المرة خاصة وأن عمي سليم هو الآخر يرفض قرار جدي ويراه ظلما في حق صخر "
قطبت نبض بانزعاج وهي تقول: " بالطبع هو ظلما له، ولا أعلم سبب كل هذا الرفض "
ردت حفصة بإحباط: " جدي يعاقب السيدة ليال طليقة عمي خالد في شخص صخر ابنها.. يظن أنه لو رفض الاعتراف به ومنحه هويته كابن لعمي خالد فإنه بذلك يكون قد رد الصاع اثنين للسيدة ليال لزواجها من عمي خالد بدون رضاه "
هتفت نبض بغيظ وهي تشعر بالضيق من تعنت عبد الرحمن: "وما ذنبها عمتي ليال؟ في كلا الحالتين الخطأ يقع على عمي خالد وحده فهو من خدعها وكذب عليها حينما لم يخبرها بأنه متزوج من ابنة عمه وفي النهاية طلقها ورماها كبضاعة مستهلكة عديمة النفع دون أن يبالي بالجرح الذي سببه لها "
زفرت حفصة بيأس دون أن تعقب بشيء بينما تابعت نبض هتافها بغضب بدأ يظهر رويدا في نبرتها المنفعلة: " أتدرين حجم الإهانة التي شعرت بها عمتي ليال في تلك اللحظة؟ مرة لأنه خدعها ومرة لأنه رماها دون أن يفكر في مصيرها من بعده.. لقد أذلها يا حفصة بما فعل "
ردت حفصة بحمائية لأجل عمها: " هو لم يقصد أن يسبب لها أي ألم فكما أخبرنا هو كان يحبها كما أنه كان مجبرا على تركها ولم يكن لديه أي خيار آخر "
بلغت نبض من الغضب فجأة مبلغا خطيرا وهي تقول: " لذلك قرر بأن يضحي بالمرأة التي أحبته ومنحته كل ما تملك.. لذلك أمرها بتسلط أن تجهض طفلها قبل أن ترحل.. لذلك طلب منها أن تختفي من حياته وتنساه.. بالله عليكِ يا حفصة عن أي خيار تتحدثين؟ "
قطبت حفصة بينما تتابع نبض: " لا تقولين بأنه تركها لأجل ابنه فقط فسأقول لكِ بأنها هي الأخرى كانت تحمل طفله.. وباختياره لابنه الأول يكون قد خسر ابنه الثاني فأين العدل في هذا؟ "
تنهدت حفصة بيأس وهي تقول: " أتمنى أن يقتنع جدي بقرار عمي خالد سريعا قبل أن تتدهور الأمور أكثر من ذلك "
عبست نبض بجمود وهي تقول: " وأنا أتمنى أن تنبع تلك القناعة من داخله أولاً لأنه من الظلم أن يتخذ جانبا عدائيا تجاه صخر فهو لا يستحق منه ذلك "
***

في دار فؤاد الناصر
كانت النقاشات لازالت محتدمة بين الجميع وخاصة بعد اكتشاف فؤاد وأتباعه أن يوسف الجبالي لم يُقتل ذاك اليوم كما كانوا يعتقدون
وقف سعد في ركن بعيد عنهم وهو يتحدث في الهاتف بعصبية قائلا: " لم يصلني الخبر إلا منذ ساعة ولو كنت أعرف قبلها بالطبع كنت أخبرتك "
ضرب صخر على الناحية الأخرى قبضته في الحائط وهو يقول بغضب: " ذاك الأحمق لا أعرف ما الذي دفعه للعودة.. لم يحن الوقت لذلك بعد "
قطب سعد وهو يرمق عمه فؤاد الذي يكاد ينفجر من غضبه المكبوت قبل أن يقول بخفوت حذر: " إن كان ابن سليم الجبالي يهمك فعلا فلابد أن تتصرف سريعا لتخفيه لأن جانب عمي فؤاد غير مؤتمن "
قطب صخر بقلق وهو يقول: " ماذا تقصد؟ هل يخطط لأذية يوسف؟ "
رد سعد وهو ينظر لوجوه الرجال المكفهرة من حوله: " حتى اللحظة لم يقرر أي شيء بخصوصه لكنه يبدو كمن يفكر في نصب فخ له "
شد صخر على قبضته وهو يقول بتهديد من بين أسنانه: " لن أسمح له بأن يمس شعرة منه "
عبس سعد بانزعاج وهو يرد: " لا أفهم سبب اهتمامك المبالغ فيه بتلك العائلة.. لماذا تفعل لأجلهم كل هذا؟ "
غامت عينيّ صخر بقسوة مفرطة وهو يرد بغموض: " أريد أن اغرقهم بأفضالي حتى تحين اللحظة المناسبة التي اطالبهم فيها بسداد ديونهم ودفع مقابل خدماتي لهم "
زفر سعد وهو يقول: " لا أفهم "
رمش صخر لوهلة قبل أن يقول بصوت جامد: " لا تشغل عقلك بكلامي ما أريده منك الآن أن تكن يقظا وتخبرني بمستجدات الأمور أولاً بأول حتى أقرر التصرف المناسب الذي سأتخذه مقابل ما سيخطط له فؤاد "
عبس سعد بضيق لنبرة الأمر التي كان صخر يحدثه بها ليستدرك الأخير صمت سعد بذكاء وهو يتابع بلطف: " سيكون هذا آخر معروف اطلبه منك قبل أن أخبرك بما تريد "
بإيجاز رد سعد: " حسنًا "
أغلق سعد هاتفه وعاد إلى مكانه بالقرب من عمه الذي سأله أحد اتباعه: " بما تأمرنا يا كبير؟ "
تكلم فؤاد بغضب من بين أسنانه: " يجب أن نؤجل أي خطوة لنا في هذا الموضوع حتى ننتهي من عملنا في الخارج أولاً "
تكلم آخر بخبث انعكس في نظراته: " لكنني أخشى أثناء انشغالنا بتلك الصفقة أن تسدد لنا عائلة الجبالي ضربة لم نكن نحسب لها حسابا "
رمق فؤاد ابن أخيه ببرود وهو يقول: " سيتكفل سعد بصد ضرباتهم حتى اتفرغ لهم "
رد سعد بهدوء ظاهري: " ولما لا أذهب أنا معك لعقد تلك الصفقة عماه؟ "
قطب فؤاد بضيق وهو يقول: " إن ذهبنا نحن الاثنان فمن سيبقى ليدافع عن الدار وصد عائلة الجبالي.. يجب أن يظل أحدنا هنا "
رد سعد بلامبالاة ظاهرية: " عائلة الجبالي على ما أعتقد لا تطعن في الظهر عماه.. لا أظنهم سيتهجمون على دارنا وهم يعلمون أنها تخلو من رجالها "
انزعج فؤاد من دفاع سعد عنهم فزجره بالقول: " وما أدراك بهم؟ تلك العائلة كالأفعى تجيد التلوي والزحف بمكر حتى تصل لمبتغاها ولن يجدوا فرصة أفضل من هذه ليتغلبوا علينا (ثم أكمل بحقد في سره) وخاصة ال... السيد المبجل خالد "
رد سعد ببروده المعتاد في سخرية مبطنة: " كما ترى عماه فأنت أدرى بطرق الأفاعي "
طلب فؤاد من أحد رجاله أن يعلم أصل الموضوع ويعرف كيف نجا ابن سليم الجبالي من تلك الرصاصة التي أصابته
في تلك اللحظات كان سعد يفكر شاردا في أمر آخر، أمر يتعلق بذاك الغريب الذي يساعده ويبذل قصارى جهده لحماية عائلة لا تمس له بصلة
للحظة شك سعد بأن ذاك الغريب هو يوسف نفسه لكن بعد ما حدث من مستجدات أيقن أن يوسف ليس إلا أحد الأشخاص الذين يتكفل ذاك الغريب بحمايتهم
وفجأة باغته فؤاد بالكلام وهو شارد: " لماذا لم تخبرني أن ريم على اتصال بك؟ "
رد سعد وقد استعاد بروده في لحظة: " ولماذا لم تسأل ابنتك هذا السؤال فكما ترى هي من طلبت التواصل معي وليس العكس؟ "
قطب فؤاد وهو يقول بضيق: " ولماذا أخفيت عني حقيقية نجاة ابن الجبالي؟ "
رد سعد بانزعاج: " وما هي مصلحتي من إخفاء أمر كهذا عنك؟ "
قال فؤاد بحنق من بين أسنانه: " اسأل نفسك "
تأفف سعد وهو يقول: " بالله عليك هل تشك بي بعد كل ما أفعله لأجلك؟ كيف تفكر في هذا حتى؟ "
قطب فؤاد وهو ينظر لابن أخيه بغموض قبل أن يقول: " إذن فسر لي ما يحدث "
صاح سعد بضيق: " هذا الكلام توجهه لابنتك وليس لي فهي وحدها من علمت بالأمر وهي من أخفته عنك.. علاقتي بهذا الموضوع كانت مقتصرة على إرسال رجلين من رجالنا لتنفيذ أمر ما تريده.. هي لم تخبرني عن السبب ولم تخبرني عمن تبحث خلفه من الأساس وأنا لم اسألها ولم أهتم "
عبس فؤاد وهو يتمتم بغيظ: " تلك الحقيرة كأمها.. تشبهها في المكر "
حدث سعد نفسه وهو يرمق عمه بتهكم: " وأنت ما شاء الله عليك مثالا في الوداعة "
بعد لحظات من التفكير قال فؤاد بإيجاز: " موعد سفري سيكون في الغد "
سأل سعد بهدوء: " في أي ساعة؟ "
ليرد فؤاد بتجهم: " قرابة الظهر "
فأومأ سعد دون تعقيب وعاد لشروده من جديد بينما عينيّ فؤاد كانت تتفحصانه بمكر وشك يتمنى أن يخيب وإلا فعاقبة ابن اخوه ستكون وخيمة كمن سبقوه فلا أحد يفكر في التلاعب بفؤاد الناصر ويربح أمامه أبدًا
***

العاصمة / في المشفى
كانت نغم تنتظر والدها في مكتبه لحين انتهائه من آخر حالة معه
نهضت بعد قليل من مكانها وتوجهت ناحية النافذة لتفتحها ثم وقفت أمامها تطالع الأفق وتراقب لحظات غروب الشمس
تذكرت في تلك اللحظة أن صخر هو الآخر يحب مشاهدة لحظات الغروب وتمنت لو كان هنا ليقفا معا متشابكي الأيدي وهما يطالعان قرص الشمس المتوهج وهو يهرب رويدا.. رويدا
كانت كئيبة الروح، محبطة من الداخل كما الخارج وقد انعكس ذاك جليا على ملامحها المرهقة
انفتح الباب بعد طرقة واحدة خفيفة عليه ليظهر أمامها يوسف، بدى متفاجئا مثلها تماما وهما يقفان أمام بعضهما ساكنين كالحجارة
كانت تطالعه بشوق فتكاد تنادي إسمه بلهفة وتركض إليه فرحة لتغمر نفسها بين ذراعيه لكن مرارة الواقع الذي باتت تعرف كل أبعاده كان يقف لها بالمرصاد فيجعلها تغيم بين شجونه مستسلمة لحكم القدر بحرمانها منه دون إعتراض أو جدال
أما هو فكان يطالعها بلهفة غريق أخيرا وصل إلى طوق النجاة، بشوق كان يؤلمه طيلة ثلاثة أشهر مروا عليه كقرن من الزمان
كانت هي أول من يستعيد سيطرته ويجد في نفسه طاقة للكلام، قالت ببرود: " مرحبا دكتور "
أفاقه صوتها من أفكاره الشاردة فرد عليها مرتبكا للوهلة الأولى: " أهلا آنسة نغم "
سألت بنفس البرود: " يبدو أنك كنت تريد أبي "
انزعج من برودها معه وود للحظة لو ضربها على رأسها حتى تعود إلى ما كانت عليه في السابق
حتى تعود لتلك الفتاة المغرورة التي كانت تغيظه بثقتها الشديدة في نفسها وفيما تملكه دون غيرها من النساء
حتى تعود لتلك الفتاة التي كانت تتبجح بملكيتها له ولو عن طريق كلام مبطن غير صريح
نحى كل أفكاره جانبا وهو يرد ببرود يماثلها: " برافو عليكِ.. أصبتِ الظن "
ردت بعجرفة: " هذا ليس غريبًا عليّ فأنا دائما ما أصيب "
قبل أن يتكلم تابعت ببرود وعجرفة: " أبي ليس هنا كما ترى.. يمكنك أن تغادر الآن وتعود بعد قليل "
توسعت عينيه قليلا تعجبا من وقاحتها معه لكنه لم يظهر انزعاجه وهو يقول بسخرية: " هل أعتبر أنكِ تطرديني بطريقة لبقة؟ "
ردت ببرود سقيعي مهين وهي تنظر إلى عينيه: " لو شئت طردك لأخبرتك بها بصراحة فلا حاجة لي بتلك العبارات المصطنعة والمقدمات التي لا معنى لها.. والآن يمكنك الانصراف "
شعر يوسف بالضيق فهتف بإنفعال شديد: " إلزمي حدودكِ نغم.. أنا لا أسمح لكِ بأن تخاطبيني بتلك الطريقة "
رفعت نغم حاجبا وهي ترد بإهانة: " من أنت لترفع صوتك عليّ؟ (شمخت بأنفها بغرور قبل أن تكمل) لا تنس مع من تتحدث "
جز على أسنانه غيظا منها بينما قالت هي بسخرية جارحة: " لن أسمح لك بأن تتخذ صلة الوصل التي اكتشفتها بينك وصخر في أن تتساهل وأنت تتعامل معي فأنا لحسن حظي لست من عائلتكم ولا أقبل بأي تباسط بيني وبين من هم أقل مني "
صرخ يوسف بغضب: " لقد تماديتِ كثيرا يا نغم فأحذري غضبي "
ضحكت نغم بسخرية قبل أن تنظر له باستخفاف وهي تقول: " دكتور يوسف سليم الجبالي أنا لا أخاف أحد والآن يمكنك أن تأخذ غضبك في يدك قبل أن تكرمني باختفائك عن ناظري قبل أن أريك أنا كيف يكون غضب نغم الجياد "
فتح يوسف فمه ليرد لكن دخول معتز اخرسه والأخير يسأل بحذر: " ماذا يحدث؟ هل كنتما تتشاجران؟ "
ردت نغم بتهكم: " أنا لا اتشاجر مع أحد أبي فأنا لست طفلة، لكن يمكنك أن تسأل دكتور يوسف فعلى ما اظن له رأي آخر في هذا الموضوع "
حدجها معتز بنظرة صارمة حتى تسكت فأطاعته على مضض بينما تمتم يوسف بكلمات غير مفهومة وهو يغادر الغرفة تتبعه شياطين غضبه
قطب معتز بضيق وهو يقول: " ما هذا الكلام يا نغم؟ لقد... "
قاطعته والدها بعصبية وهي تلتقط حقيبتها وتغادر هي الأخرى: " لا تشغل نفسك بنا يا أبي نستطيع حل مشاكلنا وحدنا "
غمغم معتز بدهشة بعد رحيل نغم: " أي مشاكل تلك التي تجمعها مع يوسف؟ يبدو أن هناك أمرا لا أعرفه يجري بينهما "
***

كان يوسف يسير بعصبية وهو يسب ويلعن في داخله حتى قطعت ريم طريقه فجأة وهي تبتسم بشماتة قائلة: " حمدا لله على عودتك للمداومة في المشفى دكتور يوسف الجبالي "
لمعت عينيّ يوسف بسعادة عجيبة وقد حصل على من سيفرغ فيها طاقته السلبية كاملة
رد بلامبالاة: " لم أكن أعلم أن الجميع سيشتاق إليّ خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي تغيبت فيهم عن الدوام لهذا الحد "
اتسعت ابتسامتها وهي تقول: " أنت شخص عزيز علينا جدا دكتور يوسف "
رد يوسف باستخفاف: " وأنتِ أيضا عزيزة عليّ دكتورة ريم حتى أنني لم أستطع العودة للعاصمة قبل أن أرى وجه والدك مرة ثانية.. وتخيلي ماذا رأيت فيه؟ "
قطبت بحنق تقول: " ماذا؟ "
رد يوسف باستفزاز: " رأيتكِ أنتِ.. وكأن من يقف هناك كان أنتِ وليس هو.. لم أكن أعلم بأنكِ تشبهينه لهذه الدرجة "
عبست ريم وهي تسأله دون مراوغة: " أين صخر؟ لقد اختفى قبلك بأيام دون أن يبلغ أحد "
رد يوسف ببرود متعمد: " ومنذ متى وصخر يحتاج لأخذ الإذن من أحد أو إبلاغ أحد عن الجهة التي يقصدها؟ "
رفعت ريم حاجبا ببرود وهي تقول: " لكنك بالطبع تعلم فأنت صديقه "
رمقها يوسف بلامبالاة وهو يقول: " لا أعلم أين هو.. لقد اختفى فجأة دون أن يخبر أحد عن مكانه "
صاحت ريم بغيظ دون أن تشعر: " هل تريدني أن أصدق هذه الترهات؟ "
تأفف يوسف وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله قائلا ببرود: " صدقي أو لا أنتِ حرة لكنني صدقا لا أعلم وحتى لو كنت أعرف مكانه ما كنت لأخبركِ عنه "
تمتمت ريم بغيظ: " إذن هو فعل ذلك ليتهرب مني "
قهقه يوسف على إثر حديثها وهو يقول بدهشة حقيقية: " هل تصدقين نفسكِ؟ هل تعتقدين حقا أن صخر اختفى بهذا الشكل ليتهرب منكِ؟ "
ردت بضيق من بين أسنانها: " لا أرى سببا آخر غير ذلك "
دمعت عينيّ يوسف من شدة ضحكه وهو يرفع كفه في وجهها ليسكتها بينما يقول: " أصمتِ بالله عليكِ سيتوقف قلبي من الضحك.. هذه أغرب مزحة سمعتها في حياتي "
حدجته ريم بغضب فقال يوسف باستهانة: " دكتورة ريم الناصر لا تمنحي نفسكِ قدرا أكبر مما أنتِ عليه بالنسبة لصخر.. هو لا يراكِ من الأساس لكي يتهرب منكِ فلا داعي لتوهمي نفسكِ بما لن يكون "
تركها بعد أن أتم حديثه متوجها إلى مكتبه بينما هي ضربت الأرض بقدمها بغيظ وهو تتمتم من بين أسنانها بغضب: " فلتعد أولا يا صخر وبعدها سأريك من هي ريم الناصر وأثبت لك أنك لي وحدي ولن تكن لامرأة غيري "
وعلى بعد خطوات كانت نغم تقف شاحبة الوجه، تشعر باشتعال روحها من الداخل وهي ترى يوسف يقف مع تلك المرأة التي تشبه الحرباء في خبثها وتلونها
شعرت بالغدر وكأنه غرس خنجرا مسموما في صميم قلبها بوقوفه مع تلك المرأة التي تبدو من نظراتها تبحث عن الكثير وتريد الأكثر وهو يبدو متباسطا معها لأبعد حد
فأجبرت نفسها على الإنسحاب بهدوء مرفوعة الهامة كما دخلت فلن تسمح ليوسف أو غيره بكسرها يكفي ما طال أمها على يد عمه ولا تستبعد أن تتكرر نفس القصة معها.. على يديه
***

بعد قليل / في دار الجبالي
جلست شمس على الكرسي المقابل له تتطلع فيه بعبوس وهي تقول: " أشعر وكأنك تخفي عنا جميعا أمراً ما "
رد زيد بإقتضاب: " قريبا سينكشف كل شيء لا تتعجلي الأحداث "
سألته بغموض: " لا تبدو فرحا بما علمناه بشأن ابن عمنا خالد "
جز زيد على أسنانه وهو يرد ببرود: " الأمر لا يعنيني من الأساس "
قطبت بانزعاج وهي تقول: " كيف تقول هذا؟ صخر ابن عمنا ووجوده بيننا أمر هام ويتعلق بنا جميعا وعليك أنت الآخر أن تساندنا في إقناع جدنا بهذا "
رد زيد بسخط: " يوما ما ستجدين جدكِ يضعنا واحدا تلو الآخر على الرف ويقرب منه ذاك الذي تريدين دعمه.. حينها سنصبح بلا فائدة وهو سيد الدار "
عبست شمس بضيق وهي تقول: " زيد لماذا تبدو عدائيا ناحيته بهذا الشكل؟ إنه لم يؤذيك في شيء "
هتف زيد بغيظ: " سيفعل قريبا حينما ينتزع مني مكانتي هنا "
توسعت عينيها بدهشة وهي تقول: " لا أصدق أنك تغار منه لهذا الحد.. هل تخشى أن يحتل مكانتك لدي جدنا؟ "
أشاح بوجهه عنها دون رد فتابعت هي: " ولماذا سيسعى لينتزع منك مكانتك أنت بالذات؟ ما الذي بينك وبينه لتجبره على فعل ذلك؟ "
رد بضيق: " لا شيء بالطبع.. أنا مثلي مثلكم لم أره من قبل ولم أكن أعلم عنه شيء "
رمش فجأة وتهدجت أنفاسه وهو يتذكر حديثه السابق مع يوسف وقد أخبره صراحة أن من حضر ليلة حناء حمزة وزهراء لم يكن هو بل كان صخر
أخبره يوسف أن فؤاد الناصر كان يخطط لقتله ظننا منه بأنه من يتسبب له في تلك الخسائر لكن صخر تصرف سريعا واستطاع أن يقمع محاولة فؤاد
أخبره أن صخر هو من وصل إلى عمران الناصر وهو من طلب بتأمين بيتا له حتى يحين الموعد المناسب لأن يلتقيه
اشرست ملامحه بغيظ وغيرة حارقة وهو يرى صخر بصورة الفارس الهمام الذي كرس حياته في الدفاع عن عائلة ترفض اليوم الإعتراف به ومنحه هويته التي هي من حقه
شعر بالكره والحقد عليه لسبب حتى هو لا يعرفه ولا يريد أن يعرفه من الأساس
ربتت شمس على كتفه بخفة حتى تنبهه إليها: " ما بكَ زيد؟ تبدو منزعجا "
ازدرد ريقه بضيق قبل أن يرد ببرود: " لا شيء.. أنا بخير "
تنهدت شمس وهي تقول: " ألن تخبرني عن سبب عدائيتك تجاه صخر؟ "
صاح زيد بإنفعال: " صخر.. صخر.. صخر ألا سيرة لنا لنتحدث فيها غير سيرة السيد صخر؟ "
أجفلت شمس من انفعاله المبالغ فردت بتوتر: " لم أقصد أن اضايقك "
تأفف زيد وهو يغير الموضوع قائلا: " جدي يريد العرس نهاية الشهر المقبل "
ردت بدون تفكير: " هل تتوقع أن يكون جدي يفكر في دعوة صخر لعرسنا ولم شمله بنا في مناسبة كهذه؟ "
هب زيد من جلسته وهو يصيح بغضب: " تبا لصخر هذا.. ما شأنه هو بعرسي؟ "
ردت شمس بإرتباك: " من الطبيعي أن يحضر... "
صاح زيد بصوت حاد يقاطعها: " لا.. لن يحضر هذا الكائن عرسي مهما حدث "
تجمع أبناء عمومته على إثر صوته المرتفع المنفعل ولسوء حظه كانا قاسم وياسين قد سمعاه وهو يسب صخر فتقدم الأخير منه بعصبية قابضا على تلابيبه وهو يصرخ غاضبا: " من هذا الذي تسبه؟ ما لك وماله أيها المغرور؟ "
صرخ زيد في المقابل: " أنا حر.. لا أريده في عرسي بل لا أريده أن يظهر أمامي في أي مكان.. أنا حتى غير واثق مما تدعون بأنه ابن عمي خالد "
هزه ياسين بعنف وهو يقول من بين أسنانه: " رأيك فيه لا يهمنا بالمرة.. أما عن حضوره للعرس فهذا يعود إليه وحده إن أراد الحضور فلن تستطيع منعه "
رد زيد باستخفاف: " ومن سيمنعني؟ "
قبل أن يرد ياسين بعصبية تكلم قاسم بصوت جامد واثق النبرات وهو يقف أمامهما بثبات واضعا كفيه في جيبي بنطاله: " أنا سأمنعك "
صاح زيد بوقاحة في وجهه: " فلتريني حينها أقصى ما لديك لكنني أؤكد لك بأنه لن يحضر عرسي.. جدي لن يسمح له بدخول الدار من الأساس وفي هذا أنا أسانده "
لكمه ياسين بقوة وهو يصيح: " أيها النذل ألا تقدر له المعروف الذي فعله لأجل أخيك على الأقل؟ "
هتف زيد بكره: " أنت قلتها بلسانك.. معروف فعله لأخي وليس لي.. كل منا عليه سداد ديونه بنفسه "
عبس حمزة وهو يناظره بضيق قائلا: " لم أكن أعلم أنك تحمل بداخلك كل هذا القدر من الكره والحقد والغيرة التي أعمت بصيرتك قبل بصرك "
في حين أشار أنس لأخته بأن تتبعه وانسحبا بهدوء تاركين أبناء العمومة وحدهم يفضون شجارهم
ابتسم قاسم إبتسامة صغيرة لكنها مسيطرة وهو يقول: " سأريك حينها ما قد أفعله لأجل أخي الأصغر لربما حينها فهمت أن الأخ يفترض به أن يضحي بحياته في سبيل إخوته بطيب خاطر دون أن ينظر للدين الذي يكبلهم أيهم كان السبب فيه؟ "
نظر قاسم لأخيه يقول بجمود: " اتركه ياسين ولا تهدر وقتك مع إنسان متبجح أناني مثله لن يُقدر ما تحاول أن تفهمه إياه "
لم يكن أحدهم لاحظ وجود نبض بعد حتى رفعت حاجبا باستفزاز وهي تقول بثقة: " ما تخشاه سيكون ويحدث عما قريب لذا يجب أن تحصن مكانتك وسلطانك جيدا فحين يأتي صخر سيكون من السهل عليه انتزاعه منك دون بذل أقل مجهود منه.. أتعلم السبب؟ (ابتسمت بترفع وهي تقول بفخر) لأنه الصخر.. اسأل أخوك عنه إن لم تكن تعلم من هو الصخر حقا؟ "
ثم إلتفتت إلى ياسين تقول برقة: " لقد أعدت ملاك اليوم العشاء بنفسها "
ابتسم ياسين بامتنان لها لأنها دافعت عن صخر بقوة في حين رمقها قاسم بفخر وهو يفكر بأن تلك القطة الصغيرة تثبت كل يوم أنها حقا تليق بصخر آل الجبالي الذي حتى الآن لازالت هيئته مجهولة بالنسبة لهم
***

بعد شهر آخر / قبيل الفجر
كانت نبض تقف في بهو الدار تفرك عينيها بقبضتيها كالأطفال بينما يقف قاسم أمامها بملامح جامدة ورغم ذلك خرج صوته مغلفا بالحنان واللطف على عكس ما تظهره ملامحه: " عذرا صغيرتي لأنني ايقظتكِ فجأة هكذا من النوم "
اومأت نبض برأسها بهزة بسيطة وهي تقول بصوت خفيض لازال أثر النوم عالقا به: " أخبرني أبيه هل هناك شيء ما حدث؟ "
تنهد قاسم وهو يرد: " لا صغيرتي لا شيء جديد "
طالعته ترمش بقوة لتطرد عنها النعاس وتستطيع التركيز معه وهي تقول: " إذن "
عبس بتفكير للحظة قبل أن يميل عليها فجأة ولعجبه لم تجفل منه ولم تتراجع للخلف بل ظلت ثابتة في مكانها تتطلع إليه وعلى ثغرها ترتسم بسمة رقيقة
قطب بغموض وهو يقول: " لستِ خائفة مني إذن "
اتسعت إبتسامتها وهي ترد عليه برقتها التي اعتادوها منها: " لا لست خائفة "
سألها بأمل ونبرته تحمل رجاء تعجبت منه: " هل تثقين بي؟ "
اومأت دون تردد أو أن تعقب بشيء آخر فتنهد براحة وهو يقول: " طمأنتيني يا نبض "
قطبت بحيرة وهي تسأله: " ماذا يحدث معك أبيه؟ "
تكلم بصوت مضطرب قليلا وكأنه طالب يقف أمام معلمه: " أنا أريد رقمه؟ "
عبست نبض بغيظ وهي تتمتم لنفسها: " لا أعرف ما الصعب في نطق إسمه؟ أولاً ياسين والآن أبيه قاسم "
ردت بهدوء: " من تقصد أبيه؟ "
تنهد قاسم وهو يقول: " أقصد صخر.. أنا أحتاج إلى الوصول إليه في أسرع وقت "
ردت نبض بشجن: " كيف ستصل له أبيه؟ صخر خارج البلاد "
قطب قاسم وهو يقول بشك: " وما أدراكِ بأنه خارج البلاد هل تعلمين مكانه؟ "
أطرقت نبض رأسها وهي تشعر بالبؤس قبل أن تقول: " نعم "
هتف قاسم بتعجب: " كيف تعرفين وقد أخبرنا يوسف أن أمه شخصيا لا تعرف مكانه؟ "
ردت بصوت خافت: " جدته هاتفتني قبل أسبوع "
سألها بترقب: " لماذا؟ "
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تقول بصوت مختنق حزين: " كانت لديه حمى وطوال الليل ظل يهذي بإسمي.. أخبرتني جدته بأنه يحتاجني وبأنه ندم أشد الندم على ما فعله معي و... "
انتظرها بصبر حتى تابعت بحسرة: " وبأنه لن يعود إلى هنا مرة أخرى "
توسعت عينيّ قاسم ذهولا من المفاجأة قبل أن يقول: " هل هو مجنون أم ماذا؟ "
غمغمت نبض بغيظ منه: " إنه أحمق.. أكبر أحمق رأيته في حياتي "
عبس قاسم في وجهها باستياء وهو يوبخها وكأنها ابنته: " عيب هذا.. لا يصح أن تنعتي زوجكِ بالأحمق على الأقل ليس أمام أخيه الأكبر "
نظرت له نبض بغيظ وهو تضرب الأرض بقدمها قبل أن تهتف بعصبية دون أن تشعر: " قل لأخوك أن يعود إذن فقلبي لا يحتمل غيابه "
زفر قاسم بقوة وهو يوبخها ثانية كاتما ضحكته: " ما هذه الوقاحة.. ألا تخجلين؟ "
عبست نبض وهي تكتف ساعديها أمام صدرها صائحة بتذمر: " وما ذنبي أنا يا أبيه؟ "
تصنع قاسم التفكير للحظات قبل أن يقول: " لا حل إذن سوا أن أجبره بنفسي على العودة "
ردت نبض بتنهيد: " لا أعرف شخص واحد قادر على إجبار صخر على فعل ما لا يريد "
ابتسم قاسم بمكر ليس من صفاته لكنه لاق به وهو يقول: " إذن هذه مهمتكِ لتُحدِثي تغيير وتكسري تلك القاعدة الثابتة لديه "
قطبت بحيرة وهي تنظر له سائلة: " ماذا تريدني أن أفعل بالضبط يا أبيه؟ "
رد قاسم بتنهيد: " سأخبركِ "


انتهى الفصل..
قراءة ممتعة.


noor elhuda and السكر like this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 05-11-19 الساعة 11:40 PM
Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-11-19, 11:39 PM   #19

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل جميل وشامل...
خالد اخطأ جدا حين طلب من زوجته الاجهاض وتركها من
احل والده لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق... اخطا جدا
والجد اخطأ اذن ...
زيد غيرته طفولية جدا نحو صخر ...
وشذى هذه لا ارتاح لها أبدا....
في انتظار القادم باذن الله تحياتي


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-11-19, 03:38 AM   #20

Shimo debo

? العضوٌ??? » 397091
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 107
?  نُقآطِيْ » Shimo debo is on a distinguished road
افتراضي

سردك اكثر من رائع .. اول مرة اقرأ لكي لكنها لن تكون الاخيرة باذن الله .. اتمنى ان تظل احداث الرواية بهذه القوة
سلمت اناملك حبيبتي


Shimo debo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:01 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.