آخر 10 مشاركات
234 - ستيفاني - ديبي ماكومبر (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          واقعة تحت سحره (126) للكاتبة: Lynne Graham (الجزء 3 من سلسلة العرائس الحوامل) *كاملة* (الكاتـب : princess star - )           »          منحوسة (125) للكاتبة: Day Leclaire (كاملة) (الكاتـب : Gege86 - )           »          دموع بلا خطايا (91) للكاتبة: لين جراهام ....كاملة.. (الكاتـب : *ايمي* - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          من خلف الأقنعة (100) للكاتبة: Annie West *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          اللقاء العاصف (23) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة+روابط* (الكاتـب : Dalyia - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          [تحميل] يدري إن أسباب ضعفي نظرته يدري إني ما أقاوم ضحكته بقلم/ساكبت العود جميع الصيغ (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          30 - الضائعون - روميليا لاين - ق.ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : عنووود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree41Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-11-19, 09:44 AM   #61

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
الف مبروك التميز ياقمر
شكرا حبيبتي ربنا يبارك فيكِ 🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-19, 09:46 AM   #62

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غارقة بين ثنايا خواطري مشاهدة المشاركة
راااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااائعة
مرورك هو الأروع،،، شكرا لكِ 🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-19, 10:06 AM   #63

رىرى45

? العضوٌ??? » 285476
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,197
?  نُقآطِيْ » رىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

رىرى45 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-19, 10:57 PM   #64

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رىرى45 مشاهدة المشاركة
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
شكرا لك.. تحياتي🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 07:57 AM   #65

ليال الحنين

? العضوٌ??? » 372969
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 179
?  نُقآطِيْ » ليال الحنين is on a distinguished road
افتراضي

الف مبروك التميز فعلا الروايه تستحق كفايه الالتزام الف الف مبورك

ليال الحنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 08:06 AM   #66

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليال الحنين مشاهدة المشاركة
الف مبروك التميز فعلا الروايه تستحق كفايه الالتزام الف الف مبورك
يسلم لي ذوقك يا قمر وبتمنى أكون عند حسن ظنك 🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-19, 02:50 PM   #67

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
تسجيل حضور
بانتظار الفصل


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-19, 05:32 PM   #68

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل العاشر ||

كانت تجلس على أحد الكراسي المتراصة حول منضدة مستديرة في حديقة المستشفى، عاقدة ساعديها أمام صدرها وبصرها شارد في الفراغ
انضما لها نغم ويوسف بعد لحظات والتزما الصمت التام وهما يراقبان حالتها الكئيبة وعينيها المحتقنتين حتى تمتمت بإرهاق وهي تنظر إلى يوسف: " ماذا تفعل هنا يا أخي؟ أليس لديك حالات عليك معاينتها ورعايتها؟ "
قطب يوسف وهو يرد بسؤال آخر: " ماذا حدث بينك وصخر؟ لقد أخبرني قاسم بالأمس أن صخر يريد رؤيته لكنه صُدِمَ اليوم حين علم بأنه أمر الطبيب بألا يسمح لأحد بزيارته "
رمشت لوهلة قبل أن تشيح ببصرها بعيدا وهي ترد بصوت مختنق: " لم يحدث شيء "
سألها بشك: " إذن لماذا تركتيه وحده؟ "
ردت بجمود احتل محياها فجأة: " لأن هذا هو الفعل الصحيح يا أخي.. صخر رجل غريب عني ولم يكن يصح منذ البداية أن أظل إلى جواره "
عبس يوسف وهو يكرر سؤاله: " ماذا حدث بينكما يا نبض؟ "
ازدردت ريقها قبل أن تجيبه بإرهاق عاودها من جديد: " أخبرتك أنه لم يحدث بيننا شيء "
أجفلها يوسف وهو يضرب بقبضته على المنضدة صارخا من بين أسنانه: " كاذبة يا نبض.. أنتِ تكذبين عليّ "
شحبت بشدة وهي تطالعه بإرتباك قائلة: " ولماذا سأفعل؟ "
رد بحدة: " لإنكِ تحاولين إخفاء أمراً ما رغم أن هذا واضحا جدا في عينيكِ "
رمشت بخوف وهي ترمق نغم باستجداء فقالت الأخيرة بمهادنة: " أهدأ يوسف.. أنت تضخم أمر قد لا يكون ذا قيمة من الأساس "
ضرب بقبضته بعنف ثانية على المنضدة وهو يقول بضيق: " أنتِ لا تفهمين نغم.. نبض بالفعل تخفي عنا شيء ما وإلا لما كانت تركته أبدًا.. أنا واثق من حدسي "
قطبت نغم بحنق وهي تتمتم: " اخفض صوتك يوسف قبل أن ينتبهوا لنا.. هل تريد إثارة غضب أحدهم في مثل هذا الظرف الذي نمر به؟ "
جز يوسف على أسنانه وهو يقول: " الأمر كله ومنذ البداية يتعلق بأخيكِ نغم هانم "
تفاجئوا ثلاثتهم حينما صدح صوت حمزة بهدوء مستفز وهو ينضم إليهم قائلا: " لقد قبلها وقاسم يتشاجر معه الآن "
شهقت نبض بهلع بينما جحظت عينيّ نغم وهي تقول: " إنها لا تحل له.. لقد جُن صخر "
في حين هب يوسف من مكانه يهتف بقلق: " كيف استطاع قاسم أن يدلف للداخل والزيارة ممنوعة عنه تماما؟ "
رد حمزة بلامبالاة: " أنت تعرف ابن عمك جيدا.. لن يصعب عليه أمر كهذا "
وضع يوسف قبضته المضمومة على فمه وهو يرفع بصره للأعلى بقلة حيلة بينما هبت نغم من مكانها تصيح بإنفعال: " قاسم هذا يبدو من النوع الهمجي أنا أخشى أن يؤذي صخر "
رمقها حمزة بطرف عينه قبل أن يغمغم باستخفاف ساخر: " وكأن أخاكِ من الطراز المتحضر مثلا "
عبست نغم وهي تشير له بسبابتها: " إذا سمحت لا تتفوه بكلمة تسيء لأخي وإلا لا تلومن إلا نفسك "
رفع حمزة حاجبيه بدهشة وهو يقول: " هل هذا تهديد؟ "
أشاحت بوجهها عنه وهي تغمغم ببرود: " هو كذلك "
إلتفت يوسف ينظر إلى ابن عمه باعتذار نيابة عن نغم فرده حمزة ببسمة هادئة
كانت نبض ترتجف كعصفور صغير وهي تشهق ببكاء مكتوم فطالعها حمزة ببؤس وحزن قبل أن يميل عليها هامسا بخفوت حتى لا يسمعه الآخران: " هل قبلكِ عنوة؟ "
نظرت له نبض بضياع دون أن ترد فتابع حمزة بتفكه: " أتمنى أن يكون هذا ما حدث وإلا فقاسم ينوي قتلكِ بعد أن يتخلص من ذاك المتعجرف الآخر "
زمت شفتيها تكتم بقية شهقاتها فتنهد حمزة بعمق وهو يعتدل في جلسته قبل أن يقول: " إن كان فعل ذلك عنوة فلماذا تبكينه؟ هو يستحق ما سيفعله به قاسم "
ردت نبض بصوت مختنق: " أنا أخشى أن يؤذيه أبيه قاسم.. أرجوك حاول أن تتدخل "
قطب حمزة وهو يقول: " ياسين معهما "
هزت رأسها بيأس وهي تقول: " لن يستطع وحده السيطرة على صخر إن فلتت أعصابه.. إنه يتحول إلى وحش في لحظة "
غمغم حمزة ببساطة: " قاسم كفيل به لا تخافي "
في حين كانت نغم تقف إلى جوار يوسف وهي تهز ساقها بعصبية بينما تغمغم: " لما لا تتدخل أنت وتفصل بينهما؟ "
رد يوسف وهو يقطب بوجوم: " لن يسمح لي أحدهم بالتدخل فيما بينهم "
قطبت بحيرة وهي تفسر ما فهمته: " لأنك كنت غائبا عنهم لفترة طويلة إذن لما لا يتدخل أحد أبناء عمومتك الآخرين؟ "
التفت يوسف ليصبح في مواجهتها تماما وهو يقول بهدوء: " لقد فهمتِ الأمر بطريقة خاطئة.. ما قصدته أنهم أخوة وبالتأكيد سيكونون في حاجة لبعض الخصوصية لمناقشة ما يتعلق بهم دون تدخل الآخرين.. أنتِ لا تعرفين قاسم يا نغم لقد كان في صغره يتشاجر مع ياسين وأحيانا يضربه لكنه حينما يجد أحدنا يحاول التدخل بينهما يقوم بإخفاء المشكلة سريعا ولا يخبرنا عن سبب الشجار "
قطبت نغم وهي تقول: " لا أفهم "
إبتسم يوسف بلطف وهو يقول: " بإختصار يا نغم قاسم بالذات من بيننا جميعا لا يحب أن يتدخل أحد بينه وبين أخوته وإن كان ذاك الشخص والده شخصيا "
زمت شفتيها وهي تقول بنزق: " بدأت أشعر ناحيته ببعض التقبل "
اتسعت إبتسامة يوسف وهو يقول مشاكسا: " هذا كرم بالغ منكِ نغم هانم "
رمشت لوهلة وعينيها تتعلقان ببسمته الجميلة قبل أن تزدرد ريقها بإرتباك وتشيح بوجهها عنه في برود وهي تذكر نفسها برؤيتها له يقف مع تلك الطبيبة السمجة التي تصفها ب 'الحرباء'
في حين تنهد يوسف وهو يحدث نفسه بأن الطريق إلى نغمه يحتاج الكثير من الجهد والصبر
***

في غرفة صخر بالمستشفى
كان يجلس على طرف الفراش مطرق الرأس بملامح قاتمة منغلقة لا تعبر عن شيء وهو يجز على أسنانه كاتما أنين قلبه المتألم بسبب ترك نبض له وآهات وجعه بسبب جرحه الذي لم يندمل وشعوره بالقهر وهو يجد نفسه مجبورا على لقاء أخوته بينما كفيه إلى جانبيه يقبضان على حافة الفراش بشدة وهو يمنع نفسه من الصراخ فيهما وطردهما بشق الأنفس
يقف قاسم أمامه متخصرا وهو يضيق عينيه متأملا صخر بنظرة ثاقبة وبسمة صغيرة على ثغره
أما ياسين فكان ينظر إلى كليهما بذهول، لا يصدق أنه قبل دقائق معدودة كان يقف حاجزا بينهما يمنع كلا منهما عن الوصول إلى الآخر وهما يصرخان بهمجية ويكادا يتطاولان على بعضهما بالأيدي، لا يصدق أن قاسم إستطاع إخماد ثورة ذاك الوحش الغاضب بكلمة واحدة آمره منه
رفع قاسم حاجبا ببرود وهو يقول بعد أن اختفت بسمته وكأنها لم تكن: " هل هدأت الآن أم تحتاج إلى المزيد من الوقت؟ "
اومأ صخر برأسه بهزة بسيطة كرد بينما تقدم ياسين منه بقلق يقول: " أشعر أنك لست بخير هل استدعي لك الطبيب؟ "
رفع صخر رأسه قليلا وهو يرمق ياسين بطرف عينه قبل أن يتمتم ببرود سقيعي: " لست توأمي إذن أنت لا تشعر بي "
عبس ياسين وهو يتمتم: " أنا المخطئ فلتذهب إلى الجحيم "
هتف قاسم بتهديد: " ياسين "
تراجع ياسين للخلف وهو يتأفف بتذمر طفولي قبل أن يجلس على الأريكة الجلدية الجانبية بصمت بينما تابع قاسم بجدية موجها حديثه لصخر: " بيننا حديث لم ينته بعد "
رد صخر بجمود من بين أسنانه: " ما عندي قلته.. نبض لي "
إبتسم قاسم باستخفاف وهو يقول باستفزاز: " بأي حق؟ "
رمقه صخر ببرود بينما قاسم يضيف بقسوة متعمدة: " أنت نكرة.. بدون هوية أو تعريف.. لا فرق بينك وبين من يولدون في الحرام فتتخلى عنهم آبائهم "
شهق ياسين بصدمة بالغة وهو يهب من جلسته صارخا: " قاسم ماذا تقول؟ "
رفع قاسم حاجبا باستفزاز وهو يكمل حديثه بنفس القسوة من حيث توقف: " أستطيع خلال ساعة واحدة قلب كل موازينك وتقديم شكوى ضدك وأشكك في نسبك للسيد معتز الجياد وبالطبع أنت تعلم النتيجة يا... دكتور "
تحرك قاسم بخطى ثابتة جيئة وذهابا بينما يضيف المزيد بنفس النبرة وكأنه يحدث نفسه: " لن أحتاج أكثر من تحليل الdna الخاص بك لأثبت صحة كلامي وبالتالي تتحرك الشكوى على الفور ويتم القبض عليك وبالطبع على السيد معتز بتهمة التزوير والتلاعب في النسب وبالتأكيد تعلم أنها قضية كبيرة وليست بالهينة أبدًا وقد يطال والدتك بعض الضرر أيضا بحجة خداعها لأبي وإخفاء ابنه عنه "
شحب ياسين وهو ينظر إلى قاسم بصدمة تتزايد بين الفينة والأخرى مع إستمرار الأخير في الحديث حتى سكت فتوجهت أنظاره إلى صخر فراعه رؤية غلالة الدموع المتحجرة في مقلتيه وهو ينظر إلى قاسم بقهر صرخت به نظراته رغما عنه
توقف قاسم أخيرا عن الحركة وهو ينظر إلى صخر مقطبا بشدة وهو يقول: " إن لم تأت بنفسك إلى دار الجبالي وتطالب بحقك في كل شيء كونك إبن شرعي لخالد الجبالي وكما يجدر بك أن تفعل إن كنت فعلا تريد الزواج من نبض فوالله لأقدمن تلك الشكوى دون تردد أو رجعة "
ما إن أنهى حديثه حتى خرج من الغرفة على الفور وفي نفس اللحظة التي أغلق قاسم الباب من خلفه صدرت عن صخر شهقة عالية حادة على إثر كتمه لانفعاله وأنفاسه منذ بدأ قاسم في حديثه الجارح
قبض ياسين على كفيه إلى جانبيه وهو يطالعه بحسرة ومرارة دون أن يقوى على تقديم أي مساعدة له وتعالت أنفاس صخر فجأة وهو يردد بصوت مختنق خافت: " أحتاج نبض "
كان وكأنه طفل صغير يطلب أمه
يستجدي قربها ويستنجد بها ممن حوله
اقترب ياسين منه حتى جاوره على الفراش ووضع يده على ظهره يربت عليه بحنان وهو يقول بخفوت: " أنا أشعر بك.. نعم أنا لست توأمك لكني أشعر بك.. أعلم أنك تتألم وأعلم كم أن حديث قاسم كان قاسيا جدا "
جز صخر على أسنانه وهو يزم شفتيه بقوة مانعا نفسه من الإنهيار بينما بداخله وحوش تتصارع ولا ترحمه ورد بعد لحظة بصوت متألم: " أنا لم أؤذيه يومًا.. حييت عمري كله أدافع عنكم وأحميكم وليس هكذا يرد لي المعروف الذي فعلته لأجلكم "
أطرق ياسين رأسه بكآبة وهو يقول: " صدقني هو يريد مصلحتك.. قاسم في العادة ليس قاسيا لهذا الحد.. هو أراد استفزازك لتفعل ما يريدك أن تفعله "
صاح صخر بحرقة: " لكنه لا يلعب بإنصاف معي.. وأنا لا أحب أن يجبرني أحد على ما لا أريد "
طالعه ياسين بترقب وهو يسأله: " ألا تريد أن تحظى بهويتك الحقيقية وتحيا حياتك مع من تحب بطريقة طبيعية؟ ألا تريد أن تصحح مسار حياتك الخطأ وتعيد التوازن المفقود في عالمك؟ "
رمش صخر لوهلة قبل أن يومئ له بالإيجاب فتابع ياسين: " لا حل إذن إلا أن تنفذ ما طلبه منك قاسم "
جز صخر على أسنانه وهو يهتف بقهر: " لم يكن طلب بل أمر "
زفر ياسين بيأس وهو يقول: " أياً كان يا أخي فعليك أن تتنازل وتفعله لأنه في صالحك "
ازدرد صخر ريقه بصعوبة وهو يطرق برأسه مغمغما: " بدأت على الفور بمناداتي 'أخي' ألا تخشى أن تكون لعبة مني أريد بها الإساءة إلى سمعة والدك أو طمعا في ماله؟ "
رد ياسين ببساطة وعقلانية وهو يبتسم: " إجابة سؤالك هي لا ولدي سببين الأول أن لا مصلحة لك في إدعاء كهذا وثانيا لأنني متيقن من صحة كلامك بأنك أخي.. (هز كتفيه بطفولية قبل أن يكمل) أنا أشعر ناحيتك كما أشعر تجاه قاسم وفرح وهذا الشعور إثبات كافي بالنسبة لي بأنك ابن أبي "
تنهد صخر وهو يتمتم بخفوت: " ما أبسط منطقك! "
هتف ياسين فجأة بمشاكسة: " عينيك كحيلتين كعينيّ والدنا أتعلم لم يرثهما منه غيرك؟ "
ناظره صخر بغموض وهو يشعر بأن ياسين محق في حديثه ولم يبالغ أبدًا فها هو الآخر يشعر تجاهه بنفس الشعور الأخوي الحمائي الذي ينتابه في وجود نغم
أغمض صخر عينيه وهو يشعر وكأنه يحمل على كتفيه أطنانا من الأحمال الثقيلة التي أنهكته وخارت على إثرها قواه
كل ما يتمناه اللحظة أن يستكين قلبه الثائر بين أحضان صغيرته ونبض فؤاده عل الخدر ينتشر في خلاياه فيهدئها ويسكت أنينها المفزع كطير جريح
ومن بين أفكاره شعر بسكون بدأ يداهمه بالفعل حينما مال ياسين يستند برأسه على كتفه وهو يغمغم: " لكم أتمنى لو تمكنت من إغاظة فرح بأني استطعت رؤيتك ومحادثتك قبلها لكن ما باليد حيلة إن اخبرتها ستقتلني وتشرب من دمي مصاصة الدماء تلك "
ارتسمت بسمة صغيرة على ثغره رغما عنه على إثر حديث ياسين الطفولي فشعر بأن وحوشه بدأت تخمد ثورتها قليلا فأوهم نفسه أن كل الأمور ستتحسن وتكون قريبا على خير ما يرام
***

خرج قاسم من الغرفة وهو يتنهد بتعب كمن للتو أنهى الركض لمسافة أميال بعيدة دون أن يرتاح وقبل أن يشعر بالراحة التي تحتاجها روحه في تلك اللحظة جمدت أنظاره على نبض التي تقف أمامه ترتجف وهي تشد قبضتيها إلى جانبيها وعبراتها الغزيرة تغرق وجهها بينما رأسها يتحرك يمينا ويسارا قبل أن تنطق بتقطع وهي تشهق بالبكاء: " لماذا آلمته بهذه القسوة يا أبيه؟ لماذا؟ صخر لا يستحق منك ذلك "
أدرك ببساطة انها سمعت حديثه الجارح القاسي لصخر فزفر بضيق وهو يقترب منها يحدثها بصوت خافت حذر: " وهل أعجبك ما فعله معكِ؟ تطاوله عليكِ بهذا الشكل؟ "
ردت بدفاع وحمائية: " أنا الأخرى أشاركه في هذا الخطأ.. هو لم يجبرني أنا... أنا كنت... كنت... "
أكمل جملتها التي قطعتها بحياء وتعثر: " كنتِ ماذا؟ أشك أنكِ كنتِ راغبة في تلك القبلة من الأساس؟ "
أشاحت بوجهها جانبا وهي ترتجف بشكل يمس القلب شفقة عليها بينما هو يتقدم منها أكثر وهو يقول من بين أسنانه: " لماذا لازلتِ تدافعين عنه بهذه الحمائية بعد ما فعله معكِ؟ لقد أخطئ في حقكِ خطئا جسيما وبدلا من أن تغضبين منه أراكِ تغضبين لأجله هل أنتِ مجنونة أم ماذا؟ "
ردت بعد شهقة أفلتت منها: " أنت لا تفهمني يا أبيه.. لا أحد منكم يفهمني أبداً.. أنا أخشى فقدانه "
هدر قاسم بحدة: " كفي عن التشبث بحلم خيالي قد لا يتحقق على أرض الواقع.. من تخشين فقدانه هجرك مرة وليس من الصعب عليه أن يعيدها ثانية هذا بجانب أنه هو في حد ذاته لا يعني أي شيء.. الإنسان الذي لا يحمل هوية تميزه عن غيره من البشر كورقة شجر جافة لا قيمة لها ملقاة على الأرض "
تابع وهو يرمقها بترقب: " ما حاجتك لورقة جافة لا قيمة لها؟ "
أدركت أنه يقصد صخر بتلك الورقة الجافة فردت بصوت مختنق وهي تشمخ بذقنها بإعتداد: " تلك الورقة وإن كانت لا قيمة لها لدي كل البشر إلا إنها عندي تعني لي كل شيء يا أبيه.. قد يمر عليها الكثير وهي ملقاة على الأرض فلا ينتبهون لها من الأساس لكن ثق بأنها لو وقعت في طريقي لانحنيت إليها وحملتها في أعمق عمق بداخلي وما تركتها عُرضة لأقدام البشر تدعسها دون رحمة أو رأفة "
هز قاسم رأسه بيأس وهو يطالعها مفكرا للحظات قبل أن يقول بترقب: " سنرى إن كنتِ لديه بذات الأهمية أم أنكِ لا شيء بالنسبة له يا صغيرة "
رفعت حاجبا بتحدي وصلابة قوية رغم انسياب المزيد من عبراتها: " سيختارني "
إبتسم قاسم ابتسامة صغيرة وهو يطالعها بحنان خاص: " أتمنى ذلك من كل قلبي لأجلكِ يا نبض "
رمشت بحرج وهي تشير برأسها إلى الغرفة بينما تقول: " كيف حاله الآن؟ "
رد قاسم بإيجاز: " بخير "
عبست بشك لكنها لم تجادله وهي تردف: " وماذا عن جرحه؟ لقد كان ينزف حينما تركته واستدعيت له الطبيب "
رد قاسم بهدوء مستفز وبنفس الإيجاز: " بخير "
ازدردت ريقها بتوتر وهي تخفض بصرها للأرض قائلة برجاء: " هل يمكنني الاطمئنان عليه بنفسي؟ "
ناظرها ببرود مفتعل وهو يقول: " بأي صفة؟ "
تنحنحت قليلا قبل أن تجيبه بهدوء ظاهري: " هذا واجب عليّ لأنه فعل الكثير لأجلي من قبل "
عبس قاسم بغير رضا وهو يقول: " لكم كنت أتمنى لو قلتِ غير ذلك لأتخذها حجة وأمنعك عن رؤيته "
طالعته بأمل وهي تسأله: " إذن يمكنني الدخول إليه "
اومأ ببساطة وهو يقول باستفزاز: " نعم يمكنكِ فياسين معه وهكذا سأكون أكثر اطمئنانا عليكِ "
تحرك في الاتجاه المعاكس بهدوء وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله دون أن يضيف كلمة أخرى بينما هي عبست بغيظ طفولي وهي تغمغم: " لست شخصية سهلة أبدًا يا أبيه "
سحبت نفس عميق قبل أن تزفره على مهل وهي ترفع يدها بخفة وتمسح عبراتها وتستدعي القناع الهادئ الذي لا يعبر عن دواخلها الثائرة
***

كان صخر قبل لحظات قليلة قد استلقى على فراشه بمساعدة ياسين الذي ظل مرابطا إلى جواره ممسكا بيده فقال صخر بتفكه: " لماذا تقبض على يدي بهذه الطريقة وكأنك خطيبتي؟ اتركني وابتعد قليلا حتى لا تثر شكوك الناس حولنا فهذا الوضع غير لائق "
حرك ياسين كتفيه بلامبالاة وهو يقول: " لا أبالي بأحد.. أنا أحيا حياتي لنفسي وبالطريقة التي أحب "
رفع صخر حاجبا باستخفاف وهو يقول: " هكذا إذن "
قاطع رد ياسين الذي لم يصدح دقات هادئة رقيقة على الباب فتلتمع عينيّ صخر وهو يهمس اسمها بغير صوت فقط شفتيه تتشكلان بحروف إسمها
في حين عبس ياسين وهو يتمتم: " لا مزيد من المشاحنات هذا يكفي ليوم واحد "
دلفت نبض للداخل بحرج وهي تتحاشى النظر لصخر بينما تقول: " السلام عليكم "
رد ياسين بمودة: " وعليكِ السلام يا نبض "
لم يرد صخر التحية بينما عينيه تتعلقان بوجودها بفرح غامر حاول اخفائه تحت قناع البرود والتهكم وهو يقول: " وأخيرًا ظهرت القطة الصغيرة.. أين كنتِ تختبئين؟ "
أشاحت نبض بوجهها ولم تعقب بشيء بينما رمق ياسين أخوه بطرف عينه وهو يقول بمكر: " الحمد والشكر لله أنكِ أتيتِ فهناك من كان يطلبك على وجه السرعة ويقول 'أحتاج نبض' "
رمشت نبض وهي تتورد خجلا بينما غمغم صخر بغيظ وهو ينظر إلى ياسين: " أيها النذل "
كتم ياسين ضحكته وهو ينهض من مكانه تاركا يد صخر بخشونة وهو يقول: " سأحضر لنفسي كوب شاي ثقيل هل احضر لكِ معي شيء يا نبض؟ "
هزت رأسها سلبا فرمق ياسين أخوه بتحذير خفي وهو يقول: " حسنا سأعود بعد قليل ولن اتأخر عليكما.. اجلسي يا نبض لما تقفين "
خرج ياسين من الغرفة بعدما جلست نبض بالفعل على الأريكة الجانبية البعيدة نسبيا حيث أشار لها
بعدما خرج وقف مستندا إلى الحائط المجاور لباب الغرفة المغلق وكتف ساعديه أمام صدره وهو يغمغم بمكر: " لو علم قاسم بأني تركتها وحدها معه سيقتلني قبلهما لكن لا بأس من بعض الترويح عن النفس قبل أن يثور الوحش الآخر من الكبت "

{ أما في الداخل }
كانت نبض تتحاشى بشكل واضح النظر إلى صخر الذي يحدق فيها بغيظ لو انفجر فسيحرقها
تنحنحت بعد لحظات وهي ترفع رأسها بتردد ناظرة إليه وهي تقول: " كيف حال الجرح الآن؟ "
رد ببرود متعمد: " بخير "
شعرت بالحرج فتعثرت في الحديث وهي تتمتم بخفوت: " وأنت؟ "
شبح بسمة هازئة طال شفتيه وهو يجيبها: " كما ترين.. صحيح الجسد ولا أشكو من شيء "
أشاحت بوجهها بضيق وهي تقول: " ظننت ضميرك يوجعك بعد ما فعلته "
رد بلامبالاة: " ما فعلته ليس بأمر بالغ الخطورة لهذه الدرجة حتى يوجعني ضميري.. أنا لم أرتكب جريمة "
صاحت بغضب وهي تنظر له بنارية شرسة: " بلى فعلت.. لا أنكر أنني أشاركك الذنب فيما حدث لكنك أنت المسؤول أولاً "
قطب وهو يناظرها ببرود: " ولماذا أكون أنا المسؤول طالما تعترفين بأنكِ تشاركيني فيما حدث؟ "
ردت بحنق وهي تشير له بسبابتها: " لأنك أنت الأكبر سنا بيننا والأنضج عقلا وأنا مجرد طفلة لست أكثر من ذلك أم تراك نسيت حديثك فيما قبل؟ "
عبس بضيق وهو يقول: " لا لم أنس شيء ولكن... "
قاطعته بحدة: " ليس هناك لكن.. بالله عليك أنت حتى لا تعترف بأنك أخطأت.. لما كل هذا الغرور؟ "
هتف صخر بحدة مماثلة: " أنا هكذا وإن كان يعجبك "
هبت من جلستها وهي ترد باعتداد وثقة: " لا.. لا تعجبني هكذا ولن أقبل بك على هذا الحال.. إما أن تتغير لأجلي أو لا تنتظر مني أن أكون لك أي شيء "
تحرك صخر يهم بترك الفراش فصاحت فيه: " لا تنهض عن الفراش.. كفاك تصرفات طفولية لن تنفعك بشيء.. لا أعلم ماذا تحصد من إرعابي وإخافتي عليك بهذا الشكل؟ "
أشار لها بيده في عصبية وهو يأمرها : " تعالِ هنا "
هزت رأسها برفض قاطع وهي تقول: " لا "
ردد كلمتها وهو يجز على أسنانه غاضبا: " لا! "
رفعت رأسها باعتداد وهي تقول: " نعم لا.. لا لن اقترب منك مجددا طالما ليس بيننا عقد شرعي يُحل ذلك.. لا لن أسمح لك بأن تتأمر عليّ طالما لا تملك أي حق عليّ.. ولا لن أخاف عليك بعد اليوم لأنك ولد مغرور تستمتع برؤيتي ضعيفة أمامك "
أشار على نفسه ذاهلا وهو يردد: " أنا ولد؟ "
اومأت بالإيجاب وهي تكمل ببساطة مستفزة " نعم ومغرور أيضًا "
ودون أن تمنحه فرصة للرد كانت تتجه نحو الباب وتفتحه دون تردد قبل أن تلتفت له برأسها قائلة بهدوء: " أتمنى لك الشفاء العاجل.. أراك على خير "
صاح بلهفة دون أن يستطع تمالك نفسه: " هل أنتِ راحلة؟ "
اومأت ببساطة وهي ترد: " نعم.. أديت الواجب واطمأننت عليك لذا لم تعد هناك فائدة من بقائي "
عبس بضيق وهو يقول: " لا تقولي واجب "
ابتسمت ببرود مستفز وهي ترد: " ليست لي صفة واضحة في حياتك بعد يا دكتور لذا فكل ما يجمعنا هو الواجب المتبادل بين كل منا تجاه الآخر "
هتف بإنفعال: " أنتِ زوجتي "
تبسمت نبض وهي تنظر له متعجبة بصدق حتى ردت عليه بعد لحظات بسخرية مفتعلة: " أنت كمن قال الكذبة وصدقها يا دكتور.. عامة إن كنت زوجتك بالفعل فأثبت ذلك إن استطعت.. السلام عليك "
وخرجت تحت أنظاره الغاضبة دون أن تتراجع أو تشفق على حالته وفي الخارج وجدت ياسين يكتم ضحكاته بصعوبة وهو يشير لها رافعا إبهامه في حين يقبض على بقية أصابعه علامة النصر
رمقته بترفع مفتعل وهي تخطو مبتعدة دون أن توجه له كلمة واحدة فغمغم ياسين بتسلية: " يبدو أن أيامك الملبدة بالغيوم في طريقها إليك يا أخي طالما أتفق قاسم مع تلك الصغيرة.. أعانك الله "
***

كانت شمس لاتزال على جلستها المترقبة الكئيبة في الحديقة منذ عادت إلى فيلا والدها في العاصمة
تنظر لشاشة هاتفها المظلمة بين الحين والآخر قبل أن تزفر بإحباط حينما تجد أن لا رسالة أو إتصال وارد إليها من أحد أبناء عمومتها ليطمئنوها على الوضع عندهم وسير الأحداث فيما يخص صخر
تأففت بضيق وهي تحاول أن تجد مبررا لإصرار زيد عليها بأن تعود إلى العاصمة ولا تأتي إلى زيارة دار جدها قبل أن تعلمه بذلك
لازالت غير راضية عن طريقة زيد في الحديث عن إبن خالها خالد، لازالت حائرة في تفسير شعوره الرافض تماما للاعتراف بصخر
كلما تذكرت المرات القليلة التي كانت تأتي فيها على ذكر صخر أمامه فينتهي الأمر بشجار حاد بينهما وخصام طويل من ناحيته وكأنها أخطأت خطئا فادحا لمجرد أن تحدثت عن ابن خالها الذي لا يتقبله هو كانت تشعر بالغضب منه لكنها ككل مرة تفضل التراجع بصمت
لا تنكر أنها شخصيا تستنكر لهفة فرح التي تظهرها بشكل مبالغ كلما تحدثت عن صخر، تستنكر شعور الفخر والسعادة الذي ينتاب فرح ناحيته وكأنها تعرفه منذ سنوات ولم تعرف بوجوده قبل وقت قصير
تستنكر البساطة التامة التي تقبلت بها فرح أن لها أخا غير قاسم وياسين بل إنها حتى لم تحزن لأن والدها كان متزوجا على أمها دون أن تعلم، لم تحزن حينما أخبرهم والدها بأنه تزوج أمها تنفيذا لرغبة جدهم لا أكثر من ذلك
بل إنها حتى تستنكر تقبل قاسم الغامض لصخر، تتعجب من تلك الحمائية التي يتحدث بها عنه وهو يدافع عن حقه والذي لم يطالب به الأخير بعد
وأكثر ما يثير عجبها حقا هو غضب ياسين من جده ووالده لأجل صخر، تتعجب من المحبة التي أظهرها ياسين لشخص يفترض أنه غريب عنهم تماما لا يعرفون عنه أي شيء
تتعجب من الاخوة الثلاث 'قاسم، ياسين، فرح' بشدة لقد أظهروا لها نوعا من الود والترابط لم تكن تعلم بوجوده من قبل، ترابط غير مشروط، غير محدود والأكثر من كل هذا أنه ترابط غير قابل للانفصام
ابتسمت بسخرية من نفسها وهي التي كانت تظن أن علاقتها بأنس علاقة فريدة غير موجودة لدي غيرهما فماذا إذن عن علاقة أبناء خالها خالد؟
كانت أفكارها متزاحمة بشدة ومتداخلة حينما اقتربت منها زوجة أبيها فجأة وهي تقول بابتسامة متحمسة: " ألم تصلكِ أخبار جديدة عن إبن خالكِ بعد؟ "
قطبت شمس بحيرة قبل أن تجيبها بإحباط: " لا.. ليس بعد عمتي "
جلست مروة إلى جوارها وهي تقول: " من أي عائلة هو؟ "
قطبت شمس بعدم فهم وهي تقول: " ماذا؟ "
زفرت مروة وهي تقول بحذر: " أقصد العائلة التي ينتسب إليها الآن "
ردت شمس بهدوء ظاهري: " لماذا تسألين عمتي؟ "
حركت مروة كتفيها وهي تتدعي اللامبالاة بينما تقول: " لا لشيء.. كنت اثرثر معك لا أكثر "
هزت شمس رأسها وهي ترمقها بشك قبل أن تجيب ببرود: " لا فائدة من التحدث بشأن تلك العائلة فعلى أي حال هي ليست عائلته الحقيقية "
ناظرتها مروة بحماس طفولي مبالغ فيه آثار تعجبها وهي تسمعها تقول: " هل حضر جدكِ إلى العاصمة حتى يزوره؟ "
رمشت شمس بتعجب وهي تقول: " لا "
زمت مروة شفتيها وهي تتمتم ببرود: " راهنت نفسي بأنه لن يفعل.. لا حد لعجرفة جدكِ أبدًا؟ "
رفعت حاجبيها بذهول وهي تطالع مروة وكم تمنت لو أخبرتها بأنها هي الأخرى تحمل نفس العجرفة بل تكاد تفوقه لكنها فضلت الصمت حتى لا تتشاجر معها عمتها ككل مرة ويغضب والدها لأجلها فهي للتو لا تصدق بأن والدها عاد يعامل مروة بلطف بعد حدته عليها في آخر مرة قبل أن تزور عائلة أمها للمرة الأولى
كتفت مروة ساعديها أمام صدرها وهي تقول بجدية: " الكثرة تغلب الشجاعة وفي حالة جدكِ لا بأس بأن تغلب عجرفته وتسلطه أيضا "
اعتدلت شمس في جلستها حتى تكون في مواجهتها وهي تناظرها بإهتمام قائلة: " لم أفهم "
تأففت مروة للحظات بغيظ قبل أن تلتفت إلى شمس وتطالعها بهدوء وهي تفسر قصدها: " إن كان وجود إبن خالكِ هذا ترضونه أم لا فهو حقه وعليكم أن تتقبلون به راضيين وهذا أفضل حتى لا تضطرون لتقبله رغما عنكم "
قطبت شمس بإهتمام بينما مروة تتابع: " وطالما تقبلتم وجوده وهذا أولا إذن فثانيا هو أن تقفوا معا كتفا بكتف أمام جدكم المتسلط هذا وتبدون موافقتكم بضم ابن خالكِ للعائلة باعتبار أن هذا حقه الطبيعي.. طبعا لن يوافق جدكِ لأنه شخصية متعنته أعتاد أن يأمر فيطيعه من حوله دون نقاش لذا فعليكم أن تصروا على رأيكم في المقابل لأن المواجهة بينكم لن تكون سهلة أبدًا "
جحظت عينيّ شمس بصدمة وهي تستمع إلى مروة وهي تضيف بجدية تامة: " عليكم أن تناصروه حتى يحظى بهويته الحقيقية فهذا الأفضل له ويكفي أنه تحمل إخفاء نفسه عنكم كل هذه السنوات حتى لا يفسد حياتكم "
أخيرا انتبهت مروة لملامح شمس المصدومة فعبست بحنق وهي تقول: " ماذا؟ لما تنتظرين لي بهذا الشكل؟ "
ازدردت شمس ريقها بصعوبة وهي تشعر بغصة تخنقها قبل أن ترد: " أراكِ متعاطفة كثيرا مع ابن خالي لذا أنا متفاجئة قليلا "
تكلمت مروة بنفس العبوس: " ولماذا تتفاجئين من الأساس هل تريني معدومة الإحساس لهذه الدرجة حتى لا اتعاطف معه؟ "
هزت شمس رأسها ببطء وهي تنظر لمروة بعينين دامعتين بينما ترد: " بالطبع لا.. ليس هذا ما قصدته لكن... لكني لم أراكِ يومًا متعاطفة معي لذلك تفاجأت من شعوركِ الطيب هذا تجاه شخص لا تعرفينه أبدًا "
أشاحت مروة ببصرها بعيدا وهي تقول بصوت كئيب: " هناك فرق "
سألتها شمس بإهتمام: " أي فرق يا عمتي أخبريني علني أفهم السبب الذي يجعلكِ تكرهينني؟ "
ردت مروة وهي تتصنع اللامبالاة: " أنا لا أكرهكِ "
ابتسمت شمس بتهكم قبل أن تقول: " حقا! وماذا اسمي ما تفعلينه معي؟ أي توصيف أضعه لمعاملتكِ الجافة معي أو صراخكِ عليّ طوال الوقت رغم أني لا ازعجكِ أبدًا بل أحرص دومًا على فعل ما يرضيكِ لكني في النهاية لا أحصل منكِ ولو على كلمة طيبة.. مجرد كلمة صغيرة لا أسمعها منكِ؟ "
رمشت مروة قليلا وهي تشعر باحتراق حدقتيها التي تغشاهما عبرات تمنعها من النزول بصرامة بينما شمس تكمل بصوت متحسر حزين: " لم أحلم في حياتي بأكثر من حياة طبيعية هادئة.. لم أتمن أكثر من معاملة لطيفة متفاهمة بيننا.. صدقيني لم أرد أكثر من هذا لكن يبدو أنني تماديت في أحلامي وتمنيت المستحيل بدليل أنني لم أستطع أن أجعلكِ تشعرين تجاهي نفس الشعور الذي شعرتِ به تجاه ابن خالي "
رمقتها مروة بطرف عينها وهي تحاول السيطرة على تحشرج صوتها قبل أن تقول ببرود مفتعل: " هناك ما لا تعرفينه لذا لا يجب أن تحكمي على الأمور من وجهة نظركِ وحدكِ فهذا يجعلكِ ترين الأمور بشكل خاطئ "
أمسكت شمس بيدها وهي تقول برجاء: " إذن أخبريني أنتِ عمتي بما لا أعرفه.. دعيني أرى الأمور من وجهة نظركِ أنتِ "
نعم ها قد أتت اللحظة التي يجب أن تعلني فيها استسلامكِ وهزيمتكِ يا مروة.
هيا أخبريها أن سوء معاملتكِ لها ليس لسبب سوا حقدكِ القديم على أمها.. أمها التي رحلت وتركت لكِ الكون بكل ما فيه.. أمها التي لم تؤذيكِ مرة منذ تزوجت ب... ابن عمكِ وزوجكِ.
هيا أخبريها أنكِ تغارين منها.. تغارين لأن ابنكِ يفضلها عليكِ ويحبها أكثر منكِ.. هيا أخبريها أنكِ... أنكِ نادمة أشد الندم و... تتمنين لو لم تكوني امرأة أنانية متعجرفة أبدًا في يوم من حياتكِ.
أخبريها أن نظرة الكره التي يناظركِ ابنكِ بها والتي هي في الأساس من صنع يداكِ بِتِّ لا تطيقينها وتتمنين بشدة لو تمحينها من نظراته إليكِ وتبدلينها إلى ود ومحبة.
سحبت مروة يدها وهي تقول بصوت كئيب: " هناك ما يجب أن تعرفيه وتفهميه وحدكِ وتقيميه من وجهة نظركِ أنتِ لا من وجهة نظري أنا أو حتى والدكِ "
نهضت بهدوء دون أن تضيف المزيد وتركتها فجأة كما اقتربت منها فجأة
رفعت مروة يدها تسمح تلك العبرة التي غافلتها وسالت على وجنتها وهي تتمتم بمرارة: " ليت بيديّ إعادة عجلة الزمن للخلف "
أما شمس فقد أطرقت رأسها بإحباط وهي تغمغم: " أنا تعبت.. متي يا ربي يسود السلام بيني وبينها؟ "
لحظات قليلة ورفعت هاتفها وعبثت بخفة بين تطبيقاته حتى ظهرت لها صورة زيد فطالعته بنفس الكآبة تتأمل ملامحه الوسيمة.. عينيه بلونهما البني الفاتح الباسمتين بشقاوة مختلطة بغرور مستفز، شعره الناعم الذي يماثل لون عينيه، فمه الباسم وجسده المتناسق.
تنهدت فجأة وهي تتمتم بقلة حيلة: " آه يا زيد.. متى ستتخلص أنت الآخر من طبعك المستفز هذا وغيرتك الصبيانية التي ستصيبني بجلطة عما قريب؟ "
زمت شفتيها وهي تتجول بنظراتها على ملامحه للحظة قبل أن تتمتم بيأس: " لا يبدو أنك ستتغير قريبا يا زيدي.. يا سبب تعب قلبي "
***

بعد يومين / في دار الجبالي
وقف خالد يهتف بضيق أمام والده: " ماذا تقول يا أبي هل تفكر جديا في إقامة عرس زيد في هذا الظرف الذي أمُر به وابني لازال في المشفى لم يتعافى بعد؟ "
رد عبد الرحمن ببرود: " لقد قررت وأنتهى الأمر "
نظر خالد إلى ابن أخوه يسأله بصمت أن يتدخل لكن زيد خذله وهو يلتزم الصمت راضيا عن قرار جده مما جعل خالد يقطب بغضب وهو يواجه والده ثانية هادرا: " لن أحضر هذا العرس يا أبي فما بين يديّ أهم من الإحتفال "
طالعه عبد الرحمن بقسوة وهو يقول: " بلى ستحضره يا خالد فأنا لم أعتد استقبال التهاني إلا وولدي البكري يقف إلى جواري كتفا بكتف.. هل ستتهرب من واجبك تجاه عائلتك؟ "
صاح خالد بعصبية: " بالله عليك يا أبي أيهما أهم؟ ولدي الذي كان على حافة الموت أم... "
قاطعه عبد الرحمن بشدة: " تماديت يا خالد وبت ترفع صوتك عليّ وفي حضوري دون حساب "
قبض خالد على كفيه بشدة إلى جانبيه وهو يقول بتخاذل: " أعتذر يا حاج لم أقصد ولكن... "
قاطعه عبد الرحمن ثانية: " ليس هناك لكن.. أريدك أن تهتم بكل ما يخص العرس بنفسك ولا تنس أن تعلمني بقرارك الخاص بشأن خطبة يوسف وفرح إن كنا سنقيم خطبتهما مع العرس في نفس اليوم أم بعده في يوم آخر؟ "
أمام الباب من الخارج تصلبت يد يوسف معلقة في الهواء وقد كانت على وشك فتح الباب وإعلام والده بأنه وصل بينما من خلفه أنس شعر كمن سكب أحدهم دلو ماء بارد على رأسه فأصابه فجأة بالفواق بعد انغماسه في حلم طويل
أتت فرح في هذه اللحظة تطالع وقفتهما بتعجب وهي تقول: " ما بكما؟ لماذا تقفان على الباب بهذا الشكل؟ هيا أدخلا "
حينما لم يتحرك أحدهما من مكانه تقدمت هي من الباب ببساطة تفتحه وهي تدعوهما للدخول في نفس اللحظة التي صدح صوت والدها وهو يقول بإقتضاب: " أرى أن نؤجل الحديث في هذا الأمر حاليا حتى استشير فرح أولا فقد تكون... "
رد والده بصلابة: " لا رفض في هذا الموضوع فهو لا يحمل التخيير.. فرح ستتزوج ابن عمها ولا غيره وعلى كل حال لم يتبق سواهما ليكتمل شمل عائلتنا "
صاح خالد بإنفعال رغما عنه: " لن أجبر ابنتي على الزواج من شخص لا تريده.. لن أعيد الماضي وأكرر خطئي ثانية.. لا أريد أن أرى رقية أخرى في فرح "
ضرب عبد الرحمن الأرض بعصاه بقوة وهو يهتف بحدة: " هل تراجعني يا خالد؟ تريد كسر كلمتي؟ "
جز خالد على أسنانه بغضب مكبوت بينما يكمل والده حديثه بتسلط أكبر: " أمري نافذ وما عندي قلته.. فرح ليوسف "
شهقت فرح بصدمة وهي تتراجع للخلف دون شعور منها حتى اصطدمت بيوسف الذي أمسك كتفيها بلطف ليوازنها قبل أن تتعثر وتسقط بينما يقول بصوت مهموم: " اهدئي فرح.. كل شيء سيكون بخير بإذن الله ولن يجبركِ أحد على ما لا تريدين "
هزت رأسها سلبا وهي تنظر إلى يوسف بعينين دامعتين مجيبة: " لن يكون هناك خير.. الأمور تسوء أكثر يا يوسف "
أنهت حديثها لتهرول بسرعة للأعلى وهي تشهق بقوة بينما يوسف يطالعها بإحباط وحزن لأجلها ولم يلاحظ تراجع أنس بوجوم حتى غادر الدار كلها مستقلا سيارته وهو يعلم أن ذلك الوداع قبل الحظو باللقاء
***

في غرفة ملك
كانت تجلس متربعة على فراشها أمام ابنة عمها، تطالعها ببلاهة قبل أن تتمتم بحيرة: " هل تتحدثين جديا يا حفصة؟ أتيتِ تسأليني النصح؟ "
طالعتها حفصة بكآبة وهي تهز رأسها مجيبة: " نعم.. أنا خائفة يا ملك.. في الحقيقة خائفة جدا "
ارتفع حاجبي ملك بذهول شديد وهي تقول: " وهل تظنين حقا أنني سأفيدكِ في موضوعكِ هذا؟ "
عادت حفصة تومئ من جديد وهي ترد: " نعم ومن غيركِ هذا كان رأي عمي سليم أيضًا "
غمغمت ملك لنفسها بامتعاض: " يا خيبتكِ يا ملك أصبحت سيرتكِ سيئة أمام الجميع حتى عمكِ الطيب سليم أخذ عنكِ فكرة لا يعلم بحالها إلا الله "
تنهدت وهي تطالع حفصة بترقب سائلة: " وماذا تريدني أن أفعل بالضبط؟ "
ردت حفصة وهي تزدرد ريقها بتوتر: " أخبرتكِ بما أريد "
زفرت ملك بحنق تقول: " بالله عليك بماذا سأنصحكِ إن ألم أستطع توجيه النصح لنفسي؟ ما هذه الخيبة يا ربي؟ "
عبست حفصة بطفولية وهي تضم شفتيها متمتمة بحزن: " ألن تساعدينني؟ "
ضربت ملك بغيظ على ساقيها وهي تتمتم: " يا ولي الصابرين يا رب! "
رمقها حفصة باستعطاف وهي تقول: " أخبريني أي فكرة مجنونة من أفكاركِ وأنا سأنفذها دون جدال ولن أورطكِ معي في شيء "
رددت ملك بتعجب: " فكرة مجنونة! "
زمت حفصة شفتيها بحرج بينما ملك تعبس متمتمة بنزق: " إذن تعلمين أن أفكاري مجنونة ورغم ذلك تريدين واحدة! ما هذا التقدم والتفاهم الكبير؟ "
ردت حفصة وهي تشيح بوجهها بكآبة: " لأنني مضطرة "
اقتربت منها ملك بفضل تسألها من جديد: " أخبريني مجددا عن السبب حتى افكر لكِ في فكرة مناسبة؟ "
ردت حفصة وهي تعض جانب شفتها بحياء: " أنا كثيرا ما انشغل عن عاصم و... "
قاطعتها ملك بملل تقول: " نعم وتقصرين في حقه "
فغرت حفصة فاهها وهي تتمتم: " كيف علمتِ؟ "
حركت ملك كتفيها بطفولية وهي ترد: " مجرد إحساس لكنه صادق على ما يبدو "
اومأت حفصة بأسى وهي تقول: " نعم.. أنا أخشى أن يتركني عاصم أو يتزوج امرأة أخرى... "
قطبت ملك فجأة بجدية وهي تقاطعها قائلة: " نحي تلك الفكرة الحمقاء جانبا يا حفصة لأن عاصم مستحيل أن يفكر فيها مهما بلغ تقصيركِ معه ولا تدعي ما حدث مع عمي خالد يسيطر عليكِ "
ردت حفصة بتنهيد: " أوَ لم يفعلها عمي خالد؟ "
اجابتها ملك بنفس الجدية: " الأمر مختلف ولا مجال حتى للمقارنة بينهما يا حفصة.. عمي خالد لم يتزوج على والدة قاسم لأنها قصرت في حقه بل لأنه من البداية أُرغم على تلك الزيجة، لأنه كان يجب امرأة أخرى منذ البداية ولم يستطع التخلص من حبه لها "
أطرقت حفصة برأسها وهي تتمتم: " لكن عاصم مهما تحملني سيأتي يوم و... ويملّ مني ويفكر في أخرى "
عبست ملك ببرود وهي تقول: " دعينا نتفق على شيء واحد منذ البداية يا حفصة وهو لو أنني أنا من كنت محل عاصم لكنت طلقتكِ ثلاثا وتزوجت عليكِ منذ بضعة سنوات حتى اتخلص من كآبتكِ تلك.. بالله عليكِ لقد أصبحتِ تفوقين حياة في الكآبة "
وعلى سيرة حياة دخلت الأخيرة مغلقة الباب من خلفها وهي تهتف بضيق: " ألم تجدي سوا تلك المتهورة وتفكري في مشورتها يا حفصة؟ "
صاحت ملك في المقابل وهي تقف على ركبتيها على الفراش متخصرة: " ماذا تقصدين يا آنسة حياة؟ ها.. هل جئتِ تتطاولين عليّ في غرفتي ؟ "
رمقها حياة باستخفاف وهي ترد: " وكأنني في الجنة مثلا "
فتحت ملك فمها لترد فقاطعتها صيحة حفصة وهي تقف بينهما هاتفة: " هلا خرستما تماما؟ لا أريد سماع كلمة واحدة منكما "
ظهر العبوس على ملك وحياة في آن واحد بينهما حياة تردف: " أنا في مصيبة فإما تساعداني على حلها أو تخرسا تماما "
تأففت حياة وهي تتمتم: " ليست لدي فكرة عن طريقة حل مصيبتكِ "
رمقتها حفصة بامتعاض تقول: " إذن اجلسي مكانكِ ولا تصدري أية صوت مفهوم؟ "
اومأت بحنق وهي تجلس على كرسي جانبي بينما كتمت ملك ضحكتها الشامتة في حياة حينما صاحت حفصة في وجهها: " وأنتِ؟ "
اتسعت بسمة ملك وهي تقول: " معي الحل.. ستنفك عقدتكِ على يديّ بإذن الله "
حركت حياة شفتيها يمينا ويسارا بحركة تهكمية وهي تتمتم: " ألم يكن يجدر بالقرد أن يحل عقدته أولاً؟ "
اتسعت عيني ملك بغيظ وهي تجز على أسنانها قبل أن تبتسم ببلادة مفتعلة وهي تشير ناحية حياة بينما تقول لحفصة: " هل سمعتِ ما سمعته يا حفصة؟ سبحان الله أول مرة في حياتي أرى قرد يتكلم في هيئة بشر "
انفجرت حفصة ضاحكة بينما حياة تزمجر بغضب هاتفة: " احترمي نفسكِ يا ملك وإلا "
رمقتها ملك بلامبالاة وهي تقول بإستفزاز: " ألم تسمع يا قرد ما أمرتك حفصة به؟ قالت أجلس مكانك ولا تصدر أية صوت مفهوم يا قرد؟ "
هبت حياة من مكانها، وتقدمت بإندفاع ناحية ملك وهي تصرخ: " حسنا يا بومة سأخبركِ أنا من هي القرد بيننا؟ "
قهقهت ملك وهي تقفز أرضا هاتفة: " وأيضًا أنتِ هي البومة لقد سمعت شمس تناديكِ بهذا الإسم ذات يوم "
جلست حفصة على طرف الفراش وهي تحاول جاهدة كتم ضحكتها حتى لا تغضب حياة أكثر لكنها لم تستطع خاصة مع حديث ملك المستفز
بعد لحظات هدأ صراعهما ووقفت ملك أمام الباب، تمسك بالمقبض وهي تقول بجدية: " حل معضلتكِ بسيط يا حفصة وهو أن تفعلي كما نطلب من الرجال أن يفعلوا "
طالعتها كلا من حفصة وحياة بعدم فهم بينما هي تردف: " اعدلي يا حفصة.. وازني بين مسؤولية الدار وحق زوجكِ عليكِ ولا تكلفي نفسكِ فوق طاقتها "
اومأت حياة برأسها تؤيد ملك قائلة بجدية: " هذه المتهورة تقول كلام صحيح.. فعلا يا حفصة أنتِ تحتاجين لبعض الموازنة في حياتكِ وبعدها كل شيء سيستقيم بإذن الله "
أضافت ملك بهدوء: " عن نفسي سأستلم نصيبي من مهام الدار من الغد فقد اثقلنا جميعنا عليكِ طوال السنوات الماضية وآن وقت أن نشارككِ في المسؤولية التي هي من واجبنا جميعا "
تناظرت حياة وحفصة فيما بينهما بذهول، غير مصدقتان أن ملك هي من تتحدث بهذه الحكمة والهدوء على عكس طبعها المتهور، المندفع.
فتحت ملك الباب تهم عليّ بالخروج وهي تقول: " بعد أن تنتهيا من تبادل نظرات الغباء وتقررا الخروج من غرفتي لا تنسيا رجاءً إغلاق الباب من خلفكما "
ابتسمت حفصة بقلة حيلة بينما تمتمت حياة بامتعاض: " ها قد عادت لأصلها "
هتفت ملك بسخرية: " وما به أصلي يا قرد أو أقول يا بومة؟ "
التقطت حياة إحدى الوسائد وألقتها تجاه ملك التي تفادتها وهي تتمتم ببرود: " لا تنسي يا آنسة حياة أن تعيدي وسادتي الجميلة إلى مكانها.. رجاءً "
خرجت مغلقة الباب من خلفها بينما حياة تزفر بغيظ متمتمة: " والله لن أعيد شيء "
تقدمت حفصة بهدوء من الوسادة والتقطتها من على الأرض قبل أن تعيدها إلى مكانها على الفراش وهي تقول بحنو: " ملاك تستحق مني مكافأة كبيرة فقد قالت ما لم يخطر على بال إحدانا "
رمقتها حياة بعبوس تتمتم على مضض: " أحيانا حديثها يكون صائبا فعلا "
ضحكت حفصة بقلة حيلة وهي تقول: " هيا لنخرج يا حياة قبل أن أصاب من عدوى عبوسكِ تكفيني عدوى الكآبة التي طالتني منكِ "
زمت حياة شفتيها بنزق تقول: " هذا رأيي أيضًا "
***

بعد بضعة أيام / مساء
ترجل صخر من السيارة التي يقودها والده بروح شاردة لا يعلم أين مستقرها وقلب لازال يئّن شوقاً لصغيرته التي مذ غادرت المستشفى لم تأت مرة لزيارته أو هاتفته أبدًا
بمجرد أن لاحظ مصطفى وصول صخر حتى نادى أخوه بسرعة ليتقدم منه الإثنين بإبتسامة تعبر عن سعادتهما بعودته وشفائه ولا يعلمان أنه عاد جسد بلا روح وأن جراح الجسد طابت واندمل أثرها لكن ماذا عن جراح القلب التي ما زالت تنزف إلى ما لا نهاية؟
انسحب معتز بهدوء بعدما رد التحية التي ألقاها سيف وترك صخر بصحبتهما وهو مدرك بأنه يحتاج لتلك الصحبة في هذه اللحظة بالذات
كان صخر يقف واضعا كفيه في جيبي بنطاله ملامحه واجمة لا تعبر عن صراعه الداخلي ليتفاجئ لحظة أن عانقه مصطفى بقوة وهو يقول بتهليل: " اشتقنا لك يا باشا.. حمدا لله على سلامتك وعودتك لنا بخير "
شبح ابتسامة عانق شفتيه وهو يرد بلطف: " سلمك الله يا مصطفى "
ازاحه سيف عن طريقه وهو يقول بغيظ: " ابتعد قليلا وكأنك لا تود تركه.. دعني أسلم عليه أنا الآخر "
ابتعد مصطفى على مضض وهو يتأفف في حين عانق سيف صخر بمودة وهو يقول: " حمدا لله على سلامتك يا باشا.. اشتقنا لك كثيرا "
ابتعد سيف بلطف بينما رد صخر: " سلمك الله سيف وأنا إشتقت إليكما أيضا "
اومأ صخر برأسه بهزة بسيطة منه وهو يتحرك للداخل فتبعه صوت مصطفى وهو يقول: " ألا تريد أن تعرف آخر الأخبار يا باشا؟ "
رد بصوت مرهق: " فيما بعد يا مصطفى "
لكن مصطفى لم يتركه بل أسرع الخطى خلفه وهو يقول: " فؤاد الناصر انتحر في السجن "
تصلب جسد صخر وهو يتوقف فجأة عن الحركة وشحب وجهه بينما خطوات مصطفى تقترب أكثر حتى واجهه وهو يضيف: " وجدوه مشنوقا... "
رفع كفه أمام مصطفى وهو يهدر: " كفى "
قطب مصطفى متعجبا وهو ينظر لرب عمله الذي تغيرت حالته للغضب الشديد ولا يعلم لمن يوجه هذا الغضب؟
أغمض صخر عينيه بقوة وهو يتمتم: " كفى.. تعبت.. أنا تعبت.. يا ليتك هنا يا نبض.. لكم أحتاجك يا نبض الفؤاد.. لكم أحتاجك! "
فتح عينيه ينظر حوله بضياع للحظات قبل أن يسرع الخطى نحو الحديقة الخلفية للفيلا حيث اسطبل الخيل الذي تقبع فيه فرسه العنان
بمجرد أن وصل إلى هناك تقدم منها بلهفة وهو يضم رأسها لصدره مخرجا من صدره كل تنهيداته وليت آلامه تخرج معها
مسح على رأسها بحنان وهو ينظر لعينيها الواسعتين قائلا: " اشتقت إليكِ يا حُلوتي "
وفي حدقتيها القاتمتين وجد نفسه يغرق أكثر وأوجاعه تطفو على السطح فتذكره بتلك المواجهة التي حدثت بينه وبين والده صباحًا

كان يقف أمام الفراش يمد يده بإحباط ليلتقط قميصه الأبيض النظيف المطوي بعناية
لحظات وكان يغلق أول زر من أزرار القميص الذي للتو وضعه على جذعه حينما طرق أحدهم الباب فسمح للطارق بهدوء أن يدخل
ظنه ياسين الذي أعتاد رؤيته كل صباح ما إن يصحو من نومه المتقطع الذي لا يخلو من الكوابيس
لكن ما وصله كان عطر آخر غير عطر ياسين، عطر مسكي ثقيل مميز يعكس شخصية صاحبه وفخامته
التفت ببطء وانامله لازالت تتعامل بخفة مع أزرار القميص وما إن فعل حتى ندت عنه شهقة لم يستطع كتمها
شهق بصدمة وهو ينظر لعينين أخريين تشبهان عينيه البنيتين الكحيلتين
تشنجت أنامله وتيبست فجأة على الزر الذي كانت تلامسه وصدره يرتفع وينخفض بقوة، قلبه يتقافز بين أضلعه وهو يشعر بأن بداخله مفرقعات نارية مدوية صداها يكاد يصم أذنيه، عينيه ترمشان بقوة وكأنه يحاول الفواق من كابوس مُخيف لكنه لا يستطيع
من قال أن لهفة اللقاء الأول بين المحبين لا تعادلها لهفة أو لذة؟ أحمق من قال ذلك فها هو صخر يقف أمام والده ويشعر بقلبه يريد الخروج من بين قضبان سجنه حتى يعانق بلهفة ذاك الذي يطالعه بصمت عجيب.
وقف خالد أمامه بحاجبين معقودين وهو يتأمل ابنه لأول مرة، ينظر لعينيه فيرى طفل ضائع بداخلهما وتتجول نظراته على ملامحه فيرى انعكاس لألم عميق لا يكاد يبارحه
رقت عينيّ خالد له كما لم تفعل أمام أحد من قبل وكأنه من قبله لم يرزق بالذرية.
يراقب ابنه بقلب مشتاق متلهف لأخذه بين أحضانه، للتربيت على كتفه وتلمسه، لاستنشاق رائحته وإخباره عن كم الحب الذي يضمره له من قبل أن يقع بصره عليه لمجرد أنه ابنه.. قطعه منه
إبتسم خالد إبتسامة صغيرة مترددة وهو يتقدم خطوة يناديه: " صخر.. ولدي "
فيتراجع صخر على الفور وقد اصابته الكلمة الأخيرة بالفواق، يتراجع ولا يعلم لأين لكنه لا يريد لهذا الرجل أن يلمسه، لا يريد أن يراه حتى
لهفة رؤياه لوالده حلوة لكن الألم الذي تحتويه بداخلها مرير قاس.
بصوت مختنق متسارع كأنفاسه وهو يشير بسبابته ناحية الباب كان يقول: " أرحل.. أذهب من هنا.. أنا لا أريد أن أراك.. لا أريدك هنا.. أخرج "
يتقدم خالد خطوة أخرى بصبر وهو يناديه بلطف ورفق أكبر وكأنه يحاور طفل صغير: " أهدأ بني.. كل ما تريده سأنفذه فقط أهدأ "
يرمش صخر بقوة وهو يشعر بعبرة حارقة تكاد تطفر من عينه وهو يهز رأسه بإنفعال فتقدم خالد خطوة ثالثة وهو يقول بحنو: " ما شاء الله.. شاب مليح تملأ القلب والعين "
تراجع صخر أكثر حتى اصطدم بالحائط من خلفه فتوقفت حركته وهو يطالع والده بحدقتين مهتزتين والدموع تغشى عينيه فتجعل الرؤية أمامه غير واضحة
وخالد يتقدم أكثر وأكثر
وصل إليه وكاد يرفع يده إليه ليتلمس وجهه في حين طالعه صخر باستسلام بائس إلا أن الطريقة العنيفة التي فتحت بها ليال الباب جعلته يتوقف مكانه ساكنا وهو يرى اقتراب خطواتها بلهفة رغم ملامحها الشرسة وهي تصرخ في وجهه: " أبتعد عن ابني "
وقفت أمام صخر كحاجز رغم قصره وضعفه إلا أنه يكفى لمنع خالد من الاقتراب أكثر
إبتسم خالد بمرارة وهو ينظر إلى حبيبته التي أصبحت زوجة لآخر وقال بعد لحظة: " وأخيرًا ظهرتِ.. لم أظن أنني سأراكِ خاصة وأنتِ تتعمدين التهرب من لقائي "
ردت بغضب وهي تجز على أسنانها: " وأنا ظننت أنك لازلت تحتفظ ببقايا من تعقلك المزعوم وستفهم وحدك أن وجودك هنا غير مرغوب أبدًا "
تطلع خالد لعينيها بقوة وهو يقول بهدوء: " من تقفين أمامه وتحاولين اخفائه عني يكون ابني يا ليال... "
قاطعته بحدة وهي تلوح بسبابتها في وجهه: " لا تنطق إسمي.. إياك "
تبسم بسخرية وهو يميل للأمام هامسا: " هل نسيتِ الأيام الخوالي التي كانت بيننا بهذه السرعة؟ "
رفعت يدها لتصفعه لكنه اعتقل كفها في قبضته القوية المحكمة قبل أن يهدر صوته بخشونة: " إياكِ.. سأكسرها لكِ "
صرخت ليال بشراسة وكره وهو تجذب يدها من قبضته: " أيها الوغد الحقير.. أنا أكرهك "
رمقها خالد بإستهانة زادت غضبها لتدفعه في صدره بشراسة وهي تصيح: " أخرج من هنا.. ابني لا يريدك.. أخرج "
لم تؤثر به دفعاتها وهو يقف في مكانه كالجبل قدميه مثبتتان في الأرض ورأسه شامخا في السماء
طالعته بقهر وهو يقول بسيطرة: " بلى يحتاجني ومن دوني لا قيمة له.. قولي بأنك تستطيعين منحه ما يفتقده وسأرحل في الحال "
قبضت كفيها إلى جانبيها وهي تنكس رأسها بمرارة شديدة، تشعر بأن قلبها سينشطر إلى نصفين من الألم
لماذا ظهر من جديد؟
لماذا تقاطعت طرقهما ثانية؟
لماذا عاد؟
أما هو فشعر بالحزن والحسرة فها هي حبيبته أمامه ولا يستطيع لمسها أو الهمس باسمها كما يحب ويتمنى
قتله الكره الصادق المشع من حدقتيها الزرقاوين، يعلم أنه يستحق كرهها لكنه كان يأمل بقايا من عشق قديم أن يشفع له عندها
ها هو يقف أمامها بملامح متبلدة يقسو عليها ويجرحها بعنف بدلا من ضمها لصدره وهدهدتها بعذب الكلمات التي تستحقها
ومن خلف ليال كان صخر لازال على وقفته، بصره مثبتا على عينيّ والده التي لم تفارقا وجه أمه المطرق
رفع بصره للأعلى وهو يشعر بأن الغرفة تضيق حصارها عليه تكاد تخنقه وحينما خفضه من جديد وقعت عينيه على صغيرته التي تقف عند الباب الذي تركته أمه مفتوحا
كانت تنتفض كعصفور صغير جريح ودموعها تنسكب على وجهها كزخات مطر غزيز لن تتوقف ولو بعد ملايين السنين
تحركت شفتيه دون صوت تشكل حروف اسمها لتهز رأسها بسرعة وكأنها تقدم له دعمها
رفع يده دون شعور منه يدعوها لأن تقترب منه فتقدمت على الفور ولم تخذله لكن خالد أوقفها في اللحظة الأخيرة قبل أن تتخطى ليال وصولا لصخر
أوقفها بحزم وهو يقول: " أمرتكِ ألا تلحقي بي "
رفعت وجهها المغرق بالدموع إليه تجيبه: " لم أستطع.. أرجوك عماه "
لا تعلم لماذا ترجوه؟
أ ترجوه أن يترفق القول مع ليال؟
أو يحسن التعامل مع صخر؟
أم ربما ترجوه أن يتركها لتقترب من صخر وتخفف عنه؟
لكن خالد نهرها بقوة وهو يقول: " انتظريني في الأسفل "
شهقت بحرقة وهي تقول: " عماه... "
قاطعها خالد بسيطرة: " قلت أخرجي "
اومأت بطاعة وهي تلتفت برأسها إلى صخر تعتذر له بصمت
أما هو فكان يهز رأسه يمينا ويسارا ببطء لا يريدها أن ترحل وتتركه، يريدها هنا إلى جواره.. يحتاجها
نظراته تصرخ ' لا تخذليني.. لا ترحلي '
فتجيبه بحسرة ' لا أستطيع '
يخفق قلبه بعنف يطالبها بالبقاء ' أحتاجك '
فيرد قلبها بهتاف أعلى ' وأنا كلي يحتاجك '
يتوسلها ' أرجوك نبض '
فيكون جوابها دموع غزيرة تطفر من عينيها وهمس غير منطوق ' وهل أبقيت لي بعضا من النبض؟ لقد تركته كله لك يا مالكا قلبي ونبضه '
تراجعت باستسلام، تخطو للخارج، تسرع قدميها ويعلن القلب العصيان وتؤيده الروح بالبقاء
عند الباب منحته آخر نظرة كسيرة تخبره بحنان يطفر من عينيها مع عبراتها ' أنا هنا.. لا تستسلم يا صخري.. أنا إلى جوارك باقية '
رفعت ليال رأسها تطالعه بحقد وهي تقول: " لازلت متسلطا.. لم تتغير أبدًا ً "
رد ببرود مفتعل: " أحببتني هكذا "
صاحت بغضب موجه لنفسها: " كنت حمقاء غبية.. ظننت فيك ما ليس فيك.. استحققت كل الذل والوجع الذي ألحقته بي.. لكنني أفقت أخيرا وأدركت كم كنت واهمة حينما وقعت في هواك الزائف "
جز خالد على أسنانه وهو يشيح بوجهه عنها قائلا بغضب مكبوت: " لست هنا اليوم لنعيد فتح ذكريات ماضينا.. جئت لأجل ابني "
صرخت بحدة في وجهه: " ليس ابنك.. ليس لك إبن هنا.. أرحل "
رمقها بإستهزاء وهو يقول: " لا يليق بكِ الكذب "
ردت بشماتة: " لكنه يليق بك وكثيرا أليس كذلك؟ "
زفر عدة أنفاس بضيق قبل أن يقول: " نحي ما حدث بيننا في الماضي جانبا فما يجب أن نتحدث فيه اليوم هو الأهم "
صاحت بغل: " ومن أخبرك أن بيننا أي حديث من الأساس؟ هل تظن نفسك حقا ذو أهمية حتى اتنازل واتناقش معك في شيء؟ كم أنت واهما إذن.. هيا أرحل من هنا فنحن لا نريد منك أي شيء "
هدر خالد بقوة: " أصمتي "
يقسم صخر أن أمه ارتجفت بشدة على إثر صرخة والدة العنيفة وخرست تماما ولا يستطيع أن يلومها أوَ لم يرتجف بدنه هو الآخر؟
بينما أكمل خالد حديثه بصوت مشدود كالوتر: " أعلم أنكِ لست بحاجتي لكن ابني يحتاجني "
حاولت أن تتحدث فقاطعها وهو ينظر إلى صخر بقوة: " قاسم كان سيحرر الشكوى التي أخبرك عنها اليوم لولا تدخل نبض.. بكت وتوسلته أن ينتظر حتى أتحدث معك أولا هل ستخذلها؟ "
شخصت أنظاره تجاه الباب لكنه لم يجدها وكم تمنى لو رأى طيفها في تلك اللحظة
فتابع خالد بصوت خرج كئيبا رغما عنه: " أعلم أنني ارتكبت في حقك ذنب كبير.. أعلم أنك قد لا تغفر لي يومًا لكن... لكن لأجلها هي ألا تستطيع أن تتنازل؟ "
نظر صخر له بتشتت وهو يرى إعتذار قوي صادق تشع به عينيّ والده، لكنه منهك اللحظة ولا يدري ما يجب أن يفعله
طال صمته وعجز عن إيجاد الرد المناسب بينما علمت ليال في قرارة نفسها أنها خسرت تلك الجولة ويجب أن تتنازل وتشهر راية استسلامهما إن كانت حقا تريد مصلحة ابنها، استدارت إليه تطالعه بحنان وهي تلمس جانب وجهه قائلة: " لأجل نبض يا صغيري تراجع عن قرارك وأقبل مساعدته "
قالتها بيقين وهي تدرك أن هذا هو الأفضل له، تعلم أنه يعيش عمره تائهًا رغم صلابته التي يبديها، حزينا رغم برود واجهته التي لا يتخلى عنها، متلهفا لحضن والده الحقيقي رغم ادعائه العكس وهذا فقط ما جعلها تستسلم وتطالبه بأن يقبل مساعدة خالد طالما سيظل معها هي في نهاية المطاف


لقد كانت لزيارة والده أثرا قويا عليه، تركته خائر القوى محطما، كل ما في داخله في صراع ولا يعلم لأيهم يرسو
بكي واجهش في البكاء دون تحفظ وهو يجثو على ركبتيه أرضا مغطيا وجهه بكفيه، كتفيه يهتزان بقوة في بكائه وقلبه يوجعه وروحه تنزف
كان يشهق بحرقة وهو يصرخ: " تعبت.. والله تعبت "
طال بكائه حتى رفع رأسه إلى السماء وهو يتمتم بانكسار ورجاء يحرق قلبه: " رُحماك يا ربي.. رُحماك "
***

بعد منتصف الليل بقليل
دخل أنس إلى الفيلا يترنح على غير هدى وهو يتمتم بلحن ما ورائحة الخمر تنبعث من بين أنفاسه بثقل يقبض النفس ويثير فيها الاشمئزاز
أذهله وجود أمه في انتظاره في سابقة منها لم تحدث من قبل، رمقها باستخفاف وهو يتخطاها نحو الدرج مستمرا في تمتماته
شعر بها خلفه لكنه استمر في تجاهلها حتى وصل إلى غرفته ففتحها ببساطة ودلف تاركا الباب مفتوحا من خلفه فتبعته للداخل وأغلقت الباب من خلفها
بدأ في فتح أزرار قميصه وهو يرمقها بطرف عينه بلامبالاة بينما هي تتجه نحو دولاب ملابسه تعبث فيه قليلا قبل أن تتقدم نحوه وبين يديها ملابس بيتيه نظيفة
قطب ببعض الانزعاج وهو يراها تبعد يده عن القميص ببعض الحدة لتتعامل هي مع الازرار بخفة فسألها متهكما: " لمن عليّ تقديم برقية الشكر لأن مروة هانم أخيرا تنازلت وأدركت أن لها ابنا؟ "
رمقته ببرود وهي تجيبه: " فعلتها من نفسي "
صاح بسخرية: " أوه.. تبدو حالتكِ في تحسن وإن استمريت على هذه الشاكلة فأنا اضمن لكِ الحصول على وساما فخريا قريبا "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي ترد: " وأنت حالتك تبدو مزرية للغاية وإن استمريت على هذه الشاكلة فأنا أضمن لك أن كل من هم حولك سيسارعون بلفظك خارج حياتهم "
عبس بضيق بينما هي تخلع عنه قميصه قبل أن تدفعه ناحية الحمام قائلة: " هيا لتتخلص من تلك الرائحة الخانقة التي تثير قرفي "
زمجر بغضب وهو يثبت قدميه في الأرض رافضا الاستجابة لدفاعتها وهو يهتف: " ماذا تفعلين؟ توقفي سأقع على وجهي "
ردت ببرود متعمد: " أخفض صوتك قبل أن يسمعك والدك ويطردك من البيت "
لوح بيده وهو يهتف بعصبية: " أ تظنين أني أخافه؟ لا.. أنا لا أخاف أحد وهذا بيتي لا يستطيع أحد طردي منه "
عاد يهتف بغضب: " وأنتِ أخرجي من غرفتي.. أنا أكرهك ولا أريد رؤياكِ أمامي.. هيا أخرجي "
شهقت مروة بصدمة وهي تستقبل دفعته القوية لها حتى كادت تتعثر وتقع لتتلقفها ذراعيه بلهفة في آخر لحظة أو بالأدق في اللحظة المناسبة وهو يناديها بجزع: " أمي.. يا إلهي! هل أنتِ بخير؟ "
سالت عبراتها بغزارة على وجنتيها وهي تهز رأسها سلبا وتطالعه بحسرة
لم تكن تعلم أنها ستتألم هكذا حينما يعبر عن كرهه لها صراحة فلطالما رأت مشاعره تلك مشعة في عينيه وكانت تتجاهلها ببرود متعمد لكن أن ينطقها في وجهها وهو يعنيها حقا لهو الذل والوجع في حد ذاته
أجلسها بلطف على أحد الكراسي وجثى على ركبتيه أمامها، هي تبكي وهو يطالعها بندم متمتما: " آسف أمي.. آسف سامحيني "
شهقت مروة وهي تقول بعذاب: " وهل ستفعل أنت؟ هل ستسامحني؟ "
رفع نظره لها ذاهلا مما يحدث وسألها بتعجب: " أمي ما بكِ؟ "
غطت وجهها بكفيها وهي تجهش في البكاء هاتفة بحرقة: " أريدك أن تسامحني.. تعبت من حياتي وأريد استعادة ابني "
طالعها بحسرة وهو يقول: " لم تعامليني كابن لكِ يومًا يا أمي لكي تفكري الآن في استعادتي "
تابع وهو يطرق برأسه للأرض في أسى: " لم تشعريني يوما بأنني ابنك.. تجاهلتني طوال عمركِ وكأنني لا شيء، مجرد طيف يمر من أمامكِ أحيانا فلا ينال منكِ على شيء سوا التجاهل "
رفعت وجهها له تناظره بلهفة وهي تقول من بين دموعها: " لم يفت الأوان بعد.. أستطيع تعويضك عن كل ما فات فقط امنحني فرصة "
ازدرد ريقه وهو يسألها بوجوم: " لماذا الآن يا أمي؟ هل كنتِ تنتظرين أن ترحل شمس حتى تصرحي بحقيقة وجودي في حياتكِ؟ "
هزت رأسها سلبا وهي تقول بصدق: " لا.. أنا لا أريدها أن ترحل فلتبقى إن شاءت ليس عندي مانع لكني أريد ابني.. أحتاجك بشدة يا أنس "
عاد يسألها بنفس الوجوم: " لماذا؟ "
كتمت شهقتها قبل أن تجيبه بعاطفة صادقة: " لأنك ابني.. لأنني أحبك، لأنني نادمة على كل ما سببته لك من ألم وأريد أن أمحيه.. لأنني ضعيفة بدونك.. مللت حياتي الزائفة وأريدك أن تلونها بحقيقتك، بوجودك "
نظر لها بمرارة وهو يرد ساخرا من نفسه: " أنا ذاتي زائفا يا أمي.. لا تحبيني فأنا أكره نفسي "
نطقت بحرقة: " بل تكرهني أنا "
فتح فمه ثم اغلقه دون أن ينطق بحرف واحد فسالت عبراتها بغزارة وهي تقول بندم: " معك حق.. استحق ذلك.. أنا السبب "
تكلم بكآبة: " كلانا أخطئ يا أمي (تابع بإحباط) أريد أن أغتسل وأنام "
استقامت بحزن وهي تتمتم باستسلام: " حسنا سأتركك و... "
قاطعها وهو يرفع رأسه للأعلى ناظرا لها: " لا بل أبقى هنا.. سأغتسل سريعا وأعود إليك "
ألحق كلماته بأن استقام بترنح وهو يتحرك تجاه الحمام دون أن ينتظر سماع ردها
***

بعد بضعة دقائق / في الحمام
وقف أمام المرآة ينظر إلى انعكاس صورته بضيق، يطالع شخص لا يشبهه، شخص شاحب محبط هزيل مقرف
دمعت عيناه وهو يتذكر سبب عودته لشرب الخمر.. هو يريد أن ينسى
ينسى فتاة أحبها رغما عنه فخط القدر كلمته بألا تكون له، ينسى فرحة داعبت روحه يوما ونبضة هاربة ركضت إليها
يريد أن ينسى فلا ينسى بل تظل في عقله باقية لا تمحى
تنهد بعمق وهو يتذكر الأخرى التي تركها في الخارج
أمه!..
يعلم أنها تنتظره كل ليلة حتى يعود من سهرته الطويلة مع رفاق السوء لكنها أبدًا لم تظهر نفسها له إلا الليلة
رآها في الأيام الماضية وهي تحوم من حوله تحاول لفت انتباهه لوجودها
تبسم بشجن وهو يحدث نفسه ' وهل ظننتِ يا أمي بأني لا أراكِ، لا استنشق عطرك من حولي، لا أشتاق أحضانك التي لا أعلم كيف يكون الشعور بداخلها؟ '
لكم انتظر من الوقت حتى تحين لحظة أن تلتفت هي له، حتى تراه وتشعر بوجوده من حولها
وكم كان الله به رحيما فجعلها تنتبه له في أكثر اللحظات الحرجة التي يحتاجها فيها دون غيرها
يريد أن يشكو إليها أوجاعه ويبكي بين احضانها هي، لا يريد شمس ولا يريد والده فقط هي أمه من يريد
يريد أن يكتشف كيف ستعامله؟ كيف ستحتويه؟ كيف ستهتم به؟
يتمنى ألا تخذله اللحظة بالذات حتى وإن خذلته في الغد، يتمنى أن تتحمله دون أن تتأفف وتضجر منه كعادتها
يتمنى ويدعو الله من صميم قلبه ألا يخيب رجائه ليس الليلة، ليس اللحظة على الأقل حتى وإن عادت لسيرتها الأولى في الغد
***

في الخارج
كانت هي تجلس على الكرسي حيث تركها تبكي بشدة والخوف يعبث بداخلها
تخشى أن تفشل وتخذله من جديد
تخشى أن تخسره اليوم كما خسرته من قبل
نظرت للأعلى برجاء وتوسل وهي تتمتم بحرقة باكية: " ساعدني يا ربي لأعوضه عن تقصيري في حقه.. لقد أدركت خطئي وأريد إصلاحه فساعدني يا الله "
لحظات وخرج أنس بعينين محتقنتين وكأنه قضى الدقائق الماضية كلها في البكاء
اقترب منها وجذبها بلطف لتستقيم قبل أن يخطو نحو الفراش وهي تتبعه كظله حتى وصل إليه فتمدد في منتصفه واجلسها إلى جواره
كانت تنظر له بلهفة تتمنى أن يسامحها ويغفر لها وهو يناظرها بلهفة أخرى يتمنى أن تتفهمه وتخفف عنه.. وتحتويه
تكلم بترقب: " هناك ما يؤلم قلبي و... "
قاطعته بلهفة فرحة: " أنا أسمعك "
وجد نفسه يبتسم على فرحتها الطفولية قبل أن يعتدل في جلسته مواجها لها وهو يقول: " سأخبركِ وسيكون هذا سرنا الخاص.. اتفقنا "
اومأت بسرعة تخشى أن يتراجع في كلامه أما هو فانشرح قلبه رويدا رويدا لاستجابتها السريعة له ورغبتها الصادقة التي تجلت في مقلتيها بأنها حقا تريد سماع شكواه
لا يعلم لكم من الوقت ظل يحكي لها عن فرح وحبه الخفي لها وعن قرار جدها الصادم
حكي كثيرا وبكى أمامها بدون تحفظ
أخبرها عن بعض ما كان يزعجه في طفولته وفي مراهقته، أخبرها عن أمور كثيرة لم يخبر عنها بشر من قبل حتى شمس وعاد يشكو لها حبه لفرح، عن الكسر الذي يشعر به وعن وجعه
يشكو لها حبه المستحيل!
وفي المقابل استمعت له مروة بصبر وانصات شديد كان السبب في جعله يستفيض في الحديث معها
بكت معه وابتسمت أحيانا على كلماته المتذمرة وهو يصف بعض المواقف في طفولته
شعرت بأن وجعه يفطر قلبها هي، بأن حزنه يؤلمها هي، بأن مأساته توجعها هي، وشعرت بالسعادة وهي تراه يتحدث معها بود لم يكن بينهما من قبل
وبعد وقت طويل…
مال أنس يضع رأسه على كتفها فجأة وهو يتمتم بسكون: " أنا بحاجتك يا أمي.. أريد أن أنام "
سألته بحيرة: " هل أنادي لك شمس؟ "
أجابها بنفس السكون: " لا أريد شمس أريدك أنتِ يا أمي "
شقت السعادة طريقها إلى قلبها وأنارت روحها المُعذبة بالندم على ما اقترفته يداها من ظلم في حق ابنها
أمي!
رباه ما أحلاها من كلمة وأعذبها من أحرف تتشكل فتعزف لحنا خاصا هو أجمل من كل ألحان العالم
سألته بلهفة: " ستمنحني فرصة أليس كذلك؟ "
اومأ بالإيجاب وهو يغمر وجهه في احضانها متمتما: " أفعلي بي ما يحلو لكِ يا أمي لكن لا تتركيني "
شددت عليه أكثر، دامعة العينين وهي تهمس بحنان بالغ: " أبدًا يا حبيبي.. نم أنا إلى جوارك ولن أتركك "
***

وأمام الباب من الخارج وقف أكرم عاقدا ساعديه أمام صدره وهو يشعر بالسكينة تجاه أنس
أخيرا شعر بأن إبنه في سلام
أخيرا شعر بأن ابنه يرسو بسفينته على شاطئ آمن بعد طول سفر وابحار
بداخله يقين بأن مروة لن تضيع تلك الفرصة من يدها، لن تخذل أنس.. بداخله يقين بأنها نادمة بصدق وليس مجرد كلام وهو أكثر من يعلم بأن مروة حينما تندم على شيء خطأ ارتكبته وتحاول إصلاحه فإنها تفعل كل ما في وسعها وطاقتها حتى تصلحه
يعلم أن ابنة عمه تخفي خلف واجهة المرأة المتعالية بعجرفة واهية وتكبر مقيت إمرأة أخرى مثابرة قوية العاطفة لا يستهان بها
بعد لحظات استدار عائدا إلى غرفته مطمئن القلب حينما عم السكون من حوله
***

نفس التوقيت / في دار الجبالي
كان حمزة يجلس على الأريكة الجانبية في غرفة الجلوس الصغيرة الملحقة بجناحه وزهراء، سبابته بين أسنانه يعض عليها بغيظ مكبوت إن ترك عنانه لحطم رأس زوجته المصون في الحال، بينما الأخيرة كانت تجلس على كرسيها المرتفع أمام لوح الرسم خاصتها وبيدها لون أسود كمزاج الجالس خلفها يراقبها بصمت.
لحظات وابتسمت زهراء بفخر وهي تقول تطالع رسمتها قائلة: " ما رأيك حمزة؟ أليست جميلة؟ "
اتسعت عيني حمزة قليلا وهو يحدث نفسه بغيظ وامتعاض: " أقسم بالله لا أعرف سببا لعشق فتيات عائلتنا للون الأسود.. فلينتقم منهن الله كما يسودن حياتنا "
إلتفتت زهراء برأسها تطالعه بصمت مترقب فأبتسم لها إبتسامة سمجة وهو يقول: " رائعة لكن أخبريني من التعيس أقصد المحظوظ صاحب تلك الغرفة التي أنشغلتِ برسمها منذ ساعات طويلة؟ "
ردت بفخر وسعادة: " إنها لابننا أو بنتنا مستقبلا بإذن الله "
شهق حمزة بدون صوت وهو يطالع الرسمة بصدمة مغمغما: " يا ويلي! غرفة أبنائنا سوداء "
ضحكت زهراء فجأة وهي تقول بفرح: " هل تعلم إعجابك بها زاد حماستي وأفكر حاليا في عرضها على حفصة حتى تغير تصميم غرفة حلا؟ "
وضع حمزة قبضته على خده بحسرة وهو يغمغم بيأس شديد: " يا لحظي التعيس! حتى من ظنناها وردية أضحت سوداوية.. منهم لله من نصحوني بالزواج "
تنهدت زهراء وهي تنهض من مكانها، مستديرة بجسدها إلى حمزة وحين رأت جلسته البائسة تقدمت منه بقلق تسأله: " حمزة ماذا بك؟ "
رفع وجهه يطالعها بصمت للحظات قبل أن يقول: " لا شيء.. كنت أمدح حظي الجميل لا أكثر "
ضحكت زهراء بابتهاج طفلة وهي ترد: " بالطبع جميل لأنني في حياتك "
جاورته في جلسته وهي تردف: " طمئنني على صخر.. كيف حاله الآن؟ "
رد ببرود: " بخير حال.. خرج قبل ساعات من المشفى وعاد لبيته (أكمل في سره بحقد) وحظى بقبلة من نبض "
ابتسمت زهراء براحة وهي تتمتم: " الحمد لله "
اعتدل حمزة فجأة وهو يقول: " زهراء هل أنتِ متفرغة الآن؟ "
اومأت إيجابا قائلة: " نعم.. لماذا تسأل؟ "
ابتسم بمكر مشاكس لمع في حدقتيه البنيين وهو يجيبها: " أردت اخبارك بشيء ما.. سر كبير "
تحمست زهراء واعتدلت في جلستها وهي تسأله بلهفة: " أي سر أخبرني؟ "
رد بتواطؤ وهو يكتم بسمته الماكرة: " قاسم تشاجر مع صخر قبل أيام في المشفى لأنه قَبَلَ نبض "
قطبت بغباء تسأله: " من الذي قَبَلَ نبض؟ "
غمغم بامتعاض: " أنا "
زفر بحنق وهو يرد بصوت مغتاظ: " يا زهراء ركزي معي أقول لكِ صخر قَبَلَ نبض وقاسم تشاجر معه لأجل هذا؟ "
رفعت زهراء حاجبا بتفكير قبل أن تطالعه ببلاهة قائلة: " هل فعلها حقا؟ لقد جُن تمامًا "
رمقها حمزة بكآبة وهي يتمتم: " مجنون أم عاقل في النهاية هو محظوظ "
عبست زهراء فجأة وهي تتخصر صائحة: " ماذا تقصد يا سيد حمزة؟ ألا أعجبك؟ "
رمقها بامتعاض وهو يغمغم: " بلى يا فنانة تعجبين كل الجماهير وأنا أولهم "
كتفت ساعديها أمام صدرها وهي تغمغم بغيظ في سرها: " لم تكن قبلة تلك التي ستقلب حال رجالنا علينا.. منك لله يا صخر "
دام بينهما الصمت للحظات حتى ابتسمت فجأة وهي تقفز من مكانها هاتفة بحماس: " هناك منامة سوداء لم ارتديها من قبل.. جيد أنني تذكرتها.. ما رأيك هل ارتديها الآن؟ "
جحظت عينيه وهو يردد: " سوداء! "
طالعته بحذر تقول: " ها! ارتديها أم... "
قاطعها بلهفة غلفها باستياء مفتعل وهو يرد: " حسنا منامة سوداء أفضل من لا شيء "
هرولت سريعا ناحية غرفة النوم وهي تقول: " لن اتأخر عليك.. انتظرني "
ما إن اختفت داخل الغرفة حتى صفق بجزل وهو يهمس بخفوت: " وهل أنا مجنون لأضيع العرض؟ في إنتظاركِ بالطبع يا زهرتي "

انتهى الفصل..
( يتبعه الفصل الحادي عشر )...👇

noor elhuda likes this.

Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-19, 05:40 PM   #69

Hend fayed

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Hend fayed

? العضوٌ??? » 434417
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » Hend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond reputeHend fayed has a reputation beyond repute
افتراضي سُلاف الفُؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل الحادي عشر ||

يجلس منذ ساعة كاملة في سيارته في المكان الذي اتفق مع سعد على لقائه فيه
نظر من المرآة الجانبية للسيارة وهو يتنهد بعمق حينما لم يلتقط ظهور سعد بعد
يشعر بالغيظ من نفسه لأنه خرج من البيت اليوم وهو لازال مرهقا لكنه تذكر انفعال سعد الذي أجبره على الرضوخ له للمرة الأولى حتى لا يزداد الأمر سوءا

في تمام الثالثة فجرًا
فتح عينيه منزعجا من صوت هاتفه الذي يلح في الرنين، رفع جذعه عن الفراش بإرهاق وهو يمد يده ليتناول هاتفه ثم زفر بقوة حينما قرأ على الشاشة إسم سعد
اعتدل جالسا على الفراش وهو يجيب بصوت مختنق من بكاء حارق استنزف الكثير من طاقته في وقت لاحق: " السلام عليك سعد "
هدر صوت سعد في جمود: " أريد لقائك "
رد صخر بصوت مستسلم: " متى تحب أن نلتقي؟ "
اجابه سعد بنفس النبرة: " اليوم "
أغمض صخر عينيه وهو يقول: " في أي ساعة؟ "
قطب سعد متعجبا من استسلامه العجيب فهي المرة الأولى التي يترك له فيها الخيار دون أن يهدر بأوامره في تسلط وبرود
تكلم سعد ببرود: " ما بك.. وكأنك مريض؟ "
رد صخر باستخفاف: " الفضل لعمك "
جز سعد على أسنانه وهو يقول: " علمت ما حدث.. ألف لا بأس عليك "
تنهد صخر بتعب قبل أن يجيبه: " شكرا "
هدر سعد فجأة بخشونة: " حينما نلتقي أتمنى أن تكون في كامل قواك لأنني لن أرحمك.. أنت كذبت عليّ وخدعتني وأنا أقسمت أنك ستدفع ثمن ما فعلت غالياً ولن أمرره مرور الكرام "
رد صخر باستسلام لا مبالي: " أفعل ما شئت لن أمنعك.. سلام "

وها هو لازال ينتظر وسعد لم يصل بعد
زفر بضيق وهو يترجل من السيارة صافقا الباب من خلفه وهو يتمتم: " لماذا تأخر هذا الثور... "
التفت فجأة قاطعا تتمة جملته وهو يسمع صوت خطوات من خلفه، استدار بهدوء وحذر ليرى سعد يتقدم نحوه بحاجبين معقودين بشدة وعلامات الصدمة بادية على وجهه
ما إن أصبح أمام صخر تماما حتى رفع سبابته يشير له وهو يحدثه بذهول: " لا تقل أنك نفس المستفز المتعجرف الذي جئت للقائه "
اومأ صخر وهو يقول بهدوء: " بلى.. أنا هو "
صاح سعد بإندفاع: " أنا رأيتك من قبل مرتين "
رمش صخر بحيرة وهو يقول: " أول مرة قابلتك فيها كنت ملثما وها هي ثاني مرة وأول مرة لي بدون اللثام فكيف رأيتني مرتين؟ "
تأفف سعد وهو يضرب بكفه على جبينه متمتما: " لو نفذت طلب تلك الوقحة ريم كنت وصلت لك قبل هذا بكثير "
قطب صخر وهو يقول: " ريم! وما دخلها بي؟ "
طالعه سعد ببرود وهو يجيبه: " إنها هائمة بك "
أغمض صخر عينيه بيأس وهو يتمتم: " يارب السماوات رُحماك "
رفع سعد حاجبا وهو يرمق صخر بتفحص دقيق غفل عنه الأخير قبل أن يقول: " ورغم ذلك هي غاضبة منك.. أخبرتني أنك لا تمنحها أي فرصة لتقترب منك "
صاح صخر بإنفعال: " لا تمازحني في هذا سعد.. لا أريد أن أسمع أي شيء يخصها "
تابع سعد باستفزاز: " أخبرتني أيضا أنك تقيم علاقة مع فتاة قاصر تكون ابنة صديق والدك "
انفجرت قبضة صخر في وجه سعد قبل أن يصرخ بإنفعال: " إياك أن تكمل.. قلت لك لا تمازحني في هذا إلا نبض "
زمجر سعد غاضبا وهو يرفع قبضته ليسدد لصخر لكمة في المقابل لكن الأخير تدارك الأمر ومال بجذعه للخلف برشاقة لكي يتفادى قبضة سعد، اعتدل صخر وهو يضحك باستفزاز قائلا: " ألم أخبرك ألا تحاول العبث معي لأنك الخاسر الوحيد في كل الحالات؟ "
عبس سعد وهو يتقدم منه رافعا قبضته من جديد ليضربه فتفادى صخر لكمته مرة أخرى بنفس السهولة مما أثار غيظ سعد منه فزمجر بخشونة
قهقه صخر من جديد وهو يقول: " على رسلك يا رجل.. أهدأ قليلا حتى لا تفلت أعصابك أكثر فتؤذي نفسك "
لم يستسلم سعد بل تقدم للمرة الثالثة وهو ينوي أن ينجز لكمته تلك المرة ولكن ما إن ارتفعت يده حتى هدر صوت خشن من خلفه: " إياك أن تمسه "
إلتفت سعد مقطبا بانزعاج بينما جحظت عينيّ صخر في صدمة وهو يراقب تقدم قاسم منهما
ما إن وصل إليهما حتى رمق سعد بطرف عينه في تهديد صامت قبل أن ينظر إلى صخر بإهتمام وهو يقول: " كيف حال الجرح؟ "
لم يستطع صخر الرد فأومأ برأسه بلا معنى مما جعل قاسم يزفر بحنق وهو يقول: " لم أفهم "
ازدرد صخر ريقه بصعوبة قبل أن يجيبه بصوت مختنق: " إنه بخير "
تكلم قاسم وهو يستدير ببطء إلى سعد: " جيد "
عبس سعد وهو يقول: " هل أنتما أقرباء؟ "
رفع قاسم حاجبا ببرود مستفز وهو يرد: " إنه أخي "
هتف سعد مصدوما: " كيف؟ "
ابتسم قاسم بنفس البرود وهو يقول: " مفاجأة أليس كذلك؟ "
سلط سعد نظراته على صخر وهو يقول: " إن لكنته غريبة عنكم و... "
قاطعه قاسم وهو يقول: " لأن والدته تركية "
بدى الاهتمام على وجه سعد وهو يطالع صخر بتفحص جديد فعبس الأخير بشدة وهو يتراجع خطوة للخلف قائلا بجمود: " لا أحب أن يتكلم أحد عن أمي "
رفع قاسم حاجبا ببرود وهو يقول: " وهل فعلت؟ "
قبض صخر على كفيه إلى جانبيه وهو يتحاشى النظر إلى عينيّ قاسم المترصدتين له بينما يوجه حديثه لسعد بنبرة قوية مباشرة: " من الجيد أنك علمت بما حدث من عمك في حقي خلال لقائي به في قسم الشرطة فهذا سيجعل الأمر أكثر سهولة في قول ما لدي... "
قاطعه سعد وهو يرمق قاسم بسماجة مغيظة: " هل تضمنه؟ لأنني شخصيا لا أفعل "
أحتد صخر بخشونة وهو يرد: " إنه أخي اضمنه بالطبع.. ما الذي تقوله سعد؟ "
قطب سعد بحنق قائلا: " لازلت غير مستسيغا لفكرة أنكما أخوين.. يبدو أن في الأمر سر ما "
جز صخر على أسنانه وهو يقول: " وبالطبع أنت تفهم أن الأسرار تحتاج إلى خصوصية سيد سعد وبالتالي من الطبيعي ألا تسأل لأنني لن أجيبك "
غمغم سعد بنزق: " آه بالطبع السيد المغرور الذي يقدس الخصوصية "
بدأ قاسم يغتاظ مما يحدث وهو لا يفهم أبعاد العلاقة التي تربط بين أخيه وذلك الرجل من عائلة الناصر ولم يكن ذلك خفيا على صخر الذي لاحظ نظرات سعد التي تطالبه بالانفراد غير متقبلا لوجود قاسم بينهما
ولأن هذا من حق سعد فقد التفت صخر إلى أخاه يحدثه بهدوء ظاهري: " هناك أمر عليّ مناقشته مع سعد فهلا مضيت في طريقك وتركتنا؟ "
بدي على قاسم الرفض التام لكن نظرة الصلابة في عينيّ صخر جعلته يرضى على مضض فقال: " حسنا لكني سأنتظرك بعد ساعة في الدار "
طالعه صخر باستهجان وهو يصيح: " أي دار؟ لم نتفق على شيء بعد "
رد قاسم بصوت بارد سقيعي: " إن تأخرت بعد الساعة خمس دقائق فأعلم أن لا فائدة من مجيئك لأنني سأكون نفذت ما أخبرتك به في المشفى وودع أيضا أي صلة خططت لها سابقا لترتبط بنبض "
أنهى قاسم حديثه بنبرة متسلطة قبل أن يمضي في طريقه تاركا من خلفه زوجين من الأعين تناظرانه بضيق
غمغم سعد: " يبدو أن تلك العجرفة تمثل أسلوب حياة لدى العائلة كلها "
التفت صخر مغلقا الستار على مشاعره وأفكاره وهو يطالع سعد بجمود قائلا: " سل ما شئت يا سعد حتى نفض ذلك الأمر الذي طال "
تكلم سعد بجدية تامة: " لماذا أخفيت عني أنه هو قاتل أبي كل هذه المدة؟ "
تراجع صخر قليلا حتى استند بظهره على سيارته وهو يعقد ساعديه أمام صدره قائلا بهدوء: " لنفس السبب الذي جعلني أصر على تأخير إخبارك بالقبض عليه حتى يصدر حكم في شأنه "
رفع سعد حاجبا وهو ينظر لصخر قائلا بترقب: " وما هو هذا السبب إذن؟ "
تنهد صخر وهو يرفع رأسه ناظرا إلى السماء: " لم أرد أن تتورط وتقتله لأنه لا يستحق أن تضيع مستقبلك من بين يديك بسببه "
تابع حديثه وهو يقطب شاردا: " منذ البداية كنت متخذ القرار بأن حياة فؤاد الناصر ستنتهي على يديّ أنا دون أن أورط أحد معي في هذا الأمر ومع ظهورك في الصورة بدأت انزعج بشدة إذ كنت أنت مصرا على الثأر لوالدك من أناس ليس لهم ذنب في مقتله من الأساس "
زفر بقوة وهو يكمل: " من لطف الله بيّ أني علمت بتلك المكيدة التي حاكها فؤاد معك منذ البداية واستطعت أن اثبطها قبل أن تهدر روح بريئة "
قطب سعد بعدم فهم وهو يقول: " لازلت لا أفهم لماذا كنت تترصد له منذ البداية ما الذي بينك وبينه؟ "
وجه صخر نظراته القوية الغامضة إلى سعد وهو يجيبه بصدق: " كنت أثأر لنفسي منه.. لو كنت تعلم بما حدث قبل عشر سنوات كاملة يوم أن قتل عمك عميّ فيسعدني أن أكمل لك الصورة واخبرك بأن ذاك الصبي الذي بحث عنه عمك بعد كشفه لوجود يوسف هو أنا "
جحظت عينيّ سعد في صدمة وهو يقول: " أنت! كيف؟ "
ابتسم صخر بمرارة وهو يقول: " هكذا.. إنها إرادة وتخطيط القدر "
ازدرد ريقه بصعوبة قبل أن يقول: " تلك الرصاصة التي تلقيتها بدلا من يوسف كشفت لي أمر مهم لم أكن لأفكر فيه طوال حياتي أو يطرأ على خاطري "
نكس رأسه بقهر وهو يضيف بصوت متحسر: " أمر جعلني أعي تماما بأنني نكرة، واهم.. غارق في عالم ملون زاهي ليس لي.. في دنيا لست أملك منها شيء (رفع رأسه يتبسم بمرارة وهو يكمل) تصور أكتشفت أنني أفقد جزء مني.. أسير بلا هوية.. جذري ممتد ومثبت في الأرض لكني لا أعلم أصله.. كنت فاقد لهويتي قبل ذاك اليوم وبعده أصبحت فاقدا لذاتي "
عقد سعد ساعديه أمام صدره وهو يقول بحيرة: " لا أفهمك "
ربت صخر على كتفه وهو يقول: " لا عليك.. أنا شخصيا لا أفهم نفسي "
رفع سعد حاجبا وهو يقول بتقرير: " إذن أنت من مدينتنا.. ابن خالد الجبالي "
لم يرد صخر فتابع سعد متسائلا: " لكن لماذا أخفيت هويتك عني وأخبرتني أنك من أبناء العاصمة؟ "
رد صخر بصوت واجم: " لأن هذا ما عشت لسبعة عشر سنة أحيا عليه.. تلك كانت الحقيقة التي كبرت على وجودها ولازلت لا أرى غيرها.. أنا ابن العاصمة وليس لي أحد هنا في بلدتكم هذه "
قطب سعد بتعجب قائلًا: " كيف؟ هل تهذي؟ "
فطالعه صخر بقلة حيلة متمتما: " يبدو هذا "
أطرق برأسه للحظات ملتزما الصمت وكأنه يفكر في شيء ما قبل أن يرفع رأسه ناظرا إلى سعد بمودة صادقة وهو يقول: " لقد أقتص لك الله من قاتل أبيك في الدنيا وأنا أثق في عدل ربي بأنه سيعاقبه في الآخرة على كل جرائمه ومن حسن حظك أنك لم تلوث يدك بالدم من قبل فلا تفعل يوما يا سعد لأنه أمر ليس بالهين.. الحمد لله أن كفاك شر فؤاد "
لانت ملامح سعد لأول مرة منذ عرفه صخر فرفع حاجبه وهو يقول بفكاهة: " تبدو محاضرا جيدا.. لم تخبرني ماذا تعمل؟ "
رفع صخر حاجبا يقلده وهو يقول مازحا: " أخشى إن أخبرتك لا تصدقني "
قطب سعد بتفكير وهو يقول: " اممم يليق بك أن تكون رجل أعمال مثلا "
ضحك صخر قائلا: " الحمد لله أنك لم تظنني زعيم عصابة "
فابتسم سعد دون تعقيب في حين تنهد صخر بعمق وهو يكمل حديثه: " ورغم ذلك اعتقادك خطأ فأنا طبيب "
عبس سعد باستنكار وهو يقول: " هذه أسخف مزحة سمعتها في حياتي "
قهقه صخر بمرح وهو يرد: " ألم أخبرك أنك لن تصدقني؟ "
طالعه سعد بجدية يسأله: " أصدقني القول ماذا تعمل جديا؟ "
نظر له صخر ببراءة وهو يجيبه: " والله أصدقتك القول.. أنا طبيب متخصص في جراحة القلب "
رمقه سعد ببرود وهو يغمغم: " سأحاول أن أصدقك "
رفع صخر حاجبا بغرور وهو يقول: " لا أعلم ما مشكلتك فأنا كل من يعرف بمهنتي يخبرني أنها تليق بي كثيرا؟ "
نظر له سعد باستخفاف وهو يقول: " يجاملونك إذن "
زمجر صخر بخشونة يدعي الغضب وهو يقول: " هل تقصد أنها لا تليق بي؟ "
رمقه سعد بنظرة شملته كله قبل أن يقول: " صراحة لا.. بخلاف مظهرك المنمق بطريقة مبالغة فأنت مغرور والأطباء يجب أن يكونوا متواضعين "
قطب صخر بتعجب وهو ينظر لنفسه بملابسه البسيطة المكونة من قميص أبيض وبنطال جينز أزرق وحذاء رياضي أبيض
رفع بصره لسعد وهو يقول بدهشة: " لا أرى أي مبالغة في مظهري "
أشاح سعد بنظراته للأفق وهو يجيبه بهدوء: " هذا لأنك لا ترى نفسك كما تراك الناس "
قطب صخر بحيرة يقول: " لا أفهم "
أجابه سعد دون أن ينظر له: " أنت تبالغ لكن دون أن تعلم "
سأله صخر باختصار: " كيف؟ "
خفض سعد نظراته له وهو يحدثه بجدية تامة ونبرة ذات مغزى: " ما تراه أنت بسيط أو لا يعني شيء يراه من حولك قمة الرقي والمبالغة أحيانا.. أنت تتصرف على نحو طبيعي لأنك معتاد على هذا لكن من حولك ليسوا معتادين على رؤية رجل أقرب ما يكون لفارس الأحلام في الواقع.. بإختصار أنت تجلب لنفسك المشاكل دون أن تتعمد ذلك ويبدو أن هذا هو قدَرك "
سكت لحظة وقد استرعى انتباه صخر تماما فأكمل بنفس النبرة: " أنت تضع نفسك في مأزق دون أن تشعر.. وعلى حد علمي فأنت بالفعل وقعت وأنتهى الأمر "
تأفف صخر وقد وصله مقصد سعد بوضوح فقال: " لا تفتح هذا الموضوع من جديد إذا سمحت يا سعد أنا لا أريد أن أغضبك مني "
أمسك سعد مرفقه وهو يقول بجدية: " لابد أن تواجه الأمر بدلا من التهرب منه.. أنا لا أريد ازعاجك كما تظن أنا أريد مساعدتك فتلك الكلمات التي سمعتها مني هي ما تصفك بها ريم "
زفر صخر بضيق وهو يقول: " ليس بيني وبينها شيء وأبدًا لن يكون.. ابنة عمك توهم نفسها بالمستحيل "
تركه سعد وهو بقول: " بسبب علاقتك ب... "
هدر سعد بحدة: " سعد إياك "
قطب سعد دون تعقيب فأردف صخر بعبوس: " من أخبرتك ريم عنها تكون زوجتي.. نعم هي ابنة دكتور مختار صديق أبي لكنها ليست فتاة قاصر "
تنحنح سعد بحرج وهو يقول: " وبما أن الأمر بهذه الصورة لماذا تسيء لها ريم؟ "
إبتسم صخر بسخرية وهو يجيبه: " أ حقاً تسأل؟ إنها ابنة فؤاد الناصر أي خليفته في أذية البشر "
زفر سعد بضيق من تلك الغبية ابنة عمه بينما رمق صخر ساعة معصمه قبل أن يقول بود: " أتمنى ألا يكون هذا لقائنا الأخير "
ربت سعد على كتفه بود متبادل وهو يقول: " إن شاء الله لن يكون "
ابتسم صخر وهو يصافحه فقال سعد: " معروفك سيظل في عنقي لآخر يوم في حياتي "
اتسعت بسمة صخر وهو يقول مازحا: " إن تحملت مني غروري وعجرفتي فأعلم أنك رددت لي معروفي عليك بل وضاعفت الجزاء "
ابتسم سعد في المقابل وهو يرد: " سأحاول صدقني رغم أنك لو طلبت مني روحي لكان الأمر أبسط "
قهقه صخر بينما أردف سعد: " كن حذرا من ناحية ريم فهي لن تتركك في حالك طالما وضعتك في عقلها الملبد "
رد صخر بثقة: " لا تقلق عليّ أستطيع التصدي لها وإلزامها حدها "
***

في دار الجبالي
أمام البوابة من الداخل كانت تسير جيئة وذهابا بغير راحة حتى سببت الدوار للعم إبراهيم الذي يراقبها منذ قرابة الساعة على نفس الحال
لم تكن تتوقف إلا للحظة واحدة ترمق الطريق أمامها بيأس وهي لا تجد أي أثر له ثم تعاود الحركة بعصبية من جديد
تنتظر مجيئه بفارغ الصبر وتخشى ألا يرضخ لأمر قاسم ويتصرف تبعا لتفكيره الخاص حينها تعلم أنها ستخسره للأبد، تدعو بتضرع إلى الله في سرها أن يلين عقله تلك المرة لأجلها فهي لن تتحمل خسارته يكفيها من خسرتهم من قبل
ضاق الرجل ذرعا بحركتها العصبية فوقف أمامها يتكلم بحنق: " ما بكِ يا ابنتي؟ "
رفعت نبض رأسها لتتمكن من النظر له وهي تجيبه بتوتر: " ماذا عماه؟ هل ازعجتك في شيء؟ "
تنهد إبراهيم وهو يقول: " لا لم تزعجيني ولكني أريد أن أعرف سبب وقوفك هنا "
أطرقت برأسها مرتبكة فسألها بلطف: " هل تنتظرين أحد؟ "
اومأت بالإيجاب دون تعقيب فأردف متسائلا: " من؟ "
شبكت نبض أصابع كفيها خلف ظهرها بتوتر وهي تجيبه بصوت خافت خجول: " شاب لا تعرفه "
ضربها إبراهيم على رأسها وهو يوبخها: " ما قلة الحياء هذه يا فتاة؟ سأخبر الحاج عبد الرحمن "
لم توجعها الضربة لكنها ارتبكت بدون سبب وهي تقول: " جدي عبد الرحمن لا يستطيع منعي عنه "
شهق الرجل بذهول وهو يقول: " هل فقدتِ عقلك يا فتاة لتتكلمي بهذه الوقاحة عن شاب غريب؟ "
عبست نبض وهي تجيبه بحمائية: " صخر ليس غريبا عني "
رفع إبراهيم حاجبيه وهو يطالعها بتهديد مبطن قبل أن يقول: " من يكون إذن أخبريني قبل أن أذهب للحاج عبد الرحمن وأخبره عن وقاحتك؟ "
فتحت نبض فمها لتجيبه حينما التقطت عينيها توقف سيارته أمام البوابة المفتوحة ثم ترجله منها بفخامة وهو يتحرك بوجه جامد للداخل فصاحت دون شعور: " صخر "
عبس إبراهيم بضيق وهو يقول: " عرفت أن إسمه صخر هل ستصدعين رأسي بتكرار إسمه؟ (تابع وهو يرمقها ببرود) من يكون ذاك الأحمق؟ "
ظلت عينيها أسيرتين له وهو يقف خلف إبراهيم بينما لسانها يردد طواعيا: " تقصد صخر؟ "
كاد الرجل يعض على أصابعه من الغيظ بسببها وهو يصيح: " نعم ذاك الأحمق صخر من يكون؟ "
توسعت عينيها وهي تلاحظ الشرر الذي بدأ يتطاير من مقلتي صخر المشتعلتين غضبا من إهانة إبراهيم له فتحركت فجأة تهرول ناحيته متخطية إبراهيم وهي ترفع يدها تلوح بها أمام وجهه لتتأكد من وجوده فرمش هو بتعجب قبل أن تنزل يدها على الفور وهي تصيح بفرح: " يا إلهي! صخر أنت هنا.. لقد جئت "
كادت تقفز أمامه كالأطفال وهي تصفق بيديها بجذل بينما تضيف: " كنت أعلم أنك ستأتي لأجلي، واثقة بأنك لن تخذلني "
رقت نظراته ولانت ملامحه وهو يمررها على صغيرته التي اشتاقها كثيرا وتمنى بالأمس لو كانت إلى جواره لحظة انهياره لتحتويه وتخفف عنه
ابتسم بحنان وهو يقول: " إشتقت إليكِ "
ردت بإندفاع: " وأنا يا صخر.. وأنا "
قهقه على لهفة وبراءة ردها بينما هي خفضت بصرها للأرض في خجل ليجفلا فجأة على صوت إبراهيم الخشن: " من أنت؟ "
انتفضت نبض مجفلة لتفاجئ برد فعل صخر الحمائي تجاهها وهو يسحبها من مرفقها ناحيته قبل أن يرد على إبراهيم: " وما دخلك؟ "
ومع تلبد ملامح العم إبراهيم بالغضب علمت أن هناك شجار سيقع بينهما في الحال فكان عليها التدخل لكن عقلها لم يمنحها الرد المناسب فقالت بإندفاع ودون تفكير: " إنه زوجي "
زمجر الرجل بغيظ وهو يقول: " هل تسخرين مني يا عقلة الإصبع أنتِ؟ الحاج عبد الرحمن يبحث لكِ عن شاب مناسب ليتزوجكِ وأنتِ تقولين أن هذا زوجك "
اشتدت قبضة صخر المحيطة بمرفقها قسوة فتوجعت نبض بصوت مكتوم ليتابع إبراهيم بضيق: " أترك يدها وابتعد وإلا... "
قاطعه صخر وهو يهدر بشراسة: " هل ستعلمني كيف أتعامل مع زوجتي يا هذا؟ "
ارتجفت نبض بهلع من صوته الهادر فترجته: " صخر أهدأ أرجوك "
طالعها بوحشية وهو يقول من بين أسنانه: " ألم أنبه عليكِ ألا تطأ قدميكِ هذه الدار أبدًا؟ "
قطب إبراهيم بتجهم وهو يقول: " لا تصرخ في وجهها واترك ذراعها حالا "
إبتسم صخر باستخفاف وهو يشدد من قبضته على مرفقها بينما يرد: " وإن لم أتركها ماذا ستفعل؟ "
تحرك إبراهيم نحوه بغضب وهو يهدر: " سأريك مقامك أيها المتبجح "
قفزت نبض بدون تفكير أمام صخر وهي تصيح بجذع: " أهدأ عماه.. أهدأ أرجوك صخر لا يقصد "
صرخ إبراهيم بضيق: " لا تدافعي عنه.. إنه وقح وبحاجة لمن يعيد تربيته "
شهقت نبض وهي تتمتم بخوف: " يا إلهي! ما هذه البداية الكارثية؟ "
أفلت صخر مرفقها على الفور وهو يزيحها جانبا بينما خرج صوته خشنا حادا وهو يقول: " من هذا الذي يحتاج لإعادة تربيه ألا تعرف مع من تتحدث يا هذا؟ "
اندفع إبراهيم قابضا على مقدمة قميص صخر وهو يقول بغضب: " لن تكن سوا فتى وقح متهجم على دار ليس له فيها حق.. نهارك لن يمر على خير "
دفعه صخر عنه بقوة وقبل أن يتهور أكثر كانت نبض تقف بسرعة أمام العم إبراهيم وهي تصيح: " لا تفعل يا صخر.. بالله عليك لا تفعل "
حين هدأ قليلا إلتفتت نبض تنظر إلى إبراهيم الذاهل مما يحدث قبل أن تحدثه بهدوء: " إنه صخر خالد الجبالي "
توسعت عينيّ إبراهيم على أقصى اتساع وهو يرمق صخر بنظرة مصدومة من رأسه حتى اخمص قدميه قبل أن يرفع يده يشير نحوه وهو يقول بصوت عميق: " الغائب "
اومأت نبض وهي ترد بسعادة: " لقد حضر عماه لم يعد غائبا "
أقترب إبراهيم منه وهو يطالعه بذهول لم يتبدد بعد قبل أن يلكزه في صدره بقوة متمتما: " كان يجدر بك أن تعرفني بنفسك بدلا من التعنت بهذا الغباء كالثور "
تأوهت نبض بألم وكأن إبراهيم لكزها هي حتى أنها لم تشعر بنفسها وهي تصرخ بغيظ: " يدك ثقيلة عليه عماه.. صخر لازال مريضا وجرحه لم يندمل بالكامل بعد "
عض صخر على شفته السفلى بحرج وهي يشيح بوجهه جانبا بينما يصيح إبراهيم بلامبالاة: " لا يبدو مريضا "
زمت شفتيها بضيق وهي تغمغم: " ورغم ذلك غير مسموح لأحد بأن يمسه "
كتم صخر بسمة ماكرة سعيدة وهو يلاحظ غيظ إبراهيم الموجه لنبض بسبب دفاعها عنه
كان يشعر بالانتشاء والانتماء لها وكم راقه هذا الشعور وبث في روحه الكسيرة الأمل وبعضا من حياة ظنها فارقته للأبد
بعد لحظة رمقه إبراهيم بنظرة غامضة وهو يقول بإقتضاب: " سأخبر الحاج بوصولك.. إلحق بي "
ودون أن ينتظر رد صخر كان يتجه ناحية الدار أما الأخير فقد ظل على إشاحة وجهه جانبا وهو يخفي سعادته بخوفها الشديد عليه في حين إلتفتت إليه تطالعه بإهتمام وهي تقول بقلق: " ماذا بك صخر؟ هل أنت بخير؟ "
وجه نظراته الشاردة إليها أخيرا وهو يقول بإرتباك طفيف: " أنا متوتر قليلا "
طالعته بحنان وهي تبتسم له برقة وتطمئنه بالقول الصادق: " لا تخش شيئا.. أنا معك يا صخر ولن أتركك وحدك أبدًا "
لم يرد فسألته برقة: " ألا تثق بي؟ "
تنهد بقوة قبل أن يجيبها: " لا أثق في سواكِ يا نبض.. لا تتركيني وحدي معهم "
ضحكت بمرح وهي ترد: " من يراك يظنك طفل يتشبث بثوب أمه خوفا من ضياعه منها "
هز رأسه بالإيجاب وهو يردف بيأس: " أنا كذلك فعلا يا نبض.. لو تطلب الأمر سأتشبث بثوبك حتى لا تتركيني "
أجابته بقوة: " لن تحتاج لذلك لأنني لن أتركك.. ثق بي "
تنهد بعمق وهو يشعر بالارتياح متمتما: " أفعل يا نبضي.. أنا أثق بكِ "
ابتسمت بحماس وهي تخطو معه للأمام نحو الباب الداخلي، هاتفة: " ستجن نساء العائلة وفتياتها حينما يروني أدخل عليهن بشاب غاية في الوسامة أوسم من أزواجهن بكثير.. سيمتن غيظا وحينها سأهتف بغرور بأنني وحدي المحظوظة التي حصلت على الوسيم وإن حاولت إحداهن الإقتراب منك سأقتلها بدون تردد أو ندم حتى "
إبتسم بهدوء وهو يعلم أن ثرثرتها ما هي إلا وسيلة لإلهائه والتخفيف من توتره
***

في الداخل
كانت حفصة تقف مع بنات عمومتها تعطيهم بعض التعليمات اللازمة لإتمام ما تبقى من الأعمال المتعلقة بالعرس الذي تم تأخيره قليلا نظرا للظرف الطارئ الذي كان يمر به خالد
في هذه اللحظة دخلت نبض وهي تهتف بحماس حتى ينتبهوا لها: " اسمعوا يا أهل الدار معي ضيف... "
توترت حفصة وهي تلمس وشاحها تتأكد بأنه يغطي شعرها بينما قطبت حياة تقاطعها قائلة: " من؟ "
ابتسمت نبض بمكر وهي تقول: " انتظروا "
إلتفتت بسرعة تشير لصخر وتسحبه للداخل بينما الأخير كان كمن يساق إلى حبل المشنقة يتحرك معها بثقل مكرها
وقف أمامهن محرجا رغم ثباته والثقة البادية عليه، كان ورغم رأسه المرفوع باعتداد مثبتا بصره على الأرض دون أن ينظر إلى إحداهن
بينما الفتيات كن يطالعنه بذهول شديد أقرب إلى الصدمة ورغم أنهن لم يرونه من قبل عدا فرح لكنهن استطعن تخمين هويته من خلال الوصف الذي سمعنه من فرح من قبل
لبضعة دقائق ظل الجميع على صمتهم حتى هتفت نبض: " ما رأيكن في المفاجأة؟ "
وكأن صوتها أصابهن أخيرا بالفواق فتوترن قليلا من تحديقهن الشديد به بينما هرولت فرح مندفعة إليه تتعلق بعنقه وهي تصيح بسعادة بالغة: " أخي.. يا إلهي أنت هنا "
قبض صخر على كفيه بتصلب إلى جانبيه وهو ينظر لفرح بحرج شديد وحيرة لا يعرف كيف يتعامل معها فألتفت إلى نبض يستجديها بصمت أن تتدخل وتنقذه وهي ما تأخرت في تلبية طلبه
ابعدتها نبض عنه بلطف وهي تهتف بمرح: " على رسلك يا فرح ستخيفينه هكذا "
ارتبكت فرح وهي تقول: " أعتذر لكن أنا... أنا سعيدة بوجودك معنا "
ناظرها برقة وهو يبتسم بسمة صغيرة مربتا على رأسها بحنو وهو يقول: " وأنا سعيد برؤيتك يا فرح "
ابتسمت بإتساع وهي تقول بحماس: " أنظر الجميع هنا وكأنهم كانوا في شرف استقبالك.. تعال لأعرفك بالبنات "
اومأ بخفة موافقا دون أن يخبرها بأنه يعرفهن من قبل كما يعرف كل فرد آخر في تلك العائلة
رفع بصره إليهن أخيرا في حين بدأت فرح تشير إلى كل واحدة منهن على حدة وهي تعرفه بهن
تقدمت من حفصة تقول: " هذه حفصة زوجة عاصم "
كانت قبضتيه لازالتا إلى جانبيه وحين سمع صوت حفصة المرحب به خف توتره قليلا وهو يرد عليها بود: " سعيد برؤية سيدة الدار "
ابتسمت حفصة بود متبادل وهي تقول: " وأنا سعيدة برؤيتك.. أنرت دارك يا ابن عمي "
إلتفتت فرح إلى زهراء قائلة: " وهذه زهراء زوجة حمزة وهي أخت حفصة "
طالعها مبتسما وهو يشاكسها: " إن لم أجد لوحتي الخاصة بين لوحاتك الأثيرة فلن أمرر الموضوع على خير "
فضحكت زهراء وهي ترد: " أستميحك العذر يا ابن العم لو كنت أعرفك من قبل أقسم لكنت رسمت لك عشرات اللوحات "
رفع حاجبا وهو يقول: " لازال الأمر بين يديكِ "
اومأت ضاحكة تجيبه: " لا تقلق سأبدأ فيها اليوم دون تأخير "
تقدمت حياة من نفسها وهي تقف قبالته قائلة: " أنا حياة.. أهلا وسهلا بك بيننا "
رمقها بغموض وهو يميل بخفة ناحيتها قائلا بخفوت: " أهلا بمعذبة قلب أخي "
جحظت عينيها وهي تقول بصدمة: " من أخبرك؟ "
إبتسم بمكر وهو يجيبها: " لست في حاجة لأن يخبرني أحد.. أنا أعرف عنكم كل شيء "
ازدردت ريقها وهي تطرق برأسها للأرض دون تعقيب ولم يتبقى سوا ملك
كانت تقف شاحبة وهي تحدق فيه بذهول وخوف سكن مقلتيها المهتزتين
ابتسمت فرح وهي تشير لها قائلة: " هذه ملك خطيبة ياسين وأخت حياة "
نظر لها صخر بحنو وهو يقول: " ألن تسلمي عليّ يا ملاك؟ "
تقدمت منه بدون شعور، تقف قبالته بعد أن تراجعت حياة وتكلمت بإرتباك: " أهلا وسهلا أنرت دارك "
رد صخر بهدوء: " الدار منارة بأصحابها يا ملاك "
ازداد شحوبها وهو يلتفت لنبض التي اقتربت منه، تهتف بمناكفة وهي تشير لنفسها: " وأنا نبض.. أهلا بك "
إبتسم بحنان وهو يرد: " أهلا بصغيرتي الحلوة "
توردت قليلا وهو تطرق برأسها للأرض حتى هتفت فرح بعبوس طفولي: " لماذا تغازلها هي وأنا لا؟ "
رفعت نبض حاجبا بغيرة وهي تقول: " اذهبي فرح وابحثي لكِ عن دمية تلهين بها بعيدا عن زوجي "
كتفت فرح ساعديها أمام صدرها وهي تغيظها بالقول: " ليس زوجك بعد لكنه أخي "
عبست نبض بحنق طفولي وهي تصيح: " أنا أعرفه من قبلك "
هزت فرح كتفيها بلامبالاة وهي ترد: " ليس ذنبي لكن الحقيقة تقول أنه أخي أنا وأنتِ لازلتِ غريبة عنه "
لم يتدخل صخر وهو يلمح بريق التسلية في عينيّ فرح فأدرك أنها تناكف نبض ليس إلا بينما كان عقله وتفكيره منشغلان بشحوب ملك وخوفها الواضح
كانت لازالت تقف أمامه صوته يخترق ذهنها ويخبرها بوضوح أنه نفس الصوت الذي أقلق صحوها ومنامها لليالي طويلة كلما تذكرته
نفس الصوت الذي عنفها لخطأها في حق ياسين بل وهددها، نفس الصوت الذي سبب لها التوتر والخوف لوقت طويل سابق
نفس صوت الشبح الذي سخر منها ليلة الحناء الخاصة بحمزة وزهراء
كتمت شهقة كادت تفلت منها وهي تصل بتفكيرها إلى نقطة سوداء قد تتسبب في ضياع ياسين منها لنهاية العمر
إنه يعلم كل ما كانت تفكر فيه من قبل، يعلم بشأن مخططها السابق في السفر للخارج والذي كانت قد أخبرت عنه أحد صديقاتها في الجامعة ذات يوم
لا يهمها اللحظة كيف علم بكل هذا بقدر خوفها من أن يخبر ياسين
تعلم أن ياسين إن علم فلن يغفر لها ورغم أنها ما عادت تفكر في السفر وما عادت تريد سوا البقاء إلى جواره والتنعم بفيض حبه لها إلا أنها تعلم أنه لو علم فسوف تخسر كل النعم التي تحيا في رغدها حاليا
والأفظع أنها ستخسره هو... حبيبها
قرأ صخر أفكارها المنعكسة في مقلتيها المهتزتين برعب فلم يستطع تجاهلها وبينما انشغلت الفتيات في الضحك على جدال نبض وفرح مال هو بخفة ناحيتها هامسا بلطف: " سعيد بأنكِ ستكونين زوجة أخي.. ياسين أجاد الإختيار يا ملاك "
طالعته بذهول مختلط بالخوف وهي تهمس في المقابل: " أنت... أنت تعرف بشأن... "
قاطعها بهدوء وهو يقول بنفس الخفوت: " ما مضى فقد مضى يا ملاك.. ياسين لا يعرف ولن يعرف وهذا وعد لكِ مني "
رمقته بامتنان واضح وهي تقول بحرج: " شكرا صخر أنا... "
قاطعها بلطف وهو يقول بود: " أنتِ أختي يا ملاك مقامكِ عندي كفرح "
ابتسمت بسعادة وهي ترد: " لا أعرف ما أقول لكن... شكرا "
إبتسم وهو يرد بحنان: " لا تقولي أي شيء يا ملاك لكن أفعلي ما بوسعكِ لأجل إسعاد ياسين لأنه يستحق ذلك "
اومأت برأسها وهي تتنهد براحة والشحوب يولي أدراج الرياح ليحل محله الحماس وهي تفكر في شيء جديد تفاجئ به ياسين كما اعتادت أن تفعل في الفترة الماضية
وفي إحدى الزوايا وقف قاسم يراقب ما يحدث بإهتمام وحذر بينما يقف إبراهيم من خلفه متململا وهو يقول بخفوت: " لا أعلم لماذا ترفض أن نخبر الحاج عبد الرحمن عن وجوده حتى اللحظة؟ "
رد قاسم وهو يمعن النظر لأخيه الذي بدى عليه بعض الراحة وهو يقف مع بنات عمومتهم: " أنا أنتظر حتى ينتهي من تعريفهم بنفسه.. يحتاج القليل من الترويح عن النفس قبل أن يقابل جدي "
تنهد إبراهيم وهو يقول بشفقة: " إنه خائف.. أنظر إلى تشبثه بوجود تلك الصغيرة بقوة ودون حرج "
ابتسم قاسم بمرح زائف وهو يقول: " هل أفهم من ذلك أنك متعاطف معه يا عم إبراهيم لأنني لا أظن ذلك بعدما أخبرتني بما فعلته به قبل قليل في الخارج؟ "
عبس إبراهيم بغيظ وهو يرد: " وهل ترك لي هذا الثور ما أفعله لقد كان على وشك أن يضربني دون أن يراعي فرق السن بيننا لولا تدخل تلك الصغيرة؟ "
زفر قاسم وهو يخرج كفيه من جيبي بنطاله مغمغما بعزم: " يكفي هذا "
تقدم قاسم منهم متنحنحا بخفوت كي ينبههم لوجوده فألتفتت له حياة تطالعه بتوتر بينما كانت نظراته هو منصبة على مقلتي أخيه الغائمتين في بئر عميق من الغموض
تكلم بهدوء: " أرى أنك تعرفت على بنات عمومتك "
رد صخر بهدوء ظاهري: " نعم وسعيد بالتعرف عليهن لكن... وددت لو أخبرتني بما جعلك تطلب مني الحضور إلى هنا فأنا لدي عمل لا أستطيع التأخير عنه أكثر "
كان كل ما دار في عقل قاسم كما الجميع أن صخر يريد الهروب من الدار في أقرب لحظة تسنح له.. كان واضحا أنه كارها لوجوده هنا أو مكرها على الوجود
هتفت فرح بإحباط: " تريد الرحيل بهذه السرعة أخي؟ ظننتك ستبقى حتى ينتهي العرس على الأقل "
ابتسم قاسم بسخرية وهو ينتظر رد بارد منه لكنه تفاجئ بالبسمة الصغيرة التي ارتسمت على شفتي صخر وهو يميل برأسه مقبلا أعلى رأسها وهو يرد بحنان: " لأنني مشغول يا فرح فلن أستطيع البقاء طويلا لكنني سأراكِ لاحقا مرات كثيرة وهذا وعد "
ابتهجت فرح كطفلة صغيرة يسهل ارضائها بينما اتسعت بسمة نبض وهي تطالع فارسها المغوار وهو يجيد التصرف بطريقة لطيفة على عكس طبيعته
بعد لحظة إلتفت صخر إلى أخيه يقول بتصلب: " ليس لدي الكثير من الوقت يا قاسم.. هلا أخبرتني بما طلبتني لأجله؟ "
تحرك قاسم نحو مجلس الدار الذي يرأسه جده كالعادة وهو يقول بإيجاز: " اتبعني "
تبعه صخر بالفعل ونبض تتحرك معه نظرا لأنه مازال متشبثا بكفها رافضا تحريرها مما زاد خجلها خاصة حينما إلتفت قاسم لهما بعدما وصلا لباب المجلس المغلق
رمق قاسم كف صخر التي تعانق كف نبض باستنكار وهو يقول بصوت خافت من بين أسنانه: " ماذا تظن نفسك فاعلا؟ أترك يدها فلا يمكنك الدخول بهذا الشكل وأنت تسحبها خلفك.. بخلاف تجاوزك الغير مقبول هذا أنت هكذا تهينها وتهين نفسك "
قطب صخر بغضب مكبوت وهو يقول: " لن أترك يدها.. ما بال الجميع هنا يصر على إبعادها عني؟ "
زفر قاسم بحنق وهو يرد بنفس الخفوت: " ليس من حقك أن تمسك يدها من الأساس هل نسيت أن عقد زواجكما باطلا وبالتالي هي لا تحل لك؟ "
شحب وجه صخر وهو يفلت يدها على الفور دون شعور منه متمتما: " لم أنس في حياتي شيء مهما بلغت تفاهته لكنني... لكني دوما أنسى هذا الأمر "
رد قاسم بهدوء: " بل تتناساه لأنك ترفض الإعتراف بهذا الأمر كحقيقة مسلم بها "
تكلم صخر بعد لحظة صمت مطبق بصوت مشدود قوي: " أفضل الموت على الإعتراف بأنها ليست حليلتي.. صدقني سيكون أرحم من رؤيتها ملكا لرجل غيري "
إبتسم قاسم بمكر وهو يغيظه قائلا: " إن لم تسرع يا وحش وتثبت قدميك في أرضك فهناك آخر سيقتنص الفرصة ويغتنم فريستك منك "
مال صخر نحوه وهو يجز على أسنانه هادرا بخفوت حاد: " كنت تعلم إذن أن جدك يبحث لها عن عريس "
رد قاسم تمثل في كلمات أشعلت غضب صخر بجنون: " نعم كنت أعلم "
ارتدت رأسه للخلف وكأن قاسم قد صفعه بقوة بينما الأخير يتابع ببرود: " وها أنا أخبرك بأنها فرصتك الأخيرة إن كنت تريد الإحتفاظ بها "
هدر صخر بحدة: " وما دخلكم أنتم بها؟ من عينكم أولياء أمرها؟ هي حرة "
رد قاسم بهدوء مستفز: " إنها في عهدة جدي وهو يعتبرها في مقام إحدى حفيداته "
قطب صخر بشدة وعينيه تكاد أن تنفث لهبا حارقا بينما قاسم شعر ببعض الشفقة عليه خاصة وهو يعلم أن رغبة جده من زواج نبض في أسرع وقت ما هي إلا فرصة لكي يحرق قلب صخر أكثر ويزيد من إذلاله بعدما علم بطريقة ما عن شدة تعلقه بابنة الدكتور مختار رحمه الله
زفر صخر نفسا حارا وهو يقول بصوت جامد: " بأي حق ينصب جدك نفسه ولي أمرها؟ ما أعلمه علم اليقين أنه ما من صلة تجمع بين عائلتكم وعائلتها سوا علاقة عمي مختار رحمه الله بكم "
رد قاسم ببساطة: " يرى جدي أن هذا يمنحه الحق بالتدخل في شئونها وحمايتها "
عبس صخر بقوة وهو يقول: " حمايتها! ممن؟ "
رفع قاسم حاجبا وهو يجيبه باستفزاز: " منك.. باعتبارك شاب غريب عنها وشخص هو لا يثق فيه البتة "
إلتفت صخر ينظر إلى نبض باستنكار وهو يكاد يصرخ في وجهها: " ما هذا الهراء؟ "
أجفلت بقوة وهي تنظر له بخوف قائلة: " لا أعرف صدقني.. فقط أهدأ و... "
قبض على مرفقها بخشونة وهو يحدثها من بين أسنانه: " يبحثون لك عن عريس وتقولين لا أعرف متى كنتِ ستعرفين إذن.. حينما يطلبون توقيعك على عقد القرآن؟ "
دمعت عيناها وهي تطالعه ببؤس هامسة: " لم أكن أعرف .. لم يخبرني أحد "
زفر قاسم وهو يقول: " لا فائدة من غضبك الآن حاول أن تهدأ أعصابك وتستفيد من الدعم الذي سيقدمه لك الجميع.. اقتنص الفرصة قبل أن تضيع منك "
نظر صخر لأخيه بغموض فأبتسم قاسم بتشجيع وهو يقولها صريحة حتى يطمئن: " لن تكن لغيرك فقط تصرف بعقل وحكمة وأقسم لك أنني لن أسمح بأن تكون لرجل غيرك حتى لو اضطررت للوقوف أمام جدي لأجلك "
ازدرد صخر ريقه بصعوبة وهو ينظر بطرف عينه للباب المغلق برهبة وهو يغمغم: " المواجهة صعبة وأنا... أنا لم أستعد لها بعد "
اتسعت ابتسامة قاسم وهو يقول بهدوء: " أعتبرها حالة طارئة اضطررت للتعامل معها فجأة ورغم ذلك تعاملت معها بثبات، بثقة، ومكر "
ردد صخر بعدم فهم: " مكر! "
اومأ قاسم بالإيجاب وهو يقول: " نعم بمكر.. ستحتاجه وأنت تواجه جدي حتى تربح في النهاية فهو ليس ندا سهلا وسينال منك بقسوة.. سيجرحك دون أن يبالي بك حتى لذلك عليك أن تهدأ وتتماسك "
قبض صخر على كفيه إلى جانبيه وهو يقول بنبرة مختنقة من كبت إنفعالاته: " هل الجميع حاضرا؟ "
اومأ قاسم إيجابا دون رد فعاد صخر يردف بنفس النبرة: " أنا أحتاج لوجود نبض معي "
ران الرفض في نظرات قاسم وهو يرد: " سيكون وجودها شاذا في مجلس يعج بالرجال هذا بخلاف الأذى الذي سيلحق بها مما ستضطر لسماعه ومواجهته معك "
اومأ بتفهم واستسلام وهو يستدير إلى نبض قائلا بلطف: " هيا يا صغيرتي عودي للفتيات "
قطبت برفض وهي تقول برجاء: " لكن يا صخر أنا أريد أن أكون معك "
إبتسم بعبث مصطنع وهو يقول: " وأنا يا نبضي متلهف أكثر منكِ لهذا لكن كما ترين الظروف غير مناسبة "
غمغمت بخجل شديد وهي تتراجع للخلف: " أنت وقح جدا "
رفع حاجبا وهو يقول بمناكفة: " حسنا انتظريني حتى أنهي جولتي في الداخل وأعود إليكِ لأريكِ كيف تكون الوقاحة على حق؟ "
تراجعت أكثر وهي تقول بثقة: " لن يسمح لك أبيه قاسم بفعل شيء لي "
رمقت قاسم بنظرة جانبيه ترجوه فيها أن يكون عونا لصخر في الداخل فهز رأسه مؤكدا على فهم قصدها وبعدها هتفت ببرود مصطنع لصخر: " غيرت رأيي سأذهب لألهو مع حلا الصغيرة وأتركك هنا وحدك "
أولته ظهرها وخطت بعيدا تقدم خطوة وتعود لتؤخرها لتلتفت إليه برأسها تطالعه بخوف فيبادلها النظر برقة ليطمئنها حتى اختفت عن ناظريه
ربت قاسم على كتفه قائلا: " اغتنم الفرصة واحصل على حقك فأنت تستحق ذلك "
اومأ صخر بلا معنى وهو يسحب عدة أنفاس عميقة قبل أن يزفرها ببطء وهو يستعيد هدوئه وسيطرته على أعصابه
***

بعد لحظات معدودة
دلف قاسم ومن خلفه صخر فران الصمت على جميع من بالمجلس ما بين ذهول وترقب، الوحيد الذي كان عابسا هو زيد
بعد أن حياهم قاسم وردوا على تحيته بهدوء أتخذ مجلسه إلى جانب والده بينما تعجب عبد الرحمن وصالح من ترك ياسين مجلسه على يسار والده لأجل هذا الغريب الذي جلس بهدوء دون أن يوجه كلمة لأحد
قطب عبد الرحمن وهو ينظر إلى صخر بينما حديثه كان موجها إلى قاسم: " ألن تعرفنا بضيفك بني؟ "
إبتسم قاسم بهدوء وهو يرد ببساطة مغيظة: " إنه حفيدك يا جدي "
هب عبد الرحمن من مجلسه وقد بدى على ملامحه الغضب الشديد وهو يهدر: " كيف تدخلونه داري بدون إذني؟ "
شحب وجه صخر وكأنه تلقى لطمة قاسية على روحه بينما عبد الرحمن يتابع بحدة: " خذوه من أمامي قبل أن أأمر الرجال بأن يرمونه خارجا "
جحظت عينيّ صخر بصدمة من تلك الإهانة التي تلقاها على مرأى ومسمع من الجميع وقبل أن يتابع عبد الرحمن حديثه قاطعه صالح بهدوء: " أهدأ يا أبا خالد ودعنا نتحدث بالعقل لن يفيد الغضب في شيء "
دكت عصا عبد الرحمن الأرض من تحتها وهو يهدر بصوت حاد لا يقبل النقاش: " لن أتحدث في شيء يخص ذلك النكرة عديم الأصل.. أخرجوه من هنا "
ترك صالح مجلسه وهو يواجه صديقه مقطبا برفض لما يسمعه منه وهو يقول: " ما هذا الكلام يا أبا خالد؟ هل تريد إنكار حق حفيدك... "
قاطعه عبد الرحمن بعنف: " ليس حفيدي.. هذا الولد ليس حفيدي ولا أعلم ما الفائدة من إدعائه لتلك الكذبة؟ "
لم يحتمل صخر سماع المزيد من الإهانات فقد كان ذلك أكبر من طاقته على التحمل والصبر
هو الذي أعتاد أن يأمر فيطاع
أعتاد أن يتكلم فيسمعه الكل
أعتاد أن يرى إحترام الجميع له
نهض من مكانه وهو ينظر إلى عبد الرحمن بحيرة بالغة
لم يشعر تجاهه سوا بالحيرة وشيء من الشفقة
لا يعلم لماذا ينفي جده حقيقة يرى انعكاسها جليا في مقلتيه؟ لا يعلم لماذا يرفضه برغم يقينه بأنه حفيده وأنها ليست كذبة كما يشير؟
جاوره قاسم داعما له وهو يميل إليه هامسا: " إياك أن تستسلم "
لم يرد على قاسم لأنه بالفعل استسلم
إنه صخر الذي لم يعتد حشر نفسه بين أناس لا تتقبل وجوده بينهم ولا يريدونه.. لم يعتد فرض نفسه على أحد لأي سبب هذا مع إستثناء نبض من القاعدة فهي حالة خاصة تختلف عن الجميع
ظل خالد صامتا يستمع إلى والده حتى سكت فتحدث بهدوء واثق دون أن يتحرك من مكانه: " لقد تأكدت بنفسي من أنه لا يدعي نسبه لي يا أبي.. حينما كان في المشفى أخذت عينه دم منه وتكفل طبيب صديقا ليوسف بإجراء التحليل وأثبت صحة كلامه.. إنه ابني وحفيدك "
جز عبد الرحمن على أسنانه بغضب وهو يطالع ابنه بينما تدخل سليم مهدئا لوالده: " إنه لا يطالبنا بأي التزامات ناحيته يا أبي كل ما أراده أن يحصل على هويته ونسبه الحقيقي وهذا لا يضرنا في شيء "
ضرب عبد الرحمن الأرض بعصاه من جديد وهو يهدر بغضب جارح: " بلى سيضرنا (أكمل كلامه وهو يشير إلى صخر بإهانة) أن يحصل هذا على هوية تثبت نسبه لنا لهو الضرر بعينه.. أ نسيت أن أمه تلك المرأة الحقيرة التي لفت حبائلها حول أخيك وابعدته عن زوجته وابنه بل وعن عائلته كلها؟ هل تريدنا أن نكافئها في النهاية بضم ابنها إلينا وإشراكه في ممتلكاتنا ومالنا بعد ما فعلته؟ "
زمجر صخر بغضب أهوج وقد ثارت كل وحوشه الكامنة وخرجت من مخابئها تصرخ بالقصاص من هذا الرجل ذو اللسان السليط الجارح الذي أهان أمه دون وجه حق
حاول قاسم منعه إلا أن صخر دفعه بقوة وتحرك نحو عبد الرحمن وما منعه من الوصول إليه كان وقوف عمه سليم في منتصف المسافة بينهما فصرخ حينها وهو يشعر بالعجز فجأة: " سمعت منك كل كلمة جارحة في حقي وأنا أجبر نفسي على الصبر وتحمل سلاطة لسانك لكن أن يطال أذاك أمي هذا ما لن أتحمله ولن أصبر عليه.. إن أردت الحق فالحقير الوحيد هنا هو ابنك أنت لأنه هو من كذب عليها وهو من خدعها وهو من أدعى عكس ما هو عليه.. ابنك هو من لف حبائله حولها وليس العكس.. ابنك هو من رماها بخسة منصاعا لكلمتك الظالمة وكانت هي وحدها المتأذية من الأمر كما لم تتأذى عائلتك ولا حتى زوجة ابنك رحمها الله كما تدعي "
سكت لحظة يهدأ من تسارع أنفاسه التي تكاد تطبق على صدره وتخنقه قبل أن يهدر من جديد بعنف أكبر وألم مكبوت: " المتضرر الوحيد هو أنا.. حييت عمري كله بدون أب لست أنكر وجود عمي معتز من حولي وما فعله لأجلي لكن وجود أبي كان ليفرق معي كان... كان ليحدث في حياتي أثرا جللا.. كان ليجعلني طفلا سويّا ومراهقا سويّا وشابا سويًا.. أنا لم أكن أي واحدا من هؤلاء حييت عمري كله صخرا قلبا وقالبا نشأت متطرفا في كل شيء حتى في حبي لكم (هزه بقوة وهو يهدر بصوت مختنق) لم آتيكم مطالبا بمال أو جاه أتيت أطالب بحقي، بهويتي لكي أستطيع الحصول على الفتاة التي أحببت ولولا ذلك والله لما كنت فكرت في الانتساب لكم أبدا.. هذا ما عليك أن تفهمه جيدا "
هتف بعد لحظات بخشونة وهو يرفع سبابته ملوحا بها بعصبية: " أقسم بالله لولا أنني أحمل بداخلي بقايا من ضمير متهالك لكنت... "
" صخر... "
استدار على عقبيه ليجد بنات عمومته تقفن أمام الباب الذي لم يشعر أحد به وهو يُفتح بينما نبض تقف أمامهن وهي تهز رأسها بإنفعال متسعة العينين وتطالعه برعب
قست عينيه وهو ينظر لها بينما هي دون أن تشعر أخذت تقترب منه وهي تنشج ببكاء مكتوم حتى وصلت إليه فربتت على صدرها وهي تقول من بين شهقات بكائها: " لا تزد.. لأجل خاطري لا تفعل.. إنه جدك "
سكنت روحه فجأة وهو يطالعها بشحوب قائلا: " إنه لا يريدني "
كم بدى كطفل صغير، مشرد يائس من استجداء عطف أحد عليه وكم آلمها رؤيته على هذا النحو فردت برقة: " أنا أريدك.. أما يكفيك هذا؟ "
رمش لوهلة قبل أن تنحدر دمعة حارة من زاوية عينه وهو يشيح بوجهه جانبا دون رد فتقدمت نبض إلى أن أصبحت تقف أمام عبد الرحمن فطالعته بقهر وقد استبد بها التحمل حتى اللحظة
كل ما فكرت فيه أن هذا يكفي، لن تتحمل رؤيته حزينا أكثر من هذا، لن تتحمل رؤية دمعة أخرى تسيل من عينيه الحبيبتين
إلى هنا وكفى؛
ازدردت ريقها وهي تقول بحسرة: " لقد خذلتني برفضك له يا جدي وكسرت قلبي الذي كان متعلقا بأمل أن تقبله بينكم لكن... لكن إن لفظته من دارك هذا لا يعني أنك انتصرت عليه "
رمقت خالد بطرف عينها تطالبه الإذن بالبوح بشيء ما فأومأ لها خفية مؤكدا بموافقته فعادت ببصرها لعبد الرحمن وهي تكمل حديثها: " لقد خسرت تلك المعركة يا جدي وربحها صخر "
طالعها الجميع ما بين متعجب ومستنكر لما تقول فكيف يكون صخر قد ربح إن لم يستطع الحصول على هويته التي يناضل لأجلها؟
كان خالد الوحيد الذي ظل مسترخيا في مجلسه يخفي حسرته من ظلم والده لابنه، يخفي ألمه الذي يراه منعكسا في مقلتي الأخير، يخفي قهره وحرجه مما فعل قديما في حق المرأة الوحيدة التي أحبها
رغم عدم توقف الدموع عن الهطول كالمطر من عينيها إلا أنها تابعت بصوت قوي وهي تطالع عبد الرحمن بابتسامة نصر: " لقد أنهى عمي خالد كل الأوراق الثبوتية الخاصة بصخر واستخرج له شهادة ميلاد جديدة.. شهادة تحمل اسمه وهويته الحقيقية.. صخر خالد عبد الرحمن الجبالي "
لم يكد أحد منهم ينطق بكلمة حتى أجفلوا جميعا على صوت الزغرودة العالية التي أطلقتها حياة بدون حرج لتكن أول من أعلن عن سعادته بالخبر فتبعتها فرح وهي تصيح بتهليل مهرولة إلى صخر وهي تتعلق بعنقه: " مبارك يا أخي "
كان صخر في عالم آخر، عالم اقتصر البشر فيه على وجود نبض
صغيرته التي أعلنت خبر ولادته من جديد
حبيبته التي منحته الحياة وأعادت لقلبه الخفقان
لم يظن أنه سيسعد لحظة إعلان خبر انتمائه لوالده الحقيقي بهذا الشكل لكن يبدو أن إعلان الخبر على لسان نبض كان له تأثير كبير على نحو خاص ومختلف
إنه يكاد يطير بلا أجنحة
يشعر بأنه سيجن من السعادة التي يتضخم بها صدره ويريد تقبيلها
جحظت عينيه وهو يصل لآخر فكرة فغمغم دون شعور: " تبا "
رددت خلفه بحيرة: " تبا "
كان يبدو كالمغيب لم يعي ما قالته حتى حدق في حركة شفتيها التي تردد كلمته فرمش بتوتر وهو يقول: " لم أقصد أنا... "
وقبل أن يكمل جملته كان ياسين يعانقه بحرارة هاتفه بمناكفة: " حبيبي يا أبيه "
دفعه صخر بحنق وهو يقول: " ما أبيه هذه؟ أنا أكبرك بعامين فقط "
ضحك ياسين وهو يقول: " إذن دع تلك القزمة تناديني أبيه فأنا أكبرها ببضعة سنوات؟ "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي ترد: " بعينك.. أنت ياسين فقط "
كان عبد الرحمن يقف ساكنا في مكانه يطالع ابنه خالد بصدمة قبل أن يتكلم بخفوت: " هل عصيت أمري يا خالد؟ نفذت ما بعقلك وكسرت كلمتي؟ "
نهض خالد من مكانه أخيرا وهو يلتفت إلى أبناء أخوته قائلا بهدوء حازم: " لا أريد في المجلس سوا الكبار "
أقترب منه قاسم وهو يقول: " لكن يا أبي... "
لم يتركه خالد يكمل كلامه حتى قاطعه مربتا على كتفه وهو يحدثه بخفوت: " أطمئن ستكون المواجهة الأخيرة لننهي هذا الموضوع للأبد "
طالعه قاسم بتردد وهو يرد بقلق: " دعني أبقى معك يا أبي "
هز خالد رأسه سلبا وهو يقول: " لقد أخطأت فيما مضى خطئا كبيرا لا يغتفر يا بني وعليّ وحدي تحمل عواقبه والعمل على إصلاحه "
حاول قاسم أن يجادله لكن خالد لم يتح له الفرصة وهو يضغط على كتفه قائلا: " لا تدع أحد يقاطعنا.. سأعتمد عليك في هذا "
تنهد قاسم باستسلام وهو يومئ بطاعة قبل أن يتراجع بصمت
خلال لحظات كان المجلس قد فرغ إلا من وجود عبد الرحمن وصديقه صالح وابنيه خالد وسليم وبمجرد أن أغلق قاسم الباب من خلفه ولم تكد تمر لحظة أو تصدح كلمة حتى رجت أرجاء المجلس لطمة قوية تلقاها صاحبها دون أن يتفوه بكلمة إعتراض واحدة
تعالت الشهقات في الخارج وحاول ياسين أن يفتح الباب لكن قاسم منعه بالقوة وهو يدفعه بخشونة هادرا بصوت سمرهم جميعا في أماكنهن: " لن يدخل أحد "
***

في الداخل
أغمض خالد عينيه كابتا إنفعالاته عن مرأى بصر من حوله وهو يتنفس بقوة بينما عبد الرحمن يقبض على تلابيبه وهو يهزه بعنف صارخا: " كيف تضعني في هذا الموقف؟ تصغرني أمام هذا الحقير النكرة ابن... "
قاطعه خالد بصلابة: " لا يا أبي.. لا تسب ليال هي لا ذنب لها.. ها أنا أمامك أفعل بي ما تشاء لكن لا تخطئ في حقها رجاء "
هزه عبد الرحمن بعنف أكبر وهو يصرخ في وجهه بغضب: " لازلت كما أنت.. لازلت هائما في حب تلك الأفعى التي خربت بيتك وفرقت بينك وبين ابنة عمك و... "
قاطعه خالد من جديد: " قلت لك يا أبي ليال لا ذنب لها هي... "
هدر عبد الرحمن بحدة: " لا تنطق إسمها أمامي تلك الأفعى السامة كان يجب أن أقتلها بيدي قبل أن تتمكن منك وتقلبك على عائلتك "
رد خالد بصبر وهو يطبق على عينيه أكثر: " ليال ليست أفعى يا أبي ولا ذنب لها فيما حدث.. أنا المخطئ في كل هذا "
دفعه عبد الرحمن بقوة وهو يصيح: " لابد أنها سحرت لك "
فتح خالد عينيه وهو يطالع والده بهدوء مريب قائلا: " ألا ترى أنك تبالغ كثيرا يا أبي؟ ما العيب في حبي لها دون ابنة عمي رحمها الله؟ وما ذنبي أنا؟ قلبي هو من اختارها هي دون غيرها ورغما عني "
تراجع خطوة للخلف قبل أن يتابع بصوت مختنق من غضبه المكبوت: " ألا ترى أنك لازلت تظلمني يا أبي؟ لازلت تفرض عليّ كل ما لا أرغبه.. كل هذا لأنني تزوجت من المرأة التي أحببت بدون علمك "
قطب عبد الرحمن بقسوة بينما خالد مستمرا في كلامه: " هل تذكر ذاك اليوم حينما أتيت إليك أكاد أطير من السعادة لأخبرك بأنني أخيرا وجدت الفتاة التي ارتضيها زوجة وأما لأبنائي في المستقبل؟ هل تذكر ما فعلته معي حينها بعدما عرفت هويتها... "
قست ملامح خالد فجأة فكان أكثر شبها بأبيه وهو يهدر: " صفعتني وصرخت في وجهي أمام إخوتي الأصغر مني.. اتهمتني بالجنون لمجرد أنني أردت الزواج من خارج العائلة وأصررت على تزويجي في أسرع وقت من ابنة عمي.. عاملتني معاملة لا تليق سوا بالفتيات الصغار.. أجبرتني على الزواج منها ومنعتني لسنوات من الذهاب للعاصمة وماذا فعلت أنا في المقابل؟ "
كان سؤاله الأخير بصراخ أعلى حدة حتى أنه أفزع من بالخارج قبل أن يتابع بقهر مكبوت: " رضخت لأمرك وأطعت كلمتك وخلال أسابيع قليلة تزوجت إبنة عمي.. منعت نفسي عمن أحب لأجل أن أرضيك.. صبرت وتحملت لسنوات لكن حتى في بُعدي عن ليال كان حبها في قلبي يتضخم أكثر وأكثر حتى بات يخنقني "
شهق بقوة وهو يسحب عدة أنفاس متتالية يملأ رئتيه التي كادتا تتوقفان فجأة في خضم صراخه المتتابع
عاد يتحدث بصوت متحشرج: " وحينما رأيتها ثانية شعرت بأنني سأموت فعلا إن تجاهلتها من جديد.. انتهزت الفرصة وخدعتها بحقارة.. أوهمتها بأنني لم أتزوج بعد وبأنني لن أتركها أبدا حتى وإن اضطررت لخسارة عائلتي وتزوجتها لكن ما إن علمت بالخبر حتى جئت إليّ حيث كنت في العاصمة ولم يمنعك وجودها من صفعي أمامها والصراخ عليّ من جديد.. لم تبالي بتوسلاتها وبكائها أمامك بل كدت تضربها لولا أنني ترجيتك بألا تفعل في مقابل أن أنفذ لك كل ما تأمر به "
كانت شهقة خالد تلك المرة شهقة وجع قوية وهو يكمل: " أمرتني بكل تسلط وعدم رحمة أن أطلقها.. وضعتني بين خيار صعب إما هي أو رضاك عني وكانت النتيجة أن أنصعت لأمرك من جديد ونفذت لك ما تريد.. أخترت رضاك ولفظتها هي من حياتي لكنني لم أستطع إخراجها من قلبي وهذا ليس ذنبي.. ليس ذنبي لأنني لم أستطع "
سالت دموع خالد الحارقة على وجنتيه سيولا غزيرة وهو يضع يده على صدره موضع القلب وقد بدأت ملامحه تنقبض بالألم وهو يردف بقهر: " حييت عمري كله أقدمك ورغباتك على نفسي يا أبي.. حييت عمري كله طائعا لك ولم أعصيك ولو لمرة.. أبدا لم أقل لك على شيء لا لكنني تعبت يا أبي.. تعبت فعلا وقد أتت اللحظة التي كان يجب أن أعصيك فيها.. لأول مرة في حياتي كان يجب أن أقول لك لا ليس لأجلي وإنما لأجل إبني "
قطب خالد بقوة وهو يكمل: " قد أكون ضعيفا خانعا لك يا أبي لكنني ورغم ذلك لا أستطيع رؤيتك وأنت تظلم أحد أبنائي كما ظلمتني.. لا أستطيع فهذا أكبر من قدرتي على التحمل "
كان عبد الرحمن ساكنا في مكانه بوجه منحوت من الجليد لا يعبر عن شيء بينما استمر خالد في كلامه رغم خفوت صوته رغما عنه وتقبض ملامحه بالألم أكثر: " لأول مرة في حياتي أشعر بالرضا عن شيء فعلته.. لأول مرة أشعر ببعض الراحة من بعد عذاب طويل.. ولأول مرة سأتقبل حكمك عليّ يا أبي برحابة صدر ورضا "
لحظات معدودة من الصمت وانفتح الباب بقوة بعدها وهدير صرخة صخر يسبق خطواته وهو يخطو نحو والده: " أبي "
إلتفت خالد ببطء وهو يطالعه بندم متمتما: " أنا آسف بني.. آسف لكل ما تسببت لك فيه من ألم وضياع وتشتت.. سامحني "
وقبل أن يصل إليه هوى خالد فاقدا وعيه وصرخة صخر تهز المجلس: " أبي! " ***

منتصف الليل / في المستشفى
خرج صخر من الغرفة مجهد الروح والجسد لتستقبله نبض ببسمتها الرقيقة الحانية فيتقدم نحوها حيث تجلس على أحد الكراسي أمام الغرفة الخاصة بوالده
جلس إلى جوارها ومال برأسه مستندا على كتفها وهو يتنهد بقوة فسألته بلطف: " كيف حاله الآن؟ "
رد بإحباط: " تحسن قليلا وأفاق منذ ساعة تقريبا لكنه يدعي النوم.. أظنه يرفض أن يتحدث مع أحد وأنا لم أرد أن أضغط عليه فتركته على راحته "
ابتسمت وهي تطمئنه: " سيكون بخير بإذن الله "
رفع رأسه يطالعها برقة وهي يقول: " لا أعلم ماذا كنت سأفعل لولاكِ يا صغيرتي؟ أظنني كنت سأضيع "
هزت رأسها ببطء وهي ترد بحنان: " أبدًا ما كنت لتضيع وقد استودعتك عند من لا تضيع ودائعه "
مال ناحيتها فجأة فشهقت بخجل وهي تدفعه في كتفه قائلة: " صخر ماذا تفعل؟ هل جُننت؟ "
أحاط خصرها بذراعه وهو يشدها إليه هامسا: " أنا مجنون بالفطرة يا حليلتي "
ظلت تدفعه وهي تحاول الإفلات منه بينما تهمس بغيظ: " لازلت لا أصدق أنني وافقتك على هذا الجنون الذي أصريت عليه وعقدنا قراننا من جديد في هذا الوقت الحرج وعمي خالد محتجر في المشفى "
طالعها بغموض وهو يميل عليها أكثر هامسا: " لا عليكِ.. سأجعلكِ تتيقنين من أن هذا الجنون حقيقة "
قبل أن تسأله كيف كان يلتقط شفتيها بين شفتيه وهو يجذبها إليه أكثر وأكثر حتى أصبحت تجلس على ساقيه
كان يقبلها بجوع نهم كمن قضى وقت طويل هائما على وجهه في صحراء جرداء لا يجد شربة ماء تروي ظمأه وحينما وصل أخيرا وبعد تعب إلى بئر ما لم يكتفي بغرفة ماء واحدة وإنما ظل يغرف منه مرة بعد مرة بنهم شديد
رفع رأسه عنها بغتة وهو يسحب نفس عميق إلى صدره بينما هي شهقت بعنف وقد كانت على وشك الاختناق فعليا
كانت تطالعه متسعة العينين، صدرها يرتفع وينخفض بقوة، وشفتيها منفرجتين قليلا
جحظت عينيها أكثر حينما مال عليها من جديد يلثم شفتيها برقة وهو يهمهم بنعومة: " هل تحبينني؟ "
رمشت عدة مرات قبل أن تهمس بخفر وشفتيها ملامستين لخاصته: " الآن تأكدت من أنك بلغت الحد الأقصى للجنون "
رفع بصره إليها يسألها بإهتمام: " وماذا فعلت أنا؟ كل ما في الأمر أنني أريد أن أسمع تلك الكلمة الرائعة من بين شفتيكِ.. (رفع حاجبا بتهديد وهو يكمل) أجيبيني حالاً وإلا عاودت تقبيلك ثانية.. هل تحبينني؟ "
ضيقت عينيها وهو تطالعه بغيظ طفولي قبل أن تتمتم من بين أسنانها المطبقة: " لو فعلت يا صخر فصدقني سأخبر أبيه قاسم بأن يأخذني معه إلى دار الجبالي وبأني أرفض الذهاب معك إلى فيلا عائلتك "
قطب بضيق وهو يقول: " هل أعتبر هذا تهديدا؟ "
رفعت حاجبا باستفزاز وهي تجيبه: " نعم وخذه على محمل الجد لأنني لا أمزح يا صخر.. إن لم تتركني حالا وأنا أعني حالا بالفعل فسوف أخبره بقراري هذا "
اشتعلت نيران الغيرة في عينيه وهو ينظر لها بغضب مكبوت: " لا أحب أن تلجئي إلى أحد غيري حتى ولو كنت تريدين الشكوى مني "
قطب بعدم فهم وهي تسأله: " لمن تريدني أن أشكوك إذن؟ "
مال يهمس في أذنها بصوت خافت رقيق: " أريدك أن تشكينني لي.. لا أريد أن يكون لكِ حام غيري "
أغمضت عينيها وهي تبتسم بخجل بينما هو مستمر في همسه: " وأعدكِ حينها أن أقتص لكِ مني بقسوة حتى لا أجرؤ على إزعاج صغيرتي الحلوة من جديد.. اتفقنا "
اومأت برأسها بخفة وهي تندس بين أحضانه أكثر فيقهقه صخر مستمتعا بالشعور بدفئها الذي يغمره وهو يتمتم: " ما أحلاكِ قطتي الوديعة "
***

بعد ساعة
دسرها جيدا بالغطاء الخفيف قبل أن يميل عليها مقبلا جبينها برقة وهو يهمس إلى جوار أذنها بعذوبة: " لن اتأخر عليكِ يا حُلوتي "
ابتعد عنها بخفة وهو يتجه نحو الباب وقبل أن يفتحه التفت ينظر لها من جديد كارها لمفارقتها ولو لبعض الوقت بعدما حقق حلمه الأثير بالسكن إلى جوارها والتنعم بجمال وجودها من حوله وفي عالمه
خرج بهدوء مغلقا الباب من خلفه بالمفتاح وهو يهمهم برضا: " هكذا أفضل حتى لا يزعجكِ أحد يا صغيرتي.. أحلاما سعيدة "
سلك طريقه ناحية غرفة والده بهدوء بهدف الإطمئنان عليه، كان يضع كفيه في جيبي بنطاله مطرق الرأس بتعب وعينيه تلاحقان تقدم خطواته بغير إهتمام
ما إن وصل حتى تفاجئ بوجود أمه تقف أمام الباب مستندة عليه بظهرها بينما كفيها متقبضتين إلى جانبيها وما أقلقه أكثر أنها كانت تبكي
هرع إليها بخوف يهزها بلطف وهو يمسك بكتفيها قائلا: " أمي ما بكِ.. وماذا تفعلين هنا؟ "
دفعته بخشونة حتى يبتعد عنها قبل أن ترفع سبابتها في وجهه وهي تشهق بقهر: " إياك أن تلمسني.. أنت... أنت خنت ثقتي بك.. كيف سامحته بهذه البساطة بعد كل ما فعله بك بعد... "
قاطعها صخر بهدوء ظاهري: " أبي لم يفعل لي شيء يا أمي هو حتى لم يكن يعلم بوجودي من الأساس وبالتالي لا أستطيع أن أحمله نتيجة أو عواقب هذا الخطأ "
صرخت بحدة: " أنت تدعوه أبي.. بت تدعوه باللقب الذي حرمك منه لسنوات طويلة كيف... "
قاطعها من جديد بصبر: " هو لم يحرمني من شيء يا أمي كلانا نعلم أنه ما كان يعرف بوجودي لكي نتهمه الآن بأنه حرمني من أن أدعوه ب 'أبي' ثم أنا لا أفهمك حقا أ لستِ من دفعني في الأساس للقبول بمساعدته حتى أحصل على هويتي فلما تتحدثين الآن وكأنني فعلت ذلك بدون علمكِ "
وكزته في كتفه بقوة وهي تصرخ: " أنت مثله ناكرا للجميل.. الآن بت تدافع عنه.. نسيت كل ما فعلته لأجلك واخترته هو "
تحمل ضرباتها دون أن يصدها وظل يطالعها بهدوء وصبر ليس من طبيعته وهو يدرك أنها في حالة غير طبيعية أبدا
بعد أن أكتفت من ضربه أخذت تنشج ببكاء مكتوم وهي تهمهم: " لا أصدق أنك اخترته هو.. ظننت... ظننتك ستختارني أنا دون حتى أن تعقد مقارنة بيني وبينه.. كنت أظن أن... أنني أنا أهم لديك منه "
غطت وجهها بكفيها وهي تجهش في البكاء بصوت عالي: " أنا حمقاء، غبية كيف تغاضيت عن الشبه الكبير بينكما؟ كيف تجاهلت أن دمه يسري بداخلك؟ كان يجب أن أعرف هذا منذ البداية.. كان يحب أن أفهم بنفسي أنك ابن أبيك.. أنك شبيهه في كل شيء كما كنت شبيها به في قسوته عليّ "
ما إن حاول الإقتراب منها حتى انتفضت صارخة: " لا تلمسني.. ليس لك شان بي بعد اليوم.. أعلم أنك اخترته وفضلته عليّ بل وأصبحت تلازمه أيضا لذلك سأوفر على نفسي مرارة سماع نفس الحوار من جديد.. سابقا هو خذلني وتخلى عني واليوم... اليوم أنت ستفعل معي نفس الشيء لذلك أنا... أنا اعفيك من الكلام "
هزت رأسها بإنفعال وهي تتابع: " أنا تلميذة نجيبة أتعلم من أخطائي ولا أكررها لذلك أنا لست في حاجة لسماع أي كلمة منك لأنني أعرف مسبقا ماذا ستقول بالضبط وها أنا أخبرك بنفسي بأنني أنا من لا تريدك وليس العكس كما تظن.. أنسى تماما أن لك أماً حية لأنني اعتبرت أن ابني مات في اللحظة التي سامحت فيها الرجل الذي أذلني وكسرني ولم يرأف بضعفي حينما كنت في أمس الحاجة إليه دون غيره "
ودون أن تنتظر لحظة أخرى بعدما أنهت حديثها حتى هرولت بسرعة تبتعد عنه وعن محيطه بالكامل وظل هو يطالع طيفها الغارب بجمود قبض على قلبه وروحه على حد السواء فما أبقى له بعضا من طاقته حتى يلحق بها بل ظل متسمرا في مكانه دون حولا منه ولا قوة
***

في ساعات الصباح الأولى
كان يجلس على الأرض مستندا بظهره على الفراش الذي ينام عليه والده، كان يضم ركبتيه إلى صدره ويحيطهما بذراعيه وهو ينظر لنقطة وهمية في الفراغ الواسع أمامه
منذ رحلت أمه وهو على هذا الحال، يشعر وكأن الحمل الثقيل الذي إنزاح عن كتفيه لحظة حصوله على هويته قد عاد أضعافا مضاعفة بعد أن أتهمته أمه بأنه تركها واختار جانب والده
لم تترك له الفرصة لكي يفسر لها حقيقة ما حدث وأنه أضطر إلى البقاء إلى جوار أبيه وملازمته بعدما تم منع قاسم وياسين من ذلك بسبب الشجار الذي وقع بينهما وبين أحد الأطباء وأنتهى الأمر برجال أمن المشفى يخرجونهم منها بالقوة
لم تسمح له بأن يخبرها بأنه أبدا ما كان يفكر في تركها ومن المستحيل أن يفعل ذلك لأنه ليس ناكرا للجميل كما أدعت عليه ولأنه بالفعل يريدها معه
لقد تعب من سوء ظن الجميع به، من تحاملهم عليه
الكل يجذبه إلى جانبه ويريد منه التفاعل برضا رغما عنه
تعب من تحميل نفسه ما لا طاقة له عليه، تعب من كبت مشاعره دون البوح بها، وتعب من مرارة الخسائر التي باتت تلاحقه أينما ذهب لتعكر عليه صفو أي انتصار صغير يحققه
مال برأسه للأمام يستند بجبينه على ركبتيه وهو يشعر بالإرهاق الشديد كمن كان يعدو في سباق ظل لوقت طويل
ومن العدم تمثلت له صورة نبض
أغمض عينيه بحزن وهو يأخذ قراره بألا يخبرها عما حدث بينه وبين أمه كيلا يعكر عليها صفو فرحها به
هي لا تستحق منه أن يسلبها تلك السعادة الضئيلة التي تشعر بها فهي أكثر من عانى منه ومعه وأكثر من يحتاج لأي قدر ولو صغير من السعادة والسلام
بعد وقت قصير نهض من مكانه واطمئن على والده الذي كان غارقا في سباته العميق قبل أن يغادر الغرفة بهدوء
في طريقه إلى غرفته الخاصة هاتف قاسم وطمأنه على أبيهما وأخبره أنه بخير وأنه سيحاول الحصول لهم على إذن لزيارته قريبا وأن لا فائدة من بقائهم في الخارج حاليا
أنهى اتصاله في اللحظة التي كان قد وصل فيها أمام الباب، ظل ممسكا بالمفتاح يطالعه بكآبة وهو يحاول رسم ولو بسمة صغيرة على وجهه حتى لا تشك نبض في أمره إلا أنه فشل فاطرق برأسه بقلة حيلة وهو يفتح الباب بصمت
بمجرد أن خطى للداخل تسمر مكانه قبل أن يغلق الباب من خلفه وهو يراها تجلس على طرف الفراش بوجه محتقن من الغضب المكبوت الذي بدى عليها جليا
تنحنح قليلا قبل أن يتشاغل بغلق الباب وهو يوليها ظهره وكأنه لا يريد أن يواجهها الآن ولا حتى في وقت قريب
هبت نبض من مكانها وهي تهتف بغيظ: " لماذا أغلقت الباب بالمفتاح؟ كدت أجن من التفكير دون أن أجد سببا يبرر فعلتك تلك و... (ترددت لحظة قبل أن تهتف بإنفعال) كنت خائفة جدا وأنا وحدي "
تنهد بأسى وهو يستدير ببطء متمتما بإرهاق: " دعينا نتناقش في هذا الأمر فيما بعد يا نبض فأنا جدا متعب وأحتاج للراحة الآن "
قطبت جبينها وهي تنظر بتدقيق متفحص له قبل أن تقترب منه وهي تقول: " هناك ما تغير فيك "
رفع وجهه يطالعها بعدم فهم فأردفت بحذر: " يبدو أن هناك ما حدث معك أثناء نومي.. هل تحدثت إلى والدك؟ "
هز رأسه سلبا وهو يرد: " لا.. إنه نائما "
رفعت حاجبا وهي تنظر له بترقب قائلة: " إذن؟ "
زفر بإحباط وهو يتخطاها ناحية السرير المنفرد متمتما: " لا تكوني لحوحة يا نبض.. قلت لكِ سنتناقش فيما بعد "
راقبته بدهشة وهي تشعر بداخلها بشبه يقين من أن هناك أمرا طرأ عليه بالفعل وهي لا تدري ما هو بالضبط
استلقى على الفراش واضعا ذراعه على وجهه يغطي عينيه بينما ملامحه تتقبض بألم حاول اخفائه لكنه فشل خاصة مع صدى كلمات أمه الذي لا يزال يطارده وكأنها لم ترحل وتتركه خلفها كطفل صغير مشرد يبكيها دون دموع ويتوسلها أن تتفهم موقفه بدون كلام
اقتربت نبض حتى جلست على طرف الفراش إلى جانبه وهي تمد يدها بتردد لتربت على كتفه بلطف وهي تقول: " لماذا تتهرب مني؟ ما الذي تخفيه عني يا صخر؟ "
لم يجيبها بشيء ولم يبدي أي رد فعل حتى مضت بضعة دقائق واستسلمت لصمته يائسة قبل أن تميل واضعة رأسها على كتفه وهي تتنهد بحزن
ومرت دقائق أخرى وهما على نفس الحال حتى تكلم صخر أخيرا بصوت كئيب: " ألست بشرا أنا الآخر يا نبض؟ لدي طاقة وقدرة مهما بلغ مداها تظل محدودة أما قدرة الله العظيمة فلماذا يظنني الجميع بطلا خارقة ويطالبونني بما أعجز أحيانا عن فعله؟ "
رفعت رأسها واعتدلت في جلستها وهي تطالعه بصمت وانتباه في حين تابع هو بصوت يائس: " أشعر بأني مشدود في أكثر من اتجاه.. أمي من ناحية وأبي من ناحية وما يريده قلبي من ناحية أخرى.. أشعر بأني أوشكت على السقوط (أزاح ذراعه عن وجهه وهو يكمل بغصة تخنقه أكثر) سقوط ليس منه نهوض ولا رجوع "
فغرت فاهها بصدمة وهي ترى تلألئ العبرات في مقلتيه وهو يضيف: " أكثر ما أخشاه أن تستنزف كل طاقتي وقدرتي على التحمل فأستسلم وأنا لا أحب الإستسلام يا نبض "
مالت برأسها جانبا وهي تحدق في مقلتيه كما لو أنها تريد سبر أغواره العميقة التي لا قرار لها لكن نظراته كانت ورغم ما تصرخ به من ألم مغلقة لا تظهر السبب وراء كل ما يعانيه مما جعلها في حيرة كبيرة أقرب إلى الضياع
قطب فجأة وهو يبسط كفه أمامها قائلا بهمس أجش: " عديني نبض ألا تسمحي لي بالاستسلام.. أن تكوني إلى جواري حينما أوشك على السقوط فتنقذيني "
بدون تردد أو تفكير أمسكت بكفه تقبض عليها بقوة وهي تجيبه: " سبق وأعطيتك وعدي بذلك يا صخر وها أنا أجدده.. لن أتركك أبدًا.. ثق بي "
رفع كفها يقبله برقة قبل أن يضمه إلى صدره متشبثا به وهو يتمتم براحة: " ومن لي سواكِ بعد الله يا نبضي "
ابتسمت بحنو وهي ترى أجفانه تنطبق ببطء فتغيب من خلفها مقلتين متعبتين تعكسان عذاب صاحبهما الخفي
***

كان قاسم يقف على جانب الطريق المواجه للمشفى، يستند بظهره على مقدمة سيارته، ملامحه متجهمة بشدة وعقله لا يكف التفكير عما حدث صباحًا.
لازال صوت صخر وهو يصرخ مناديا أبيهم حين سقط أرضا فاقدا الوعي يهز حشاه بعنف، لقد حيا عمرا كاملا لم ير فيه والده ضعيفا أو منكسرا لمرة واحدة.
أغمض عينيه، يكتف ساعديه أمام صدره وهو يغمغم لنفسه بصوت ساخر في مرارة: " هل تستطيع الكذب يا قاسم وقول أنك كنت تتوقع أن الأمر سيمر ببساطة؟ هل تستطيع القول بأنك كنت تتخيل أن جدك سيتقبل وجود صخر دون أن يعترض أو يهينه؟ لا والله ما تقدر على قولها حتى وإن أردت "
تأوه بتعب.. روحه مرهقه، وجسده وكأن قطارا دعسه يشعر بأن خلاياه مفتتة.. لقد أجهد عقله في التفكير طوال الساعات الماضية يحاول الوصول إلى حل سريع يُنهي به تلك المعضلة التي حلت بهم وتأبى الرحيل ولكن دون جدوى فمفتاح الحل يكمن في جده.
فتح عينيه فجأة ورفع رأسه للأعلى كما بصره وهو يتأمل ظلمة السماء التي تشبه مزاجه.. يحدق في صفحة السماء ينتظر جوابًا لا محل له من الإعراب وحلاً ليس هناك سبيلا للوصول إليه.
بكل ما يشعر وما يتمنى اللحظة وجد نفسه يردد بإرهاق وانكسار: " يا الله رُحماك.. لو أن للبلايا سبيلًا للزوال أنر بصيرتي حتى أجد لنا منها خلاص "
وبداخل السيارة كان يجلس ياسين.. عينيه رغم انطباقهما الشديد لم تتمكنا من كبت لجام العبرات التي أخذت تسيل على خديه، رأسه مستريحا للخلف على ظهر المقعد المجاور لمقعد السائق، ذراعاه مفرودتان إلى جواره وكفيه متقبضين بشدة.
لا يخش اللحظة إن رآه أحد وهو يبكي فما بكاء الرجال إلا تعبيرا عن قهرهم الشديد ووجعهم العنيف في لحظة تعتبر لحظة الفصال.
كلما تذكر تسمره مكانه وهو يلمح جسد والده وهو يهوى على الأرض شعر وكأن الأرض عادت تميد تحت قدميه بقوة من جديد.. سنده إنهار، حصنه تهدم، والده انهزم.
أخذه خياله بعيدًا يذكره بتلك المرة التي أتى وهو طفلا في العاشرة إلى والده يبكي، يشكو إليه أحد زملائه في الفصل..

قبل خمسة عشر سنة
كان يجلس على درج الدار الخارجي، يبكي بعنف واضعا كفيه على وجهه وإلى جواره تجلس ملك تطالعه بعينين دامعتين وهي تربت على كتفه.. تواسيه بصمت.
في نفس اللحظة كان خالد يدخل الدار بصحبة أخويه محمد ومحمود وما إن رأتهم ملك حتى صاحت باستجداء حزين: " عمي خالد ياسين يبكي "
هرع خالد إلى ابنه الباكي على الفور، جثى أمامه وهو يزيح كفيه عن وجهه برفق بينما قوله يسبقه: " ماذا بك بني؟ ماذا حدث أخبرني؟ "
شهق ياسين وهو يجيب والده بصوت متحشرج من البكاء: " علي زميلي في الفصل أمر الأولاد ألا يلعبوا معي "
قطب خالد يسأله: " ولماذا أمرهم ألا يلعبوا معك؟ "
هز ياسين كتفيه وهو يزم شفتيه مجيبا: " لأن الأستاذ حين يقسمنا إلى فريقين في حصة التربية الرياضية دومًا فريقه يُهزم أمام فريقي "
كعادة محمد المعروف بسرعة انفعاله كان يهتف بإندفاع: " ابن من يكون ذاك الولد؟ أخبرني وأنا سأذهب إليه أؤدبه "
تبسم محمود بقلة حيلة وقد حاول مرارا أن يحد من اندفاع توأمه إلا أنه كالعادة أيضًا كان يفشل.. التزم الصمت بينما خالد يقول برزانة: " أهدأ يا محمد إن الأمر أبسط مما تتخيل هي فقط غيرة أطفال لا أكثر "
عبس ياسين وهو يكتف ساعديه أمام صدره متمتما: " لقد أخبرني أنه يكرهني "
سأله محمود بهدوء: " وماذا فعلت له بني حتى يكرهك؟ "
انفجر ياسين في البكاء مرة ثانية وهو يقول: " أنا لم أفعل له شيء وهو يكرهني لأنني متفوق أكثر منه "
رفع خالد وجه ابنه إليه، يطالعه برفق ولين وهو يقول: " إذن ما يُبكيكَ أن زميلك علي لن يسمح للأولاد بأن يلعبوا معك؟ "
اومأ ياسين وهو ينظر إلى عيني أبيه متمتما: " نعم "
فأبتسم خالد بحنان وهو يمسح عن وجه ابنه الدموع قائلا: " وماذا إن أخبرتك أنني أنا من سأشاركك اللعب كل يوم بعد أن تعود من مدرستك وتنهي فروضك وواجباتك؟ "
اتسعت عيني ياسين المحمرتين من أثر البكاء وهو يقول بلهفة: " حقا بابا؟ "
اومأ خالد برأسه إيجابا فصفقت ملك بكفيها في حماس وهي تقفز بفرح قائلة: " وأنا أيضًا سألعب معكما "
إلتفت ياسين إليها يطالعها باسما وهو يؤكد على قولها: " طبعا ستلعبين معنا "
عاد بوجهه من جديد، ينظر لوالده متمتما: " شكرا بابا "
عبث خالد في شعره بحنو وهو يشاكسه: " ابن خالد الجبالي لا يتمنى شيء ويُقال له لا.. في المرة القادمة حين يزعجك أحد أو شيء تعال إليّ وأخبرني وأنا سأحل لك الأمر بإذن الله المهم ألا تسمح لشيء بأن يُبكيكَ هل اتفقنا يا حبيب بابا؟ "
اومأ ياسين وهو يلقي بنفسه بين ذراعي والده الذي رحب به بين أحضانه وأخذ يربت على ظهره هامسا برفق: " دموعك غالية عليّ يا صغيري فلا تبكي أبدًا حتى لا تشعرني بالعجز.. أنت تمن ما تشاء وأشر عليه وأنا سألبيه لك لكن إياك وأن تسمح لليأس أو الإستسلام بمعرفة الطريق إليك "

هل للذكريات القدرة على التحكم في درجة حرارة الدموع فها هي دموعه بعد أن كانت حارة أصبحت حارقة حد الغليان.
ها أنت انهزمَت يا أبي وتلاقت بك وباليأس والاستسلام الطرق!
هل يضع اللوم على صخر ويحمله نتيجة كل ما حدث لوالده؟ هل يفعل؟ لكن...
" ياسين "
قطع أفكاره صوت قاسم يناديه وهو مائلا على السيارة، يطالعه من نافذة الباب المجاور لمقعد السائق.
فتح ياسين عينيه، والتفتت برأسه ينظر لأخيه بصمت بينما الأخير يقول: " هل نعود؟ "
اومأ ياسين بلا معنى وهو يرد: " هذا ما أراه فلا فائدة من بقائنا على كل حال "
زفر قاسم بإرهاق وهو يفتح باب السيارة، يستقلها بهدوء قبل أن يدير محركها وينطلق.
التزم كلاهما الصمت لدقائق طويلة حتى قال ياسين: " لم تتحدث معي أبدًا بشأن موضوع صخر "
قطب قاسم وهو يقول: " ماذا تقصد؟ "
ظل ياسين صامتا للحظات، مثبتا بصره على الطريق أمامه وكتفيه معقودين أمام صدره حتى تكلم أخيرا يقول: " أقصد ظهور صخر المفاجئ في حياتنا واكتشافنا لوجود أخ لم نكن نعلم بشأنه من قبل "
زاد انعقاد حاجبي قاسم وهو يقول بصوت ران فيه الحذر: " إلام تشير بالضبط ياسين؟ هل تجد مشكلة في تقبل صخر كأخ لنا؟ "
رد ياسين بصوت هادئ، خاوي وكأن الحياة غادرته: " لا ليست لدي مشكلة في تقبله.. لا أنكر أنني في بداية الأمر كنت مصدوما مما فعله أبي في الماضي وأيضًا شعرت بالقليل من الغيرة تجاه صخر لكن... لا أعرف كيف تبدد كل هذا فور أن علمت بإصابته وبأن حالته حرجة في المشفى "
صمت لحظة قبل أن يلتفت إلى قاسم يسأله: " ماذا عنك؟ "
تصلب فك قاسم المفاجئ أخبر ياسين بأن ما فكر فيه من قبل صحيح.. قاسم لازال غاضبا في داخله مما اكتشفه عن ماضي والدهم لكنه الأكثر ذكاء بينهم فقد أستطاع أن يكبل مكنون دواخله ولا يبديها أمام أحد.
لحظات صمت ثقيلة تلت قبل أن يصدح صوت قاسم بهدوء تام وهو يقول: " لن اختلف معك في النقطة المتعلقة بصدمتي في والدنا فحتى لو استطعت إخفاء الأمر عن الجميع لن استطيع أن أفعل أمامك وفي نفس الوقت أعلم بأنه ما من أحد قادر على لومي فأنا أبدًا ما كنت أتخيل أن... أن يكون خالد الجبالي أباً لأحد غيرنا لطالما شعرت بأنه ملكنا وحدنا وكنت أغار من تقرب أبناء عمومتنا منه أو معاملته الحنونة معهم "
قطب فجأة وهو يردف وكأنه يكلم نفسه: " هل تعلم أنني كدت أن انفجر لحظة علمنا بأن لنا أخ؟ والله حقا شعرت للحظة بأنني سأفقد وعيي من شدة غيرتي (التفت ينظر لياسين وهو يتابع حديثه) هل كان ينقصني فرد جديد يتقاسم معنا والدنا؟ ألا يكفيني أبناء عمومتنا؟ "
قطب ياسين للحظة قبل أن ينفجر ضاحكا وهو يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله.. صابتك عين حسود يا قاسم "
عبس قاسم وهو يتمتم بحنق: " لماذا؟ ألا يحق لي أن أغار على أبي؟ "
هز ياسين رأسه بقلة حيلة وهو يرد: " إن كان هذا حالك مع والدك فكيف سيكون مع حياة؟ "
رمقه قاسم شذرا وهو يتمتم: " الأمر سيان عندي.. لا أحب أن يشاركني أحد في ممتلكاتي، وأبي ملكي كحياة تماما "
ابتسم ياسين باستفزاز وهو يقول: " يبدو أنك نسيت أن أبيك مِلك مقسم على أربعة "
تأفف قاسم دون رد فعاد ياسين يسأله: " وماذا بشأن صخر؟ ماذا تشعر تجاهه؟ "
رد قاسم بود نضحت به نبرته دون تصنع: " نفس الشعور الذي أشعر به تجاهك أنت وفرح.. ليس رباط الأخوة فقط ما يحدد علاقتنا أربعتنا وإنما هناك شيء آخر أكبر من هذا وأسمى "
أردف ياسين وهو يبتسم بسكينة: " أنا شخصيا أشعر بأنك روح أبي في جسد منفصل "
ضحك قاسم يشاكسه بالقول: " ألا تخش على نفسك من روح والدك المتنقلة؟ "
شاركه ياسين الضحك وهو يرد بخوف مصطنع: " لا تفعل يا قاسم فأنت تعلم أني أخاف من أحاديث البيضة الكامنة هذه "
انفجر قاسم في الضحك في مرة من إحدى المرات التي يترك لنفسه العنان حتى تتحرر قليلا وبعد لحظات تمتم باستفزاز ساخر: " جبان "
فعبس ياسين بغيظ طفولي وهو يرمقه شذرا مغمغما: " بارد "
***

بعد بضعة ساعات
كانت ملك تتحرك أمام البوابة الداخلية جيئة وذهابا، يتآكلها القلق من الداخل كما الخارج ويعصف بكيانها الخوف.
فقد آخر يا ملك يحوم عاليا حول رأسكِ، شخص آخر يهددكِ بالرحيل.
كانت تفرك كفيها ببعضهما ليس لأنها تشعر بالبرد في ذلك الوقت المتأخر من الليل وإنما من التوتر الذي يحتل كيانها أجمع.
صوبت بصرها فجأة على بوابة الدار.. تنتظر دخول أحد لكن لم يحدث ما تمنت ووجدت دموعها دون شعور منها أو استئذان تنهمر على خديها بدون صوت لكنها في طريقها تشق أخاديد حارة المذاق والأثر.
ضاق تنفسها وشعرت ببطء نبضها وكأنه يودعها ولم تستطع الوقوف مكانها أكثر فهوت جالسة على الأرض دون أن تكترث للتراب الذي قد يفسد ملابسها، رفعت أصابعها إلى فمها تقرض اظافرها وهي تغمغم بذعر: " يا الله.. يا الله.. يا رب لا تريني في عمي مكروها يارب.. ليس فقدا جديدا.. ليس فقدا جديدا.. أمتني قبلهم يا الله.. نجيه وخذني بدلا منه.. يا رب "
شهقت مرة قبل أن تجهش فجأة في نحيب مخيف عالٍ وهي تغطي وجهها بكفيها: " أنا السبب أنا فأل سيء على الجميع.. الجميع يرحل.. الجميع.. أبي، أمي، أعمامي وحتى الدكتور مختار رحل والآن.. آه يا رب والآن عمي خالد.. لا يا رب لا تحرمني منه.. ياسين... ياسين سينهار وسيتركني هو الآخر "
" ملاك "
أزاحت كفيها عن وجهها بسرعة متلهفة وهي تطالع وجه عمها سليم هاتفة بنواح: " آه يا عمي سأتيتم من جديد "
الكلمة ضربت سليم في صميم قلبه واعتصرته شفقة عليها، عاد ألم موت أخوته على السطح من جديد، ولا يستطيع أن يلومها، كيف يفعل وهي حين فقدت والدها كانت مجرد طفلة صغيرة لا تعي قسوة نواكب الحياة ولا تفقه في نيران الثأر بشيء؟
مد يده وهو يقول: " تعالي بنيتي.. إنهضي "
أمسكت بكفه الممدودة لها، تتشبث بها وكأنها طوق النجاة الذي سيخرجها من عمق المحيط إلى بر الأمان.
استقامت واقفة وهي على حالها تختض في بكائها كطفلة صغيرة مذعورة وهي تقول: " عمي خالد سقط.. خالد الجبالي إنهار يا عمي "
طالعها سليم بصمت بينما هي تردف بخوف: " لقد صفعه جدي بقسوة.. أنا سمعته و... أرجوك عماه قل لي أن عمي خالد سينجو.. أرجوك "
احتواها سليم بين ذراعيه، يضم رأسها بقوة فيخفت صوت بكائها بينما يتمتم بصوت مختنق وغصة البكاء تستحكم حلقه: " عمكِ خالد ليس فريسة ضعيفة للمرض يا ملاك.. هو سيكون بخير بإذن الله إن هي إلا وعكة صحية بسيطة وستزول لا تخافي "
رفعت وجهها إليه تطالعه بأمل، قائلة: " حقا عماه؟ "
اومأ لها بحنان وهو يمسح دموعها مجيبا: " حقا يا ملاك "
لم تكد تهدأ للحظة حتى أجهشت في البكاء من جديد وهي تقول: " لكن جدي صفعه.. لماذا صفعه؟ عمي خالد لم يخطئ في شيء.. جدي ظالم "
تنهد سليم بقلة حيلة قبل أن يربت على رأسها برفق قائلا: " اتركي أمور الكبار يحلونها بين بعضهم البعض يا ملاك ولا تنحازي لأي طرف منهما فلكل منهما وجهين الأول مذنب والثاني مظلوم ومن الصعب تحديد أي الفريقين يجب أن تكوني "
عبست برفض لكلامه وهي تهز رأسها بعصبية فتنهمر دموعها بسرعة أكبر وهي ترد: " أنت تقول هذا لأن الأول والدك والثاني أخوك لذلك أنت متحير بينهما عماه لكن أنا لا أنظر لهما من تلك الناحية.. جدي حقا أخطأ وظلم عمي خالد وصخر أيضًا "
تنهد سليم بهمّ وهو يقول: " جميعنا نخطئ يا ملاك، ليس منا من هو معصوم من الوقوع في الخطأ "
وقبل أن تفتح فمها وتتكلم قاطعها صوت قاسم الذي أتى من خلفها وهو يقول: " السلام عليكم "
إلتفتت على الفور تطالعه بلهفة ترجمها لسانها بدون تفكير: " أين ياسين؟ "
رفع قاسم حاجبا وهو يرد: " ألا يفترض بكِ أن تسألي عن عمكِ خالد المريض؟ "
أجابت وهي تشرئب بعنقها، تحاول النظر لما خلف ظهره بينما تجيبه: " سوف أسأل عنه ياسين.. أين ياسين؟ "
رد قاسم بلامبالاة: " رفض العودة معي وقرر البقاء في العاصمة "
زمت شفتيها وهي تطالعه باتهام قائلة: " وكيف تعود وتتركه وحده هناك؟ "
رد قاسم بنفس الصوت اللامبالي: " ياسين رجلا قادرا على رعاية نفسه بنفسه وليس طفلا لأبقى إلى جواره.. هو أدرى بشئون نفسه "
أطرقت بكآبة للحظات قبل أن تغمغم بصوت مختنق حزين: " حسنا.. سأدخل أنا "
بعد دخولها قطب سليم وهو يقول: " أخبرني ياسين أنه آتٍ معك فماذا جرى حتى يرفض هكذا فجأة؟ "
ابتسم قاسم بمكر وهو يطرق برأسه مجيبا: " ياسين يقف في الخارج أمام البوابة عماه "
ارتفع حاجبي سليم بحيرة وهو يسأله: " إذن لماذا أخبرت ملك أنه لم يأت؟ "
زم شفتيه بطفولية وهو يرد: " لأن عصفوري الحب إن اجتمعا اللحظة كان سيهرول كلا منها على الاخر متلهفا لكي يداوي جراحه ويخفف حزنه "
ظل سليم على حيرته رغم تبسمه وهو يقول: " لم أفهم بعد.. ماذا سيضرك في هذا؟ "
رد قاسم بغيرة طفولية: " وأنا من يخفف عني حزني؟ ليس من العدل أن يحظى صخر بنبض وياسين بملك بينما أنا يبتليني الله بتلك الباردة حياة "
ضحك سليم على حديث ابن أخوه قبل أن يربت على كتفه مؤازرا وهو يقول: " لك الله يا بني.. لك الله "


انتهى الفصل..
قراءة ممتعة..🌹


Hend fayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-19, 11:24 PM   #70

moh khedre

? العضوٌ??? » 421864
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 96
?  نُقآطِيْ » moh khedre is on a distinguished road
افتراضي

😂 😂 شرير قاسم اااوي هههههههه بس بحبه جداااا يابني سيبك من ألبومه الا اسمها حياة وتعالى اتجوزني انا هههههه 😂
تسلم ايدك ع الفصلين الجمال ده ياقمر 😘 😘


moh khedre غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.