آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          زواج على حافة الانهيار (146) للكاتبة: Emma Darcy (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          عندما يعشقون صغاراً (2) *مميزة و مكتملة *.. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          154 - الوريثة الفقيرة - روايات ألحان (الكاتـب : MooNy87 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-19, 07:18 PM   #1

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي ألوكاسيو {حينما يكون في البدل المكسب خسارة}*مميزة ومكتملة *





ألوكاسيو {حينما يكون في البدل المكسب خسارة}




مقدمة
_اختبرت مرة أن تكون أنت وليس أنت
...في جسد ليس لك أو بروح ليست ملكك؟!
_اختبرت أن تعيش الموت ألف مرة وعندما تجد الحياة تكون لغيرك وليست لك؟!
_هل تستطيع تذكر عدد المرات التي حاولت فيها أن تهرب من نفسك؟!
_هل يكون الحب هو الوجه الآخر للكره؟
_وهل يكون في الإنتقام ندم؟
_ماهو الحب وما الجمال أو بالأحرى ما هي الدنيا؟!
تساؤلات عدة في إجابة واحدة..ألوكاسيو!!
{حينما يكون في البدل المكسب..خسارة.}
عدة فصول تجمعت تحت عنوان واحد تحمل بين صفحاتها أسرار عدة أغلبها مستوحى من الواقع.




روابط الفصول

المقدمة .... اعلاه
الفصل الأول والثاني .... بالأسفل

الفصل 3، 4 نفس الصفحة
الفصل 5، 6 نفس الصفحة
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل 9، 10 نفس الصفحة
الفصل 11، 12 نفس الصفحة
الفصل 13، 14 نفس الصفحة
الفصل 15، 16، 17 نفس الصفحة
الفصل 18، 19 الأخير

ندى تدى and noor elhuda like this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 30-03-20 الساعة 07:41 PM
عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-10-19, 07:56 PM   #2

Reem1997

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Reem1997

? العضوٌ??? » 410013
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,948
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
?  نُقآطِيْ » Reem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

جمييل 😍....من المتابعين إن شاء الله ...

Reem1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-10-19, 08:25 PM   #3

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Reem1997 مشاهدة المشاركة
جمييل 😍....من المتابعين إن شاء الله ...
بإذن الله


عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-10-19, 09:26 PM   #4

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول

ترتفع بها عالياً ومع كل ارتفاعه ترتفعها تزداد فيها ضربات قلبها وتتمكن تلك الانقباضة منها، ثم يزداد صوتها صامًا أذنيها و حاجبًا عنها الأصوات المهللة والمشجعة لها.
طارت في الهواء تتراقص وتتمايل بجسدها تمسك بكلتا يديها بعصا أفقية وتنتقل إلى عصا أخرى تبدو ظاهريًا كفراشة لا يطيب لها السكون على زهرة واحدة، أما بداخلها فكانت كطير صغير تعلق جناحاه بفرع صغير شائك ينخر فيه نخراً.
فجأة، انفلت الحبل الخفي الذي يحتضن خصرها بين ثناياه فتداخلت الأضواء البيضاء واستحالت إلى أطياف أحد هذه الأطياف جاثمًا على صدرها حائلًا بين رئتيها وبين تنشقها للهواء.
علا صوتها صارخاً بقوة أن "أنقذونى" لكن أبى فمها المطبق أن تنفرج شفتيه وأبى صوتها أن ينصاع لأمرها و يخرج، وصل بها الإختناق إلى حد إزهاق الروح فارتفعت ذراعيها محاولة التمسك بشئ حتى لا يرتطم رأسها بالأرض...يد أحدهم امتدت إلى كتفيها ممسكة به وتهزها بخفة ففتحت عينيها المتعبتين وطافت بهما أرجاء المكان لتجد أنها مازالت بتلك الغرفة التى تقيم فيها ما يقرب من الأسبوعين، وصدرها يعلو ويهبط في سرعة متواترة وكأنها تنهل من الهواء ما يعوضها عما شعرت به من اختناق في منامها.
نظرت إلى محدثتها في خوف ورعب يلمعان في عينيها السوداوين وسمعتها تقول في جزع:
_حبيبتى ماذا حدث؟ لقد امتلأت حجرات القصر بصراخك.
كانت ما تزال ممسكة بيد سائلتها في خوف احتل كامل جسدها وعينيها تجول حولها برعب لا يخفى على أحد، فهذه نظرتها التى سكنت عينيها مذ أتت الى هذا القصر، سمعتها تجيب نفسها وهي تشدها إلى صدرها ضامة جسدها إليها بهدوء حتى تهدأ رعشته:
_لا تخشى شيئا يا قرة العين.. يبدو أنه كابوس ولّى عنك إلى غير رجعة..تحدثي يا صغيرة ففى الحديث تكون الانفراجة.
حدثت هي نفسها في هلع: كيف لا أخشى شيئا؟ كابوس ماذا؟! إنه حقيقة،نظرت إلى وجه محدثتها بذعر فكانت تبدو غير واعية لاستيقاظها وكأنها مازالت أسيرة لذاك الكابوس المرعب فبدت وكأن ذهنها في حالة من الرعب الهستيري لما عايشه منذ لحظات.
لذعت محدثتها {قرصت} وجنتها بطرف اناملها وباليد الأخرى أخذت تهز فيها كي تشعر بأنها صارت في أمان فصرخت مرتعدة:
_ أنا أسقط..أبعديه عنى..
كانت المرأة تتمتم بكلمات مهدئه في أذنها بمودة الأم محتضنة إياها بين ذراعيها حتى تدفعها إلى الشعور بالواقع وأنها حرة الآن، فمسدت شعرها برفق وحنان في حركات هادئة بثت الهدوء إليها رويداً رويداً لدقائق متتاليه حتى استكانت الفتاة على صدرها وهدأت ثورة أنفاسها الهائجة قائلة بحذر هامس:
_ أنا...هو.. نعم، هو كابوس كما قلتِ و لا أعرف لمَ يلازمنى فى نومى وأحيانا قليلة فى صحوى؟
أفلتتها من بين أحضانها قائلة بخفوت وهي تجفف العرق عن وجهها متعمدة عدم النظر إلى عينيها:
_إهدئى يا صغيرة..حاولى النوم مرة أخرى وسأظل بجوارك حتى تغطى فى نومك قريرة العين.
شدت الغطاء عليها بإحكام وتمددت بجوارها قائلة بابتسام:
_نامى يا ملاكي، حفظكِ الله.
داعبت شعرها بخفة وهمست بحبور:
_ كأنى بعهدك صغيرة ماتزال تتوسد فخذى حتى تنام ولا يحلو لها غيره..ولا تأنس ممن حولها غيري.
جابت عيناها في الغرفة شاردة، منذ أسبوعين وهي تسكن هذه الغرفة لا تتذكر شيئا فيها ولا تشعر بشيء تجاهها، تتلهف لأن تسمع شيئا عن ذكرياتها لعله يساعدها في نفض تراب النسيان عن ذاكرتها تساءلت في لهفة:
_حدثيني عن نفسي قليلاً، لعله يكون فى حديثك تذكرةً لما نسيت.
لحظة تردد ألجمت لسانها عن الحركة، إلا أن نظرة الرجاء المرسومة بتلك العينين الزرقاوين جعلتها تقول:
_عهدتك يا صغيرة مطيعة، هادئة، باسمة رافضة لصحبة أحد غيرى…
غصة مريرة ممزوجة بألم ذكرى ماضية حالت بينها وبين الاسترسال فى الحديث فتصنعت النوم لعلها تظن فيها التعب وتتركها تغفو قليلاً.
وقد كان لها ما أرادت، ظننتها نائمة فأغمضت عينيها هي الأخرى منادية ملاك نومها برجاء لعله يرأف بحالها و يلبي النداء، إلا أنه أبى تلبية رجاءها وظل بعيداً عنها تاركا عقلها لقمة سائغة لأطياف الظلام تحملها من نقطة سوداء إلى أخرى أكثر سواداً دون أن تجد قبس من نور يزيح تلك الظلمة الجاثمة{الرابضة} على ذاكرتها.

كانت أشعة الشمس الذهبية تحارب كي تجد لنفسها منفذاً من بين الأقمشة الحريرية السميكة التي تغطي نافذة الغرفة، بينما ساكنة الغرفة كانت ممدة على ظهرها بعد أن يئست فى أن تجد لنفسها مكاناً بين النائمين ليلاً.
سقط شعاع الشمس الوحيد_الذى نجح فى النفاذ من بين القماش السميك على وجهها_ على استحياء معلنا شروق شمس نهار جديد، قامت بإقبال لا تعرف كنهه إلى النافذة و كانت تلك أول مرة تشعر بذاك الشعور منذ أتت الى هذا المكان.
وقفت إلى النافذة مزيحة بعض من غطائها تسترق النظر إلى الحديقة المتلألأ أوراقها وزهورها تحت ضوء الشمس بقطرات الندى اللؤلؤية، لا تعلم لمَ لم تتذكر ذلك المنظر ولا تشعر بداخلها أنها رأته كثيراً، لقد أعياها البحث بداخلها ولم تجد إلا ظلام وجاهدت لتفتح سراديب ذاكرتها المغلقة ولم تفلح.
_صباح الخير! لقد استيقظت مبكراً.
كبتت تنهيدة ألم وهي تقول في يأس:
_نعم أردت أن أستقبل شمس الصباح الدافئة لعل شعاعها الساقط على وجهي يذكرنى بشئ من ماضيّ المنسي.
سمعت تنهيدة تلتها قيام صاحبتها إليها محتضنة كتفها بيديها وتساءلت برجاء:
_أكثير علي أن تناديني أمي؟ لقد اشتاقت روحي لسماعها منك يا صغيرتي.
اجابتها بنبرة ملؤها التمني:
_لا يقل شوقك عن توقي للنطق بها لكنني لا أشعر بشئ تجاه هذه الكلمة ولا أعلم لمَ بداخلي ليل مظلم ليس به ذكوة من نور يهديني؟
حز في نفسها ما تراه على وجهها من أمارات خوف وقلق فعلقت مهدئة إياه:
_لننتظر حتى يأتينا الله من فرجه..وليكن قلبك عامرا بالصبر فهو سلاح بتّار لا ينهزم أبدًا..كما وأن زوجك(رحيم) يتابع حالتك بإنتظام دون يأس منه في شفاءك.
عند ذكرها لإسم زوجها ذاك اجتاحتها رعشة خفيفة لم يخفي أثرها الواضح في اهتزاز جسدها وشفتيها على أمها، أسرتها الأم في نفسها منتظرة أن تفضي بها إليه لعلها تجد لديه ما يطمئنها و يريح بالها.
على صوت دقات خفيفة ومنتظمة انتبهت كلٍ منهما من شرودها، فأذنت الأم للطارقة بالدخول:
_تفضلي يا عزيزة، أحسن الله إليك فقد وفقت في اختيار وقت الإفطار.
ابتسمت عزيزة بحبور ووجه باسم وهي تقول بأدب اعتادته منذ سنوات:
_رأيت الستائر مزاحة قليلا فعلمت أن سيدتي الصغيرة قد استيقظت مبكراً ولا يجافي النوم الا متدبر{مفكر } أو خميص{ جائع}…
قاطعتها بحرج وتردد:
_لكني.. ليست بي مسغبة{جوع}.
أعلنت الأم بوجه باش{متهلل الوجه}:
_حسنا! لتنضمي إلي ففي الرفقة يكون للطعام لذة.
جلست إلى جوارها بخضوع ورهبة مرتسمة في العينين السوداوين، ناولتها الأم شوكة بآخرها قطعة جبن قائلة:
_تناولي هذه القطعة فتفتح شهيتك للأكل...
قطع حديثهم دخول غير منتظر لصاحب القامة المديدة والعين الحادة النظرة قائلا بنعومة باردة:
_يارا! ماذا حدث لتبكري في استيقاظك ياعزيزتي؟
أجابت الأم على سؤاله مخافة أن يدب بينهما خلاف كما الأمس:
_أيقظها كابوس ما ولم تستطع العودة إلى النوم..سوف نسعد بإنضمامك لنا، أليس كذلك يارا؟
علق علي عرضها دون أن يحيد بنظره عمن آوت إلى صمتها المعتاد أمامه:
_شكرا عمتي سلمى، فأنا قد تأخرت على موعدي، لقد أتيت فقط كي أطمئن على يارا وأعطيها زجاجة الدواء ..البديل لما لديها وأرى إن كانت ما تزال غاضبة؟!
انتظر أن تجيبه بشئ تعقيبا لما قال وطال الإنتظار حتى نبهتها أمها مخافة أن يعيل{ينفذ} صبره مرة أخرى أمام صغيرتها:
_صغيرتي، هل تشعرين بشئ؟
أجابتها مترددة والخوف يشع من حدقتيها الوديعتان:
_لا! أنا بخير.
علقت وهي تشير إليها بعينها:
_إذن تناولي زجاجة الدواء من يد زوجك.
تناولتها بأيد مرتعشة ووجه جزع، مما أغضب(رحيم) ودفعه للقول دون أن يحيد بنظره عنها بصوت حاد مرتفع:
_عمتي العزيزة، يارا بأمانتك حتى أعود.
سألته في تعجب وذهول:
_عزيزي! هي ابنتي كيف تقول ما قلت؟
لم يشعر بفداحة ما قاله إلا عندما أعيد على مسامعه من شفاهها المزمومة غضبا، فعلق في محاولة للتخفيف من وطأة كلامه:
_لم أقصد بالطبع ولكن هذه المرة الأولى التي أتركها فيها منذ الحادث، لذلك..
وضعت يدها على يده مربتة عليها في ود:
_لا تحتاج إلى تعليل يا رحيم، أعلم ما يدور في رأسك..هيا اذهب الى عملك ولا تقلق على يارا فهي فى أحضان أمها.
التقت نظراتها الخائفة بنظراته الغاضبة، فضغطت على شفتيها لتمنع نفسها من الفزع ذعراً بينما هو همس باسمها وعيناه تطوفان في وجهها:
_استودعك الله يارا..لا تهملي في دواؤك ولا تضغطي على نفسك بشئ.
لم تجبه وانتظرت حتى غادر الغرفة منكسر الوجه ثم أغمضت عينيها لبرهة وشدت على فكها بقوة ضاغطة على تلك النقطة التي تومض في عقلها فور رؤيتها لذاك الزوج، عادت مسرعة لواقعها على صوت أمها وهي توبخها برفق:
_لماذا يا صغيرتي تتعاملين معه بهذه الوحشة{غربة}؟ هل ما زلتِ غاضبة مما حدث منه في الأمس؟
ارتعاش شفتيها وحيرة بؤبؤ عينها دفعاها للتغاضي عن الإجابة متابعة:
_لهف نفسى!{يا لهفتي} اعذريني يا صغيرتي لم أقصد تعنيفك، لكنه زوجك وللزوج حقوق..
قاطعتها في يأس وخوف:
_أنا بداخلي فراغ لا أشعر بشئ تجاه من تدعيه زوجي، وتجـ…
فقالت بصوت يقطر حنان تخفف عنها:
_وتجاهي! لما اقتطعتها..أعلم! وكما قلت ما حدث لكِ ليس بهين وما علينا سوى الصبر، ليس ثمة ضرورة للعجله يا صغيرة، رحيم طبيب نفسي وأنا واثقة أنه متفهم لما أنت فيه..بضعة أسابيع قليلة تواظبي فيها على أدويتك وفي نهايتها تكون البشرى بشفائك.
نظرت إليها والخوف يتآكلها لا تعلم ما سببه من المفترض أنها والدتها فلماذا لا تتذكر هذه الملامح ولو بشئ قليل؟ ما سر الخواء الذي تشعر به تجاهها؟! ولمَ تتعامل هي بتلك الطريقه معها منذ أتت إلى هذا المكان وهي تلازمها ولا تسمح لأحد أن يقترب منها، حتى أنها انتقلت إلى الغرفة الملاصقة لغرفتها مانعة انفرادها بمن تدعيه زوجها، وتصر دائما على مناداتها بصغيرتى اللهم إلا في مرات قليلة تكاد تكون معدودة التي نادتها فيها بيارا
اتسعت عيناها فجأة وتساءلت:
_لماذا لا تناديني إلا بصغيرتي؟
كأنها بسؤالها الصغير آلمتها فقد أخذت الدموع تترقرق في عينيها وتجمعت آذنه بتدفق يكشف ما تجاهد في تكذيبه.
تمتمت سلمى بكلمات قليلة قبل أن تترك الغرفة على عجل آملة ألا تكون انتبهت لما حدث لها.
صدق حدسها وهذه المرأة تخفي عنها شئ جلل{عظيم}، شعرت بقلة حيلتها وتمتمت بيأس :
_آه يا ليتني أتذكر ولو قبس من ذكري تكون دليلي في طريقي المقفر من الأحداث والذكريات.
فكل مل تمتلكه من الذكريات هي تلك الذكرى يوم وقفت أمام باب القصر صفر اليدين{لا تملك شيئا} لا ترتدي سوي جلباب رجل مهلهل وخف قديم بالي، وقفت تنتظر أن ينتبه لها أحد إلي أن أتي ذلك العامل ناظرا إليها بإستنكار سرعان ما تحول إلى ذهول مرددا "ست يارا" وتحول الهمس إلى صياح استيقظ له من بالمنزل وأتوا مهرولين تجاهها وتوقفوا حال رؤيتهم للحالة التي كانت بها..تدافعت السحب وهطل المطر وأخذت ماؤه تدق في جسدها كأنها تتسابق فيمن يصل لعظامها أولا، فاستسلمت لهم وسارت معهم طواعية طامعة في أن تجد لنفسها ما يستر جسدها ويبث فيه الدفء.
في صباح اليوم التالي انقشعت الغيوم و أرسلت الشمس أشعتها لتمحي آثار الليلة الماضية وكأنها لم تكن ووجدت الفتاة نفسها في مكان يربطها به صلة أكبر من مجرد ليلة باردة ممطرة لكن العجيب أنها لا تتذكر شئ فيه، لا تعلم ما السر في لجوئها لهذا القصر بالذات في تلك الليلة، لم تستطع أن تنكر أنها تشعر بشئ تجاهه ولكنها لاتستطيع تفسير كنه {حقيقة}هذا الشعور؟
نظرت حولها وقد ارتسمت السخرية على محياها، أبهى آيات الغني تظهر بوضوح في زخارف الأثاث والقطع النادرة التي تضمها الغرفة بين جدرانها بفخامة ليس لها مثيل الا في قصص الأميرات، بل وفي ملابسها والتي لغرابة الأمر لم تكن ملائمة لقياسها.
مع ذلك تشعر في داخلها بالغربة تجاه ما يحيطها، أظلمت الغرفة فكانت أشعة الشمس تتوارى خلف السحب الكثيفة وهبت الريح بسرعة شديدة أصدرت صوتا إرتجفت له يارا. لحظات وأبرقت السماء فأخذت تنظر حولها في قلق وهي تستعيد ذكرى حاولت أن تتجاهلها احتضنت رأسها بكفيها في محاولة لإيقاف ذلك الألم الذي ألم به، فلم تستطع نظرت حولها وكانت السماء ماتزال تبرق فحولت ما في الغرفة إلى خيالات، كأنها تجلس على كرسي وطيفها منعكس على الحائط أمامها، يديها مقيدة إلى كرسيها وهناك أنبوب ما موصول في يدها خرجت صرخة ألم على الرغم منها، قامت فزعة تقاتل خيالا ما إلا أن أحدهم شلّ حركة يديها
وأمسك بها بيدين قويتين تحتضنها من الخلف في محاولة لتهدئتها.
كانت قطرات الماء المتساقطة على زجاج النافذة كدقات مطرقة متوالية تدق بقوة علي رأسها أغمضت عينيها بقوة فوجدت نفسها في غرفة مظلمة وأحدهم يجبرها على ابتلاع سائل بدا بلون الدم تحت الإضاءة الحمراء..آلمتها الذراع المحتضنة إياها بشدة وفي كل مرة تحاول أن تفلت منها تجدها تحيط بها أكثر فأكثر حتى تعبت من المجهود الذي بذلته وسقطت فريسة لدفعة الظلام الذي أحاط بها وصارت سجينة له.
كانت ما تزال مستسلمة لنومها القهري عندما انتبهت لصوت همسات غير واضحة حولها، حاولت أن تفتح عينيها تستطلع من معها وكأن شئ ثقيل يجثو في ثِقل على جفنيها مانعا إياهما من الانفراج قليلا، بعد عدة محاولات نجحت في أن تفتح عيناها وجالت بهما حولها فوجدت من تُدعي بأمها تجلس بجوارها وأحدهم يقف عند النافذة موليا ظهره لها، لاحظت من خلال النافذة أن ضوء النهار قد استحال شفقا إذن فقد نامت كثيراً، بدا الرجل أمامها كشخص ما تعرفه تمام المعرفة تمنت لو اقترب منها قليلا لعلها تجد في ملامحه الواضحة صلة لأحد تعرفه.
_ لقد استيقظت يا درة العين.
كانت تقولها بفرحة واضحة مشوبة بقلق و كأنها كانت في نوم عميق منذ أيام، دفعتها عبارتها تلك إلى تنبيه الواقف لدي النافذة فأتي مسرعا لها قائلا بلهفة:
_طال الانتظار ودام ساعات حتى دب القلق في نفسـ..في نفسنا وكنت علي وشك الإتصال بالمشفى.
كانت تنظر إليه ببلاهة وعجز تحاول أن تتذكر أين رأته؟ هي تعلم أنها تعرفه لكنها تشعر أنها المرة الأولى التي تلقاه فيها...ترى هل كان صديق لها أو ربما أخ؟
لا تعلم سر الدفء الذي شعرت به عندما سقط نظرها عليه أخرجتها أمها من شرودها بقول:
_تميم أخو زوجك وابن عمك جلال..هو طبيب أيضا لكنه متخصص في الأمراض الباطنة.
حديث والدتها أجاب على تساؤلها الأخير لكن أين إجابة باقى تساؤلاتها؟
مد يده يقبض على رسغها في عاطفة لا تشبه عاطفة ابن العم أشعلت بداخلها جذوة من نار ألهبت جسدها:
_حمدا لله انتظمت دقات القلب وصرت في مأمن الآن...أصدقيني القول ماذا حدث وأصابك بتلك الحالة؟!
تمتمت بلهجة لا تعلم لم بدت هجومية غاضبة:
_وما شأنك بما حدث أو يحدث لي؟
فوجئ بهجومها الغاضب واستنكره إلا أنه أسرها وعقب باسما:
_ شأن ابن العم وأخو الزوج.
فوجئت هي الأخري بهجومها الغير مبرر عليه كما أنها لم تستطع أن تنكر ما قاله، شعرت بحرج إحمر منه وجهها فشدت عليها الدثار تخفي به وجهها وعلق ساخرا:
_هل تشعرين بالبرد.. أراك ترتجفين وقد احمرت وجنتك، ربما أصابتك الحمى.
وضع ظهر يده على جبينها يتحسس حرارتها فتعلق نظرها على وجهه و توقفت عن ابتلاع ريقها حتى شعرت باختناق دفعها إلى السعال، سمعته يقول بخفوت يكاد يصل إلى همس:
_ ماذا بكِ؟ هل في اقترابي منك شئ يجعلك تشعرين بالتعب؟
كانت كمن ضبط بالجرم المشهود، فقد زادت كلماته من ارتجافها كما وأن تلك الغمزة من عينيه أصابتها بالوهن فخفضت نظراتها وهي تتمنى لو يخرج من الغرفة التي ضاقت بهما.
تساءلت الأم في جزع:
_ماذا بك يا صغيرتي؟ هل تشعرين بشئ؟
_لـ..لا.
أجابتها وهي لا تعلم كيف خرجت الكلمة من فمها فقد كانت تنزعها انتزاعا، فتابعت الأم:
_ حسنا إذا..ما دمتِ لا تشعرين بشئ لتنضمي إلينا على مائدة العشاء.
قاطعتها لكي تعتذر حتى لا يطيل انضمامها بهذا الرجل الواقف أمامها ينظر إليها بإهتمام شديد مما دب الوجل{الخوف} في قلبها:
_لكنني…
إلا أنه قاطعها بإصرار ممزوج بنبرة حانية:
_لا يوجد لكن، أنا لا أقبل الرفض..هيا انفضي عنك الكسل..عمتي سوف أنتظر بالأسفل ريثما تساعديها في الإستعداد، أنتِ تعلمين أن الليلة محتمل حضور الجدة فيها وهي لا تقبل الخطأ ولا الإعتذار.
أنهى حديثه ومال عليها قليلا متابعا في همس:
_لنا حديث فيما بعد.
تعلقت عيناها به وهو يستدير على عقبيه خارجا من الغرفة وعلى وجهه بقايا ابتسامة، نظرت إلى والدتها_المتابعة لما يدور في صمت يتآكل ما بداخلها_ آملة أن يسعفها لسانها في التحدث بشئ يكسر رهبة ما حدث ولكنه خانها و امتنع عن التحرك.
كانت والدتها تبادل نظراتها القلقة بنظرة حائرة لا تعلم ما سر الشعور الذي اجتاحها فور رؤيتها لها بأنها ليست يارا العزيزة وإنما تيارا الصغيرة..هو شعور اجتاحها اجتياحا طغى على جنباتها وأنساق له لسانه مرددًا "صغيرتي"، تلك كانت إجابة سؤالها لكنها أبت أن تجيبها مخافة أن تصيبها بشئ من التشوش كما أخبرها رحيم، سوف تستجيب إلى نصيحة رحيم وتنتظر حتى تستعيد توازنها النفسي ومن ثم تفضي بما يقض عليها مضجعها.
انتبهت إلى دقات الساعة معلنة السادسة مساءًا، فقالت في قلق:
_هيا يا صغيرة، اليوم موعد عودة الجدة وهي لا ترضى إلا بالكمال.
تساءلت في تردد وحذر:
_من..من هي؟
طمئنتها بنبرة يشوبها بعض من التردد والإهتزاز:
_لا تقلقي يا صغيرة.. هي جدتك لأبيك وتعلم بما حدث لك، إنها شديدة بعض
الشيء..تولجهان وهي تولجهان.
_تو..؟!
ابتسمت المرأة لتلعثمها وهي تقول:
_ اسمها روچيندا تولجهان..هي تركية المولد مصرية النشأة وروچيندا تعنى الشمس واهبة الحياة أما تولجهان تعني الزعيم القوي وأصدقك القول هي إسم على مسمى..قوية شديدة أحيانا أشعر أن قلبها كجلمود صخر لكن لا يحطه السيل أبدًا، فقد عايشت وفاة والديها، زوجها وابنها لكنها كما هي تولجهان رغم الآلام.
•°•°•
" يغار عليها من النهار أن تراها عين الشمس فيه ويحتضن جسدها شعاعها غامرًا اياها بدفئه متنعمًا بعطر جسدها الأخاذ… يغار عليها من النسيم أن تلمسها يده ومن الليل أن يقبل ضياؤه وجنتها، يراها فيتمناها له ويدنو منها فيبعدها عنه".
يعلم أنه يحلم بما ليس له لكنه ومنذ رآها تلك الليلة بحالتها المزرية تلك شعر تجاهها بشعور غريب شعور لم يعهده من قبل تجاهها، لذلك أرغم نفسه علي الذهاب في الصباح التالي بعد أن اطمأن على وضعها الصحي..تركها كرها ولكنه لم يستطع ارغام ذلك القلب الواهن علي نسيانها بل نجح ذلك القلب في حربه مع عقله وأخضعه لسلطانه و ها هو أرغمته الظروف على العودة مرة أخري وسوف يلازمها لحين عودة أخيه.
رحيم من تبقى له في هذه الدنيا بعد وفاة والديه وأخته، أتيا بمفردهما إلي هذا القصر واستقبله سكانه أفضل استقبال وكان العم كمال والسيدة عائشة_رحمهما الله_بمثابة والديهما.

_ يبدو أن طقس الليلة لن يكون أفضل من طقس النهار.
عاد إلى واقعه على صوت السيدة سلمى الحزين، لكنه لم ينتبه لما قالته:
_إعذريني، يبدو أني شردت قليلا.
أجابته بعبوس وجبين مجعد جراء تفكير عميق:
_كنت أتحدث عن الطقس السيئ الرافض لإنعامنا بقليل من التحسن.
ابتسم لها ابتسامة خفيفة وهو يسألها باهتمام:
_لا يبدو لي أن ما يحزنك هكذا سوء الطقس!
تنهدت قائلة في يأس:
_وهل أبدو لك شفافة هكذا؟
اتسعت ابتسامته حتى أشرقت وجهه الخمري المزين بأسنان بيضاء وعيون بنية اللون يشعر من ينظر إليها و كأنه غارق في بحر من سائل البن الناعم والتي تلمع صفحته ببريق أخاذ يدعو الناظر إليها كي ينهل منه، وقال في اهتمام صريح:
_عمتي العزيزة..هيا تحدثي بما يثقل هذا القلب النقي.
_تميم، هل يظل القلب النقي نقي رغم تلوثه بقطرة سوداء؟
تساءلت في هسيس لم يصل إلى أذن المسؤول.
تعجب تميم لمَ يخرج صوتها هسيسا هكذا وعلى وجهها أمارات حسرة وندم!
تساءل وهو يفرك أذنه:
_ماذا حدث لي اليوم لا أسمع ما يقوله الآخرون؟! أنا لم أسمع ما تقولين؟!
تغافلت سؤاله وتساءلت في ترقب:
_تميم، هل يعقل أن يشعر المرء تجاه آخر بشعور مختلف عما كان يشعر به تجاهه من قبل؟
تغافل هو الآخر عما ارتسم على وجهها من علامات يراها لأول مرة كما تغافل عن حديثها المشوب بغرابة لم يلمسها فيها من قبل وأجابها برحابة صدر:
_للقلب أحكامه عمتي.. اليوم يحب، غدًا يكره، يثور ويهدأ، تارة يشعل فينا ناراً لا تخمد و تارة أخرى يطفئ لهيباً مستعراً، هو..مضغة صغيرة لا نعلم لها استقرار، سمي قلب من التقلب.
أطلق تميم لسانه في الحديث وزفر ما يفيض عن صدره من مشاعر لم يستطع البوح عنها من قبل فزاد قائلا:
_أحياناً تختلج بالقلب كلمات ولكن يأبى اللسان أن ينطق بها.. حتى تبقى بالقلب لأنها أصعب من أن تحكى ولأن مقامها في القلب فقط وللقلب فقط.
كانتا حدقتيها معلقتا به وأذنبها مرهفتا السمع لكل حرف يتفوه به وقد استكانت هي إلى الحديث معه وبثه آلامها و حيرتها التي تعيش فيها منذ أيام فزادت على حديثه قائلة بعينين شاردتين:
_كما وأنه باطن الجسد، بيت المشاعر والأحاسيس ولكلٍ ممن حولنا مكانه بالقلب..أليس كذلك؟
غامت عيناه بذكراها وأجابها بصوت مشبوب بعاطفة حزينة:
_نعم، فهو مخزن مشاعرنا تجاه الجميع هو الوحيد من يستطيع أن يفرق بين البشر بما يحويه تجاههن من مشاعر، إن في القلب شعث{فرقة} لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وعليه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه{يهدئه} إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه فاقة{حاجة} لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً.
إذا سكنت قلوبنا بحب الله سنجد الراحة لا محالة، فما ضُرب إنسان بعقوبة أعظم من قسوة القلب، لذا خلقت النار لإذابة القلوب القاسية…
خرج صوتها واهنا وكأن روحها حشرجت في صدرها وهي تسأله مقاطعة لإسترساله:
_ ماذا...ماذا تقــصد؟
لم يشعر تميم بما قاله ولماذا قاله؟! فهي كلمات كان قد يمعها من قبل لا يعلم لمَ حفظها ورددها هكذا؟ هل يحاول تسكين روحه الملتاعة في حبها بالبحث عن الحب في رضا الله؟ كأنه يقوّم {يصلح} قلبه الذي وقع في غير محله!
لا يعلم أنه بحديثه وبخاصة كلماته الأخيرة قد مس جرح قديم لديها لم يلتئم بعد.
لم ينتبه إلى صوتها المتحشرج فقد كان سجيناً لتساؤلاته هو، أراد التهرب من سؤالها بتساؤله:
_عمتي سلمى لمَ تسألين هذه الأسئلة؟!
بادئ الأمر تلعثمت ولم تعلم بمَ تجيبه ففي الإجابه أسئلة أخرى لأمور ظنت أن الزمان طواها في صفحاته وباتت من سجل النسيان،
أخيرا وجدت لسانها ينطق بقول:
_أنت تعلم بأنني...أنا..فقط أتساءل هل يختلف الحب الذي نكنه لشخص عن آخر حتى وإن تساويا في المكانة لدينا؟
غريبة، هي الكلمة المناسبة لوصفها هذه الليلة، يجهل سبب تصرفها وأسئلتها الغريبه هذه، لكنه تغاضى عما يشعر به و أقر لها في تأكيد:
_بالضبط، الأم كمثال بسيط تحب أبنائها جميعا وتحبهم فرادى كل ابن له مكانته ولا يتعدي الآخر عليها وان حدث وفقدته او ابتعد عنها تظل تلك المكانة كما هي ولا يسكنها غيره.
تساءلت في حيرة:
_وهل تشعر به إذا عاد؟
_ نعم، عاطفة الأمومة معقدة وليس لها تفسير، فالأم هي أول من يشعر بوليدها إذا أصابه شئ وقد عز الكثيرون ذاك الي أن فؤادها هو أول من يشعر به وهو بأحشائها.
_نعم..
قطع إجابتها صوت خطوات تهبط الدرج في تردد، فقالت في خفوت:
_لي حديث معك بعد ذلك.. يارا حبيبتي، هيا انضمي الينا.
تمتمت بكلمات غير واضحة وهي تهبط الدرجات الرخامية الواسعة والطويلة إلى الطابق الأرضي من القصرـ كانت أضواء الشموع المتوهجة ترسل ظلالا خفيفة حولها فأضافت أجواء رهبة تزيد ما بداخلها من رهبة وخوف..كم يبدو مخيفا ومرعبا هذا القصر.
رغم ما مضى عليها من اسبوعين من إقامتها فيه، كانت لا تزال تشعر بالغربة والخوف...مشاعر مختلفة مترابطة في المعنى _الخوف والغربة_فقط.
تحدث تميم بجدية:
_أرجو أن تكوني في أحسن حال الآن.
_نـ..نعم.
_اعذراني قليلا، على أن أتفقد طعام العشاء الآن.
_تفضلي عمتي.
كم كان جميلاً وأنيقا وهو يقف هكذا ممشوق القوام، خمري البشرة، عريض المنكبين..تبدو عليه إمارات اللياقة البدنية..لياقة يبدو أنها لم تأتي من فراغ.
كانت تنظر إليه خلسة و الصمت هو سيد الموقف حتى قطعه تميم خارجا من وراء ستار الجد قائلا بخفوت وابتسامة ماكرة مزينه فمه:
_أميرتنا الجميلة..فيما تفكر؟
انتظر اجابتها مبتسم المحيا، و تعلقت نطراتها بعينيه الباسمتين فلاحظت أن عينيه تزدادا لمعانًا كلما ابتسم، طقطق ابهامه بسبابته أمام وجهها فانتبهت له و وجدته قريبا من وجهها فابتعدت عنه بقدمين واهنتين وحاولت أن تتجاهله، لكن كيف السبيل؟
هو يملأ أحاسيسها وعقلها بطريقة تدعو إلى الإستفزاز، حري به أن يكون هو زوجها ففى الطريقة التي ينظر بها إليها وتلك الشرارات التي تشعر بها تسري بينهما ما يدور بين الزوجين فقط، بينما كل ما تشعر به تجاه من يدعوه بزوجها هو النفور، الرعب والخوف.
التفتت إليه فوجدته ينظر إليها منتظراً إجابتها على ما سألها، تمنت لو بإمكانها قراءة أفكاره في هذه اللحظة لتعلم كيف يفكر فيها؟!
تحرك ناحيتها ببطء وابتسامته تتسع رويدا
بتناغم مع كل خطوة يخطوها تجاهها كأنه يتمتع برؤيتها مرتجفة قلقه.
وكلما ازداد اقترابا منها، شعرت بالخوف أكثر فأكثر، فأرجعت رأسها إلي الخلف وقد احمر وجهها وهي ترتجف وحاولت ان تبدو غاضبه مشمئزة وهي تقول:
_أنا لا أفكر في شئ محدد وأفضل لو حافظت على مسافة في الحديث بيننا.
أخذ قلبها يخفق في عنف بين ضلوعها، وإزداد ارتجافها، كان قريبا منها أكثر مما ينبغي وشعرت بدوار في رأسها، رفعت بصرها اليه كي تتابع احتجاجها فلم تستطع التفوه بكلمة واحدة، فقد كان في الطريقة الجادة التي ينظر فيها إليها ما استل منها كل وسائل الدفاع وكل ما كانت تعرفه انها للمرة الثانية التي تراه فيها تفقد سيطرتها على نفسها، وقد ملأها هذا رعبا، وللمرة الألف لا تعلم لماذا تشعر بأحاسيس متنافرة في اللحظة نفسها.
_أعتذر! لم أقصد أن أكون متعدٍ للحدود.
لم تنتبه لما قاله كل ما كانت تفكر فيه أن عليها الهرب منه قبل أن يرى ضعفها عندما تستمع لصوته أو تنظر إليه.
_العشاء جاهز أتمنى ألا أكون تأخرت.
انتبهت إلى صوت والدتها فشعرت ببعض من الراحة و سمعته يقول:
_على العكس عمتي لقد أتيت في الموعد تماما..فأنا أتضور جوعا.
علمت أنها المقصودة من النصف الأول من حديثه فشعرت بالغضب، عنفت نفسها قائلة دون أن تتفوه بكلمة: يا لك من متناقضة! لمَ أغضبك حديثه وأنت من بدأتِ بالهجوم.
حول مائدة العشاء اجتمع ثلاثتهم في صمت كلٍ يتناول طعامه بهدوء، ما عداها هي شعرت بالضياع وهي تري غطاء السفرة الحريري المشغول يدويا بطريقة فاخرة، أدوات المائدة المتعددة، الأدوات الفضية اللامعة تحت أضواء الشموع أشعرتها بحيرة وحرج كما أن أصناف الطعام الكثيرة والمختلفة عما اعتادت منذ أيام جعلتها تشعر كمن وضع في جوف البحر ويجهل السباحة.
_ما بك صغيرتي؟
كانت كمن صعق بالبرق عندما سمعت صوت والدتها تسأل عن حالها، نظرت اليها وقد جحظت عيناها، نقلت عينيها الذاهلتين فوجدته ينظر إليها بطريقة دفعت الدموع الي مقلتيها السوداء.
أضافت الأم بود ومحبة كي تشعرها بالأمان:
_صغيرتي، لقد اوصيتهم بإعداد ما تشتهيه من الطعام حتي تستعيدي عافيتك وما فقدتيه من وزنٍ.
علق لسانها في مكانه جاهدت لتحركه ببضع كلمات فخرجت الأحرف مترددة ذابلة:
_نـ..نعم، لكن..
انطلق تميم في الحديث قاطعا عليها طريق حيرتها:
_هذا الطعام الشهي لا يؤكل إلا بالملعقة عمتي ويا حبذا لو..
قاطعته بعدما فطنت إلى هدفه من تدخله مما أشعرها بالحرج، فخرج صوتها غاصا:
_ليست لدي شهية..بالعافية إليكم.
تركت المكان بسرعة بالقدر الذي سمحت به قدميها وهي تكفكف دمع العين الخارج عن سيطرتها آملة ألا يكون لاحظ شيئا.
أما هو فقد لاحظ ما حدث ولم يعقب بشيء إلا عندما سمع عمته تقول بحسرة:
_هل يعقل أن تفقد كل شئ مع فقدانها لذاكرتها؟!
وضع يده على المائدة مرتكزا على قبضته الغاضبة متنهدا ببطء:
_ليس بالضرورة فهناك بعض العادات المكتسبة يكون العقل الباطن اعتاد على القيام بها فيبقى طبيعيا أن يقوم بها الفرد من تلقاء نفسه سواء متذكرا لها أم لا..لكن لكل قاعدة شواذ ومحتمل أن تكون يارا هي شواذ القاعدة.
علقت بشرود وكأنها تحدث نفسها وتطمئنها بشئ ما:
_أتمني أن تعود إليها ذاكرتها فتهدأ ويستكين قلبي الحائر.
لم يخفى على تميم ما تفوهت به العمة، إلا أنه آثر الصمت حتى يضع يده على ما يؤكد شكوك الجدة والتى بثته إياها بالأمس، قطع تفكيره المنفرد وتساءل في اهتمام:
_هل علم وارث بما حدث لها؟
زمت شفتيها وهي تقول:
_نعم، لكنه لن يستطيع القدوم قبل بداية العام الجديد..يقول أن نصف المزرعة الذي اشتراه ظهر له صاحب للنصف الآخر وسوف يأتي في نهاية الشهر الحالي مطالبا بما له.
أجابته وهي تشعر بالنفور من ذكره لإسم وارث، فكرت أنه لو كان يقود تلك السيارة منذ خمسة أعوام لكان هو في عداد الأموات بدلا من زوجته(سهر).
نظرت سلمى إلى تميم بطرف عينها بينما كان ينظر إلى الجهة الأخرى حيث ذهبت يارا، وشعرت بعدم الارتياح، أنها المرة الأولى التي ترى فيها اهتمام تميم بابنتها يشوبه عاطفة غريب لا تخفى عليها كامرأة عركت{حنك، حارب} الحياة وعركتها الحياة، لكنها قالت بينها وبين نفسها"لعله اهتمام الطبيب وابن العم وأخ الزوج فأتي مكثفا".

انتهى الفصل الأول
موعدنا الإثنين والخميس الساعة التاسعة مساءًا بإذن الله

noor elhuda likes this.

عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 05:49 PM   #5

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

حبيبتي مبارك مليون مره 😘😘😘😘

م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-19, 09:17 PM   #6

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد مشاهدة المشاركة
حبيبتي مبارك مليون مره 😘😘😘😘

الله يبارك لي بعمرك يارب❤❤


عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-19, 10:48 AM   #7

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني

رنين جرس الباب عند الساعة الثامنة وخمسة عشر دقيقة، جعل قلب سلمى يخفق بشدة، ركض أحد الخدم إلى الباب كي يفتحة لحظات وسمعت ذلك الصوت القوي الثابت:
_أوسمان، ماذا حدث؟ لمَ لم تفتح في سرعة؟
_أعتذر سيدتي..السيد تميم والسيدة سلمى في غرفة الطعام.
_حسنا، أنا في غرفتي لحين انتهائهما من طعام عشاء.
كانت تلك العبارة بمثابة طوق نجاة يعطيها الفرصة كي تستعيد هدوئها الذي أفقده هذا الصوت الجهوري، استأذن تميم:
_لقد فقدت شهيتي ويبدو أنك كذلك، فاسمحي لي أن أذهب إلي الجدة.
أشارت برأسها موافقة فهذا الصوت القوي الثابت أشعرها بالقلق والرهبة وتابعت:
_بالتأكيد تفضل و سوف ألحق بك بعد قليل.
كان يعلم ما يختلج بداخلها من خوف وتردد لذا ترك لها المكان لتهدأ نفسها وترتب أفكارها المشوشة، فهذه المرأة ورغم اقترابها من العقد الخامس تشعر بالخوف من الجدة روچيندا والتى ناهزت العقد الثامن
في غرفة تختلف عن جميع غرف القصر من حيث الاتساع والفخامة كانت تليق بسيدة لا تقل عنها فخامة، تم بناؤها وتأثيثها على الطراز التركي حتى لا تشعر ساكنتها بالشوق لوطنها الأم وقف تميم كجندي مرحبا بسيدة الغرفة والقصر، ومع ابتسامتها الدافئة الحنون تقدم منها مقبلا يدها:
_جدتي اشتقت لك كثيرا.
احتضنها بشوق بدا في ذراعيه التي أحاطتها بقوة، أجابته بنبرة ملؤها السعادة:
_تميمي الغالي! شوقي لك يزيد كلما ابتعدت ويزيد كلما عُدت، كيف حالك..
تحولت سعادتها إلى لهفة حزينة وهي تتساءل في ترقب:
_وحال حفيدتنا المريضة؟
قال لها تميم وهو يمسك بيدها يساعدها في الجلوس:
_أنا في خير بفضل من الله، أما يارا فحالتها مستقرة حتى الآن، لكن في الصباح كانت تصرخ بهستيرية وتمتمت بأشياء مبهمه حتى وقعت مغشيا عليها.
ضاقت عينيها قليلا وقالت:
_هل الوضع مقلق؟
حدقت إليه وتمنت ألا يكون وضع حفيدتها حرج أو يستدعي تدخل جراحي:
_فقط الأمور الطبيعية ما يحدث لها وليس بوضع حرج او مقلق..من الطبيعي أن تمر بهكذا نوبات حتى تستعيد ما فقدته لكن يبقى وجود الطبيب ضروري.
أرجعت رأسها إلى الخلف مستندة على ظهر الكرسي ونظرت إليه بإمعان:
_لذا طلبت منك الحضور، أنت تعلم أن رحيم سافر.
أجابها في أدب:
_اعذريني جدتي لكنني لست بأخصائي وهي..
قاطعته بحزم:
_لن أسمح بدخول أغراب إلي منزلي، كما أن حفيدتي في حالة لا تسمح بتشهير لها وأنت تعلم، تميم أريدك أنت حتى أصل إلى إجابة واضحة...
من مكان ما خلفها قاطعها صوتا حذرا يردد في تلعثم:
_اعذراني لقد طرقت الباب كثيرا لكن لم ينتبه لي أحد.
_تفضلي كنتي، لقد أخذنا الحديث ولم ننتبه إلى دقاتك الواهنة.
كعادتها توبخها دون أن تسيء الحديث معها، كان جسدها يرتعد وشعرت انه إذا طال الحديث أكثر سوف تسقط أرضا من الخوف،
بعد كلمات الترحيب المقتضبة استأذنتها الجدة في تركها ترتاح قليلا من عناء سفر طويل و ليلة شتاء بارده.
تركتهما وذهبت وحينما هم تميم باللحاق بعمته استوقفته الجدة آمرة:
_ اذهب وآتني بها أريد أن أراها الآن قبل أن تسمم سلمى عقلها بكلامها.
********
ذهب تميم كي ينفذ ما طلبته الجدة رغم أنه لم يرِد ذلك إلا أن اللهجة الآمرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للحوار أنها تريد مقابلتها...الآن.
وقف أمام غرفتها مبتهلاً راجياً ربه أن يلهمه القوة على مقابلتها والصبر على الحديث معها، دق بخفة على باب غرفتها عدة دقات سمع على إثرهم صوتها الناعم متسائلا:
_من؟
اجابها بخفوت:
_تميم! افتحي الباب فا..
قاطعته بحدة:
_ اذهب من هنا.
طرق الباب مرة ثانيه وهم بالحديث إلا أنها قاطعته وقد اقترب صوتها كأنها تقف خلف الباب:
_اذهب من هنا فأنا لا أريد رؤيتك.
أمرها هذا أشعره بالغضب كان ينتظر أن تجيبه بأنها لا تريد رؤية أحد فيكون في التعميم ارضاءاً له ولغروره إلا أنها خصته بالنفور.
أعاد تميم طرق الباب من جديد، صارخا في خفوت حذر:
_ افتحي الباب وإلا..
قطع عبارته عندما فتح الباب، أما هي ففتحت الباب خوفاً من ازعاج مَن بالقصر ، فهي لا تريد لأحد أن يأتي ويسألها عما يحدث بينهما صرخت فيه بعدما دخل غرفتها وأغلق بابها وراءه:
_ماذا تريد؟
أجابها وابتسامة صغيرة ترتسم على زاوية فمه:
_مازال بيننا حديث وأمور أخرى أتيت كي أناقشها معك…
صمت لبرهة وأشار بطرف عينيه كناية عن أمر مشترك بينهما، ثم تابع في تهكم:
_ترى هل طواها النسيان هي أيضا؟
تلعثمت وهي تجيب:
_ أ..أنا..أمور..بيننا، أ..أ..لا أفهم.
النظرة اللاهية في عينيه أنبئتها بما يمحو الشك داخلها، بأن أخ الزوج هذا يشير إلى علاقة ما كانت تجمعهما معاً..كانت تتخبط بيديها تحاول التشبث بشيء خلفها وهي تعود إلى الخلف بخطوات مترددة دون ان تحيد بوجهها عنه، هل هو..عشيقها؟ لا، غير ممكن أن تكون زوجة غير وفية.
وقف تميم في مقابلها متحفزاً لالتقاطها بين يديه في أي وقت فهو لا يخطئ نظرة الرعب وارتعاش الشفتين والظلام الذي أحاط بعينيها الغائمتين.
اقترب منها باهتمام وهو يردد:
_على رسلك يا..
سقوطها مغشيا عليها بين يديه منعه من استكمال حديثه، سكنت رأسها بين يديه وقد حجب شعرها الأسود وجهها عنه وكشف جانب من عنقها، أزاح خصلة سوداء عن جانب وجهها بأنامل مرتعشه وهو يتمتم شاهقا في خفوت:
_تيــارا!
همس بإسمها وعيناه تطوفان في وجهها وقد استقر بنظره على رقبتها، حملها برفق ووضعها على السرير مكوما شعرها الغزير خلف رأسها وهو يمرر يده على عنقها منتظرا أن يشعر بأثر الجرح ذاك تحت أنامله، إلا أنه وجد جلد عنقها أبيضا نقيا كنقاء ثلج لم تمسسه يد بشر ولا أثر لأي شائبة فيه، استبشر استبشار غائر {غريق} في الماء وهالك فيه رأي خشبة النجاة وقد تأكد أن من بين يده هي تيارا الصغيرة، ولكن شعورا ما داخليا دفعه لتكذيب ما رأى، إذ كيف تكون هذه تيارا المفقودة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان؟ وإن سلّم بأنها تيارا فأين توأمها يارا..زوجة أخيه؟!
تذكر عمته سلمى منذ قليل حينما سألته:
( ..هل يختلف الحب الذي نكنه إلى شخص عن آخر حتى وإن تساويا في المكانة لدينا؟)
ترى هل كانت تعلم أن هذه هي تيارا..!
وهل يعلم رحيم أن هذه ليست زوجته..؟!
وإن كانا يعلمان فلماذا لم يخبرا أحد بذلك؟!
لم يكن أمامه إلا أن يُفضي بما رأى وظن إلى جدته ويبثها ظنونه هذه لعله يجد على مرفأ رجاحة عقلها وخبرتها الطويلة مستقر له..لكن الآن عليه أن يوقظها من إغمائها كي تقابل الجدة.
تناول كوب الماء الموضوع على جانب السرير وأخذ منه بضعة قطرات نثرها على وجهها برفق عدة مرات متواليه.
سقوط الماء البارد على وجهها انتشلها من ظلمتها صارخة بفزع إلا أنه سارع بوضع كفه على فمها قاطعاً صرختها وهو يطمئنها بوشوشة خافتة ونبرة بدت فيها بحة صوته :
_ هشش، إهدئى إنه أنا تميم.
قالها باهتمام ونبرة خافتة مخافة أن يفزع أحد من سكان القصر ويقتحم عليهما الغرفة، كانت تنظر إليه بفزع و بؤبؤ عينيها يتحرك في عصبية، كشفت بعينيها المكان وعاد إليها بعض من الإطمئنان حينما تأكدت أنها لم تكن تحت المطر وأن الماء البارد الذى لامس وجهها لم يكن إلا بضعة قطرات.
_أنا آسف، لم أجد غير الماء كي أوقظك..
التفتت إليه وعلى وجهها آثار ذعر أحدثه سقوط الماء عليها فوجدت النظرة المشاكسة في عينية التي أنبئتها أنه يشعر بالسعادة لا الأسف لما فعله، أغمضت عينيها لبرهة و فاجأته بقولها:
_ لا تكن!..فأنا لن أكون أسفة حينما أردها إليك.
قالتها في حزم وكأنها لم تكن صاحبة ذاك الوجه الفزع منذ قليل، فغر فاه دهشة تحولت إلى ابتسامة كظمها ناظراً إلى موطئ قدمه وخرجت كلماته في تحد بصوت مرح أشبه بالهمس:
_تيـ..حسنا! وأنا في الإنتظار..والآن لنعد إلى سبب مجيئي إليكِ، الجدة تريد أن تراكِ.
_مـ..ممـ..ماذا؟!
تغضنت ملاح وجهها وكأنه يخبرها أنها سوف تقابل الوحش، تساءل في سخرية:
_وما هو الغير مفهوم فيما قلته؟
تابع في جدية مصطنعة وهو يضغط على كل كلمة يتفوه بها:
_جدتك تريد رؤيتك.
كانت تيارا تعلم أن هذه الساعة آتية لا محالة لكنها لم تكن تعلم أنها آتية بهذه السرعة، تملكها الشك والخوف ، أتراها تقابلها بالترحاب، أم أنها ستكون قوية جافة كما أخبرتها أمها.
كان تميم يراقب الإنفعالات المتغيرة على وجهها في صمت منتظراً أن تقطعه هي، أخيراً سمعها تقول:
_هل هذه المقابلة واجبة الآن؟
دنا منها وأخذ وجهها بين يديه الدافئة ثم نظر في عينيها مجبرا إياها على النظر إليه، ارتعدت فرائصها، إن النظر في هاتيك العينين بمثابة إلقاء نفسها في لجة واسعة وهي تجهل كيفية السباحة، ظلت نظراتهما متعلقة ببعضها البعض للحظات.
إن إقترابه منها بهذه الطريقة والنظر إلى عمق عينيها شديدتي السواد!-نعم إن عينيها من السواد ما يفوق عيني يارا لونا وصفاء واتساعا و كأنه ينظر إلى ماسة الكورلوف نوير- جعله هذا الإكتشاف يشعر بانقباض في قلبه واختناق دفعه إلى زفر أنفاس ساخنة كان قد قبضها مخافة أن ينهي هذه اللحظة، استقام في وقفته وسعى في ايجاد كلمات تزيل أثر ما شعر به إلا أنها سبقته وهي تقول متظاهرة بالشجاعة:
_لماذا تفعل ما تفعله معي؟!
ابتسم وهو يجيب تساؤلها بتساؤل آخر ولكن بصوت ساخر:
_لم تتعاملين معي بهذه الطريقة الهجومية؟
_تقصد الدفاعية؟
ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى ضاغطة عليها بقوة لكن الأوان قد فات وقد نطقت بآخر كلمتين كانت تريد التفوه بهما، آلمتها شفتها ولكنها أنبت نفسها أنها تستحق هذا الألم لما تفوهت به وجعل الإبتسامة ترتسم على شفتيه.
بينما هو اتسعت ابتسامته وأزاح الشرشف عنها ولف يده على خصرها مكبلا إياها ومقربا جسدها إلى جسده ورفعها عن السرير، صاحت فيه:
_اتركني!
كانت قبضته علي خصرها قوية ولم يكن في استطاعتها أن تفلت منها، حاولت أن تنظر إليه إلا أنها شعرت بالحرج أخذت تحرك ساقيها في الهواء، لكن كل حركة تصدر منه كانت تزيد في تمسكه بها ومن ابتسامته.
_قلت لك إتركني!
أنزلها ببطء حتى لامست قدماها أرض الغرفة:
_ماذا ستفعلين إذا تركتك؟
_لا شأن لك.
_إجابة خاطئة عزيزتي.
رفعها إلى أعلى مرة أخرى، لا يعلم لمَ يفعل ما يفعله إلا أنه كان يشعر بالسرور والانشراح.
صاحت وهي تضربه بقوه على صدره:
_لن تجرؤ على احتجازي هكذا بين يديك؟
أجابها بصوت منخفض ونبرة متحشرجة، كأنه يجاهد كي يتنفس:
_بلى..أجرؤ يا عزيزتى وسوف تذهلين من مدى جرأتي هذه.
_تميم!
حروف اسمه الأربعة التي خرجت من بين شفتيها الحمراوين المكتنزتين جعلته يشعر كأنه يقف على أرض رخوة، فقد نطقت بهم في رجاء وتمني بصوت خافت متألم:
_أنا..
سكت عن الكلام وترك إحدى يديه التى تحيط بخصرها و لمست الأرض بقدميها، أما اليد الأخرى فظلت كما هي تحتضن خصرها بقوة سرعان ما تحولت إلى لطف ونعومة مقربة وجهها من وجهه حتى اختلطت أنفاسهما، لمس بيده الأخرى أصابع يدها برقة ورفع يدها إلى شفتيه مقبلا اياها فأحسّت بقشعريرة حارة تسري في عروقها ألهبت حرارتها جسدها، كادت أن تترك نفسها فريسة لتلك النار المستعرة إلا أنه قطع عليها الطريق قائلا بنبرة تحذيرية:
_إذا كنتِ قد انتهيت مما تفعلينه فيجب علينا أن نسرع إلى الجدة لأنها سترسل من يسأل عنّا إذا لم نذهب الآن.
أفلتها من بين يديه وتناول عباءتها الملقاة على الكرسي وألبسها إياها قائلا:
_هيا..فقد تأخرنا بما يكفي.
••••••
في هزيج {طائفة أو جزء}من الليل كان كل شيء حولها ساكن سكون الموت، مظلم ظلمة القبر كما كان بداخلها إلا أن ضوء السيارة المرسيدس السوداء الخافت درء{أبعد} بعض من ظلمة الطريق مما أعانها على شَقِّه وإن كان بشق الأنفس.
ضغطت قبضتها على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصل يدها عندما دفع إليها عقلها ذكريات تعلم أنها لن تستطيع محوها، فنسيان العالم بأسره كان أيسر من أن تنسى الأربعة عشر يوما الماضية ففيها من الخطوب والأهوال ما لم يحدث خلال العقدين الماضيين وها هي خرجت صفر اليدين إلا من هذين الطفلين لا تعلم كيف تواجه بهما العالم فهي وحيدة وليس لها عون وقد فرغ قلبها من كل شئ إلا هذا الحزن اللاذع الذي يفعمه من كل جانب.
شق البرق غيوم السماء منبئا قائدة السيارة بقرب هطول المطر مما دفع بالذعر إلى قلبها، جاهدت كي تبدو هادئة حتى لاتنقل الذعر إلى الطفلين نظرت في المرآة إلى الخلف فوجدت أن أحد الطفلين مازال مستيقظا:
_رسلان، لماذا لا تغمض عينيك و تغفو قليلا فلا يطول عليك الطريق؟
التمعت عينا الصغير بشئ ما، لا تعلم سر هذا اللمعان وسمعته يجيب محتجا:
_أرفض النوم.
منذ الحادث وقد تغير مزاج الصغير ترى هل يعلم بما حدث؟..لا فإن كان يعلم لأرهقها بالكثير من الأسئلة، أخبرته وتعمدت أن تكون نبرتها حادة:
_رسلان، ماذا حل بك؟ فقد أصبحت قليل التهذيب..
قاطعها في حدة وقد ازداد لمعان عينه
_ عمتي لا أريد الحديث.
ساورها الشك وهي ترى لمعان الغضب في عيني الصغير و كلماته المقتضبة عند الرد عليها، فإذا احتسبت عدد الكلمات التي نطق بها خلال الأسبوعين الماضيين لجاء العدد قليلاً جداً، و تلك الطريقة الدفاعية والتي يحيط بها جسد أخته النائمة وكأنه يدفع عنها شئ ما والنفور الذي يكتنف صوته عندما تتحدث إليه.
انحرفت السيارة عن الطريق قليلا فأدارتها روفيدة بقوة حتى أعادتها إلى الطريق مرة أخرى، كانت قطرات المطر الساقطة على زجاج السيارة قد أحدثت من الصوت ما قطع السكون المطبق حولهم، كما وأن هزيم{صوت} الرعد قد ساعد في عزف سيمفونية الذعر التي أحاطت راكبي السيارة.
في غيظ وانفعال تمتم الصغير:
_هل مازال الطريق طويلا؟
رأت الغضب باديا على وجهه وقد احمرت وجنتاه رغم برودة الجو وارتعشت شفتيه في تناقض مع احمرار وجهه:
_طويلا جدا، لكن مادام ثلاثتنا معا سوف نصل إلى نهايته في سلام وأمان.
تعمدت أن تتحدث في تعميم وهي تعلم أن الصغير رغم سنوات عمره العشرة قد فطن إلى مقصدها حينما أجابها في تحد:
_أواثقة أنت تمام الثقة؟! .. أبشرك بأنه لا ينتظرك طريقاً معبداً بالرمال و الورود.
صدمتها كلماته كما صدمها انزلاق إطارات السيارة على الطريق فتوقفت بحركة فجائية حتى تستعيد توازنها وتوازن السيارة ثم أوقفتها، التفتت إلى الخلف وكانت الصغيرة رسل قد استيقظت مدت يدها كي تطمئنها إلا أنه أبعدها عنها وزاد في احتضان أخته وهو يقول في خفوت:
_لا عليك يا صغيرة فأنا موجود..اهدئي وليطمئن بالك، عودي إلى نومك قريرة العين مادمت بين يدي.
تابعت روفيدة مرهفة السمع إلى حديث الصغير فاغرة فاهها، رمشت بعينيها حائرة تحاول أن تستوعب ما يقوله إلا أن كلمات الصغير الأكبر من سنه قد زرعت الفوضى في عقلها والطمأنينة في قلب أخته فعادت إلى نومها وهي تزيد في احتضانه.
رفعت يدها تجاهه إلا أنها أعادتها بسرعة عندما لاحظت نفوره، جالت عيناها على قسمات وجهه الصغير وتساءلت بصوت مختنق:
_منذ متى صرت كبيرا هكذا؟
سؤالها الصغير أعاد ذكرى تلك الليلة إلى ذهنه وشعر كأن رأسه على وشك الإنفجار، صرخ في وجهها بنبرة لاذعة:
_منذ أدخلتِ ذاك الحقير بيننا.
كلماته أحدثت بقلبها وجيباً{اضطراب} كانت تتمنى أن تتخطاه، تصنعت الثبات خلافاً لما بداخلها و نظرت من نافذة السيارة فوجدت أن المطر قد توقف.
عادت إلى متابعة القيادة في هدوء مصطنع مخالف لذاك الثوران الهائج بداخلها إلا أن عينيها البنفسجيتين قد خالفتا أمرها وسال دمعهما غزيرا على وجهها.
رفعت يدا مضطربة إلى جبينها ضاغطة عليه في قوة وقد شحب وجهها فجأة وهي تتذكر ما حدث مما جعل جسدها يرتجف، لمَ تشعر بهذا الإضطراب؟ فالصغير على حق هي السبب الرئيسى فيما حدث ويبدو أنه شعر بذلك رغم حرصها على عدم اخبارهما بشئ.
أن يعلم أن والده قتل والدته دفاعا عن الشرف فهو أمر في غاية البشاعة، سوف يدركه بمدارك الذل والعار ..لذا وافقت أخيها أن تنأى بطفليه بعيداً عن كل شيء وتبدأ معهما حياة جديدة.
يجب عليها أن تتحدث معه فيما جعله بهذه الشراسة لكن بعد أن تستقر أمورهم في تلك المزرعة، آملة ألا تصيب في شكوكها.
أعادت النظر في المرآة إلى الخلف فوجدت الصغير يكابد نفسه حتى لا تفلت رباطة جأشه وينهدم حاجز عينيه فيسيل دمعهما، كانت تلك النظرة اللامعة بالدمع الرقراق كنصل حاد انغرز بقوة في منتصف قلبها فلم تستطع كبح جماح دموعها هي الأخرى وشرعت في البكاء.
اضطرت إلى إيقاف سيارتها مرة أخرى والتفتت إليه سائلة برجاء من بين شهقاتها:
_أخبرني بما حدث لعلـ..
_لا.
إجابة حاسمة، مقتضبة وصارخة خرجت من فمه أصابتها بفزع كما أصابت أخته، وتابع هجومه:
_ أنتِ لا تستطعين فعل شئ غير أذية من حولك وإحداث الفوضى..من فضلك تابعي سيرك ولا تهتمي بنا.
ماذا فعلت تستحق عليه هذا الهجوم؟ هل هي جانية أم مجني عليها فيما حدث؟
خرجت من حيرتها وتساؤلاتها قائلة بتساؤل:
_ وكيف لا أهتم ومن المفترض أنني والدتكما؟ ترى كيف ينظر إلينا الناس ونحن على عدم الوفاق هذا؟
زمّ الصغير شفتيه وزاد في احتضان شقيقته وهو يقول:
_لك ما تريدين ولنا ما نريد.
_وكيف يكون هذا؟
_أنا المسؤول عن أختي وليس لك شأن بها في مقابل موافقتي على تمثيلك دور.. الأم.
انتبهت روفيدة إلى نطقه كلمه أم وليس أمى كما وأنه نطقها بنفور واشمئزاز، هنا تأكدت أن للحادثة شأن بما حدث معه.
أدركت أن لاجدوى من الحديث معه حول ما حلّ به، خاصة وأنه قد شيد جبلا من جليد بينه وبين العالم حوله مانعا أحد من اختراقه غير أخته فأصبح لايرى غيرها فقط، لكن ما سر احتضانه لأخته بتلك الطريقة التملكية والدفاعية.
تساءلت في نفسها: إلى أي مدى أصابكما الضرر يا صغيراي؟ مصطفى أين أنت وأين أنا الآن؟! ليتك كنت موجودا معي؟
ارتأت أن تعتمد على كلمات أخيها وما أملاه على طفله قبل سفرهم، رفعت حاجبيها تعجبا وتساءلت مستفهمة عما يشير إليه:
_أفهم من ذلك أنك مستعد لرفض أمومتي والضرب بعرض الحائط كلام والدك التحذيري؟
سؤالها الهجومي جاء في صيغة تحذير وتنبيه له فجاءت علامات الرعب والخوف البادية على وجهه وهذا الإرتعاش على شفتيه الصغيرتين كنتيجة ايجابية أن تحذيرها قد أصاب فجاءت نبرته مترددة و كلامه غير مرتب:
_أنا..والدي..أنا..أنت تعلمين أنى أحبه..ولا..
في تلك اللحظة أبرقت السماء وأتاهم هزيم الرعد مصاحبا لهطول المطر مرة أخرى ولكن بقوة هذه المرة جعلها تقطع حديثه قائلة:
_لنرجئ حديثنا الآن ريثما نصل، أتمنى عليك أن تصمت وتعود إلى طبيعتك السابقة حتى ذلك الحين، ولا تأتي من الأفعال ما يصيب أخي بخيبة الأمل.
حاولت التركيز على الطريق الغير معبد والذي صيرته ماء المطر إلى موحل، صارفة كل جهدها ومهارتها في القيادة حتى تتفادى سقوط دولاب سيارتها في أحد البرك المائية
حينما سمعته يتمتم في تهكم:
_ربّ عجلة تهب ريثاً.{مثل يقال فيمن يتعجل الأمور ولا يصب غير القليل}
أبرقت عيناها هي الأخرى كما أبرقت السماء، وقد اجتاحتها في تلك اللحظة موجة من الغضب، حبست أنفاسها بقوة وزفرتها على مهل كي تهدأ من موجة الغضب هذه، فعلى الرغم من شكوكها حيال دوافع الصغير وراء سلكه ذاك السلوك الغير مهذب معها طوال الأسبوعين الماضيين، أتت عبارته الأخيرة لتزيل كل شك بداخلها وتجلي لها الحقيقة البغيضة فيبدو أنه قد تأثر بذاك الحقير كما وأنه حدث بينهم ما جعله يردد عبارته السخيفة والتي دأب على إلقائها على مسامعها أثناء فترة ارتباطهما.
_حسنا! أفضل قول العجلة فرصة العجزة، {مثل يضرب في مدح التأني}ولذا أنا في انتظار إتمام حديثنا القديم، رسلان أتمنى حينها ألا تكون هذا المتكتم فهو دور لا يليق بك.
كلماتها أومضت في عينيه بريق السخط وكان على وشك التفوه بشيء إلا أنه ضغط على شفته مبتلعا ذاك التعليق واكتفى بالنظر إليها في تحدى.
التزما الصمت حتى اجتازوا الطريق المزدوج وخلفوا المدينة خلفهم، أصبحت الطريق تحدها الحقول والأشجار من الجانبين وقد صاحبهم صوت الجنادب والضفادع.
قطعت روفيدة السكون بينهما قائلة:
_كدنا نصل، فلنعيد ما اتفقنا عليه بالأمس.
أجابها في إقرار متهكم:
_ليس بالعسير..أنت أمنا واسمك هالة الحسيني مهندسة زراعية، والدى سافر إلى الخليج وأرسلنا إلى المزرعة على أن يلحق بنا في القريب العاجل..شئ آخر؟
جاء سؤاله بنفاذ صبر ونفور فأجابته في نبرة حازمة:
_نعم، اخلع عنك تلك النظرة البغيضة ونبرة الاشمئزاز تلك ولتكن كأي طفل في العاشرة من عمره.
ابتسم ساخرا فجاءت ابتسامته أسوأ من لهجته وهو يسألها:
_وهل ما ترينه أمامك طفل في العاشرة؟
_رسلان!
صرخت باسمه معنفة له فأجابها:
_حسنا! سأصمت وأترك لك القيادة فلنرى كيف سنصل إلى النهاية في هذا الجو المكفهر.
عادت إلى الطريق وهي تتساءل:هل يقصد قيادة السيارة أم قيادة حياتهم معا؟!
••••
كانت كمن ألقي في الجحيم تستعر بناره المستعرة وفجأة قذفت إلى الجليد، أصابتها صدمة جراء تحوله الغير مفهوم فكانت تنظر إليه بعينين جاحظتين وذهن مشوش فلم يجد بد من أخذ يدها بين يديه وحثها على السير بجانبه.
سارت معه تحت وطأة يده غير واعيه لمَ يحدث فمنذ برهة كانت في أعلى قمم السعادة والآن هي في الدرك الأسفل منها، نظرت إليه بجانب عينها وهي تتساءل: كيف تسمح له بفعل ما فعله ويفترض أنها إمرأة متزوجة؟ بل وكيف يفعل هو معها ما فعل وهي إمرأة أخيه؟
شعرت بجفاف في حلقها وهي تتذكر ذلك الزوج والذي لم تشعر تجاهه بشئ غير الخوف والنفور أما هذا الرجل..هذا الرجل..
هزت رأسها نافية تصديق ما سيخبرها به عقلها، أغمضت عينيها ضاغطة بقوة على تلك النقطة في عقلها لعلها تستطيع سبر أغوار ظلمتها بقوة الضغطة هذه إلا أنها وكعادتها فشلت.
فتحت عينيها وهي تفكر بأنه مادام عقلها يأبى استعادة ذكرياته فالقلب لا ينسى شئ وقلبها يخبرها بأنها لم تسير من قبل في درب الحب وأن ما يثيره هذا الرجل بداخلها تشعر به لأول مرة في حياتها.
اشتدت قبضته على يدها وهو يرى ذاك الإنفعال على وجهها ليطمئنها:
_اهدئي يا صغيرة..فالجدة ليست وحش وليس لها أنياب.
انتبهت إلى عبارته الساخرة ورفعت عينيها بارتباك إلى وجهه معتقدة أنها سترى دلائل السخرية عليه فوجدت سيماء الإنهاك بادية تحت عينيه، وعلى جانبى فمه.
تعلق نظرها بفمه، شفتيه المرسومتان بدقه وكأنه خطهما بالقلم، لونهما القاني وكأنه يدعوها لتمرير أناملها عليهما، تلك النقطة السوداء الصغيرة التي تزين أعلى خده الأيمن في تحدٍ للون عينيه البنيتين أم العسليتين؟ تمنت لو كانت أقرب إليه قليلا حتى تتعرف على لون عينيه أكثر.
_هيي! ماذا بك؟ توقفى إلى أين أنت ذاهبة؟ هذه غرفتها.
توقفت وهي تشعر بالحرج وتمنت ألا يكون لاحظ شرودها في قسمات وجهه الرجولية الصرفة.."توقفي" وبخت نفسها وهي تقرص باطن يدها.
بعد عدة دقات خفيفة على الباب أُذن لهما بالدخول، كانت تتوقع أن تجد إمرأة تنضح ملامح وجهها بالقوة والنفوذ، ولا تمت إلى ملامح النساء بشئ إلا أنها وجدت إمرأة عجوز بها قليل من الإنحناءة يشع وجهها بنور رباني هادئ يزين رأسها شعر فضي يزيدها بهاءا، تلتمع عينيها الزرقاوين بطيبة تجعلك تأنس إلى النظر إليها سمعتها وهي تطلب منهما الاقتراب قليلا فجاء صوتها موسيقى هادئ كتلك الأنغام التي تعزف إلى الطفل فتدعوه إلى الاستكانة والنوم، شعرت تجاهها براحة لم تشعر بها تجاه أحد حتى تلك المرأة..أمها.
مشت تجاهها كالمسحورة، ركعت بجانبها فما كان من الجدة إلا ان مررت يدها المزينة بخاتم ماسي على رأسها وهي تقول بنبرة متحشرجة:
_مرحبا بعودتك يا صغيرة.
وكأن لكلماتها مفعول السحر كما وجهها، أجهشت في البكاء وبادلتها الجدة البكاء ببكاء ولكن في صمت رفعت عينيها المجهدتين إلى تميم المراقب لما يحدث في تأثر صامت، وأشارت له بالخروج.
ارتد على عقبيه ملبيا طلبها في صمت، إلا أنه التفت يواجهها رافعا حاجبه، هم بالحديث إلا أنها أشارت له أن يخرج فقط، فلم يكن أمامه بد من الموافقة.
أراد أن يفصح لها عما وصل إليه وما يساوره من شكوك إلا أن لقائهما عصف بما يريد، و ارتأى أن يصمت الآن.

noor elhuda likes this.

عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-19, 08:51 PM   #8

Reem1997

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Reem1997

? العضوٌ??? » 410013
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,948
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
?  نُقآطِيْ » Reem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_نعم، فهو مخزن مشاعرنا تجاه الجميع هو الوحيد من يستطيع أن يفرق بين البشر بما يحويه تجاههن من مشاعر، إن في القلب شعث{فرقة} لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وعليه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه{يهدئه} إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه فاقة{حاجة} لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً...

Reem1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-19, 08:54 PM   #9

Reem1997

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Reem1997

? العضوٌ??? » 410013
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,948
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
?  نُقآطِيْ » Reem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond reputeReem1997 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تيارا وقصتها المجهولة ...ومع مين كانت عايشة لعقدين من الزمن ...هل كانت مخطوفة ولا ضايعة 🤔
رحيم والام ويش مخبيين من اسرار في جعبتهم ...اكيد انهم عارفين ايش حصل مع يارا والي خلى تيارا تعود بدلها ...
وايش سبب تخويف الأم لتيارا من الجدة ..
قصة غامضة انتظرك بسرور لتكشفي عن اسرارها 😚


Reem1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-19, 10:21 AM   #10

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة reem1997 مشاهدة المشاركة
تيارا وقصتها المجهولة ...ومع مين كانت عايشة لعقدين من الزمن ...هل كانت مخطوفة ولا ضايعة 🤔
رحيم والام ويش مخبيين من اسرار في جعبتهم ...اكيد انهم عارفين ايش حصل مع يارا والي خلى تيارا تعود بدلها ...
وايش سبب تخويف الأم لتيارا من الجدة ..
قصة غامضة انتظرك بسرور لتكشفي عن اسرارها 😚

بانتظارك أنا بشوق كبير وأتمنى أن تنال إعجابك❤❤❤😘😘😘


عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:25 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.