19-12-19, 08:55 PM | #371 | |||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
19-12-19, 08:57 PM | #372 | ||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| الفصل التاسع والعشرون الفصل التاسع و العشرون: ضغطت بسبابتها على زر الإنارة ليضيء المكان.. طافت بعينيها الأرجاء و الزوايا .. منزل والدها.. كم أمضت من شهور تؤول ربما لأكثر من سنتين دون أن تطأ قدمها منزل الطفولة و الصبا.. ارتحلت عنه بعد أن كادت تخنقها الذكريات المبثوثة في جل أركانه.. و الآن هي لا تريد سوى أن تتلحف بهذه الذكريات علَ الدفء يعلم طريقه إلى قلبها المتجمد بخواء.. تحركت بضع خطوات حتى أصبحت أمام غرفة والدها.. ارتعشت العبرات في مقلتيها.. جاهدت الدموع فغلبتها لتسقط معلنة تحررها من سجنها.. رجَة عنيفة من البكاء أصابتها و هي ما تزال متصنمة أمام الباب لا تجرؤ على الدخول.. تخاف اللقاء.. تخاف اللوم و العتب.. تعلم أنها لن تجده يقبع بالداخل فهي لم يصبها الخبال بعد.. لكن أثره باقٍ هنا.. بالداخل و ما حولها و بالأخص فيها.. تشعر أنها ستجد طيفه يلومها أنها فرطت بالأمانة.. سعادتها من بعده كانت أمانته لها.. كيف فعلت.. و لما ذهبت؟ صدق من قال " رب امرئٍ حتفه فيما تمناه " و هي تمنت وصال أهلها و وجدت النهاية لقصتها أسرع مما كانت تتخيل.. لتعود الآن فارَة من زوجها و بالتأكيد منفية من كنف أهلها و فوق هذا مكسورة.. أرخت كفها فوق فمها تكتم شهقات متعالية و هي تبتعد عن الحجرة.. ليست مستعدة للمواجهة في هذا الآن.. دخلت حجرتها و رمت بنفسها على السرير.. أفكارها سافرت إليه.. رغما عنها قلبها يهفو إليه و يخفق بقوة كأنه يطالبها بقربه.. لربما هو الحظ العثر.. لربما هو غباؤها المترف.. أو لربما هي أقدارنا و خطوط حياتنا التي علينا السير بها بطرقها المرصوفة بالخوف و العشم المفخخ.. و هي سارت بالطريق و تشبثت بالأمل الزائف و أشاحت البصيرة عن الأفق الأسود المظلم.. و هاي هي الآن.. تقبض على أكواب النوى.. تتجرع منها كؤوسا دهاقا، طال حزنها و لومها و عتابها لذاتها و له هو.. فتارة تراه يأتيها مهرولا يستسمحها و يطلب الغفران.. و تارة تجد بيده السوط..تعبت من أفكارها لتخرج منها أنَة مجهدة.. طرفت عيناها نحو النافذة لتجد أن الليل قد أمعن في عتمته.. و دون أن تبدل ثيابها أو تسند هامتها بقليل من الزاد غرقت في سبات عميق غير رحيم. ----------------------------------------- ألقى نظرة متشفية على الجسد المكوم و الدماء التي تثعب منه.. التفت نحو أحد رجاله يأمره أن يلقي بجمال لداخل سيارته و أن يقودها لبوابة قصر التهامي مؤكداً عليه أن يتركها هناك.. حانت منه نظرة أخيرة نحو الشقيقة الساكنة بلا حراك في السيارة قبل أن يتحرك بلا مبالاة نحو سيارته و يشير لرجاله بتتبعه لقصر حرب. هب الحارس واقفاً ما أن رأى سيارة جمال تقترب من البوابة.. هرع يفتح البوابة في نفس الحين الذي أوقف به الرجل الذي أوكله سراج بالمهمة السيارة و غادرها ليلتحق بسيارة تخص رجال سراج كانت تتبعهم.. التفت الحارس بحاجبين متقاربين بحيرة و لم ينتبه لمغادرة الرجل و لا السيارة الثانية في حين كان ملهيا بفتح البوابة الضخمة.. اقترب بتوجس من السيارة المتوقفة بشكل قطري لتتوسع عيناه بصدمة قبل أن يهرول لداخل القصر يصيح منادياً على الحاج عبدالعزيز. بخطوات حاول بثها جل قوته و السرعة المطلوبة و المتعززة على سنون عمره الوفيرة وصل للسيارة.. انفطر قلبه لمرأى جسد حفيده الذي يقطر دماً و حفيدته التي تأن و هي على أعتاب الصحوة.. كادت الدموع ان تطفر من عينيه لهذا المشهد العظيم على نفسه.. أمر الحارس أن يستدعي الرجال و إبنته أحلام و زوجة ولده نعيمة.. و في الدقائق التالية كانت رقية تسير بمساندة أحلام و نعيمة اللتان انخرطتا بعويل و نحيب حارق بينما اتخذ الحاج عبدالعزيز مقعده مكان رقية و أحد رجاله يقود السيارة لأقرب مشفى. الرصاصة اتخذت مستقراً قريبا من القلب.. بضع ميليمترات و كان جمال ليكون في عداد الاموات لولا رحمة الله.. تابع حركة السرير المدولب و الذي يجثم فوقه حفيده يسوقونه تجاه غرفة العمليات.. تهدل جسده و قد خارت قواه.. ليسقط فوق أحد المقاعد يستغفر و يحوقل و غصة جارحة قد تمكنت من حلقه و جوفه.. أخرج زفرات حرَى تكاد تلهب صدره..حارب ليبقى صامداً متماسكاً.. استل هاتفه يحادث ابنه سالم يطلبه أن يغادر القاهرة و أن يأتيه على وجه السرعة دون ذكر السبب.. أغمض عينيه بإنهاك يحاول استجماع قواه المنفلتة عن عقال بأسه ليحاول مكالمة نور للمرة التي لم يعد يعلم عددها لكن كالعادة الهاتف مغلق.. ففكر بمحادثة نزار و بادر.. و بكلمات مقتضبة عن خلاف نشب بين نور و زوجها و عدم علمهم بمكانها و شكوكه بسفرها للأردن.. انتهت المكالمة بوعد من نزار الذي بدا من صوته ملتاعاً أنه سيقوم بتفقد منزل والدها و بيت الطالبات الذي كانت تقطن به قبل السفر، لساعات قبعها على نفس المقعد دون حراك.. الأفكار و الخوف على حفيده قد شلَا حركته لكن ليس فكره.. فكره الذي كان كما ساحة الحرب بين جبهتين.. جبهة الإفصاح عن الحقيقة لذلك الذي ائتمنه على عرضه و توسم به خيرا يوما ما.. و جبهة تقيده بأغلال الذنب.. احساس الجريرة و الإثم الذي يعود به لسهام و من بعدها نور و الآن جمال و ربما غدا اخت غريمهم روح!! كان صوته يزلزل جدران القصر فلو نطقت لاستجدت الرحمة من الرعب الذي يبثه صراخه.. يصرخ و يكسر و يلفظ الشتائم المقذعة.. كل هذا و عمه يراقبه بجمود دون تدخل تاركاً إياه يفرغ طاقته السلبية قبل أن يتحاور و إياه.. كل تلك الجلبة أفزعت الروح التي كانت تأن ألماً في الأعلى لتدفن نفسها بين أغطية فراشها و تسد أذنيها بكفيها تحاول منع المزيد من الأصوات الزاعقة الولوج لعقلها المشتت كي لا تنثر المزيد من الملح على جروح روحها المتقيحة.. بعد برهة خفتت الأصوات لتزيح كفيها و تبقى رجفة الجسد ملازمة لها.. قد تردى وضعها النفسي للحد المثير للفزع، أما في الأسفل أتى صوت رنين جرس الباب ليضغط زر الإيقاف لغضبة سراج الساهجة.. خرج من المكتب المحطم ما أن ميز صوت الحاج عبدالعزيز في الباب.. كان جاسر قد رحب به باقتضاب ليقاطعه الحاج عبد العزيز و نظراته مرتكزة على سراج الذي كان يخطو نحوهما بعينان عكست ما وراء أبواب الجحيم: - هم كلمتين يا ولاد حرب.. ولد ولدي ربنا ينجيه أنا مسامح بدمه.. و اكده سلسال الدم اللي بينا اتقطع و ما عادش ينفتح الموضوع ديه تاني.. و بتنا اللي أمناكوا عليها هاتتطلق لإنكوا ما كنتوش قد الأمانة.. و أي كلمة في حقها هاتترد عليكوا.. و ان كنت عايز تعرف الحقيقة يا ولد حرب ( قالها محدقا بسراج ) روح و اسأل خيتك. ألقى بالقذيفة الحارقة و خرج.. ليسود الصمت القبور فلم يسمع النأمة.. تجمد سراج و الأفكار تهجم على ذهنه بضرواة.. بينما عمه الحائر يصرخ به يطالب بتفسير و بتفاصيل ما حدث.. تجاهله و ركض إليها.. نحو أخته التي تملك مفتاح الصندوق الأسود.. هرول خلفه عمه بعزم أبطأ من ابن اخيه ليجد مشهداً مهولاً أمامه.. سراج يقبض بيديه على ذراعي روح يرفعها عن الأرض يهزها و يصرخ بها أن تتحدث.. تأرجح رأس روح و هي على أعتاب فقدان الوعي.. أقحم جاسر نفسه بينهما ليصبح حائلاً فتتحرر روح من براثن أخيها و تسقط أرضا.. أطلقت آآآه عالية شجت سكون الليل الذي يحيطهم.. نظرت لأخيها بحدقتين محمرتين و قد استشعرت انفصال الروح عن الجسد لتضحي كما الاموات فلا يضيرها جلد بعد هذا.. جأرت به و صرخت.. سردت و قصت.. لامت و عاتبت.. و أزاحت حملاً يجثم فوق صدرها كالجبال الراسيات..أعادت له ذكريات الطفولة و خلطتها بكسور الحاضر.. أخبرته بعظيم مصابها و المستنقع الآسن الذي سقطت به.. باحت بالتفاصيل التي دنست الروح قبل الجسد.. أخبرته عن بوحها لنور و تولي الأخيرة أمر استرداد حقها على عاتقها.. تحدثت فالصمت أضحى كما الشوك يجرح حلقها فيدميه. جثى على ركبتيه يضغط بكفيه على صدغيه لا يصدق ما قيل و ما يقال.. الدنيا تدور من حوله و الأهوال التي تنزل به لا ترحم روحه المكبلة بسلاسل الغضب.. ألم شديد هجم على رأسه و تلونت عيناه بلون الدم القاني ليرفع رأسه و من بعده يده التي قبضت على نحر أخته يشدد عليه القبضة.. صرخ به عمه هلعاً و هو يحاول أن يحرر عنق روح التي خرجت مقلتيها من محجريهما من شدة اختناقها جزاء قبضة سراج المحكمة و في لحظة غادرة انسل خيط دماء رفيع من أنف سراج ليسقط جسده للامام تباعاً مع رأسه الذي ارتطم بالأرضية و يغيب حينها عن الوعي القاصم للظهر. --------------------------------------- عاد الحاج عبدالعزيز للمشفى ليجد حفيدته سمر باستقباله تهرول إليه و عيناها تجودان بالدمع.. ارتمت في أحضانه و هي تبكي جمال.. مليك القلب الذي كان آخر قول ألقته على مسامعه و قلبه " أن إذهب بلا عودة ".. ليقابله هو برفع راية الحب يعطيها الفسحة لتضمد كبريائها الجريح.. تشعر بالحسرة تخنقها و الخوف يغير على حواسها فيشلها.. حادت أنظار الجد إلى أبيها سالم الذي كان يهوج و يموج بخطواته الذاهبة و العائدة أمام حجرة العناية المشددة و التي نقل إليها جمال بعد أن تكللت عملية استئصال الرصاصة بالنجاح.. التقت نظراته الغاضبة بنظرات والده المنهكة ليلتهم المسافة بينهما و يقف قبالته يطالب بالتفسير: - ايه اللي حوصل يا ابوي.. و الكلب سراج كيف يحاول يقتل ولدنا و عشان ايه؟!! أشار له والده بكفه أن يهدئ من ثورته قبل أن يخطو نحو أحد المقاعد يتخذ منه مجلسا.. قبض بكفيه على عصاه و عيناه تعانقان الأرض بيأس.. خرج صوته خاوياً منهكاً حد الإعياء: - أنا سامحت بدم جمال قبال اننا نقفل اي حديت قديم أو جديد مع عيلة حرب.. و الحمدلله جمال هايبقى بخير و بكده خلاص كل حاجة خلصت. هاج سالم بحديثه: - يعني ايه الحديت ديه يا ابوي.. عايزنا نسكتوا على دم ولدنا؟ و ابن المركوب طخه ليه من أصله.. مش المفروض اننا قفلنا على كل الحديت اللي حوصل و خلصنا؟! تنهد الحاج عبدالعزيز يجيبه بغصة تستحكم جوفه: - بيقول انه شاف نور و هي داخلة شقة جمال.. ما هايعرفش انها كانت رايحة تزور رقية.. و نور ربنا يصلحها ما قالتلوش هي رايحة لفين.. شكلها اكده كانت عارفاه مش هايقبل فقالت تروح من رواه. تلك رواية ألطف من الحقيقة.. فاتخذها حقيقة لا ضير من إعلانها لتكون الصورة التي سيصدرها أمام الجميع.. لن يأتي على ذكر نساء ليس لهن دخل و لا حيلة في ما حدث.. و بالنهاية.. نور تحمل بعض الذنب. ضرب سالم الكف بالكف و هو يدور حول نفسه و يحوقل و من ثم يقول باستنكار: - و العبيطة نور تعمل اكده ليه.. ما هي كانت شافتها من قبلها اهنه بالبلد.. خلاص حبكت تروح تزورها بشقة جمال و هي عارفة العداوة اللي بين جوزها و بين جمال بعد حريق الأرض و لمن هجم جمال على سراج عشان جوازه منيها!! ثم التفت إلى والده من جديد يصرخ: - بس مع اكده ما يحقلوش يطخ ولدنا.. و ديني و ما أعبد.. و قبل ان يكمل حلفانه كان صوت عبدالعزيز يهدر بأروقة المشفى: - ما تحلفش يا سالم.. انا قلت كلمتي خلاص.. أنا تعبت يا ولدي و كلنا اتعبنا.. خلاص احنا اكده وصلنا لآخر الخط.. و نور هاتتطلق من سراج.. بعد اللي حوصل ما الهاش قعاد معاه. - و فينها دلوقت نور يا ابوي.. أمي قالتلي انه ولد المركوب جيه عندينا و قعد يصرخ و يقول مراته هربانة منيه. أومأ الحاج عبدالعزيز باتفاق يجيبه بنبرة أسى: - هجت و سابتله البيت و ما حدش عارفلها طريق.. اني كلمت عمها نزار يشوفها يمكن سافرت حداه بلدها.. هو هايشوف و يقولنا و ان شاء الله يلاقيها. فما كان من سالم الا الوجوم و الصمت.. جاور أبيه في جلسته و فكرة واحدة تبقت في ذهنه.. ماذا سيكون رد فعل مصعب و محمد حين يعلمون؟ هل سيرضخون لكلمة الحاج ام سيكون لهم رأي آخر! مضى عليهم الوقت ثقيلاً و كل منهم يرفض مقترح الآخر بالعودة للمنزل أو الراحة.. و في خضم إطراقهم قطع السكينة من حولهم صوت سرير مدولب يحمل جسداً استقرت عدة طعنات غادرة في صلب روحه المتلظية بالخيانة..كانت الأقدام تتهافت من حوله لإدخاله حجرة العناية المشددة ليصبح بجوار جمال.. و تجاور الخصمان في رقدتهما و سقوطهما في غياهب الغياب.. الجاني و المجني عليه جنباً إلى جنب و قد تاه الحق بينهما فلا يُعلم من الغادر و من المغدور به. هبَ سالم عن مجلسه متطلعا بكل غل الكون لجاسر الذي يقف أمام الباب الذي أغلق في وجهه بعد أن ادخل ابن أخيه للداخل.. أما في حجرة أخرى منفصلة.. تم حقن روح بجرعة مخدر تستلها من وعيها السقيم بعد أن أنزل الطبيب الخبر بعمها بسقوطها ضحية لصدمة عصبية.. لربما ليست الاولى لكنها الأقسى. خلال الساعات اللاحقة كان الممر يضج برجال عائلة التهامي و يزيد عليهم جاسر حرب و عدي صديق سراج.. الأجواء كانت مشدودة و متوترة بعد أن تلاحم مصعب مع جاسر في وقت سابق ليفض سالم و ابنه عبدالعزيز الشجار الذي كان سينشب بينهما.. نظرات الغيظ و الحقد كانت تطفق من عيني مصعب و الأفكار السوداء تصول و تموج بذهنه.. انتبذ بعيدا عنهم مقتربا من الزجاج الفاصل بينه و بين ولده الراقد بالداخل.. بقي يحدق به و قلبه ينزف حزناً على ما حلَ به.. ارتحلت عيناه نحو الآخر الذي يقبع بجانبه.. لتحتقن عيناه و تتشنج أوصاله بغضاً.. ضربت رأسه الفكرة بغتة و تاه بها.. و في غمار الانغماس بالافكار الذي تلبسه انتبه له الحاج عبدالعزيز.. بل كان منتبهاً من البداية.. من اللحظة التي ولج فيها عليهم و هو يتابع تبدل قسماته و خلجاته.. ينتظر اللحظة التي سيصل فيها للقرار البغيض.. و قد كان.. تقدم مصعب من أبيه و الأخير قد انتصب بجلسته قدر استطاعته ليستقبل حديثه.. ليقول حينها مصعب مستأذنا: - شوف يا حاج.. هو زي ما قولت.. اللي بينا و بين عيلة حرب راح و جبر.. و الحكاية بيناتنا خلصت على اكده.. فاحنا لازم نقطع أي صلة لينا معاهم.. و انت قولت انك هاتطلق نور من سراج.. يبقى الأولى برضك.. - إياااك يا ولدي. هدر بها الحاج عبدالعزيز باتراً لأي حديث تالٍ.. نهض عن مجلسه و هو يرتكز على عصاه ليتقدم من ابنه و يضع كفه على كتفه يقول بحكمة فاز بها من سنون عمره الطوال: - انا قولت انه نور ما الهاش عيش مع سراج بعد اللي حوصل.. و قولت انه بعد ما دم ابننا سال يبقى سلسال الدم انقطع و بس على اكده.. مرتك ما جبتش سيرتها واصل.. و ان فكرت انك تطلقها هاتبقى ظالم يا ولدي.. احنا ما شوفناش منيها العيبة.. و كانت صاينيتك بوجودك و غيابك.. ربك ما يرضاش بكده يا مصعب يا ابني. تجهم وجه مصعب يجادل أبيه: - بس يا ابوي.. اني ما قادرش ابقى عليها بعد ما ولد اخوها كان هايقتل ولدي!! - أديك قولتها أها.. ولد اخوها.. و هي ما الهاش شور عليه و ما الهاش دخل يا ولدي " لا تزر وازرة وزر أخرى ".. شيل الحديت الماسخ ديه من مخك .. ديه احنا ما صدقنا انك رضيت تتجوز و تهمد بقى.. بكرا بس جمال يصحى و تشوف ضحكته هاتنسى كل الحديت ديه. تنهد مصعب بانزعاج و قد قرر في باله اعتزال منزل العائلة حتى تهدأ ثورة غضبته.. فوالده على حق.. لا يجب أن نظلم من لا ناقة له و لا جمل في الكرب. رنين جرس الباب أيقظها من الهروب في سباتها.. نهضت بتأنٍ غير مبالٍ و هوية الطارق معلومة لوعيها النصف مغيب.. من سيكون غير عمها نزار !! أسدلت اسدال الصلاة على رأسها فجسدها ثم توجهت نحو باب المنزل لتفتحه و تقابل نزار بوجه خالٍ من أي تعبيرات.. طالعها بوجه مكفهر عبوس و دون أي عبارة ترحيب من أي منهما أفسحت نور له المجال للولوج ليتخطاها نحو غرفة الجلوس تتبعه خطواتها.. جلس إلى إحدى الأرائك و أشار لها بالسبابة و الوسطى مضمومتان للجلوس.. ركز نظراته عليها ليتحدث بنبرة مختنقة حانقة: - شو اللي صاير معك.. و كيف بتتركي زوجك و أهلك من دون ما تحكي لحدا لوين رايحة!! هاي آخرة تربايتنا الك يا نور؟!! بصرها كان مثبتاً على السجادة تحت قدميها تطوف على تفاصيلها بتيه.. وصلتها كلمات عمها اللاذعة المقرعة و قد توقعتها.. تمنت أن تخبره.. صدقا تمنت أن تسكب بدلوها و تفضي بكل الحقائق.. لكن حينها.. سيلومها أكثر.. لربما يبتعد عنها غضباً من إقصائه عن كل تلك التفاصيل الغابرة.. رفعت ساقيها إلى صدرها تثنيهما و تضمهما بذراعيها لتتحدث بصوت شابته البحة المختنقة: - بيشك فيي. زوى نزار ما بين حاجبيه و اختض داخله لعبارتها العظيمة المرعبة.. طفقت الأفكار تأرجح ثوابته لكنه أيقن أن عليه التريث و التبين: - شو؟!! كيف يعني بيشك فيكي؟؟ و ليش؟ هاذ أكيد انجن و مش عارف بنت مين هو ماخذ!! لم تتأثر و لم تغير من وضعيتها..هي لن تعطيه الحقيقة المكتملة.. فقط الرتوش الضرورية.. أخبرته عن عشق حمله لها ابن خالها.. عن صدها له..عن صدامات تولدت بين جمال و سراج حال إعلان خطبتهما و ما تلاه من تشديد سراج عليها أن لا تلتقي بجمال بأي حال من الأحوال.. لكن حدثت المصادفة أن أتت ابنة خالها للقاهرة فقررت أن تزورها دون علم زوجها في شقة جمال و هنا كانت الكارثة. صدقا كانت مصادفة بحتة ان توافقت قصتها مع قصة جدها التي قصها على العائلة في مصر.. صدفة لم تعلم بها حتى اللحظة.. بينما نزار كان قد سكن سكون الصحراء الخالية.. بضع دقائق من الصمت الخانق طافت بهما.. فصغيرته تحمل بعض الذنب.. بل لربما الذنب جله.. و من خلف ستار حديثها يتربع خطؤها الجسيم..رفع رأسه إليها يلوم عليها: - اللي عملتيه يا بنتي كان غلط.. و غلط كبير كمان.. ما كان لازم خبيتي عن زوجك و تروحي من وراه خاصة و انتِ عارفة اللي فيها!! ثم شردت نظراته الهنيهة ليقول بصوت شخص قد توصل لبواطن الأمور: - أنا كنت حاسس إنه في قصة بين الاثنين من ليلة العرس.. الخشبات اتكسرن بايديهم ليلتها و هم عاملين حالهم بيرقصوا. ثم هز رأسه بأسى قبل أن يقف و يخاطب نور المنكسة رأسها: - أنا راح أحكي مع زوجك و أفهمه الموضوع.. و إذا اضطرني الموضوع بسافرله و بتفاهم معه. ارتج جسد نور و وثبت عن جلستها تقبض على ذراع نزار و الرجاء ينهمر من عينيها و حروفها: - لاء يا عمي لاء.. حلفتك بالله انا ما بدي ارجعله.. ما بقدر اكون مع واحد ما بيوثق فيي. نفض يدها عنه بغلظة و لأول مرة في حياتها يصرخ بها و يهتاج عليها بهذه الحدة: - نوووور.. انتِ الغلطانة هون.. الزلمة كان محذرك و مفهمك انه ما بيتطايق مع ابن خالك.. و انتِ اتصرفتي من ورا ضهره.. بعدين تعالي جاي.. فهميني شو اللي صار بينكوا تا انك هربتي من عنده؟ غطت وجهها بكفيها لتخرج حروف الكلمة مشبعة بالنحيب: - ضربني. تجمد نزار و تشنجت قسمات وجهه كالأوتار المشدودة.. كور قبضة يده ليقول بصوت بارد ينذر بالشر: - احكيلي شو عمل بالزبط. اعتصرت عيناها و قلبها ينهرها أن تغدر به و تشوه صورته بعيني عمها.. و لربما هي إحدى تلك الحالات النادرة التي يتفق فيها العقل و القلب.. أشاحت بوجهها تجيبه: - ما.. يعني.. هو ضربني كفين.. و حبسني بالغرفة و أنا خلعت الباب و هربت. هل يلومه!!هل يعده ناكثا للوعد الذي قطعه و خائنا للعهد بينهما.. من خان من هنا؟ و هل هناك خائن من الأساس.. بل هي الأوهام و الوساوس التي تمكنت منه.. و صغيرته بتصرفاتها الهوجاء غذتها و سكبت فوقها وقود الشك لتشتعل و تحرق كل ما بينهما.. ترى هل تبقى شيء صالح للإنقاذ!! أطرق رأسه متنهداً بقنوط.. هو رجل و يعلم مكنونات الرجال.. الظن بالخيانة يدفع بالرجل لأقصى طرف من الغضب و الظلام و لربما الظلم.. و سراج لم يتسنى له سوى رؤية الصورة بالمجمل دون التدقيق بتفاصيلها.. حل ربطة عنقه قليلا و هو يشعر بدخان أسود يحيط به و يخنقه.. كتفاه متهدلتان و جبهته توازي الأرض و من دون أن يعلق بحرف التف بجسده و حرك قدماه للخارج لينطلق صوت نور بإسمه مناديا دون أن تجد لندائها من إجابة. في السيارة استل هاتفه من جيبه و طلب رقم الحاج عبدالعزيز.. سرد عليه ما سمع من نور ليتنفس الجد الراحة بعد أن تطابقت الروايتان.. أسره نزار بحيرته و عجزه عن القرار.. ليقضي الحاج عبدالعزيز بالأمر.. فالطلاق بينهما واجب.. ليثور نزار لهذا الرأي البغيض.. لكن كلمة الحاج عبدالعزيز أخرسته " لما يدخل الشك بين الزوجين.. ما بقاش فيها كمالة يا دكتور.. الشك مرض بيقتل كل حاجة حلوة بينهم حتى لو كان على باطل" و للأيام التي تلت خاصمها و لم يعلم أخبارها إلا من زوجته سارة التي كانت تتفقدها كل يوم.. يجلب الحاجيات اللازمة لها و يبعثها مع زوجته.. و كل ليلة قبل أن يضجع لنومه يسأل زوجته عنها.. لتجيبه " على حالها " ليمثل بعدها النوم و يستسلم ليقظة الأفكار و السهاد و القلق على أمانة أخيه. ----------------------------- استفاق بعد سقطته بيومين.. و أول وجه رآه كان وجهه.. للحظة ظن أنه سيدخل في نوبة ارتفاع ضغط أخرى لكن شحوب وجه جمال و صوت جهاز نبضات القلب استدعى انتباهه و أخمد من ثورة قلبه.. و الآن ها هو يقف في حجرة شقيقته النائمة.. يطالعها بجمود مفكراً. هل ظلمها؟ هل زاد من سقمها بالحبال التي طوق بها حريتها؟!! لربما صدقت نور حينما حذرته من إهمال خطورة حالة أخته.. ليته سمع و وعي لحديثها حينها!! لكن كلمة يا ليت لا تعيد xxxxب الساعة للخلف. اقترب من النافذة يتطلع لخارجها إلى الأشجار الباسقة التي تحيط بالمشفى.. يفكر فيها ليل نهار.. ذكراها كالجبل الراسخ يجثم في عقله يأبى التزحزح.. بل كالنار التي تشتعل في فؤاده دون أن يرتجي لها انخماداً.. يشتاقها حد الألم و يمقتها حد السقم.. لا يستطيع فراقها و لا يرغب بقربها بعد أن غدرت به.. بلى قد غدرته.. أخفت عنه الحقيقة و استأمنت غريمه ليحمل الثقل عن كاهله.. خافت منه و من رد فعله.. هل كانت تعرفه؟ ابتسم بسخرية .. لربما عرفته أكثر من اللازم.. ضميره يخبره أنها خشيت على روح منه.. و قلبه ينفطر كمداً على ما فعلت به.. حاول أن يلتقط الفتات من الثأر لشرفه الذي دنس بأيد غاصبة ليعلم أن ذاك الدجال قد زج بالسجن.. و أن جمال هو خلف حبسه.. هل يستوجب عليه شكره الآن؟ يريد السقوط.. صدقا يتمنى السقوط من جديد فالواقع أحلك من أن يستمر فيه. -------------------------------- ليلة سرمدية بعد أخرى.. شرود يسكنها و تسكنه.. أضحى الحزن يألفها و تألفه.. لا يفترق أحدهما عن الآخر.. حتى بات يستلقي معها على وسادة السهاد طول الليل و كل ليل.. صدق جبران حين قال ذات سهاد " السهر جميل حين تختاره لكنه مؤلم حين يختارك "، باتت كالشمعة المحترقة حتى قاربت على الزوال.. لا طعام يدخل جسدها سوى ما يكاد يسنده.. شهيتها منقطعة و قد عادت تقلصات معدتها هي البطل الرئيسي لفحوى أيامها من شدة قلقها و توترها.. لا أحد يهديها الراحة.. و عمها نزار باقٍ على قطيعته لها.. حتى صديقتها بيان التي زارتها بالأمس حملتها الجزيل من اللوم.. أنبتها أنها ما كان عليها أن تحشر نفسها بهذه معضلة.. الكرب كان أوسع من مقاسها.. برأيها كان عليها اللجوء لعم روح إن لم يكن أخيها.. ضحكت بسخرية.. فلربما هي الجانية في النهاية.. هكذا تقول أفعالهم معها.. حتى لو نيتها الخير.. هي المذنبة.. بلى .. هي من اجتمع بها الصفتان.. الجاني و المجني عليه، قبل ليلتين حادثت جدها.. فأتاها صوته مثقلا بالهم.. أخبرها بما سرد على الجميع.. و طمأنها ان الجميع بخير.. و بعد تلكؤ بسيط أخبرها أنه قد قص الحقيقة على مسامع زوجها بعد أن علمها من نعيمة.. لتجزع و تلتهب أنفاسها هلعاً على روح.. لينثر الرمل على نيران مخاوفها و هو يؤكد لها أن الأمر مرَ على خير و أن سراج تقبل الأمر بعد فورة أعصاب طفيفة لم تطل أحدا بأذى، و اقتنعت بحديثه.. من صوته الواثق اقتنعت.. هي تثق بجدها و بالتالي صدقته.. لتغلق يومها الاتصال و فكرها يرتحل لروح.. تتمنى لو تحادثها و تطمئن عليها لعلها تطفئ واحدة من جذوات النيران المشتعلة بداخلها. قد مضى بضع يوم على تلك المحادثة مع جدها.. و بشرود أضحى وليفها نهجت تحضر لنفسها شطيرة من الجبن و الخيار تسند بها جسدها.. بينما صوت فيروز المخملي يترنم في خلفية المشهد.. لطالما مست فيروز شغاف قلوب المحبين .. و بصوت شجي يتغنى بالحزن و الفراق غنت فيروز: " قال يا بيتا لنا جاورتك الأنهر *** ليت ما كان هنا من سنا لا يهجر *** أفلتت من غصنها وردة في معبر *** هتفت أخت لها لا تروحي انتظري *** ذاكر ليل هنا قلت أين القمر ***صاح بي عند الربى في الممر الأخضر *** بلبل ملؤ الصبا هاتفا لا تكبري *** و أنا في هدب من أهوى سنون تعبر " الربى.. فكرت بحسرة أنه دوما يتغنون بالوطن و ينسجون القصائد فيه.. لكن وطنها يختلف.. ليس أرضاً و لا مساحات شاسعة.. لا بحاراً و لا أنهار.. لا جبال و لا سهول.. وطنها هو زوجها.. يبدأ به و ينتهي إليه..مساحته تقاس بين ذراعيه و عاصمته هي موضع النابض لديه..وطنها لديه اكتفاء ذاتي من الحب و الدفئ.. هذا وطنها الذي لا تنشد عنه بديلا.. لكن ما الحيلة حين يلفظها الوطن من جنته الوارفة.. و ينفيها بعيدا عن روضه الذي سقته بالحب الوليد.. تشتاق شذا أرضها.. تفتقد أحضان وطنها. ( أنت الوطن و كل الأوطان بعدك .. غربة – بشير الشمري ) أنهت تناول شطيرتها و ارتشفت القليل من كوب النسكافيه خاصتها و فكرها ما زال مشغولا بروح و أخيها.. تنهدت بقنوط و هي تفكر أنها لربما يجب أن تركز اهتمامها الان لمعرفة أحوال روح.. وأتتها الشجاعة فالتقطت الهاتف و طلبت رقم روح.. رنة.. رنتان و من ثم أتاها صوت سراج القوي المستفهم: - ألو.. مين معايا؟ أنهت الاتصال من فورها لترمي الهاتف بعيدا و كأنه جمرة مشتعلة.. توترت أنفاسها و رمشت بأهدابها بتتابع و هي تخشى أن يفطن لرمز الدولة الظاهر على الاتصال !!!! ارتعد جسدها على رنين الهاتف لتناظره من بعيد و ترى إسم روح يرتسم على شاشته.. تناولته سريعا و رفضت الاتصال و من بعدها حجبت الرقم لكنها أيقنت أن سراج لربما الآن يعلم أنها المتصل من رمز المفتاح الدولي لرقمها و بالتالي قد علم ملاذها.. هامت بهواجسها لبعض الوقت قبل أن ياتيها اتصال من عمها نزار.. ردت بلهفة لتصلها كلماته التي قذفت بها إلى قاع الجب الحزين: - جهزي حالك بدنا نطلع على السفارة مشان تطلبي الطلاق.. مش هاتضلي معلقة هيك. غرزت أسنانها في شفتها السفلى تكبح دموع واجبة لتقول بصوت مهزوز: - طلاق!! ليش الطلاق؟ ليرد نزار بصوت خاوٍ: - بلاش طلاق.. بنرفع خلع. - لاء.. أنا قصدي. إنه.. يعني قاطعها نزار بقوله: - نور.. من الآخر.. إنت مستعدة تحكي معه و تستسمحيه؟ مستعدة تحطي الغلط على حالك.. و ممكن يسامحك و يرجعك و ممكن لاء.. و إذا رجعك ممكن تعامله ما يكون مثل ما انتِ متخيلة.. يعني احتمال ما يستقبلك بالاحضان و الاشواق. أغمضت نور عينيها و أعادت رأسها للخلف.. ضحكت بسخرية دون صوت.. هي تعلم أنه لن يغفر.. تعلم أن كبرياؤه أغلى منها عليه.. تعلم أنه لن يستقيم الأمر بينهما.. قد ضاع الود و اغتيلت الثقة بينهما.. و قضي الأمر.. فأصبح واجبا عليها أن تجهر بحروف الأمر النافذ: - بستناك بكرا الصبح عمي مشان نروح على السفارة. و على هذا انتهى الحوار.. جرت أقدامها لسريرها ترمي بنفسها فوقه.. دموعها سالت و سالت حتى أشبعت الوسادة.. قد عادت لنقطة البداية.. لكنها عادت بجسدها فقط.. ليس بقلبها و روحها.. فقد تركتهما معه.. بين كفيه. ------------------------------------- - الحمدلله على السلامة يا ولدي.. نورت بيتك. ابتسم جمال لترحيب جده الذي رافقه طوال تلك الأيام و الليالي في المشفى.. استقر على مقعد في الصالة و جل نساء المنزل يحلقن من حوله يتسابقون على خدمته.. وضعت الجدة كفها على رأسه تتلو المعوذات و الأدعية لحفظه من كل شر.. بينما أحلام تضع كوب العصير الطازج في يده ريثما يجهز الغداء.. و بعد الغداء اختلى بجده: - فين نور يا جدي؟ أشاح الجد بنظراته موبخاً: - ما لكش صالح بنور يا ولدي.. نور بمكان أمين. زفر أنفاسا مختنقة يفضي بحيرة: - أنا مش فاهم ليه كل ده حصل.. و مش مصدق. ليباغته الحاج عبدالعزيز بسؤال: - عملت إيه في الحكاية اللي قالتلك عنها نور؟ ضيق جمال عينيه يحاول أن يستشف ما يعلمه جده ليزيح الجد الحيرة بقوله: - نور قالتلي انها جاتلك عشان دجال اهنه بالبلد بيضحك على البنات.. ها.. عملت ايه و اياه؟ تنهد جمال براحة يجيبه: - كلمت واحد صاحبي رائد بالداخلية.. و دلوقت هايكون متعفن بالحبس. أومئ الحاج عبدالعزيز باستحسان قبل أن يكرر من جديد: - نور تنساها يا ولدي.. هي رجعت بلدها خلاص.. و اللي بينا و بين عيلة حرب بقي رماد و ما حدش هايحكي فيه من تاني. و انتهت الحكاية هنا أيضا.. ----------------------------------- - أنا قولتلك من كام سنة يا سراج بيه إنه اختك محتاجة تعمل عملية القلب.. انت وقتها رفضت بحجة انك خايف عليها.. و دلوقت أنا بكرر عليك اللي قولته زمان.. الآنسة روح مش هاتستحمل أكتر من كده و أي تأخير مش هايكون بصالحها.. الحالة النفسية اللي هي فيها بتأثر بشكل سلبي على وضعها الصحي. مطرقا رأسه يستمع لحديث الطبيب بروح فارغة و عقل مشحون.. أومئ دون رد.. سيمشي مع التيار.. سيفعل ما يريدون.. لا يريد سوى أن يرتاح و يلقي بالأحمال من فوق كتفيه.. لم يستطع مواجهتها بعد.. أخته.. شقيقته و قطعة من روحه.. يشعر بسد نفسي يفصل بينهما.. نهر من الخزي يقسم الأرض بينهما.. خزي مشترك.. لن ينكر هذه المرة.. فالصراحة مع النفس قبل الآخرين باتت لازمة، رفع أنظاره للطبيب يقر له: - حدد الميعاد يا دكتور.. و اللي فيه الخير يكتبه ربنا. و هكذا.. بعد صراع سنين بين قلبه و عقله.. أتت الغلبة للعقل بعد أن كانت للقلب.. انتهت الحرب و انتصر العقل.. ليته انتصر من البداية.. رتب الإجراءات اللازمة و عاونه عدي.. تم تحديد تاريخ العملية و من بعدها فترة النقاهة التي ستقضيها في القاهرة إلى جانب جلسات مع طبيب نفسي.. العودة للصعيد عصية عليها و عليه.. حتى شقته.. باعها و استبدلها بأخرى.. فالأولى تحمل عبق تلك التي هجرته و غدرت بحبه و طعنت ثقته.. قد أضحى جسدا بلا روح.. أو بلا شعلة الروح.. فالشعلة المتوهجة قد انطفأت برحيلها. ----------------------------------------------- عادت إلى منزلها بعد أن رفضت دعوة عمها بالذهاب لمنزله و تمضية اليوم مع العائلة.. تريد الاختلاء بنفسها و أحزانها.. آهاتها و أناتها.. و في الحجرة المظلمة جلست دون أن تبدل ثيابها.. توجه نظراتها للفراغ الذي يحاكي فراغ روحها.. لم تعلم كم مر من الوقت.. ساعة .. ساعتان أو لربما أربع دون أن تتحرك.. حتى صدح رنين هاتفها.. و بوهن بائن التقطت الهاتف و تطلعت للإسم.. قطبت حاجبيها و اسم رحمة يضيء الشاشة لتجيب الاتصال مرغمة فلربما هناك أخبار حديثة يستوجب عليها معرفتها.. فيأتيها صوت جدتها مختلطاً بشهقاتها: - بتي يا نور.. اتوحشتك قوي يا بتي.. مش هاتعاودي بقى يا نضر عيني. تنهدت نور بألم الفراق تجيب جدتها: - صعب يا ستي و الله صعب.. حكيتلك المرة الماضية.. مش هاقدر أواجه حدا هلأ.. اللي صار مش سهل.. بس صدقيني راح آجي.. آخرتي آجي.. انا ما دخلت هالحرب مشان بالآخر أنكسر و أنهزم و أبعد عنكوا بعد ما لقيتكوا. - ما اتعوقيش يا بتي.. و الله ما انا قادرة على بعدك.. حسك بينا رد فيا الروح يا بنت الغالية. ابتسمت بتعب تؤكد على ما تحدثت به سابقا: - راح أرجع ستي.. بإذن الله راح أرجع. | ||||
20-12-19, 11:27 AM | #374 | ||||
| فصل جميل جدا ويحبس الانفاس هل انتهت قصة نور وسراج ...... اكيد نور غلطت بجد مش عشان سراج او جمال غلطت بحق روح مفروض عمها اولى انها تقولوا وهو يتصرف مش تحكي للغريب وتفضح بنت الناس فعلا استغبت بدي واكيد سراج مش رح ينسى انها لجأت لغريمه بحاجه تخص عرضه هو...... بانتظار الفصل القادم لا تطيلي الغياب دمت بخير | ||||
21-12-19, 12:08 AM | #375 | |||||||||
عضو ذهبي
| فصل مؤلم جدا والاسوء انه كله بيرمى المسئولية على نور لوحدها سراج كمان غلطان بتجاهله الدائم لمشكلة روح واعتبر انه طالما قفل عليها يبقى كدا بيحميها من الاخطار وهى اصلا مدمرة من جوه ومشوهة الروح بسبب الماضى اللى عايشه فيه انا زعلانه على نور اوى | |||||||||
22-12-19, 09:19 PM | #379 | |||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
22-12-19, 09:20 PM | #380 | |||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|