آخر 10 مشاركات
7- جرح السنين - شارلوت لامب - كنوز روايات أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          227- المبادلة العادلة - فاليري بارف - مدبولي (حصري على روايتي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          27 - حبى المعذب - شريف شوقى (الكاتـب : * فوفو * - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          436 - سراب - كارول مارينيللي ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          1-لمن يسهر القمر؟-آن هامبسون -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-11-19, 08:37 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



//

" كلهم حولي، ولكني بدونك وحدي "
- أدهم شرقاوي



(7)




كان الصّباح مُشرقا ساحراً، يُغْري بالتّنزّه فِي أحْضَان الطّبيعة الفتّانة بحسن بديعها وجمالها، وبعد يومين من انقضاء تلك الرحلة الجميلة خرجْت كلا من ريم وقمر منذ الصباح الباكر إلى الحديقة المنزلية حتى تستمتعان في هذا الجو الجميل،
وكانت الحديقة التي ذهبتا إليها تضمّ بركة من المياه ،،وكأنها بحيرة تنبسط حولها روضة غنّاء، تبدو البركة لوحة فنّيّة رائعة، و سطحها المائي يتراءى مُلتمعاً مثل المرآة المصقولة ،، وقد تعَلق نظرهما بالمروج الخضراء الممتدّة بأعشابها النضرة وورودها اليانعة، وبتلك السّهول المنبسطة انبساطا يبعث في النفس السّرور والراحة ويجعلها تجوب أرجائها الواسعة التي تبهج العين وتروّح الصّدر بهوائها النقيّ العليل.....

" انه مكان جميل جداً.." قالتها قمر وهي تجلس بجانب ريم على ارجوحة حمراء اللون..
اومأت ريم رأسها وقالت بتعب واضح " أجل.. لنا وقت طويل لم نأتي به الى هنا.."
" كنت احتاج مكان كهذا لكي أخرج قليلاً من اليأس والحزن الذي كنت فيه.." قمر براحة
" جميعنا نحتاج لفترة هكذا تكون فترة نقاهة لكي نرتب فيها اولوياتنا.. ونستطيع الابتعاد لكي نفكر ملياً بقرارتنا.."
وما ان انهت ريم جملتها حتى اعتلى صوت هاتفها معلناً عن وصول رسالة حتى أممسكه وبدأت عيونها تستقر على كل حرف من حروف الرسالة
( مرحبا ريم ربما لست أول من يهنأك بهذا اليوم الجميل ،، ولكن عيد ميلاد سعيد ..)
كانت تقرأ كل حرف من حروفها بابتسامة حالمة وحب وشوق كبير، إلى أن تساءلت قمر " من المرسل؟!"
" رائد.." اجابتها ريم وما زالت الابتسامة على وجهها
" وماذا كان يريد!!"
قالت بابتسامة "يخبرني بموعد قدومه..."
" سألتها قمر "لا بد انك اشتقت اليه "

"ما رأيك ان نسير قليلاً لقد مللت وانا اجلس هكذا تحت اشعة الشمس.."
قالتها ريم بعد ان اومأت رأسها بحياء وهي تنهض متجاهلة سؤال قمر التي ابتسمت ثم قالت وكأنها تذكرت شيئا ما " ومن بعدها سنذهب الى التسوق "
" حسناً.. هذا جيد !!"
ثم تحدثت ريم في سرها بحزن " يبدو انك الوحيد يا رائد الذي تتذكر يوم ميلادي "

وأخذتا تسيران جنبا لجنب تتنقلان من مكان الى أخر بكل راحة وابتسامة لم تفارق وجهيهما مبعدتان افكارهما السوداء التي تأخذهما في طريق معتم مليء بالاوجاع والأحزان.. ليتوجها بعدها برفقة السائق الى بازار تقليدي صغير يأتيه السياح من مختلف أنحاء العالم يصطف فيه البائعين تحت خيم من القماش يبيعون فيه ملابس تقليدية و بعض المطرزات ذات الالوان والأشكال المختلفة.. وبعضاً من المأكولات الشعبية التي تجتذب السائح... وسرعان ما اندمجت الفتاتان في هذا السوق الشعبي تنتقلان بين ازقته بسعادة واعجاب... تضحكان تارة ثم تسخران تارة اخرى يليها العبث ببعض المجوهرات المصنوعة من الخرز الملون.. وتجربان القبعات المصنوعة من القش.. ويستمتعا ببعض من الموسيقى التقليدية...

بعيداً عن الفتاتان.. وتحديداً حيث المدينة ..،، وعلى مفترق احدى الطرق نقف حيث يقبع قصرنا الصغير ،، وتتوجه خطانا في السير حيث يجلس على مقعد خشبي وكعادته وعلى مدار اليومين الماضيين يمسك تلك السيجارة اللعينة باضطراب ويبدأ بنفث دخانها مرة تلو الاخرى بلا مبالاة ،، الى ان ينتهي منها ويسحقها ارضا....
اخذت يداه بعد ذلك تقلب بين تلك الاوراق العديدة بعيون يملأها مزيج غير متجانس من السعادة والحزن .... الاعجاب والحب .. الندم والاسف.. كل تلك المشاعر ألمت به منذ ان عاد البارحة ليلا بعد ان قضى معظم وقته على شاطئ البحر يعاود عيش ذلك اليوم الذي قضاه معها وهو يغني بأغاني الحب ،، ثم يعود في المساء يجلس على هذا المقعد من جديد يستذكر مشاعره التي تولدت في تلك الامسية الجميلة حيث قضاها بجانب ملاكه الجميل...و ابتسم بحب وهو ينظر الى هذه الرسومات الابداعية وكأنها رسمت على يد امهر الرسامين في العالم.. ولكن الغريب بالأمر هو...ان بطل هذه الرسمات هو نفسه....
فهذه الرسمة هي يوم قضائهم ذلك اليوم على شاطئ البحر بعد ذهابهم لشراء معدات الرسم... تجلس هي على الرمال تنظر بابتسامة الى ذلك الذي تعبث انامله بأوتار الجيتار.. ابتسم بسعادة قبل ان ينظر الى الورقة التي تليها حيث عقد حاجبيه استغرابا وضيقا وهو ينظر الى نفسه مرسوما بطريقة جميلة تصف ما تراه قمر في ذاته من خلال وقفته تلك مستندا على حائط على ما يبدو عيونه كالدم الاحمر حمراء مستشيظة غضبا موجهة الى ناحية ما... وفي الورقة التي تليها كانت الرسمة مقسمة الى نصفين... الاوان الزاهية تحتل نصفا... والالوان الباهتة تحتل النصف الاخر.... اما النصف الاول كانت اوراق الشجر الخضراء والتي تتخللها ألوان الورود الحمراء خلف ذلك المقعد الخشبي والاضواء المسلطة على هذه الناحية تزين الجلسة.. يجلس هو على مقعد خشبي ممسك بيدها برفق وعيونه الجميلة التي بلون الرماد مسلطة عليها.... اما هي فعيونها العسلية الجميلة تنظر اليه بارتباااك وحيرة و بابتسامة رقيقة.....
ابتسم لذلك وهو يتذكر ليلة الامسية كيف جلسا سويا لبضع دقائق على نفس المقعد الذي يجلس عليه... اخذ نفسا عميقا وهو يشعر بضيق وجبال ضخمة من الحنين والاشتياق فماذا تكون تفعل الان!! وكيف تقضي وقتها بعيدا عنه !! هل حزينة ام سعيدة؟؟ ردد هذه التساؤلات في رأسه بحيرة واعاد بنظراته الى الورقة من جديد وهو يتأمل ابداعها.. حيث مثلت ذهابه بعد ذلك كالطيف.. حيث رسمته بألوان خفيفة جدا وهو يغادر المكان... واكثر ما لفت انتباهه هو مسيرها بعد ذلك الى تلك المنطقة ذات الالوان الباهتة ذات لون رمادي اسود على هيئة طيف فراشة ملونة اخذت تتخلل تلك المنطقة الرمادية وكأنها بروحها المرحة والسعادة العارمة النابعة من داخلها تدخل البهجة الى قلوب الاخرين بل للعالم باسره والى ذلك القلب الحديدي الذي يملكه حيث ينظر الى فراشته الجميلة بحب كبير واخذ يحدث صورتها المرسومة بندم واسف " هل تعلمين يا فراشتي الجميلة ،، انك اجمل فتيات الكون.. انتِ وحدك من احدثتِ ذلك الزلزال الغريب في.. ( ابتسم بمرارة) ادرك تماما انك تكرهينني بشدة.. بسبب تصرفاتي.. (وهنا اكمل وهو يضم الورقة الى صدره) ولكنني اريدك كثيرا.. اريدك اكثر من كل شيء.. اريد ان اعانقك بشدة لتمتزجي بي وتكونين لي وحدي انا فقط.. تكونين شيئا ساكنا في لا استطيع الابتعاد عنه..( تنهد تنهيدة طويلة ثم اعاد الورقة امام ناظريه وهو يتحسس صورتها المرسومة بكل حب) اعلم انك لا تفهمين معنى بعض تصرفاتي وحالي المتقلب.. انا نفسي لا افهمها.. ولكنني أفهم جيدا حال ذلك القلب الذي ينبض حين رؤيتك... وافهم جيدا حاله عندما تختفين عن الانظاار ... اشتقت لك بحجم هذه السمااء يا صغيرتي"
ثم طبع قبلة على تلك الورقة وهمس بشيء ما بصوت منخفض قبل ان ينتقل الى الورقة التي تليها والتي كانت مطوية لتصبح بنفس حجم الاخريات.. و مذ ان فتحها سقطت عيونه عليها حتى اتسعت غير مصدقة لما تراه كانت عدة رسوماات لتلك السلسلة.. فشعر بدمه سيتدفق من عروقه واستشاظ غضبا فألقى بتلك الورقة جانبا وهم مبتعدا عن المكان وعاود اشعال سيجارته من جديد وهو ينطلق عابرا بسيارته شوارع المدينة.. غير منتبه لبقية الرسمة لتكشف له سرا كبيراً بغضبه هذا لم يكتشفه.....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

كانتا تسيران في طريقهم للبيت تعبران طريقاً عشبياً جميل والشّمس عند الأفق تقف مودعة هذه الطبيعة الخلابة، ولونها الأحمر المتوهّج المنعكس على مياه البحيرة فيضفى عليها سحرا ويجعلها تتلألأ كبلورات صغيرة .. واسراب البط الابيض يسير خلف بعضه البعض عابرا تلك المياه بشكل جميل ..

" لا ادري ما كل هذا الاصرار " قالت ريم وهي تلهث من شدة التعب
قمر بابتسامة غامضة " لا لشيء،،،"
اكملت قمر بسخرية " ثم ان التسوق مفيد للصحة.. "
" لا بد انكِ اخذتِ عدوى التسوق مني " علقت ريم بفخر..
قهقهت قمر بخفة واكملا مسيرهما بأحمالهم الكثيرة الى ان وصلا حيث منزلهم الخشبي

تحدثت ريم باستغراب " لماذا الأنوار مطفأة؟!"
اجابتها قمر " لا ادري.."
ثم توقفت وهي تمسك يد ريم برعب " انا أخاف من الظلام.."
أخذت ريم نفساً عميقاً و راحت تهدأ من نفسها التي ارتاعت.. الانوار مطفأة هذا يعني انه لا يوجد احد في المنزل.. حتى السائق غير موجود ،، " قمر اهدأي.. لا يوجد شيء يستدعي كل ذلك الخوف.."
وما زادت قمر الا تعلقاً وتشبثاً فيها.. وريم التي ازدادت ضربات قلبها وهي تفتح باب المنزل وتدخل ذلك الممر المظلم بأطراف متوترة وتبدأ تتحسس الحائط لاشعال النور ولكن ارتخت يد قمر عنها... فأخذت تنادي قمر عندما لم تشعر بانفاسها المتلاحقة بخوف " قمر.. قمر.."
ولكن صوت ارتطام جسد قوي بالأرض جعلها تصرخ بقوة كبيرة وبانفعال " قمر...."
وشعرت بأحد ما خلفها فأغمضت عيونها بخوف وذعر شديد وضمت يداها الى صدرها ولكن زاد ذعرها عندما خرجت اصوات خفيفة تعبر عن الألم .. فأخذت تمشي بخوف شديد وتصرخ باسم قمر الى أن سمعت صوت الباب الرئيسي يغلق بقوة فأخذت تصرخ بقوة وهي تضع يداها على وجهها وتذرف الدموع الى أن شعرت بالإضاءة تتسلط على وجهها ومزيج من الاصواات يقول
...........
.........
.......
.....
...
.


" مفاااجئة .."




ضحكت ريم وقالت بعدم تصديق " لا أكاد اصدق الى الان .. كيف خدعتني بحجة التسوق"
اجابها رامي بسخرية " لأنك حمقاء.. "
بينما اكتفى مجد بأن ألقى بنظره حيث قمر وابتسم بهدوء ثم قال موجها حديثه الى ريم " انت تعلمين اننا لا ننسى يوم مولدك.."
اجابته بامتنان وفرح شديد " اعلم ذلك.."
" على كل حال كان يوماً اسوداً وما زال..سأذهب لأشعل بعضا من الموسيقى"
تجاهلت ريم تعليق رامي ثم أخذت تنظر بلهفة وسعادة الى البوابة الرئيسية عندما لمحت محبوبها يتوجه نحوهم فذهبت مسرعة تركض باتجاهه حاملة معها شوقاً وحباً كبيراً بينما مضى مجد في طريقه حيث تقف قمر معلنة الابتعاد عن سحره لهذه الليلة وعن عيونه التي تتصفح تضاريس جسدها بين الفنية والاخرى.. كانت ترتدي سروالاً واسعاً بعض الشيء وانتقت له قميصا ابيض اللون.. فاردة خصلات شعرها المجعدة بحرية تامة لتنساب على أكمل ظهرها...

" هل يمكننا التحدث قليلاً !!"
عارضته قائلة وهي تحاول الفرار والنجاة منه بصفته مدمرها اولا وثانيا بسبب قلبها الذي لا يرفض الا ان يحدث زلزالا قويا "وماذا تريد!!"

"أرجوكِ فقط خمس دقائق لا أكثر " مجد برجاء

نظرت اليه مطولا ثم قالت بتهكم "لا اظن انك شخص شهم لتعتذر مني.."
قال بنبرة هادئة " ولكن أنا حقاً اريد الاعتذار.."
" اعتذارك مقبول.." قالت ذلك بلا مبالاة وهمت بتجاوزه ولكن يده التي امسكت بمرفقها اوقفتها ليقول برجاء " ارجوكِ.. دعينا نتحدث.."
وبرغم لمسته الصاعقة والتي اشعلت نيرانا في قلبها بل بكامل جسدها التفتت اليه وقالت ببرود " ماذا هناك؟!"
ابتسم ثم قال بنظرة ذات مغزى عندما اعتلى صوت الموسيقى الهادئة " دعينا نرقص قليلاً ونتحدث حينها.."
شعرت بالتردد قليلاً لكنه حثها قائلاً " هياا،،"
وهل تستطيع الرفض ،، وكيف وهو يريد ذاك ؟؟
ثم ليسيرا سوياً امام انظار الجدة القلقة والتي استرعت انتباه مجد فأشار اليها بالاطمئنان لتبتسم بثقة ،، ثم تنقل بصرها حيث حفيدتها الأخرى والتي تقف مع رائد.. وقالت في سرها " يبدو انك قبلت بالامر الواقع يا رائد "



أخذ صوت مألوف يردد أحلى الكلمات واشجاها وهما يتمايلان على هذه الالحان.. وتنتهي الرقصة ليتلوها رقصة أخرى مستقرة يداه على خصرها النحيل ويداها المضطربة على عنقه بسبب هذا القرب وهذه الرقصة الغامضة.. وكانت تحدث نفسها بقوة بأنها لن تسمح له أن يهينها او يتحدث بسوء عنها فستقف ضده وتحاربه هي ايضاً.. وصمته الموحش الذي زرع فيها الحيرة لترفع وجهها نحوه وتقول بحدة " اذا ماذا هناك؟! لنا زمن ونحن على هذا الصمت!"
"لا ادري لما كل هذه الحدة في الحديث.. لم اعتد عليكِ هكذا.."
قالت بحدة اكبر وهي تحاول الابتعاد عنه " اذا حاول الاعتياد من بعد الان... ولا تنتظر من.."
قاطعها بهدوء وهو يجذبها اليه من جديد " هل يمكنك ان تسامحينني..؟!"
نظرت اليه ثم قالت بعدم ادراك بسبب قربهما الشديد " على ماذا؟!"
نظر الى عيونها مباشرة ليأخذه سحرها الى عالم آخر حتى انه لم يستطع ان ينطق بحرف ثم اخذ نفساً عميقاً بعد ان طأطأت قمر رأسها بحياء مبتعدة عن عيونه وقال مغيراً دفة الحديث " هل تعلمين ما تقول عيونك عن شخصيتك !!"
قالت بحزن عميق وهي تخرج ما بداخلها من اوجاع " تقول انني فتاة ساذجة مغفلة ترقص معك برغم ما يأتيها منك.. فتاة تدمرت لا تستطيع العيش الا بألم،، فتاة عاشت في مكان يأوي الايتام في حين ان والدها على قيد الحياة تركها لتعيش ألما كبيرا تحلم فقط ان تعيش بسعادة ،،، (بلعت غصتها ) وبعد ان أتتها السعادة او هكذا كانت تظن ،، فإذ بالحزن والتعاسة أبت ألا تفارقها"
عض على شفتيه بألم وهي تخرج سيلاً من الآلام التي ترسخت جذورها في اعماقها وترفض ان تقتلع تلك الجذور ،، اولا فهي عاشت حياتها وحيدة من دون ام ترعاها او اب يغدق عليها بحنانه ثم بعد سنين تأتي لها السعادة بان تظهر عائلة والدها لتقطن في منزلهم وبسببه هو تلك السعادة التي كانت ستبحر في اعماقها عادت ادراجها الى الشاطئ لتبقى التعاسة تبحر فيها ومعها وبداخلها ترفض العودة الى المينااء ،،
ألا يكفيك يا مجد تلاعبا فيها وبسعادتها .. الا يكفيك الا ان تراها تتعذب امام ناظريك .. يكفي الى هذا الحد !!
ثم قال وهو يهز رأسه نفياً " لا تقول هذا.."
قالت بانزعاج " اذا ماذا تقول ؟!"
ابتسم وهو يتذكر تلك المعلومة التي قرأها في احدى مواقع الانترنت وأخذ ينظر الى عيونها ببريق من الاعجاب ليقشعر جسدها وتتسارع ضربات قلبها الى سرعة تكاد تساوي سرعة الضوء .. وأخذ يداعب خصلة من شعرها الطويل امام دهشتها التي جعلت قدماها تقف عن الحراك وتجمدت عضلة لسانها عن الحراك فلم تستطع الرفض ولو بكلمة واحدة لتنظر الى عيونه باستسلام وتحاول التركيز فيما يقوله
" ان أصحاب العيون العسلية يتصفون بالعفوية والمحبة والأناقة وقادرة على جذب الآخرين اليها.."
صمت قليلاً وأخذ يتمتع جمال وجهها الأبيض الجميل وعيونها الساحرة الى أن أشاحت وجهها بارتباك.. ثم تنهد بتعب وقال بندم " سامحيني قبل أن يفوت الأوان.. !!"
وقبل ان تعود للغوص في بحر عيونه الرمادية انتشلت نفسها من بين يديه وقالت بجمود بعكس الارتباك الذي بداخلها " عن اذنك فقد تعبت.." لتيسر مبتعدة عنه حتى تجلس على الأريكة بأفكارها المشحونة والتي ستدمر عقلها..
لينظر اليها بخيبة أمل و يأس شديد.. ويقول بابتسامة " وانا أقول ان عيونك كارثة.."



وتمضي الدقائق تليها الدقائق وتلك الفتاة التي ظلت حبيسة افكارها مع ذلك الرجل الحديدي والذي كان تصرفه غريباً جدا بعث في نفسها الشك ،، و اصبح الأرق هذه الليلة ملتحقا الى قائمة أصداقئها لتقضي معه تلك الليلة الطويلة تستغرب فيه حال ذلك البارد المتعجرف ،، ذو التصرفات الغريبة... وما سر تلك الرقصة اللعينة التي جعلت قلبها يدق بعنف !!وما سر ذلك الهدوء الذي كان يكتسي ملامحه؟؟ لا بد انه الهدوء الذي يسمى ما قبل العاصفة... وماذا يعني ب ( سامحيني قبل فوات الأوان؟؟ )
لا يعقل ان هدأت براكينه الداخلية !! وهنا ابتسمت بألم وهي تتذكر تصرفاته معها وكيف ينتهز الفرصة ليقضي عليها بكلمة واحدة بسمومه واهاناته !!
تنهدت بألم وهي تمسك سلسلته ومن جديد تحادث والدتها بهمس " أمي ،، هل تعلمين ؟؟ المكان هنا جميل جداً ،، ليتك لم تذهبي الى الاعلى ،،" وانحدرت دمعة يتيمة فمسحتها بباطن يدها بسرعة " لن ابكي هكذا وعدتك وسأكون على عهدي ... ولكنني اشتقت لك كثيرا .. اعلم كنت صغيرة حينها ولكن ..." ولم تستطع منع نفسها من البكاء فأخذت دموعها تسيل بحرقة " لكنني انحرمت منك لسنوات طويلة،، لا اتذكرك الا بهذه الصورة " واخرجت صورة من تحت وسادتها وضمتها الى صدرها واجهشت في البكاء وشهقاتها التي وصلت الى مسامعه وهو يقترب من بابها فأغلق عيونه بألم واضعاً كلتا يديه على صدره ويبدأ صراعه الداخلي الذي يشده الى الدخول اليها وأخذها الى احضانه ليخفف عنها الامها او الهروب بعيداً .. بعيداً عن تلك الفتاة .. الفتاة التي جعلت قلبه ينتفض باسم الحب من جديد!!! فأخذت اطرافه تسير باضطراب،، تارة تتوقف لتعود وتارة تذهب في طريقها.. الى ان حسم امره في المضي بعيداً عن بابها لعله يستطيع محو كل ذكرياته التي علقت في ذهنه... وأخذ يسير بأقدامه نحو الحديقة لتأخذه قدماه نحو ذلك الاسطبل الذي يقبع في الجهة الخلفية ليمسك بلجام خيله الابيض ويعدو مبتعداً...



أخذت xxxxب الساعة ذات اللون الأزرق تسير لتدور دورات كاملة عدة مرات الى أن استقرت على الثانية عشر ظهراً... فتحت عيونها لتعتدل في جلستها بتكاسل وهي تشعر ببعض الألم في رأسها ،، شهقت بقوة وهي تنظر الى الساعة فنهضت مسرعة من فراشها متجهة نحو دورة المياه وما هي الا دقائق حتى خرجت متجهة نحو خزانة الملابس الخاصة لانتقاء شيء مناسب لهذا اليوم... واخذت تبعثر ثيابها بضجر وحيرة ...

وضعت يدها على رأسها بتعب " يا الهي ماذا سأرتدي الآن ؟؟" و جلست على على فراشها وهي تنظر الى كومة الملابس.
وهي في حيرتها تلك اعتلى صوت طرقات على بابها ... فقالت بلا مبالاة " تفضل.."

" صبااح جميل ايتها الخرقاء..."

نظرت اليه وقالت بغضب " عن أي صبااح تتحدث يا مجد ؟؟"

نظر الى الساعة وقال وهو يجلس على مقعد خشبي بلون اوراق الشجر " ما زالت الثانية عشر.." ثم نظر الى كومة الملابس بصدمة " ما هذا ؟؟"

" لا ادري أي واحد منهم ارتدي !!" ثم أخذت تنظر اليه بابتسامة ماكرة " أرجوك ساعدني بالاختيار"

اجابها بسخرية " حقاً،، دعيني اوضح لك شيئاً،، هل لي شعر طويل يجعلك تظنين انني فتاة "

نهضت من مكانها واخذت تسحب بيده وتبدأ بتوسلها " أرجوك فقط هذه المرة "

قال بصوت منخفض " وستكون المرة الاخيرة بالتأكيد" و تبعها باستسلام الى حيث الخزانة وأخذت تخرج بعضا من ملابسها امامه وهو يشير بانه لا يليق او غير مناسب وهكذا قد مضت نصف ساعة ...

" هل تظن ان الامور ستسير بيننا على ما يرام بعد ذلك.. وان امي لن ترفض ان حصل الامر ؟؟"

اجابها وهو يخرج فستانا بلون الفستق " عندما يحظى بفرصة مثل هذه اظن ان من اولوياته اسرته ثم انتِ.. وعندما يحين الوقت صدقيني سيعترف بحبه لك وسيساعده ذلك الامر الذي حصل عليه.. (صمت قليلا ثم قال بابتسامة ) رائد شاب صالح وهو مناسب لك.. برغم فقره لكنه عزيز النفس كما رأيته.. وبصعوبة تقبل اﻻمر " وأكمل وهو يوجه لها ذلك الفستان " أظن انه مناسب جداً..."

أخذته منه وقالت بامتنان " شكرا لك..."

" ثم اين ابنة عمك تلك لتأتي لمساعدتك ؟؟" قال وهو يعقد ساعديه

شعرت بالانزعاج منه ،، فما الذي يستدعي مجد ان يعاملها بتلك المعاملة السيئة.. ومن غير الممكن ان تكون قد تصرفت معه تصرفا غير لائق يجعله يتحدث عنها هكذا.. لذلك قالت: " لا أظن انها ابنة عمي وحدي ،، هي ايضا ابنة عمك ،، ثم ماذا يجري لك ان عاملتها بلطف ؟؟ ( وبنبرة ساخرة ) كليلة أمس "

زفر بحرارة و بدأ يسير متوجها الى الخارج " لا يهم .. ثم انني...."

قاطعته بحدة " اياك ان تزعجها مرة اخرى ..."

" أساساً لن يحصل ذلك مرة أخرى ....." قالها بغضب وهو يغلق باب غرفتها بقوة...

ثم نظرت الى الباب وقالت بإحباط " أتمنى ذلك.."

وما هي الا نصف ساعة اخرى قد مضت وهي تزين نفسها وتستعد الى هذا الموعد الذي سيحدد مصيرها مع رائد ،، أخذت نفسا عميقا بعد ان اخبرها رائد انه ينتظرها في الخارج..

امسكت حقيبتها السوداء وخرجت من غرفتها لتبدأ قدماها تنزل عتبات السلم بسعادة كبيرة ،، فأخيراً حدثت معجزة بأن تجعلها ملكاً لذلك الرجل .. فهل سيطول الامر!!!
وصادفت جدتها في طريقها وهي تدخل الى الصالة " تمني له الحظ يا جدتي"... لتجيبها الاخرى " حظا موفقاً لكما..."

وأمام ناظري من يتواجد في الصالة خرجت ريم من المنزل بسعادة ولهفة ،،، فقالت والدتها " يبدو انه يلزمها تأديب هذه الفتاة "
علقت الجدة وهي تجلس على اريكة بيضاء اللون " و أنت من سيعمل على تربيتها من جديد (وبسخرية ) لا أظن ذلك "
قالت بغرور " ولم لا ،، ألست والدتها ؟؟"
" جيد انك تذكرت ذلك... " الجدة بتهكم ،، ثم أكملت بنبرة جادة " ربما فعلتِ ما تستطيعين لابعادها عنه وحرضتي صديقتها ايضاً،، "
" ماذا تقولين أنتِ؟؟" خرجت كلماتها بارتباك وهي تبعد نظراتها عن الجدة التي اكملت " ولكن ريم سمعتك تتحدثين الى صديقتها "
" ماذا ؟؟"
ابتسمت الجدة " حسنا لا تتعبي نفسك أكثر من ذلك ،، فلن تستطيعي ولن تستطيعي ذلك لأخبرك بأمر ما...."
نهضت من مكانها غير مكترثة بتلك العجوز الخرقاء التي بدأت بالحديث عن ذلك المدعو رائد...ولكنها توقفت بصدمة عندما سمعت انه استلم منصبا صغيرا بعض الشيء ليعيل به اسرته وينتصر على الفقر وابتسمت والدة ريم واصبح وجهها مشرقاً من السعادة " هذا جيد،، على الاقل اصبح له مكانة حتى وان كانت قليلة و ربما في المستقبل يصبح ورقة رابحة بما انه يعمل في مؤسسة كهذه "... ثم خرجت من المكان بغيظ شديد..

هزت الجدة رأسها بقلة حيلة وعدم تصديق لهذه المرأة التي تفني حياتها في التنزه والخروجات ،، المال والحياة الراقية متناسية اولادها و حياتها العائلية التي ستفقدها مع مرور الزمن،، فعندما علمت ان رائد سيصبح فرصة لها وورقة رابحة على حد قولها ،، تبدل حالها من معارضة امر علاقتهما الى موافقة بكل تأكيد ،، فهي كيف سترفضه وهو اصبح رسميا وبشكل قانوني موظفا باحدى المؤسسات الخيرية والمشهورة في المنطقة فالآن تستطيع القول ان ابنتها تصادق شابا يعمل في احدى المؤسسات وانتشلها من تفكيرها ذلك الصوت وهو يجلس بجانبها

(جدتي الجميلة بماذا تفكرين ؟؟)

نظرت اليه ثم بادلته الابتسامة وأخذا يتحدثان ويتبادلان أطراف الحديث الى ان اخرج ملفاً وسلمه الى جدته لتمسكه بأنامل مستغربة عندما قرأت ذلك الاسم عليه...

" من أين حصلت عليه ؟؟"

" لقد ذهبت الى المأوى في أحد الأيام ،، هل كنتم تعلمون بالامر ؟؟"

أجابت الجدة " أجل ،، أخبرنا رامي .. "

" كيف علم بأمرها ،، أعني كيف علم بوجودها هناك ؟؟"

وضعت الجدة الملف جانباً ثم قالت " كان سوف يعقد اتفاقاً مع مأوى جديد،، وبالصدفة كانت هي تعمل بذلك المأوى بعد كل تلك السنين ،، كانت حينها مسافرة الى مدينة أخرى من اجل العمل "

" حسنا يا جدتي ،، وماذا يعني بعثها الى هنا.. وكيف تم الامر !! "
هزت رأسها بأنها لا تدري .. وصمت قليلاً ثم قال وهو يهرب خارجاً " أهتمي بها جيداً..."

ابتسمت الجدة وقالت في نفسها " يبدو أن قلبك قد لان أخيراً ولكن بعد فوات الأوان..."


ومع مرور الوقت وبعيداً عن منزل العائلة،
حيث تشير الساعه الفخمة الى الثالثة من بعد ظهر هذا اليوم.. منزل يضج بصوت صراخ من رجل يتحدث عبر هاتفه ويبدو عليه الغضب حيث احمر وجهه وعيناه التي اتسعتا مع كل كلمة يخرجها وهو يتحدث عبر هاتفه لتترك تلك الفتاة ما بيدها وتتجه حيث مكتبه وتسترق السمع ال ذلك الرجل والذي قال : " كيف هذا؟؟ لقد ذهبت ولكنها لم تكن هنااك هل تكذبي "

اتاه صوت امرأة ضعيف " أخبرتك مراراً انه المكان المطلوب ،، لقد ..."

قاطعها بحدة " لا تكذبي...."

قالت ببكاء " اقسم لك انه تم ار... "

قاطعها مهدداً" ان كنتِ تكذبين سافعل كل ما بوسعي للقضاء عليك ،، " صمت قليلاً وتهالك على كرسي مكتبه " اريد ان اجدها " ثم صرخ " هل فهمتِ ،، هياا اعطني العنواان الصحي..." وتوقف عن الكلام حيث ان الطرف الاخر اغلق الهاتف فشد على قبضتيه وهو يقول " تبا لك كاريس ..."

وما كان من تلك الفتاة التي تسترق السمع الا ان تعود ادراجها الى غرفة ملاك من جديد تحاول جاهدا خفض حرارتها المرتفعة بمساعدة كمادات الماااء ولكن يبدو ان الامر لن ينجح.... وشعرت بالاضطراب عندما سمعت خطوات الرجل تقترب من الغرفة،
حاولت السيطرة على ارتباكها والذي يزيد مع كل خطوة يخطوها الى ان وقفت باحترام برغم اطرافها المضطربة ...
تساءل وهو يشير الى تلك الفتاة الصغيرة المتمددة على السرير " ألم يتحسن حالها؟!"
هزت رأسها نفيا "أبدا،، انها منذ الصباح على هذا الحال،، أخشى ان اعطيها خافض حرارة بسبب صغر سنها"
قال بصوت منخفض وهو ينظر اليها "بل انني اخشى مما افكر به"
تساءلت بعدم فهم " ماذا تقصد يا سيد ماجد؟"
"لا شيء.. اذا سوزان اعطيها خافضا للحرارة لأنها لن تتحسن الا به ثم اتبعيني الى المكتب هناك امر هام يجب ان نتحدث به"
قال ذلك ثم خرج ودب الخوف والحيرة وبعض من القلق جراء نبرته الهادئة تلك .. وما الشيء المهم الذي سيتحدث عنه،، لا اظنه انه سيعاود الرجوع الى بلاده!! فمهمته لم تنتهي.. ثم نظرت الى ملاك وهي تفكر بخوف ،، لا يعقل ان تكون ملاك مريضة بشيء خطير .. هزت رأسها نفيا ثم اكملت حديثها الى نفسها لا اعتقد ذلك،، انها مجرد حمى عادية ... ام ان الأمر متعلق بي ،، هل يعقل ان فعلت شيئا لا يرضيه... تأففت بسبب تفكيرها والذي لن يوصلها الى أي نتيجة فأكتفت بأن هدأت روعها وأعطت خافض الحرارة لملاك .. ثم انسحبت من الغرفة بهدوء..

**********

قبل نصف ساعة من الان كانت تجلس في الغرفة منذ الصباح شاردة الذهن ،، يقف ذهنها عن التفكير عند ذلك الشخص بعد محاولات فاشلة باقناع نفسها انها لن تفكر به... ممسكة بقلم الرصاص تخط به خطوطاً عشوائية على تلك الورقة البيضاء عندما دخلت عليها جدتها بابتسامتها المعهودة وهي تقول " حفيدتي الجميلة تسجن نفسها في الغرفة لماذا؟"
لا تدري لماذا تذكرت تلك الجملة التي قالها مجد قبل ايام " لانها جميلة.."

وبابتسامة باهتة رسمتها على وجهها " لا شيء.. هكذا لا اشعر اني جيدة.."

قالت الجدة بخوف وهي تتحسس جبينها " هل انت مريضة ؟؟ هل اصابك شيء ؟؟"

" لا .. لقد فهمتني بشكل خاطىء.. اعني انه وبسبب عدم وجود ريم اشعر بالملل.."

" عزيزتي الجميلة هنالك حديقة كبيرة .. اذهبي واستنشقي الهواء .."

قالت وهي عابسة مقطبة الجبين " وهل سيكون جميلا ان كنت لوحدي !!"

قالت الجدة وهي تمسك يدها " سيكون افضل ان لم تبقي هناا ثم انني لا اترك حفيدتي لوحدها... هيا الى الحديقة "


قالت الجدة بصوتها القلق بعد ان استدعاها زوجها بوجوم، فتركت قمر تسير وحدها إلى الخارج.. ثم توجهت اليه
" ماذا هناك هل حصل شيء ما..؟!"
تنهد الجد ثم قال " الى الان لا.. ولكن ان اطلنا هناا فسيحصل.."
تفهمت الجدة ثم قالت بعد صمت " اذا لنعود لن نحزنها اكثر من ذلك.."
"هذا هو الافضل.. لا اريدها ان تواجه الامر فلا اظنها مستعدة"
اومأت الجدة رأسها مؤيدة فقالت " اذا ساخبر الجميع بالتجهز.."
" لا ،، فوليد قد دعانا الى العشاء مساء اليوم.. "
"ألا تستطيع الرفض!!.." تساءلت باستفهام
"ابدا ،، فكما تعلمين قد عاد حديثا من ايطاليا وانه ابن رفيق دربي.."
قالت الجدة باستسلام "حسنا..."

**************
أما عند قمر أخذت تمشي في هذه الحديقة الكبيرة ... بذهن مشتت ،، غير مدركة اين تخط قدماها والى اين تتجهان .. وقفت لوهلة تنظر الى هذا المكان جيدا ثم رفعت بصرها للسماء لتسنشق هواءها العليل والذي بعث بعضاً من الراحة في نفسها و عاودت السير بين تلك الاعشاب الطويلة والتي تحتك بأقدامها حيث أخذت تحدث نفسها وهي تسير " لماذا اشعر بشعور سيء اتجاه ذلك الحلم ... هل من الممكن ان يعود و يتركني " ,اخذت تهز رأسها نفيا وعاودت أخذ نفس عميق لعله يزيل اكوام القلق والخوف التي علقت في نفسها بسبب حلم الليلة ،،،
(حيث كان الضباب يغلف المكان وهي تسير على رمال شاطئ البحر الذي ارتفعت اموااجه بشكل كبير واخذت تتضارب بشكل مخيف .. ورياح قوية هبت لتجعل حبات الرمل تطير كعصفور صغير ومشيتها المترنحة بأطرافها الحافية المتجمدة بسبب ذلك البرد والذي جعل حبات الرمل اشبه بحبات البرد الصغيرة في يوم ثلجي عاصف....تنظر الى ما حولها بذعر وخوف شديد الى ان استقرت بنظرها على ذلك الذي يقف في وسط البحر فشهقت بقوة...)

وهنا تقف ذاكرتها عندما رأت أنها وصلت حيث هذا البناء الخشبي فابتسمت وهمت بالدخول ولكنها توقفت وفغرت فاها مع التزامن في فتح عيونها العسلتين على اتساعهما، ثم كادت أن تتراجع مع ضرباتِ قلبها العنيفة.. إلا أنها حاولت جاهدا ان تتمالك نفسها وتسيطر على قدميها اللتان على وشك السقوط ارضاً فأغلقت عيناها ووضعت يدها على صدرها بشدة محاولة بعث القوة الى نفسها ولكن وبعد مرور من الوقت لا تدرك كم مضى عليه فتحت عيونها لتجد انها ...


***********
يقف بمحاذاة خيله الأبيض يربت عليه شارد الذهن مشتت التفكير وما كان الذي لا يستطيع تجاوزه هو ملاكه الأبدي.. قمره الذي يحتل مكاناً في تلك العضلة التي تنبض يسار جسده.. كان طيفها يمر أمامه بابتسامتها الرقيقة وعيونها الساحرة.. ملامحها الخجلة.. فيبتسم تلقائياً..
صورتها الجميلة تتربع في طرقات عقله وترفض الخروج منه وقد تزاحمت صورها المختلفة صورة تلو الأخرى في زوايا وثنايا عقله...قلبه وجسده.. فعندما يهرب منها يهرب إليها والتي تتجسد بطيفها أمامه حين يذهب ففي غرفته يجدها وفي سيارته يجدها.. في كل أنحاء المنزل،، فهي وحدها تحتل كيانه ...عقله وقلبه ،،،هي وحدها التي أعلن القلب في حبها ثورة كبيرة ليتمرد على عقله ويقنعه بأنها احتلته بما فيه.. أصبح يفكر بها أكثر من كل شيء.. أصبحت من أكثر الأشياء المهمة له... ولكن...


تنهد تنهيدة طويلة ثم أخذ يربت على عنق خيله وراح يقول كلماته تلك موجهاً حديثه الى خيله الذي يدعى (نجم) " هل تدري يا نجم ،، من أصعب الأمور هو العشق.." وانطلق صهيل الخير مؤيداً له فابتسم ثم أكمل حديثه " أن تعشق شيئاً لا يمكنك ان تصفه ،، ملاك على وجه الأرض.. أن تراه أجمل شيء في الكون،، أن تحفظ تصرفاته وجها عن ظهر قلب.. أن تكون صورته ملازمة لك .. أن لا تلتفت إلا إليه،، أن تحاول بشتى الطرق الابتعاد ولكنك لا تستطيع.. تظل مأسوراً فيها ومعها،، لا تخرج من عقلك ..." صمت قليلاً ثم أكمل بحزن " ولكنك لا تستطيع إلا أذيتها ،، فكلما سنحت لك الفرصة تستمتع بأذيتها ولكن وبنفس الوقت تشعر أن شيئاً ثقيلاً على قلبك يجعل منه فتاتاً وكأن سكيناً حاداً قد طعن بقلبك ومزقه الى أشلاء متعددة... أحبها وأكره طريقة حبي لها.. أحبها جداً .. ولكنني ومنذ أن أحببتها لقد جعلت منها فتاة أخرى فإنني أرى لمعة الحزن في عيونها... وبحراً من الآلام..." زفر بحرارة " لا استطيع فعل ذلك بها.. لا أريد أن أراها تصبح زهرة ذابلة بسببي.. لا أريد لقلبها أن يتكسر ويتحول إلى فُتات..وتتناثر أجزاءه ويصعب تجميعها بعد ذلك.. لذلك سأبتعد مع أن الفراق سيعذبني ولكن هذا الأفضل لها..."

نظر إليه بعيون ملؤها الأسف والندم " وأنا هنا لتوديعك أنت أيضاً.. يا خيلي الجميل.. سأخبرك بشيء أخر هو... أنني لم استطع أن أودع العائلة لأنني لن أقوى على ذلك.. لن استطيع التفريط بدموع جدتي ولا شقيقتي الحمقاء... ولا أريد أن أرى الابتسامة على وجه قمري الوحيدة وهي مستمتعة برحيلي.. لأن ذلك سيدمرني.... ( صمت قليلاً ثم قال بعد أن أخذ نفسا طويلا) بسببها هي سأغادر ،،( وهنا ابتسم وهو يكمل) بسبب ابنة عمي سأعود حيث كنت ... الودااع ياا خيلي..."
مسح دمعة حارقة قد سالت على وجهه الصخري الجامد وهو يحتضن خيله بقوة شديدة ثم انهمرت دمعة تلو الأخرى إلى أن سمع شيئاً ما يرتطم ارتطاماً قوياً بالأرض..
فابتعد عن خيله بسرعة وهو يشعر بشيء ما في قلبه يضغط عليه فيجعله يتألم... فخرج مهرولاً من الإسطبل شاعراً بشيء سيء قد حدث... وهنا قد كانت الصاعقة عندما خرج من باب الإسطبل ليستقبله ذلك الجسد الملقي على الأرض....







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-11-19, 08:37 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//


" ليسْطَع النُّور في أَعماقك يجِـب أن يحتَـرق شيء فِيك "
- جلال الدين الرومي



(8)



مع أنغام موسيقى الطبيعة الخلابة والسماء الزرقاء الصافية والطيور المختلفة التي تحلق في الأفق مع زقزقة العصافير ونسمات الهواء العليلة التي تدخل إلى النفس فتبهجها وتنشر فيها السعادة..
ومع صوت خرير الماء الذي يتدفق عبر النهر عابراً ودياناً وهضاباً وسهولاً وعلى إحدى ضفافه التي امتلأت بالعشب الأخضر الجميل ممتلئ بقطراتٍ من الندى حيث انعكس ضوء الشمس عليها ليجعلها براقة كتلك الفتاة التي تجلس وقد تجملت وجنتيها بحمرة خفيفة تماثل حمرة الأزهار في الأرجاء وتطايرت خصلات شعرها مع كل نسمة هواء باردة ممسكة بكوب القهوة المثلجة تنظر تارة إلى ذلك الذي يجلس مقابلها يمتلأ فيه سحر الجمال بأكمله وحنان الدنيا وجاذبية الأرض وتصوب نظرها تارة أخرى على القوارب الخشبية الممتلئة بالركاب الصغار منهم والكبار ...
ابتسمت بسعادة وهي تستنشق الهواء براحة ثم نظرت بعدها إلى رائد ... الذي ظل يراقب المكان بعيون تائهة تبحث عن طريق صحيح حتى تمشي به من دون خوف وعجز...
كان اشبه بطفل صغير قد وقع في مصيدة الخوف .. فقد أبدت عينيه بريقاً من خوف لمستقبل مجهول الهوية.

رشفت قليلاً من كوب القهوة ثم اخرجت من بعد ذلك هاتفها من الحقيبة بعد أن اعتلى صوته رنيناً، فأجابت بكل لهفة " أهلا يا أجمل جدة في هذا الكون.."

وهنا انتبه رائد انه كان يغوص في مستقبل مجهول وخوف تراءى له في هذه اللحظة من عمل على وشك البدء به يطفو على ضفافه خوفا من الأعماق... وتلقائيا تبدد ذلك الخوف عندما سمع ريم تحادث جدتها بمرح وسعادة كبيرة فابتسم وهو يفكر بذلك الحظ الذي تناله ريم بوجود جدة مثل جدتها ،، وكأنها بحر قد شعر المبحر فيه بامتلائه على مزيج من الحنان والحب والعطف تخلى عنه باقي المجتمع الراقي.. فبسببها هي قد تولى منصباً في إدارة إحدى فروع مؤسسة خيرية تعود اليها بصفته مساعداً لمدير أحد الأقسام وبسببها هي ستبتسم الحياة له !! و قد يتبدل حالهم ليتمرد على ذلك الفقر الذي ما زال قابعا فيه يأبى الفراق... تنهد براحة وهو يستمع إلى ريم وهي تحدث جدتها عن مسير عملهم اليوم وكيف وماذا حصل بالتحديد في المؤسسة !!!
انه حقا يشعر بالامتنان و بالشكر الكبير لتلك الفتاة التي يحبها ويعشقها والذي لا يستطيع ان يبعد عيونه عنها والتي وحدها احتلت قلبه وروحه وجسده ،، حيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه لا يستطيع التخلي عنه... ولن ينسى جدتها طبعا فهي التي جعلته ينجو من تلك الحياة المزرية التي يعيشها ولو لحياة أفضل قليلا فهو راضٍ بذلك !! ولن تكفي كلمات الشكر وحدها للتعبير عن امتنانه للجدة....
بينما تنهدت ريم بضيق وهي تغلق الهاتف وقد قوست فمها كطفلة صغيرة حرمت من تلك الدمية التي تود شراءها من متجر الدمى الكبير فتساءل رائد " ماذا بها الثرثارة !!"
نظرت إليه مطولاً وقالت وهي تقرب رأسها وتمد أصابع يدها الرفيعة ،، وأخذت تقول وهي تغلق قبضة يدها باستثناء إصبع الإبهام " أولا لست ثرثارة !!" ثم فردت إصبع السبابة " وثانيا لا تصفني بهذه الصفة لأنني لو كنت ثرثارة لكنت تحدثت معك كثيراً ومطولاً ولن نخرج من هناا الا بعد منتصف الليل بعد أن يطردنا ذلك العامل الوسيم... وأيضا ( وهناا فردت أصبعاً ثالثاً وأكملت بسرعة) ثم إنني كنت أحدث جدتي عن ماذا فعلنا وماذا اتفقت مع المدير ،، وهذا لا يعتبر ثرثرة إنما يعتبر تصريحاً مطولاً ( هنا أومأ رائد رأسه بسخرية بينما قالت بغضب بسبب حركته تلك) وهذا من المفترض أن تشكرني وليس أن تقول إنني ثرثارة.. "
عقد ساعديه الى صدره وقال بهدوء ممتزج ببعض السخرية " عذراً أيتها الأميرة المدللة "
وكتم ضحكته عندما أشاحت وجهها بغضب وقالت بنبرة طفولية " لن أحادثك طيلة النهار هياا اشرب لكي نغادر.."
" ريم أيتها المجنونة كفاكِ حزنا،، حقا أنا لا استطيع التفريط بك.."
نظرت اليه مطولاً وقالت بحزن مصطنع " حقا ،، لو كان يهمك ذلك لما لقبتني بتلك الألقاب.." ثم أكملت بهمس " برغم أنها تصفني تماماً.."
" حسنا أعتذر،، ثم إنني اهتم بك جداً وأنتي تعلمين ذلك " رائد وهو ينظر إليها بحنان لتبتسم بخجل وتقول بحماس " لم أخبرك ماذا قالت جدتي!!"
تنهد ثم قال "عدناا للثرثرة من جديد "
صرخت بوجهه معترضة " رائد.."
" حسنا حسنا،، هياا اخبريني.."

ثم اخذت تسرد له حكاية تتلوها حكاية وضحكة تتلوها ضحكة و ابتسامة تتلوها ابتسامة ومشاعر شتى قد تناثرت على تلك المائدة لتعكس للناظرين أن من يجلس عليها تعدت علاقتهم علاقة الصداقة لتتحول تلك الصداقة الى حب عميق.. علاقه ستحفرها الأيام في قلب وعقل تلك الثرثارة وذلك الذي يتمرد على الفقر...
و بعد ضحكة طويلة صدرت منهما هما الاثنان لتبدأ بالتلاشي تدريجيا وتتحول الى تلك الابتسامة التي تزينت بها وجوههم البيضاء واصبح الواصل بينهم هو سيل النظرات تلك والتي اخترقت قلب ذلك الشاب لتحتجز تلك الفتاة فيه وتصبح له وحده،، مأسورة في ذلك القلب الذي يرفض خروجها منه،، وكأن بسيل النظرات تلك قد نثر على قلب ريم موجة ثلجية عاصفة ليجعله يهتز ارتجافاً وينتفض بقوة من تلك المشاعر التي تناثرت عليه كما يتناثر الثلج الأبيض على بقاع الأرض....
وبعد صمت طويل دام لمدة عشر دقائق قد عبرت فيه العيون عن كل المشاعر ،، و ارسلت كلاماً وعبارات و اعترافات حب مخفية لكلا الطرفين انتشلت ريم نفسها بصعوبة من تلك المشاعر التي جرفتها نحو رائد والذي ما زال يحملق بها بعيون ملؤها الحب والعشق....
ذلك الحب الذي جعله يتألم أكثر من مرة بمجرد تفكير صغير أنها ستكون لغيره،، تعيش مع غيره ،، مع شخص اخر ،، تبتسم له وتبحر في اعماق بحر عشقه ،، وهو سيكون ينظر الى تلك القطعة من قلبه وهو ينزف خضاباً أحمر...... ولكن بما أن الدنيا قد بدأت على وشك فتح باب جديد ينتصر فيه على الفقر المرير ،، ولكن حتى وان اصبح يعمل فهو لن يتغلب بسرعة كبيرة على الفقر ولن يستطيع الحصول على ما يريد بسرعة كبيرة ،، فقط سيحاول جاهداً تأمين حياة جيدة لأسرته،، وريم !!! هل من الممكن أن تكون لي يوماً من الأيام ؟؟ هل سأستيقظ يوماً من الأيام على صوت تلك الثرثارة ذات العقل الصغير وهي تتجادل مع ابننا الصغير على قطعةٍ من الحلوى !! هل في يوم من الأيام سأعود للمنزل فأراها قد حضرت لي طعاماً شهياً!! هل سنذهب سويا لشراء مستلزمات البيت والعائلة؟؟
أم ستبقى هذه مجرد احلام تحلم بها يا رائد؟!

قاطعت ريم تفكيره وهي تراه مقطب الجبين شارد الذهن "رائد هل أنت بخير.."
اخرج نفسه من تلك التخيلات الأليمة وكومة الآهات والتساؤلات التي يعرف اجابتها القدر وابتسم ابتسامة باهتة ثم قال " اجل بخير ولكن افكر قليلاً "
"بماذا.. هل بمنصبك الجديد..؟!"
اومأ رأسه بهدوء مبعداً تلك الافكار السوداء عن عقله ثم ارتشف من كوب الماء لتقول ريم بضجر " منذ الصباح وانت على هذا الحال ،، لماذا كل هذا الخوف !!"
" لا لشيء ،، لأن الحياة ليست سهلة كما تظنين "
نظرت اليه بعدم فهم فقال " هل الحياة التي اعيشها سهلة برأيك..( هزت رأسها نفياً فأكمل ) اخشى ان لا اخرج منها ابداً.. "
" ولكن هذه هي الفرصة التي ستخرجك منها قد أتتك،، ان عملت بجد وكنت محل الثقة والكفاءة والجدارة سيتم ترفيعك لمنصب أكبر..."
" هل القيام بذلك سهل !!"
" لنقل انه كذلك ان كانت لك عزيمة قوية ،، فان كنت تريد عمل أي شيء فعزيمتك واصرارك هما من سيتحكمان بالأمر " ريم بابتسامة مشجعة
تنهد رائد وأخذت اصابعه تتخلل خصلات شعره فقالت ريم وهي تمسك بكف يده " انت جيد جداً بالعمل ،، مثابر بكل شيء ،، تعمل واجبك على أكمل وجه.. ثم وانك عملت في اعمال كثيرة وكانت تجربة لك وخبرة في الوقت ذاته.. ( وبابتسامة) حتى انك اصبحت قدوة لي.. ثم ان هذا العمل مهما لحياتك اولاً والدتك المريضة وحتى شقيقتك .. وأيضا.."
قاطعها وهو يحتضن كفها برقة " ولأحلامي كذلك.." واكمل في سره " من أجلنا أيضاً ومن اجل احلامي معك.."
صمتت قليلاً امام نظراته التي لم تكشف معناها الى الآن.. وقد شعرت بشيء جميل لا تريده ان ينتهي.. تريده ان يستمر الى الأبد وتريد خدمة صغيرة من القدر.. هي ان يزيح تلك العثرات من طريقهم لتجعل تلك اليد ملازمة ليدها ملتصقة بها دائماً... ثم قالت بخجل وهي تبعد يدها " ألن نذهب ليس هناك متس.."
قاطعها وهو يعاود اجتذاب يدها " قليلاً بعد "
نظرت اليه بعدم استيعاب وهي تشعر بحرارة جسدها وارتجافة اوصالها وسيل من التيار الكهربائي الذي أخذ ينشر الكتروناته التي تسير بحرية في جميع خلايا جسدها... فقالت بارتباك وهي تزدرد لعابها " لقد.. انت تعلم .. اننا مدعوون.."
اومأ برأسه وهو يبتسم " أعلم ذلك.. ثم دعينا نمضي وقتا أخر قبل عودتي.."
قالت بصدمة " هل ستعود الليلة!! لماذا لم نمضي وقتا كافياً.. ثم انك لم تستمتع بجمال هذه المنطقة مع العلم ( وهناا تغيرت نبرتها واكملت بحزن وهي تحول بنظرها وتعبث بقلادتها) انك ستعمل كثيرا في الفترة المقبلة ولن تجد متسعاً لي في وقتك.."
" لا استطيع ترك والدتي اكثر من ذلك.. انتِ تعلمين ذلك.. "

صمت قليلاً وكأنه يشعر بالحرج الشديد،، " الشكر لجدتك لمساندتها لي واعطائها فرصة كهذه لشاب مثلي..."
" مثابر ومجتهد وذو اخلاق نبيلة وتستطيع حل المعضلات بعقل سليم وأيضا أظن ان جدتي محقة في اعطائك منصب من المؤسسة ( وهنا أكملت بثقة) فكما تعلم نحن لا نعطي ثقتنا لأي كاان ،، هذا شعار جدتي واظن انها قالته لك.."
اومأ رأسه ثم قال بسخرية وهو ينهض ممسكاً بيدها ليحثها على النهوض " لا أعلم كيف يتحملك الجميع،، ثرثارة ومغرورة ايضاً.. ثم انني سأقوم ( وهنا وقف مقابلها وهو يفكر) ممم.. أجل ،، سأحاول ان اقدم معروفاً للعالم اجمع بأن..."
قالت بتحدٍ ممزوج بخجل وهي تقترب منه وتشعر بنبضات قلبها التي تسارعت " ومااذا ستفعل!!"
همس في اذنها قبل ان يبتعد " ربما سأخلص العالم منك.. فتاة ثرثارة وحمقااء مثلك لا استطيع تخيل زوج يتحملها.. لذلك سأتحمل انا عناء حماقتها.."
وقفت للحظة لتستوعب ما قاله للتو!! هل قال سيتزوجها !! ام انه كعادته يحب المزاح !! اظن ذلك !! ولكن كان صادقاً برغم انه فتح الموضوع على شكل مزاح!! لا..لا يعقل ؟؟!
تساؤلات عصفت وجدان ريم وهي ما تزال تقف مكانها .. موردة الوجنتين ،، شاردة الذهن ،، مرتبكة متلبكة،، تشعر بشيء من السعادة تمتزج في قالب من الحيرة يملأه كلام رائد والذي خرج من فمه منذ قليل... ولم تنتبه الى على صوت رائد والذي انتشلها من احلامها الوردية ليذكرها بأن هناك على أرض الواقع شاباً جميلاً ينتظرها.....
********
بعيداً عنهما وتحديداً عند قمر
التي راحت تنتقل في هذه الحديقة الكبيرة وتحديداً عندما وصلت حيث هذا البناء الخشبي فابتسمت وهي تتذكر ذلك الخيل الأبيض والذي يشبه في بروده وجموده مالكه الرجل الحديدي.. وهمت بالدخول ولكنها توقفت وفغرت فاها مع التزامن في فتح عيناها العسليتين على اتساعهما و حاولت جاهدا ان تتمالك نفسها...
كان ذلك الشيء الذي سمعته جعل شيئاً قد أحدث طعنات مختلفة في اجزاء غير محددة في قلبها وكأن خنجراً حاداً قد أُدخل في قلبها عدة مرات وتم اخراجه لمرات عدة وجعله ينزف ويحدث جروحاً كبيرة... لم تكن تظن يوماً انها ستكون عبئاً على أحد وأنها ستسبب فراقاً بين افراد العائلة... أغلقت عيناها بألم شديد لتمنع هطول أمطاراً وشلالات من دموع حارقة ستسيل وتسبب فيضانات ستغرقها بالتأكيد،، فقط ستكون قوية.. أجل قوية..!!،، ولكن كيف ستكون قوية وهي تشعر بشوك ينغرس في جسدها .. وصرخات باطنية صدرت من أوردتها وخلاياها... كيف ولماذا الألم يلاحقها؟ وضعت يدها على صدرها وهي تعتصر من الألم محاولة بعث القوة الى نفسها ولكنها شعرت بقليل من الدوار وكأن أعصاب رأسها تضغط عليه بشدة، تحاملت على نفسها وحاولت الصمود أكثر حتى تصل إلى المنزل وكادت أن تمشي إلا أن قدماها خانتاها فسقطت أرضاً متزامنةً مع اغلاق عينيها بشحوب شديد،
وبعد مرور من الوقت لا تدرك كم مضى عليه فتحت عيونها لتجد انها بين أحضان معذبها وحبها الوحيد.. بين أحضان أجمل البشر بهذا الكون.. بين أحضانه هو.... ولكن برغم تلك المشاعر التي عصفت بداخلها وأشعلت نيراناً تحترق بلهيب حبها ،، وبرغم ارتجاف قلبها الذي ينزف بألم بسببه هو.. وبرغم كل شيء جميل قد تشعر به ان كانت في وضع يسمح لذلك.. هي ستقاوم كل ذلك الضعف الذي سيسطر عليها ان بقيت هكذا وهو ينظر اليها وستقاوم تلك المشاعر التي ستجرفها الى شاطئ يملأه الحزن،، سترتدي قناع القوة ولكن هل ستستطيع!!!
وفي وسط ضالتها تلك بين مشاعرها وعواطفها المشتتة التي تشدها الى الرجل الحديدي.. وبين تمردها وارتدائها قناعاً تستمد منه القوة سألها بنبرة خائفة وهو ينظر اليها نظرة ملؤها الحزن الشديد ممتزج بخوف وقلق "قمر.. هل أنتِ بخير!!"
نظرت اليه بتمعن ثم قالت وهي تنتشل نفسها منه " أجل.."
"حسنا.. دعيني اساا..." قال ذلك ولكنه توقف عندما ابتعدت عنه بقسوة وهي تدفع يداه التي امتدت على مرفقيها... فتساءل بينه وبين نفسه وهو ينظر اليها " هل من الممكن أن سمعت شيئاً مما قلته.."
وبعد ان نفضت عن ملابسها بعض الأتربة والأعشاب التي علقت.. ابتسمت ابتسامة شاحبة وقالت " انا بخير.. لا داعي لشفقتك المزعومة تلك.."
نظر اليها بعد استيعاب ثم قال وكأنه فهم مقصدها " هل تظنين أن ما افعله بدافع الشفقة!!"
هزت كتفيها بلا مبالاة وقالت وهي تنظر مباشرة اليه " لا يهم،، ثم انني..."
قاطعها قائلاً وهو يمسك بيدها " هل تظنين ذلك حقاً..؟!"
سحبت يدها بسرعة وارتدت للخلف جراء تلك اللمسة الصاعقة وهي تقول بحدة وتحذير "انتبه لتصرفاتك..." ثم طأطأت رأسها وهي تحتس موقع يدها وتشعر بشيء مختلف...
ابتسم لخوفها منه وقال وهو يدخل يديه الى جيب بنطاله " حسنا،، انا متأسف ،، ( ثم نظر اليها وما زالت الأبتسامة على وجهه..) ثم إنني فقط حزنت لأنك تعتقدين ان سؤالي مجرد شفقة.."
رفعت رأسها بقوة اليه وعلامات الصدمة والدهشة بادية على وجهها.. من المؤكد أنه يطلق نكتة ما.. لا أظن انه يهتم للأمر أبداً!! ولا استطيع التصديق أن ذلك الحديدي البارد والذي يشبه صخرة ما في اركان الطبيعة.. أو تلك التحف التي تزين المنازل!! أو كجبل شامخ لا يهدمه سوى زلزال قوي!! هل حقا يحزن؟؟!
وأمام دهشتها تلك لمح جدته تخرج نحو الفناء الخارجي وتبدو عليها الربكة فقال وهو يعيد أنظاره الى قمر والتي ما زالت تنظر اليه بدهشة " صدقيني أنني أفرح اذا سامحتني،، وان ابطلتِ تلك المعتقدات التي في رأسك عني..."
أكملت عنه بحزن وغصة تملأ حلقها وأن شيء ما قد ضغط على صدرها ليجعلها تختنق حزناً.." قبل أن يفوت الأوان.."
اردف بهمس وهو يقترب منها بعد أن لاحظ علامات وجهها " ابتسمي فان قمراً مثلك لا يليق به الحزن... ثم تناولي افطارك كي لا تقعي مغشياً عليكِ مجدداً.."

قال ذلك ثم مضى في طريقه حيث الجدة وهي تلقي عليه بنظرات خاطفة حزينة،، اذا حقا سيغادر !! سيتركني هناا ويمضي !! ستذهب اسباب التعاسة والسعادة معاً في الوقت ذاته!! ازدردت لعابها بصعوبة وهي تشيح بوجهها حيث الاسطبل وبعد ان كانت ستدلف اليه مبتسمة ستدخل اليه حزينة حاملة على ظهرها آلام و أوجاع سنين عديدة ،، كل تلك الآلام والأوجاع سببها الفراق،، فراق اهل منذ الصغر !! وفراق أحبة !! هل بسببها هي حقاً،، هل هي السبب بكل تلك الآلام التي تحصل لها... دمعت عيونها وهي تتذكر ما قال " بسببها هي سأغادر ،،.... بسبب ابنة عمي سأعود حيث كنت ... الوداع يا خيلي..."
ومن بين دموعها التي تجمعت في عيونها نظرت الى خيله " هل حقاً انا السبب،، هل أنا السبب في موت والدتي.. وفي زواج والدي من امرأة تكرهني.. وانا السبب في رميي في مأوى الأيتام.. ( شهقت بقوة وأكملت بنبرة باكية يتفطر لها القلب) لماذا جميع ابواب السعادة تقفل في وجهي ،، لماذا يجب ان اعاني انا وحدي... لماذا من احبهم واتعلق بهم يذهبون ولا يهتمون بي... لماذا انا السبب في كل شيء.. " وانهارت على الأرض في بكاء مرير وهي تضرب الأرض واجهشت في البكاء واعتلت شهقاتها وراحت دموعها تهطل من غيوم عيونها بشكل غزير......
إلى أن شعرت نفسها تغفو بصدر أحدهم يهمس في اذنها " لا تبكي يا قمري، أرجوكِ.."
اعتلى نحيبها أكثر وتعلقت به مثل طفلة صغيرة وشدت قبضتيها على قميصه ثم همست من بين شهقاتها " اذا لا تذهب أنت ايضاً.."


###########

تململت في ذلك الكرسي الخشبي وعدلت تلك الوسادة التي وضعتها خلف ظهرها ثم نظرت ناحية تلك الملاك المستلقية في سريرها بتعب واضح.. ارجعت خصلات شعرها خلف اذنها وانحنت بيدها على جبهة ذلك الملاك فاطلقت زفيرا ينم عن الراحة الشديدة لانخفاض درجة حراتها بشكل كبير.. ابتسمت وهي تقبل وجنتيها الناعمتين واخذت كمادات الماء وخرجت مغلقة باب الغرفة ثم تتجه بعدها حيث المطبخ ولكن استوقفها ذلك الصوت الرجولي من خلفها لتلتفت اليه وكلها اذعان وانصات لأوامره.. فرب المنزل سيغادر مسافراً تاركاً طفلته بأمانتها.. تاركاً وراءه منزل مليء بالحراس وفتاتين... كانت كل كلمة تخرج منه آمرة لها فتهز رأسها ايجاباً بمعنى نعم.. و انتهت اوامره اخيراً وغادر المنزل بوجه متهجم غاضب.. وخطوات كبيرة سريعة.... ومن خلف ذلك الباب عاودت تلك الفتاة مسيرها نحو المطبخ
أخذت كوباً من الماء وجلست على احدى الكراسي، أذعنت الصمت لأفكارها ثم همست بخفوت " يبدو أن هنالك أمر آخر من وجوده هنا وليس العمل؟ ثم لماذا يسألني عن المأوى باستمرار.."
رشفت قليلاً من الماء وأسندت رأسها على يدها " السيد ماجد يبحث عن احد ما هنا، فما الذي يستدعي سفره الآن؟؟ وترك ملاك هنا ؟"


*****************

وفي تمام الساعة السادسة مساء اغلقت ابواب السيارات الثلاث وانطلقت لتسير في طريقها الذي يبعد نصف ساعة عن منزلهم الجبلي.. عابراً طريقاً ساحلياً مليئاً بالأعشاب والاشجار الصغيرة.....
تساءلت ريم بصوت خافت وهي ترى معالم وجه قمر: قمر ماذا هناك؟!
التفت قمر وبابتسامة شاحبة وهل تلقي نظرات جانبية على المرآة: " لا شيء.."
نظرت اليها بشك ثم حولت نظرها حيث ذلك الشخص الذي يقود السيارة ثم قالت : " مجد اشعل بعض الموسيقى.."
ليقول وهو يبتسم : " ما رأيك ان اغني انا!؟"
اجابته بسخرية: " اذا سأغلق اذنيّ من الآن.."
تساءل بعبوس: " وهل صوتي قبيح الى هذه الدرجة؟!"
هزت كتفيها بلا ادري وتحدثت وهي تمد يدها - على انها عبارة عن ميكروفون - الى قمر شاردة الذهن " لنسمع رأي الجمهور!؟"
تساءلت قمر باستغراب وهي تنظر ناحية ريم متعمدة خشية من رجفان قلبها الذي سيؤدي بها الى الهاوية : " بماذا!؟ ماذا هناك!!"
قال مجد وهو ينظر اليها مباشرة من خلال المرأة :" هل صوتي قبيح!؟"
لكزتها ريم حتى قالت قمر وهي تشيح بوجهها نحو النافذة بهدوء " لا ادري.."
لوت ريم شفتيها بضيق وهي تشعر ان شيئا ما ألم بقمر وهو بسبب ذلك الغبي الذي يدعى شقيقها ثم نظرت ناحيته بوعيد ولكنه كان مقطب الجبين عابس الوجه يضغط بيديه على مقود السيارة ينظر نظرات جانبية بين الحين والاخر الى قمر الى ان لمح شيئاً متلألأً ينساب بخفة على وجنتيها.. ليعض على شفتيه ويشعر بضيق كبيرة يختلج صدره...

وكانت ريم ابعد ما يكون عن تلك المشاعر المخيفة التي احاطت بها.. ترسل رسائل نصية بشكل متكرر.. وتنتظر بضجر الاجابة الى ان اضاءت شاشة هاتفها بوصول رسالة لتفتحها بتلهف وتقرأها بكل حب وسعادة * أظن ان هاتفك قد تعطل من هول الرسائل التي وصلتني *
لتكتب له * كنت فقط اريد الاطمئنان عليك.. أفي هذا خطأ أيضاً؟! *
ليجيبها بعد قليل * حسناً امي.. لقد وصلت وانا الان بالمنزل.. هل شعرتِ بالاطمئنان *
* اجل ايها الولد المهذب كن مطيعاً هكذا دائماً.. *
ضمت هاتفها الى صدرها واخرجت تنهيدة طويلة... وانتبهت الى مجد الذي التفت ناحيتهم ويقول بمكر : "هيا انسة ريم لقد وصلنا.." فتفتح عيونها بارتباك وخجل وتخرج بسرعة غير مدركة لتركها قمر بسبب ارتباكها بينما ابتسم مجد على شقيقته الخرقاء ونظر ناحية قمر ليجدها في عالم اخر تنظر للفراغ بعيونها الخزينة.. واستغل هذه اللحظة لينظر اليها بتمعن.. واخذ يتأمل ملامحها بكل حب وضيق.. فشعرها الاسود والذي ملسته ورفعته على هيئة ذيل حصان يحاكي ظلمة الليل وتملكته الرغبة بأن يأخذها بين اضلاعه مجدداً يسرق منها احزانها يضمها و ينثر شعرها دافناً وجهه فيه ويشتم عبيره الفواح... و لاحت على شفتيه ابتسامة ذابلة وهو يتأمل جمال وجنتيها المحمرتين بسبب بكائها طوال الطريق والتي تشبهان في احمرارهما زهرة حمراء اينعت بتلاتها في اول الربيع .. وعيونها العسلية كالماسة المتلألئة لانعكاس مصابيح المنزل المطلة على الشارع والتي انحرفت ناحيته عندما خرجت من عالمها الحزين بعد ادراكها بأن السيارة قد توقفت لتنظر اليه بكل حزن وعيونها التي عاودت التلألؤ وخرجت شهقة منها بلا ارادة جعلته يستفيق على نفسه لينظر اليها ويقول بخوف : " قمر!؟"
اشاحت بوجهها وضعفها امامه وبدأت بباطن يدها تمسح دموعها بسرعة...
فالتفت حيث جيب سترته ليخرج منديله واتجه به ناحية وجنة قمر حيث امتلأت بالكحل الأسود و ادار وجهها ليمسحه بكل خفة خوفاً من ان يخدش بشرتها الناعمة من دون دراية.. امام عيونها المندهشة وقلبها الذي اعلن ثورته بسرعة وارتجاف اوصالها وفوران وجنتيها كبركان اطلق حممه....
نظر اليها بكل حب واخذ وجهها بين كفيه وقال ببريق امتزج به الخوف والحنان اللذان ملآ بؤبؤيه : " هل انتِ افضل الآن؟!"
وقبل ان تنطق قمر شعرت بنبضات قلبها تخرج كموسيقى صاخبة وتطن الاذان التفت مجد الى ذلك الشخص الذي اخذ ينقر زجاج السيارة الامامي.. فتنفست الصعداء وتلونت وجنتيها بحمرة خفيفة وهي تستذكر لمسته الرقيقة الناعمة...
التفت اليها وهي في خوض معركة لحل السلام بينها وبين براكين حبها وعواصف قلبها وقال بابتسامته الجذابة : * هيا انهم بانتظارنا.. ولكن ابتسمي فإن الحزن لا يليق بقمر مثلك.. "

ومن الطرف الآخر من المدينة وبعد مرور بعض من الوقت تنهد بتعب وهو يحصي ما بقي معه من مالٍ قد وفره مقابل عمله المتواصل في الليل والنهار... ابتسم برضى حيث انه لم ينفق كثيراً من المال واستند بظهره على الاريكة ثم اغلق عينيه بتعب وراح بذهنه الى ريم مجدداً كعادته كل يوم... واتسعت ابتسامته الساحرة اكثر فأكثر عندما لاح ذلك الطيف امام مرآه.. طيف فتاته التي استقبلته ذلك اليوم بفستان اشبه بفساتين الاميرات وشعرها الذي تطاير وهي تهرول باتجاهه بيوم ميلادها في حديقة منزلهم الخشبي... ولكن تقطب جبينه وفتح عينيه بغضب بسبب ذلك المخلوق المزعج الذي اقترب منه وقال بسخرية " رائد ألم يسأم عقلك من صورة ريم..؟!"
ليعتدل في جلسته ويقول وهو يتناول كوباً من الشاي " دعي سخريتك لشخص آخر يا جيداء،، اخبريني الآن كيف وضع والدتي!"
وبعد ان جلست بجانبه " بخير،، افضل حالاً"
اومأ برأسه ايجاباً واخذ يرشف كوبه بصمت لتبادله جيداء بذات الصمت لمدة عشرة دقائق... وبعدها وضعت الكوب جانباً: " اخبرني الآن ،، كيف جرت المقابلة!"
"بخير.."
جيداء بعدم استيعاب " فقط بخير ؟!"
لاذ بالصمت و عاد لشرود ذهنه من جديد.. لتقول جيداء بضجر " حسناً.. متى ستبدأ بالعمل!!"
" بعد الغد " رائد ببرود
صمتت قليلاً ثم " كما اخبرتني ريم انك ستقوم بإجراءات نقل خالتي للمشفى"
اومأ رأسه بهدوء مع نظرة غير راضية عليها، تأففت بحزن ثم قالت " أنا أفعل ما بوسعي من أجلك،.."
" ولكنني لم أكن اريد أي شيء منه.."
" حالتها تزداد سوءاً.."
تنهد رائد بألم ثم أردفت جيداء " انه من حقك، وكل ما املكه من حقك.."
قاطعها رائد بلوم " لا تقولي هكذا.."
وقفت امامه وانهيار بادٍ على وجهها " صدقني يا رائد هذا اقل ما يمكنني فعله لك ولوالدتك.."
نظر اليها بامتنان " أعلم.. ولكن لا اريد أي شيء منه"
" مني يا رائد، اعتبره من جيداء وليس من عمك.. من اجل والدتك.."
مسح على وجهه بتعب " لقد قبلت، حسنا لا داعي لهذا الحديث الان.. من اجلك فقط قبلت.."
ابتسمت وقالت بشقاوة " اعلم اعلم، لي سحر خاص ولا احد يستطيع رفض طلباتي.."
ضحك بخفة ثم قال بعدم تصديق " ريم النسخة الاخرى.. "
ضحكت جيداء لتعقيبه ثم تساءلت بخبث بعد صمت دام قليلاً " أجل وعيد الميلاد،، ( ثم بحماس) اخبرني اخبرني ما حدث ارجووك "
ابتسم قليلاً ورفع حاجبيه بمعنى لا ونهض من مكانه وابتسامة تلوح على وجهه العريض لتشعر جيداء بخيبة أمل ثم تقوم بترتيب المكان.. واما رائد كحالته المعتادة يذهب الى ريم بذهنه وقلبه وعيونه بل بكامل جسده ايضاً.. راحة شديدة تسيطر عليه وهو يفكر بها ،، فكيف وهو بجانبها !!؟
لنعود بتفكيره الى احد الايام الماضية حيث مشهد قصير في هذه الرواية.. حين رفع علبة حمراء مربعة الشكل وقدمها لريم وهو يقول " أتمنى أن تعجبك "
ابتسمت بحياء وهي تلتقطها من بين يديه لتلامس اصابعها الرقيقة جزءاً من يده وتشعر بإلكترونات حرة تسري في جسدها فازدردت لعابها بصعوبة وشرعت بفتح العلبة بلهفة وحب لتبتسم أخيراً وهي ترى عقداً بسيطاً يتوسطه فراشة صغيرة لتعاود انظارها الى رائد وتقول بامتنان "شكراً جزيلا حقا انه جميل "
بادلها بابتسامه " لا شكر على واجب.. برغم انه شيء بسيط.."
قاطعته ريم وهي توجه العقد له " هيا البسني اياه.."
قال باضطراب " ماذا؟!"
ريم بالحاح "هيا يا رائد"
امسك رائد العقد بارتباك ثم اعطته ريم ظهرها ورفعت خصلات شعرها ليفكه ويتجه بيديه المهتزتين امام وجهها ليأخذ الطرف الاخر من العقد ويشبكه بارتباك شديد حول عنقها النحيله... وفي ذات الوقت تكون ريم تتخلص من خجلها وارتباكها بكلامها الذي وجهته وهي تقول " ان جدتي تقول الهديه ليست بثمنها بل بقيمتها.. وتكون قيمتها بنفس المقام الشخص الذي اهداك اياها في قلبك.."
ابتسمت وهي تعاود الالتفات اليه " انه جميل جدا شكرا لك.."
" لقد لاق بكِ كثيراً" رائد بحب
" وعدي لك لن اخله من عنقي ابداً"
تساءل باستغراب وسعادة كبيره " وعد؟!"
اومأت رأسها " وعد..."
وعود بسيطة ولكنها جميله في لحظات تلمس بها اوتاراً حساسة في القلوب نقولها لمن لهم مكانه عظيمه في قلوبنا... فوعد ريم بعدم خلها ذلك العقد .. وعدا بسيطا ولكن يحمل في ثناياه حبا كبيرا لا تريد فقدانه....
وبعد تفكيره الطويل ذاك وشعوره بذلك الشيء الجميل الذي لا يستطيع تفسيره.. وتلك الراحة الكبيرة اغلق عينيه بهدوء ثم راح في سبات عميق....

************

بعيدا عن هذا الليل الموحش دعونا نقلب صفحه من صفحات حكايتنا لنستقر في التاليه ونذهب الى اليوم التالي حيث اطلقت الشمس اشعتها الذهبيه والتي اخترقت بقاع العالم اجمع وعلى مائدة مستطيله الشكل حيث امتلأت بالفطائر وبعض الالبان والاجبان..
تنهد الجد ووضع كوبا من الشاي جانبا ليتساءل بصوته الوقور " اذا يا قمر اخبرينا ماذا قررتِ بشأن العمل"
اتجهت الانظار جميعها الى قمر فرفعت رأسها باتجاه جدها ثم قالت وهي تهز كتفيها " لا ادري ما رأيك انت ؟"
"برأيي انه عمل ممتاز..."
قالت ريم بحماس " ثم انك موهوبه جدا تأخذين بعضاا من الدروس احتياطا"
قالت قمر بهدوء " لا ادري"
وضع رامي قطعة الخبز ثم قال "اسمعيني جيدا يا قمر ( وهنا وجهت نظرها الى رامي ولسوء الحظ التقت عيونها بعيون رجلها الحديدي فشعرت بغصه كبيره.. ولكنها اذعنت لكلام رامي تحاول جاهدة ابعاد عيونها عنه ) العمل في شركه مثل شركه العم وليد امر جميل.. ويكسبك بعض الخبره.. وكما قالت ريم فانت تتحلين بموهبه ثم انهم اصداقئنا منذ زمن هذا يعني لا داعي للخوف.. وكما قال البارحة انهم يبحثون عن الموهبة لا حاملي الشهادات.."
اكملت ريم "كوني على ثقه من ذلك ان العم وليد طيب جدا..لولا ذلك البغيض ابنه ..."
قاطعتها الجده " لا تشوشوا تفكيرها انه قرارها هي... تستطيعين التفكير يا عزيزتي قمر لأي مده تريدين"
ابتسمت قمر ابتسامه شاحبه ثم عادت تعبث في محتويات وعائها من جديد شارده الذهن تفكر بعرض العمل الذي عرضه عليها العم وليد الرجل الذين ذهبو اليه البارحه لاقامة الشواء في منزله.. صاحب شركه لانتاج الاحذيه والحقائب.... فبعد معرفة ابنه المدعو كمال بانها تمتلك قدرات بالرسم.. وبما انه هو المسئول عن فرع الشركة الموجود هنا التي تم افتتاحه قبل سنين لا تتجاوز الست.. وبصفته احد المسئولين عن قسم التصميم.. فقد اراد انضمام قمر الى فريق العمل.. مع قليل من التدرب.. ووضعها تحت المراقبه..
هل تقبل ام تراها ترفض ؟؟ لقد حلمت بمستقبل باهر تنتج به اعمالها الخاصه.. وذلك المستقبل الذي حلمت به سيتحقق ولكنه ناقص..من عائله تشد من ازرها... اب يقف معها ويوجهها نحو الطريق الصحيح وام يتيسر طريقها بدعوات صادره من قلبها الطيب.. تنهدت بعمق وازاحت نظرها عن وعائها لتلتقي عيونها الحائره بعيونه.. لم تستطع حينها التنبؤ بمعنى تلك النظره الثاقبه كانت ابعد ما يكون لتفسير عيونه اليوم تريد التفكير بمعجزه ظهرت لها...فاعادت نظرها بهدوء الى ريم التي تأففت ممسكه هاتفها تنظر الى شيء ما...
تساءل مجد ليجلب انتباه محبوبته له ولكن فشل بذلك" ما بها فتاتنا الخرقاء؟"
وضعت ريم هاتفها جانبا واجابت " لقد رأيت شيئا ما"
" ام تراه حبيبها الجميل لا يكترث بها " رامي بسخريه
تجاهلته ريم واكملت تناول طعامها بهدوء..
اقتربت قمر منها وقالت " انها امل.. اليس كذلك؟"
مجد باستغراب " ماذا هناك؟؟ ما بها امل"
" لا شيء" ريم بلا مبالاة
" ياا للعجب تحدثت اليها البارحه و......"
مهما كانت قمر تحاول تجاهل وجوده.. الا ان الغيره كان دافعا قويا للنظر اليه وعيونها تشن حربا قاسيا عليه.. عيونها التي لمست وترا حساسا في قلبه.. بل كانت عيونها العسليه الموجهة نحوه هي نقطة ضعفه.. لذلك فضل الصمت وهو يحاول ان يخمن سر تلك النظرات..
وفي هذه الأثناء حيث انشغل مجد في تحليل سبب تلك النظرات العدوانيه التي وجهت نحوه.. وقد كان البقيه كل بتفكيره وطعامه.. اقترب رامي من جدته وقال لها بصوت هامس " انظري الى حفيدك ذاك.. تصرفاته غريبه في الاونه الاخيره لقد ازال قناعه القاسي"
رفعت رأسها اليه وقالت " سيغادر غداً..."
اومأ رأسه بتفهم ونظر نظره خاطفه نحو قمر محدثا نفسه " ان الحزن بادي على وجهك كثيراً..." ثم اكمل حديثه مع جدته "ألن تمنعيه.."
وفي هذه اللحظه حيث اجابته الجده كان مجد يحاول الخروج من سجن عيونها الذي وقع فيها اسيرا... اذعن لصوته الداخلي بعد ان امره بالهروب فالتفت حيث رامي الذي كان يتحدث الى الجده بتمتمات فتساءل " بماذا تتحدثان ؟"
فتح رامي عيونه حينها ب تفاجؤ بينما عادت الجده الى وضعيتها الهادئه وبقيت الاجابه على رامي فحك رأسه واجابه بتلعثم وهو يحاول تلفيق اي شيء " كنا نتحدث.. بما انه اخر يوم نقضيه هنا.."
مجد بشك " اذا ؟؟"
قالت الجده " نزهة .. "
ابتسم رامي ببلاهة " اجل نزهة جميلة..ما رأيكم يا فتيات؟"
لم تعترض ريم فكانت تعابير وجهها تدل على الموافقه وهي تهز رأسها بمعنى لا اعتراض ممسكه هاتفها تعبث بأزراره... في حين أيدت قمر الفكره بحماس لعل عقلها الباطني يصل الى نهاية الطريق الصحيح وتستطيع اخراج وتشتيت تلك الطاقه السلبيه التي علقت في عقلها وقلبها...


وبعد مرور الوقت كانت السيارة الحمراء مكشوفه السقف قد انطلقت في طريقها العشبي الطويل الذي تخلله مزيج من الضحكات تارة والأحاديث تارة اخرى....
بينما قمر كانت من الفريق الذي لا يشارك الا بالشيء القليل تستمتع بصمت ونسمات الهواء الدافئة تداعب وجنتيها طوال الطريق وتخاطب شعرها المجعد الذي يحلق بكل حريه وهي شارده الذهن باسمه المحيا وبريق الاعجاب في عينيها الناعستين جاهله الكم الهائل من الابتسامات والنظرات الخاطفة التي وجهت اليها...
الا أن..
...............
...........
.......
.....
...
.



توقفت السياره


" واخيرا وصلتم.."
صدر ذلك الصوت عندما ترجل جميعهم من السيارة وبدأت ريم بالسير برفقه رامي بينما كانت قمر تتناول من مجد غطاء احمر بأنامل مرتجفة.. وما كان من ريم الا ان عبست وجهها وتأففت وقالت بضيق كبير: "من الذي دعا ذلك البغيض الى هنا.."
ثم بسرعه فتحت عيونها بغير تصديق واتجهت بنظرها حيث رامي متوعده، الذي ارتسمت على وجهه البراءة وتحدث كاتما ضحكته من شكل ريم الحانق " لست انا.."
لتمضي في طريقها غاضبه كرياح هوجاء عاصفه.. وفي نفس الوقت تكون قمر قد رفعت رأسها وهي تزدرد لعابها من التوتر وتبدأ بالسير ليأتي من خلفها مجد مرتدياً بنطاله الاسود وقميص بنفس اللون.. وكاد ان يتعداها لولا تلك النظره الجانبيه التي القاها عليها و....
قطبت جبينها باستغراب وهي ترى رامي يتحدث الى ذلك الغريب الذي اعاطاها اياه ظهره.. ابتسمت مجامله عندما تعرفت الى ذلك الغريب الذي استدار وبادلهم الابتسامه وقذف في قلب ذلك المجد غضب كبير ليجعله يقترب منها ويتحدث بنبره قاسيه (تجعل الحجر يتكسر فكيف بقلب تلك القمر) كاظما غضبه "خبئي تلك الابتسامة اللعينة.. "
ومضى في طريقه تاركا اياها تحاول استيعاب تلك الكلمات التي خرجت من فمه كسموم قاتله.. تقف هي بحيره تحاول ان تهضم كلماته بدون حدوث الم ولكن دون جدوى!!
وهو الا يستمتع الا بقذف حممه البركانية الحارقة عليها؟؟! ألا يكتمل يومه الا بمس الضرر في قلبها وشن حروبه الدامية !! ألن يمر يومها بسلام أبدا خاليا من كلامه الجارح.. نظراته الثاقبة.. !!!
أخذت نفساً عميقا ورفعت رأسها للسماء الزرقاء الصافية وهي تشد بقبضتيها على الغطاء الذي تمسكه ثم اخرجته وهي تعود برأسها الى وضعيته السابقة... لتلتقي عيونها الناعسة بعيونه الرصاصية الهادئة التي انعكست اشعه الشمس عليها لتبدو اكثر جمالا وسحرا.. وكأنها موجات مغناطيسيه تأسرها وتجذبها نحوه....
ألم يخطأ نيوتن عندما اعتبر اتجاه الجاذبية نحو مركز الارض وليس هو ؟؟!
**********

وبالعوده الى المكان الذي انطلقت منه السيارة وفي شرفه تطل على بحيره صغيره يسبح بها بعض اسراب البط وضعت كوبها ببطء وهي تستمع الى زوجها الذي قال بهدوء "افكر في ان انقل فرع الشركه الذي يوجد في فرنسا الى هنا.."
قطبت جبينها وتساءلت باستغراب "لماذا؟!"
"وجود ذلك الفرع هناك لا يحل علينا بالفائده.. بل يأتينا بالمشاكل.. (صمت قليلا وهو ينظر الى الفراغ ثم اردف ) حفيدك مجد ليس على ما يرام في الاونه الاخيره.. انه لا يجلس معنا كما في سابق الزمان.. نراه شارد الذهن ودائما متعب يشغل نفسه بالعمل مع انه هنا للاجازه.." تنهد ثم اكمل " ثم ذلك الامر .. انه المشكله الاكبر.."
قالت الجده بحزن " انه حاليا خارج البلاد و..."
قاطعها بحده " قلت لك ان تكفي عن مراقبته... ( ثم بنبره تحذير) انا لا اريد لاي احد ان يتأذى وانت تعلمين ما اقصد تماما فلذلك علينا العوده بسرعه الى المدينه قبل ان يحل شيء سيء.. ثم و وانه بعد طول هذه السنين لن يتجرأ بمواجهتنا.."
نظرت اليه بقله حيله وهو يمضي للداخل ثم وضعت يدها ناحيه قلبها عندما شعرت بوخز خفيف و اخذت تدعو بداخلها ان يحل كل الخير للعائله وان لا يمس احدهم اي ضرر...

*****


المكان مليء بالأشجار الخضراء الباسقة.. الأزهار الملونة.. وذلك الجدول الصغير يلهو بمياهه الأطفال ويتراشقون بمياهه الباردة المنعشة.. و الفتيات اللاتي تلعبن بالحبل يقفزن بسعادة كبيره فتتطاير خصلات شعرهم بكل حريه في الهواء الطلق... وفي زاويه اخرى بائع غزل البنات الذي يصرخ فيتهادى عليه الصغار والكبار...

وفي زاوية صغيره من هذه الحديقة الكبيرة جلس ابطال حكايتنا من جديد منضماً اليهم بطلاً جديداً .. لم تكشف هويته حتى الان.. يبدو شاباً في بداية الثلاثين من عمره.. ذو وجه بشوش ولحية خفيفة.. جلس متكئاً على يده اليمنى ويبدو انه قد شعر بالملل وهو يقول "هل سنبقى ننظر لما حولنا بغباء.."
نظرت اليه ريم وأجابته ببرود قاتل "ان لم يعجبك ذلك.. فيمكنك ان تذهب.." قالت ذلك وهي تشير بيدها بمعنى ان ترحل.. ابتسم ابتسامه خفيفة فالتفتت عنه بامتعاض... ثم لفت نظره قمر وهي تتوجه الى بائع الغزل.. هي لا تشبه ريم ابدا.. فهي هادئة وتبدو غامضه بعض الشيء انطوائية على نفسها... وربما ذلك لأنها عاشت بعيدا لوحدها... فيها روح طفله برغم. انها في التاسعة عشر من عمرها.... تذكر ليله امس في منزلهم حيث تفاجئ بتلك الفتاة فهمس له والده انها حفيدتهم التي كانت تعيش في الميتم.. وكيف بدت هادئة وحاول التحدث اليها وكانت اجاباتها مقتضبه ابتسم عندما اخبرهم رامي عامدا عن موهبتها في الرسم واكدت ذلك ريم المشاكسة.. فما كان منه ومن والده الا ان عرض عليها العمل معهم.. بحكم انهم يملكون فرعا صغيرا لشركه انتاج ضخمه في البلد تكون بادئ الامر تحت مراقبه المصممين المحترفين بالمكتب..
خرج من ذكريات الامس واقترب من رامي حينها ليقول له "تلك ابنة عمك.. ممم قمر ,, ماذا قررت بشأن العمل؟؟!"
نظرت اليه ريم وهي تناول رامي الشطيرة والذي اخذها وهو يقول "ليس بعد...."
"ربما لم يعجبها عرض العمل ذاك.." ريم باستخفاف..
هز رامي رأسه بمعنى لا و " لا اظن ذلك لأنه.."
تسائلت بسخريه "هه ولماذا؟!"
وقبل ان يهم ذلك الشخص المجهول بالإجابة.. انطلق صوت رنين هاتف ريم الذي أضاءت شاشته باسم جيداء.. فقفزت من مكانها بسرعه وسعادة كبيرتين.. فيما اكتفى رامي بالرد على رسائله الإلكترونية بعد ان ابتسم على شقاوة ريم.. واكتفى ذلك الغريب وقد لمعت عيونه الخضراء الداكنة ببريق الاعجاب بعد ان جال بنظره وارتكزت عيونه على احدى الفتيات.....


وعلى بعد عده مترات.. وبعد ان اشترت غزل البنات والتفت لتعود بكل سعادة حيث يجلس الجميع تنهدت وهي تنظر بحزن.. وتساءلت بينها وبين نفسها اين اختفى ذلك الجليدي.. زفرت بحراره وهي تطرد شبحه الجميل عنها.. ولكن قبل ان تمضي في طريقها عائده.. التفت حيث صوت البكاء فأخذت تنظر ببراءة وحنان الى تلك الفتاة الصغيرة التي كورت نفسها فتقدمت اليها عده خطوات وتساءلت " لماذا تبكين ايتها الجميلة..؟!"
رفعت تلك الفتاه الصغيرة رأسها وقالت من بين دموعها "اردت بعض الحلويات.. ولك.. لكن سوزان اختفت.."
نزلت قمر الى مستواها واخذت تمسح على رأسها ثم مدت لها غزل البنات بابتسامه حانيه "خذي هذه.."
انفجرت اسارير الفتاه ومسحت دموعها بسرعه "شكرا لك.."
وسرعان ما امتدت يدها الصغيرتين امام انظار قمر.. تنظر الى هذه الصغيرة وهي تتذكر طفولتها في زوايا الميتم.. حيث كانت تلعب مع الفتيات اشباهها لعبه الاختفاء.. وقفز الخبل.. وباللعب المصنوعة من القماش وغيرها...
وعندما كانت قمر تعود بذكراها الى الم الماضي.. كانت الصغيرة تنظر باهتمام الى ذلك الرجل الضخم الذي وقف بقامته العريضة.. مشكلا ظلا يحجب اشعه الشمس عنهما... ثم ازدردت لعابها بخوف.. ونظرت الى قمر برعب وقالت وهي تمد يدها الى الاعلى.. "هذا..ال..." وتوقفت عن الكلام عندما رأته يهبط ناحيتهما فارتدت بسرعه حيث الشجرة.. بينما هو شعر بنظراتها المذعورة فمسح على شعرها الذهبي بحنان والتفت حيث قمر التي تجمعت تلك الدموع في عيونها.. خفق قلبه من شده الخوف.. فأخد بوجهها الصغير بين كفيه وسألها بخوف.. " قمري هل انت بخير.؟؟!"
ارتخت يداها على قدميه من دون اي شعور منها.. فقد كان كل شيء فيها قد ذهب بعيدا.. حيث المكان الصغير الذي عاشت به.. حيث آلامها وآهاتها.. وحدتها وضعفها.. تذكرت كل ذلك .. فهي رأت نفسها في هذه الفتاه... تذكرت طفولتها الأليمة وشعرت بالحنين الى ذلك الالم الصغير الذي كبر ونما معها.. مع كل عام يتجدد في وحدتها...
وقد شعر هو بالخوف الشديد عندما كانت متجمدة امامه.. تنظر الى الفراغ ودموعها متجمدة بين جفونها.. تحتاج قوه كبيره لاخراجها حتى ترمي من داخلها تلك الهموم... ولم ينبه الا وهي ترمي نفسها على صدره القاسي.. الذي اخذ يرتفع ويهبط بخوف.. واخذ قلبه ينبض بسرعه... ثم اغلق عينيه بألم... وبعد عده دقائق شعر بوجهها يتحرك ففتح عيونه وكانت مازالت تنظر الى الطفلة... ثم همست له وهي ترفع رأسها " هلا اخذتني من هنا.."
امسك يدها وساعدها على النهوض حيث كانت الصغيرة تشاهد ما يحصل امامها باستغراب وخوف.... وسرعان ما نهضت بحماس عندما لمحت مربيتها تتخبط في البحث عنها بالأرجاء تاركه غزل البنات الذي اشتهته على الأرضية العشبية لتستقبلها المربية بخوف .. ثم قالت وهي تلهث "اين كنت يا ملاك.. ابحث عنك.."
اجابتها ملاك: "كنت اريد غزل البنات.. واعطتني اياه فتاة كبيرة مثلك.. شعرها طويل وجميل يشبه.."
قاطعتها: " حسنا.. لا تبتعدي عني.. ماذا سيقول والدك ان حصل بك مكروه.."
امالت الطفلة رأسها وقالت " لا يقول شيئا.. ادافع عنك.. اقول له سوزان لم تفعل شيئا.."
ابتسمت سوزان لبراءة الطفلة ثم نظرت عائده لخلفهم وهي تستغرب الامر بل الشخص الذي رأته.... هزت رأسها و سارت وهي تفكر....

وعلى ضفة النهر حيث افلتت منها ضحكه ثم قالت وهي تتحدث عبر الهاتف "حسناً حسناً.. لا تقلقي .... ابلغي سلامي... الى اللقاء عند عودتي.."
ثم انهت مكالمتها وهي تدخل هاتفها في جيب سترتها.. وهي في قمه شرودها.. ومع ابتسامتها الحالمة اذ بصوت هامس من خلفها جعلها تنتفض بخوف.. فترتد للخلف لتصطدم به مع ضحكاته التي تعالت " هل تعلمين انك جميله عندما تخافين؟!"
ابتعدت عنه وهي تضع يدها على صدرها ثم قالت وهي تقلده " هل تعلم انك بشع.."
قاطعها بسخريه " حقاً؟؟!"
اردفت بقهر " ألن تتغير ابداً.. اقصد عاداتك هذه.."
ابتسم ثم " وهل سمعت بأن كمال وليد ..حفيد السيد غالب.. صاحب اكبر شركات.."
قاطعته بملل "ولم يتغير غرورك ايضاً.."

وقبل ان نكمل هذا الحديث.. دعوني اكشف لكم هذا الشخص الجديد ´´ كمال´´..اذا اسمه كمال.. ذلك الشخص الذي استقبلهم على بوابه الحديقه.. والذي اظهر ملله بالجلوس.. وكما قال فهو الحفيد للسيد غالب.. صديق جد ابطال حكايتنا.. صاحب اكبر شركات لانتاج الحقائب والاحذيه.. والتي استلمها من بعده وليد والد ذلك ال (كمال) ...عريض المنكبين يملك من الطول ما يجعلك ترفع رأسك للنظر الى عيونه الخضراء الداكنة.. ولحيته الخفيفة التي زادت من جاذبيته.. يقف واضعاً يديه في جيبي بنطاله بابتسامه اظهرت تلك الغمازة على خده الايسر...

والان لنعود بشريط حكايتنا عندما قالت له بملل " ولم يتغير غرورك ايضاً!!"
ابتسم ليقف بمحاذتها ويقول " انا لا اتغير بسهوله على اصدقائي.." صمت قليلا و تنبهت الى كلامه الذي يلمح به شيئا.. ثم اردف متسائلا " لماذا يا ريم ؟؟!"
نظرت اليه ببرود ثم قال. وهو يمسك كتفيها ويديرها ناحيته " كنت صديقه طفولتي وما زلت كذلك.. قبل اقل من شهر كنا نتحادث كثيرا بعدها انقطعت تلك العلاقة.. لا اريد ان اخسر صداقتي معك ابدا.."
تنهدت بضيق " ولا انا.. ولكن.." صمتت وهي تطرق برأسها عندما سمعت زفيره القوي.. و
"هل كل هذه المعاملة السيئة من اجل ما تحدثنا به..."
"هلا صمت.." ريم بحده..
اومأ رأسه " حسنا.. ولكن اريدك ان تعلمي لقد قلقت لأجلك.. ربما لم يكن كلاما صائبا حينها وربما تدخلي بالأمر ليس من شأني ولكن من خوفي وقلقي.." صمت قليلا ثم قال برجاء " من اجل خاطر ايامنا السابقة.. عودي كما عهدتك الصديقة والرفيقة.." صمت قليلا ثم امسك يدها وقال بندم " حقا اعتذر لسوء تصرفي.."
سحبت يدها من بين يديه و نظرت اليه بتردد وهي تحوم فوقها سحابه من الافكار.. واكتفى هو بأن بادلها بالابتسامة قبل ان يذهب... و التفت عائداً تنظر اليه بجمود حينما كان يمضي في طريقه ثم عادت بعيونها الحائرة المترددة الى البحيرة...


وسارت xxxxب ساعه حكايتنا لهذا اليوم بسرعه كبيره لتبقى احداثه.. مخفيه عالقة في الذكرى.. فإما ان تكون ذكرى جميله او قبيحة..؟؟!

وكانت الشمس قد شارفت رحلتها على الانتهاء ليحل محل نورها.. نور اخف يرافقنا كل ليله ويشهد احزاننا.. فرحنا.. وتعبنا.. وبعض الاحلام التي ننتظر تحققها....
وبدأت السماء بارتداء ثوبها الاسود يتجمل بنقاط بيضاء صغيره اشبه بالنجوم.. يتوسطه القمر المضيء....
وكان ابطال حكايتنا قد حطت اقدامهم عتبات المنزل.. ولكن قبل ان تستقر اجسادهم داخله.. اقبلت الخادمه وقالت " سيد مجد.. السيد مازن يريدك حالاً.."

اومأ مجد برأسه وقبل ان تجره قدماه حيث الفناء الخارجي القى نظره خاطفه عليها.. وعندما وصل حيث جديه.. رآهما يجلسان حول مائده خشبيه مستديره.. فيتقدم نحوهما ويجلس وبابتسامه" يا تراه ما الامر المهم الذي استدعياني من اجله السيد مازن والسيدة زينب؟!"
حاول الجد ان يكون ذو نبره حازمه "أليس عيبا ان تلفظ أسماءنا فقط.."
ضحك مجد ثم قال " ماذا افعل ان كنتما مقربان الي جدا.."
ابتسم الجد ثم اشار الى الجدة ان تتكلم و....
و على عتبات السلم الداخلي..تساءل رامي بغرابه وهو يفكر " ماذا تراه الامر الطارئ.."
اجابته ريم بتعب " ربما سفره المفاجئ..؟!"
"هل تظنين انه سيمنعه..؟!"
لوت شفتيها بسخريه " مجد!! قل لي حقا من يستطيع اقناع عقله الصخري؟؟و ان رضخ لهما يوم !! يومان!! ثم يذهب "
ومضى كل منهما في طريقه اما قمر!!!
توقفت وقد انسكب على وجهها الماء البارد ليجعلها تتصلب في مكانها تشعر بانفجار ضخم قد حدث في قلبها لتتناثر اجزاءه.. قطعا صغيره,,, وتنشب نيراناً حارقه وتثور براكين داخلها... يجعلها تتذكر ذلك الموقف عند الاسطبل.. سيترك بلاده.. عائلته.. منزله.. بسببها هي.. هل حقا هي السبب!! ام انها تتوهم؟! ولكنها سمعته وهو يحدث خيله...
كان كل شيء فيها يسير ببطء.. حتى هي,, كان سيرها هادئا مخيفا.. وكأنها قطعه من الصخر ثقيلة.. تجر نفسها بصعوبة وهدوء كبير ومشاعر شتى تداخلت في بعضها...
جلست على سريرها وعيونها ما زالت مركزه على امام.. خلعت سترتها القطنية ووضعتها جانبا.. ووضعها المريب ذاك يجعل النفس تحزن على حالها.. فقد انتباها صمت عميق وشرود.. واخذ الحزن يزداد شيئا فشيئا... وقد تحجرت الدموع في مقلتيها وكان حزنها يمتص قلبها امتصاصا.. فيسلبها كل القوه المخزونة التي بداخلها ليجعلها تأوي الى فراشها تبكي بصمت دون ان تخرج دمعه واحده...



وفي الغرفة المجاورة وبعد مرور نصف ساعه.. كانت ريم قد اخذت حماما ساخنا بعد تعب هذا اليوم....
خرجت من دوره المياه وهي تجفف شعرها القصير الذي بلون الشوكولا بمنشفتها الحمراء.. اخذت مشطها ثم جلست لتبدأ تمسك خصلات شعرها و...
" كمال.. كان يبدو صادقا بكلامه اليوم.. انه صديقي منذ زمن طويل.." تنهدت وهي تمسك خصله اخرى وتبدأ بتمشيطها " حسنا.. انه صديقي.. ربما تسرع مثلما قال.. ولكن..." اغلقت عيونها بتعب. ثم اكملت " لا يمكنني التخلص منه بسرعه والابتعاد عنه.. بسبب موقف سخيف.. لقد حاول جاهدا اصلاح صداقتنا ولكن انا من كنت امتنع.."

نظرت الى هاتفها المحمول الذي ظهرت صورته عبر المرآه لتلتفت الى سريرها.. و كان بوضع الهزاز وقد اعلنت شاشته عن وصول رساله.. نهضت من ذلك الكرسي وتوجهت حيث سريرها..
" هل سامحتِ فقير الحظ؟؟!"
ابتسمت ثم اخذت تنقر ازرار هاتفها و تحدثت وهي تجلس بعد ان وضعت هاتفها على اذنها " هل الالحاح عاده جديده ؟؟!"
جاءها صوته خاملا " هذا ليس اجابه على سؤالي..؟!"
" ماذا تريد اذا؟!" رفعت حاجبها وكأنها تحادثه وجها لوجه
" ممم لا ادري.. ما رأيك؟!"
"حسنا.."
" حسنا.. ماذا؟!" والاستغراب طاغيا على نبرته
وقبل ان تنطق جاءها صوته مع ارتطام شيء بالأرض " حقا.. سامحتني.."
ضحكت ثم " لم لا ايها الاخرق.."
تنهد براحه " كم هذا جميل.. ايتها الخرقاء.. حسنا تصبحين على خير ايتها الجميلة.."

وبعد ان اغلقت تساءلت بصوت عالٍ " ألم أتسرع..؟!"

" هل شقيقتي الحمقاء تتحدث الى نفسها كالمجنونة..؟!"
شهقت بقوه ثم التفتت اليه " ألم يعلمك احد ان تطرق الباب..!!"
حك جبهته ثم توجه الى السرير وهز رأسها نفياً.. ثم اردفت بثقه " وشقيقتك يا عزيزي لم تكن تتحدث الى نفسها.. (وقفت وهي تسير بثقه واكملت) كنت احدث كمال؟!"
تكتف فأكملت " هل تظن ان كمال جيد ؟!"
نظر اليها بتمعن ثم وهو يغمز لها " هل تخليتِ عن رائد وذهبتِ لكمال"
ضربته بالوسادة التي كانت بجانبها ليتصداها ويردها اليها وهي تقول بحده " انت مجنون.. هل يمكن ان اتخلى عنه.. ( ثم بحب) انه حبي الاول"
ابتسم وقال بألم " ربما يأتي اكثر من حب ولكن... "
قاطعت ألمه " لا.. لا يمكن ان اتخلى عن حبه.." ثم نظرت اليه نظره ذات مغزى " لماذا أتيت الى هنا؟!"
مجد بعدم فهم " ها.. ماذا؟!"
اقتربت منه " اخبرني هيا.."
صمت قليلاً.. ثم اخذ قلبه يتحدث بالنيابة عنه... وفي نهاية الحديث قالت ريم وهي تتوجه نحو المرآه لتضع مرطبا لوجهها " حسنا لا تقلق.. سأفعل كما طلبت.."
مجد بتأكيد " احتاجها قبل ان نغادر من هنا.. لذلك.."
قاطعته ريم بحزن " لك ما تريد.. ولكن ألم يستطع جدي منعك.."
اشار اليها بمعنى لا.. ثم نهض من مكانه " سأذهب رغما عن الجميع.. تصبحين على خير يا شقيقتي.."
نظرت اليه وهو يخرج ثم تنهدت وهي تعاود استخدام المرطب الخاص بها..


ظلت قمر على حالها حتى وقت متأخر من الليل.. وكانت قد اخرجت كل شيء بداخلها وهي تحتضن عقد والدتها المكسور وتتحدث اليه...

شعرت بألم الحاجه للماء.. والصداع الذي لازمها لبرهه من الوقت عندما اعتدلت في جلستها بشكل مفاجئ.. نظرت الى الساعة وكانت تشير xxxxبها الى الثانية بعد منتصف الليل.. بالتأكيد ان الجميع قد خلد الى النوم منذ زمن وأنهم في سباتهم العميق.. فمن الممكن ان تذهب لشرب الماء.. ولكن عليها اولا ان تغسل وجهها وتعدل شعرها الذي تناثر بعشوائية عندما نهضت جالسة.. وفعلا اول ما قامت به هو ان نهضت من على سريرها وتوجهت بعدها الى دوره المياه بخمول شديد.. غسلت وجهها عده مرات بالماء البارد لعل وعسى ان يذهب اثر البكاء.. ولكن لا جدوى فالحزن قد صبغ الوانه فكانت عيناها مطفأتين ذابلتين...
خرجت من غرفتها ولم تأبه بشيء.. بدأت بنزول عتبات السلم على رؤوس أصابعها بخفه وهدوء.. وعندما حطت اقدامها الطابق الارضي وبدأت بالتوجه الى الركن الذي يقبع به المطبخ.. توقفت واستولى عليها الخوف الشديد عندما سمعت ذلك الدوي القادم من المطبخ.. والارتطام القوي بالأرض جعل قدماها تسيران بسرعه وارتجافه كبيرتين.. شعرت قلبها يدق بطبوله بسرعه كبيره وبشده تجاوز المعدل الطبيعي لعدد نبضاته في الدقيقة....


كان الزجاج قد تناثر على الأرضية وقطرات الدم الحمراء قد شنت غزوها لتشكل بحيره صغيره عليها.. يقف معطيا للباب ظهره و انفاسه تتلاحق.. وبرقم ضعف الإضاءة في المكان الا انا استطاعت رؤيه الدماء تلوث الأرضية...وباندفاع تقدمت نحوه بسرعه ليجعله يستدير باستغراب عندما سمع صوت تلك الاقدام الخافتة... وهنا كانت الصاعقة....
حيث توقفت امامه شديده الاضطراب.. الخوف.. الذعر.. الحزن.. وفجأة دون شعور منها غرقت اجفانها بالدموع...
تحدث ذلك الجسد الصخري الذي ينزف الدماء,, ذو الانفاس المتلاحقة.. الوجه المشدود.. العيون الغاضبة " لا داعي للخوف.. انه شيء بسيط.."
لا تعلم لم زادتها تلك الكلمات بكاءً.. ولكنها قالت من بين دموعها " اين عده الاسعاف..؟!"
اشار اليها بيده الى احدى الزوايا...لتذهب هي حيث يشير.. ويجلس هو بتهالك وانهاك ويداه تقطر دما.. ثم تعود وقد رفعت شعرها وثبتته على هيئه كعكه - كما نسميها - بإحدى اقلام الرسم التي تركتها مساء الامس في المطبخ.. حامله معها المعقم والقطن وبعض المستلزمات الاخرى...
جلست على الكرسي المجاور له وبدأت العمل اللازم القيام به... وبدأ هو بمراسم وداعه بأن ينظر الى انفها المحمر.. شعرها الذي يعشقه.. تفاصيلها الجميلة بكل حب.. حزن.. عشق.... فراق.. ثم. " لماذا؟!" سألته وهي توجه نظرها مباشره اليه فوجدته يتأملها بنظرات غريبه ازدردت لعابها.. وارتجفت يدها...
" متى تعلمت الاسعاف الاولي؟!" لم تهمها نبره السخرية التي اعتادت عليها.. فكل همها هو معرفه سبب ما قام به.. " لاا اظن ان سؤالك اجابه على سؤالي!!"
اجابها بسخريه "وهل تظنين مني ان اجيبك واطلعك على اسراري؟!"
نظرت اليه بمعنى لا يهم وعادت لجرحه.. ولكن توقفت عندما سألها " اذا اعلميني كيف تعلمت هذا؟!"
" الميتم.."...
اخرج زفيرً قوياً ثم قال " لم يسمحا لي بالسفر!!"
" ماذا؟!" قمر بعدم فهم..
طرق على رأسها " اجابه سؤالك ايتها الغبيه.."
اطرقت رأسها. بحزن " كل هذا لأجل عدم موافقتهم على سفرك"

ويبقى الصمت حليفاً له وصديقه الوفي الذي يلازمه معظم اوقاته... لتكمل قمر عملها بتعقيم جرحه بألم شديد... تنفست الصعداء عندما لم يكن الجرح عميقا جدا وتستطيع حل امره... عضت على شفتيها وشعرت بشوكه حاده تنغرس في قلبها وتخرج عده مرات عندما اطلق اهة خفيفه منه تعبر عن ألمه.. فتساءلت بقلق ممزوج بحزن مطرقه رأسها للاسفل " هل يؤلمك كثيراً؟!"
" داخلي يؤلمني اكثر" بعد ان خرجت منه تنهيده طويله.. فترفع رأسها والدموع تتساقط من عينيها تعكس بريقها الجميل.. جعله يكمل كلامه بكل صعوبه " ان هذه الجروح بسيطه مقابل الآلام التي تحرقنا من الداخل.." وبيده الاخرى يقوم بمسح دمعه قد انحدرت على وجنتها.. ثم يرجع خصله من شعرها المجعد الى الوراء ثم يقول موجها لها رساله " ولكن علينا ان نقف على اقدامنا ونكون اقوياء.. لذلك عليك ان لا تظهري عيونك الباكيه هذه لاحد.."
قبّل جبينها لتشعر بحراره انفاسه وحراره جسدها من التوتر.. و قبل ان ينهض من مكانه وبابتسامه شاحبه وهو يتحسس موقع الاصابه " شكرا لكِ"
وأخذ يسير بهدوء حيث بوابه المطبخ تاركا خلفه تلك الفتاه التي احمرت وجنتيها المخمليتين وشعرت بتوتر وارتجافه اوصالها وعطره الذي اسرها.. وعيونها التي اخرجت ما بداخلها من البلورات الثمينه ولكن....
ابت ذاكرته الا ان تتذكر ما قاله رامي و اخذ صدى الكلمات يتردد في طرقات عقله المليء بقمر..
" قمر تعاني من اضطراب نفسي جراء ما حصل لها، كانت قد تحسنت بعض الشيء ولكن، أنت..."
ثم همسَ بكلمات مبهمة وشد على قبضته

قبل أن يختفي،...





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 08:09 PM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//


" نرى وجوهاً كثيرة، ويبقى في أعماقنا وجه واحد "
- فاروق جويدة



(9)




سأقول لك "أحبك"..
حين تنتهي كل لغات العشق القديمة
فلا يبقى للعشاق شيءٌ يقولونه.. أو يفعلونه..
عندئذ ستبدأ مهمتي..
في تغيير حجارة هذا العالم..
وفي تغيير هندسته..
شجرةً بعد شجره..
وكوكباً بعد كوكب..
وقصيدةً بعد قصيده..
سأقول لك "أحبك"..
وتضيق المسافة بين عينيك وبين دفاتري..
ويصبح الهواء الذي تتنفسينه يمر برئتي أنا..
وتصبح اليد التي تضعينها على مقعد السيارة..
هي يدي أنا..
سأقولها، عندما أصبح قادراً،
على استحضار طفولتي، وخيولي، وعساكري،
ومراكبي الورقية..
واستعادة الزمن الأزرق معك على شواطئ بيروت..
حين كنت ترتعشين كسمكةٍ بين أصابعي..
فأغطيك، عندما تنعسين،
بشرشفٍ من نجوم الصيف..

(نزار قباني)


##########


الزمان:
بعد مرور شهر ونصف...

المكان:
الوقت في منتصف النهار.. تكون الشمس قد توسطت السماء الزرقاء الصافية.. وأرسلت اشعتها الذهبية الحارقة.. ففصل كفصل الصيف.. تكون شمسه قد اعلنت حربا على سكان الأرضية,, بإرسال خيوطها المرتفعة الحرارة... تماثل حراره الحمم البركانية في جوف البراكين.. ولا يخفف وطأة الحر سوى المثلجات والعصائر الطازجة.. التي تم جني محاصيلها من ثمار ناضجة.. وفي هذا الفصل من السنه يكون شاطئ البحر يعج بالناس.. الصغار منهم والكبار... وتكون مياه بحره ساكنه.. هادئة.. تتلألأ تحت اشعة الشمس.. ورمال شاطئه الشقراء ساخنه ملتهبة.. وكأنها قطع من الكعك قد خرجت لتوها من الفرن.. و تلمع كأنها ذرات من الذهب..,,, ولم يكن الشاطئ المكان الوحيد المليء بسكان المدينة والسائحين.. بل ها نحن نرى اسواق المدينة.. مراكز التسوق.. والمناجع والحدائق.. المقاهي ومراكز الاستجمام قد كانت الحصن المانع من حر هذا اليوم....

وفي احدى طرقات المدينة الكبيرة... وحيث ذلك المقعد الخشبي ومن البعيد وتحديدا من خلف الشجره التي تزين ارصفه الشوارع هي ومثيلاتها.. لنصوب نظرنا ونمعن السمع الى ذلك الذي يجلس على المقعد الخشبي,, معطيا ظهره. بثيابه السوداء... وشعره الذي ظهر به بعض الشيب...


انطلق بعد دقائق وهو ساكن الجسد.. رنين هاتفه ليضعه بسرعه على اذنه.. يتحدث به لبضع دقائق ثم.. يعود الى سكونه من جديد الى ان....

######

بعض الفتيات تلدن كونهن اميرات.. هن محظوظات!!
ذلك الحظ لا يتركهن ابدا.. لسنوات طويله.. ^^
تستمر حياتهن مثل الاميرات.. كما في القصص الخياليه,, فكيف يمكن ان تكن تعيسات وهن يملكن حياه كهذه!!

تستيقظ كل واحده منهن على صوت الخادمه.. يكون كل شيء معداً لها... فطور.. ملابس.. حقائب.. احذيه.. وحتى السائق خاص ...
فهي سمو الاميره في قصرها العاجي.. :-)
يسعى والدها بتوفير كل ما تحتاجه.. يهيئ لها حياه ترضيها.. تطلب فيلبي مطلبها أليست مدللته!!؟
أما والدتها.. تعتني بها بما يناسب طبقتهم الراقيه كما يقال.. من معارفها.. تهتم بقوام جسدها.. صحتها.. أناقتها وجمالها.. وكل شيء بما يناسب الفتاة العصرية!!

وأنا اعد اميرة ايضا.. ولكن قصتي مختلفه بعض الشيء.. تتخذ منحى وطريق اخر عن قصص الاميرات الاخريات... اعيش في منزل اشبه بالقصر.. توقظني خادمه وتلبي رغباتي متى ما شئت خادمه اخرى.. ولكن كل انسان يوجد في حياته نواقص في نواحٍ معينه.. وانا كذلك يمكنكم ان تشبهوني بلعبه الاحجيات.. دائما وفي كل مكان هناك قطع ناقصه مني افتقدها.. قطع سلبت قوتي.. وجعلت حياتي مره.. تركتني وتهدمت حياتي.. وانقلبت حياتي بسببها.. ذهبت مع موج البحر في مد وجزر لا ينتهي ابداً...

ربما عقدتم حاجبكم من الاستغراب.. فأي اميره تتحدث هكذا!! قطع ناقصه.. لعبه الأحجيات.. حياه مره كالعلقم.. حياه مهدمه.. قوه مسلوبة!!

بالتأكيد ادركتم من اكون.. قمر ومن غيري التي عاشت وحيدة.. حزينة.. ولكنني اعتدت على وحدتي..
لماذا الاعتياد كلمه تقال عند الالم.. انها مقترنه بها ايما اقتران؟؟!

حسنا.. مرور تلك الاسابيع لم تغير فيّ الشيء الكثير.. فكيف يتغير الانسان تغيريا جذريا بمرور سته اسابيع فقط.. أليس كذلك ؟!
ما زلت تلك الفتاة التي تعيش وحدتها.. انطوائية كما اعتدت في صغري.. ربما خرجت عن انطوائيتي المبالغ بها بأني وافقت على العمل ...ولكنني ما زلت امارس طقوس الرسم الخاصة بي لساعات طويله.. وربما لليلٍ ونهار متواصلين...

ربما تتساءلون ما الذي دعاني لارتداء ذلك اللباس الرسمي.. مع انني لا اناسب تلك الملابس ولا اظنها تليق بي ابدا.. قميص أبيض وسترته السوداء مع تنوره تصل حتى ركبتي ضيقه بعض الشيء ولكنها مريحه.. أرفع شعري المجعد على هيئه ذيل حصان.. انا بحد ذاتي استهجن الامر واستغربه فكيف انتم !! فمن عادتي او كما احب ان اجعل شعري يتراقص ويتمايل بكل حريته على ظهري النحيل.. فلا اريد ان اسجنه بربطه شعر تقيده وتمنعه من حريته كما قيدني القدر بالآلام التي رافقتني منذ الصغر.. نمت تلك الالم وترعرعت بداخلي وتكاثرت مثل الباكتيريا وقضت على طفولتي.. ولكن مجريات القدر تفرض عليك ما لا تستطيع تحمله.. وتلزمك بكل شيء.. وما عليك الا الرضا...

لوهله!!!
اشعر انني اميره!! برغم نقصي وانكساري.. اجلس صباحاً مع جدي وجدتي..
اظن ان الحياه قد اظهرت حنانها وعطفها علي بأن أظهرت لي عائله بعد زمن وان طال الا انه تحقق حلم.. بأن احظى بحنان.. واعيش في جو عائلي.. كنت اتمنى في صغري ان يعتبرني احدهم ابنته بالتبني ولكن.. بعد تفكير هل اظن ان احد سيحن علي.. فوالدي لم يفعل !!! فكيف سيفعل الغريب؟!!

تلك الاميره التي خبأها الزمن في داخلي.. وتخرج عندما اتلقى الحنان والعطف مِن مَن حولي... انسى حزني للحظه من خلالها... ولكن مجرد وخزه الم برغم خفتها الا ان تلك الاميرة الصغيرة التي تبدأ بالعيش في داخلي تعود الى مرقدها بسلام... وتدفع بذلك الجبل الضخم المليء بالأحزان و تنفتح جراحي التي ما لبثت ان تلتئم.. وتنزل بي الى قاع بئر سحيقة....

#####

وبالعوده الى ذلك المجهول.. الذي تساءلتم حوله.. فلنطلق عليه اسماً يسهل فهمنا للأحداث.. وليكن اسمه (قصي)..

وقفت السيارة السوداء حديثه الطراز.. ذات النوافذ المعتمة حيث لا يظهر ما بداخلها... نهض قصي من مكانه وتوجهت به قدماه حيث السيارة المجهولة.. ثم طرق زجاج نافذه الباب الخلفي.. ويتم السماح له بالدخول...
وبالاقتراب اكثر حيث النافذة التي فتح زجاجها... نرى ذلك القصي قد اخرج ملفاً ورقياً بني اللون..
" هذه الصور التي طلبها الرئيس.. تم التقاطها من قبل شهر تقريبا" قصي وهو يعطي الملف الى الذي بجانبه.. ثم اخرج ملفاً اخر بنفس المواصفات ولكن كتب عليه بخط اسود عريض (اليوم) واردف " لقد التقيتا بالمقهى القريب من الشركة.."
" هل تراقب الجميع جيداً؟!"
اجابه قصي بتأكيد "اجل.. الجميع في عمله باستثناء هاتان الفتاتان.." اتبع كلامه بأن اخرج بعض الصور الفوتوغرافية تظهر في إحداهما فتاتان تجلسان في احد المقاهي..
تلاه صوت المجهول وهو يشير الى فتاة ترتدي فستانا طويلا ملون" حسناً.. راقب هذه الفتاه جيداً.." صمت قليلاً ثم " يمكنك الذهاب.."

واوشك قصي على فتح الباب لولا صوت ذلك المجهول خرج من جديد " غدا توجد حفله افتتاح وسيكون الجميع هناك.. يطلب منك السيد... ان تذهب وتلتقط صوراً.. اذهب الى هذا العنوان.. (ومد له بطاقه شخصيه لاحد الصحفيين) يخبرك بما تفعله؟!"

وبعد ان اغلق قصي الباب ومضى في طريقه.. اخذ ذلك المجهول يقلب بين الصور..فالصورة الاولى تظهر بها الفتاتان عند دخولهما المقهى.. والاخرى عندما استدعت احدهما النادل.. اما اللتي تليها عندما كانت واحده منهما تتحدث عبر الهاتف..

باختصار كانت الصورة عباره عن تلخيص لما فعلتاه في المقهى قبل ساعه.. منذ أن دلفتا إليه وحتى خروجهما منه.. اكتفى ذلك المجهول بأن اعاد الصور الى مكانها داخل الظرف.. وامر سائقه بالانطلاق.. وسارت تلك السياره في طريقها المجهول....


الزمان:
قبل يومين
المكان:
قصر حكايتنا الجميل والشمس اشرقت منذ زمن معلنة عن بداية صباح يوم جديد... تململت في مكانها قبل أن تعتدل في جلستها وتنتشل نفسها من سباتها العميق..
وقفت على قدميها بتكاسل وتعب شديدين.. ثم اخذت تسير بخطوات مترنحه ثقيلة.. وعيونها نصف مغلقه تحارب ضوء النهار من شده التعب... وجفونها المرتخية التي تنظر من خلالها بصوره غير واضحه جداً...
تثاءبت وهي تغلق باب مرسمها المليء بالأوراق والرسومات.. ثم اخذت تمشي بالرواق مرتديه ملابس نومها... بنطالاً ضيقاً ناصعاً بياضه كابيضاض الثلج في موجة ثلجيه عاصفه.. أو ربما كقلبها الطيب!! والطبقة العلوية تصل حتى نصف فخذها يرتسم عليها بعض الورود الحمراء.. وقد رفعت شعرها وجمعته اعلى رأسها... وأرجعت غرتها القصيرة ببعض من مشابك الشعر الملونة...
انها اشبه بطفله صغيره.. استيقظت لتوها لتذهب الى مدرستها.. تفرك عيونها من شده النعاس بيدها اليسرى.. وكأنها بيدها الأخرى تمسك بلعبتها الصغيرة.. ولكن الحقيقة مختلفة بعض الشيء.. فلم تعد صغيره تمسك بلعبتها... بل انها تمسك وتتشبث بقلم من اقلام التلوين الخاصة بها وكأنه طوق نجاتها من كل شيء....

توجهت عيونها الناعسة الى ذلك القلم وكأنها للتو قد شعرت بوجوده في قبضتها التي تمسكه بشده.. ولا تدري حقا لماذا هذا اللون بالتحديد يلازم صباحها كل يوم...
اللون الاسود!!!
ربما لأن رسوماتها الخاصة اصبحت تقتصر على الالوان المشتقة من الاسود!!
ام له علاقه بأحلامها ليلاً؟؟!
واقعها المر!!
أحزنها الشديد!!!
شوقها لوالدتها التي لا تأتي لزيارتها منذ اختفاء القلادة ؟!
ام...؟؟!
أخرجت تنهيده طويله من صدرها بعد أن نفضت رأسها من أفكارها السوداء التي رافقتها!!.. واستقرت بنظرها في الطرف الآخر من الممر...
مرت لحظات.. بل دقائق.. ربما تجاوزت الخمس.. تنظر بجمود كبير وكأن عيونها تحولت الى كتله صخريه نحو باب غرفته تنتظر منه الخروج من عقلها ليتمثل امامها في الواقع!!
أما آن اوان عودتك يا مجد!! لقد اطلت مدة غيابك!!
وعندما شعرت انها تنجرف بجم مشاعرها التي اخذت تسيطر عليها.... أبحرت عائده بأدراجها الى واقعها المرير...

إنه السيناريو نفسه من جديد.. يعاد على مدار الايام السابقة التي مضت.. وكأنما هو مخرج فيلم أو مسلسل ما أجبر احدهم ليعيد تمثيله حتى يتقن المشهد...
يعاد كل يوم عندما تستغرق ليله طويله على مرسمها.. بعد ان تعاني من أرقها.. وحزنها المعتاد.. شوقها وحنينها لبعض الاشياء والاشخاص.. واحلامها السيئة التي تراودها بين حين وآخر.. فتشعر أن غرفتها تغلق عليها فتجعلها تشعر بالاختناق وكأنها تطلق غازات من الهم والحزن.. كما تطلق نيران الحريق سمومها من غاز ثاني اكسيد الكربون القاتل...
وان يكن سريرها هو السبب والمسبب لحالها الأليم.. فإن مرسمها مناص وملاذ لها للفرار من آلامها وأوجاعها... تخرج من خلاله ما بداخلها من مشاعر ربما غاضبه.. او حزينة.. واحيانا اخرى ربما سعادتها اللحظية....!!!

وعندما حطت قدماها أرضيه الطابق الذي تقبع به غرفتها... التفتت بجسدها النحيل تسير بتهالك في المرر المؤدي اليها... وبرغم انها استجمعت القليل من قواها الا ان السهر قد ارغم علاماته بالارتسام بإتقان شديد ليظهر بوضوح على وجهها القمري..
ابتسمت بشحوب وهي ترى ما اصبحت عليه ملامحها عبر انعكاس صورتها بتلك المرآة ذات الاطار الذهبي المعلقة على الحائط بعد ليال متواصلة من السهر لوقت متأخر...
جفون مرتخيه.. عيون محمرة.. وجهها الذي اعلن الحداد انطفأ وبهت لونه وأصبح كالليمونة الحامضة.. باختصار انها كالوردة الذابلة.... وبرغم شحوبها الا ان ابتسامتها ابرزت جاذبيتها واعطت جمالا لوجهها...

قاطع ابتسامتها ذلك التثاؤب للمرة العاشرة على التوالي.. ثم امسكت بمقبض الباب وقاربت على ادارته لولا ذلك الصوت المنبعث من صرير باب الغرفة المجاورة لها.. ليخرج صاحبها بسرعه البرق ولكنه توقف بحركة اسرع في اخر المرر كما يتوقف شريط الفيديو على حين غره..
ويلتفت بسرعه " صباح الخير يا مزعجه.."
ويتم اعاده تشغيل هذا الفيديو ليعود ذلك الجسد الطائر بالمضي سريعا كالبرق من جديد.. ينزل عتبات السلم كقطار يعبر بين مدينتين.. أو كطائره تمر خلال السحب القطنية البيضاء...
ابتسمت قمر لشقاوة ابنه عمها ريم.. التي لطالما عاونتها في وحدتها.. كانت كالأخت بل اكثر.. خفيفة ظل.. تملك من روح الدعابة ما بجعل قمر تحلق بعيدا لتغادر جزيره آلامها وجروحها التي تحاول تضميدها..
وبرغم قرب ريم لها الا انها لا تفصح لها بالشيء الكثير فتكتفي بسرد تلك الكوابيس التي تراودها وبعض التفاصيل اليومية...
اما مشاعرها فمكتوب عليها ممنوع الاقتراب؟؟!
فكيف تخبرها ان هناك شيء في قلبها ومشاعر تجاه شقيقها الجليدي!!
هل تحبه؟؟!
أجل تحبه,,, هل تناست ذلك الحب البريء الذي اينعت بتلاته في قلبها.. ثم نمى ونضج في قلبها تماما كتلك الثمار التي يبدأ نموها في فصل الربيع... وقلبها يشبه الربيع أليس كذلك؟!

زفرت بحراره واشتدت قبضتها تماسكا بالقلم وكأنها تفرغ شحناتها الكهربائية به.. تمالكت نفسها وابتسمت لسبب نجهله.. ورددت بهمس " لا يليق بك الحزن يا قمر.."

فتحت باب غرفتها اخيرا لتستقبلها ذرات الهواء.. شعرت بلسعتها القوية فارتجف جسدها.. تناولت جهاز التحكم الخاص بالمكيف.. فلا بد انها تركته منذ الليلة الماضية عندما غادرت فراشها بسبب الاحلام التي راودتها وما تبعها من ارق.. اللذان تسببا بانجرافها نحو ملجأها.. لترسم وتستغل كل دقيقه من حزنها....

وقفت امام منضدة مجوهراتها ووضعت قلم التلوين جانبا.. نظرت الى نفسها عبر المرآه وهي تحل خصلات شعرها فينحدر على ظهرها كما تنحدر المياه من سفح جبلٍ عالٍ...
كانت ملامحها باهته خافته.. تشبه تلك الزهرة التي ذبلت.. حرمت من عطف اشعه الشمس.. وحنان الهواء.. ومحبة قطرات الماء.. ربما حقا تتشابه هي والزهرة الذابلة... فتكون هذه الزهرة مرتخيه منحنيه وكأنها تحمل هموم الدنيا على عاتقها.. فيذهب بريقها الذي يأتي من قطرات الندى التي تلامسها صباحا.. رويدا رويدا... تبدأ أوراقها بالجفاف شيئا فشيئا لتتساقط معبره عن حلول خريفها الكئيب.. وعبيرها الفواح يخف تدريجيا..

وضعت مشابك شعرها الملونة جانبا.. في مكانها الخاص.. ثم التفتت وهي تقول بعد ان سمعت طرقا خفيفا على بابها.. آذنة للطارق بالدخول.. انفتح الباب واطل من خلفه احدى الخادمات..
تقدمت خطوه واحده داخل الغرفة " انسه قمر.. صباح الخير (بادلتها قمر الابتسامة ثم اكملت الخادمة ) السيدة زينب تطلب منك النزول.."
" حسنا.. يمكنك اخبار جدتي انني سأستحم.." واكملت في سرها ' لعل الماء الساخن يريح جسدي'
اومأت الخادمة رأسها وكادت ان تخرج لولا صوت قمر الذي استوقفها وهي تتحدث اليها بلطف شديد مع ابتسامه
" هل يمكنك ان تجلبي بعض الاعشاب من الحديقة.. وتحضري لي من مزيجها شرابا ساخنا.."
" حسنا.. كما تطلبين " لتخرج بعد ان اومأت رأسها مطيعه مطالب قمر.. ثم توجهت قمر وأخذت منشفتها من احد الجوارير متوجهة بعدها نحو دورة المياه....

فلنبتعد عن هنا... ولندع قمر تمارس مراسيم العزاء لقلبها كعادتها.. ولتذهب بنا اقدامنا حيث الطابق السفلي.. ننزل عتبات السلم بهدوء.. ولنلقي نظره حيث الغرفة الخاصة بالطعام...

قطبت الجدة زينب حاجبيها باستياء وهي تعطي ريم هاتفها النقال.. مما دفع ريم إلى أن تتساءل بحيره " ماذا هناك يا جدتي؟!"
" شقيقك مجد.. ( صمتت قليلا وعلامات الغرابة والاستفهام على وجه ريم) اخبرني انه لن يعود.. لذلك طلب الحديث معي.."
" حقاً؟!" ريم باستغراب.. فأومأت الجدة رأسها بالإيجاب.. لتكمل ريم بقهر " ولكن فرع الشركة الذي هناك.. سيتم نقله او بيع اسهمه لاحدهم.. وكيف هو مديره!! ( هزت رأسها نفيا وكأنها لا تريد تصديق عدم عوده شقيقها) لا يعقل ان يقبل والدي بذلك.."
اشارت لها الجده معنى ما باليد من حيله.. فقد سافر سابقا بالرغم عن الجميع و برغم اعتراض جدها.. لذلك اصر الجد على نقل الفرع الى هنا.. او الحصول على شريك يديره غيرهم ...؟!

في حين صدر صوت اقبل عليهم من الخارج " بماذا لن يقبل والدك؟!"
التفتت ريم لوالدتها صاحبه ذلك الصوت الأنثوي.. ذات جسد ممشوق مقارنه بعمرها.. فامرأة بمركزها وسيطها بالمجتمع عليها ان تهتم بنفسها جيدا.. فلباسها الرسمي الذي بلون القشدة يبدو انه ينافس الماركات المحلية بفخامته.. وشعرها الذي جمعته للخلف وجعلت جزء منه منتفخا من الامام.. وريح عطرها الذي يشم على بعد عده مترات قليله.. وطريقه سيرها تدل على انها امرأه متكبرة.. ذات وجه نحيف بارز الوجنتين.. قاسيه الملامح.. وجافه النظره...

اجابتها ريم بملل " مجد كعادته.. لن يعود الا بعد زمن واصرار منا؟!"
أومأت والدتها ^السيده سعاد^ برأسها وقالت وهي تتناول كوب الشاي من الخادمه " حسنا.. ولم الحزن فقد اعتدنا على غيابه الطويل المتواصل.. ولا شك بأن عوده والدك ستجلب لك الهدايا.."
زفرت ريم بحراره وقالت " الهديااا.. !! انها لا تساوي شيئا من مكانه اخي.. " ثم اومأت رأسها مؤكده كلامها لتمتعض والدتها من كلام ابنتها التي تغيرت كثيرا منذ ان صادقت ذلك الشاب الفقير.. وكيف وام زوجها اعطته عملا في قسم عائد لأسهمها قي المؤسسه الخيريه!!
ومضى ما يقارب خمسه عشر دقيقه او اكثر بقليل.. كل بتفكيره وهمه شارد الذهن.. فريم تضاربت الافكار وتزاحمت في رأسها فلا تعلم بم تفكر بالتحديد هل بحالها هي وذلك المتمرد على الفقر الذي تحسن حاله قليلا... ام بقمر التي تعمل ليلا ونهارا!! ام شقيقها الغبي الذي لا يود العوده ..!! وانحصر تفكير الجده بمجد وكيفيه اقناعه بالعوده !! وتمنت العوده السالمه لزوجها و فلذه كبدها!!

رددت تحيه الصباح مرتين.. ووجوههم متسمره غارقه في مكان ما.. جدتها وريم !! لا بد من حدوث امر ما ليطرأ ذلك التغيير منذ الصباح الباكر.. ؟!
تقدمت بخطواتها البطيئه.. ثم جلست بعد ان صدر صوت احتكاك ارجل الكرسي بالارض من غير اراده منها ولا قوه.. لتنتبه الجده وريم عليها..
قمر بصوتها الناعم المتعب " صباح الخير.. ( واخذت تشير الى شعرها وبخجل قالت) لا اعلم كيف اجففه جيدا.."
ابتسمت ريم لبراءتها وقالت الجدة " بعد الطعام تجففه ريم لك.." ثم التفتت ريم بوجهها ولم تكن والدتها موجوده فابتسمت بسخريه.. وعادت برأسها الى قمر " اجففه لك لا تقلقي.."

" حسنا.." ثم انتبهت قمر لعدم وجود مزيج الاعشاب.. فطلبته من الخادمه التي اتت لتوها لتسألهم عن حاجتهم. ليسترعي ذلك انتباه الجده برغم شرودها .. فتساءلت بخوف " هل انتِ مريضه.." ثم وضعت يدها على جبهتها لتحتس حرارتها.. اجابت قمر بعد ان ابعدت يد جدتها وقبلتها " لا يا جدتي.. اشعر ببعض التعب.."
قالت ريم بملل وهي تقلب محتويات صحنها " هذا لأنك تعملين كثيرا.. انك مجرد متدربه فقط فلماذا تتعبين نفسك" صمتت قليلا ثم اردفت " اكاد اجزم ان الجميع يحمل نفس نوع من الجين.. جين العمل.."
نهضت الجده وقالت بمزاح وهي تخرج " العقبى لك عزيزتي.."
فتحت ريم عيونها وقالت " لا لا اريده.. " وبعد ان خرجت الجده لتبقى ريم وقمر لوحدهما.. وبعد تفكير قالت ريم " ان كان يوجد بي شيء كهذا سأستأصله.."
نظرت اليها قمر بعلامات من الدهشه والاستغراب " ماذا؟!"
ضحكت ريم فتساءلت قمر " وهل يقومون بعمليه كهذه؟!"
رمشت ريم عده مرات ثم لوت فمها " لا ادري.."
ابتسمت قمر بخفوت لتتساءل بعد صمت قصير غلف المكان كما تغلف الهديه بالورق الخاص..
" متى سيعود جدي والبقيه؟!"
لتجيبها ريم وهي تطرق رأسها وقد شعرت قمر بحزنها.. " غدا صباحا.. ولكن..." صمتت قليلا فشعرت قمر بشيء ما ثم اكملت ريم بحزن شديد " مجد لن يعود معهم.."

ازدردت لعابها بصعوبة.. بعد صدمة الجمتها تحاول استيعاب كلماتها ( مجد لن يعود معهم) كيف ذلك!!
لماذا؟! والامل قد ارسل شعاعا.. ليفتح طريقه الى قلبها بعودته.. وكان شعاع الامل قد انطلق في رحلته بعد سماعها بعودته.. ولكنه توقف من جديد وكأن محركاته قد تعطلت في منتصف الطريق....

***********

استيقظ من ذكريات قد اطلقت معزوفاتها وملأت المكان بصداها طرقات عقله وجعلته اسيرا مقيدا بها... على صوت سائقه واكتفى بان بادله ابتسامه باردة فهو لم يعتد على الفظاظة مع موظفيه.. ترجل من سيارته البيضاء وذهبت به قدماه نحو ذلك البناء الصغير ذو الخمس طوابق...
وكعادته كل يوم.. فإن السيد لؤي.. دخل بابتسامته المشرقة مع إلقاء التحية على موظفيه.. باعثا بهم تلك الطاقة الايجابية للعمل حتى تنتج الشركة ثمارها من الإنتاجية والسيط الجيد بالمجتمع.. ويشعر من يصادفهم بقيمة العمل ويحاول سماع مشاكلهم الخاصة بالعمل وتقديم المساعده لهم...
سار بهدوءه المعتاد في الطابق المؤدي الى مكتبه ولكنه التفت على صوت السكرتيرة الشقراء التي تدعى ياسمين " سيد لؤي؟! صباح الخير اولا.."
بادلها الابتسامة " صباح الخير.. ماذا هناك تبدين مرتعبه؟؟"
قلت بتوتر ملحوظ " ان السيد سليم هنا؟!"
اطلق تنهيدة ثم قال " حسنا.. اعلم انه شبح كبير بالسن ولكن.. الأمر بسيط.."
ابتسمت بسخرية " بسيط؟!" ثم أكملت بجدية " انه يطلب مراد.. أٌقصد السيد مراد.."
اومأ رأسه.. تساءلت بعجز " ماذا سنفعل الان.. فكما تعلم السيد مراد قد اخذ اجازة بعد سفره.."
صمت قليلا ثم قال وهو يحك ذقنه " سأتحدث انا معه باسطوانته المعتادة.. اجلبي لنا القهوة.."
" حسنا.." قالتها ثم مضت في طريقها...

زفر بحرارة فأعمال قد انضمت لجدوله هذا اليوم أيضا.. ومنذ متى لم تكن الاعمال التي تتطلب التحدث مع الشركاء لا تلقى الا عليه... تنهد وحاول رسم الروح الايجابية بأن ينتهي اليوم من هذه المعضلة بغياب المدير الكبير الموجب عليه هو ان يهتم بشركته وليس موظفيه عوضا ان يهتم بنفسه...
تنهد ثم دخل المكتب بابتسامة لم تفارقه " اهلا وسهلا بالسيد سليم.." ثم توجه خلف المكتب هاربا من النظرة الثاقبة من ذلك الرجل الذي يصل عمره حتى منتصف السبعين...
" اهلا يا لؤي..."
تنبه الى نبرته لذلك قال حتى يخفف التوتر " ما اخبارك.. وكيف صحتك؟!"
اجابه باستهزاء " جيد.. لم آتي هنا حتى استمع الى هذا الحديث الممل.."
ابتسم لؤي بتوتر.. بينما قال السيد سليم " انظر الي يا لؤي.." صمت قليلا وازدرد لؤي لعابه.. لماذا الاعمال الصعبة تقع على كاهله؟؟
" اجل تفضل.." لؤي بانصات واهتمام
" انا تعاملت معكم وهذا لأجلك فأنا احترمك كثيرا كما تعلم كنت صديق ابني.. وليس كمديرك.."
اومأ لؤي رأسه.. فأكمل السيد سليم " لولا وجودك هنا وثقتي الكبيرة بك لما قمت بشراكة بين شركاتنا.."
ثم نهره وقال بغضب مصطنع " لقد جف حلقي.. اين تلك التي تحضر لي الماء دائما.."
ضحك لؤي على اسلوبه الممازح فأومأ رأسه " حسنا ستحضر لك حالا.."
" انظر لي يا بني.. اني اشرف على العمل بشكل غير مباشر مع انني تقاعدت منذ زمن.. ولكن اسلوب المراوغة الذي يملكه مراد لقد دفعني للحديث اليه..."
قاطعه لؤي بابتسامه هازئة " ولكنك لا تستطيع مقابلته.."
اومأ السيد سليم رأسه.. واكمل " لذلك علينا فض الشراكة باسرع ما يمكن بدون خسائر كثيرة ولا تهرب.."
قاطعهم دخول ياسمين بابتسامه مرتبكة.. ثم توجهت حيث السيد سليم وقدمت له كوب القهوة.. لكنه قال بجفاء " وهذه الكاذبة تقول لي دائما.. مسافر.. اجازة ولا ادري.."
" ولكن أليس عيبا يا جدي ان تسخر مني هكذا.." ياسمين بتصنع
" من أين اصبح جدك.."
كتم لؤي ضحكته على شكل ياسمين الحانق وهي تتجه ناحيته..
" عمرها يجتاز الثلاثين وتقول جدي.. "
نظرت اليه ياسمين وهي مضيقه عيناها بغضب وقالت " اعتذر يا سيد سليم.."
تجاهلها ثم اتجه بانظاره ناحية لؤي " اخبر ذلك القاسي ذو القلب الجاف..."
قاطعه لؤي بعتاب " عدنا للقصة من جديد.. " ثم اشار الى ياسمين للخروج..
اومأ سليم رأسه ثم بنبرة حازمة عندما مرت من خلفه تلك السكرتيرة البليدة " اجل.. لا اعمل مع شخص غير صالح للأبوة تخلى عن ابنته و زوجته.."
ابتسم لؤي بمرارة بينما مضت ياسمين في طريقها حاقدة على هذا العجوز الأخرق... في حين قال لؤي بنبرة عتاب " لماذا ما زلت عالق في هذه المسألة.. ثم ان ( أشار بيده بعد خروج ياسمين ناحية الباب) كيف تقول هذا امام موظفينا...."
سليم باستهزاء " وكأنها لا تعلم.. تعيش معكم على مدار الأربعة وعشرين ساعه"
ثم قال وهو ينهض متكئ على عصاته الخشبية " حسنا تكفل بالأمر انت وادرسه من كل الجوانب.. وما يلزم من تعويض خسائر.."
قاطعه لؤي كاظما غضبه " حسنا لا تقلق.."
ثم زفر بحرارة ووضع رأسه بين راحتيه بعد خروج السيد سليم والذي ما يفتأ ان يتصل باستمرار للخروج من موضوع الشراكة بدون اضرار بالغه بالميزانية... لقد عزم على فضها ولكن المدير ( السيد مراد) يحاول التهرب بأي شكل كان من مواجهته وكيف ولا.. لا يضطر لمواجهته حيث يكون وجه المدفع هو لؤي...
تنهد بألم وهو يعود برأسه على عالمقعد الجلدي.. اغلق عيونه بتعب وعاد الى دوامة عقله من جديد....
*****

تأففت بضجر وهي تنظر الى ساعه معصمها... والساعه ما زالت التاسعه والنصف فلم يمضي على إنهائهم طعام الفطور سوى نصف ساعه..
" لماذا xxxxب الساعه تسير ببطىء شديد لهذا اليوم؟" همست بممل ثم اخذت نظره خاطفه على هاتفها النقال.. ولكن لوت فمها بضيق ووضعته جانباً.. ولفت انتباهها ذلك الخبرعلى غلاف احدى المجلات..
( عالم الموضه سيحفل بافتتاح متجر لهذا الشهر..)
ولكن لم تكن لها القدرة على امساك تلك المجله.. كل تفكيرها بذلك الشخص وحاله بعد ليله قضاها في اروقه المشفى.. تنهدت بضيق عندما رأت جدتها تغادر الصاله بعد ان احصت تلك الاموال الخاصه بالجمعيه الخيرية التي تشرف عليها.. انها حاليا تتمنى ان تكون كجدتها امراه متسامحه تنظر الى الجميع سواسية كأسنان المشط.. لا يهمها مستواه المادي ولا نسبه.. كل ما يهمها هو عمل الخير لتجلب منفعه للمحتاجين.. انها تفخر بها على كل حال وتساعدها من حين لاخر.. ابتسمت بشرود كبير عندما تذكرت مسانده جدتها لوحيد قلبها رائد.. لولاها لما كان يستطيع التمرد على الفقر ولكن جمله شقيقها تؤرقها من حين لآخر " دربه طويل.. يحتاج سنينا ليصبح ذو مستوى مقبول للزواج بك.. ولكن صدقيني سأفعل كل ما بوسعي لتكونا معا.."
تنهدت بضيق اكبر وخلعت عنها تلك الغيوم السوداء التي احاطت بها .. لا تريد الا التفكير ان القدر سيجمعها معه على وساده واحده...

تثاءبت بعد ان اعطت نفسها جرعات من التفاؤل واليقين بأن القدر سيقف معها ويناضل لأجل حبها الوحيد.. فهل سيخونها القدر الذي اعطته كل تلك الثقة؟؟!

اسندت رأسها على يدها على مرفق الاريكة.. انها تشعر بالتعب حقاً بعد ليلتها التي قضتها في اكناف المشفى العام للمدينة والذي يديره احد اصدقاء والدها.. انها تتذكر الرعب الذي انتاب محبوبها الجميل عندما علم ان والدته تحتاج الى عمليه مستعجله.. فاضطر حينها ان يقول نعم للطبيب ليباشر الطبيب بعمله.. يقف هو هارعا رواق المشفى بخوف قابضا يديه تاره على صدره وتاره يلهج بالدعاء...

خرجت من ذكراها على هاتفها الذي اعلن وصول رساله ما فتحتها لتأتيها الحروف ( جميلتي العزيزة لقد اوصلت سيارتك يا حمقاء الى المصلح.. وانا آت بعد قليل لأقلك حيث ذلك المسكين الذي يتحمل حماقتك.. عزيزك المسكين الاخر رامي..)
قهقهت بخفه على كلمات رامي.. لتضع الهاتف جانبا ثم " لماذا هي هادئة على غير العاده!!؟" همست وهي تقطب جبينها عندما شاهدت قمر جالسه بجانب النافذة المطلة على الحديقه الامامية للمنزل.. واعتلتها الغرابه اكثر فأكثر عندما رأت تلك الخطوط العشوائيه وهي تقترب منها والتي خطتها قمر،،وهي شارده على تلك الورقه البيضاء..

عزمت في قراره نفسها ان ترغم قمر على اخبارها فاما هو احد الخيارين رأت حلما مزعجا؟! ام تفكر بقلادة والدتها من جديد !! انها لا تريد منها ان تبقى في عالمها الخاص عالم وحدتها الحزين تريد منها ان تشاركها اهتمامتها وتفصح لها عن ما يكدرها .. تريدها ان تخرج من عزلتها وان لا تكتم حزنها داخلها وتفرغه بتلك الاوراق المسكينه.. فما كان منها الا ان....
شعرت بتلك اليد التي ارخت قبضتها على كتفها الايمن.. والتي اخرجتها من عالمها الخاص الذي تبحر فيه من دون خوف فقد اعتادت عليه.. فهي تسافر فيه الى جزيره مهجورة الا من الامها وامنياتها وبعض الاحلام الصغيرة والتي ما زالت منذ صغرها على قائمة تسمى (قيد الانتظار).. واعادتها تلك اليد الى عالمها الاكثر ايلاما حيث اطل وجه ريم بابتسامه قلقه سرعان ما جلست على حين غيره لتتفاجئ قمر بسحبها تلك الورقة من يدها..
ريم بمزاح وهي تتمعن بالورقة بجديه مصطنعة " هل تعلمين انها لوحه جميله جداً.." ثم صمتت قليلا وكأنها تفكر بشيء ما واردفت " سأعلقها على حائط غرفتي لتبث في التفاؤل كل صباح.." وأتبعت كلامها بإيماء رأسها بايجاب وكأنها تؤكد على قرارها الساخر..
" هل تعلمين انها اجمل من وجهك المليء بمساحيق التجميل.." دفعت تلك العبارة قمر للابتسام من بين آلامها وهي ترى ريم تضيق حدقتا عيناها كالقطة التي تود الهجوم على فريستها باتجاه رامي والذي منذ ان دلف الى الصالة وعيونه الساخرة متجهة حيث ريم.. وكم اضفى الكحل الاسود حول عيونها مظهر القطة الشرسة..
اذا سيبدأ الان جدالهما المعتاد انهما حقا كالفأر والقطة.. فما كان من قمر الا ان تنسحب من ساحه المعركة بهدوء و تتجه نحو النافذة ولكنها توقفت وهي تنظر بعيونها الناعسة الحزينة ممتزجه بحنين وشوق الى تلك الالة الموسيقية.. انه الجيتار الخاص به.. جيتار معذبها ورجلها الحديدي..

لماذا تشعر بذلك الشعور المميت عندما ترى اي شيء يخصه؟!
لماذا يعصر قلبها من الألم.. الشوق.. والحنين؟!
لماذا ينقبض صدرها عند ذكراه!! وذلك الشعور وكأن ما بداخلها يتمزق ليسبب الالم الحاد بها؟!
وطيفه ما زال يرافق ليلها ووحدتها؟!
لم اختار البعد عن هنا!! لم لا يود العودة!! لم يتقطع قلبها شوقا لرؤيته.. لصوته.. لشجاره معها!! لملامحه الغاضبة ذات الجاذبية الكبيرة!!
لم الحب اختار قلبها الحزين المليء بالخيبات والجروح التي لم تضمد الى الان!! لم اختار قلبا عانى اشد انواع العذاب من حب وفقدان وشوق وحنين!!
لم الحب اختار ان يكون الحبيب شخص ذو قلب متحجر لا يبالي الا بنفسه؟!
لم يختار الحب ويفرض عليك الشخص.. المكان.. والزمان؟! ولماذا براكين الحب تلك ثارت وانتفضت في قلبها اليتيم ذاك؟!
هي زهره في ريعان شبابها عانت من صغرها .. قسوة الزمن.. الوحدة القاتلة.. خيبات أمل متكررة.. وأحلام مستحيلة؟!

ابعدت عيونها عن ما يعذبها بصعوبة كبيره.. وكأنها تدفع قلبها عن المستحيل الذي تمنته.. تنهدت بعمق بعد ان هربت من ذكراه وصادمها ذلك الواقع.. حيث جلست ريم بحنق وعلى شفتي رامي ابتسامه انتصار.. إنهما كالأطفال حقا!!
قال رامي بسخرية لاذعة " بما انك تخسرين في مواجهتي لماذا تصرين على المضي بها؟ "
لم تجبه ريم واكتفت بان أشاحت وجهها كالأطفال وقد عقدت ساعديها بقوة كبيره مما دفع قمر للابتسام والمضي ولكن استوقفها صوت رامي الذي ينظر لها رافعا إحدى حواجبه " وأنتِ يا ذات الوجه الشاحب؟!"
نظرت اليه واشارت الى نفسها وكأنها تتساءل أهي المقصودة ليومئ برأسه ثم يتحدث " تجهزي؟! سنذهب"
تساءلت بحيرة " الى اين ؟!"
قال وهو يشير الى ريم " سنوصل تلك الحمقاء الى ذلك الامير المسكين ثم نذهب الى المأوى ؟!"
لم تعره ريم اي اهتمام فهي تخسر دائما لذلك حافظت على ماء وجهها ولكن ستردها اليه على حين غره.. واكتفت قمر بأن سارت ببطء خارج الصالة...

" ما بها!!" تساءل رامي
لتجيبه ريم بمعنى لا تدري ثم اردفت قائله " انها تسجن نفسها اما في مرسمها او غرفتها.. ولكن وقتها الكثير تقضيه في المرسم؟!"
" كان من الخطأ الاصرار عليها حتى توافق على العمل بشركه صديقك الجميل"
" ولكن كان يجب ان تخرج من عزلتها.." قالتها ريم بعد صمت لمده قصيره لا تتجاوز الثلاثون ثانيه..
اسند رأسه على الحائط " ولكن عزلها لنفسها ازداد.."
نظرت اليه ريم وكأنها تفكر بشيء ما أو بالأصح تحاول تحليل مجريات الأحداث لتتوصل الى النتيجه وهو السبب .... وما كان منها الا ان تذكرت ما حصل في ذلك اليوم...


...



عودة للوراء،...

( بعد يومين.. من تلك الرحلة التي قضتها العائلة في بيتهم الجبلي..
.........
.......
.....
...
.
وفي صباح يوم جديد.. واشعه الشمس خرجت عن مسارها الربيعي واقتربت الى مسار فصل صيف حار.. والساعة المجاورة للسرير اشارت xxxxبها الى العاشرة والنصف صباحا...
استيقظت تلك الفتاة بكل حماس وفرح شديدين.. واعتدلت في جلستها و مشاعر شتى كانت تتضارب في قلبها بل جسدها بأكمله.. عصافير الحب تتطاير وتدور حولها كما يحدث في افلام الكارتون التي يشاهدها الاطفال.....

لقد رأيت الساعة تقارب الى الحاديه عشر صباحا.. فحاولت الاسراع قدر المستطاع بارتداء ملابسي.. نسيت ان اخبركم من اكون.. انني ريم صاحبه تلك الغرفة المليئة بالملابس الملقاة على السرير والاخرى قد انزلقت وارتمت على الارضية...لو رأت امي حال غرفتي الان لأصابتها نوبه قلبيه وقولها الدائم "تلك الملابس ليست كملابس الفقراء انها من افضل المحلات التجارية ولا يستطيع احد الشراء منها"
لعلكم تتساءلون كيف جرت الاحداث وانتقل السرد الي بشكل مفاجئ ولكنني فضلت ان اخبركم انا بنفسي عن ما حصل يومها... اريد منكم ومن العالم اجمع ان يستمع الى مشاعري.. ولكن و كما تعلمون بأنهم يدعونني بريم الثرثارة.. لذلك تحملوني رجاءً.. فلنعد الى المهم....
نظرت الى نفسي عبر انعكاس صورتي من المرآة الطويلة المتربعة في احد زوايا غرفتي.. قميص ابيض طويل يصل حتى ركبتي مع بنطال اسود ضيق.. وذلك الحذاء الرياضي الابيض وقد رفعت شعري حينها على هيئة ذيل حصان مع القليل من مساحيق التجميل.. ابتسمت برضى والتقطت هاتفي من حقيبة الظهر البنيه بلون القهوة اللذيذة لالتقط صورة لنفسي قبل مغادرتي... عاودت النظر لنفسي مرة اخرى حتى اتأكد من شكلي النهائي.....
لم يكن علي سوى مغادره غرفتي من بعدها.. لأسير بخطى تسبقني نحو باب غرفتي.. ربما لهفتي.. شوقي وحنيني.. هو الذي دفعني وليس ذلك العقل الاحمق الذي يتربع في جمجمتي.. ولكنه جميل ان تشعر بمشاعر كتلك وان تنسج قصصاً وامورا يجب ان تحدث معك.. لقد قررت في وقت متأخر من الليل ان اقوم بشراء هدية له.. ظللت أتقلب في سريري وانا انسج مشاهد واحلام..
وصلت الى المركز التجاري الكبير الذي اعشق التسوق به.. واتجهت حيث متجر الساعات الذي يقبع في الطابق الرابع.. كانت قدماي تسبقني نحو الدرج الكهربائي.... واخيرا وصلت.. دلفت الى المتجر وانا كلي امل ان اجد ما يميل اليه قلبي..
مضت نصف ساعه تقريبا او حتى لا ابالغ اقل بقليل... وأنا أتجول أركان المتجر و لم أجد أي شيء يجذبني.. زفرت بضيق كبير ليأتي صوت ما خلفي
"دعيني اساعد ان كنت ترغبين؟؟"
ثم مضيت مع البائع لأنتقي ما اريد... واخيرا وجدت ما يليق بك يا رائد..
حطت اقدامي بعد ذلك خارج المتجر.. ونظرت الى ساعه معصمي السوداء بخيبة امل كبيرة... لقد اطلت المدة في الداخل.. و لا بد ان كمأ..
"ااه ريم ما اخبارك؟!"
نظرت الى صاحبة ذلك الصوت.. لقد كانت احدى صديقاتي.. او يمكننا القول احدى الفتيات التي تعرفت عليها بواسطة أمل!!
أمل لعلكم تتذكرونها..!!
ابتسمت تلك الابتسامة التي لا تخرج من القلب وقلت لها " اهلا.. بخير.. وانت؟!"
اجابتني بتملق " بخير.." ثم اخذت تتحدث بتصنع الطبقات المخملية امورا متعددة لم استوعب منها شيئا كان كل همي التخلص منها ومن احاديثها التي تتمحور حول خطيبها صاحب النفوذ والاملاك.. وانهت كلامها المشمئز بسؤال وهي تنظر بخبث نحو الهدية التي بيدي " اووه عزيزتي لمن هذه؟!"
اجبتها على مضض وانا التفت حولي لعلي اجد من يخلصني من هذه المصيبة البشرية التي امامي " هدية.. لشقيقي.."
ولحسن الحظ ان كمال قد ظهر اخيرا وقال وهو يقترب منا " لي مدة وانا ابحث عنك.."
تنفست الصعداء فجاء اخيرا من سينقذني من هذا البلاء الذي حل بي منذ الصباح... التفت اليه وانا اشير اليه بمعنى ارجوك خذني من هنا.. لاحت عليه شبح ابتسامه واستطعنا التخلص من تلك المتملقة اخيرا...
اخذت اسير بهدوء بعدها ولكنني التفت عندما شعرت انني اسير لوحدي.. يقف مكتفا يديه نحو صدره ونظرة ذات مغزى لم استطع تفسيرها قلت له وانا اقترب " لماذا ما زلت تقف؟!"
" هل رأيت كيف انقذك؟"
اومأت برأسي ثم قلت باستخفاف " يا منقذي الوحيد.. يا رجل الوطواط.. يا رجل العنكبوت.. ايها الرجل الخارق.."
اشار بيده اليمنى نحو خده وهو يكتم ضحكته.. وقال بعدها " الا احتاج قبله كجائزة؟"
ضربته على كتفه وابتسمت.. " هذا عندما كنا صغارا.. هل تتذكر حين كان يغضب مجد كنت تدافع عني.. وكنت تحظى بقبلة اخوية طفولية اما الان فقد اختلف الامر.."
رفح احدى حاجبية وقال وهو يحثني على المسير " وماذا اختلف الان؟!"
" اولا لقد اصبحنا بعمر لا يليق بنا هذا الشيء الشنيع.."
"ثانيا يا حمقاء؟؟"
اجبته بكل ثقة وغرور " ثانيا لا استطيع فأنا على ذمة عاشق.."
ثم توقفت عن السير عندما القى كلماته تلك التي اشعلت حريقا كبيرا في قلبي " ولكن عشق من طرف واحد.. مضر للصحة.."
وحينها تجمعت الافكار برأسي.. وشعرت بانقباض قلبي.. لماذا يعكرون صفو قلبي ويذكرونني بهمي الذي أتناساه عمدا.. لا اريد ان اذرف دموعا لعشق لم اعش تفاصيله حتى.. اخذت نفسا عميقا واستدرت اليه حيث كان خلفي وقلت له بهدوء " هل نشرب شيئا ما؟!"
اومأ رأسه ثم مضينا في طريقنا خارجين من المركز التجاري نحو تلك القهوة الصغيرة التي تبعد عنه بمقدار خمس دقائق تقريبا...
كنت انظر الى الهدية التي وضعتها على الكرسي الخشبي بجانبي.. كنت قد انتقيت له ساعه عادية.. ليست باذخة وليست بسيطة الى حد ما.. بلون الفضة.. ولا استطيع القول الا انها جميلة وستليق بمعصمه.. وضعت يدي بدون شعور مني على السلسلة المهداة منه تقيد عنقي وابتسمت وشعرت بحبه يتضاعف ويتدفق على الى قلبي.. لا اعلم كم من المدة قد ظلت عيوني مسلطة عليها الا بصوت كمال الذي اخرجني من عالم الحب الذي احاط بي..
" اتوقع انها جميلة.. كم سيفرح بها مجد.."
استدارت اليه عيوني واخيرا ثم قلت بغروري المعتاد الذي اصطنعه في العادة " اولا كان يجب عليك القول اتأكد.. لانها من ذوقي الرفيع.."
علت السخريه ابتسامته ثم قلت بعدها " ثانيا انها لرائد وليست لمجد.."
لم الاحظ بعدها الا تلك الابتسامة تتلاشى شيئا فشيئا ليتسقيم فمه ويقول بعدها باقتضاب " هل حقا أنت متأكدة من مشاعرك اتجاهه.. اعني انها ليسـ..."
فار دمي وقلت له بغضب شديد " ليست شفقة.. هل احصي لك كم عدد الاسئلة التي طرحتها علي بشأن حبي له.."
اخذت احرك ساقاي بغضب شديد وازفر بحراره ليكمل هو اسطوانته المعتادة والتي تجعلني افقد صوابي نهاية الامر "لكن اخشى ان تكون مشاعره اتجاهك فقط كصديقة..."
حقا لقد سئمت.. لقد سئمت من كلام الجميع حول تلك المشاعر لقد سئمت من الكلام المعاد لمرات متتالية.. اني اشعر قلبي يعتصر الما.. زفرت بحراره وغصة ملأت حلقي حاولت فيها التماسك لأقول بصوت مختنق بعض الشيء "لو انه كما قلت يطمع للحصول على مصلحته لاعترف بحبه منذ زمن.."
خرجت تنهيدة منه ثم اكمل بحرق روحي " هل صرح لك.. كيف علمت ان كان يكن لك مشا..."
قاطعته قبل ان يكمل وقلت وانا اشد على اسناني " يكفي يا كمال.. ارجوك... لا تجعلني اعيد الكرة واخاصمك.. لقد قلت كلاما سيئا من قبل ولن اسمح لك هذه المرة.."
قلتها ثم نهضت من مكاني غير ابهه به.. انه تعدى حدوده بالتدخل بي وبمشاعري ايضا.. لقد حاول من قبل اعادتي الى الصواب وتبصيري للحقائق كما يقول ولكنه آلمني قبل ذلك.. ولن اسمح له بإيلامي وتجريحي.. انه صديق الطفولة اجل ولكن قلبي ومشاعري ممنوع الاقتراب...

كنت امشي بسرعه مبتعدة عنه كاظمة غيظي منه ومن كلامه الاعتيادي الذي سمعته من قبل.. واذ بيده تعترض طريقي لاقف بشكل مباشر وكدت ان اتعثر لولا انه امسك بي بقوة..
"ماذا تريد الان؟!" صرخت بقوة لاخرج غضبي منه عليه
ليقول هو بهدوء " حسنا.. انا متأسف ولكن..."
وبنبرة تهكم خرجت مني "تريد مصلحتي.. ولا ادري ماذا!!؟"
" كل ما هنالك اريد ان... كل ما اقصده.. هو" حك جبينه وكأنه حاول في ذلك الوقت انتقاء حروفه حتى تخرج دون جرح مشاعري فصرخت انا به " ماذا؟!"
" اخبريني بماذا.. تشعرين وانتِ بجانبه وهكذا.. وليس ابعادك عن الطريق معه " صمت قليلا واكمل بتوتر " ربما بدأت كلامي بطريقة خاطئة.."
قاطعته بعتاب " كعادتك.."
امسك يدي وبدأنا السير في الطريق العام
" حقا اعذريني دائما اجرحك.." ثم بحماس " هيا اخبريني.."..
اخذت نفسا عميقا ثم اخذت اتحدث بحب كبير اختزنته عضله قلبي
" اشعر بجانبه ان الوقت يمضي بسرعه كبيرة.. اشعر بمشاعر كثيرة تجرني نحوه .. كأنه هو الشفاء لأوجاعي.. وبلسما لقلبي.. لا ادري حقا وكأن السعاده قد ارتسمت وانا معه.. "
قاطعني متسائلاً " وهو..كيف؟!"
ابتسمت ثم " اشعر بتوتره الكبير.. عيونه التي تحدثني وتبعث في نفسي السعاده و الحب.. ارتباك نظراته عندما تلتقي عيوني بعيونه.. غير معاملته المختلفة لي وكأنني.."
اكمل عوضا عني ونحن نعبر تقاطع الطرق حيث خرجنا عن الطريق العام " أميرته.."
ابتسمت اثر تلك الكلمه ثم ...
" لقد ركنت سيارتي هنا.. هيا لأوصلك.." اتجه نحو سيارته ثم فتح الباب الامامي لي
نظرت اليه بنصف عين " لم أعهدك نبيلا هكذا... فتح باب السياره وما شابه.."
" انا دائما هكذا.." ثم مد يده كالنبلاء " تفضلي ايتها الامييرة"
ضربته بيدي ثم قلت بغرور..

" ابتعد عن...ريم.. طريقي لا... اين.. احتاج.. ذهبت.... يا حمقا... مساعدتك.." )))

واختلط صوت الحاضر مع صوت عقلها الذي يستذكر ما حصل في الماضي لينتشلها من ذكرياتها صوته الذي امتزج بعبارتها التي من الماضي " ابتعد عن طريقي لا احتاج مساعدتك.." وعباره الحاضر الخارجة من فم رامي " ريم.. اين ذهبت يا حمقاء.."
ثم بسخرية اكمل رامي " ام انه ذلك المسكين قد استحوذ على تفكيرك من جديد..."
قالت بضجر وهي على نفس وضعيتها " لا.. احاول التذكر لاستنتج سبب قبولها العمل.."
" كل هذه المدة وانتِ تعايشين الماضي.."
قالت وهي تضع الورقة التي بيدها " لا فقط بدأت من اول النهار.. حتى استطيع ربط الاحداث واتذكر بشكل اسرع.."
وانطلقت ضحكته ثم قال من بينها " هل.. حقا..ما .... تقولين؟؟!"
ريم وهي تضربه بالوساده " اصمت.."
وبعد مده صمت رامي وحاول الخروج من وضعية الضحك تلك لينتقل الى وضعية الصمت.. ليدهشه سؤالها الذي خرج " هل تعتقد ان ذهاب مجد السبب..."
" هاا.. ماذا؟!"
اكملت وهي تعيد ضبط شعرها وتبعده عن وجهها " بعد عودتي ذلك اليوم.. قرابة الساعة الرابعة .. ممم"
" اجل اكملي..." رامي وهو يتجه للجلوس مقابلتها
" كانت حقائب السيد مجد في الردهة الامامية.. اقصد سفره بالرغم من جدي.." صمتت قليلا وهي تتذكر
" وما علاقته..؟؟!" رامي وهو يحاول استيعاب ما تقصده
وبعد مده خرج صوتها " في المساء.. بعد العشاء ونحن جالسون بالصاله.."
رامي بنفاذ صبر " اذا.. الخلاصة يا ريم.."
" حسنا.. حسنا... كانت قد اعلنت موافقتها... اقصد هل له علاقه بمجد!!.. فكما تعلم يا ابن عمي العزيز بأن ابن عمك والذي هو شقيق..."
ولكنها صمتت اثر سماعها صوت قمر القادم من الخارج وهي تنادي
"رامي.. ريم .. انا مستعدة..."

*******


وعبر نافذه زجاجية تظهر من خلالها تلك الغرفه الهادئة.. الا من صوت جهاز ضربات القلب الذي يكسر حاجز الصمت بها.. مستلقيه بلباس المرضى الخارجين لتوهم من غرفه العمليات.. مستلقيه على ذلك السرير.. امرأة ذات ملامح متعبه وجهاز التنفس الاصطناعي قد شكل غطاء على وجهها.. وضربات قلبها التي تبدو مستقره الى الان.. يحف سريرها الابيض بعض الاجهزة المتنوعه.. ويمتد الى ذراعها انبوب شفاف يمر من خلاله ذلك الدم الاحمر...
زفر بحراره وهو يرجع خصلات شعره المبعثرة.. انه يشعر بالتعب حقا في ليله قضاها جالسا على كراسي المشفى للانتظار.. وحاله والدته تسوء كل يوم اكثر من ذي قبل ولكن اغلق عيونه بألم وهو يتذكر تلك الصرخات المستنجده المستنجدة من غرفه والدته..
" انها بخير يا رائد.."
فتح عيونه وادار بكامل جسده نحو ذلك الصوت تنهد وهو يأخد كوب القهوة من فتاه ذات شعر احمر ناري ويتجها كلاهما حيث المقاعد..
تفوهت جيداء بعد صمت " انت تخشى مصاريف المشفى.."
اومأ رأسه لتضيف وهي تضع يدها تواسيه " لا تقلق.. سأتكفل بالامر"
نظر اليها بقله حيله... لقد اثقل الحمل عليها كثيرا ابنه عم اكثر من اخت تسانده في محنه جميعا.. هو شاب في متوسط العشرينيات ولكن فقره لا يسمح له بأن يساند نفسه بنفسه.. حمله ثقيل جدا من يستطيع حمله وتحمله من قدر اجبر الفقر ان يلتصق به..
يجلس هو حائراً متلبكاً.. دينه على العالم اصبح كبيراً.. جيداء وعائله ريم!!
وضع رأسه بين راحتيه بتعب شديد.. لقد جعلته الدنيا يعاني من ابشع الاشياء وهو الفقر.. العجز.. !! وخرجت آهة منه على مسامع جيداء التي نهضت من مكانها بهدوء شديد وهي تنتشل هاتفها النقال من حقيبتها السوداء...

مر الوقت واصبحت الساعه العاشره والربع تقريباً.. وخلال هذه المده كانت السياره السوداء التي تقل ريم ومن معها تعبر طريقها في شوارع هذه المدينة الضخمة!! الى ان آل بها المطاف و ركنت تلك السياره السوداء على جانب الطريق.. امام بناء مشفى العاصمه الضخم ليترجل منها ثلاثتهم.. ريم.. رامي.. وقمر!!
اخذ كل واحد منهم يسير بذهنه المشتت.. وتفكير وصراع داخلي يمزق انسجه الدماغ ويسبب الألم الشديد.. واخيرا تستقر اقدامهم على ارضيه الطابق الارضي لهذا المشفى ويبدو ان ريم كانت متعجلة للوقوف بجانب وحيد قلبها فسارعت بالمضي نحو المصعد الكهربائي ليعلق رامي بسخريه " حمقاء.." فتبتسم قمر وتؤيده وتقول وهي ترجع خصله من شعرها " انه الحب!!"
ثم... توقفت لبرهة.. انها نفس تلك الطفله التي رأتها.. ازدردت لعابها وقد ملأت الغصه حلقها... وهي تتذكر ذلك اليوم.. بكاء طفله من اجل بعض الحلوى.. !! لعلكم تذكرتم تلك النزهة؟! وذلك الموقف الذي جمعها بطفله تبكي!!
تأملتها من جديد تجلس على احدى المقاعد في المشفى.. تعبث بفستانها القصير النافش.. خطوط شعرها الذهبيه كالشمس الحارقه.. عيونها الزرقاء تذكرها بماض سحيق.. بامرأه أنانيه.. باحزان وآلام!! هي لم ولن تبكي الان!!
قاع بئر سحيق من الاحزان انتفضت الان في قلبها وعقلها!! كل ماضيها اعلن ثورته لاحتلال عقلها هذه اللحظة.. وذلك الملجأ الذي احتواها!!
لماذا تطاردها تلك الذكريات الاليمه الان!! كما طاردتها سابقا عند رؤيه الفتاة على الارضيه العشبيه تبكي!! واخذت ابتسامه تعلو شفتيها بل انها مزيج من ابتسامتين،، فأولها ابتسامه الم وبجانبها.. بل ملتصقه بها ايما التصاق.. تلك الابتسامه التي تدل على السعاده.. حيث تطوف على ذكراها ذلك اليوم...
فلنذهب نحن ونستكشف ما حصل يومها.. ونستعرض احداث لم تكن بين ثناياها قمر... ولم تعش هي في تفاصيلها..

( امسك بيدها وساعدها على النهوض حيث كانت الصغيره ( ملاك ) تشاهد ما يحصل امامها باستغراب وخوف... ليتواليا بعدها عن الانظار نحو وجهةٍ قد طرأت لمجد حين رأى حالها الحزين ذاك.. فلم يكن يدرك ما عليه فعله بالتحديد... فداخله وخارجه كانا يريدان ابعادها عن كل شيء.. لو يتوقف الزمان قليلا ولو استطاع ابعاد تلك الطفله من امامها لما حصل الذي حصل.. فمشاعره متضاربه.. و يبدو عليه الخوف وارتاجفه اوصاله واضحه.. ولكن لم تكن قمر بالحال الذي تستطيع فيه ادراك او فهم ما يحصل للحديدي الذي تشبثت به كطوق نجاتها من ماضيها السحيق.. وما ادركت الا ان قادها الى جزء من الحديقة الكبيره منعزل عن بقيه الناس.. كان الممر موحشا ومظلماً كظلمه قلبها.. كانت تسير ودموعها تهطل من غيومها.. الى ان صدر ضوء خفيف.. ليبعد مجد بعض اغصان الشجر ليأتي بنا الى الجنه الخضراء التي امامنا...
خطت قدماها تلك الجنه.. لتتفاجئ قمر من وسط دموعها والامها.. هذا المكان.. انه حقا يشبه الجنه.. فالاشجار في كل مكان.. خضراء باسقة تلمع اوراقها من ضوء الشمس المسلط عليها.. وأزهار بشتى الانواع والاصناف.. فتلك الوردية.. والصفراء.. والبنفسجية متراميه بكل الاطراف... اخذت تغمض عيونها وتفتحها مرات متعددة.. ولكن سرعان ما قوست فمها وهي تنظر بعيونها نحو مرج الازهار ذاك لتقول بغصة والم وهي تتذكر والدتها التي تخرج لها من بين الفنية والاخرى من مرج يشبهه " امي.." وتوالت دموعها للسباق ايها ينحدر من عيونها اولا ليتخذ مجراه على وجنتيها من جديد.. فبرغم السنين.. وبرغم صغر سنها الا ان الم الفقدان ما زال حيا في قلب قمر.. وكأنه يولد من جديد مع كل يوم تعيشه...
اخذت تشد على يد مجد بدون وعي منها وكأنها تحاول استمداد القوة منه وتخفيفها او ارسالها الى جسده.. والذي شعر بسكاكين حادة تمزق قلبه.. ليقول لها " هل نعود؟!"
تجيبه هي بهز رأسها نفيا.. وتحاول الابتعاد عنه و تذهب حيث المرج لعلها تلتقي بوالدتها من جديد.. ولعل ابتسامتها تعود لتنير وجهها القمري.. ولكن يده الصخريه حدت من حركتها بعض الشيء واتبعها بصوته المغلف بالخوف والقلق " لا تبدين بخير ابدا.."
تقاطعه بقولها: " سأكون بخير.." ثم تنظر ناحيه المرج وتخرج شهقه منها وكانها سيف حاد غرس في قلبه " ولكنه يشبه المكان الذي ارى امي فيه.."
وبعد تلك الكلمات التي خرجت.. تشعر بيده قد ارتخت و فكت اسرها لتمسح دموعها بكلتا يديها وتنظر اليه.. عيونه تظهر بها لمعه غريبة مثبته بالفراغ اما وجهه كان مشدودا يعتليه الجمود لا حراك فيه ابدا... كان ينظر الى الفراغ بشكله الصخري المعتاد...
وبعد مده خرج صوته الهادئ: "حسنا.. سأذهب لأجلب لك الماء.." فتومئ برأسها.. وصوت من داخلها يقول.. ابقى بجانبي ارجوك، انت الامان لي,, اشعر بجانبك بالامان.. ابقى.. لا يهم كلامك المسموم ابقى معي.. لا اريد ان تغادر دنياي وتتركني كما يحصل في حلمي..
وخلال استنجادها الداخلي يختفي عن الانظار وهي تلاحق ظله بعيونها...
ثم اخذت تسير ببطء شديد.. محاوله ان تتمسك ولا تستسلم لدموعها من جديد.. تشد على قبضه يدها عندما تشعر ان دموعها ستغلبها وتغمض عيونها بقوة شديده لعل بلوراتها التي تتجمع وتغزو عيونها تعود الى ادراجها.. وما ان فتحت عيونها للمره الاخيره بعد اغلاقها.. استقبلتها تلك الزهرة الحمراء.. البعيدة عن بقيه عائلتها.. فتتوجه نحوها لتجلس بعدها على الارضيه العشبيه بجانبها..
" يبدو انني لست الوحيدة فقط في هذا العالم..( تنهدت ثم اكملت ) انتِ وحيدة مثلي.. ( اخذت تنظر الى ما حولها بعيونها الحمراء) انظري كل هذا الجمال الذي حولك الا ان الجميع قد تخلى عنك ايضا.."
اخذت نفسا عميقا وهي تداعب بتلات الزهرة التي خفت رطوبتها " اعلم ان الوحدة صعبة جدا.. وهذا ظاهر من مظهرك.. فانتي جافه مثلي"
ثم صمتت قليلا واغمضت عيونها بألم " هل تعلمين سبب وحدتي؟!" لتفتح عيونها من جديد و إذ باحدى البتلات قد فارقت زهرتنا وسقطت ارضا لتكمل بألم نابع من قلبها الرقيق: " انا اشعر نفسي دائما وحدي.. لا اشعر بأي احد معي.. هناك شعور قوي بداخلي انه ساكون يوما ما لوحدي.. اعاني من جديد.. لماذا كل ما اشعر ان باب السعاده قد فتح لي واحاول العبور من خلاله و إذ به يغلق من جديد.. ألا يحق لي ان اكون سعيده.. هل السعادة غير مكتوبه في قدري؟!"
وخرجت كلمتها الاخيره بصعوبه حيث شعرت بالكلمات تخنقها وتشد على قلبها بقوة لتخونها دمعه جرت مجراها لترافقها أخواتها من الدمعات.. وبصوتها المخنوق ومن بين بكائها " بالرغم من وجود الجميع الا ان الوحدة تلازمني... كل ما اريده من من الحياه شيء واحد.. " صمتت قليلا وقالت بنفس نبرتها التي زادت سوءاً " امي.. اريدها هي فقط.. اريدها ان تعود لي لأرقد بسلام معها.."
وانطلقت شهقاتها المريعه تسيطر على المكان.. ودموعها التي أخذت تتحدث بالنيابة عنها.. دموع مليئة بالهزيمة والانكسار.. مليئه بالضعف.. الألم.. والعجز.. معانٍ كثيره تمثلت بدموعها والتي لا لم تستطع مفارقتها منذ زمن طويل..
اخرجت من جيبها ذلك العقد.. عقد والدتها المكسور.. ذكراها الوحيدة.. لتشد عليه بكلتا قبضتيها بما استطاعت به من قوة.. ثم ضمته الى صدرها وهي تبكي بحركة...

" لا تبكي.."
صوت ينبع من داخلها من جديد.. بل صوت نبع من جهة معينه.. من عقلها الباطني .. كان الصوت حنونا لأبعد حد.. مشاعر احست بها قمر لم تشعر بدفئه منذ زمن.. صوت يبعث فيها القوة من جديد.. صوت غاب عنها لسنين كثيره.. اخذت تبحث عن مصدره ولكن دموعها المتجمعه في عيونها حالت دون رؤيتها.. وتكرر الصوت لمرات عديده قائلا..
" لا تبكي.."،،،
"لا تبكي يا قلب والدتك.."
لتصرخ بصوت عالٍ " امي.." لتتهالك بعدها على الارضيه العشبية " اين انتِ.. عودي ارجوكِ.. عودي.."
" انا هنا بجانبك.. معك.. انا دائما في قلبك.. ولكن توقفي عن البكاء.. ارجوك.."
قالت قمر بانكسار وهي تحاول ايقاف دموعها " عودي.. او انا اذهب اليك.. ارجوك.."
وخرج صوت والدتها حنونا كعادته " انا معك دائماً.. اتواجد في قلبك الانيق.. انا هنا توقفي عن البكاء.."
ثم اخذت قمر تبحث عن والدتها بكل امل وشوق لرؤيتها ولكن دون جدوى.. فلم تسطع رؤيتها لتقول بانكسار اكبر.. وحزن شديد " السبب هو.. مجد.. منذ ان كسر القلادة.. اخر ذكرى لك يا امي.. لم استطع رؤيتك من جديد.." ثم صرخت من جديد " امي.."
واخذت تضرب بيدها الارض بحسرة والم في قلبها بسبب معذبها.. وخارت قواها تدريجيا.. لتغلق عيناها بألم.. ثم...

شعرت بذلك النور الذي يضيء المكان واحست بموجه من الرياح الخفيفه التي تداعب العشب الاخضر لتجعله يتمايل ذات اليمين وذات الشمال... تلامسها تلك الرياح وكأن تلك الرياح تضربها بغته وتجفف دموعها.. ومن بين دموع علقت على وجنتيها تحاول تلك الرياح تجفيفها والنور القوي الصادر من جهة البحيرة....
تصرخ بسعادة عارمة ودموع من الفرح تشكلت على حواف عيونها " امي.."
خرجت بثوبها الناصع البياض.. ابتسامه على محياها توجهها نحو ابنتها الوحيدة التي تنظر اليها بعيون عسليه قد ورثتها منها.. ليخرج صوتها الحاني وقد استقر جسدها على ضفه البحيرة " لا اريد ان ارى دموعك بعد اليوم.. يجب ان تكوني اقوى بكثير لتتغلبي على ضعفك هذا.. لقد مر سنين طويله على فراقنا.. اشعر باشتياقك.. ولكن دموعك تؤلمني.." واخذت تشير الى قلبها بمعنى هنا لتسارع قمر بمسح عيونها بسرعه كبيرة فتكمل والدتها " ألم يقال ان الصبر مفتاح الفرج ( لتومئ قمر هنا برأسها وتكمل والدتها ) اذا ما عليك فعله هو الصبر.. الصبر على ما يصيبك.. فبعد صبرك ذاك ستنالين سعادتك.." ثم اخذت امها تتراجع عائدة الى قلب البحيرة وصورتها تخف تدريجيا مع ذلك النور الذي صدر معها وكلامها الاخير " اصنعي سعادتك بنفسك.. فإن لم تستطيعي ابحثي عنها.. لعل ان تجديها بأكثر شيء تحبينه ثم همست لها " احبكِ يا قمري.."..
****
غمامة سوداء قد احاطت به.. وهو يستمع الى كلماتها التي تخرج بألم وقهر.. هل سمعتم بأحد يكره نفسه.. اجل هو قد كره نفسه هذه اللحظة ..فمهما يحاول الابتعاد عن الخطأ وجرح الاخرين يعاود بقسوة قلبه فتح الجراح.. كان قد ذهب لاحضار بعض الماء ليخفف من وطأة الحزن التي حلت بقمره ويجعلها تشعر بالراحة بقليل من الماء.. لقد شعر بقلبه يفيض ألما على حالها لذلك ذهب عنها سريعا مبتعدا حتى لا تخونه عيناه الحجرية وتنحدر تلك الدمعه التي علقت بها... وقد طالت مده غيابه حيث ورده اتصال من احدهم ليتكلما حول شيء يخص الشركة.. وبما اننا لا نفهم من عالم الاعمال الشيء الكثير لن نهتم للحديث الذي دار بينهما.. اغلق هاتفه بعد ان قام بشراء علبتين من الماء البارد وبعضا من الحلوى.. وقادته قدماه حيث هي ولكن.. توقف فجأه وكأنه تذكر شيئا ما.. شيئا يزيح الهم عن قلبه.. فغير مساره مبتعدا حتى تلك السياره الحمراء واختار طريقا لا يستطيع به البقية رؤيته ولكن هل نقول لسوء حظه ام لا!! فقد صادفه رامي بالطريق وابتسامه على وجهه وكأنه يوجه رساله له قد فهم مغزاها.... تجاهله ليتوجه ثم فتح الصندوق الخلفي ليخرج جيتاره الوحيد.. صديقه الذي يزيح جبالا من الهم والغم.. وعادت به ادراجه حيث تركها تستريح... بهدوءه المعتاد.. بل بجموده الذي عهدناه سار بطريقه للعودة متناسيا بل دافعا كوم المشاعر عنه...
الا ان صرخات مدويه استقرت في قلبه.. وجعلت لهيبا حارقا يستقر في عضلته التي تستقر في يسار جسده... كلمات خرجت لتعذبه وتجعل قلبه يفيض من الالم.. الحزن..
" عودي.. او انا اذهب اليك.. ارجوك.."
" السبب هو.. مجد.. منذ ان كسر القلادة.. اخر ذكرى لك يا امي.. لم استطع رؤيتك من جديد.." ثم صرخت من جديد " امي.."
كان صوتها يمتلأ بدموعها التي تتدفق بغزاره .. اراد ان يصرخ.. اراد ان يحمل الالم بدلا عنها فهي ذات قلب رقيق لا يتحمل.. هي فتاة بقلب طفلة .. تمنى لو انه لم يكن موجودا بحياتها .. او حتى ليت والدته لم تلده حتى لا يتسبب في كل هذا الالم في قلبها.. حتى لا يتسبب في اذيته... لقد كسرت اخر ذكرى لها يا مجد.. ماذا فعلت باجمل ما يعيد لقمر ابتسامتها !! هل هانت عليك سعادتها.. لقد كسرته بسبب غيرتك.. بسبب قلبك القاسي.... ااه يا قمر ليتك صرخت وقلت انه لامي.. ااه يا قلبي الممزق.. ماذا فعلت بها؟؟!... وبعد صرختها الاخيره تنادي بها والدتها.. كان داخله يتألم كثيرا ليشعر بقلبه يتمزق اكثر فأكثر.. لتصدر منه دموعا من الصميم... وسهاما قاتله تستقر في احشاءه.. وحرقة كبيره شعرها على خديه.. ليلامس احدهما واذ بدموع حارقه قد استسلمت أخيرا وخرجت من قلب ذلك الحديدي... واستمر على حاله يذرف دموع الالم بصمت الا ان تجمدت اطرافه.. فلا يسمع لها اي نحيب.. ولا يسمع لها اي صوت.. غزاه تفكير سيء بأن مكروها حل بها.. فسارع بخطواته وحاول ابعاد اغصان الشجر.. ثم اخذ يجوب بنظره خوفا وقلقا الى ان رآها....



اصيب بالذعر.. وتلاشت قواه.. شعر بقدميه لن تستطيع حمله وترك ما بيده مسرعا هائما على وجهه غير مباليا بجيتاره الذي اصطدم بالأرض... وصل ورثى بركبتيه.. ملقيه هي على الارض والتعب واضح بل مرتسم على ملامحها...وبرعب اكبر أخذها بين يديه المرتجفتان وهي يدعو بداخله ان تكون بخير وتعود الى وعيها.. ثم يضع رأسها على اليمنى وبيده الاخرى يحاول ايقاظها...

شعرت بذلك الصوت الذي يناديها من بعيد.. تردد اسمها مرات لا تسطيع ان تحصيها.. ذهب ذلك الصوت فجأه وعادت على ظلمتها من جديد.. مضت مدة لم تستطع ان تحصي دقائقها.. ليعود ذلك الصوت مع شيء بارد تسلل على وجهها.. شعرت بضوء خفيف يزعج عيناها.. وصوره غير واضحة تتمثل.. اخذت تغلق عيناها وتفتحها لمرات عدة... الى ان شعرت ان احدهم قد ساعدها بالاعتدال في جلستها كانت مازلت مغمضة عيناها بسبب ضوء النهار.. وتلك اليد ما زالت خلف ظهرها تشعر بارتجافها... وصوت يخرج لم تستطع تحليل حروفه بعد..
وبعد محاولات عدة لانتصار عيونها على الضوء.. فتحتها بتعب واضح.. لتلتقي عيونها الناعسه بعيونه التي ارسلت خيوطها المغناطيسه نحوها.. لم تكن تدرك اي تفسير لعينيه.. فبريق مختلف قد ظهر بهما... حزينه.. لا بل نادمة... قلقه.. لا تدري حقا أي تفسير منطقي تضع لفحوى عيونه وكأن مشاعر الدنيا قد سكبت بعينيه واختلطت برمادها...
" هل انتِ بخير..؟!" خرج صوته مرتجفا بعض الشيء.. لتخرج هي من الحلقة المغناطيسية التي جذبتها.. وتزيح بنظرها ناحيه البحيرة وتبتسم.. " أجل.."
ثم اعادت بنظرها اليه.. وعاودت الغرق في بحر عيناه من جديد واخذت تحدث نفسها ^ اذا كان رؤيتي لك يا امي حلما.. ولكن من الجيد اني رأيتك.. اشعر وان السعادة قد تدفقت في عروقي.. وبرؤيتك ادخلت الامل والتفاؤل.. وشعرت بالفرح يغمرني ويسير بدمي ^ وهنا اتسعت ابتسامتها اكثر امام عيونه المندهشه.. لتقف على حين غره وتدور حول نفسها وهي تضحك بشدة.. وتصرخ بصوت عال.. وكأن الحياة ساندتها من جديد متناسيه وجوده " وأنا احبك يا امي.."
وهنا ايقن مجد ان منبع تلك الابتسامه التي لاحت على شفتيها وهي فاقدة للوعي رؤيتها لوالدتها المتوفاة.. فكما اخبرتهم ريم بأن والدتها تزورها في احلامها بين الفنية والاخرى..
نهض من مكانه وعلى مسامع ضحكتها الرنانه تمنى ان تبقى ملازمه لها.. لا يدري لما قلبه يؤلمه جدا... يؤلمه لدرجه لم يشعر بألم كهذا من قبل.. التقط جيتاره والحاجيات الاخرى التي جلبها لقمر.. وبعد ان استدار عائدا كانت قمر قد شعرت بالتعب من شدة دورانها.. وقعت على الارض وهي تلهث سرعان ما ضحكت بطفوليه قد آلمت قلب مجد.. وهو يتقدم نحوها بخليط عيونه السابق والتي تجعل قمر اسيره هواه.. حيث بدأت ضحكتها الجميله تخف تدريجيا لتعلقها بعيونه الرماديه..
انها الجاذبيه بالنسبه لها... فليبطل نيوتن كل قوانينه ويعاود ترتيب نظرياته من جديد.. ويخبر الجميع ان الجاذبيه هو رماد عيني ذلك الحديدي
نزل لمستواها وهو يقدم لها الماء وبعيونه دمعه لا يستطيع افلاتها ولا سجنها بداخله... ثم يعطيها الماء ويقف مسرعا متجها بجسده نحو البحيره.. لتنتبه هي لفداحة ما تفعل.. وتثني عليه بكلام الشكر لتسرع وتنهض متجهه حيث تلك الزهرة الحمراء... بينما هو يقوم بمسح تلك الدمعه التي خانته ويعاود النظر الى طفلته من جديد وحريق في قلبه قد انتشرت السنته وامتدت الى جسده مع كل دقيقه تمر.. انها اشبه بالطفله وهي تسقي الزهره.. انها انيقه وبريئه..
مجرد حلم صغير اعاد السعاده اليها... انها اشبه بالاطفال فلا تستحق معاملتها يا مجد بتلك الطريقة..
تنهد تنهيدة نابعه من قلبه وهو يراها تتوجه نحو الارجوحة الخشبيه مبتسمة المحيا تنظر اليه... ذهب و اخذ جيتاره بعد ان عزم على ادخال السعاده الى قلبها هذا اليوم وان يحاول بأقصى جهده إلانة قلبه.. وهمس بألم وعيونه المثبته على ذلك العقد الذي بيدها وهو يقترب " لو كنت اعلم فقط.."

اخذت تبتسم بعدها عندما بدأ بالغناء.. واخذ يطلق صوته الجميل.. ولنضيفه الى قائمة الجاذبية مع عيونها.. وبعد مدة شعر بالتعب ليتوقف عن العزف والغناء في منتصف الاغنية لتكملها هي وهو كله دهشة من لغتها الفرنسيه.. وتذكر لاحقا الامر الخاص بفرنسا.. وحاول قدر الامكان ان لا يضحك على صوتها المريع.. فلم تكن تغني بل كانت تصرخ وتصرخ... لتتعب حنجرتها وتصمت ثم يطلق ضحكة عاليه منه على اثر توقفها لتنظر اليه ببلاهه ثم تفتح عيناها على اتساعها لتدرك انه يسخر منها.... ومن شدة براءتها وعفويتها تضحك معه لانها تعلم ان قدراتها بالرسم تفوق كل الشيء ولكن البكاء هو المتصدر بكل الاحوال.... ليستريحا بعدها من لعبه الغناء الذي دامت اكثر من ساعه للانتقال الى لعبه الصدق ام الشجاعه.. وكان اخر ما اختاره مجد الشجاعه... لتستقر بفكره شيطانيه تبعتها ضحكة خفيفه وهي تنظر الى شيء ما ليلتفت خلفه ويفرغ فاه..
" لا اصدق.. غيرت رأيي.. اختار الصدق.."
ضحكت قمر فقالت وهي تهز رأسها " لا لا.. انت اخترت الشجاعه.."
نظر اليها بشكل بريء حتى يثير شفقتها ولكنها قالت وهي تشير بيدها لا.. تنهد ثم " اختاري شيئا غير البحيرة.."
قمر بنبرة سخريه " مجرد بحيرة.. هل تخشى الغرق.. ثم ان شروط لعبتنا معروفة.."
قال وهو يبسط ساعديه " وانت ذكيه اخترت الصدق وتعلمين ان مجد المتعاطف لن يحاول معك بأسئلة محرجة.. كم انتِ ضعيفه ولست شجاعه.."
" قلت ذكية... " قالت بتحد وهي ترفع احدى حاجبيها
"اااه..."
ضحكت من كل قلبها على مظهره وهو يحك جبينه ثم اكملت بجديه " لا يوجد تهاون.. هيا للبحيرة.."
وامام ضحكتها وقف الزمان بالنسبة له.. ليصبح سجينا بها.. غير مدركا لما حوله.. لا يشعر بشيء الا بذلك القلب الذي ينبض بداخله وبصدى صوت يخرج من قلبه مرددا قمري.. قمري الوحيد.. ملاكي الابدي.. هائما بعيونها العسلية التي ازدادت جمالا مع سعادتها.. وصدى ضحكاتها يتردد في عقله كموسيقى يميل القلب اليها... وامان نظراتها المستنكرة لوقوفه وهو ممعن النظر اليها... طارت فراشات الحب حولهما لتنثر سحرها عليهما...
وشعور جميل لم ترده حينها ان ينتهي ...)))

تنهدت بأسى وهي تعود الى واقعها مع ابتسامه رافقتها بعد خروجها من بحر ذكرياتها... لتطوف على سطحه تحدث نفسها..^ كم كنت جميلا وقتها يا مجد.. ااه ان الشوق يملؤني وحنين غريب يسير في جسدي.. اتذكر ذلك اليوم الجميل وابتسم واشعر بقلبي ينبض بشدة .. ادركت بعدها كأنك تعتذر لتصرفاتك.. كانت المره الاولى التي تشعرني بسعادة كبيرة.. ولم تعلن حربك ولا كلامك القاسي.. لقد كان وداعك بطريقه جميله ولكنها مؤذية لقلبي.. رسخت في ذاكرتي... لقد شعرت بعطفك وحنانك.. وانك تملك قلبا يضاهي قلب الامهات...."
وظلت على حالها هذا تتأمل تلك الطفله بشرود ممتزج بحزن شديد غارقه في افكار ودوامات من حزن وأسى...

اما رامي فقد لفت انتباهه تلك الفتاه.. تقف مع رجل ببذلهة سوداء قاتمه بالقرب من قسم الاستعلامات الخاصه بهذا الطابق.. يبدو انه رجل فاحش الثراء.. تساءل هامسا " أليست تلك قريبه رائد..!!" شعرها الناري الصارخ الذي جذبه من البعيد والذي يبدو جذابا لرجل يحب النساء مثله ولكن.. يد ذلك الرجل التي انقضت على معصمها لتشعر بالألم.. لم يفكر بشيء سوى انه تقدم ببطئ ثم....

شعرت بتلك الكلمات التي واجهتها واخرجتها من عالم احزانها.. انه رامي يقف بجانبها ويبدو قلقا.. يفكر بشيء ما!! تبدو علامات الاستغراب قد تملكته!! علامات وجهه البشوشه قد اختفت!! ابتسامته غابت عن وجهه!!
قال لها بكلمات مقتضبه " هيا.. لا اريد ان أتأخر كثيراً.."
نظرت اليه بعدم استيعاب.. فرامي لا يعاملها بذاك السوء ابدا.. انه كالأخ بتصرفاته وبحنانه.. فليس من عادته تلك الكلمات المقتضبه استهجنت الامر برمته فكادت ان تسأله لولا يده التي امتدت ليشير اليها بأن تسير امامه فأذعنت لذلك وآثرت الصمت ليتوجها بعدها معا نحو المصعد تحاول فك تلك العلامات والتساؤلات التي عصفت في عقلها
اما هو يحاول انكار ما سمعه قبل قليل....


...

نظر لساعته للمره الاخيره.. عشرون دقيقه مرت والممرضات ما زلن بالداخل !! وقد زاد قلقه أكثر مع كل دقيقه تمضي!! ماذا تراه حصل!! هل وضع والدته جيد أم..!! انه يستبعد تلك الفكره تماما.. لقد عانى من فقد احدى والديه لا يريد خساره الاخر..!!
تنهد براحه عندما اقلبت عليه ريم فأبعد كل تلك الهواجس والمخاوف والأفكار الشنيعه عنه ..امسكت بمعصمه بهدوء تنظر من خلال النافذة التي تظهر ما بداخلها وكأنها تبعث فيه الراحه والامان " انهم يتفحصونها لا تقلق.."
" عشرون دقيقة.." بعد صمت وهم يتأملون الممرضات يقمن بعمل لا يفقهن منه شيئا..
نظرت اليه وادركت انه يتحدث عن وقت بقاء الممرضات بالداخل.. ينظر بقلق لتقول هي بهدوء " انه عمل روتيني.." ابتسمت عندما نظر اليها واردفت " ثم انها بخير.. ستكون قويه تقف على قدماها من جديد.."
وزادت ابتساماتها واتسعت عندما امسكته واخذت تسير به الى المقاعد " ستشفى تماما.. وتخرج من المشفى.. وتعد لنا تلك الحلويات التي تذوقتها في منزلكم.."
احنى رأسه للأسفل وقال " أتمنى ذلك.."
تنهدت وهي تنظر اليه.. شعره مبعثر.. يسقط على جبينه باهمال.. علامات التعب واضحه على وجهه.. يبدو انه لم ينم ليله أمس..!! ما زال على حاله!! حزينا!! خائفا!! يخشى فقدان والدته!!
اااه يا رائد يا ليتني استطيع إخراجك من حزنك هذا!! ولكنها والدتك.. لا استطيع ان اتفوه بأي شي أحمق يضحكك فيبدو انني لا اتفهم الوضع الذي تمر به الان..!
أسندت رأسها على كتفه ثم...

فتح عيونه عندما لامس شيء ثقيل بعض الشيء كتفه.. نظر جانبا فكانت ريم مغلقه عيناها.. اسندت رأسها الجميل على كتفه وقالت " يا ليتني اكون طبيبتها الآن وافعل ما يلزم.. ولكن شاء قدري ان اكون اصغر سنا.. وفي كليه الادارة.."
ابتسم بألم لجمال هذه المخلوقه وظرافتها.. حتى في اصعب اللحظات تتفوه بما هو جميل.. ولكنك يا رائد لا تعلم لما تفوهت بشيء جميل كهذا!! حلم صغير تمنته كي تسعدك.. تحاول ان تكون معك ليس بكلامها فقط... بل انها تبعث فيك المشاعر المختلفه.. تخبرك انها انقى من فتيات المجتمع المخملي.. ترسل لك شعارات الامل والتفاؤل.. تشعرك بأنها معك دائما...
شعر بشيئ داخله يصبح كآله كوسيقيه تعزف الحانا من الحب ومشاعر شتى.. وخرجت تلك النوتات الموسيقيه بكلام تفوه به رائد تفصح قليلا عن مشاعره المخبأة الى الان " ولكن لحسن الحظ انك هنا.. بجانبي.." ابتسمت اثر عبارته وشدت قبضتها على يده وقالت وهي تعتدل في جلستها " تعتبرني ثرثاره اعلم.. ( ابتسم هو هنا لتكمل هي) ولكن كن قويا من اجل شقيقتك الصغيره.. من اجل والدتك ايضا.." صمتت قليلا ثم قالت وهي تتمعن وجهه وبنبره حزينه " انظر الى نفسك يا رائد لقد اتعبت جسدك.. لترتاح قليلا.." كاد ان يعترض ولكنها قالت تحاول اقناعه " هل تريد من امك ان تستقظ تلقاك شاحبا!!،، هل تريد احزانها ب..."

وقاطعها صوت من الخلف.............
" اتركيه وشأنه.." ثم قال رامي وهو يتوجه حيث يجلس رائد ويصافحه وبعد ان جلس مقابلهما مع قمر التي تمنت الشفاء العاجل لوالدته
" وبالمناسبة جميع سكان الكره الأرضية تعلم بأنك ثرثارة."
عاد للسخريه من جديد.. لتجحده ريم فليس الوقت ولا المكان مناسباً لسخريته تلك ثم نظرت الى قمر الشارده وزفرت بحراره... ولم تمضي الا دقائق لم تتجاوز الخمس لتنضم اليهم جيداء.... وتجاذبوا فيها اطراف الحديث حول امور اعتيادية كسؤال عن الحال والاحوال.. وبعض الامور التي تخص عمل قمر الجديد.. وهكذا..!! الى ان نطق رامي بعد ان نظر الى ساعه معصمه " بالاذن.. لقد قمت بتوصيل الامانة" وهو ينظر الى ريم التي تجحده بنظرات وهي مضيقه لعيناها.. ليكمل موجها حديثه الى رائد بعد ان لمح جيداء ذات الشعر الناري تفرك يديها بتوتر وكأنها تنتظر شيء ما " ان كنت تحتاج اي مساعدة فنحن لها.."
ابتسم له رائد ممتنا " شكرا.. لقد قمتم بما هو افضل.. مساندتي بمحنتي.."
" حقا ان كنت تحتاج لأي شيء... فأنا بالخدمة.." ثم وهو يقترب منه " ماديا ومعنويا.."
تجهم وجه ريم بينما قال رائد ممتنا له " شكرا لك.. لا اعلم كيف سأسدد ديني اتجاهكم.."
قال رامي وهو يغمز الى ريم.." ستسدده لا تقلق.." ثم شد على كلامه " بالمستقبل القريب..."
وما ان نطق كلمته حتى ازهرت ورودا حمراء على وجه ريم فهل غضبا ام خجلا؟؟ ولم يدرك رائد ما المعنى الخفي لكلامه فاكتفي بالابتسام
وحينها تقترب قمر من رامي حيث يجلس بجانبها وتهمس له " حقا ستقتلك.."
وما ان انهت حتى صدر صوت فلاش الكاميرا.. ليتوجه انظار الجميع حيث جيداء التي التقطت صورة تجمع الرباعي عبر هاتفها المحمول... وعلامات الغرابه تعتلي وجوههم...

**************
و في مكان بعيد.. مليء بأحزان.. وآهات!! صرخات من الم شديد!! عيون متعبه من شده البكاء!! صغار هم!! فقدوا حنان امهم!! وعطف والدهم!! يعيشون تحت مسمى قد التصق بهم.. عرف بالايتام!!
لافته معدنية حمراء كتب عليها بخط عريض ابيض ( ملجأ الأزهار الحزينة)،، اسم على مسمى كما يقال.. أزهار حزينة!!

وفي سياره سوداء قد ركنت على جانب الرصيف...
" انتبهي على ملاك جيدا يا سوزان.."
رجل قد اخرج تنبيهاته و وصاياه.. بل اوامره تجاه مربيه ابنته الوحيدة!! ملاكه الذي يخشى ان يحصل لها مكروه!! كانت عيونه الزرقاء متوجه نحو سوزان تستمع لأوامره التي لا تنتهي والتي تخص ملاكه.. التي قالت اخيرا.. طفله صغيره لم تتجاوز التاسعه.. شعرها الذهبي يماثل خطوط الشمس بعيونها الزرقاء اللامعه نظرت الى والدها " والدي العزيز لا تقلق علي.."
ابتسم ووضع قبله على وجنتيه ثم قال بحنان " لا اريد ان يحصل لك مكروه فقط.."
طمأنته سوزان قائله " لا تقلق سيد ماجد.. ملاك مهمتي.." واردفت قائله " لن تطيل مهمتي هنا.. بضع ساعات قليله فقط.."
قال هو منبها " ساعه واحدة فقط..."
بينما ملاكه الوحيد اعترض " ولكن يا ابي.."
" قلت ساعه واحدة.. حتى نعود قبل حلول المساء..."
قوست ملاك فمها لتقول سوزان " لا تقلق يا سيدي.. كما أمرت.."
ثم ترجلتا من السياره لتمضيا في طريقهما وتقول سوزان " هل تعلمين يا ملاك ان والدك يخاف عليك كثيرا!!"
قالت ملاك وهي تتشبث بيدها " اجل.. انه يحبني كثيرا.. فبالاصل انا محبوبة من قبل الجميع"
نزلت سوزان لمستواها وقرصت وجنتها " واثقه من نفسها ومغرورة من الآن كيف المستقبل؟؟"
لتبادلها تلك الصغيرة ابتسامه طفوليه وتمسك وجنتيها بأصابعها وتقرصها وهي تقول " كذلك الأمر.."
ضحكت سوزان على تلك الطفله.. واعتدلت في وقفتها واخذتا تسير داخل تلك الباحه المليئة بالقليل من الفتيات...

خرجت بعد ان ضاق صدرها.. فرامي يتحدث بشؤون الملجأ مع مديرته.. فآثرت ان تمشي بأروقته.. تحدثت مع بعض الفتيات قليلا.. احلامهم المبعثره في الأرجاء.. قواعد للعيش فرضها الزمان من دون عائله!! فقط اصدقاء بنفس الحال!! صغار هم يعانون من فقدان كل شيء!! يريدون حنانا عطفا وأمانا!! ولكن بدل ان يروا كل هذا من عائله!! كانت الدوله كفيله بأن تغدقهم كل ما يريدون ولكن بمشاعر مزيفه اختلوقها هم!! أولئك الازهار الحزينة!!

زفرت بضيق وهي تتوجه خارج الملجأ الذي يحمل في طياته آلام سنين قد عاشتها وكبرت معها.. فكل ركن من أركانه قد شهد على دموع خانتها وانحدرت على وجنتيها.. قبيحه هي السنين وجميله.. مضتها هنا!!! بين احلام راودتها وتريد تحقيقها!! بين امنيات قد حلقت بعيدا وبعيدا فوق سماء المدينه!!

كل ما حولها كما كان.. ملجأ يحوي فتيات يتغلبن على الحياه ببرائتهم.. سعادتهم في اللعب بباحة مسكنهم الوحيد.. فتيات صغار وكبار!! ابتسامات وضحكات يخففون بها آلام قلوبهم التي ذرفت الكثير من الدماء..

" شكرا.. لك يا جميله.."
تفوهت بها قمر بعد ان تنبهت باحدى الفتيات والتي تدعى سيلين في عامها الخامس عشر تناولها بعضا من البسكويت المحشو بالشوكولاته اللذيذه لتأخذ قطعه منه.. ثم اردفت " كيف انتِ يا سيلين؟!"
اجابتها سيلين بسعاده قد كشفتها اسنان اللؤلؤ التي تملكها " جيده.. سأخرج من هنا لقد تبنتني احدى العائلات.."
ابتسمت قمر " جميل.. اذا سيشتاق اليك الجميع؟!"
اومأت سيلين برأسها لتكمل حديثها عن عائلتها الجديده " الام تبدو طيبه كثيرا.. لقد احضرت لي بعض الملابس.. اظن انها احبتني.. وانا كذلك....و.."

الى هنا توقفت قمر على استقبال كلمات تلك اليتيمة البريئه.. وكأن حروفها تصطدم في عقلها وتنعكس في الاتجاه المعاكس.. طبقا لقانون نيوتن !! لتركز جل نظرها على تلك التي تسير في منتصف الساحة ذات الارضيه الاسفلتيه.. انها نفسها تلك الفتاه.. ولكن كيف!! هل تتخيلها في كل مكاان تذهب اليه.. قبل قليل في المشفى!! والان هنا!!
فتاة صغيره.. بل طفله جميله.. انعكست اشعه الشمس على جديلة شعرها الذهبية.. تشبك اصابعها النحيلة الصغيره بيد تلك الفتاه العشرينيه.. كانت قد رأتها ترتاد الملجأ في السنين السابقه... تكبرها بعامين او اكثر على ما تعتقد....

" لقد كانت أجرأهن وأكثرهن قوة.. برغم ما اصابها من فقدان والداها بحادث سير مخيف.. وموت جدتها من بعدهما.. الا انها كانت قوية.. يستمد الجميع منها القوة... كانت مصدر شعاع الامل للاطفال هنا.. " تنهدت مديرة الملجأ وهي تنظر من نافذتها حيث سوزان والتي تقف بمنتصف الساحه مع ملاك.. لتكمل حديثها الى رامي بعد ان اعتراه الفضول نحوها " ولكنها تم تبنيها مبكرا من احد رجال الاعمال الكبار في البلدة المجاورة .. بعدما جاءت ابنه عمك بشهرين تقريبا.. وكانت تزور الملجأ بين الفنية والاخرى..."
ثم اخذت تشير اليه بيدها نحو الخارج.. " لذلك علاقتها مع قمر ليست علاقة قوية.. حيث كانت ترفض الحديث مع الاخرين.. كانت تعيش مأساتها لوحدها...."
تحدث بنبرة حزينة " وما زالت.."
*******************
اتخذت طريقها حيث مكتب المديره.. لقد اشتاقت اليها والى هذا الملجأ.. لها مدة لم تستطع فيها زيارتهم بسبب عملها... ثم اخذت تعطي ملاك النصائح وما يتبعها من عدم الابتعاد عنها.. ولكنها توقفت بدهشه عندما سمعت رد ملاك الحاد
" وهل انا صغيره لتعطينني تلك الاسطوانه من جديد.." ، ثم اخذت ملاك تقلد لهجتها " لا تبتعدي..لا تقتربي.. لا ولا..."
تنهدت سوزان وقالت " ولكن اخشى ان يحصل لك مكروه"
قالت ملاك وهي تضع يديها على خصرها بتحدٍ " لن يحصل.." صمتت قليلا ثم اكملت بنبرة عتاب طفولية " لماذا جميعكم هكذا.. تخشون علي كثيرا.. تخافون ان اخرج للحديقة..و..." واكملت قائمة الممنوعات التي يجب ان لا تفعلها وحدها...
زفرت سوزان وهي تضع يدها على جبهتها وكأنها تضبط اعصابها.. وكادت ان تتفوه بكلمه لولا ذلك الصوت الذي صدر من خلفهما.. لتلفت اليه وهنا كانت قمر تدنو من ملاك وتتحدث اليها بنبرة حانية...
" أليس جيدا أن تري الاهتمام بمن هم حولك..."
صمتت ملاك واشارت بأنها لا تدري... لتتحدث قمر بعدها وهي تشير الى الفتيات ما حولها " انظري.. هؤلاء الفتيات.."
لتكمل سوزان عنها عندما رأت الفضول على ملاك " انهم يعيشون هنا من دون ام واب وعائلة.."
تساءلت ببراءة " لوحدهم ألا يخافون؟!"
ابتسمت قمر ثم اشارت برأسها بمعنى لا.. ثم قالت وهي تعتدل في وقفتها بكلام لم يسمعه ولم يشعر به الا سوزان " بل يختنقون وجعاً.."
واتبع كلامها قدوم رامي برفقة المديرة التي ابتسمت بوجه سوزان ورحبت بها... اما بالنسبة لابناء العمومة قد خرجا منذ ان توجهت اقدام المديرة مع سوزان وتلك الطفلة البريئة...
وما أن خطت اقدامهم داخل المبنى الكبير الذي يرتسم على جدرانه دموعا وصرخات مدوية.. وحيث اتجهت تلك الاقدام الست نحو مكتب المديرة تساءلت سوزان وهي تدلف داخله " أليست تلك الفتاه هي نفسها قمر؟!"
اجابت المديرة برزانه كبيرة وهي تتجه خلف مكتبها المصنوع من الزجاج الاسود " انها هي بنفسها.."
" ألم تكن تعمل هنا في المأوى تساعدك في بعض الاعمال..؟!"
اومأت المديرة برأسها لتتساءل بعدها سوزان " واين تعمل الان!!"
اجابت المديرة على مضض " في جمعية خيرية؟!" ثم تلتفت حيث ملاك وتساءلت مغيرة دفة الحديث وبابتسامة " ومن هذه الجميلة؟!"


وتتحرك xxxxب الساعة رويدا رويدا... و تنتهي ساعه فتتبعها اخرى.. ويبدأ حلول الظلام... و تبدأ شمسنا باكتساء رداءها الجميل ذو اللون الازرق الذي يتحول الى سواد كاحل فيما بعد.. وامام بوابة المشفى المطلة على الشارع الرئيسي وقف رائد مودعا ريم والتي لازمته منذ الصباح..
قالت له وهي تشير باصبع السبابة " لقد قضيت على عطلتي.. سأحاسبك على ذلك.." ثم ضحكت بمرح لتظهر اسنانها البراقة..
" ومع ذلك اشكرك ايتها المشاكسة.."
" ان اردت شيئا من تلك المشاكسة فقط اتصل.." ثم اخذت تهرول مسرعه حيث السائق الذي ينتظرها وصرخت بمرح وهي تحاول ان لا تتعثر ثم تركب هي السياره من بعدها.. ولم يمضي الا ثوان قليلة حتى اشتغلت محركات السياره ثم تبدأ بالانطلاق... وكاد ان يعود بادراجه نحو الداخل لولا صوتها الذي اخرجته...ليتلفت فيراها قد اخرجت جزء من جسدها عبر النافذه " الى القااااء يااا راائد..."
وكان صوتها يبتعد مع ابتعاد السياره وطيف يدها يهتز يمينا وشمالا مودعا وابتسامتها الجميلة تزين وجهها لتختفي بعدها السياره عن الانظار وابتسامه جميلة قد اخذت ترتسم عليه....
يا لجمالك ايتها الريم...
خرجت من فمه وهو يعود بادراجه للداخل.. فمنذ الصباح قد تشاركت معه همه وارقه وخوفه.. كانت بلسما له حاولت تنسيه ذلك الالم الذي يتسلل بين الفنية والاخرى.. لتذهب به بعيدا حيث جزيرة الامل لتبث فيه التفاؤل بأن الحياه ستقف معه يوما.. بأن تحفظ له والدته وتغنيه عن حاجه الناس.. اخذت ترسم له مستقبلا جميلاً مليئا بسحر جميل... وترسل اليه اجمل معاني الحب المخفية وراء كلمات تخرجها من فمها الجميل.. لو ان الزمان يساعده فقط باجتياز ذلك الحاجز بينهما!! لو يعطيه الكلمات السرية لدخوله نحو حياة الحب معها!! لو تعطيه املا بالبقاء في قيدها مدى الحياة... لو لم يحصل معه ما حصل في ماضيه الاليم لكان من الممكن ان تحل شيفرة الحب بينهما!!
تنهد براحه كبيرة ثم اخذ يمشي بهدوء شديد وكله لهفه لرؤية والدته من جديد حيث استقيظت وعادت الى وعيها منذ قرابه الساعة واصبحت حالتها جيدة... لتجره قدماه حيث يقبع المصعد الكهربائي... ولكن صوت من البعيد يقول " سيد رائد.."
التفت ليرى احدى السيدات تشير اليه بيدهاا.. لم يكن وجهها غريبا.. فقد كان مألوفا من مكان ما.. اخذ يخطو بخطواته وهو يحاول امعان النظر بملامحها وهو يتقدم خطوة بخطوة... انهااا الممرضة التي اعتنت بوالدته بعد خروجها من العملية.. فماذا تريد!! هل بشأن وضع يخص والدته!! ولكنها استيقظت !!
ليتسائل بخوف وعلامات الذعر بادية على وجهه الابيض بعد ان وصل اليها " خيرا.. هل هناك خطب ما!!؟ هل بشأن والدتي!!"
اجابته الممرضة "انها بخير.."
تنهد براحه ولكن ما الامر..!!
" لكن ما الامر.. !!" رائد وكله ااستغراب
ليتفاجأ بذلك الشاب الذي يجلس خلف الاستعلامات يسأله ببرود الموظفين "هل انت السيد رائد عدنان ال...؟! المسئول عن السيدة عائشة ال..؟!"
اومأ رأسه " أجل... ماذا هناك؟!".. وقبل ان ينطق الموظف بأي كلمة قال رائد مندفعا " ان كنت تتساءل عن المال اللازم دفعه للطبيب الآتي من مشفى اخر والذي اشرف على العملية ف..."
قاطعه الموظف بذات النبرة السابقة " لقد تم حل هذا الامر.."
عقد رائد حاجبيه وقال بشكل متقطع من الاستغراب " كيف.. ذل.. ذلك؟؟!
نظر اليه الموظف وقال بضجر " لقد تم.. انتظر هناك شيئ.. ممم اين هو" ثم اخذ يبحث عن شيء ما في ذلك المكتب ثم قال وهو يناوله الى رائد المرتسم على ملامحه الجمود.. الدهشة..
" تفضل يا سيد.. لقد تم استخدام هذه البطاقة البنكية صباحا للدفع.. وقد نسيها صاحبها مع العجلة.."
ازدرد لعابه بصعوبة.. ثم اخذ تلك البطاقة وينتابه الاستغراب بذلك الشخص الذي لم يعرف هويته بعد.. من عساه يكون قد تخلى عن ماله من اجله هو... هل ريم!! لا لا أظن فهي معي منذ الصباح ولم تفارقني الا قبل قليل.. ام تراه ابن عمها!! هل يعقل!! فقد غادر صباحا وبما ان الدفع قد تم صباحا... زفر بحراره... ثم نظر الى يد الموظف الممدودة للمرة الثانية وعلامات الضجر بادية على وجهه " ان انتهيت من شرودك خذ هذا.. "
شعر رائد بالاستياء من تلك المعاملة.. اخذ تلك الورقة الصغيرة بعد ان رمق الموظف نظره غضب.. ليتوقف وهو ينظر اليها بعيون تحاول كشف الشخص الذي قام بالدفع.... فقد كانت عباره عن وصل للدفع تحوي المبلغ المدفوع واتسعت عيونه هنا!! دهشة بل غضبا بغير تصديق!! زفر بحراره و اصابعه تتخلل شعره الاسود.. اعاد عيونه المندهشة للوصل مرة اخرى ليقرأ الاسم حرفا حرفا!! ويحلل ذلك التوقيع في اسفل الورقة!!
تدفق الدم من عروقه ليتجه خارجا نحو وجهه الذي احتنق وتلون بلون الدماء ثم صر على اسنانه بغضب وهو يهمس " جيدااء..." وشد بقبضته على ذلك الوصل واتجه من بعدها بنفسٍ يتلاحق من الغضب وعيون دامية فمظهره الحانق تنذر بوقوع ثورة بل معركة قوية سيسقط على إثرها ضحايا..
وصل الى جهة المصعد ثم ضغط بقوة على ازراره مرة تتلوها المرة..
" هيا ايها المصعد اللعين.." قالها بغضب شديد وهو يضرب بابه بشده فلو انه ليس مصنوعا من المعدن فقد يتكسر جراء ضرباته المدوية..
ثم اتجه بنظره الى اللوحة التي تعرض ارقام الطوابق الذي يجتازها المصعد..
" تباا.." فكانت اللوحة يظهر بها الرقم 6... زفر بحراره واتجه بعدها نحو الدرج الجانبي.. ليبدأ الصعود.. درجتين درجتين.. مسرعا يتلاحق نفسه الساخن وكأنه تنين يخرج نيرانه.. فيبهط صدره ويعلو..
وصل الى الطابق الذي تتواجد به غرفة والدته.. فمن المؤكد ان جيداء هنا... سار في رواقه الذي تتلون جدران بلون الازرق.. مضربا هائما يكاد قلبه ينفجر غضبا وتقتلع جذوره من مكانها كحمم بركانية تنشق من فوج الارض لتنتطلق في مسيرها عابرة فوهة البركان وتلقي بقذائفها حوله..
واشتد به الغضب وشعر باختناق يجوب صدره ويضغط عليه فيكتم انفاسه... عندما لم تكن تجلس بالممر ولا بداخل الغرفه..
اخذ نفسا قويا.... ثم اتجه بخطواته مبتعدا عن هذا الطابق حيث الفناء الخلفي للمشفى فقد تكون متواجده هناك...

جال بنظره ثم وقعت عيونه الملتهبة عليها.. تجلس على احد الكراسي الخشبية تشرب كوبا من القهوة شاردة الذهن.. تقدم منها كقنبلة على وشك الانفجار.. ثم صرخ بأعلى صوته.. و شعر بأن حباله الصوتية قد انقطعت وكأن سكين حاد قد اخذ ينحر اعصاب حنجرته.......
" جيدااااااااااااااااااء.."

**********
انتهى الفصل التاسع
أتمنى ينال اعجابكم، واشوف تعليقاتكم اللطيفة عنه
وتوقعاتكم
واسفة جداً جداً على التأخير،
نلتقي خلال أيام الاسبوع بفصل جديد ان شاء الله






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-19, 06:52 PM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//


" فلا البعد يعني غياب الوجوه ولا الشوق يعرف قيد الزمن "
- فاروق جويدة



(10)





اخذ نفسا قويا.... ثم اتجه بخطواته مبتعدا عن هذا الطابق حيث الفناء الخلفي للمشفى فقد تكون جيداء متواجده هناك...
جال بنظره ثم وقعت عيونه الملتهبة عليها... وفعلا قد صدق حدسه... حيث كانت تجلس على احد الكراسي الخشبية تشرب كوبا من القهوة شاردة الذهن.. تقدم كقنبلة على وشك الانفجار.. ثم صرخ بأعلى صوته.. و شعر بأن حباله الصوتية قد انقطعت وكأن سكين حاد قد اخذ ينحر اعصاب حنجرته.......
" جيدااااااااااااااااااء.."..

شهقت بقوة وانسكبت القهوة من يدها جراء صرخته التي انطلقت كقنابل نووية اطلقت على وجه الارض... والناس من حولها ينظرون باستغراب.. تقدم لها كرياح هوجاء ستدمرها لا محاله.. ازدردت لعابها بخوف وبتلعثم واضح " ماذا هناك يا رائد؟!"
زفر بقوة ثم رمقها بنظرة قاسية وهو يشد على يده " من دفع تكاليف الطبيب؟!"
اتسعت عيناها وارتعدت اوصالها ثم بعثرت نظرها وقالت محاولة اخفاء ربكتها " لقد قمت اناااا...."
انطلقت من صرخة تعبر عن قهره " كاذبه.." ثم القى بالبطاقة قهرا على الارضيه امام عيونها المذهولة....
صر على اسنانه ثم " و هذه البطاقة؟!"
اطرقت جيداء رأسها وقد تجمعت الدموع في عيونها لا تدري ماذا تقول او تفعل في هذه الحالة التي تشهدها لرائد... ثم شعرت بيده تكبل يدها بألم شديد.. اغلقت عيونها بألم وقد انحدرت بضع دمعات من مقلتيها..
وبحده وبصوت اعلى من ذي سبق " أجيبي..."
" والدي..." اجابته جيداء بألم....
لوى فمه بضيق " اعلم... ولكن أي واحد منهما... ( افلت يدها) هل المحامي ام صاحب الشركات؟!"
ثم اكمل بلهجة ساخرة " مع ان مصدر اموالهما واحد.."
اخذت نفسا عميقا ورفعت رأسها باضطراب والتقت عيونها الحزينة المتأسفه بعيونه العاتبة ثم تسائل بضعف وهو يجلس على المقعد " لماذا يا جيداء..." اخرج تنهيدة وسارت هي وجلست بجانبه بتردد ودموع متزاحمه تود الخروج لذكريات الماضي..
أكمل بعتاب وهو يديرها ناحيته " لماذا تحيكين الامور من دون علمي، لم أعد أريد مساعدته أبداً ألم أقل لك؟ .."
" لأنك لن تستطيع دفع تكاليفها..." جيداء بصوت مختنق
تنهد رائد ثم وضع يده خلف ظهرها واسندت رأسها على كتفه حتى تخفف آلامها
" ولكن الجمعية النسائية ما زالت تدفع للعلاج.."
" الجمعية الخاصه بجدة ريم لن تتكفل جميع التكاليف.. لن تستطيع يا رائد.."
تنهد رائد ثم قال بحنية " لكن ما كان عليك ان تخفي عني مثل هذا الامر.. " صمت قليلا ثم اكمل بألم يعتصر داخله كسموم قاتله انتشرت في كامل الجسد وجعلته يأن ويصرخ " انت تعلمين ما عانيته من قبلهم.. ألا يحق لي..."
قاطعته بحدة " هل تعتقد ان ألمي هين وايسر من ألمك... (ثم بضعف ) انت يتواجد لك عائلة اما انا لا اعلم الى اي عائلة انتمي"
تنهد دافعا ألمه خارجا وفاض على هيئة عبارات " انا فقدت والدي.. مرضت امي من بعده.. قمت بتأجيل دراستي.. عانيت المرض مع امي.... عشت معها آلامها ضعفها.. كلما كانت تتألم أتألم داخلي ملايين المرات..."
ابتعد عنها وهو يقف شاعرا بحرارة انفاسه وضيق في صدره واكمل بصوت مختنق " هل تعلمين ما هو اصعب من الفقر... العجز.." صمت .. وبعد ان اخذ نفسا قويا " العجز امام مرض امي.. وامام متطلبات الحياة المعقدة... عدم القدرة على جني المال الكافي لإعالة العائلة..."
" ولكن هذا ليس كما باعني وتخلى عني... لقد حرمني منه لسنين طويلة.." كتمت شهقتها ثم اشارت الى صدرها " ان داخلي يتألم كثيرا يا رائد.. انت لم تصحو يوما وتجد انك في عائلة لا تنتمي اليها.. تتواجد فيها كبضاعه تم شرائها من السوق.. كإنسان يتيم.."
صرخ بها " هذا لا يعني ان تأخذي منه مالا للانتقام.. حتى تشفي حقدك عليه..."
نظرت اليه بذهول ودموعها منطلقه في مسيرها مهاجرة من عيونها ثم اندفعت نحوه صارخة امام مرأى الجميع " هل تعتقد اني طلبت المال من ذلك الحقير الذي يعتبر نفسه والدا بعد سنين.. هل تعتقد انه يمكنني ان أتخلى عن ألمي بمجرد مال اخذه منه..."
" اهدأي يا جيداء.." رائد محاولا ترويضها ولكنها ابتعدت عنه بانفعال شديد ودموعها المنحدرة على وجنتيها " لم اطلب المال من عمك البليد ذاك.. لم اطلب من مَن باعني حتى لا اخذ من الإرث قطرة واحدة.. ولا الذي حرمك من نصيب والدك في الشركة داعيا مصلحتك.. ( ثم بتهالك على المقعد) لم اطلب منه يا رائد..."
جلس بجانبها بضعف شديد يشعر بحرارة تسري سائر جسده.. فلم يكن رائد هو الوحيد الذي عانى من جبروت عمه.. بل ها هي ابنته جيداء قد عانت من قسوته وظلمه..
باعها لأحد معارفه بعد ولادتها.. فأما أمها قد توفت مباشرة بعد ميلادها.. كانت تعاني اثناء فتره الحمل ضعفا بالقلب.. وبعد ولادتها نقلت على اثرها الى العناية المشددة ولكن باغتها الموت تاركة خلفها ابنتها التي لم ترتوي بحنانها وعطفها... وزوجا خلع عنه رداء اللين والطيبة مرتديا قناع القسوة والظلم..

يراها تكفكف دموعها حتى تبدو قوية معتمدة على نفسها.. فمنذ ان علمت بأمر احتضانها لعائله لا تمت لها بصلة اصبحت تلك الفتاة القوية التي تعتمد على نفسها... اكملت اعوامها الدراسية بعد صدمتها .. حيث اضطرت بعدها للمكوث في مدرسة داخلية ترعاها الدولة.. ولكنها ما زالت تشعر بمشاعر المحبة والانتماء للعائلة التي قامت بتربيتها...
تحدث رائد بانزعاج " ولكنه يعمل معه يا جيداء.. يعمل مع عمي!!"
جيداء بضيق كبير " هل تعلم يا رائد.. برغم انه ليس والدي الحقيقي.. ولكنه اشعرني حقا انني ابنته طوال السنين.. لم يبخل علي بشيء ابدا.. حتى بعد دخولي المدرسة الداخلية كان يصر على رؤيتي كثيرا.."
تنهدت ثم اكملت وهي تنظر اليه " انه المحامي الخاص به.. يعمل مع عمك لانه تحت تهديده وسيطرته.. لقد قام بأعمال دنيئة فقط من اجل ان يبقيني معه.."
هز رائد رأسه بقله حيلة وغضب.. فأردفت جيداء " اتصلت صباح اليوم.. عندما رأيتك غير قادر على سداد المبلغ.. فلا مالي يكفي ولا مالك ايضا.. وايضا.."
قاطعها رائد " ولا استطيع ان اقترض من احد اخر..."
" لذلك قمت بالاتصال به.."..
أومأ رائد رأسها متفهما فأكملت جيداء بغصة كبيرة " عندما اخبرته اني بالمشفى قدم فورا.. رأيت الخوف بعيونه.. حالما ينظر الي بعيون مليئه بالمحبة اود ان انسى الماضي.. ( تنهدت ) عندما علم بأمر والدتك.. لم يتقبل في البداية ولكنني شعرت بقسوته اليوم وانه اخذ الصفات السيئه من عمك..."
لوى رائد شفتيه بسخرية وقال " ووالدك البيولوجي ايضا..."
نظرت اليه جيداء وقالت بحسرة وألم " والدي البيولوجي.. الذي باعني..." نفضت رأسها ثم اكملت " عندما علم بحالة والدتك تردد بالمساعده.."
" خوفاً..."
أومأت جيداء رأسها " اجل.. ولكنني قمت باقناعه بطريقه ما ورضخ بالنهاية..."
زفر رائد بحرارة ونظر اليها بوجوم.. انه يحزن عليها اجل.. على حالها.. ولكن هذا لا يعطيها الحق بأن تقوم بخداعه بتلك الطريقة.. انه لا ينكر انها قامت بذلك من اجل مساعدته ولكن... لا يتقبل تلك المساعده.. انها من شركة عمه... عمه الذي تخلى عن الجميع لأجل طمعه وجشعه.. واستولى على أملاك العائلة جميعها...
خرج من تلك الذكريات التي رآها كشريط مصور على جيداء التي قالت بعتاب قبل انصرافها بسرعه " انها المرة الاولى التي اطلب منه المساعدة يا رائد.. وكل هذا لأجلك.."
قال رائد بضعف " جيداء.."... ولكنها لم تستجب.. بل ابتعدت وابتعدت.. ثم احاط رائد رأسه على يديه بتعب شديد..

*********************
ذكرى من عبق الماضي... ♥
في احدى الليالي بقرية صغيرة جنوب فرنسا.. بدأ قدوم فصل الشتاء بثلوجه وعواصفه.. وتدريجيا مع كل يوم يمر خلت الطرقات والحقول واوديتها من العاملين من الطبقة الكادحة... فلزم سكان هذه القرية أكواخهم وبيوتهم البسيطة... يقضون أيامهم بجانب الموقد لعله يدفع فيهم الشعور بالدفء.. وتوالت الايام وانقضى كانون الاول.. وانطوت صفحة السنه التي قبلها.. وبدأ العالم أجمع بعام جديد.. وتزينت الطرقات والبيوت بأشجار الزينة واحتفلوا ببداية عام جديد مع التمنيات الجيدة...
وفي كوخ صغير ينطلق من مدخنته ذلك الرماد ليمتزج مع حبات المطر الساقطة من السماء.. جلست تلك الطفلة بملابسها الصوفية الثقيلة شديدة السواد تحاكي ضفيرة شعرها السوداء التي امتدت على ظهرها النحيل.. بجانب الموقد ممسكة بأقلام التلوين الخاصة بها وأمامها العديد من الدمى المختلفة تحاول بيدها الصغيرة نقل صورتها طبق الاصل على ذلك الدفتر الكبير.. ومعالم وجهها تدل على الاصرار اذ انتقلت الى الصفحة التي تليها عندما اخطأت رسم عين تلك القطة...
قالت بضجر بصوتها الطفولي " لماذا لا استطيع رسمه.." ثم بغضب قذفت ذلك الدفتر جانبا وكتفت يديها ثم قوست فمها دليل على عدم الرضا...
وبعدها بدقائق انطلق صوت من خلفها " ماذا تفعلين؟!"
صرخت باندفاع "أمي..وأخيرا استيقظيتِ؟!"
جلست تلك الامرأة بجانب ابنتها على الارضية ببطء شديد وثم اخذ سعالها يخرج من جوف حلقها بشدة.. واهتز جسدها النحيل كما لو ان زلزالا قد الم بالمنطقة..
نظرت اليها طفلتها بحيرة وشبكت اصابع يدها اليمنى باليسرى.. ابتسمت والدتها ومسحت على شعرها بحنان "أنه منتصف الليل.. لماذا ما زلت مستيقظة؟!"
اجابتها وهي تسقط بين احضانها وكأنها تريد حنانا منها وعطفا " انتظر ابي؟! لقد تأخر.."
ازدردت لعابها لعلها حلقها الجاف كالورق يرتوي " انه يعمل في مكان بعيد.. سيأتي بعد قليل.."
تنهدت الصغيرة ثم ارتعدت بخوف وهي تتشبث بأمها على اثر ذلك الصوت... حيث توارى النور الضئيل في الانحاء وغمرت الظلمة المكان... وبدأت الثلوج تنهمر بغزارة..
مسحت على شعر ابنتها بحنان وانحدرت دمعه من مقلتيها لتقول وهي تشعل بخلايا رئتيها تقتلع من مكانها " هيا الى النوم يا عزي.."
وقبل ان تكمل جملتها بصوتها الواهن وقد تخلل كلماتها السعال من جديد.. انطلقت صرخة من هذه الصغيرة اثر سماعها صوت العاصفة وكأنها تطلق صفيرا قويا ثم تسارعت بقوة ملعلعة بصوتها من اعالي الجبال فترتعش لهولها الاشجار وتنتفض منها القلوب مرتعبه..
احتضنت طفلتها الصغيرة التي تنتحب من خوفها وذعرها تشبثت بوالدتها تختبئ بين أضلعها كأنها الحصن المانع من تلك العاصفة.. احتمت في دفء قلبها الابيض وكأنها الآمان الذي سينجيها من هول تلك العاصفة.. فالأم هي مصدر الحنان والعطاء بلا مقابل.. هي الجندي المجهول الذي يرعى ضعفنا.. ويحاول بما يستطيع ان يبعد الآلام التي زرعها الزمن بداخلها.. فهي صمام الامان.. هي العطف.. وهي منبع العطاء هي الحب الحقيقي....
وفي لحظة ما هدأت تلك العاصفة وكأن السماء عانت من ألم ما فأطلقت أنينها على هيئة صرخاتها المدوية في تلك الليلة.. الى ان خف ذلك الألم بعد أن مر الوقت واكتست البقاع كعروس تزينت بذلك الرداء الأبيض تعانق الأرض كعناق المشتاق لحبيبه.. تجمعت قطرات الثوب المتجمدة وتشابكت لتصبح كالبلورات الماسية منها ما غطت الطرقات والبيوت..ومنها من زينت الأشجار والبساتين... وظلت الارض على حالها مكتسية ثوب الوقار الى ما بعد يومين...

أنت أنينا خفيفا وتلوّت ذات اليمين وذات الشمال... امام صديقه والدتها وهي تمشط خصلات شعرها.. حيث شبهتها تقتلع شعرها من جذورها كآلة حصاد القمح... وضعت قمر يدها على رأسها وقالت " انه يؤلم.."
صديقة والدتها والاستياء بادٍ على تقاسيم وجهها " ولكن خصلات شعرك متشابكة.. تحملي قليلا.."
قوست فمها وبريق الحزن في عيونها العسلية الصغيرة وبصوت واهن قالت والدتها من خلف تلك الكمامه " لا تتعبي خالتك يا قمر.."
اذعنت قمر لوالدتها المريضة ثم بدأت بالعبث في أقلام التلوين كعادتها حتى تتناسى ذلك الألم..
وبعد ان شعرت قمر بأن صديقه والدتها انتهت من شعرها ابتعدت قليلا عنها وبدأت برسم صفحة اخرى.. ثم سمعتها تسأل والدتها " متى سيعود زوجك يا رؤى.. لقد اطال المدة في العاصمة.."
أجابتها رؤى بصوتها الضعيف " لقد اتصل بي.." ثم اخذت نفسا عميقا و " بسبب العاصفة الثل..."
وقاطع عبارتها سعالها القوي من جديد.. نظرت قمر الى والدتها بضعف سرعان ما صرخت بحماس شديد ورمت ما بيدها أرضا بعد سماعها رنين جرس المنزل " أبييييي... لقد عااد.."

قالت رؤى بضعف بعد اختفاء قمرها " اشعر اني قاربت على فراق الحياة.."
امسكت صديقتها بيدها " لا تقولي هكذا يا رؤى.."
أحنت رؤى رأسها وتجمعت الدموع في عيونها " ألا تتذكرين ما قاله الطبيب.." صمت قليلا ثم عضت على شفتيها ألما بعد سماعها ضحكاتهم الآتية من الخارج وأكملت بضعف شديد " التهاب رئوي حاد.."
" ربما ستجدي الأدوية نفعا وتشفين.. ثم بعد ذلك.."
قاطعتها رؤى بخيبة أمل " صدقيني لقد تأزم وضعي كثيراً.. ليس لي نجاة من هذا المرض.."
وما كان من الأخرى الا ان زفرت بعمق ثم وجهت نظرها حيث النافذه " ولكن قمر ما زالت صغيرة..."
وجهت رؤى انظارها حيث النافذة هي الاخرى ورأت قمر تلهو وتلعب مع والدها بسعادة كبيرة وبصوت متحشرج " انها تحتاج الى رعاية كبيرة.." صمتت قليلا حتى تلتقط انفاسها ثم أكملت بغصة ودموع عالقه بين جفونها " وانا لم تعد لدي المقدرة على رعايتها.."
نظرت اليها صديقتها واكتفت بالصمت امام السعال الذي انتابها على حين غرة.. ثم نظرت ناحية زوج رؤى تنهدت ثم اعادت بصرها الى رؤى..
" ان وجودك بجانبي يزيح عن قلبي الهم.." رؤى بابتسامه خافته صمتت قليلا وابتسمت صديقتها وكلها امل ان تصل الى مسامعها الكلمات التي ستحقق مرادها بالمستقبل..
اردفت رؤى بعد صمت عندما شاهدت صغيرتها تنفض عن ملابسها بلورات الثلج " حيث تكون قمر تحت جناح رعايتك.. اشعر انها بأمان.."
ابتسمت رؤى بألم وفي جعبتها حديث تحاول في داخلها تركيب حروفه.. وهي في هذه الحاله من الارتياب والألم.. كانت صديقتها متلهفة لسماع تلك الكلمات التي ستخرجها من مستنقعها مستقبلا بعد موت رؤى... ثم اقتربت يد رؤى الهزيلة المرتجفة وقالت بقلب محترق اصبح رمادا بعد هذه السنين " واتمنى ان تبقى تحت رعايتك بعد موتي..."
ابتسمت داخلها ولكن قالت بأسف " أحب علي ان اقوم برعايتها.. ولكن زوجك ألن...."
قاطعتها رؤى " انه مطلبي الوحيد فقط من اجل قمر.. ثم..." سعلت فجأة وبعد ان هدات نوبه السعال أكملت بوهن " لا تقلقي بشأنه.."
وقبل ان تعبر صديقتها الوهميه عن مشاعر مزيفه كعلاقتها مع رؤى.. دخلت قمر باندفاع غير ابهة بشعرها المليء بقطرات الماء وبعض ذرات الثلج العالقه به... جثت على ركبتيها بعد وصولها حيث والدتها ورفعت ذلك الكيس البلاستيكي الشفاف اما انظارها المتألمه " انظري ماذا احضر لي ابي.." ثم التفتت الى والدها الذي دلف من بعدها " لقد نسيت اسمه.."
ابتسم لها بحنان واقترب منهم " اسمه بينوكيو.."
أومأت رأسها " أجل.." ثم نظرت الى دميتها الجديدة و اخذت تعد على اصابعها احرفه.." ب..ي..ن..ي.." هزت رأسها نفيا ثم عادت من جديد " بينو.. ك..يا.."
وبعدها باستياء " كيف يلفظ اسمه..."
ابتسمت صديقه رؤى فقد وصلت الى مبتغاها وأي شيء يعبر عن حالتها الان فقط ستصبر الى ان يئول برؤى الموت..
نهضت من مكانها فاسحة لزوجها المستقبلي ( والد قمر) المجال للجلوس بجانب زوجته وقالت لقمر " انه بينوكيو..."
مطت قمر شفتيها اللتان بلون التوت " ولكنه صعب.."
قال ولدها " هيا اجلسي بجانبي ولنتفق ان نطلق عليه اسما يليق بمقامه وبلسانك.."
ابتسمت قمر ثم نهضت مسرعه وجلست بجانب والدها بفرح كبير.. ثم بدأ نقاش الأب مع ابنته حول ذلك اللقب الجديد لدميتها امام انظار رؤى الحزينة ودموع قلبها بدأت بالنزيف منذ ان علمت بأمر مرضها حتى ذلك الوقت.. وغيمة من مشاعر احاطت بها تخفيها بين اضلعها.. ثم ادارت وجهها لتلك الصديقة المزعومة المطرقة رأسها وكلها ثقة بانها ستكون الآمان لابنتها من بعدها....
ولكن رؤى لم تدرك تلك المشاعر المخفية في قلب المدعوة صديقتها واكتفت بمشاعر ظاهرة وهمية .. حيث ابتسمت بانتصار من داخلها وكلها رغبة بالقيام بشيء مختلف يناسب مزاجها ومكرها.. لذلك..
" اين الكاميرا.."
نظر اليها والد قمر بعدم فهم ثم من بعده رؤى..
اكملت " اريد ان التقط لكم صورة.. ( وبمكر) للذكرى.."
ابتسمت رؤى بألم واشارت الى احد الاركان... واتخذ ثلاثتهم وضع التصوير وال ابتسامه على وجوههم..
وأيضا رؤى هنا لم تستطع تفسير الابتسامه ابتسامتها التي انطلقت على وجه المدعوة صديقتها بعد ان التقطت الصورة التذكارية لهم...

لو يعود الزمان يوماً.. و تبلغي من المرض اشده..!!
لو لم تستلقي بسلام تحت حفنة التراب بعد شهور من ذلك اليوم يا رؤى!!
لو علمت فقط ان الالم سيكون رفيق ابنتك من بعدك!!
لما جال بذهنك ذلك الطلب وما كنت ستطلبين منها الاعتناء بقمرك!!
ولكن حال خريف عمرك قبل ان تكشفي نواياها!! واختفت الابتسامه عن وجه قمرك الوحيد!! وعانت ألمها،، سقمها،، دمار قلبها لوحدها!!
ولكن لا يمكن لأي احد الهروب من القدر الذي ينتظره.....
وبالتوجه نحو الطائرة التي ستحلق بنا بعيدا للخروج من ذكريات الماضي العتيقة... حيث الغرفة متوسطة الحجم.. المليئة بالاوراق وبعض اللوحات.. اخرجت قمر تلك الصورة التي هربت معنا من الماضي الأليم...
وثبتت الصورة بدبوس صغير اعلى اللوحة.. ثم اتجهت الى احد الجوارير اخرجت منه علبة الوان الباستيل وبعض الاقلام..
توجهت فيما بعد وجلست على الكرسي واخذت تلك الاقلام ذات اللون الخفيف.. وبدأت بنقل التفاصيل الاساسية من الصورة الى اللوحة...
*******

حيث الفناء الخارجي.. وتحديدا على اطرافه الخارجية المطلة على الشارع الرئيسي.. وقفت سيارة التاكسي الصفراء ثم ترجلت منها ريم بعد ان شكرت السائق.. توجهت حيث البوابة الحديدة.. فتحتها ثم دلفت للداخل...
وهي في طريقها العشبي لمحت رامي يتحدث الى الهاتف يبدو عليه الارتباك... وبرغم انه معطيا اياها ظهره الا انها تعلم انه يضع يده اعلى رأسها عند ارتباكه.. ابتسمت بسخرية اذ تأكدت انه يجاري احدى الفتيات.. تقدمت ببطء وحاولت قدر الامكان ان لا تصدر اي صوت...
ولم يتبقى الا مسافه قصيرة حيث خرجت عبارة رامي " هل تعلم ان هناك من يشتاق اليك كثيرا.."
كتمت ضحكتها ثم اقتربت منه وصرخت بجانب اذنه مع انها لا تعلم من على الطرف الاخر
" اجل.. هناك من يشتااق... ( وهنا صرخت بقوة..) انااا..."
شهق رامي بخوف واضطراب.. وشعره بأن اذنه ثقبت من صراخها.. بينما اكتفى الطرف الاخر بأن انطلقت ضحتكته..
ابعد رامي الهاتف عن اذنه وقال بانزعاج لريم " على سبيل المثال ان كنت احادث احد معارفي..."
رفعت احدى حاجبيها وقالت " بما انه على سبيل المثال.. اذا انت تتحدث مع شخص من العائلة..."
اكتفى بالصمت بينما هي اكملت بمكر " ثم انك لا تتحدث مع معارفك في المنزل.."
قاطعها " لان هناك فضولية مزعجه.."
هزت رأسها نفيا وقالت بسخرية " لانك تحادث فارسات احلامك.."
" ها ها ها.." رامي باستهزاء..
شعرت ريم بالغيظ ثم قالت " على سبيل المثال.. ( ثم اخذت تفرد اصبعا اصبعا.." هناك رانيا... وسميه.. ممم رؤى أيضا.. إيلاف.. سيدرا.."
صمتت قليلا ثم نظرت الى هاتفها الذي اعلن عن وصول رساله.. وبينما هي تنظر اليها ارجع رامي الهاتف الى اذنه وقبل ان ينطق متأسفا لذلك الشخص الذي اعتبر صمت ريم وكانها تفكر بمن هم الفتيات اللواتي نلن مكانه في قلب رامي الخادع..
صرخت ريم بعد رؤيتها الرسالة " اااه قمر..." ثم ولت هاربه حيث الداخل.. غير مدركة لرامي الذي قطب جبينه استغرابا بعد ان سمع تمتمات من الهاتف..
نظر اليه واذ بالطرف الاخر قد اغلق منهيا المكالمه بعد ان رمى كلمات الوداع.. ثم اتسعت عيناه لادراكه السبب وقال وهو يشد بقبضته على هاتفه
" سيكون على يقين الان من سذاجتك يا ريم بأني احبها..."
ثم مضى بطريقه نحو المنزل...

وعلى عتبات السلم داخلي.. كانت تصعد ريم بسرعه كبيرة متجهة نحو قمر... هرولت بسرعه نحو غرفتها.. طرقت الباب ثم على الفور ثم قامت بفتحه ولكن غرفتها كانت فارغه كالعاده.. علت تقاسيم وجهها خيبة الامل.. تنهدت ثم اغلقت الباب.. رمت حقيبتها على الأريكة الفردية الموجودة بالممر ثم توجهت خطاها خارجه منه بفتور كبير... واستادرت بجسدها ناحية الدرج المؤدي الى الطابق الثالث..
" اهلا وسهلا بابنتي العزيزة.."
التفت ريم حيث والدتها المستعدة للخروج وبابتسامه " اهلا امي.."
تقدمت والدتها مرتدية ذلك البنطال وقميصا أبيض اللون وقالت باقتضاب " هيا تجهزي.. نحن مدعوون على العشاء.."
ريم بخيبة أمل " حسنا.. دقائق وأكون مستعدة..."
ابتسمت والدتها وقالت " لا تتاخري.." ثم مضت بطريقها نحو الطابق السفلي.. ومن بعدها ريم التي عادت ادراجها نحو غرفتها وهي تشعر بالضجر والملل فمهما حاولت الرفض فستكون لها والدتها بالمرصاد.. لذلك اختصرت الطريق الطويل للجدال بأن وافقت..
********
اما من كان يتحدث مع رامي قبل دقائق.. اغلق هاتفه بعد ان القى كلماته باقتضاب..
قال والشرر يتطاير من عينيه كلهيب النار " اذا تحبها يا رامي.."
وسار بطريقه خارجا من مبنى المطار.. وصل سيارته وركبها..ثم رمى هاتفه بغضب كبير... ادار مقود السياره و سار بطريقه غاضبا وما دل على غضبه طريقة قيادته المتهورة وعجلات سيارته تصدر صوتا باحتكاكها مع ارضيه الشوارع الاسفلتيه.... وبعد طريق طويل أوقف سيارته بطريقه جنونية قريبا من مقهى صغير يطل على الساحل... ومن داخل سيارته نراه يشد بقبضتيه على المقود وعروقه قد برزت من شده الغضب.. اما عيونه الرمادية قد تطاير الشرر منهما و اصبحتا كشعلتين حمراوتين.. وتقوس حاجباه كسيفين قاطعين... اسند رأسه على المقود وتلاحقت انفاسه.. بين زفير وشهيق متتاليين.. تخرج انفاسه حاره تتضارب بالمقود فتعود بطريقها اليه وتلفح وجهه الناري...ثم اغلق عيونه بألم... وقلبه يعلن ثورته على عقله ليقنعه بمشاعر الحنين والشوق والغيرة من جديد... وأخذ العراك المستمر بين عقله وقلبه محاولا أحدهما فرض سيطرته على الاخر الى ان اعلن القلب انتصاره في ساحه المعركة...
وحينها هدأت اعصابه وكأن القلب ارسل جرعاته من الحب ال سائر جسده فعاد الى حالته الطبيعية دافعا جم غضبه امام ما يترائى لذاكرته... وصوب عيناه ناحية صندوق السياره.. اتجهت يداه وفتحته بلهفة واندفاع شديد ليروي قلبه المشتاق... واخذ ذلك الالبوم الصغير... وبدأت يداه تقلب محتوياته..
وشعر برياح هبت في قلبه جعلته ينبض بحب امام شعرها المجعد يستقر على ظهرها النحيل يغطيه كما تغطي ستارة الليل السماء عند انسدالها.... تأمل الصورة بحب وشغف.. ابتسم وهو ينظر الى تفاصليها.. * يلعب بخصلات شعرها يتراقصان على انغام الموسيقى في ليلة الاحتفال بذكرى مولد ريم...*
تنهد ثم تامل شعرها من جديد.. وتذكر تلك القصيدة بعنوان (( يا ذات الشعر الأسود)).. كان قد قرأها على متصفح الانترنت ذات مره.. وفي كل ليله يعاود قراءتها وهو يتذكر قمره الوحيد الذي يستعلي سماء قلبه... وبدأت خلاياه العصبية بأوامر من قلبه بارسال اشارات للسانه بالحديث ليخرج صوته بنبرة يغلفها بحة جذابه.. واخذ يلقي كلماتها وهو ينظر الى الصورة بحب كبير...
القصيدة بقلم الشاعر: موسى يحيى صبري سورية (قامشلي)
يوماً مررت بدربي
فناداك قلبي وتحسر
قلت ليت: تصبحين الربيع في قلبي
تجعليه بستاناً تتمايل الفراشات على شعرك الأسود
أزهري قلبي
لأنه كان خريفاً صامتاً
أزهريه بخصرك بشعرك ببسماتك أزهريه
يا حلوة يا ذات الشعر الأسود
يوماً كتبت القصيدة
لأهديك أياها يا ربيع القلب
أرسلتها لبستان القلب
لكن القلب أبا ولم يقبل
قال لي: أعطها للربيع
الذي أزهر الخريف
في ضلوع الحجر
يوماً جلست عند شباكي أنطر
فمررت يا ذات الشعر الأسود

وقبل ان يكمل اطل من نافذة السيارة امرأه عجوز قالت بلكنتها الفرنسية " يا ذو العيون الرمادية.."
التفت لصاحبة ذلك الصوت وابتسم بوجهها " يا ذات الوجه الجميل.."
قهقهت بخفة.. وقال وهو يبعد الألبوم " هل تعلمين لقد اشتقت اليك كثيرا يا سالي.."
ابتسمت وقالت بعتاب " هذا لأنك لا تأتي كثيرا الى هنا.."
تنهد ثم ترجل من سيارته وترك بابها مفتوح وقال بأسف بعد ان قبل يدها باحترام " لقد مرت فتره عصيبة بالعمل؟!"
أومأت رأسها بتفهم ثم نظرت خلسة الى ذلك الألبوم وبمكر " من هذه يا معذب قلوب الفتيات..؟؟"
لوى شفتيه " فتاة واحدة.."
" هناك تفاصيل عشق جديدة على ما يبدو.." صمتت قليلا ثم اردفت " دعني ارى.."
هو رأسه ثم توجه بجسده حيث الداخل.. وناولها الألبوم فيما بعد...
بدأت تقلب فحواه وهي تتمعن النظر بصور تلك الفتاة وقالت بعد ان اغلقته
"هل تعلم يا مجد؟! برغم انك تأتي الى هنا ومعك الكثير من الهم والحزن بعكس الآخرين.. واني حقا اسأم من تفاصيل العشق المؤلمة الا انني أقدم لك النصائح.."
ابتسم بامتنان على هذه العجوز الطيبة.. وبادرته الابتسامة ثم قالت " لك شهر ونصف هنا أليس كذلك؟!"
" أجل.." قالها ثم اغلق سيارته وامسك بيدها " هل نذهب للجلوس يبدو انها جلسه حديث طويلة.."
ابتسمت وأكملا سيرهم الى ذلك المقهى امتلأ برجال ونساء من مختلف الاعمار يجلسون على طاولات وكراسي بلون السماء الصافيه.. ثم جلسا على احداها.. وطلبا القهوة لنفسيهما..
وبعد ان رشفت السيدة العجوز (سالي) القليل من القهوة قالت " انظر لي يا مجد؟!"
أكملت عندما رأته مستعدا للانصات " انت في فرنسا الان وهي في بلدك الاصلي.. نحن لا ندرك مشاعرها الى الان ولكن مشاعرك ندركها.."
قال بيأس " انها تكرهني.. لا بد انها سعيدة.."
هزت رأسها نفيا وقالت بابتسامه تشفي المرضى " انها تشعر مثلك بالتحديد وأكثر.."
زفر بحراره وقال " لا اظن.."
" متى سيستوعب عقلك ويتفهم الفتيات.." ثم فتحت ألبوم الصور على احدى الصور.. واشارت اليها..
" انظر يا مصيبة احلت علي هذا المساء.." قالتها بسخرية..
ابتسم بألم وهو يشاهد الصورة ذاتها.. ^^ تقف هي امامه تحيط ذراعيها بعنقه.. وأما يديه احداهما تكبل خصرها النحيل والاخرى تعبث بخصلة من شعرها المجعد.. وعيونه الرمادية مستقرة على عيونها العسلية..^^
قال مجد قبل ان يوجه يده نحو كوب القهوة الخاصه به " انها مجرد صورة لا أكثر.."
" ولكنها من أرض الواقع.."
ارتشف قهوته ثم هز رأسه نفيا غير مؤيد لها.. وكاد ان يفتح فمه حتى اشارت له بالصمت واضعة سبابتها امام فمها.. فلاذ بالصمت..
بينما أكملت سالي " انت تشبه البحر كثيرا.. وهي غارقة بك.."
أردفت عندما رأت الانكار بعيونه " البحر في فصل الصيف هادئ.. تتسارع امواج خفيفة رشيقه وتلاطم الصخور البارزة وتتراجع في انسياب.. اما في فصل الشتاء تثور ثورته.. وتتلاطم امواجه بشدة.. وتتجمع مزمجره ترميها الرياح الهوجاء بكل الاتجاهات.."
مجد بعدم استيعاب " وما شأن البحر الآن؟؟!"

ابتسمت سالي " لانك تشبهه.."
قطب جبينه باستغراب "كيف؟؟!"
تنهدت سالي ثم تحدثت " انت كالبحر.. جبار وعنيد حين غضبك.. وهنا يتحكم به عقلك.."
" حسنا.. اظن اني فهمت شيئا ما..!!" لوى مجد شفتيه بضيق ثم اكملت العجوز " تكون لطيفا و ودودا.. عندما تكون ساكنا ولينا.."
صمتت سالي قليلا ثم اردفت وهي تشير الى الصورة مرة اخرى " وهي في الحالتين غارقة بك.. تحتويها بسكونك.. وتغرق بك حين عاصفتك.."
اكتفى مجد بالصمت وهو يفكر بكل كلمة قالتها.. انه لم يستوعب من قبل ان تكون قمر تبادله ذات مشاعره.. واكدت ريم ذلك اليوم عندما كان يهاتف رامي.. ولكن قلبه لا يستطيع تخيلها مع رامي.. هي محبوبته له وحده... فرامي اللعوب لن يستطيع احتوائها.. هو فقط من يستطيع... ولكنه كلما يحاول ان يفعل ذلك يطلق سيوفه الحادة لتخترق قلبها الرقيق...

زفر بحرارة ورآها تقلب الألبوم.. اخذ كوب قهوته من جديد وارتشف منها القليل.. وصوب نظره امام الناس المتجمهرين في زاوية ما.. ابتسم بألم وهو يرى ذلك الشاب قد جلس على ركبة واحد ة وقدم خاتم الزواج لمعشوقته.. ادار جسده حتى يعود الى سالي ولكنها اختفت.. لم يعر الامر اهتمام فمن المؤكد انها انصرفت للاشراف على عمل المقهى... وضع كوب القهوة ثم اشاح وجهه الحجري ناحية البحر.. يفكر تارة بكلام سالي التي تحتضنه بكلامها ويؤثر به بالصميم..
وتارة اخرى بقمر.. وقلبه يفيض ألما.. تعود له ذكرياته معها من بداية عودته وحتى رحيله ووصوله الى فرنسا.. تذكر دموعها و ضعفها امام جبروته.. تذكر جميع التفاصيل.. مر شريط الذكريات.. ومع كل ذكرى يرتشف قليلا من قهوته وهو متسمر ينظر امامه....
لا يدري كم من الوقت مر الا على صوت النادل بعد استرعى انتباهه بهز كتفته بهدوء شديد..
" لو سمحت... سنغلق قاربت الى العاشرة؟!"
رمش مجد بعيونه الرمادية ثم نظر الى ساعته.. وكانت بالفعل تشير الى العاشرة الا عشر دقائق.. ابتسم للنادل واعطاه المبلغ المطلوب..
تناول الالبوم من على الطاولة.. وسار بذهن مشتت نحو سيارته... فتحها ثم دلف داخلها... اخذ نفسا عميقا ثم ضرب رأسه بقبضته اليمنى بعد ان ألقى الالبوم على المقعد المجاور.. " لماذا تفكر بها باستمرار... لماذا؟؟!"
ثم وضع رأسه على المقود بأسى محاولا ابعادها عن فكره وان لا تشغل ذهنه الى هذه الدرجة... وبعد صراعات داخلية مزقت انسجته وخلاياه ودمرت بقايا الأمل بأن تحمل له لو حتى ذرة مشاعر.. استسلم للنوم وغط في سباته العميق حتى ذلك الوقت....
والوقت الذي بدأت فيها النجوم تتلاشى وتنطفئ الواحة تلو الاخرى.. وبزغ الفجر من بعدها.. وتلونت البقاع وازهرت بعد ان طغى عليها السواد في الليل الموحش.. وفي هذه الاثناء انطلق رنين هاتفه المرة تتلوها المرة.. انتشل نفسه بصعوبة بعد ان اخترق صوت هاتفه رأسه وجعله يغلق مسارات الاحلام التي تود زيارته.... رفع رأسه عن المقود وهو يشعر بصداع خفيف لازمه لعدة دقائق بعد ان توقف هاتفه عن الرنين ثم اعتدل في جلسته واضعا يده على رماد عيونه حاجبا اشعه الشمس....
زفر بضجر وابعد يده عن عيونه بعد ان سمع رنين هاتفه يصر على ازعاجه مرة اخرى.. فمن ذا الذي يريد التحدث اليه في الصباح الباكر؟؟
كان قد القى هاتفه بالأمس بعد حديثه مع ابن عمه رامي.. فالتفت بجسده المتعب بسبب نومه بالسياره لناحية المقعد المجاور وانحنى نحو الاسفل كي يلتقطه.. وهو في مسار رحلته تلك توقف عن الحراك..
" يبدو ان سالي من وضعتها.." بعد ان لوى مجد شفتيه بسخريه بعد ان استرعت انتباهه تلك الورقه البيضاء.. منزلقه من بين ثنايا الالبوم الفوتوغرافي.. لم يعر امر هاتفه ابدا ولا المتصل اي اعتبار فعاد لوضعيته بعد ان اخذ ذلك الألبوم وفتحه على المكان الموجودة بها الورقة... ابعد الورقة من امامه.. وتأمل ملامحها القمرية من جديد...
" هل تحبينه يا قمر.. ؟!"
تنهد بتعب.. ثم أكمل بضيق " هل ستكون عيونك التي تقطر عسلا له وحده؟؟" واعقب قوله ان مرر بأصبعه على عيونها....
" لا أدري بأي لغات العشق استطيع ان اعبر بها لك.. اعبر بها عن سحر جمالك يا قمري.."
صمت قليلا وبصوت متحشرج ونبرة يغلفها الأم " بالتأكيد لا تعلمين عن ما يخالج نفسي من عذاب حبك وألم فراقك يا نرجسيتي.."
تأمل صورتها من جديد بحب وشوق كبيرين واكمل بعد ان ابتلع غصته والتي أملأت حلقه بالمراره " كنت اريد فقط القليل من التعبير عن مشاعر الحب منك.. كنت في اشد الحاجة اليك لتكوني موطني الجديد ولكن سدت جميع الابواب في وجهي وكأن الامل كان يتجدد مع كل يوم جديد ثم لا يلبث ان يتبخر كالضباب في طليعه الصباح التالي.."
ابتسم بمراره " منذ وصولي الى فرنسا.. وكلما امر في الطريق ابحث عن وجهك لعلي اراه في انثى تشبهك.. او اصادف احدا من اشباهك الاربعين ولكن كان علي أن ادرك قبل مغادرتي انك حقا تشبهين القمر.. فأنت فريدة من نوعك.. لا يتواجد من يشبهك.. تشبهين الجمال الذي يزين الارض ويلونها ويجعلها بأبهى حلتها.."
صمت واتكأ برأسه المتعب على المقعد اغلق عيناه و زفر بحرارة مطلقا براكين غضبه الى الخارج.. يحاول ابعادها عن تفكيره ولكن باءت محاولاته بالفشل.. فكلما يهرب منها يهرب اليها....
اتجه من بعدها بانزعاج لالتقاط هاتفه الذي انطلق رنينه المزعج مره اخرى..و بغضب انهى المكالمة.. ورمى بهاتفه باستياء على المقعد..
ثم فتح تلك الورقة البضاء المحتوية على كلام من السيدة العجوز سالي.. فكلما يشعر بحالة يرثى عليها تكون هي الطبيب المداوي لحالته... تذكره بحكمتها وتصرفاتها الحسنة بجدته.. وكم اشتاق الى جدته..
تأمل كل كلمة منها وصدره ينفث حراره الاشتياق.. الحب وكل المشاعر بين العاشقين..
( في عينيها حزن وفي روحها وردة لا تذبل.. انها تحب الحياه ولكنها حزينة.. كنت انت الحياه وحرر تلك الروح من احزانها... عد اليها.. عد للسفينه التي تبحر في قلبك.. وكن انت شاطئها وملجأها الوحيد بكل أحزانها يا مجد..)





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-12-19, 05:43 PM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//

هذا هو الحب.. أني أحبك حين أموت وحين أحبك أشعر أني أموت.
- محمود درويش



(11)




أطلق رامي تنهيدة تعبر عن يأسه من المحاولة.. ووضع هاتفه جانباً ثم قال باستياء " انها الساعة الحادية عشر وما زال لا يجيب على هاتفه.."
اومأت الجدة رأسها بهدوء.. وقالت ريم بنعاس وهي تدلف إلى الصالة مرتدية ملابس النوم " أنت تعلم مجد يا رامي لا داعي للإصرار.."
وخزتها الجدة بنظرة " ما زلتِ بملابس النوم.."
زفرت ريم ثم جلست بجانب رامي الذي يأكل قطع البسكويت " لقد اطلت السهر مع كمال.."
لوى رامي شفتيه بسخرية وقال " هربت الأميرة الجميلة من الامسية لذلك الكمال على حصانه الابيض.."
وخرج صوت كمال وهو يدخل مع ابتسامه " وما به هذا الكمال..؟!"
ثم توجه حيث الجدة ( السيدة زينب) قبل يدها وبادلها تحية الصباح..
همس رامي باستهزاء " لو أننا ذكرنا قطعا نقدية افضل.."
فضربته ريم بالمجلة بخفه وقالت بانزعاج " هلا تصمت رجاء.."
ابتسم رامي بسخرية بينما هي انشدت حواسها للمجلة وبدأت بقراءتها...
تساءل كمال بعد ان نظر الى ساعته الفضية " جئت لآخذ قمر معي الى المعهد.."
احتست الجدة من كوب الشاي ثم قالت " لا بد أنها تتجهز.. لما اتعبت نفسك بالمجيء الى هنا.."
" كنت بالقرب لذلك.."
قالت ريم وهي تقضم من قطع البسكويت " كما ما يحدث بالمسلسلات والافلام.." ثم اخذت تقلد لهجته وهي تصوب نظرها الى المجلة " كنت بالقرب.."
هزت السيدة زينب كتفيها بقلة حيلة ثم قالت " دعك من هذه المجنونة.."
فابتسم كمال.. وبينما بدأت الجدة بالحديث مع كمال حول أمور اعتيادية.. اقترب رامي من ريم وهمس لها باستهزاء " حتى جدتي تقول انك مجنونة.."
اومأت رأسها بدون اي اهتمام لسخريته ممعنه النظر في حروف المجلة.. عقد رامي حاجبية وتوجهت عيونه نحو الخبر..
" اذا انه زفاف مخملي.."
" اجل.." تفوهت بها ريم ثم وضعت المجلة جانبا..
تساءلت الجدة " هل ستذهبين.. فوالدتك ستذهب؟!"
هزت ريم رأسها نفيا وقالت بامتعاض "اطلاقا.."
رفع كمال احدى حاجبية " ولماذا يا بياض الثلج.."
" انها سندريلا.." رامي بسخرية وهو يحاول الاتصال بمجد من جديد....
اكتفت ريم برفع رأسها بغرور بينما تساءلت الجدة " حقا لماذا لن تذهبي.."
كادت ان تتفوه لولا ان سبقها رامي.. بعد ان نظر نظرة جانبية اليها " لانه منذ الصغر قامت العروس ريما بشد شعرها..."
اتسعت عيونها ثم نظرت اليه بوضعية الهجوم.. " حقا.."
اومأ رامي رأسه بسخرية لاذعه.. وكتم كمال ضحكته لوجه ريم الحانق من تصرفات رامي ثم قال " بياض الثلج.."
قاطعهم بعد ذلك قدوم الخادمة التي توجهت نحو الجدة وقالت " سيدة زينب.. المدير من المؤسسة على الهاتف.."
" حسنا.. قادمة على الفور.." قالت ذلك ثم خرجت تاركة خلفها المشاكسون كما وصفتهم في قرارة نفسها..
اما ريم ظلت ترمق رامي الغير مهتم للامر كليا وما زال يعبث بهاتفه ببرود شديد.. وببروده هذا قد قتل ريم.. فتفوه كمال بعد ان نظر الى ساعته " ايتها الاميرة الحانقة.."
قالت وهي لا تزال تجحد رامي بقسوة وغضب " ماذا؟!"
وعقب قولها دخلت قمر وعلامات الحيوية بادية على ملامحها " كم انتم مزعجين منذ الصباح الباكر.."
التفت كل من ريم وكمال الى مصدر الصوت.. وعلت الابتسامة وجهيهما... ثم رفع رامي رأسه ورفع احدى حاجبيه " الصباح الباكر اذا.."
تقدمت بهدوء " ايا كان الوقت.. انتم مزعجين على اي حال.."
قوست ريم فمها ببراءه " انه رامي.. يفتعل المشاكل ويشاكسني.."
نظر اليها كمال وابتسم بسخرية لاحظتها ريم فاشحت بوجهها كالاطفال مما جعله يضحك بخفة..
" دائما تخسرين.." رامي وهو يرفع وينزل حاجبيه باستهزاء
فأومأ كمال وقمر رأسيهما..
شهقت ريم ثم رمت الوسادة اتجاه قمر " في طرف من انت؟؟"
ضحكت قمر فأكملت ريم " حقا.. لنقل انهما اصدقاء طفولة.. وانت؟؟!"
ثم بدأت تفتعل الدراما وحركات مسرحية.. وخلال كلامها كان الضحك رفيق الثلاثي..
" هل انت ضد المرأة.. ( ثم وضعت يدها على فمها كأنها مندهشة..) هل تتأمرين ضد الفتيات..(شهقت ثم ضيقت عيونها وهي تشير بسبابتها الى كل من رامي وكمال) هل تأخذين دروساً خصوصية من هؤلاء الوحوش البشرية... "
عقد رامي حاجبيه وباستغراب " وحوش بشرية؟!"
اشارت له قمر بالصمت عندما وقفت ريم وبدأت تسير ثم قالت وهي تلتفت اليهم فجأة " هل حقا تتخلين عن انوثتك لتكوني يدا واحدة مع الاشرار؟؟ (ثم بحركة مسرحية وضعت يدها على رأسها وكأنها تتهالك..) يا الهي لا اصدق.. كيف لك هذا.."
اعتدلت في وقفتها فجأة وقالت وهي تغمز رامي " انظر الان.. انا سأفقد وعيي وانت ستأتي كالفارس المغوار وتنقذني من الوقوع.."
نظر الثلاثي الى بعضهما ثم اشار رامي بيده على انها مجنونة... نظرت اليه ريم ثم قالت " سأغض النظر على حركتك تلك.. لولا اني اقوم بحركة مسرحية لأريتك اللازم.."
اومأ رامي رأسها.. ثم قال كمال وهو ينهض " علينا الخروج الان.. هيا يا قمر.."
اومأت قمر رأسها وهمت بالنهوض.. ثم سارت بجانبه بعد ان ودعت ريم بابتسامه تشفي الألم.. وخرجا من المنزل ثم من الحي بأكمله..

عقدت ريم ساعديها بملل بعد ان جلست.. والتفت حيث رامي المشغول بهاتفه ورأته يحاول الاتصال بمجد مرارا وتكرارا
" لا يجيب اليس كذلك.."
نظر اليها رامي بعد ان يأس من محاولاته وهز رأسه نفيا وهو يعلم السبب... بسبب صراخ ريم باسم قمر البارحة.. زفر بحرارة فأي طريق سيسلكه للخروج من الشبهة هذه.. وكيف سيقنع مجد ذو العقل السميك بتلك المشاعر الاخوية بينه وبين قمر...
ثم التفت حيث ريم وقال بتوجس بعد ان تذكر شيئا ما
" ريم.."
"هممم.." وهي تقلب صفحات المجلة بضجر..
تنهد ثم قال بحدة " هلا تنظرين لي فقط لدقيقه.."
وضعت المجلة جانبا بحقد ثم صرخت " ماذا هناك؟!"
ازدرد لعابه ثم قال " تلك جيداء.."
ارتسمت معالم الحيرة على وجهها الابيض ثم قالت لتبدد الخوف الذي بدأ بالانتشار في جسدها " ماذا بها؟!"
صمت قليلا وهو يحاول ترتيب كلماته.. فقالت ريم بنفاذ صبر " ماذا هناك؟!" ثم ما لبثت ان شهقت وفتحت عيونها على اتساعها " اياك يا رامي ان تحاول الاقتراب منها.. اكتفي بعدد الفتيات اللواتي تحدثهن ليلا ونهارا.."
نظر اليها رامي باستغراب ثم قاطعها " توقفي قليلا.. ليس هكذا!!"
" اذا ماذا هنالك.."
ابتسم رامي " لا انكر اني اعجبت بها.. كل م..."
وقبل ان يكمل كلامه قاطعته ريم بحدة " اياك يا رامي.."
زفر بحرارة ثم قال بغضب " هل ستستمعين الي ام ماذا؟؟"
" حسنا.." ريم بانصياع
وبنبرة هادئة تحدث رامي " كل ما في الامر.. علق بعقلي شيء ما.." صمت قليلا ثم اكمل بتساؤل " ما صلة العلاقة بينها وبين رائد؟؟"
ريم بحيرة " يعتبرا ابناء عم!! لماذا سألت هذا السؤال؟؟"
" أليسا من عائلات مختلفة!!"
اومأت رأسها " اجل.. اظن انها قصه معقدة.. ولم ادخل بتعقيداتها.."
" فضولية بكل شيء.. باستثاءه هو.."
زفرت بحرارة ثم قالت " هذا لانه الموضوع خاص جدا.. لم يخبرني بتفاصيله.."
اومأ رأمي رأسه بهدوء.. اما ريم صمتت قليلا.. ثم " لماذا تسأل؟"
نظر اليها رامي بوجوم وهز رأسه " لا شيء!! هكذا.."
نظرت اليه ريم باستنكار وكادت ان تتفوه بشيء ما لولا دخول جدتها وهي تسألها " ريم.. ما هي صحة والدة رائد!!"
عاد رامي يعبث بهاتفه من جديد والتفتت ريم بحيرة الى جدتها.. فما بالهم تهافتوا بالسؤال على رائد جملة واحدة.. " بخير.. لقد استيقظت البارحة.."
اومأت الجدة رأسها بعد ان جلست " أجل اعلم.. أما كان من المفترض ان يذهب الى الشركة اليوم كما اخبرتني.."
ريم بخوف " لم يذهب؟؟"
هزت الجدة رأسها بلا.. بينما اسرعت ريم بخطاها الى غرفتها باضطراب شديد قبل ان تسمع اي كلمه من جدتها.. والتي منذ ان خرجت ريم نظرت الى رامي وسألت بقلق " لم يجب... اليس كذلك؟!"
رفع رامي نظره الى جدته " لا يا جدتي.."
ثم توجه ناحيتها وامسك بيدها " لا تقلقي فعمي وجدي على وصول كنت قد حدثت البارحة مجد بعد خروجه من المطار حتى يوصلهما.."
" اتمنى ذلك.."
ابتسم رامي لجدته وقبل يدها بحب كبير.. وبادلته الابتسامه وهي تمسح على شعره بحنان كبير.. ثم اتجه من بعدها الى خارج الصاله تاركا الجدة تغلي من قلقها وتتمنى السلامة لزوجها وابنها...

بينما ريم اتجهت بخطواتها نحو غرفتها تسيطر عليها مشاعر الخوف... وباندفاع اخذت هاتفها واتصلت به حالما دلفت اليها..
انتظرت بقلق وهي تسمع رنين الهاتف وتهز قدمها بتوتر.. ومن بين اسنانها " هيا اجب يا رائد.."
وسرعان ما سمعت صوته على الهاتف فقالت باندفاع وخوف " هل حصل شيء لوالدتك؟!"
تثائب رائد وبنعاس " لقد حصل شيء لي.."
شهقت برعب " ماذا؟"
اعتدل في جلسته وهو يدلك صدغيه " امي بخير.. انها نائمة.."
تنهدت براحة كبيرة واتجهت للجلوس على سريرها " وانت؟؟ هل انت بخير.."
" اجل بخير.. ولكنك ايقظتني..."
" انا متأسفه.."
ابتسم رائد " اذا صباح الخير ايتها المزعجة.."
" صباح الخير لك ايضا.. ولكن ألم تخبرني ان جيداء ستبقى عندها وانت ستذهب للعمل.."
زفر رائد بحراره عندما تذكر ما حصل ثم قال " اجل.. ولكن هذا ما حصل؟!"
عقدت ريم حاجبيها باستغراب " كيف؟؟ ما الذي حصل؟!"
نهض رائد عن المقعد الموجود بجانب والدته ثم اتجه بعدها خارجا الى الممر " سوء تفاهم.. ويعد شجارا ايضا.."
شعرت ريم بالحزن فأكمل رائد " لا تقلقي حيال الامر.."
" هل يمكن ان اكون فضولية وأتساءل عن السبب؟!" ريم وهي تتمدد على سريرها..
بعثر رائد نظراتها وقال بمزاح " وهل كنت يوما غير ذلك.."
اعتدلت ريم في جلستها ثم قالت بحزن مصطنع " لا ادري كم عدد الانطباعات التي اخذتها عني..."
" دعيني اقول لك اذا.."
" حسنا.. هيا اخبرني كلي انصات لك.."
ابتسم رائد وبحب كبير " ثرثارة.. مزعجة..فضولية.. تحبين التسوق كثيرا..تعشقين الافلام والمسلسلات..تحبين الرقص والموسيقى.. تعشقين الاكل بدرجة كبيرة.. ثم...ممم.. طيبة.. حنونة.. غير مبالية بدروسها.. تحبين الاطفال كثيرا..(صمت قليلا ثم) وهناك الكثييير.."
تنهدت ريم بحب وهي تستمع اليه.. تشعر حقا انه يهتم بتفاصيلها الصغيرة... وبين صفه واخرى تدخل في دوامة من الحب تأخذها وتسيرها نحوه.. تشعر بحبه يتدفق ويغزو جميع خلاياها بكل دقيقه تمر....
" حسنا يا رائد.. هيا نركز على الفضولية ونترك كل الصفات الان.." ثم بقلق " هل حقا هنالك شيء مهم يدعوك للشجار معها.."
تخللت يده خصلات شعره السوداء وقال " لا تقلقي.."
زفرت ريم " حقا يا رائد.. انت شخص كتوم جدا.. سابدأ اجراءات التحقيق مع جيداء اذا.."
" ان مررت الى المشفى اليوم احدثك عن الامر اذا.."
قالت باستياء " اليوم لا اظن.. لدى امي جدول من الاعمال قد اعدته لي ولها.."
وبخيبة امل قال رائد" حسنا لا بأس.. نتحدث بالامر غدا.."
ابتسمت ريم " حسنا.. سأكون في مكتبك غدا صباحا.. حضر لي ترتيبات الاستقبال وهكذا.."
"تأمرين يا سيادة الوزيرة.. هل من امر اخر؟!"
قهقهت ريم بخفة اضاعت عقل رائد " لا.. يكفي هكذا..." ثم نهضت وتوجهت حيث خزانة ملابسها وقالت بأسف " اعذرني الان... علي الاستعداد فجدول امي مشحون اليوم.. وما علي الا الانصياع لها بالرغم مني.."
" حسنا لا بأس.."
" الى اللقاء ايها الكتوم.."
" الى اللقاء ايتها الجميلة.."
وبعد ان اغلقت هاتفها وضعته ناحية صدرها.. ثم دارت حلو نفسها بسرعه وهي تهتف " احبه جدا.. احبه.."
اما هو فقد تنهد براحة كبيرة بفضلها هي.. وابتسامة اضاءت وجهه الجميل اخذت تزداد شيئا فشيئا وهو يردد داخله " ماذا استطيع ان افعل بدونك.."
وكأنه كما يقال.. على حين غره.. يدخل الى حياتك شخص ما.. من جماله واسلوبه.. لا تستطيع الادراك وتستهجن الامر انك كنت تعيش بالسابق بدونه.. وهذه المقولة تنطبق على كل من رائد وريم اللذان تتطاير فراشات الحب من حولهما وتغمرهما بسعادة لا مثيل لها..
***************
الساعة: الثانية عشر والربع..
اخذ يخطو خطواته بين الطلاب وهو يتحدث بنبره هادئة والجميع من حوله ينصتون اليه " حسنا.. لقد اجتزنا مرحلة جيدة في مدة شهر تقريبا.. وابديتم حسنا.. وقد تطورت قدرات الرسم..".. ثم اشار الى نفسه بغرور مصطنع " وهذا بفضلي.."
ابتسم الجميع له.. فأكمل كمال محدثا طلابه.. والذي يعتبرهم اخوه له واصدقاء " ولكن هناك البعض لم تتحسن قدراتهم بالمستوى المطلوب.. وهذا لا يعني فشلا منهم.."
اومأ الجميع رأسه بتأييد.. ابتسم كمال " حسنا يا طلابي الاعزاء.. اليوم وبعد ان تعلمنا اساسيات الرسم.." اتجه الى احد الاركان واخذ منه تحفة صغيرة.. ووضعها على منضدة مرتفعا بعض الشيء..
" انتم الان ستقومون برسم هذه التحفة.."
تعالت اصوات الاعتراض بعض الشيء.. ولكنه قال " ما المشكلة؟!"
تحدثت احدى الفتيات " انها صعبة.."
قالت اخرى " انظر يا استاذ.. يوجد فيها تفاصيل دقيقة جدا.."
بينما قال احد الطلاب اعتراضا " لا بأس بها.." نظر اليه الجميع باستهجان ولكن تحولت الى نظرات عادية بعد ان اكمل " ولكننا ننقل الصورة التي امامنا للمرة الاولى.. ألا نحتاج شيئا اسهل من هذه.."
هز كمال رأسه نفيا وقال بابتسامه مشجعة " انا اعلم الافضل لكم.."
احد الفتيان باعتراض " ولكن يا استاذ.."
قاطعه كمال بصرامه " هياا.. ساعتين لا اكثر.. ارسموا ما تستطيعون.."
قالها ثم خرج.. تاركا عددا من الطلاب يتأففون.. واخرين يتناقشون بضجر.. بينما قالت فتاه ما بجانب قمر " انه ظالم.."
ابتسمت قمر " كل ما في الامر انها تحفة صغيره.. لن نتقنها في البداية.."
" انا اقصد الساعتان اللتان سنقضيهما بالرسم.. " قالتها بملل وهي تثبت لوحتها..
" اسمك ليليان .. أليس كذلك..؟"
أومأت ليليان رأسها وهي تفتح علبة الالوان الخشبية.. " وانت قمر.."
" اجل.." قمر وهي تجهز ادواتها..
ثم نظرت اليها ليليان باستغراب " انتي هادئة جدا.. نادرا ما تتحدثين!! هل هذه معجزة الان!!"
ابتسمت قمر وقالت بعد ان صوبت نظرها نحو ليليان " لم اعتد على الحديث كثيرا.."
" اذا من اليوم ستعتادين على الحديث باستمرار.. ويضج صوتك في سائر البيت.."
قهقهت قمر بخفة وازاحت خصلات شعرها بعد انسدالها عن وجهها القمري... نظرت اليها ليلان وبعد تفكير " ستحتاجين غطاء لشعرك.." ثم فتحت حقيبتها المزركشة واخرجت منها قطعة مطوية من القماش الناعم.. نهضت واتجهت خلف قمر.. التي قالت باستغراب " ماذا هناك.."
" سأضعه لك.. لأجل شعرك.."
" لا داعي لذلك.."
اعترضت ليليان " لا...."
اومأت قمر رأسها بخجل ثم باشرت ليليان في عملها.. قامت بتعديل قطعة القماش وجعلتها على شكل مثلث.. ثم وضعتها على رأس قمر وارجعت خصلات شعرها الطويلة الى الخلف..
ابتسمت قمر وقالت بامتنان " شكرا لك.."
جلست ليليان " لا شكر على واجب... ثم هيا بنا نرسم.. ونتحدث ونحن كذلك.."
ابتسمت قمر وبادرتها ليليان الابتسامه الصادقة النابعه من القلب.. وانخرطا في الرسم والحديث الطويل.. وانتهت الساعتان بعد عناء طويل.. وانتشلت الفتاتان نفسهما من الحديث الطويل وعناء الرسم.. ثم خرجا من القاعه حتى يتجها نحو الخارج للمغادرة..
تساءلت ليليان " اذا انت تعملين وتدرسين في آن واحد؟!"
" اجل.. ثلاثة ايام لكل منهما.."
" ولكن هذا متعب.."
" لقد اعتدت على ذلك..."
" يبدو انك تحبين العمل.. وتنخرطين به وتكادين ان تنسي نفسك.. انظري كم انتي نحيلة.."
ابتسمت قمر.. وقالت ليليان " يبدو انه طبع من طباع عائلتك.. العمل.."
اومأت قمر رأسها بهدوء... وتذكرت ان العائلة جميعها تحب العمل من الكبير حتى الصغير.. جدها وجدتها.. اعمامها وابناء عمومتها.. ومجد ايضا كان ينزوي على نفسه ويعمل بجد.. حتى ريم ايضا ولكنها لا تحب التقيد بضوابط وشروط ومسئوليات...
اكملت ليليان بملل " انت لا تحبين الراحة مثلي.. انا هنا بفضل والدي.."
" كيف؟!.. ألا تحبين الرسم" تساءلت قمر باستغراب
تنهدت ليليان " لا.. ليس انني لا احبه.. ولكن هناك طموحات اكبر من ذلك.." صمتت قليلا ثم اكملت " انا احب فن الشوارع وليس هذا.."
" حسنا.. هذا جميل.."
لوت ليليان فمها بسخرية " ليس جميلا على والدي.."
قالت قمر بتفهم وهي تمسك عضدها " يبدو انه قدرك هنا.. (ثم بغمزة) حتى تلتقين بي..."
ابتسمت ليليان لها بحب " من الجيد اني تعرفت عليك.."
ثم انطلق بوق احدى السيارات والتفتت ليليان لتجد ان احد عائلتها قدم لصحبتها.. فودعت كل منهما الاخرى بحب كبير.. ثم انطلقت كل واحدة منهما في طريقها الخاص...

*******
توالت الساعات وانقضى النهار بدون أي شيء جديد يذكر... عادت قمر فيه الى المنزل وقضت بقية يومها بالنوم المريح تعوض به حرمانها من النوم وسهرها الطويل.... اما ريم فاستنفذت جم قواها وطاقتها الجسدية مع والدتها طيلة النهار بين تسوق واستجمام حتى عادت الى مزلها في تمام الساعه السادسة مساء ثم خلدت الى النوم مباشرة منذ ان تمددت بتعب واستقرت برأسها على الوسادة...

*********

وفي منزل ما.. اعتلت فيه الاصوات ونقاش حاد ذلك الوقت...
جلست بعد ذهول امام ما تفوه ابنها به.. فقالت بصدمة " هل ستسافر..؟" صمتت قليلا وهي تعاود هضم كلامه ثم بحدة " هل ستسافر من اجل فتاة!!"
ثم هزت رأسها نفيا غير مصدقة.. بينما هو اتجه اليها وقال بتوسل " ارجوك يا امي.. تفهمي.."
الام بسخرية وما زالت تحت تأثير الصدمة " أتفهم.."
اومأ رأسه بتعب وكان على وشك البكاء.. فامسك يد والدته بعد ان رثى على ركبتيه امامها " ارجوك.. يا امي.. تفهمي انني احبها.."
تجمعت الدموع في عيونها وقالت بأسى " كيف لك ان تغادر من اجل فتاة.. لن استطيع تحمل فراقك يا عزيزي.."
تنهد " ولكن يا امي..."
قاطعته بحدة " لن تذهب وهذا اخر كلام لي.." ثم وقفت وبقسوة " انت لا تعلم كيف هو فراق الام لفلذة كبدها.."
نهض بملل كبير واخرج كلماته كسيوف قاتله نابعه عن قهر داخلي لم يقصد بها مساس قلب امه بشيء " لا تكملي اسطوانتك تلك.. لقد سئمنا العيش تحت جناحك... لقد تزوج اخي من امرأه لا يحبها ولم يرغب بها يوما.. لن يكون مصيري مثله..."
قالت بغصة وخيبة امل " ولكن انا اريد مصلحتكم.."
توجه اليها بحزن عندما شاهد دموعها بدأت بالتحرر من مقلتيها " ولكن يا امي.. انا احبها جدا.. لقد وعدتها بالزواج.."
" ولكنها سافرت.."
قال باصرار " وانا استطيع اللحاق بها..."
" هل ستعصي كلامي.. ستذهب بعيدا من اجل فتاة.." قالتها بانهيار..
واكملت بعد صمته " كيف لي ان احتمل ذهابك يا ولدي.."
قاطعها " استطيع القدوم في ايام الاجازات.."
صرخت بانفعال " لن اسمح لك.. ان تتبع قلبك.. لن اسمح لك..."
زفر بحرارة وحاول ان يتمالك نفسه ولكن انفجر مستودعه بوجه والدته
" انا اسمح لنفسي.. هل فهمتم جميعا.." ثم بصوت اعلى وبغضب شديد " لن يستطيع احد ايقافي ..وتحديدا حياتي لن تمسوها بقرارتكم الانانية.. حتى انت يا امي.. سأذهب بعيدا عنكم.. خذو مالكم هذا..."

القى نظرته الاخيرة الى امه التي الجمتها الصدمة وسار مبتعدا خارج المنزل متبعا قراره.. ثم سمع والدته تصرخ قائلة بضعف " ماااجد.." ولم يعر الامر اهتماما.. اكمل سيره ولكنه توقف عندما سمع نداءات الخدم بعد ان هوت والدته ارضا اثر نوبة قلبية...

نفض السيد ماجد رأسه على اثر تلك الذكرى... وقال بندم " لو استطيع ارجاع الزمن لما كنت عصيت امرك يا امي... لما قسوت عليك بالكلام.. لما ذهبت بعيدا يا امي وحصل الذي حصل بعدها..."

استجمع نفسه.. ثم توجه حيث غرفة ملاك.. فتح بابها بهدوء.. فشاهدها تغط في نومها العميق.. تنهد بألم " لم استطع جمعك بالعائلة.. لأن لا عائلة لدي يا عزيزتي... لقد تخليت عن الجميع.. وقسوت على احد افراد العائلة وتخليت عن ابنتي ولكن تخليت عن شقيقتك الكبرى من اجلها.. فمن سيرعاها بعد موت والدتها.. لو اعلم لما كنت قد فرطت بها واعطيتها لأحد معارفي... اما امك.."
اغلق عيونه بألم واكتفى بالصمت.. نظر مطولا الى ابنته ذات الشعر الاشقر وزفر بحرارة لماضيه الأليم واغلق الباب ثم توجه الى غرفه المعيشة حاملا هموما وأحزانا وأخطاءً لن يعفو عنها الزمن... وقبل ان يعود الى عيش جميع ذكرياته... اقبلت عليه احدى الخادمات ممسكة بهاتفه المحمول الذي انطلق رنينه في هذا الهدوء..
اخذه منها ببرود شديد وعادت هي ادراجها حيث مخدعها.. اما هو بدأ بالحديث..
"اهلا.. اهلا.."........" بخير.. ماذا عنكم؟!"......." اه حقا.." صمت السيد ماجد قليلا ثم اكمل " ولكن لي عمل باستراليا.. سأغيب لعدة ايام واعود.."......" يمكننا الالتقاء.. والحديث..."......" حسنا الى اللقاء..."
زفر بحرارة بعد ان اغلق الهاتف ثم تمدد بتعب على الاريكة وراح في سباته العميق.....


********

تجاوزت xxxxب الساعه.. التاسعة.. فأشار عقربها الصغير ما بين الأربعة والخمسة.. حاولت حتى هذه اللحظة ان تعود الى نومها الهادئ.. الخالي من المكدرات.. ولكن دون جدوى.. فمنذ ان انشلها من سباتها العميق رنين هاتفها الذي لم تعتد عليه حتى الان.. ـ ولكن تم شراءه باصرار من ريم ـ... استيقظت بنعاس شديد.. كانت تغمض عيونها وتفتحها بتعب.. امتدت اطرافها المتخدرة بسبب النوم والتقطت الهاتف...
وبصوتها الواهن الذي غلب عليه بحه خفيفه اجابت
"مرحبا.."
ولكنها لم تستقبل اي رد.. اعادت الكره بعد ان اعتدلت في جلستها "مرحبا"
ومنذ ان نطقتها حتى انتهت المكالمة من قبل الطرف الآخر.. عقد حاجبيها باستغراب وابعدت الهاتف عن اذنها وزفرت بحرارة...
ومنذ تلك اللحظة.. بعد ان وضعت الهاتف جانبا.. استلقت في سريرها حتى تعود الغوص في نومها العميق.. ظلت لساعه كامله تتقلب في سريرها بانزعاج ورغبه عارمة للنوم...
تنهدت بتعب بعد ان استدارت بجسدها ناحية جانبها الايمن.. ثم ابعدت الغطاء البنفسجي بملل شديد.. اعتدلت في جلستها وارجعت خصلات شعرها للخلف... ونهضت بتأفف من على سريرها.. وبدأت بالتوجه نحو الشرفه.. ولكن توقفت عن السير على أمل أن تجد عقد والدتها امامها من جديد ولكنه فقد لا تدري كيف؟؟ او أين؟؟ او متى؟؟ ولكن كلها امل ان تعثر عليه.. وان لم تجده تطلب من جدتها ان تقوم بتصميم عقد اخر يطابقه...
ابتلعت قمر غصتها " اشتقت اليك يا امي.."
ثم بدأت بالاقتراب بمشاعرها المختلطة.. نحو ذلك الصندوق الخشبي.. المتوسط الحجم والمجاور لمنضدة مجوهراتها.. انحت ارضا ثم فتحته بأناملها المرتجفة.. وابتسامه قد سارعت للوصول والتغيير في معالمها القمرية.. وبريق جميل تلألأ في عسل عينيها...
أخذت نفسا قويا حتى تسيطر على رجفتها وتحول العاصفة التي بداخلها على هدوء شديد... واخرجت مجموعه من الاوراق البيضاء المطوية.. ثم نهضت بلهفة المشتاق نحو الشرفة وتلك الاوراق كانت مصاحبه لضربات قلبها.. مختبئة بين اضلعها.. وما يحتويها عالق في ذاكرتها... تحجزها بساعدها وتضمها ناحية صدرها خوفا من فرارها..
فتحت باب الشرفة ثم نظرت بابتسامة بأمل وتفاؤل نحو القمر الذي يعتلي السماء.. اغلقت جفونها ثم استنشقت عبير الازهار التي قامت بزراعتها مع جدتها.. زادت ابتسامتها وهي تتقدم الى الامام اكثر.. واستندت على حائط الشرفة المطل على الحديقة.. حررت تلك العصافير الورقية من بين اضلعها.. وامالت رأسها الى الجانب قليلا بتعب.. ثم اخذت تفرد الأوراق وبدأت تقلب الورقة تلو الورقه.. مع ابتسامة ألم.. وبعد مدة من اشعاعات عيونها التي ارسلت شوقا وحنينا لتلك الاوراق التي انحصرت على وجه ذلك الرجل الحديدي بتعابير مختلفة...
استقرت على احداها.. وبنظرة ملؤها الحب والشوق.. ومشاعر الحنين لكل شيء فيه.. اخذت يد قمرنا الناعمة تحتس معالم وجهه المرسومة بهدوء شديد..
" هل تعلم.. أني اشتاق اليك كثيرا.. يوجد في قلبي ثغرة صغيرة.. عد واملأها.. هناك شعور بداخلي انك ستعود.. ستعود كما ليس انت في السابق.. لن تعود وتلك الصفه الحديدية ممتثله بك.. انا كلي يقين وثقة.."
تنهدت ثم نظرت الى الحديقة.. وتحديدا على ذلك المقعد " كنت كل صباح تشرق به الشمس وانت نائم اسفل شرفتي.. امتع نظري بك.. (قوست فمها..) ولكنك غادرت ولم اعد اراك.. حتى صوتك غادر معك.. صورتك وكل شيء فيك... ( نظرت الى الاوراق) لم يتبقى الا وجهك المرسوم.."
اطرقت رأسها بحزن ثم رفعته بهدوء.. وصوبت نظرها ناحية القمر.. " يجب ان اكون كهذا القمر.. برغمه عتمه الليل وبرغم ان ما يرافقه الا قله من النجوم.. الا انه ساطع.. لا يأبه الا بنفسه.. فكما قلت انت لا يليق الحزن بي.. وكما قالت امي فان الصبر هو اساس حياتي.. سيأتي يوم جميل بالتأكيد.."
ضمت الاوراق الى صدرها بقوة.. حتى ان تقاسيم وجهها الحزينة قد تغيرت بعد كلامها هذا.. وحلت محلها ملامح السعادة والأمل.. التفاؤل للحياة القادمة...واشرق وجهها مضيئا كالقمر.. وزادت تعلقا بتلك الاوراق تضمها ناحية قلبها المشتاق... ولكن..
سرعان ما تلاشت تلك الابتسامة الجميلة.. وتبددت ملامحها.. وتحولت الى الذهول.. ثم التفتت بحدة حيث باب غرفتها الذي فتح بقوة... كأن رياحا عاتيه قامت بفتحه.. فارتعدت اوصالها وتملكها الخوف مما رأت.. فتسمرت في مكانها لا تقوى الحراك.. وكأن جسدها قد تعطل واصبح خارج التغطية...
ثم سرت في بدنها رعشة من الخوف والهلع.. وانزلقت الرسومات وتحررت من غيمه الحب وامطرت على ارضيه الشرفة.. عندما رأت تلك الرياح التي داهمت وحدتها على هيئة انسان بشري.. تتقدم نحوها بصوتها المريع.. وعيون محمرة تكاد تشابه الجمر.. وصدر يعلو ويهبط مع انفاس متلاحقة.. فوضعت يدها بهلع على فمها حتى تكتم تلك الشهقة التي واشكت على الانطلاق...


كانت مشاعرها الخائفة تتغلب على الامر.. وما زالت تنظر بذهول وذعر لريم وكل شي فيها ساكن.. دخولها الغرفة بهذا الشكل المرعب اجفلها ودب الرعب في قلبها.. عيونها المحمرة من شدة البكاء وكأن لها حولاً كاملا تبكي.. هبوط وعلو صدرها من إجهاشها بالبكاء.. وصوت شهقاتها كأنها انطلقت عبر مكبر صوت دب الرعب والضوضاء في قلب قمر.. اما الصدمة الكبرى عندما ارتمت بين احضانها بقوة جعلتها تترنح وتكاد تسقط لكنها تماسكت نفسها... بعد ان نطقت ريم ببكاء " قمر.."
وما زالت في صدمتها امام شهقاتها التي تتوالى... فضمتها اليها تحاول تهدئتها ولكن دون جدوى.. انزلقتا الثنتان لتجلسا على الارضية بهدوء شديد.. تتمسك ريم بقمر كأنها طوق نجاتها وميناءها الذي تلتجأ اليه.. كانت الوحيدة التي تستطيع تخفيف المها.. ومحطة القطار الاخيرة لحزنها.. انها الارض التي تمتص دموع غيومها.. انها الوحيدة التي فكرت باللجوء اليها بعد ذلك الحلم الذي راودها وجعلها تنتفض حزنا وذرعا وخوفا.. فلم تستطع الجلوس في غرفتها اكثر فقررت الذهاب الى قمر بكل احزانها...
مضت عشر دقائق... والدموع تجري كسيل من ماء على وجوه الفتاتان.. فلم تستطع قمر كبت دموعها امام انهزام ريم لدموعها هي الاخرى... تحتضنها كطفل صغير يحتاج الحنان.. كانت لها كالموقد الدافئ الذي يحمي من برد الشتاء القارص.. حاولت ان تتماسك حتى تكون الحصن المنيع لريم... تمسح على شعرها بحنان.. تحتضنها بقوة كبيرة لتمتص حزنها الذي تراه لأول مرة على هيئة دموع.. فبرغم قوة ريم الظاهرة الا انها تملك من الضعف ما يجعلها تبكي تماما كقمر ولكن قمر حزنها ظاهر وبادي للجميع.....
ريم بانهيار من بين بحر دموعها وهي تمسك بقمر بشدة " اريده.. لا اريده ان يبتعد عني.."
ثم تدفن نفسها في قمر اكثر فاكثر وهي تبكي.... ويعتصر قلب قمر وتشعر بانقباض قلبها.. انها تتألم الان مع ريم دون معرفة السبب.. ولكن ليس الوقت المناسب لاطلاق دموعك يا قمر..
حاولت قمر ان تتماسك وتكبت دموعها.. قامت بتهدأه نفسها مع شهيق وزفير حتى يبعث لنفسها الراحة والاستقرار.. وهدأت عاصفة دموع قمر.. اما ريم فلا.. لذلك بدأت قمر محاولة النهوض ولكن ريم تمتنع عن ذلك.. فانهياراها هذا جعلها كالجثة.. وكأنه اعطي لجسدها جرعة تحدير فاصبحت ثقيلة لا تستطيع الحراك.. وبما ان بنية قمر ضعيفة حاولت معها بالكلام وهي تمسح على شعرها بحنان..
" هياا عزيزتي ريم.. لننهض ونجلس.."
ومع قليل من المحاولة نجحت الفتاتان بالنهوض.. ترتكز ريم على قمر التي تترنح في مشيتها قليلا حتى أجلست ريم على احد المقاعد.. كانت قد هدأت قليلا ولكن دموعها تجري على وجنتيها.. وقربت قمر المقعد الاخر ووضعته بجانب ريم ثم جلست..اخذت بوجهها بين يديها وبدأت بمسح دموع ريم.. " سأجلب لك الماء.. يقال انه يهدئ الاعصاب.."
اومأت ريم رأسها بفتور ثم ضمت قدميها ووضعتها امام صدرها.. وتنهدت وشردت في خيالها من جديد بعيون حزينة...
عادت قمر بعد قليل تجلب كوبا من الماء البارد ومدته الى ريم التي لم تتحرك ولم تنبس بشيء.. وضعت قمر الكوب جانبا.. وجلست بجانبها.. اسندت برأسها على كتف ريم التي ما زالت تنظر الى ما امامها بشرود وصمت مخيف... مرت دقيقة غلفها الصمت ثم امتدت يد ريم لتأخذ الكوب.. واخذت ترتشف من الماء لعله يروي حريق قلبها المندلع...
شعرت قمر بحركتها فابتعدت عن كتفها ونظرت اليها بقلق.. فبادلتها ريم الابتسامة وهي تشد قبضتيها على الكوب ثم ترفع رأسها للسماء وتتنهد..
" هل انت افضل حالا.." قمر بقلق.. فتكتفي ريم بهز رأسها ايجابا بغصه كبيرة لم تخفى على قمر..
" ما الامر.." تتساءل قمر بعطف..
وضعت ريم الكوب جانبا وقالت بأسى " رائد.."
عقدت قمر جبينها باستغراب " هل حصل مكروه له.."
ريم بنبرة يطغى عليها البكاء " لقد راودني حلم.." زمت شفتيه بألم ثم اكملت بعد ان ابتلعت غصتها " لقد حلمت انه افترقنا وللأبد.." ثم تمسح دمعه قد انحدرت واردفت " كنت اسير بطريق ضبابي.... لا اشعر بالبر ولا بالدفء أيضا.. اشعر ان هنالك شيء يشبه الخيوط يمر على قدمي.. ويشعرني بالدغدغة... تحول لون الضباب الى الاسود فاخذت من بعدها اصرخ وانادي واستنجد... ( وهنا انكتم صوتها واصبح شبه مخفي..) فجأة سمعت صوت.. ( وبصوت مختنق اكثر..) صوت رائد من البعيد.. كان صوته يظهر فجأة ويختفي تدريجيا.. كنت اقترب وصوته يبتعد... وقفت بخوف وانا ادور حلو نفسي واشعر ان دموعي قد ملأت الارض واصبحت اسبح بها... اشعر ان السواد يغلف حدقتا عيوني.. اسير بدون هداية.. ثم فجأة بدا يتلاشى الضباب الاسود تدريجيا.. ولكن الظلام كان يحف المكان.. وضوء القمر هو المنجي.. اخذت اسير وانا اكبح دموعي وارتجف.. ولكن سمعت صرخة يا قمر.." وهنا دفنت وجهها بين يديها واجهشت في بكاء مرير.. وقمر تحاول تهدئتها بكل ما تستطيع وتقاوم دموعها حتى لا تسقط هي الاخرى بحفرة الضعف الان فمن سينقذهم من بحيرة الدموع تلك.. اخذت نفسا عميقا عندما بدأت ريم بالحديث بصوتها المختنق من بين شهقاتها..
"كان رائد يصرخ بكلام لا افهمه.. كأن كلماته تتداخل الى عقلي فينسجها بشيء اخر لم استوعبه ابدا... ربما كان يتألم.. سرت نحو مصدر الصوت الذي بدأ يعلو تدريجيا.. حتى توقفت في صدمة.."
صمتت قليلا ونظرت الى قمر بدموعها واردفت بعد ان نفضت رأسها " كان هناك اشخاص بلون سواد الليل... لا ملامح لهم. كانوا يلقون به الى الهاوية.."
اتسعت حدقتي قمر وقالت " ماذا؟"
اومأت ريم رأسها واكملت بعد هطول المزيد من الدموع وبصوت مشبع بالبكاء " ثم اصوات ضحك تبدأ تتعالى يتكرر صداها في كل الاركان... وتبدأ تلك الاجساد بالتحرك نحوي وكلامهم كان يعبر عن فرحتهم بالتخلص من رائد وزعمهم انني تخلصت منه ايضا... وبدأوا بالاقتراب اكثر فأكثر.. ولكن.. استيقظت.."
ثم بصوت باكي " انا اخاف ان ينطبق الحلم الى واقع؟!"
اقتربت قمر من ريم واخذتها بين احضانها بحنان " لم انت خائفة هكذا.. انتم مترافقون سوية ومتوافقون.."
زفرت ريم بحرارة وهي تمسح دموعها " لكن هناك اختلاف يا قمر.. بصفتنا اصدقاء.."
" اعلم ذلك.. ولكن الحب موجود بقلب كل واحد منكم.."
اردفت ريم بمرارة " لم يعترف اي احد منا.. كيف؟؟! اخبريني!! لو كان هناك بيننا علاقة حب.." صمت ريم قليلا وكأنها تستبعد تلك الفكرة
تساءلت قمر بهدوء " ماذا سيحدث؟!"
ابتسمت ريم من بين اثار دموعها " ستكون علاقة الحب اقوى من المشكلات التي تواجهنا.. اقوى من حالته التي تقل عن مستوانا.. واقوى من رفض عائلتي.."
" لم لا تعترفين له؟؟"
ريم باستغراب وعدم استيعاب " كيف؟"
اعتدلت قمر في جلستها وقالت بعد تفكير " اعترفي له بمحبتك.؟؟"
هزت ريم رأسها باعتراض.. فتساءلت قمر وهي تحتضن كفها " ألا تريدين البقاء معه!؟"
اومأت رأسها " اجل.."
" اذا ما عليك الا الاعتراف له ما تكنين من مشاعر..."
ريم بحيرة " لا ادري يا قمر.."
قاطعتها قمر " لن تخسري شيئا.. صدقيني"
" أخشى ان .." صمتت ريم فجأة وفي جعبتها الكثير من الافكار السوداء..
" ألا تقولين انك تشعرين بمحبته..؟!"
" أجل.. اشعر وبشدة.." ريم بابتسامه باهته.. ولكن قلبها يحمل من الحب من يكفي لإغراق العالم..
" افعلي ما يلزم للحفاظ على الرابط بينكم.. تكونين ازحتِ غمامة الهم عنك.. ولن تندمي في المستقبل ان فات الاوان.."
ظلت ريم ساكنه ويبدو انها تفكر بكلام القمر اكملت قمر بعد صمت " اعلم ان الفتيات من يتم عرض الحب عليهن.. ولكن كوني مختلفة ابدأي حبك بشكل مختلف عن الاخريات...."
تنهدت وابعدت عيونها للفراغ.. واخذت تفكر بكلام قمر.. يبدو منطقيا نوعا ولكن قما قالت قمر اعلف الفتيات ينتظرن ان يتم الاعتراف لهن وليس العكس.. (نفضت رأسها).. ولكن هي لا تريد خسارة رائد... لا تريد البعد والجفاء.. لما لا تحاول الحفاظ عليه.. ولكن ان رفض ذلك الحب ماذا سيحصل يا ريم!!؟.. (تنهدت..) يجب ان تنتهز الفرصة .. وان لم تتقدم هي بهذه الخطوة وتعلن حبها فرائد لن يتقدم هو.. ليس كرها ولكن بناء على ظروفنا المختلفة...
تأففت بضجر واعادت بكل خلاياها الحسية الى قمر " هل حقا يجب ان افعلها؟؟"
"ليس سيئا ان قمت بالتعبير عن مشاعرك.."
ابتسمت ريم وكأن جملة قمر قد دخلت وتجذرت بعقلها وترددت مئات المرات ثم قالت بعدها بمزاح " كما تعبرين انت عنه بالدموع.."
لوت قمر شفتيها بسخرية ثم وضعت رأسها على كتف ريم وقالت قبل ان تغلق عيونها " فكري بالامر ونفذيه.. فالحب لا ينتظر.."
عادت ريم للغوص في بحر افكارها من جديد.. تلفحها رياح الهواجس.. وتحركها امواج الأمل.. واكدت في قرارة نفسها ان تمتلك تلك الشجاعة حتى تستطيع اخباره بكل ما في القلب ولكن في الوقت المناسب....

ومع مرور الوقت انطفأت انوار المدينة.. واختلت النجوم بالقمر ليلا تحاكي مصابيح الشوارع.. وغط الجميع في سباتهم حتى صبيحة اليوم التالي صاح الديك صياحه المعتاد معلنا عن بداية يوم جديد... يبدأ فيه الناس بالحيوية والنشاط.. امتلأت نفوسهم أملا ويقينا ان القادم اجمل...


وما ان داعبت اشعه الشمس المتسللة من النافذه جفنها.. تمللت في مكانها بتعب شديد واستدارت بجسدها الى الناحية الاخرى مبتعدا عن ازعاج الضوء....
زفرت ملاك بضيق وهي تبعد الغطاء عنها...توجهت الى طارق الباب وصرخت بحدة بعد ان قامت بفتح الباب " ماذا؟!"
تنهدت سوزان بملل وقالت مجارية دلال ملاك " صباح الخير.."
ابتسمت ملاك ببلاهة " اصرخ بك وتقولين صباح الخير.."
ابتسمت سوزان " اعتدت على هذيانك.."
قوست ملاك فمها و باستنكار " لست مجنونة.."
تقدمت سوزان بفستان بلون الزيتون.. خطوتين الى الداخل " انا لم اقل انك مجنونة.."
واكملت وهي تدلف الى الداخل اكثر فاكثر.. " ولكنك تتصرفين... مممم..ليس كأميرات العصر الجميل.."
مطت شفتيها بعدم فهم فابتسمت سوزان " عليك ان لا تصرخي.. كما ان الاميرات لا تتضجر ابدا.."
اومأت رأسها الاشقر واكملت " حسنا.. وماذا ايضا.."
جذبت سوزان بعض الملابس.. وتحدثت بحنان " علينا الان ان نغتسل ثم نذهب لتناول الفطور.."
صرخت ملاك بمرح " ثم نلعب الرياضه كما البارحة صباحا.."
ضحكت سوزان " حسنا.. هيا بسرعه.."
ثم ركضت ملاك بلهفة الاطفال وتبعتها سوزان من بعد ذلك...


،...

*****************

سار بعجلة كبيرة.. والتعب باد على وجهه الابيض.. بيده الاولى هاتفه الذي يتلقى اتصالا خلفه اتصال بشكل متتالي.. اما الاخرى فيحمل بها ملفات كثيرة... اشار لاحدى الموظفات بأن تجلب له القهوة أومأت برأسها وذهبت.. ومضى هو بطريقه محاولا السيطرة على كوم الملفات.. دخل مكتبه وبقوة القى الملفات على المكتب ثم تهالك على الكرسي بتعب شديد.. فشهقت بخوف.. ثم نظرت اليه وهو يلتقط انفاسه..
نظرت اليه بنصف عين وقالت " هل هكذا تهتم بالاعمال؟!"
فتح عيونه على اتساعهما " منذ متى وانت هنا..؟!"
وضعت هاتفها جانبا " منذ زمن.. هل هناك اعتراض ايها السيد المحترم.."
هز رأسها نفيا.. ثم قالت وهي تشير على مكانه بغرور.." ثم انه مخول لي بالجلوس مكانك.."
رفع احدى حاجبيه " حقا.. ايتها السيدة الصغيرة.."
اومأت رأسها بثقه كبيرة ثم قهقهت بخفة...
" صباح الخير انسه ريم.."
" صباح الخير سيد رائد.."
ابتسم الاثنان بحب كبير.. ثم اكملت هي " كيف انت؟؟ تبدو متعبا!!"
تنهد " اجل.. لم استطع النوم ليلة البارحه جيدا.."
" حسنا.." ثم بنظرة ذات مغزى.. " هناك عمل كثير أليس كذلك؟!"
" اجل.." ثم قال وهو يعتدل في جلسته " ما الذي أتى بك الى هنا.."
" كنت سأتحدث معك.."
اكمل عوضا عنها " بشأن سبب المشاجرة.."
اومأت رأسها.. ثم برجاء بعد ان رأت انه مصر على عدم اخبارها " ارجوك يا رائد.. لست انسانه اتناقل اخبار العالم..."
" اعلم ذلك...." ثم وهو يشير الى الملفات التي امامه " ولكن علي ان انهي هذه..."
" حسنا.." ريم وهي تطرق رأسها باستياء..
" حسنا حسنا... دعينا نتحدث وانا اعمل.." رائد بابتسامه حانية.. فاشرقت شمس الابتسامه على وجهها... ثم التقط احد الملفات.. ووجهه نحوها ثم بأمر " هيا اعملي.."
اومأت رأسها كطفل صغير " حسنا...."
و بدأ هو بشرح لها ما يجب فعله بهذه الملفات... ثم انخرطا بعدها ما بين عمل وحديث عما حصل بينه وبين جيداء دون تدخل منا وتطفل...

والى مشهد يشابه دخول رائد الى مكتبه... ولكن الشخص مختلف بتصرفات مختلفة .. بعمر يناهز الأربعين..
دخل بتقاسيم وجه جافه.. صارمه.. ونظرات قاسية تحتقر من امامه.. توجه الى مكتبه بعد ان امر السكرتيرة ياسمين بفظاظة ان تجلب له الماء البارد...
"اوه..اوه.. لؤي هنا.."
نظر اليه لؤي بقلة حيلة ثم قال بعتاب " ألن تتغير تصرفاتك تلك.."
اخرج سيجارته " لا.. هيا انهض من مكاني.."
نهض لؤي من مكانه بلا مبالاه " حسنا.. علينا ان ننهي أمر سليم.."
اومأ رأسها ببرود " انت من ستنهيه..."
ثم اخرج نفاث سيجارته من فمه " وعلينا حل المسألة الاخرى أيضا.."
اومأ لؤي بانصياع.. " حسنا يا مراد لا تقلق.."
لوى فمه بسخرية ثم بحب الصداقة " لن ولم اقلق.. لانك هنا.."
" انا قمت باللازم من اجل الجميع في السابق.."
قال مراد وهو يعتدل في جلسته " هل تحدثت مع ماجد.."
"اجل.. سيغادر في الغد صباحا.. وبعد عودته سنقوم بالعمل معه.."
سحق مراد سيجارته وابتسم بثقة كبيرة ثم سمح لياسمين بالدخول..
" أين قهوتي.."
ازدردت لعابها " ان سيد.."
وقاطعها ذلك الرجل المسن من الخلف بتعجب " اذا عاد السيد مراد من عمله.."
تقدم لؤي من السيد سليم " اهلا بك.."
نظر اليه السيد سليم مطولا ثم صوب نظره ناحية مراد واكمل وهو يتقدم للجلوس " واخيرا تشرفت بمعرفتك.."
ابتسم مراد ابتسامه صفراء " اهلا بالسيد... عفوا نسيت اسمك.."
ابتسم سليم باستهزاء وقال ببرود " كيف كانت اجازتك؟!"
بادله مراد بنفس نبرة البرود مع تعديل جلسته واصبحت بوضعيه متكبرة " بخير..."
التفت السيد سليم الى ياسمين " هل يمكنك جلب القهوة لي.."
اومأت رأسها ثم انصرفت.. وعاد هو بجسده ناحية المراد الذي ما زال على نفس الوضعيه رافعا احدى حاجبيه بتحدي.. وتقدم بعد ذلك لؤي بتوجس نحو المقعد المقابل للسيد سليم.. وبدأ الحديث حول الاعمال.. وكيفية التخلص من هذه الشراكة.....
وفي حين ذلك اخذ لؤي ينقل بصره بينهما بتوتر كبير خوفا من أن تحدث مشادة بينهم.... فمراد صبره محدود.. اما السيد سليم فهو يستطيع استفزازه بكل كلمة ينطقها... فتظهر علامات الحنق على وجه مراد.... زفر لؤي براحة عندما انتهت تلك الحرب المخفية خلف الكلمات... واتجه مراد ناحية النافذة بغضب شديد.. ومن خلاصة الحديث الذي سمعه لؤى تم الاتفاق على موعد يناسب الطرفين لفسخ العقد وانهاء هذه الشراكة... ولكنهم سيخسرون اهم الشركاء وعليهم تعديل الوضع والا تفلس شركتهم.. تنهد ونظر الى مراد و فهم سبب اصراره على اللقاء بماجد وذلك ليتساوى الوضع بعد فض هذه الشراكة..

*********
تأففت بضجر وهي تحرك ملعقة الطعام في كوب قهوتها حتى تذيب قطع السكر... وأمامها العديد من الرسومات التي رسمتها في فتره تدربها بالشركة... وبعض الملفات المهمة... وضعتها امامها على المكتب بعد خروجها من منتصف الاجتماع الذي عقد للنقاش حول الموسم القادم والاصدار الجديد لمجموعه الاحذية... مطت شفتيها ثم اخذت ترتب رسوماتها وجمعتها ثم وضعتها في احدى الجوارير...
تنهدت ثم نهضت ووضعت الملفات كل برفه المناسب.... ثم عادت ادراجها الى مكتبها الاسود الزجاجي... وجلست عليه بتعب..
تقدمت اليها احدى الموظفات بابتسامه وقالت " اعلم انه وقت متعب جدا.. ولكن عليك الاعتياد يا قمر.."
بادلتها قمر الابتسامة فأردفت الموظفة " هذا الملف.."
تنهدت قمر بعدم تصديق ثم باعتراض " ولكنني حقا سئمت...."
هزت الموظفة كتفيها بقلة حيلة ثم مضت في طريقها... ثم نظرت قمر الى الملف الذي امامها بيأس " العمل هو العمل.. كما تقول جدتي..."
اعتدلت في جلستها ثم امسكت به.. نظرت الى الساعه ما زالت لم تتجاوز الحادية عشر.. ولقاءها بريم بعد ساعه من الان....
فتحت الملف وبدأت بتصفحه.. كان يحوي معلومات حول الاحذية التي يجب عليها رسمها.. اذا عليها رسم عدد من الاحذية بناء على التعليمات التي تصف كل حذاء.. فيجب على قمر ان تتصوره في مخيلتها بناء على تلك المواصفات... فهمي ما زالت متدربة على أي حال يجب عليها التعلم على مراحل متعددة حتى تستطيع في النهاية الالتزام بالقواعد الهامه لتصميم اي حذاء.. ثم من بعدها ستنضم الى الفريق الخاص بالحقائب والتدرب معهم..
وبعد ان انهته بقراءه سريعه استطاعت به استيعاب ما يتطلب.. ابتسمت براحة " كل ما هنالك.. خمسة انواع من الاحذية.. " ثم امالت رأسها وهي تفكر " ثلاثة..( هزت رأسها نفيا..) لا خمسة ايام الى ابعد تقدير..."
" هل تتحدثين مع نفسك..؟!"
التفت بهدوء الى كامل ثم اتسعت عيناها بغير تصديق " ايها المدير.. هل تتنازل وتحدث موظفيك.. حقا لا اصدق"
ابتسم كمال بسخرية وقال بتأكيد " الان ادركت مدى التجاذب الفكري بينك وبين ريم.."
قهقهت قمر وقالت " هل هذه اهانه الان؟!"
هز رأسه نفيا " لا تعد اهانه.. بل هو امر متعارف عليه.."
ابتسمت قمر بخفوت وقالت " حسنا... انا عقلي كبير لن اتجادل مع امثالك.."
فتح عيونه على اتساعهما.. " سأريك لاحقا عندما اجهز الرد المناسب.."
ابتسمت قمر ولكن صدر صوت من خلفهما.. " حقا.."
التفتا الى مصدر الصوت فقد كانت ريم قد وضعت يداها على خصرها بحركة طفولية...
كمال ببراءة " اهلا ريم.."
" أيها الشرير.. تصطنع البراءة.."
" هل جئت لكي تقدمي عرضا مسرحيا كما في الصباح.." كمال بسخرية
اخذت تقلد جملته بحنق وتملق.. ثم قالت " لقد جئت لأخذ قمر.."
" حسنا ومن يسمح ذلك.."
وقفت قمر وقالت بملل " كفاكما.. اعقلا.."
نظرت اليها ريم بدهشة.. ثم كمال ايضا بنظره متفحصة... فابتسمت قمر " ما بكما.."
هزت ريم رأسها وقالت " لا شيء سيدتي.. تفضلي.."
ضحكت قمر بخفوت وقالت لكمال " حسنا سأذهب انا الان.. هل اعود بعد استراحة الغداء.."
قال كمال بعد تفكير " لا.. سنهتم بأمر المتجر.."
"حسنا.. لا تنس، مر علينا لتأخذ اللوحة.."
" حسنا.."
" الى اللقاء ايها الشرير.." قالتها ريم وهي تمد لسانها كالاطفال مما دفع كمال للضحك.. واكتفت قمر بايماء يدها للوداع..
ثم تساءلت قمر " ألم تأتي مبكرا.."
أومأت ريم رأسها " ولكن على رائد عمل كثير.."
تفهمت قمر ولكنها توقفت فجأة وتساءلت " ماذا حصل.. هل تم الامر!!؟"
تنهدت ريم وقالت بتوتر " ليس اليوم... في افتتاح متجر السيد كمال.. لقد اقنعته بالقدوم..."
قمر بفرح " حقا.. صدقيني سيتم الامر.."
"أتمنى ذلك"

دعونا نبتعد عن الفتاتان وندعهما تذهبان لوحدهما الى المقهى دون مشاركتهما الحديث في طريقهما... توقفت السيارة امام وترجلتا منها.. ثم دلفتا اليه بمرح شديد وسعادة لا توصف حتى ان عدسة الكاميرا الخاصة بذلك القصي.. لعلكم تذكرتموه!! على اي حال...
بدأ هو بطريقة ما.. حتى لا يكتشف.. ان يقوم بتصوير الفتاتان.. والان قام بتصويرهما حين جلستا وطلبتا من النادل ما تريدان...
قالت قمر " هل تعلمين.. انه فستان جميل.."
ريم بغرورها المعتاد " اعلم ذلك.."
ثم ضحكتا معا.. واكملت ريم بهدوء " لقد جلبة جدي.. واحد لي وواحد لك.."
ابتسمت قمر " الشكر له.."
تنهدت ريم براحة " اه لو تعلمين من قام بشراءه!!"
عقدت حاجبيها باستغراب.. واشتعل قلبها نبضات لا تدري ما الذي استدعاه لذلك.. فأكملت ريم بشعور ما بين السعادة والحزن وبطيب نية " مجد.."
ازدردت قمر لعابها بصعوبة.. وشعرت باضطراب معدتها من التوتر... وقالت بتلعثم " ااه.. حقا.."
اومأت رأسها " اجل.. اختار لي هذا الفستان الملون.. واختار لك فستان أبيض.."
ابتسمت قمر بفتور بينما اكملت ريم بعد ان لوت فمها دليلا على الاستغراب "
هل يراني فوضويه!! ويراك هادئة!!"
"لماذا؟!" قمر وهي تبعثر نظرها وتشعر بالقليل من الشوق والحنين
قالت وهي تشير الى فستانها " ملون.. مم (ثم اشارت الى قمر) وانت ابيض.."
هزت قمر رأسها بمعنى لا ادري... وتحيط بها مشاعر مختلفة.. تنهدت ثم قالت لريم " سأذهب لدورة المياه.."
ريم بقلق " تبدين شاحبة!!"
قمر بهدوء "يبدو انه من العمل.. سأغسل وجهي حتى ارتاح.."
أومأت ريم رأسها "حسنا.. وسأطلب لك العصير الطازج وبعض المخبوزات.."
قمر بابتسامه شاحبة "حسنا.." ثم مضت في طريقها.. تاركة ريم في حيرة من امرها... ولكن بدد تلك الحيرة ذلك الاتصال المفاجئ..

نظرت الى صورتها عبر انعكاس المرآه بدهشة.. كيف حصل هذا الاصفرار في وجهي على حين غرة.. هل لأنها لم تتناول الفطور بشكل جيد.. ام لان ريم ذكرته!! حتى انها تشعر ببعض الدوخة ورأسها يؤلمها.. ام انه الحنين..!!
تنهدت بتعب ثم فتحت صنبور المياه.. وبدأت ترشق وجهها بخفه لعلها تعود الى وعيها قليلا... انتهت من ذلك وشعرت بقليل من التحسن.. واخذت تجفف نفسها وهي تتحدث الى نفسها " ألم نقرر ان لا للحزن في حياتنا.. يجب ان تكوني اقوى من هكذا يا قمر.. حاولي التمسك بالحياة.. حاولي ان تستغلي السعادة الموجودة حولك قبل فوات الاوان.."
زفرت بحرارة.. ثم عادت بطريقها الى ريم.. ولكن مع اقترابها سمعت ريم تحادث احدهم ومما اجفلها وجعل الالم يسلك طريقه اليها.. كلام ريم الاخير قبل ان تغلق حيث أحدث ثقب في قلبها وكأن السكاكين الحادة قد دخلت الى ناحية قلبها واخت تمزق به....
" بلغ سلامي اذا يا مجد.. الى سالي تلك.. واخبرها بأن ريم احبتها كما تحبها انت واكثر...."

***********
والان هيا بنا ننتقل الى مكان وزمان مختلفين.. حيث الساعة المعلقه على الحائط..وxxxxبها تشير الى الواحدة ظهرا..... انطلقت انغام ضحكتها وملأت غرفة المعيشة بنوتات الموسيقى الرقيقه الخارجة من فمها الصغير... تلعب مع والدها بكل فرح ومرح طفولي.. وقفت لدقيقه تفكر كأنها كالكبار تفكر اين تضع قطع الشطرنج للفوز على والدها..
" اه.. ابي لا تغش؟!" قالتها باعتراض
ضحك والدها بشدة وقال وهو يحرك احدى القطع.. " انا لا اغش يا ملاكي... ها انظري لقد هزمت هذا.."
ثم رفع قطعة (القلعه..) وقد قوس فمه مثل الصغار... نهضت ملاك ثم اخذت تصفق بمرح شديد وصرخت بقوة " لقد ربحت..لقد ربحت..هيييه.."
وما كادت ان تقفز عدة قفزات حتى جلست بسرعة وهي تلهث بخفة.. نظر ماجد اليها بخوف.. وتقدم منها " هل انت بخير عزيزتي!!؟"
ومن بين انفاسها المنقطعه " لقد آلمتني قدمي قليلا.."
تنهد براحة.. وامتدت يده نحو قدمها اليمنى.. خلع عنها حذائها البيتي وقام بتدليكها.. وطلب من احدى الخادمات ان تجلب له كريما يخفف الألم.. نظر بحنان الى ابنته ثم مسح على شعرها بعد انتهائه
" لا تهملي شرب الحليب.. يقوي العظام.."
اومأت ملاك رأسها بطاعة وابتسمت وهي تشعر بقليل من التعب.. وقالت " اين سوزان.. اريد ان العب معها العاب الفيديو؟!"
طبع قبلة على جبينها ثم حملها لتجلس على الاريكة.. وبينما يقوم بذلك قال لها " ستأتي بعد قليل.. لقد ذهبت لجلب بعض الاشياء الخاصة بها.."
قوست بمها بضيق ثم وضعها على الاريكة البنية.. واعطاها بعض القصص لتقرأها وتتسلى بها ريثما تعود سوزان من الخارج....
قالت ملاك بحماس " ابي.. ارجوك اقرأ لي واحدة؟!"
تنهد ماجد بقلة حيلة وقال وهو يأخذ احدها " حسنا.." ثم قرص خدها..
" اذا.. سأقرأ هذه.." ثم فتح صفحاتها..
" كان يا مكان في قديم الزمان.. وسالف العصر والأواا...."

" سيد ماجد.. لقد لقد اتاك اتصال مهم من شخص يدعى المحامي سامي؟!"
ابعد ماجد القصة من امام عيونه.. ونظر الى ملاك التي نظرت بملل.. اقترب منها " اذا سأذهب لاحادث العم سامي الان.."
زفرت بضجر.. ثم قالت " حسنا.."
ابتسم لها وخرج... وتوجهت هي الى قصة اخرى وبدأت بقراءتها...

" حمدا لله على سلامتك يا سامي.." قالها ماجد بعد ان امسك سماعه الهاتف واخبره الطرف الاخر انه وصل اخيرا الى مقر الشركة في اسبانيا..
" كيف انت,, وملاك؟؟!"
"بخير.. كيف كان السفر.."
سامي بتعب واضح " جيد.. ولكن زحمه المطارات ليس ابدا.."
اعتدل سامي في جلسته.. حيث كان يجلس على كرسي المكتب وقال " لقد رتبت لك امر سفرك الى استراليا وامور الشركة بخير وجيدة جدا.. وقمت باللازم في وقت غيابك.."
" هذا جيد.. اما من سيرافقني في جلسات المحكمة.."
" المحامي المساعد لي.. ثق به.."
"حسنا.. ثقتي بك لأبعد حد فأنت قبل ان تكون المحامي الخاص بي .. كنت من قبل صديقي" قالها ماجد فابتسم سامي بحب..
ماجد بتوتر " كيف هي الاوضاع بالمشفى؟!.."
" بخير.. مستقرة الى الآن.." صمت قليلا جراء صمت ماجد.. ثم اكمل " ما زالت على حالها.. ألن تذهب لزيارتها؟!"
زفر ماجد بحرارة " لا اظن ذلك.."
سامي بعد ان ارتشف من كوب الماء الذي امامه "حسنا.. ألم تأخذ بنصيحتي وتذهب الى..."
قاطعه ماجد " لم اذهب.. ولا انوي الذهاب..".. ظهرت على ملامح سامي قلة الحيلة.. بينما اطرق ماجد رأسه حزنا وضعفا ثم تنهد وقال " بعد كل هذه السنين.."
"صدقني انها ستسامحك.. والجميع ايضا.."
هز رأسها نفيه وكأن سامي امامه وقال باستسلام وندم بعد ان رفع رأسه" ولكن ذنبي كبير.." صمت قليلا.. وكانت علامات الاستنكار بادية على وجه سامي... ثم اكمل ماجد بأسى غلفت نبرة صوته الرجولي " لا استطيع مواجهة أي احد منهم.. اخشى من عدم مسامحتهم لي..."
سامي بتفهم محاولا الانه عقله الحجري الذي يصر على قرارتها وتصوراته " صدقني يا ماجد.. انهم عائلتك.. ألم تسافر الى بلدك كي تعود الى عائلتك.. لماذا استسلمت؟؟!"
" شعرت بالخوف من الحقائق المرة.. من الماضي.. من كل شيء.."
تنهد سامي وقال " حسنا.. وان لم يسامحوك؟؟!.. وان فات الاوان على مسامحتهم لك.."
" لا ادري يا سامي... لقد ازالوا اسمي من بينهم.. لقد تم محوي من سجل العائلة منذ زمن.."
صمت المحامي ثم امعن السمع لصوت ابنه ماجد (ملاك...) الذي احتل الامكان حيث كانت تصرخ بفرح باسم (سوزان..).. زفر بحرارة وقال بعد تفكير" وملاااك..."
ماجد بعدم فهم "كيف؟؟ لم افهم!!"
استرسل سامي بالحديث " انت تظلمها وتحرمها من وجود جو عائلي كامل.. ان حصل لك مكروه ما.. ماذا سيحصل حينها.. امها عاجزة.. الى من ستذهب.."
اغلق ماجد عيونه بألم وهو يفكر بكلام صديقه.. انه محق.. ولكن.. فتح عيونه على اثر جملة سامي " اذهب اليهم قبل ان تحتاجهم في يوم من الايام.."
" وابنتي؟؟!"
تنهد سامي وقال " دعني أتكفل بهذا الامر.."
" كيف؟!" بعد ان عقد ماجد حاجبيه
" عندما تعود من استراليا سأعود بعدك بيومين على الاقل.. وحينها سأقوم بما يجب.."
"حسنا.." ماجد وكأنه لم يستسغ الامر ولم يستوعبه
"اذا علي انهاء العمل هنا بغيابك ايضا.. هيا الى اللقاء.."
"الى اللقاء.."
اغلق ماجد الهاتف بهدوء وراح في تفكيره ما بين ماضٍ وحاضر!! ما بين امل وتفاؤل؟؟ وما بين حقائق وهواجسها!!... ولم يمضي الا عده دقائق بالصمت حتى أتت الخادمة تستدعيه الى مائدة الغداء...

وعلى المائدة التي امتلأت بالقليل مما لذ وطاب تذمرت ملاك بتعب وهي تقول " اريد سوزان حتى تساعدني على تناول الطعام.."
قال ماجد بعتاب " كفاك دلالا يا ملاك.. اتركي سوزان وشأنها.."
قالت باصرار " ولكن يا ابي.. احتاجها.. اشعر ان ملعقة الطعام ستسقط من يدي.."
تنهد ماجد بقلة حيلة من دلال ابنته الزائد..ثم طلب من احدى الخدم ان تنادي سوزان.. وعند حضورها جلست بجانب ملاك.. ومسحت على شعرها الاشقر بحنان " ماذا بك يا عزيزتي؟!"
" اولا اسمي ملاك وليس عزيزتي.. (قالتها بضجر فابتسما كل من ماجد وسوزان.. ثم اردفت بنعومة..) اشعر بالتعب قليلا.."
اومأت سوزان برأسها وشرعت باطعامها بكل هدوء وعناية شديدة.. وبعد مدة..تحدث ماجد بعد ان توقف عن الأكل..
" عليك الاهتمام بها اكثر.. لأنني سأسافر.."
اومأت سوزان رأسها ولكن ملاك فرغت فاها وبحزن قالت " انك تنشغل كثيرا هذه الفترة يا ابي.. تسافر مطولا.."
ماجد بحنان " ولكنه العمل.."
" انت تهتم بالعمل اكثر مني..." ملاك وقد قوست فمها..
مسحت سوزان على شعرها وقالت بحنان " ولكنه يعمل من اجلك.. من اجل ان تكبري وتصبحي طبيبة.."
نظرت ناحية والدها " ولكنني اضجر بغيابك.."
قالت سوزان بحزن مصطنع " الا اقوم بتسليتك انا.."
" انتي كبيرة جدا.. احيانا لا استطيع التفاهم معك جيدا.." مطت شفتيها وقالت بحذر " لو ان لي شقيق او شقيقة هكذا افضل.." ثم اطرقت رأسها بحزن
تنهد ماجد وقال " ولكنه بضع ايام يا ملاك.."
" امي ليست معنا.. وانت تنشغل بأعمالك.." قالتها ثم هبت من مكانها وابتعدت.. وضع ماجد رأسه بين راحتيه بعد ان زفر بحرارة وقال " ماذا سأفعل معها.."
" سيد ماجد.." رفع رأسها لسوزان ..
" اسمح لنا بالبقاء في الملجأ حين فترة غيابك.. انا اعلم شعورها صدقني.. غياب العائلة.. (تنهدت).."
" ولكن!!.." ماجد بحيرة وخوف على ابنته
" سيكون هناك فتيات من عمرها ولن تسأم.. صدقني انا ادرك شعورها.."
زفر بحرارة ثم نهض وبقلة حيلة " حسناا.."
*********

ان وقت النهار يمضي بسرعة.. وكأن ساعاته تتسابق للوصول الى نهاية المطاف..وقرص الشمس في مسيره ينحدر عن افقه مع كل ساعة تتوالى حتى اختفى بين ثنايا الشفق الاحمر....
دخلت المنزل بكل روح مرحة.. تلفها السعادة من كل جانب.. تسير بطريقها وهي تلتقط عددا من الازهار وتشم رحيقها بكل حب.. تدندن بصوتها الأنثوي بكل حب.. ثم تدور حول نفسها بسعادة كبيرة وتضحك... وقلبها يتراقص على طبول الفرح كما يتراقص الجموع على قرع الطبول في الاعراس التقليدية... يتبعها رامي من خلفها بخطى هادئة وبطيئة يتحدث عبر هاتفه المحمول بابتسامة باهته..
خلعت حقيبتها ووضعتها رميا على الاريكة.. ابتسمت جدتها لروحها المرحة عندما قبلتها وشعرت ببعض الغرابة والاندهاش من حالها هذا
" ما بها جميلة جدتها..."
عانقتها ريم بمحبة كبيرة " هذا لأن فتاتك الجميلة ستعترف لرائد عن حبها.."
فرغت الجدة زينب فاهها بعدم تصديق " حقا.."
اومأت ريم رأسها بحياء " اجل.." ثم بلهفة وقفت وبدأت تتحرك بحماس " لقد تم تخريج والدته من المشفى اليوم.."
" هذا جيد كيف وضعها الان.؟؟"
قالت ريم على مضض " جيد جيد.." اردفت بعد ذلك بكل حب " تحدثت مع والدته واخبرتها عن مشاعري.."
" يا لجرائتك.." قالها رامي وهو يدلف الى الداخل معه بعض الملفات
" ان الحب يتطلب جرأة سيد رامي.."
اومأ رأسه " حسن ما فعلتِ.." ثم ذهب وجلس على احدى المقاعد الفردية وبدأ بادخال الملفات في الحقيبة الخاصة به..
ابتسمت له ثم وجهت نظرها للجدة وبدأت تفرك قبضتيها بتوتر " اخبرتها بشكل غير مباشر ولكن اظنها فهمت الامر.. وسمعتني جيداء.. اخبرتني ان اخبره لانه يتقدم بهذه الخطوة"
وهنا رفع رامي رأسه على اسمها وتنهد وابتسم لمرح ريم حينما قالت وهي تقفز " انه يحبني..."
ثم ركضت الى احضان جدتها وغمرتا بعضهما بحب...

اما عن ذاكرة رامي التي ذهب الى ذلك اليوم.. في المشفى عندما ذهبوا لزيارة والدة رائد بالمشفى.. في حينها دلفت اليه ريم بخطى متعجلة متلهفة حتى انها سبقتهم.. سار قليلا حتى لمح تلك الشعلة النارية جيداء.. فشعرها الاحمر الناري الصارخ يجذب بشكل لا يمكن تجاوزه.. تقف مع رجل ببذلهة سوداء قاتمه بالقرب من قسم الاستعلامات الخاصه بهذا الطابق.. يبدو انه رجل فاحش الثراء.. تسائل هامسا " أليست تلك قريبه رائد..!!" شعرها الناري الصارخ الذي جذبه من البعيد والذي يبدو جذابا لرجل يحب النساء مثله ولكن.. يد ذلك الرجل التي انقضت على معصمها لتشعر بالألم.. لم يفكر بشيء سوى انه تقدم ببطئ.... وامعن السمع لكلامتهم المتفرقة
" انظري يا جيداء..."
قاطعته برجاء ودموعها تكاد على وشك الانحدار " ارجوك.. قمت بتربيتي لسنوات طويلة.. لقد ربيتني على فعل الخير.."
تنهد ذلك الرجل " اعلم ذلك.. ولكنك.."
" انظر الى قسوتك هذه..لم اعهدها ابدا... افعل ما تشاء بي بعد ذلك ولكن قم بالدفع.."
قال بصرامة " ستعودين للمكوث في منزل العائلة.."
اومأت له بانصياع " حسنا.. انت تعلم انني لا انسى فضلك علي.. ولكن بعد خروجها من المشفى.."
الرجل بقلة حيلة " حسنا..."
اكملت جيداء بحذر " ولكن منزلي سأتركه لرائد.."

والى هنا انقطعت حبال ذاكرته بصوت جدته التي استدعته لتناول الطعام.. نفض رأسه من الذكرى ثم ابتسم لريم حيث بدا الاستغراب عليها ثم هز كتفيه مع رأسها بمعنى لا شيء ومضيا بطريقهما الى الطعام...

" أين جدتي وجدي..؟" تساءل رامي بعد جلوسه..
قالت قمر بهدوء شديد عندما تقدمت للجلوس " جدتنا متعبة.."
اكملت ريم عنها " وجدي ما زال في العمل.."
ثم بدأ الثلاثي بالاكل.. وبعد مدة تفوهت قمر وهي تبعثر الأرز في وعائها متكئة برأسها على راحتها " ريم؟!"
"مم.. ماذا؟!" وفمها مليء بالطعام
كادت قمر ان تتفوه لولا ان تحدث رامي بسؤاله الاستفزازي " لماذا تأكلين بانهماك وسرعة كبيرة؟! ألا تخشين على لياقتك!! ولن يأتي الخطاب ليقرعوا جرس المنزل.."
تنهدت قمر وعادت تبعثر محتويات وعائها بملل شديد.. قالت ريم بعد ان شربت القليل من الماء " اولا يا سيد رامي.."
"هممم" رامي بسخريته المعتادة
اكملت ريم " آكل بسرعة هائلة حتى استطيع اللحاق بحلقة المسلسل.."
اومأ رأسها " حسنا.. ثانيا.."
" ثانيا.. هناك شيء يدعى رياضه ايها الغبي.."
رفع احدى حاجبيه وقال بتهكم " وكأنني لا اعلم.."
لوت ريم فمها ثم اكملت " لحسن الحظ انك تعلم.. ثم عن اي خطاب تتحدث.. دعني اخبرك.."
ثم اكملت بغرور " وانا في طريقي اصادف الملايين من يطلبون الحب.. ومنهم من يطلب الزواج ولكنني ارفض.."
هز رامي رأسها بقله حيلة " حمقاء.. لا ادري ماذا يفعل معك شخص مثل رائد.."
ابتمست بحب ثم عادت لتشرع باكمال اكلها ولكنها لاحظت شرود وبرود قمر.. ماذا بها الآن؟! تنهدت بتعب ثم تحدثت الى رامي بهمس " هل تعلم ما بها!؟"
" لا اعلم على حالها منذ عودتها!؟"
شدت ريم على قبضتيها وقالت وهي تصر اسنانها " سأقتلها يوما ما .."
كتم رامي ضحته وقال " هل لأنها لا تخبرك بأي شيء.."
اومأت رأسها ثم قالت بجمود " قمر...." زفرت بحرارة عندما لم تتلقى اي رد من ريم بقالت بصوت اعلى حاولت ان تجعله غاضبا بعض الشي " ققمررر..."

شعرت قمر بصوت ريم الذي اخترق شرودها فباغتتها رجفة جعلتها تنتفض من سكونها ثم ترمش عدة مرات... وبعدها نظرت الى ريم بجوم حيث قالت الاخيرة " ما بك؟!"
ازدردت قمر لعابها وطاف على عقلها اسم (سالي..) ابعدت نظرها عن ريم وقالت بمرارة " لا شيء.."
ريم باصرار " قلت ما بك اخبريني!!؟"
قالت رامي بهدوء " اتركيها وشأنها!!؟"
" لا شأن للك.." ثم بحنان الى قمر " اخبريني ماذا هناك!؟"
تنهدت قمر وقالت " قلادة امي.."
نظرت اليها ريم بعدم فهم ثم ازدردت لعابها بتوتر عندما اكملت قمر " انتي تعلمين انها الذكرى الوحيدة لامي.. اخذتها خلسة.. ولا استطيع ان افرط بها.. هل اخبرتك الخادمة بشيء عندما ذهبت للتنظيف!!"
وضعت ريم يدها على انفها وبدأت تحتس به وهي تقول " لا.. للأسف.."
اطرقت قمر رأسها بخيبة امل.. ثم تنهض.. لولا صوت الخادمة التي اقبلت
" السيد كمال في الصالة ينتظرك يا انسة قمر.."
وضعت قمر يدها على رأسها "اووف لقد نسيت.."
وبعد صعود قمر درجات السلم واختفائها عن الانظار قال رامي " لماذا تكذبين عليها؟!"
نظرت اليه ريم بوجوم " حسنا.. ماذا اقول لها؟!"
" الحقيقة؟! اخبريها الحقيقة؟!"
" رامي لا تجعلني افقد صوابي الان..!"
اومأ رأسه وقال " حسنا..."
نهضت عن المائدة وقالت بضجر " ثم لماذا كل هذه النظرات الى جيداء اليوم؟!"
ولحسن حظه انطلق صوت قمر تناديه من الاعلى فنهض من مكانه بلا اي اهتمام لريم الحانقة ثم مضى في طريقه بهدوء شديد.. ثم تبعته ريم بالنهوض وذهبت الى الصاله لتشاهد مسلسلها المفضل...

فلنطوي صفحة هذا اليوم.. وتذهب بنا الايام سريعا لما بعد اسبوع تقريبا.. ولكن لتتوقف محركات روايتنا حيث ليلة افتتاح المتجر.... امتلأ الوسط بالصحفين من مختلف الوكالات وانضم اليهم ذلك القصي ليتابع تحرياته بصفته مبعث من احدى الوكالات.. وعج المكان بأصوات الموسيقى الهادئة.. والمدعوون يتجولون في المتجر بعلامات الاعجاب والابتسامه الظاهرة على وجوههم...
اما ابطالنا.. فقد قدم كل من الجد وريم ورامي فقط.. فقمر قد لازمت المنزل لانها تشعر بقليل من التعب اما الجدة زينب ووالدة ريم فقد ذهبا لأمسية طعام خيرية.... وبعد فترة تجاوزت الربع ساعة حض كل من جيداء ورائد..
احداث الافتتاح مملة.. فقد مرت بتجول الجميع في المقهى مع بعض المقبلات من العصائر والحلويات اللذيذة.. وخطاب اطلقه كل من كمال ووالده كيف بدأت انطلاقتهما وما الى ذلك من حديث ممل جعل اغلب الحضور يشعر بالملل...
اما عن الشيء الجميل الذي سيحدث وكانت ريم متوتره لأجله.. واضرابها قد ظهر مارا وتكرارا.. لولا تحذيرات رامي لها وإعطائها بعض النصائح لتخفي توترها واضطرابها تغلبت على الامر في البداية... ولكن عندما توقفت مع رائد بمفردهما ذابت كل عبارت رامي من ذهنها....
تتشبث بحقيبتها تبعثر نظرها هنا وهناك.. تبعد عيونها عنه.. وكنت حالتها تلك غريبة لرائد قتسائل وهو يحك ذقنه " ما بها الثرثارة لا تتحدث.."
ارتعدت اوصالها ثم نظرت اليه.. شردت للحظة بين بحر عيونه ولكنها عادت لشاطئ الهروب من عيونها.. فابعدت عيونها بهدوء وكادت ان تنطق ولكن شعرت لسانها ثقبل.. ازدردت لعابها بتوتر كبير لمرات متعددة امام نظراته القلقه المتفحصة..
" ريم.. هل انتي بخير؟!" وهو يضع يده على كتفه بحنان
اجفلت ريم وزاد توترها وظهرت رجفتها لرائد.. حاولت التحدث بكلام متقطع " انا.. ممم (هزت رأسها حتى تطرد توترها..) اجل بخير..(صمتت قليلا) ولكن.."
عقد حاجبيه وقال بعطفه الجميل " ان كنتي متعبه يمكنني ايصالك بسيارة جيداء.."
هزت رأسها نفيا ثم اغلقت عيونها وشعور غريب يتسلل اليها.. قالت بصوت مختنق وهي تشعر بأن المكان يغلق عليها ويكتم نفسها.." هل نخرج من هنا.."
اومأ رأسه " ان كان هذا يجعلك تشعرين بالراحة.."
ابتسمت من اعماقها برغم ظهور ابتسامة باهته على وجهها.. ثم تبعها الى الخارج والقلق يسيطر عليه.. يبدو ان بها شيء ما.. ولكنها اصرت على مجيئي بأن هناك شيء مهم للحديث.. وعندما اخبرت جيداء ابتسمت واختلست النظر الى امي.. فكرت في شيء جميل!! ولكن الآن لا يبدو ان شيئا جيدا سيحدث!!
جلست على قطعه حجرية مصممه على شكل مقعد زين ببعض من الزخارف.. متواجد على جانب الطريق يبعد القليل من المتجر... جلس بجانبها بصمت شديد وهي اثرت الصمت حاولت اخراج الكلام ولكن كأنها تقف في المنتصف وكأن هناك حاجزا قد منعها للخروج فتعود كلماتها الى مرقدها بسلام...
ان قلبها يتراقص على انغام موسيقى الحب ولكن تلك الانغام ابت ان تتحول الى كلمات يزينها العشق و امتنعت ان تخرج من حجرها الجميل الذي توطنت به.. تنهدت وهي في اوج صراعاتها الداخلية ونطقت كلمات هادئة على مسامع الرائد الذي فضل الصمت مآزرا لها..
" لماذا لا يخرج ما نفكر به ويسمعه العالم.."
ابتسم رائد بألم.. ثم اردفت بعد تنهيدة طويلة " تخرج حتى لا نتكبد عناء اخراجها.."
قال بتفهم " هناك بعض الامور لا نستطيع البوح بها...."
وقفت ثم سارت بضع خطوات " وهناك بعضا يجب قولها.."
" اجل صحيح.. ولكن ان كان البوح بها سيجلب لك المتاعب فيما بعد.."
" مثل ماذا؟َ" سألته عندما تقدمت ناحيته بضع خطوات.. ولم يفصل بينهما سوى خطوة واحدة.. رفع رأسه إلى الأعلى والتقت عيونها المتوترة مع عيونه الحائرة.. تنهد وهز رأسها دافعا الكم الهائل من المشاعر التي سيطرت عليه في هذه اللحظة الشاعرية " هناك أمورا كثيرة.."
عقدت ساعديها " ولكن هناك بعض الأمور.. إن لم تخرج منك ستندم في المستقبل وسيكون قد فات الأوان لإخبار احدهم بها...."
نظر إليها باستغراب وكأن في حديثها لغز ما.. أو شيء تحاول الإشارة إليه...عم الصمت وأخذت عيونهما تتحدث بالنيابة عنهما.... ترسل حبا وعشقا دفن في القلب ولم يظهر.. حتى أن قلوبهم فاضت حبا منذ زمن حتى انتشر سائل الحب إلى جميع أجزاء الجسد... تحركت مشاعره من خمدها وخرجت... و جرته عاطفته وتحكمت به للوقوف وبحركة بطيئة من ريم ارتفع رأسها والتقت عيونهما من جديد... وقلبها الذي يعلن حفلا صاخبا فتزايدت ضرباته وتسارعت بشكل لم تعهده حتى أيقنت أن رائد يسمع الموسيقى النابعة من لحن خفقانه... فتحركت يديها بهدوء شديد لتمسك بيده اليمنى التي ارتجفت وشعرت بذهوله الذي اعتلى تقاسيم وجهه...
وبمشاعر فياضة أخرجت سهام الحب حتى تخترق قلب رائد " راائد انا....."



**********
انتهى الفصل الحادي عشر
أتمنى ينال اعجابكم، واشوف تعليقاتكم اللطيفة عنه
وتوقعاتكم

حب كبير اصدقائي






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-20, 03:53 PM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//

" إني حين تلاقينا تحركت في داخلي الرغبة في الحياة "



(12)




" إني حين تلاقينا تحركت في داخلي الرغبة في الحياة "

(12)



" أحبك..."


نطقتها بكل حب يختلج صدرها ويغني بها قلبها وكان وقعها غريباً على مسامع رائد الذي وقف ينظر بذهول وكله صدمة أمام نظراتها المترقبة، مثل ملاك بريئة وخصلات شعرها تمايلت على نغم موسيقى النسمات الخفيفة الصيفية.

أمسكت يده بكل حنان فاستيقظ رائد من سباته وذهوله فرمش عدة مرات ثم ازدرد لعابه بتوتر وظهرت رجفه يديه لريم.. ثم أمالت رأسها بدلع وابتسمت،

قالت بنبرة عتاب: " ألن تقول شيئا!!"


شعر بتلك المشاعر الجياشة من جديد.. كأن كلمتها تسللت خلسة الى جسده ونشرت بداخله جرعة من السعادة. قابلته بابتسامة وكأن عيونه اخبرتها بما لا يستطيع البوح به هذا الكائن الجميل، وبريق عيونهما مع مصابيح الشوارع أضاءت بلمعة حبٍ علني وبدون وعي منه ومن اتصال قلبه بخلاياه العصبية شد قبضته على يد ريم وابتسم بحب كبير وقد وجد وطنه اخيرا وحن عليه..

-ان ريم بالنسبة له وطن حبه وعشقه الذي يحتويه..-

كانت كلمتها جديرة برفع غطاء الصداقة وبعثرته حتى تنسج خيوط الحب غطاءها من قلبيهما...
وبعد تلك المشاعر التي احاطت بهما انتظرت منه ان يتحدث وكأنها توحي له بعيونها ان يقول شيئا ولكنه لم يستطع.. وكأنها فهمت ذلك فابتسمت.. ثم ازدرد لعابه ببطء محاولاً اخراج ما بجعبته من مشاعر ولكنه ادرك ان اصعب مرحلة بالكلام غالبا ما تصيبك مع من تحب.. انك تعجز كيف تخبره عن الكلام الذي يموت في قلبك ودفن مقبرته بين انسجته ويبقى مخبئا في صدرك...

همست له بعد صمت " رائد..."
" همم..."
قالت بحزن " هل ستبقى صامتا هكذا؟!"
بعد تردد تفوه بهدوء " لقد.. انه.." نفض رأسه وحاول استجماع قوته للحديث.. شعرت بتوتره فابتعدت عنه وحثته على السير للجلوس..
وضعت رأسها على كتفه بهدوء وشدت بقبضتها اليسرى على ساعده فاحتضنته
" اعلم.. انها صدمة ولكن.." صمتت قليلا ثم ابتسمت عندما امسك يدها بيده الاخرى فنظرت اليه عندما قال
" كنتِ تنتظيرنها مني ولكنني كنت اخاف.."
ريم باستفهام " من ماذا!؟"

تنهد ثم شد على يدها وتحدث بتشتت " من المستقبل.. من عائلتك، من كل شيء يحيط بنا "

عم الصمت لدقائق ثم اردف " أنا حقاً متأسف، ولكنني كنت أخشى كل شيء.."

رفعت رأسها وقالت بنبره حزينة " ولكن الحب أقوى من كل شيء.. هل كنت تخشى الحب أيضاً "
همس لها " أبداً، ليس خبك يا ريم ما كنت أخشاه.."
ابتسمت بحب "كنت اشعر بحبك لي....."

نظر اليها بتفاجؤ فهل مشاعره كانت ظاهرة لهذه الدرجة ثم اغلقت عيونها بحالمية وما زالت متشبثة بقارب حبها.....


عصفت عاصفة الحب في جسده فتزايدت ضربات قلبه واعلن ثورته الجميلة فأخرج كلمته بعد انتهازه فرصه اغلاقها عيونها وذهابها الى احلامها الوردية.... اقترب منها قليلا وهمس بصوته الذي تعشقه
" انتِ السلام الذي اسعى اليه.. والنور الذي سوف يضيء عتمتي.. انتِ ستكونين بصيرتي ووطني الجديد..."

فتحت عيونها على اشدهما ونظرت اليه باستغراب ثم تحولت فيما بعد الى نظرة مليئة بالحب.

*********

والحب سكن قلبيهما الطاهرين.. وكأن قلب رائد تحول من صحراء قاحلة الى جنة يرويها حبها ويرعاها طيف فتاته الجميلة... فريم اصبحت تغني والابتسامة تشق طريقها ومشاعر الخوف والحزن اختفت منذ ان ملك قلبها واعلن حبهما... لقد اسرها وجعلها اسيره هواه متيمة به ومتيم هو بها.. يحملان بداخلهما حبا جميلا يجعلهما يسيران الى الامام برغبة مجنونة تدفعهما لتحقيق المستحيل....

وبرغم قلة لقاءاتهما في الاسبوع الذي مر الا ان لعنة الحب تسيطر على قلب كل من روميو وجولييت ــ كما سماهما رامي ممازحا كعادته ــ .

وخلال هذا الاسبوع ظل رائد محاصرا بين جدران عمله.. وجدران المنزل معتنيا بوالدته.. وكانت ريم تساعده وتخفف عنه بعض الاعباء... وذهبت جيداء مغادرة المنزل تاركة لرائد والعائلة اخذ المجال والراحة به، واستقرت مع والدها الذي رباها مكرهة بعض الشيء ولكنها تشعر بالقليل من الحنين.. اما ذلك القصي فقد كان كالظل لريم ومن تقابله، يتبعها خفية طيلة الايام... اما قمرنا الجميل استقرت ما بين المنزل والعمل ولم تسنح لها الفرصة للخروج والترويح عن نفسها فقد كانت الاعمال شديدة هذه الفترة ما بين عمل الشركة والتدريب بها.. وبين معهد الرسم... وكما انه توطدت علاقتها مع تلك الفتاة التي تدعى (ليليان..) وكونت صداقة بريئة جميلة تداخلت بها ريم للتعرف على تلك الصديقة الجديدة لابنة عمها البريئة التي تحمل قلب طفلة...



*********

اليوم ( أي ما بعد الاسبوع...) والوقت قارب لعصر هذا اليوم الحار.. تنهدت قمر بتعب فأخيرا حان موعد تحريرها من هذا السجن.. فقد انتهى عملها الشاق والمتعب وستحرر يدها من اقلام التلوين لبضع ايام فقط، فهي تريد اخذ قسط من الراحة.. تشعر ان اصابعها تكاد ان تُكسر وتصبح فتاتا من كثرة الرسم والتدرب هذه الفترة..

لملمت بعضاً من اوراقها ووضعتهم في حقيبتها السوداء.. ثم رتبت الاوراق الاخرى والملفات على مكتبها الزجاجي.
زفرت بحرارة وهي تشعر ان جسدها بأكمله ينهار تدريجيا وان قنبلة ننوية اطلقت فيه واحدثت انفاجارات في عظامها... اخذت الملف الاحمر عن مكتبها وامسكت بحقيبتها وغادرت قسمها.. استقلت المصعد وضغطت على ازراره.. ثم وقف بسرعة على احدى الطوابق.. راحت بطريقها وتفرعت بممرات هذا الطابق ليستقبلها قسم صغير.. توجهت خطاها ووضعت الملف الاحمر على احدى المكاتب الموزعة في هذا القسم ... ثم من بعدها خرجت من القسم.. ثم من الطابق حتى تخرج بعدها من الشركة بأكملها..
اخذت نفسا قويا جعلها تشعر بقليل من الاسترخاء.. ابتسمت عندما اقبل سائق العائلة فدلفت قمرنا الى السيارة بابتسامتها اللطيفة التي توحي كأنها طفلة صغيرة وولت من بعد ذلك السيارة كالشبح في طريقها....



وعلى منظر الغروب وقفت على شرفتها كعادتها تلتمس اشعه الشمس الحمراء التي تتوارى خلف الشفق.. بفستان ابيض طويل بغير اكمام.. ارتدت من فوقه سترة خفيفة.. وعقدت شعرها كجديلة فرنسية التمتعت ثناياه وبرقت عيونها من انعكاس الشمس... تنهدت بعمق وابتسمت بشفافية كبيرة... انها تحب ان تقف على شرفتها كل صباح وحين غروب الشمس.. فهذه الاوقات يشعر بها الانسان بدفء الكون.. وبهدوء شديد يسيطر عليه وسكينة وطمأنينة بالنفس... يشعر انه ضمن لوحة فريدة جميلة بألوان خلابة وعطر مختلف نابع من الازهار المختلفة وتشعر هي ان الهواء له رائحة زكية تشتمه فيكون دواء لها يشفيها ويجعلها ساكنة هادئة..... واما ما يبدد هذا السكون كالعادة دخول ريم بشكل لا يليق بالفتيات تفتح باب الغرفة وتهرول بسرعة.. فاحتضنت قمر من الخلف بشدة.. وقالت " احبه.. احبه..."
زفرت قمر بحرارة " أحبيه...."
ابتسمت ريم وابتعدت عن قمر " ها عدتي الى هذيانك والنظر الى الطبيعة الخلابة؟!"
" هل تسخرين مني؟!"
اومأت ريم رأسها بمرح ثم قالت " انه من افعال.. المجانين!!" قالتها وهي تشير بيدها بحركة تشير الى المجانين ثم ضحكت بمرح..
ابتسمت قمر لها وتنهدت بعد ذلك ثم قالت بعتاب " دائما ما تقطعين خلوتي..."
" اني اسألم لوحدي ماذا افعل!!"
قالت قمر بتهكم مازح " واين حبيبك ذو الحصان الابيض؟!"
ضربتها ريم بخفة فضحكت قمر ضحكتها الرنانة... ثم شهقت ريم مما اجفل قمر.. ثم قالت " تذكرت...."
"ماذا؟!"
" اريد منك خدمة ما.." ثم سحبتها بسرعة من يدها حتى كادت قمر ان تتعثر وتقع ارضا... وجرتها خلفها حتى تصعد السلم بسرعة وقمر لا تستوعب شيئا فقط خضعت لسيطرتها المفاجئة وتضحك في نفسها على تصرفات ريم التي لا تناسب عمرها بتاتا....


" هل تتذكرين عندما كنا بالمشفى وقامت جيداء بتصويرنا.." امسكت مقبض باب مرسم قمر.. و قالتها ريم بشكل سريع بالكاد استطاعت قمر فهم معظم كلماتها...

" ماذا؟!" قمر بعدم استيعاب
تنفست الصعداء ثم اخرجت هاتفها ووضعته امام عيون قمر وقالت " اريدك ان ترسمي هذه.."
ضيقت قمر عيونها وقالت " حقا؟؟ اترك اشغالي و.."
قاطعتا ريم " ثم انك اخذتي اجازة ايتها الماكرة.. هل استصعبتي رسم رائد وانا فقط.." ثم قالت بخبث " ام انك فقط ترسمين شقيقي مجد.."

توسعت عيون قمر وازدردت لعابها بتوتر.. بالتأكيد رأت رسومتها عندما احتلت غرفتها فجأة تلك الليلة.. ثم قالت " لقد رسمت العائلة بأكملها.."

جلست ريم على الكرسي ووضعت رجلا فوق رجل وعقدت ساعديها كمدير يريد التحقيق مع طالبه " حقا... ولكن هناك عدة رسومات لمجد.."

نظرت اليها قمر وقالت ببرود وهي تتجه ناحية احد الادراج.. " خذي كل هذه وانظري.." قالتها ثم وضعت لها اوراق تحتوي رسومات متعددة... نظرت ريم الى الاوراق ثم الى قمر.. حيث بدى عليها القليل من الحزن .. ثم قالت ريم بأسف " قمر لم اقصد شيئاً أنا فقط.."

هزت قمر كتفيها " لا عليك.." صمتت ريم وهي تشعر بقليل من الذنب فقمر فتاة حساسة ولا تظن ريم ابدا ان هناك مشاعر من قمر اتجاه شقيقها حاد الطباع.. تنهدت ثم صوبت نظرها الى قمر حين قالت " حسنا.. ارسمها لك.. ولكن اريد لها صورة على الورق حتى استطيع رسمها فلن احفظها ظهرا عن وجه قلب هكذا.."

ابتسمت ريم وقفزت بحماس ثم اتجهت الى قمر واحتضنتها ثم قبلتها قبلة عميقه فضحكت قمر بخفوت...
" هيا بنا.." قالتها ريم ومسكت يد قمر
عقدت قمر حاجبيها " الى اين؟؟!"
" الى غرفة مجد؟!"
نظرت اليها قمر بعدم استيعاب ثم بدأت تنطق بصعوبة " ماذا؟َ"
" هناك طابعة بغرفته.."
اومأت قمر رأسها بهدوء ثم قالت بتوتر " اذهبي انتِ.."
" دعينا نستغل سفره.." ريم مع ابتسامة ماكرة
تنهدت قمر ثم سارت خلف ريم بقلة حيلة.. وبداخلها مشاعر غريبة كادت ان تدفنها في قلبها ولكنها عاودت للطوفان على بحر حبها وشوقها....
********

فتح الليل اجنحته منذ زمن وغمر الارض ظلام دامس ما عدا اضواء مصابيح الشوارع والطرقات.. ونور القمر يرسل اشعته البيضاء الى الكون ترافقه النجوم مسيرها في هذا الليل.. وتستمع مع قمرها الى الاغاني والموسيقى التي تضج في الطرقات... وعيون قمرنا تسللت من سريها الى الشرفة... تنهدت بحرارة وكانها تخرج تأجج نيرانها الداخلية ولكن لم تفلح بذلك.. هناك شيء يقبض على صدرها لا تدري ما هو.. وكأن صدرها يضيق مع مرور الوقت... تشعر ان غرفتها لا تسعها وكأنها جدرانها تضيق تدريجيا... تنظر الى الساعه من وقت الى اخر.. زفرت بحرارة فان الساعة تسير بخطى متثاقلة بطيئة.. ابعدت غطائها الخفيف واعتدلت في جلستها ابعدت خصلات شعرها المتناثرة التي تحاكي ظلام الليل وارجعتها خلف ظهرها...

وضعت يدها على قلبها وشعرت بتسارق في دقاته فابتسمت وتذكرت المشاعر الخفية التي لم تظهرها عندما دلفت داخل غرفته مع ريم.. تنهدت ثم مدت يدها ومن اسفل وسادتها اخرجت صورة والدتها وقالت بهمس " لقد اطال غيابه.. متى سيعود..اخشى ان لا يعود.. استصعب غيابه كثيراً، "
تنهدت بحرارة ثم أكملت "انظري لقد وعدتك ان اكون قوية واصبحت كذلك.." امالت رأسها وبضحكة " قليلا.."

لم تتفوه بحرف بعد ذلك وضمت الصورة الى قلبها الذي اعلن حرب الشوق والحنين هذه الليلة.. ولكن رافقها اسم (سالي) تلك من جديد.. فزفرت بحرارة ونفضت رأسها بعد ان ساورتها الافكار السيئة.. وذهبت بخيالها الى اخطر الاحتمالات التي تذيب قلبها ألما ولكنها في كل احتمال تطرده من عقلها الى ان آل بها المطاف ان وقفت بعد ان نظرت الى الساعه وكانت قد تجاوزت الواحدة من بعد منتصف هذا الليل الهادئ.. وانعكس هدوءه على اركان المنزل اكمل.. فتحت باب غرفتها ثم خرجت الى الممر.. سارت على اطراف اقدامها بهدوء وحذر.. ثم صعدت عبر السلم الى الطابق الاعلى.. وبعد ان وصلت نظرت ناحية اليمين وناحية الشمال وسرت فيها الحيرة والتردد.. ثم عزمت ان تذهب الى غرفته لعلها تجد الامان الذي تبحث عنه... استادرت بجسدها وبدأت بالسير ولكن كانت تتقدم بخطى مترددة فتقدم خطى وترجع الاخرى وهي تحتس طريقها المظلم...



وصلت اخيرا.. امسكت مقبض الباب وشعور مخيف يجتاح كيانها.. هناك في القلب شيء لم تستطع تفسيره هل هو ألم ام انقباض؟؟؟ فداهمها الخوف كشرطي يبحث عن السارق.. وهواجس شتى احاطت بها.. اغلقت عيونها واخذت نفسا عميقا.. وهمست حتى تبعث الهدوء على نفسها " لا يوجد شيء.. لن يعلم احد..."

فتحت عيونها وادارت مقبض الباب.. دخلت وشعرت بالراحة قليلا.. سارت ببطئ وهي تبحث عن طيفه.. ولكن استقبلتها صورته ببذلته السوداء ممسكا بحقيبة رجل الاعمل.. ابتسمت بحب واعلنت عيونها بريق الشوق والحنين واختلطت مشاعرها في قالب الحب ما بين شوق وحنين.. وما بين بعد وكره...

ارتسمت علامات الحيرة على وجهها القمري وبرغم قلة الاضاءة استطعات رؤية بعد الملاحظات في احد الجوارير المفتوحة.. يبدو ان ريم قد نسيتها.. وقفت فترة مترددة ثم اقبلت يداها المرتجفة واخذتها من مكانها.. وذهبت حتى تجلس على سريره بلون سواد الليل.. يبدو انه يحب اللون الاسود فديكور غرفته يدل على ذلك.. وكما ان ملابسه ايضا... تنهدت ثم وجهت نظرها وهي تطرد ذكرياتها الى تلك الملاحظات على اوراق صغيرة كتبت بخط اليد... ومع مرور الوقت فكما حل الليل على المدينة حل الليل على قمر وغطت في سباتها العميق.....



********



يرتدي الصباح رداء بلون النقاء والجمال.. يلوح للأفق بأن القادم اجمل فيبث بأنفاسه نسيما جميلا عليلا.. مع قطرات الندى التي تستيقظ بها الازهار واوراق الشجر.. وشمسنا تعلن عن حبها للنهار فتعانقه مع ابناءها من الطبيعة وبابتسامتها الجميلة تستقبل جميع الافراد وبأشعتها الذهبية قبلت من استقبلها عبر النوافذ المفتوحة...

تململت في سريرها بنعاس شديد ثم تثائبت بانزعاج لصوت ريم التي تطرق الباب... جفلت للحظة ثم نهضت نظرت حولها باستنكار.. وانتابها صمت عميق ودهشة بالغة.. ظلت في مكانها تنظر بدهشة دون ان تتكلم.. وعياناها تتسائل باستفهام...

انها في غرفتها!!! كيف؟!.. اخر ما تتذكره انها كانت تقرأ بملاحظات مجد ثم غفت على سريره والآن هي هنا.. كيف انتقلت الى هنا.. ام تراها كانت تحلم... اخذت تحاول نفسها بحيرة واستغراب ولكنها لم تجد اي طريق للمناص من حيرتها التي استولت عليها، وعجزت عن تفسير ما تسائلها به نفسها، وأطرقت قليلا وهي تفكّر، ثمّ رفعت رأسها عندما لم تجد اي جواب، وقالت بلا اي اهتمام وبذهول " ادخلي.."

دخلت ريم بلهفة وحماس وقات وهي تتوجه ناحية قمر التي ما زالت على وضعيتها " هيا.. هيا.. حان وقت الانتقام.."
" ها..ماذا؟!" قمر بعدم استعياب بعد ان استيقظت من غفوة الحيرة التي ملأتها
تأففت ريم وقالت " ما بك ألم نتفق ليلة امس بعد دخول رامي بشكل مفاجئ وارعبنا عندما كنا في غرفة مجد.."
اومأت قمر رأسها " اجل.."
" اذا هيا بسرعة انها التاسعة والنصف..."

اردفت ريم عندما انهضت قمر بالرغم عنها وهي تعطيها اوامر قيادية لا يجب مخالفتها " ارتدي ملابس مريحية..."

وقفت قمر فجأة وصمتت... حين قالت ريم بعجلة " انتظري دعيني اخبرك الخطة..."



وفي تمام الساعة العاشرة... جلست قمر بلباس بيتي تتصفح عبر الكمبيوتر اللوحي بعض رسومات الاشخاص الهاويين... تشرب القليل من القهوة المثلجة بين حين واخر يقابلها رامي الذي يحصى ميزانيه عمله... اما ريم كانت تحدث رائد على مقربه منهما وهي تبتسم بكل حب وطيور العشق تحلق فوقها... انهت المكالمة واغلقت هاتفها ثم اشارت من بعد الى قمر بأن تبدأ بالتنفيذ...

تركت قمر ما بيدها ثم قالت بهدوء " رامي..."

رامي وهو منشغل بعمله " اطلبي يا جميلة الجميلات.."

ابتمست بخجل وقالت " ما رأيك ان نلعب لعبة.."

" انا موافقة.." قالتها ريم بعد ان جلست

رفع رأسه وقال بحيرة " ماذا تريدين؟!"

قمر ببراءة " ان نلعب.."

ابتسم رامي وترك ما بيده " حسنا.. لك ما تريدين.."

صفقت ريم بيدها بحماس وقالت " ما رأيكم ان نلعب الكرة.."

شهقت قمر وقالت " انها للفتيان.."

ضحك كل من ريم ورامي.. وقال رامي " ولريم ايضا..."

ضربته ريم " اصمت.. وانت دائما تخسر امامي.."

لوى رامي شفتيه بضيق " حسنا.. ولكن لعب على الخفيف من اجل قمر.."

وبينما هم ينهضون قالت ريم " من اجل قمر ام من اجل عدم خسارتك.."

نظر اليها رامي بمعنى ان تصمت فلاذت بالصمت وذهب هو لاحضار الكرة... واشارت ريم لقمر بعلامه النصر فابتسمت قمر.. ثم همست ريم وهي تقترب منها " لا تنسي الخطة.."

اومأت قمر رأسها بانصياع..



" اذا هي بنا.." رامي ثم وضع الكرة تحت قدمه..

وخلال اللعب تتدحرج الكرة ما بين ريم وقمر ورامي.. حيث كان الفريق اثنان ضد واحد.. اي قمر وريم فريق ورامي فريق لوحده.. واستمر اللعب حتى دفع رامي الكرة بغير قصد باتجاه قمر...

لهثت قمر وقالت " لقد تعبت..."

ركع رامي ووضع يديه على ركبتيه " وانا ايضا.." وعقب جملته اذ بشيء يصتدم رأسه بقوة وتنطلق ضحكة الفتاتين معا... وضع يده على رأسه وهو يعتدل في وقفته ونظر اليهما ببلاهة ثم تحولت نظرته الى تحدي...

" هل هذا الذي تجازونني به..."

وضعت ريم ساعديها على خصرها بتحد ايضا وقالت بصراخ " هذا ما تستحقه.."

اشار اليها رامي بسبابته " ايتها الشريرة.."

ضحكت قمر ثم تبتعتها ريم فصرخ رامي " وانت يا قمر لقد اعلن الحرب بيننا..."

ثم ثنى قميصه الزيتي عن ساعديه وقلص صوله.. وقال وهو يسير مهددا " سترون الان.."



وبدأت بعدها الملاحقة.. يركض هو بكل قوته يحاول اصطياد احدهما ولكن كان خياره الاول والاخير ريم.. كانت الفتاتان تهربان يمينا وشمالا.. كل في اتجاه ورامي يتعمد سلوك الاتجاهين مععا.. تحاولان افرار.. ولكن ريم لوحدها من استطاعت وبقيت قمر في ساحة الحرب مع رامي..



" لقد بقيت وحدك وخانتك تلك الحمقاء.."

ازدردت قمر لعابها بصعوبه وقالت " انت ظيب القلب فلا.."

قاطعها وهو يسير ببطئ " ولكنك تستحقين.."

وتبدأ حرب الملاحقة من جديد يتخللها ضحكات من قمر وتحدٍ وتهديد من رامي اللذي يحاول الوصول اليها ولكنها تنجو بالفرار وريم تختبئ داخل المنزل تراقب الوضع بتأهب من خلال الشرفة المطلة على الحديقة...



تلهث قمر اخيرا عندما وصلت الى طريق شبه مسدود.. وصلت حيث البركة الدائرية الشكل.. والماء فيها يلمع من اشعه الشمس.. حيث وضعت قمر يدها على جبينها حتى تحجبها.. فقال رامي " هيا اخرجي.. يكفيكي.."

هزت رأسها نفيا " ستقتلني.."

ضحك رامي وقال " كفاك حماقة انتي الاخرى.."

سارت للخلف خطوة عندما تقدم رامي بضع خطوات.. فنهرها صارخا بحدة " قمر.. هيا.."

وما كاد ان ينطقها حتى سارت للخلف كم خطوة ثم صرخ رامي وهو يقترب اكثر " توخي الحذر..."

وانطلقت صرخة منه تعبر عن الرعب عندما شاهد جسدها النحيل ينحدر الى الخلف وتسقط في البركة....



*********



الظلام حاد كالسيف.. والحرارة شديدة كأنها وضعت في مشواة تلفظ أنفاساً حارة.. صوت حفيف الأشجار المخيف الذي يدب في النفس شعوراً بالفناء.. تركض بسرعة من بين الظلمات.. هل هي غابة؟؟ هي حقاً لا تدري.. تسمع صوت البوم على هيئة صوت أنثوي يتوعد ويهدد.. ازدردت لعابها بصعوبة مع رجفة أطرافها بل جسدها بأكمله تكاد تحاول تمييز ذلك الصوت... ولكن بلا جدوى فكأنه يأتي همساً من البعيد أو على هيئة أصوات متداخلة فيصنع خليطها ضجيجاً يكاد يثقب طبلة الأذن..

تركض بسرعة وأمامها الظلام وصوت لهيب من النار يأتي من البعيد.. تعثرت عدة مرات وفي المرة الأخيرة وهي تنهض نظرت إلى ذلك الشيء الذي يطاردها يبعد عنها مسافة ليست بقليلة ولا بعيدة.. كأنه شبح ناري ظهر من العدم.. أغرورقت عيونها بدموع الخوف واستدارت مسرعة في ركضها وانتفاضة جسدها ذعراً تظهر وهي تركض.. حتى سقطت على الأرض الطينية اللزجة التي أخذت تلتصق بجسدها كمادة اللصق فلا تستطيع إبعادها.. وضعت يدها على صدرها بتهالك شديد فلن تستطيع الركض بعد الآن.. وحيدة.. خائفة.. هشة.. ضعيفة كعادتها.. نظرت من بين دموعها في الأنحاء ولكن ذلك الشبح اختفى.. تنفست الصعداء وحاولت إزالة جسدها من ذلك الطين الذي تظن أنه يجذبها اليها أكثر فأكثر.. ولكن ما لبثت أن شهقت بقوة على إثر ذلك الصوت وما تبعه من صدى تردد حولها لمرات ومرات..

" ليتها تموت وأتخلص من عذابي.. كما تخلصت من والدتها.."

أخذت تبكي وتبكي انهيارا وضعفا.. انها حتى لا تستطيع ان تصمت ذلك الصدى.. صرخت بانهيار وشلالات دموعها تروي الأرضية الطينية من حولها فتقطعت أنفاسها..

أغلقت عيناها باستسلام لوحدتها.. لضعفها وانهمرت دموعها قوية تزلزل قلب ذلك الذي تسلل صوته الدافئ إلى مسامعها " ألم أقل لك لا تبكِ"؟

شعرت برعشة غريبة سرت في جسدها.. وكأن ذلك الصوت أتى من الجنة.. وكأنه السبيل إلى الحرية والفرار من الوحدة والضعف.. هو الملاذ والملجأ لجفاف دموعها.. وانهيار جبال الهم والحزن.. فتحت عيونها بأمل لرؤيته ولكنها رأت الظلام من جديد.. ولكن هذا الظلام مصحوبة برائحة زكية.. مع يدين كبلتا جسدها واحتضناها بدفء شديد..

" عندما تكونين بأمس الحاجة لأحد.. وفي أوقاتك العصيبة، تأكدي تماماً أن هنالك من سيقوم بحمايتك وإخراجك من حالك الحزين.. سأزيل دموعك المؤلمة وألقي بها بعيداً.."

شدت على قميصه ودفنت وجهها في صدره.. وكأنها تقول له " خذها من الآن لا تعيدها إلي.."

ابتسم بحنان ومسح على شعرها " سأكون بجانبك دائماً فلا تقلقي.. سأكون كحارسك وملاكك الذي يحميكِ.. سأكون دائما معك.. فإن لم أكن ممسكاً بيدك.. فأنا بقلبك.."

أومأت وهي تشعر بالراحة " أنت دائماً في قلبي.."

" لا تبكِ.. من بعد اليوم أخبريني إن احتجت درعاً حامياً لدموعك اللؤلئية.. فأرسم بريشة السحر ابتسامتك الأبدية.." صمت قليلاً ثم أردف " أعدك.."

وأعقب جملته بأن بدأ بالابتعاد.. وكأنه فك قيدها..حاولت الوقوف بسرعة قبل أن يبتعد ذلك الملاك الذي أتاها فلم يسعفها الوقت لامساك يده.. بدأت دموعها بالانهمار من جديد.. إنها تريد الأمان الذي سيطر عليها من قليل.. لا تريد لذلك الشخص أن يذهب..

جثى على ركبتيه ومسح دموعه بكلتا يديه وبصوت مختنق " أرجوك لا تبكِ.. أنا هنا.. بجانبك.."

هزت رأسها نفياً وبصوت مجهش بالبكاء خرج صوتها محملاً بالجراح " ابقى معي.."

احتضنها بهدوء وربت على ظهرها فاغلقت عيونها واتكأت على صدره تنعم بهذه اللحظة.. " أنتِ تسمعين صوتي..أليس كذلك؟!"

أومأت رأسها وعادت دموعها تتزاحم على وجنتيها فبللت قميصه ذو الرائحة الجميلة.. شد يديه حولها واعتصرها بين حناياه " إذاً حاولي كبت دموعك تلك.. فلم تعودي لوحدك بعد الآن.. سأكون معك دائماً..."

ابتسمت براحة كبيرة.. ثم فتحت عيونها ببطء شديد.. تراءى لها ذلك الشخص.. فقالت بصوت واهن باستغراب " مجد..."

بادلها الابتسامة التي تخترق بسهام الحب قلبها... قطبت جبينها ثم أغلقت عيونها براحة من جديد...







مع ابتسامة خفيفة نبعت من أعماق قلبها.. وعلى سرير أبيض اللون.. فتحت مقلتيها العسليتين تدريجيا.. رمشت عدة مرات حتى اختفت الرؤية الضبابية.. دارت بعيونها أرجاء المكان.. عقدت جبينها استغراباً.. فأبن هي!! انتقلت من ذلك الظلام الى غرفة بلون الأزرق السماوي.. تحيط بها رائحة غريبة.. وهناك ما يشعرها بوخز خفيف في يدها.. نظرت جيداً فهذه الغرفة الزرقاء والرائحة الغريبة وذلك الوخز من المغذي المتصل بيدها.. إذا هي خرجت من ذلك الحلم الجميل فاصطدمت بواقعها وهي بالمشفى...





" اذا استيقظ قمرنا الجميل..."

أومأت رأسها وابتسمت ثم تنهدت بملل و فغرت فاها مع شهقة خفيفة.. فهناك ألم اجتاح يدها عندما حاولت الاعتدال في جلستها..

تقدمت الممرضة بسرعة وقالت مطمأنة " مجرد كسر بسيط.."

قوست قمر فمها باستياء وبابتسامة تحدثت الممرضة وهي تساعدها بالجلوس " سيزول ألمه ولو بعد حين.."

أومأت قمر رأسها بهدوء ثم تسائلت عندما استدارت الممرضة مبتعدة عنها " ألا يوجد احد من عائلتي هنا..."

" جدتك ذهبت فقد تعبت.. أما البقية لا أعلم..." قالتها الممرضة ثم ابتسمت عائدة تحمل صينية الطعام " والآن وقت الطعام.."

تأففت قمر ثم قالت بامتعاض " لا شهية لي حقا.."

نظرت اليها الممرضة باستياء " ولكن انظري كم عظمك رقيق.. يجب عليك الغذاء.."

" ولكن..؟" قمر باعتراض..

وقبل ان تتفوه الممرضة بأي شي فتح الباب على مصارعيه ودخلت ريم بحنق " ما هذا اجلسي مع الذكور فستحصدين جنونا عقليا منهم.."

ضحكت قمر بخفة.. ثم تفوهت الممرضة مستنجدة " انا لم استطع الاقناع.." ثم اتجهت الى الخارج..

نظرت ريم الى الطعام ثم الى قمر بتحذير.. حيث اشارت لها الاخيرة بتقاسيم وجهها بمعنى انها لا تريد..

قالت ريم بضجر " ولكن حقا يا قمر.. لا تفقديني صوابي انتي الاخرى.."

قمر باصرار " ولكن حقا لا شهية لي.."

أومأت ريم رأسها باستخفاف " اذا ان فقدتي حاسة الشم لديك لا تقولي ما السبب.."

نظرت اليها قمر ببلاهة " كيف؟!"



" لا تصدقي هذه الحمقاء.. تحاول ان تكون مثقفة فقط.."

شدت ريم على قبضتيها ثم التفتت الى رامي بغضب ولكنه لم يعرها اي اهتمام فسار في طريقه مبتسما

" بالشفاء يا جميلة الجميلات.."

ابتسمت له قمر ثم قالت بانزعاج " ألن تكفا عن قلة العقل هذه؟!"

نظر اليها رامي باستهجان في حين أن ريم شهقت اثر جملتها.. ثم تبادلا النظرات اللاسعة نحو قمر التي ارتعدت وقالت " حسنا حسنا.. لم اقصد.."

ابتسم رامي وقال بغرور وهو يشير الى ريم " هذه من يجب نعتها بقلة العقل؟!"

صرخت بغضب " رامي.."

انطلقت ضحكة عفوية من قمر على مظهرهما الطفولي... في حين صدر صوت الممرضة الآتية من الخارج " لو سمحتم يرجى عدم الازعاج.." وكانت تشير بوجهها على تعابير لم تدركها قمر.. ولكن الزوج الآخر فهم المقصد من دخول الممرضة.. فلوت ريم فمها بضيق ثم همست لرامي " أنت السبب..."

وبذات النبرة قال رامي " بل أنتي.."

قالت قمر بانزعاج " اخرجا.. لقد سببتما لي الصداع.."

أخذت نفسا عميقا بعد خروج رامي وريم من الغرفة بعد شعورها بقليل من الاحراج بسبب صراخها المفاجئ.. وبعيدا عن شعور الندم استرخت على السرير فانها تشعر بقليل من التعب ولا شهية لها للأكل في هذا الوقت..فساعة الحائط كما يبدو لها تشير الى السادسة مساءً...مر طيفه أمام عيونها الناعسة المبحلقة بسقف الغرفة ثم ابتسمت تلقائيا وهي تستذكر الحلم الغريب الذي غزا نومها.. كيف لذلك الشيء الجميل أن يحتل كيانها بأكمله !! وكيف له أن يستقر في حلمها هل شوق قلبها ام بعثرة اجزاء ذاكرتها بالبحث عنه.. انها حقا اشتاقت له اشتاقت لتلك العيون الحادة ولذلك السم القاتل أيضا.. اشتاقت له بحجم أنفاس العالم.. انها تنكر حبها وكل ذرة مشاعر تولدت سابقا في قلبها..ولكن تلك المشاعر التي دفنت في مقبرة حبها تأججت وخرجت هذا المساء..فمن بين تلك الاشجار الكثيفة الموحشة ومن بين الظلمات اضاعت طريقها حتى جاء ذلك النور واحتضنها بدفء أحضانه... أما آن له الخروج من أحلامها ويستقر هنا على أرض الواقع.. ألم يحن الوقت لتلك المسافة أن تقصر ،ولكوم الاشتياق الهائل أن يندثر!! أما حان لطيفك بأن يتبدد ويتحول الى شخصية تقف أمامي!!

وهل سيظل بعيدا ذلك الحديدي؟؟

تنهدت بتعب وأغلقت عيونها حتى تنام بسلام وتنعم براحة لجسدها بأكمله.. ولتبعد الشوائب الفكرية من عقلها.. والوضع هادئ هدوء الموت بالغرفة لا يشوبه أي صوت...

وعلى حين غرة بينما تحاول السفر الى نوم هانئ بطيفه من جديد كُسر حاجز الصمت المحيط بجدران الغرفة الزرقاء.. صوت انفتاح الباب.. ولم تمتلك القوة لفتح عيونها فشعورها بالتعب كفيل بهدم قدرتها بالحراك...

جاء صوت الممرضة من جديد تقول باستياء " ألم تتناولي طعامكِ؟!"

ثم تبع صوت الممرضة.. صوت ارتداد الباب دليل على اغلاقه..شعرت قمر بقليل من الانزعاج ولكن لم تعر الامر اي اهتمام فكما دخلت الغرفة ستخرج منها لا محالة.. استرخت اكثر في سريرها مع شعورها بقليل من الألم في يدها.. وحاولت ان تلتفت بجسدها الى الجهة الاخرى ولكن... صدرت تلك الرائحة الجميلة.. رائحة قريبة من القلب تعرفها حد المعرفة.... اخذت تحلل الرائحة وكأنها مسألة رياضيات معقدة.. تشابكت خيوطها بطريقة معقدة يصعب ايجاد حل لفكها حتى ذلك الصوت الذي خرج من العدم....

" أنا سأطعمها..."

فتحت عيونها على أشدها وهي تشعر بأن خلاياها العصبية متحفزة وتعمل باندفاع.. بل جعل ذلك الصوت كل خلية في جسدها تنتفض وعضله قلبها تثور وتضطرب.. لقد فقدت الشعور بجسدها انها حتى لا تسمع الا طنين ضربات قلبها العنيفة التي تتقاذف الخفقات بسرعة هائلة...

شعرت بذلك الشيء يسير ويتجه بطيفه نحوها.. ومع كل خطوة تسمعها من كعب الحذاء تزدرد لعابها بصعوبة حتى جف حلقها...


ارتعدت اوصالها وكادت لشهقة ان تخرج من حنجرتها.. تسمرت في مكانها لا يقوى جسدها على الحراك تنظر بذهول الى تلك العيون الرمادية وتعلقت بها عيونها الناعسة...

هل ما تراه صحيح؟؟ ام انها صورة خيالية ترائت لها بسبب اشتياقها؟؟!

" لماذا لم تأكلي الطعام؟!"

ذاب قلبها وجمد الدم في عروقها.. ثم ترقرقت الدموع في عيونها.... واغلقت عيونها لتتلاشى تلك الصورة من أمامها....

كيف أمكن للخيال أن يتحول إلى حقيقة !!!
إنها تحلم بلا شك،...


******

قطبت جبينها باستياء بعد ان جلست على المقاعد الخارجية في ممر المشفى... مرت دقيقة صمت تحاول فيها الوصول الى استنتاج ما ولكن أبت طرقات عقلها بالتفكير السليم..نفضت رأسها ثم تأففت.. وتبع ذلك تلك اليد الممدودة امام انظارها بكوب قهوة...

" شكرا لك.." قالتها ثم تناولت الكوب من يد رامي المعلقة بالهواء

جلس رامي بجانبها وقال باستغراب " ما بها الحمقاء؟!"

نظررت اليه ريم باستياء ثم " اتركني وشأني أرجوك.."

عقد جبينه استغرابا وشعر أن هناك شيء مهم تفكر به " أخبريني!! ربما استطيع مساعدتك؟!"

نظرت إليه بابتسامة أمل " حقا.."

أومأ رأسه بالايجاب ثم ارتشف القليل من قهوته..

" لندعي ان هناك مؤسسه ما.. كان يترأسها شخصين... مممم"

" اذا.."

اردفت بحزن " توفي احدهم.."

اعتلت تقاسيم وجه رامي الغرابة ثم قال " أكملي.."

" قبل وفاته كان رأس المال وكل شيء مقسم بالتساوي بينهما... وبعدها ( وهنا غلف نبرتها الحزن والحقد) ولكن الاخر استولى على كل شيء مع ان المتوفي قد ترك ماله وحصته بالمؤسسة لأولاده..."

اومأ رامي رأسه بتفهم ثم قال بعد ان اخذ كوب قهوتها ووضعه جانبا " تتحدثين عن رائد.."

نظرت اليه بهدوء ثم اجابت بمرارة " أجل.."

تحدث رامي بتفكير " تقولين ان والد رائد قد اوصى بانتقال املاكه الى رائد وعائلته.."

" أعتقد هذا.." قالتها بشك

"كيف؟!"

" اقصد انه ربما... هذا ما فهمته من كلام رائد انه والده اخبرهم قبل مدة من وفاته انه سينقل بعض الاسهم لهم ولكن اتته المنية.."

اومأ رأسه ثم قال " ربما لم يستطع تجهيز الاوراق اللازمة او ربما تم تسليم الحصص وكل شيء الى عمه ليتكفل امرهم.."

هزت رأسها نفيا وقالت باعتراض " لا اظن.. فكما فهمت انه جشع يحب نفسه كثيرا.."

حك ذقنه " تقولين أنه اخذ كل شيء باحتيال.."

اجابت ريم بتأكيد " أجل انا متأكدة..."

" ولكن لاثبات ذلك نحتاج الى دليل ما.. لا يجب ان نبني فرضياتنا على فراغ..."

تأففت ريم بضجر وقالت بقلة حيلة " وكيف ذلك... بالتأكيد رائد يرفض مواجهة عمه ومنافسته بذلك الامر.."

" ولكن لا يجب عليه الصمت على ذلك.." قالها رامي بعد استهجان تفكير رائد...



" من الذي لا يجب عليه الصمت؟!"

ابتسم رامي لكمال ونهض مصافحا اياه " ما الاخبار يا صديقي؟!"

اجابه كمال بابتسامة كبيرة " جيد جدا.. اتقدم بالعمل بشكل ممتاز.."

قالت ريم بابتسامة باهتة " هذا جيد.."

نظر اليها كمال بنصف ابتسامة بينما انطلق رنين هاتف رامي فاستأذن منهم مبتعدا..

" ماذا هناك ايتها الاميرة الحزينة؟!"

أخذت نفسا عميقا واغتصبت الابتسامة " لا شيء.. ما اخبارك؟!"

نظر اليها بشك ولكنه قال " بخير.. كيف حال قمر الان.."

" جيدة.. أفضل حالا.. سيتم تخريجها الليله.."

قال بهدوء " كأنك تحتاجين للسير .."

ابتسمت وقالت " اجل.."



نهضت من مكانها تاركة على مقعدها اشلاء من تفكيرها الذي كونته بخصوص رائد... وسارت بجانب كمال بهدوء شديد.. تشبك اصابعها صامته ولم تنبس ببنت شفه...

تساءل كمال بحيرة " ماذا هناك؟؟ تبدين مرهقة؟!"

هزت رأسها وقالت " لا شيء.. هنالك شيء عالق في ذهني فقط.."

هز رأسه متفهما إلحاحها عدم البوح.. ثم لمحها بطرف عينه تقف على ماكينة المياه المعدنية.. فتوجه واستند بجسده على الحائط..

" ما هي اخبارك مع رائد؟"

ارتشفت القليل من الماء ثم ابتسمت بحب.. منذ ان اعترفت له حتى اصبحا كالتوأم.. شخص بروح واحدة.. يتحادثان باستمرار.. عصفورا حب على اشجار العشق..

" انها جيدة.. فقط لو انه لا يشغل نفسه كثيرا بالعمل.."

"لكان شعر بالملل منك" قالها بمزاح

بادلته الابتسامة " هل لهذه الدرجة انا انسانة متطفلة..؟"

" فقط مع الاشخاص الذين تحبينهم.."

قهقهت بخفة وامالت شفتيها بسخرية... وبدت عليها الغرابة من تحول تقاسيم وجه كمال الى الانزعاج والاستياء...

نظر كمال اليها بغته وقال بهمس " هل نهرب؟!"

اتسعت عيونها " ماذا؟!"

نفض رأسه وقال وهو يمسك بيدها عنوة " هيا ولا تلفظي حرفا.."

نظرت الى تشابك يده بيدها باستنكار ولكن رفعت بصرها عندما تداخل على نظراتها صوت انثوي ينادي ب "كماال.."

وتحولت نظرة الاستنكار من على اليدين على مظهر تلك الفتاة...

" أهلا هنادي.."

قالت وهي تتجه ناحيتهم " ما اخبارك لك مدة غائب.."

" جيد.." قالها باقتضاب.. بينما همست ريم بخفوت " من هذه؟!"

قال كمال بنفس مستوى الصوت " معجبة؟!"

أومأت ريم رأسها وبسخرية " بالتأكيد.." ثم صوبت نظرها الى الفتاة التي بادلتها بنظره احتقار..

" ماذا تريدين؟!" كمال بهدوء وهو يقترب من ريم التي استغربت سبب تصرفه وما كان منها الا ان تبتسم بعدم فهم تنقل بصرها بينهما...

" ارى أنك ابتعدت عنا.." الفتاة وهي تنظر الى ريم من رأسها الى اخمض قدميها..

ابتسم كمال وهو ينظر الى ريم تحدث " اجل.. فقد تم عقد قراني.."

نظرت اليه ريم ببلاهة.. بينما احتقن وجه تلك الفتاة وقالت " حقا.. ومن هي التي امتلكت العيون الخضراء؟!"

وبردة فعل من ريم صوبت نظرها الى تلك الفتاة بعدم تصديق جرأتها.. ثم صعقت عندما تحدث كمال قائلاً وهو يشير اليها " هذه الفتاة الجميلة.."

ثم قال بسرعة حتى يتدارك الموقف ولا يظهر كذبه.. بسبب ريم حيث بدا عليها الاستغراب وعلامات المفاجئة تظهر على وجهها

" نسيت ان اعرفكم.. ريم هذه هنادي.... "
بادلتها هنادي الابتسامة بغرور شديد ونظرت بصدمة إلى كمال حين أكمل

" وهذه الجميلة خطيبتي ريم....."



جاء صوته كلحن موسيقي يبعث في النفس شعوراً بالراحة والاطمئنان، تغريدة طير يحلق في السماء.. سيمفونية تدخل الى عالم العشق والغرام...... فتحت عيونها بعد ادراكها لوجوده في الحقيقة وليس خيالا وصورة وهميه كما اعتقدت... فتعلقت عيونها العسلية بتلك العيون الغائبة منذ مدة.. وكأن عيونه تلك المتاهة التي عادت للضياع فيها من جديد... وكأن عيونها تقطر عسلاً تأخذه الى عالم اللاوعي...
لوهلة هي لم تصدق اي شيء.. يقف امامها بعد غياب طويل... لم تدرك كيف الزمان نقله الى غرفتها.. كيف ومن أين ظهر؟؟... وبعيونها المتلهفة لرؤيه الحديدي تسمرت في مكانها غارقه بتلك العيون الفولاذية تذيب جبال ثلج الشوق والحنين... وظل رماد عيونه يرتشف من عسلها.. فقد عاد للغرق في بحر عيونها.. عاد ليسترق النظر الى اللوحة الفنية التي امامه.. عاد بكل مشاعره المتأججه.. بكل براكينه التي تفور.. بحمم شوقه وحبه البركانية.. عاد الى قمره من جديد..
ازدردت لعابها بتوتر عندما جلس بجانبها وسألها " لماذا لم تأكلي الطعام؟!"
بعثرت نظرها واجابت بتلعثم واضح " انا..لا.. فقط..." ثم صمتت وابعدت نظرها عنه.. عن ذلك الجمال المختلف..
لقد تغير مظهره اصبح وسيما واكثر جاذبيه فتلك الذقن التي نمت.. ذات الاشواك الخفيفه قد اضافت لمستها الفنية بابراز جماله.. اما شعره فقد سرحه بطريقة عصرية اظهرت من خلالها تقاسيم وجهه الحجرية..... وذلك الرماد المنطفئ بعيونه كأنه رواية أحداثها شيقة تبقى منسجما فيها تبحر في أعماقها... اغلقت عيونها للسيطرة على ضربات قلبها.. انها تشعر بتلك الطبول التي تقيم حفلا صاخبا في جسدها... تسترق السمع الى انفاسها المضطربة... وتحاول ترتيب فوضى عقلها ...
هل يا تراه سمع ضربات قلبها؟؟ هل لاحظ ارتباكها؟؟ رجفة اطرافها؟؟!

نهض من على السرير واتجه ناحية صينية الطعام.. والصمت يهب برياحه الهادئة في المكان.. ولا يتردد اي صوت الا الكم الهائل من خفقات القلوب.. والحكايا الصامتة من الشوق الكبير واللهفة.. ومشاعر غلفت المكان برائحة العشق....
أخذت نفسا عميقا للسيطرة على انفاعلات حبها الداخلية... تشعر بحركته في الغرفة ولكن لا تستطيع فتح عيونها والنظر.. لأن نظره واحدة اليه كفيلة بأن تعيدها للغرق فيه... وظلت تحاول السيطرة على مشاعرها المرتبكة مغلقة العينين غير مدركة لا يجول حولها حتى تلك اللحظة....
اجتاحته رغبة باطعامها... اصة عندما سمع الممرضة تتذمر بأنها لم تمس منه شيئا... فدخل الى الغرفة والقى بصوته الرجولي الآمر عليها...فهي طفلته الوحيدة التي نما حبها داخل قلبه بطريقة غريبة... وغزت ملامحها طرقات عقله... انها وطن الحب.. وطن العيش والاستقرار.. وطن شفائه من أوجاعه السابقة فهل من مهرب من الوطن؟؟!
تقدم ناحية السرير.. ووضع الطعام جانبا... التفت بجسده الحديدي ناحيتها ثم وقف يتأملها... بكل حب وشغف... بعيون مليئة بالشوق لتلك المخلوقة التي صنعت من الحلوى.. ابتسم بحب فشعرها الاسود يحيط بوجهها وتناثر حول بستان الورود الاحمر الذي زرع غلى وجهها.. مغمضة عيونها ويبدو عليها الخجل بعض الشيء... استجمع نفسه ثم تقدمت يده الى جسدها ناحية كتفها.. ولم يتوقع ردة فعلها اذ شهقت بقوة وفتحت عيونها بذعر... وكأن زلازالا ما قد اصابها.. وتيارات الكهرباء تجري مجراها في أنحاء جسدها.... وعواصف هوجاء تهب على قلبها... حيث لا يدرك هو أن لمسة واحده منه كفيلة باحداث تلك الفوضى في جسدها بأكمله ...
ابتسم لتصرفها الطفولي وقال " لا تخافي.. كل ما هنالك انك ستأكلين الطعام.."
نظرت اليه باستغراب ورمشت عده مرات..... ثم تفوهت بعدها ببطئ " كيف؟!"
تنهد " اولا اساعدك بالجلوس.. ثم اطعمك بيدي" ثم انحنى لتعديل جلستها..
شعرت بانقباض في معدتها وتوتر اطرافها.. وسيل من الكهرباء سرى انحاء جسدها عندما لامست يده جسدها.. ثم اصبحت في حالة اللاوعي تماما.. وكأن لمسته كمخدر ينسيها الشعور.. كمنوم مغناطيسي... ذهبت الى عالم تبقى فيه اسيره مع رجلها الحديدي...
" هل هذا جيد؟!" سألها بعد ان تركها وهو ينظر مباشرة الى عيونها..
اومأت رأسها بهدوء وقالت بصوت منخفض " شكرا لك.."
ابتسم وقال " ان تسمحين لي ساطعمك.. لأن الانسة ريم ليست هنا.."
لاحظ تلك النظرات المضطربة وتشابك أصابعها النحيلة وكأنها وقعت في ورطة ما ولا مفر منها الى اللجوء اليه.. كاد ان يخطو بخطواته متوجها الى الخارج ليستدعي ريم حتى لا تقع قمر في موقف حرج ومخجل بالنسبة لها... ولكنها تفوهت بهدوء بعد أن اخذت نفسا عميقا بعكس العاصفة التي هبت في داخلها
" حسنا.."
*******
نظرت بوجوم الى رامي الذي ابتسم بسخرية عندما اقبلت ناحيته.. ثم جلست بغضب وعقدت ساعديها ناحية صدرها ثم تنهدت بحرارة...
سألها رامي بعد ان جلس بجانبها "ماذا بها أميرة الحب حزينة؟!"
رمقته ثم قالت بانزعاج " هلا تصمت يا رامي.."
رفع احدى حاجبيه متعجبا ثم " هل ما زلتِ عالقة في موضوع رائد؟!"
زفرت بحرارة ثم قالت وهي تشد على قبضتيها " لا.. أجل..." ثم تأففت بضجر من تشويش عقلها فأومأ رامي رأسه...
وبعد دقيقة صمت تساءل رامي وهو يشير بعينه الى كمال الذي اقترب منهما..
" اذا.. ماذا فعل بك هذا الجميل؟!"
نظرت ريم بجفاء الى كمال وقالت باقتضاب " لا شيء.." ثم اعادت نظرها الى رامي وسألته بارتياب " هل هو بالداخل؟!"
اومأ رامي رأسه بهدوء فتنهدت ريم ووضعت يدها على رأسها " اذا ليس لنا فرار منه ومن غضبه.."
لوى رامي فمه ثم قال " ألم يكتفي صباحا من توبيخاته.."
ابتسمت ريم بسخرية ثم نهضت من مكانها وقالت بملل " لا..."
تساءل كمال كي يجذب انتباه ريم " الى اين؟!"
تجاهلته ريم واكملت سيرها فيما ابتسم رامي وقال " الى الغرفة..."،، نهض ببرود ثم اردف مستحثا كمال للسير " هيا بنا..."

قضمت من قطعه الخبز ثم ارتشفت الحساء بتوتر شديد وهي تبعثر نظراتها بين حين و آخر حتى لا تغرق في بحر عيونه الرمادية... ورائحة العشق الصامت تحيط بهم.. وعصافير الحب قد نصبت أعشاشها من جديد في قلب تلك اليتيمة وقلب ذاك المتحجر...كسر حاجز الصمت من بينهما بعد ان وضع الملعقة في الوعاء وتساءل بصوته الموسيقي " ما اخبارك؟!"
زمت شفتيها بارتباك ثم صوبت نظرها نحو يدها المجبرة " بخير.."
لاحظ نبرتها المغلفة بالبرود ولاحظ نظراتها الموجهة ناحية يدها فتنهد بتعب وشد على قبضته اليمنى... بينما هي رفعت رأسها بشجاعة وابتسمت له ابتسامة هادئة وقالت بامتنان
" شكرا لك لقد شبعت.."
اومأ رأسه مبعدا رماد عيونه عن عسل عيونها " لا شكر على واجب..."،، ثم نهض مبعدا صينية الطعام ووضعها جانبا... وعلى اثر ذلك دخل الثلاثي من الممر ريم بوجهها المتجهم ورامي وكمال بابتسامة السخرية والمزاح الغالب على شخصيتهما..
نظر اليهم الفولاذي وقال بابتسامة " اهلا كمال ما اخبارك؟!"
ابتسم كمال له ثم اقبل ناحيته.. بينما اتجهت ريم الى قمر وجلست بجانبها ويبدو عليها امارات الحزن والشتات... واما الشخصية المزاحية الثالثة.. فرامي ذهب وجلس على احدى الارائك متصفحا هاتفه المحمول بلا مبالاه...
تساءل كمال بعد ان صافح مجد بحرارة " متى عدت؟!"
القى مجد بطرف عينه على قمر ثم قال بابتسامة مجهولة المعنى " دعنا نقول البارحة.."
أومأ كمال رأسه " كيف هي فرنسا..؟!..."
أجابه مجد بطبعه الفولاذي " جيدة....."
وأكملا حديثهما بعد ان توجها وجلسا على الارائك.. فيما انتبهت قمر على حزن ريم فتسائلت
" ماذا هناك؟!"
نفضت ريم رأسها وقالت بابتسامه " لا شيء.. فقط..."
قاطعها صوت مجد " ربما لأنها كانت السبب في وقوعك... ( ثم نظر ناحية رامي) هي وذلك الاحمق.."
اطرقت ريم رأسها بحزن بينما رفع رامي عيناه عن هاتفه ثم نظر الى مجد.. ثم من بعدها ال قمر حينما قالت " لا داعي لكل ذلك الحزن..."
ابتسم رامي لها واشار الى مجد بعيون لا مبالية بمعنى " انظر.. لم يحصل شيء.." واعاد بصره الى هاتفه من جديد...
همست ريم وهي تقترب من قمر " حقا انا متأ.."
قاطعتها قمر بابتسامة " كفاكِ هراء...."
مطت ريم شفتيها بأسف " حقا اعتذر.. كانت فكرة سيئه للانتقام من ذلك الابله.."
هزت قمر رأسها وقالت باعتراض " حقا لا داعي لاعتذارك.."
" ولكن يجب الاعتذار مني؟!" قالها كمال بعد ان رفع حاجبيه بغرور..
نظرت اليه ريم بملل وقالت " لماذا؟!"
" بالتأكيد لأنك السبب في غياب ملاك الخير من العمل.. وستغيب الابتسامة عنا.."
كان رامي يسترق السمع لكل ما يجري من حوار ولم تكن له النية بالدخول في نقاش سخيف لن ينتهي ابدا... ولكن عند اخر جمله تحدث بها كمال.. رفع رأسه بتعجب واستنكار.. فرأى ريم تنظر الى كمال وكانها ستقتله فابتسم داخله بسخرية عليها.. بينما قمر ابتسمت بخجل وحياء ثم ما لبث ان تحول ذلك الاحمرار الى ان تطرق رأسها وتلعب باصابعها بتوتر شديد لوى شفتيه فيبدو انها لاحظت تلك النيران المشتعله في عيون مجد... فهل ستظل عيونها تسافر بعيدا بسبب عودة مجد؟!
عقد حاجبيه عندما وصل الى مسامعه نبرة التأفف من كمال حيث قال موجها كلامه الى قمر التي رفعت رأسها بعد ان قام بلفظ اسمها.. " هذا يعني ايضا انك لن تحضري دروس الرسم.."
اومأت قمر رأسها وقالت ريم بتدارك" قمر منذ ايام في اجازة أصلا".

شد مجد قبضته ثم تساءل مبعدا جم غضبه " وكيف يسير العمل معك يا كمال؟!.."
تنهد كمال " لا ادري حقا.. انجزت عملا جيدا ولكن افتتاح المتجر يأخذ من وقتي.."
مجد بتفهم " يبدو ان هناك عرقله في الامر؟"
" أجل.. فمن جهة اعطي دروسا في الرسم ومن جهه اخرى عملي.."
اومأ مجد رأسه بتفهم.. ثم تدخل رامي بالنقاش بتهكم " هكذا هو عالم الاعمال.. عمل في عمل في عمل.."
" افضل من الجلوس ومغازلة الفتيات.." قالتها ريم بعد ان مدت احدى المجلات الى قمر ثم اخرجت لسانها كالاطفال
رامي بغرور " هنالك فتاة واحدة فقط الان.. ولا انوي ان ابدلها بأخرى..."
أومأت ريم رأسها بسخرية " بالتأكيد...." وعادت لتتصفح المجلة مع قمر بملل شديد
وبعد دقيقة صمت.. كان خلالها رامي على هاتفه يغازل احدى الفتيات يبتسم تارة وينزعج تارة اخرى.. وريم تقلب صفحات المجلة بملل شديد تبعثر نظرها على احرفها بشرودها المميت.. واما قمر تزدرد لعابها بين ثانية واخرى بسبب شعورها بسيل النظرات ذاك...
نظر كمال الى ساعة معصمه وقال بعد ان نهض " اعذروني يحتم علي الذهاب.. هنالك اعمال كثيفة بالغد.."
ثم نظر ناحية قمر وبابتسامة " لقد نجوت من اعمال الغد.. كان وقوعك توقيتا جيدا.."
اتسعت عينا ريم وقالت بصوت منخفض " بغيض ما زال يقول ذلك وأنت في اجازة.."
رفعت قمر رأسها بعد ان ضحكت داخلها على كلمة ريم وقالت بهدوء وتوتر " هنالك بعض الرسومات سأرسلها مع السائق.."
ابتسم كمال " حسنا.. الى اللقاء.."

تنهدت ريم وقالت " واخيرا رحل.."
" ما مشكلتك الجديدة معه؟!" تساءل مجد باستغراب
ريم باستياء " لقد عرفني على احدى معجباته بأنني مخطوبته.."
" امر عادي.. لطالما ساعدتني في ذلك.." رامي بعد ان وضع هاتفه في جيب بنطاله
" هذا كان سابقا..."
اومأ رامي " الموضوع يتمحور حلو رائد من جديد.."
تفوهت قمر بتردد " ولكن كمال... بالتأكيد مرغم هو ايضا على هذا الشيء..."
" لا ادري.." ريم بحيرة
تحدث مجد باستفزاز وقهر" يبدو انك تعرفين كمال جيدا.."
نظرت اليه قمر بمرارة وعتاب.. فها قد عاد للعبث في محتويات قلبها من جديد... ولكن افضل شيء لقلبها هو اهمال تصرفاته... فابعدت نظرها عنه بعد ان تحدث رامي " تعمل معه بالتاكيد تحفظ صفاته ظهرا عن وجه قلب.."
" هكذا اذا.." مجد بقهر داخلي...
تحدث رامي ممازحا " ولكنك تعشقين التمثيل ها قد أتتك الفرصه لاثبات مهاراتك الفنيه.."
لوت ريم شفتيها بضيق " التمثيل حلمي من الصغر ولكنه لم يتحقق..."
" جميعنا لدينا الاحلام التي لم تتحق بعد.." قمر بمرارة..
قال رامي قبل ان ينهض " ولكنك بدأت في تحقيقه يا قمر.. لا تسمحي لأي شيء بعرقلة طريقك.. حتى يدك المكسورة تلك..."
" دعك من هذا المجنون.." قالتها ريم بملل.. ثم تحدثت الى رامي الذي اقترب من الباب " رامي... ( التفت اليها فأكملت ) هل يمكنني استعارة هاتفك قليلا.."
" ألم أكن قبل ثانية من قائمة المجانين.." رامي مع رفع احدى حاجبيه
ابتسمت قمر لهما.. ثم نهضت ريم من مكانها متجهة حيث يقف هو " انت تعلم انني امازحك.."
تحدث مجد ببروده المعتاد " هل انتما دائما هكذا كالفأر والقطة.. كم تسببون الصداع!!"
اومأ راسه ثم تحدث " لم لا تأخذين هاتف شقيقك البارد.."
قالت ريم بضجر " ان كان معه بالطبع سآخذه ولكنك تعلم انه تعطل بسبب مساعدته لقمر صباح اليوم..."
وبعيدا عن جو المشاحنة بين ريم ورامي... التفتت قمر بحدة الى مجد الذي بدوره نظر اليها بعد ان تفوهت ريم بجملتها التي ترددت كصدى في اعماق قمر.. فتحركت خصلات شعرها الأمامية مع دوران رأسها ناحية رجلها الحديدي.. فبدت كالقمر تماما في عيون مجد... أليس لكل امرأ من اسمه نصيب!! هكذا دار في عقل مجد الحجري.. نظر اليها وبشعرها الاسود الذي تطاير حول وجهها الجميل... انها حقا تشبه القمر كثيرا... وجهها المضيء ومن حوله خصلات مجعدة من ظلام الليل الحالك....
لفحتها نسمة الحب من جديد.. وضربات قلبها اعلنت ثورتها.... تنظر بعدم تصديق الى تلك العيون المشعة المصوبة نحوها.. تجتاحها عاصفة من الاضطراب والتوتر.. عيونه المسلطة نحوها مباشرة تشعرها بأن الزمان توقف على هذه اللحظة الشاعرية.. وكأن حبه يتدفق كجريان الدم في عروقها... ولا يستطيع عقلها استيعاب أي شي... فهي في زمان وعالم مختلف عن الواقع... رائحة العشق تسيطر على المكان غارق هو ببحر العسل في عيونها الناعسة... وغارقة هي مبحرة في سفن عشقه الرمادية....

ما بين حاضر غرقت فيه قمر وما بين ماضي الامس الذي لم تكتشفه بعد.... وفي حاله الغرق في العيون وبعيدا عن الجو المليء بحب سري كشفته سطورنا ولم تكتشفه الحياة.... دعونا نذهب الى طائرة الذكريات ونحلق بين سحب عقل رجلنا الحديدي....
وطأت اقدامه أرض حبه... والقمر يسير في السماء السوداء بدرا مكتملا... ابتسم بشوق الى تلك الصغيرة التي حملت اسم القمر بل واخذت صفاته... اخذت كل تفكيره فرحلته اقتصرت عليها.. يفكر بها وحدها.. هل عند عودته ستكون مستيقظة؟؟ هل ما زالت تلك العادة السيئة ملتصقة بها فتستيقظ كل ليلة وتذهب الى مرسمها.. وهل سيكون الحظ حليفه هذه الليلة برؤيتها؟!
انتهت اسئلة عقله بوقوف سيارة الاجرة امام منزله... شعر بشيء غريب يستوطن قلبه فاعطى السائق اجرته ثم خرج واخذ حقائبه مسرعا مندفعا الى الداخل بقلبه الحامل تيارات الحب والشوق واللهفة لجميع من في البيت وخاصة لصغيرته الجميلة... هل يا تراها مستيقظة الى الان؟؟! يريد رؤيتها حتى يمتع قلبه المشتاق... منذ ان صعد طائرته من فرنسا وهي تتجول في طرقات عقله.. ولم يستطع ابعادها عن مخيلته...سيطرت عليه اللهفة لها... يتساءل داخله هل ما زالت كما هي.. تلك الفتاة البريئه كالطفلة..؟؟ هل ما زال شعرها المجعد يزين وجهها القمري؟؟!
ومع ظلام الليل الحالك كشعرها الذي يود استنشاق رحيقه دخل المنزل بمفتاحه الخاص.. وضع امتعته أرضا وجال بنظره في المكان... كان في حالة سكون وهدوء شديدين.. لا معنى لوجود الحياة فيه... فالجميع في سباتهم العميق.. ولكن ما زال الامر مستقرا في قلبه فقد تكون مستيقظة... فهلع مسرعا الى الاعلى.. شوقه وحبه وعاطفته جميعها تجر قدماه نحو مرسمها... ولكن خاب أمله عندما وطأت أقدامه الطابق وكاد ان يسير في الممر ولكن لا مبعث للضوء من باب مرسمها... يبدو انها تنعم بنوم هانئ.. وقد لاقت الراحة في بعده وسفره عن المنزل.. فلا يوجد من يشبعها بلسانه السليط وكلامه المسموم...
عاد ادراجه الى غرفته مثقلا بتلك الخيبة.. خيبة الامل من لقاءها.... سار بهدوء شديد وعاصفة الحزن تهب على قلبه.. لا بأس فسيراها صباحا لا محاله وهكذا يضمحل الشوق الذي نما بقلبه طيلة ايام سفره... ابتسم بحب وهو يتهيأ في مخيلته صورتها امامه بعد عودته.. فهل تغيرت ام ظلت كما هي؟؟.. ثم ما لبث ان تلاشت التساؤلات عن عقله وعقد حاجبيه الحادين استغرابا.. فباب غرفته مفتوح ثلثه... ولكن الضوء مغلق.. يبدو ان احدى الخادمات قد تركته مفتوحا... او ان ريم اقتحمت غرفته مستغله غيابه... ابتسم بسخرية وهو ينفض رأسه بعد ان رجح الخيار الثاني...
دفع الباب بهدوء شديد.. وكله رغبة بالنوم بعد سفره لساعات متواصله بدون راحة ونوم بسبب صغيرته الجميلة... اغلق عيونه وفتحها بعدم تصديق هل تراءت له ام انها هي بجسدها تستقل سريره الاسود؟؟
ذلك الجسد الصغير المرمي على سريره.. بل انه ملاك انساني تجسد بكل معاني البراءة والجمال.. ابتسم من اعماق قلبه وهو يقترب منها..تلك الفتاة على هيئة طفل صغير تنام بأريحية وعمق... ابتسم بحب كبير وتدفق الشوق الى عيونه... فشعرها المجعد يتلألأ مع ضوء القمر المتسرب من نافذة الشرفة... رثى على قدمية ثم أخذت يده تمسح على شعرها بحنان... نبض قلبه حبا وشوقا.. واغلق عيونه للسيطرة على الفوضى الذي احدثها قلبه..
أخذ نفسا عميقا ثم اخرجه مع فتح عيونه فظهر الرماد الذي اشتقنا اليه... ثم ابعد يده عنا عندما لاحظ الاوراق الملونة الصغيرة بعضها في يدها والاخريات ملقيات على السرير بجانبها.. نهض من على الارض ثم اتجه ناحيتها واخذ ملاحظاته التي كتبها في فترات سابقة... وضعها جانبا ثم عاد وتأمل محبوبته الصغير ولم يدري ليلتها كم من المشاعر قد احاطت به وقد كونت غلافا سميكا على قلبه حتى يمنع اي عاصفة باردة بالمناص و الولوج اليه... ثم حملها واخذها بين احضانه...لا اثر يدل انه يحملها الا انها بين يديه وكأنها كريشة صغيره طارت وحطت بين يده لا يشعر بها الا بصورتها امامه.. وجال في ذهنه (كم هي خفيفة الوزن..)..
ابتسم لا شعوريا عندما لامس جزء من شعرها يده.. وعطره الفواح تخلل الى انفه فاستنشقه بحب كبير حتى ان عضلة قلبه سئمت من عدد الخفقات المستمرة وان عواطفه انحدرت عن جبلها الجليدي... كم أحبها وكم سيحبها؟؟ ستبقى تلك الفتاة التي احدثت الفوضى الغريبة والجميلة في الوقت نفسه... احدثت تيارات وانعكاسات في قلبه المتجمد.. كانت الشعلة التي اذابت جليد قلبه.. ومازالت تلك الفتاة التي تثير براكين حبه بنظرة واحدة اليها.. فهل يكون المرء جميلا حتى عندما ينام... يبدو انه نسي ان لكل امرئ من اسمه نصيب.... وهكذا هي قمر قلبه المعتم...

توجه إلى غرفتها ثم وضعها على سريرها وقام بوضع الغطاء المصنوع من القماش الخفيف بهدوء شديد.. مسح على شعرها وارسل قبلته الى جبينها ثم غادر الغرفة....
وبعد اشراقة صباح اليوم التالي استيقظ قرابة الساعة الثامنة والنصف، والسعادة تغمره بل تملأ قلبه ونفسه.. ورائحة عطرها امتزجت بسريره.. فأخذ نفسا عميقا واختزنه داخل رئتيه.. وبعد دقيقة اعتدل في جلسته... ومن بعدها نهض من على السرير بهمه ونشاط وشيء ما قد جال في رأسه... فخرج من المنزل بخفة وبدون ملاحظة احد...
انها الساعه التاسعة وخمسة واربعون دقيقة... يسير بهدوء شديد في شوارع مدينته يتنقل من شارع لاخر.. بيده الكعك وبعض المخبوزات التي جلبها لعائلته... وفي طريق عودته مر على شاطئه المعتاد.. جلس قليلا يتأمل المكان يتذكر فيه الماضي قليلا وقد قرر قرارات داخلية لن نعلمها.. وقد فتح صفحة جديدة وبااب جديد لحياته القادمة.... ثم جرته مشاعره المأهبة نحو المنزل...

توقف قليلا... هذا باب المنزل الذي دخل اليه في منتصف الليل.. والجميع نيام... ماذا ستكون ردة فعلهم الان؟؟.. بالتأكيد سيتلقى توبيخا كبيرا من جدته ومن ريم.. اما والدته ستلقي السلام عليه وتذهب الى صالون التجميل.. ووالده مسجون بين اوراق واعمال الشركة... ولا يريد معرفة ردة فعل رامي ابدا... اما قمر فهذا الذي لا يستطيع توقه ابدا....

وهو في تفكيره العميق ذاك... وخلال سفره عبر ساعة الزمن تسربت اصوت ضحكات منبعثة من الواقع... فتلاشت تلك الذكريات كتلاشي العاصفة بعد هبوبها... وبعودته الى الواقع وكأنه خرج من غيبوبة تلاقت عيونه على ذلك المظهر ريم وقمر تضحكان سوية... متى عادت ريم من الخارج.. كم من الوقت مضى وهو شارد الذهن ولم تكتمل الاحداث،....

نظر اليهم بعد ان وقف وقال " سأخرج لأنهي اجراءات الخروج.."
دخل رامي مع نظر الفتاتان له.. فقالت ريم " هذا جيد.. لنخرج من رائحة المشفى حقا لقد سئمت.."
" لقد بدأ سيناريو الفتاة ذات الطبقة المخملية.."
جحدته ريم وكادت ان تتفوه ولكن سبقها قول قمر التي اعترضت بطفولة " ولكن اريد البقاء هذه الليلة.."
نظرت اليها ريم بعدم تصديق.. وكانت نظرة رامي مشابهة... اما مجد عقد حاجبيه استغرابا " لماذا؟!"
ريم بعدم التصديق فقالت " هل انتِ مجنونة؟؟"
نظرت اليهم قمر جميعا واحدا تلو الاخر.. وقالت وهي تهرب من نظراتهم " فقط لا اشعر نفسي بحالة جدية.."
تنهد رامي وقال " ولكن يا قمر.."
قاطعه مجد مغتاظا منها " جدتي لن تقبل.. ولن تسمح لك المبيت خارج المنزل.."
مطت قمر شفتيها بحيرة " ولكن.."
قال مجد بقسوة واقتضاب " سنذهب الى المنزل لا داعي لكل هذه الطفولة.." ثم سار بغضب وخرج من الغرفة...
نظر رامي الى طيف مجد ثم عاد الى قمر وقال بابتسامة عطوفة " نحن ننتظركما.."
اومأت ريم رأسها بهدوء لرامي وعادت بأنظارها نحو قمر ... وقالت بحنان " قمر عزيزتي جدتي ستقلق ان فضلت المكوث هنا.."
رفعت قمر رأسها وقالت بمرارة " ولكن كان بامكانه التحدث بطريقة ألطف.."
ربتت ريم على يد قمر " اتأسف بالنيابة عنه... ولكنه محق في عدم مكوثك هنا.."
" ولكن كل ما اردته هو النوم بالمشفى.." صمتت قليلا ثم قالت وهي تبعد الغطاء الابيض عنها " انها المرة الاولى التي ارغب بذلك.."
شهقت ريم وقالت " عسى ان تكون المرة الاخرى.. ولا يتكرر ذلك.."
ثم نهضت قمر من السرير بمساعدة ريم وفي جوفها حزن مرير... ولكنها حقا لا تدري ان القدر معها هذه المرة في امنيتها وسيؤمن لها رغبتها بزيارة المشفى والمكوث فيه ليالٍ متتالية كما ارادت...

اسند رأسه على مقود السيارة بتعب وقهر... انه لا يدري لما تصرف هكذا ولكن ما زال كما السابق تائه بين عقله وقلبه... عقله الذي يأبى الرضوخ لمسمى الحب.... تنهد بحرارة ربما حقا متعبة وتحتاج البقاء في المشفى وليس انها لا ترغب بالخروج بسبب عودته من السفر.... رفع رأسه عندما فتح باب السيارة الامامي فاستقبلته ريم بنظرة معاتبه واغلقت الباب في صمت...
" أين قمر؟!" تساءل باستغراب.. أليس من المفترض ان يقلها..
نظرت اليه ريم باستخفاف ثم قالت وهي تنظر الى الامام " هل تنتظر منها بعد تصرفك بالداخل ان تركب معك بالسيارة.."
شد على يده ثم زفر بحرارة.. بالتأكيد ذهبت مع رامي.. ثم التفت الى ريم بحدة عندما تفوهت بتحذير " اياك ان تتطرق الى قمر بسوء يا مجد.. كفاك سابقا ما فعله لسانك السليط.."
تجهم وجهه ولكن كيف.. هل تعلم بأمر حاله السابق؟؟ ولكنه تغير.. حقا تغير لقد لان قلبه!! صدقوا تلك العضلة المسجونة خلف اضلعه... ولم يكن تصرفه ذاك الا قهرا نابعا من داخله... اكملت ريم بهدوء بينما هو ينظر الى امامه " دع رياح عودتك تكون هادئة.. لا تهب عليها كالعاصفه.. تحكم في تصرفاتك.."
ثم صمتت....

********
تنهدت سوزان بتعب وقالت وهي تجلس " واخيرا لقد نامت.."
نظرت اليها مديرة المأوى " هل انخفضت درجة حرارتها.."
" للاسف.." سوازن وهي تنفي برأسها
اومأت المديرة رأسها بتفهم وسألت " متى عودة رئيس عملك.."
" بعد يومين على ابعد تقدير.."
" ألا يوجد لهم عائلة هنا.."
سوزان بأسف " للأسف لا.. فالسيد ماجد مغترب منذ سنين ولا اظن ان له عائلة هنا..."
تعجبت المديرة " والدتها؟!"
شبكت سوزان اصابعها " في خارج البلاد كما فهمت تتعالج من الشلل..." صمتت قليلا ثم اردفت " لو ان لهم احد لما عملت عنده.. كما ايضا يتجنب الحديث عن العائلة او ما شابه.."
اومأت المديرة رأسها بتفهم وتحدثت بمغزى معين" من اجل ابنته...."
" لا ادري ولكن لا اظن ذلك.."
ازدردت المديرة لعابها وعقدت حاجبيها " ماذا تعنينين؟!"
" كنيته!!! تتشابه كثيرا مع كنية........."
" لحظة.." قاطعتها المديرة عندما اعلن هاتفتها النقال مكالمة هاتفية.. فاجابت عليها متجاهلة النظر الى سوزان بينما خرجتالاخيرة حتى تطمئن على حال ملاك..
في هذه الايام اصبحت حرارتها ترتفع بشكل ملحوظ ويصيبها الارهاق والتعب باقل مجهود تبذله ولكنها حتى لا تستطيع القيام بأي شيء بدون اذن السيد ماجد.. فمتى سيعود!! وأي صاعقة ستحل بع بعد عودته؟؟


*******
وعلى احدى اشارات المرور توقفت سياره مجد يحل عليها ظلام الليل.. فريم تنظر شاردة الذهن تعبث بسترتها القطنية... ومجد شارد بذلك القمر الذي يجلس خلفه.. حزين مطرق رأسه.. كاد ان يذهب بسرعة من ساحة المشفى عندما قالت له ريم بأن قمر لا ترغب بالركوب معه ولكن قبل ان ينطلق في طرقه اوقفته ريم ومن ثم ركبت قمر...
تنهد بتعب وهو ينظر اليها عبر انعكاس صورتها في المرآه... قد رفعت شعرها الطويل عن وجهها ليظهر اكثر جمالا وسحرا... تنهد لاضطرابات قلبه وسافر مجددا عبر الحمام الزاجل الحامل رسالة الذكريات نحو صباح اليوم...
سار في طرقات المدينة على اقدامه والشوق قد غمره لكل شبر فيها... تنقل من شارع الى اخر ومن زقاق الى الذي بجانبه.. بيده الكعك وبعض المخبوزات التي جلبها لعائلته وفي طريق عودته مر على شاطئه المليء بذكرياته جلس قليلا مع نفسه يتأمل المكان وفي قلبه جعبة من الحديث الطويل الذي دار مع عقله.. ثم جرته مشاعره المتأهبة نحو المنزل...
دخل منزله بل موطن حبه ومقبره عشقه... اغلق عيونه متخيلا ردة فعل كل فرد منهم.. سيتلقى التوبيخ من جدته بلا شك.. اما والدته ستصافحه وتبتسم ثم تغادر متوجهة الى الاهتمام بنفسها... ريم ستقفز لمعانقته بشقاوة تنتظر الهدية بحماس.. اما رامي لم يرد ان يعلم ماذا تكون ردة فعله ولن يهتم به ابدا.. اما صغيرته الجميلة.. معزوفة قلبه....
فتح عيونه اثر تلك الضحكات التي تسربت الى اذنه.. ابتسم تلقائيا وبلا شعور منه.. شرد للحظة اشتاق لكل شيء يخصها.. تلك الابتسامة البريئة.. والنظرة الملائكية.. صوتها الانثوي الجميل.. عيونها العسلية الناعسة... اشتاق لقطرات الندى من عيونها... حتى لذلك الضعف الذي تتسلح به... ثم تذكر مظهرها على سريره نائمة بعمق مثل براءة الاطفال...
وانتشل نفسه من رياح الحب التي لفحته.. على صوت رشقات الماء التي دوت في قلبه وبعد صوت رامي محذرا قمر.. ركض بسرعة نحو الحديقة الجانية.. حيث تلك البركة.. ومظهر رامي ينذر بالشؤم على حافة البركة ينهار تدريجيا على الارض مع صدمته... وقمر من البعيد تحاول الطفو على سطح الماء.. برغم ان البركة قليلة العمق الا ان قمر تغرق بها وكما انها لا تعلم السباحة....
ترك ما بيد يقع ارضا ثم ركض بارتجاف اطرافه ناحيتها وكانت صاعقته التي زلزلت قلبه عندما ارتخت قمر واصبحت كجثة تطفو على المياه... اصاب الرعد قلبه وامطر الذعر به.. ثم قفز بالمياه..

" مجد... مجد..." نطقتها ريم مع صوت ابواق السيارات... وقمر تنظر ناحية مجد الذي انتشل نفسه اخيرا وارتعش من لمسه ريم.. حيث قالت بعد ان شعرت انه عاد للواقع " ماذا بك.. لقد.."
قاطعها باقتضاب " حسنا.. لقد شردت.." ثم حرك مقود السيارة مبعدا نظره عن تلك العيون الناعسة التي تراقبه بخفة..
" لقد اشتهيت المثلجات.." ثم التفت ريم ناحية قمر " هل تريدين؟!"
اومأت قمر رأسها بالنفي " لا.." ثم اشارت الى يدها المجبرة..
تأففت ريم ونظر مجد اليها بسرعة ثم عادت عيونه على الطريق " لن شتري لك المثلجات... بما ان قمر لا شهية لها ( ونظر اليها فرفعت رأسها وتلاقت عيونهما المضيئة بالحب والكلام الذي لم يرسل بسبب ابعادها عيونها بسرعة ثم وجه عيونه الى الطريق واكمل كاظما غيظه) وانا لا اريد.. اذا اثنان ضد واحد"
صرخت بغضب " لمااذا تتفقان ؟!" ثم عقدت ساعديها وقوست فمها كالاطفال..
" حسنا.. حسنا.. سأشتري لك..." قالها مجد بعد ان قرص احدى وجنتي ريم... فصفقت ريم بسعادة كبيرة.. وقالت " هل تعلمين يا قمر؟!".. وجهت قمر نظرها بحيرة الى ريم فاردفت ريم " انه قلب ذو قلب طيب برغم قساوته الظاهرة.."
ازدردت قمر لعابها ونظرت ناحية المرآة التي تظهر عيونه الرمادية... اكملت ريم " لو ترينه وقت غرقك في البركة..."
" انه واجبي على كل حال.."
" اصمت انت.." ريم بحزم مصطنع
اغلقت قمر عيونها وشعرت بانقطاع انفاسها.... بينما ركن مجد سيارته على حافة الطريق وقاطعها قبل ان تكمل حديثها عن البطل المغوار " أي نكهة.."
" شوكولاه.. واحضر لقمر بالفراولة ولك بالقهوة.." ثم نظرت الى قمر وقالت " بدون اعتراض.."
ابتسم مجد لشقاوة شقيقته... والقى نظرة جانبية على قمر واذ بها تنظر ناحيته بابتسامة مبهمه وبعيون مليئة بالامتنان.. ابتسم لتلك العيون ذات البريق المختلف واذ بها تتورد وجنتيها خجلا ثم ترجل من سيارته واعماقه تنغمر بمياه الحب والعشق والسعادة...
وعاد بعد ان احضر بنكهتي الشوكولاه والفراولة الى السيارة... اعطى لريم خاصتها ثم التفت حيث قمر التي تبدو شاردة.. اصدر صوتا منخفضا ثم " قمر..."
اجفلت من صوته الذي اخترق اعماق عقلها ونظرت اليه.. تسمرت لحظتها عندما التقت عيونها برماده ذو البريق الجذاب.. ذهبت الى احلام وآبار عميقة من الحب والمشاعر المختلطة.. ثم نفضت عنها تلك الافكار عندما سمعته يلفظ اسمها مرة اخرى... اخذتها بتوتر ثم ابعدت نظرها وبدأت تأكل بهدوء شديد غارقة في افكارها حتى توقفت السيارة امام المنزل...
اخترق سمعها ذلك الصوت النابع من اغلاق الباب الامامي بقوة شديدة... نظرت الى يمينها واذا برامي كان قد فتح الباب لها لمساعدتها... يده الممتدة نحوها مع ابتسامته العطوفة الحانية.. ابتسمت له ومدت يدها اليسرى... ترجلت من السيارة واذا بريم تقول لها " هنيئا لك يا لك كل الدلال الان.."
ابتسمت قمر لها باحراج فقال رامي " ها قد جاء مجد ليغدقك بدلاله.."
صرخت ريم وهي تقفز كالاطفال " أجل.." ثم اتجهت ناحية مجد الذي يقف على مقربة منهم وعيونها الشرسة على قمر... ثم قفزت ريم بحماس وامسكت بيد مجد بتملك وقالت بدلال " لقد عاد اخي لينزهني.."
ابتسم مجد لها وقال بملل " ها قد بدانا..."
قوست ريم فمها بطفولية شديدة وقالت " هكذا اذا.. وكم شقيق لي غيرك هنا.."
احتضنها مجد وقال " لك مجد وهو تحت امرك.." ثم حثها على السير باتجاه المنزل وقمر تقف تنظر اليهم بحزن يغمرها... فحظ ريم بان يكون لها اخ.. كانت فيه قمر قليلة الحظ.... اطرقت رأسها بحزن تحاول السيطرة على نفسها... لو ان هناك مارد ينفذ طلباتها لتمنت ان يكون لها عائلة مكونة من اب وام واخ... ولكن... تنبهت على يد رامي على كتفها وقال بحنان في اذنها " اعتبريني شقيقك.."
رفعت رأسها له وترقرقت الدموع في عيونها.. كيف ادرك ما تفكر.. اردف بحنان اكبر وهي يقف مقابلتها واضعا يديه على كتفيها " كل ما تحتاجينه اطلبيه مني... تلك العيون لن اسمح لها بالبكاء فدموع شقيقتي كالذهب.. باهظة الثمن.."
ابتسمت قمر بسعادة وحط رأسها على صدرها واحتضنته بحب اخوي.. هو هنا لاجلها هو كشقيقها الذي لم يولد هو انسان كالجوهرة النادرة.. ما اجمله من شعور!!
رفعت رأسها وقالت له " انت الافضل دائما.. شكرا لك"
ابتسم لها " انت قمر منزلنا.. وستكونين الأفضل مني بالتأكيد .."
ضحكت بخفة، وبسعادة تغمرها التفتا للسير نحو بوابة المنزل تقابلهما عيون مجد إلى أن تدارك رامي الموقف وقال " هل تنضم إلينا أنت أيضاً.."
عقد مجد حاجبيه باستغراب في حين تملصت قمر من بينهما وهمسٌ اقترب إلى قلبها يقول



" ربما سأكون شيئاً آخر..."






أطل بكامل هندامه متكئا بجسده العريض على الاعمدة الحجرية التي تحول بينه وبين الحديقة.. ينظر ببروده المعتاد وكأنه يعطي طابع اللامبالاة لمن يشاهد شلال الجليد المنبعث من جسده... عودته كانت كما توقع تماما لم يصدر ذلك الضجيج كالمرة السابقة.. وردات فعل افراد عائلته عادية لأبعد حد... صدر الضجيج القليل ثم تلاشى واهتم كل فرد بحاجته الخاصة.. وكأنه لم يغب فتره من الزمن ولم يكن هنا.. وكأنه سافر ليوم أو يومان فقط... يبدو انهم اعتادوا على غيابه المتكرر كأنه اصبح روتين يومي واصبح غيابه عن المنزل شيء رئيسي محتم وجزءاً لا يتجزأ من عاداتهم...
أخذ نفسا عميقا ولمح بطرف عينه تلك الزهرة بلون بياض الثلج فابتسم... ثم عاد بأنظاره حيث جدته التي تجلس على مائدة خشبية تحت ظلال شجرتين تعانقت اغصانهما بحب وتصادقت اوراق شجرهما... وبطيف ابتسامة ظهرت على وجهه الرخامي اعتدل في وقفته عندما شاهد بلسم قلبه وشفاء اوجاعه تسير بهدوئها وبراءتها المعهودة حيث جدته.. فسارع للالتفات والدخول نحو المنزل ثم التوجه برماد قلبه الذي احترق شوقا الى موطن عشقه...
" صباح الخير.." قالها من البعيد وهو يقبل عليهم بابتسامة مرحة ينظر بطرف عينه على جوهرة قلبه الثمينة..
ردت عليه الجدة بينما تلتهي قمر بكمبيوترها اللوحي " اهلا بك.. اشرقت الانوار.."
قبل رأسها ثم جلس مقابل قمر التي ما زالت تعبث بكمبيوترها اللوحي تتصفح بحيرة وهي عاقدة حاجبيها.. بادية على ملامحها بعض الألم والانزعاج من يدها التي تحاول السيطرة والتحكم يها.. لو كان في لحظتها لما سمح لتلك اللعبة السخيفة ولا كان سمح بوقوع قمر واصطدام كف يدها بحافة البركة...
امال شفتيه بضيق ثم اخذ اصبعه يطرق على الكرسي الخشبي بهدوء بينما جدته تحصي اموال الجمعيات الخيرية كعادتها..
وانكسرت اشعة الشمس المتسللة من بين اغصان واوراق الشجر الاخضر في عيونها عندما رفعت رأسها فأصبحت كأن العسل امتزج بماء الذهب فغدا بريق عيونها بشكل مختلف يدخل مشاعرا شتى الى قلبه المحترق...حدق فيها قليلا وشعور قلبه يفيض من شدته فتزايدت ضربات قلب قمر من المعنى المتسلسل من رماد عيونه ثم تداركت موقفها بعد ان شعرت بنظرات جدتها فنطقت بهدوء شديد " صباح الخير..." وعادت مشاعر الاثنين الى مخدعها بسلام وامان... واطرقت قمر رأسها وصورة وجهه تتضارب في عقلها.. اغلقت عيونها للسيطرة على نفسها فغزا وجهه المضيء مجددا طرقات عقلها فسقوط بعض اشعة الشمس على جزيئات من حجر وجهه.. حيث انتشلت الشمس صخوره من الظلام فانعكس ضياءها بنور وجهه فأضحى كاللؤلؤ... فتحت عيونها بهدوء مع ابتسامة حب ادركت انه لاحظها وعادت للعبث ببريدها الالكتروني تحاول تشتيت نفسها بعيدا عن المجال المغناطيسي الذي يجذبها نحوه.... وبعد دقيقة صمت سمعت تنهيدة صدرت من اعماق قلبه ثم عقبها قول جدته " هل ستظل بالمنزل اليوم؟!"
ظل صامتا لفتره ثم اجابها " ليس كثيرا... هناك بعض الاعمال المهمة التي يجب علي فعلها؟!"
اومأت الجدة رأسها، فقال مجد " عدت قبل يومين ألا يحق لي الراحة قليلا؟!"
التقطت قمر من قطع البسكويت ونظرت اليه بطرف عينها فكانت عيونه موجهة ناحيتها فازدرت لعابها قبل ان تقضم من البسكويت.. ثم ابتسمت عندما قالت الجدة بعد ان نهضت وربتت على كتفه " يحق لك يا عزيزي ان تفعل ما تشاء.."
ابتسم كليهما في آن واحد وكأن اوتار المتصلة بين قلوبهم اتفقت على ذلك... ثم صدر ذلك الصوت على مقربة منهما.. فنظروا الى ريم التي قالت " ولكن يا جدتي هذا اختراق للقوانين وتمييز بين احفادك.."
قهقهت الجدة بخفة بينما رفعت قمر رأسها وقالت موجهة كلامها ريم " هل تنكرين ان جدتنا الجميلة لا تعتني بنا جميعا.."
" جميعنا لا ننكر.. ولكن عندما يكون احدهم موضع اهتمام فحينها تشتعل غيرة.." مجد بهدوء
قالت ريم باستخفاف "حقا.."
" جميعكم غاليين على قلبي.." قالتها الجدة بعطف
ابتسمت قمر وقالت بحب كبير " دمتِ لنا.."
ابتست الجدة لها ثم تساءلت موجهة انظارها الى ريم " الى اين تذهبين؟!"
" سأذهب للتدريب ثم الى رائد.."
اومأت الجدة رأسها بتفهم وقالت قبل ان تتوجه الى المنزل " حسنا.. لا تطيلي غيابك في الخارج كثيرا.. لأن قمر تسأم وحدها.."
" حسنا..."
" كيف هي احوالك مع رائد؟!" تساءل مجد فابتسمت ريم وقالت " جيدة للغاية.."
واستمر الحديث بينهما يحمل في طياته خوفه على شقيقته وكلمات حب احتجزها قلبها في الناحية اليسار من جسدها... بينما شردت قمر للحظة تحاول فيها فهم مجريات تغير مجد المتعجلة.. في السابق كانت تراه تارة حنونا عطوفا.. ومرات اخرى قاسٍ متعجرف لا يستطيع اي احد فهم تقلباته... تارة بارد كالجليد واحيانا اخرى يهتم هكذا كان قبل سفره.. هل تغير؟؟ ام ما زال كما هو!! منذ عودته وهي تتجنب الحديث معه ليس خوفا بل لانها لا تريد تعكير صفو حياتها بعد ان بدأت بحياة جديدة بالتأكيد لا تخلو من دموع الاشتياق لامها ولكنها تخلو من تعجرفات مجد القاسية التي تحول قلبها الى قطع متناثرة.. ولا تنكر ايضا تلك المشاعر المضطربة عندما علمت بان مجد هو من اخرجها من البركة هي الشيء الوحيد الذي يبقيها بعيدا عن تيارات الاضطراب التي تحصل لها...
وعندما انطلق رنين هاتف مجد وكأن بصوته اخرجها من عالم الشرود و وعيت على نفسها من انخماد حواسها في عالم اخر.. لتشتعل محركاتها من جديد.. وعندما نظر مجد الى شاشة هاتفه لاحظت تلك الابتسامة الغريبة التي غطت على ملامحه.. امالت شفتيها فما السبب في تلك الابتسامة التي خيمت على وجهه..
ثم نهض عندما اجاب " اهلا..." وابتعد قليلا ولكنها استطاعت تمييز ذلك الاسم الذي انطلق مع كلمتين تبعته.. فتحت عيونها على اشدهما وكادت ان تشهق.. ولكن اي انكسار وحزن جعل قلبها ينفلق الى قسمين...فهل يحق لقلبها ان يذرف دموع الالم؟؟
وبعد برهة عادت الى وعيها عندما سمعت ريم تحادثها " قمر لم استطع شراء الكتاب لك.."
نظرت اليها بخيبة وحزن وما كان حزنها الا بسبب ذلك الجسد المتحجر الذي يقف امامها... ثم قالت ببطئ " حقا.."
اومأت ريم رأسها فنهضت قمر من مكانها واخذت الكمبيوتر اللوحي الخاص بها ثم قالت بابتسامة باهته " لا يهم.. اشتريه فيما بعد.."
" حقا اعتذر.."
" لا عليك.. سأرى ان كان موجودا على الانترنت واحمله..."
ابتسمت ريم وقالت " اذا حلت المشكلة.. اذا انا سأذهب.." ثم قبلت قمر من خدها وودعتها...
ابتسمت قمر لها ثم لوحت لها بيدها وعندما غابت عن الانظار التفتت حتى تتوجه الى الداخل ولفت انتباهها مجد الذي يقف امامها ليس مباشرة فجحدته بعيونها غير مسيطرة على مشاعر الغضب التي ولدتها عبارته الافتتاحيه عندا اجاب على هاتفه ولم تدرك ابتسامته الغامضة التي ابرزت جمال وجهه.. ثم سارت بطريقها نحو المنزل غير ابهة بذلك المجد الذي عقد حاجبيه بحيرة...
دخلت غرفتها ثم جلست على السرير بهدوء شديد.. وتزاحمت اصوات صدى العبارة في اذنيها حتى ظنت ان هناك مكبرات صوت في غرفتها تنتج تلك الحروف التي اخترقت قلبها الانثوي الغيور... فعبارته كانت كفيلة بأن تخرج مخزون الغضب والغيرة من ينبوعها المخفي.. كانت الحروف تتردد وأنها قيلت في مكان خالي فيتكرر صداه ويصم الاذان..
"ساالي.. اشتقت اليك كثيراً.."...

***************

اللعب هو المهنة السامية لأطفال هذا الوقت.. فما يكادون ان ينتهوا من لعبة والا تتبعها لعب اخرى.. وهذا حال اطفال الميتم بعد ظهيرة كل يوم.. يخرج معظمهم الى الباحة يقفزون بالحبل وأخريات يلعبون بالدمى.. وهناك من يجلسون على عشب الحديقة يلعبون بدمى المطبخ البلاستيكية وهكذا تمضي أيامهم.. بين طفولة مشتتة داخل قالب من واقع مؤلم.. لا يدركون متى وكيف وفي اي وقت ستضحك لهم الحياة وتخرجهم من بئرهم المسموم...

نظرت سوزان الى ملاك التي أتت اليها متعبة فهرعت اليها بخوف " ماذا بك يا عزيزتي؟!"
قالت ملاك بتأوه " لقد انزلقت قدمي وشعرت بقليل من الالم.."
شهقت سوزان ثم حملتها ولم تعر امر وزنها اهتماما.. دخلت بها الى غرفة خاصة جهزت لهم ووضعتها على السرير ثم قالت بعد ان كشفت جزء من قدمها " لقد اصبح جسدك يتأثر بالاصابات بسرعة.." ثم وضعت يدها على جبينها واكملت " لا يبدو ان هناك شيء.. هل ما زلتي تشعرين بالألم؟!"
" قليلا.. لقد زال جزء منه.."
تنفست سوزان الصعداء ثم توجهت نحو خزانة الملابس وبدأت بالعبث بها.. ولكنها توقفت عن العبث بعد ان صدر صوت التذمر من ملاك " ألم تقولي ان والدي سيعود اليوم؟!"
نظرت سوزان اليها بقلة حيلة... فملاك متعلقة بوالدها ايما تعلق فأي حيلة ستلفقها الان " ربما سيأتي في وقت متأخر.."
تأففت ملاك ثم عقدت ساعديها امام جسدها " كيف لا تعلمين؟!"
اخرجت سوزان الملابس ثم التفتت وذهبت ناحيته وبعد ان جلست مقابلها على السرير " صدقيني يا ملاك لا اعلم اكثر مما تعلمين.."
اطرقت ملاك رأسها بحزن فقالت سوزان " لقد اخبرك انه سيأتي خلال يومين عندما تحدثتِ معه.."
" لقد مر يومان.."
تنهدت سوزان " ربما طرأ له عمل عاجل..."
امالت ملاك شفتيها بضيق ثم تحركت من على السرير وحطت اقدامها ارضية المبنى وقالت " اعلم ماذا ستقولين الان..."
" ماذا؟!"
اخذت ملاك تقلد سوزان بلسان طفولي " لا تعاودي اللعب من جديد.. والدك سيوبخك..ثم.."
ابتسمت سوزان خلال ذلك وعندما توقفت ملاك عن الحديث قالت سوزان " والان هيا لتبديل الملابس ثم الى الاكل.."
مطت ملاك شفتيها ثم قالت بانصياع " حسنا.."
ساعدت سوزان ملاك بخلع سترتها التي ارتدتها فوق فستان صيفي ثم سألتها بعد تفكير " ألا يوجد لكم اقارب هنا يا ملاك؟!"
امالت ملاك راسها ثم قالت وهي تهز رأسها نفيا " لا اظن.. لو كان لكنت عندهم الان وليس هنا.."
" اجل هذا صحيح.. هذا يعني انتم وحيدون هنا.."
تنهدت ملاك " اجل.." صمتت قليلا ثم قالت " كنت أسأل ابي دائما لماذا لا يوجد لي أخ او اخت.."
" وماذا كان يجيبك؟!"
" يصمت للحظة ثم يقول هكذا القدر.." ثم امالت شفتيها بضيق
اومأت سوزان رأسها ثم قالت " هيا ارتدي ملابس نظيفة.. وعندما تنتهين استدعيني لاسرح شعرك من جديد.."
" حسنا..."


انتهى تدريبها لهذا اليوم على خير وسلامة... لو ان الجامعة لا تطلب مساق للتدريب لما كانت تدربت ابدا.. ولكن لا مجال للتقاعس عن هذا الامر لمصلحتها الجامعية... تنهدت عندما شغلت محركات السيارة وانطلقت في وجهتها نحو رائد.. لقد اشتاقت اليه جدا لم تعد تجتمع معه كثيرا بسبب ضغوطات عمله وتدريبها الذي لن ينتهي الا على بداية فصل السنة الدراسية الجديدة.. انها حقا سئمت لو الامر بيدها لسجلت تدريبها في احدى شركات عائلتها وما كانت لتتدرب ابدا ولكن لا مجال لها لاقناعهم بذلك لذلك رضخت للامر الواقع... وقفت على الاشارة تنتظر الضوء الاخضر.. تذمرت لأن المدة قد طالت وهي واقفه فأخذت تنظر الى الاشارة بترقب حتى نفذ صبرها.. ثم زفرت عندما اشتعل الضوء الاخضر وقالت " واخيرا.."
وبعد مدة توقفت بالسيارة عندما وصلت مبنى المؤسسه..ترجلت منها ثم صعدت تلك الدرجات قلية العدد.. ثم توقفت عندما اعتلى w,ت رنين هاتفها فتذمرت بتأفف عندما رأت اسم المتصل
" ليس وقته الان" قالتها قبل ان تجيب... وبعد ان وضعت الهاتف على اذنها قالت بملل " اهلا كمال.."
جاءها صوته مرحا كعادته " مرحبا ريم ما اخبارك؟"
" بخير.. وانت؟!"
" بخير.. هل انتهى تدريبك اليوم؟"
تنهدت ثم قالت بانزعاج غير ظاهر له " اجل.. لا اظنك اتصلت بي لكي تسأل عن اخباري.."
" حسنا سأختصر الطريق عليك.. اتصلت بقمر لكنها لا تجيب.. اريد منها بعض الملفات.."
" حسنا سأخبرها؟!"
" شكرا جزيلا.. الى اللقاء.."
وضعت هاتفها في حقيبتها ثم دخلت من البوابة الرئيسيه ومشاعر الحب التي لا تستطيع اخمادها تجرها بحبل العشق الى مليك قلبها رائد...وعندما وصلت الطابق الذي يعمل به.. سارت بلهفة وقلبها يتراقص على انغام موسيقى العشق.. وجسدها يقرع طبول الشوق لمن استقل وملك ذلك العرش في مملكتها الجميلة... وصلت حيث تجلس الموظفة المسئولة عن هذا الطابق سألتها دون ان تقف " هل رائد بمكتبه؟؟"
أجابتها بايماء رأسها بالايجاب.. فسارعت ريم بخطواتها اليه.. وخلال انحرافها في الممر صدر صوت مألوف قد سمعته من قبل توقفت عن المسير وهي تشعر بالغرابة.. ثم استدارت مئة وثمانون درجة ناحية الصوت الصادر عن الكعب العالى المتجه نحوها...
ألجمتها الصدمة ولم تستوعب كيف وصلت هذه المخلوقة الى هنا؟؟ نظرت اليها جيدا ولكن حقا انها هي!!! تنهدت لتلك المصيبة التي وصلت قبالتها حيث قالت " مرحبا هل تذكرتني؟!"
وكيف لا تتذكرها وهي تلك الهنادي التي تعرفت عليها من قبل كمال الغبي.. ثم قالت ريم " اجل.. هنادي على ما اعتقد.."
نظرت اليها هنادي مطولا بعيونها التي امتلئت بالكحل الاسود كأنها في حفل ما ثم قالت " كيف هو كمال؟"
" بخير ما دام لا يلتقي بك.."
شعرت هنادي بالحقن ولكن لم تظهر لريم ذلك ثم سألت " ماذا تفعلين هنا؟!"
ريم بلا مبالاة " الى احد اصدقائي.. هيا عن اذنك.." ثم ابتعدت عنها بسرعة.. وسارت هنادي في طريقها..
وعندما وصلت ريم الى مكتب رائد.. طرقت الباب بخفة ثم فتحته ومدت رأسها من الفتحه الصغيرة " هل السيد رائد مشغول.." ثم ابتسمت بلطافة كبيرة
" اجل دقيقة واحدة فقط.. فهل يمكن للآنسة ريم ان تنتظرني قليلا.."
همست بخفة " حسنا.." ثم قالت بالهواء قبل ان تغلق الباب " احبك.." وهربت مسرعة الى الخارج دون معرفة ردة فعل رائد لتصرفها الطفولي... بالتأكيد ضحك على تصرفها.. فهي احيانا تتصرف كالمراهقين بالحب.. ابتسمت بسخرية لتفكيرها ثم اخرجت هاتفها بسرعة عندما تذكرت اتصال كمال لها من اجل التحدث الى قمر ونقرت على شاشته ثم تحدثت مع قمر قليلا بعد ان جلست على الكرسي...
وبعد ان ظهر رائد توقفت بسرعه واغلقت الهاتف... شعرت بالقليل من اللبكة فابتسمت ببلاهة عندما اقترب منها.. ثم ضحك هو وقال بهمس " لا داعي لكل هذا كطلبة المدرسة.."
تأففت بانزعاج وقالت " ولكن يا رائد.."
ابتسم " حسنا حسنا.."

وعندما خرجا من المؤسسة بأكملها.. استفهمت ريم قائلة " الى أين سنذهب؟!"
" الى اي مكان تأخذنا الطريق."
" مممم.. حسنا هيا الى السيارة.." ثم سارت ولكنه استوقفها بامساك يدها وقال باعتراض " لا للسيارة اليوم.."
نظرت اليه بعدم فهم ولكن عندما قال " سنستقل الحافلة.." اشتعلت عيونها حماسا فقفزت معانقة اياه امام مرأى الناس ثم ابتعدت عنه عندما همس لها " نحن ما زلنا في الشارع.."
نظرت اليه بخجل " اتأسف.. ولكن من حماسي.."
امال شفتيه بسخرية وقال لها " حقا ماذا سأفعل بك؟!"
تصنعت عدم التصديق وقالت " رائد.."
أمسك رائد يدها وقال " هيا ايتها الممثلة السيئة.. ستجربين البساطة بالتنقل من مكان الى اخر.."
قالت بحب " البساطة هي عنوان الجمال.." صمتت قليلا عندما رأت علامات الاعجاب بكلامها ثم قالت عندما مرت بجانبه " والدليل انت.." وسارت هي بابتسامة حب امامه.. وقف ينظر اليها قليلا ثم لحقها بحب كبير الى ان وصل بجانبها وسارا معا حيث موقف الحافلات...

اما عند قمر بعد ان اغلقت من ريم خرجت من غرفتها وتوجهت الى مرسمها كانت قد وضعت به الملفات قبل ان تصاب يدها... تفقدت احدهم وقد كان مكتملا اما الاخر لم تكمله بسبب ما حصل معها.. حاولت السيطرة على يدها عندما كانت تنزل عتبات السلم.. ولكن انزلقت الملفات من يدها عندما انتصف جسدها الدرج المؤدي الى الطابق الثاني.. فزفرت بحرارة.. وفي مخض الصدفة كانت الجدة قد وصلت الى الطابق بعد لحظة.. فقالت بدهشة " اه قمر.."
" اهلا جدتي.." ثم انحنت لترفع الملفات التي وقعت ولكن استوقفها صوت الجدة عندما قالت " دعي احدى الخادمات تجلبها لك.."
رفعت قمر جسدها المنحني وابتسمت لجدتها.. وما كادت الجدة ان تفتح صوتها لمناداة احدى الخدم الا وقد ظهر ذلك الشخص مصحوبا بصوته " انا ارفعها عن الارض.."
التفتت بعدم تصديق اليه وهو قادم من الممر المؤدي الى غرفتها... نظرت اليه قليلا وعندما اقترب منهم وجثى على ركبتيه سألته الجدة بنبرة استغربها " ماذا كنت تفعل في جهة غرفة الفتيات.."
نظر الى جدته ثم وقف " كنت اريد شيئا من ريم.. وكان بغرفتها بعد ان سألتها عنه.."
اومأت الجدة رأسها وقالت " حسنا.. ( ثم بشدة في نبرتها ) ان كان كذلك.."
قالت قمر بهدوء " شكرا لك.."
نظر اليها بطرف عينه ولم يرد عليها بشيء.. عدنا للبداية من جديد.. برود يلحقه برود.. وسموم مع عيون ثاقبة... حاولت ان لا تعر الامر اهتماما فهذا الاصح والافضل لها...
فتساءلت الجدة بعد صوبت نظرها ناحية قمر " ماذا تريدين بهذه الملفات ويدك مصابة."
" كمال طلبها.. هل السائق موجود؟!"
نفت الجدة برأسها " قد اعطيته اجازة لبقية اليوم.."
تنهدت قمر وقالت " حس..." ولكنها توقفت عندما قاطعتها جدتها قائلة " بامكانك الذهاب مع مجد.."
تفاجئت قمر منها ثم نظرت ناحية مجد كردة فعل منها..ولكن كانت تقاسيم وجهه يبدو عليها الانزعاج.. وكأنها هي من طلبت منه ان يتبرع بحملها..او ان يوصلها حيث تشاء...هو من قام بعرض المساعده هذه.. عادت برأسها الى جدتها ثم قالت " لا داعي لذلك.. دعيني لا ازعجه"
" يبدو انها ضرورية لما كان يطلبها ان لم تكن كذلك.. هيا اذهبي يا ابنتي.."
نظرت اليه بطرف عينها ولم يبد عليه اي رضا او رفض.. لا تدري حقا هل لبروده نهاية ام ان بروده كلعبة الكترونيه يختم مستوى فينتقل الى مستوى اعلى واصعب... ابعدت انظارها عنه وتنهدت ثم قالت " اتصل بكمال واخبره.. يأتي الى هنا..."
ثم سمعت مجد يعترض على كلامها بصوت شديد يبدو عليه الغضب " لا بأس استطيع ايصالك حيث تريدين.."
ازدردت لعابها بحيرة " حقا لا داعي لاشغالك عن اعمالك.."
امال شفتيه بتهكم فشعرت بقليل من الحزن مع غضب سيطر عليها بسبب تصرفاتها ناحيتها فهو لم ولن يتغير.. نظرت الى جدتها التي تحدثت بنبرة حازمة " هيا يا قمر لا تلتهي.. يبدو انها مهمة حتى يتصل..."
اومأت رأسها بقلة حيلة فابتسمت الجدة ثم قالت الى مجد " اهتم بها جيدا.."
ثبت مجد نظره الى جدته التي تسير ناحية مخدعها غير مدرك للمعاني المخفية داخل حروفها.. ثم نظر الى قمر ورفع احدى حاجبيه لشرودها وقال لها بأدب عندما اقترب منها" ارجوك ان تسرعي قليلا.."
انتفضت من صوته القريب ثم اومأت راسها مسرعة الى غرفتها...

دائما جدتها تصر على امر ما وهي لا تستطيع قول لا لها... ماذا تفعل اذا؟؟ ما كان بامكانها الرفض أصلا هي ملفات مهمة ويجب ان يتم اكمالها بسرعة.. ارتدت حقيبتها ثم حذائها وبسرعة خرجت من المنزل لأن ذلك المخلوق الآتي من الفضاء ينتظرها..
وعندما وصلت حيث سيارته رأته يستند على السيارة يتحدث عبر هاتفه.
وعندما وصلت ناحيته سمعته يقول "هل ستكون رحلة طويلة عليكِ يا سالي اذاً.."
قطبت جبينها باستياء مرير أمام نظراته، للمرة الثانية تسمع اسمها هذا اليوم، وابعدت نظرها عنه بحركة لا ارادية،
اغلق الهاتف ونظر اليها مطولا ثم ابتسم وتوجه حيث تقف على مقربة منها وانحنى بجسده عليها قليلاً أمام تعابير جسدها المندهشة.






انتهى الفصل



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-20, 09:36 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//

" ليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خرابُ "
ـ أبو فراس الحمداني.


(13)




يقال عن الحب انه فطرة.. يتولد في قلبك بطريقة لا تستطيع الخلاص والمناص منه.. هو كذلك، يأسرك في عالم جميل.. مليء بسحر نقي خالٍ من الشوائب.. ,لا تكترث لكل تلك العيوب الموجودة بالطرف الاخر... بل تصبح تلك العيوب هي شيء تعشقه بمن ملك قلبك!!
يتولد الحب من نظرة.. واحيانا من مجرد تصرف صغير!! يبتسم داخلك على جديد دخل الى عالمك.. ويحلق بسعادة كعصفور يطير باسطا جناحيه في السماء!!
كيف نحب! والسؤال الاصح لماذا نحب!!
وكيف يمتلأ القلب بتلك المشاعر المتضاربة التي تأخذنا الى جزيرة الحب الخفية؟
وهو لا يدري كيف امتلأ قلبه بحبها.. حب شيء طاهر فريد من نوعه..هل من تلك الابتسامة الملائكية.. ام من عيون امتلأت بسحر نقي.. ام بتمايل خصلات شعرها وهي تسير امامه.. فتترنح ناح اليمين وناح اليسار بخفة... كانت قد سرحت شعرها بارجاع بعض الخصل عن وجهها على هيئة ظفائر صغيرة الحجم على مستوى طول شعرها الذي ينساب بحرية حتى نهاية ظهرها...

تسير داخل المبنى الصغير بجسدها النحيل الصغير الذي يشك من ينظر اليها انها قاربت لعمر العشرين.. فكانت قصيرة القامة بالنسبة اليه.. رفيعة كقصب السكر..
{حقا ألا تشبه السكر هي..} هكذا تساءل في باطن نفسه مع شعاع حب ينطلق من فوهتيه الرصاصيتين المسلطتين على اطراف شعرها السفلية حيث تتلوى بطريقة جميلة مع كل حركة وهي تتقدم..
وقفت بحركة مفاجئة له بالقرب من احدى قاعات الرسم وهو شارد الذهن بجمال شعرها.. وكما اهتز كل جزء من اجزاء ليله الحالك الذي ينسدل بسلاسة حتى نهاية ظهرها.. اهتز قلبه من زلزال ناجم عن الكم الهائل من الشعور الذي تدفق داخله.. تسمر في مكانه وهو ينظر اليها عندما استدارت ناحيته وقالت بفمها الوردي:
" لا يبدو انه بالداخل.. حيث ان قاعة الرسم فارغة.."
اخرج نفسه من متاهة الحب التي وقع بها ثم تقدم ناحيتها بهدوء.. بينما هي ابعدت انظارها عنه بتوترٍ شديد، ( يبدو غريباً اليوم )
ازدردت لعابها: " هل ننتظره في الحديقة الخارجية؟!"
اومأ رأسه " حسنا.."

وبعد ان جلسا تظلهما اوراق اغصان الشجر.. تقابلت اجسادهما وقلوبهما التي تصرخ بعنف... كل منهما يعيش اضطرابا داخليا ينشب فيهما.. ومن حولهما يجلس عدد قليل من الاشخاص متناثرين على المقاعد وعلى الارضية العشبية.. ظل الصمت القائم بينهما لمدة قليلة تطرق هي رأسها بين الفنية والاخرى عندما تلتقى عيونهما.. وهو يتمتع بهدوئها وسكونها المعتاد...
حك ذقنه التي طالت ثم بادر بالحديث كاسرا اشعة الصمت التي احاطت المكان" كيف تسير امورك هنا؟؟ اقصد هل كونت صداقات جديدة؟!"
رفعت رأسها اليه بغرابة ثم قالت: " اجل.."
ابتسم هو فانشرح صدرها امام ابتسامته تلك مع ذقنه التي تداخل فيها اللون البني المائل الى الاحمر قليلا مما يظن البعض انه قام بصبغها.. وعاد الصمت يسدل ستاره من جديد... تائهة هي بين حاله هذا وحاله القديم!!
ثم سمعته يقول بضجر " لقد تأخر استاذك هذا.."
" ممم، لا ادري.. اليوم هو موجود هنا في هذه الساعة وليس في الشركة.."
اومأ رأسه وبادلها الابتسامة.. قالت وهي تحاول تعديل جلستها
" يظن أن السائق من سيرسلها، يأتس بعد قليل.."
استقامت شفتيه وقال باقتضاب ولم تخفى عليها نبرته
" تبدو علاقتك جيدة مع كمال.."
ولكنها قالت لتتخلص منه " انه من اصدقاء العائلة.. لقد قدم لي معروفاً"
تنهد ونظر اليها مطولا حتى ألقى عليه سؤالاً آخر يبدو أكثر قلقاً " هل ما زالت تراودك الأحلام السيئة؟!"
استقامت شفتيها بطريقة غريبة أمامه حتى قال " أنا لم أقصد شي..."
قاطعته بنصف ابتسامة " لا.. أعلم أنك لم..، يعني أنه..."
صمتت وأخذت نفساً عميقاً وبتلبكٍ " لم تعد تروادني إلا قليلاً،.."
ابتسم لها فبادلته اياها بتوتر شديد ونفثَ لها عقلها اسم ( سالي ) من جديد، حتى أبعدت نظرها عنه بالتفاتة، سرعان ما وقفت بحماسٍ ظهر في عيونها بعد ان سمعت صوت صديقتها ليليان على مقربه منهما " سأتحدث مع الاصدقاء ريثما يأتي كمال.."
اومأ رأسه وارتاح في جلسته..فأخذت تنهض من مكانها بصعوبة، تشعر بنظراته وبغرابته، تشعر بكل شيء غريب في هذه اللحظة،..
وصلت عند ليليان بفكر مشتت حتى أيقظها من ركودها ليليان حينما صرخت بفرح ريثما رأتها.. وسرعان ما تجهم وجهها وانتفضت تقاسيمه ذعرا.. فهبت اليها ومسكت يدها وبقلق قالت : "ماذا حصل لك؟"
" لقد اصيبت...."
" بكل بساطة.. تقولين؟!" تحدثت ليليان باستنكار.. ثم تنهدت وودعت الفتيات اللواتي كانوا معها...
وقفت بعتاب بعد ان سارتا قليلا " لماذا اتصل بك ولا تجيبين!! لولا الفتيات اخبرنني انك هنا لما جئت الى الحديقة"
نظرت اليها قمر قليلا ثم قالت " لا يوجد شيء.. مجرد شيء بسيط.."
قالت ليليان بقلة صبر " حقا يوما ما ستقتلين الجميع بهدوئك هذا.."
ابتسمت قمر بحرج " حسنا.. هلا توقفت.. ثم اني اشتقت اليك.."
" حبك لي لن يغفر غبائك.."
" غبية؟"
اومأت ليليان رأسها بمرح " اجمل غبية.. ولكنني حقا قلقت كثيرا.."
امسكت قمر بكفها برفق " اقدر قلقك هذا.."
ليليان برجاء " ولكن في المرة المقبلة استخدمي هاتفك ارجوك.."
اومأت قمر رأسها ثم قالت " ما هي اخبارك؟؟ كيف هو الوسط هنا.."
" لقد اشتقت اليك.. اضطررت لمجالسة بعض الفتيات.."
" وانا اشتقت الى الرسم ايضا، سوف أتغيب لمدة قصيرة حتى تفك الجبيرة.."
" ايتها الماكرة.. ليس لي؟!" ثم ثنت شفتيها بحزن مصطنع وما لبثت ان اتسعت عيانها للهجوم عليها بالاسئلة فتساءلت ليليان وهي تشير بعيونها البنية الى مجد " رأيتك تجالسيه، من يكون؟!"
التفتت قمر بنصف جسدها حيث هو يجلس مخرجا احدى سجائره اللعينة ينفث دخانها الاسود ثم عادت الى ليليان وقالت بنبرة غريبة" انه مجد، شقيق ريم"
اومأت ليليان رأسها وكأنها فكت الأحجية تماماً ثم وضعت يدها اسفل ذقنها وكأنها تفكر لتغير حال قمر الغريب حيث شردت بابن عمها بنظرات مختلطة.." لا ادري حقا هل عائلتكم تنجب العسل؟!"
عادت قمر بوجهها ناحيتها وابتسمت نصف ابتسامة ثم قالت "ربما ذلك.."
اومأت ليليان رأسها بنظره من اسفل قمر الى اعلاها ثم قالت " غرور.."
وبعد ان لاحظت توجه كمال الى مجد قالت الى قمر " ها قد وصل كمال...."
" حسنا اتحدث اليك فيما بعد.. يجب ان اذهب اليهما.. فهناك بعض الامور التي يجب ان اعير كمال الانتباه لها.."
قالت ليليان وهي تذهب " حسناً.. هيا الى اللقاء.."
ودعتها قمر.. ثم استدارت حتى تعود اليهم..

كان كمال قد جلس في احد الكراسي المقابله لجهة جلوس مجد.. تحدثا قليلا.. وانظار مجد تسترق النظر بخفة على ياسمينة قلبه البيضاء...
سأله كمال " هل ستطيل مكوثك هنا؟!"
وبنظرة غامضة صوبها نحو قمر وكأنه يفكر بشيء خفي في خلجه..و عندما جلست قال بنبرة شديدة بعض الشيء " بناء على الاوضاع.."
ثم التفت كمال لها بابتسامة فبادلته الابتسامة بتوتر امام انظار مجد المستنكرة..
تحدث كمال " واخيرا جاءت بياض الثلج.. ما اخبارك؟!"
" بخير.. وانت؟!"
" بأفضل حال... وكيف هي يدك.."
ازدردت لعابها ثم قالت " بخير.." صمتت قليلا ثم قالت مبعدة انظارها عن مجد " لقد احضرنا الملفات.."
وضع مجد الملفات على المائدة امامهما.. ابعد نظره عنها ثم قال " انا في القرب من هنا.."
اومأت رأسها مع ابتعاده.. ثم قال كمال " لا اظن انك اتممتهم.."
نفت برأسها وبالها مشغول بتلك الكتلة الصخرية التي ابتعدت عنهما..
************
" إنه كذلك.." قالتها بابتسامة حب موجهة نظرها لمن سجنته في قلبها.. رائد ومن غيره التي حفظت حركاته وصفاته.. ولو انه اخدى دروسه بالجامعه لما كانت فهمته من اصغر تصرف له... كان الحديث القائم بين جيداء وريم يدور عن رائد بشكل رئيسي..
غمزتها جيداء ثم قالت "يبدو انك حفظتِ رائد.."
" ولم لا.. أليس حبيبي؟!" ريم بثقه
قالت جيداء بتصنع " ما قلة الأدب هذه؟!" ثم هزت رأسها بعدم تصديق
فغرت ريم فاها ثم قالت " من يسمع كلامك يظن انني قمت بأمر مريب"
وضع رائد ما بيده من أوراق على المنضدة ثم قال لهم بانزعاج " كفاكم حديثا (ثم اشار بعيونه نحو شقيقته الصغرى..) لا تتحدثا هكذا أمامها.."
نهضت جيداء وقالت قبل ان تضع كؤوس الشاي في صينيه خشبيه " قل لريم هذا.. وليس لي.."
نظرت اليها ريم بعدم تصديق ثم نظرت ببراءه الى رائد.. وقالت " وما ذنبي انا.."
ابتسم لها رائد ثم نهض من مكانه وجلس بجانبها.. قال بصوت اقرب للهمس "ذنبك انك حمقاء.."
فتحت عيونها " ظننت انك ستتغزل بي.."
خرجت ضحكه عفويه من رائد وقال " حقا حمقاء.."
" اشكرك من اعماق قلبي.." ثم ابعدت وجهها عنه بتعابير حزن مصطنعة..
عقد ساعديه امام صدره وكأنه يتصنع الجدية " ماذا سنفعل الان لاسعاد الملكة ريم.."
امالت شفتيها وكانها تفكر ثم استدارت بوجهها اليه " قل لي كلمات جميلة.."
نظر اليها بعدم تصديق ثم قال " ما من حيلة للمناص من مراهقتك المتأخرة هذه.."
" ولكن حقا يا رائد انت تظلمني بكلامك هذا.."
" اجل اجل.." وهو يومئ رأسه بسخرية
نهضت من مكانها بضجر وقالت " ساذهب لأساعد جيداء.."
ثم تبعتها ضحكة رائد حتى دخلت المطبخ وهي ترى جيداء تغسل الأواني والكؤوس.. توجهت حتى تقف بجانبها واستندت بجسدها على حجر الجرانيت..
نظرت اليها جيداء فتساءلت " ما بك، ما تغير الحال هذا؟!"
تنهدت ريم ثم قالت " لا ادري ماذا اقول لك!!"
اغلقت جيداء صنبور المياه.. ثم التفتت الى ريم بقلق " ماذا هناك اخبريني!!"
زمت ريم شفتيها ثم قالت " هناك ما يشغل بالي مطولا.."
" وما هو.. هل يتعلق برائد؟؟!"
" اجل.." قالتها ريم واكدت بايماء راسها ثم زفرت بحرارة
" اجل تحدثي؟"
" كل ما في الامر انه.." صمتت وهي لا تدري ما تقول.. هل حقا كما قال لها رامي اول خطة ستخطوها هي مساعدة جيداء بالامر... نفضت رأسها عندما لامست يد جيداء مرفقها فانتصبت بذعر... نظرت الى جيداء وكانت تعابير وجهها تحثها على متابعة حديثها.. ازدردت لعابها ولبست ثياب المجازفة ومن ثم قالت " اريد مساعدتك.." اومأت جيداء برأسها فاكملت ريم بتوجس " في اقناع رائد بفتح دعوى قضائية؟"
نظرت اليها جيداء مطولا دون حديث... مما اشعر ريم بالارتياب قليلا ولكنها قالت " هنالك شعور بداخلي يقول انه وقع حيلة لعمه.. كما ان رامي يقول لا بد في الامر من ملعوب"
تنهدت جيداء وقالت " لا فائدة من هذا الكلام.. اذا كان هناك ملعوب يجب اثباته.." ثم تحدثت داخل نفسها بقهر " ولا بد انه تم اخفاء الوثائق.."
قالت ريم بأمل " لا بد من وجود دليل ما.. ويجب ايجاده.."
" ما من دليل يجب ايجاده..".. انطلق ذلك الصوت من خلفهما.. فنظرت جيداء الى رائد الذي يقف عاقدا حاجبيه بانزعاج.. بينما التفتت ريم بصدمة من جملته تلك.. وشعرت بقليل من الحيرة ممزوجة بخوف من تقاسيم وجهه... تقدم منهما رائد بهدوء شديد يخفي ما بداخله وقال بهدوء موجها حديثه الى ريم بقسوة لم تعهدها " لا اريد ان اسمع حديثا كهذا من خلفي.."
ازدردت ريم لعابها وشعرت بمراره تمتد في حلقها " ولكن يا.."
قاطعها رائد بأن قال " جيداء اخرجي.."
اومأت جيداء رأسها بقلة حيلة ثم خرجت.. بينما عيون ريم بقت متسمرة.. لا تستطيع فهم المجريات التي حدثت قبل قليل.. دخول رائد بهذا الغضب وقسوته في الحديث.. وما استفاقت الى على يد رائد وهي تسحبها بهدوء حتى جلسا على مقاعد المائدة.. وبعد ان تنهد اخذت يده طريقها الى وجه ريم فامسكه برفق وجعله يستدير اليه...
" انا لم اقصد فعل شيء من خلفك.." قالتها ريم بمراره ووجهت اليه رصاصات عتاب من عيونها فانغرست في قلبه بشكل مؤلم..
" اعلم ذلك..."
اكملت ريم " لا اعلم سبب غضبك هذا.. ولكن لم تكن لي نية سيئة فقط انا.."
قاطع كلامها " متأسف لأجل ذلك.."
" لماذا ترفض قل لي..؟!"
زفر بحرارة ثم قال " لا داعي لفتح دعوة قضائية.."
امالت ريم شفتها بضيق " ولكن يا رائد.."
قاطعها رائد مرة اخرى وقال " انظري الي يا ريم.. حقا اقدر مشاعرك وتصرفاتك معي وهذا سببا كافيا لجعلي اتمسك بك.. اقدر خوفك علي واقدر كل شيء تفعلينه لأجلي.."
امالت راسها بابتسامة " اذا لماذا غضبت؟؟"
ابتسم لها بحب ثم امسك يدها برفق " لم ارد ان اغضب عليك.. اعتذر عن ذلك.."
اشرقت ابتسامة خفيفة على وجهها.. ثم اخذ بؤبؤ عيونها يتحرك في بياضها بحركة استنتج منها رائد بأنها لن ترتاح حتى تخرج ما بجعبتها من حديث اطلق ضحكة خفيفة جدا تبعها صوته " قولي ما تريدين"
" ولن تغضب.."
هز رأسه نفيا " لا لن اغضب منك"
" انظر الي الان.. انت تقريبا قلت لي قصتك.." اومأ رائد رأسه وهو يعلم ما نهاية هذا الحديث.. استرسلت ريم " كنت اود فقط ان تتمسك بحقك... اريد ان تسعى لاجله وتحافظ على عائلتك... لقد اصبحت شابا ومع الوقت شقيقتك تكبر لا تستطيع الالمام بحاجياتها.."
" اني اعمل الان وعملي ممتاز.. وكل هذا بمساعدتك والفضل لجدتك ايضا... ولكن الان انا ممتن من حالي هذا وبالنسبة الى امر عمي انني لا اريد أن افتح باب المشاكل من جديد فقط هذا كل ما اقوله.."
صمت قليلاً ثم أكمل " لقد حاولت سابقاً يا ريم، حاولت معه بشتى الوسائل ولكن.."
قاطعته كعادتها " ولكن هذا كان في الماضي، لا شيء يبقى على حاله"
هز رأسه نفياً " لا أريد أن أخوض محاكماً معه، لأبقى أنا على حالي ، وتدور الدنيا ويعود هو الى الصفر يوماً ما "
فتحت عيونها بدهشة " هل تنتظر كل ذلك الوقت، أنت يجب أن تدير الأمر.. يجب أن لا تصمت..."
وكادت أن تكمل كلامها ولكن عيون رائد وتحذيره اوقفها فاستسلمت للامر واستكانت.. ثم قالت بيأس " حسنا حسنا.."
************
تنهد بنفاذ صبر بعد ان انهى سيجارته للتو وسحقها تحت قدميه.. كان قد ابتعد عنهما وجلس على مقربه منهما في حين لا تستطيع هي لمحه.. فقد شعر وكأنه شيء اضافي بينهما.. مهمشا ككتاب وضع على الرف بعد الانتهاء من قراءته.. ولن يستطيع تمالك نفسه امامهما.. كان الحريق قد اندلع داخله وانتشرت نيرانه ومع دخانه الذي كان ينفثه انتشر اكثر فاكثر داخله حتى اصبح كالحمم البركانية...جالساً بقطعة قلبه المحروقة ينظر الى معذبته تتبادل الحديث مع كمال.. وربما ابتسامتها الجميلة ترتسم على محياها وهذا ما يغيظه ويعذبه..ولكنه لا يدرك انها كانت تائهة فبعد اختفائه وحين يستغرق كمال بالنظر الى الملف ومراجعته.. تضع يدها على صدرها وتشعر بغرابة تسير في جسدها،، فماذا فعلت حتى يذهب هكذا!! فمنذ ذهابه تحاول البحث عنه ولكنها لا تجده الا مستقرا في ذلك القلب الذي ينبض..
" هذا جيد.."
نظرت الى كمال بهدوء فاكمل هو بعد ان اغلق الملف ثم استدار بجسده ناحيتها " سيقومون بالشركة اكماله.. شكرا لك.."
اومأت راسها بهدوء " انه واجبي.. ولكن هذا ما استطعت فعله.."
" لا بأس.." ثم بابتسامة ولكن " عليك العودة باسرع ما يمكن.."
نظرت الى يدها وقالت بيأس " حتى تشفى.. احتاج لاسبوع أو أكثر.." و ازدردت لعابها عندما ظهر ذلك الجسد الصخري امامهما فنظرت اليه شوقا للدقائق التي مرت ولمحت ذلك الرخام قد تشكل به وجهه وهو يقول " اذا انتهى العمل.. علينا المغادرة.."

وبعد ان ركبا السياره وانطلق هو متجهما عابس الوجه يدور في ذهنه الكثير من الكلام ليقوله لها.. ولكنه لا يستطيع!! فعند رؤيتها تتبخر الكلمات من بحر حبه ولا يبقى الا تلك المشاعر التي لا يستطيع قذفها من براكين عشقه وكأن لسانه يرتبط بحبل يخنقه ويمنعه من التنفس... اما هي فشاردة الذهن منذ ان اسندت رأسها على الكرسي تبحر في عالم لا يدري من حولها ماذا يحوي.. وكل ما يدل عليه هو السكون والهدوء والقليل من ذلك الحزن الذي يغيم على وجهها.. وهو كل تفكيره انه يود هو ان يعتذر لها عما سبق من افعال واقوال سبب لها الحزن في وقتها ولكنه لا يجرؤ فأي مبرر سيقوله لها وسيختلقه.. فهو لا يدري حقا ماذا يقول!! ام الافضل ان يكتفي بالصمت والتعامل معها جيدا وعدم اذيتها!!! ولكن ما السبيل لتعبئة الفجوة بينهما!!

كان قد قطع بالسيارة مسافة ليست بطويلة والصمت سيد الموقف نظر اليها نظره جانبية وهو يقود فرآها مسترخيه على المقعد ويبدو عليها الهدوء والسكينة عاقدة حاجبيها كأنها تفكر في شيء ما..
تساءل لعلها تخرج من قوقعتها تلك " ماذا بك؟!"
جفلت لفجأة فكانت قد ذهبت الى عالم بعيد.. وبصوته عادت الى الواقع..
هزت رأسها نفيا " لا شيء.."
" ولكن لا يبدو عليك ان لا شيء بك.. ان كنت تحتاجين لشيء اخبريني.."
تنهدت ثم قالت ببرود " الذي احتاجه انت لا تستطيع منحه اياي.." ثم وجههت بصرها الى النافذة من جديد.. بينما هو عقد حاجبيه استغرابا من جملتها ولم يفهم ما تخفيه من ألم... وكعادته شد بقبضتيه على المقود...
وبينما كانا على مسافة قريبة جدا من المنزل.. اقتحم رنين هاتفه السيارة فاخذه مجد بضجر ثم اجاب عليه بعد ان نظر الى الشاشة وابتسم بغموض.. وعندما التفتت قمر ناحيته بعد ان طال رنين هاتفه شاهدته يبتسم.. ثم مالبثت ان شعرت بوقوف السيارة على جانبي الطريق فشعرت بالغرابة.. ربما هو اتصال مهم... ولكن ما شانها.. فصوبت نظرها الى الامام لا تعير الامر اهتماما...
وبعدها اجاب مجد بصوت حيوي لم تخفى نبرته على قمر..
" اهلا..،،،، أجل أجل.." صمت قليلا و وضع يده على رأسه بعد ادراكه لوجود قمر.. ثم قال " لا يمكن الان.. امر في اخر النهار فأنا مشغول.. وهناك بعض الاحمال الثقيلة...."

وبدون سابق انذار انقبض صدرها وكلماته تتردد في عقلها بل بالسيارة باكملها "احمال ثقيلة؟؟!" وشعرت بغيظ حانق كأنه يطحنها ويحولها الا فتات..
كيف ولماذا ؟؟
هل هي حقا بنظره عبء.. وشيء ثقيل !! هل هي ذلك الشيء النكرة الذي لا يستطيع الا وصفها الا بذلك؟؟ لم هو بالذات يعاملني بتلك المعاملة!! وكأنني شيء دخل عنوة ودمر حياته!! وكأنه بذلك ينتقم منها بأذيتها... تمالكت نفسها ودفنت تلك المشاعر القاتلة وخباتها حتى لا تظهر على وجهها وابعدت نظرها الى النافذة بعد ان اغلق هاتفه وارتسمت الابتسامة على وجهه بشكل اكبر غير مدرك لما حصل لقمر... فهل كان يقصد!!

وهو لن يتغير معها!! كيف يمكنه تبديل الأقنعة بكل تلك السهولة تارة يكون جيداً ويميلُ باللطفة وتارة ذلك الشخص اللامبالي ابداً؟
وكل تفكيرها بحجم اللامبالاة حين قال كلمته تلك!! ألن يفكر حقا بمشاعرها!! أهي جماد بنظره!! شيء لا يشعر!!! توقفت عن تفكيرها ذاك المليئة بالخيبة التي تسربت لها فكان املها ان يتغير معها لو قليلا فقط.. ولكنه لم ولن يتغير ابدا!!
نظرت واذا بالسيارة متوقفة على البوابة الخارجية للمنزل.. امسكت قمر حقيبتها واستعدت للنزول.. ولكنها عضت على شفتيها عندما تحدث " اعذريني لن استطيع ادخالك الى الداخل.. سأمر الى مكان ما.."
لم تتفوه بشيء ثم ترجلت من السيارة بانكسار لا يدرك هو معالم وجهها بعد نزولها و شعر بضيق من عدم ردها.. لماذا تتجاهله هكذا!! تنهد فإلى متى سيبقى هذا حالهما!! تلك الفجوة متى ستمتلأ!! وكيف يمكنه اصلاح الامر بينهما!!! يحاول الاقتراب منها ولكن بلا أي رد منها إلا الصمت
زفر مع ادخال يده في خصلات شعره ثم انطلق بسيارته يعدو بعيدا عنها... وبعد ان سمعت بذهابه التفتت لترى طيفه بانكسار واختناق كبير بدأ يغزو داخلها.. ثم عادت للالتفات والسير نحو المنزل.. ودخلته بمرارة وتساؤلات تسيطر عليها!! لماذا تتأثر بكلماته هكذا!! عليها فقط ان تقاوم كلماته ولكن كيف!! فكلماته تشعرها حقا كأنها الدخيلة لهذا المنزل!! يذكرها بأنها تلك الفتاة اليتيمة التي تركت من قبل والدها!!
وضعت حقيبتها على الاريكة القريبة من الباب الرئيسي بلا مبالاه.. وسارت نحو الصالة عندما شعرت بحركة احدهم داخلها فربما ريم قد اتت وتروح عن نفسها قليلا وتخرج من ضائقتها تلك.. دخلت بهدوء شديد وكانت ريم تبحث في احدى الرفوف عن شيء وظهرها مقابل وجهها..
" اجل اجل.. لقد عدت قبل قليل.."
كانت تتحدث على الهاتف مع احدهم.. فجلست قمر على اريكة من الجلد واسندت رأسها على يدها الغير مصابة.. أكملت ريم قائلة " اخبرك فيما بعد.. ولكن هل علمت سبب عودة مجد؟!"
امعنت قمر السمع الى ريم باهتمام واعتدلت بجلستها بشكل مفاجئ.. ولكن عندما تفوهت ريم ب " انها سالي من اقنعته.."
سالي!! عاد الاسم يتكرر امامها من جديد، وعليها حتماً أن تعلم من تكون سالي تلك ؟
وكأنها سيف حاد اخترقها فعادت قمر الى سابق جلستها واسندت نفسها على الاريكة بضعف.. وكأن منزلا تهدم فوق رأسها وخرجت لتوها من تحت الانقاض. انه الاسم يتكرر من جديد.. ولا بد انها تلك الفتاة التي كان يحدثها مجد بالسيارة.. شعرت بالوهن من تحطم قلبها وكل ذراتها...
وعندما اغلقت ريم الهاتف واخرجت ما تريده من الرف.. التفت بجسدها فرأت قمر تجلس مقيمة الحداد.. مغلقة عيونها بألم.. فتنهدت وتوجهت اليها..
جلست بجانبها وقالت " قمر ما بك من جديد!!"
فتحت قمر عيونها ببطئ ثم نظرت الى ريم " لا شيء.."
" وانا سأصدق هذا أليس كذلك؟؟" قالتها ريم باستنكار
هزت قمر كتفيها بلا مبالاة بعد ان اعتدلت في جلستها..
" هنالك شيء هيا اخبريني به.."
تصنعت قمر الابتسامة " لا شيء.."
" لا تنطلي عليّ هذه الابتسامة.. كنتِ مع مجد اليوم كما اخبرتني جدتي.." وهنا اصابت ريم قمر باسم مجد في قلبها فاستقامت شفتيها وتجهم وجهها وشعرت بمرارة تسري في دمها... تحدثت ريم " ماذا حصل!! هل أساء لك من جديد.."
خرج صوت قمر مختنقا " لقد قال عني حمل ثقيل.."
" كيف؟؟" ريم باستغراب.. ثم نفت برأسها " لا اصدق ذلك.. اخبريني بالتفصيل.."
" جاءه اتصال ما... واجاب...." وقصت عليها قمر ما حدث ثم قالت بصوت باكي " ماذا فعلت لألقى منه هذا السوء.."
" انظري لي يا قمر.. اظن انك فهمته بشكل خاطئ.. صدقيني.."
نفت قمر برأسها "لقد قلت لك ما حدث.. ماذا يقصد غيري انا.."
" قمر عزيزتي.. صدقيني انه لا يقصدك.." قالتها ريم بتأكيد
" ماذا يقصد اذا؟!" قالتها قمر بصوت غلبه الاختناق.. ثم اكملت بحزن " هل سيعود كالسابق يبث بسمومه علي من جديد.."
تنهدت ريم بقلة حيلة " قمر اهدأي.."
تحدثت قمر بانكسار " ماذا فعلت له،، ماذا؟!"
ريم في نفسها ( لقد استقريتِ في موضعٍ.. يظن هو بافعاله تلك انه سيخرجك منه..).. ثم وجهت حديثها الى قمر" ان جدتي هنا.. دعينا لا نريها الا بسمتك.. انت تعلمين مقدرا الحزن الذي يستوطن جدتي عندما تراكِ هكذا.. وصدقيني ان مجد لم يكن يقصدك.."
اومأت قمر رأسها باستكانه بالتأكيد ان ريم تدافع عنه لانه شقيقها ليس غير هذا...
ريم بابتسامة " ما رأيك ان تبدلي ثيابك.. وتحاولين الاسترخاء حتى المساء!!"
اومأت قمر رأسها " حسنا،، ولكن هي يوجد شيء مساء اليوم؟!"
نفت ريم برأسها ثم اخذت ذلك القرص من جانبها وهزته امام قمر " فقط سنشاهد فيلما!!"
" حسنا.."
" اذا نعد بعض الفشار ونسهر في غرفتي ما رأيك بذلك؟!"
ابتسمت قمر لها ابتسامة فهمت ريم مقصدها... فبادلتها هي الاخرى ابتسامة بنقاء قلبها الصافي يجعل من يراها يحبها ويحبها ولا يسأم من مصاحبتها..
وبعد خروج قمر من الصالة تنهدت ريم بتعب.. فما الذي يسعى مجد لفعله من جديد بعد عودته الفجائية هذه.. ألم يعدها بان لا يتعرض لقمر بسوء او اسمعاها بعض الكلام... نهضت من على الاريكة وتوجهت حيث وضعت هاتفها.. عبثت به قليلا بأناملها ومن بعد ذلك وضعته على اذنها تسمع رنين متتالٍ الى ان قالت بشبه صراخ " أين أنت؟!"
وعلى الطرف الاخر اجاب بنبرة يغلفها ورق الغرابة " ماذا بك؟؟!"
" بحق السماء ماذا تحدثنا يا مجد؟! ألم نتفق على عدم ايذاء قمر بالكلام؟!"
سمعته يقول " وانا نفذت هذا الشيء.."
عقدت حاجبيها " اذا؟؟ كيف فهمت قمر!!" ثم تنهدت وجلست على الاريكة وسألته " ما كنت تقصدها عندما قلت اعباء ثقيلة؟؟"
" وهل هذا ما فهمته من قولي هذا!!" قالها ثم ضرب على المقود
" ماذا كنت تقصد اذا؟! الفتاة اهلكت نفسها من الحزن.. فقد اعتادت.."
قاطعا " كنت اقصد الصناديق التي بالسيارة" ثم سمعته يطلق تنهيدة لم تفهم معناها هل تعبر عن الغضب ام شيء اخر .. وبعد تفكير قالت " اذا انت اصلح الامر لانها لم تقتنع مني.."
ثم اغلقت الهاتف بعد جملتها مباشرة...
ثم قالت بتفكير عميق " افهن تصرفاتك ولكنني لا افهم قمر احيانا.."
وتنهدت.
************
نظر لؤي الى الملفات مرة اخرى بتهالك وتعب.. ثم وجه بصره نحو ساعة معصمه وكانت تشير الى الثامنة تماما... تنهد ثم استرخى على كرسي مكتبه ومن بعدها اغلق عينيه شاعرا بصداع خفيف في رأسه.. تراكمت الاعمال عليه من جديد.. حسابات وتدقيق.. وامور بدء شراكة جديدة يحاول جاهدة فعل التدابير اللازمة كما قال له مديره السيد مراد... سمع طرقات خفيفة على الباب فتح عينية واذا بياسمين قد اقبلت جالبة معها فنجاني قهوة.. ابتسم لها وقال " ادخلي.."
" اما ان لنا بالخروج من هنا.. انك تعمل كثيرا يا اخي.."
تنهد ثم قال " ما باليد من حيلة.."
لوت فمها بضيق " ولكنه لا يأبه بك انظر للاعمال التي وكلت اليك.. انك حتى لا تهتم بالعائلة كما يجب.."
" وماذا عساي ان افعل.. امور الماضي جعلتني مقيد باوامره.." ثم وضع راحته على وجهه بتعب
" الندم لا يفيد الان.."
اومأ لؤي رأسه " اعلم انه لا يفيد.. ولكن هذا ما حصل.."
" هيا اشرب قهوتك لتستريح ثم من بعدها نذهب الى المنزل ونعمل هناك.. ولكل ضائقة مخرج"
تساءل بقلق " هل ما زالت هي بالخارج؟!"
قالت ياسمين بأسف " اجل.. تحدثت معها اليوم قليلا.. دعها على راحتها"
ارتشف قليلا من القهوة المرة ثم قال " لا ادري يا ياسمين.. انتي الوحيدة التي تستمع اليك.."
ابتسمت له " انت تحبها "
" عاشت معي طوال هذه السنوات فكيف لا احبها.. و وجودها بجانبي يطمئنني "
" دعها تقضي ليلتها عندهم.. في وقت لاحق تحلون المسألة التي بينكم.."
زفر بحرارة وهو ينهض " لن تحل.. ولا اظن انها يوما ستنتهي المشاكل،، هيا لنذهب الى المنزل"
نهضت من مكانها ثم توجها خارج المكتب.. لينتقلا بعدها الى السيارة في موقف الشركة.. ثم يسيرا في شوارع المدينة..

********

اجتمع جميعهم حول ما لذ وطاب من الطعام.. تجلس العائلة الجميلة في حديقتهم يأكلون بهدوء شديد يتبادل بعضهم الاحاديث الجانبية وبعضهم يتبادل النظرات الجانبية بسرية وخفيه.. وقد اعتذر عن طعام العشاء كل من الجد ووالد مجد.. فكانت الجدة تترأس المائدة لأنها الاكبر سنا في الموجودين.. ومن جانبها جلست والدة ريم تأكل بهدوء شديد وكأنها لوحدها... ريم كعادتها تتشاكس مع رامي على كل شيء وعلى اتفه الاسباب.. واما الثنائي الاخر صامتان كل منهما يخفي ما بداخله ولا يعبر عنه...
رفعت والدة ريم رأسها ووجهتها ناحية ابنتها ثم قالت " ريم.."
نظرت ريم ناحية والدتها بينما انشغل الجميع بطعامه بدون اهمية لما يحدث..
قالت ريم " ماذا هناك يا امي؟!"
" هنالك حفل اود حضوره غدا.. جميع صديقاتك موجودات.."
ازدردت ريم لعابها وقالت بامتعاض لم تظهره " حقا.." ثم قالت بأسف " ولكننا يا امي سنذهب غدا الى التلة؟!"
نظر اليها كل من رامي ومجد وايضا شاركتهم قمر بتلك النظرة المندهشة.. فركلت ريم قدمها الى رامي فأومأ رأسه متداركا الامر " اجل لقد اتفقنا.."
تساءلت الجدة بشك " متى قررتم هذا الامر؟!"
اجابت ريم " في الصباح.. تحدثت مع رامي.."
رفع مجد احدى حاجبيه بتهكم ثم قال " ولماذا ليس لنا علم بذلك.."
جحدته ريم ثم قالت " كنا سنعلمكم الليلة.." ثم التفت حتى تنظر ناحية قمر " ما رأيك هل تذهبين؟!"
نظر اليها مجد باهتمام وابتسم عندما قالت " لا يوجد ما افعله اذهب.."
تنهدت ريم براحة ثم قالت " هذا جيد.. وانت يا مجد؟!"
اومأ رأسه ببرود " لم لا.. يكون تغيير وترويح عن النفس قليلا.."
نهضت والده ريم من مكانها وقالت " العافية لكم.."
وفور ابتعادها استدار رامي ناحيتها وقال " لولا انني ذكي فقط.."
" فقط اصمت انت.. فعلت هذا كي لا اذهب.."
ابتسمت الجدة وقالت " الا يعد هذا كذبا..؟!"
نفت برأسها وهي تدخل الطعام في فمها.. وبعد ان ابتلعته قالت " بما أننا سنطبق الكذبة اذا لا تعتبر كذبة...."
" كما امرتِ انسة ريم.. كأنه لا يوجد شيء عند المرء وسيذهب طوعا لامرك وتنفيذا لكذبتك" قالها مجد بغيظ..
نظرت اليه قمر وتذكرت ما حصل اليوم.. لا بد انه منشغل بتلك الفتاة التي حدثها اليوم.. اطرقت رأسها حتى تأكل بهدوء.. بينما قالت الجدة " ان كان عندك مخططات وامور مهمة لا تذهب.."
تأففت ريم ثم قالت " يأتي الغد بتفاصيله.. دعونها لا نشغل بالنا به.."
" ان لم تنجح خطة ذهابنا تلفق ريم شيئا اخر.." قالها رامي ثم ارتشف القليل من الماء
نظرت اليه ريم بمعنى حقا؟؟.. ثم قالت الجدة بانزعاج " كفاكم حديثا.. ليس من الادب ان تتحادثا هكذا على الطعام؟!" ثم وجهت سؤالها الى قمر " اه عزيزتي قمر.. (رفعت قمر رأسها ناحية جدها عندما سمعت اسمها وابتسمت لها،، اكملت الجدة) متى ستزيلين هذه عن يدك؟!"
وقبل ان تنطق تدخل مجد " بعد اسبوع من اليوم.."
اومأت قمر رأسها بهدوء فابتسمت الجدة وقالت " بالشفاء..."
بادلتها قمر ابتسامة جميلة ثم عادت للنظر في وعائها والعبث في محتوياته...
وبعد ان نهضت الجدة عن الطعام.. اقترب رامي من ريم " ماذا يحصل بينهما من جديد!!"
همست ريم " شلال من الجليد قد تصلب ويحاول الذوبان ولكن لا اظن انه سينجح "
اومأ رامي رأسه ثم قال في نفسه " لا بد للشمس التي في قلب قمر ان تذيب كل ما فيه.."
" ان لم نستطع الذهاب غدا.. نذهب بعد اسبوع.. ما رأيكم!!" قالتها ريم بعد وضعت كوب الشاي من يدها... وبرغم شرود قمر الى ان جملة ريم قد دخلت الى ظلام باطنها الذي غرقت به فنظرت اليها بمعنى لا فرق بالنسبة اليها...
" لماذا؟!" تساءل رامي بينما كان مجد صامت لا يشارك بأي شيء ينظر الى قمر بغموض شديد..
" لان رائد مشغول غدا.."
رفع رامي احدى حاجبيه " وان لم يكن رائد ماذا سيحصل!!"
ابتسمت قمر ثم قالت لرامي " لانه لا يمكن.. تفقد نصف عقلها بدونه.."
" هل تسخرون مني الان.."
ابتسمت قمر بخفة ثم قالت " كنت امازحك ليس الا.."
اشار اليها رامي بيده بأن قبض اصابعه عدا الابهام دليلا على كلمة (احسنت..)
" من شدة مجالستك لهذا خفيف الظل الذي بجانبي اصبحتِ توأمه.."
تحدث رامي " انها اجمل توأم.."
اعتلى وجه قمر ابتسامة جميلة في وجه رامي... بينما حاول مجد عدم الاكتراث لما قاله رامي..
ونهض من مكانه ببرود شديد ولم يتفوه بأي شيء..

وبعد ساعات قليل،
" ألا تكفين عن مشاهدة مثل هذه التفاهات يا شقيقتيي؟!"
تمالكت ريم اعصابها ثم اوقفت الفيديو بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز.. ونظرت اليه بحنق " ماذا تريد!!"
جلس في الظلمة التي تجلس بها وقال " لا شيء.."
" اذا دعني اشاهد براحتي!!"
حك ذقنه ثم قال " أين هي!!"
تأففت ووضعت الفشار جانبا " ابحث عنها ان كنت تريدها.."
رمقها تصرفها ذاك فقالت " حسنا لا تغضب.. انها في المطبخ تحضر بعض الكعك.."
اومأ رأسه ثم قال " أريدك بشيء قبل ان تأتي.."
تنهدت ريم " اجل انا اسمعك!!"
..............
......
...
.
عشر دقائق تقريبا.. وهي تضع قطع الكعك في سلة من القش حتى تستطيع حملها ولا يقع ارضا ويصبح فتاتا بسبب يدها المصابة.... مشاهدتها للفيلم كانت فكرة جيدة حتى تخرج من ضجيج عقلها وتفكيرها الملازم به.. تنهدت ثم حملت سلة القش تلك وتوجهت ناحية الصالة حيث كانت هي وريم تشاهد الفيلم... تسير حافية القدمين في ظلمة المكان التي اعتادت على ذلك الظلام كثيرا منذ طفولتها... ثم وقفت برهبة بعد ان سمعت ذلك الصوت يقول بلطف " هاتِ عنك!!"
نظرت اليه وهو قادم نحوها بثياب يغلب عليها الطابع الرياضي،، يبدو انه يستخدمها للنوم... ازدردت لعابها وبارتباك اعطته السلة دون ان تنبس ببنت شفه... وسارت بخطوات امامه تفرك يديها من التوتر وهو خلفها يبتسم بحب شديد...
وبالقرب من الصالة تعجبت من ذلك النور الخفيف الصادر منها.. ولا صوت فيها يدل على ان ريم تشاهد التلفاز او ما شابه ذلك.. وصوت قطعة الرخام من خلفها " لقد ذهبت لتتحدث الى رائد وستعود.."
اومأت رأسها واذ به تقدم ووقف بجانبها.. بل كان اشبه بالالتصاق حيث كان قريبا بما يكفل انقطاع نفسها واضطراب كل شيء فيها.. اخذت نفسا عميقا بعد ان ازدردت لعابها... تشنجت اطرافها وتوقفت حتى ان كل شيء فيها غمر بمياه الدهشة والغرابة عندما وضع يده على ظهرها يحثها على المسير.. وضربات قلبها اطلقت معزوفات تقيم من خلالها حفلا صاخبا داخل كل ركن من جسدها.. رفعت رأسها الى وجهه رأته يبتسم بغرابة وعيونه تضيء بشعاع يزيد من ذلك الحفل الصاخب الذي اقيم بداخلها... ومع ابتسامة قال لها " هيا.."
انزلت رأسها بهدوء ثم سارت بجانبه بعد ان ازال مؤثر الكهرباء عن ظهرها.... وعند وصولهما الى باب الصاله وضع هو تلك السلة ارضا واستند على الباب مع انعكاس ذلك الضوء الخفيف في رصاص عيونه... اما هي عقدت حاجبيها بغرابة وحيرة.. فالتفتت اليه تحاول الاستنتاج الفهم.. اعتدل في وقفته وتوجه نحوها..،،، وقف امامها بهدوء شديد.. كانهما في فيلم او مشهد رومنسي.. عيونهما متركزتان في عين بعض.. وقلبهما يقيمان عاصفة حب دهورت المكان برياح الحب وامطار العشق..
ابعدت عيونها عنه ثم صوبتهما الى ذلك الصندوق الاحمر.. كان متوسط الحجم بحيط به غلاف بلاستيكي النوع... اخذت عصافير بطنها تزقزق عندما همس ببحة صوته الجميلة
"هذا لك.."
ازدردت لعابها بحيرة...هدية لها!! ومن من؟! من ذلك الحديدي !!
اخرجها من تلك التساؤلات صوته " ربما تملكتكِ الحيرة والاستغراب.."
اومأت رأسها بدون وعي.. اكمل هو " اردت الاعتذار بطريقتي.."،، صمت قليلا ثم اكمل متأسفا " اعتذر عما سبق.. لا اريد التبرير عن اي شيء... ولا تلفيق الحجج.." كف عن الكلام عندما رآها تتقدم ناحية الصندوق.. تبعها حتى وقف بجانبها ثم قال بتردد " لقد.. قمت باصلاح عقد والدتك.."
نظرت اليه.. وكان يبدو عليها الاندهاش كثيرا.. سرعان ما امتلأت عيونها بالدموع وتجمعت لتشكل بحيرة فيها ثم نطقت ببطئ " عقد والدتي!!"
ابعد نظره عنها بضعف وقال " كنت قد كسرته.." صمت ومن بعدها انطلقت شهقة منها فبسرعة حادة عاد ونظر اليها.. كانت دموعها تغذي وجنتيها.. وعيونها تطلب منه التأكيد ان ما بداخل الصندوق هو حقا عقد والدتها.. امسك يدها برفق ثم قال " من المؤكد انكِ شعرت باختفاءه.. اعتذر لذلك اولا.." صمت قليلا ثم قال " يمكنكِ فتح الصندوق.."
كانت ما زالت يدها حبيسة يده وهي تنظر الى الصندوق ودموعها تجري مجراها وتهطل بخفة.. وعندما بدأت بثني قدماها وهمت بالنزول.. لم يستطع ترك يدها فهبط معها ليجلسا على الارضية..
كادت ان تلمس الغلاف البلاستيكي ولكنها توقفت عندما قال لها " اولا عليك مسح دموعك.."
نظرت اليه باستفهام فبادر هو بمسح دموعها التي تغرس في قلبه سكينا حادا.. ثم رآها تبعد عيونها بعد ان اغلقت عيونها وفتحتها لمرتين متتاليتين.. جلس يراقبها وهي تزيل ذلك الغلاف.. ثم مسكت الصندوق بعدم تصديق.. وبعد ذلك نظر الى اناملها المرتجفة عندما فتحت الصندوق...
شعر انها تبكي بل تبللت وجنتاها من شدة البكاء الصامت.. كانت لمدة تنظر الى ما بداخله حتى تحول نظرها اليه بنظرات ملؤها الشكر والعرفان.. مسحت دموعها بباطن يدها ثم حاولت النطق ولكن الكلمات توقفت في حنجرتها عندما انطلقت شهقة من داخلها.. اندفع اتجاهها وامسك بوجهها بلطف.. ثم تحدث بحنان " لا تبكِ ارجوكِ.."
كانت لا تستطيع الا البكاء فنفت برأسها وقالت بصوت اشبه للهمس " شكرا لك.. لقد اعدت لي ما افتقدته بشدة.."
" اعتذر.. اعتذر لكل ما بدر مني ولكن الان توقفي عن البكاء.. ما جلبته حتى لتصبحي سعيدة ومطمئنة.." كان صوته يعبر عن الالم والندم الشديد.. عن كل ما سببه لها من وجع وحزن..

اومأت رأسها اكثر من مرة ثم رسمت ابتسامة خفيفة على وجهها.. فابتسم هو لتلك الابتسامة العذبة.. ثم ازال يديه من حول وجه جوهرته وجلس براحة امام تلك الفرحة التي غرسها في ياسمينة قلبه البيضاء...



إن شاء الله يكون الفصل الجديد نال اعجباكم،
وحابة اخبركم ان شاء الله رح التزم بمواعيد التنزيل
كل يوم جمعة فصل جديد باذن الله،

للأسف بتأخر عليكم أوقات ولكن اعذروني افكاري واقفة لاخر شي كتبته لانه بعدت فترة عن الرواية
تقريبا واصلة لحتى جزء 19،
ولكن رح احاول اكتب كرمالكم..

كل محبتي الكم ولوجودكم يلي بدخل السعادة لقلبي
تضلو بخير


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 03:09 PM   #18

Lolohakim

? العضوٌ??? » 462830
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » Lolohakim is on a distinguished road
افتراضي

سرد رائع وجميل. أحببت الفصحي

Lolohakim غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-04-20, 10:04 PM   #19

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


" كل الذين يتعاملون مع الحياة بقلوبهم، تحطمهم التفاصيل الصغيرة جداً "


(14)



ونحن في سحابة الذكريات.. حيث نحلق في سماء الماضي..
وتحديدا في فرنسا..
بعد رحيـــــل الشتاء..
رحيــــل البــــرد..
ذهاب الثلج..
بعد عناء المرض.. بعد غيوم الحزن التي أثلجت على المنزل ألماً عميقاً يجرح الفؤاد وينهي الروح.. وبعد مضي ثلاثة أشهر من عناء الانتظار والنظر إلى تلك الوردة التي تذبل.. كان المرض قد استقر فيها جيدا ولا أمل من الشفاء..
ينظر بعد نهاية كل يوم إلى زهرته وهي تجف أوراقها وتتساقط زهرات ابتسامتها.. ويجف داخلها رويدا رويدا.. وأما بحاله فليس بأحسن ،،فمقدار الالم الذي تجرعه بعد إصرار زوجته من زواجه بصديقتها أصبح عاجزاً عن كل شيء وما بيده حيلة.. ما زال مدركاً ان باستطاعته تربية طفلته الوحيدة التي تشبه والدتها كثيرا.. ولكن كان طلبها الوحيد فخضع للأمر الواقع عليه.. لقد عقد قرانهما بعد انتقالهما الى المدينه.. وبما ان امكانيات القرية قليلة فكان من الضروري مكوث زوجته في المشفى وخضوعها للعلاج.. فوجب عليهما مغادرتها والانتقال للمدينة..
وفي خلال تلك الايام كانت زوجته تنتقل من المشفى الى المنزل والعكس مع كل فجر يشرق وكل ليل يأتي من اجل ابنتها الوحيدة.. قمرها التي تضحي من اجلها.. وضحت بحب حياتها بزواجها من اعز صديقاتها.. و ظل هذا الزواج سريا تحسبا لما يحصل فتم اجراءه بشكل سريع.. حتى اذا جاء ذلك اليوم.. وغادرت رؤى الحياة..
و حين علموا انها في ايامها الاخيرة وان المرض قد تجذر في جسدها.. طلبت حين ذاك المكوث في المنزل مع وجود ممرضة تهتم بها.. فقط تريد ان تبقى تحت ذات السقف مع ابنتها.. تشتم رائحتها.. تتغذى من ابتسامتها.. تشعر بالتحسن كلما نظر اليها وجهها القمري المضيء..

مضت الايام وحان وقت الوداع كما تم توديع فصل الشتاء.. بدأت الازهار والاشجار تعلن انتصارها على البرد.. وانطلقت بجيوشها وتفتحت بتلاتها واخضرت اوراقها.. والجو جميل فيه لفحة برد خفيفة تسيطر على الاجواء.. والصباح هذا اليوم في الطرقات،، الحدائق،، منعش يغذي الروح بالسعادة.. ولكنه في ذلك المنزل لا وجود لمعنى الربيع...
آلمته روحه.. بل استقر الالم في جسده وقلبه.. مستمعا لما تتفوه به ابنته وهو من خلف الباب..
" هل تعلمين يا امي؟؟ تقول معلمتي كما اتى الشتاء وغسل الارض بمياهه فأصبح هناك الربيع.. سيأتي يوم وتصبحين جميلة كالربيع.."
اغرورقت عيون والدة قمر بالدموع وهي ترى شعلة الامل في عيون ابنتها ومن بين دموعها ابتسمت لها بألم عندما اكملت
" انا بعيدة هنا اجلس على كرسي بعيد عن سريرك.. ولكن حالما يأتي الربيع الى الغرفة سأجلس بجانبك.."

بينما هو يسمع ما يدور من حديث بريء اغرورقت عيونه بالدموع.. وما بمقدوره الوقوف هكذا!! زوجته ترحل وتترك له الذكريات... تترك له اجمل شيء في الدنيا..(قمر)...

اقدامه اصبحت مهملة وكأنها قطعت اوتارها ولم يعد بامكانه الوقوف فتوجه نحو الاريكة في الرواق ،، وضع وجهه العريض بين كفتيه بمرارة وحزن.. ذلك الالم اعتصر قلبه منذ سماعه بمرض زوجته..وما زال مرضها ممسكا بقلبه يعصره و يحوله الى فتات.. كيف له ان يتحمل ذهابها بعد هذا العمر الذي قضياه سوية.. بعد ايام أفنوها بحب وسعادة.. ومن بعدها جاء هذا المرض ليفرقهما...
شعر بتلك اليد التي امتدت على كتفه الايسر رفع رأسه ثم نظر الى صديقة زوجته.. وحالما راته بتلك الحالة قالت بقهر لا يظهر " كفاك هذا الحزن.. من اجل قمر.. كن انت قويا لتكون هي قوية.."
" كيف اخبريني كيف؟! زوجتي ترحل من بين يدي وما باليد حيلة.."
اطرقت رأسها والشياطين تلعب بعقلها.. ماذا تفعل للتخلص من كم الحب الذي في قلبه ناحية زوجته اللعينة تلك.. تنهدت ثم توجهت بجانبه ثم قالت " يجب عليك ان تتحلى بالقوة.. لأجل قمر.."
تنهد بحرارة " سأحاول ذلك.."
شدت هي على قبضتيها بحنق.. فما الذي فعلته تلك الشنيعة المدعوة رؤى بهذا الرجل حتى يبكي على رحيلها.. وقالت في داخلها " وانا ساحاول بكل طرقي للتمكن والدخول في قلبك.."
ومن بعدها خرجت قمر تلك الفتاة البريئة من غرفة والدتها والحزن ترسخ على وجهها.. توجهت نحو والدها ثم تساءلت " ابي.. هل ستبقى والدتي هكذا؟!"
امسك والدها يديها بحنان و تحدث " لا.." ثم نهض من مكانه و امسك احدى يديها وبدآ بالسير " ستشفى وتعود الى حالتها السابقة تعد لنا الكعك والطعام اللذيذ..."
اما تلك زوجة الاب والصديقة الطيبة المزعومة اشتعلت عيونها غضبا وشدت على يدها وتحدثت من بين اسنانها " ساريك كيف ستعود.. لن تعود وستذهب ابنتك الحبيبة ايضا.. وابقى انا..."
اخذت نفسا عميقا ثم نهضت من مكانها وتوجهت الى غرفة من ستسرق حياتها بعد موتها..

مرت الايام كئيبة متلوثة بغازات الحزن.. واليوم هو الواحد والعشرون من شهر اذار...
وقف امام المنزل.. نظر اليه بكل حزن وعيونه تبحث عن طريق ينير حياته.. وجسده متهالك.. روحه متعبه.. وداخله مظلم... ولكن ليس هو فقط من داخله اسود مظلم.. بل المنزل ايضا غطاه السواد والحزن.. فالناس داخل هذا المنزل يرتدون السواد مع تلك الدموع التي ذرفت بحرقة من اجل ذهاب زوجته الى ما تحت التراب...
وبعد مضي بعض الوقت في مراسم العزاء.. توجهت نحوه تلك الصديقة التي حفرت بئرا عميقا فقط حتى تحصل على زوج صديقتها.. تصنعت الحزن " ستأتي قمر بعد القليل.. بصعوبة بالغه استعطت الصباح ارسالها الى المدرسة من دون رؤية رؤى.."
اغلق عيونه بألم وشد على قبضتيه وقال " انت تصرفي.."
أومأت رأسها... ثم قال " لا اريد الجلوس هنا.. روحي تحترق كثيرا.. سأذهب الى غرفتي.."
هزت رأسها ايجابا ثم وضعت يدها على كتفه " انا هنا كما ارادت.. سابقى بجانبك.."
ربت على يدها ثم ابعدها بهدوء ومضى في طرقه.. حتى وصل الى مفترق الرواق حيث غرفته من الناحية اليسرى والغرفة التي بقيت بها زوجته..
دخل غرفتها التي تفوح منها رائحة المرض والفراق.. منكسر الجناح من الحزن.. دخلها وقلبه ينقسم الى اشلاء.. وعيونه غارقة في دوامة الحزن.. جلس على السرير بانكسار وهو يلتمس غطائه ويشد عليه وعيونه تعلن مطرا شديدا ينهمر بغزارة...
" كيف ذهبت!! وتركتني بين هذه الاكوام من الحزن.. كيف استسلمت لهذا المرض اللعين.. اما تعاهدنا على السير معا.. كيف سأكمل اعوامي بدونك الان.. ماذا ساقول لصغيرتنا كنت قد وعدتها انك ستشفين سنأكل الحلوى من يدك.. ستصنعين الذ الطعام..."
وزادت دموعه انهمارا واجهش بالبكاء كطفل صغير.. نهض من على السرير وتوجه حيث الصورة امسكها بألم وهو ينظر الى السعادة المتواجده فيها،، هو وهي وقرة اعينهما بينهما.. وراحت دموعه تسقط على زجاج الاطار المحيط بالصورة.. ثم بخيبة سار للخروج من الغرفة فقد ضاق صدره وشعر بالوحيدة التي تأسره من كل الاطراف.. شعر وكأن قلبه ينزف و يتلقى الضربات.. ولكنه توقف وعقد حاجبيه عندما شاهد تلك الورقة الموضوعة على المنضدة الخاصة بالادوية..
توجه بخطى منكسرة وامسك بها رفعها ناحيته ثم نطق ما هو مكتوب فيها بصوت يكسوه الحزن ويغلفه الالم مع كل كلمة تخرج من فمه وتغرس في قلبه ألما كبيرا..
(الى زوجي.. الى من احبني.. الى من تمنيت ان اقضي جميع ايامي معه.. اليك يا من تمنيت معه اجمل الاشياء.. عندما تقرأ هذه الرسالة اكون قد ذهبت بعيدا تحت التراب.. تكون ابنتي الصغيرة تعاني لوعة الفراق.. وتكون انت ضعيفا مأسورا بحزنك.. واكون انا انظر اليكم من البعيد..
كنت قد قررت ان لم تأتني المنية واستطاع المرض السفر والابتعاد عني ان امزق هذه الورقة.. ولكن بما انك تقرأها الان اكون قد مزقني المرض وجعل مني جثة هامدة... لقد سبق وقلت لك ان تعتني بابنتي الصغيرة.. ذلك القمر الذي انجبناه ما زال صغيرا.. اعتني بها جيدا حاول ان تكون قويا لاجلها.. كن لها الاب والام ان استطعت.. وحاول مع صديقتي ان لا تشعراها بغيابي..
زواجك منها يعني ان تكون ابنتي تحت الرعاية والحب والحنان الذي ستفقده بعد غيابي.. ولكن بوجودها ستنعم بقمر بكل ما تحتاج.. اعلم انك مرغما من اجلي ومن اجل قمر.. ولكن حاول ان تكون لها زوجا فهي عانت العذاب في حياتها.. كن لها عائلة جديدة تحتويها وتقدرها صدقني انك ستشعر براحة كبيرة معها... هذا طلبي لتبقى ابنتي تحظى بالحب وبكل شيء تحتاجه... اعلم كم هو صعب،، اعلم جيدا انك لا تريد ولكن حاول فقط من اجلي ان تحافظ على العائلة من بعدي،، فذهابي لا يعني انتهاء الحياة.. ولكن بداية جديدة..
دع الربيع يأتي الى المنزل من اجل قمر..."
وبعد كل هذا الكلام عض على شفتيه ألما وجلس على الارض بتهالك وبدأت عيونه تطلق غازات الحزن دون توقف...

ابتسمت بانتصار بعد ان فتحت باب الغرفة وشاهدته غريقا بالرسالة المزيفة تلك.. فقد توقعت توجهه الى تلك الغرفة .. فقامت بكتابة تلك الرسالة بكلمات مؤثرة.. والان هو في قبضتها كما قالت.. الا يحتاج بعض الرعاية والحنان وتعويض النقص بعد موتها.. ستكون هذه مهمتها حتى تكسب قلبه... ثم بسرعة عدلت من وجهها وتصنعت الحزن والالم.. ولا احد يعلم كيف تنجح في ان ترتدي الاقنعة!! ثم دخلت الغرفة وتوجهت ناحيته وما زال هو مغطى برمال الحزن..
" لا تفعل بنفسك هكذا.."
نظر اليها وقالت بصوت مجهش " لقد رحلت.. ماذا سأفعل بدونها.."
احتضنته وقالت " حسنا اهدأ.. ارجوك اهدأ..."
قال هو بانهيار " كيف!! لقد رحلت.."
شعرت بالحنق ثم قالت بكره " هل زوجتك تريد هذا.. لقد أمنتك عندي انت وقمر.. دعنا لا نحزنها.. فبكائك هذا يحزننا جميعا.."

وبثت فيه بعض الكلمات متصنعة تلك الشخصية الحزينه والمتألمة .. مما جعله يركد ويكف عن البكاء الخارجي وان لم يستطع من داخله الصمت ومن ثم ساعدته بالنهوض وتوجهت حيث غرفته وجعلته يستلقي على السرير،، وحينما اغلق عينيه اخذت تلك الورقة من يده وخرجت...
نظرت الى الورقة التي كتبتها بخبث شديد وقالت " هذه اول جرعة.. والباقي سيصبح سهلا..." ثم توجهت نحو المطبخ ومزقت الورقة وعيونها تلمع بالانتصار ورمت بها الى سلة المهملات...



توجهت نحو السيارة التى سوف تقلها المنزل مسرعة وبيدها العديد من الازهار التي قطفتها من باحة المدرسة.. فاليوم هو يوم الام..لقد سمعت صديقاتها يتحدثن عن تلك الهدايا الصغيرة التي ستقدمنها الى والدتهن.. فقررت ان تقطف الازهار من دون علم احد.. وحالما ركبت السيارة وانطلقت في رحلتها.. كانت تتحدث الى الازهار بلهفة طفولية جميلة " هل تعلمين ان امي ستوبخني لانني قد اخذتك من المدرسة.." امالت شفتيها ثم اكملت " ولكنني قطفتها من اجلها ستسامحني بالتأكيد.." وبذات اللهفة وجهت سؤالها ناحية السائق " أليس كذلك يا ليون!!"
نظر اليها ذلك السائق بحزن واومأ رأسه...

وبعد وصولهما الى المنزل نزلت من السيارة بشوق ولهفة وبحماس طفولي كبير تركض بأقدامها حتى كادت ان تتعثر... وكما امرت صديقة والدتها احدى الخادمات التي احضرتها للمنزل من اجل الخدمة في العزاء ان تدخلها من ناحية الباب الخلفي..
وعند دخولها المنزل بسعادة كبيرة سمعت بعض الاصوات من الداخل ولكنها لم تهتم كثيرا.. كل ما يهمها هو وصول هذه الازهار الى والدتها.. فتوجهت بخطاها بتلك الازهار النقية مثل قلبها.. حيث اعتقدت ان تجد والدتها في تلك الغرفة...
فتت الباب باندفاع وهي تصرخ بحماس " امي لقد احضر..."
عقدت حاجبيها باستغراب فأمها ليست بالغرفة.. استقامت شفتيها الصغيرتين ثم توجهت بخطى خائبة خارج الغرفة.. ربما ذهبت الى المشفى،، هكذا فكر عقلها الصغير احتضنت الازهار واشتمت رحيقها وقالت بابتسامة " بالتأكيد ستعود.."
ثم اخذت تهرول الى غرفتها حتى تكتب لها رسالة.. ولكنها توقفت عندما سمعت بكاءً في احدى الغرف.. اقتربت ناحيتها وكان الباب مفتوحة.. يظهر من خلاله صديقة والدتها وهي تبكي وتقول كلمات غير مفهومة..
كانت تنظر بحيرة واستغراب وهي تراها تنهار وبيدها الهاتف تتحدث الى احد ما... ولكنها قالت جملتها الاخيرة وانهارت ارضا..
"لقد ماتت رؤى..."
نطقت قمر بصدمة " امي.." ثم رمت الازهار ارضا واتجهت ناحية والدها بعدم تصديق.. دخلت الغرفة بانقضاض على والدها الذي لم يستطع النوم فجفل مما جعله يعتدل في جلسته بسرعة.. كانت قمر قد انقضت عليه ببكاء شديد وهي تقول "امي.. اين هي؟؟! خذني اليها.."
وبعد ان نفذت خطتها الثانية بان تسمع قمر.. نهضت من مكانها ومسحت تلك الدمعات الكاذبة.. وتوجهت بخطوات بحيث لا تصدر صوتا.. وسمعت تلك المناحة التي تدور بالغرفة.. وسرعان ما انتشر السم الاصفر لى وجهها وابتسمت بانتصار... وتزداد ابتسامتها اتساعا مع كل يوم من الايام الثلاثة التي مكثت خلالهم قمر في المشفى..


وبالتحديد عن باب المقبرة.. وقفت تلك السيارة التي تحمل اشخاصا آلمتهم الحياة.. واخذت منهم تلك الزهرة التي ابهجت قلوبهم.. نزل هو بثبات يناقض الفوضى الداخلية في داخله يضع تلك النظارة السوداء حتى يخفي ألم قلبه المتسرب من عينيه.. اما قمره فترجلت من السيارة وقطرات الندى تجمعت بعيونها بعد ان اطرقت رأسها متشبثة بقوة بتلك الازهار...
وامام حفنة التراب.. امام القبر المظلم.. ومن فوق الاموات.. وقفت هي باكية بصمت كمن الجمته الصدمة او لم تستوعب ما حل بها بعد!!
ما زالت صغيرة!! كيف سرقت منها الحياة الحضن الدافئ؟؟ كيف انتزع المرض منه اجمل ما في الكون!! هل حقا باتت بدون أم!!
تقدمت بخفقان قلبها قليلا ثم ركعت على قدميها وبيدها تلك الزهار.. وضعتها فوق التراب بأنامل مرتجفة.. صغيرة ولكنها فهمت انها فقدت الامان.. فقدت الحنان.. فقدت السعادة.. لم يعد هناك حضن دافئ.. ولا ملجأ!!

مرت عدة أيام على انتهاء العزاء... استيقظت قمر كعادتها بعد وفاة والدتها بفزع في منتصف الليل تلهث بشدة وكأنها رأت شبحا في حلمها.. ابعدت عنها الغطاء وركضت باتجاه والدها الذي سيعطيها الحنان والاطمئنان من بعد والدتها.. كان الباب مفتوحا!! فدخلته بسرعة ولكن والدها لم يكن في الداخل!! هل ذهب مثل والدتي!! نفت برأسها وعقلها لا يستوعب ذهاب احد اخر...
ثم ركضت الى الغرفة التي كانوا يجلسون بها... انها مضاءة.. ابتسمت براحة!! فوالدها هنا بجانبها.. لم يذهب ولن يذهب ابدا.. سيبقى بجانبها..
وعندما اقتربت وقفت واتسعت عيونها الباكية بصدمة لما سمعته..
" نحن تزوجنا أجل.. ولكن.."
ثم مدت قمر رأسها من الباب عندما بدأ والدها الحديث " وان اتى والداك وقمر هنا.."
" انت لا تعلم كيف هم والداي.."
تنهد بحرارة " ماذا علينا ان نفعل!! هل اترك ابنتي!!"
" ارجوك افهمني.. لقد علم والداي اننا تزوجنا.."
فتحت قمر عيونها على اشدهما... انها لم تستوعب صدمة وفاة والدتها وغيابها عنهم.. وتكفيها الكوابيس والاحلام المزعجة التي تراودها ليلا.. والان عقلها يحاول هضم زواج والدها!!!
بينما دار الحديث بالداخل " انهما يعارضانني دائما.. وان علما ان من تزوجته له طفلة.. صدقني سيمنعان هذا الزواج.."
وضع هو وجهه بين راحتيه بحيرة فأكملت هي " لا استطيع الا ان انفذ ما قالته رؤى،، ارجوك فقط لعدة أيام!! سيأتي والداي ثم يذهبان"
وبعد هذا الحديث نزلت دمعة يتيمة على وجنتيها.. ثم ركضت الى سريرها لعله يخفف عنها هذا الالم الجديد..

وبعد يومين بالتحديد.. كانت ترتب لها حقيبتها وتضع فيها الكثير من الملابس.. وقمر تنظر بحزن الى صديقة والدتها التي لم تكن تدرك ما غايتها الحقيقية.. اقتربت منها وقالت " لا تقلقي يا قمر.. بضعة ايام.."
ثم اكملت في داخلها " وستموتين بالنسبة الى والدك.."
اومأت قمر رأسها بينما غادرت تلك التي بدون رحمة الغرفة بابتسامة خفيفة...
وبعد ساعة توجهت قمر الى غرفة والدتها.. نظرت اليها نظرة وداع وكأنها تعلم انها لن تعود الى هنا.. وكأنها تعلم ان حياتها انتهت ولم يعد لها وجود في هذا المنزل.. كيف لفتاة صغيرة ان تشعر بتلك المشاعر المؤلمة...لم لا ترحم بها!! ألا يرأف بها احد!! ألا يرق قلب احدهم عليها!!
توجهت نحو درج والدتها.. وفتحته.. نظرت الى ذلك العقد بصمت مرير وعيونها مثبتة عليه.. حرف والدتها يتدلى من حجر كريم مظهره كالزجاج،، اخرجته من الدرج وتأملته طويلا.. ثم لفت نظرها تلك الرسالة التي بجانبه اخذتها وقرأت ما كتب على المغلف
( الى قمري.. ولكن عندما تكبرين..)
مطت شفتيها بألم وضعف... وبعدها سمعت صوت والدها ينادي باسمها من البعيد.. فاسرعت بالخروج ومعها كل من العقد والرسالة اللذان ما زالا معها الى الان..

حتى انها ابتسمت برقة وهي تنظر لإحدى غنائم معركة الماضي المريرة.. تأملت العقد بكل حب.. تأملته بشوق.. بقلب ينبض لما بقي لها من مستنقع الاحزان...
هل السعادة هي امتلاك ما بقى من الآثار القديمة!!
احتضنت ذلك العقد واغلقت عيونها وما زالت ابتسامتها على وجهها في وضح الصباح.. وبعد مدة توجهت حيث ذلك الصندوق الاحمر... وضعت العقد جانباً.. و اخرجت ذلك الكتاب ذو الغلاف الخشبي.. وضعته على أرجلها ثم لامست حروف اسمها المحفور عليه... وراجعت ذاكرتها ما قاله مجد ليلة الأمس..
" هذا لكي تخرجي احزانك.. لكي تعبري ما بداخلك من فوضى ومشاعر مخفية.. لا تدعي دموعك من يعبر.. اكتبي لترتاحي.."
ثم فتحت اولى صفحاته التي خط فيها مجد رسالة اعتذار حفظتها وجهاً عن ظهر قلب.. ورسخت في قلبها بذور حب جديدة ستنمو كما نمت سابقتها وسترويها بكلام مجد حين قال لها " لندع الماضي.. وننظر الى ما نحن فيه الان.. لنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض كقلبك تماما... وتكون صداقتنا بداية من هنا.."
اخذت نفسا عميقا حتى تهدأ من ضربات قلبها الصاخبة... وارتجافة جسدها من ذكرى الامس الجميلة.. حتى هي لم تصدق ان ذاك مجد من كان بالامس.. وكأنه وقعت صخرة كبيرة على رأسه وبدلت حاله مئة وثمانون درجة.. او ربما فقد ذاكرته.. تلك الدهشة التي تملكتها من تصرفاته وكلامه المعسول.. حقا ظنت ان الحمى اصابت ذلك الحديدي الذي ملك قلبها... انها لا تحتاج لتوثيق المشهد بتسجيل فيديو حتى تستعيد المشاعر التي تملكتها حين ذاك فعقلها تكفل بذلك.. وقلبها الذي تطايرت الفراشات منه ما زال على حاله منذ الامس...
تمددت على ظهرها وما زال ذلك الكتاب في يدها الغير مصابة.. رفعته امام ناظرها وبدأت بقراءة كلماته
- ربما لا تكفي كلماتي للاعتذار.. فقررت ان اكتب لكِ ما بخاطري.. كلمات بسيطة اخطها من قلب نادم لم يستطع الغفران لنفسه فكيف انت ستغفرين لي ما فعلته.. غضبي كان كبيرا ذات يوم جعل قلبي يمتلئ بالسواد وينفث دخانا اسود وانتي كنتِ المستقبل لاسوداد قلبي.. اعلم انه لا يحق لي.. واعلم انه لا ذنب لك..
ولكن لا اكتفي الا بالاعتذار.. ولا اعتقد ان كلماتي تكفيكِ.. لم اجد حلا الا ان اعتذر بعقد والدتك ربما يكون هو السبيل في بدء كل شيء من جديد -
ابتسمت من اعماق قلبها وذرفت دمعة صغيرة سالت على وجنتيها ثم ارجعت الكتاب الى صدرها وعانقته بقوة لعلها تدخله بين اضلعها وتجعله مستقرا في قلبها كصاحبه..
ولكنها سرعان ما فتحت عيونها وجلست معتدلة كأن صعقها شيء.. نهضت من على السرير وارتدت في قدميها بعجلة.. ثم توجهت نحو الباب وخرجت منه باندفاع.. وسارت كأنما تهرول ثم طرقت باب غرفة ريم زلكن لا من مجيب تندهت باحباط و امسكت مقبض الباب عازمة الدخول...
" انها ليست في غرفتها.."
التفتت بانتصاب وظلت صامته.. بينما هو اقترب اكثر وقال بصوت اقرب للهمس " صباح الخير.." ثم اتكأ على الحائط امامها..
توردت وجنتيها كأنها وردة جورية وقالت بارتباك " صباح الخير.."
نظر اليها قليلا ثم سألها " ماذا تريدين من شقيقتي المغفلة؟"
" اريدها ان تسرح لي شعري.." اشارت الى خصلات شعرها وهي تتحدث باحراج
ابتسم ثم ما لبث ان عقد حاجبيه فازدردت هي لعابها،، قال لها قبل ان يذهب " ولكنه جميل هكذا.."
فتحت عيونها بعدم تصديق الى ظل جسده وهو يتجه نحو الاسفل بابتسامة جانبية غامضة نزل عتبات السلم وهو يستنشق رائحتها.. ثم توجه الى الخارج حيث اجتمعت العائلة لتناول طعام الافطار.. وجه لهم تحية الصباح وبادلوه اياها بحب وسعادة..
جلس بجانب رامي ووجه حديثه الى ريم " ريم قمر تريدك.."
" ماذا هناك!!" ريم باستغراب
تصنع البرود وقال قبل ان يأخذ كوب الشاي من الخادمة " شعرها او ما شابه ذلك.."
نهضت ريم من مكانها ثم اتجهت داخل المنزل.. ومن بعدها الى غرفتها.. وبعد انحرافها الى الرواق رأت قمر متسمرة في مكانها.. توجهت ناحيتها وهي تضحك من المؤكد انها في حالة صدمة عارمة اجتاحتها منذ البارحة..


وقفت قبالتها وقالت " صباح الخير ايتها الاميرة.."
ارتعدت قمر ثم قالت بعدم وعي " ليس حلماً.."
كتمت ريم ضحكتها.. ثم قالت " قمر هل انتي في هنا.."
قامت ريم برفع صوتها وهي تكبح ضحكتها والتي ان افلتتها ستطلق غناء موسيقيا صاخبا لحال قمر "نداء عاجل من العالم الواقعي الى قمر هل من مجيب.."
رمقتها قمر ثم قالت "حقاً.."
تنهدت ريم " واخيرا.. صباح الخير.."
" صباح الخير.."
" ما بها اميرتنا!! شاردة الذهن!!" ريم بتهكم
" حقا بلا سخرية.. اريدك ان تسرحي شعري.."
اومأت ريم رأسها بانصياع " حسنا ايها الرئيس.."
تأففت قمر فقالت ريم بنبرة يغلب عليها الضحك " حسنا حسنا سأصمت.. هيا الى الداخل.."
بعد جلوس قمر امام المرآة تحدثت الى ريم بتردد" هل انت من اخبرت مجد!!"
فهمت ريم ما تقصد ولكنها اظهرت غير ذلك " بماذا؟!"
امالت قمر شفتيها " بأمر الامس.. ما قاله بغير قصد!!؟"
" ولماذا اخبره بما انك تعلمين انه غير متقصد لقول ذلك عنك؟!"
ازدردت قمر لعابها بارتباك ثم نطقت بصعوبة " هو.. من اخبرني؟"
قالت ريم بتعجب " مجد؟؟"
اومأت قمر رأسها.. فابتسمت ريم وقال " اعلم ذلك.."
استدارت لها قمر بعدم فهم.. فتنهدت ريم ثم تركت المشط من يدها " ان تركت الامر لن تفعلي شيئا.. اخبرته لكي يجد حلا لقلبه الاسود.."
اومأت قمر رأسها مع ابتسامة رقيقة... بينما اكملت ريم ودنت على ركبتيها " انظري اعلم ان شقيقي عندما يغضب يهدم الدنيا.. يقول كلاما مؤلماً.. ولكن ليس داخل نطاق قلبه صدقيني..." تحولت ملامح ريم الى الحيرة وبعض الحزن " ان له قلب طيب.. ولكنه لا يرضخ له ولا يستمع له بتاتا.."
اكملت ريم عندما نهضت الى خلف قمر " ولكنك تتسرعين وتتطلقين عليه الاحكام.."
صوبت نظرها الى ابتسامة قمر الباهتة.. فاسترسلت ريم الحديث " ان قال لك اي شيء تصمتين.. لماذا!! لم لا تملكين حق الدفاع عن نفسك.."
" هل يجب علي الصراخ به!!"
" لا،، انتي طيبة القلب ولا تحبين التجادل هذا ما فهمته وفهمت الكثير من صفاتك الجميلة..ولكن ما لا افهمه انك دائما صامتة.. من اخطأ بحقك كمجد مثلا.. لا تملكين لسانا طويلا مثلي حتى تجعليه يحرم المساس بك.."
نطقت قمر " ولكنه اعتذر.. علم خطأه وتراجع عنه.."
ابتسمت ريم لها " انت اما حمقاء او تملكين قلبا طيبا.."
عقدت قمر حاجبيها " اظن انه يجب ترجيح الخيار الثاني.."
قهقهت ريم بخفة وقالت " ربما الخيارين معا.."
ارتسمت على وجه قمر ابتسامة سرعان ما استقامت شفتيها واغرورقت عيون قمر بالدموع .. بينما نظرت اليها ريم بقلة حيلة وقالت بتوبيخ " عدنا للبكاء من جديد.."
نفت قمر برأسها واخرجت الكلمات من قلبها " ليس حزنا.. ولكن لوجودك في حياتي.."
ابتسمت ريم لها وهبت اليها تحتضنها بحنان اخوي فقدته قمر منذ سابق الزمان.. وهمست لها " عديني ان لا تبكي مجددا.."


قالت الجدة باستغراب " لقد تأخرت الفتيات؟!"
نظر اليها رامي " تتحدثين وكأنهم ذهبوا الى مكان ما وتم اختطافهم.."
شهقت الجدة لأفكار حفيدها المجنون... بينما صرخت ريم من ورائه " قل انك تتمنى موتي.."
" انت نعم،، ولكن قمر لا.."
ضحكت قمر له ثم تملكها الاستغراب لوجود جدتها ورامي فقط.. أين هو هذا ما تسائلته!!
ثم قالت بخيبة مزرية " صباح الخير"

وبعد جلوسهما قالت الجدة " لقد تأخرتما.."
" كنت اسرح شعرها بمهارة عالية.." ريم بغرور يترأس قمته ثقة عالية
اومأ رامي رأسه وقال باستخفاف " انها مجرد ظفيرة شعر فقط.."
نظرت اليه ريم بحنق بينما قالت قمر " لو حتى تقوم بابعاد شعري عن جبهتي فقط يعد شيئا جميلا لي.."
وبعدها اخذت ريم ترفع حاجبيها وتنزلهما ولكنه لم يعرها اهتماما ابدا.. ثم تناولت بعض الخبز من سلة القش واخذت تدهن عليه بعض الزبدة بينما انشغلت قمر بأفكارها مع القليل مما يدخل فمها.. وبعد ان قضمت ريم ما يملأ فمها من طعام وابتلعته سالت جدتها " أين ابي، امي، وجدي، ومجد.."
امعنت قمر السمع عندما تحدثت الجدة قائلة " جدك ووالدك ينهون امر فرع فرنسا.. والدتك في تنظيم حفلة اليوم.." صمتت قليلا ثم اشارت بعيونها نحو مجد " وها هو مجد هناك.."
اومأت ريم رأسها بينما قمر رفعت بصرها ناحيته.. يتحدث الى الهاتف بسعادة كبيرة.. يأسرها بأناقته ورجولته.. انه لا يشبه رامي ابدا،، كأنها نار وجليد.. فرامي مستهتر لابعد الحدود يخلط المزاح مع الجدية،، اما مجد فهو دائما في حالة من الابهة،، يملك لسانا سليطا لا يستطيع التخلي عنه.. اما صلابته وجلادته هو صفات دائب عليها واعتادها.. يملك من الهيبة مما تجعلك تهاب الوقوف بجانبه.. ربما هذا ما جذبها نحوه... ربما النور المشرق من عينيه اخترق قلبها وجذبها نحوه.. هي تؤمنان له ذلك القلب الطيب الذي تصلب مع برودة الظروف التي مر بها.. وبما انه قلب يضخ الدم حول انحاء الجسد فقد انتشرت برودته وصلابته بسرعة... بعكسها تماما فكان انكسار قلبها وضعفه وعدم محاولاتها بتجبيره هو نتائج اندلاع حرب الحياة عليها..
تنهدت تحت مسامع ريم، فاقتربت منها وقالت بهمس " ما بك؟! على ماذا اتفقنا في الداخل "
نفت قمر برأسها مع ابتسامة خافتة " لا شيء.."
لوت ريم فمها مع نظرة شك " حسنا..."
ادخلت قمر في فمها القليل من الخبز مع نظرات جانبية له.. وحين انهى اتصاله المجهول راقبته وهو يتقدم ناحيتهم حتى توقف بجانب جدته.. ولاحظت تلك الابتسامة التي وجهها نحوها وبلا ارادة ابعدت نظرها عنه بارتباك وانشغلت بأكلها..
ضحك داخله ثم اخذ بيده حبة زيتون " علي الذهاب الان.."
نظرت اليه الجدة وقالت " لم تأكل شيئا كثيراً.."
قبل جدته وقال " اعود واتناول ما تريدين هيا يا جميلة الجميلات.. الى اللقاء..اودعكم جميعا"
ظلت قمر تراقبه وهو يبتعد وفي خلدها تتجول الكثير من المشاعر المبعثرة التي تحتاج رياحا قوية تدفعها للوصول الى الطريق الصحيح...
وعيون ريم عليها تجهل غرابة الأمور من حولها؟


ضغوطات الحياة تدفعنا احيانا للاتكاء على شاطئ القوة.. بعيدا عن جبروت البحر عند غضبه!! نستسلم فقط لاننا لا نملك الحق للدفاع في هذه المعركة، ما بين قوي وضعيف!! ما بين فقير وغني!!
ونحن على الشاطئ نبتعد عن مياه البحر كلما تسربت على حبات رملنا البسيطة!! نستسلم!! ونرضخ لهذه القوة التي تشكل كرة بحجم كبيرة تحجزنا داخلها!!

تنهد رائد شاغلاً تفكيره بالصحيفة اليومية.. بعيدا عن انظار جيداء له وهي ترتشف من كوب الحليب خاصتها... يلاحظ تلك العلامات السائمة على وجهها،، وتصرفاتها التي تحاول جاهدا للفت الانتباه لها.. ابعد الصحيفة عنه بملل.. وصوب نظره الى شقيقته ( رانيا ) واخرج زفيرا قويا من اعماقه عندما بدأت تطفو في عقله كلمات ريم عن حاله...
ترمقه جيداء بنظرات بين حين واخر.. تلاحظ قلة الحيله من خلال الشعاع المنطلق من عيونه.. تتفهم حالته تلك.. تنهدت ثم نهضت من مكانها بعد ان قالت " انت لا تتحدث معي ولكن اليوم موعد والدتك مع الطبيب الخاص بها.."
وضع يده على رأسه بعد تسربت كلماتها المعاتبة الى اذنيه ثم نظر اليها " ولكن اليوم.."
تنهد مع اهة تعب خرجت من داخله،، رأفت جيداء بحاله فقالت " لا بأس،، آخذها انا.."
" وعملك!!"
" وماذا يفعل والدي.." ثم لوت شفتيها بسخرية وصححت كلامها " والديّ.."
قالت تلك الكلمات بسخرية لاذعة من قدرها.. بوجود والدين واحد مسجلة باسمه والاخر قام بتربيتها!! والاثنان ضمن لائحة ( المتجردين من القلب..).. وبعدها سارت ناحية الشرفة..
نظر الى شقيقته التي كانت منهمكة بقص ملابسها القديمة البالية بعض الشيء وتصنع منها ملابس لدمياتها.. كانت قد اعربت عن شغفها بالملابس وصنع الازياء،، وانها حين ان تكبر وتصبح شابة ستقوم بتصميم الفستاين.. تنهد لحلم بريء لا يدري سيتحقق ام لا!! ما زالت صغيرة ولا تعي انهم بحالة لا يستطيع فيها تحقيق حلمها الصغير ذاك.. ومع ان حاله تحسن قليلا فراتب المؤسسة يعيله.. مع عمل صغير اخر يسيره من داخل المنزل ويجني عليه المال..
ظل ينظر اليها بصمت تجتاحه الكثير من المشاعر والافكار!! كأنه في مفترق طرق!! تقاطع سير ما بين الشجاعة والاستسلام!!
خيط أفكار يأخذه نحو الرضا بما حل به!! وخيط اخر يشده نحوه بالتمرد على حاله هذا!!
وهو ما بين مد وجزر.. تطفل صوت اخته ليخترق جميع الافكار وتتبخر من امامه
" رائد.."
وبعد ان نفض كل ما تراءى الى عقله نظر اليها باهتمام لما ستقوله.. بينما هي اشارت بيدها ناحية الشرفة.. وبعدم فهم استجاب لموضع اشارتها واذا بجيداء شاردة مبدية الحزن..نهض من مكانه مقصده اليها فكما ساندته في جميع محنه،، حتى انها فضلت بقائه في شقتها السكنية بعد استحواذ احدى والديها عليها وارغامها للمكوث بينهم.. وهو يجب عليه ان يكون معها بكل خطوة تخطوها وألا يتخلى عن اخت لم تلدها امه!! يعلم همها تماما.. فكما فهم بالامس بأن لها رغبة بفتح دعوى قضائية.. ولكن ض والديها.. وهي تعلم تماما ومتيقنه انهم لعبوا على غير المكشوف بسرقة حياته..
وقف على باب الشرفة الزجاجي وتقابله العمارات الشاهقة.. كان بعضها مرتفع عن الشقة السكنية هذه وبعضها اقل منها ارتفاعاً... استند عليه وبتعب واضح تحدث " ما بك؟!"
نظرت اليه ومعالم وجهها مقتضبة هادئة.. اومأ رأسه بتفهم وتوجه ناحيتها بينما هي عادت الى حالتها تنظر الى الملأ.. سمعته يتحدث " من أمر والامس وصراخي!!"
ظلت صامته تحاول جاهدا اقتلاع عناده من رأسه،، ثم سمعته يطلق تنهيدة تعبر عن استياءه ومن ثم التفت اليها " تحدثي ما بك!!"
التفتت اليه وقالت بهدوء " انت الذي ما بك!! كل ما في الامر انك ستأخذ حقك.. ليس إلا.."
قاطعها بحدة " وانا لا اريد.."
" لماذا!! حقا اخبرني.. لا استوعب سبب رفضك المستمر؟؟" تسائلت باستغراب ثم جلست على احدة المقاعد الخشبية..
بنظرة جانبية عليها " كل هذا لرفضي.. انتي تعلمين انني رافض لهذه الفكرة منذ زمن.."
اومأت رأسها " اعلم ذلك.. وانت تدرك جيدا انني اعلم ما سبب هذا الرفض.."
توجه ناحيتها وجلس على المقعد المقابل لها.. وتحدثت حين ذاك " ولكن الان القدر فتح لك طريقا جديدا.. وهي ريم.."
تجهم وجهه وعقد حاجبيه باستياء.. اما هي تنهدت وقالت " وانت بدل ان تستغله.. تظل تحت هواجسك ومخاوفك،،"
رمقها بعينيه بقسوة ولكنها لم تهتم لتلك العيون التي بدأت بالاشتعال.. تنهدت ثم قالت لعلها تؤثر عليها من خلال ذكر ريم " هل تدرك جيدا لماذا تفعل ريم كل ذلك!!" اعتلى صوتها قليلا " لانها تحبك ايها الغبي.."
تنهد من اعماقه بينما نظرت اليه جيداء عندما نظر اليها وقال " وانا لا اريد استغلال الحب الموجود بيننا الا تفهمين؟!"
لوت شفتيها بسخرية فهي لن تقنعه بأي شيء ثم صرخت به " عنيد.. غبي.." وكادت ان تكمل شتائمها لولا انه قاطعها بنبرة متهالكة
" لا استطيع.. وله ابناء.. انا اعلم معنى فقد الوالد.."
زفرت بقوة " قلبك الطيب لا يقسو حتى على اعدائك.."
بادلها الصمت وهو مدرك ان لقلبه نصيب بما هم فيه الان.. "اليس الاثنان والديك.. سيدخلان السجن.."
اومأت رأسها " ادرك ذلك.." ثم اشاحت بعيونها نحو الفضاء.. " احدهما بعد ولادتي تركني.. والاخر تربيت في منزله.. يغدق علي حنانا مزيفا..."
" ولكن انت تعلمين بحبه لك.."
ابتسمت من بين سوءات الماضي " اعلم.. لذلك لا اسامحه.. وبرغم ذلك اعتبره والدي.."
نظرت اليه بعد ذلك " ولكن هذا لا يعني انه غير مخطئ بحقك ايضا.. هل يجب ان يبقوا خارجا ليستلذوا بما ليس لهم.. ويقوموا بسرقة حياة الاخرين"
ظل صامتا وهو متيقن بصحة كلام جيداء.. اكملت هي " ربما القدر اخرج لك ريم لتساعدك.. ليس عيبا ان يكون ل.."
قاطعها بعجز " سبب رفضي لمساعدتها ليس الا اريد انا ان اكون مكانها.. ان احميها ان اساعدها ان اكون انا الحصن المانع لكل خطر يتجول حولها...ولكنه العكس!!"
ثم ارخى وجهه بين يده وقال بقهر " ولكن حالي لا يسمح لي.. انظري لما هو انا عليه مجرد موظف بسيط اتقاضى راتبا كل نهاية شهر.. فكيف لي ان اقوم بهذا وانا لا املك مالا لاعطيه لمحامي.."
كادت ان تتفوه بشيء ولكنه نطق قبلها بعجز ظهر في صوته " لا تقولي لي ريم وما شابه.. احبها اجل وممتن من وجودها بجانبي.. ولكن اريد انا ان اتغلب على حالي هذا ..."
توقف عن الحديث عندما كبلته ايدي من خلفه تحاصر عنقه وصوت يقول بعتاب " وما بها مساعدات ريم.."
ضحكت جيداء وقالت " من أين خرجت انت!!"
ابتعدت ريم عن رائد الذي ابتسم وقالت " من الباب!!"
هزت جيداء رأسها بقلة حيلة ثم وجهت حديثها الى رائد " لو اننا ذكرنا مئة قطعة نقدية افضل.."
شهقت ريم بعدم تصديق في حان قالت جيداء " ممثلة جيدة.."
مد رائد يده واحتضن يد ريم واحتضنها " لا ابدل حبيبتي بقطع تذهب وتأتي.."
أخذت ريم ترفع حاجبيه وتنزلهما... انها حركتها المعتادة وكما ان جيداء اعتادت عليها ايضا.. واعتادت على شقاوتها.. انها الشيء الوحيد الجميل الذي دخل في خياة رائد.. انها تدرك ان في طبقة الاغنياء توجد المشاعر المزيفة ولكن ريم عكس كل الافكار التي علقت في عقلها عن ذوو الطبقة المخملية.. ومكوث ريم بجانبه ليس شفقة انما ذلك هو الحب الحقيقي..
نهضت جيداء من مكانها وقالت " اقنعيه انتِ.. لقد فشلت.."
لم تبدي ريم اي حركة فما سمعته كان كفيلا باسكاتها.. وبعد دخول جيداء الى المنزل تجر خلفها الخيبة ..لاحظت ريم امارات الضيق على رائد.. مقطب الجبين وكأنه يفكر بأمر ما..
" ما بك!!"
هز رأسه نفيا وابعد عنه كل شيء يجلعه ضائعا في هذه المتاهة والتي لا يعلم متى سيستطيع المناص والخروج منها ثم ابتسم ابتسامة.. بل انها نصف ابتسامة ادركتها ريم " لا شيء.. ازعاج جيداء فقط.."
اومأت رأسها بتفهم وبهدوء شديد تتلاطم امواج عقلها بافكار تأخذها ناح اليمين وناح اليسار الى ان ركدت عندما تسائل رائد " ألا يوجد تدريب اليوم؟!"
هزت رأسها نفيا جوابا لسؤاله وابعداها للافكار التي بداخلها.. ثم قالت " بلى.."
عقد حواجبه.. فتلأات عيونها بأمل وقالت بابتسامة ماكرة " اردت فقط ان تعدل عن رأيك بأمر النزهة.."
نظر اليها بعدم تصديق وقال " وأي حيلة ستلفقين لي.. لا اشاركك بكذباتك على والدتك ابدا.."
نظرت اليه بوجوم " لا تعد كذبة.. لانها ستتحقق.."
افلتت منه ضحكة صغيرة " وما المطلوب من رائد!!"
" ان يذهب معي.." رفع احدى حاجبيه بمعنى لا، قالت ريم بدلال " هل ستترك ريم لوحدها.."
تحدث بأسف " ولكن لا استطيع.. انت تعلمين ان هناك الكثير من العمل.."
تأففت وقالت " دائما عمل.. عمل .. عمل.. من سيهتم بريم"
" ريم.."
" ماذا؟! " قالتها بصوت مرتفع بعض الشيء مما جعل رائد يبتسم لغضبها.. ومع ابتسامته ذاب الغضب القليل الذي اعتراها فلانت عضلات وجهها وقالت مع ابتسامة " اذا ستذهب؟؟!"
ضحك لتعابير وجهها الطفولية حيث توسعت وظهر بريق في عيونها كالأطفال تماما.. وبضحكته تلك ضرب كل شيء في عرض الحائط فنهضت من مكانها بحدة كبيرة وقالت " دع الضحك ينفعك الان.."
اخذت حقيبتها وكادت ان تخطو اولى خطواتها الى الابتعاد ولكنه يده التي امتدت الى يدها بامتلاك اوقفها عن السير.. ابتسمت لذلك ولكنها تعمدت عدم النظر اليه فهو ما زال متمسكا بضحكته الخفيفة والتي تضفي عليه جمالا لا تستطيع مقاومته.. فالافضل لها ان تغصب قلبها والا انها ستتسمر نظراتها عليه تماما...
وبعد ان توقف عن الضحك كانت ما زالت هي واقفه تحاول عدم النظر اليه
" حسنا احاول الذهاب.."
نظرت اليه بعدم تصديق وبفرح " حقا.."
ابتسم لها وقال " يكفي ان لا تحزن ريم المزعجة.."
عانقته بشدة وقالت " ان كنت لا تستطيع احزاني فاتخذ حزني حجة لكل شيء اريده.."
ثم تبتعت كلامها بضحكة منعشة تخترق مسامعه بكل حب.. بادلها العناق وقال بتهكم " حقا انك كالطفلة.. لقد قلت سأحاول وهذا غير مؤكد.."
ابتعدت عنه وقالت " هذا يكفيني للتحليق بسعادة.."



يتبع


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 04-04-20, 10:09 PM   #20

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي

ارتاح بجلسته على المقعد الجلدي الدوار وقال " واخيرا.. استطعنا شراءه.."
ابتسمت ياسمين وقالت بإطراء " انت دائما بارع في عملك يا سيد مراد.." ثم وضعت امامه على المكتب كوب القهوة..
نظر اليها بتمعن مما اربكها قليلا وقال " لقد سمعت اذني تطن باخي.."
توسعت عيونها مما جعله يضحك " اما قلنا في العمل سيد.."
اومأت رأسها له باستغراب لحاله هذا.. فدائما متجهم الوجه لا تظهر ضحكته ابدا...
قال لها مراد بتحذير " لا تقولي للؤي اخي بتاتا.." وشد على اخر كلمة..
ثم عقب قوله دخول لؤي بانزعاج واشار الى ياسمين بالخروج..

" ان مزاجك عالي اليوم.. تضحك وتضحك.."
تحدث مراد بغروره المعتاد " ولم لا اكون سعيدا.. وقمت باقناعهم بامر الشراكة.."
همس لؤي بقهر " قمتُ..".. ثم قال بصوت مرتقع " وامر ماجد!!"
" عليك انت.." قالها بلا مبالاة امام استغراب لؤي.. من المؤكد عليه الان اختلاق الاعذار بسبب عدوله عن الاتفاق في شراكته..
اومأ لؤي رأسه بقلة حيلة ثم اخذ يقرأ عقد اتفاق الشراكة الجديد والذي سينقظ شركتهم،، بينما اخرج مراد سيجارته الفخمة واشعلها.. نفث دخانها الاسود كقلبه تماما واعادها.. قال وهي بداخل فمه " ولكن عمل جديد ستعرضه عليه.."
رفع لؤي بصره باستغراب،، وادرك من تلك الابتسامة الماكرة ان هناك ما يخطط له مراد من جديد.. تنهد بقلة حيلة واخذ يستمع بما ينطق به..

*****************

تتدفق كلمات الماضي مع كلمات الامس التي ما زال رحيقها فواحا في عقل قمر!! تختلط مع بعضها ولكنها تأبى الامتزاج!! تعقد حاجبيها تارة وتبتسم تارة اخرى.. تتذكر هفواته وكلامه الحاد ولكنها في نفس اللحظة تغفر له خطاياه.. قلبها الطيب يرفض ان يتلوث بمشاعر حقودة.. فيبقى ناصع البياض فهل هذا خطأها!! وهل طيبة قلبها السبب في كل ما حصل لها!!
تتمنى من اعماق قلبها ان يبقى على حاله هذا!! وان لا يعود ذلك الحديدي الذي لا يرحم يلقي بكلامه من دون تفكير،، ولكن ان عاد الى حركاته السابقة وتصرفاته الجارحة.. هل ستسامحه؟؟
اجل ستسامحه!! ان كان متقصدا او لا!! فنقاء قلبها يتكفل مهمة الغفران..
هي ليست ساذجة!! او فتاة صغيرة!! ان اساء لها احد تقابله بالمسامحة!!
ليس كل ما تسمعه تفسره على حسن نية!! انها تعلم ان الشر متولد في طبيعة البشرية!! تدرك جيدا ان هنالك ذو الطباع السيئة الذي انتشل قلبه منه واصبح معميا بالحقد ومتجردا من الضمير!!
ربما يظن البعض انها كفتاة صغيرة تصدق كل ما تراه وتسمعه!! وباعتذار بسيط تنسى تفاهات الماضي المؤلمة... هي تسامح لانها تتشبث بالاهتمام والعطف المختبئ داخله فهي فقدت العائلة وفقدت معها العطف والمشاعر الجميلة!!
ربما الحزن رافقها كثيرا!! والدموع كانت صديقتها وملتصقة بها كتوأم روحها!! لانها لم تستطع فك قيد الماضي من حياتها!!

وجهت بصرها نحو عقد والدتها الموضوع على الطاولة المستديرة حملقت به برهة من الزمن ومشاعر تأخذها الى قيعان محيطات الحب.. نفضت من رأسها تلك الفكرة كأنها تنفض الغبار عن ملابسها بقوة... وتذكرت كلمته بوعده اياها بالصداقة.. انها مجرد صديقة بالنسبة اليه لا اكثر.. وهذا يكفيها..سوف تحاول اخماد مشاعرها بمصطلح الصداقة ،، ليس لانها فتاة ترضى بالقليل من من احبت بغض النظر عن مشاعرها..
ولكن كما قلت سابقا هي فقدت العائلة!!
ابعدت نظرها عن العقد واصطدمت بتلك الرواية على شكل كتاب متوسط الحجم.. اخذتها ونظرت اليها بتمعن... انها باللغة الفرنسية!! لقد قرأت اولى صفحاتها بتلهف شديد لما تحتويه.. واخذت فكرة عن بطلة الرواية والتي لديها شغف بالرسم مثلها تماما وكانت بدايات البطلة مع الرسم بتقليد والدتها الرسامة المشهورة..
تنهدت قمر لاحدى ذكريات الماضي المتعثرة في طرقات عقلها فهي ايضا ورثت حب الرسم والالوان من والدتها.. فمنذ صغرها كانت مولعة بشيء يسمى اقلام التلوين وذلك الدفتر الذي لم يفارقها ابدا.. ابعدت عنها سحابة الذكريات وعبرت في سماء عقلها مبتعدة.. ثم نظرت بعبوس الى يدها وكل تفكيرها متى ستتحرر من هذا الشيء على يدها وتعود لتفريغ مشاعرها بالرسم...
وبعدها بدقائق ارتشفت القليل من الليمون البارد حيث انعشها واعطاها الطاقة لاستكمال ما قرأته.. فتحت الكتاب وبدأت عيونها تنتقل بين الاحرف بانسجام شديد...

مضت نصف ساعة وهي على ذات الهيئة.. بؤبؤيها يتحركان مع كل حرف.. تتجاوز السطر الى سطرين.. حتى تصبح صفحة.. مع ابتسامة حينما تقرأ التعابير الجميلة.. وتتبدل ملامحها بسرعة مع كل موقف حزين..
وهي في حالها ذاك تطفل صوت هاتفها وانتشلها من الغوص في نسيج الحروف الخيالية... رمشت عده مرات وكأنها عادت الى الواقع الحقيقي.. ثم قطبت جبينها بانزعاج فمن هذا الذي يخرجها من راحتها.. تنهدت و نهضت حتى تتوجه الى الداخل...
وحيث مصدر الصوت.. كان هاتفها الذي لم تعتد عليه حتى الان ملقى على السرير.. اخذته وهي تنظر الى شاشته باستغراب.. انه ذات الرقم من جديد.. يتصل ويتصل فتجيب ويقابلها بالصمت... راودها شعور بان عليها ان تجيب.. واحساسيها تؤكد لها ان هناك صوت خفي من خلف هذه المكالمة الهاتفية.. فاطاعت احاديث قلبها ثم اجابت..
" مرحبا.." وبأدب " من على الطرف الاخر؟!"
وكالعادة لم يقابلها الطرف الاخر الا بالصمت.. تنهدت بنفاذ صبرومن بعدها كما اطاعت قلبها في الاجابة على هذه المكالمة... اطاعت عقلها واغلقت الهاتف...

اما من على الطرف الاخر بقي متسمرا مشدودا ويده ما زالت على اذنه.. وصوتها ما زال متعلقا بعقله ويتردد صداه..كأنه اكسجين يمده بالحياة.. وبصوتها تهدأ براكينه المظلمة الا من جمر غضبه.. وتسكن بحاره.. وتعود طرقات عقله ادراجها وتهدأ.. لا يدري لم لم يستطع الا ومهاتفتها.. برغم انه اصبح قريبا منها وليس مبتعدا.. اصبحا تحت نفس السماء وفي نفس البقعة الجغرافية من الارض.. لا يدري ولا يدري لم يحب سماع صوتها عند اختلاج داخله وتلوثه بالغضب.. ام انها اصبحت عادة عندما يشتاق اليها ويريد نزع الغضب عنه..
عاد الى طبيعته ونزع عنه رداء الحب والعشق.. ترجل من سيارته في المنطقة الخلفية قصرهم الذي ولد تيارات الحب المعاكسة وانعش قلبه واعاده الى حياته السابقة.... عبر الردهة الواسعه وكاد ان يلتفت حتى يستقل السلم ولكن صوت رامي من خلفه يقول مع ابتسامة عريضة " احسنت صنعا.."
التفت اليه مجد وامارات الضيق بادية على وجهه لانه يدرك الى ما يرمي اليه.. رمقه مجد بينما كان رامي يقترب اليه بهدوء شديد..
عقد مجد ساعديه و ابتسم رامي اليه ثم تحدث " اترك عنك هذا الاجتماع.."،، رفع مجد احدى حاجبيه باستخفاف " حقا؟!"
" دعنا نتحدث قليلا.."
مجد بصوت حازم " لا يوجد ما نتحدث به.." ثم عاد ليستقبله الرواق المؤدي الى السلم.. فكانت هناك اوراق يجب اخذها من اجل اجتماع مجلس ادارة شركتهم.. ولكن صوت رامي اوقفه من جديد " هل كنا هكذا يوما.. انت حانق علي.."
التفت اليه مجد بحدة ومن بين اسنانه " رامي.."
تأفف رامي " انت محق.. ولكن.."
قاطعه مجد " لست حانقا او ما شابه.. سوء تفاهمات في الماضي وانتهى.. (تملكت رامي الراحة بينما اكمل مجد) ولكن هناك اجتماع ويجب علي اخذ ما يلزم من اوراق من غرفتي.."
اومأ رامي باستلام " ولكن علي قول شيء لك.. اهرب منه"
" دائما تتهرب من المسئولية.."
ثم وضع مجد ساعده على كتفي ابن عمه وشقيقه في ذات الوقت .. " اجل.. اسمعك ايها المزعج.."
ابتسم رامي وقال " كم انت جميل هكذا.."
ابتسم مجد وقال بنفاذ صبر " ان كنت تريد قول ما بجعبتك تحدث.."
" تقول لي انني اتهرب عن المسئولية وانظر الى نفسك.."
" رامي.."
" فقط كل ما اريد قوله انني حقا ممتن من حالك هذا.. يعني ما اعنيه هو هكذا.." صمت قليلا ليرتب الكلام في داخله..
" اجل،، اكمل.."
تنهد رامي ثم " من اجل ما حصل البارحة.."
" ماذا حصل؟؟"
اخذ رامي نفسا عميقا ثم بتردد لا يعلم كيف يرتب الكلمات " من اجل قمر... لقد اخترت منفذا جيدا للولوج الى قلبها.."
تحدث مجد ببروده المعتاد ويخفي داخله سلاسل متقيد تفكيره وتجعله محصورا بما رأى صباح اليوم " لم افعل ذلك لأمتلك قلبها.."
حك رامي جبينه " اقصد.."
قاطعه مجد مشيرا اليه بسبابته " استخدم مصطلحاتك جيدا.."
زفر رامي بضجر " انظر لشكلك من يقف قبالك يخاف منك.."
ثنى مجد فمه بسخرية " تخاف!! انت!! ومني؟؟"
" ليس هكذا.. فقط اخاف ان اخرج كلمات لا ترغبها انت.."
افلتت من مجد ضحكة عفوية تعاكس البرود الذي يروي وجهه... ثم بنصف عين وجهه سؤاله " ولم تعطي رأيك بشأن ما فعلته!!"
استند رامي على الحائط البني وقال " انها شقيقتي.. ويهمني ان اراها سعيدة ومرتاحة.."
نظر اليه مجد بشك " انت تخفي امراً.."
وقف رامي بتأهب " لا احبها صدقني.. قلت شقيقتي.."
عقد مجد حاجبيه وما لبث ان انفجر ضاحكا على هيئة رامي عندما قفز فجأة وكاد ان يقع.. ظل رامي صامتا يشعر بنسمات الفرحة تلفحه لحاله..الى ان هدأت ضحكات مجد واختفت وتجهم وجهه
رامي بغرابه " ماذا بك!!"
ابعد مجد ناظريه عنه ثم ابتعد وهمس قلبه بألم
" انت لا تحبها،، ولكن هي ربما تحبك..."

استدار بجسده المنهك وبدأ بالصعود ببطء شديد.. تتصاعد ابخرة حرارة عقله من التفكير.. وتهب داخله ألسنة نيران الذكريات التي تضرمه.. كان قد اخرس عقله الذي يأبى التنازل لفتاة من جديد.. وخلع عنه رداء القسوة واستبدله بما هو اخف منه واحن.. وعاهد نفسه ان لا يقذف عليها ما يطرأ على لسانه ويحاول تمالك نفسه...
/////////////////
" انت دفعتها لكرهك بكل هذه التصرفات.." علقت العجوز سالي وهي تدلف عليه ببعض الكعك المحشو بالبرتقال
بهتت ملامح مجد وقال " هل باتت تكرهني!!"
جلست بالقرب منه " لا اعلم.. ولكن لو انا لو كرهتك،، هل يعقل ان تشكك بتربيتها وان تقسو عليها بالكلام.. هذا معيب.."
زفر مجد بحرارة.. بينما استرسلت هي بالحديث " اما قلت انها يتيمة الام.." اومأ مجد رأسه..
اكملت " تحتاج لكل شيء فقدته منذ فقدان والداها.. وكأي فتاة سوف تميل الى من يهتم بها ويعطيها ما فقدته.."
///////////////////////
خرج عن تلك الذكرى يسير في قطار الذكريات حتى عبر المقطورة التي تليها
////////////////
ينظر الى هاتفه باستمرار.. جالسا بملابس عادية في المقهى يحتسي كوب الشاي في الصباح الباكر.. وبجانب موضع كوبه وضع العقد الذي اصلحه.. يتأمله بهدوء عيونه وتساؤلات وجدانه... غرق في اسئله لم يستطع الاجابة عليها الى ان انقذهت تلك الفتاة الشقراء التي جلست بجانبه..
" لقد مل منك العقد.." ثم سحبته لتراه بانبهار..
وبهدوء عاد لارتشاف الشاي بينما تحدثت تلك المتطفلة " ان كنت تحبها لما لا تعود؟؟"
خطف انظاره على حفيدة سالي ذات الشعر المجعد " وان كانت لا تحبني.. اكون قد عدت بلا فائدة.."
نفت برأسها " لقد سمعتك تتحدث الى جدتي ذات يوم.."
رفع احدى حاجبيه فاكملت هي " ستسامحك صدقني.. وانت اجعل قلبك لينا.."
ابتسم بسخرية فاندفعت هي قائلة " اني فتاة واعلم.. ربما في الخامسة عشر ولكنني ادرك جيدا معنى القلب الطيب.. ألا تقول انها ونقية كالياسمين.."
صمتت قليلا ثم رفعت العقد يتدلى من يدها " اليست من تفقد هذا العقد.. وهو لوالدتها.. عد وأهدها اياه ستسامحك صدقني.."
نهضت من مكانها تاركة اياه بحيرة كبيرة الى ان اقتربت سالي وقالت بسخرية " اريد ان ارى الفتاة التي جعلتك بهذه الحال.."
" لا وقت لسخريتك سالي.." ثم عاد بأنظاره الحادة نحو العقد
فهل سيكون السبيل لتعبئة الفجوة التي بينهما!!.. تنهد من اعماق قلبه عندما ادرك انه المسئول عن هذه الحفرة العميقة بين قلبها الرقيق وقلبه القاسي..
" لا تقسو على نفسك هكذا.." تحدثت سالي بحزن عميق.. بينما نظر اليها بقلة حيلة " ليس انا.. بل قلبي.."
" ان كان قلبك يتمزق عد ليشفى جراحه.."
اطبقت شفتاه وصمت طويلا الى ان قالت سالي " انت ما تخشاه هو هي.. ان عدت فلن تستطيع مغادرتها.." تنهدت ثم اكملت على مسامعه " هناك في عقلك يدور الكثير والكثير..."
وكأنه بصمته يجيبها بصحة كلامها فاردفت وهي تمسك كفه برفق " انت تحبها وربما هي احبتك.."
" اما قلتي ان الفتاة تميل لمن يهتم بها.. ولكن انا.."
قاطعته " وما ادراك ما بداخلها ربما هي شذت عن قاعدتي.."
اخذ نفسا عميقا ثم تحدث " لا ادري.. ربما مال قلبها لاحدهم بغيابي..."
تنهدت سالي " انظر لي واسمع مني،، عد الى بلدك والى عشقك.. لن تلقى جوابا للاسئلة التي في رأسك الا اذا رأيت بعيونك انها على ذمه عاشق غيرك... ثم دع كل الصفحات السوداء في الماضي وابدأ من جديد.. حتى يبدأ قلبك النهوض والبحث عن طريق له.."
///////////////////////////////
ولكن يبدو كلام سالي حقيقياً، ويبدو أن قمر عقدت رباط قلبها مع رامي..!

اطلق زفيرا قويا بعد ان خرج من عبير الذكريات وكاد ان ينعطف الى الرواق المؤدي الى غرفته لولا صوتها الذي اخترق جبالا من الشك.. وينبعوعا من الغضب ينحدر خلالها.. توقف عازما عدم المساس بقلبها الزجاجي الرقيق اي اذى او حتى خدش قصير.. ولكنها عنمدا كانت تقترب منه بتردد وبشجاعة تحاول اكسابها الى نفسها. وبسؤالها ذاك الذي جعل دمه يجمد واعصابه تبدأ بعواصفها التفت اليها بحدة وظل صامتا..
عادت بنطق سؤالها من جديد بعد ان ازدردت لعابها بصعوبة " هل رامي بالاسفل!!"
لمح البريق في عيونها وادرك جيدا ان ذلك البريق هو نتاج ما صنعها قلبها من كعك الحب اللذيذ.. واما قلبه ينظر باشتهاء الى بخار الحب المتبخر وكأنه طفل صغير حرم من ما لذ وطاب... ولم يتسطع الا ان تفلت منه تلك النظرة القاسية عليها..
تحدث مجد بعد ذلك بقهر" من تفضله نفسكِ بالاسفل.."
نطقت قمر ببطئ "ماذا تقصد!!"
ثم عاودت اللكلمات لسعها بحقنة مجد اللاذعة.. ولم تدركك الا بيده الحجرية تمسك بيدها بقسوة لم تتحملها.. ثم تجر وراءه بدون قوة وحيلة... تأن وتتألم وهو في اوج غضبه الذي سيطر عليه.. وهي من خلفه لا قوة ولا حيلة لها امام جسده الرياضي... ولم ترى نفسها الى في وسط غرفته... وسط العذاب الاسود والسيطرة المبالغ بها.. في ظل رائحته التي ملأت المكان.. تحت ارتفاع صوته وهو يقول " ما هذا اذا؟!"
التفتت الى ما يقول بهدوء شديد.. وكأنها انسان الي يتحرك.. صنعت من المعدن لا من روح.. وكان ليس لها قلب.. نظرت الى ما يشير على جهاز الكمبيوتر خاصته.. ثم توسعت عيونها بصدمة.. ان كان يقصد ما تراه حقا.. فهو مغفل!! احمق بحد ذاته!!
تتحرك عيناها بين الصورة وبين جسده الذي احمر من الغضب.. صورة تجمعها مع رامي في اروقة المشفى،، ولم تكن هي وهو فقط بل ريم ورائد ايضا في الجانب الايسر من الصورة.. وايضا جيداء ذات الرأس الاحمر....
نظرت الى وجهه الذي تجهم ثم زفر بنفاذ صبر.. ينتظرها لتجيبه ولكنها غارقة ما بين صدمة وحزن.. مزيج من المشاعر غرقت به.. ما بين امس جميل وحاضر صادم مؤلم.. تتلاطم شخصياته السابقة وشخصية الامس مع ذاك الذي يقف امامها تنطلق اشارات الغضب من عيونه..
افلتت صرخة منه وقلبه يتهاوى ألما ثم نظر اليها وقال بتهالك وهو يجلس على السرير" هل هذا هو من فضله قلبك علي.."
ثم اختفى وجهه بين راحتيه..
ودون ان تعي ما لفظ قلبه لها، وماستطاعت ان تتفوه به بصدمة " لقد كان الامس حلما.." ورغم انخفاض صوتها الا انه سمعها.. وتدارك الخيبة التي تقطر بحروفها...
ركزت نظرها اليه وبعد ان رفع وجهه تتقابل حدة الرصاص من عيونه مع عسل النحل في مقلتيها.. تخرج كلماتها كالسيف يمزق قلبه
" انت لم ولن تتغير.. لماذا؟؟ قل لي لماذا!!" يخرج صوتها مختنق مصحوبا بحشرجة بسيطة.. تبعد نظرها عنه تقاوم البكاء.. تتذكر كلمات ريم الداعمه لها بأن تنهض عن عرش الضعف وتتملك جمهورية القوة... فتغلق عيونها بألم " كنت اتوقع بعد البارحة ان تصبح شيئا يختلف عن السابق.. ولكنك.."
صمتت قليلا بعد ان فتحت عيونها.. تنظر الى الصورة بمرارة ثم اكملت " ستبقى كما عهدتك.. شخص لا يملك قلبا ولا يأبه بالمشاعر.. اظن ان اعتذارك بالامس لم يكن الا تأنيبا للضمير ليس الا.."
كاد ان يقاطعها.. ولكن سلاسل الضعف قيدت قلبه قبل لسانه.. نهض واقفا ترسل عيونه كلاما لم تفهمه قمر.. حاول الاقتراب منها لكي يمسح تلك الدموع التي بدأت رحلتها على وجه قمر.. ولكنها اكملت حديثها المؤلم " منذ وطئي المنزل وانا لا اسمع منك الاهانات.. كلام جارح لا استحقه ابدا.. اصمت واصبر واحاول عدم الاهتمام لانه لا يوجد لي مكان غير هنا.."
اطلقت شهقتها ثم اكملت من وسط الامها "كنت اظن ان هنا سألاقي الامان والحب وتلك المشاعر التي فقدتها.." توقفت عن الكلام حيث ان الكلمات اخنقتها والالم سيطر عليها ولم تعد تقوى مقاومة دموعها اكثر.. سمحت لكل تلك الالام ان تخرج على هيئة دموع امام قوته التي خارت وندمه الذي تضاعف... حاول وحاول ولكنه لم يستطع جمح غضبه واخماده.. جاهد مرارا بان لا يطلق عليه سمومها ولكن الغيرة اعمت بصيرته..
يشع بريق الندم من حجرات قلبه ونتوءات عقله.. حتى قالت اخر كلامها بانفعال " ان ما تراه في هذه الصورة.. ليست الا انعكاس على مشاعر اخوية فقدتها مع الزمن.. وعوضني اياها رامي.."
توقفت الكلمات عن الخروج اذ عارضتها تلك الشهقات وقفت في طريق الكلمات لتطلق العنان لنفسها مع دموع تخرج كهطول المطر.. مما جعل قلبه الذي قسا يبعد غشاءه السابق.. اقترب منها وبدأ بكف دموعها ونطق بضعف " قمر.. ارجو.." ولكنها قاطعته بأن نفضت نفسها من بين يديه وارتدت الى الخلف بمرارة الخيبة.. تتراجع بخطواتها ثم ما لبثت ان استدارت نحو الباب ثم اختفت وتوارت عن انظاره..
همس بضعف " ولكنه قلبي يا قمر، ماذا عساي أفعل؟"

الاعمال كثيفة... يحاول بجهده القيام بالمسئولية الواقعه على عاتقه... من مهمة الى مهمة عمل اخر... وها هو الان عاد من التفقد لاحد دور الايتام في المنطقة.. لا يدري لم وكل اليه هذا العمل في هذه الفترة... تنهد ثم القى الملفات على مكتب السكرتيرة في هذا الطابق وجه لها بعض التعليمات الخاصة بكل ملف ثم استدار نحو المصعد الكهربائي في الزاوية... خرج بعدها الى الطابق العلوي حيث يتواجد مكتبه في احد الاركان.. لاحظ تقدم احدى الموظفات حتى توقفت امامه وقالت له " سيد رائد.."
اومأ رأسه فاكملت الموظفة وهي تعطيه مغلفا بني اللون " هذا وصل اليك.."
عقد حاجبيه " ممن؟؟"
" لا نعلم.. احضره رجل الامن في الصباح الباكر..( ثم قلبت المغلف واشارت وهي تقول) حتى ان اسمك مكتوب عليه.."
نظر الى المغلف بشك قبل ان يأخذه منها ثم قال باقتضاب " شكرا لك.."
ابتعدت الموظفة واخذ هو يقلب المغلف الذي بيده مستغربا.. ثم سار حيث مكتبه..

جلس على كرسيه الخاص ووضع المغلف امامه... وبتردد فتحه ولامست يده محتواه وانتابته الغرابة عند شعوره بملمسه.. يبدو انه صورا فوتوغرافية...
ازدرد لعابه ثم اغلق عيونه وبعد عدة ثواني وكان ما زال مغلقا عيونه... اخرج تلك الصور مع احساسه بملمس ورقة اضافيه... فتح عيونه ببطئ ونظر اليها بعدم تصديق تصفحها بعيونه المفتوحة على وسعها بقهر ممزوج ببعض الدهشة.. ثم واخيرا نظر الى الحروف المكتوبة بخط اليد على ورقة بيضاء... قرأها اكثر من مرة وهو يشد بيده قهرا عليها في كل مرة يقرأها وزم على شفتيه من شدة القهر...
وفي استراحة الغداء... جلس في زاوية من زوايا المقهى القريب من مكان عمله شارد الذهن يفكر بتلك الصور وتلك العبارة التي الجمته عند قراءتها غير مدركا لريم التي اقبلت عليه بابتسامتها الخجولة.. جلست على الكرسي المقابل له ووضعت حقيبتها على الكرسي المباشر.. كادت ان تتفوه باعتراض على سكونه ولكنها لاحظت شروده المخيف وتسمر انظاره الى الخارج..
وبعد ان مضى القليل من الوقت حيث جرت بينهما محادثة خفيفة تتمتزج ببعض الخوف من ريم والفتور والضيق من رائد... وبعد ان اخرج كلماته تلك ظهرت الدهشة على ريم ايضا...
------------

منذ دخول قمر غرفتها جلست بصمت واندهاش لما حصل.. هي لم تصرخ.. لم تشتم.. لم تسئ اليه بالكلام.. لم تشببه ولن تشببه في ردات فعله...
هي فقط تفوهت واخرجت ما بجعبتها من كلام.. ما بداخلها من مشاعر.. ما بداخلها من حزن..
تنهدت بضيق وتمددت على سريرها بفتور وعقلها عالق بما قالته ليليان على الهاتف.. حيث انتهت مكالمتهما قبل دقائق من الان.. مكالمة كانت كفيلة بعادة الحياة الى قمر.. مليئة ببعض النصائح يتداخل بها كلام تحسين النفسية...
/////////////////

تنظر الى العقد.. وعيونها تحكي روايات الحزن والاسى.. وتغزل خيوط حب بدأت بالنفاذ الى قلبها.. ولكن ما حصل!! اوقف عملية نمو نباتات الحب في قلبها.. تنهدت ثم حولت بصرها الى ذلك الدفتر،، الدفتر الذي ستخط عليها احزانها ومشاعرها بدل ان تفرغها بالبكاء.. ثم انتقلت عيونها نحو المنضدة حيث تلك الرواية.. وبعد ذلك اطلقت رأسها حيرة.. وبعد ثوان قليلة انطلق رنين هاتفها واخترق مراسم حزنها.. فنهضت مكرهة حيث المنضدة واخذته.. ثم ظهر بريق في عيونها فأجابت بسرعة بعد نظرها الى شاشة الهاتف..
وبنبرة حزينة ظهرت للطرف الاخر " اه ليليان.."
جاء صوتها مستغربا " قمر.. ماذا بك؟!"
توجهت بعدها قمر وجلست على السرير وبعد ان تنهدت " لا شيء.. ما اخبا.."
قاطعتها ليليان بخوف " ما بك!! اخبريني!؟"
عضت قمر على شفتيها ثم " فقط... لقد.."
تحدثت ليليان بنفاذ صبر " ماذا حصل!! تحدثي جيدا.."
" مجد.. ابن عمي......"
واكملت لها ما حصل ببعض من الدموع وبعض الشهقات الخفيفة... وكانت ليليان تسمع كلامها بحذافيره.. ولأنها تكبر قمر بسنة ونصف.. قالت لها بعد انهاءها الكلام..
" انظري لي يا قمر.. انت فتاة حساسة.. ربما تفهمين بعض التصرفات بشكل خاطئ.. اما قلت لي انه اعتذر لك الامس.."
" اجل ولكنه.."
قاطعتها ليليان " لا يوجد لكن.. انه ابن عمك وشقيقك.. ربما تصرفه هذا دليلا على خوفه وقلقه عليك.."
اثرت قمر الصمت فأكملت ليليان بذات النبرة الهادئة " انت قلت لي سابقا ان رامي.. يتحدث الى الفتيات ويتلاعب بهن بعض الوقت.. ربما خشي عليك منه لانه عاهده وعاشره اكثر منك.."
" ولكنها مجرد صورة عادية.." قالت قمر بعدم اقتناع
تنهدت ليليان " ربما كان شاهدا على علاقتكم الاخوية الجميلة.. فظن ذلك!!"
" ولكن تصرفه.."
" ربما ردة فعله كانت زائدة بعض الشيء.. وانت تعلمين كيف هو اكثر مني.. انه ابن عمك.. تعلمين كيف صفاته.."
" اجل.. هو يغضب كثيرا.. ودائما بارد.. ولكن حينما يغضب.."
قاطعتها " يتحول الى اعصار.. يوجد لدي ذات النسخة.. لذلك اقول لك ان تصرفه عادي ولكن حدته تكون زائدة بعض الشيء.."
اكملت ليليان " تجاهليه اذا كنت لا تريدين وجود تماس كهربائي بينكما هذا افضل.."
" ربما هذا الافضل.." ثم زفرت بحرارة
تحدثت ليليان " ولا داعي للبكاء في كل امر يحصل معك.. البكاء لا يجدي نفعا.. غيري هذه العادة المزعجة.."
" انت قلت عادة.. تعودت عليها منذ الصغر.."
" كل شيء يتغير يا قمر، لا شيء يبقى على حاله.."

//////////////////
اغلقت عيونها بعد استرجاع المكالمة الهاتفية.. تبحث عن معنى التناقض في شخصيته.. هو حقا لن يتغير.. ويبقى على عادته باستعمال جبروته وسلطته.. صراخه وغضبه.. حدته وصلابته.. ولكن ان كان كما تقول ليليان يخشى عليها من تلاعب رامي.. ولكن هذا لا يعطيه الحق باتهامها بوجود علاقة بينهم.. ولكنه رجلها الحديدي الذي لا تستطيع الا اعادة احياء جمرات حبه في داخلها.. فيبقى حبيسا في قلبها.. في عقلها وفي كل زوايا حياتها..
وبعد دقيقية فتحت عيونها واعتدلت في جلستها .. نظرت الى العقد من جديد ثم ما لبثت ان ابتسمت وتطايرت الفراشات داخلها.. فسارعت لامساكه والنظر اليه.. ثم توجهت بعدها الى خزانة ملابسها واخرجت حقيبتها.. ثم وضعت العقد داخلها.. تنهدت براحة وكان العقد يعيدها الى الحياة.. يبعد عنها اثار الحزن.. يرسم على شفتيها الابتسامة وتلمع عيونها ببريق الامل ( بان القادم لا بد ان يكون جميلا.. وان بعد كل شتاء حزين ربيع..) انها الكلمات التي تتردد في عقلها.. كلمات والدتها حين تأتيها في الحلم او تتختلق هي صورتها..
توجهت بعد ذلك وحملت الرواية بين اناملها الرفيعة الناعمة.. لا بد ان تقرأها اليوم في النزهة وذلك حتى تفعل ما قالته ليليان لها " التجاهل" ربما هو افضل لتفتك من حصاره عليها.. وتنعم براحة بعيدا عنه..!!
تنهدت ثم لوت شفتيها و وضعتها في حقيبتها... وبعدها بدقائق استقر في اذنها صوت طرقات الباب فتحدثت سامحة للطارق بالدخول..
تحدثت احدى الخادمات بعد ان تعدت عتبة الباب " انسة قمر.. ان السائق ينتظرك من اجل النزهة.."
" حسنا.. بضع دقائق.."
اومأت الخادمة لها باحترام ثم انصرفت.. توجهت قمر من بعدها نحو حقيبتها ثم اخذت هاتفها الذي تستطيع من خلاله تصوير المكان.. حتى ترسمه بعد شفاء يدها...
استقلت عتبات السلم واخذت تنزل براحة والابتسامة شاقه وجهها.. تشعر براحة لانها ستذهب مع السائق وليس مع متبلد المشاعر ذاك..
عبرت المكان حتى وصلت الباب الرئيسي.. ثم خرجت تحت انظار رامي الذي بدا مستغربا من خروجها.. حتى انه عقد حاجبيه غرابة وحيرة...
وعندما شاهد احدى الخادمات تسير امامه.. توجه اليها فنظرت اليه باهتمام " تفضل سيد رامي.."
تحدث رامي متسائلا " قمر.. اين ذهبت!!"
" الى النزهة.."

وبعد انصراف الخادمة من امامه.. حك جبينه ثم نظر الى شاشه هاتفه الظاهر عليها رسالة من ريم محتواها

( رامي لا استطيع القدوم للنزهة.. دعنا نؤجلها ليوم اخر.. هناك مشكلة مع رائد اود البقاء معه للمساء.. )
ثم أخرج سؤالاً بصوتٍ عالٍ " إلى أين ذهبت قمر اذاً؟"


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:40 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.