شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قسم ارشيف الروايات المنقولة (https://www.rewity.com/forum/f490/)
-   -   فُتاتُ القمر/ للكاتبة شَــيْمـآ ، فصحى (https://www.rewity.com/forum/t459464.html)

لامارا 12-10-19 08:37 PM

فُتاتُ القمر/ للكاتبة شَــيْمـآ ، فصحى
 


https://upload.rewity.com/upfiles/RZx88645.png

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية

فُتاتُ القمر
للكاتبة شَــيْمـآ

https://upload.rewity.com/uploads/157112925047996.jpg


قراءة ممتعة للجميع.....

لامارا 12-10-19 08:37 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم إن شاء الله دائما بخير ؟




بعد غياب وإن طال كثيراً، أعود لكم وأهديكم سلاماً وأشواقاً لكم ولردودكم الجميلة..
أرحب بكم مجدداً بعد انقطاع طويل عن الرواية ( أحبك يا قمري )
فأبدأها معكم من جديد.. وإن كنت قد اتخذت لها اسما جديداً لما رأيته مناسباً.. " فُتاتُ القمر "


https://upload.rewity.com/uploads/157112925047996.jpg


أتمنى لكم قراءة ممتعة..



لامارا 12-10-19 08:38 PM


فُتاتُ القمر..



تأخذ اشراقتها من ضياء القمر ويرتسم على محياها نور يسطع في ظلمات القلب،.. إنها الوحيدة المنفردة في غياهب الوداع، تقف على التلال تراقب أشرعة السعادة كيف تبحر بعيداً عنها، تلقي بصرها نحو السماء فتجد أسراباً من طيور الأمل قد غادرت نحو الصيف.
تبلغ تسعة عشر عاماً من العمر و عشرة أعوامٍ من الحزن والخيبة.. وطوال هذه السنوات تختبئ السعادة عنها في مكانٍ ما، فتهرول مسرعة بعيدة عن شعورها بالوحدة ولكنها لطالما اصطدمت بجدران الغياب في كل مرة..،..
ولا شيء يبدو في مساره كثيراً، تساقطت أوراقٌ من عمرها ولم تتبدل بل تكاثرت من حولها، تغلق عيناها فتستحضرها صورة الماضي بأبهى حلته ثم تفتحهما بقوة فتستقر أمامها صورتها بتجاويف عمرها الذابلة..

منفردة في حزنها وسعادتها.. في طقوس انكساراتها،.. استثنائية لا شيء يشبهها،..
إنها من أخذت من اسمها صفاته فكانت فعلاً كما القمر،..
ولكنه (القمر) الوحيد في السماء، الوحيد في الظلمة، الوحيد دائماً في هذه الحياة.
وإنه كما القلب في جسد انسان ان أعلن انشقاقه،..
يتحول كل شيء فيه إلى فُتات..

(1)

تنظر لما حولها بدهشة الغرابة، وبغصة قلب إلى ريم ابنة عمها محتضنةً شقيقها العائد من باريس بكل لهفة وشوق، فهربت غصة من أعماقها وخنقتها في آلامها من ما تشاهده بين العلاقة الحميمة بين الشقيقين والتي لم تشعر بها أبداً، ثم نظرت باستنكار مجدداً..
إنها هنا الآن بينهم جميعاً.. مضى عدة أيام على ذلك ولكنها تشعر أنها غريبة، ليست هذه المجرة التي تنتمي لها.. أو ربما...

"وهذه قمر...ابنة عمك ماجد"
وجهت نظرها اليه وقالت وهي تصافحه بكل هدوء"حمداً لله على سلامتك"

تنهدت بألم عندما رأت ترحيب الجميع به..
لكنها لم تحظى بمثل هذا الترحيب عندما حضرت الى هنا إلا من جدها وجدتها، تتذكر يومها جيداً عندما آل بها المطاف حتى تترك عملها في المنطقة الجنوبية من أجل الانتقال حيث عائلة والدها.. وتتذكر جيداً كيف استقبلها جدها وجدتها وكأنهما يعوضا ألم السنين حينها فرحبا بها بحرارة..

لمعت عيونها بحزن وهي تسمع ام مجد تقول له بلهفة
"لقد حضرت لك كل انواع الطعام التي تحبها"
تساقطت حجارتها الآن وما أبدته من قوة هدم حين لفظت زوجة عمها هذه الكلمات، راحت تسرح في خيالها..
لماذا لم تحظى بمثل هذا الحب،حب الأم لابنها...حب الأب لابنه..!!!
لماذا حرمتها الحياة من هذه العاطفة الصادقة؟
ولما حلت عليها لعنة الفراق؟
وأمام مشهد العائلة المثالي عادت بها ذاكرتها للوراء.. إلى اليوم الذي قلب موازين الفرح الى حزن عميق في قلبها وحياتها..كانت حينها لم تتجاوز التاسعة من عمرها عائدة الى المنزل وبيدها بعض الأزهار حتى تهديها لامها بمناسبة يوم الام... وكان الحماس في أشده على وجهها لردة الفعل التي ستبديها ...
دخلت منزلها وهي تقفز بمرح طفولي على عتبات السلم بكل فرح..ثم تتوجه بعدها الى غرفة والدتها و تفتح الباب... ولكن..!!
والدتها لم تكن موجودة...!!!

لم تدري ما حصل بعدها الا انها استيقظت على نفسها بعد اسابيع بوفاة والدتها...وزواج والدها!!!!
الصدمة التي دخلت بها قمر لم تكن فقط بوفاة امها بل وبزواج والدها من صديقة امها المقربة.

عادت الى وعيها عندما سمعت احدى الخادمات تقدم لها كوبا من الشاي،
ارتشفت منه رشفة صغيرة..ثم سمعت رامي ابن عمها يقول
"سأذهب الان..انت تعلم ان العمل في مأوى الايتام صعب هذه الايام...منذ مدة لم اذهب لاتفقدهم"

وهنا عادت قمر الى ذكرياتها الاليمة في مأوى الايتام حيث رأت به الحنان الذي لم يكن موجودة في والدها..ورأت فيه العطف الذي يقل عن عطف امها..رأت الامان وبعضا من السعادة..وجدت فيه العائلة والاصدقاء... وجدت ما حرمته الحياة منها فقد كان المأوى احن عليها من والدها الذي طردها من المنزل بسبب زوجته الجديدة والتي لم تقبل ان يكون هناك ذكرى في البيت بعد وفاة زوجته الاولى...فقد قرر والدها رميها بالشارع متناسيا انها ابنته من لحمه ودمه من زوجته التي حارب من اجلها الدنيا ليتزوجها وبعدما توفيت نسي حبها ...اخلاصها...حنانها...وحتى ابنتها!!!
تنهدت بالم وهي تخرج من الصالة متوجهة الى غرفتها التي تقبع في الطابق الاعلى تاركة عيون جديها الحزينة التي تلاحقها.. وعيون تشفق على حالها...وعيون متسائلة...!!



*********

وقفت بشعرها الاسود المجعد وبعيونٍ عسلية جميلة تتأمل غروب الشمس معلنة عن انتهاء اليوم وليحل محل نور شمسه ظلاماً اسوداً مخيف...وكانت الوانها تنعكس على بشرتها ناصعة البياض مشكلة نقيضاً جميلا مع شعرها الاسود الذي يصل الى نهاية ظهرها، وفستانها القرمزي الذي ينساب براحة حتى ركبتيها....
اغلقت عيناها وهي تشعر بنسمات الهواء الدافئة تداعب وجنتيها...وما لبثت أن رأت خيال امرأة غير واضح ، سرعان ما تتضح الصورة حتى تظهر امامها امرأة تخرج من بين مرج من الأزهار الحمراء مرتدية ثوبا ابيض...ورويداً
صورة المرأة تقترب اكثر وكأنها تتجه لتلك الفتاة...
"اوه أمي.."
قالتها وهي تشعر بقلبها ينقبض من شدة الألم وبدأت دموعها الثمينة تتجمع في عيونها...وصوت امها الحنون يأتي على مسامعها
"كوني قوية.."
وهي تضغط بأناملها على يدي ابنتها الوحيدة ثم...ومن دون سابق انذار تترك يديها وهي تكمل بغصة وابتسامة شاحبة
"من اجلي،، يا قمري"....
ولم تشعر الا بيد وضعت على كتفها انتشلتها من تلك الرؤيا الجميلة..وصوت صاحبها الهامس
"قمر..هيا لتناول الطعام.."
وما كان صاحب ذلك الصوت الا ريم تدعوها لتناول طعام العشاء.. وقبل ان تلتفت الى ريم ودعت منظر الغروب الجميل..لتنسحب بعدها بدقائق مع ريم متوجهة الى صالة الطعام غير مدركة بتلك العيون الرمادية التي تراقبها من بعيد..
**
ابتسم الجد وهو يرى حفيدته تنضم اليهم لتناول طعام العشاء...فرفع يديه ضاما اياها اليه وليقول مازحا
"واخيرا تنازلت اميرة قصرنا الجميلة بتناول طعام العشاء معنا"
ابتسمت قمر بخجل وهي تجلس بجانبه وتقول بضعف
"انت تعلم يا جدي اني كنت متعبة في الايام الماضية"
ثم اكملت بفرح وهي تتذكر كلام امها
"أوليس الاميرات يا جدي يأكلن في السرير عند المرض"
ابتسم الجد وهو يومئ برأسه ويربت على يديها بكل حنان...
"انظري يا جدتي،،جدي يغازل حفيدته وينسى من كان يسليه في الأيام الماضية"
قالتها ريم وهي تتصنع الحزن...
وقبل ان ينطق احد اي حرف..وضع رامي كوب العصير من يده وهو يشير بيده الثانية
"لحظة لحظة..اني اشم رائحة غيرة هنا"
ثم وهو ينظر الى ريم
"انتبهي ان تحترقي يا انسة ريم "
تطلعت اليه ريم بحنق
"اصمت.."
ثم قالت وهي تتطلع الى قمر
"ثم لماذا اغار من قمر وانا اعتبرها اختي التي....."

هنااا توقف الزمن بالنسبة لقمر وترددت كلمة(اختي)عدة مرات بل ملايين المرات وكأنها انتجت صدى في عقلها... فكلمة اختي اول مرة تسمعها قمر في حياتها من احد وتكون الكلمة موجهة لها...صحيح انها كانت تسمعها في المأوى ولكنها لم تكن موجهة لها..وبرغم ما قضته مع سارة رفيقتها بالغرفة الا انها لم تطلق عليها لقب الاخت واكتفت بصديقتي قمر...

( أختى ) وقعها غريبا على اذن قمر..ربما الكلمة ليست غريبة بل شعورها هو الغريب عند سماعها تلك الكلمة... فهي لم تحظى بأخ او اخت ابدا..كانت وحيدة والداها...وآه من والداها فأحدهما قد مات وفارق الحياة واما الاخر قد تركها تعاني مآسي الحياة....الى ان وجدت هنا الحياة.. بعدة أعوام كثيرة من الوحدة..
ومن الألم، فهنا قمر لم تكن الطفلة بل كانت أنثى بقلب طفلة..

فهل ستكون هنا حياتها افضل؟ام ان الآلام سترافقها حتى الى هنا؟وهل الدموع ستعتقها؟وهل الفرح سيزور قلبها وحياتها؟وهل..؟وهل..؟وهل..؟
تساؤلات كثيرة ومخاوف جمة تتردد في نفس قمر..الى ان اخذها النوم من شدة التفكير..وشيئا فشيئا ومع انقضاء بعض الوقت اطفأت انوار ذلك القصر ليغط الجميع في سبات عميق....
**
(ساد الصمت الا من اصوات عازف الكمان في ذلك الليل البارد والذي يتجمهر حوله العديد من الاشخاص معجبين بعزفه...وفي ظلام الليل الحالك تصل تلك الالحان الى مسامع الفتيات اللاتي تجلسن بالمطبخ...
"من المؤكد ان لولا الآن تجلس على النافذة وتسمع تلك الموسيقى الجميلة"
ضحكت الفتيات على تعليق اليسيا الساخر،، فاضافت ماري"بل وتحلم ايضا بفارسها ذو الحصان الابيض..."
"الذي سيخطفها الى ذلك القصر الجميل اعلى التلة.." قاطعتها جوليا وهي توصف المشهد بحالمية..بينما تساءلت انجلينا بسخرية"وهل لا يوجد من فتاة لا تحلم بفارسها المغوار؟!"
فتصرخ الفتيات معا"لا.."...ثم يعاودن الضحك من جديد..)

"ألن تملي من مشاهدة مثل هذه الاشياء"
التفتت ريم بوجهها الحانق الى مجد الذي امسك جهاز التحكم عن بعد مطفئا التلفاز وقالت بضيق: اولا انه مسلسلي المفضل..وثانياا..."
قاطعها مجد وهو يمسك صحيفة: "وثانيا صباح الخير.. "
ريم باستياء وهي تكتف يديها على صدرها: "صبااح الخير..."
ثم قالت في نفسها: "كم تغيرت كثيرا في هذه السنوات يا اخي..( التفتت اليه) واصبحت بارد المشاعر..يا ترى ما سبب ذلك الجمود الذي يكتسي ملامحك..."
"اذن ماذا ستفعل اليوم..؟!"ان هو لا يريد التحدث فهي ستحاول معه...
قال ببرود وما تزال عيناه تحدق بالجريدة"لا شيء"..ثم التفت اليها"وانتي ما سبب جلوسك في المنزل..لماذا لم تذهبي الى جامعتك.."
ارتبكت قليلا وحاولت اخفاء ارتباكها وهي تلتقط احدى المجلات وقالت بلا مبالاة"هكذا..اردت ان اخرج مع قمر الى مكان ما قبل ان اسجن في المنزل بسبب اختباراتي.."
علت وجهه ابتسامة ساخرة وقال في نفسه"هل للفرنسيات سحر خاص ام ماذا..؟!"..ثم تلاشث ابتسامته شيئا فشيئا وعاد الى بروده وقال"تتركين دروسك من اجل ابنة عمك...كم هذا جميل.."
تطلعت اليه ريم باستغراب"ماذا تقصد..؟!"
لم يجبها... فعاودت سؤالها وهي تمسكه من كتفه...ابعد يداها بغضب وقال"لا شيء"
تطلعت الى اخيها باستغراب ثم ما لبثت ان اعتلى وجهها البرود والغضب حين رؤية رامي يتقدم نحوهما...وما كان منها الى تنهض متجهة الى الخارج تحرك يدها بسرعة وهي خارجة نحوه تدفعه عنها"ابتعد عن طريقي..."
دار حول نفسه دورة واحدة وهو يقول موجها كلامه لمجد"ما بها اختك المجنونة؟"
وما كان من مجد البارد الا ان رفع نظره اليه وعاود النظر الى الصحيفة"هاا انت تقولها..مجنونة ثم ما الذي اتى بك في الصباح الباكر.."
تطلع رامي الى ساعته وقال وهو يمد يده نحو وجه المجد"انها العاشرة، انظر.." واردف بعدما ابعد مجد يده من امام وجهه"لقد جئت لاتحدث معك"
مجد وما تزل عيناه على الجريدة"ماذا؟!"
"ياا لبرودك.."
تطلع اليه مجد بنظر قاسية... ثم قال وهو يمد يداه المبسوطة"حسنا حسنا...ساتحدث.."
ثم اخذ يفرد اصبعا اصبعا وهو يقول"اولا اصبحت بارد كثيرا غير مبال بشيء..ثانيا علاقتك مع العائلة اصبحت رسمية جدا..ثالثا تختبئ في غرفتك وبين افكارك(قال هذه وهو يضرب بسبباته على جبين مجد)...واخرا وليس اخيرا اظن انه يجب عليك ان تعامل ابنة عمك كما كنت تقول عنها قبل قليل والتي لها اسم وهو قمر معاملة افضل.."
"هل كنت تستمع الينا..."
"وهل هذا الذي يهمك؟!"واردف عندما لم يأته اي رد من مجد"لقد تغيرت كثيرا بعد تلك الحادثة.. هل تظنني لم الاحظ ليلة امس نظراتك نحو قمر..ان كنت تظن ذلك تكون مخطأ..واجزم ان الجميع رأى نظراتك النارية نحوها... ليس ذنبها انها من رائحة باريس ..وليس ذنبها ان كانت..."
قاطعه مجد وهو يسند رأسه على الاريكة وقال باستياء"أنت لا تفهم..."
"ماذا..ما الذي لم اف..."

وهناا نظر الاثنان بغير تصديق الى ذلك الملاك الجميل الذي وقف على باب الصالة وبصوته الناعم وتلك الابتسامة التي تشق طريقها على الوجه الملائكي...
"صبااح الخير..."
**
قبل دقائق من الآن..وتحديدا في الطابق الاعلى في هذا القصر الجميل...ومع اشعاش الشمس الذهبي الذي دخل الى تلك الغرفة مفتوحة الستائر ذات اللون الابيض وجدرانها التي تحمل نفس اللون ولكنها ملطخة بلون وردي انثوي...والتي وصلت اشعاعاتها الذهبية الى تلك العيون النائمة بسلام على سرير ابيض كسرير الملوك.. وما لبثت ان وضعت يدها على عيونها صادة الاشعة التي اخترقت نومها الهانئ..وانتشلتها من ذلك الحلم الجميل التي كانت عيونها تغرق به...
نهضت من فراشها الذي بلون شفتاها التوتية بحيوية ونشاط لتتجه نحو دورة المياه وتخرج منها بعد دقائق وهي تتمتم بخفوت وتتجه نحو خزانتها الخشبية بلونها الابيض الناصع.."ماذا سأرتدي الان.."
واخذت تقلب ملابسها وهي تقول"هذا ليس مناسبا" وتمسك الاخر "وهذا ارتديته قبل اياام... و...."
واخيرا استقرت على فستان ضيق بلون سواد الليل وقد ابرز نحولة خصرها وجسمها الرشيق،، وارتدت حذاء احمر قاني اللون والذي يتماشى مع ذلك الحزام الاحمر اسفل صدرها..وفردت شعرها الاسود بحرية حتى يصل الى اخر ظهرها..... ابتسمت بهدوء وهي تطالع نفسها من المرآة وهي تقول بصوت هامس:من اجلك فقط يا امي...
وما ان انهت من كلماتها تلك حتى سمعت طرقا خفيفا على الباب ووجه ريم يطل منه"صبااح الخير.."
ثم توقفت لوهلة وهي ترى ابنة عمها بذلك الحسن والجمال"ما هذا الجمال..."
ابتسمت بخجل ثم تذكرت ذلك الحلم وقالت"فقط كل هذا من اجل امي..."
نظرت اليها ريم بحزن ثم قالت"جيد..فنحن سنخرج بعد قليل.."
"الى اين..؟!"
"لا اعلم..سنتناول الفطور في مكان ماا..." ثم التفت نحو الباب خارجة منه متجهة نحو غرفتها... تاركة قمر تبحث عن حقيبتها السوداء..لتجدها بعد قليل وتتوجه نحو الاسفل لكي تنتظر ريم...
ولكنها.......!!!

***
" جدتي...!!"
ابتسمت جدته في وجهه ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما رأت وجهه الحزين...فكانت عيونها البنية تطلع اليه بحيرة وهي تمسح على شعره ووجهه بحنان"ماذا بك يا بني..؟ منذ ان عدت من سفرك وانت على هذا الحال..لقد اصبحت حالتك سيئة اكثر من المرة الماضية.."....
صمت ولم يجب..وحاول ان يستجمع قواه ليرد عليها بجوابه المعتاد(لا شيء..)ولكنه عجز عن النطق.. ولم يستطع التفوه بحرف واحد..وهو يبعد نظره عن جدته يخفي دمعة انحدرت ولاول مرة امام احد.. ولكن جدته ليست باحد..لطالما سهرت الليالي بجانبه حين مرضه..ولطالما عاونت الخادمات بتربيته حين اهتمت والدته بجمالها وحسنها وتركته للخادمات يتدبرن امره.....
وبحكم خبرتها الكبيرة في الحياة ربتت على كتفه وقالت بهمس"الم الحب..أليس كذلك.؟!"
ثم تسائلت عندما رأته يعاود الالتفات"هل هجرتك ام انت الذي هجرتها؟"
تهرب من سؤالها بسؤال آخر"اين جدي..؟!"
ابتسمت الجدة"لقد ذهب باكرا الى العمل لانه سيسافر بعد الظهر مع والدك.."
"وأمي..؟!"وما ان نطقها حتى ظهرت امه تمشي بهرولة وتقول بسرعة وهي تنزل درجات السلم بعجلة"يا الهي...لقد تأخرت على مصففة الشعر.."
تنهد بتعب وهو يبتعد عن جدته مقبلا رأسها وهو يقول"سأرتاح قليلا..." ولكنه توقف ينظر الى الباب الرئيسي من جديد قبل ان يتوجه الى غرفته....

نهاية الفصل الأول...


لامارا 17-10-19 05:30 AM


//




(2)



تقدمت بخطواتها الرشيقة حينما سمعت أصواتا منبعثة من الصالة.. ثم توقفت قليلاً عند بابها فكما يبدو لها أن ولدي عمها يتجادلان حول أمر ما.
راودتها الحيرة في أن تدخل، وعزمت أن تعود بأدرجاها وتنتظر ريم في الحديقة، ولكنها توقفت لوهلة عندما تعلقت عيناها بتلك العيون الرمادية الذي لمع فيها بريق اعجاب سرعان ما تحول إلى عيون رمادية خالية من أي مشاعر...
همست بخفوت " صباح الخير "
ثم سمعت صفيراً منطلقاً من رامي وهو يتقدم نحوها: "ما هذا الجمال...هل تصدقين انك أجمل فتاة رأتها عينااي.."
"لا تصدقيه..انه يقول نفس هذا الكلام لكل فتاة تمر في حياته.."،، تحدثت ريم وهي تدخل الصالة وتخرج لسانها كالأطفال نحو رامي.
قال وهو يبعد ريم عن طريقه: "ما شأنك،، انا أتكلم مع قمر"
واردف وهو يمسك يدها ليجعلها تدور حول نفسها: "انت فقط اخرجي ..واجمعي المعجبين حولك، ستكونين فتاة الموسم.."
ضحكت قمر وقالت: "ليس الى هذا الحد.."
"انظر حتى هي لا تصدقك.."ريم بسخرية
ثم وجهت كلامها الى قمر حيث كانت تقف محدقة بعيونه من جديد، غير آبه بما يحصل من حوله.
"هياا يا قمر.."..
"حسناا سأوصلكما حيث تشائان.."
تطلعت اليه ريم لبرهة ثم قالت وهي ترفع احدى حاجبيها: "لا اعهدك شهما لهذه الدرجة.."
"اظن انكِ اخطأتِ بيني وبين شقيقك..لانه لو كانت هناك فتاة على سفح جبل عال لتركها هناك لتقع وتتألم...اما انا طبعا ساساعدها اسألوني لماذا؟!"
وما ان انتهى من كلامه حتى اتته ضربة على دماغه وصوت يقول"لانك زير نساء طبعا.."
"لماذا لم تخبرانني؟!"رامي وهو يدلك بيده رأسه
ضحكت الفتيات على تصرف مجد وردة فعل رامي حين اتته الضربة... عندها فقط انتقلت عيناه فجأة الى صاحبة العيون العسلية وهو يسمع ضحكتها الرنانة و سرعان ما انتشل نفسه من تلك المشاعر التي حاصرته عندما التقت عيناه الباردة مع عيونها الناعسة والقى عليها نظرة باردة قبل ان يقول لرامي وهو يشير بسبابته: "اذا كنت ستوصلهما تصرف معهما بلطف..واترك تلك التصرفات الصبيانية.."..
"امرك سيدي"

اما بالنسبة لقمر فمنذ ان جائت عيونها بعيونه سيطر عليها شعور غريب لم تشعر به ابدا...وهي تفكر بمدى اختلاف نظراته في كل مرة..فاحيانا تكون نارية غاضبة تتطلع اليها بكل حقد او غضب..واحيانا يكسوها الالم والعجز...ومن المؤكد نظراته الباردة لن تناسها..برغم كل ذلك عيونه فيها جاذبية خاصة..!...
انسحبت مع ريم ورامي وهي تلقي نظراتها الجانبية عليه وفي خاطرها تدور اسئلة كثيرة حول غرابة تصرفاته معها وتجاهله التام لها...
اما هو وقف للحظة وهو يراها تخرج من الباب الرئيسي وعيونها الناعسة التي بقيت تحملق به قبل خروجها الى ان أُغلق الباب...

اسند رأسه على الحائط وأخذ نفساً عميقاً، وابت ذاكرته الا ان تعود الى ذلك اليوم والذي كان سببا في ان يجعل مجد يحمل صفة البرود واللامبالاة..
كان يوما ربيعيا مشمسا تتألق فيه الزهور الحمراء والتي بدأت باظهار لونها وعبيرها الرائع في تلك الشقة السكنية الصغيرة وخيوط الشمس الذهبية اعلنت عن يوم جديد جميل....و صوته الذي يحمل فيه كل الشوق والحنين وهو يقول لصديقه ومساعده بالعمل"ستعود اليوم..سأذهب لاستقبالها في المطار.."
كان متحمسا جدا فاليوم هو اليوم الموعود..اليوم المترقب بعد كل سنين الحب التي مضت بحلوها ومرها..نعم حبيبته جيني اليوم ستعود وهو سيتقدم لها رسميا بعد سنين الحب التي قضياها في ايام الجامعة..لقد جهز لكل شيء.. فقد اتفق مع احد معارفه والذي يعمل عملا ليلا في احدى المطاعم ان يجهز المطعم بكل شيء بشموع حمراء.. وورد احمر متناثر على الارضية.. واصناف طعام شهية كانت ومازلت في حينها تعشقها.. لقد رتب لكل شيء..ولم يتبقى الا موافقتها... ارتدى قميصا ابيض وبنطالا اسود ومسك باقة الورد وطبعا لن يتخلى عن عطره المفضل...أليست حبيبته قادمة؟!
وكل ذلك من اجلها...من اجل حبه الذي قضى اعواماً كثيرة يحلم بها في هذه اللحظة...
قال في نفسه"ستكون مفاجئة رائعة لها.."ولكنه لم يكن يدري حينها انها جهزت له مفاجئة كبيرة جدا...

وقف وهو ينظر الى قائمة الطائرات التي حطت عجلاتها ارض المطار...اتسعت ابتسامته عندما رأى طائرة سان فرانسيسكو قد هبطت قبل دقائق..وتوجه مسرعا نحو البوابة التي ستخرج منها غير مكترث بكل اولئك الناس الذين اصطدم بهم... ولكنه توقف فجأة عندما رآها تخرج برفقة احدهم والبسمة على وجهها.. ولم يكن يظن ان حبيبته قد خانته او تركته يعيش الماً كبيرا بعدها..
ألا أقول ان الحب أعمى!!
نعم اعمى لانه ظن ان يكون هذا الشخص احد اقاربها... ولا اخفيكم كم شعر بالالم عندما علم الحقيقة..


عاود النظر الى الباب من جديد..وهو يتذكر عيونها العسلية التي ظلت تحملق به..كما كانت تحملق به جيني في اول ايامه بالجامعة...لكم هناك من اوجه شبه بينهما...حتى المشاعر التي شعر بها عندما اتت عيونه بعيونها كانت نفسها التي شعر بهاا عندما يرى نظرات جيني له...
نفض رأسه من تلك الافكار التي حاصرته بسرعة..وشعر باحدهم يقف خلفه فالتفت ليرى جدته باسمة الوجه..

♥♥♥♥♥♥♥


تلومني الدنيا إذا أحببته
كأني أنا خلقت الحب واخترعته
كأنني على خدود الورد قد رسمته
.. كأنني أنا التي
للطير في السماء قد علمته
وفي حقول القمح قد زرعته
.. وفي مياه البحر قد ذوبته
.. كأنني أنا التي
كالقمر الجميل في السماء قد علقته
.............
......

كانت تستمع الى حروف نزار قباني في ذلك المقهى الكبير وهي تراه ينتقل من مكان لاخر يأخذ طلبات الزبائن بقميص عمله الابيض و بنطاله الاسود وشعره البني الذي يتناثر فوق جبينه باهمال.. وعيونه السوداء الواسعة..كانت تتأمل كل شبر فيه حتى تشبع نفسها و قلبها الذي ينبض بعنف... وعقلها الذي لم يسوعب جمال هذا الكائن.. (رائد) ومن دون ادراك منها خرج اسمه من بين شفتيها على مسامع قمر...
"من يكون؟!" تساءلت قمر بعدما وجهت نظرها ناحيته وهي ترى عيون ريم المتجهة له
ريم بارتباك بعدما رشفت رشفة صغيرة من كوب القهوة"زميل دراسة.."
شعرت قمر بارتباكها وادركت انه اكثر من ذلك ولكنها تجاهلت ارتباكها فتسائلت.."ولماذا يعمل هنا؟!"
ناظرته ريم بنظرات حزن ثم اعادت نظرها الى قمر"حالتهم المادية سيئة..لذلك هو محتاج الى المال ليكمل دراسته"
ثم اردفت وهي تبتسم"ولكن الشيء الجميل فيه انه لا يشتكي من فقره... حتى منزلهم البسيط لو تريه برغم بساطته ولكنه جميل.." تلاشت ابتسامتها لتقول"لو تري العائلة يا قمر، عائلة بسيطة جدا بكل شيء ولكن حظ الحياة مقفل في وجههم.."
قالت قمر بحنان وهي تمسك يدي ريم"الفقر ليس عيبا..العيب هو ان نمد يدينا للناس.." ثم اردفت بمكر وهي تغمز لها"كل هذا وهو زميل دراسة..كيف لو اصبح حبيب القلب و زوج المستقبل.."
ابتسمت ريم بمرارة"لا اظن..فوالدي حتى لو قبل من بعد اصراري عليه..سترفض امي بكل تأكيد انتي تعلمين كيف تفكر..الاهم عندها هو المال.."
"وما ادراكِ..انظري لي اناا لقد عايشت البؤس والحرمان من العائلة والاصدقاء لسنين طوال...حرمت من والدتي وانا بعمر الزهور.. وتركني والدي في احد الملاجئ لمدة عشر سنين الى ان وجدني جدي.. ولكن برغم كل هذا كان الامل مزروعا في داخلي برغم انه كنت على يقين أني سأبقى حبيسة بذلك المأوى ارعى من هم في مثل حالتي..ولكن حمدا لله ان جدي وجدني..."
"هل تصدقين شيئا..عندما اخبرنا جدي عنك ظننت انك طفلة ولم اكن ادرك انك في التاسعة عشر حتى أننا لا نعلم بوجود عم آخر لنا يقطن في فرنسا.."
ابتسمت قمر ابتسامة باهتة... فما كان من ريم الا ان ربتت على يدها بحنان اخوي جميل حرمت منه قمر لسنين طوال..

ثم تبسمت ريم عندما تذكرت شيئا ما و قالت"وما بك اليوم.. تبدين مختلفة..وجميلة ايضا..."
اتسعت ابتسامة قمر اكثر وهي تتذكر ذلك الحلم وبدأت بسرده الى ريم حين رأت ذلك الاهتام جليا على وجهها....
*********

الرابعة عصرا...
الجدة تجلس وحدها بالحديقة تسقي ازهار النرجس التي زرعتها منذ زمن طويل...
"ااه جدتي الجميلة تسقي نرجسنا..."
ابتسمت الجدة عندما رأت رامي يقبل ناحيتها وخلفه كان ماجد وهدى...
"ألن تكف عن هذه المغازلات.." ضربته الجدة على كتفه... ثم وجهت حديثها الى ماجد"حمدا على سلامتك يا بني..ما اخبارك؟!"
"بخير يا جدتي..لطالما احبائي بخير.."قالها وهو ينظر الى هدى والتي اطرقت رأسها خجلا... ابتسمت الجدة وقالت"كيف احوالكم..هل تسير اموركم بخير.."
اومأ ماجد رأسه ثم قال"بخير يا جدتي..وقد احضرنا الدعوات الى ريم وقمر حتى تدعو كل واحدة منهن من تشاء (قالها وهو يضع عددا من الدعوات على منضدة خشبية)
وأكمل بعد ذلك متسائلاً: " أين مجد..؟"
أجابته بهدوء "في غرفته."
ثم وجهت وجهها نحو رامي وقالت له بهمس"اريدك بأمر ما..؟!"
قال بصوت هامس مقلدا جدته"وماذا تريدين..؟!"
ضربته جدته قبل ان تنهص وقالت له بصوت غاضب"اتبعني.."وما كان منه الا ان تبعها داخل ذلك القصر تاركين عصفوري الحب يعيشان حبهما الطاهر الذي سيتوج بالزواااج.....
وتحديدا كانت خطواتهم متجهة نحو مكتب الجد، وما ان دخلا حتى جلسا الاثنان على اريكة بنية قاتمة اللون...
وقالت الجدة بلهجة حازمة"أريدك ان تخبرني بكل شيء عنه!"
*****
طرقاتٌ خفيفة جعلتها تترك ما بيدها من ملفات وتقول بصوتها الأنثوي "تفضل "
"مرحبا،، يا آنسة "
قالت بابتسامتها المعهودة "اهلاً تفضل بالجلوس .. ماذا تشرب ؟!"
أجابها باقتضاب "لا شكراً،، فأنا على عجلة من أمري "
قالت وهي تمسك احدى الملفات "اذا لا أجعلك تنتظر أكثر من ذلك "
ثم اردفت وهي تعطيه الملف " سيد مجد هذا الملف الخاص بها كما طلبت.. يشير هذا الملف انه تم نقلها بعد شهر من مكوثها"
"هذا يعني ان احدهم طلب ببعثها خارج البلاد"
اومأت برأسها "أجل.."
"وكيف سنعلم من يكون؟!"
اجابت بكل هدوء "من سياسة العمل ان المسئول عنها من يطلب ذلك، ولكن يستحيل أحد آخر "
اومأ مجد رأسه، وأكملت حديثها " أنا صديقة للعائلة منذ سنين طويلة، ومنذ أن بدأت العمل هنا قرابة ثلاثة سنوات، لاحظت تشابه الاسماء.. وكما أخبرت رامي وجدك من قبل تواجد قمر هنا لم يكن صدفة، "
قاطعها " تقصدين نقلها من باريس إلى هنا.."
هزت رأسها مؤيدة
ثم قال وهو يشد على اسنانه بغضب "حسنا..شكرا لكِ"

خرج جالساً على كرسي خشبي، يتفقد الملف مرة أخرى ويسترجع الحديث الذي دار مع مديرة المأوى، وجود قمر هنا بعد كل شيءٍ ليس مصادفة أبداً.. بل كانت خطة مدروسة بعناية!
أخذ نفساً عميقاً وطرد وسواسه من رأسه توجه إلى سيارته والتقط هاتفه ثم لما جاوبه الشخص على الطرف الاخر صرخ وهو يصر على اسنانه
" لقد طلب أحدهم نقلها إلى هنا،.....!!"
هدأ قليلاً وبصوتٍ مهزوم قال " طوال العشر سنوات تبعد عنا كيلومترات ليست بالكثيرة.. "
تنهد بحيرة " ولكن لماذا تم ايجادها الآن، وليس قبل ذلك؟!"


*****
كانت عيناها تلتفت يمينا وشمالا في ارجاء الكافيتريا بحثا عن ذلك الشاب الذي سرق قلبها وعقلها..واضعة كتبها على صدرها وهي تمشي بجانب صديقة عمرها امل...انها لا تراه اليوم..هل يعقل انه لم يأتي الى الجامعة...لا مستحيل فهو مثابر من غير الممكن ان يضيع محاضرة واحدة بسبب اي امر كان... توجهت نحو طاولة ما في ركن الكافيتريا بعدما توجهت صديقتها لاحضار شئ ما للاكل....انزلت رأسها على الطاولة بملل وضجر من كل محاولات البحث والتفكير به..فهل يفكر بها مثلما تفكر به..هل تتسع ابتسامته عندما يراها... وهل...
"ريم هل انتي بخير.."
وها هي الان تتخيل صوته..مؤكد انه من شدة التفكير به...ولكن صوته عاد من جديد فرفعت رأسها اليه..وهي تراه واقفا بجاذبيته ينظر اليها بقلق
"هل انتِ بخير..."
اومأت رأسها بالايجاب..ولكنه قال وهو يجلس على الكرسي المقابل لها"لكن تبدين متعبة.."
ابتسمت وهي تقول"ربما من ملل المحاضرات.."
وبحنان همس لها " لم تأتِ البارحة أقصد بعد أن رأيتك بالمقهى، ألم يكن هنالك محاضرات يتوجب عليك دخولها"
" بلى ولكنني كنت مع قمر، لم استطع تركها باقي اليوم.."
أومأ رأسه تفهماً، ثم اردفت وهي تتوجه نحو حقيبتها الحمراء وتجلب شيئا منها"لقد تذكرت..(ثم وضعت احدى البطاقات على الطاولة)هذه بطاقة دعوة لحفل زفاف ابن عمي..اتمنى ان تأتي.."
تطلع الى البطاقة ثم اليها"ولكن انتي تعل..."
قاطعته برجاء"ارجوك.."
ابتسم وهو ينهض"سأحاول..من اجلك..."

(من اجلك)... كلمتنان جعلت قلب ريم يقفز فرحا.. وينبض نبضات متتالية..يجعلها تذهب الى عالم اخر..عالم حب يجمعها مع رائد.. حبيب قلبها .و بجلعها تذهب بعيونها اليه وهو يتوجه خارج الكافيتريا..والحمدلله انه لم يسرق عقلها منها ايضا فها هي تتذكر اول يوم رأته فيه... كان يتقدم ببطء نحو قسم التسجيل بالجامعة ممسكاً باحدى يديه اوراقا خاصة..وبيده الاخرى هاتفه المحمول يتحدث الى امه"حسنا..حسنا سأحضر الكوسا.." وبنفاذ صبر"و سأجلب الدواء أيضا.."..."هل هناك شيئ....." ولكنه لم يمكل كلامه اذ اصطدم باحدى الفتيات التي تخرج على عجل غاضبة وهي تتحدث بهاتفها ايضا وتصرخ على سائقها على ما يبدو...
"هذا ما كان ينقصني ايضا.." قال هذا وهو ينظر على اوراقه التي تبعثرت على الارض.. وانحنى نحو الارض ليعاود جمعها واذ بها هي الاخرى تنزل وتجمع الاوراق معه
"اسفة..انا حقا متأسفة.." وهي تعطيه الاوراق التي جمعتها
اخذها منها ببرود "لا بأس..لا يوجد مشكلة.." ثم عاد ليتوجه الى منطقة التسجيل ولكن صوتها اوقفه "لا تتعب نفسك عبثا..هناك طابور كبير وقد تحتاج الى زمن طويل ثم ايضا(وهنا نظرت الى ساعتها الفضية التي على معصمها)لم يتبقى على اغلاقه سوى خمس دقائق.."
تأفف بضجر ولم يرى الا يدها التي تمتد لمصافحته وهي مبتسمة"اناا ريم.."
اقشعر جسدها حينها عندما تذكرت تلك اللمسة البريئة وابتسامة الخجل على وجنتيها...
"ماذا كان يريد منك؟!" وهنا ظهرت صديقتها امل بوجه عابس..
هزت رأسها نفيا بلا شيء فهي تعلم ان امل لا تشعر بالراحة من تقربها لرائد..
"فقط اعطيته بطاقة دعوة لحفل زفاف ماجد.." أجابت ريم باختصار شديد
اومأت امل رأسها بضيق"لا اشعر بالراحة من ناحيته عندما رأيته يقف بجانب تلك الفتاة والذي منذ ان ابتعدتُ عنكِ اتى اليكِ"
ريم باستغراب - لانها تعلم ان رائد لا يقف مع اي فتاة فهو ليس اجتماعي إلى حد ما -
نظرت ناحية المكان الذي اشارت اليه أمل بيدها ولكنها..لم ترى أحداً..!!!

****
صباح يوم جديد..يحمل في طياته املا وحبا جديدا... اشرقت شمسه معلنة بدءِ مسيرة النهار انسجاماً مع زقزقة العصافير...
لامست الرياح الخفيفة بشرة بيضاء ناعمة وهي تغط في نوم عميق..
واصوات آتية من خلف باب غرفتها وطرقات متتالية...
"هيااا ياا قمر..."
فتحت عيونها الحمراء الناعسة..والتي لم تأخذ قسطا كافيا من النوم بسبب حفلة وداع الامس والتي استمرت الى ما بعد منتصف الليل...توجهت نحو الباب الذي كاد ان يتكسر من شدة الطرقات التي وجهت اليه.."ماذا تريدين ايتها المزعجة..؟"
اشاارت الى نفسها باستنكار"انااا مزعجة؟!.."
فأكملت وهي تدفع قمر الى داخل الغرفة عندما رأتها بملابس النوم"ثم لماذا ما زلتي نائمة الى اﻵن..هياا هناك الكثير لنفعله اليوم."..
بعيداً عنهم، تحديداً في احدى الأحياء البعيدة..

"ماذا..؟!تريد ان اذهب معك!!.."
"ارجوكِ ياا جيداء..."
"ولكن يوجد اختبار بعد غد يا رائد..لا استطيع.."
قال برجاء اكثر"كل ما هو عليكِ اختبار جبر بسيط..لن تعطلكِ ساعة في المساء.."
تسائلت جيداء"لماذا لا تذهب وحدك..اريد ان افهم.."
"انا لست معتادا على هذه الاماكن..ثم و بوجود احد اقاربي اكون بخير.."
فكرت قليلا"حسنا..سأذهب وارى ما اخر طلباتك تلك التي لا تنتهي.."
اتسعت ابتسامته وهو يغلق سماعة الهاتف واستدار نحو امه المريضة النائمة على فراشها المهترئ وانحنى ليقبل وجنتيها قبل ان يخرج موجها كلامه لأخته الصغيرة"اعتني بها جيدا.... سأذهب لأتجهز"
~~~~~~~~~~~
انقضى النهار و قد حان الوقت المنتظر وها هو قرص شمسنا الذهبي يكمل دورته في المغيب ويستقر في الطرف الأخر من الكرة الارضية
وفي احد الفنادق الفخمة بدأ المدعوون بالوفود اليه متجهين نحو الحديقة الخلفية للفندق والتي تتناثر على ارضيتها العشبية الخضراء ازهارا حمراء صغيرة في الممر الذي ستزف فيه العروس وعلى جانبيه وضع حاجزاين خشبين زينا باغصان الاشجار والأزهار المختلفة وبعض اللؤلؤ والكريستالات الصغيرة اللامعة
اما نهايته فقد كان يتربع جسر خشبي قبل الوصول الى ارضية خشبية ..
ومقعد العروسين عبارة عن ارجوحة ثابتة مثبتة بين غصنين من الشجر.. تتدلى عليها فراشات ملونة وازهار الكرز التي اعطتها رونقا خاصا بها.. وبجانبي المقعد اربع كراسٍ صغيرة بيضاء زينت ببعض من الاقمشة و الزهور ،، وقد رتبت كراسي المدعوين حول طاولات دائرية مزينة بغطاء من الستان الأبيض وشريطة حمراء..
اما بالنسبة لصديقات العروس فقد قررن ان يرتدين زيا موحدا وهو عبارة عن فستان ضيق بلون التوت يصل الى عند الركبة..وعلى صدره احجار ملونة اضفت عليه نعومة خاصة.. واكتفين بفرد شعرهن الأملس والقليل من مساحيق التجميل من دون تكلف.. باستثناء قمر والتي ارتدت فستانا خاصا بها....
"ياا فتياات.. لقد وصلت العروس.."
التفتت جميع الفتياات الى رهف(احدى صديقات هدى) التي كانت تركض ناحيتهم بكعبها العالي عندما رأت العروسين يدخلن غرفة التصوير... وقد اعتلت وجوههم الابتسامة والحماس لرؤيتها..
"اتمنى انها لم تنسى ان تكتب اسماءنا اسفل كندرتها.."تسائلت احدى الفتيات..
فأجابت ريم مؤكدة"لا..فقد كتبتهم البارحة بعد ان انتهت الحفلة.."
تنهدت الفتيات براحة ثم همست ريم في اذن قمر بسخرية"ومن سينظر الى وجوه هؤلاء الفتيات.." اكتفت قمر بالابتسام وهي تضع عقدا فضيا ناعما...
ثم جائهم صوت من احدى موظفات الفندق تخبرهم بالاستعداد ليتوجهن بعدها بدقائق نحو الحديقة....


كان يجوب عينيه بضيق وهو يلتفت يمينا ويسارا بحثا عنها من جديد...في تلك الحديقة الكبيرة وبين هذا الحشد الكبير.آملا ان يلمحها لو من بعيد ولكن بحثه باء بالفشل مرة اخرى...
"لن تراها هنا الا بعد قليل..لا تتعب عيناك.."
انتبه للهجة السخرية في نبرة رامي واكتفى بأن القى عليه نظرة جانبية غاضبة...
"انظر الى كل هؤلاء الحسناوات.."قالها رامي وهو يطلق صفيرا ينم عن مدى اعجابه بالجنس اللطيف..ثم أكمل بضيق وهو يشير الى احدى الفتيات التي تتقدم بغرور وتجلس بكل كبرياء.."لاا اقصد تلك.."
ويبدو ان مجد لم يكن يسمعه او مكترث لما يقوله فآثر الصمت وهو ينظر الى ماجد الذي وقف على تلك الارضية الخشبية لانتظار عروسه.. مرتديا بدلته الرسمية (عبارة عن بنطال اسود و سترة بيضاء مع قميص ابيض ولن يتخلى عن ربطة العنق السوداء.. ) رافعا شعره البني عن جبينه الابيض العريض و عيونه البنية الواسعة التي تنتظر قدوم عروسته فانه لا يكاد ان ينزل بصره واذ به يرفعه بعد لحظات نحو بداية الممر....


عقد مجد حاجبيه استغرابا عندما انتبه على خفوت الانارة بعض الشيء فقد حانت زفة العروس ولكنه لا يستطيع ان يراها....وقال في نفسه"اين هي..؟!".. ما باله يفكر بها بكثرة.. فمنذ ان رآها امس بالحفلة لم تغب عن تفكيره للحظة واحدة حتى انه لم يستطع النوم وهو يفكر ببرائتها وجمالها الطفولي.. عفويتها وحركاتها الرشيقة وابتسامتها التي تذيب جبالا من الهموم المتراكة... و مشاعره المتأججة التي لن ينكرها ابدا فعند رؤيتها ترتجف كل خلية في جسمه حتى تلك العضلة التي تقبع في يسار صدره .. وما لا ينساه بالحفلة عندما انتبه على يد جدته التي امسكت بمرفقه وقالت بصوت حنون"أماا آن لقلبك ان يلين.."
واكتفى بالتحديق في جدته غير مدرك كيف علمت بامره... ثم وجه انظاره نحو رامي بحدة فهو الوحيد الذي يعلم بسره... لكنها قالت"ليس ذنبه..فأنا اجبرته..عندما رأيتك على هذا الحال.." ثم اردفت عندما لم تجد منه ردا.."كفى تعذيبا لقلبك يا بني..وافتح قلبك لاحداهن ستجد قلبك بدأ ينبض بحب جديد اقوى واعنف من الحب السابق.."..ثم توقفت عندما رأت نظراته الحادة نحو قمر وقال بصوت فيه غصة"لكنها تشبهها.."
"هي لا تشبهها..انت من جعلت جميع الاناث تشبهها.. فعندما تنظر لاحادهن ترى وجه جيني امامك..وتتذكر خيانتها لك..لذلك نرى نظراتك الحادة نحو قمر.."..واكملت وهي تشير الى قلبه"صدقني ان قلبك قد نسيها وسيجد طريق جديد له ولكن(وهناا اشارت نحو رأسه)ولكن عقلك لم ينسى خيانتها.."

*****
وعلى اصوات خرير الماء وزقزقة العصافير تتقدم اربعة فتيات صغار بزي الفراشات يمسكن بعصي على شكل قلوب حمراء..فأشكالهم البريئة كأشكال الجنيات في حكايات الأطفال والاساطير..الى ان يجلسن على الكراسي التي على جانبي مقعد العروسين.... وتبدأ بعدها موسيقى هادئة مع اصوات ضيوفنا الذين يرحبن بعروسنا الجميلة باعجاب وفرح..كانت تقف ممسكة بباقة من الزهور الوردية بفستانها الأبيض الضيق من عند الصدر والواسع من الاسفل.. ذو الاكمام الطويلة من قماش الدانتيل الناعم.. وتناثر على اطرافه ازهاراً وردية صغيرة.. واحتفظت بتسريحة شعرها الأشقر المموج مع اضافة اكسسوار من الزهور الملونة مما اضفى عليها الحيوية والجمال..واكتفت بكحل يزين عيناها الزرقاء واحمر شفاه ،،فاضفى عليها نعومة خاصة ،وكانت متشبثة بباقة الازهار الوردية والتي يتخلل زهورها ريشاً من نفس اللون وهي تتقدم ناحية ماجد لعلها تبعث فيها الطمأنينة والسكينة وتخفف من ارتباكها وقلقها..ومن خلفها صديقات عمرها واللواتي يمسكن بسلات من الورود الحمراء وينثرنها على الارضية لتصل بعدها الى حيثما تقف عائلتها لتسلمها الى زوجها الذي قبل جبينها بارتباك...
وفي هذه الاثناء انشدت حواسه نحو تلك الفتاة التي بدأت بالتقدم في ذلك الممر بخطواتها الرزينة بهدوء..نعم لقد كانت تلك الفتاة قمر ممسكة بصندوق على هيئة الفراش..بفستانها الابيض النافخ من دون اكمام.. وعلى ظهرها جناح فراش ابيض اللون..و ذلك القناع الكريستالي الذي يغطي عينيها.. زينت شعرها المجعد بطوق من الازهار..
كانت تتقدم بهدوء امام انبهار الجميع ونظرات الاعجاب من حولها...ثم توقفت للحظة على ذلك الجسر الخشبي عندما اصطدمت عيونها الساحرة بعيونه الحادة التي تربكها كلما نظرت ،، وهو ألن يكف عن هذه النظرات التي يوجهها لها؟ ولكن لماذا عليه ان يكون وسيما لهذه الدرجة؟؟ خاصا بقميصه الأزررق الفاتح الذي ابرز عضلات صدره وجاكيته الرسمي بني اللون..وبنطاله الجينز وشعره الاسود القصير..
ثم اكملت طريقها نحو العروسين وهي مستنكرة نظارت الاعجاب التي وجهتها اليه..
وتم فتح الصندوق الذي يحتوي على خواتم العروسين..وهنا تبدأ الفراشات الصغيرة بالدوران حول العروسين قبل التوجه خلف قمر عابرين الممر ثم يختفون عن الانظار...

***
وقفت السيارة السوداء قديمة الطراز امام منزل تظهر عليه علامات القدم والفقر.. فبابه الخشبي الذي تآكل مع الزمن وبهت لونه.. وجدرانه الخارجية التي تبدو من قدامتها انها ستهدم على من يآوي داخلها.. حجرتين صغيرتين ،،واحدة تضم مطبخا في زاويتها وزاوية اخرى تضم دورة ميااه ونافذة صغيرتين و جدرانٌ تأكل لونها مع الزمن..كنبة باهتة مهترئة بجانبها دولاب صغير يحوي ملابس قليلة.... واما الحُجرة الاخرى التي تضم كنبه مهترئة تستلقي عليها امرأة كبيرة في السن قليلا يبدو عليها التعب والمرض وتلك الفتاة الصغيرة ذو الضفيرتين القصيرتين تجلس بجانبها تحاول ان تخفض درجات الحارة العالية بكمادات ماء باردة... والكنبة الاخرى ينتشر عليها كتبا ودفاتر وبجانبها خزانة ملابس قديمة قد عفى عليها الزمن...
"رانيا اهتمي بوالدتي وان حصل اي شيء لا تتردي ان تتصلي.."
اومأت تلك الفتاة الصغيرة المدعوة رانيا رأسها وهي تبدل الكمادات.. ثم انحنى ليقبل والدته قبل ان يخرج من منزله القديم متوجها لتلك السيارة لتستقبله ابنة عمه جيداء بشعرها القصير الأحمر وتنورتها السوداء الرسمية وقميص ابيض...
نظرت الى قميصه الاسود الذي بدأ القدم بالظهور عليه و الى بنطاله الأسود برضى...
تأفف بضجر"لماذا تأخرتي..لقد بدأ الحفل.."
"حسنا لا تبدأ..ثم تأخر قليلا لن تهرب ريم بكل تأكيد......"
تسائل بخوف وهو يشير الى ما يرتديه"هل هذا جيد؟؟.."
جيداء وعيونها على الطريق الوعر المليء بالاحجار الصغيرة"جيد جيد..ومن الجيد ايضا ان نتعدى هذا الطريق الوعر....."
اشاحح ببصره ليفكر بمدى فخامة وبذاخة الحفل الذي سيذهب اليه..ومؤكد انه بملابسه ومظهره طفرة مختلفة عن ذلك العالم الكبير الواسع الذي يضم رجال الاعمال والذين يجدون المال باسهل الطرق..اما هو دخله محدود يصرف على بيته وعلاج امه..اما تعليمه فقد قدم لمنحة طلابية تتكفل بتلك المصاريف..... ولم ينتبه الى اين وصل تفكيره عندما وصلا الى الفندق كبير.
ركنا السيارة في الموقف المخصص قبل ان يترجلا منها متوجهين الى ذلك العالم الذي يراه رائد مختلفا..


"سررت بالتعرف اليكم..مبارك مرة اخرى.."...
قالها رائد قبل ان يتوجه مع ريم الى الرقص برغم اعتراضه المستمر ولكنها سحبته بالقوة معها ..
لوت ام مجد فمها بضيق وهي تنظر الى ذلك الذي من دون المستوى المطلوب ليرافق ابنتها بالرقص قبل ان تنطق الجدة وهي تلتفت اليها
"شااب جيد..أليس كذلك؟"
قالت ام مجد بغرور ووعلامات الاشمئزاز تظهر في عيونها قبل ان تنتقل بين الحضور لتصافح المعارف والاصدقاء"وما الجيد به..و هو فقير الحظ والمال ..لا اعلم ماذا حل بعقل ابنتي لتصادق شاب مثله.."
هزت الجدة رأسها بقلة حيلة فكل ما يهم هذه المرأة هو المال والجمال..

"ماذا بك يا قمر؟!"تسائلت الجدة عندما رأت قمر قد عادت و يبدو عليها الالم..
"لا شيء فقد كسر كعب حذائي وبدلته...اناا بخير لا تقلقي"قمر بابتسامة وهي تطمأن جدتها التي يبدو على ملامحها الخوف والقلق..
"هياا انتما الاثنان انضماا معهم للرقص.."
تفاجئت قمر من طلب جدتها وادارت وجهها نحو مجد لترى ردة فعله ولكن كان وجهه حادا باردا بشكل لا يطاق كيف يمكنه ان يبقي وجهه مشدودا هكذا بدون اي ابتسامة ولا اي كلمة.. فقط انها ترى ان الوسيلة الوحيدة ليتواصل معها هو قذف نظراته الباردة تلك..حسناا هي تعلم انه لا يحبها من نظراته لكن لماذا سحبها من يدها ووافق على طلب جدته؟!ويرقص معها الان..؟!
جاءتها الاجابة منه جافة كعادته معها وكأنه قرأ افكارها.."ارقص معك من اجل جدتي فقط.."
وهي اصلا لم تتوقع منه ان يرقص معها لاجلها..يمكنه الرفض او التهرب عندما طلبت منه الجدة ولكنه وافق فقط من اجل جدته..
قال بسخرية وهو ينظر اليها من اعلى الى الاسفل"تبدين جميلة بهذه الملابس.."
رفعت رأسها مندهشة مما يقول هل حقا تبدو جميلة بنظره ام انه... لكن ما هذه النظرات الغريبة...
ثم احتنق وجهها غضبا عندما اكمل"لا اظن انكي كنتِ ترتدين مثل هذه الملابس وانتِ في المأوى.. من الجيد ان جدي قد وجدك.."
ماذا يقصد بكلامه انه من الجيد ان جدها قد وجدها؟!هل هذه الشفقة؟!هل يشفق على حالها؟!هل لانها يتيمة؟!ماذا يقصد..؟!ثم لماذا يذكرها بالمأوى..؟!
بلعت غصتها وهي تشيح وجهها لتلتقي نظراتها على ريم وهي تضحك بمرح مع رائد والذي يحاول قدر ما يستطيع ان ينسجم في هذا الجو الجديد....
"إلى متى..؟!"
نظرت اليه باستغراب"ماذ؟!"
اقترب منها اكثر وهمس"الى متى ستبقين تحت رداء البراءة هذا؟!.. في اي وقت سيظهر وجهك الحقيقي.."
ابتعدت عنه غير مصدقة ما يتفوه..فإن كان قد توقف عن النظرات الحادة والنارية فها قد بدأ يشن حربه بسلاح شديد سيدمرها بكل تأكيد ان لم تبتعد عنه. وبسرعة قبل ان ينتبه احد طوقت يداه خصرها النحيل من جديد وقال بصوت امر"لا تجعلي جدتي تغضب علي.. من اجلك..".. وبدآ يتمايلان على هذه الالحان الهادئة ببروده المعتاد و عيونها الحزينة

"خطة ذكية منكِ يا جدتي.."
التفتت الجدة الى رامي وقالت وهي تعاود الالتفات الى ما يقصد"لا تنظر الى مجد بقلبه القاسي الذي يظهره....وانا متأكدة انه بدأ باغلاق الماضي منذ ان رآها..وانه يضع وجه الشبه حجة حتى لا يخوض حباً جديداً"
ربما..ولكن هل يستطيع؟!

"جدتي!!..هل ارقص مع هذه او تلك..صدقيني احترت فكلهم جميلات.."
ضحكت الجدة"ارقص مع من تشاء سأذهب لأرى جدك.."
وابتسم بخبث و هو يفكر في شيء ما... ولفت انتباهه تلك الفتاة ذات الشعر الاحمر الناري وابتسم بسخرية"لا بأس بهذه اايضا.." وتقدم نحوها ليطلب منها الرقص الى ان مدت يدها له موافقة....

امااا عند الثنائي الجميل ريم ورائد..كانت ريم تحاول ان تسيطر على ارتباكها الذي يزيد مع كل حركة يتحركانها وهي تشعر بنظرات رائد الذي منذ ان بدآ الرقص موجهة نحوها..
قالت ريم بضجر"ألن تكف عن التحديق بي بهذا الشكل.."
"لا ذنب لي..فأنتِ جميلة..".. اثرت الصمت واكتفت بان اطرقت رأسها خجلا..... وعندما طال صمتها اردف وهو يقترب منها اكثر وبصوته الهامس"ان ازعجك ذلك فلن انظر... ولكن في المرة القادمة انظري الى المرآة لتتأكدي من كلامي......"
وساد الصمت لعدة لحظاات وفي هذا الجو الشاعري نادى عليها بصوته الرقيق"ريم.."
رفعت رأسها متسائلة.. ولكن ظهر على وجهه الارتباك وهو يتحدث مع نفسه"لا ايها الغبي..ثم انها عرفتك لعائلتها كصديقها..مستحيل ان تكون اي شي اخر بالنسبة لها.."..
ثم ابتسم وهو يقول"هذا يكفي لقد تعبت.."
ريم بخيبة امل وهي تبتعد معه عن ساحة الرقص"حسنا.."
ولم يكونا الوحيدين اللذان تخليا عن هذه الرقصة..
فها نحن نرى الثنائي مشحون المشاعر قد انسحبا ايضا.




لامارا 22-10-19 08:17 PM


//

" القمر والحب: عندما لا يتزايدان يتناقصان. "


(3)





يمشي بهدوئه المعتاد متوجهاً إلى كافيتريا الجامعة حتى يشرب كوباً من النسكافيه لعل وعسى أن يخف صداع رأسه من تلك المحاضرة المملة..
بعد حين، لاحظ ريم تجلس في أحد أركان هذه الكافيتريا ساندة رأسها على يديها المفرودتين، متكأه بكل تعبها على الطاولة،
مضى سريعاً يلاحق خطاه ثم مد يده بتردد ملحوظ على كتفها وقال بنبرة خوف: "ريم.. ريم..!!"
اهتز كيانها فوقفت مفزوعة.. وخصلات شعرها تناثرت بشكل عشوائي على وجهها مما جعلها تبدو بريئة المظهر في نظره.
قالت بصوت ناعس مليء بالغضب: "هذا أنت يا رائد.."
ثم اعتدلت في جلستها وعاودت ترتيب خصلات شعرها و استندت على يدها بتعب بعد أن فركت عيونها من شدة النعاس..
تحدث رائد بخوف بعد أن شاهد شحوب وجهها: "ما بالك تنامين هنا،، ولم وجهك شاحب هكذا "
تثاءبت ثم قالت: "كنت بجانب قمر طيلة الليل.."
أكملت وهي تأخذ كوباً من أحد الأكواب الكثيرة التي انتشرت على هذه الطاولة: "لقد كانت متعبة طيلة المساء.. لا أدري ما بها.. لها اسبوع على هذا الحال"
"هذا يعني منذ حفل الزفاف.."
اومأت ريم رأسها بحزن: "نعم.. كل ليلة تتصبب عرقا.. وتبدأ تهلوس بأشياء كثيرة من بينها تذكر اسم والدتها و امرأة أخرى.. ثم تستيقظ وهي تصرخ.."
وبحركة عفوية من رائد أخذ يربت على يديها وهو يقول بصوت حنون: "لا تقلقي سوف تتحسن.."

فقالت بسرعة وأبعدت يدها جراء لمسته: "آمل ذلك.."
أخذت تشرب القهوة من جديد مبعدة أنظارها عن هذا الكائن الذي يجعل الارتباك واضحاً على مظهرها.. و في هذه الأثناء انتبه رائد الى كمية أكواب القهوة الموجودة أمامه
فقال بصوت حاد: "ياا مجنونة.. هل شربتِ كل هذه الكمية من القهوة؟"
ريم بصوت متعب: "أجل.. وماذا أفعل أتت تعلم الامتحانات بعد أسبوع وهذا الأسبوع مهم.. ثم انني لا أستطيع ترك قمر.."
قال بلهجة ساخرة مازحة: "يا لطبيتك أيتها المجنونة.."
ابتسمت ريم بالرغم عنها "لوحدك مجنون..."
ثم اكملت بغرور: " ثم انني مشهورة بطيبتي اسأل اي احد هنا وسيقولون هذه الطيبة الحنونة ريم.."
"و مغرورة ايضا.. "
قالت بمرح: "هذه شهادة اعتز بها.."
وتبدلت كل ملامح السعادة إلى ضيق كبير بعد أن فجر رائد في وجهها سؤالاً شعرت تلك النبرة التي خرجت منه نبرة خائفة متلهفة لسماع اخبار من يسأل عنه: "ثم أين صديقتك امل..هل هي بخير؟!"
رفعت حاجبهاً بضيق، فلماذا يسأل عن صديقتها؟!هل يهتم لها؟! ولماذا يقلق اذا كانت بخير ام لا؟
اخذت اسئلة كثيرة تنهش عقلها وقلبها!!ولم تدرك ان رائد ينتظر اجابتها..
اجابته بعد ذاك بكل برود: "أجل بخير.."
وخرج منه سؤالا عفويا اخر "اذن لماذا لا تجلس معك..؟!"
قالت بنبرة حادة قليلاً: "هذه ارادتها،،ثم لماذا تسأل عنها كثيرا.."
نظر لها بغرابة عندما رأى تلك الحدة في صوتها: "لا شيء فقط لأنك متعبة جداً "
ثم نظر إلى ساعته وقال على مضض "سأذهب الى محاضرتي الان.. أراكِ لاحقاً "
نهض من مكانه اخذا دفاتره مبتعداً عنها وكادت ان ترفع صوتها لمناداته ولكنه للأسف ابتعد عنها ليسير خارج الكافيتريا متوجهة حيث محاضرته ولكن استوقفه صوت فتاة من خلفه...

***

أخذت تمسح على وجهها وشعرها الأسود المجعد وقلبها الذي انفطر على حال حفيدتها التي تستيقظ كل ليلة بعد رؤيتها ذلك الكابوس اللعين..
اخترقت ذاكرتها حديث الطبيبة النفسية التي أشرفت على حالة قمر منذ صغرها، فهي كانت تتعرض للكوابيس والأحلام المزعجة بين فترة وأخرى اعتماداً على حالتها النفسية في تلك الفترة،، وما زالت كذلك كلما تعرضت لحدثٍ يخدش راحتها النفسية..
بعد دقائق مسحت دمعة حارقة سالت على وجهها الذي كثرت تجعيداته و بدأت بصوتها الحنون تردد اسم قمر عدة مرات الى أن استيقظت بعد فترة لم تتجاوز الخمس دقائق.
ابتسمت بشحوب وهي ترى جدتها تغدق عليها الحنان وتلازمها مع ريم خلال هذا الأسبوع،.. يبدو أنها أثقلت عليهم الأمر وبدأت الكوابيس والأحلام المزعجة تطاردها من جديد.. لا شيء ينتهي معها، لا الأحلام ولا الواقع..
قالت بصوت واهن وهي تجلس: "صباح الخير.."
اشرقت شمس السعادة في وجه الجدة وهي ترى حفيدتها بحال افضل وان كان لا يسر خاطرها كثيراً ولكنها استجابت لها..فهي منذ اسبوع لا تتكلم مع احد
"هيا يا ابنتي.. لقد مللت لوحدي.."
تساءلت بغرابة فهي تعلم ان الجميع يذهب لأشغاله باستثناء مجد فهو ملازم غرفته او يجلس بالحديقة يقرأ الصحيفة اليومية ونادراً جدا ما يخرج،: "اين الجميع؟!"
اجابتها الجدة وهي تذهب نحو خزانتها وتخرج منها بعضاً من الثياب: "ريم الى الجامعة.. أما البقية الى الشركة.."
اومأت رأسها بهدوء ونهضت من فراشها متجهة نحو دورة المياه حتى تغسل وجهها ففتحت صنبور المياه ولكن و قبل ان تمد يدها حتى تغسل وجهها نظرت من خلال المرآة الى وجهها الشاحب وعلامات التعب والارهاق بادية عليه، عيونها العسلية مالت بلونها الى الاحمرار من شدة البكاء طوال الليل، اغلقت غيونها وتنهدت بتعب، ومع انثناءه جفنيها إلى الاعلى فتحت عيونها وتمثلت امامها بالمرآة صورة امرأة تلبس ثوبا اخضر..
فأخذت تفتح وتغلق عيناها بسرعة لمرات عدة لعل تلك الصورة تختفي...ولكن للأسف مازالت تلك الصورة متمثلة امامها.. وصوت اخذ صداه يتردد على مسامعها: "ماذا بك ياا عزيزتي.. ألم نتفق على ان تكوني قوية؟.."
اومأت برأسها والدموع بدأت تتجمع في عيونها.." هيا امسحي دموعك.. وانظري إن الجميع قد تعبوا وهم يهتمون بكِ في كل ليلة..." وابتسمت تلك الصورة الخيالية وكأنها حقا تراها وهي تمسح دموعها
"الجميع يحبك.. وإلا لما كانوا يهتمون بك هكذا.. أليس كذلك؟"
هزت رأسها بلا.. فكانت علامات التساؤل على وجه الصورة التي تراءت لقمر...فأكملت قمر بحزن "ليس الجميع.. فمجد يكرهني.."
وأتى صوتها الحنون قبل ان تختفي وكأن صوتها يخف تدريجياً كلما تلاشت صورتها شيئا فشيئا "لا ياا عزيزتي... انه ذو قلب طيب.. اعذريه فقلبه مكسور.. حاولي ان تصادقيه ستجديه طيب القلب... و اجعلي الابتسامة تملأ وجهك.."
تلاشت صورتها بعد ان قالت تلك الكلمات ،وكانت قمر تسيل دموعها بشدة كشلال يصب من بحيرة او كقطرات المطر الغزيرة في اشد الفصول برودة ..مع طرقات التي دوت في عقلها فأخذت اقدامها تسير بتثاقل غير آبهة بصنبور المياه الذي ما زالت مفتوحا الى الان.. ورمت بنفسها في حضن جدتها التي اخذتها بخوف الى صدرها وهي تهوي عليه بدموعها الحارقة وجعلت قلب جدتها ينتفض من الخوف على حفيدتها وشهقاتها المريعة اخذت تدوي كقنابل القت على مسامعها..
ومن بين دموعها وشهقاتها خرجت كلماتها التي تحمل سيوفاً من الحزن وجبالاً من الهم والمآسي.. وسنين من الشوق والعذاب "اريد ان تعود امي.. اشتقت اليها"

****

" لا شيء،.. " أجاب باقتضاب شديد
ثم اعاد سؤاله إلى مجد " لم تجبني، لماذا تسأل؟"
زفر مجد بحيرة ثم تحدث ممسكاً هاتفه بقوة " لا أدري،.. هناك شيء غريب "
عم الصمت من كلا الطرفين، ثم قال مجد " ابحث جيداً وان كان المأوى في باريس قد هدم منذ زمن، "
قاطعه صديقه " صدقني سوف أحاول، سأجد أي شيء يتعلق بها او بأحد كان يعمل هناك.."
التفت مجد الى رامي الذي دخل المكتب بدون اذن ورفع حاجبه ثم تحدث " أي شيء يا رافي يشير كيف تم الأمر، أي شيء.."
ثم اغلق هاتفه ووضعه جانباً، ونظر الى رامي مستفسراً.. فتحدث الاخير
" لا داعي لرافي، يمكنك سؤالي.. "
" عن ماذا؟ "
نظر اليه رامي نظرة ذات مغزى ثم وجه حديثه " كلنا نريد أن نعلم كيف وصلت الى هنا، او ربما جدك وجدتك يعلمان ولا يخبراننا.."
ابعد مجد وجهه عنه وانشغل بإحدى الملفات الموجودة على المكتب، واكمل رامي وهو يعلم انه ينثل عليه التجاهل " اياً كانت الطريقة التي وصلت بها الى هنا، فلا يهم حقاً.. فالاهم هو.."
وقف مجد وقال بجفاء " ولا يهم الحديث عنها او اي شيء يخصها.."
وتوجه حيث الباب، وصوت رامي من خلفه هامساً " لماذا تنكر.. وانت تسعى للوصول اليها ولكن بطريقة بشعة ؟ "
شد مجد على قبضته وهو يركب سيارته ثم اغلقها بقوة، قام بتعديل اتجاه مرآة السيارة واطلق زفيراً عميقاً،..
نظر الى صورته المنعكسة لبرهة، تأملها ملياً ورأى في نفسه تقلباته المستمرة، واستدرك احداث الايام الماضية ولا يعي أي شيء مما حصل وكيف حصل،.. كيف لا يضبط اعصابه. ولا يتحكم بها تتشابك الحقائق داخله وما يكون نقياً يراه ملوثاً، تنعطف اتجاهاته إليها ولا يدري كيف يكبح هذا الشعور داخله فيخرجه غاضباً، وكل ما يريده حتى انه لا يعلم ما يريد... وكأنه في متاهة الأفكار،.. يضيع المخرج دائما عنه ويسلك طريقاً آخر،..
نفث دخان صدره بعد ان اشعل سيجارته، ثم امسك هاتفه المحمول وكاد أن يرسل رسالة إلى رافي - الذي تحدث اليه منذ قليل- ، ولكنه تدارك نفسه ثم ألقاه جانباً،
واعاد زفيراً اقوى مما سبقه وسأل نفسه " لماذا حقاً تهتم بها،..؟ "

***

خرج من المحاضرة بعدما طرده الأستاذ من الدرس لكثرة انشغال فكره وشرود ذهنه بعد ان نبهه اكثر من مرة.. وما كان الذي يفكر به الا كلمات تلك الفتاة التي اوقفته على باب القاعة.. فالتفت ليرى امل صديقة ريم فاجابها ببرود: "اهلا امل ماذا تريدين؟!"
اجابت بثقة: "لا شيء.. كنت فقط أتساءل عن احوالك؟!"
"بخير.." اجابها بلا مبالاة وكان سيدخل الى القاعة الى ان اوقفته يداها التي امتدت لتمسك ذراعه فنزع ذراعه بحدة...
"اناا حقا اسفة.. لم اقصد لكن كنت سأخبرك بشيء"
رائد بجمود: "اجل تفضلي ولكن اسرعي ليس معي وقت كافي"
بدأت علامات المكر ترتسم على وجهها ولكن تصنعت الحزن: "تشاجرت مع ريم.." ثم توقفت عن الكلام وهي تنزل رأسها وتمسح دمعة كاذبة عن وجهها..
فقال في نفسه: "من اجل هكذا كانت منزعجة "..ثم وجه حديثه لها: "اجل.. ولماذا تخبرينني.."
"اريدك في خدمة صغيرة (ثم اكملت عندما رأت الحيرة على وجهه)..اريدك ان تتوسط لي لعلها تسامحني ثم وانها لن ترفض لك مطلبك ولن تظهر شخصيتها الحقيقية امامك....."
نظر اليها بعدم فهم...فتساءل بصوت خافت "ماذا تقصدين بشخصيتها الحقيقية؟!"
واخذت كلماتها التي اخرجتها من دون شفقة تفتح جرحاً حاداً و عميقاً في قلب رائد البسيط رقيق المشاعر الذي تؤذيه كلمة بسيطة تشير الى فقره وحياته البسيطة "نعم ألست فقير.. لأجل ذلك !!هي صادقتك ظنا منها انك غني فشاب بسماتك لا تستطيع افلاته من يدها.. ثم انها عندما علمت انك فقير بدأت تشفق على حالك.. وهي لن تستطيع ان ترد اي طلب من طلباتك..." وشهقت بقوة وكأنها اخبرته بما لا يجب.. ثم بدأت تعتذر منه "لا انا.. اسفة.. حقا..." ولم تكمل كلامها اذ انها سمعت رده الذي فاجئها "هل تظنيني احمقا حتى أصدق مثل هذه التفاهات.. ثم وان كانت مثلما تقولين لتركتني منذ ان تعارفنا.. "ثم اقتربت منه لتهمس في اذنه ولكنه ابعدها عنه كشيء قذر علق بملابسه " ولست بما يجب لتكوني صديقة حقيقية.. " و دخل الى القاعة بعد تلك الكلمات التي سمعها والتي طعنت قلبه بسكين حاد الاطراف وجعلته ينزف بصمت...

اما هي فقد أخرجت هاتفها وبدأت تعبث به ترسل لاحدهم رسالة محتواها "لقد فشلت معه.. وسأحاول من جديد .."
ورسمت ابتسامة على وجهها وهي تمضي في طريقها..


كانت تسير بتثاقل الى ناحية قاعته تريد الاعتذار منه بسبب حدتها بالرغم انها رأته يتحدث الى أمل قبل ان يدخل الى القاعة.. ولكنها تقر وتعترف في نفسها انه طيب القلب وبسبب طيبة قلبه سأل عنها ليس إلا؟!.. وتدرك أخلاقه النبيلة ثم انها عايشته منذ عدة شهور ولم ترى منه اي تصرف غير لائق.. أمالت رأسها بتعب وهي تحاول ان تسيطر على تعبها كي لا تقع مغشية عليها بسبب الارهاق الذي حل بها...وعاودت المسير بخطى بطيئة ولكن عيناها أبت ان لا تلتقط صورة محبوبها والذي كان يقف سانداً رأسه على الحائط مغلقا عينيه بتعب.. فاقتربت منه بأطراف متوترة وهي تستغرب حاله هكذا ربما حصل لوالدته مكروها ما.. فتمنت من قلبها ان لا يكون الذي فكرت به صحيحا..
"رائد..هل هناك شيء؟!"
فتح عينيه بضيق وهو يرى صورتها امامه وقال "لا شيء.. فقد لازمني الصداع لدقائق.."
تنهدت براحة.. ولكن يبدو عليه الضيق والحزن؟!
"ماذا تفعلين هنا.. لماذا لم تذهبي الى المنزل؟!"
اجابته باحراج: "اردت ان اعتذر منك قبل ان اغادر.. بسبب ،، عندما صرخت في وجهك.."
خرج صوته باردا بغير المعتاد "لا بأس"
نظرت اليه بحيرة ما باله.. يبدو انه ما زال منزعجا ، هل لأني تكلمت معه بحدة!! ولكن ما ذنبي فان كان يظهر خوفه على امل.. ألا يجب ان اغار..؟! انه حبيبي؟!
وتوردت وجنتاها بحمرة خفيفة وهي تردد في عقلها كلمة حبيبي..؟!..نعم حبيبي الذي قلبي ينبض باسمه ملايين المرات.. وعيناي تموت شوقا لرؤية طيفه.. وابتسامتي التي تشق طريقها عند رؤيته.. وضربات قلبي التي...
ابتسامتها البلهاء جعلته يبتسم أيضا فقال مازحاً وهو يهم بالمغادرة: "حسنا ان كنتِ ستقفين هنا مدة طويلة تنظرين الى الحائط فسأذهب انا؟!"
رفعت حاجبيها وامسكت مرفقه حتى تمنعه من الذهاب، ثم سارا سوياً رائد مقطب الجبين تجتاحه علامات الحيرة والتردد وريم الصامتة ظناً منها أنه ما زال منزعجاً..
بددت الصمت الذي بينهما و قالت بهدوء: "ما رأيك ان اوصلك بطريقي؟!"
حك جبينه وقال بهدوء وبشكل أقرب للتعامل الرسمي " لا شكرا.."
نظرت إليه بتقوس فم ثم أردف معقباً: "انت تعلمين طريق منزلي الوعر.. فستحتاجين شهرا كاملا لإصلاح سيارتك... كما أن جيداء تشتكي من الطريق و"
همهمت بانزعاج " ولكن أنا ريم ولست جيداء "
نظر اليها بقلة حيلة ثم رفع خصلة من شعرها وقال " أنتِ الريم، ولكن حقاً لا داعي لذلك.. كما أن هنالك من ينتظرني "
اوأمت بابتسامة مصطنعة " حسنا كما تريد.."

ابتسم لها ثم لوح بيده مغادراً، وحالما ابتعد شقت طريقها الى موقف السيارات حيث ركنت سيارتها الحمراء هناك صباحا... فتستقلها ثم تبدأ رحلة عودتها الى المنزل والتي لم تستغرق وقتاً طويلاً فسرعان ما وصلت...
وترجلت من سيارتها متوجهة الى الطابق الاعلى حيث تقبع غرفتها غير مكترثة بنداءات والدتها والتي تبدو على عجلة من امرها .... مما جعل الاخيرة تهز كتفيها بلا مبالاة ثم تأخذ حقيبتها البيضاء وتتوجه نحو مركز التجميل امام نظرات الجدة المستنكرة وعيون قمر الحزينة المتسائلة....

عاودت قمر بنظراتها الى جدتها وهي تغزل تلك القطعة الصوفية لجدها ذات اللون البني الجميل...الذي يميل الى لون القهوة اللذيذة...فابتسمت ابتسامة كانت نابعة من قلبها وهي ترى تلك العجوز تهتم بزوجها والتي افنت حياتها معه بحلوها ومرها الى ان وصلت الى هذا العمر ويبدو من ملامحها تعب السنين التي تلونت على وجهها المجعد ،، واخذت تتخيل لو ان والدتها لم تفارق الحياة ،، ستكون هي ايضاً مثل جدتها تغزل ملابس صوفية لها ولوالدها،، يعيشون في بيت واحد مليء بالمحبة والاشياء الجميلة .. ولتبديد الحزن الذي في داخلها خطرت على بالها فكرة فابتسمت بهدوء ثم قالت: "جدتي اريد ان اطلب منكِ طلباً صغيراً.." واخذت تشير بإصبعيها السبابة والابهام وتقربهما من بعضهما اشارة لطلبها الصغير..
ابتسمت الجدة وهي تركز بنظرها على قطعتها الصوفية "اطلبي ما تشائين.. فان طلبتي عيوني سأهبها لك"
قمر باحراج: "انت قد رأيتِ رسوماتي الصغيرة في احد الدروج.. أليس كذلك؟!"
اومأت الجدة رأسها... فأكملت قمر: "ولكن تلك الرسومات بقلم الرصاص لا يوجد لها معنى للحياة اذ هي باهتة.. اريد ان اشتري لوازم رسم حتى تكون الرسومات تعبر عن شيء معين... ان لم يزعجك ذلك؟!"
ابتسمت الجدة "حسنا.. ولكن اولا اريد منكِ ان تذهبي الى ريم فهي لا تبدو على ما يرام"
اجابت بحماس وهي تقفز من مكانها متجهة الى غرفة ريم "حسنا..".. وفي اثناء سيرها وبسبب حماسها و سعادتها لم تنتبه الى ذلك الجسد الضخم الذي يعتلي البرود وجهه و الذي اصطدمت به من دون وعي وادراك منها.. وبسبب قوته الكبيرة وجسدها النحيل الضعيف ترنحت الى الوراء قليلا وكادت ان تسقط ولكنها استجمعت نفسها في اللحظة الاخيرة لتقف وهي تشعر ببعض الدوار ،، و حاولت جاهداً ان لا تظهر ذلك امامه وان كانت لا تستطيع ان ترى تعابير وجهه وهي مطأطأة رأسها وتمتمت بعبارات الاسف بخفوت وولت مدبرة حيث ريم...
فقال بغضب موجهاً حديثه الى جدته "اخبري حفيدتك تلك ان تنتبه على خطاها. "
نظرت اليه الجدة نظرة لوم وعتاب ثم قالت بعد ان وضعت مشغولتها الصوفية جانباً " و انت انتبه على ملافظك ايضاً.. "
شعر بالذنب وهو يلاحظ نبرة اللوم من لسان جدته فتقدم نحوها وقبل جبينها " اعذريني ،، لم أقصد أن أرفع صوتي.. "
نظرت اليه نظرة ذات مغزى فهو المسئول الوحيد عما حصل مع قمر ..
"لماذا تنظرين لي هكذا ؟!" تساءل مجد..
قالت ببرود لم يعتده " لا لشيء محدد ،،فقط يجب عليك ان تتنبه انت لألفاظك.. فليس كل ما يقال للانثى هين.. وان كانت قمر بالذات.."
"ماذا تقصدين ؟!"
عاودت امساك مشغولتها الصوفية " كل ما اطلبه منك.. هو ان تتجاهل وجودها على الاقل .. و كفاك النظر اليها على انها محبوبتك القديمة.. "
" ليس كما تظنين يا جدتي.." تحدث من أعماقه..
" أنظر يا مجد، قمر ليست كباقي الفتيات، ليست قوية بما يكفي حتى تتحمل كل شيء.. حتى وان كانت تعدت التاسعة من عمرها ولكن قلبها ما زال هناك مجروحاً حزيناً.."
رفع مجد حاجبه بضيق " أنتِ تعلمين كل شيء وكيف أنها وصلت للمأوى؟"
تجاهلت سؤاله ثم قالت: " تجهز لأنك ستوصل قمر الى أحد متاجر.. "
قاطعها " ولكن يا جدتي.."
*****

طرقت على باب غرفتها عدة مرات الى ان سمعت صوت ريم يأذن لها بالدخول...كانت تجلس على سريرها وهي ممسكة بهاتفها المحمول بعد ان انتهت لتوها محادثتها مع أمل والتي غرست فيها بعضاً من العبارات الغير الراضية عن رائد ..
رسمت على وجهها الابتسامة عند دخول قمر اليها.
"ماا بها اميرة جدي العظيمة.. تتواضع وتأتي الى غرفتي؟!.."
ضحكت قمر على تعليق ريم المازح فبادرتها ريم بابتسامة شاحبة...
"ريم ماذا بكِ ؟!" تساءلت قمر..
تنهدت ريم واسندت رأسها على وسادتها متمدةً على سريرها البني.. واجابت بهدوء "لا شيء"
"ممم..اذن لماذا يبدو عليك التعب والارهاق..؟!"
وضعت ريم يدها على رأسها واجابت "من محاضرات الجامعة..كم هي متعبة!!"
هزت قمر رأسها وقالت " كل شيء سوف يتحسن.."
ابتسمت ريم " أحتاج القليل من الراحة ثم بعدها أسبب صداعاً لرأسك على ما حل بي.. أنت فقط لا تحزني بسببي.."

اومأت قمر رأسها بتفهم " لا عليكِ، ان كنتِ تريدين اي شيء فانا بالأسفل خذي قسطاً كافيا من الراحة"
وبعد خروج قمر من غرفتها مسحت ريم دموعا جرت مجراها على وجنتيها وأخذت تنظر الى سقف غرفتها بحزن
***

اطرقت رأسها بضيق وهي تخرج متجهمة الوجه تسير بجانبه مكرهة كانت قد وعدت نفسها ان لا تحتك به...ولكن لانها طلبت من جدتها الذهاب لشراء المعدات وبسبب عدم وجود السائق اضطرت للذهاب معه في هذه الرحلة الطويلة.. هي ليست برحلة لانها ستذهب لشراء المعدات من احدى المتاجر ولكن اسمتها رحلة طويلة شاقة لانها ستكون بجواره خاصة انه امرها بالجلوس بالمقعد الذي بجوار السائق.. حيث قال لها بتهكم "اناا لست بسائقك.. اجلسي بالمقعد الامامي.."
اذعنت لأمره مجبرة فهي لا تريد ان تتجادل معه الان يكفيها ما حل لها بسببه ليلة الزفاف...تنهدت بألم وهي تغلق باب السيارة واسندت جسدها على الكرسي الجلدي الاسود وهي تفكر بحالها وماذا ستحمل لها السنين من مفاجئات في هذه المدينة ....وهل سيعود الفرح يفتح لها بابه الذي اغلقه منذ سنين؟!،،ام سيبقى موصدا ابوابه بقوة ليجعلها حبيسة بين جدران الالم والحزن؟!...اما هو فاكتفى بان يلقي عليها نظرات جانبية بين الحين والاخر وملامح الضيق بادية على وجهه خاصة، وسؤال وحيد يتبادر إلى ذهنه كيف وصلت من باريس إلى هنا؟... ثم بعد ذاك لمح دمعة يتيمة تمسحها من على وجنتيها الناعمتين..
فخرج من فمه سؤال ويا ليته لم يسألها اي شيء واكتفى بالصمت "قمر.. هل انتِ بخير؟!"
هذه اول مرة ينطق اسمها.. ويسأل عن حالها؟!ماذا يريد الان؟!انا لا اريد شفقته تلك..لا اريدها... فهزت رأسها نفيا واكتفت بان اشاحت وجهها وأخذت تجول بذاكرتها تلك الكلمات
" (تحاول جاهدا توثيق العلاقة بينكما.."
"لما رقصت مع ذات الشعر المجعد.."
"أتشفق عليها ؟!" )
لتخرج شهقة عالية من بعد هذا السؤال الخبيث وأخذ صدى صوت شهقتها يرن في ذهنها الى ان قالت بصوت خافت ادراكاً منها انه لم يسمعها ولكن سمعها تقول تلك الكلمات التي جعلت وجهه يكتسي البرود والجمود "لا اريد شفقته.." ولكن اجابها وعينيه على الطريق ويداه التي امسكتا المقود بقوة "انا لا اشفق على حالك، أنا فقط.." كظم غيظه وازدادت قبضته على المقود..
وبرغم الالم الذي كان يعتصر كل كلمة قالتها كان الالم قد غزا جسده من تلك الكلمات التي تلتها بعدما عاودت والتفتت ناحيته "اجل تشفق علي.. هل الذي تفعله ليس بشفقة؟!"
آثر الصمت وهو يتذكر تلك الليلة وتلك الكلمات التي تشبهها والتي خرجت من فم رامي.. ولكن فاجئته بقولها "الصمت دليل الموافقة.. فقد آثرت الصمت المرة الاولى وهذه المرة ايضا.. وهذه حقيقة لا يمكن تغييرها.."
واعادت بصرها بقهر حيث النافذة فاغلقت عينيها الحزينتين وهي تشعر بنسمات الهواء الباردة تلفح وجنتيها وهي تمنع تلك الدموع التي بدأت بالتجمع .. ولحسن الحظ تغلبت عليها فهي لا تريد ان تبكي ليس فقط من اجل امها التي تظهر لهاا كل حين تشد من ازرها وتحاول بحنانها الذي فقدته قمر ان توسع صدرها وتعاهدها بعدم البكاء وان كانت تنقض بعهدها...فهي لا تريد ان تبكي امام هذا الشخص الذي يتمثل بالبرود كالجسد الصلب.. كتمثال يقف شامخا قويا لا يهزه شيء في احد اركان المنزل .. ولا تدري كم من الوقت قد مر عليها عندما وقفت سيارته السوداء معلنه عن الوصول الى المكان المقصود ... ترجلت من السيارة وهي تمسك بحقيبتها مبتعدة عن ذو العيون الرمادية الذي كان ينظر اليها بحيرة.. وقال في نفسه ولكن بصوت مسموع "هل يمكن ان تكون قد سمعتنا تلك الليلة..؟!"..ثم اسند رأسه بتعب وقهر على مقود السيارة وهو يتذكر ليلة الحفل عندما خرج من تلك الحديقة التي اقيم بها الحفل الزفاف.. وتبعده قدماه الى حديقة اخرى يعمها الهدوء والسكينة والانوار البيضاء الخافتة ثم اخرج علبة من السجائر وأخذ واحدة وبدأ بنفث دخانها مرة تلو الاخرة ناظراً الى الفراغ.. لا يريد ان يفكر بشيء.. يريد ان يخرج كل تلك الافكار و المشاعر التي اخذت طريقها الى قلبه الاسود الذي انغلق بسلاسل سوداء تسجنه وتبعده عن الجميع.... ولم ينتبه على ذلك الذي اقترب من المكان الا عندما جلس بجانبه وآثر الصمت لأنه لا يريد ان يعيره اي اهتمام فقد فضح سره...
زفر بحرارة وهو يرمي تلك السيجارة التي انتهت من يده قبل ان يتساءل رامي الذي بجواره
"ماذا تفعل هنا لوحدك؟!"
لم يجبه وفتح علبة السجائر من جديد ليخرج منها سيجارة اخرى وقبل ان يبدأ باستخدامها خطفته منها تلك اليد الغليظة..
"ماذا تفعل بنفسك يااا احمق.. سوف تدمر صحتك بسبب هذا الهراء..؟!"
تساءل مجد ببروده المعتاد "أتهمك صحتي..؟!"
اجابه "ومن لي غيرك، أخ وصديق ؟"
ابتسم ابتسامة ساخرة ثم قال بتهكم "صديق وأخ؟!"
اومأ رأسه فاكمل مجد وهو يقف في مكانه وقال بحدة " الصديق أو الأخ كما تقول الذي اخبره بأهم اسراري.. واعتمد عليه و أثق به.. واذ ارى ان تلك الاسرار قد خرجت من ذلك البئر.."
صمت ولم يجب.. وما كان من مجد الا ان صرخ بصوت أعلى من ذي قبل "هااا.. اخبرني هيااا؟!ام ان القط قد أكل لسانك؟!"
اجابه وكأنه مغلوب على امره "ليس ذنبي ..فقد اجبرتني جدتي على ان افسر لها تبدل حالك، أنت لا ترى نفسك.. .."
لوى فمه بسخرية وهو يحاول ان يقتنع بكلامه وبدأ يأخذ نفسا ويخرجه مرات متعددة ثم قال بعد صمت طال لمدة عشر دقائق "حقاا؟!." ثم صرخ بأعلى صوته وهو يسحبه من ياقته "كان عليك ان تبرر ذلك التغير بأي شيء ..الملل، الضجر..او اي شيء...(وابعد يده وهو يدفعه)ام ان الخياانة من دمك..؟!"
اجابه رامي بقهر "ألست معتادا على ان تتعرض للخيانة" وكأنه يلمح على الفتاة الفرنسية التي تدعى جيني والتي تزوجت شخصا اخر وتركته بقلب مكسور،،من ومتى سيجبره الزمان؟؟ فهو لا يعلم.....
ما كان من مجد الا ان اشتاظ غضبااا وزفر بحرارة وهو يدور حول رامي الذي لمعت عيونه وهو ينظر نحو شيء ما ثم اكمل وهو يبتسم بمكر "ثم لماذا رقصت مع قمر..؟!"
نظر اليه مجد بحيرة فماا شأن قمر بهذه المسألة "وما شأنك.. ثم نحن لا نتحدث عن الرقصة!!"
"اعلم..الا ترى ان جدتي تحااول جاهدا توثيق العلاقة بينكما..؟"
ازاح مجد وجهه نحو تلك البركة التي انعكست على مياهها صورة القمر المضيء ..ولا يدري لماذا دارت في ذاكرته تلك الصورة البريئة لها ...ثم اعاد نظراته المندهشة عندمااا اخرج رامي تلك الكلمات الخبيثة من فمه "لولا جدتي..لماا رقصت معها،... ذات الشعر المجعد..". ثم تساءل عندما شعر انه ادخل هدفه في شباك المرمى "أتشفق عليها ؟!"
صمت مجد من القهر والضيق...فكيف يكون هذا رامي الذي تواعدا فيما بينهما من الصغر على الصداقة والوفاء وان يكونا سنداً لبعضهما في هذه الحياة القاسية،،كيف تبدل حاله هذا بمجرد مرور سنين على علاقتهما الاخوية فكان الجميع يضرب الأمثال لتلك العلاقة التي بينهما..فإن كان يذكر اسم احدهمااا يقرن اسمه بالآخر ولا يتواجدا إلا معا حيث كانا بنظر الآخرين اخوة من دم واحد وليسا مجرد ابناء عم......وتوقفت ذاكرته هنااا عندماا سمع باب السيارة الخلفي يفتح ثم يغلق... زفر بحرارة وقد اعتلاه الضيق وهو يفكر بانهاا قد جلست في المقاعد الخلفية فرفع رأسه بحدة ولكن....
***


كانت تسير بكل راحة وسعادة، تختار ما يلزمها من الالوان والاقلام ومعدات الرسم الاخرى الموضوعة على رفوف خشبية تتوسط ذلك المحل الذي زينت جدرانه بألوان مختلفة أعطته طابعاً بسيطاً يدل على الذوق الرفيع.. و بكل ركن من أركان المحل يوجد معدات مختلفة مرتبه في مجموعات متماثلة...كانت تختار الأدوات بعناية شديدة كماا تعلمت من صديقتها في مأوى الايتاام ...لقد مر الوقت بسرعة لم تلحظها ابدا..فعندماا رأت راحتها بهذا المكان الجميل لم تعر الوقت انتبااها.. اخذت احتياجاتها وهي تدفع الى البائع ثمن تلك المعدات .. وشهقت بقوة وهي تنظر الى ساعتها وبدى لها انها تأخرت كثيراً .. مؤكد انه ذهب ولم يعرها اي اهتماام..ولكن كيف يذهب ويتركها هنا وهي لا تعلم طريق العودة الى المنزل..تملكها الخوف للحظة وهي تسير مسرعة تحمل عدداً من الاكياس التي تبدو ثقيلة بعض الشيء... ومن خلفها البائع الذي كان يحمل شيئا كبيراً بكلتا يديه
تنهدت براحة وهي ترى سيارته ما زالت مركونة فاصبحت تمشي بهدوء باتجاه السيارة لتفتح بابها الخلفي وتضع الاكياس ثم ساعدت البائع في ان يدخل ما كان يحمله، شكرته باقتضاب و اتجهت بعدها الى حيث الباب الامامي لتجلس عليه.. وقبل ان تمسك يداها الباب لتغلقه رفع رأسه بحدة وعلى وجهه علامات الغضب مما جعلها تغلق الباب بسرعة واعتذرت منه..
ابتسم بهدوء وهو يراها على هذا الحال، كيف عتذر كطفلة صغيرة اقترفت ذنباً ما وبدى عليه الوجه مألوفا بعض الشيء وهم بقول شيء ماا ولكن اتضح له فيما بعد ان ذلك الوجه المألوف لم يكن وجه معذبته جيني بل كان وجه قمر البريء التي كانت تنظر الى بحر عيونه الحزينة الضائعة بارتباك وحيرة.. ولكن لماذا تتمثل صورة معذبته في وجهها الملائكي؟!
أعاد تشغيل سيارته وهو ينظر الى الطريق امامه وقبل ان ينطلقا في رحلة العودة نطقت كلماتها بهدوء فصورة امها الخيالية قد قالت لهاا ان تصادقه فستجد قلبه طيبا.. وحتى وان كانت صورة والدتها من محض الخيال لتستمتع بها وبحنانها الذي افتقدته ولتنفذ اوامرها فلا مانع لديها ان فتحت صفحة جديدة معه بعيدا عن حرب العيون تلك..
"لا بأس ان شاركنا احداا همومنا واخرجنا ما بداخلنا."
ظلت عيونها محدقة به لعلها تجد رداً منه غير تلك العيون الحادة التي يوجهها لها ولكن لم يكن هناك أي جواب منه أو حتى تلك النظرات الحارقة...اماا هو فاكتفى بأن انطلق بسيارته برغم اندهاشه منها ومن الكلمات التي اخرجتهاا والقى نظرة جانبية عليها ولكن وجهها كان عادياً لا ملامح ضيق او حزن ،، هذا يعني انها احتفظت بتعابير وجهها ثم ازدردت لعابها بخيبة أمل والتفتت حيث النافذة لتتأمل طبيعة هذه المدينة...
وبرغم قلة معرفتها بطرق وشوارع المدينة إلا انها تعلم ان هذا الطريق ليس بطريق العودة ولكن لم تعر الامر اهتماماً كثيراً فمن الممكن ان يكون هذا الطريق الذي سلكه مجد طريقا اخر...فكل الطرق تؤدي الى قصرناا...
هكذا قالت في عقلها وهي تطرق رأسها وتعبث بخصلات شعرها بشرود..



لامارا 23-10-19 06:48 PM


//


" لم تكن القسوة في حديثنا، ولكن بتلك الحدود التي وضعت كسياج يفصل ما بين القول والشعور..، "



(4)






ابتسمت بهدوء وهي تقلب صفحات مجلةٍ تحتوي في طياتها أخباراً عن الجمال والموضة.. وبيدها الأخرى كوباً من القهوة المرة أعدتها لنفسها ولريم، خاصة عندما رأتها منهمكة في الدراسة واضعة رأسها بين كتبها الجامعية..
تمعنتها بهدوء شديد ولمع في عينيها بريق من الحزن، وهي ترى أن حلماً صغيراً قد ضاع بسبب طفولتها المريرة..، فقد كانت تحلم بأن تصبح مديرة أعمال يلمع صيتها في كل بلد.. يذكرها الناس بحسن إدارتها وجدارتها.. ولكن ذلك الحلم البسيط قد انتهكه القدر ولم يكن بمقدورها التعلم فلم يسمح لمأوى الايتام أن يتكفل بتعليمها الجامعي وما كان منها حينها بعد أن لم تطاوعها نفسها على الخروج الى عالمعا أصرت أن تعمل في المأوى التي تربت به.. واثناء معيشتها وعملهاا هناك تعلمت مهارة الرسم وطورتها،...



فيما بعد، لاحظت أنها وصلت الى آخر صفحات المجلة، وقفت ثم توجهت حيث النافذة المطلة على الحديقة المكسوة باللون الاخضر ولون الورود الحمراء.. ثم راح فكرها الى ذلك اليوم،..

اتسعت ابتسامتها وهي تعود لما وراء أيامِ قليلة، عندما ذهبت برفقة مجد لشراء معدات الرسم ... وبعد ان انتهت من شراء ما يلزمهاا... عادت بادراجها نحو سيارته.. ثم ينطلقا برحلة العودة بعد شبه حديث قصير دار بينهما.. والصمت فرد جناحيه في تلك السيارة ..
( أغمضت عيونها المليئة بالدموع بألم.. حتى تغوص داخل بحر آلامها بصمت موحش.. ولا تدري كم من الوقت مضى حتى سمعت صوته الجااف وكأنه يأتي من الأعماق قائلاً: "لقد وصلنا.."
رفعت عيونها الحمراء الدامعة وتحولت بعدها الى عيون دامعة مندهشة، فقد كانت السيارة مركونة بجانب الشاطئ .. بمنطقة جزئية منه بعيدة عن الاخرين يشعر القادم اليه براحة كبيرة..
مسحت دموعها بظاهر يدها اليمنى امام نظراته المستغربة.. ثم لاحت شبه ابتسامة شاحبة على وجهها البريء..
تحدث بهدوء " سيكون هذا المكان جيداً.."
صمت لثوانٍ معدودة وقال بعدها " لكِ..ؤ
نظرت أليه بغرابة ثم ترجل من سيارته وخطا خطواته بعيدا عنها..، حتى تخلصت من تفاجؤها وتبعته بعدها..

شعر بوجودها تأتي من خلفه واطلق تنهيدة تعبر عن التعب الداخلي به.. ثم جلس على صخرة كبيرة وخلع عنه قميصه الازرق مكتفيا بما يرتدي اسفله من بلوزة بيضاء اللون..
يتأمل جمال البحر الازرق شارداً ذهنه يعبث في حبات الرمل الشقراء بعصى بنية.. ولكن قطع عليه هذا التأمل..، صوتها..
"جميل هذا المكان هل تأتي دائما الى هنا؟!"
أخذ نفساً عميقاً ثم أجابها ببروده المعتاد "كثيرا.."
لوت شفتيها بضيق وخلعت عنها حذائها ووضعته جانبا ثم بدأت تسير باقدامها بكل حرية على الرمل.. كانت أشبه بعصفور سجين انطلق لتوه من قفصه حتى يعيش حياته بحرية، بل وكانت اشبه بفتاة صغيرة بريئة وكأنها للمرة الاولى ترى جمال الطبيعة...... )

****
وقف يتأمل بيته المليء بشموع انارت ليلته الماضية، ثم سار بعد أن اغلق الباب وتنهد بتعبٍ ملقياً اكياساً من الخضار والفواكة وبعض مستلزمات المطبخ،..
خلع سترته السوداء ثم دلف إلى غرفة للإطمئنان على والدته، فرآها على حالها د ما زالت تعاني من حرارتها المرتفعة وكمادات الماء البارد موضوعة على جبينها.. جسدها النحيل الذي يرفض اغلب انواع الطعام.. واخته الصغيرة تعاني من الان ذلك الهم الكبير الذي لا يتناسب مع عمرها، ففتاة مثلها تكون تلعب وتلهو مع اصدقائها... اما هي فتجلس بين كتبها تارة تدرس وتارة اخرى تضع تلك الكمادات....
قاطع نظراته الضعيفة الحزينة رنين هاتفه،
همس متقدماً باتجاه الصوت " لا بد أنها ريم، قلقة.."
وأصاب حدسه عندما رأى اسمها يضيء على الشاشة،..

"مرحباا..ما اخباارك؟!"
جاءه صوتها كعادته مرحا سعيدا ولكن بنبرة خوف وقلق..جعله يبتسم من اعماق قلبه للحياة التي بعثت له لتعوضه عن كل شيء
"اهلاا ريم.."
تسائلت بقلق "اين انت..هاتفك مغلق منذ يومين؟!.."
اجاب بعد ان تمدد على تلك الكنبة القديمة وهو يبتسم "بسبب انقطاع الكهرباء ..وهاتفي كان مغلق بسبب فراغ بطاريته.."
ثم اكمل بمزاحه المعتاد "لا بد انك اشتقتِ الي.."
اجابت في نفسها "اجل..اشتقت كحجم سماء الدنياا يا غبي" ولكنها ردت مازحة "ولم اشتاق؟! ..وانا بين كتبي ادرس..ثم اتصالي ليس شوقا.."
اكمل عنها "بل لانكِ تريدين خدمة ما.. هيا اخبريني يا كسولة ما هو الامر المهم الذي تحتاجين لمساعدة البطل المغوار به؟!.."
نهضت من مكانها متجهة خارج الصالة ثم قالت بسخرية "حسنا ايها البطل المغوار برغم انني ازعجتك ذلك اليوم سأقول انا متأسفة.. "
تنهد بتعب وهو يعود بذاكرته الى ذلك اليوم ثم قال بكلام صادق "بل انا الذي أتأسف بسبب تصرفي الغبي ولكن "
" ولكن ماذا!!"
" بشأن ذلك اليوم !! هل تحدثت مع صديقتك أمل !!"
قالت باستغراب و غيرة " لماذا ؟!"
أخذ يدخل يده بين خصلات شعره المتناثرة بارتباك " اعني انه .. "
قالت بنفاذ صبر " رائد هيا تكلم !! "
" أراها مغرورة بعض الشيء.. و لا تجالس أحداً.. بعكسك تماماً انتما مختلفتان !! "
أجابته بتفكير " ربما .. افكارها وسلوكها مختلف عني قليلاً... " اكملت بعد أن أخذت نفساً عميقاً وهي تتذكر العبارات التي تبثها عنه " ولكنها صديقتي منذ الطفولة برغم تفكيرها الغريب.. "
" اذا احذري منها .. وحاولي ان لا تنجذبي لأفكارها كثيراً.."
" لا تقلق بحيال هذا.. مع انها صديقتي ولكنني أراها تهتم بجمالها والمظاهر أكثر من كل شيء وانا لست كذلك،، ولكنها طيبة !!"
قال بصوت خافت " لو أنها طيبة لما كانت فعلت ما فعلته في ذلك اليوم.. "
" وماذا به ذلك اليوم.. أما زلت منزعجاً !!" تساءلت بحزن.. فيجيبها بعد أن ضرب رأسه " لا ليس هذا ،،فقد قابلتها وقالت انكما متشاجرتان.." وأكمل عندما صمتت " انت من عليك مسامحتي"
ثم بسخرية "لقد كنت خائفاً على سيارتك.."
ضحكت باستخاف ثم قالت بجدية "بعيدا عن المزاح قليلا..اريدك بشيء مهم.."
تسائل بقلق "وماا هو ؟!"
اكملت بضيق "انت تعلم ان الغد اول اختبار لي وهذه المادة اهملتها جدا اريدك..."
قاطعها مقلدا نبرتها بنعومة "اريدك ان تساعدني في حل بعض المسائل..ارجوك عزيزي رائد..ساشتري لك الشوكولاتة.."
ضحكت ريم ثم قالت وهي تأخذ بعضا من الاوراق التي توجد على مكتبها وتتوجه خارج الغرفة "دائما هكذا تسخر مني..ولكن اناا لا اتحدث هكذا.."
قال بمرح وهو يحك رأسه "اذن من الذي يتكلم هكذا.."
صرخت به "راائد..."
"حسنا حسنا..سابدل ملابسي واعطي الدواء لامي واعود لاتحدث اليكِ ولا تنسي الشوكلاتة غدا.." اجابها وهو يعتدل في جلسته
ابتسمت ريم و قالت بامتنان "شكرا لك ياا قل..." وبترت عبارتها بحرج ثم اكملت بسرعة "هيا علي الذهاب الان الى اللقاء.."


اغلقت هاتفها وتضمه فيما بعد ناحية صدرها..والذي يحتوي بين اضلعه تلك العضلة التي تزايد عدد مرات انقباضها ...وعلى محياها ابتسامة خجلة وهي تشعر باناملها ترتجف من الخجل والاحراج..كانت لثانية واحدة ستخبره بانه قلبها حياتها وعمرها الذي لن تستطيع العيش بدونه ...ولكن أليس مبكرا في ان تعترف له بمشاعرها قبل ان يعترف هو؟!... تنهدت تنهيدو طويلة وقالت بصوت عالٍ وهي تجتذب كتبها "ولكن متى يحين ذلك الوقت؟"...

وما زالت قمر في الصالة شاردة الذهن في ذلك اليوم، بل في ذلك الرجل الحديدي البارد - هكذا اسمته - وضحكت على ذلك المسمى واكملت مشوار ذكرياتها...

كانت اشبه بفتاة صغيرة بريئة وكأنها للمرة الاولى ترى جمال الطبيعة، تدور حول نفسها بمرح امام نظراته الفرحة الحزينة في نفس الوقت وابتسامته التي شقت طريقها على وجهه عندما رآها تتعثر وتقع ارضا لمرات عدة الى ان آل بها المطاف ان تجلس على حبات الرمل بعد شعورها بالتعب...
و بعد ان جلست على الرمل من شدة تعبها حتى ترتاح قليلا تتفاجئ بيد ممدودة نحوها تقدم لها كوبا من العصير البارد. ومن غير ذلك الرجل الحديدي سيقدمه لها؟!..
فانتشلته بسرعة وانتقلت بنظرها الى ذلك الجيتار الخشبي الذي يحمله بيده الاخرى... لقد كان جيتاراً خشبياً بني اللون.. ظلت انظارها عليه الى ان عاود الجلوس على نفس الصخرة التي كان يجلس عليها وبدأ يعبث به وتمشي انامله على اوتاره السوداء فتخرج منه أعذب الالحان وأجملها .. وبدأ بصوته الدافئ الحنون يخرج اعذب الكلمات وعيونه المغلقة بألم..
أصابگ عشقٌ أم رميت باسهمٍ..
فما هذه إلا سجية مغرم..
ألا فاسقني كاسات وغني لي..
بذكر سليمة والكمان ونغمي.
أيا داعياً باسم العامرية أنني..
أغار عليها من فم المتكلم..
أغار عليها من ثيابها..
اذا لبستها فوق جسم منعم..
(مقتبس)


اغلقت عيونها مستمعةً الى صوته الذي يغلفه بحة خفيفة زادت من نبضات قلبها الرقيق.. لتعترف حينها انها ادخلت شيئا جديدا الى قلبهاا.. وهو الحب..؟! نعم فستعترف بانها ادخلت ذلك الرجل الحديدي الى قلبهاا وسيطبع اسمه في تجاويفه.. وزادت ابتسامتها حين ذلك.. و ازهرت وجنتاها حقولا من الزهور الحمراء ..
ولكن حقاً، هل عرف الحب طريقاً الى قلب قمر برغم العلاقة المشحونة بينهما؟!

******
كانت xxxxب الساعة تشير الى الثانية من بعد ظهر هذا اليوم.. وهو يتنهد بتعب رافعاً رأسه عن كومة الاوراق الملقية على مكتبه.. أسند رأسه بتعب مغمضاً عيونه من شدة الالم الذي حل بعنقه.. ثم مد يده ودلكها حتى شعر بالراحة شيئا فشيئا..
عاود النظر الى تلك الاوراق التي لم ينتهي منها.. و لاحت على شفتيه ابتسامة باهتة بعد ان القى بنظره الى احد الملفات ثم ابتعد عن المكتب متجهاً نحو دورة المياة ليغسل وجهه ويديه.. ويعود بالخروج منها ليلقي بجسده على سريره بكل تعب.. ثم بدأ طيف تلك الفتاة بالظهور امامه وهي تركض وشعرها المجعد الذي يطير بكل حرية على جانبيها ليصنع منها فراشة جميلة تتنقل من مكان الى اخر... ولكن لماذا تعود صورة حبيبته السابقة امامه؟! وتتمثل بذلك الملاك؟! فتلوث برائتها وعفويتها وجمالها الداخلي... ويصبح قلبه قاسيا عليها غير مكترث الى مدى الالم حين يطلق عليها سمومه البشعة ..
نهض من مكانه جالساً على سريره بكل جمود طاردا افكارا بدأت تغزو رأسه.. وتحامل على نفسه ليخرج من عزلته ويسير باتجاه المرسم.. حيث يكون بالطرف الاخر من الممر المؤدي الى غرفته..
لا يدري حقاً لما راودته نفسه بالقدوم الى هنا و لا يعلم مدى التشابه بينه وبين تلك اللوحة الذي تظهر بعضاً من الملامح المرسومة بقلم من الرصاص ..
لعن قدماه عدة مرات - والتي قادته الى هنا - حينما تولدت بعض من المشاعر في داخله.. وعاد ادراجه ممسكاً قبضة الباب ولكن لفت انتباهه تلك الصورة المعلقة على الحائط.. فأخذ يتأملها باعجاب وانبهار،..
كانت عيناً ذات لون أزرق يشارك السماء في صفائها وعلى اهدابها الشقراء يجلس شاباً مبهم الملامح ممسكاً بجيتاره الخشبي ويعبث فيه مطلقاً الحانه حيث رسمتها كأنها عصافير تخرج من الجيتار مطربةً مسامع الجميع ،،
ضيقَ عيونه للحظة، يبدو هذا المشهد مألوفاً عليه.. عيون زرقاء كأنها بحر هادئ.. اهداب شقراء .. شاب يعزف !! واتسعت عيناه بغير تصديق
"كيف استطاعت رسمها في ثلاثة أيام ؟! "
فابتسم باعجاب مبتعداً عن هذا المكان.. ويسير باقدامه متجها للاسفل، توقف على احدى احدى العتبات عندما رأى شقيقته الحمقاء تغني وتدندن باغاني الحب والغزل..
فقال بسخرية " شقيقتي المجنونة تحب؟!"
شهقت بقوة عندما ظهر امامها بشكل مفاجئ.. وقد توترت اطرافها .. "ليس شرطاً ان كنت اغني فانني احب..!!"
" وما سر هذا الاحمرار..؟!" واخذ يشير الى وجنتيها المحمرتين بكل خبث
قالت بحنق "وما شأنك؟!"
"ألست شقيقك.. فيجب ان يكون هناك شأن لي.. هيا اخبريني من يكون..؟!"
قالت بجمود وهي تبتعد "عندما تعود مجد الذي اعهده اخبرك بكل شيء.."
وبقي مكانه مندهشاً وقد شعر بسيف يمزق صدره من كلماتها تلك.. وعاودت اقدامه بالمسير ببروده المعتاد محاولاً ان يتناسى كلماتها ولكنه وقف ينظر الى ملاكه ذاك تقف على النافذة شاردة الذهن وابتسامة خجل على محياها زادتها جمالاً..

تبا لكِ يا نفسي كم انتِ حمقاء.. لا يجب ان تتطور اكثر من ذلك.. يجب ان يقف قلبي الى هنا.. سأدوس على قلبي فقط من اجل ان لا اتعرض لشيء كالذي مررت به.. يجب عليك ان تكابر يا مجد... قال ذلك في نفسه ومضى مسرعا نحو الخارج مخرجاً معه كل شيء علق في قلبه.. ولكنه تفاجئ بذلك الذي يقف امامه موجهاً انظاره نحو النافذة... فأخذ بصره ينتقل بينهما بغير تصديق منقهراً من فعلتها الشنيعة وعاد الدم يغلي ويفور في نفسه وهو يقف مندهشاً وكأن سهما من سهام الغيرة أخذت تسلك طريقها الى قلبه.. وأخذ يشد على قبضتيه و بغضب شديد " تباً لك يا رامي.."
********
لا شيء يمكن ايقافه عند حده.. مليئاً بالأنانية والجشع.. كيف لها أن تستوعب هذا.. ربما اواها في منزله أغدق عليها من عطفه وهي الغريبة التي كانت بلا ملجأ، سُرقت أحلماها فمنحها هو جزءاً منها،
ولكنه اكتفى بالعطاء عليها، فقط…
استمعت الى حديثه مجدداً، يؤنبها ويوبخها .. يحاول بشتى الطرق اثناء قراراتها،، ثم وأخيراً صرخ بها عبر الهاتف: " يكفي، دعيه وشأنه.. لماذا تنفقين عليهم، لقد أصبح كبيراً ويستطيع.."
قالت وهي تخرج من احدى البنايات الشاهقة " لن أدعه.. بل أنت كفاك ما فعلته حتى الان.."
جاء صوته مخيفاً كالعادة " اسمعيني جيداً يا جيداء.. رائد ووسوف تبتعدين عنه والا.."
قاطعته بلؤم حاد " والا ماذا؟ هل سوف تسرق كل شيء مني وتبقيني جائعة مريضة مثله؟"
" جيداااء..."
" لا يمكنك ايقافي ابدا.." تحدثت بتصميم، ثم اغلقت الهاتف وزفرت بحرارة..
جلست على أحدى مقاعد الحديقة، وأخذت نفساً عميقاً.. لا تشابه ابدا ما بين ما منحها اياه من آداب وتربية وبين سلوكه، أغمضت عيناها ترى في ذاكرتها السنين الماضية..
كل شيء أصبح له، المنصب والمال، المنازل والشركات.. كل شيء وماذا يريد أكثر..!
إنها تقوم بما لم يفعله هو مع رائد، بل وأنها تفعل ما تستطيع وتعطيه ما يستحقه وان كان قليلاً…
أخرجت زفيراً عميقاً، ليس عليها أن تقف مكتوفة الأيدي بعد الآن... يجب أن تسعى للوصول للحقيقة، ينبغي عليها أن تضع حداً للظلم وأن تتحقق العدالة مع رائد…
وقفت على أقدامها بقوة وهمست " سوف اجد تلك الوثيقة التي تدينك يا والدي.."

*********
ومع انقضاء النهار..
كانت اصوات المعالق تصطدم بتلك الأواني البيضاء على مائدة الطعام يتردد صداها في عقله وهو جالس ينظر الى ذلك الكرسي الفارغ امامه. انها المرة الاولى التي لا يراها عندما يجلس لتناول الطعام معهم ..وايضا انها المرة الاولى الذي يعير اختفائها اهتماما..
زفر بضيق وهو يحول بنظره ناحية كرسي والدته الفارغ ..ابتسم بسخرية وهو على يقين ان والدته تقضي ليلة مع اصدقائها متناسية هذا المنزل والعائلة و الذي يتوجب ان تكون معهم وبينهم.. ثم عاد ونظر الى كرسيها من جديد وعادت صورة تلك اللوحة تلوح بالأفق وابتسم بهدوء سرعان ما كسى الجمود ملامحه عندما كانت تقف على النافذة باسمة المحيا تنظر بكل سعادة الى رامي ولا يدري كم مر من الوقت وما تزال يده معلقة بالهواء ينظر الى صورتها الخيالية والتي تهيأها عقله يحمل بين اصابع يده اليمنى تلك الملعقة المملوئة ببعض من الارز الابيض الا عندما تنبه على صوت جدته الذي يحيرها امره وهي تقول :
"عزيزي مجد.. لم لا تأكل؟!"
اجابها بابتسامة :
"لا شيء.. كنت افكر بأمر فرع الشركة الذي في باريس"
اجابه الجد :
"على ما يرام.. فيديره ماجد كما تعلم.."
اومأ رأسه بهدوء وهو يعاود اجتذاب ملعقته ويشرع بالاكل من جديد..بينما كان والده يتحدث الى الجد عن امور الشركة فماا كان من ريم التي كانت تجلس بهدوء ان تقول بانزعاج :"عدناا لحديث العمل."
ثم اكملت وهي توجه حديثها الى جدها ووالدها: "يا جدي الجميل وياا والدي الوسيم تحدثاا مثلاا عن رحلة او عن المزرعة التي سنذهب اليها بعد ان انهي اختباراتي"
مجد بسخرية: "وهل سيتحدثان عن امور سخيفة تشغل عقلك السخيف.."
نظرت اليه بحنق ثم عادت ونظرت الى جدتها لتقول: "ااه .. جدتي ألم تخبركِ قمر متى سيعوداان؟!"
وهنااا انشدت جميع حواسه الى ذلك الاسم الذي خرج من فم ريم..وهو يريد من قبل ان يعلم اين هي؟!ولكن لا يدري اي حجة سيلفقها للسؤال عنها؟!ولكنه ابتسم من داخله لانه واخيراً سيعلم اين تكون وماا سبب اختفائها!!..ولكن الى اين ذهبت ومع من؟!..واخذ يأكل وكأن الامر لا يهمه اطلاقا..ولكن كانت اذنيه مسافرة الى حيث الكلمات التي تخرج من فم جدته..
"لا اعلم..قالت لي ان رامي سيوصلها عندما ينتهي الحفل.."

زفر بحرارة وهو يستمع الى ذلك الحديث ولا يدري لماا شعر بالغضب حينما علم ان قمر ذهبت الى ذلك الحفل الخيري مع رامي ..فما كان منه الا ان يكور يده اليسرى بغضب وهو يضرب على ساقه بقهر..فقد ذهبت برفقة رامي الى حيث المأوى التي كانت تقيم به منذ سنوات.. ذاهبةً حتى تحيي ذكرى انشائه بين زميلاتها،،بين جدران ذلك المأوى والذي رعاها لمدة طويلة كانت به وحيدة..لا توجد عائلة تحميها وتعيش معها بسعادة..

تنهد بضيق وهو يستمع الى عبارات الاعجاب التي اخرجها الجميع على مظهر قمر حينما ذهبت الى ذلك الحفل واشاروا الى حسن اخلاقها ..ولم يكتفو بذلك فقدد ذكروا الشيء الكثير عنها وهو صامت لا يدري ماذا يقول..هل يقول بانها جميلة كتلك الجميلة التي اوجعت قلبه وتركته لتكون ملكا لشخص اخر..ولكن هو لماذا ما زال قلبه متعلق بتلك الفتاة وما زال يتعذب عندما يأتي طيفها الى ذاكرته...لماذا لا يفتح قلبه الى طريق جديد.. وليكون ذلك الحب الجديد انقى واصفى من ذلك الحب الخبيث الذي بقي اثره على قلبه..كجرح عميق بقيت اثاره على جلد ذلك الانسان الذي وبعد التئام الجراح بقيت هناك علامة على جسده..وكانت تلك العلامة وهو انكسار قلبه....
لا يدري لماذا كان يخاف من حب جديد..فيكون ذلك الحب الجديد اقسى واعنف من الحب الذي يسبقه....هل كان خوفه من ان يمضي علاقة ستكون نتيجتها الفشل كسابقتها؟!
هل كان يخاف من تلك الانسانة التي بدأ ينجذب اليها بان تكون مثل جيني التي خانته وتزوجت من رجل آخر متناسية ايام حبهم الجميلة؟!
هل ينكر ذلك الحب الجديد ويقسو على قلبه..لان طيف تلك الذكرى الكريهة ما زالت تفوح رائحتها في خياله والتي تتمرد كل ليلة تجعله يتوجه الى دولابه الصغير والذي يحوي صندوقا خشبيا بداخله بعضٌ من الصور القديمة فيتأملها بكل ضيق وحزن من أجل جميع الذكريات والاحلام التي لم تكتمل والتي جعلت قلبه يشيخ قبل الاوان....
ولكن كانت هذه الليلة مختلفة عن سابقتها فقد نهض من بين اكوام تلك الاوراق على مكتبه والذي يشغل نفسه بها ليبعد افكاره المتزاحمة في طرقات عقله.. ثم يتوجه بعدها نحو ذلك الصندوق الذي يخبئ فيه ذكرياته القديمة حيث اصبحت عبئا وهماً كبيرا على قلبه ،، فيقوم بفتحه واخذ الصور منه.. ويغادر غرفته متوجها حيث موقد النار الموجود في احدى زوايا الحديقة الخلفية لمنزلهم.
يشعله وتتصاعد نيرانه في هذه الليلة والتي يتوسط سمائها هلالها المضيء...وتبدأ تلك النيران الحارقة بان تستقبل صورة تلو الاخرى..لتحولها فيما بعد الى رماد اسود...


*******

كانت طريق العودة تحت ضوء الهلال متوسطاً سماء سوداء كالحة ومن حوله نجوماً براقة...حيث اخذ بريق هذه المجموعة المتمثلة بالقمر والنجوم يضيء طرقات هذه المدينة.. وكان الصمت يعم المكان وهي تنظر تارة الى السماء وتارة اخرى الى الطريق الموحش..كان داخلها يبكي فرحا وحزنا بنفس الوقت..حزنا على فراق اصدقائها في ذلك المأوى وفرحا لرؤيتهم..فقد عادت لها ذكرياتها المؤلمة والسعيدة...عادت لها ذكريات ذلك المأوى وكيف قضت فيه ايامها بل سنين من عمرها دون عائلة... تنهدت بتعب وهي تمسح دمعة حزينة قد خانتها من دون ان ينتبه رامي الذي كان ينظر الى شاشة هاتفه بابتسامة ساخرة ليرميه بعد قليل باهمال .. ولكنه تنبه الى ان مخزون الوقود على وشك ان ينفذ..ولكن لسوء الحظ لا يتواجد في هذا الطريق محطة للوقود.
ما كان منه الا ان ركن سيارته جانبا، وامام نظرات قمر المتسائلة عاود التقاط هاتفه لتسمعه يوجه حديثه الى احدهم "هل يمكنك القدوم الى شارع.....لقد نفذ الوقود..حسنا....لا تتأخر.."
وبعد انهائه المكالمة الهاتفية اسند بجسده على مقعد السيارة بتعب بينما تعلقت عيناه على الطريق الذي امامه.. ثم قال"لقد اتصلت بالسائق لن يتأخر.."
اومأت قمر رأسها بهدوء مبعدةً بصرها نحو تلك الزهرة التي قطفتها لها احدى الفتيات في الحفلة الخيرية..
مر وقت طويل وهي تشغل تفكيرها باشياء كثيرة الى ان لمحت ضوء سيارة يقترب ليتضح انها السيارة التي ستقلهما ، ترجلا من السيارة واستقلا الاخرى مكملين طريق العودة في هذه الليلة القمرية....
.........
....
..
سرت قشعريرة في جميع ارجاء جسدها عندما التقت نظارتها مع نظرات ذلك الشخص والذي شبهته بتمثال اثري في احد المتاحف..يقف بقوته المعتادة وككل لحظة ينظر اليها بعيونه الرمادية التي تتحول الى عيون حمراء نارية تجعلها ترتجف من الخوف..فأي ذنب اقترفته لتتلقى تلك السموم منه..واي فعل قد فعلته لترى تلك اليد الممتدة على معصمها مكبلا اياها بيده القوية وهو يقف غاضبا ويشد على اسنانه موجها كلامه اليها بعد ان رآها تتجه ناحية الباب الرئيسي لتدخل غير مبالية به..واكثر ماا اثار قهره هو هدوءها..لذلك انقض كأسد يريد التهام فريسته ليشفي غليله..
"انت كيف تعودين بعد منتصف الليل؟!"
نظرت اليه وهي تعتصر من الالم....وحاولت قدر الامكان ان تفلت يدها من ذلك الوحش الذي انقض عليها..ولكن ما باليد من حيلة..فكيف هي الضعيفة الهزيلة ذات الجسد النحيل تستطيع افلات يدها من ذلك الرجل الحديدي..
ثم اكمل وهو ينظر اليها باحتقار "هل كانت امسية رائعة تجعلك تتناسين ان هذا البيت الذي احتواكِ له ادابه..؟!"
وهناا ضربها باشد السيوف حدة وانه ما زال يذكرها بشفقته عليها... ثم أكمل بذات النبرة وهو ينظر ناحية البوابة " أم ان الوقت مر بسرعة مع حبيبك!!"
شلتها الصدمة من اتهامه ذاك،، و ما عاد.بمقدورها ان تتحمل تلك الالام التي ألمت بجسدها وقلبها..فاغرورقت عيونها بالدموع ثم تشكل سيلا من اللالئ التي اضاءت في عتمة الليل ومع ضوء القمر كانت اشبه ببلورات انعكس بريقها على عيونه الرمادية اأخذت تنظر اليها بحيرة وقالت بصوت ضعيف مكسور "يكفي ارجوك"..ثم اكملت بقهر "لقد نفذ مخزون الوقود وتأخر السائق.."
وما كان منها الا ان سحبت يدها من بين يده عندما شعرت بارتخائها قليلا تعاود مسيرها للداخل بجبال من الحزن وشلالات من الدموع بسبب افعاله التي لا تستطيع ان تضع تفسيرا منطقيا لها.. اجهشت بالبكاء وهي تتمدد على سريرها تتذكر سلوكه الهادئ قبل أيام عندما كان هدوءه غير المعتاد يحيرها..وما كان هذا الهدوء هو الهدوء الذي يسمى ما قبل العاصفة... و بعد عناء نحيبها الذي وصل الى مسامعه عندما اقترب من بابها واضعاً يده اليمنى على صدره يشير ناحية قلبه لتغط في نوم عميق يخفف من وطأة الاعباء والحزن بسبب ذلك الرجل البارد الحارق الذي يلقي بسمومه الحارقة عليها و التي تهيج بحارا ومحيطات من الغم والحزن في قلبها...ظنا منها بأن ذلك النوم سيأخذها الى الطمأنينة والسكينة والى عالم اخر لا يوجد به شيء يكدر نومها الهانئ ؛؛؛ ولكنها لا تدري حقا عن تلك العلاقة الوثيقة بين حزنها والاحلام المزعجة التي تراودها ليلا...
........
....
..
.


عيناكِ كنهري أحـزانِ

نهري موسيقى.. حملاني

لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ

نهرَي موسيقى قد ضاعا

سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني

الدمعُ الأسودُ فوقهما

يتساقطُ أنغامَ بيـانِ

عيناكِ وتبغي وكحولي

والقدحُ العاشرُ أعماني

وأنا في المقعدِ محتـرقٌ

نيراني تأكـلُ نيـراني

أأقول أحبّكِ يا قمري؟

آهٍ لـو كانَ بإمكـاني

فأنا لا أملكُ في الدنيـا

إلا عينيـكِ وأحـزاني

…….
…..

.

أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟

يا ظـلَّ الله بأجفـاني

يا صيفي الأخضرَ ياشمسي

يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني

هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا

أحلى من عودةِ نيسانِ؟

أحلى من زهرةِ غاردينيا

في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني

يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي

فدموعُكِ تحفرُ وجـداني

إني لا أملكُ في الدنيـا

إلا عينيـكِ ..و أحزاني

أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟

آهٍ لـو كـان بإمكـاني


(منقول)..



"هل أقول أن قمرك محظوظة..؟!"
وضع جيتاره جانبا واطلق العنان لتنهيدة خرجت من صدره وقال بعد ان رمى نفسه على رمال شاطئ البحر "يجب عليك القول انني احمق!"
جلس بجانبه صاحب ذلك الصوت.. رجل يبدو بالأربعين من عمره ذو بشرة داكنة وتجاعيد قليلة بدأت تغزوه حول عينيه.. وشعر أبيض اللون بدأ يتخلل شعره البني الداكن.. يلبس قميصا أبيض مخططاً بالأسود وبنطالاً أسود.. ثم قال " يبدو عليك الحب.. هل من جديد؟!"
هز رأسه وهو يبعد ناظريه " لا اعلم.. أشعر بالضياع.."
قال الرجل " أنت تائه.. من كثرة الأشياء التي ذهبت منك.. لن تعلم ان كانت هي الاخرى ستذهب قبل ان تتعمق بالعلاقة.. واجزم انك تكابر وتحاول ان تدوس على قلبك من اجل ان لا تخوض علاقة جديدة.."
و اردف عندما لم يجد اي رد منه " لا تجعل تلك العلاقة مقياساً تبني عليها فرضياتك.. فليس كل شيء مشابه للاخر.."
قال بتعب واضح "لكنها لا تحبني.."
"هل سألتها؟!.. من اين لك ان تعلم .."
قاطعه بنبرة حزن " لقد رأيتها تقف محدقة به والابتسامة على شفتيها.. انها تحبه اناا متأكد!!"
قال باستنكار " هل دخلت الى قلبها لتعلم ذلك؟!.." ثم أكمل بعد تفكير " وبالتأكيد ألقيت عليها لسانك السليط!!"
أغلق عيناهُ بألم وتذكر ليلة البارحة، ثم اجابه مكتسياً البرود عن سؤاله الأول "لا يهم.. الذي يهم هو ان اسافر وابتعد عن هنا"
ثم نهض من مكانه بغير اهتمام امام عيون ذلك الرجل المستنكرة ولوح بيده اليمنى مودعا إياه
ثم سمعه يصرخ بصوت عالٍ " مجد يجب عليك ان تدرك ان قلبك قد سمح لأشعة الشمس ان تدخله من جديد لتنيره .. ولكن قلبك القاسي ينكر ذلك.. وسوف تثبت لك الأيام ذلك"
امسك جيتاره بلا مبالاة و عبارات ذلك الرجل تتردد على مسامعه كل ثانية.. ثم اتجه نحو سيارته واندفع صوتا قوياً من احتكاك عجلاتها مع ارضية الطريق منطلقاً بعدها في شوارع المدينة من غير وجهة محددة..


#######
تفصلهم مسافة البوح، مسافة الكتمان..
يخشون فراق القدر المؤلم..!
تتبنى الرسمية في علاقتهم، يخوضون الأحاديث المطولة ولكن...
يخاف هو وتخاف هي من ان يكون حبهما من طرف واحد !!
يستصعب هو الامر بان يدوس احدهم على كرامته.. ذلك الفقير الذي يخشى بان ترفض حبيبته الغنية ذلك الحب .. وتتركه في وسط آلامه يعيش هو وحده !!
وهي ككل الفتيات عندما تعشق تخشى ان تخسر ذلك الشخص الذي سرق كيانها منها... وككل فتاة لا تعترف بحبها لذلك الشخص.. قبل ان يعترف هو ؟!



قالت بكل تعب "لقد تعبت من المذاكرة..؛"
أجابها بكل حنان "استريحي قليلا ثم عاودي المذاكرة.. (ونظر الى ساعته ) لقد تبقى ساعة ونصف.."
"اذاً دعنا نتحدث قليلا.. من ينظر اليك هكذا يصدق انك مجتهد.."
قال بابتسامة جذابة "حسناا.. يا ايتها الكسولة.. بماذا سنتحدث..؟!"
و بعد تفكير عميق قالت بحماس " ما رأيك أن نلعب لعبة؟!"
قال باستغراب " لعبة !! "
اومأت برأسها " أجل.. لعبة الاعتراف .. هكذا اسألك سؤال ثم تسألني وهكذا.. ولكن لا بد من ان نكون صادقين في الاجابة "
" حسنا.. " وأخذ يشير بسبابته منبهاً " ولكن كما قلتي بصدق تام.."
" حسنا حسناً ،، هل تبدأ انت ام أبدأ انا.."
قال وهو يكتف يديه " لا يهم.. "
ابتسمت ثم " السؤال الأول.. هل تعتبرني..."
و يمضي الوقت بسرعة.. لتتحالف الثواني مع الدقائق لتمضي نصف ساعة على تلك اللعبة .. وكان وجههما متهللاً بالسرور وكأن فصل الربيع قد أزهر عليهما و اضفى ابتهاجاً وسعادة عارمة...
"والأن قد حان دوري .. من دون ازعاج او من دون ... "
قاطعها رائد بملل " عدنا للمقدمات.. هياا "
تساءلت ريم بحذر " كنت قد اخبرتني سابقاً عن شركة والدك قبل ان يتوفى.. "
اومأ رأسه بحزن فأكملت بارتباك " اريد منك أن تخبرني سبب حالتكم تلك ؟!.."
تنهد بتعب ثم " كنا قد بدأنا اللعب وعدم الكذب وسأكمله على النحو نفسه.. ولكن من دون ان تقاطعينني "
اومأت رأسها وأخذت تصغي اليه باهتمام اما هو بدأ بسرد قصة فقره بألم وحزن " تبدأ القصة عندما استلم والدي منصب المدير بعدما توفي جدي بعدة أيام.. كان جدي قد ترك وصيته في استلام والدي للمنصب الأعلى حيث كان يراه اكثر ذكاء و أقدر على المسؤولية من بعده واما عمي فقد استلم قسم الxxxxات.... وهنا تبدأ مرحلة الغيرة والصراع من أجل ذلك الكرسي.. أخذ عمي يحاول بطرق شتى استلامه وفرض سيطرته ولكن ابي ظل ملتصقاً بذلك الكرسي ليس عناداً.. بل لانه كان يدرك ان عمي لا يستطيع استلام عمل كهذا.. ومضت سنتان وحال الشركة يتطور ويزيد الدخل الى ان ..." صمت ثم أكمل بنبرة مليئة بغصة " توفي والدي بنوبة قلبية .. و لأنني صغير ولم أكن قد تجاوزت الثامنة عشر من عمري وغير مؤهل لاستلام منصب كبير كهذا .. استلمه عمي وأصبح هو الآمر الناهي لكل الامور واستولى على جميع الأسهم الخاصة بنا بحجة الحفاظ عليها وبقينا هكذا بدخل صغير وامي المريضة التي تلازم فراشها بعد وفاة والدي في بيتنا الصغير..."
نظرت اليه مطولاً وهي تشعر بالأسى وبحجم المعاناة والألم الذي يشعر بهما منذ سنين .. وجبال الهم التي رميت على ظهره وهو في ريعان شبابه...
فابتسم بشحوب " هيا دعينا نكمل المذاكرة.."
بادلته بابتسامة لتلتقط قلماً من على الطاولة وتقول بمرح " هل لا حظت شيئاً ما.."
رائد باستفهام " شيئاً مثل ماذا ؟!"
" شيئاً مثل انني لم افتح فمي بحرف واحد وانت تقص علي القصة !!"
اجابها بسخرية " هذا من أجل أن ترضي فضولك !"
قالت بثقة " لست فضولية " ثم تعلقت عيناها بذلك الزوج الجميل يسيران امام الطلاب و الذين يتهامسون بصوت منخفض فيما بينهم..
" أليست تلك ندى ؟!" تسائل رائد وهو ينظر ناحيتهم
اجابت ريم في شيء من الصدمة " أجل.. من كان يتوقع ذلك ؟!"
" ماذا تقصدين ؟!" رائد باستغراب
" اقصد ان الذي بجانبها أحمد .. ابن اهم رجال الأعمال في المدينة يحب فتاة ليست بمستواه.. اقصد انها ليست ..."
قاطعها قائلا " ربما تستغربين من الأمر لانها فقيرة ولكن من المعقول ان يحب رجلاً فتاتاً فقيرة .. اما العكس فليس منطقي "
ريم بنبرة حزينة ممزوجة ببعض من الدهشة " ولماذا؟!"
"عندما يحب الرجل الغني فتاتاً فقيرة فانه سيسعى الى أن يعوضها عن كل شيء حرمت منه ... اما اذا احب رجل فقير فتاتاً غنية واذا أخذت علاقتهم منحى جدي فبالتأكيد سينفصلان "
شعرت بحزن شديد أخذ مجراه ليلتصق بها وقالت بعد صمت " ولكن ان كانت الفتاة تحبه جداً.. لن تتخلى عنه لسبب مثل هذا "
قال بجدية وهو يقسو بكلامه على نفسه وعليها من دون ان يشعر " حتى وان كان كذلك.. ففتاة تعتاد التسوق والتنزه و ارتياد أماكن فخمة هل ستستطيع ان تعيش في بيت صغير بجانب رجل فقير "
أنزلت رأسها بحزن مرير وأخذت أناملها تعبث بقلمها وقد تقوس فمها .. فأكمل هو " لا تقولي لي تحبه ويحبها.. ألم تسمعي بأن الحب أعمى؟!"
رفعت رأسها اليه و تسائلت في شيء من الخوف " هذا يعني انك ان احببت فتاة ما لن تصارحها"
نظر اليها بضيق ثم قال بعد ان زفر بحرارة " وهل استطيع.. افضل ان اتعذب انا ولا اغذبها معي في حياتي الحزينة.." وأكمل بعد ان رسم على محياه ابتسامة باهتة " دعينا نكمل مذاكرتنا لم يتبقى وقت طويل.."
هل نقول ان ذرات الأمل التي كانت في قلبها الرقيق قد تبخرت !! وان حباً لم يأخذ طريقه الجدي ان يذهب هكذا !!
وأخذت تنظر اليه بنظرات ملؤها الحزن واليأس .. على حبيب كانت قد افنت وقتها بالتفكير به ..على حبيب يبدو ان الأيام لن تكتب لها معه عمراً .. حبيب استقل وسكن في تلك العضلة النابضة.. لا تدري اي شعور قد وقعت به يا ريم سوى انك ادركت من كلامه انه لا يحبك وما اصعب ان تدركي ذلك الأمر .. أمر يجعل قلبك يفيض بألم .. !!
*******
توجهت خطاها الى غرفة الرسم الخاصة بها حيث الطابق الثالث.. طابق صغير يحوي غرفتين،، الغرفة الاولى على اليسار تكون الغرفة الخاصة بمجد.. واما الاخرى فقد جهزها الجد حتى تكون مرسماً خاصاً لها..
وكان الممر الذي يفصل بين الغرفتين ذو حائط ابيض اللون وارضية خشبية تمتد عليها سجادة طويلة كانت خيوطها مصنوعة من ألوان مزركشة ...
أمسكت بمقبض الباب الذهبي وفتحته فاستقبلها نسمات الهواء الدافئة وتلك العيون الرمادية وغرفة متوسطة الحجم ذات جدران وردية داكنة اللون معلقٌ عليها بعض الرسومات الملونة و ارضية مغطاة بسجادة وردية يتخللها الابيض والاحمر....
وفي زاوية منها يوجد خزانة بيضاء اللون تحوي في رفوفها بعض الادوات والى الامام منها طاولة دائرية بيضاء عليها عدد من الأوراق بجانب كأس من الماء .... وفي الزاوية الاخرى يوجد مرسم خشبي متوسط الحجم ألصق عليه لوحة غير مكتملة.
اتجهت نحوها بخطى متثاقلة وجلست على الكرسي.. ثم التقطت ريشة الالوان وبدأت يدها برسم لوحتها بفكر مشتت...
وتمر الدقائق تليها الدقائق حتى تصبح ساعات.. ويبدأ قرص الشمس الذهبي بالذهاب بعيداً معلناً عن قدوم الليل الساكن.. حينها يتبدل لون السماء الازرق الى سواد مظلم يتخلله نجوماً براقة وقمراً مضيئاً.. ومع دقات الساعة معلنة عن موعد العشاء العائلي .. تنتبهت على انها شارفت على انهاء لوحتها الجميلة..
تنهدت بتعب وهي تمسح حبات العرق التي بدت ظاهرة على جبينها الابيض .. و رتبت أدوات الرسم بعد ان نظفتها من الالوان المائية التي تلطخت بها ثم غادرت المكان تاركة ما رسمته يجف قليلا مع النسمات الباردة التي تدخل عبر النافذة..

*********

كان المنزل هادئاً على غير عادته اليومية .. فالسكون قد عم المكان هذه الليلة.. قطبت جبينها استغراباً وهي تتوجه حيث الصالة لعلها تجد احداً.. ولكن لا وجود لاحد..
وضعت كتبها الجامعية على احدى الارائك وغادرت الصالة بعدها متوجهة حيث المطبخ.. ولكن استوقفها صوت قمر المتسائل " مرحبا ريم.. أين الجميع؟!"
هزت كتفيها بمعنى انها لا تدري ثم توجهتا بعد ان نزلت قمر عن السلم حيث المطبخ وكان هناك عدد من الخدم يعدون طعام العشاء..
"سالي.. أين الجميع..؟!"
اجابت احدى الخادمات "ذهبوا جميعهم لعشاء عمل"
اومأت رأسها بتفهم ثم قالت "جهزي العشاء حالا.."

"هل دوماً يذهبون الى العشاء؟!.."تسائلت قمر وهن يتجهن نحو الصالة
"اجل.. وفي العادة ابقى انا لوحدي لتناول العشاء.."
جلست قمر على احدى الارائك بجانب ريم ثم امسكت يدها وقالت بابتسامة "من الان فصاعداً انا معك.."

"واناا ايضاً.."
اختفت ابتسامتها عند دخول صاحب ذلك الصوت الرجولي الى المكان.. وبدأت اطرافها بالاهتزاز يغير ارادة منها عندما التقت عيونها العسلية بعيونه التي تشتت تفكيرها...
بعثرت نظراتها بعيدا عن عيونه الساحرة ...ولكن.. يا الهي ماذا يقصد؟! هل سيتناول الطعام معنا.. ثم لماذا يظهر امامي؟! هل وظيفته الوحيدة هي تعكير مزاجي..
"ان كنتي لا تمانعين ياا ريم؟!" ثم التفت حيث قمر الشاردة في وجهه واكمل وهو يرفع احدى حاجبيه سخرية "وان كان هذا لا يزعج احداً.."
وتأكدت هناا قمر بان وظيفته هي كذلك.. ولكن ريم ابتسمت بعفوية ثم قالت "انه ليسعدني حقا ان تشاركني الطعام.."
و نهضت من مكانها واتجهت بسرعة لتلقي نفسها في احضانه وتقول بكل محبة "اخي الجميل.."

(ابعد هذه المجنونة عنك.. والا ستختنق...)
صوت اخر جاء من الخارج.. جعل الجميع يلتفت اليه كل شخص بعيون مختلفة.. عيون غاضبة كارهة.. واخرى غير مبالية.. وعيون متسائلة.. فاما العيون الاولى كانت لصاحب الوجه البارد والذي اصبح رامي بالنسبة له منافساً قوياً غير سهل.. والعيون الثانية عيون عسلية غير مبالية به فكل ما يهمها هو ذلك الرجل الحديدي ولكن لم ينظر اليها هكذا؟! هل هو يحاربها تارة بلسانه السليط وتارة اخرى بعيونه؟! وهل يجب كلما تلتقي عيونها بعيونه برغم لهيبها الحارق ان تشعر بضربات قلبها القوية التي وصلت لمسامعهم على الأغلب،،؟!

"ما اخبارك يا ريم.. وانتي يا قمر؟!"
الان يجب عليها شكر رامي لسؤاله عن حالها وتخليصها من عيونه الساحرة..
"بخير.. " قالتها بابتسامتها المعتادة ابتسامة صفراء شاحبة وهي تنظر اليه ليبادلها الابتسامة
وما كادت ان تنهي جملتها الا باحدى الخادمات تقف وتخبرهم بانتهاء تجهيز العشاء متجهين بعدها جميعا بصمت حيث مائدة الطعام وعيونها ما زالت معلقة على مدمرها الرجل الحديدي الذي ينظر اليها بعيون ملتهبة.. ولم يمتد صمتهم الا عدة دقائق حيث تحدث رامي قائلا " اقتربت الذكرى السنوية لتأسيس شركة جدي.. وانا افكر بعمل حفلة صغيرة.."
استساغت ريم الفكرة وقالت بحماس "فكرة جيدة.. يمكننا فعل ذلك وبالمزرعة.. ككل سنة.."
اردف رامي "ويمكنكم دعوة من تريدون الى المزرعة.. وانتي كذلك يا قمر.."
رفعت قمر رأسها وقالت بكل ألم "ليس لي احد حتى أقوم بدعوته.."
نظر مجد نحو رامي ورمقه بنظرة غاضبة معاتبة بعض الشيء، فقد أشار إلى وحدتها ومعاناتها في السنين الماضية، ولكن هو ألا يشير إلى أكثر من ذلك وما هو مؤذي؟

"وانت يا مجد.. "
رفع مجد نظره مرة اخرى الى رامي وقال بكل برود "ماذا بي انا؟!"
قال رامي بمكر "ان تدعو حبيبتك ؟!"
" لا شأن لك في ذلك." أجابه بلا مبالاة وهو ينهض من مكانه بعد ان القى عليه نظرة غاضبة...

" مؤكد ان كان سيدعوها سيذهبان سوياً الى مكان ما.. " قالها رامي بعد ان رمى بنظره الى اعلى السلم ليتأكد من عدم وجود مجد.. ولا يدري بأن بكلماته تلك قد فتحت جرحاً في قلب احداهن كانت قد بدأت بالتعلق به.. والان من بدأت تحبه لا يبادلها نفس المشاعر..
(^مااذا هل أحببته ؟! كيف ولماذا؟! متى؟!)
تساءلت ذلك في نفسها وهي تحاول طرد الافكار السخيفة من عقلها.. ولكن لماذا تألم قلبها واشتعلت الغيرة ؟! لاا يمكن ان اكون كذلك !! وهل يعرف الحب طريقاً الى قلبي؟!
يبدو انها تناست يومهما على الشاطئ والذي جعل قلبها يميل اليه قليلاً.. و لعل موقفه في تلك الليلة جعلت مشاعرها تخمد ولا تنمو في قلبها !!

مسكينة انت يا قمر.. تبدأ الحياة لتفتح ابوابها الجميلة امامك وقبل ان تدوسي ذلك العالم ينغلق فتعيشي كل ليلة الماً ومعاناة.. وما ذنبها ان بدأت تحبه؟! فهل الخطأ منها مع انها تتلقى منه كلمات قاسية في كل مرة؟! كيف احبت ذلك الشخص الحديدي الذي يدمرها من الداخل في كل مرة ؟! كيف سمحت لقلبها كي يفتح على مصراعيه لذلك البارد ؟!
ألا تدري هي ان الحب يأتي الفجأة؟! وأن طريق الحب يسيقه القدر؟!


انتهى الفصل ( البارت) الرابع..


mansou 27-10-19 05:32 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لامارا 29-10-19 05:36 PM



السلام عليكم،
بالبداية اعتذر عن تأخري في تنزيل الفصل الخامس،..
ثانياً أشكر كل من أنار صفحات رواتي وأبدى رأيه وتوقعاته،..
أنا سعيدة بوجودكم معي،..
وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم.. https://forums.graaam.com/images/smi...am%20(276).gif
اليكم الفصل الخامس،.. واعتذر كونه قصير
ان شاء الله بعوضكم في الفصل القادم
قراءة ممتعة






" لا تجعل الماضي يعيقك، سيلهيك عن الأمور الجميلة في الحياة. "


(5)



تسير قوافل الأيام مسرعة بما تمتلأ بساعات مسافرة الى مستقبل مجهول الهوية فتمر سبع قوافل من تلك الأيام وتتبعها سبعٌ أخريات حملت في ثناياها حباً يزداد وشوقاً يتجدد بسرية بعد كل لقاء بين رائد وريم .. وخوفاً من مستقبل مجهول يعلمه القدر بأن تكون نتيجة هذا الحب هو الخسارة..
يخشى هو فقدانها بعد أن يطلعها على أسرار قلبه، وسبب خوفه ليس الا اختلاف الطبقات ما بينهما.. فيكتفي بقربها البعيد ك ( صديقة ) له..
اما هي تزداد خيبة أملها كل ليلة من ليالي الأسبوع في حبها الذي تخمن انه سيذهب من بين يديها ،، لكنها مع كل صباح تشعر بأمل يجدد الحياة لها ويشعرها بانه يحبها ولكن هناك شيء يمنعه من البوح.. وستبقى برغم ذاك متشبثة به إلى أن يجلسا سوياً على عرشِ الحب..

اما الزوج المشحون .. كأنهما قطبي مغناطيس .. فعندما يجتمعان سوياً يبداظ” ذلك القطب السالب ببث سمومه واهاناته بكل سخرية واستمتاع فيستقبلها القطب الأخر من المغناطيس بإيجابية ويدفنها كجثة بعيداً في زوايا عقله فتخرج كل ليلة من قبرها وتبدأ رحلة الحزن والحيرة من المستقبل ومن الرجل الحديدي..
فلا يستطيع مجد وفي اول فرصة لانفرادهما الا ان يخرج سمومه القاتلة في جسدها لتستقبلها بكل ضيق وحزن الى ان اصبحت تتجاهل وجوده ولا تجلس مطولاً مع العائلة..
وهكذا تمر الايام بعضها جميلة كجمال الأزهار التي تملأ الطبيعة و تجعل صدرك رحباً .. وبعضها تمر مريرة سوداء قبيحة كأرض قاحلة لا يوجد فيها اي معنى للحياة وتجعل نفسك ضيقة ..
تتوالى خلف بعضها و تسير بقوة وكأن ريحاً قوية دفعتها .. وتقف الريح عن فرض سيطرتها و تنظر الى هذه الامسية قبل الإعلان عن اكمال سيرها،
الشمس بدأت بسلوك طريقها نحو المغيب ولون أشعتها ملأ المكان مع الأنوار الخافتة التي أضاءت مدخل المنزل،، كان أشبه بقصر كبير، وكأنه عائد إلى احدى قصور الزمن القديم ..
منزل يطل على حديقة كبيرة تنتشر فيها الأزهار الملونة متعددة الأشكال.. وتنتشر فيها الأشجار الخضراء اليانعة المزهرة على أرضية عشبية شديدة الخضرة ،، و ينتشر فيها عدداً من التماثيل الصغيرة أضافت على المكان لمسة خاصة..
وعلى أرضية من الحجارة البيضاء يفصل بين كل حجر وآخر حشائش خضراء صغيرة ،، سار عليها بكل هدوء.. لا يدري أي شعور ذاك الذي جعله يتوق لرؤيتها في هذه المناسبة المهمة ،، فتذهب به أطرافه السفلى بلهفة شديدة الى حيث الصالة.. ليتأملها بكل حب و شوق الى ان...

كانت عيناها متركزتان على السلسلة الذهبية ما بين يديها.. تجلس في الصالة مع ريم التي وضعت عدداً من المجوهرات أمامها وتتساءل بحيرة وهي ترفع قلادتان بلون الفضة " قمر أيهم أجمل؟!"
أجابتها وهي تشير على اليمنى منهم "برأيي تلك القلادة؟!"
"حسناً.. وانتِ ماذا سترتدين؟!"
قالت وهي ترفع امام ناظريها سلسلتها الذهبية "هذه.. جميلة أليس كذلك؟!"
كانت سلسلة ذهبية ناعمة.. يتوسطها حرف كبير مرصع ببعض من الأحجار الصغيرة يضفي عليه نعومة خاصة.. وكانت تتماشى مع فستانها الأسود القصير الضيق من الصدر والواسع من الأسفل الى أن يصل حيث ركبتيها،، ورفعت شعرها المجعد بعد أن ملسته وسرحته على هيئة ذيل حصان.. واكتفت بقليل من الكحل تزين به عيونها العسلية الجميلة..

اما ريم كانت ترتدي فستاناً أحمر ضيق داكن اللون بأكمام طويلة.. له فتحة من الخلف مبرزاً نحولة ظهرها،، ورفعت شعرها البني بحركات عشوائية وزينته ببعض من الأزهار الطبيعية..

قالت ريم بحيرة بعد أن لاحظت ذلك الحرف الكبير "ولكن هذا ليس لك.. اقصد انه لا يحمل الحرف الأول من اسمك!!"
أجابت قمر بابتسامة باهتة وهي تضعها على عنقها "أجل.. فلها مكانة خاصة في قل.."
وبترت عبارتها عندما شعرت بوجود أحدهم.. التفتت حتى رأته يقف أمامها والشرار يتطاير من عينيه، ينظر بلهيبه الموعود على سلسلتها مما جعلها تضع يدها عليها بتوجس..
شد مجد على قبضته وتراوده فكرة أن ينزع سلسلتها تلك ويرميها حتى تتناثر أشلاء أشلاء،..
حتى انطلق صوت صفير من خلفه، و..

"يا الهي ما هذا الجمال.. وكأن ملاكاً يجلس أمامي " تحدث رامي بعد أن تقدم ناحية الفتيات وأكمل بخبث وهو يشير بإصبعه بعد ان تنبه الى سلسلتها "لاقت بك كثيراً.."
اجابت قمر بخجل "شكراً.. هذا من لطفك.."
ابتسم لها ثم أتاه صوت من خلفه "وانا يا سيد رامي ألا استحق قليلاً من مغازلاتك!!"
أجابها بسخرية وهو ينقل بصره بينها وبين قمر "عندما تكونين بنفس جمالها سأفعل ذلك"
نظرت إليه بحنق ثم قالت بلا مبالاة " أنا لدي من يغازلني فلا أحتاج لأمثالك.."
ثم أكملت وضع زينتها.. وكل هذا وقمر صامتة مطرقة رأسها تعبث بسلسلتها الذهبية وعيونها تنظر نظرات جانبية على ذلك الرجل الحديدي ،، الذي بدا وسيماً مرتدياً بنطاله الأسود وقميص من نفس اللون يقف على باب الصالة وعيونه ما تزال تحدق شاردة في الفراغ وبمعانٍ مختلفة،..


"مجد الى اين؟!" تساءلت ريم عندما شاهدت مجد يخطو خطاه خارج الصالة..
حينها رفعت قمر رأسها بحركة مفاجئة لتلتقي عيونها بعيونه الرمادية ،، وقبل ان يغوص في عيونها وجه انظاره الى ريم وقال "سأذهب فأنا مشغول .." واخذ ينقل ببصره بين رامي وقمر واردف بقهر "أتمنى أن تستمتعوا بحفلتكم تلك.."
ابتسمت ريم له غير مدركة الى ما يرمي بكلامه واكملت انشغالها بزينتها.. في حين ابتسم رامي بهدوء شديد وكأنه أصاب الهدف مجدداً،.. ونقل بصره إلى قمر وراح يفكر ملياً، وهمس بغيظ شديد " يجب انهاء كل شيء.. فلا تستحقين أن يحصل معك شيء جديد يبعثرك.."

************





مع مرور القليل من الوقت بدأ الضيوف بالوفود الى الحديقة الكبيرة ، حيث ستقام بها الحفلة ،،
كانت تنظر الى كل شيء بعيون باهتة وكأن المشهد الذي امامها من أحد المشاهد القديمة التي تعرض باللونين الابيض والاسود مما يشعر النفس بالكآبة وذلك انعكس على ملامحها،، حيث ارتسمت الكآبة على وجهها القمري وشعور غريب يشعرها بغصة كبيرة تملأ حلقها تخنقها بشدة وانقباض قلبها بين حين و اخر فتكاد لا تصدق حتى تنتهي هذه الحفلة اللعينة برغم انها كانت ومنذ الصباح متحمسة أشد الحماس بقضاء وقت ممتع،..
ولكن كل تلك السعادة التي شعرت بها وكل جبال الأمل التي ترسخت في قلبها تهدمت فور اعلان مدمرها انه لن يحضر الحفل فأين تراه يكون!!
ألن تكفي عن حماقتك يا قمر انه لا يحبك ألا تفهمين،، ألا ترين نظراته التي تعبر عن احتقراه او كلماته المسمومة ،، انه لا يحبك !! قالت ذلك في نفسها بعد ان تنهدت طويلاً تعبر عن الألم الذي بداخلها وهي تجلس على احد المقاعد عند تذكرها عبارة رامي " مؤكد ان كان سيدعوها سيذهبان سوياً الى مكان ما.. "
ثم اخذت تعبث بفستانها الاسود شاردة الذهن تفكر بتلك الكلمات ثم اكملت حديثها مع نفسها ومن تستطيع ان تحب وتعشق شخص مثل هذا الرجل الحديدي البارد ،، ابتسمت بسخرية وهي تدرك الامر ثم قالت بسخرية مريرة و بصوت منخفض " أنا "

" لم أكن اعلم انك حمقاء الى هذه الدرجة حتى تتحدثي مع نفسك.." خرجت تلك الكلمات بسخرية من مجد الذي جلس بجانبها فشعرت بضيق برغم تلك اللهفة والرغبة بالحديث والنظر ناحيته فأكمل هو باستفهام " يبدو انها لم تعجبك الحفلة ؟!"

اندهشت من مجاوبته وتوجيهه الحديث معها و راحت تنظر الى المكان فهو ممتلئ بأناس من الطبقة الراقية ،، يبدو عليهم الثراء الفاحش وكيف ان الجميع يقضي وقته سعيدا باستثنائها.. فأخذت نفسا عميقا " يبدو هكذا.."
رد عليها " لست انت وحدك "
يبدو انه يوافقها وللمرة الاولى التي تكون هناك نقطة مشتركة بينهما ابتسمت لتلك الفكرة و حاولت جاهدا ان لا يبدو عليها الارتباك فأزاحت نظرها الى الناحية الاخرى لتلتقي نظراتها بابن عمها رامي حيث كان يبتسم لها فبادلته الابتسامة على مضض ثم التفتت بحدة حيث مصدر الرائحة لترى انه قد اشعل سيجارته التي تلازمه دائما في جيب بنطاله ويا لها من عادة سيئة جداً فعندما يشعر بالسوء والضيق من نفسه ومن ما حوله يبدأ بهذه العادة هكذا هي تخمن فهل هذا صحيح؟! ، وأخذ ينفث دخانه بلا مبالاة مرة تلو الاخرى ينظر ببرود الى هذا الحفل وقد شعرت بالارتباك وتوردت وجنتيها بحمرة خفيفة وهي تنظر الى ملامح وجهه المشدودة والى عيونه الحادة وبرود اعصابه وكونه يشابه التماثيل والتحف بل رئيسهم وجدهم الأكبر ولكن وبرغم قساوته وبروده الا انه اوسم شخص قد رأته عيناها واول شخص قد احتل قلبها فبغيابه يصبح قلبها كئيبا حزينا وبوجوده تكون السعادة قد غمرتها فبرؤيته يزرع سهام السعادة في قلبها فيجعلها فراشة تطير بسعادة في هذا العالم الفارغ من كل شيء الا هو ،،أغمضت عيونها فهي تخشى ان يكون قد سمع خفقات قلبها التي زادت او انتبه على ارتجافة اوصالها وهي تتأمله..
اما هو فقد شعر بنظراتها ولم يكلف نفسه بان ينظر اليها فتجاهلها كليا وابتسم بهدوء.. يبدو ان الامر اعجبه !! ما هذا الهراء مطلقا قال ذلك في نفسه وهو ينفض من رأسه تلك الفكرة ثم رمى عليها بنظرة قاسية جعلتها ترتجف وقلبها الذي تزايد دقاته ليس خوفا فقط فنظرته تلك كافية بأن تحدث زلزالا قويا فيها،
أشاحت بوجهها مرة اخرى فتمالك نفسه الى ان ضاق صدره من تلك السيجارة فرماها ارضا وسحقها بقدمه وقال بسخرية " اعلم انني جميل لا داعي لاطالة النظر.." ولما لم ترد عليه بشيء التفت اليها وهنا كانت الصاعقة حيث كانت تصوب نظرها ناحية رامي من جديد ،، وشعر بالدم يتدفق في سائر جسده فشد على قبضته بقوة ،، وحاول تمالك نفسه ولكنه لم يستطع ذلك فأخذ ينظر الى رامي بحقد كبير ثم اعاد انظاره اليها كانت تعبث بتلك السلسلة من جديد شاردة الذهن تفكر بذلك السجان الذي بجانبها والذي يأخذها من هذا العالم الى عالم آخر ،، فلا تنكر انها سعيدة لوجوده ولن تهتم أبدا للسانه السليط و لا لعيونه الرمادية القاسية يكفي انه هنا وبجانبها ،، يكفي ان قلبها الان يرقص بسعادة فقد تبددت تلك الشكوك التي علقت برأسها !! ثم ارجعت يدها لتعبث بفستانها من جديد....

ومن جهة اخرى كان رامي ينظر نظرات خاطفة اليهم بين الحين والاخر الى ان شعر بالملل فاستأذن مِن أصدقائه ، حتى سار حيث جدته والتي كانت تحادث امرأة كبيرة بالسن
" عذرا للمقاطعة ولكن جدتي اريدك في امر ما.."
نظرت اليه الجدة بقلق وما كان من الامرأة الاخرى الا ان تذهب مبتعدة فقالت الجدة فورا " هل هناك شيء يا عزيزي !!"
هز رأسه نفيا فقال وهو يضع يده على كتفها " ليس هناك داعي لهذا القلق ،، كل ما هنالك.."
صمت قليلا ثم اكمل وهو ينظر الى مكان ما " لقد عاد ويجلس بجانبها لا ادري ان كان سيفعل شيئا ..."
ابتسمت الجدة ثم قالت " لا اظن انه سيفعل شيئا امام هذا الحشد الكبير ،، ( صمتت قليلا ونظرت ناحية مجد وقمر ثم قالت بحزن) لا يبدو انه سيلين قلبه أبدا وأنت لا..."
قاطعها قائلاً: " لقد حجز للسفر مرة اخرى الى باريس ،، لن تنفع معه القوة هذه المرة "
تبدلت ملامح الجدة الى الضيق وصمتت وهي تصوب نظرها ناحيتهم فأكمل رامي " اظن انك لن تريها سعيدة معه ،، سيعذبها حتى لو كان يحبها فأنه لن ينسى جرحه القديم.."
قالت الجدة باستغراب " هل تقصد أنه..!!"
ابتسم رامي لجدته وربت على كتفها وقال بعد ان وجه بصره حيث مجد والذي كان ينظر اليه بحقد " اجل انه يحبها و يكاابر بكل تأكيد ولكنه لن يستطيع ان يعذبها لذلك قرر السفر ،، فها قد تحقق مناكِ بأن يحب ومن الفتاة التي تريدين ولكنه يا جدتي انه يتصرف باضطراب شديد. مؤسف على قمر"
قال هذا وتوجه الى حيث يقف بعض رجال الأعمال تاركاً جدته تشعر بتأنيب ضمير خوفاً من أن يصيب حفيدتها بشيء ،، فهي المسؤولة عن محاولة تقريبهما وتتمنى في اعماقها ان تكون مخاوفها خاطئة حتى لا تعيش قمر في جحيم مجد اللامبالي بشيء والذي ينظر الى ما حوله بعيون باردة ،، وهي في شرودها ذاك أتت من خلفها امرأة شابة بعض الشيء ذات قامة ممشوقة من الطبقة الراقية ابتسمت لها ثم تذهب معها لتختفي بين هذا الحشد من الضيوف أمام نظرات مجد المستنكرة الذي عاود اخراج سيجارة اخرى ثم قام بإشعالها وأخذ ينفث دخانها وكأنه يخرج تلك الاوجاع التي بداخله ويحاول قدر المستطاع ان لا يصب غضبه بطفلته الحبيبة التي تنظر الى وجهه بشرود حيث قطبت جبينها بضيق وعلامات الانزعاج واضحة على وجهها فقال وهو يخرج السيجارة من فمه ويلقيها ارضاً: "هل رائحتها مزعجة الى هذا الحد ؟!"
تنبهت على سؤاله ذاك فما كان منها الا ان تهز رأسها ايجابا بعد ان ازدردت لعابها بصعوبة ،، وراحت توبخ نفسها على فعلتها فكيف تجرؤ على النظر مباشرة اليه وشعرت بالاستياء فأي تفكير بشع سيفكر به وأي انطباع سيء سيرتسم في مخيلته الآن ،، ولكنها ما زالت الى الآن تنظر اليه فأشاحت بوجهها وبدأت توبخ نفسها من جديد يجب ان تكفي عن النظر اليه ،، كيف يمكنك ان تفعلي شيئا كهذا يا حمقاء ،، عليك ان تتمالكين نفسك وان تحاولي بشتى الطرق الابتعاد ولا تتعدي تلك المسافة التي بينكما لألا تكون النتيجة مأساوية قالت ذلك في نفسها وكأنها تحاول جاهدا تجاهل مشاعرها نحوه فتنهدت بضيق واستدارت بعدها الى ريم ذات الوجه العابس والتي توجهت اليهم بعد ان تنبهت بسكونهم والهدوء الذي يغلف محيطهم " ألن تستمتعوا بالحفل !! يجب عليكم ذلك لأن هناك فترات طويلة بين الحفلات التي نعقدها...!!"
همت قمر بقول شيء ما لولا ذلك الرد المفاجئ وبابتسامة ساحرة: " بعد قليل،،فهنالك حديث خاص أريد التحدث به مع قمر "
نظرت ريم اليه بشك، فما كان منه الا أن يرسل اشارة لها بالاطمئنان، أومأت رأسها ثم أرسلت قبلة في الهواء إلى قمر وقالت بشقاوة " انتِ جميلة اليوم يا قمر يبدو أنني أنا أيضا أغرمت بكِ يا فتاة.."
ابتسمت قمر لها، بينما جحدها مجد وهزت ريم كتفيها بلا مبالاة وعادت ادراجها لتختفي بين الحضور بينما ران الصمت لفترة قصيرة بين ذلك الثنائي حيث كانت النظرات الحادة موجهة حيث مجد وما زالت تلك الابتسامة على وجهه الى الان الى ان ابتسمت قمر وقالت بصوت ساخر "حقاً؟!"
نظر إليها لوهلة حتى همس " يبدو أنك أخذت الانطباع السيء عني.. و.."
بدد كلماه ورأته يشيح وجهه بضيق أم هذا الذي تخيل لها !! أيا كان ما رأته فقد لمحت بريق عيونه الرمادية الذي ينم عن الضيق فطأطأت رأسها وتشابكت أناملها وهي تفكر بعيونه الحزينة فتكاد لا تصدق حتى الان مجد البليد البارد والذي يحاول بسبل شتى ان يقذف عليها بحممه البركانية يشعر بضيق من سخريتها أليست عادته ان يرمي عليها بأسلحته المتنوعة ولكن لم هو صامت هكذا الان !!
أخذت نفسا عميقا ورفعت رأسها بشجاعة فهي لن تخشاه ولن تحاول العبث معه يكفيها ما تلقت منه في الايام الماضية ثم وجهت عيونها العسلية عليه رأته يخرج سيجارة جديدة من تلك العلبة اللعينة وعندما قارب على اشعالها همت بالنهوض لتبتعد عنه فانه بقربه وبعده يزيد من ألمها وثقل رأسها الذي يفكر فيه باستمرار ولكن يده التي امتدت الى مرفقها لتمنعها عن الابتعاد شلتها عن الحركة لتبقى متجمدة مكانها دون حراك تنظر بوجهها المشدود من الصدمة الى أمامها وهي تشعر بيده تلف يدها وتضغط عليها برفق وشفتاه التي شعرت انهما تتحركان ببطئ شديد حيث جاء صوته كعادته في بحة غريبة وهو ينطق بحروف اسمها بشاعرية كبيرة جعلت قلبها ينتفض ويأبى الابتعاد تريده الان بكل جوارحها تريده هو بالذات تريد ان تبقى معه وتشعر بمثيل هذا الدفء التي شعرت به عندما لامست اناملها بشرتها الناعمة، تريده هو فهي تشعر أنه الشفاء لقلبها ولسنواتها التي مضت..!
أخذت تتأمل ملامحه امام مشاعره المضطربة والفوضى العارمة التي ألمت به فهو يريدها ولا يريدها في آن واحد !! هكذا هو يريد ان يقف بالمنتصف خطوة للأمام ثم خطوة للخلف ليس قريبا الى حد ما وليس ببعيد أيضاً.. فلا يريد الاقتراب منها فيرهق روحها ويتعذب بذلك ويجعل منها زهرة ذابلة ويبث بسمومه عليها فيجعلها جثة هامدة على قيد الحياة ولا يريد الابتعاد كثيرا فترهقه نيران حبها التي سيطرت عليه واشتياقه لفتاته الصغيرة التي تنظر اليه بعيونها العسلية البريئة فضاع فيهما وما زالت يده ملاصقة ليدها الى ان شعرت بفداحة ما تقوم به فأحست بالراحة لإدراكها الامر وعودتها السريعة الى وعيها وانتبهت الى تلك النظرة الغامضة التي يقذفها بها وبعد ذلك صوبت نظرها الى يده وكأنها لتوها احست بها فارتعشت قليلاً وأبعد يده بعد ان لاحظ وأحس بذلك الارتجاف فيها ،، ابتسم لها ثم نهض بتثاقل حاملاً معه علبة السجائر وقال قبل ان يختفي عن الانظار مبتعدا عن سحرها: " أود لو أقضي مع القمر مزيداً من الوقت،.."
...........
.........
.......
.....
...
.

ثمانية كلمات جعلت قلبها يرقص فرحا وخفقانه يستمر ويستمر وتطن به الآذان وانها تجزم ان الجميع قد سمع ذلك الطنين المنبعث من قلبها بسبب ذلك الشخص الخطأ الصحيح في نفس الوقت ... كلمات جعلتها تتأكد انه كذلك وانه الرجل الحديدي اللين ،، الصلب القاسي ذو القلب الطيب .. يخفي بين اضلعه حنان الدنيا بأكملها... وارتسمت على شفتيها ابتسامة حالمة وهي تلاحقه بعيونه اللامعة منذ ان نهض الى ان خرج وتلونت الحياة امامها بألوان مبهجة وتبدلت تلك العيون الباهتة التي كانت من قليل الى عيون تغمرها السعادة الشديدة ،، وأخذت معالم الحفل تتضح تدريجيا ،، و بدأت تلك الالوان الكئيبة بالذهاب لتحل محلها الوان الطبيعة الخلابة فها هي اوراق الشجر على اغصانها البنية برغم عتمة الليل والاضاءة الخافتة قد عادت الى خضارها المعتاد وتلك الزهور المترامية بالأطراف اخذت تنشر عبيرها، وهنا اخذت نفسا عميقا بكل راحة لتستقبل رائحة الربيع وكأنها بدأت حياتها للتو قبل ان تجول بنظرها الى المدعوين وكيف يستمتعون بوقتهم في هذه الامسية الجميلة فنهضت من مكانها لتنضم اليهم وقد شعرت بالرضا والسعادة من نفسها ومن رجلها متقلب الاحوال لأنه حسن من حالها بكلمات صغيرة تكاد تكون وهمية بعض الشيء وتمنت في سرها ان يدوم حاله ذاك!! ولكن هل سيدوم أم ان ضربة قد ألمت برأسه لتجعل تصرفه غريبا!! ،، هزت كتفيها بلا مبالاة بعد تلك الاسئلة التي وجهتها الى نفسها حيث لم تجد جوابا شافيا كافيا وهي تتوجه الى ركن العصائر لتأخذ عصير الليمون الطازج والذي ينعش النفس وترتشف منه رشفة تليها الرشفة للتوجه بعدها وتغوص في هذه الأمسية....
وما زال أثر سحر يده التي كبلت مرفقها راسخ في عقلها وقلبها الذي ينتفض حين تذكر الموقف
حتى نهاية الحفل ....


وفي صباح اليوم التالي كانت تغط في نوم عميق.. في شرفة تطل على حديقة منزلهم الكبيرة .. تجلس على كرسيها الهزاز ممسكة بورقة قد خط عليها رسوما عشوائية بقلم الرصاص.. وشعرها المجعد الذي انتشر على وجهها البريء، الذي صنع منها قمراً مضيئاً في وضح النهار .. و نسمات الهواء اللطيفة تداعب بخفة خصلات شعرها التي انعكس ضوء الشمس عليها....

نهضت من نومها فزعة.. عندما امتدت تلك اليد لتوقظها من سباتها العميق..
"انسة قمر.."
فركت عيونها الناعسة الحمراء ثم قالت بصوتها الناعس "صباح الخير سالي.."
ابتسمت الخادمة وهي تأخذ منها تلك الورقة وتضعها على منضدة خشبية بيضاء اللون "صباح الخير.. قلقت عليك لهذا جئت لايقاظك.."
"لا بأس.. كم الساعة ؟!" قمر وهي تدلك عضلات عنقها النحيل المتشنجة..
"انها الحادية عشر..."
نهضت من مكانها لتتجه نحو دورة المياه ثم عادت لتسألها بارتباك "هل الجميع هنا؟! اقصد هل من أحد هنا.."
"لا.. فالجميع بالخارج.."
اومأت رأسها بحيرة "هل يمكنك تحضير الفطور" هزت الخادمة رأسها وغادرت الغرفة ثم تساءلت قمر في سرها "اين يكون الى الان ؟!"
ما بالك تشغلين نفسك به يا قمر .. وهو لا يزال ينظر اليك كفتاة مجرمة اقترفت بحقه شيء... ولك كان ليلة أمس مختلفاً كلياً.. لقد بدا غريبا جداً... كان شخصا آخر غير ذلك المجد الذي يظهر ليعكر مزاجي ويدمرني ،، ولكن يا تراه أين يكون الآن!!!
تنهدت بحزن وهي تخرج من دورة المياه واتجهت حيث ملابسها وأخرجت فستاناً قديم الطراز بعض الشيء بلون الليمون الحامض.. ووضعت شريطة خضراء اللون ترفع خصلاتها المجعدة عن جبينها.. ثم نظرت الى تلك السلسلة الذهبية بحزن ووضعتها بالصندوق المخصص بمجوهراتها.. ليتبع صوت اغلاق الصندوق طرقات على باب غرفتها وصوت الخادمة تستدعيها للفطور....


بعد ليلة خارج منزله قضاها على شاطئ البحر.. يعود إلى منزله شاحب الوجه غير مكترث بلباسه الذي تلوث من رمال الشاطئ الشقراء.. ركن سيارته بالموقف الخاص ثم ترجل منها ثم متجهاً الى الداخل لتستقبله الخادمة بابتسامة قلقة..
"أين جدتي؟!" تساءل بنبرة جافة باردة
"ذهبت للمشفى من اجل مراجعتها الشهرية واما البقية.."
قاطعها بنبرة غاضبة "لم اسألك عن البقية.. "

توجه بعدها الى عتبات السلم وصادف في طريقه تلك الليمونة الصفراء، اخذ ينظر اليها مطولاً وكأنه غاب عن المنزل لسنين طويلة.. وبرؤيتها هدأت براكين كادت حممها ان تفور وتخرج من صدره.. اما هي سرت قشعريرة في جسدها من قمة رأسها الى أخمض قدميها جعلتها تنتفض امام عيونه الرمادية التي تتصفح جسدها كجريدته اليومية.. واما ذكرى الامس التي عاودت شريط الذكريات تشغيله كأنه فيلم سينمائي يعرض امامها شعرت بقلبها الذي تزايدت ضرباته بعنف شديد وليس ذلك فقط فقد كان جسدها يهتز بارتباك وحتى تخرج من تلك المشاعر المختلطة التي ألمت بها.. أخذت قدماها تنزل على عتبات السلم بأطراف مضطربة .. ولكن
"صباح الخير.."
خرج صوته على غير العادة مماثل لصوته في الامس .. صوت حنون تسيطر عليه بحة غريبة.. تجعل سامعه ينجذب اليه .. فانتابتها دهشة بالغة لهذا الرجل الحديدي حتّى أنّها لم تستطع أن تنطق بحرف.. فانها منذ قليل قد سمعته يلقي بجم غضبه على الخادمة بصوته العالي فتشابكت الأفكار في رأسها فقيّدتها وشلّت حركتها وجعلتها سجينة حيرة أخذت تنهش عقلها، فكيف يمكنه ان يكون ذو شخصيتين الأولى حادة والأخرى هادئة؟!،تحاملت على نفسها وهدّأت من روعها ولمّا شعرت بالاستقرار فكّرت في هدوء ولم تجد أفضل من أن ترد على ذلك الحديدي الذي ينتظر اجابتها على أحر من الجمر ،، ليسمع صوتها .. صوت فتاته الذي يعد دواء شافياً لجميع اوجاعه وآلامه التي أجهدته..
فقالت بصوت خافت "صباح الخير.." ثم بدأت لتخطو خطاها نحو غرفة الطعام لتناول طعام الفطور تاركة ذلك الحديدي .. الذي لا يستطيع إلا ان يرى ملاكه.. قمره الوحيد كما أسماها في ليلة أمس.. تنهد بتعب وهو يمسك تذكرة سفره بقوة.. فأفضل حل له للهروب منها ومن طيفها الذي يلاحقه هو السفر وترك كل شيء هنا.. حتى لا يقوم بالتفنن بتعذيبها...

#######$$$$##

وقفت امام ذلك المتجر لا تستطيع ان تكف النظر عن ذلك الفستان الأخضر بعيون لامعة كلها دهشة واعجاب ومن خلفها صديقتها التي فغرت فاها أمام ذلك المشهد لتقول بضجر "ريم يكفي انظري الى عدد المشتريات .. هل انتِ حمقاء "
اجابتها ريم قبل ان تدخل الى المتجر "سأشتريه يا أمل .. (وأخذت تشير الى احد الجاكيتات القصيرة البنيّة اللّون ذات الأزرار المصنوعة من البرونز) واستشري ذلك الجاكيت فهو يناسب الفستان "
هزت كتفيها بقلة حيلة وهي تدلف من خلفها الى المتجر ثم تخرجا منه بعد انقضاء نصف ساعة متجهتان الى مقهى صغير موجود بالقرب من هذه المتاجر.. في مركز التسوق الضخم
"هل تعلمين .. هذه المرة الاخيرة و اتبعك في جنونك هذا"
ابتسمت ريم وضحكت بسخافة "لم يضربك احد على رأسك واجبرك على ذلك.."
تنهدت أمل وقالت بعد أن وضعت مجموعة من الأكياس على الكرسي "حسنا لا تبدأي.. هيا اطلبي شيئا الى ان اذهب واعود.. "
اومأت برأسها لتذهب أمل وهي تقبلها عن بعد واشارت الى النادل ليأتي حيث طاولتها ويأخذ الطلبات... وتمضي عدة دقائق وتعود أمل..
"اسمعيني جيدا.. سنذهب مباشرة كلاً الى منزلها.." قالت أمل محذرة
اجابتها ريم بملل "حسناً.." وأخذت تعبث بهاتفها المحمول بأنامل مرتجفة...
تساءلت أمل " ريم ماذا هناك؟!"
هزت ريم رأسها نفياً..
تحدثت أمل "هل تظنينني مغفلة .. انا افهمك هياا اخبريني لنا مدة طويلة لم نتحدث،، لا ادري ما سبب ابتعادك"
أدخلت الى صدرها نفساً طويلاً ثم " أنا قلقة على رائد.. لم ألتقي به منذ ان اسبوع"
زفرت أمل بضيق "وان يكن.. يكون مشغولاً بشيء ماا "
اومأت برأسها وقالت بنبرة حزينة " من المؤكد انه ينشغل بالعمل طوال النهار،،.."
أمل بنبرة ساخرة " شيء بديهي " ثم نظرت اليها بغموض ثم قالت "ريم لا تعلقي نفسك في شاب مثله.. لا يستطيع ان يأوي عائلته.."

قالت بحدة " وما به رائد..؟!"
"لا شيء .. لم اقصد الا انه شاب فقير.. اعني انه لن يستطيع أن يؤمن لك حياة هنيئة"
بلعت ريم غصتها ثم قالت بنبرة يتفطر القلب حين سماعها " ولكنني احبه"
ردت عليها بنبرة حانية عكس ما تخبأه في قلبها " ولكن الحب وحده لا يكفي "
شبكت ريم اصابعها ببعضها البعض وهي تضعهم على الطاولة ولازمت الصمت لتكمل امل " انت تحبينه .. ولكن هو ما مشاعره اتجاهك؟! حتى وان كان يبادلك المشاعر.. فلن يكون هناك أمل في نجاح العلاقة .. يكفي انه فقير معدوم لن يستطيع تحمل طلباتك ومشترياتك الثمينة "
فقدت ريم عقلها وصوابها و بسرعة فائقة قاطعتها بانفعال "أمل اصبحت تتحدثين مثل امي.. ثم ماذا يهم ان كان معدوما كما تقولين انا احبه و سأعيش معه بجميع ظروفه"
"ولكن الحب أعمى.. وان كنتي تعتقدين انك تستطيعين العيش معه وبظروفه تلك انت حينئذ مخطئة.."
وأكملت عندما لم تجد منها رداً غير عيونها الحزينة "انا عندما تحدثت عنه لم اقصد جرح مشاعرك.. تهمني مصلحتك فأنت صديقتي وأختي في الحياة.. اردت ان اوضح الامور لك وانك لن تنسجمي في حياتك تلك .." صمتت قليلا ثم أردفت بابتسامة حانية " اسمعيني جيداً.. تبدو لك العلاقة كما يصورها عقلك جميلة وستكون حياتك جميلة معه لأنك لم تفكري جدياً كيف سيكون المستقبل من دون مال وفير حتى وان كانت علاقتكم مبنية على الحب.. ولكن الحب وحده لا يكفي في اقامة عائلة.. اعلم كم هو شعور صعب ان يكون حبك من طرف واحد .. ولكن شعور اصعب ان تعيشي في وسط بيت صغير قديم وانت معتادة على حياة فارهة كهذه "
وما كان من ريم الا ان ارجعت خصلات شعرها خلف أذنها ويبدو ان كلام أمل قد أثّر في نفسها ولكنّها كتمت شعورها مغلوبا على أمرها،،، والغيظ يقطع وينهش قلبها ،، وهي تفكر بكلامها الذي بدا شيئاً ثقيلاً على عقلها فلم تستوعبه ولا تريد استيعابه ،، والتي تخرجه بين الفنية والأخرى غير مهتمة بقلب صديقتها الذي تعلق في ذلك المدعو رائد فهي تعلم وتدرك وموقنة انها ستعيش معه في جمال الحياة ومرها.. في الجوع والعطش .. في مكان ضيق قديم.. يكفي ان لا تبتعد عنه او يبتعد عنها.. لا تريد من القدر الا ان ييسر طريقهم سوية ليعترف لها بحبه ويعيشان في حب ومودة لسنين طويلة معاً الى الأبد...

#################
بعد وقت طويل قضته الطائرة في التحليق عالياً باسطة جناحيها البيضاء في افق السماء الزرقاء الصافية في ايام الربيع .. لتحط عجلاتها اخيراً على بلد اشتاق لرؤيته.. لمدينة ولادته وأصل منشأه.. الى هواء بلده العليل الذي يستنشقه ويدخل الى صدره الراحة والسكينة..
اغلق ذلك الكتاب الذي كان بيده والتفت حيث صغيرته.. والتي لم تتجاوز السابعة .. بشعرها الاشقر القصير وعيونها الزرقاء الواسعة وجفنيها الناعسين.. قصيرة القامة بالنسبة الى من هم في عمرها.. نحيلة هزيلة الجسد.. تجلس وبكل ملل ممسكة ألوان التلوين ودفتر رسمها الخاص بأناملها الصغيرة البيضاء.. ترتدي فستاناً ابيض اللون .. ليتحدث بنبرة حانية وهو يمسح على رأسها "هيا يا عزيزتي.. لقد وصلنا.."
تركت ما بيدها وتعلقت في عنق والدها بحماس وقفزت فرحا ببراءة طفولية..

وبعد الانتهاء من الاجراءات التي تخصهما.. خرج ممسكاً بيده اليمنى طفلته الصغيرة التي تتدلل وتطلب منه طلبات جمة ومن خلفهما موظف يجر حقائب السفر الى ان استقلا سيارة فارهة سوداء....
كان رجلاً في متوسط الاربعينيات من العمر.. ذو قامة طويلة.. ممتلئ الجسد بعض الشيء .. ذو وجه عريض.. وعيون تلونت بلون زرقة السماء.. و بشرة بيضاء بدأ الزمان بترك آثاره عليها حتى ظهرت فيها خطوطاً داكنة وشعراً اسود قاتم ليبدأ نقيضه الشيب الابيض بشن غزوه عليه مضيفاً على مظهره هيبة ووقار ،، من ينظر اليه يشير اليه بانه اجمل واحن والد وهو ممسك بيد طفلته بخوف يخشى عليها من الضياع الى ان وصلا السيارة......

وفي الطريق سألته بكل براءة "لماذا لم تأتي والدتي معنا؟!"
رفع بصره عن كومة الاوراق التي يمسك بها " انها منشغلة بعملها.."
تقوس فم تلك الصغيرة ونظرت بحزن الى والدها وقالت " جميعكم تنشغلون عني.."
ترك كومة الاوراق التي كان يمسكها و وضعها في حقيبة سوداء مربعة الشكل.. وقال بنبرة حانية وهو يجذبها نحوه " انا متأسف يا ملاكي .. ولكن هناك امراً يشغل بالي.. "
ابتسمت بمرح وتساءلت وهي تنظر من النافذة "الى أين سنذهب الآن؟!"
اجابها بعد ان اعتدل في جلسته " الى احد الفنادق سنستريح قليلاً قبل ان ننتقل الى المنزل ثم سنذهب بعدها للتنزه"
اتسعت ابتسامتها وقالت بحماس " جيد .. انا احب التنزه.. " وعادت لتنظر الى طرقات هذه المدينة الجديدة بابتسامة طفولية بريئة..




بعد منتصف الليل.. وعند انتصاف البدر في وسط السماء مطلقاً اشعته الفضية التي تملأ الطرقات.. بدت له الغرفة ضيّقة، موحشة، وانكمش على نفسه داخل فراشه، بين أربعة جدران، وظلّ لسّاعات طويلة شارد الذّهن، لا يكاد يستقرّ على حال في هذه الليلة المعتمة... الى ان وجه انظاره نحو حاسبه المحمول و طافت على بحر ذكرياته تلك الرسالة.. ليسرع ويتخلص من انكماشه ويسير بغضب نحو مكتبه ثم .....
(صباحك سكر عزيزي.. ما أخبارك؟!
ارسلت هذه الرسالة لأخبرك اني افتقدتك كثيراً.. اشتقت لأيامنا سوياً.. لا أنكر ان ما فعلته شيئا لا يغتفر ولكن أنت كنت تماطل بحجة عائلتك وانا لم استطع الانتظار أكثر ... أرجوك سامحني واسمح لقلبك بأن يفتح من جديد..
جيني )

أخذت عيونه تشتعل غضباً وشعر بالدم يتدفق في عروقه هائجاً مجنوناً ساخناً،، يتصاعد لهيبه حتى شعر وكأنه حرق روحه ،،وهو يقرأ كل حرف من حروف رسالتها والتي حفظها ظهراً عن وجه قلب .. حيث ارسلت قبل عام من قبل محبوبته السابقة .. واغلق حاسبه المحمول بعنف بعد ان حذف تلك الرسالة من بريده الالكتروني.. ووقف من مكانه ليتجه خارج غرفته فقد شعر بالاختناق وضيق في صدره..
ولكن لمحها تقف في الجهة الأخرى من الممر تخرج من تلك الغرفة التي خصصها الجد لابنة عمه .. وتتمثل ببراءة لا تليق بها.. فصرخ بأعلى صوت له "ماذا تفعلين انتِ هنا؟!"

وقفت مكانها للحظة بغير استيعاب منها سبب صراخه وانفعاله ذاك.. وما مقصده من سؤاله ... فخفق قلبها وتسارعت دقاته وأخذ العرق يغزو جبينها .. فيبدو من انفعاله ذاك ان حرباً جديدة ستبدأ بالاندلاع.... فآثرت العودة الى مرسمها بأطراف مرتجفة .. ولكن وقبل ان تدوس قدماها الى الداخل.. انقض عليها ليمسك بمعصمها بقوة كبيرة كادت عظامها الصغيرة ان تتكسر بين يده الضخمة القوية والتي برزت عروقها... فاعتصرت من شدة الألم وهي تنزل رأسها الى الأسفل..
تحدث من بين أسنانه وبصوت منخفض، كي لا يستيقظ أحد من المنزل..
"ماذا تفعلين هناا؟! هياا اخرجي لا مكان لك هنا.."
رفعت رأسها بحدة مندهشة من كلماته تلك .. وكانت عيناها لامعتين.. شاحبة الوجه، تنظر اليه بحيرة وألم ... اما الرجل الحديدي قاسي الملامح .. جاف النظرة اكمل في بث سمومه بحقد واحتقار " هذا المكان لا يحتويكِ.. اخرجي انت وقذارتك.."
وازداد صوته حدة أكثر وهو يشد بيده الحديدية على معصمها للحظة تكاد عظامها تتفتت من شدة امساكه له "أخرجي من حياتي"
فطأطأت قمر رأسها من شدة الالم وانحدرت دموعها التي سقطت بحرارة من عينيها العسليتين الحزينتين... وكادت أن تصرخ به إلأا أنها شعرت بالاختناق وضيق في التنفس.. واختل توازنها وثقل رأسها وما عادت تستطيع ان تقف بجسدها الهزيل ذاك فسقطت مغشياً عليها امام عيونه النارية الخائفة عندما رآها ملقية على الارض بشورتها القصير الذي يصل حتى ركبتيها وقميصها الأزرق ..يتناثر شعرها المجعد على الارضية.... فازدادت ضربات قلبه وبدا عليه الخوف والهلع بشكل واضح خوفا من اصابة محبوبته وفجأة ومن دون شعور غرقت أجفانه بالدموع.. ونزل لمستواها ثم اخذها بين ذراعيه وضمها اليه بكل ما تعتليه من قوة..



عبد جبار 29-10-19 10:16 PM

يسعدالله مساكم رواية جميلة جدا وجذابة واسلوبك سلس وحلو مرة ابدعتي اتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم لاتطيلي الغياب دمت بخير

لامارا 07-11-19 12:06 AM

" لا تشرق الروح إلا من دجى الألم، هل تزهر الأرض إلا من بكى المطر؟!."
- جلال الدين الرومي




(6)






يتصاعد بخارٌ ساخن من أمامها، تجلس محاذية للنافذة بشرود ترتخي عضلاتُ وجهها حيناً وحيناً أخرى تشتد بشدة،.. يتراءى لها كل شيء الماضي والحاضر والمستقبل،
تبقى بين خيالاتها وجزءاً من أحاسيسها،.. إلى أن أتاها صوته ساخراً، فانتشلها من أحلامها الوردية التي لا تصبح حقيقة، فعبست عندما قال :
" حقاً ابنة عمي حمقاء حمقاء .. ان كنتِ تريدين تخيل الحب لا داعي لأن تظهري احمرار وجنتيك.."
اشاحت وجهها بعيدا بغيظ و حزن " لا شأن لك .. اهتم بأمورك ولا تنشغل بأمور الأخرين.."
ضيق عيناه " ماذا حدث؟ "
بعثرت نظرها ثم همست " لا شيء، وكل شيءٍ حدث.."
تنهدت بعمق وعادت بذاكرتها للوراء، إلى اليوم الذي خرجت به للتسوق مع أمل،
حيثُ..
("ريم أين شردتِ ؟!"
انتشلها ذلك السؤال من افكارها الحزينة فأومأت رأسها نفياً،
تحدثت أمل " حسنا اذهبي وعدلي من مظهرك الحزين !!"
" حسنا.." ونهضت متوجهة نحو دورات المياه وفي نفس اللحظة انطلق صوت رنين هاتف ريم ،، لتنظر اليه أمل وتبتسم ..

" أهلا ريم ..."
اجابت امل " لا بل انا أمل،، ما أخبارك يا خالة !!"
" اهلا عزيزتي،، بخير ،، ما الأخبار عندك !!" ابتسمت امل بمكر وهي تعدل خصلات شعرها " كل شيء على ما يرام ،، "
" هل حاولتِ التحدث اليها !!"
" أجل بالطبع ،، " أمل بثقة ،، صمتت قليلا ثم اكملت " انها الان في دورة المياه.. وحاولت جاهدا ان اصرف نظرها عن ذلك المعتوه رائد.."
" حسنا فعلتِ،، "
" اعلم ذلك،، تهمني مصلحتها اولاً ثم انني لم انجح مع رائد ،،" ضحكت بتهكم " يبدو انه كان يريد ان يصبح ثرياً.."
" لا اريد لابنتي ان تحزن في المستقبل ،، لذلك افعلي ما بوسعك.."
" اني افعل ما بوسعي يا خالة.. ثم بوجود شخص غير رائد مؤهلاته تسمح ف......"

وهنا وقفت ريم غير مصدقة بما سمعته! هل يعقل ان صديقتها تحاول جاهدة مع والدتها ابعادها عن من تحب !! كيف يستطيعان فعل ذلك بها،،
بلعت غصتها وتذكرت كلمات صديقتها والتي توجهها لها بين الحين والاخر الى ان سئمت ريم منها حتى اصبحت تحاول تفادي الحديث معها " شاب فقير،، معدوم،، تهمني مصلحتك.. لا يتوقع منه ان يأوي عائلته.." وضعت يدها على رأسها وكأنها تمنعه من الانفجار وحينها التفتت امل الى الخلف لترى ريم فزادت ضربات قلبها وقالت بخوف على نفسها وليس على ريم "ريم (وهنا بدأت تتلعثم) هل..أن.. انتِ بخير ؟!"
اجابتها ريم وهي تجتذب مشترياتها " اني اشعر ببعض من الدوار......" )



ابتسم رامي بسخرية على ريم ثم قال وهو يوجه انظاره نحو جدته التي تحتسي كوباً من الشاي الأخضر الساخن " جدتي الجميلة هل ما زلت على رأيك ؟!"
أجابته وهي تلتقط كتاباً صغيراً وتضع نظارات الرؤية الخاصة بها " اجل يا رامي ،، سأنتظر مجد الى ان يعود .. ثم انهم سيذهبون الى مركز التجميل وانا.."
وأكمل رامي بابتسامة " وانت جميلة بما يكفي "
قهقهت الجدة ثم بعد دقائق اكتسى الجمود ملامحها، فصوب رامي نظره مع الجدة إلى ريم حتى أن همس " لا أعلم ما بها يا جدتي.. هل حصل شيء معها ومع رائد يا ترى؟.."
اجابته على نفس وتيرة الهمس " صدقاً لا أعلم،.."
أعاد رامي نظره إلى ريم حتى قال ملتفتاً بعدها نحو جدته " حالها لا يعجبني يا جدة،.."
ضيقت عيونها، فاردف موضحا " ليس كما فكرتِ، أقصد يحتاج للمساعدة.."
عم الصمت بينهما حتى اشارت اليه بعيونها ان يخرج..
نزعت نظارتها و وضعت الكتاب جانباً " ريم عزيزتي هل هناك امر يزعجك ؟!"
بلعت ريم غصتها ورسمت ابتسامة على وجهها " لا يا جدتي فهذا حفيدك مزعج جداً "
"ام ان الأمر يتعلق بذلك الشاب ؟!" الجدة بشك
قالت بارتباك " من تقصدين ؟!"
قالت الجدة وهي تحاول التذكر " اظن ان اسمه رائد.. "
تقوس فم ريم لا ارادياً وانحدرت دمعة على وجهها فهي لا تستطيع ان تكبت مشاعرها اكثر تريد ان تخرجها لاحد تثق به ،، فبما ان والدتها تسعى جاهداً مع أمل لن تفهمها ،، وان قمر اصبحت تعتزل عن الاخرين وتكرس وقتها بالقراءة او الرسم ،، فلن يبقى احد غير جدتها فلا مانع ان اخرجت ما بداخلها من اعباء الى جدتها لعلها تساندها في محنتها
لتقول الجدة وهي تنهض وتجلس جانبها " ما الأمر ؟! هل الحب من يجعل جميلتي تبكي ؟!"
اومأت رأسها ايجاباً .. فتساءلت الجدة " وماذا يوجد ؟! "
قالت بألم " لم ألتقي به لعدة أياام.. ثم ليس من عادته ان لا يتصل "
قالت بنبرتها الحانية " حسنا لا بأس فكما قال ليلة الحفل انه يعمل .. مؤكد انه ينشغل "
أومأت ريم رأسها وهي تمسح دموعها و ربتت جدتها على يدها ثم قالت " كل الامور ستتيسر بينكما .. ثقي بي "
هزت رأسها نفياً ثم قالت بفقدان أمل " أبدا يا جدتي .. ( وعادت الدموع للتجمع في عيونها ) انه حتى لم يصارحني بحبه ولكنن.. لكنني اشعر انه يحبني من نظراته واهتمامه بي ،، ولكن لا يستطيع البوح بسبب فقره " واجهشت بالبكاء وهي ترمي بنفسها الى صدر جدتها " الجميع ضد هذا الحب امي و صديقتي امل ،، انهما يفعلان ما بوسعهما لابعادي عنه ، لقد سمعت والدتي تتحدث اليها البارحة،، ( وهنا زاد بكاءها )لقد قالت لها افعلي ما بوسعك لاقناعها بالتخلي عن هذا الحب ،، ولكنهم لا يعلمون انني تعلقت به ولا استطيع التخلي عنه ،، لا يريدونه لانه فقير.. ما ذنبه يا جدتي.. أخبريني "
" ليس ذنبه شيء .. هيا امسحي دموعك سأحل الأمر .. "
وابعدتها عن صدرها وأخذت تكفكف دمعها بأناملها الحنونة وقالت بابتسامة حانية " هيا امسحي دموعك لا اريد ان ارى دموعك تلك .. "
" حسنا.." ريم بصوت مرتجف ..
" انت اذهبي وروحي عن نفسك قليلاً.. وانا سأحل امرك لا تقلقي.."
اومأت ريم برأسها بقلة حيلة ثم ابتسمت وقبلت جبين جدتها بامتنان بعد أن ظهرت والدتها وخرجت معها مكرهة من المنزل الى مركز التجميل... وهنا تأكدت الجدة بأن خطة سرية تجري مجراها بين أمل ووالدة ريم سبيلهم هو التفريق بين شخصين لم يستمتعا بلحظات الحب حتى الآن ... وعزمت في قرارة نفسها أن تحاول ولو قليلاً،..

#############

كان الماء في البحر أزرقا صافيا يماثل زرقة السماء التي انعكست على مياهه البلورية وكان بعض النّاس قد استلقوا على الرمال الذهبية اللّامعة معرضين بشرتهم إلى أشعة الشمس الحارقة والبعض الآخر فضل الجلوس في ظل الشّمسيات بينما أخذت مجموعة من الشبان يلعبون بالكرة يقفزون وعلى سطح الماء زوارق صغيرة ناشرة أشرعتها كأنها حمائم بيضاء تسافر في السماء الزرقاء وكانت أمواج البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة .. اما هو يقف بعيداً عن كل ذلك و الحزن منثورا عليه، بل كان مغطّى به كرمال الشاطئ التي تغطي ضفاف البحر.. يقف بقامته الممشوقة وعينان رماديتين باهتتين تنظران الى ذلك البحر بفكر مشتت وعقل تائه.. يحاول الوصول الى مخرج آمن من تلك الأفكار المزدحمة والتي ادخلته في دوامة كبيرة لا مخرج منها .. وذلك الالم الذي وصل الى قلبه ،، جثى على ركبتيه متهالكاً منهاراً ينظر الى باطن يديه بعيون حزينة وقلب مكسور حزين .. يداه القويتان التي اشتعلت غضباً وقوة ليلة امس لتسيطر على يد اخرى ناعمة هشة.. وأخذ الدمع يسيل من مقلتيه ندماً وأسفاً...


وفي مكان آخر .. في المنطقة الجنوبية من المدينة.. حيث الهواء العليل الذي يداعب اغصان الأشجار و الطبيعة الخلابة التي تمتد على مساحة كبيرة.. مكان يضم ودياناً ومرتفعات جبلية و سهولاً خضراء واسعة.. وامام منزل خشبي ابيض اللون وقفت السيارة السوداء الفارهة لتترجل منها فتاة شقراء، ممشوقة القامة، ناصعة البياض رقيقة القدّ.. وسيمة الوجه، في حوالي الواحد والعشرين من عمرها.. ترتدي ملابس رسمية تنظر بعيونها الزرقاء الداكنة بابتسامة مرحة..
وفي الفناء الخلفي يجلس ذلك الرجل ببدلته الرسمية يعبث بحاسبه المحمول يرتشف كوباً من القهوة و بجانبه طفلته الصغيرة (ملاك) تتناول طعام الافطار...
"اذا ابي ايضا هنا ستعمل" تساءلت ببراءة
اجابها بابتسامة حانية "اجل.. فالعمل صعب ويجب على والدك ان يراقب عمله من بعيد"
ثم أكمل بحب " سوف آخذ ملاكي في نزهة ولكن عندما ..."
وقاطعه صوت الخادمة " سيد ماجد لقد وصلت الأنسة سوزان.."
التفت ليرى فتاة بعمر الزهور تقابله بابتسامة مرحة وتمد يدها لمصافحته "مرحبا انا سوزان.."
اجابها باقتضاب "اهلاً.. تفضلي بالجلوس.."
تساءلت الخادمة "هل تودين شرب شيء ما؟"
هزت رأسها نفيا وقالت بلطف "شكرا لك.."

"اذا يا انسة سوزان .. يبدو انك متحمسة للعمل؟!"
اجابته بصدق "اجل فانا منذ مدة ابحث عن عمل "
"لقد قال لي مساعدي انك كنتي تعملين في مأوى للأيتام "
اومأت رأسها فاكمل " و بالتأكيد لن يكون عملك صعباً مع ملاك.."
"اجل.." قالت ذلك وهي تنظر الى ملاك التي ذهبن تلهو وتلعب في الحديقة
"لا شروط لدي للعمل.. ولكن سيكون عملك هنا مؤقتا.."
اومأت رأسها بتفهم " أعلم ذلك.. اخبرني السيد مازن "
"حسنا.. يمكنك القول انك حصلت على عمل جيد .. وبراتب ممتاز برغم المدة القصيرة"
قالت بامتنان "انا سعيدة لذلك.."

وفي نفس المكان و مع دقات الساعة الثانية عشر ظهراً لتعلن عن موعد الغداء يجلس على مكتبه الخشبي وبيده اوراق وملفات عدة.. مسح جبينه من حبات العرق بمنديل أبيض وتنهد بتعب وهو يضع الاوراق جانباً...
"سيد ماجد.. لقد حان موعد الغداء "
"حسنا.. سأجري اتصالاً هاتفياً.. اهتمي بملاك ريثما انتهي "
اومأت الخادمة برأسها لتغادر الغرفة.. فيلتقط هو هاتفه المحمول ويبدأ بالضغط على أزراره ليأتيه رنين متواصل وبعد ذلك صوت انثوي طاغي جذاب برغم التعب الواضح به " اهلا ماجد"
"أهلا كاريس. كيف انتِ؟!"
اجابته بملل "بخير،، ماذا هناك ؟!"
تمالك اعصابه وقال وهو يشد على اسنانه " الا يجب على ام مثلك ان تطمأن على ابنتها"
"وابنتي تكون مع والدها.. لماذا اخشى عليها من شيء وهي في ظل حمايته"
"هكذا اذاً.."
ثم اعقبت بقولها " لا اظن انك ستفعل ذات الأمر مع ابنتي انتقاماً.."
اعتلاه غضب شديد، وصرخ بشيء من التّحدّي "كاريس.. لا تدعيني اخرج كل غضبي عليك.."
قالت بلا مبالاة " وماذا ستفعل ايامي معدودة.. انتبه على ابنتي.."
قال بحيرة وعدم تصديق " لا ادري اي نوع من الامهات أنتِ.."
جائه صوتها حزيناً " ام ستأخذ جزائها بعد مضي هذه السنين.." أخذت نفساً عميقاً وأكملت " لن اقول لك الا ان تنتبه على ابنتي .. وحاول جاهداً ان تعوض لها الحرمان الذي فقدته مني.."
قال بسخرية مريرة " اطمأني سأخلد ذكراك الجميلة ولن أتزوج من بعدك "
قالت بأسف ممزوج بندم وتأنيب ضمير " انا حقاً متأسفة لما فعلته.. ارجوك سامحني.. وان صادفتها اعتذر منها بالنيابة عني.. سأغلق الأن سيبدأ علاجي.. اهتم بابنتنا كثيراً و قبلهاً "
زفر بحرارة وهو يضع هاتفه جانباً ليتجه بعدها لتناول الطعام.. بعد ان رسم ابتسامة على وجهه من اجل صغيرته..

❤❤❤❤❤❤

و مع حلول المغيب و انعكاس لون الشفق المتوهج على هذه المدينة الصاخبة متسعة الأرجاء مترامية الأطراف زُرعت على جانبي طرقاتها أشجار الورد والفل.. مدينة تمتلأ شوارعها الواسعة بالسيارات والشاحنات الصغيرة منها والكبيرة.. ومراكز التسوق الضخمة وفنادق فخمة .. و حدائق عموميّة زيّنتها أشجار عالية خضراء احتضنت الخلائق من النّاس، هؤلاء الّذين احتشدوا في كلّ الأمكنة يترقّبون الحافلات، أو يجتازون الشّوارع بحذر متتبعين الممرّات أو يسيرون بتأنٍ عند ملتقى الطّرق حيث رجال الشّرطة، حتى ينتهي بنا المطاف الى منزل فخم يحتضن بين جدرانه امرأتان جلستا لتناول الطعام..
لتتساءل احداهما بقلق .. امرأة كبيرة في السن تدل تعابير وجهها على الطّيبة، والبساطة " عزيزتي لما يبدو وجهك شاحباً هكذا؟!"
أجابت فتاة شابة شاحبة الوجه بصوت يملأه التعب والارهاق وهي تعبث بمحتويات طبقها بشرود " لقد امضيت الليلة الماضية في الرسم لأجل ذلك.."
اومأت جدتها رأسها بنظرة ذات مغزى، ثم قالت بنبرة حنونة " عزيزتي قمر لا تتعبي نفسك.. انظري الى حالك .."
قمر بابتسامة شاحبة لتذهب قلق جدتها " لا تقلقي يا جدتي.. فلم يجد النوم طريقه الي البارحة .."
ابتسمت لها الجدة وبرزت تجعيدات وجهها التي رسمت بخطوط بنية وكأن فناناً عالمياً رسمها بأقلامه وفرشاته لتظهر لوحة جميلة تعبر عن الطبية والعطف والنقاء في زمن كثر فيه الخبثاء والأعداء.. ولكن سرعان ما قطبت جبينها بضيق وهي تتذكر تلك المحادثة الصغيرة..
( " لقد حضرا الى المدينة "
شهقت بقوة وبدأت دموعها تتجمع في مقلتيها البنيتين " ماذا؟! من أخبرك؟!"
"السيد معاذ.. عندما كان يتفقد المنزل "
هزت رأسها نفياً "لا يعقل.. كيف بعد كل هذه السنين.."
" لقد عاد وسبب عودته واضح..."
قالت بعدم تصديق "لا يعقل أن عاد لأجلها ..")

وهنا قاطعتها قمر بخوف "جدتي ما بالك حزينة هكذا؟!"
قالت وهي تهز رأسها " لا شيء.. انا قلقة على مجد.."
ارتعدت اوصالها عند ذكر اسمه وبدأ قلبها يدق بعنف وارتجفت اناملها وهي تقطع بسكينها تلك السمكة .. كيف تسمحين لقلبك يا قمر ان يرتجف حال سماع اسمه.. أليس هو من يعذبك بسمومه وكلامه الجارح بل وبدأ بشن حرب العنف تلك، قالت ذلك في نفسها وهي تشعر بألم ينغز في قلبها .. ثم قالت بلا مبالاة كي لا تجتذب انتباه جدتها " وما به؟!"
اجابت الجدة بحيرة " لا اعلم.. حاله لا يعجبني.. ها هو لا يزال خارج البيت حتى الآن.. لا اعلم اين يمضي لياليه.."
قالت بغيظ " انه في عامه السابع والعشرين لا بد انه عند صديق له.. لا تقلقي سيعود ان طال الوقت او قصر.."
أخذت الجدة نفساً عميقاً لعلها تُهدئ الاعصار الذي في داخلها واخذت تسترق نظرات جانبية على قمر وهي تراها شاردة الذهن و بريق الحزن في عيونها العسلية تفكر في ذلك الرجل الحديدي.. الذي أحدث دماراً شاملاً في قلبها عندما انقض عليها كأسد غاضب يريد التهام عشاءه او كعدو شرير يريد ان يغزو ضحاياه بقنابل و اسلحة تفتح جراحاً حادة لن يغلقها الزمن.. ولكن اين سيكون الى الآن؟! وماذا يفعل؟! يا الهي يمكن ان حصل له مكروه ما ؟! او حلت به مصيبة؟! او حادث ؟! تساءلت في نفسها بقلق وهي تفتح عيونها على وسعهما ثم أخذت تطرد تلك الافكار من رأسها وهي تحدث نفسها وتعبث بطعامها امام انظار جدتها ' يحدث له ما يحدث .. ليذهب الى الجحيم ويبتعد عني بل واتمنى ان يكون في طريق مهجور يلتف حوله الضباع والكلاب والحيوانات المفترسة لتلتهمه وتجعل من لحمه طعاماً لها ولأولادها.. '
ثم اكملت في سرها وكأنها شعرت بضخامة الذي تفكر به ' الا يبدو انك بالغتي يا قمر' وهزت كتفيها بلا اهتمام..

(مرحباا.. )
رفعت رأسها بحدة لتلتقي نظراتها الحزينة مع عيون ذلك الصوت البارد .. وتنفست الصعداء بينها وبين نفسها لأنه عاد الى المنزل ولم يحدث له اي مكروه.. ألم تكن هي نفسها قبل قليل تتمنى ان يذهب بلا عودة؟!
سألته الجدة بخوف وقلق " اين كنت ؟! كيف تخرج في منتصف الليل من دون ان ..."
وقاطع سؤالها متهرباً وهو يوجه سؤاله الى قمر " كيف انتِ يا قمر هذا اليوم ؟!"
هزت الجدة كتفيها بقلة حيلة ثم اجابت قمر بعد ان تمثلت بالقوة والثقة " بخير.. "
ولمع في عيونها مزيج من نظرة عتاب وحزن ونظرة الم وانكسار اما هو فقد هرب من عيونها المتألمة بسؤال الى جدته " أين الجميع؟!"
قالت الجدة بسخرية " لا اعهدك طيب القلب هكذا وتهتم بالآخرين (قالت هذا وكأنها تشير الى شيء ما) ولكن سوف أج..."

قاطعها صوت الخادمة يخبرها بقدوم احدى صديقاتها، نقلت بصرها بين الاثنين وقد لاحظت الشحنات السالبة بينهما، ثم تركز بصرها على مجد إلى أن قال لها " لا تقلقي.."
وبعد انصرافها، نظر مجد إلى قمر التي ارتبكت وأحست بشعور غريب فكان من الافضل لها
"عن اذنك.. صحة وعافية " نطقتها قمر وهي تنهض مبتعدة عن تلك العيون الرمادية التي لاحقتها بكل خوف وشوق.. و تسير قدما تلك العيون خلفها ... تصعد عتبات السلم بخطى متثاقلة وتفكير مشتت وعقل تائه.. ينتابها صمت عميق وشرود وذهول غريبين .. سرعان ما اغرورقت عيناها بالدموع وهي تطأطأ رأسها للأسفل لتجعل رؤيتها غير واضحة ..
وأخذت تترنح في مشيتها قليلاً وكادت أن تسقط لولا تلك اليد القوية التي اسندتها وعيون رمادية خائفة التقت بعيونها العسلية اخذت تُرسل سحرها الخاص و تجعل جبالاً ضخمة من الكبرياء والعناد تجهز نفسها للرحيل من ذلك الجسد الضخم وقد شعرت بالضعف والهوان امام دموعها الحارقة التي كانت تأخذ سيرها على وجنتيها،، وما لبثت ان ابتعدت عنه وهي تشعر بسيل من الكهرباء تسري في جسدها وهي تقول بحدة " ماذا تريد الان.. هل تريد اكمال ما فعلته؟!.."
شعر بغصة كبيرة تملأ حلقه وآثر الصمت ولكنها اكملت " لقد اكتفيت منك.. واكتفيت من تجريحاتك وكلامك الحاد.. "
قاطعها بصوت مرتجف " قمر انا.."
قالت بصوت خافت " ان كنت تراني صامتة لا اتجاوب معك .. فهذا لأجل جدتي.."
صمتت قليلاً ثم تحدثت " لست بكل تلك القوة أجل، ولست ككل شخص عاش حياته بشكل طبيعي، أعلم ذلك.. وأنت تعلم كل شيء عني وعن حالتي النفسية في المأوى وكيف مكثت هناك وكأنني لا شيء .. وبعد كل تلك السنوات ها أنا هنا ولكنني حتى هنا أشعر أني لا شيء بسببك أنت"
كاد أن يتحدث حتى أردفت " أرجوك، لا تجعلني أشعر كما شعرت في سنواتي في المأوى.."
اقترب منها رويداً وأمسك بوجهها بين كفيه، وراح يكف الدمع عنها حتى غصت في حلقها ثم التفتت حتى تتجه في غرفتها،..


وتوقفت عن المسير عندما شعرت بخطاه خلفها وصوته الهامس " لا شيء كما يبدو لي، ولا شيء كما يبدو لكِ.. فكل معاناتي بسببك وكل معاناتك هنا بسببي.. نحن نحرق بعضنا البعض.. ولا نجاة من ذلك "
قال ذلك ثم صعد الى غرفته متجهم الوجه بارد قاسي الملامح.. ومع كل خطوة يخطوها وهو يصعد الى غرفته كان ألماً شديداً يزداد في قلب قمر لتتوقف هكذا بجمود وهي تشعر بآلام حادة في جسدها وحزن عميق أخذ يغلف جسدها.. وأمسكت بمقبض الباب لتفتحه بهدوء شديد ثم لتدلف الى الداخل بهدوء ساكن وتوجهت حيث سريرها وجلست عليه بعيونها الذابلة التي تعيد تكرار الموقف لتشعر بسكاكين حادة تمزقها اشلاء وتجعل منها أجزاء مترامية ... وبعد صمت طويل استلقت على فراشها في شيء من الفتور والتعب وشعرت بآلام خفيفة في عظام جسدها النحيل... و كان تنفسها قصيراً.. أما عيناها فكانتا تعبتان مرهقتان.. ، كأنها في حالة من الحمى، وكان وجهها شاحبا أصفر اللون... وبدأت عيناها العسليتان تدمعان.. و اغلقت عيناها بألم وهي تشعر بألم حاد في قلبها لتشد بقبضتيها على فراشها الى أن غطت في سبات عميق...


كان الصمت يلف بها من كل جانب.. وهي تسير في طريق مظلم مليء بأغصان الشجر الملقية على ارض قاحلة تتعثر بها وتقع ارضاً لتصاب برضوض وجروح مختلفة بعضها ينزف خضاباً أحمر وأخر اصبح لون جلدها أزرق بسبب وقوعها المستمر.. تسير
وعيونها التائهة متوجهة حيث مصدر الضوء ذاك الذي يأتيها من البعيد البعيد.. و كانت قدماها ترتجف من الخوف وشدة البرد القارص في آن واحد وكانت تعض على شفتيها التوتية المتشققة بألم واضح يجعل الدم يتدفق منها...
ثم تلبدت السماء السوداء المظلمة بغيومٍ ذات لون الرمادي سرعان ما هطلت الأمطار بعدها.. فأخذت تهرول في مشيتها بارتجاف جسدها النحيل من برد هذه العاصفة... ولم تزدد الأمطار إلا شدة ولم يزدد الرعد الا صارخا بغضب مرات متتالية بعد مرور الوقت وثار جنون العاصفة مولولة ثائرة غاضبة و الأشجار تهتز اهتزازا عنيفا حيث الأمطار تصنع بركاً متماوجة فانقبضت على نفسها وتراجعت إلى الوراء وهي تسير بأطراف كادت ان تتجمد من هذا البرد القارص.. كانت تركض بخوف وذعر شديد الى ان وصلت الى مكان مسدود مليء بالحشرات والافاعي السامة فأغلقت عيناها بخوف وتراجعت للوراء واخذت تلتفت ذات اليمين وذات الشمال لعلها تجد مخرجا من هذا المكان المخيف وتدور حول نفسها بخوف وجزع مرات عدة الى ان شهقت بقوة وهي تراه يقف بعيدا عنها على منحدر كبير... يبدو الضعف والحزن يبلله كما تبلله مياه السماء التي سقطت عليه لتجعل ملابسه تلتصق بجسده فيصبح تماما كتمثال يقف في احدى الزوايا فصرخت بأعلى صوتها وهي تتقدم نحوه " مجد..."
التفت اليها بنظرات ملؤها الندم ،، الحزن ،، الاسف .. جميعها اجتمعت لتجعل بريق عيونه تخترق جسدها النحيل وبصوت واهن يكاد لا يسمع من شدة العاصفة " سامحيني.."
امسكت يديه بقوة وقالت برجاء " ارجوك أعدني الى المنزل انا خائفة.."
قال وهو ينظر الى اسفل المنحدر " لا استطيع،، فأنا سأغادر الآن"
وجهت نظرها الى ما ينظر وشهقت بقوة و انحدرت دموعها لتمتزج بقطرات المطر الغزيرة وقالت بانفعال وهي تهز رأسها " لا.. لا .. مجد ارجوك.. لا لا تفعل لا تتركني وحيدة ارجوك .. "
"لا استطيع،، (صمت قليلا ثم قال) فقط سامحيني"
واعقب قوله افلات يدها بقوة و شهقاتها التي تصاحب صوت الرعد تزداد والقى بنفسه بكل حرية من اعلى المنحدر امام عيونها الحمراء المتورمة لتجثو على ركبتيها بكل ألم وتمد يدها للفراغ وتصرخ " مجد لماذا تركتني؟!"...

شهقت بقوة وهي تفتح عيونها و حبات العرق التي تغزو جبينها ووجهها الملائكي.. لتغمض عيونها الحزينة المذعورة من اشعة الشمس التي تمردت ككل صباح في التسلل الى الغرفة حتى اعتدلت في جلستها ورتبت خصلات شعرها المتناثرة.. ثم القت بنظرها الى الساعة التي كانت تشير الى العاشرة والنصف صباحاً..
نهضت من فراشها متوجهة نحو دورة المياه لتخرج منها بعد دقائق ثم التقطت يداها عن المنضدة الخشبية تلك السلسلة الذهبية التي تحمل في وسطها حرف (r) وضمتها الى صدرها بقوة لتسيل بعدها دموعاً من مقلتيها كقطرات المطر التي تهطل في ليلة شتائية في اشد فصول سنة برودة .. وأخذت تقول من وسط اوجاعها " آهٍ يا امي.. لقد مر وقت طويل لم يأتي طيفك لزيارتي لقد اشتقت لكِ.. اشتقت لهمساتك ونصائحك.. وحتى الى توبيخاتك.. يا ليت الزمان يعود ويقف الى قبل موتك .. ارجوكِ عودي او دعيني اذهب اليكِ.. المكان موحش من دونك.. لسنين طويلة وانا أتحدث الى طيفك و لا تزال صورتك الاخيرة عندما ودعتك على باب منزلنا في ذهني لا تغيب.. كنت صغيرة حينها لا ادرك معنى نظراتك تلك كنتِ وكأنك تشعرين بان موعدك حان حتى تصبحين جثة هامدة تنامين تحت التراب.. (وهنا اعتلت شهقتها واكملت بغصة وهي تمسح دموعها التي تمتنع عن مفارقتها حيث ابت ان تبقى حبيسة داخلها وما زالت تستمر في النزول) لكنني سأكون قوية ولن اضعف امام ما يواجهني سيبقى الأمل مزروعاً في داخلي.. اني أؤمن بوجود ايام جميلة ستأتي..."
مسحت دموعها بظاهر يدها و وضعت السلسلة جانبا بعد ان سمعت طرقاً خفيفاً على الباب ووجه ريم يطل منه بابتسامتها المرحة " صباح الخير ياا قمراً يزين بيتها "
بادلتها قمر قمر بابتسامة شاحبة " صباح الورد "
جلست ريم على سريرها ونظرت مطولاً الى قمر " ماذا هناك؟! تبدين حزينة!!"
هزت رأسها نفياً.. فتساءلت ريم باستفهام "هل عاد ذلك الحلم السيء.. الذي يخص والدتك..؟!"
"لا ابداً.. (ورسمت ابتسامة باهتة على وجهها الشاحب) اذاً ماذا هناك وما سر السعادة هذه !!"
"السر هو اننا سنذهب الى رحلة!! "

( وما الحجة التي خرجتي بها لتقنعي جدي..)
التفتت ريم حيث مصدر الصوت وقالت " وهل كنت تسترق السمع؟! "
وجه انظاره الى قمر التي كانت تجلس تنظر اليه بضيق سرعان ما اشاحت وجهها بضيق اكبر
..كانت اشبه بفتاة صغيرة بملابس النوم تلك ذات اللون الأزرق الداكن طُبعت على الطبقة العلوية منها رسمة فتاة صغيرة ممسكة بدمية بنية وأما بنطالها فقد كان عريضاً بنقشة الكاروهات بألوان تناسب اللون الأزرق ثم قال وهو يجلس على أريكة بيضاء اللون " لم لا .. كنت اتجول فسمعت هذا من دون قصد "
لوت ريم شفتيها بسخرية " وانا سأصدق ذلك.."
تحدث مجد بعد صمت قليل "وما سر السعادة هذه .. لا اكاد اصدق ريم سعيدة من اجل قضاء يومين في المنطقة الجنوبية.."
اجابت مقلدة نبرته " ولم لا وسيكون هناك شيء مختف في الرحلة ( وهنا اشارت حيث قمر بيديها ) وهو قمر "
ابتسم ابتسامة خاطفة ثم أخذ يجول بنظره ارجاء الغرفة امام نظرات ريم المستفهمة و قمر الخاطفة المرتبكة لتسأله ريم بحيرة " لماذا تنظر الى الغرفة هكذا ؟! "
اجابها وهو يضع كفه اسفل ذقنه.. بوضعية تدل على التفكير " افكر وأتساءل لماذا تسجن قمر نفسها بهذه الغرفة لعدة ساعات كل يوم ؟!"
هذا يعني انه يعر امر اختفائها اهتماماً.. او انه يفقدها !! وبرغم شعورها بالسعادة تجيبه قمر في سرها " كي لا أقع فريسة لك.. "
بينما تساءلت ريم باستخفاف " والى اين وصلت يا سيد مفكر ؟! "
وبرغم نبرة السخرية من فم ريم الا انه لم يعرها اهتماما بل أخذ ينظر حيث ملاكه.. لترفع قمر وجهها بعد ان شعرت بنظارته المسلطة نحوها ليفاجئها بتلك الابتسامة التي تشق طريقها الى وجهه الحديدي وزادتها الدهشة أكثر عندما قال وهو موجه نظره نحوها " لأنها جميلة.."

وما ان خرجت تلك الكلمات من فمه والتي جعلت قلب قمر ينتفض.. واحمرت وجنتيها بحمرة خفيفة فهل يقصدها هي ام الغرفة!! وشعرت بحرارة تسير في جسدها امام نظراته تلك التي كانت تبعث اليها شعوراً بالراحة.. ولكن نظراته كانت مختلفة وكأنها نظرات مودعة نادمة آسفة جعلتها تتذكر ذلك الحلم السيء فنظرت اليه في شيء من الخزن وقبل ان يفسر سبب بريق الحزن في عيونها لفت انتباهه تلك السلسلة الذهبية فأخذ نفساً عميقاً ليتمالك أعصابه ولكن لم يستطع ذلك عندما انطلق صوتاً من الخارج ينادي ريم فخرجت على عجلة من امرها تاركة ذلك الزوج المشحون ليبدأ صراعه منذ ان نطق بكلماته الحادة باحتقار وسخرية " سلسلة جميلة.. يا تراه من يكون ذلك الشخص الذي يهديكِ سلسلة كهذه "
نطقت قمر كلماتها بحدة وضيق " أليس من المنطق ان تخرج من غرفتي وأن لا تتدخل فيما لا يعنيك !!"
فمن الآن وصاعداً لن تسمح له ان يهينها بأي شيء.. ويمس كرامتها بسوء... يكفي ما نالت منه حين صمتها.. ولن تسمح له ان يتحدث عن والدتها بشيء كهذا الإحتقار الذي يقطر من كلماته...
تساءل بسخرية " غرفتك!!" واكمل وهو يتجه حيث الشرفة "ام انك نسيتِ انك في بيت جدك .."

والتفت ناحيتها بعد ان طال صمتها ليراها ممسكة بتلك السلسلة الذهبية وكأنها تبعث فيها بعضاً من القوة الثبات.. فهل عادت الى الصمت من جديد؟! ،، ليشعر بحرارة تسري في جسده فأخذ يسير باقدامه نحوها ثم يسحب منها السلسلة بحدة وليرميها جانباً امام عيونها التي توجهت اليه بحدة وعدم تصديق وصرخ بصوته الغاضب " أتعجبك كثيراً.. هل لديها مكانة خاصة في قلبك لتجعلك تمسكين بها هكذا؟! ام لأنها هدية من حبيب القلب!! .."
وامام عيونها التي تنهمر منها الدموع والتي تتبعت السلسلة منذ ان أخذها الى ان هوت ارضاً ..انطلقت شهقة عالية من حيث الباب وصوتها الخائف المرتجف وهي تركض حيث قمر " قمر.. قمر هل انتِ بخير؟!"
ثم التفتت الى مجد بعيون غاضبة " اخرج حالاً.."
نظر اليها بعيون ملتهبة حارقة وهي تذرف دموعاً على تلك السلسلة اللعينة التي اشعلت الغيرة في قلبه .. فصرخت ريم في حدة أكثر " اخرج .. " حتى يمضي في طريقه خارجاً من الغرفة كأمواج البحر الهائجة او كألسنة النيران الغاضبة ليخرج بعدها من المنزل بأكمله..
وأعتلى نحيب قمر وهي تقول " لقد اخذها على حين غرة.. ورماها ارضاً.." ثم اتجهت حيث السلسلة الملقاة على الارض لتتفحص تلك الحجارة التي تكسرت والتي كانت تزين ذلك الحرف بشكل جميل.. لتتناثر حجارتها الصغيرة الى اجزاء صغيرة تكاد تماثل الذرة في حجمها وهي ملقية امامها على الارضية فقالت وهي تصرخ باكية وتضرب الارض بكلتا يداها وريم تحاول تهدئتها ولكن من دون جدوى" لن اسامحه ،، لن اسامحه.. لقد كانت أخر شيء بقي لي من امي.. لن اساامحه.."



...

أغلقت الباب بهدوء و قالت بصوتها الناعس وآثار البكاء على وجهها " لن تكون هنالك حجة بعد ذلك.. لقد قالت لك تلك المرأة ما يتوجب عليك فعله "
أخذ يهز رأسه بقلة حيلة وعدم تصديق " لا استطيع.."
قالت وهي تحاول اقناعه " انظر الى هذا المكان جيداً.. أما آن الأوان لتخرج منه.. "
زفر بضيق فأكملت وهي تضع يدها على كتفه " انا أتفهمك جيداً.. انت منصعق لما حدث وأنا كذلك ولكن هذه معجزة حتى تخرج من هنا وتعالج أمك.. وتؤمن حياة جميلة لشقيقتك.. "
صمتت قليلاً ثم أردفت بحزن " ما زالت صغيرة لتعيش فقراً مريراً.. ويقع على كاهلها هماً من الأن .. من حقها هي ايضاً ان تتعلم في افضل المدارس.. وترتدي ملابس ثمينة وليس ملابس قديمة مشقوقة.. "
" اعلم.." وهو يدلك صدغيه
ابتسمت وازاحت خصلة من شعرها الأحمر عن عينها " وانت أيضاً.. حصلت هذه المعجزة كي تفعل ما تخشى منه.. اصبحت تستطيع ان.."
قاطعها قائلاً " ولكن ألا يكون هذا بنظر الأخرين استغلال .."
" انت حقاً مجنون يا رائد.. هل أخذت جزءاً من عقل ريم الصغير لتقول هكذا..."
اجابها بهيام " عندما تعشق احداً تصبح تردد مثل عباراته.. و ... "
قاطعته بسخرية " حسناً.. ايها العاشق المجنون لا تبدأ.. " ثم أكملت تتحدث بنبرة جادة " انظر انت تمتنع عن لقاءها كثيراً ولا تحاول جاهداً مصارحتها،، الا تدرك انها تحبك وتعشقك بجنون .. ماذا تكون برأيك تفعل الأن.. تكون التعاسة مرسومة على وجهها.. انت تحبها ومن اجل حبك افعل ذلك.. لا تجعلها تتعذب اكثر ( ثم أشارت الى قلبه) ولا تجعل هذا يتعذب "
نظر الى تلك الورقة البيضاء مطولاً بحيرة وقلق " لا أدري يا جيداء "
تنهدت بملل من محاولات اقناعه ثم قالت بإصرار " رائد هذه فرصة تأتي للشخص مرة واحدة على الأقل.. اسمعني جيداً هذه الحياة التي تعيشها الآن سوف تذهب بها عرض الحائط وتقبل الفرصة التي أتتك على طبق من ذهب لتجعلك تنتقل الى ذلك العالم الآخر.. وإن كان انتقالك بعد مدة،.."
نظر اليها مطولاً وارتسمت السعادة على وجهها ولكن تبدلت تلك الملامح عندما قال " ليست بالمدة الوجيزة، ولكن دعيني افكر.. "
قالت بضجر " حقاً انت شخص يصعب اقناعك.. لو أتتني هذه الفرصة بالتأكيد سأوافق.. "
اعتدل في جلسته وقال ببرود " هذه أنت.. "
قالت بتردد " هل يمكنني ان أسألك سؤالاً."
"تفضلي.. "
" هل عندما يتم رفضك من قبل أهل ريم وتذهب هي الى رجل آخر .. ام عندما يصبح من المستحيل ان تتعالج أمك من مرضها وتصبح حالتها اسوأ من ذلك وتصبح شقيقتك خادمة تعمل ليلاً ونهاراً.. سيؤنبك ضميرك ويصبح الندم رفيقك.. ؟!"
شعر بالخوف من كل ذلك وقال بصوت مرتجف " لماذا تتحدثين هكذا.. لن يحدث اي شيء لأمي أو لشقيقتي وحتى ريم كيف سأعيش بدونها !!"
قالت بنبرة مقنعة بعض الشيء " اذاً تقبل ذلك الكرسي الذي ستجلس عليه .. وربما تتغير حياتك وتصبح ريم ملكاً لك ولن تستطيع حينها رفضك او الذهاب الى احد آخر .. وستحل جميع مشاكلك! ألن تفعل ذلك من أجل تلك المرأة العجوز ؟!"
" ولكن.."
قاطعته جيداء " انها تفعل كل شيء لأجل حفيدتها، لا تردها خائبة، من أجل ريم ومن أجل والدتك من أجل حياتك يا رائد.."
حك جبينه فاردفت " لا يقع عليك الكثير، جواب واحد وهو نعم وتوقيع صغير حتى تجلس ها هناك إلى أن يأتيك حقك.."
شعر بالأفكار تتردد في أعماق رأسه وهرب الكلام من بين شفتيه كفأر على وشك الاصطياد .. وكلمات جيداء التي بدأت تسير في عقله و أخذ يخاطب نفسه في استغراب وحيرة، وقلق.. لكنه لم يعثر على شيء... فأيّ حلّ يختار، وأيّ عمل يقوم به؟

##############

ومع حلول المساء اجتمعت العائلة في الصالة يتبادلون اطراف الحديث حول أمور عديدة .. الى ان تساءلت الجدة بقلق عندما دلف مجد الى الصالة ويبدو عليه الإرهاق " أين كنت طيلة النهار يا مجد ؟!"
رمى بنفسه على الاريكة وقال بتعب " كنت على شاطئ البحر " وأغمض عيونه بألم وملامحه الحزينة التي بدت ظاهرة الى الجميع ..
" يبدو انك اصبحت تهمل كل شيء يا بني العزيز.. "
نظر الى والده بملل ثم قال " فرع الشركة الذي بباريس استلمه ماجد ابن عمي وانا اديره من هنا.. "
قاطعهم الجد " حسناً لا تبدأوا بحديث العمل.."
" أين والدتي؟؟" تساءل مجد
علق الجد معقباً " والدتك مكانها معلوم صالون التجميل او ليلة جميلة مع اصدقائها ولكن من الأفضل أن أسأل أنا أيضاً أين قمر لماذا لم تتناول الطعام معنا؟! "
وهنا استيقظت حواس ريم من شرودها لتنظر حيث مجد ثم تلتفت الى جدها وقبل أن تنطق أي حرف خرج صوت جدتها الذي يخبأه غضب كبير ونظرات غامضة ألقتها على مجد " انها متعبة قليلاً.." لتكمل ريم بارتباك " يبدو انها تقضي وقتها بالرسم لذلك هي متعبة.." ووجهت بصرها الى مجد الذي كان ينظر اليها بتهديد و وعيد لتشير هي بعيونها انها لم تخبر جدتها بشيء..
" اذا لا بد لها من هذه الرحلة .. لكي تروح عن نفسها قليلاً.. "
اومأت ريم رأسها مؤيدة .. بينما اكتفت الجدة بأن تلقي نظراتها الخاطفة على مجد " اذا يمكننا الانطلاق غداً صباحاً.. "
اجاب الجد " لا .. من بعد العصر يكون أفضل .. " ثم وجه كلامه الى مجد الذي نهض من مكانه ومشى بعض خطوات " وانت يا مجد لأن والدك سيبقى هنا من أجل عمله سيكون من الأفضل لو رافقتنا لأ..."
قاطعه قائلاً وهو ينظر الى جدته وكأنها بنظراتها المسبقة قد أوصلت له رسالة معينة
" لا يا جدي سيكون من الأفضل بقائي هنا.. " وابتسم ابتسامة باهتة " تصبحون على خير.." ليتبعه والده بعد قليل ويتبقى في الصالة ريم ذات الوجه الحزين تعبث بخصلة شعرها ببرود وصمت عميق خلف جدران من الألم والحزن وجدتها التي تحتسي كوباً من الشاي و تسترق اليها النظر من حين الى آخر وعلى وجهها التاريخي ابتسامة غامضة وجدها الذي يقرأ كتاباً ما ليتوجه بحديثه نحو الجدة حتى يبدد الصمت الذي غلف المكان " اذاً أين كنتِ طوال النهار.. "
أجابته الجدة بصوت هامس وهي تنظر الى ريم " كنت في مهمة عاطفية من أجل إنقاذ حفيدتك..."
ابتسم الجد ثم أردفت الجدة بقلق " ماذا حصل بشأن المأوى.."
وضع كتابه جانباً و قال مطمئناً " لقد حدثتني مديرته وأخبرتني بقدومه.. وكما أعلمتها ستقول ان كل فتاة تخرج من المأوى تهتم بشئونها الخاصة.."
صمتت الجدة للحظة ثم قالت بحزن " أليس هذا قاسياً على قلبه..؟؟"
" أليس ما فعله هو القاسي.. "
ثم التفت الجد موجها حديثه الى ريم " اذاً يا عزيزتي ريم " رفعت وجهها الى جدها فأكمل " لديك غداً يوم مليء وجدول مشحون يكون من الأفضل أن ترتاحي.. "
أومأت برأسها وتمنت لهما ليلة سعيدة حتى تخرج بعدها من الصالة ثم تتوجه الى غرفتها وترمي بنفسها على سريرها وتمسك بوسادتها لتضمها بكل قوة وألم ثم يبدأ موعدها مع الحزن وشلالات الدموع الى ما بعد منتصف الليل حيث ينتصف القمر في هذه السماء المظلمة محاطاً بأصدقائه النجوم ككل ليلة ليصدر اشعته الى العالم بأسره .. وهو يجلس في الحديقة الخلفية للمنزل ينظر الى القمر تارة ثم الى شرفتها تارة أخرى
" تحبني.. لا تحبني.. تحبني.." اخذ يردد تلك الكلمات وهو يقطع أوراق الزهرة الحمراء الواحدة تلو الأخرى واستمر في ذلك الى أن وصل لأخر ورقة " تحبني.." فأطلق تنهيدة طويلة و تساقطت دمعات لا تعد ولا تحصى وقال بنبرة كانت تكون أقرب الى البكاء وهو يوجه انظاره نحو شرفتها " اذاً لماذا لا أرى ذلك جلياً في وجهها القمري..."

$############

وضعت يدها فوق عيونها لتحجب خيوط الشمس التي تسللت بخفة من خلف زجاج الشرفة لتجعلها تلك الخيوط الذهبية تصحو من عالم تلجأ اليه حين الحزن والألم يكون سريرها هو ملاذها الوحيد لها ولدموعها الثمينة تنهدت بألم وهي تعتدل في جلستها وأخذتها قدماها حيث الشرفة لتأخذ نفساً عميقاً لعلها تطرد تلك الأحلام والكوابيس المزعجة التي أخذت تجعل منها زهرة ذابلة لتغلق عيونها بألم وتسترجع بذكرياتها مواقف جمعتها مع ذلك الرجل الحديدي الذي يدمرها بشتى الوسائل والطرق الممكنة.. مطلقا سمومه القاتلة بدون شفقة أو رحمة بحالها.. حيث ما يفتأ وفي اول فرصة لانفرادهما الا ان يذكرها بمعاناتها ويبدأ بسيل من الاتهامات والاهانات...
هزت رأسها بضيق وهي تفتح عيونها لتركز بانظارها على حنان ودفء هذا المكان الذي يبعث في النفس شعوراً بالراحة والسكينة .. وما لبثت أن فتحت عيونها على اتساعهما مندهشة بذلك الذي يستلقي بجسده الضخم على مقعد خشبي في الحديقة ضاماً نفسه بسبب نسمات الهواء الباردة التي كانت تلفحه.. وأخذت عيونها تنظر اليه ببريق اعجاب على مظهره الفاتن .. فمن ينظر اليه لا يصدق انه هو بذاته ذلك الرجل الحديدي العاصف ينام هكذا بهدوء كبحر سكنت أمواجه بعد يوم عاصف مليء بالأمواج العالية..
ضربت رأسها بخفة لكي تخرج من المشاعر الجميلة التي أخذت تسير الى قلبها وتتربع فيه صادة أبوابه اللعينة التي تحاول اخراجها
"كم أنتِ حمقاء.. " قالت هذا وهي تسير مبتعدة عن سجانها الذي اسرها بفتنته .. وأخذت ملامح الضيق ترتسم على وجهها القمري وهي تنظر بعيون دامعة على تلك السلسلة الذهبية لتلتقطها " ااه يا امي.. كيف يمكنني ان اسامحه على فعلته هذه.. ( ثم احتضنتها بقوة وقطرات الدمع التي تسقط من مقلتيها ) لقد دمر أكثر شيء يمكنني التحدث معك عبره.. امي ارجو.."
وخرج صوت حنون دافئ جعل قلب قمر يقفز خوفاً و مرحاً لتقول بلهفة وهي تنظر نحو مصدر الصوت " امي.. واخيراً عدتي.."
" اشتقت اليك يا عزيزتي.."
مسحت دموعها ثم ابتسمت " وانا ايضاً.. "
تساءلت صورة والدتها بعتاب " أتبكين على هذه السلسلة القديمة !!"
اومأت قمر رأسها فأكمل خيال والدتها الحنون " لا داعي لذلك.. فأنا ما دمت في قلبك لن تحتاجي اليها.. انا هنا في كل مكان اشعر بكي.."
اجابتها بغصة " ولكن يا امي.."
" لا اعتراض .. ان كنتِ تريدين بث همومك فقط تحدثي وانا سأسمعك.. هيا الى اللقاء الآن " واخذت تلوح بيدها مودعة ثم ابتسمت قائلة " كما قلت في السابق كوني قوية.. وابتسمي لتبتسم لك الحياة.."
وتلاشت صورتها امام نظرات قمر الحزينة....
###########

ومضى اليوم سريعاً اسرع مما كان متوقع وحان الوقت للخروج من هذا المنزل للذهاب في رحلة الى المنطقة الجنوبية .. تجهز الجميع ليستقلوا السيارة ويبدأ مشوارنا مع حكايات الأجداد القديمة والذي يقصها كلاً من الجد والجدة على مسامع ريم الشاردة بعض الشيء وقمر التي تستمع بكل حماس ولهفة وبهذه الحكايات تكون قد أبعدت همومها قليلاً.. وعم الصمت المكان بعد اعلان الجد عن بعد عدة أميال للوصول.. لتلتفت قمر الى ريم باستغراب على حالها الخزين هكذا " ريم. ماذا هناك.."
"لا شيء.." ريم وهي تتصنع الابتسامة
تساءلت قمر في حيرة وهي تنظر مباشرة الى عيونها " ألست سعيدة اننا سنكون سوياً لأيام قليلة.."
اجابت ريم باندفاع " هل انتِ مجنونة.. انا سعيدة دائما عندما اكون برفقتك.." ثم أخذت تقرص وجنتي قمر وتقول " انتِ افضل ما يسعدني.. هكذا عندما انظر اليك اشعر انه ما يزال هناك أشخاص طيبون في هذا العالم .."
علق الجد مازحاً " ولكن يا حفيدتي الجميلة لا تصدقيها مؤكد ان ضربة شمس ألمت في رأسها فليس من عادتها ان تتغزل في فتاة غير نفسها.."
ضحك الجميع على تعليق الجد ثم غلف الصمت المكان من جديد يعبث رأسهم بأفكار عدة فمن جهة كانت ريم تحاول ايجاد سبباً منطقياً لاتصال رائد بها .. .. واليوم قبل مغادرتهم المنزل بدقائق يتصل بها ويطلب منها اللقاء العاجل ولكنها رفضت قائلة " أننا سننطلق الآن الى المنطقة الجنوبية "،، زفرت بحرارة وهي تتذكر صوته الحزين والذي يبدو عليه الارهاق والتعب " ريم ارجوكِ .. فقط.."
قاطعته بحزن " لا استطيع يا رائد ،، فنحن على وشك الذهاب.. "
" حقاً !! اذا لنا ميعاد هناك.."
تساءلت باستغراب " كيف ذلك !!"
" سأخبرك عند قدومي ،، اهتمي بنفسك جيداً.."
ولكن ما سر قدومه !! ولماذا سيذهب هو الى المنطقة الجنوبية ؟! هل يعقل انه وجد له عمل براتب افضل !! هزت رأسها نفياً ،، لا يمكن فوالدته مريضة ولا يستطيع تركها !! ياا الهي ماذا يكون ذلك الذي يستدعيه للذهاب!!
ومن جهة أخرى كانت قمر تنظر الى الطريق بابتسامة جميلة الى أن تقوس فمها بضيق وهي تحاول الفرار من طيف ذلك الحديدي الذي ما زال عالقاً في رأسها يأبى الخروج.. ودهشتها في سر تلك الابتسامة التي وجّهها لها قبل المغادرة والتي اظهرت غمازتين على ذلك الوجه الحديدي وحاصرتها علامات تساؤل كثيرة؟؟ ولكن جاءتها الاجابة عندما ظهرت خلفها ريم.. تنهدت بيأس حينها فسر هذه الابتسامة هو شقيقته!!

أخذت نفساً عميقاً ثم راحت تفكر فيه لتدخل في دوامة لا مخرج منها .. فهو بجميع احواله يبدو وسيماً و جميلاً ،، فاتناً جذاباً.. ففي حالة هدوءه يكون كالبحر الساكن في ليالي الصيف الجافة لا ريح يجعل امواجه تتضارب وتتعالى .. وحين غضبه يكون كالحمم البركانية التي تجعل وجهه أحمراً نارياً يلفظ انفاساً نارياً كالتنين .. او كصاعقة في ليلة شتائية باردة أو كعاصفة رملية.. وأما عيونه فهي حكاية أخرى كمتاهة تسير بها لا تعلم اين المخرج تأسرها بسحرها و..

خرج صوت الجدة عالياً معلنا عن الوصول.. لتنتشل الفتاتان من افكارهما وتترجلا من السيارة...

أخذت نفساً عميقاً وهي تخرج ممسكة بحقيبة الظهر خاصتها تنظر بانبهار واعجاب الى ذلك المنزل الصيفي والذي لا يقل جمالاً وفخامة عن منزلهم في المدينة وكما كان يلف منزل المدينة حديقة مليئة بالأشجار والأزهار.. كان هذا المنزل الخشبي تلفه حدائق متعددة ممتدة على امتداد البصيرة..


وفي مكان يعم فيه الهدوء مع صوت الموسيقى الكلاسيكية التي امتلأت المكان... مقهى صغير في أحد شوارع المدينة الضخمة يغلب عليه الطابع الكلاسيكي حيث استخدم اللون الاسود والابيض في تصميم ديكور هذا المكان ،، يقف ممسكا بسماعة الهاتف بسعادة و صوت رنين متواصل أخذ يسمعه وهو يضعها اذنه .. ليأتيه بعد دقائق صوتها القلق " ماذا هناك ،،لماذا تتصل في هذا الوقت المتأخر !!"
" متأخر!! انها لم تتجاوز السادسة حتى... "
" حقا.. اجل!! ماذا يوجد !!" أجابته بنعاس
" خمني ماذا ؟! " خرج صوته بنبرة استفزازية
" ليس لدي رغبة .. ماذا هناك يا رائد ؟!"
" هل تتذكرين حلمي الوحيد ؟!"
" شفاء والدتك وتأمين حياة جميلة لشقيقتك ،، ولا اظن أنني سأنسى زوجة المستقبل ريم "
" ذكية جداً.. ولكنها ستبقى مجرد أحلام.."
" ماذا تقصد !! كل هذا التفكير وما زلت ترفض الفكرة !!" وأكملت بضيق " واتصلت لتقول لي هذا ؟! "
تنهد بتعب " لا ادري يا جيداء .. فكرت وفكرت .."
قاطعته وهي تجلس على الكنبة " لا جدوى من تفكيرك ،، "
" الذي يحيرني ،، كيف يمكنني استلام منصب كهذا !!"
" تتلقى المساعدة،، ثم انه يتبقى لك سنة وتتخرج "
صمت قليلا وقال " اتصلت بريم.. "
قالت بنفاذ صبر " رائد انك جيد جداً بتغيير المواضيع.. حسنا لقد اطلنا الح.. "
" لقد فكرتُ وفكرت وما كان بي إلا الإيجاب وكنت سأخبرها ولكنها... "
شهقت بقوة " هل حقاً ستوافق، واخيراً!!"
" يمكنك القول انني وافقت ، وسأذهب بعد يومين "
تنهدت براحة وقالت بفرح " مبارك لك اذاً ذلك المنصب ،،.."
صمتت قليلاً بشرود حتى جاءها صوت رائد " هل أنت هناك، جيداء.."
" أجل معك،.. ولكن.."
" ماذا هنالك؟"
" ربما ستوافق على شيء آخر بعد.." قالت بنبرة مترددة،..
وكاد أن يتفوه سائلاً إياها ولكن صوت آخر اخترق سمعه، " اخبريه اني وافقت على مصاريف تكاليف علاج والدته.."
قطب جبينه بضيق شديد وهمس على مسامع جيداء شاداً قبضته على هاتفه بغضب " عمي.."



الساعة الآن 10:59 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.