صولات وجولات: رحلتي من الإلحاد إلى اليقين (3)

[البوادر تكشّفت]

بسم الله الرحمن الرحيم


كان تعرفي على مصطلح "الملحد" غريبًا كثيرًا، وكان استقبالنا ليس بالحافل بالمعرفة قدر ما كان حافلًا بالجزع والفزع، كيف ينكر أشخاص وجود الله!!!، كيف تستوي في عقولهم الفكرة!، إن هذا غريب كثيرًا تجفل منه غربان العجب.

أثار الملحدون فضولي، فحاولت التعرف عليهم، كانت أفكارهم مخيفة عليّ، وكانت حججهم -في ذلك الوقت- قوية جدًا عليّ، فكانوا في كل سطرٍ يكتبونه يثيرون في صدري نار الشك وحريق الحيرة، واستمرّ الأمر إلى أن اتخذت من التجاهل سبيلًا للتجاوز.

تناولت الأمر على فترات، فأحيانًا كنت أقرأ عن الإلحاد ذاته وأحيانًا من الملحدين أنفسهم، في منتدياتهم ومواضيعهم، وعلى مدى أشهر وسنين أعتقد أنني تأثرت بهم وبطريقة تفكيرهم المحض، كانت فترات حزني وأساي تحفّز في داخلي نصفيَ الملحد، الذي ينكر وجود ربه ودينه، لكن كل حججه لم تكن علمية صرفة، بل لربما كانت تشوبها بعض العاطفة المخلوطة بالحُزن، وصدقوني يا إخوتي وأخواتي واسمعوا من شخص ذاق من التجارب كثيرًا ( إننا نحبّ الحزن كثيرًا ونميل إليه، وإننا في الحزن نرى الأشياء مجردة من كل شيء، فنجيب لإنكار كل ما نحبه، وهذا لأننا في الحزن نحب أن نستجلب على أنفسنا أحزانًا أخرى فوق رؤوسنا حتى نعطي حزننا مبررًا وساحةً للصّوْل والجوْل).

فكانت لحظات حزني من أكثر اللحظات التي يتزعزع فيها صرح اليقين في داخلي، بيْد أنني أنكرها وأعلم سرابها فور انتهاء تلك الفترات، فأعود أتخبط في الأسئلة تحت ستار المعرفة والعلم والتحقق. ابتعدت لفترة عن كل ما هو إسلاميّ وإلحاديّ، بعد سلسلة طويلة من التنقل بين معرفة الشبهة ومن ثم الركض خلف يوتيوب للبحث عن تفسيرٍ لها!!.

كانت اللحظة التي ابتعدت فيها عن المسلمين والملحدين لحظة حاسمة وهامة، ففيها انتقيتُ العلمَ الصحيح وأسس البناء عليه والتصحيح والتحقيق فيه، فقرأت عن المناظرات والحجج المنطقية والعقلية، ثم استمرّ بي الأمر لأشهر أقرأ عن الوجودية واللاهوتيات، ثم تطرقت للفيزياء فتوسعت فيها أكثر، وقرأت كتب الفيزياء لغير المتخصصين، ثم رأيت أنني -على الأقل- أستطيع الآن أن أميّز بين الحجة القوام والحجة التافهة.

بعد فترة من ذلك عدتُ أتقصّى حال القَوم من ملحدين ومسلمين، فكانت نظرتي قد تغيرت، إن الملحدين -معظمهم- لا يطرح أسئلته بمنطقية، بل يلقيها تحت حزام المنطق المعطوب والعقل المثقوب، لذلك كانت حججهم -غالبها- واهية لم أتطرق للبحث عن إجابات لها، أما المسلمين -شيوخًا وأفرادًا مثقفين- لم أجد أنهم يجيبون الحجج بالطريقة العلمية الصحيحة، بل لقد كانوا يجيبون تحت زخم العاطفة وضبابة العقل وغثاء التفكير.

هذا كله دفعني لمحاولة طرح الأسئلة على نفسي، والبحث عن إجابة لها، الأسئلة التي راودتني منذ أن كنتُ صغيرًا حتى كبرت، ففشلتُ في طرح إجابة منطقية بصفتي -مسلمًا- فقد كان الأمر شاقًا جدًا وصعبًا عليّ، لذلك ذهبتُ وبحثت عن ملحدين قد أسلموا، علّي أجد في طريق نورهم الهداية فألتمسُ أثرهم، إلا أنني وجدتهم قد أسلموا لقوى حجة الإسلام وليس لضعف حجج الإلحاد أو هدمها.

في هذه الكلمات لا أستطيع وصف ما حلّ بي من نار التفكير وعصف العلم، كنتُ قد أبحرت في الكتب والمقالات والتاريخ واللاهوت والأديان، قرأت عن الطبيعة وعن البيولوجيا قليلًا، كانت فترة صعبة جدًا عنوانها الفزع والحيرة، فكنت لا أنام إلا باكيًا أدعو الله -الذي لم أتأكد منه- أن يريني طريق الصواب ويرشدني إليها.

بعد أشهرٍ من التنقل بين القومين، وبين حالي الذي لا أستطيع وصفه، كنتُ قد ألحدت، بيْدَ أنني لم أخالط الملحدين لإنني رأيت أن معظمهم قد ألحد على عاطفة، فمنهم من ألحد بعد أن مات قريبه أو هجره حبيبه أو خسر ثروته أو تكالبت عليه الدنيا بما رحبت فقرّر الانتقام من الله. أما أنا فلم أجد بعلمي ما يطفئ حيرتي فقررت الاستراحة من القومين قليلًا وجعل الأيام تقرر.

[Reem1997]

اشكرك لقصّ تجربتك وبحثك الفريد ...
في داخلك اردت معرفة اليقين وسعيت إليه ... والحمد لله رب العالمين وفقك له ...

[رانو قنديل]

إلى الجزء الرابع

وكلي شوق لمعرفة القادم