آخر 10 مشاركات
16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          سيدة قلبه (35) للكاتبة: Deborah Hale .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          497- وحدها مع العدو - أبي غرين -روايات احلام جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-11-19, 07:30 PM   #1111

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
1111


تااااااااااااااابع الفصل التاسع عشر

طرقات هادئة على باب مكتبها جعلتها ترفع رأسها عن ملفات العمل الغارقة فيها وهي تجيب بهدوء "تفضل"
فتح عزام الباب وهو يتقدم نحوها ببطء، متأملها بقلب يغلي كالبركان بين أضلعه غراماً وقهراً!
"أردت الاطمئنان عليكِ منذ أن وصلتِ صباح اليوم وأنتِ اختفيتِ هنا!"
فركت جبهتها بتعب غير معيرة نظراته الملهوفة أو نبرته المبحوحة اهتماماً وهي تقول بعملية "كما ترى لديّ عمل متراكم... كما أن وضعي الصحي الآن لا يتيح لي التنقل بحرية كما السابق!"
امتقع وجهه الذي اشتعل بالغضب وعيناه تزداد القسوة فيهما وهو يقول بنبرة غير مسيطرة على سؤال يحرقه منذ شهور طويلة "كيف سمحتِ لهذا بالحدوث؟!"
فغرت فاهها بذهول وهي ترفع وجهها إليه باستنكار غاضب ثم قالت "عفواً... كيف تجرؤ، من تظن في نفسك تحديداً لطرح سؤال كهذا عليّ؟!!"
قال ضاغطاً على الحروف وأنفاسه تزداد عنفاً مع كل حرف كان ينطق به محترقاً "رجل أفنى عمره ناكره بجواركِ، رجل يتعايش على الفتات الذي تلقينه إليه، مخلصاً لكل نظرة أو ابتسامة تمنحينها إليه عرضاً... رجل تنفس الصعداء أخيراً وما عاد شيء في العالم سيمنعه من مطاردتكِ واكتساب قلبك العاصي الذي لم يره قط!"
اتسعت عينيها وهي تنظر لهذيانه، أم جماح نفسه الذي ما عاد يكتمه!! ثم قالت ببرود "أنت لا تعني لي أي شيء... لم يفلت مني شعور واحد تجاهك يجعلك تتعلق في حبال مستحيلة!"
اقترب منها يقف أمام مكتبها سانداً كلا كفيه هناك ومال نحو جلستها المنتصبة رافعة رأسها بكبرياء وثقة معتادة، ثم قال بنبرة أكثر تحكماً رغم رعشة الغرام فيها إثر استنشاقه عطرها بنوعٍ من الهوس "لم تحتاجي القول، أنا من تعلقت في حبال غرامكِ كالطير التائه باحثاً عن وطن يأويه... أنا من انتظرتكِ حتى تفيقين من أوهامكِ، وترين أخيراً قلب اكتوى بحرمانه منكِ... ما زلت أريدكِ يا بدور، أُحبكِ!"
قاطعته سريعاً وهي تنتفض من مكانها بنبرة باردة "اخرس... لا تعتقد ولو للحظة واحدة أني غير قادرة على ايذائك يا عزام، أو أن انفصالي عنه سيجعل من السهل عليك أن تبوح بهذا القرف بصفاقة بوجهي!"
أحست بأنفاسه العنيفة تلفحها رغم المسافة الكبيرة نسبياً بينهما، عينيه الداكنتين مر فيهما طيف مخيف لبرهة جعل قشعريرة تتمكن منها... شعوراً بالخطر على جنينها الذي حاوطته بحركة تلقائية بكلا كفيها...
"رغبتي بكِ ليست قرفاً، كل ما أعرضه عليكِ هو فرصة تمنحين نفسكِ بها فرصة ثانية! اختيار ثاني لرجل يحبكِ بصدق وعلى استعداد أن يُفني كل عمره لمراضاتكِ وانتظاركِ لتبادليه ولو مقدار ضئيل متمثل في اهتمامكِ!"
"اخرج من مكتبي عزام... تلك غلطتي بالفعل أني لم أخلع حذائي منذ البداية وضربتك به فوق رأسك!"
مرة أخرى كان يشتعل بريق مخيف داخل عينيه جعلها تتوتر أكثر رغم الرغبة الملحة التي تكافحها كي لا تقترب منه وتمنحه صفعة مدوية على وجهه ربما يعتدل عن جنونه...
"لن أرد على إهانتكِ يا بدور، لهذا الحد أنا متسامح ومتمسك بكِ، متفهم لتخبطكِ وألمكِ اللذان مؤكد تغلفينهما بالتظاهر بأنكِ قوية صامدة... كل ما أردت قوله أني هنا... وانتظر يوم لجوئكِ إليّ لأمحي عنكِ كل أوجاع تجربتكِ المريرة!"
ضمت فمها بقسوة وهي تفرد ذراعها على أخره مشيرة بسبابتها نحو الباب وهي تقول "غادر... ولا تعد مطلقاً حتى تنظف ذاك الجنون من رأسك، وإلا سأكون مجبرة أن أردعك بطريقة لن تعجبك!"
ابتعد وهو يقول برقة متفهمة، بتلك النبرة التي قد تسحر أية امرأة من قوة احتوائه وتفهمه "أعتذر... لا أريد أن أسبب لكِ الأذى، خاصة للصغير الذي أعرف الآن أنكِ تحبينه أكثر من أي شيء بالعالم!"
أطبقت على شفتيها بقوة دون أن تجيبه ناظرة لخروجه أخيراً مغلقاً الباب خلفه...
هبطت على مقعدها تاركة لملامحها حرية التحديق في أثره بذهول!! لم يكن عزام يوماً بالفج في تعامله معها دائماً كان شريك عمل مثالي، مسانداً ويلزم الحدود... حتى أنها لم تتبين تعلقه بها وعاطفته تلك إلا من وقتٍ قريب عندما كان يلمح بألم أن سر شقاؤه وعزوفه عن النساء أجمع منطقة محرمة!! تجاوره هو، تتعاطى معه هو، لكن قلبها سُرِق منذ أعوام بفعل أقرب الأشخاص إليه... تباً وكأن عقد طلاقها سيتيح لأي وغد حرية الاقتراب منها!
عبست وهي تستوقف نفسها "سرقها؟! الأحمق هل يعتقد أنها كانت ملكه من الأساس ليسرقها، ألم يفهم الغبي بأنها حتى لو لم تعشق راشد منذ الطفولة ما كانت ستنظر إليه... الأبله!"
*****
هاتفها الداخلي قطع تفكيرها المتأفف...
"نعم!"
"هل يمكنكِ أن تأتي قليلاً أحتاج رؤيتكِ... صمت قبل أن يتابع... أعني في أمرٍ أريد أخذ رأيكِ فيه!"
تمتمت بشيءٍ أشبه بإجابة وهي تغلق الهاتف...
تبحث عن حذائها الذي تخلعه فور دخولها هنا، بسبب تورم قدميها الذي بدأ!
نفخت بغيظ وهي ترى كلا الفردتين بعيدتان عن متناولها...
اعتدلت وهي تهمس بلا مبالة "أنا لن انحني من أجلك أقبع عندك كما تريد... لم أعد أهتم بما يروه مني!"
سحبت إحدى الملفات بعشوائية وهي تتذكر أن تفتح درج مكتبها مخرجة كنزها الثمين المتمثل في علبة زجاجية من الزيتون الأخضر... فتحتها وهي تتوجه إليها تتناول بأصابعها أحد الحبات هامسة بداخلها بتسلي "وجه والدك الذي يتلوى بألم الشوق يصبح ممتعاً أكثر وهو يعلم سر تناولي هذا، اممم ربما يتذكر اللحظات التي كُونت أنت فيها، كما أتذكر أنا كل ليلة!"
تباً! احمر وجهها بقوة وكأن أفكارها المنحرفة أصبح لها صدى ويستمع إليها غيرها!
اعتراف آخر ستتذكر أن تطويه ملقية به بعيداً "لمسات رجل كراشد الراوي لا يمكن أن تُمحى قط أو حتى تتظاهر بنسيانها، بل كانت أشبه بريشة فنان مُرِرت على كل إنشٍ منها مزيدة جمالاً!"
"تباً... تباً لتلك الهرمونات اللعينة!"
صوت همسها كان عالي نسبياً حد أنها لم تتبين الواقف على باب مكتبه يفتحه لاستقبالها يرفع حاجبيه بعجب... همس لوجهها المتورد بإجفال "هل الوحم أيضاً يتسبب في جنونكِ؟!"
تمتمت باحتقان "أنا مجنونة بالفعل... هل تذكر؟!"
أومأ وهو يسمح لها بالدخول ويغلق الباب ورائه "معي فقط، غير هذا أنتِ ملكة كل النساء يا طاووس!"
وضعت ما بيدها على مكتبه... ثم تنفست بقوة محاولة أن تسيطر على نبضات قلبها الخائن الذي تقافز بسعادة لغزله العرضي...
ثم التفت وهي تقول بنبرة أكثر تحكماً "ما الذي طلبتني من أجله؟!"
جلس واضعاً ركبته على أطراف مكتبه وهو يتأمل مظهرها بملابس الحمل البسيطة بحنان، أصابعها الطويلة والتي خلت من طلاء الأظافر حرصاً على طفلهما كانت تلتقط حبات من الزيتون دافعة إليه مزيداً من المشاعر الجياشة داخل صدره... لماذا أرادها هو لا يملك إجابة، ربما مشاعره التي تتخبط داخل صدره الآن بالألم، حديثه القصير مع سَبنتي وشعوره المؤلم بأنه يفقد كل خطوط حياته... مواجهته الشبه إجرامية مع صادق الأمير بعد كل تلك السنوات وتهديد ضحية أخرى كجوان، فقط لحماية ابنتها... ضحية يعلم الآن يقيناً أن الأمير لن يرحمها... ولكن ماذا يفعل وهو ليس لديه اختيار إلا ما فرضوه هم في الماضي؟!! فأصبح عاجزاً عن تصحيحه دون إلحاق الأذى بابنته الروحية!
لم يعرف أن من موقعه القريب منها، بتفكيره في كل ما يثقل عاتقه أنها كانت تتبين كل تلك المشاعر التي تتجلى علي وجهه، بأنه يرخي قناع جموده وتحفظه في حضرتها تاركاً لكل قلقه وأوجاعه حرية التعبير!!
"هل أنت بخير؟" سألت بقلق أخيراً قاطعة تفكيره،
تركت ما بيدها وهي تسحب منديلاً ورقياً لتجفف يدها مقتربة منه، أجفلها وهو يسحبها من خصرها إليه ثم يجذب المحرمة ملقيها بعيداً متناولاً يدها التي غرقت في المحلول الملحي للزيتون، ثم يقبل أناملها واحداً تلو الآخر... شهقت بدور بعنف وهي تدفعه بتخاذل "ما الذي تفعله هل جننت؟!"
انهى قبلاته بوضع شفتيه بعمق على معصمها مذكرها بتلك الحركة الخاصة جداً والتي تشعرها بالتميز، وكأنه يخبرها بألا نساء في العالم سواها..
"كنت أحتاج رؤيتكِ والاطمئنان على طفلنا لا أكثر" إجابته الصادقة والمباشرة مع هدوء تفكيرها النسبي وهدنة قلبها المتخاذل نحوه والتي تُعزيها متحججة بتحكم حملها في مزاجها جعل قدها يتراخى بين ذراعيه وهي تقول بخفوت "ما الذي حدث؟"
إحدى يديه حاوطت وركيها ليتحكم في ضمها إليه، بينما يده الأخرى وضعها على بطنها التي تكورت، هل زاد اليوم حجمها عن الأمس بضعة إنشات أم جنون خيالاته بها يوهمه!
شعر بارتباكها ووجهها الجميل يزداد تورداً محاولة الإفلات منه "كفى راشد هذا لا يجوز!"
تنهد وهو يقول بتعب "ما زلتِ في أشهر العدة، أي بعضاً من الاقتراب لن يضر!"
قالت بعناد معتاد "وكأن هذا المانع الوحيد الذي يجعلني أرفضك!"
قال بتعب "أنا أواجه يوماً عصيباً بشكلٍ خاص، أشياء سيئة للغاية يا بدور فعلتها وسأفعلها... وحقاً لا أريد الشجار... بضع لحظات وسأحرركِ منيّ!"
رفعت يدها تحاوط وجهه بكلا كفيها ورغما عنها قلبها يرق لمرأى الإرهاق الجلي على وجهه، وعينيه الحمراوين "منذ متى لم تنل قسطاً من الراحة؟!"
قال بصوتٍ أجش "وهل تهتمين؟!"
ابتسمت وهي تقول مازحة "تخيل!! ولكن لديّ دوافعي!"
سأل وابتسامة حنونة ترتسم على شفتيه "هل يمكنني أن أعرفها؟!"
"أمممم بالطبع... إذ أني أريدك على قيد الحياة مغرور وسيم، قاسي متحكم ومسيطر، ولا مانع من بعض الحماقة، عند ولادة طفلنا !"
تنهد وهو يقول بمداعبة "هذه المرة الأولى التي تخصينه بتملك يجمع كلينا!"
عبست وهي تقول "لم أحتج لقولها من قبل... بديهيا هو طفلنا يا أحمق!"
رفع كفه يمسد بأصابعه الخشنة على وجنتها قبل أن تنزلق بنعومة نحو شفتيها فتغشى عيناه الرغبة، والجوع الشديد توقاً إليها... مسببة لها رجفة عميقة من الضعف والاشتياق وذكريات لمساته لم تُمحى أثارها من قلبها وعقلها قط "أريد ضمكِ بين ذراعي، أن أتذكر هذه اللحظة بيننا بشيءٍ مميز للغاية، بعيداً تماماً عن تخبطنا خلال الخمس سنوات!"
ترقرقت دموع في مقلتيها منعتها بإصرار أن تتخطى مكانها وهي تقول بصوتٍ أجش "كما كنا قديماً مجرد عاشقين متفهمين؟!"
"أريد مراقصتكِ مرة أخيرة، كما فعلنا بعد عقد القران بعيداً عن كل أعين رواد الحفل الفضولية!"
همست بنبرة مهتزة "ألم نقم بالفعل برقصتنا الأخيرة على حد سيف مزقنا؟!"
تنفس بعمق ساحباً كمية لا بأس بها من الهواء المختلط بعطرها الناعم اللاذع ثم قال بخفوت "أريد رقصة حقيقية، كمثل تلك التي احتضنتكِ بها بين أشجار منزل آل الراوي عقب أن أصبحتِ زوجتي!"
رباه ما الذي يحدث معها... كيف لها أن تستسلم هكذا بين ذراعيه، أن تشعر بالاحتراق قهراً متعاطفة مع حالته تلك حتى وهي لا تفهم أسبابها.. كيف لها بالانصهار بين ذراعيه التي تلتف حول خصرها ووركيها، وبهدير قلبها الخائن الذي يستجيب متناغماً مع صخب مضخته الضخمة، كيف لعسل عينيها أن يتحول للون العسل الصافي النقي ليذوب داخل عينيه الداكنتين اللتان تحتويانها بالدفء رغم لمحها للوجع ساكن فيهما "استحق رقصة أخيرة إن كنتِ قررتِ عدم عودتكِ لي... رقصة حقيقية يا بدور دون نزاعنا أو حربنا المعتادة!" نبرته الخشنة اثبطت عزيمتها، سلبتها جميع سبل حريتها لتقترب شيئاً فشيئاً بخطوات صغيرة جداً ومحسوسة محولة رفضها الجسدي والنفسي إياه إلى تسليم دافعها في هدنة محارب!!
كالسحر كان صوتها يخرج رقيقاً هادئاً بنبرة موسيقية ناعمة ذكرته بفتاته القديمة، بحبيبته المثابرة وبامرأته الكاملة... يا الله لكم افتقدها، اشتاق إليها، ولكم اضطرب كل إنشٍ في جسده الضخم تحت وطأة إجابتها وشروطها "رقصه واحدة، هدنة أخيرة، استحقها أنا وصغيري!"
ذراعه الذي كان يحاوط وركيها حتى لا تفلت منه ارتفع ليحيط خصرها بإحكام.. بينما يده الأخرى تحركت ببطء شديد لتتسلل على طول ذراعها بأنامله دافعاً إليها رعشة لذة وتنهيدة ندية خرجت دون سيطرة من بين شفتيها... حتى وصلت أصابعه الغليظة لأناملها يشبكهما معاً بتشبث مميت وإنما رقيق!!
وقف أخيراً ببطء من على مقعده مقرباً جسدها أكثر إليه "أنتِ وهو تستحقان العالم أجمع بين أيديكما!"
محجريها كانا تلقائياً يلمعان بدموع أبت أن تهبط رافعة ذقنها لأعلى حتى لا تقطع اتحاد عينيهما سوياً... بينما وجهه ينحني لأسفل محافظ جيداً على ما تحرص هي ألا تفقده من تواصل... قدميه تتحرك للأمام دافعة جسدها للوراء بحذر وبطء بينما صوت الموسيقي الهادئ يصدح من مكان ما داخل حجرة مكتبه..
تحركت شفتيها تهمس بغصة "لا قُبل، لا عاطفة جسدية، فقط تلك الرقصة التي سرقت منيّ مثل كل أحلامي المهدرة!"
حرك رأسه يميناً ويساراً وابتلع تكور الألم في حلقه، قبل أن يهمس بصوتٍ متألم اخشن من العاطفة "رقصتنا المؤجلة منذ خمسة أعوام، في ليلة عاهدت فيها القمر أن أضم الطاووس أخيراً مراقصها بين ذراعي النمر!"
التوى فمها بضحكة ساخرة، سخرية من أحلامها البريئة التي غزلتها معه من بيت هادئ ومطالبها البسيطة التي كتبتها على رمال البحر... لتجدها جميعا ما هي إلا سراب!
"بعض الأحلام لم تكتب لنا، من نحن حتى نتحدى طريق رُسم لنا منذ بداية الخليقة، ونتحدى أقدارنا؟!"
رفع يده بيدها لأعلى يديرها بحرص حول نفسها معيدها إلى صدره محيطها سريعاً داخل متسع قلبه "إن أردنا سنفعل... نحن من نختار مصائرنا، لعبة القدر الأزلية تلك لا أعترف بها!"
كفيها الاثنان تحركا ببطء على قميصه المنشى متلمسة عضلات صدره القوية، لتنتفض كل عظمة فيها استجابة بالشوق، والإجلال! حتى شبكتهما أخيراً حول عنقه... لينحني وجهه أكثر إليها و عينيها لم تجرؤ أن تتخلى عن التوهان داخل عينيه عندما قالت أخيراً "استسلامك لا يعني انهزام، بل تسليم بمصائر كُتبت علينا، يجب أن تعرف أنك مجرد بشر يا راشد، لا عيب في أن يُفلت أمرٌ ما من يدك، تعلم أخيراً أنك مهما كنت من القوة يجب أن تنسحب بعض الخيوط لتأخذ الترتيبات القدرية مجراها!"
"هناك أشياء أنا لا اتخيل إفلات زمامها من يدي بسهولة!"
ابتسامة حزينة... حزينة جداً ارتسمت على ملامحها قبل أن تقول بمرارة "جميعنا لدينا هذا الهاجس عدم التقبل أو التخيل أنها قد تحدث معه ببساطة، حتى وإن صارت مع العالم أجمع... ولكن؟!"
هزت كتفيها في حركة استسلام وكأنها بالتضامن مع عينيها ستشرح كل شيء ستخبره أنها لم تتخيل يوماً قط أن تكون الضربة القاتلة منه!"
أطلق زفرة طويلة ممتزجة بآه ملتاعة خرجت من صهد انهيار فؤاده ولكم يخجل للحظة أن تكون التقطتها أذنيها وكيف لا تفعل وهي قريبة منه حد التلاحم، حد التلاصق وحد التلازم والاتحاد لروحيهما المتعانقتين وترفرفان من فوقهما وكأنهما يرفضان الانصياع لأوامر صاحبيهما واللذان قررا من قبل الانفصال إلى الآبد "لكم كنت أحتاجكِ في هذا الوقت العصيب أن تكوني سكني وسكناي يا بدور..."
همست بضحكة مختنقة بينما ساقيها تتراقصان يميناً ويساراً، وركيها يتحركان في نصف حركة دائرية بين وركيه وقدمها ترتفع لأعلى لتمرر على طول ساقه ببطء مساعدة إياها كفه التي يمررها عليها هناك ببطء كأنه يعزف على أوتار موسيقية لكمان حالم "هل تعتقد أني كنت سأكون مناسبة لاحتواء غضبك وإحباطك يا نمري؟!"
قال بصوته الرخيم و بنبرة عاطفية بحتة "كنت لتكوني الأمثل... وها أنا بين ذراعيكِ متناسياً حالتي قبل ساعة خير مثال!"
هبطت يديها لتستند بكلا مرفقيها على صدره... سامحة ليده أن تحيطها أكثر دافعها إليه لتسكن بالفعل هي هناك لدقائق أخرى وأخرى "كنا لنكون رائعين ومتناغمين!" همست بعد برهه بإجابة لم تتبين إذا كانت إقرار أم تساؤل... فمه لثم جبهتها بخفة دون أن يقطع حصار حدقتيه لقارورتي العسل الصافي هناك "الأمثل على الإطلاق يا صوانة!"
توترت وكأن عقلها الواعي يحاول أن يفيق من تلك الدوامة، أن يخرج من تلك الفقاعة الغرامية البحتة التي عزلتهما عن العالم أجمع حتى عن نفسها وأحقادها تجاهه... وكأنه أدرك صحوتها المتأخرة، مما دفعه ليمد يده فيلامس ذقنها مرغماً إياها على العودة داخل فجوتهما الزمنية وهو يقول برقة "مظهركِ ببطنكِ المنتفخ يقطع الأحشاء ويوصلها لوعة ولهفة!"
ابتسمت وهي تقول بتلكؤ "وهل هذا أمر جيد أم سيء؟!"
كشر بأنفه وهو يقول مغازلاً "وكأنكِ خلقتِ لانتفاخ أحشائكِ... الحمل يليق بكِ بشدة بل زادكِ جمالاً ودلالاً يا طاووس راشد!"
تمتمت وعينيها تضطرب أكثر مرة أخرى "وقت اكتشافي إياه أنا كنت خائفة نادمة ومذعورة... ولكن جزءاً منيّ صغير جداً، كان... لقد كان....."
صمتت وهي تحاول أن تهز رأسها بقوة جابرة نفسها على التذكر أن هذا راشد، هذا الرجل منطقة محرمة، أخذت على عاتقها أن تُطهر دواخلها من أي جندي خائن يناهض في وجه قضيتها ضده...
حاول بهدوء أن يعيدها إليه، أن يظل في التحامه معها أكبر قدر من الإمكان "كان ماذا... أعدكِ أن أنسى هذا إن أردتِ، كما أشياء عديدة حدثت بيننا!"
حدقتيها تحركت على ملامح وجهه خشن الوسامة بتوتر ثم قالت "لا أثق في عهودك يا راشد!"
تمتم بصوتٍ أجش وهو يستشعر حركة خفيفة تصدر من بطنها المنتفخ والذي يلامس جسده "ولكن ابني له رأي آخر على ما يبدو!"
رمشت بعينيها وشعاع سعادة برق فيهما ثم انطفئ سريعاً وهي تسحب وجهها أخيراً بعيداً عنه وغمغمت "أخبرتك أنك جحيم لا مفر منه ولا أمل، فلماذا تتوقع ألا يكون هذا الطفل روحه مُعلقة بك؟!"
"كما مشاعر أبيه تجاه أمه!"
أفلتت منه بدور أخيراً فلم يحاربها كما توقعت... ابتعدت خطوة بظهرها ثم قالت "كانت رقصة أخيرة تستحق المخاطرة، بما تبقي منيّ معك!"
اقترب متنهداً وهو يعود يشتهي ضمها إليه رغم انفصاله عنه منذ ثوانٍ لا أكثر "وربما كانت رقصة آخر سطور من تلك الصفحة المؤلمة... ونفتح قريباً واحدة أخرى دون إخفاقات!"
ابتعدت أكثر نحو باب مكتبه ناوية فتحه والمغادرة ثم قالت "كم نحن جميلان معاً، عاشقان حد التماثل، ذابحان لبعضنا حد التمزق، لا أعتقد أن هناك أية فرص لشخصين كلاً منهما يخبئ للآخر من خلف ظهره سكين!"
رفع حاجبيه يحدق فيها بجمود وكأنها بالفعل نجحت في كسر لحظتهما سوياً "أنا لا أفعل!"
هتفت فيه دون تردد ثانية "ولكن أنا أفعل!"
وضع راشد يديه في جيب بنطاله ينظر إليها بلا شعور و دون أن ينطق بكلمة واحدة...
يدها كانت على المقبض مترددة تحدق فيه وكأنها تريد أن تهرع إليه مرة أخرى... ربما يستطيع سرقتها من الزمن وقت طويل آخر...
ثم فتحت الباب أخيراً وهي تقول صادمة إياه "الجزء الخفي منيّ ذلك الذي سلمك في بيت المزرعة، كان سعيداً... سعيداً جداً بطريقة لا أستطيع شرحها... أنا أخيراً وبعد رحلة أوجاعي معك أحمل جزءاً منك بداخلي!"
انتفض من مكانه قافزاً تقريبا نحوها وأمنية واحدة أخرى تحرقه أن يعيدها إليه ولكنها كانت الأسرع عندما غادرته دون تردد مغلقة الباب خلفها.
**************

وقف خالد ينظر بقتامة نحو باب منزله دون أن يجرؤ ويخطو للداخل... بداخله تعتمل مشاعر عدة لم يستطع أن يفسر أيهم يشعل نار صدره أكثر؟! حديث والده بالأمس أم ملاحقة راشد إياه، أم لوعته بل وغضبه من تلك التي أتت لمنزله تمنحه نظرة غريبة غامضة قبل أن تختفي تماماً من تحت ناظريه دون أن تكلف نفسها حتى أن تلتفت إليه وتجيب على ندائه... إذاً ما الذي حدث, آخر تواصل بينهما كان صباح يوم رحلتهما سوياً وبعدها توقفت عن مراسلته كما عادتها...
"نحن هنا يا شيخ خالد أين وصلت؟!" صوت نضال جعله يلتفت إليه وهو يقول بهدوء "الأمر أصبح يزعجني قليلاً... لا أعلم تحديداً ما مشكلة الجميع، هل كل من حرص على دينه وعمل على إرضاء ربه أصبح شيخاً؟!"
هز نضال كتفه بلا معنى وهو يناوله كوب قهوة من الورق المقوى ثم قال "ما تفعله أنت أو تحاول الالتزام به لا يعد معجزة مع الطبقات الكادحة في المجتمع، أو المنعدمة، ولكن!"
صمت لبرهة يرتشف من كوبه ثم قال وهو يشير بيده نحو القصر الكبير في كناية عن وضعه كوريث لآل الراوي "ولكن هنا، في وضعك أنت وما ينتظره الجميع منك ومقارنة بمن مثلك أو لديه نفس المكانة الاجتماعية... تعد طفرة من نوعك وتستحق لقب الشيخ!"
وضع خالد قدمه خلف ظهره يسندها على السور المستريح عليه ظهره مقلب الكوب الورقي بين يديه وهو ينظر للبخار المتصاعد كما تتبخر أحلامه القليلة والصغيرة متسربة بين يديه قبل أن يعافر ليحققها حتى ثم قال مغيراً دفة الحوار تماماً "كيف أقنعَت راشد بعودتها للمنزل... وما الذي يجري معها اليوم، لما أشعر أن هناك أمراً يقلب كيانها؟!"
رفع نضال حدقتيه ينظر إليه من تحت جفونه وجهه جامد الملامح لا يُعبر مطلقاً عن فؤاده الذي يهدر بين أضلعه ندماً وألماً؟!!! ثم قال أخيراً بنبرة عادية "لا علم لي... لماذا لم تحاول أن تسألها بنفسك؟!"
أطلق خالد زفرة محترقة ثم قال "أنتظر راشد لدي موعد معه... وبعد عودتي إن بقيت هنا مؤكد سأفعل!"
قال نضال بنبرة ملتوية "أنت تعلم أن الأوامر الجديدة تنص على إبعادك عن طريقها، وعدم الاصطدام بك بأية صورة!"
قال خالد في برود سريعاً "على نفسك وعليه، إن أردت التواصل معها في أي وقت أريده لن يوقفني أحد... أنت وهو لن تخافوا عليها مثلي!"
قال نضال بلؤم "أراك أكثر ثقة من قبل أشهر عندما تسببت لها في الأذى النفسي والجسدي لتدفعها بعيداً، مخبرها بكرهك إياها!"
أشاح خالد ببصره بعيداً، حاجباً مشاعره بالجمود وهو يقول ما يجرى بيننا لا أعتقد أنه داخل صلاحياتك!"
وضع نضال يده على كتفه مصارعاً رغبة هوجاء داخل أعماقه أن يصرخ فيه محذره، مخبره بحقيقة المؤامرة البشعة التي تُحاك حولها مشارك بنفسه فيها ، ربما وحده يستطيع إنقاذها!! كبح لجام نفسه بقوة ثم قال بنبرة غريبة "الفتاة تهمني، وأنت تعلم هذا، لذا كل ما أرجوه منك أن تكن عوناً لها عندما تحتاجك، مهما حاولوا دفعك عن طريقها!"
عقد خالد حاجبيه مدقق النظر في وجه نضال شاعراً بالغرابة قليلاً مما ينطقه لسانه، وتعكسه ملامحه، لقد كان وكأنه يحاول تحذيره من شيء مجهول يتمحور حولها!!!
"خالد بك، اصعد إن تكرمت!"
هدير السيارة التي توقفت أمامه مثيرة بعض الغبار مع صوته الذي خرج خشنا متحكماً في انفعالاته!!
اعتدل خالد بعد أن أومأ لنضال في إجابة عن طلبه الغريب والمعلق ثم توجه إليه وهو يقول على الفور "أخبرتك أني أريدها... وأنت اكتشفت هذا قبل أن أعرفه أنا أو هي، لذا لا داعي لعجرفتك أنت والسيد ياسر!"
مال راشد بجسده نحو المقعد الآخر ينظر إليه من النافذة التي طل خالد عليه منها... ثم قال ببرود "إجابة مبشرة رغم عدم استساغتي إياك!"
قال خالد بغضبٍ ساخر مدفوع من قهره بعد حواره مع والده بالأمس "وهل لو أصبحت نسخة مصغرة منك ومنه، وقتها سأصبح مؤهلاً في عينيك وأنال رضاك سيد راشد؟!"
اعتدل راشد من إمالته وفتح بابه ليتسند عليه لبرهة بذراعه ثم قال "احذر من لهجتك في الحديث معي!"
اصطكت أسنان خالد وهو يقول بصلف "و إلا ماذا... سوف تفترسني؟!"
رمقه راشد بعجب سرعان ما استحال إلى ابتسامة خطرة ناعمة وهو يقول ببطء "قد أفعل إن لم تتعقل في حديثك معي... أنت تعلم ألا أحد يستطيع إيقافي إن نويت!"
قال خالد بجفاف "أنا أحترمك يا راشد، ولكني لا أخافك!"
ابتعد عن سياراته وهو يقول بهدوء "اصعد لن نتحدث هنا!"
ثم تنبه لنضال أخيراً وهو يقول "السيدة منى طلبت أن تظل معها سبنتي هذه الليلة، لذا أنت حر في ذهابك لمنزلك أو مرافقتنا!"
نظر إليه نضال وهو يقول بتشكك "وأنت وافقت ببساطة، ألم تغضب قبل يومين وتوعدت بألا مزيد من هنا؟!"
فك راشد رابطة عنقه وهو يقول باقتضاب "معها لا قرارات تدوم، كما أني لا أستطيع حرمان زوجة عمي من ربيبتها!"
تحركت عضلة بجانب فم نضال وهو يهرب بعينيه اللتان اشتعل فيهما جحيم تلقائي بعيداً "لا يستطيع حرمانها من امرأة ربتها ولكن حرق قلب جوان الملتاع على ابنتها أمر عادي تستطيع فعله يا ابن الراوي!"
"أعتقد أنك اخترت ساعات الراحة؟!" سأل راشد بهدوء عندما طالت أشاحته بعيداً...
تنهد نضال معيداُ وجهه الحيادي الجدي سريعاً ثم اقترب نحوه فارداً كفه وهو يقول باختصار "سأقود أنا!"
ناوله إياه وهو يفتح الباب الخلفي ويحتل مكانه بينما فعل خالد المثل مجاوراً نضال.. سأل نضال بهدوء "إلى أين الوجهة سيد راشد؟!"
امتد جسد راشد للأمام قليلاً... ثم وضع يده على كتف خالد شاداً عليه بغلظة قاصداً ثم قال "أريد أن أكل كعاوي... يقولون أن المنطقة هناك تحل عقدة اللسان وتلجم ضمير العاشق خارسه إياه، وتُبدد حياء الشباب اليافع ... أليس هذا صحيح يا شيخ خالد؟"
أطل عليه من فوق كتفه دون أن يبدي أي تأثر بقبضته الخشنة أو حتى يحاول منعه ثم قال ببرود "بالطبع أنت محق... ولكن المشكلة تكمن بأن المكان لن يأتي بمفعوله معك إذ أنك لا تملك مما ذُكر ولا خصلة واحدة!"
ضحك راشد بانتعاش قاصداً ثم تراجع مسترخياً في مقعده دون أن يجيبه مشيراً لنضال بيده أن ينطلق في طريقه..
مضى نضال في طريقهم قبل أن يسأله مرة أخرى بنوع من التوتر "هل أنت متأكد من تركها هنا دون حمايتي أو صحبتك؟!"
تمتم راشد بنبرة ظاهرها متهكم مازح وباطنها غامض مستكشف للرجل الذي يضع كل ثقته فيه لحماية صغيرته منذ أعوام!! "طالما الشيخ حلالها معنا هي بأمان!"
التفت إليه خالد بحدة صارخاً فيه "توقف عن الاستخفاف بالأمر... أنا جاد جداً في كل وعد قطعته معها... أم أنك تريد أن تعيد القصة انتقاماً من زوجتك وأبي برفضي؟!"
التفت إليه راشد ينظر لعينيه الثائرة، لملامحه المتجهمة لغضبه الذي يراه لأول مرة مظهراً وجهاً أخر لخالد ظن أنه لا يحمله وبطريقة ما كان يرى ما وراء كل هذا التضارب بداخل ابن عمه الهادئ العاقل والفتى المنطوي الرافض لكل ما يمثل إمبراطورتيهم "يتألم!!"
مما دفعه أن يقول بنبرة مسيطرة متحكمة ومحتوية بنفس الوقت "أنا لا أرفض ما أنت عليه، بل أرفض ما تحاول أن تكونه!"
عقد خالد حاجبيه بعدم فهم بينما ملامحه ترتخي شيئا فشيئا ماحية غضبه ليحل مكانها الحيرة "لا أفهمك!"
قال بهدوء "بعد أن أتناول معك "العكاوي" قد تفهم!"
عبس خالد وهو يقول بصدمة "ماذا؟!"
"الطرق مزدحمة واحتاج لإراحة عقلي ساعة يا فتى قبل أن اشتبك معك مرة أخرى!"
*******
على جانب الشارع الشعبي الضيق طلب راشد من نضال أن يتوقف وصف السيارة رباعية الدفع الفخمة بعيداً...
قبل أن يهبط ثلاثتهم قاطعين الطريق غير السوي على الأقدام... كانت عينا خالد تحدقان فيه بصدمة محاولاً أن يتبين شخصية ابن عمه الجديدة عليه!! بينما كان راشد قد تخلى عن معطفه في وقتٍ ما لاحقها برابط عنقه وفتح بضعة أزرار علوية من قميصه الأبيض الذي يحتضن جذعه العضلي بتملك مظهراً جسده قوي البنية يعلو بنطال من الجينز الأسود وكأنه ارتداه بقصد، مجهزاً نفسه لهذا اللقاء...
ابتسم راشد وهو يقول ساخراً "ركز على أهدافك يا فتى أنت تريد سَبنتي وتفتن بها وليس أخاها!"
ارتد وجهه خالد للوراء باشمئزاز وهو يقول "مزحة سخيفة!"
طوى راشد أكمام قميصه حتى أعلى ساعديه وهو يقول "لم أمزح، أنت لا ترى كيف تتأملني، أصدقك القول بدأت اتشكك في نواياك!"
لم ينجر لمحاولة استفزازه وهو يجاوره أخيراً في مشيته دون أن يحاول النظر إليه ثانية ثم قال "فقط الأمر يثير عجبي أنت شرحت لنضال طريق مختصر لهنا بدقة كما أنك منحته عنوان المطعم المقصود وأنت تقول أن ما يقدمه أشهى وأفضل من ما رشحته أنا... كيف تعلم كل هذا؟!"
مط راشد شفتيه بلا معنى ثم قال "ما هي فكرتك تحديداً عني يا خالد؟!"
والإجابة كانت سريعة وقاطعة "أرستقراطي، متكبر، مسيطر، جنسيتك الأخرى هي ما تتحكم فيك وطريقة تنشئتك... هذا إن ابتعدنا عن أنك الوريث الأمثل لإمبراطورية الراوي وهنا لا أعني المال فقط، بل حتى سمات الشخصية!!"
حرك راشد رأسه في حركه العارف! ثم قال بهدوء "باختصار تراني عديم الشخصية أتطبع بأخلاق أبيك وأبي وإرث أجدادنا من قبل... أرث منهم التنائي عن العالم خارج دائرتنا!"
زفر خالد وهو يقول "لم أشر إلى أنك منعدم الشخصية، على العكس، أنا على يقين أنك تحت الواجهة المتفهمة المنفتحة والطيبة الخادعة تُخفي وجهاً مظلماً أكثر شراسة منزوع الرحمة!"
قال راشد بتلاعب "لم يصفني أحد بالطيب من قبل ولكن سأعتبرها إطراء منك!"
وصلوا أمام مطعم صغير متدني المظهر والجودة ينشر أمامه على الرصيف مقاعد وطاولات خشبية مهترئة مغطاة بقطع بلاستيكية متواضعة!
مما دفع خالد أن ينظر إليه مرة أخرى متوسع العينين وهو يقول مستنكراً "أنت لن تستطع أن تجلس هنا لدقيقة واحدة، لما تعاند نفسك، دعنا نذهب لمكان تفضله!"
أطلق راشد زفرة خشنة وهو يسحب مقعده فيصدر صوت أزيز مزعج وهو يساوي جسده الضخم عليه ثم قال أخيراً موجه حديثه لنضال "لا فائدة ترجى من فارس الراوي المتمرد... لا يريد أن يرى أبعد من أنفه!"
سحب نضال مقعداً مجاوراً وهو يداري سلاحه الناري بعيداً عن الأنظار ثم قال مازحاً "أحياناً أميل للتفكير أن خالد عنصري نحو رجال الأعمال يُصر على أن يحصرهم داخل الصورة النمطية للدراما المصرية بشكلٍ عام!"
هز راشد رأسه بتقييم ثم قال بنبرة مدعية الحيرة "هل تعتقد أنه ينتظر الجزء الخاص بإخراج كرباجي وجلد الناس وأنا أصرخ فيهم بمالي يا رعاع؟!"
قال نضال سريعاً "أنا لا أستبعد هذا!"
زفر خالد بضيق غير راضي عن تفكههم على حسابه ثم سحب مقعداً يجلس أمام راشد منتصباً وكأنه على أهبة الاستعداد للشجار!
طرقع راشد بأصبعيه في حركة شعبية شهيرة مشيراً للنادل البسيط الذي أتى مسرعاً ثم شرع في استخدام لغة الشارع البسيطة والشعبية يُحدث الشاب بها وكأنه يعيش في حواري مصر وترعرع فيها طوال عمره!!
مما دفع خالد أن يقول بضحكة مستهجنة "هل ستأكل أحشاء، أذكر أنك استشطت غضباً عندما علمت بإطعامي سَبنتي إياها؟!"
رمقه راشد من تحت جفنيه بنظرة غامضة ثم سأله بدون أن يُبدي اهتمام بإجابته "هل تريد "فتة كوارع" أم ستكتفي باللحوم المصنوعة بطريقة شعبية؟!"
توترت ملامحه قليلاً وبدأ يتحرك في مقعده دون ارتياح وكأنه يجلس على صفيحٍ ساخن "سأكتفي بما طلبته!"
"فتى جيد" قال بنبرة باردة قبل أن ينهي طلبه مستعجلاً النادل!
ثم ساد الصمت بين ثلاثتهم لثواني معدودة دون أن يجرؤ أحدهم على قطعه مكتفين بالنسمات الرطبة الممتزجة برائحة المباني القديمة، يتخللها ضوضاء شعبية للغادي والذاهب من سكان تلك المنطقة مخلوطة بصوتٍ عالي لأغاني شعبية قديمة تأتي من مقهى مجاور للمطعم على نفس الرصيف يجاوره محل لعصير القصب شهير كما شهرة هذا المكان البسيط الذي تتوافد عليه جميع الطبقات الاجتماعية، خاصة من يماثله ويريد أن يهرب من رتابة البدل البراقة، وملاحقة الصحافة لهم في كل مكان يذهبون إليه وكأن أبسط متع حياتهم الخاصة مشاع لاهتمام الناس الفضولية!
"كنت في عمرك شاب متمرد بحياة صاخبة... أتي لمصر فقط لأهرب متسكعاً بين الحارات الشعبية، أمرح كما كل من في عمري، أنا الآخر في مرحلة ما صرخت بأعلى صوت "لن أعيش في جلباب آل الراوي!"
الآن فقط بدأ توتر خالد يتبدد بوتيرة بطيئة يستمع إليه بكل أذن صاغية عندما قال "لم أتخيلك أبداً تهبط من برجك العالي!"
قال راشد بهدوء "أنا لم أكن يوماً في برج عالي كما تتخيل... ولكن والدك و والدي بل كل الأسرة الكريمة تكتفي بما يتنقل عني بالصورة التي تحملتها على عاتقي... مقراً أخيراً أن هذا دوري الذي خُلِقت من أجله!"
قال خالد ممتعضاً "وهنا نقطة اختلافي معكم... أنا لا أتمرد كما يحاول أبي الادعاء... فقط أنا لا أريد أن أكون ما يفترض وتتوقعونه مني!"
قال راشد بهدوء "أنا لا أريدك كما يتوقع منك الجميع، لأنك ستُخفق بالتأكيد، لا أحد ينجح في طريق يرسمه له الآخرين!"
أتى الطعام سريعاً يضعه النادل أمامهم بدون اهتمام في أطباق من الألومنيوم المهترئ والذي يجزم من يراه أنه صنع من أبد الآبدين، دون أدوات مائدة ودون حتى مناشف ورقية، فقط معلقة صغيرة وضعت في طبق السلطة الغارق بالماء... شرع راشد في سحب الطعام على الفور يتناول قطعة من النقانق يمضغها بتوق وهو يقول مازحاً "لذيذة... أنت تعلم كيف تؤثر في فتاة نهمة كسبتني يا لئيم وأنا من اعتقدت أنك خام وكتوم سترهقني لدفعك للبوح بما تريد!"
عاد إحساسه بالاختناق والنزق يتعاظم وهو يقول "لا أحب الطرق الملتوية والتلاعب... قل ما تريده مباشرةً"
أومأ مرة أخرى برأسه دون أن يتوقف عن تذوق قطع أخرى من الأنواع العديدة الموضوعة أمامه ثم قال بنبرة عادية "نضال هل يمكنك أن تطلب من المقهى المجاور كوب شاي، هذا الشيء يصبح طعمه أفضل به؟!"
وقف نضال بهدوء و هز رأسه بموافقة فاهماً أنه يبعده عن الحديث القادم والخاص..
انصرف على الفور بينما راشد يقول "أنا لا أمانع ارتباطك بها، ولكن بحدود وشروط سأضعها أنا!"
صوته كان ملهوفاً غير مصدق وهو يقول "أنت لا تمزح؟!"
هز راشد كتفيه وهو يقول متجنباً سؤاله "هذا إن بقيت هي على تعلقها بك عندما تنضج، بالطبع تعلم أن هذه المرحلة العمرية مشاعرها مختلفة ومتغيرة... وربما التصاقها بك الآن هو تعود لا أكثر لأول شخص يصلح ومتاح في محيطها؟!"
قال خالد سريعاً بسخرية "هذا على أساس أنك لم تمر بنفس التجربة مع مراهقة انتظرتك سبعة أعوام؟!"
كبت راشد إحساسا عارماً بالألم بداخله من تعرضه لذكرى الماضي ثم قال بهدوء "سَبنتي لا تشبه بدور، قصص المراهقة لا تنجح دائماً يا خالد... بعضهن يكتشفن عند النضج أنها كانت مجرد زوبعة من الوهم!"
القلق أحتل روحه وقلبه يخفق بإحساس دفين بالألم وتهديد أحلامه معها... تمتم بخفوت "هي لن تفعل!"
توقف راشد تاركاً ما بين يديه أخيراً وهو يقول بحزم "وأنت... ما الذي يضمن لي أنك لن تفعل، بأنك لن تعلقها باكراً جداً في حبالك، تُفني قلبها الصغير في انتظارك... لأجدك بالنهاية تأتي إليّ معتذراً معللاً بأسبابك أنك أوهمت نفسك بحبها؟!"
حل خالد أزرار قميصه العلوية بنفاذ صبر وهو يقول عابساً بصراحته المطلقة "لا أملك ضماناً يريحك من جانبي، ولا أملك من الجرأة أن أخبرك عن رحلتي المؤلمة وأنا أكبح جماح نفسي لمرآها أمام عينيّ، لقلبي الذي يخفق بعنف وصخب وهي تحدثني، ولا بجسدي الذي ينضح بالعرق وبالعالم الذي يضيق من حولي معلقاً خارج إطار الزمن، محاولاً عبثاً تغليف عجزي في حضرتها بالقدرة، وإدراكي لعشقها بالإنكار وأنا أزيحها عن طريقي!"
ارتخت ملامحه ماحي الجمود ليحل مكانه التفهم التام وهو يقول بصوتٍ أجش "لا أعتقد بعد ما قلت بأنك تحتاج لتقديم ضمان... ولكن لتصل إليها يجب عليك أن تكتشف ماهية روحك!"
"أنا اعرفها ولا أحتاج وصيتك أو أحداً لتحديدها!"
قال راشد بهدوء "إن كنت تعلمها ما كنت أخفقت حتى اللحظة في إثباتها... مشكلتك يا خالد أنك تعاند نفسك غير قابل أن تواجهها بشجاعة أنك فشلت في تطويعها لما يفترض أنك تريده منها!"
قال خالد بنبرة دفاعية غليظة "هذا غير صحيح!"
ضم راشد سبابته مع إبهامه في علامة تأكيد وهو يقول بنبرة حاسمة "بلا أنا أصبت الهدف تماماً... إيمانك ضعيف بما تحاول أن توهم من حولك به وتدعي أنه طريق نافر عنا ستقطعه وحدك!! بحيث يصعب على من يهتم بأن يشكك به!!"
صمت خالد يزيح نظراته بعيداً عنه يقلب كلماته في رأسه شاعراً بالاختناق الموجع بعالمه المسالم ذو القشرة الخادعة والهشة يتبدد شيئاً فشيئاً وكأن نمر الراوي وجد ثغره ليلج إليه منها مبدداً كل أوهامه في طريقه!
"أنا لا أريد أن أكون نسخه منكم!" قال بنبرة سوداوية أخيراً..
قال راشد بهدوء "أنت ترفض أن تلحق بالسرب... تريد خلق عالم مستقل بذاتك متفرد باسمك، أنت ببساطة امتزجت في فقاعتك، صدقت ادعائك بأنك شخص آخر بحياة أخرى و بيئة بسيطة دون تعقيد عائلتنا... روحك تتمرد كارهة أن تكون "الشخص المتوقع" بل تريد أن تصبح كيان مستقل دون أن يشير أحد إليك بوريث الراوي!"
قطب خالد للحظات وكأنه يقلب حديثه الذي مس أعماقه بقوة ثم قال بنبرة هجومية "هذا غير صحيح... أنت تحاول فرض سيطرتك المعتادة أو تحقيق نجاح آخر لما فشل فيه أبي!"
ضم راشد فمه، بينما عينيه القاتمتين المليئتين بالأسرار الدفينة والمخيفة حتى لشاب مثله!! لم تعبر عما يدور داخلهما ثم قال أخيراً "صدق أو لا أنا لا أهتم مطلقاً بما يريده أبيك!"
صمت قبل أن يشير بسبابته في حركه حاسمة "بل كل هدفي أنت... ولن أكررها عليك أنا محق، إذ أنه ورغم اختلاف تمرد كل منا وطريقة حياته الصاخبة أنا مررت بكل ما تعيشه أنت!"
قال خالد بجفاف "وما الذي جعلك تتحول لما أنت عليه؟!"
عبس راشد للحظات ثم قال بفتور "وما العيب فيّ تحديداً وأنت ترفضه؟! مشاكلي مع أختك، أم لأنك تصدق جملتها الشهيرة برجل الأعمال القذرة للعائلة؟!!"
قال خالد بدون تفكير كالطلقة "بدور مجنونة، أنا توقفت منذ زمن عن أخذ كلماتها نحوك بالذات على محمل الجدية!"
ابتسم راشد مرغماً ثم قال مازحاً ربما يبدد التوتر الذي خيم على جلستهما... "أترى ذلك السور على الجانب الآخر؟!"
التف خالد بجسده ينظر للحائط الأثري الذي يمتد على طول الطريق وهو يقول "سور مجرى العيون، ماذا عنه؟!"
ضحك راشد بانتشاء وهو يقول "أخر سنة في الجامعة أتيت إلى هنا رافضاً أن أنهيها في نوبة من نوبات تمردي... وقتها كنت أصادق بعضاً من المجانين، بالطبع كان مالك زوج شذى من ضمنهم ومدحت أيضاً!"
امتعض خالد وهو يتمتم "لا تحاول قد أتخيل ياسر الراوي بذاته يتسكع هنا... ولكن مدحت! أنت تبالغ!!"
قال راشد بنفس ضحكته "تخيل؟! وهذا ما عنيته بالضبط؟!!!"
صمت ثم تابع بمرح "يشاع هنا أن من يمر في إحدى هذه العيون ليلاً للجانب الآخر مفقود لا محالة فتحديتهم أن افعل... فتبعني الجميع واللذين خسروا الرهان قبل أن يقتربوا حتى من العين... بينما المسكين مدحت نفذ بالفعل، بينما أنا قفزت على السور ذاته من الأعلى كاسباً الرهان كاشفاً ما يدور بالفعل خلف هذا المكان دون أن أنصاع لما دفعني إليه أو أتبع السرب!"
صمت قبل أن يقول مازحاً "ما زال سبابه لي يصم أذني، وجهه الشاحب وشعر رأسه الذي طرقع في الحال مبيضاً خصلاته لا يفارق ضميري إحساسا بالذنب!"
افتر وجه خالد عن ابتسامة هادئة وهو يقول "ماذا فعلت لتدفعه لهذا؟!"
استنشق راشد نفساً عميقاً وهو يقول "السؤال الصحيح ماذا وجدنا خلف السور غير أساطير الوهم... أنا لم أفعل شيئا إلا تلاعب صبياني مساعداً في تجسيد خيالاته ومخاوفه أمامه!"
عاد خالد ينظر إليه بحيرة يحاول أن يفهم ما الهدف الحقيقي من أخباره ذلك الحدث!
خبط راشد على المائدة جاذباً جُل اهتمام خالد مرة أخرى وهو يقول أخيراً مجيباً علي سؤاله المعلق "جميعناً بعدها افترقنا مختار كل منا طريق في ظاهره ما جهزه لنا آباؤنا وفي باطنه ما أعترف به كل فرد منا!"
لم يرد خالد مكتفي بالاستماع إليه، فقط كان في أعماقه يحترم راشد ويقدره، بل في حداثة سنه كان يعجب به بل ويأخذ خطواته مثل أعلى... فرغم كل الزوابع التي دارات حوله خالد كان يدرك بصدق أن من أمامه يحتوي زمام الأمور التي تفلت منهم أحياناً بتقديم يد المساعدة لمن يطلب دون أن ينتظر إجابة أو عرفان!
سمعه يقول أخيراً بهدوء حاسم "أنا تجاهلت آراء الآخرين، صممت أذني عما يفترض أن أكون كما يدعي بلال الراوي وقتها!"
قال خالد في مجادلة أخيرة "لماذا لا تعترف ببساطة أنك اتبعت طريقك الذي رُسم منهم؟!"
رفع راشد رأسه بتعبير مغلق وهو يعود لتلك النظرة الداكنة المتعالية بفطرة تثير داخل النفس الاحترام والتقدير... مشعراً من حوله بالأفضلية الصارخة من كل خط من خطوط ملامحه الأنيقة دون أن يبذل جهداً يذكر رغم إعجابه بجانب راشد معه الآن من تواضع وبساطة لم تساعد على إخفاء حقيقته الأرستقراطية بوحشية عجيبة... سمعه يقول أخيراً بتثاقل "أنا اتبعت قدر خُلقت من أجله، جزء من دور داخل حياة كبيرة، كُتب أن أحمل عاتقها على كتفي... لم أتعامل بأنانية إثر رغباتي متغاضياً عن أرواح مصائرها معلقة ومنتظرة مكانتي هذه!"
كان نضال عاد أخيراً بمشروب مختلف تماماً وهو يقول بهدوء "الطعام برد كما الشاي فأتيت بعصير قصب بارد يهدئ من فوران كليكما إن كنت تنوي الفتك به!"
نظر إليه راشد سريعاً وهو يقول باسماً "خيراً فعلت "
ثم التفت لخالد مرة أخرى وهو يقول غامزاً "أعتقد أني سأطلب طاجن "كعاوي" ما زلت أتضور جوعاً... وبالطبع خالد بك هو من سيتكفل بالنفقات!"
تمتم خالد "بالطبع!"
عم صمت آخر نحو ثلاثتهم استغرق دقائق طويلة وأتى النادل منظفاً الطاولة بعشوائية واضعاً عليها أطعمة أخرى... وصوت من القهوة المجاور يصدح بصوت أغنية كلاسيكية... وكأنه بهذا يعلن انتهاء عالم الصاخبين ليحل مكانه الليل الطويل بسهاد للعاشقين الملتاعين...

ختم راشد حديثه أخيراً وهو يقول مترفقاً بابن عمه الشاب "مقياس الإنسان وإثبات ذاته الحقيقي هو مدى نجاحه في تجسيم ما هو عليه فعلاً!! اترك لروحك الحقيقية العنان... جرب أن توازن نفسك بما أنت عليه من أفكار ومشاعر وأفعال محسوسة ومبادئ وبما هو مقدر لك... الطريقان لا يتعارضان يا خالد، نحن من نقرر اتباع طريق التوهة أو النجاة سريعاً!"
صمت خالد مرة أخرى وبدا أنه يحاول أن يوازن كل ما يسمع ولكن هذه المرة بروح وقلب وعقل ووعي... وليس كما مراته السابقة التي كان يتهرب فيها نافراً كل من يحاول دفعه لتقييم معنى حياته...
صوت حليم الذي أتى أخيراً بعد الموسيقى الطويلة مزلزلاً عالمهم من حولهم كان يساعد في هذا السكون...
لتهبط كلماته المتوسلة للحبيبة المعذبة إياه بلوعة الوصال بمشاعر مختلفة لقلب كل واحد من الثلاث رجال... مشترك بينهم شعور واحد "القهر" الذي امتزج بعذاب عبد الحليم الذي يصرخ بصوته المجروح
"إن كنت حبيبي ساعدني كي أرحل عنك
أو كنت طبيبي ساعدني كي أشفى منك
لو أني أعرف أن الحب خطيرٌ جداً ما أحببت
لو أني أعرف أن البحر عميقٌ جداً ما أبحرت
لو أني أعرف خاتمتي ماكنت بدأت
اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق
علمني كيف أقص جذور هواك من الأعماق
علمني كيف تموت الدمعة في الأحداق
علمني كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق
يامن صورت ليا الدنيا كقصيدة شعر
وزرعت جراحك في صدري وأخذت الثأر
إن كنت أعز عليك فخذ بيدي
فأنا مفتونٌ من رأسي حتى قدمي" يتبعععععععععععععععععععععع عععععع الان
*********


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 07:36 PM   #1112

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
1111

تاااااااااااااااااااابع الفصل التاسع عشررررر




دخلت بدور ليلاً إلى المطبخ تفرك عينيها بنعاس ويدها تبحث عن قابس النور بشكل عشوائي...
متوجهة إلى المبرد بشكل تلقائي باحثة بين محتوياته عن شيء يسد جوعها الشديد الذي أصبحت تعاني منه مؤخراً...
"إذاً حديث الخادمات صحيح، أنتِ تغير كل روتينكِ وأصبحتِ من بني البشر!"
انتفضت بدور من الصوت المكتوم الذي فاجأها حتى أنها أوقعت إحدى المعلبات الزجاجية دون قصد!
هتفت "رباه ، ما الذي تفعلينه هنا, لقد أخفتني؟!"
هزت سَبنتي كتفيها بلا مبالة ثم قالت باستفزاز "سؤالكِ ينفع مع إجابتين، ماذا أفعل في تلك الساعة، اممم جائعة كالعادة.. هذه إحدى أفعالي العادية والتي لم تهتمي يوما بأن تعرفينها... للحقيقة أنتِ لم تعيري شيئاً يخصني أي نوعٍ من الاهتمام على الإطلاق وكأني هواء لا يُرى! والإجابة الأخرى ما الذي أعادني إلى هنا، حسناً اشتقت لزوجة عمي، هل ظننتِ أنكِ ستتخلصين مني بسهولة؟!"
عبست بدور وهي تقول بنزق "ما كل هذه الثرثرة يا فتاة، أنتِ صداع... صداااااااع يحمل فم كبير لن يتغير!"
شهقت سَبنتي مدعية الصدمة وهي تضع يدها على قلبها في إشارة للألم "أنتِ تجرحيني بدور، وأنا من ظننت أن حملكِ بأخي... تباً!! أعني ابن أخي سيغيركِ ويجعلكِ تتقبليني أخيراً!!"
تصلب جسد بدور والنوم يتبدد منها سريعاً ملتقط عقلها زلة لسانها غير المقصودة.. أم كانت بالفعل مقصودة!
"ماذا قلتِ؟!"
ابتسمت ببراءة وهي تقف من مكانها تتوجه إليها وهي تقول "حملكِ بابن أخي... راشد لا يتوقف عن الحديث عنه وعن ترتيباته عندما نجتمع سوياً أنا وهو والصغير... لقد وعدني باللعب معه وحمله كما أريد دون أن يسمح لكِ بمنعي!"
صمتت أمام وجه بدور الذي شحب ثم أكملت بنبرة وضعت فيها كل الحزن الذي تستطيع "آسفة ولكن لم أقدر على منع نفسي من إخباره بعدم مقدرتي على لمس الصغير... إذ أنكِ تكرهينني جداً دون سبب فكيف ستسمحين لي بالاقتراب منه؟!"
"آسفة لتحطيم أحلامكِ وهو، هذا لن يحدث!"
قالت باندفاع مقصود "هو لن ينتظر رأيكِ، إذ أنه لن يسمح أبداً بأن يكبر أطفاله بعيداً عنه حتى وإن اضطر لإجبار أمه للتخلي عنه، امممم هكذا أخبرني"
كورت بدور يديها ومشاعر عنيفة تنطلق من كل انشٍ في جسدها بطاقة مشحونة من الغضب القادر على تحطيم ما أمامها..
انكمشت سَبنتي لبرهة واحدة قبل أن يعود ذلك الاحتراق يمنحها طاقة كره عنيفة ليجعلها تقف أمامها بثبات...
رفعت بدور جفنيها أخيراً ثم قالت ببرود شديد "لا تتدخلي في أحاديث الكبار مرة أخرى، ولا... أنا لا أكرهكِ يا سَبنتي... فقط أتجنبكِ حتى لا أدخِلكِ في حربي مع أخيكِ... كما أفعل الآن تماماً!"
عينيها الواسعتين كانت تتأملها بنظرة غريبة وكأنها تُدخلها في تقييم من نوع ما غير غافلة عن المشاعر العديدة التي تعتمل فيهما وتنجلي على ملامحها... هناك شيئا مختلف في الفتاة، أمراً غيرها كلياً عن الصغيرة التي كانت رغم تجنبها إياها تضعها تحت نظراتها باهتمام كما الجميع هنا!
راقبتها تنحني نحو الزجاج تجمعه بكفيها العاريتين وهي تقول "لا بأس، لقد تخطيت مشاعركِ تجاهي منذ زمن، أنتِ غير مجبرة على الكذب!"
أمرتها بفتور "توقفي عما تفعلينه ستؤذين نفسكِ!"
رفعت سَبنتي رأسها تنظر لوجهها المطل عليها من علو ونبرة ضائعة مهتزة تفلت منها مرغمة وهي تقول "لقد تأذيت بالفعل، بسببكِ!"
انحنت بدور سريعاً بما يسمح به حملها الذي ثقل، ثم جذبتها عنوة من ذراعيها لتعيد وقوفها مكانها ثم قالت بضيق وهي تتفحص يديها التي بالفعل حملت جرحاً آخر بسبب الزجاج ، ما المشكلة مع تلك الغبية، هل تعد نفسها لدخول موسعة جينيس في عدد الجروح وأثار الحوادث التي يحملها جسدها؟! ثم قالت بلهجتها الباردة "لم أخبركِ أن تنظفي مكاني... رباااه، إضافة لاندفاعكِ وجنونكِ أنتِ غبية أيضاً!"
توسعت عيني سَبنتي وهي تنظر لدمائها التي لوثت يدي بدور التي سحبتها نحو الحوض وهي تمتم بسباب ساخط.. هي بالفعل لم تشعر بهذا الجرح ولم تعني مؤكد أذيتها بهذا الشكل، بل طامتها الكبرى التي أخرجت وحش كاسر ينهش داخلها! ما الذي أتى بها إلى هنا، لبراثن تلك العائلة التي اغتالتها هي وتلك المرأة جوان؟!
أجلستها بدور على المقعد، وهي تجلس أمامها جاذبة منشفة ورقية كاتمة الجرح الصغير بها وهي تقول "سنحتاج ضمادة كما التي تعلو جبهتكِ!"
سحبت سَبنتي يدها وهي تقول بخفوت "لن أحتاجها سأكون بخير!"
قالت ببرود "حسناً أنتِ حرة والآن هل يمكنني سؤالكِ عن ماهية هذا العرض الغبي؟!"
قالت بغلظة "أنا لست غبية، فقط أخبركِ عن خططي المستقبلية مع هذا الطفل!"
قالت بدور بمهادنة زائفة "هل أزعجكِ خالد مرة أخرى وتريدين إفراغ غضبكِ في أي شخص متاح؟"
رمشت بعينيها وكأن ذكره وحده كافي لردع تهورها، تلاعبها الذي تنويه... همست باختناق كاذب "لا، أنا أتجنبه منذ ما حدث إذ أن راشد أمرني بهذا ولن أستطيع إزعاجه!"
هزت بدور كتفيها وهي تقول "قرار حكيم من كليكما!"
صمتت بدور وهي تتحاشى كل ما دار معزية الأمر أنه مجرد عبثية معتادة منها وزلة لسان عادية بالفعل..
ولكنها كانت أكثر إصراراً أن تجعلها تعاني كما هي دُفِعت للجحيم "هل تعرفين امرأة تدعى جوان، هي في عمركِ تقريباً؟!"
في البداية ظهرت عليها الحيرة وهي تبحث في ذاكرتها عن اسم خُيل لها أنه مر في حياتها يوماً... كادت أن تنفي قبل أن يسطع شيء جارح في الذاكرة توسعت له عينيها بتوتر شديد مخالط لألم غابر "نعم أعرفها فتاة صغيرة في عمر نوة لا أنا، واختفت منذ زمن طويل بعد أن قُطعت كل روابطنا العائلية بهم... هل تعنين نفس الشخص؟"
قالت بنبرة جامدة "أخمن هذا!"
ساد الصمت للحظات طويلة مشحونة قبل أن تقول بدور ببرود "من أين عرفتها، ولماذا تسألين عنها؟!"
تظاهرت سَبنتي بالتوتر الشديد، راسمة الندم على ملامحها وهي تعض على فمها بقوة وكأنها تؤنب نفسها على شيءٍ لا يجب قوله!
"متى تلدين الصغير؟!" ادعت التهرب بسؤالها!
برقت عيناها بالغضب وهي تقول بنبرة لا حياة فيها "لم أتلقى إجابتي سَبنتي، كيف تعلمين عن جوان؟!"
ارتعشت شفتي سَبنتي وهي تزيح شعرها بحركة أجادت توترها وارتعاش أناملها فيها ثم قالت ببراءة "إن أخبرتكِ سأغضبه مني جداً... أنا فقط أردت أن أعرف عن المرأة التي عرفني عليها وتحمل تشابه كبير مع ملامحي لقد ظننت أنها قريبة لي من ناحية أمي!"
تقبضت يدي بدور بقوة على طرف المائدة متشبثة فيها وكأنها ستمنعها من سقوط محقق صدرها يعلو وينخفض بلهاث شديد لم تستطيع إخفائه متذكرة جملتها الأثيرة "تلك هي المشكلة سَبنتي لا تشبهنا بل تحمل ملامحك بأخرى غريبة لا تخصنا!!"
"جوان... جوان الأمير المراهقة الصهباء تلك التي كانوا يتمازحون بأنها زوجته المستقبلية... تلك التي اختفت من حياتهم تماما بلا أثر قبل عامين من ظهور سَبنتي يحملها راشد بين ذراعيه أتى بها من لندن إلى أمها!"
أمسكت أناملها عبر الطاولة وهي تقول بقلق "بدور... أنتِ بخير، هل أوقظ زوجة عمي؟!"
هزت رأسها رفضاً وهي تُبعد كفها الصغير عنها تنظر إليها بجمود وهي تقول بنبرة لا حياة فيها "ماذا أخبركِ عنها؟!"
"اممم... لا شيء أصدقكِ القول لقد أخافتني المرأة احتضنتني باكية، وعندما قاومت طمأنني راشد وهو يقول بأنها تعرفني جيداً وتحبني!"
أومأت بدور برأسها عدت مرات دون رد... ثم وقفت أخيراً تنقل خطواتها بثبات شديد! الطعنة قوية هذه المرة ولكن ما الجديد ألم تكن تشك منذ البداية؟!!
إذاً لماذا سوف تدعي الآن صدمة المعرفة؟!
"هل تريدين تناول شيء معي؟" صدمتها بطرح السؤال وهي تعود تفتح المبرد متناولة منه شرائح من الجبن واللحم البارد!
ارتبكت سَبنتي للحظات وهي تنظر إليها مسيطرة قوية كما عاداتها وكأنها لم تطعنها للتو بما قالته عن وجود امرأة أخرى سبقتها إليه بل وانجب منها!
يديها كانتا تتحركان في تناغم وهي تعد شطيرتين، ثم تضعهما على طبقين متفرقين... توجهت نحوها بعد دقيقة من الصمت تضع حصتها أمامها وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها ثم قالت "هذا لتعويض أذيتي إياكِ! أحلام سعيدة بقة!"
رفعت سَبنتي عيناها الواسعتين تحدق فيها بتضارب مشاعر غريب لم تتبين منه غير الخوف والندم!
"بدور" همست بنبرة أشبه بنداء نجدة
أجابتها بحلاوة مزيفة "نعم بقة، هل تريدين إخباري بشيء آخر؟"
لم تنقطع نظرات كلتيهما حتى أخفضت سَبنتي وجهها لينسدل شعرها كستار يحجب ملامحها، وكأنها تراجعت خوفاً في تلك المواجهة القصيرة... ثم همست بشحوب "شكرا لكِ على الشطيرة!"
هزت كتفها في علامة أشبه بإجابة ثم غادرت المكان ساحبة طعامها معها!
سامحة لفقدان سيطرتها أن يظهر أخيراً متمثلاً في رقرقة دموع خفيفة داخل عينيها، وارتعاش أناملها التي استراحت على صغيرها وكأنها تستمد منه الدعم لاستقبال مزيد من الحقائق التي لن تتوقف هذه المرة حتى تعرفها جميعاً.
*************

عبثاً كان يقاوم نفسه ألا يقتحم غرفتها المنفصلة منذ أن أقامت معه في هذا المنزل الذي أسسه من أجلها بعيداً عن أعين أي يد قد تفكر أن تطالها أو تطاردها!
صوتها المكتوم ببكائها المعتاد كان يخبره أنها ما زالت مستيقظة!! لقد تعمد أن يتهرب من مواجهتها طوال اليوم بعد مواجهتها مع صغيرتها... حتى وهو يعلم أنها في أكثر الأوقات احتياجاً إليه ولكنه كان غاضباً، يا الله كم يحمل نحوها غضب عاصف لا يُحتمل، جحيم مكبوت داخل صدره حاجباً عنه حتى إحساسه بالتعاطف أو الترفق بها... كل هذا الألم الذي يشعره، هذا الندم الذي يشطره... تأنيب ضميره والنوم الذي يجافيه من خيانته أمانة بسببها، من تلوي طرق لم يتبعها يوماً...
دائماً ومنذ طفولته ونشأته وسط عائلة متوسطة الحال، بين أب وأم علماه معنى الشجاعة والإقدام والإخلاص والصدق... لقد مثل طوال رحلته معنى الوفاء والأخلاق اللذان جعل كل من يعرفه يقدم له احترامه وتقديره قبل ثقته العمياء في إسناد حمايته وهو لم يفشل يوماً... بل طوال مسيرته المهنية كان مثالاً للحارس الخاص الناجح، الذي تُقدم له عروض مغرية ليصبح بجانب أكبر رجال الأعمال في البلد... ولكنه ارتبط منذ سبع سنوات وأكثر بعائلة الراوي بالقرب من راشد بالذات... الذي وثق فيه بدوره ليوكله حماية أخته "ابنة أخيه" صحح لنفسه! مرافقها في كل مكان...
جحيم يغلي في صدره يريد التهرب منه، الصراخ حتى يفرغه عله يوقف جَلده الذاتي مريحاً نفسه قليلاً!
مندفع بالكثير من الغضب الحقد والاحتياج الشديد وطاقة الجسد العنيفة كان يفتح باب غرفتها عنوة دون استئذان لأول مرة منذ أن أقامت معه.. إذ أنها دائماً ما كانت هي التي تبدأ!
انتفضت جوان من تمددها تحدق فيه بعينين متورمتين، مضطربتين وهي تهمس ببحة أثر البكاء "هل تحتاج شيئاً؟"
الصمت ما قابلها وهو ينظر إليها بنوعٍ من الصرامة... ثم رفع يديه يمسك طرفي قميصه ممزقه من على جذعه بغضب، أجفلت وهي تقفز من مكانها وهي تراقب الأزرار التي طارت لتقع على أرض الغرفة مصدرة صوت مكتوم، همست وهي تتراجع بخوف من الطاقة العنيفة التي تفوح من كل عضلة في جسده الأسمر تتحرك بتناغم عنيف مع صوت أنفاسه اللاهثة "اخرج من هنا!"
اقترب منها بتمهل وكأنه أسد يحاصر صيده الثمين، ويسن أسنانه حتى يفتك ملتهماً أخر قطعة فيه "أريدكِ، أرغبكِ، هذا حقي في صفقتكِ, ثمن ما منحته لكِ اليوم!!" نطق أخيراً بنبرة جمدت الدماء في عروقها ذعراً... نبرة كانت شديدة الخفوت ومنزوعة الرحمة إذ أنها كانت أمراً لا طلباً... رغبة محتقرة في جسد تعلم يقيناً أنه يثير كل جنونه!
تدفقت دموعها التي لا تنضب من عينيها وهي تقول بنشيج مكتوم "أنت لست نفسك يا نضال، من الأفضل أن تهدأ قبل أن تفعل شيئاً تندم عليه... أه!"
صرخت مصدومة عندما جذبتها يديه القاسية ناهشة إياها من على الحائط الذي احتمت فيه ثم ألقاها على الفراش الذي نالها فيه مرة واحدة من قبل!
"لا تفعل، أرجوك!" همست بتوسل وهي تنظر لوجهه المظلم ولبراكين السخط في عينيه السوداويين!
لم يجبها وكأنه أصابه الخرس موقفاً عقله عن التفكير، وحاجب عن عينيه رؤية جسدها الذي يتلوى ذعراً تحته محاولاً الفرار...
هبط بفمه مجتاح شفتيها وكأنه ينهي أي نزاع قد يوقفه عن ما يفعل وكأنه بهذا يحجب أية عاطفة قد تجعله يرق لها ويتركها لحال سبيلها!
قُبلته كانت عنيفة، وحشية تهز جسدها هزاً تحت وطأة الخوف من عاطفة رجل تحطم كل دروعها التي أقامتها لسنين القمع التي عاشتها حتى لا تضعف أبداً ثانية ...لا دروع صححت لنفسها وهي تشعر بأصابعه الغليظة التي مزقت قميصها الحريري الرقيق، ثم حمالة صدرها ليقبض على معالم أنوثتها بباطن كفيه... نضال يُحييها من جديد، يذكرها أنها أكثر من جسد قد يُفرغ فيه أي رجل متعته... رغم عنفه ورغم توحشه في التعامل أو حتى إهانته القاتلة... وحده كان قادراً على إحياء احتياجها تذكيرها بأنها تستحق أن تُحب... أن تُعبد في محراب يخصها، أن يكون لها السلطة على رجل في ضخامته، ينتفض فوقها صارخاً دون مداراة بتضور كل إنشٍ من جسده جوعاً إليها!!
ركبته التي ارتفعت تضغط على ساقيها بشراسة مع تقبض يديه على جزءٍ هش وحساس فيها جعل مزيداً من الدموع تهبط من عينيها لتبلل شفتيها، مخترقة قُبلته التي لم تنقطع وقطعت أنفاسها...
تركها لبرهة خاطفة ينظر إلى عينيها متنفساً بصعوبة شديدة "لا تؤذيني" همست باستسلام من بين نشيج بكائها المكتوم فلم يرد عليها، لقد كان أكثر انشغالاً في تلك اللحظة من أن يفعل، أكثر إصراراً أن ينالها بأية طريقة تقربها منه حتى لو كانت مرغمة لقد كان ضائعاً بحق، فلم يحدد أي مشاعره أقوى... أخذها أخيراً في علاقة حميمية دائمة دون حساسيته الزائدة، متقبلاً ما تلقيه له من مقابل دون أن تبادله أياً من احتراق قلبه الذي وقع في حبال غرامها... أم أنه فقط أراد هذا اللقاء الذي لن يتنازل أن يكون بأقصى درجات العنف مفرغاً غضبه فيها؟!
بشيءٍ من القسوة كانت يده تغرز في شعرها الأحمر الكثيف جاذباً رأسها لأعلى وبشفتيه تعود تُدفن على بشرتها الكريمية يلتهمها التهاماً بكل ما للكلمة من معنى، إذ كان أياً ما يفعله لا يمت لقُبلات رجل بصلة!!
ازداد نحيبها قوة مع إحساسها بعبث يده الغاشمة التي لا تقرب لأي رفق أو رحمة، ممرها على طول قدها قابضاً على كل معلم فاتن فيها بنوعٍ من الوحشية...
ورغم كل هذا وعند وصوله لنقطة لا رجوع فيها بعدها متمكناً منها لينالها مسبباً لها نوعٍ من الألم الجسدي، ألم جسدي ممتع!! ليست متعة حيوانية أو جنسية، إذ أن ما تشعره معه ورغم كل جنونه وحماقته لم يكن إلا العاطفة، نضال الجاف الجلف والذي رغم موافقتها على تسليمها كل أمرها بين يديه... كان لا يجيد مطلقاً أية كلمات غزلية ترضي أنوثتها الجريحة... ولكنه كان يعرف كيف يوصل لها بحد رهيب كيف هي قيمتها في عينيه، هي غالية ثمينة يقدرها... جوان المنحلة كانت في عينيّ هذا الضخم الشرس عزيزة جداً وبريئة، امرأة طاهرة، امرأته هو، وهو فقط... وحتى إن تركها لن يكون أبداً بعده أحد!!
عند هذا الحد كانت دموعها أخيراً تهدأ، لتقشع غمامة الألم عن عينيها ليحل مكانها التقبل الرضا وربما التلهف والتمسك الذي عبرت عنه بإحاطة كتفيه بذراعيها بقوة حتى تخبره دون صوت ألا يتركها لأكبر قدر يريده!
محتوية لأول مرة غضبه وعنفه وإحباطه!
********
عندما ارتفع من فوقها أخيراً، التفت حول نفسها تسحب الملاءة حتى تحت ذقنها ثم أعطته ظهرها، مغلقة عينيها بقوة حتى لا تراه ككل مرة وهو يغادرها، مضيعاً كل ما عاشاه من حلاوة مشاعر بنظرة القرف والنفور التي تعلم خداعها... انتظرت وانتظرت دون أمل أن تشعر بالفراغ جانبها أخيراً... بل كانت صدمتها الأخرى عندما شعرت بذراعيه التي أحاطت خصرها ضاممها بقوة إليه وبجسده العاري الذي توحد معها تحت الغطاء... أفلتت منها شهقة بكاء وهي تدفن وجهها في ذراعه..
وضع وجهه في عنقها وسمعته يهتف من بين أنفاسه بصعوبة "أنا آسف... آسف يا جوان لا أعلم ما الشيطان الذي كان يتملكني!"
استمرت في البكاء على ذراعه لفترة أخرى وجيزة وهي تشعر بيديه نافذة الصبر تمسد بعض المناطق في جسدها وهو يطلق زفير مقهور "يا رب... ماذا فعلت؟!"
هزت رأسها بحركة أشبه بالنفي وهي تقول بنبرة هي نفسها لا تصدق فحواها "لا بأس... لقد أرضاني هذا!"
اتسعت عيناه المخفية عن رؤيتها، وهو يقول مضطربا "ما كان عليّ اهانتكِ بهذا الشكل... أن أسبب لكِ الرعب!"
هدأ بكائها نسبياً لتعدل نومتها بين ذراعيه دون أن يترك احتضانه إياها.. تسطحت ملتصقة فيه لتنظر إلى السقف في ظلام الغرفة التي ينيرها على استحياء نور خافت أتى من الباب المفتوح على غرفة المعيشة ثم قالت بسخرية حزينة "رعب؟! هل تمزح يا نضال... أنا ما عاد شيء في العالم قادر على إرعابي!"
كان عاجزاً تماما أن يتعاطى مع كل مشاعره وما حدث بينهما من لقاءٍ ضاري لم تتبدد حدته وصخبه أو رائحة علاقتهما التي فرغا منها لتوه... ولكنه تغلب على نفسه وهو يمسد بأنامله شفتيها المنتفختين إثر قبلاته بشيء من الرقة وهو يقول "اغضبي عليّ يا جوان، اصرخي إن أردتِ، لا تحاولي كالعادة تقبل أي أمر يُفعل بكِ!"
بالكاد استوعب كلماته وهي تدير عينيها لتنظر إليه باستنكار شديد ثم قالت "هل أصابك خلل ما نتيجة جلوسك معي؟!"
عقد حاجبيه بضيق وهو يقول بجفاف "لا خلل، ولكن تحويلي لرجل آخر معدوم الكرامة ربما وخائن للأمانة!"
عم صمت مشحون في أرجاء الغرفة وهي تنزع عيناها بعيداً معيدة تحديقها في سقف الغرفة "لم أجبرك, أنت تعهدت بكل ما يحدث من تلقاء نفسك!"
"واجبي حمايتكِ، دفع أي أذى بعيداً عنكِ، حتى وإن تخليت عن حياتي لا مبادئي فقط ومهما كانت أسبابكِ أو النتيجة!"
كانت عيناها تحدق في نقطة مفرغة في السقف وهي تقول بنبرة خاوية "عندما اكتشفت أمي بطني الذي يكبر، لم تحتضني أو تطمئن رعبي كما يُفترض، لم تصرخ عليّ، تضربني حتى إذا كنت استحق، بل سحبتني من يدي بجمود شديد وألقتني أمام أبي في غرفة مكتبه وهي تعلق باختصار "جوان حامل، ماذا سنفعل؟!""
انفعالاته كانت تتصاعد فوق صفحة وجهه مجاهداً أن يحتفظ بأعصابه هادئة تاركها تفرغ طاقة من الكبت بداخلها ربما إخراجها لما عانته، يساعد في علاجها بأية طريقة...
قالت بجمود "لقد طرحت السؤال وكأني مشكلة عرضية بفرقعة إصبع ستعالجها، وكأني مجرد قطعة من حليها فقدت بريقها وسترسلها لإحدى المحلات لتلميعها!"
صمتت تأخذ نفساً عنيفاً وعينيها تسكنها نظرة رعب خالص "ولكن أبي لم يتعامل مع الأمر بتلك الصورة، لقد كانت كارثة لا علاج لها، انهيار عالمه حوله... ابنته الوحيدة التي أفنى عمره ليؤمن مستقبلها على حد قوله! جلبت له العار، فضيحة ستهز عالمه ستضع رأسه في الوحل بين عائلته!"
غمغم نضال بما عرف منها سابقا "حاول إجهاضكِ هناك، فلم يفلح الأمر لتقدم حمل بجانب صغر عمركِ، ورفض المشافي فعلها، فأقنعكِ ووالدتكِ بالقدوم إلى هنا سراً وإيجاد الحل!"
قالت بنبرة مهزوزة "وقتها لم أكن أفصحت عن اسم هذا القذر، في الحقيقة أنا لم أنطق بأي شيء كنت صامتة طوال الوقت مرتعبة، حتى دخل لي في ليلة ووعدني بالحماية، بتخليصي من ذلك الطفل وإنقاذ مستقبلي، بالعودة جوان صغيرته وحبيبته وكأن شيئاً لم يحدث!"
قال بحزم "دائماً ما كنت تتخطين هذا الجزء يا جوان... ماذا بعد أن تحدثتِ؟!"
نظرت إليه بنظرة ذعر نظرة امتلأت بالرعب الصافي وهي تهمس بارتجاف "فُتِحت أبواب الجحيم التي لم أخرج منها قط، جُلِدت عارية على أمل تأديبي وإجهاضي... الاستعانة بامرأة بشعة... بشعة يا نضال حُبست معها في غرفة من جدران عفنة، سبتني بأشنع الألفاظ التي أصبحت أفهمها الآن، حتى أنها تعدت عليّ بالضرب.. ساقطة، منحلة، وعاء قذر يفرغ فيه كل كلب متعته... الكثير الكثير!"
ضمت رأسها بكفيها وهي تشهق بعنف محاولة استنشاق أكبر قدر من الهواء وكأنها كانت تكتم أنفاسها منذ بدأت تسرد ماضيها الأشنع!!
كان مجبراً أن يسايرها رغم نار سقر التي شبت حارقة فؤاده "كيف نجوتِ؟!"
قالت بنبرة هستيرية "لم أنجُ... أنا لم أخرج من تلك الأيام قط ما زلت هناك حتى بعد أن تحرك قلب أمي أخيراً كاسرة الباب بعنف وطاردة تلك الحقيرة، واحتضانها لي... هل تصدق، هل أنا كنت لأصدق هذا... أمي رأتني أخيراً رق قلبها نحوي وقفت في وجهه مخبرة إياه أنها ستحميني وطفلي العنيد الذي يتشبث بالحياة!"
صمتت تبتلع ريقها وهي تقول "لقد خافت أن تفقدني، حتى أنها بدأت في رعايتي صحياً محاولة أن تمحو ذلك الجحيم من رأسي... ولكن أبي كان له رأياً آخر!"
انتفض جسدها الرقيق بين يديه عدة مرات وكأنها تقاوم ألا تفقد وعيها من فرط الخوف والانفعال وهي تكمل "لقد خدعها بموافقته أتفق معها على بقائي هنا حتى إنجاب صغيرتي، وبعدها سيجد حلاً مع بلال الراوي... وهي صدقته، بالنهاية كما رقت هي لوحيدتها سيفعل هو الآخر!"
"ماذا فعل؟!"
شهقت وهي تقول "أخبرتك من قبل دفنني حية!"
********
الحاضر أصبح شبحاً مرعباً يغتال ماضيها ومستقبلها...
ساعة بعد ساعة وليلة تجر في ذيلها ليلة... ما عاد ما يسكن أحشائها يستطيع تجنبه وعاجلاً أو آجلاً سيُطلب منه أن يفصح للعالم بأثره عنه... و أن يواجه العالم بما اقترفته يديها...
صوته الجامد المرعب كان يأمرها رغم غموض ملامحه "اهبطي"
عينيها توسعت بهلع وهي تتأمل المكان المظلم والمرعب الذي حولها ثم سألت بصوتٍ مرتجف مهتز "أين نحن؟!"
لم يرد وهو يهبط أولاً ثم يستدير نحو بابها يفتحه ثم جذبها بعنف ومضى ساحبها وراءه... توسلت, لم تملك إلا أن تفعل ربما قلبه يرق من ناحيتها ويتذكر كل لمسة حنان منحها لها، كل ذرة عطف وتفهم، كل لحظة فخر كان يتحدث بها عنها... أملت فقط تعشمت أن يتذكر ببساطة من هي وما الذي تعنيه له... عندما قالت بنبرة طفولية ضائعة "لقد وعدت بحمايتي... بعدم أذيتي مرة أخرى ، أنا خائفة......."
راقبت كيف توقفت خطواته وظهره يتصلب كتفيه ينحنيان وكأن كل ثقل وحزن العالم القيا فوقهما... عم صمت مرعب مختلط بصوت صفير الهواء الذي يتخلل المقابر من حولهما فيخيل لها أن كل تلك الظلال أشباح تشحذ أنيابها مغتالة روحها... أطلقت صرخة ذعر أخرى وهي تقول مكررة "أنا خائفة... أرجوك بابا... اخرجني من هنا"
أغلق جفنيه بقوة مانعاً نفسه من التفكير، مقسم سد منيع بين فؤاده الذي يهدر بين أضلعه محاربه ليرحمها ليأخذها بين ذراعيه، حاميها من مصيبتها... ثم يأتي "بالكلب الحقير" ويأخذ ثأر كل منهما منه ذابحه تحت قدمه... ولكن منذ متى كان ثأر الشرف يؤخذ من الرجل!! بل هو كل تبعاته على الأنثى وحدها .. هي من فرطت؟! هي من استسلمت وهي من تحمل بذرة الخطيئة جالبة له العار والفضيحة "كان يجب أن تفكري بنتائج فعلتكِ قبل هذا... أنتِ تستحقين التقطيع من جسدكِ إرباً وأنتِ حية... ولكن أنا سأكون أرحم من أن أفعلها"
حاولت الصراخ.. أن تفلت من يده ولكنه استدار سريعاً ملجمها، مسيطر على نوبة تمردها، جارها جراً أمامه مراقب عينيها المرتعبة التي تنظر إليه بتوسل باستعطاف طالبة الرحمة... وجهه كان قريب... قريب جداً لتتبين من وسط الظلال دموع القهر التي فاضت من عينيه، وكأنه ينازع نفسه ألا يفعلها... توقفت عن مقاومته وهي تهز رأسها بالنفي, بالخوف تحاول أن تهمهم بشيء من وسط نشيجها وانتفاض جسدها الذي خارت قواه بالخوف...
رقت ملامحه المظلمة لثواني.. ثواني فقط قبل أن تجد نفسها مواجهة تماماً لقبرٍ مفتوح... ثم بجسدها الضئيل يُدفع في تلك الهوة متدحرجة على بعض الدراجات... رائحة الموت زكمت أنفها على الفور... جمدت لثواني رعباً حتى شعرت بماء دافئ ينساب من بين ساقيها خوفاً... لتستطيع أخيراً إيجاد صوتها، صرخت وصرخت في ظلام القبر باسمه "لاااااا.. أبي... لا تتركني... لا تتركني... سأموت هنا الرحمة... أنت وعدت بالحماية إن أخبرتك... وعدت بتخليصي منه لا قتلي!"
اعتدلت تحاول التسلق نحوه ولكن قبل أن تصل إليه كان "الرخام الضخم يُسحب فوقها"
أطلقت صيحة ذعر متبعها صراخ النجدة... دون انقطاع بينما هو ينهار هناك يدفن وجهه بين كفيه صارخاً بوجع رجولته بقهر كبريائه، وبمرارة فقد صغيرته...
انسحب صادق ببطء بين الأتربة متجمداً هناك شاعراً أن روحه تخرج من بين أضلعه وهو يسمع صراخها، هذيانها الفاقد للعقل تصف له بتوسل طفولي عن عفاريت وعظام تنهش فيها تسحبها داخل حفرة مرعبة، عن خطاطيف حديدية من نار تُكبلها... دقيقة اثنتان، أربع ساعة ونصف آخر... حتى بُح صوتها تماماً وأطلقت صرخة ملتاعة أخيرة شقت حدود السماء وصمت بعدها كل شيء! لقد انتهى كل شيء تخلص من فضيحته وخلصها هي من عار سيلحقها... لقد ماتت!!
"جواااان" صرخ بفزع وهو ينبش القبر بنوعٍ من الهستيريا وكأنه فقط عقله وتركيزه... ثم عادت عينيه المحمرتين المجنونتين تتفقد كل شيء حوله وكأنه يصارع شياطينه.. يده تتوقف يبتعد مرة أخرى ناوياً تركها لمصير هي من سعت إليه!
حتى كانت النجدة في رجل بسيط يمسك بيده مصباح
ينظر إليه بريبة قبل أن يسطع في عقله من هو بكل وضوح "ماذا تفعل هنا يا بك؟!"
الغبار الذي كان يملئه مع عينيه الضائعة ومظهره جعل الشك يدخل قلب الرجل وهو يتتبع نظرات الرجل فاقدة العقل، مكتشف فتح القبر دون أن يمسه هو!!
"ماذا فعلت يا بك... من وضعت هنا؟!"
لم يرد أيضاً مما جعل الحارس يترك ما بيده على الأرض ويضع طرف جلبابه في أسنانه رافعاً الرخامة الثقيلة التي لم تغلق جيداً مكتشف الجسد الصغير فاقد الحياة على الدرجات الترابية وهو يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله... نفسٌ توأد حية... ماذا فعلت ومن تظن نفسك لتأخذ دور رب العباد؟!"
هبط الرجل بلهفة يحملها بين ذراعيه رافعها معه لأعلى ثم مددها أمام نظرات أبيها التي لم تتغير لحظة أو يخرج من صدمة فعلته "لقد ماتت، اتركها لقدرها ولا تنتهك حرمة الأموات!"
"العقاب على قدر الجرم يا بك، وأياً ما كانت ارتكبته، أنت يجب أن تكون ساندها وحاميها لا قاتلها!"
"فعلتها لا تغتفر ولا تُمحا" كان فاقداً لنفسه بالفعل وهو يتمتم بجرحه بمرارته...
صفق الرجل بيديه الاثنتين على بعضهم مردداً حول الله وقوته...
ثم اقترب منها صادق أخيراً ينظر لوجهها الشاحب والذي هربت منه كل دمائها، شعرها الذي يقسم أنه ابيض بعضاً من خصلاته، وجسدها البارد الذي يُلقي تحت قدميه فاقداً كل معاني الحياة... ثم كارثتها التي تتحداه هناك بوقاحة أن يستطع يوماً الغفران لها أو ضمها إلى كنفه مرة أخرى!
"لقد فقدها... حتى وأن لم تمت بعد، صغيرته الوحيدة الساذجة البريئة ماتت ودفنت والأموات أبداً لا يعودون!"
*******
أظافرها كانت تنبش في صدره بعنف... عادت من ذكرياتها التي روتها عليه بدقة ببطء شديد حتى أنه أجبِر لضرب وجهها ضربات خفيفة وكأنه يفيقها من نوبة إغماء عنيفة "جوان خذي أنفاسكِ، أنتِ تقتلين نفسكِ" صرخ فيها بعنف وهو يجثو على ركبتيه أمام جسدها الممد والذي شابه قطع من الجليد بين ذراعيه...
شهقت بعنف وفمها يفتح مطلقة زفرة طويلة، ثم سحبت قدر من الأكسجين وهي تنظر إليه بعدم تركيز وكأنها تتساءل ما الذي يفعله، ولماذا جذعه الضخم كان يرتجف بعنف إثر القلق؟!
"ما زلت أرى الأموات في كوابيسي!"
أطلق نضال زفرة طويلة.. وهو يلقي بحمل جسده بعنف بجانبها ثم وضع يده علي جبهته وهو يقول بانفعال "أنتِ ستتوقفين عن سرد الماضي... يجب أن تمضي في حياتكِ قدماً... ما عدت قادراً على رؤيتكِ تعانين مع أشباحكِ!"
"ضُمني نضال ولا تفلتني" همست مرتجفة من رأسها حتى أخمص قدميها!
فمد يديه سريعاً ملتقطاً هشاشتها... محتويها بقلبه وكيانه وصدره وعقله وكل إنشٍ وعظمة صغيرة في جسدها... حتى شعرت أنها محمية فيه مختفية عن العالم أجمع بين يديه... بأنها تستحق أن تُحب!
"لا تتركني، ولا تبتعد ربما أنا لست المرأة التي تستحقها، ولكني لن أكون شيئا بعدك!!"
لم يرد عليها بكلماته على الأقل إذ استبدلها بتقبيل جبهتها بقوة ممراً يده في خصلاتها الصهباء الكثيفة التي تُداري بها شعرات شيب لم تجرؤ أن تلونها، وكأنها تبقيها بإصرار لتذكرها دائماً..
الآن هو يفهم... يفهم كل شيء عن تلك المرأة... امرأة حياته!
********
بعد ساعات...
الرنين الخافت لهاتفها أزعجه فتح عينيه بتثاقل كارهاً أن يقطع أي شخص على وجه البسيطة لحظات سلامه القليلة... مد يده بحرص متناوله وهو ينوي إغلاقه ليحصل عليها أكبر قدر ممكن بين ذراعيه... ناوياً ألا يتركها اليوم مهما كانت مسؤولياته الملحة...
عبس وهو يلتقط اسم أبيها مما أشعل غضبه تلقائياً... اتصال لها في هذه الساعة لا يعني إلا شيئاً واحداً تهديدها وأذيتها لتعود وتنطوي وكأنها نفس المراهقة التي لقيت على يديه شتى أنواع العذاب!
فتح الهاتف وقبل أن يجيبه كان يسمعه يقول "إن لم تأتي في أقرب وقت متخلية عن رفيقكِ الحقير... سآتي إليكِ بنفسي أو أسوأ سأُعلم أنور بمكانكِ تاركاً له حرية التصرف وتطهير شرفه يا جوان!"
غضب... غضب شديد وعنيف كان من يتحكم فيه وهو يرد دون تردد "اقترب منها... حاول لمس شعرة واحدة أنت أو الحقير الآخر وسأفرغ سلاحي في صدر كل منكما دون أن يهتز لي جفنٌ واحد!"
"هل تجرؤ أن تتحداني... أعطها الهاتف حالاً لن أتحدث مع عشيق نكرة تخفيه هي خجلاً منه!"
قال نضال من بين أسنانه "عشيقها؟!..... كيف تجرؤ أنت... وأنا من ظننت من حديثها أنك رجل تحمل أية نخوة! اسمع جيداً، لن أسمح بتأثيرك الشيطاني عليها... إن اقتربت من زوجتي مرة أخرى... لن أرحمك!"
*********
انتهى
قراءة سعيدة مبارك
.


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 07:41 PM   #1113

Hoda.alhamwe
 
الصورة الرمزية Hoda.alhamwe

? العضوٌ??? » 456087
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » Hoda.alhamwe is on a distinguished road
Rewitysmile25

نقول بسم الله ونجمد قلبنا ونبدأ قراءة فالفصل التاسع عشر

Hoda.alhamwe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 07:43 PM   #1114

إسراء عثمان

? العضوٌ??? » 456104
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 8
?  نُقآطِيْ » إسراء عثمان is on a distinguished road
افتراضي

نضال بكرهك كدة كتير والله

إسراء عثمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 08:22 PM   #1115

Doaa yousry

? العضوٌ??? » 456101
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 22
?  نُقآطِيْ » Doaa yousry is on a distinguished road
افتراضي

دا مش فصل حضرتك دا ضرب نااااار وتحت الحزام ولسه الي جااااي احلللللللي 😱😱😱😱😱😱

Doaa yousry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 08:22 PM   #1116

Shyra

? العضوٌ??? » 441091
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 30
?  نُقآطِيْ » Shyra is on a distinguished road
افتراضي

مش عارفه اوصل ل اول الفصل التاسع عشر يا نور

Shyra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 08:29 PM   #1117

bella vida
 
الصورة الرمزية bella vida

? العضوٌ??? » 336887
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 404
?  نُقآطِيْ » bella vida is on a distinguished road
افتراضي

:a555::a555::a555::a555::a555::a555:
فرحانه يا نور وانتي مبهدله عيالك من الصغير للكبير
هاقراا الفصل تاني بهدوء


bella vida غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 09:01 PM   #1118

saro22

? العضوٌ??? » 388162
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 282
?  نُقآطِيْ » saro22 is on a distinguished road
افتراضي

إيه الفصل ده بجد صادق الأمير ده احقر انسان بنى ادم جبان لا عنده شرف ولا كرامه بيتقوى على انسانه ضعيفه المفروض انه سندها وساب الحقير التانى مش فاهمه يعنى لما هو راجل اوى وعايز يدافع عن شرفه ويغسل عاره زى ما بيقول مش انتقم من عزام ليه ليه بنته يحصلها كل ده وهيا ضحيه والحقير التانى عايش عادى صادق الأمير صوره لأفكار مقرفه مسيطره على مجتمعنا المجرم يعيش حياته عادى والضحيه تنجلد وتتدفن حيه تحت اسم الرجوله والشرف إنسان مقرف بجد حرق دمى
راشد كمان كرهته جدآ وهو بيكلم صادق ويطلب منه يبعد جوان عن سبنتى والا هيفضحه كرهته لما قال انه عزام راجل عادى مش هيفرق لكن هو اللى هيتفضح بسبب بنته فاهمه انه عمل كده خوف على سبنتى بس كرهت كلامه
جوان مش عارفه اقول ايه مش عارفه اشوفها غلطت فى شئ هيا ضحيه 100% حتى خطؤها مع عزام مش هيا المذنبه فيه مين من اهلها احتواها واتكلم معاها؟ طول عمرها فى غربه و توهان وعذاب حتى لما اتظلمت سندها دفنها حيه بدل ما يحميها ويرد حقها
نضال مش عارفه اشوفه غلطان فى حاجة نضال بيحب جوان وشاف عذابها وحس بيه نضال بيحاول يرد حقها ويحميها يقوم بالدور اللى ابوها صاحب الرجوله والشرف مقدرش يعمله انا منحازه ليه لأنه هو الوحيد اللى باقى ليها بيخاطر عشان إنسانه اتظلمت من الكل كله امن نفسه على حسابها هو الوحيد اللى سند ليها ازاى الومه على افعاله
بدور هتتأذى وعلاقتها براشد هتتأثر بسبب سوء فهم سبنتى ربنا يستر من اللى جاى نور الفصل صعب جدآ وحاسه انه رغم صعوبته إلا انه يعتبر هدوء ما قبل العاصفة
ملحوظه اخيره : كفايه قراءه سعيده بقى 😄😄😘😘😘😍😍


saro22 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 09:32 PM   #1119

Hoba Nasry
 
الصورة الرمزية Hoba Nasry

? العضوٌ??? » 435719
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 545
?  نُقآطِيْ » Hoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond repute
افتراضي

حقيقى مش قادره ألتقط أنفاسى الفصل جبار حقيقى شابوووووه بجد تسلم إيدك 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹👏👏👏👏👏👏👏
جوان للأسف وصلت الحقيقة مغلوطة لسبنتى و هدت عالمها الجميل و خلتها تخسر أبوها الروحي راشد و سبنتى بدأت تنتقم و تأخذ بثأرها من الكل و أولهم راشد حاميها 💔💔💔💔💔💔😭😭😭😭😭😭
جوان ضحية و بتتخبط روحها و مازالت الذكرى بتوجعها باللى عمله أبوها فيها و نضال هو الوحيد اللي حس بألمها و حماها و عاملها كإنسانة
بدور هتقدر تعرف الحقيقة من غير ما تتهور كعادتها


Hoba Nasry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-11-19, 09:32 PM   #1120

imy88

? العضوٌ??? » 456123
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 111
?  نُقآطِيْ » imy88 is on a distinguished road
افتراضي

سبنتي 💔💔💔
جوان 💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔💔


imy88 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.