آخر 10 مشاركات
مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          608 - المرأة الضائعة - روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : samahss - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          ملك لمصاص الدماء (11) للكاتبة Rachel Lee الجزء الأول من سلسلة التملك .. كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حنينٌ بقلبي (الكاتـب : عمر الغياب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-12-19, 11:16 PM   #1321

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي


نور النوارة فين الفصل

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 11:24 PM   #1322

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
1111

شظايا القلوب {رجاء الانتباه الفصل نازل علي مشاركتين }
لفصل الواحد والعشرين

وداعاً أيامي البريئة...
أماتوني...
سحقوا طفولتي وشبابي...
دمروا أحلامي الباقية...
وداعاً نفسيتي السوية...
فقد ظهرت حقيقتي وما أخزاها
دمعت عيوني وبكت...
وقُهر قلبي وانفطر...
فصبراً... يا من قتلتموني ببطء
وأخفيتم حقيقتي...
صبراً سأنتقم...
وسيكون انتقامي قاتلاً كحقيقتي المخزية.
خاطرة بقلم سمر عبد الفتاح
.................................................. ...................



انسحبت الدماء من وجه منى وهي تنظر لمعصمها المعلق في كف ابنها... عيناه متسعتان بتعبير مبهم، بينما كل إصبعٍ يترك علامة سافرة على وجهه، كان له الصدى المر الذي آفاقها من هذيانها لتدرك فداحة ما فعلت، وجنون ما اندفعت إليه ومن صدقت في اتهامه... صوته كان جامداً تماماً، خالي من أية لمحة غضب وهو يسألها باختصار "لماذا؟!"
تمتمت ببعضٍ من هذيانها الذي ينقشع شيئاً فشياً ليحل مكانه بعضاً من...التعقل "ضلّلت بربيبتي؟!"
نار مؤذية شبت في صدره وهو يراجع سريعاً رابطاً حالتها بكلماتها مع إجابته ليخرج بنتيجة واحدة رفض بشدة تصديق أن تصدر من الدعسوقة البريئة خاصته... عندما قال بفظاظة "أذكركِ أنكِ دفعتني دفعاً لأن أُخرج ما في صدري نحوها، لأن أعترف بأني أحبها... وما فعلته معها لم يتعدى وعود مبطنة بيننا... ألم تخبريني بأنكِ لا تقبلين بجرح صغيرتكِ... أم أن المعايير انقلبت واكتشفتِ فجأة أنها لم تكن سوى يتيمة أحسنتِ إليها ولا تليق بفارسكِ المدلل؟!"
أطبقت منى فمها بقوة وهي تسحب يدها المعلقة في كفه بعيداً... ثم قالت بنظرة مشوشة "هل تجرأت للتو ورددت يدي؟!"
"هل من المفترض بي أن أصمت دائماً على اعتدائكِ وزوجكِ عليّ بكلماتكما السامة والتي انتهت أخيراً بصفعة؟!"
"زوجي ؟!"
قال من بين أسنانه وغضبه يشتعل أخيراً "لا تغيري مجرى الحديث يا أمي... ماذا قالت ودفعكِ لإهانتي؟!"
إن كان قد رأى وجه أمه يشحب منذ دقائق فإن ما رآه الآن على ملامحها وجسدها الذي ينتفض بعنف كان شيئاً آخر وهي تمسك رأسها بعنف بين كفيها، وجهها يبهت بطريقة موجعة وكأنه خلا من كل نقطة دماء، شفتيها يهذيان بكلمات صافعة، كانت وكأنها تعيد ترتيبها في عقلها فتصفعها حقيقتهم بعنف "كان رغماً عنها... لقد وعدت بأن تكون حلالك... رباه لقد أرادت مني قتلها وتخليصها من عار أنت من حملتها إياه!"
عيناه كانت تحدقان بنفس جموده، والغضب القاسي يعيد تشكيل ملامحه وكأنه آخر غير فارسها الذي ربته آملة فيه طوال عمرها... وهو يقول بسخرية جريحة "وبما أني كل فترة وأخرى أرسل لكِ فتاة ضللت بها، استطعتِ ببساطة أن تفسري بأني ارتكبت جريمة "زنا" بفتاة كبرت بين يديّ، كنت المسؤول عنها بينما جميعكم لاهي في فضائحه!!"
رأسها ارتفع كطلقة تحدق فيه وكأنها من تلقت منه صفعات متتالية لا تحتمل... إعادة لفظ زنا في حد ذاته كان يحطمها، دعسها بشراسة، عارفة أنها كسرت شيئاً يربطها بفتاها اليافع إلى الآبد!
صرخ فيها بغضب، ولأول مرة في عمره إذ أنه أبداً لم يوجه نوبات غضبه إليها "أجبيني أمي، ما الذي قالته سَبنتي في كلماتها تلك يدفعكِ لاتهامي للتفكير بها وبي بهذا الشكل الوضيع؟!"
بجمود وكأنها تمثال لا حياة فيه... كانت تمنحه ظهرها وهي تقول "أنت لم ترى حالتها وهي تواجهني، أنت لا تعرف ما هي قادرة على فعله ابنة....!"
صمتت قاطعة جملتها مكملة إياها بداخلها "ابنة الخطيئة، ابنة عزام... ابنتها التي احتضنتها ولم تفكر مطلقاً بأن تربيتها ستضيع هدراً يوماً ما!"
بدون كلمة إضافية بدون رد أو استفسار كان خالد يخطف مفاتيحه من على الطاولة مندفعاً للخارج بجل نيرانه "إذاً، سأعرف منها سرها مباشرة... هي لن تخيب أملي فيها كما فعلتِ أنتِ!"
صرخت منى محاولة اللحاق به "خالد، ابتعد عنها يكفي إلى هنا.. ستقطع علاقتك بها!"
التفت إليها من مسافة ليست هينة وهو يقول بقوة "أبداً... أنا لن أكف عنها أو أتركها أبداً، على عكسكِ أنتِ ما زالت البريئة خاصتي!"
وكأنه هذه المرة وجّه لها سكاكين مزقتها إرباً، وهي تعيد على عقلها الواعي تفكير ياسر الشيطاني الذي تواطأ مع عظم مخاوفها الدفينة في تفكير لا واعي كانت لا تدركه، لا تعترف به... لقد خسرت ببساطة إنسانيتها، مبادئها وأمومتها مصدقة شيطان رجيم في لعبته الأبدية، لقد أضاعت منى القاضي كل ثواب أو حب كنّته لتلك الطفلة البريئة بالفعل "والسؤال القاتم الآن والذي ضربها خالد به دون قصد "إن كانت ابنتها بحق، ألم تكن تلحقها تضمها إليها حتى تتبين سبب ضياعها بهذا الشكل الذي دفعها لإلقاء نفسها بطريق ليس منه عودة... كما أمها؟!"
****************
بعد وقت...
كان يندفع بقوة الإحباط والغضب اللذان يتخبطان بداخله مهددان بالانفجار، مزيح في طريقة أي حراس وضعهم راشد أمام بيته مانعين أي أحد من الدخول دون أذنه، مستخدماً نبرة سلطوية متجبرة مهدداً من يقترب بقطع يده قبل عيشه لدى امبراطورية الراوي... وأي من كان له ذرة عقل لن يقف في مواجهة أحد أركانها حتى وإن كان في الماضي القريب يختبئ تحت جلد ليس من ماهيته!!
"سَبنتي" وقف أسفل الدرج يصرخ بصوتِ جهوري يزلزل الجدران من حوله...
"إن لم تهبطي الآن وتواجهيني سأصعد لعندكِ جاركِ عنوة !"
بطرف عينه كان يراقب إحدى الخادمات التي تستل هاتفها وبدون جهد كان يعرف من تحاول أن تحدثه...
قطع خطواته ودون مقدمات كان ينهش الهاتف منها ويخبطه على أقرب حائط "إن تجرأتِ أنتِ الأخرى لفتح فمكِ... سترين جحيم يفوق جحيم راشد بأضعاف!"
"اتركها... أنت لا تملك أمراً في منزلي!"
كانت تقف هناك أعلى الدرج بتوتر ملحوظ حتى وإن كانت نبرتها جامدة مبهمة المعاني...
أطبق فمه بقوة وهو يبتعد عن المرأة المسكينة التي جزعت، قبل أن تلين ملامحه متوجهاً إليها وهو يستعيد جموده التام ثم قال أمراً "اهبطي إلى هنا، أنا لن أصعد لكِ!"
ابتسامة ساخرة وضِعت على شفتيها وهي تهبط كما طلب درجاً وراء الآخر ببطء ثم قالت "بالطبع لن تفعل! أنا من يجب عليّ مطاردة الفارس دائماً، أتقبل نوبات جنونه وقسوته عليّ، اكتفي بابتسامة منه لي... مطلقة في وجهه مسامحة غبية وصك غفران ليس له نهاية!"
قال بصوتِ مكتوم "هل هذه إحدى نوبات سخطكِ، كرامتكِ نقحت عليكِ مرة واحدة، مذكرة إياكِ بما تمنحينه لي بإرادتكِ الحرة؟!"
توترت بطريقة غير مفهومة وهي تقول بعصبية "بل فقت باكراً على مستقبل أسود وماضي مظلم يدركه الجميع، عارفة بألا أحد سوف يسمح لنا يوماً ب...."
صمتت وهي تغلق عينيها منتفضة بذعر المراهقة إذ أن أيا ما كانت رتبت له لم يكن أبداً يحمل داخله مواجهة مع خالد الآن على الأقل!
تصلب وجهه وعيناه تبرقان بالغضب وقطع الخطوة الوحيدة بينهما يمسك ذقنها بين أصابعه ضاغطاً عليها ببعض العنف وهو يقول ببرود "وهل قلقكِ هذا ما دفعكِ أن تلوحي لأمي... بل لأمنا!! بهذه القذارة؟!"
فتحت جفنيها ببطء لتصفعه تلك النظرة المتوجعة، ذلك النداء والتوسل بالنجدة فيهما، الضعف الذي جعل كل عضلة في جسده كما كل وتر في قلبه يلين بالعطف وهي تقول "هي ليست أمي، إن كانت لما شكّت بي للحظة... ألست أنا تربية يدها يا خالد؟!"
رقت أصابعه كما تخاذل فؤاده مدركاً بوضوح أن هناك أمراً خفياً يوجعها... شيئا آخر غَيّرها، متذكراً أنها منذ أسابيع طويلة تنفره رافضة أي تواصل يتيم بينهما... لم يفكر وهو يقول "أهو أبي... أعرفتِ أنه يرفض مستقبلكِ معي، أهذا ما يجعلكِ تدفعيني بعيداً... وتؤذينها باتهامكِ إياي؟!"
اتسعت عيناها بشكل أكثر إيلاماً وهي تستوعب مضمون ما قاله، تفهم دون شرح أن دفع ياسر الراوي إياها بعيداً عن طريقه منذ أشهر، منذ وضحت معالم مشاعرها بوحيده للجميع دون أدنى شك... يرفض حفيدة الراوي غير الشرعية، يراها غير لائقة بوريثه النبيل... إذاً جميعهم يستحقون ما حاولت إثباته، أن تُخرج وحش مخاوفهم للجميع... إن كان أباها تخلى عن أمها من أجل بدور، إن كان أنكرها من أجل طفل يحترق إليه بكل كيانه... فيجب أن تدفع ابنتهم الثمن مثل جوان، وأن يُحرم أخاها الغير شقيق كما حُرمت هي، والضربة القاتلة أن تثبت بأنه حتى فارسهم قد يقع في نفس الجريمة بدافع المشاعر والحب... لا أحد معصوم من الخطأ، لا أحد منهم منزّه عن عالمهم البشع!
تراجعت خطوة وهي تزيح ذراعه بعيداً عنها ثم قالت بجمود "عن أي مستقبل تتحدث، أصبحت لا أفهمك خالد، كثرة وعودك الغريبة... أنت لو آخر شاب في العالم أنا لن أنظر إليك"
لم يحاول أن يقترب منها ووجهه يقسو نازعاً عنه أية مشاعر "لا بأس، لقد أثبتِّ بكل الطرق أنكِ مجرد مراهقة مدللة، ما كان يجب أن أورط نفسي معها!"
افتر جانب فمها بتهكم مميت...
سرعان ما كانت تستفزه كالمعتاد وهو يمسك مرفقها بشراسة هاتفاً فيها "لماذا اتهامكِ القذر لي... انطقي، هل تعتقدين أني سأترككِ دون أن أحصل على إجابتي؟!"
قبل أن تنطق بحرفٍ واحد كانت منى وصلت أخيراً لاحقه إياه هاتفة فيه من وراء ظهره "أتركها حالاً"
لم يعرها اهتمام، وجل غضبه يطفو على السطح ماحي أي تفهم كاد أن يبديه نحوها "تكلمي، كيف استطعتِ كسر كل وعودكِ لي، عهد نُطق بيننا، أن تتهمي إياي بهذا الجرم؟!"
"خالد توقف" كانت منى انضمت إلى وقفتهما المتفجرة المضطربة تنظر لوجه ربيبتها بارد المعاني بذعر... الفتاة لم ترق عينيها حتى بدمعة خوف أو ندم... أخيراً استطاعت سَبنتي أن ترد بسواد الفحم الذي يبرد متحولاً لجمر مؤقت إن تعرض مرة أخرى لأية شرارة نار "وماذا قلت أنا لأمك تحديداً، بماذا اتهمتك أنا؟!... هي هنا تستطيع أن تسألها وتمنحنا الإجابة!"
زحف الخوف لوجه منى، مع شعور مقيت بالسقوط من جرفٍ عالي مرتطمة بأمواج صاخبة تصارعها دون معرفة فن العوم، فاقدة معنى المقاومة للنجاة... التفت وجه كليهما إليها... أحدهما منتظراً إجابة سعى إليها بخبث ودهاء عندما ألقتها في لعبة لم تتوقعها منها... والآخر فقط ينظر إليها بخيبته!
ابتلعت ريقها محاولة أن تستعيد سيطرتها المعتادة، قوتها على أولادها... ولكن كل محاولتها بائت بالفشل عندما قالت "لقد لمحتِ أنه ضحك عليكِ، أجبركِ لتقبل... يا إلهي لقد أشرتِ نحو أحشائكِ!"
عندها هبط دمعها أخيراً هذه المرة كان حقيقيّاً جداً ممزوجاً بمزيد من الوجع والخذلان... تمتمت بنبرة غامضة طعنت منى حد الأعماق هذه المرة بكلمات ضاع خالد في فحواها "أحشائي زوجة عمي؟! وماذا يعني هذا لي، لابنة تشدقتِ أنكِ ربيتها على مراقبة ربها قبل الناس فيما تفعل... أم أن كل ما في الأمر أني ذكرتكِ بصورة شبيهة... أنا نسخة عنها، خطيئة... لم يكن ذنبي أبداً أن أكون نتيجتها؟!"
حُجزت أنفاس منى بداخلها للحظات بدت غير قادرة على التنفس ووجها يستحيل للون الكفن المهترئ الملطخ بأتربة قبرها الخاص...
"ماذا تعنين... ماذا تقصد يا أمي؟!" نطق خالد بتشوش... وهو يحدق في وجه سَبنتي المتألم ساكنة إياه المرارة البحتة!
استطاعت منى أن تتحرر من وضعها الذي شابه التمثال... تنزع ذراع سَبنتى من يد ابنها... تقربها منها ترفع يدها الأخرى الباردة تحيط وجنتها وهي تقول بنبرة مبحوحة "ماذا فعلوا بكِ؟!"
قالت بجمود "من هم زوجة عمي... أخبريني أنتِ، والسؤال الأهم تُرى ماذا فعلوا؟!"
أحست منى بالبرودة تزحف فوق جلدها، تاركة إياها فاقدة الحس وهي تتبين الإجابة بيقين داخل عينيها "أخبريني أنتِ... تحدثي سَبنتي ودعيني أُفهمكِ أياً ما كان وصل إليكِ بحقيقته!"
سخرت سريعاً "أية حقيقية بأني خطر على فارسكِ... بأنكِ لم تشعري نحوي بأية عاطفة أمومة قط؟!"
"أنتِ ابنتي!" نطقت برفق وعينيها تغرورق بالدموع وكأنها تحارب بداخلها نيرانها التي نشبت من وقتِ قصير!"
صرخت فيها دون إنذار ببشاعة "أنا لست ابنتكِ، أنتِ مجرد كاذبة أخرى!"
أجفلت منى وهي تنفرها بعيداً وأيا ما كانت تتخيله لم يكن أن يرد ابنها الصفعة التي وجهت نحوه بأخرى موجهة لسبنتي أطاحت وقوفها!
"خالد" صرخة أمه كانت مخالطة لزئير راشد الذي اندفع نحوه كالإعصار يمسكه من تلابيب قميصه يوجه له اللكمة عقب الأخرى دون مقاومة تذكر من طرفه... إذ أنه كان أكثر ذهولاً من أن يملك حتى حق الدفاع عن نفسه!
تصاعد الموقف مرة أخرى تحت وطأة الخوف والهستيريا... بينما منى تندفع محاولة أن تقف حائلاً بينهما... بصعوبة استطاعت أن تخلصه من قبضته الغاشمة...
"توقفا... هذا يكفي، ثلاثتكم لا يعمل خاطر لي، لمقامي بينكم!"
تركه لاهث الأنفاس ينظر إلى تكوم صغيرته الساكنة تماماً... فجلس على أول الدرج يلتقط جسدها كله ضامّها إليه بقوة بينما يقول "أخرج من بيتي، إن رأيتك تحوم حولها بأي سبب كان سأدفنك مكانك!"
يده كانت تمسد وجهه محاولاً بيأس أن يسوي جسده بانتصاب أمامه "من قال أني أريد علاقة بقليلة أدب متبجحة مثلها؟!"
"غادر" نطقها ببرود شديد للغاية دون أن يحاول حتى النظر إليه بل كل انتباهه كان معها وهو يتفحص وجهها ليتبين أثر أصابعه الغاشمة عليها...
"لن يتحرك أحد من هنا قبل أن أفهم معنى كل كلمة نطقت بها"
كان هذا صوت منى الذي نطق بنبرة مضطربة...
تجمد الموقف لثواني معدودة بينهم... قبل أن ترفع سَبنتي عينيها لتصطدم في عيني راشد المظلمة... فعرفت بشكلِ قاطع أن وقت تفجير قنبلتها المؤقتة لم يأتي بعد... إذ أن أحداً منهم لم يدفع ثمن تحطمها... همست أخيراً بضعف، بنبرة طفلته الغالية مناشدة إياه الترفق "احمني منهم، من العالم أجمع يا راشد... كلاهما يريدان مني دفع ثمن شيء أنا لا أفهمه؟! كل ذنبي أني واجهتها بوعده لي... أنا لم أقل ما يسيء، لم أتهم أحداً منهم... رباه لا أريد رؤية آل ياسر أبداً مرة أخرى!"
يديه التي تتقبض حولها بغلٍ واضح موجه إليهما هما، يضمها إليه أكثر لتستكين على صدره مانحها كل أمان تحتاجه... وصلت الإجابة لعقل منى بشكلٍ واضح... هو أمام حمايتها وإبعاد الأذى عنها مضلل العقل وفاقد كل حنكته... الدعسوقة حادة الأسنان خبيثة الفعل لن تكشف عن أيٍّ ما وصلت إليه... الجحيم قادم... قادم لا محالة بدرجاته السبع بمرض فتاك سينهش هذه المرة كل ما في طريقة دون رحمة!
"سمعتِ ما قالته زوجة عمي... أيا ما كان دافعكِ للتهجم على ابنتي أنتِ وذلك الأرعن... لا أريد معرفته ولا سماع الحقائق المنقوصة... إذ أنه لن يغير الحقيقة الموجعة التي عرفتها الآن... من اليوم أنتِ الأخرى لن تمدي أية بارقة نحوها!"

صدمتها هذه المرة لم تكن أقل من صدمتها فيها وفي نفسها... إذ أنها ببساطة شديدة مسكت يد ابنها وانسحبت من النزال معلنة هزيمة أخرى... قسمتها دون شفقة!
"خالد" هتاف صوت راشد من وراء ظهره جعله يتوقف متخلف عن خطوات أمه الميتة ينظر إليه من فوق كتفه.. وهو يكمل ببرود شديد "أي وعد كنت منحته لك أعتبره لاغي، لا مستقبل سيربطك معها حتى وإن ركعت على ركبتيك أنت وأباك متوسلان!"
أجابه بنفس بروده "أنت تنسى أني راوي يا راشد... والراوي لا يتوسل لانتزاع شيئا يخصه ومهما حدث لا يتخلى عن حقه فيه ... أنا آسف لإخبارك بأني قفزت من فوق سورك أخيراً محققاً كل شكوكك بشكل صحيح تماماً!"
**************

كانت لورين في طريقها لغرفة أحد مرضاها عندما تلقت نداءً عاجل على الجهاز الصغير خاصتها، توقفت خطواتها وهي تطلب من طبيب آخر زيارة تلك الحالة متوجهة إلى مكتب الاستقبال، مطفئة عقلها عن حالتها المثيرة للاشمئزاز من نفسها بينما تستعيد كل أحداث الأمس البعيد وما حدث بينها وبين زوجها "لقد كسرته" رأت هذا في عينيه في كل حركة وكلمة يائسة تصدر عنه في حدود... كان وكأنه يرتب للابتعاد عنها منتظراً خطوة ما يعتمد فيها على روحه دون طلب عون أحد آخر "ها وكأنها ستسمح له بالابتعاد يوماً، بل هي قادرة بعد انتهاء كل هذا ومواجهته بالحقيقة الشنيعة أن تعيد حبه وثقته فيها... ممدوح سيتفهم!"
ابتسامة ساخرة أخرى ارتسمت على محياها والحقيقة المرة تكشفها روحها بوضوح "هل هي تتحدث عن نفس الممدوح، يتفهم ويغفر هذا في عالم أحلامها الوردية فقط!"
بمرارة أخفت مشاعرها بحرفية أتقنتها طوال عمرها، وهي تصل للمكان تسأل باختصار عن الحالة الطارئة...
"فتاة تسأل عنكِ، وقالت إنه أمرٌ عائلي، لقد أرسلتها لمكان غرفتكِ الخاصة دكتور!"
التوتر والقلق عصف بها، متوقعة ماهية الفتاة التي تطاردها منذ أسابيع وهي تتهرب من لقائها بمهارة!
هزت رأسها في شيءٍ أشبه بإجابة وهي تتوجه بخطوات مترددة نحو لقاء لم يعد ينفع تأجيله!
في الممر الطويل كانت تتبين ماهية الشابة التي تقف متكئة على الحائط، تضع يديها في جيبي معطفها الصوفي الطويل باحتشام يغطي سائر جسدها ومن تحته بنطال من الجينز الباهت يحتضن ساقين رشيقتين، ربما مرح لم تكتسب طولها هي الفارع بل قامتها المتوسطة وجسدها ذو المنحنيات الأنثوية يعود لوالدتهم!
ببطء كانت تقترب تلتهم تفاصيل وجهها بشوقٍ أخوي مكبوت لم تستطع فعله عندما هربت كالجبناء يوم لقائهم... عينان واسعتان تظللهما رموش كثيفة تكاد تقسم دون أن تحدق فيهما أنها تحمل نفس لون العينين لأمها الثكلى الراحلة... حدقتان بلون العسل الصافي شديد الصفرة يختلط فيهما لون أخضر قاتم، عكس عيني فرح التي اكتفت بلون أصفر باهت... سر آخر ورهان كانت تطلقه هي وعيسى للتفريق بينها وتوأمتها، تفصيلة أخرى توجعها تجعلها تريد الفرار من مواجهة تلك الشابة شبيهة نسرين!
نظرت إليها مرح حائرة ثم قالت دون مقدمات "هل أنتِ منهن؟!"
عبست لورين وخطواتها تتوقف وهي تقول بحيرة "من تقصدين؟!"
غمزة مرح بوقاحة وهي تقول "منهن؟! تفهمين ما أعني، هؤلاء معجبات النساء!!"
تمتمت بصدمة "ما... ماذا؟!"
هزت كتفيها بلا معنى وهي تقول ببساطة "تفحصكِ إياي غير مريح... ولكن بما أنه مرّ عليّ الكثير من الأشياء القذرة التي هتكت أية براءة أحملها... قد أتفهم!"
اقتربت لورين تفتح باب غرفتها بمفتاح ممغنط وهي تحاول وضع أكبر قدر من البرود واللامبالاة في نبرتها "أنتِ وقحة جداً... على فكرة لدي زوج و..!"
قاطعتها مرح دون أن تتحرك من وقفتها الهادئة "أعرف الوسيم أخضر العينين... اممم أحببته بطريقة ما أكثر منكِ! إذ أنه رحّب بي، ولم يحاول التهرب من لقائي كأني أفعى سام سيقتل أحدهم!"
كانت لورين على ما يبدو تعاني مع مفتاح غرفتها لعيني أختها الشبيهة بالصقر الذي يترقب أية بادرة ضعف منها... إذ أنها تعيد سحبه ووضعه بيدين مرتعشتين دون نجاح يذكر...
ودون مقدمات ضغطت على الجرح الدامي، وهي تقول بصوتٍ أجش "كنت أحلم بلقائكِ يوماً، ربما لم أتذكركِ بصورة جيدة، كنتِ في عقلي مجرد شيء مشوش... فقط لقطات مبهمة مرافقة لبطلنا "ظريف الطول" ولكن رغم كل شيء رغبت في ضمكِ لي!"
جمدت لورين مكانها وكلها يهتز من رأسها حتى أخمص قدميها بينما تمتمت بحرقة "توقفي، لا أريد أن أسمع، أن أعرف عن معاناتكِ تلك... لا أرغب في تذكر أي شيء على الإطلاق!"
قالت مرح بهدوء وهي تتحرك لتضع يدها ببطء على كتفيها المنحنيين "وهل نسيتِ يا لورين؟!"
"نعم... ولكن ظهوركِ ومطاردتي هما ما يدمران حياتي!"
ارتسم الغموض على وجه مرح وهي تقول "كاذبة، إن كنتِ ما كان وصول أبي إليكِ يحطمكِ بهذا الشكل، ما كنتِ قاومتِ حاجتنا إليكِ... أنتِ ما زلتِ تعانين كما قال أيوب، الأمر كان أشد وطأة عليكِ لأنكِ أدركتِ فداحة فعلته، لأنكِ عانيتِ وأنتِ تعلمين جيداً أنه المذنب الأوحد!"
استدارت إليها وهي تقول بحدة "تتحدثين وكأن حياتكِ كانت وردية، وكأنكِ لم تقابلي مصير أسود وأبشع من مصيري!"
سحبت منها الفتاة المفتاح بهدوء مريب تمرره في الجهاز الإلكتروني بسهولة... ثم تفتح الباب وهي تقول "أنا لا أجيد العربية، بلا لا أعرفها على الإطلاق... وإلا كنت أكملت حديثنا بها أمام وجوه الممرضات الفضولية!"
تمتمت لورين بتوتر فبدت أنها الأصغر عديمة المنطق والحكمة أو التصرف في هذا اللقاء أمام أختها الصغرى "كيف عرفتِ أني ما زلت أجيدها؟!"
أحنت مرح رأسها تنظر إليها من أسفل وجهها وهي تقول "هل أنتِ حمقاء في العادة أم أني أضرب على وتر حساس يضعفكِ... لقد غنيتِ سابقاً بها لفرح!"
خطت نحو الغرفة دون استئذان ثم قالت من وراء ظهرها "على فكرة أبي وعد أن يجعلني أنطق بها إن بقيت صغيرته المطيعة المتقبلة لحنانه وعاطفته!"
حدقت فيها لورين بنوعٍ من الصدمة، إذ أنها تبدو كمن يتقبل مصيره برحابة صدر... وكأنها لم تُشرّد لسنين طويلة عجاف بسببه "هل هذه خدعة، دفعكِ إليها... أرى أنكِ ترددين أبي دون أية معاناة؟!"
قالت بهدوء "لأنه أبي بالفعل... شئت أم أبيت، وكما أنا رأيت الأهوال هو الآخر كُسر وحُطم... أنا تعلمت باكراً جداً أن أتقبل ما يقدم لي من منح تنتشلني من داخل المِحن!"
أغلقت لورين الباب خلفها بعنف بينما غضبها يتصاعد بحدة مفاجأة وهي تصرخ فيها "مِحن كان هو السبب فيها لا غيره!!"
قابلت صرختها بأخرى مماثلة "وكأنكِ أنتِ لم ترتكبي نفس الجريمة، أنتِ استطعتِ في فترة ما الوصول إليه ولأمكِ لماذا لم تقتربي منهما تضعين يدكِ بيده وتنتشلينا بدل الضياع الذي تعاني منه فرح وما زالت... إن كان هو يملك ذرة أنانية ونعي الماضي بسبب فقده أهله وأوطانه... فأنانيتكِ أنتِ لا وجود لمبرر لها؟!"
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول بحرقة "لقد بحثت عنكن، لم أترك ولاية أو مدينة قالوا أنكِ وهي فيها لم أذهب إليها... أردت ضمكما إليّ وتضميد جروحنا!"
فتحت مرح يديها وهي تقول باستهجان "هذا كان واضحاً جداً يوم هروبكِ مني... أنتِ لم تحاولي حتى معرفتي!"
"وكأنكِ كنتِ تذكريني يا مرح؟!" هتفت بنفاذ صبر...
رفعت ذقنها وهي تقول بدفاعية "لأنهم طمسوكِ ببساطة مني، هل تعاقبيني على صغر سني، نسيان

‏‫كل ما مررنا به بتعاقب الأعوام وأنا داخل جداران مكان كريه أُنتهكت فيه حتى آدميتي؟!"
صمتت لبرهة قبل أن ترتفع أنفاسها بلهاث عنيف وهي تقول بحدة مؤلمة "أنا لم أتذكر ما اسم أمنا، كيف كانت ملامحها... هل تعاتبيني على تقبل رجل فتح ذراعيه لي ومنحني وأختنا عاطفة كنا نجهل حتى معانيها.. كيف يكون دفئها الخيالي الذي تتحدث الناس من حولنا عنه؟! أنا كنت حتى لا أعرف معنى أن ينظر إليّ رجل ويلمسني دون أن يُرد حاجة حيوانية مني قد تدفعني لقتله!"
رمشت بعينيها مجفلة من معاني حديثها، مما دفع شيئاً يلين بداخلها وهي تقول "أنا لم أنسى ملامحكِ قط، كل أحلامي كانت تدور حولكما يوماً وراء الآخر، أرسم في عقلي تفصيلة ما مع تتابع أعماركما، متخيلة كيف تكون ملامح كل واحدة منكما"
انطفأت عصبية مرح وهي تقترب منها تقف في مواجهتها على بعد إنشات منها وهي تقول "لم يكن الأمر صعب جداً أنا وفرح نتطابق، أليس كذلك... ألهذا لم تحتاجي للاقتراب مني؟!"
قاومت... لكم حاربت أن ترفع يدها وتلمس ملامح حمامتها الحبيبة وهي تقول "ربما من لا يعرفكما جيداً يرى هذا... ولكن لا كل واحدة فيكما لديها ملامحها الفردية كما شخصيتها كما توقعت وأرى الآن... يا إلهي أنا أشتاق إليكما جداً، روحي تهفو لضمها مرة أخرى كما وعدتها يوماً!"
دون ذكر اسم فرح كانت تفهم أنها المعنية... وقالت
"عودي إلينا إذاً... دعينا نلم شتاتنا يا لورين!"
انفجرت دموعها وهي تغطي فمها بكلا كفيها "لا أستطيع... هناك حجر غاشم على صدري، ذنب مميت ينهشني، لا قدرة أملكها لمواجهة ما جنته يداي، لتقبل أيوب الذي كان سبباً في فقدي أمي دون لقاء أخير أو وداع!"
"والدنا، يتحمل جزء من الذنب، أما باقيه يقع على عاتقكِ أنتِ في حرمانكِ منها!"
قالت بنبرة مبحوحة بشهقة موجعة "اصمتي أرجوكِ... تباً تباً أعرف... وهذا ما بنى ساتر بيني وبينكم"
"آسفة لقسوتي، لوقاحتي معكِ وأنا لا أملك الحق... آسفة لعدم تعاطفي مع هروبكِ، أو فهم سبب رفضكِ ومعاناتكِ بهذا الشكل... إذ أني كما قلت لا أذكرها، لا أعرفها... رثائي عليها لم يدم إلا ساعات... تخيلي؟!"
قالت بنفاذ صبر "لماذا تطارديني إذاً... ما الذي تريدينه مني إن كنت لا تعرفينا؟!"
ابتلعت مرح غصة موجعة مريرة داخل حنجرتها وهي تقول "لأني أملت فيكِ، فرح تنتظركِ كما أيوب الذي يُعلق كل آماله وآلامه على رجوعكِ إلينا"
تمتمت ببهوت وعينيها السوداوين تضيعان في متاهات مغلقة "أنا لديّ حياتي... لديّ أسرتي الخاصة التي تعنيني الآن!"
"أكثر منا يا لورين... أكثر من حلم قلتِ أنكِ طاردتيه لأعوام حزينة؟!"
أحنت رأسها دافنة وجهها كله في راحتيها وهي تقول "لا أملك ما أتيتِ من أجله... أخرجي من هنا يا مرح، تعافي وحدكِ بوجود أيوب حولكِ، علّه يستطيع تعويضكِ أي شيءٍ مما سلبكِ إياه... وكما أخبرته هو مرة لا تعودي إلى هنا مجدداً امسحيني من عقلكِ كما كنت دائماً!"
برودة شديدة سرت على طول عمودها الفقري، برودة كالبلد الذي تشربت طباعه وهي تتجول على أرصفته... كان لها الأسبقية لأن تنسحب من أمامها ببساطة مغادرة وهي تقول "كما تشائين أعتذر عن تطفلي"
مرت من جانبها وهي تخبط في كتفها دون قصد متمته باعتذار آخر...
عندها أجابتها لورين بنبرة عاطفية غريبة "تملكين لون عينيها، ولون شعرها القصير، حتى قامتها في هذا الثوب المحتشم جداً الذي لا ينقصه إلا حجاب، كأنكِ صورة مصغره منها"
ابتسامة ارتعشت على شفتي مرح وعينيها تتلألأ بدموع حارقة... ثم قالت "فرح تقول أنكِ تملكين حضن مختلف، يذكرها ببهوت بذراعي أمنا... هي لا تجد تفسيراً ربما إلا عاطفة الفقد والوحدة اللذان عانينا منهما جميعنا متشبثين بأي شعور إنساني ضمنا يوماً، لقد أتيت لأني أرغب في استطعام ما جربته فرح، إذ أني لا أذكر هذا قط... وأنا... أنا أحتاجكِ كما فرح!"
انتفض جسدها مجدداً وهي تستدير لتواجه ظهر أختها المتألم والوجع داخل صدرها كانت تجاهد لاستيعابه بدون نجاح يذكر... استدارت إليها مرح أخيراً وهي تستجديها بوجع "هل يمكنكِ منحي هذا، أنا أتوسل منكِ ضمي لتذكريني بها"
هزت رأسها متقافزة معها شهقاتها القاتلة تفتح ذراعيها بدعوة صامتة... اقتربت مرح شيئاً فشيئاً وببطء حريص كعصفور مكسور الجناح، يجد من يمد له اليد لتطبيبه ولكنه ما زال يخشاه، يخاف أن تكون نفس يد اغتياله... شعور كان يوحي بعدم الثقة في أي مخلوق كان!
ذراعيها كانتا تلتفان بحرص في البداية تحت ذراعي لورين، رأسها يستريح بحذر على صدرها... لوهلة ضربتها مشاعر عديدة لم تستطع أن تلاحقها لتفسرها... ولكنها كانت حقيقية للغاية، مريحة بشكل يجلب الدمع لعينيها أكثر وأكثر في دفعات ليست لها نهاية... يدها تتشبث في ظهر أختها بعنف كالطفل الذي ينشد حنان أمه المفقود "فرح محقة... أبي صادق جداً أنتِ قطعتنا التي ستجمع شظايا روح عائلة أيوب!" انفجر كل شيء دفعة واحدة عندما ضمتها لورين بشكلٍ عنيف إليها فمها يقبل رأس أختها بهوس وهي تتمتم بهستيريا "أنا آسفة... لم أصل قط في الوقت المناسب... آسفة لخذلانكِ... سامحيني يا مرح أرجوكِ... أرجوكِ"
رفعت مرح عينيها دون أن تتخلى عن ذلك الاحتضان الموجع والحلو "أنتٍ هنا... ووجدت بكِ ما افتقده، أختي الكبرى، صديقة بطل طفولتي... ماذا قد أريد أكثر؟!"
"رباه... رباه" هتفت متوسلة لشيءٍ لم تفهمه هي حتى بينما تعود تضمها بكل حرقة أعوام الحرمان، بكل وجع التشتت، دون أن تنوي الهرب أبداً هذه المرة...
***************

كانت شاردة تماماً، لا بل ميتة من الداخل كما الخارج وهي تصنت إليه يخبرها كالعادة عن معاناته، عن بؤسه في تباعدها عنه... عن عدم رؤيتها إياه قط "منذ متى يا عزام؟!"
للحظات أجفل من السؤال الغير متوقع، من مسايرتها إياه وهي من تدفعه بعيداً دائماً كأنه حشرة لا ترقى للنظر إليها... لم يشعر بنفسه وهو يقفز نحوها بلهفة نبرته ترتعش كما كل وترٍ مشدود في جسده "منذ أن فتحت عيناي لأدرك العالم من حولي فيتمثل فيكِ... حبكِ كان ينمو بداخلي مع الوقت وأنتِ تكبرين أمامي، فينتفض قلبي مزيداً يقيني بروعة وتفرد عشقكِ... أنتِ نار، نار تنهش داخلي يا بدور ولا شيء قادر على إطفائها قط!"
صدرت عنها ضحكة مستهزئة موجعة وهي تقول "حقاً؟! يال غبائي!! إذاً كيف تخطيت هذا الغرام والإخلاص في حبك لي حتى وأنت يتملكك اليأس؟!"
لم يبالي بسخريتها وهي تستجيب له أخيراً "حبكِ كان كالخنجر في خاصرتي، وجيعة داخل الفؤاد والروح... أعوام أراكِ متحسراً تهدرين عمركِ في انتظار من لم يستحقكِ!"
غمغمت بعينين لا تريانه "وأنت من تستحقني بالطبع، إذ أن حبك كافي لكلينا صحيح؟!"
اختفت كل أسباب انتصاره للحظات وهو يقترب منها أكثر يده تتجرأ بحرص لتغطي كف يدها الموضوعة على سطح مكتبها "أعرف ما تعانين منه، صدمتكِ في الإخلاص لرجلٍ لم يبالي بكِ يوماً، ربما هو تلاعب عليكِ جيداً أحبكِ في مرحلة ما، ولكنه لم يعشقكِ بالشكل الكافي الذي يجعله يصبر ويحارب ليظفر بكِ!"
سحبت يدها ببرود والقرف يتصاعد بداخلها بلا إرادة منها... ثم قالت "بالطبع تعرف! ومن غيرك قد يفهم معنى أن يكون القلب مكسور؟!"
تنهد بحرقة وابتعد قبل أن تلفظه هي مكتفياً بالمساحة الحرة التي سمحت بها لتدخله دائرتها... ثم قال بصوتِ أجش "جربي يا بدور السماح لي بتطبيب وجعكِ، أنا قادر على منحكِ كل عاطفة تستحقينها، كل إخلاصٍ وتفاني لامرأة لا أرى في الكون سواها"
ومضت عيناها بنيران صفراء مخيفة قبل أن تنطفئ فجأة... تنعطف بمقعدها لتنظر إلى وجهه تحدق فيه بجمود وهي تقول "إن منحتك ما تريده مني، أنت لن تقف عقبة بطريقي يا عزام، قد أرضى بقربك لي كما حلمت طويلاً، ولكن لا تتعشم يوماً بأكثر من ذلك؟!"
قال بجفاف "لست ضعيفاً ولا نكرة لهذه الدرجة يا بدور... أحبكِ نعم، أدفع كل شيء وأتنازل عن كل شيء أمام اكتسابكِ، هذا لا يقبل الشك... ولكني أبداً لن أتوقف عن محاربتكِ ومحاربته داخل قلبكِ... حتى يتبدد عشقه إلى الآبد ولا تحملين في فؤادكِ رجلاً غيري قط!"
الغضب الصافي هو ما كان يتحكم فيها، والانتقام المجذوب الذي جعلها تفقد كل تحكمها، كل منطق وتعقل كان يُفترض أن تتسلح به من أجل طفله الذي ينمو بداخلها... فقط كان ما يتحكم فيها انتقام أخير لائق بإطاحة نمر الراوي بتوجيه ضربه موجعة تجعله يتألم كما عاشت هي في كل آلامها وصدماتها بسببه... الطيش التام هو ما جعلها تنطق أخيراً "إذاً لك عهدي يا عزام، وانتظار اقتلاعك كل عشقي المريض لأخيك من فؤادي!!"
*************

عندما دفعها لداخل الشقة، لم يكن نضال رسم أية خطط لتهذيبها بعد.. إنه حتى لم يفكر في كيفية إخراج جل جنونه وسخطه فوق رأسها بعد ما أقدمت على فعله!
كل ما كان يتحكم فيه هو جل غضبه الذي وصل إلى حد لا يمكن ضبطه تجاه تلك المرأة... زوجته!
"اتركني يا نضال، أنت تؤلمني!" صوتها الضعيف الباهت نبهه للارتجاف الشديد لجسدها الذي يكاد ينهار أرضاً ويبدو أن يده التي تضغط عليها بقوة هي ما يمنعها...
فقال بقلق وهو يدفع الباب ورائه مغلقه بقدمه "هل أنتِ بخير؟!"
همست من بين أنفاسها "لا... ويبدو أني أبداً لن أكون!"
تجاهل جملتها ومعانيها وهو يسحبها لأقرب مقعد، يجلسها عليه، ثم يجلس أمامها يحدق فيها كمن ينوي عقاب طفل مذنب خرج عن طوعه "هذا جيد بالتأكيد ولن يزعجني؟!"
تلاحقت أنفاسها وهي تنظر إليه أخيراً بغضب ماحي هلعها الذي كانت تعانيه منذ أن وقعت عينيها عليه عند صعودها لتلك السيارة "توقف عن معاملتي بهذا الشكل، أنا لا أستحق منك كل هذه الإهانة!"
قال بفظاظة "أنتِ تستحقين ضرب رأسكِ في أقرب حائط، فهلّا توقفتِ عن التصرف كالمراهقين المندفعين وفسرتِ لي سبب هذا الجنون؟!"
قالت من بين أسنانها بغيظ "أنا لست مجنونة، كنت أحميك أنت من بطشه، أنت لا تعرف الوجه الآخر لراشد... قد يقتلع منك قلبك دون أن يرف له جفنٌ واحد إن أدرك خيانتك إياه!"
ازدادت نظراته ظلمة وهو يميل إليها ويقول بجليد "أنتِ تستخفين بي جداً يا جوان، لا تدركين حقيقة الرجل الذي معكِ حاشرة إياه في خانة العامل البسيط لدى عائلة كدتِ أن تكوني منهم يوماً... عائلة تماثل عائلتكِ عراقة وثراء!"
سخرت وهي تقول بجفاف "هل انتقلنا للعقد الطبقية الآن... إذ أني لا أذكر أنها وقفت عائق في طريقي وأنا أمنحك موافقتي بالزواج منك دون تردد!"
قال ببرود "كما أصررتِ على عدم إعلان زواجنا دون تردد أيضاً... مستغلة إياه فقط لتحدي والدكِ، بحمايتي إياكِ وزواجكِ مني!"
قال بتهكم "ااااه، وكأنه هو الآخر أهتم بهويتك، إذ أنه لم يصدق أن رجلاً قبل ببقايا ابنته المنح...."
يده كممت فمها بعنف كانت كل عضلة في جسده تفوح به مهددة إياها بإحدى نوبات غضبه "إن نطقها لسانكِ مرة أخرى سأجعلكِ بدونه يا جوان... مريحاً البشرية من القذارة التي ينطقها كما ابنتكِ!"
عيناها الواسعتان كانتا تنظران إليه ببنفسج صافي ملئ بالذعر!!
مما جعله يتراجع قليلاً محاولاً أن يسيطر على نوبة غضبه، وقلقه الذي عصف به جاعل عقله يشل عن التفكير ظاناً أنه فقدها عندما وجد جدران شقته الخاوية هي من ترد صدى صوته وهو يصرخ اسمها بهوس... حتى كانت معجزته عندما اتصل به نفس الحارس يثرثر أن فريسة النمر التي يطاردها أتت للفخ بقدميها!
ولكنها كانت تبدو مصرة عندما قالت باختناق "لماذا ترفض الاعتراف بالحقائق... أنا كذلك بالفعل!"
قال بجفاء "ألا يشكل لكِ حقيقة أنكِ زوجتي أية أسباب؟!"
عم صمت مشحون بينهما قبل أن تنفجر في البكاء وهي تقول "كان يحميها مني، وأنا الغبية التي تهورت وأذيتها!"
أغمض جفنيه والندم المعتاد يعصف بكل خلية في جسده بينما يقول "أدركتِ متأخراً جداً يا جوان... لقد حذرتكِ، رتبت معكِ لشهور طويلة كيف تكتسبين قربها وصداقتها دون أن تحطمي عالمها... ولكن تهوركِ المعتاد لم يجد له رادع، أنتِ شوهتِ كل جميل في حياة الصغيرة، لقد دفعتيها للنضج الدموي باكراً جداً، حطمتِ زهرة براءتها قبل الأوان!"
نطقت بوجع متأوه "كما فعلوا جميعهم معي... هل أنا أصبحت جلاد آخر رمى صغيرتي لنفس قبري دون رأفة؟!"
كلماتها كانت سؤال أكثر منه إقرار... سؤال مميت يحمل بين طياته الظلم المتعاظم المرارة الصافية دون ذرة تجميل... سؤال جعل كل شيء بداخله يرق وهو يقول مترفقاً بحالتها "ما يشفع لكِ يا جوان أن عاطفة الأمومة والحرمان هي ما دفعكِ... ربما أذيتها ولكنكِ أبداً لم تفعليها متقصدة!"
"هذا لن يغير الحقيقة البشعة أنا حطمتها!"
مرر يده داخل شعره بعنف ثم قال بجفاف "وهل ردّكِ على هذا أن تهربي مختبئة من فعلتكِ، بدل أن تحاولي مرة وأخرى وأخرى وألف لوصالها، لتطبيب علتها منكِ؟!"
قالت بنبرة مبحوحة أثر البكاء "كنت سأفعل ما هو في صالح للجميع... أن أتلقى عقابي منه هذه المرة عارفة أني أستحقه!"
الإحباط وفقد الأمل فيها كان يتخبطان داخل صدره يهددان بالانفجار عندما قال "وأنا سيدة جوان، ألم أعني لجنابكِ، ألم يأتي بخاطركِ بأنكِ تُخلفين زوجاً خلفكِ؟!"
قالت بنبرة دنيوية موجهة لنفسها "سرعان ما ستنساني، ما أن ترتبط بأخرى تستحقك، فتاة دون ماضي لعين سيطاردها ما حيت"
ازداد عبوسه وقهره وهو يقول "أنا لا أستحق سواكِ لا أريد امرأة سواكِ... إذ أني اُحبكِ... هل تعرفين معنى هذه الكلمة جوان... اُحبببببكِ!"
وأيا ما كان يتوقعه لم يكن أبداً أن تنتفض من جانبه وهي تصرخ فيه "إياك أن تنطق بهذا، أن تصرح بهذا... لا لا ما يربطني بك هي مصلحة لا أكثر، شهامة منك لحمايتي لتعاطفك معي!"
وقف مواجهها يمسك كتفيها بقبضته الغاشمة كالمعتاد وهو يقول بغضب "بالطبع كيف أنسى... زواج مشروط من جنابكِ كما لوحتِ بعد ليلتنا الأولى معاً... أنا أقدم مساعدتي وحمايتي، وأنتِ ستمنحينني جسدكِ، الذي لم يحركني إليكِ ذرة إذ كل ما أردته هو قلب إنسانة أحببتها"
شحبت ملامحها وهي تنظر إليه بعينين متوسعتين تدور بداخلهما حدقتان مهووستان على ملامحه... ثم قالت من بين أنفاسها المتلاحقة "ألهذا امتنعت عني عاماً كاملاً، تركتني وغادرت وأنت تشعر بالقرف مني؟!"
قال من بين أسنانه "لم أحس بالقرف منكِ للحظة... بل من تفكيركِ المتدني بنفسكِ، لعدم معرفتكِ قدرها جيداً... أريدكِ، اُحبكِ... ولكن روحي تشمئز من امرأة لا تدافع عن قيمتها البشرية!"
ضائعة في أحاسيسها، مغمورة بالتوتر وهي تكتشف شيئاً فشيئاً مدى غبائها، اضطرابها لتقيم كل إنسان اقترب منها ووجه لها عاطفة خالصة نحوها... كانت تهمس مذعورة "لا أستطيع منحك قلبي يا نضال... أخبرتك سابقاً!"
أفلتها وكأن ناراً تحرقه وهو يقول بسخط "نعم... نعم ابن العم النذل أخذ ما تبقى من ذلك الفؤاد اللعين!"
هتفت بخشونة "لا، أنا لم أبكي أطلاله قط... اكتشفت أني لم أحبه قط... بل أحببت ما منحه لي من أمل، لقد سرق مني أخر ذرة احترام لذاتي كنت أقاوم أبي أعوام طويلة حتى لا أفقدها... لقد كرهته، كرهت أنور كما لم أكره إنسان قط بعد أن ساومني على نفسي، بعد أن هرب عائداً إلى هنا متزوجاً أول فتاة اختارتها أمه، ولم تمر شهور كثيرة وهو يرسل لي ضارباً بتوحش على أوتار ضعفي بخبر حمل زوجته... وهو الذي عرف بعجزي عن تحقيق أمومتي!"
تنهد بجحيمه وهو يناهض ضد تلك الرغبة الوحشية داخله لتحطيم كل شيء حوله... للتوجه لكل شخص آذاها وينتقم منه بأبشع أنواع العذاب الممكن... لم يقاوم أن ينطق بجمود "أنتِ مغناطيس سيء يجذب معدومي الضمير والرجولة حوله!"
اقتربت منه وكأن كل التعب أستبد بها أخيراً، يئست من كم مواجهاتها الفاشلة ليومٍ واحد... دفنت رأسها في كتفه مجفلة إياه ثم قالت بإرهاق "ولكني جذبتك أنت... ومقارنة بالجميع أنت كل معاني الرجولة التي تذوقتها أخيراً!"
قال بضحكة عصبية وهو يشعر بفؤاده الذي هدر بداخله فور اقترابها يربح حربه مع عقله وكل ذرة فيه تريد إنزال جل حنقه على رأسها "رجولة لم تمنع سيادتكِ بالشكل الكافي ألا تستمعي لكلمتي، بألا تفرطي بي هاربة بعيداً!"
قالت بنعومة هشة "ولكنك ظهرت كفارس مغوار كالعادة، ودفعتني بعيداً عن أذى نفسي!"
"غبي...غبي ضعيف في حضرتها، قاوم إغوائها الفاشل" همس بداخله قبل أن تنقسم قشته الأخيرة وهو يشعر بيدها تحيط خصره وهي تقول "لم أفكر مطلقاً وأنا أشعر بك مهدد منهم، لقد لوح أبي بإيذائك، وأنا سأموت يا نضال إن فقدتك لأي سبب"
أنامله ارتفعت يمسد وجنتها برفق ثم قال بهدوء "ماذا جرى في مكتب راشد؟!"
أشاحت ببصرها وهي تقول بصوتٍ مرتجف "الكثير، والذي لا أريد تذكره الآن... ولكنه أوضح لي بهدوء أية أنانية أنا، مريضة في حب ابنتي والتمسك بك أنت الآخر!"
تنهد وهو يقول "أتمنى أن يدوم تمسككِ هذا يا جوان، إذ أن كل ما أريده معكِ!"
"سأحرمك من أبوتك" قالت بمرارة!
قال بهدوء "وأنا مكتفي بكِ... إذ أني لم أرغب بالزواج على كل حال إلا من أجلكِ أنتِ!"
"وماذا بعد... أين سيوصلنا كل هذا؟!"
يده التفت حول خصرها أخيراً يضمها إلى صدره بقوة حتى شعرت بكل عظمة في جسدها تسحق بداخله بإمتاع لذيذ... كان وكأنه يعوض نفسه عن ساعات القلق والهستيريا التي عانى منها وهو يظن أنه فقدها "سأنتظركِ حتى تستعدي لمواجهة الجميع بنا!"
قالت بخفوت "لن يرحمك أحد إن عرف علاقتك بي"
قال بصرامة "هل ترين أني أهتم... أنا أريد زواج بميثاق غليظ يا جوان، وعد آخر تمنحينه لي بعدم التخلي أو الهرب"
قالت بنبرة مجروحة "هل ستمنحني ثقتك بسهولة مرة أخرى؟!"
رد بهدوء وهو يميل يلثم جانب فكها برفقٍ شديد مقاوماً إغراء سحبها لأقرب غرفة والتورط فيها مرات عدة، متذوق حلاها وهي تستسلم بين يديه بمشاعر حقيقية حتى وإن تمسكت بإنكارها "أنتِ زوجتي يا جوان، إن لم أمنحكِ ثقتي مرات ومرات متقبلاً أخطائكِ التي يسهل تجاوزها وتقويمها لن يصبح رابطنا ذو قيمة!"
اغرورقت عيناها بدموع سعادة وأمل خفيان من جملته البسيطة... فأسرعت ترمش بهما نافضة إياهما وهي تقول "كم أتمنى في هذه اللحظة إخبارك ولو كذباً أني اُحبك... ولكنك تستحق مقدار أكبر بكثير من الكذب!"
زفر مرة أخرى بيأس دون أن يمنحها رداً لاذعاً على غباء منطقها... والسؤال الذي يعود يطفو على السطح بعنف داخل عقله "لماذا لم يحقق حلم عربة البطاطا السابق، وتورط مع هؤلاء الحمقى؟!"
**************

ومر شهرٌ آخر....
جلست على المقاعد الرخامية أمام قاعة المحكمة تحيطها جميع أسرتها ومعارفها دون نجاح يذكر في تخفيف وطأة ما تشعر به عنها... هي حتى لم تحاول رفع رأسها المدفونة داخل كفها منذ نصف ساعة أو يزيد بمواجهة أحدهم...
إذ ما زالت داخل كابوسها الشنيع، وقلبها الأمومي يرفض أن يصدق حتى بعد كل جلسات الاستماع التي مرت بها أن ابن عمرها هو من أتى بها إلى هنا...
وقف إيهاب يتناقش مع محامي الدفاع لمرة أخيرة حتى يتأكد من كل شهود الإثبات والأوراق القانونية التي جهزت على مدار شهور... عارفاً أن جميعهم يقف على صفيح ساخن بينما المحامي يقول بهدوء "إن حالفنا الحظ الجيد وبمساعدة شهادة البروفيسور ستخرج من قضية تعدد الأزواج ببساطة، ولكن ما يقلقني هي قضية النسب التي يتشبث بها ابنها وأبيه!"
نظر إيهاب لجوش بمشاعر مغلقة بينما الآخر يقول بخفوت "أنا أقف بجانبها بكل قوتي حتى أني لن أتردد في الكذب وإنكار حقائق من أجلها... ولكن إنكار ابني وإعادة حقه بي وعائلته هذا ما لن أستطيع فعله... كما أن محامي الادعاء لم يترك لنا مجال لهذا!"
زفر إيهاب بضيق ثم قال "جميعنا نتفهم هذا بروفيسور، ولا أحد يلومك، إذ أني مررت سابقاً بحدث مشابه"
يد أمسكت كتف إيهاب بمؤازرة، ثم صوت رخيم جعله يلتف لصاحبه والآخر يقول "حمداً لله، لحقتكم قبل دخولكم القاعة!"
ابتسم إيهاب وهو يقول توقعت أنك ستأتي بنفسك ولن تكتفي بالمساعدة من بعيد!"
قال راشد ببساطة مازحاً يبدو أنه قدري، تصحيح أخطاء عمي وزوجتي... أعني أم ابني!"
أومأ إيهاب بتفهم متذكراً دخوله الحاسم السابق ثم سمعه يقول وهو يشير نحو رجل آخر راقي الهيئة متغطرس الوقفة والتي بدت أنها جزء متأصل منه دون أن يقصد إخراجه، في ملابس سوداء رسمية وكأنه ذاهب لإحدى اجتماعات الأمم المتحدة لا قاعة محكمة جنايات!!
ثم قال "لم أتي خالي الوفاض... إذ بعد استعلام الحالة الذي أرسلته المحكمة للسفارة المصرية في السويد... لم يصعب عليّ إقناع مدحت ليأتي بنفسه كشاهد دفاع!"
نطق المحامي مقاطعهم "هذا جيد جداً، لم أبني آمال كبيرة على ظهور أحدهم، هل يمكن أن تقدمني للتحدث معه!"
قال راشد بجدية بالطبع هذا ما أتى لأجله بالأساس"
انسحب راشد يتبعه المحامي متقدمين ناحيته ثم مال نحو صاحبه يهمس في أذنه بشيءٍ ما جعل الآخر يتجهم قبل أن يقدم نفسه للمحامي بصفة رسمية متكتمة!
انسحب راشد مرة أخرى نحو إيهاب يقف بجانبه وهو يراقب جوشوا يجلس بجانب هناء مصراً على التواصل معها وهي تتشبث بالرفض.
ثم قال "أين الغر الأحمق لا أراه بين الوجوه؟!"
قست عينا إيهاب لوهلة وهو يقول "يبدو أنه يصر كالعادة على الظهور بدرامية داخل قاعة المحكمة"
قال بهدوء "يوماً ما سيعلم من تلقاء نفسه مقدار الجريمة التي فعلها في حقها، بل أراهنك أنه بدأ بالفعل يجني حصاد الندم!"
"ندم لم يعد ينفع... أعرف أن هناء تتعلق به حد الهوس، وعلى قدر تأكدي هذا، أخبرك أنها لن تسامحه!"
قال بهدوء "تسامحه على ماذا بالضبط يا إيهاب، الفتى لم يطالب إلا بحقه؟!"
تجهم إيهاب وهو يقول "هل تراها الآن أنت الآخر مجرمة استحقت العقاب؟!"
عبس راشد وهو يقول "ومن أنا لأحكم عليها... بل كل وجهة نظري أن الاثنان جناة ومجني عليهما بطريقة متساوية!"
ابتسم إيهاب بتهكم وهو يقول "غريب؟!"
قال باقتضاب "ما هو الغريب؟ هذه نظرة حيادية بحتة!"
قال إيهاب بخفوت وهو يشير نحو زوجته المتجهمة تنظر لجوشوا بحنق شديد وكأنها تقاوم نفسها بشدة ألا تلقيه بإحدى جملها اللاذعة لتبعده عن رفيقتها "حكمك هذا يشبه نظرة زوجتي تماماً، إذ أنها حتى اللحظة لم تحدد موقفها وترى أن الأمر يأخذ مجراه الطبيعي من كليهما!"
قال ساخراً "هذا يفسر إذاً لما جذبت انتباهي وأعجبت بها من أول مرة وقع بصري عليها!"
تجهم وجه إيهاب ثم قال بفظاظة "أنت لا تعجبها على الإطلاق، إذا كانت توجه كل الكره لياسر، فأنت تأخذ نصيب لا بأس به من هذا الرفض"
تمتم بهدوء "هذا سبب أدعى لتقبلي إياها، ورفض محاولتك أنت لجعلها تتقبل انتمائها لعائلة الراوي!"
لم يختفي تجهم إيهاب وهو ينظر إليه بحنق يقاوم نفسه ألا يلكمه في نصف وجهه المتبجح بدافع الغيرة من ترديده إعجابه بزوجته... أكمل راشد ببساطة "إن كنت تخاف من أذيتها بحق، نصيحتي إياك أبعدها عن أية علاقة بنا، لن تجلب لها إلا الأذى والاضطراب، دعها تعيش في جدران عالم رأيت أنك بنيته حولها بجهد!"
عبس وهو يضيق عينيه ينظر للرجل شديد التعقيد والمنطق، إذ أنه لم يكن يرفض مريم بحد ذاتها، بل يمتلك فلسفة غريبة وفريدة وصلت إليه بمنطقية نظراً لمعرفته التوتر الداخلي لكل فردٍ فيهم!
*********
"هناء أرجوكِ اطلبيني للشهادة هذا سيغير مجرى القضية كلها!"
رفعت هناء وجهها أخيراً تنظر لرفيقة عمرها برقة ثم قالت "أنتِ ضحيتِ بالكثير يا ثريا، لن أسمح بإيذائكِ أكثر مما فعلت بالماضي!"
قالت ثريا بخفوت وهي تتمسك بقوة بيدي هناء المستريحة داخل كفها "لا أهتم يا هناء بأحاديث الناس، أنا أحمل جزءاً من الذنب مثلكِ، إذ أني إن امتلكت ذرة عقل واحدة كان يجب أن أدفعكِ للمطالبة بحقكِ وابنكِ، بدلاً عن حل زواجكِ من سمير"
قالت هناء دامعة العينين "ذكر الماضي أو الندم على ما فات لم يعد يفيد، بطريقة أو أخرى أنا قبلت بحلكِ دون أن التفت لمقدار الأذى الذي سببته لكِ وأنتِ تعيشين جحيمكِ الخاص بزواج رفيق عمركِ من صديقتكِ!"
قالت بتوتر "أنا كنت مشتركة في اللعبة يا هناء، وأعرف جيداً كذبها بأنكِ وهو لم تطيقا بعضكما بالأساس... بالأخير كله كان هروب من فضيحة محققة لعائلتنا!"
همست هناء "أترين هذا الرجل الذي يجاورني ولا أطيق النظر في وجهه؟!"
أدارت ثريا عينيها بامتعاض تحدق في وجه الرجل الذي يبدو أنه ألتهى في شجار ما على هاتفه "ماذا أحببتِ به تحديداً، مجرد أحمق أشقر كابنه؟!"
ضحكت هناء بأسى مرغمة عارفة ما يحرك ثريا من حقد نحو جوشوا ثم قالت "الحب لا يعرف المنطق يا ثريا... ثم ما أردت إخباركِ إياه بعد كل هذه الأعوام ومقدار الأذى الذي سببه لي، إن كان أتى وأخبرني لأي سبب كان بارتباطه بأخرى، لكنت طعنته بكل غلي هو والأخرى أيا كانت أسبابه!"
نظرت إليها ثريا بتعاطف مقدرة ما تشعر به، عارفة بتعاطف صديقتها معها وشعورها بنيران أنوثتها والتي حدثتها بها لأعوام طويلة... قد يبدو الأمر غريباً لأي أحد يسمع ذلك النقاش أن تكون سبب ذعرها على زوجها وحدها من أزرتها وطمأنتها بأنها أبداً لن تعض يداً امتدت لها!
"أنتِ مثالية جداً يا ثريا، ما من امرأة تملك ذرة عقل تقدم على فعلتكِ تلك!"
قالت ثريا بهدوء "وربما أنا أنانية ولو بجزءٍ صغير، ذلك الجزء الذي رأى في أعين سمير وأخيكِ خوفهما من الفضيحة، رعبهما على سمعة العائلة وأولادهما!!"
قالت هناء بنبرة حازمة "ولهذا السبب يجب أن تبتعدي عن الأمر، تظلي في نظر الجميع الزوجة المطعونة، يكفي ما سببه الغبي نزار حتى الآن... تلك جريمتي وحدي يا ثريا، الثمن الذي يجب أن أتحمله لوقوعي في فخ الانبهار بالغرب، بالحلم الوردي غير المنطقي لارتباطي برجل لم يكن وقتها يفهم لا عاداتنا ولا ديننا!"
قالت ثريا في محاولة يائسة أخرى "عمار يوافقني على تقديمي كشاهد، هو نادم على ما فعله ووجهه نحوكِ من مشاعر سلبية علم الآن زيفها، يرفض ما يحدث لعمته يا هناء"
قالت هناء بهدوء "أخبرته من قبل أني أسامحه، عمار شاب صغير كانت تحركه غيرته على أمه واسم أبيه، يوماً ما سينضج بشكلٍ كافي ليفهم سر ما فعله الجميع وأسباب صمتي"
قالت ثريا "على كل حال هو لن يترككِ بالداخل، إذ أنه كان همزة الوصل بيننا وبين محامي الادعاء!"
***********
"محكمة"
وقفت هناء بثبات غريب يجاورها محامي الدفاع خاصتها... "وجوشوا!" الذي رفض بقوة أن يجاور ابنها الذي أتى قبل دقيقة واحدة من فتح باب القاعة، معلناً جلستهم الأخيرة والسرية! كما كانت كل جلسات الاستماع بعد طلب الالتماس الذي قدمه محاميها وتدخل راشد الراوي منذ أول الأمر كما فهمت نظراً لحساسية الموقف...
قاومت نفسها ألا تمنحه نظرة أخرى متمسكة بجمودها الشديد وهي تجلس على المقعد الخشبي الطويل... كمن ينتظر قدره برحابة صدر...
نادى أولاً على محامي الادعاء الذي تقدم بملف مستنداته كالعادة وإثبات حضوره مع المدعي في القضيتين خاصتها... تعدد الأزواج ونسب طفل لغير أبيه!
كانت تغمض عينيها كما تغلق أذنيها عن النقاش الذي دار بينهم لوقتٍ طويل جداً شعرته لأعوام كادت تفتك بما تبقى منها... مقاومة ألا تبكي بحرقة بما تسمع بالخوض في عرضها... هكذا شعرت وهكذا كان حديثهم رغم عمليته مؤذي لحدٍ مر جداً!
ثم أتى محامي الدفاع حقها، إذ لم يملك محامي الادعاء شاهداً واحد على جريمتها تلك غير ابنها، مكتفين بالأوراق القانونية التي لا تقبل الجدل، وتحليل إثبات نسب نزار لأبيه الحقيقي والذي كان طلبه القاضي في جلسة سابقة وتم تسليم نسخة عنه بالسابق للموظف المختص... هي تعلم أن هذه الجلسة ما هي إلا إكمال إجراءات إذ مؤكد تم أخذ الحكم عليها مسبقاً!
انتهى محامى الدفاع من تقديم أوراقه هو الآخر... ثم طلب الاستماع لشهادة الشهود اللذين حضروا معهم...
ابتدأ أولاً باستعلام الحالة من السفارة المصرية في بلد الواقعة... والذي أتى مدحت كموظف بها ليثبت صدق كل ورقه مقدمة من كل مستند هام يحتفظون به منذ زمن... والذي تمثل في كل ما دار بينها وبين محامي السفارة وأحد موظفيها الخاصين بأحوال الجالية وكل ما دار بينهم وقتها...
استمعت لقسم مدحت الهادئ ثم شروع القاضي في سؤاله عن كل ما يعرفه عن الواقعة "كما قُدم لسيادتكم وقتها استنجدت المواطنة بنا، تخبرنا أنها تعرضت لخداع من زوجها الأجنبي، والذي رفض السماح لها بالعودة لبلدها وحبسها في منزلها، متعدياً عليها بالإساءة البدنية، والعقيدية... ثم اختفت بعد ترتيب محامي السفارة في ذلك الوقت لتهريبها وترحيلها لمصر"
سأل القاضي وهو يقلب في الأوراق الموثقة أمامه "ألم يحاول أحد التوصل إليها، معرفة سبب اختفائها؟!"
رد مدحت بهدوئه المستفز "بالطبع فعلنا... وتم البحث عنها وقتها دون نتيجة تذكر، إذ أن حساسية وضع زوجها كانت ستضعنا في أزمة سياسية محتملة، فكانت محاولة التواصل معها تجري بتكتم شديد... حتى ظهرت مرة أخرى بعد شهور ليست طويلة وتم اتخاذ كل الإجراءات وتهريبها إلى هنا بتعتيم تام!"
قال القاضي "لماذا لم تُثبت الحالة في وقتها، إذا كانت السيدة هناء هي المجني عليها كما أرى أمامي؟!"
أدار مدحت عينيه يحدق في هناء بنظرة مبهمة ثم قال "بعد دخولها الأراضي المصرية تم التواصل معها لإثبات حقوقها وإنهاء عقد الزواج المدني بشكل نهائي، إذ بناء على حديث الضحية كان زواجهما الشرعي انتهى منذ لحظة إعلانه أنه ليس على عقيدتها"
صمت للحظة يبتلع شيئاً من التوتر الطفيف الذي أعتلى ملامحه الباردة ثم قال "ولكنها رفضت تماماً كل محاولاتنا للمساعدة، واكتفت كما قالت بعودتها لعائلتها... ونحن لم نمتلك الحق لرفع دعوة قضائية، وكما علمت أيضاً أن هناك من تدخل ليعقد صفقة مع الحكومة السويدية تُفيد بتكتمها والتزامها بالصمت إن ساعدونا في إخراجها من البلد دون أوراق!"
"هل لديك ما تريد إضافته سيد مدحت؟!"
أومأ مدحت براسه قبل أن يقول "لا سيادتك هذا كل ما أعرفه من معلومات للآسف، سبق وأقسمت على حقيقتها"
انهى شهادته ثم طلب شهاده التالي والذي كان يتمثل بها نفسها..
شعرت بيد جوشوا توقفها وهو يهمس لها بخفوت "أرجوكِ تمسكي باتفاقنا هذا لمصلحة الجميع!"
أغلقت هناء عينيها بقوة مرة أخرى متذكرة لقائها الأخير مع محاميها، والذي حضره جوشوا وإيهاب وأخيها... مطالبين إياها بشيءٍ واحد هو ما سينقذها من جريمتها الكبرى وتهمة تعدد الأزواج الموجهة إليها... الكذب!!"
نظر إليها القاضي للحظات بتقييم، لم تخطئ من بينه بعضاً من التعاطف... وهو يسألها بلطفٍ أولاً أن تتلو القسم المعظم، ثم بعض الأسئلة الروتينية اسمها، مسكنها... وبعدها ردها على التهم التي وجهت إليها...
للحظات كانت تحدق في القاضي ومستشاريه ثم تستدير برأسها نحو جوشوا ومحاميه، متجنبة بالألم النظر إليه هو وكم كانت تحتاج لهذا في هذه اللحظة "باطلة وعارية من الصحة سيادتك... إذ أن زواجي الأول كان باطلاً!"
سأل القاضي "وكيف حكمتِ ببطلانه من عدمه؟"
رجفة عنيفة اجتاحت جسدها وهي تقول بنبرة اختنقت بعنف الموقف "لقد أخبرني بنفسه بعد عثوري على اعتراف بخط يده ، ثم تمت مواجهة حادة بيننا سخر مني فيها وألقى يمين طلاق مستخفاً بي، ثم بدأت معاناتي معه، كما أخبرت سيادتك سابقاً وبالأدلة المقدمة أمامك!"
قال القاضي بهدوء "هل لديكِ شهود على طلاقكِ منه يا هناء، أو على اعترافه هذا؟!"
هزت رأسها بخزي والدمع المتمرد يسابق أخيراً ليغرق وجهها دون قدرة لها على إيقافه "لا... لقد أحرق كل اعترافاته وقتها، كما أن كل معاناتي كنت أخوضها معه وحدي بين جدران مزرعة نائية عن البشر جمعتني به"
قلّب القاضي مرة أخرى بين أوراقه... ثم سألها سؤال أخير وهو يحدق فيها وكأنه يشك بكذب إجابتها وكم كان حدسه سليم تماماً قيل من محامي الادعاء أنكِ هربتِ وأنتِ تعلمين بحملكِ منه، ثم عدتِ إلى هنا وتزوجتِ من ابن عمكِ دون أن تقضي العدة الشرعية، ما أقوالكِ في هذا الاتهام؟!"
خرجت منها شهقات بكاء متقطعة عليلة وظهرها ينحني بقوة تتمسك بمنصة الشهود وكأنها تحتمي بها من انهيار آخر محقق... بينما كان جميعهم ينتظرون إجابتها بتوتر شديد خوف ألا تستطيع أن تنفذ ما أتفقوا عليه!
"ما أقوالكِ يا هناء، هل كنتِ تعلمين بالفعل بحملكِ بطفل وأنت تتزوجين بآخر؟!" دوى صوت القاضي مرة أخرى حازماً فكاد أن يتدخل محاميها طالباً تأجيل آخر بسبب حالة موكلته...
عندما قالت هناء بمرارة هستيرية "لم أعرف... لم أكن أعرف أني أحمل ابنه بداخلي، ابن جريمتي في حق نفسي وعائلتي وديني... لم أكن أعرف هل هذا رد كافي يشفي غليل ابني مني... لم أكن أعلم هل يريح الجميع جهلي هذا، هل يشفع لي عند من نسي كل شيء فعلته لأجله لأجل حمايته... لأجل ألا يقف يوماً وهو يفقد إنسانيته وانتماءه وهويته!"
عم صمت مدوي في أرجاء القاعة تخلله صوت القاضي الذي قال "يكفي يا هناء... هل لديكِ شهود آخرين تريدين تقديم إفادتهم؟!"
وقف جوشوا بهدوء ثم قال "نعم سيادتك أريد أن أدلي بما لديّ، إذ أني الشاهد الأوحد والإثبات لحجتها"
تراجعت هناء بتخاذل تجلس مكانها السابق...
والأسئلة الروتينية تعاد على جوشوا...
استمعت بصبر لشرحه كل الماضي كما القاضي الذي بدا أنه يصغي باهتمام شديد لحجته... ثم أتى أخيراً قول جوشوا الفاصل والذي بدا بارقة الأمل التي ستسقط عنها تهمة تعدد الأزواج "لقد طلقتها بالفعل، قبل أن يحدث مني اعتداء متكرر عليها، انتهى بهروبها واختفائها... ولهذا أكملت طريقي دون أن أهتم بانتهاء هذا العقد الذي بين يديك... إذ أن الطرف الآخر لم يتوفر وجوده، وحسبت ببساطة أن كل ما بيننا انتهى!"
قال القاضي بصبر وهو ينظر إليه من تحت عويناته بتفحص "ولكن أمامي ما يثبت بأنك كنت تبحث عنها وابن تعرف بوجوده لأعوام فكيف يستقيم أمر جهلك وجهلها بالحمل كما نفت هي؟!"
لم يبدو على جوشوا أي ارتباك وهو يقول برباطة جأش "حالتها النفسية وقتها كنت أدركها جيداً، إذ أنها ألهتها عن التفكير بأن حملاً قد حدث، ولكن ببساطة أنا كنت أكثر وعياً منها، وتأكدت من حملها به دون أن أحاول إخبارها، إذ أني لم أرد وقتها مزيداً من الانهيار لها إن علمت... إذ أنها كانت لا تفتكك بترديد أني أفعل بها حراماً وهو ما كان يعاكس معتقدي الخاص وقتها بأنها زوجة شرعية!"
صمت القاضي لبرهة ثم قال "هل تعلم ما التهمة التي تقر بأنك ارتكبتها وقد يحاكم القانون عليها وأنت تحت سماء هذا البلد؟!"
قال بحزم "بالطبع أعلم وأنا على استعداد لأية عواقب لاعترافي هذا إن قررت هي رفع دعوى عليّ!"
تفحصه القاضي بهدوء قبل أن ينادي اسم هناء مرة أخرى وهو يقول " هل تريدين توجيه تهمة نحوه مستندة لاعترافه في حضرة المحكمة؟"
للحظات نظرت هناء لجوش الذي حدق فيها بدوره بعينيه الخضراوين المستفزتين بتشجيع ومحبة متسامحة وكأنه يخبرها ألا تتردد إن رغبت في هذا... الحنق تصاعد في داخلها والغل المعتاد الذي يضخ داخل صدرها ثم قالت "لا... أنا أتنازل عن أي حق لي، إذ أنه ماضي تخطيته، كلانا أذنب بطريقته، وأنا أتفهم جهله واندفاعه وقتها!"
أخفى القاضي ابتسامة رزينة تراقصت على وجهه إذ أنه بدأ يشعر بسخف كل القضية رغم حدة الموقف...
ثم اعترض نزار أخيراً وهو يقف متقدماً دون إذن وهو يقول بحنقٍ شديد "ولكن أنا لن أتنازل عن حقي، وما فعلته في إثباتي لآخر!"
توتر الموقف بشكل تصاعدي مرة أخرى وشب شجار قصير بين نزار ومحاميه الذي تبين الآن مع نظرة مساعده المستفزة وأخيه غير الشقيق السابق أن هناك لعبة مورِست عليه بوقاحة، لعبة كان قائدها أبوه الذي سايره!
خبط القاضي بمطرقته الشهيرة وهو يهتف "هدوء كل إلى مكانه... وأنت؟!"
وجّه يده نحو نزار ثم قال قانونياً أنت ليس لديك حقوق لمحاسبتها إلا إثبات نسبك الذي قُدم إلينا.. ولآخر مرة أنذرك إن اخترقت قاعتي دون استئذان مرة أخرى سأحكم عليك بالسجن ستة أشهر تأديبية..."
تراجع نزار بسخط وهو ينظر لعصفوري الحب اللذين يعيدان قصتهما الملتهبة على حسابه! هل هو الآن المجرم والمذنب الوحيد... بينما أباه غفر لها كل ما فعلته به وهروبها من بين يديه... وهي بعد كل التحدث والمرارة والحزن عن قصتها الحزينة الدموية غفرت له؟! اللعنة اللعنة على كليهما! هل خسرها بالفعل دون أمل في غفرانها لصالح ذلك المدعو الحكيم كناري العشق المستفز الذي يلتف حول أمه مرة أخرى دون أن يكون له الحق في منعه وإبعاده عنها... مهلاً يا أمير الغفلة أنت وأميرتك لنا حساب عسير آخر!
رفعت الجلسة حتى الاستماع لحيثيات الحكم بعد ساعة...
ساعة أخرى من العذاب واهدار القلوب قلوبهم التي سقطت بدوي مزعج بين اقدامهم!
****************
يتببببببببببببببببببببببب ببببببببببببع الأن
:01 4::7R_001::7R_001::7R_001::7R_001::7R_00 1::7R_001::7R_001::7R_001:

ru'a likes this.

Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 11:42 PM   #1323

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile21

تاااابع الفصل الواحد والعشرين :7R_001::7R_001::7R_001:





كانت تقف أمام غرفته التي عاد إليها بعد رفضها إياه أخر مرة، منفصلاً عنها بشكل لا يقبل الشك، عارفة بيأس أنه يجهز ليبتعد عنها، محافظاً على كرامته التي أهدرتها دون قصد... ولكن هناك بالفعل سدّ منيع بُني بينهما ولم تعد هي قادرة على هدمه، بل كل محاولات وصاله وتخطي ذلك الحاجز تؤول لمجرد خربشات واهية لا تُجدي صدى عنده، كما أن مطاردات فرح ومرح لها لا تنتهي، وهي أرخت حصونها تماماً سعيدة بطريقة موجعة لضمهما إليها مرة أخرى... حتى وإن كانت لم تتقبل أبيها الذييحاول وصالها دون جدوى عندها!

أخذت قرارها أخيراً في مواجهته، إذ أن ما لديها الآن لم يعد ينفع تأجيله، سيستمع إليها رغم أنفه!!

فتحت الباب دون استئذان لتقع عينيها عليه منهمك كما هو مؤخراً في عمله الذي يتزايد بشكل كبير مع الوقت، وهو كأنه وجد بداخله مهرباً...

لم يرفع عينيه عن حاسوبه وهو يقول بفظاظة "إن لم تأتي لإخباري بسحب القضية المقدمة بوصايتكِ العلاجية، فمن الأفضل أن تغادري، إذ أني لا أطيق رؤية وجهكِ!"

خفق قلب لورين بعنف مبتلعة الإهانة التيوجهها لها، ومرارتها من فعلتها التي لم تقدر على مواجهته بها بعد "لم أسحبها يا ممدوح، بل أتيت لأني أحتاج للحديث معك!"

قال ببرود "لا أريد الاستماع أيا كان ما تعانيهمن حالتكِ الخرافية ومعانتكِ التي لا تنتهي، اخرجي من هنا!"

تجاهلته مرة أخرى وهي تتقدم لتجلس علىطرف فراشه الأحادي، ثم قالت بتوتر "لم أتيلهذا، بل لإخبارك بحالة ساقيك بناء على الفحص الأخير والأشعات التي اُخِذت!"

الغضب هو ما اشتعل كالشرارة في الهشيم داخل أرجاء الغرفة وهو يلتفت إليها بعنف يتقدم بمقعده باندفاع وهو يهتف "أي فحص وأشعة؟!أنا لم أخضع لأي من هذا منذ أشهر"

كل ثباتها تلاشى في لحظة ليحل مكانه جمود الذعر وهي ترى وجهه الآخر يطفو على السطح من مجرد ذكرها الأمر فكيف إذا أخبرته كل شيء بوضوح، هتفت من بين أنفاسها "لقد أجراها طبيب العلاج الطبيعي في مركزه، وأنت تنسى أني أتفحصك بشكل دوري دون مقاومة!"

وجهه كان يقترب منها بحدٍ خطر بينما الجحيم يشتعل في عينيه الخضراوين وهو يقول من بين أسنانه "كيف، وأنا لم أوقع على أوراق تسمح بإخضاعي لأشعتكِ اللعينة تلك؟!"

ابتلعت ريقها باضطراب ملحوظ وهي تميل بجانبها محاولة الابتعاد عن مرمى جسده المهدد إياها بأي عنف قد يصدره نحوها في لحظة "أنت تخيفني، ابتعد!"

أمسك ذراعها العاري ينبش أظافره فيها بقسوة وهو يكرر"كيف استطاع فعل هذا دون إذني؟!"

انسحب كل اللون من وجهها وهي تقول "أنا من سمحت بها، هل تذكر فحصه إياك منذ أسبوعمخضعك لذلك الجهاز، لقد رتبت معه بالكذب عليك وأخبارك أنه مجرد شيء روتيني بينما أخذ هو كل الصور التي أحتاجها!"

فتح فمه وأغلقه بعجز للحظات وكأنها وجهت إليه صفعة قاسية شلت تفكيره كما كل أطرافه عن أخذ أي رد انفعالي نحوها... سمعها تكمل بهستيريا "لقد أخليت باتفاقك معي، هذا كله ذنبك أنت من أجبرتني على التصرف من وراء ظهرك، وأنا لن أقف متفرجة مراقبة إياك تفقد كل فرصك، واحدة وراء الأخرى... لقد وصلت لمرحلة لم يعد منها عودة، عظم ساقيك ينمو على تلك الشرائح والمسامير، وأوتار قدمك المسؤولة عن قدرتك على المشي مرة أخرى تتيبس، بعد وقت قصير أنت ستفقد قدرتك على الحركة مرة أخرى!"

أفلتها وهو يشعر بالألم الشديد... ألم القهر والخيبة الذي أحرق صدره... كيف له أن يتمسك بأي حبٍ واهي لم تستحقه بعد الآن، كيف له أن يعاود النظر لعينها وهو يفقد كل إيمانه وثقته فيها... صفعتها كانت قاسية هذه المرة حتى أنها تركته عاجز التفكير كما هو ناقص الجسد والرجولة في عينيها "من أنتِ... ما عدت أعرفكِ؟!"

نطق أخيراً بنبرة خافتة دون روح فيها!

اعتدلت وهي تمسد الكدمة التي ظهرت في الحال، شاعرة بالوجع، وجع بدا صدى باهت لذلك الطعن الموجع الذي تشعر به داخل فؤادها وتجد له صدى داخل روحه... قالت بصوت أجش "ما زلت أنا لورين التي أحبتك، لم أتغير ذرة يا ممدوح، فقط أنا لا أستطيع مراقبتك تنزوي وراء جدران هذا البيت متمسك بأسباب رفض مجهولة لم يعد لها معنى!"

عم صمت مؤذي بينهما وهو يحدق فيها خالي الوفاض... ثم ابتسم أخيراً ساخراً متهكم منها كلها ثم قال "لقد جاريتكِ في كل ما تريدينه، وافقتكِ مقدماً فروض ولائي، أحاول منحكِ بكل جهدي ما لم أفعله لمخلوق قبلكِ قط... ولكنكِ تصرين على لعب دور القديرة، المسيطرة والمتحكمة، وكأن ما بيننا لم يكن عقد زواج مشترك... من منحكِ الحق لتأخذي قرارات عني، بل كيف فعلتها وأنتِ لم تملكي أية حقوق بعد؟!"

ارتجفت كلها بعنف، وعينيها تتهرب منه من سؤال يجب أن تجد له إجابة في سلسلة كذبها التي لم تعد لها نهاية وهي من لم تكذب يوماً قط... نطقت أخيراً متهربة من مواجهته "خدمة لصديقة، لم تحتج إذن بالأساس!"

حدق فيها للحظات متفحصاً قبل أن يقول بمرارة "صديقة؟! وخدمات لا تنتهى لإعانتها على إهانة زوجها الناقص الذي لن يكون كافياً يوماً في عينيها؟!"

نظرت إليه لورين وأنفاسها المبهورة لا تساعد مطلقاً في جعل قلبها يكف عن الانقباض من أفكاره السوداوية التي عبثت بها... مما دفعها لتقفز فجأة لتركع بين ركبتيه وهي تقول "إياك أن تفكر بي بهذا الشكل، أنت كامل في عيني، عرفتك في أشد لحظات ضعفك وعشقتك دون أن تسأل، كيف استطعت التشكيك بإخلاصي؟!"

رفع يده لأعلى بانفعال وحرقة ثم قال بتصلب "وبماذا اتهمتكِ تحديدا؟! أه دعيني أخبركِ إذاً إن لم يكن بعض الأمر صحيح ما كان وجد له صدى لديكِ!"

شحب وجهها وهي تشعر بأنفاسها تعلق داخل حنجرتها عندما سمعته يكمل بتهكم مرير مجيباً على صمتها المرير "لا داعي لتتظاهري بأنكِتهتمين ولو قليلاً بما خلفته بداخلي يا لورين،إلى هنا وكل شيء انتهى بيننا، علاجي من عدمه أمرٌ لا يهمكِ، كما أني أرتب منذ أياملانتقالي لشقة صغيرة في استعداد للانفصالعنكِ!"

اشتدت أصابعها تتشبث به عنوة بينما تقول بتشنج "لا تملك حق تقرير مصيري وحدك، لن أسمح لك بتركي خلفك، أبداً، أتفهم، أنت ستبقى، ستخضع للعلاج، وتصلح علاقتنا رغماً عن أنفك؟!"

للغرابة كان يراقبها بتماسك عجيب، وكأنه اكتسب من وجودها في محيطه شيئاً من ضبط أعصابها التي تفقدها الآن عندما قال "مثلما ملكتِ حق التصرف بوقاحة، أنا الآخر أملك حق الانفصال عنكِ دون الرجوع إليكِ... وابتعد ماحياً كل أثر لكِ من حياتي، وكأننا كنا غرباء لم نلتقي أبداً!"

وقفت من أمامه ببطء، تذرف دمعها بحرقة لم تفكر مرة أخرى وهي تمسك وجهه من الجانبين بكلا كفيها ثم قالت بتوسل "أرجوك كفّ عن هذا أنت تعلم أني لن أتركك, لن أفقد الإيمان فينا رغم كل ما تقوله!"

أطلق ضحكة مريرة وهو يرفع جفنيه ينظر لجبينها الذي انخفض ببطء يستند على جبينه، عينيها المفجوعتين واللتين خطتهما رموش كثيفة علقت فيها دموع الحرقة...

همست بعد برهة بنفس نبرتها المتوسلة "لا تعاند وتدمر نفسك، اخضع للجراحة، افعلها من أجل كلينا، اثبت لذاتك قبلي أنك تغيرت، بأنك استحققت فرصتك الثانية!"

"أنا أستحقها بعيداً عنكِ، أخبرتها لكِ يا لورين أنتِ كسرتِ شيئاً يصعب ترميمه، حكايتنا كانت منذ البداية قصر من سراب آن أوان تبديده!"

أطلقت شهقة حزن أخرى ووجهها ينخفض لتقبل شفتيه بنوع من الهوس واليأس... قُبلات متقطعة، متلاحقة، وكأنها تريد تحريك عاطفته، أن تثبت له أنه مجرد كاذب، بل هو يحبها، مازال يعشقها لا يستطيع الابتعاد عنها... يديه ارتفعت يدفنها في شعرها الغزير الذيحاوطهما، ولثواني معدودة كان عقله كما كله يغرق في جنون شفتيها فيقابل ذلك اليأس واللهفة بشيءٍ أعظم جداً من أن يستطيع صياغته بأحرف باهتة ليس لها معنى أو قيمة أمام ما يحس به تجاه حمامته السمراء التي فقدها في وقتٍ ما دون أن يدرك ودون جرم حقيقي فعله...

توقفت تلتقط أنفاسها اللاهثة تحدق فيها بتوسل... وكأنه أفاق أخيراً من ذلك التلامس، متذكراً بقسوة محاولته الأخيرة في وصالها!

أزاحها بضيق وكل جسده يتصبب بالعرق، كل عضلة في جسده الغبي تهفو لنسيان ما يحدث ويمنحها فرصتها التي تطالب بها، ولكن هيهات وروحه ونفسه القديمة تطفو على السطح جاعلةإياه ينفرها تماماً وهو يقول باشمئزاز وفظاظة "أعرف أني أيقظت فيكِ وحش جنس لا يشبع، ولكن إطعامه ليس عندي الليلة ولا أية لياليأخرى، اخرجي من هنا، وحتى أغادر لا أريد رؤية وجهكِ!"

شحب وجهه لورين بينما تشعر بأنها تلقت منه صفعة مؤذية، رصاصة نارية في منتصف احترامها لذاتها وكرامتها...

"أنا؟!" همست بشحوب...

قبل أن يدفعها للخارج هذه المرة بنفاذ صبر ثم يصفع الباب في وجهها بقرف!

للدقائق طويلة ظلت تحدق في الباب المغلق بصدمة وذهول... تحول شيئا فشيئا للجمود، تحركت نحو غرفتها تغلقها بهدوء خلفها ثم كأنها آلة لا روح فيها كانت تطلب رقم على الهاتف فور أن رد عليها كانت تقول "أنا أمنح موافقتيبصفتي الوصي عليه لإجراء الجراحة، لا ما زال هو فاقداً أهليته ليحدد ما في صالحه!"

استمعت بصبر لشيءٍ يقوله محدثها بينما تمسح عينيها بعنف... ثم قالت بجمود "كل شيءٍ رُتبمنذ أسابيع دكتور... والليلة كنت آمل أنه تعقل....ولكنه للآسف يبدو كطفل لا يعرف مصلحته....نعم نعم سأفعل.... غداً سأبقى طوال اليوم في المنزل.... ثم سأمنحه المنوم كما اتفقنا.... وتأتي سيارة خاصة لنقله!"

"لا، لا أهتم مطلقاً بما قد يشعر به.... إذ أن كل ما يعنيني الآن هو إنقاذ مريضي الذي عانيت معه ما يقارب العامين الآن.... أما كزوج أعتقد أنه انتهى من جانبه هو "بابا ليو!"

*************



أمام باب قاعة المحكمة كان الجميع ينتظر نطق الحكم، بعد أن أبدوا جميعهم الرفض لتركها في القاعة دون مؤازرتها لأخر لحظة!

اجتمع مرة أخرى الثلاث رجال، إيهاب وراشد ومدحت الذي قال بتحفظ لا يخلو من المرح "لقد فاتك المشهد بالداخل، كدت أن انقلب على ظهريمن مظهر ذلك المدعو نزار وهو ينتفض كديك برابر أحمر يُنتف ريشه بين يدي أمه وأبيه اللذين ألقوه لبعضهما وكلاهما يعلن مسامحته للآخر!"

قال راشد سريعاً بذهول "ديك وريش منتوف، ماذا فعلت بك الكارثة المدعوة نوة؟ لا أنت تغيرت كثيراً!"

قال مدحت ضاحكاً "نوة ليس لها أي دخل بالأمر، بل الشاب الذي يبدو أنه يغار على أمه من أبيه، كما أخبرتك بالسابق الموقف كان مضحكاً بشدة!"



راقب إيهاب نزار الذي يقف برعونة يصرخ في وجه أبيه ومحاميه متهمهما بالتواطؤ والخيانة...فلم يستطع منع نفسه وهو يقول بنبرة مشحونة "بالإذن منكما هناك أمرٌ تأخرت في فعله منذ عامين أو أكثر على الأرجح!"

انصرف من جانبهم، فقال راشد على الفور من بين أسنانه "لم أحب طريقتك معه، لولا أنه رجلٌ مهذب ومتفهم لمعاييرك اللعينة أنت وزوجتكلتنكر لوجودك مدحت بك!"

قال مدحت ببرود "وماذا فعلت، هل كان يجب أن آخذه بالأحضان، بعد أن ظهر مع تلك المدعوة زوجته، مهدداً سمعتنا جميعنا بالفضيحة وإثارةاللغط؟!"

قال راشد سريعاً ودون تردد بلهجة جليدية "ما يحدث داخل عائلة الراوي لا يخصك علي الأطلاق، كونك نسيب لا أكثر لا يمنحك أي... أي حق في التدخل أو إبداء رأيك، كل جزء من تلك العائلة يجب أن تعامله باحترام ولياقة، وأولهم "مريم ياسر الراوي" وليست المدعوة!"

تجهم وجه مدحت وهو يقول "ما يمنعني من الرد عليك هو عشرتنا القديمة!"

مط راشد شفتيه بلا مبالة وهو يقول "لن نلف وندور على بعضنا، ما يمنعك من الرد هو أنك تعرف جيداً أني محق!"

صرخة هناء المذعورة جعلت الجميع يولي وجهه ناحية إيهاب الذي وجهه لنزار لكمة على إحدى عينيه بعنف ليختل توازن الفتى، مستنداً علىصدر والده وإيهاب يقول بنبرة ارتياح شديدة "كم كنت أتمنى فعلها منذ رؤيتي إياك أول مرة، لم أعرف أن ضربك مريح ومغري إياي لأعيدها الآن مرات حتى أجعل وجهك خريطة يحتار الأطباء في ترتيبها!"

جمد الجميع لثواني... حتى قال جوشوا باهتمام وهو ينظر لوجه ابنه الغاضب المتألم وكأنه يفكر بجدية في تجربة حظه هو الآخر "هل أنت صادق بما شعرت ؟!"

نظر إليه إيهاب وهو يقول بتنهد حار "جداً دكتور، وكأن حملاً ثقيلاً أزيح من على صدري، جرب بنفسك إن أردت!"

انفجر الجميع عدا هناء في الضحك ما بين همهمات رجولية خافتة وضحكات أنثوية مكتومة...

"سأردها لك... من تظن نفسك؟!"

منحه إيهاب ظهره وهو يقول بتهكم "ارفع عليّقضية يا سيادة الربع متر، فالفضائح هي ما تجيده يا ناقص العقل!"

***********

داخل المحكمة وقفت هناء تمسك بيد أخيها بقوة... متقبلة سندها الذي رفضته طوال الفترة الماضية... بينما اكتفى جوشوا بالوقوف جانب ابنه الذي أُغلِقت عينه اليمنى بشكلٍ فوري وتام، فأصبح يرصد الحدث بعينٍ واحدة حانقة، وقلب مليء بالكثير من الندم، وشعور الخيانة الموجه لنفسه فقط..

بدأ القاضي بتلاوة أيأت قرآنية... ثم خطبة عن الرحمة وروح القانون... ثم نطق أخيراً وهو يحرك رأسه يميناً ويساراً وكأنه يكره ما هو على وشك قوله "بعد الاطلاع على الأوراق والمستندات المقدمة وشهادة الشهود واعتراف هناء محمود موافي الكردي، ومطالبة الأب بنسب ابنه لديه، الذي أُرفق بناءً على طلبنا بتحليل إثبات نسب نزار سمير أحمد موافي الكردي... أثبتت صحة نسبة لوالده جوشوا هابر... وباقي أوراقه القانونية يستطيع التوجه لإكمالها للجهات المعنية!"

تنهد نزار بنفسٍ حارق... بينما ينظر لأمه التي التفتت تحدق فيه ودموع أبية تعلق في حدقتهترفض الهبوط... شفتيها كانت ترتعشان بينما تجبر نفسها على الابتسام وهي تهمس "مبارك"

مشرط حاد مزق أحشائه، فاقداً أي معنى لسعادة كان يُفترض أن يحس بها... ينظر إليها بمشاعر عنيفة تكاد أن تنفجر بإحباط عنيف مدوي بغضبه المرير... أي انتصار قد لاحقه في كل هذا التخبط قد تبدد ولم يترك وراءه إلا الوجع الخالص..

خبط القاضي بمطرقته مرة أخرى... ثم أخذ نفساً عنيفاً آخر وهو يقول "وبالنظر للقضية المقدمة للمحكة ورغم استماعنا لنفي الزوج والملفات المقدمة وشهادة الشهود... قررنا نحن في القضية المقدمة رقم.... وبصفتنا رئيس هيئة القضاة وبعد الاطلاع والاستماع لمحامي الدفاع، وشهادة الزوج الأول، على هناء محمود موافي الكردي بتهمة تعدد الأزواج... الحكم بالحبس خمس سنوات......"

وسقطت الحرة مرة أخرى... سقطت في حكم الناس والمجتمع وحتى القانون الذي لم يرحم ضعف المرأة يوماً أو ينصفها كما أمرت كل الأديان السماوية!

*************



اقدم الآثام في العالم ارتكبت باسم الحب



انتفض جسد ممدوح في صحوة قاتمة... جفناه الثقيلان كانا يقاومان إفاقته المزعجة فيجبرهماأن ينفرجا ببطء مصاحب لمقاومة جسده التلقائية فشعر بأن هناك قيود لا حدود لها تربطه لشيءٍما بارد وقاسي تحت جذعة الممدد، لسانه الذييحس به كأنه يحمل أطناناً من الرمال فوقه كان يردد اسمها في نداء استغاثة مبحوح... أذنيه تلتقط أصواتاً كثيرة مختلطة لرجال من حوله يتناقشون حول المريض فاقد الأهلية الخطر علىنفسه ومن يحيطه... انتفاضة أخرى ويد تمسك بكتفيه تعيده لوضعه مسلوب الإرادة، فأدرك أنه كان يرتجف و عيناه تتسعان بقلق، لا بل بخوفٍلا حدود لاحتوائه... متضامنة مع صخب قلبه وعنف أنفاسه يقلب نظراته في الوجوه التيتشرف عليه... وجوه رجال بملابس طبية من اللون الأزرق تحيطهم جدران لغرفة شديدة البياض "لا, لا... هذا كابوس مريع لا يمكن أن تلقيه في هذا المكان!"

صرخ بها القلب قبل أن ينطقها اللسان مع مقاومة أطرافه بعنفٍ عله يتحرر... ليوقن الآن أن هناك أحزمة جلدية تقيّده لهذا السرير البارد كما قيّده "روجر" مرة مُتهمه بالجنون، مجهزه ليلقى للمصحة النفسية...

مجرد ذكر ما مر به من شهور عديدة جعل وجعاً حاداً يلسع صدره، مشرط دقيق ينغرس ليشق أضلعه... مشرطها هي وحدها، تقف هناك خلف ظهورهم، تحيطها هالة من الظلام الصافي بسواد يشابه لون شعرها الذي تركته يسترسل حولها، فيحيل صورتها البريئة لساحرة مرعبةخرجت من أساطير مخاوفه!! كتلك التي نشرت في ربوع الأرض قديما مرض الطاعون الذي فتك بأهلها...

"لورين" نطق مرة أخرى صارخاً متوسلاً لها،لعقله حتى يزيح ذلك الجنون الموجه إليها بعيدا عنها "لورين... أرجوكِ ساعديني!" صرخة أخرى مقهورة شقت حدود الصمت، فانتفض جسدها في مقاومة وهي تدفع قدم وتؤخر أخرى ناحيته... فمها يتمتم بشيءٍ ما لم يصل لمسامعه...

هتف مرة أخرى بالعربية علها تستمع، لعلها تحن "لورين لقد وثقت بكِ... لقد وعدتِ يا لورين!"

اقتربت هذه المرة أكثر تنظر إليه بعيني الحداد، نظرة من فارق الحياة ولم يعد يكترث بأي وبال قد يحل على روحه... ثم نطقت أخيراً وهي تقلب عينيها في الأطباء اللذين حوله يرغمونه علىالهدوء التام "أنا آسفة... لم تترك أمامي اختياراً آخر"

استدارت على عقبيها تغادر مسرعة... صراخه العاجز، توسله المنهار، وسبابه المجذوب يطاردها حتى صمت كل شيء تماما!!

*************



بعض الذنوب يصعب تخطيها أو مغفرتها، إذ أنها فُعِلت بدافع الغباء البحت



ليلاً... في قصر آل الراوي بحفلتهم السنوية المنتظرة...

هبط راشد من سيارته الفارهة بعد أن فتح له سائقه الباب، وقف لبرهة يستعيد وجهه حيادي المشاعر بعد يومه الطويل الذي انتهى بقسوة لحدث لم تكن ضحيته إلا امرأة... وشاب مندفع لم يفكر جيداً على ما يبدو في نتائج فعلته التي حسبها مجرد لعبة لطفل متمرد، غير مدرك للعواقب التي ستطارده وحده لسنين لا يحصد فيها إلا طعم الحنظل المر...

نفس آخر كان يأخذه برباطة جأش وهو يربط أزرار معطفه الأنيق... متذكراً تحايل بدور غير الطبيعي بالمرة وهي ترجوه أن يتنازل من أجل خاطرها ويوافق أن يقيم حفل المجموعة في حديقة القصر الضخمة وبين أشجارها كما كان عقد قرانهما!

على كل حال لا يبدو شخص طبيعي بالأساس، منذ شهر كل فرد منهم، بدور، سَبنتي، خالد وزوجة عمه، جميعهم يبدون في عالم آخر ولا تصدر من أحدهم إلا تصرفات مريبة عكس شخصياتهم تماماً...

تذكر محاولة زوجة عمه تنبيهه لأمرٍ يحدث مع صغيرته وهو رفض ببساطة الاستماع إليها بعد ما رآه بعينه من تهجم خالد عليها داخل جدرانبيته وأمامها... يذكر بعدها انهيار سَبنتي بين يديه تبكي بحرقة مرددة ألا شيء سيعود كما كان بأنها خسرت حتى نفسها وحبه لها رافضة الاستماع إليه أو إخباره بحقيقة ما تعاني... ثم انقلب حالها بعدها ما بين التباعد والجمود القاتل!

خطى أخيراً ليصبح مواجهاً للزينة الفخمة والتي أجادت زوجة عمه كالعادة الاهتمام بكل تفصيلةمنها... أنوار معلقة تحتضن الأشجار بشكلِ هادئ للعين وإنما كاشف لكل أركان الساحة الواسعة، مائدات دائرية غُطيت بمفارش حريرية باللون الذهبي، بعض الثريا الضخمة التيدُليت بحرفية في عقود متينة متكئة على جداران البيت ومنتهية بسور المنزل، ثم أخيراً كانت هي تنسحب من مجموعة نسائية متوجهة ناحيته في خطوات بطيئة يغلبها الدلال، يلف جسدها ثوب ذهبي واسع القصة و ناعم القماش بأكمامطويلة... ابتسم بتسلية وعينيه تتفحص بطنها المنتفخ التي تضم طفله هو، وتتقصد إبرازها في كل ملابسها كعادتها...

"شكرا لعدم تخييب رجائي" همست بنعومة وهي تمد يدها محية إياه...

التقط يدها طابعاً قُبلة على أطراف أناملها برقي... ثم سحبها بلطف لتقترب منه وهو يهمس "كم بقي لوضع ذلك القرموط... شهرين أعتقد؟!"

وجهها كان جامداً مخفياً كل نيران انتقامها كل حقدها وغلها جانباً حتى انطلاق موعده المرتب وهي تهمس بدلال "وكأنك لا تحسب الوقت المتبقي بالدقائق لا الشهور؟!"

قال مشاكساً "رغم شوقي إليه، ونفاذ صبري للقائه، ولكني سأكون حزيناً جداً لمفارقته داخلكِ، وتبديد مزاجكِ الرقيق، الهش وكأن طاووسكِ الخاص ودّعكِ وأصبحتِ مجرد قطيطةصغيرة تحتاج للدفء والعطف!"

أطلقت ضحكة عالية فجة، ضحكة حاولت أن تداري بها زيفها وخداعها... من قال أن الرجال كالكلب لا تحتاج إلا لرمي عظمة أمامه ليفقد كل شراسته ويلتهي في مطاردة تلك العظمة لاهثاً... أه هي لا تذكر وليس مهما أن تتذكر، مادامت أصابت الهدف وأثبتت صدق تلك المقولة...

"سأتركك الآن لترحب بالضيوف اللذين طال انتظارهم إياك... حتى موعد هديتي الخاصة جداً"

"أية هدية تلك طاووسي الذهبي؟!"

قالت بغموض وهي تلتف على عقيبها "هدية لم تتوقع حصولك عليها قط... ورغم خسارتيأمامها الكثير مما لا أستطيع تعويضه يوماً، أنت استحققتها بجدارة!"

انقبض قلب راشد بعنفٍ داخل أضلعه وهو ينظر في أثرها، مُستبداً به القلق هذه المرة شاعراً بأنه أيا كانت هديتها هي شيء بشع، فظيع يحمل الويل في طياته... فقط ما يرجوه الآن أن تخيب حدسه هذه المرة!

انشغل الجميع في أجواء الحفل ومناقشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلاد بينما عيناه لا تفارق أم ابنه، التي تتنقل هنا وهناك ملاحقها أخيه الحقير!! فيكاد يخرج عن تحفظه المعهود، ويتوجه إليه ضاربه بعنف أمام كلالحضور، وطارده من بينهم، هذا التقرب الغريب الذي يحدث أمام منذ شهر... حتى وإن لم يتعدى بعض الكلمات في إطار العمل، وسؤالها عن صحتها بشكلٍ مستفز!

"لماذا تخططين يا بدور وأين سينتهى غباء أفعالكِ؟!"

بطرف عينه كان يراقب خالد الذي يقف في زاويةبجانب والده متجهماً ولكن مخالفاً للأعوام السابقة، كان يرتدي حُلة رسمية كاملة متقبلاً تماماً لمحاولة ياسر المتكررة لإشراكه في أحاديثهم... يبدو أن فارس الراوي قفز من السور بالفعل وقرر الاشتراك في لعبته "قفزة غير موفقة خالد تكلفك الكثير، إذ أنك فعلتها بتهور ودون أدنى تخطيط!"

"ما هذا بالضبط؟!"

صوت زوجة عمه الذي اقتحمت دائرته وهمست بجانبه بغضب نبهه لما تشير...

مما جعله يجمد مكانه بصدمة للحظات وهو يتفحص الثوب الأحمر بلون مريع فاقع، والحذاء الأسود ذو الكعب العالي، والذي لم يكن يعود إلا لسبنتي "كيف سمحت بهذا يا راشد؟!"

قال من بين أسنانه بخفوت "أسمح بماذا؟ لقد قالت أنها لن تأتي، ولا علم لي مؤكد بهذا الثوب العاري، ولا تلك الزينة التي تثير الغثيان!"

قبل أن يتوجه نحوها أمسكت منى بذراعه وهي تقول "أتركها الآن، كفانا فضائح، بعد انتهاء الحفل أفعل ما تريده معها!"

تقدمت سَبنتي ببطء، تحاول أن تتحكم في خطواتها كما دربت نفسها في الأيام السابقة...

عيناها تتفحصان الحضور بإهمال ولا مبالة، حتى وقعت أخيراً عليه وحده، تمنحه نظرة تحديصارخ بعينين تبرقان بالتصميم والبجاحة...

شعرت بيد راشد تجذبها وهو يقول بغضب "ما الذي تهدفين إليه؟!"

التفت له وهي تقول ببراءة "ماذا ألم يعجبك ثوبي، لقد انفقت عليه ثروة، أممم ربما لم أملكها بشكلٍ مباشر إذ أني أرسلت فاتورة الحساب لمكتبك بابا!"

عبس وهو يضيق عينيه مردداً ببطء "بابا؟!"

زمت شفتيها في حركة أجادت رسم الطفولية فيها "أليس هذا ما تشعره نحوي الأبوة الفياضة، إن كان يزعجك مع قدوم وريثك وابنك من حبيبتك الأولى والأخيرة، أعدك أن أتوقف... بالنهاية من أنا لتضعني وهو في خانة واحدة؟!"

ازدادت ملامحه غموضاً وهو يتفحصها بصبرٍ قبل أن يفلتها وهو يقول "يمكنكِ مناداتي بما تريدين سَبنتي، على عكس أفكاركِ، أنتِ وهو لا تختلفان في المكانة لديّ!"

رصد جيداً كيف اضطربت حدقتيها وارتعشت شفتيها مع انتفاض سائر جسدها ثم قالت بخفوت "هل يمكنني الانصراف الآن، أريد مقابلة شوشو!"

أومأ ببساطة دون أن تفسر عينيه السوداوين عما يدور بينهما، بخطوات غير واثقة كانت تبتعد عنه بينما يخرج هاتفه يرسل رسالة قصيرة "عيناك لا تفارقها، أريد أن أكون على علم بكل خطوة تقوم بها!"

******

عادت للبحث عنه مرة أخرى بقلب يملأهالتصميم، إذ بدونه لن يتم أي شيء من خطتهاالمتقنة والتي أعادت رسمها داخل رأسها مرات ومرات حتى أصبحت تطارد أحلامها المزعجة راسمة في عقلها كيف يكون رد فعل كل طرف معني فيهم...

"يبدو أنه لم يعجبه مظهر الطفلة التي تظهر وكأنها سرقت ملابس أمها وأصبع حمرتها ملطخة ملامحها كالبلياتشو!"

التفت بحدة عاصفة نحو وجه لانا المتسلي ثم قالت "وأنتِ لا تتعلمين أبداً ألا تقفي أمام الوحوش المفترسة، إذ أنه أيضاً لم يُطق أن يبقى في حضرت جنابكِ أكثر من ثواني بناء على لمحي إياك الانضمام لجانبه وانصرافه على الفور دون إلقاء تحية، فاحزري ماذا؟!"

هزت كتفيها كمن لقي الإجابة لتوصيلها لشخص محدود التفكير "وجهكِ الأبله يخبرني أنكِ لم تعرفي أنه هرب من رؤيتكِ أنتِ, إذ أنيبجانبه دائماً أمام عينه وداخل قلبه لانا الوقورة الذكية!"

وبدون اهتمام كانت تنصرف محاولة إيجاد طريقة تهرب فيها من الأعين المراقبة حتى تصل لمحراب هروبه بهدوء تام... تاركة الأخرى ورائها تغلي من شدة الغيظ!

******

دخلت للمنزل ثم توجهت للمطبخ تخترق جموع الخدم الملهي في التجهيزات على قدمٍ وساق، ثم فتحت الباب الخلفي متسللة منه بخفة، قاطعة طريق ملتف قليلاً، ومظلم حتى وصلت إلى غرفته المنيرة...

فتحت الباب ثم دخلت سريعاً وهي تستند إليه لاهثة بعنف...

"ما الذي تفعلينه هنا؟" صرخ فيها بغضب دون مقدمات

فأجابته "نحن نحتاج للتحدث، ألم ترد هذا منيقبل تعديك عليّ"

اندفع نحوها يمسك ذراعها بغلظة يتفحصها بنيران حمراء تكاد تلتهما حية "كيف سمحتِلنفسكِ بعرض جسدكِ بهذا الشكل؟!"

انكمشت وهي تقول بتوتر "الجميع يرتدي مثلي!"

قال بحدة "أنتِ لست مثل الجميع!"

"لماذا، ما الذي يجعلني أختلف عن أية فتاة تغض بصرك عنها؟!"

عم صمت حاد بينهما لدقائق قبل أن يبتعد عنها وهو يصرخ "تباً ما الذي تريدينه يا سَبنتي، ما المغزى من كل أفعالكِ تلك؟"

نبرتها كانت ترتجف بشدة كما كل قامتها الصغيرة الضئيلة وهي تلقي قنبلتها دون إنذار في وجهه "خالد ... أنا... أنا أتيت لأني..."

قال بسخط "ماذا... انطقي أو غادري من هنا!"

"أنا اُحبك خالد"

**********



وقف جميع الحضور منتبهاً بعد أن طلب عزام أن يمنحوه دقيقة من وقتهم الثمين لإلقاء خبرحصري...

وقف راشد مكانه هو الآخر عينيه لا تفارق وجه بدور الجامد الخالي من الحياة والحياء معاً،كانت تقف على بعد خطوات من عزام الذييعتلي منصة قصيرة وبدا أنه يكتم حنقه بصبر من رفضها الانضمام إلى جانبه...

تحلى بالصبر وهو يسمع أخيه يأخذ نفساًعميقاً، شديد الظفر والانتصار... ثم قال متفكهاً"قد يبدو الأمر غير لائق الآن لإعلانه ولكن حماسي وقلة صبري جعل جميلة الراوي تتنازل قليلاً وتحن عليّ بالموافقة على طلبي الذي أُجِّل كثيراً!"

أغلقت بدور جفنيها وكأنها للحظات فقط انتابها التردد المخالط للندم على فعلتها غير محسوبة العواقب بشكلٍ جيد... ثم أتى صوت عزام بهدير مدوي قاطع عليها أي سبيل للعودة من طريق قطعته لأخر خطوة ملقية نفسها في الجحيم "لقد تقدمت لخطبة بدور وهي منحتني عطفها بالموافقة على طلب الزواج منها، لتصبح أخيراً ملكة قلبي وحياتي، وشريكة عمري!"

شهقة مستنكرة كانت رد جميع الحضور اللذينالتفتوا إليه هو بشكل تلقائي... ثم همهمات صاخبة ما بين شاتمة، متعجبة, غاضبة، ورافضة للموقف الهزلي...

بينما هو لم يتنازل عن نظرة الجمود وكأنه يراقب مشهداً لا علاقة له به، لا يخصه وكأن تلك التيتنظر إليه باحتراق وقهر مدركة أنها خسرته هذه المرة بشكلٍ قاسي لن يقبل الإصلاح أبداً لا تعنيه ولا علاقة جمعته بها يوماً...

ومن قال أنه عاد بينهما أي شيء يصلح لتقويمه؟! بل كل ما يشعر به الآن هو الاكتفاء من كل أفعالها، التشبع من كل حقارتها، الكره الحقيقي جداً دون زيفٍ أو بلاغة... لقد أصبح بالفعل يحتقرها يقرف منها، روحه ببساطة عافتها، فتساوت بالفعل بأية امرأة عبرت في حياته دون أن تترك حتى أثراً بسيطاً ليتذكرها...

يسمع هتاف عمه تدخله محاولاً لملمة فضيحة أخرى بعجزٍ... فيكاد ينقلب على ظهره في ضحكٍ ساخر متعجباً من نفسه، ما باله لا يحترق غيرة، أليس من المفترض أن يغضب، أن يثور فيدفنها مكانها لفعلتها، قبل أن يقطع عزام إرباً بأسنانه، أليس من المفترض أن يشعر بطعنة الخيانة البحتة الموجعة لرجولته؟!

ولكن لا شيء، بالفعل هو لا يحس بأي من هذا، إلا شعوران يتناحران بداخله لإثبات أيهما يسيطر على نفسه "القرف، والتشبع!"

أخيراً أستطاع وجهه أن يفتر عن ابتسامة باردة، ثم أومأ رأسه ببرود في تحية جليدية وهو يهمس بوضوح "مبارك، استحقيتما بعضكما بجدارة، بالفعل أنتما أكثر ثنائي لائق ببعضه لمحته في حياتي!"

وكأنها وصلتها كلامته عن بعد مما جعلها تحدق فيه بمزيد من الغضب والقهر...

"راشد بك، آسف لتدخلي ولكن هناك أمرٌ طارئ وأعتقد أنه أهم لديك الآن... سَبنتي تختفي في غرفة خالد منذ وقتِ ليس بالقليل وما يجعل قلقي يتصاعد أنه معها!!"

************



فور أن نطقت بحبها له بوقاحة كل ما نشب بينهما كان الجنون التام من قِبله، باهراً إياها عبر كل جملة غبية تنطق بها... للحظات شعر بنفسه يقع في فقاعة اختيارية تضعه أمام نفسه بقسوة، بالاختيار الصعب ما بين خسارتها هي أو خسارة قيمه والتزامه بتعاليم دينه...

"لقد قلت أنك تريديني بعد أربعة أعوام، ما حاجتنا للانتظار، أنا أحبك وأنت تحبني، و... و بعد عامين سأبلغ السن القانوني"

هتف خالد بيأس "أنتِ جننتِ تماماً، اخرجي من هنا قبل أن أصفعكِ مرة أخر !"

رمشت بعينيها تطرد دموعاً لم تتجاوز مقلتيها وهي تقول "أنا أسامحك لتعنيفك لي، ألهذا أنت غاضب مني يا خالد؟!"

برقت عيناه بالغضب وهو يقول بسخط "بل لأنكِطفلة غبية جاهلة، دائماً تضعين نفسكِ بالمشاكل دون أن تعلمي مقدار خصمكِ جيداً"

"ولكن أنا أحبك"

"ما الذي تحاولين الوصول إليه؟!"

رغم قسوته في النزال الدائر بينهما كانت عيناها البريئتان تحكي ألف قصيدة وهي تقول شارحة بنبرة فضحت الرجاء فيهما "العمر لم يكن يوماً مقياساً لتقع في العشق، المتيم في الحب لا يكتفي أو يستقيل!"

ملامحه كانت استحالت للجمود و كأنها صُنعت من حجرٍ صوان لن تستطيع أن تخدشه، أن تلمسه, اقترب مادد يده يمسك معصمها ضاغطاً عليه بقوة... ثم ما لبث أن قال بنبرة ميتة أحرقتها "ألم تفهمي ما أحاول إخباركِ إياه؟! حتى وإن كان حديثكِ صحيحاً حتى وإن تهورت وأخبرتكِسابقاً بوعدٍ لم أرد منه إلا تبديد تشتتكِ "أنا لا أحبكِ، لا أحد مطلقا سيعشقكِ يوماً... أنتِ لن تنالي هذا الغرام، فمن هذا الذي سوف ينظر لطفلة حمقاء غبية بشعة المظهر والمنظر؟!"

تحطمت لألف قطعة في الحال ربااااه الألم لا يُحتمل وأنوثتها الوليدة تنهار وثقتها ذهبت مع أدراج الريح دون رجعة... الجرح في عمق عينيها كان غائراً ولن يندمل يوماً، يدها الحرة وضعتها على قلبها منبسطة ثم قالت بنبرة كسيرة "لقد فطرت قلبي لتوك يا خالد ودهست دعسوقتكبقدميك"

صرخ فيها بجعورة "جيد إذاً، لقد وصلكِ ما أحاول إقحامه في عقلكِ الغبي!"

رغم عمق الجرح الذي تركه بداخلها وكان حياً للغاية يأن داخلها بوجع يصعب اندماله... كانت أكثر إصراراً لتكمل إيقاعه، عارفة أن راشد قد يدخل في أية لحظة، اللعنة... اللعنة لماذا تأخر قدومه؟!

اقتربت منه مرة أخرى سامحة له بتفحصها بحرية... متحيراً في إصرارها على الوقوف والاستمرار أمامه دون أن تهرب بخيبة الأمل كالعادة!

الدمع العالق في عينيها كأنه أيقظ عقله للحالةالتي تشمل كليهما... تيقظت خلايا عقله في صحوة منبهة إياه أنه عاد يؤذيها بوحشية يعاقبها على فعلة غبية واتهام قذفته به دون أن تفسر أسبابه...

اقتربت خطوة أخرى تنظر لوجهه الجامدوبشفتين ترتعشان تكللهما ابتسامة باهتة، ثم قالت باختناق من بين دموعها مرددة "ولكنك قلت أنك تحبني، أنا لن أتنازل عن اعترافك يوم رحلتنا الخاصة يا خالد!"

كفيه كانا ينقبضان بعنف جانبه مقاوماً ألا يهجم عليها بوحشية، بألا يُنزل عليها عقاب استحقته يوم وقفت أمامه ووالدته متبجحة... وقال من بين أسنانه بنبرة سوداء "أنا لم أصرح بأية مشاعر ناحيتكِ قط، ليست مشكلتي أنكِ طفلة هبلاء تصدق كل من يمنحها قطعة من الحلوى وتفسر الأمور بنظرتها المحدودة!"

ومضت عينيها بشيءٍ أشبه بالغضب أخيراً نافضة عنها تلك النظرة الهشة


الضعيفة والتيتحولت لانتصار فجأة... ثم أجادت وضع الانكسار فيهما مرة أخرى وهي تقترب أكثر تضع يديها على صدره في حركة أشبه بالتحدي، انتفض جسده وكأن حمى أصابته، مما جعلها تقول باستفزاز "لأنك جبان، طفل يهرب من المواجهة دائماً، أناني، أنت مجرد راوي آخر لعين، لا تحسب أنك لست منهم... بل أنت النسخة الأشد وضاعة!"

يديه ارتفعت في عنفٍ واضح موجهة لوجنتها مما منح عقلها خطوتها التالية الممنهجة، زر الانطلاق جاذبة إياه من ملابسه بعنفٍ مفاجئ أخل له توازنه للحظة بينما ارتفعت قدميها على حذائها ذو الكعب العالي... ودون إنذار كانت تضع شفتيها على شفتيه، مُقبلة إياه في تحدي واضح وإثبات لا يقبل الشك أنها بالفعل تنتمى لجوان، في عقلها وعقل منى الراوي!!

ارتبك وأهتز العالم من حوله وعقله الذي أُختُرق للحظة يومض بكابوسه السابق وهي بين ذراعيه بين جدران غرفته تحته على فراشة الذي لا يفصله عنهما إلا بضع خطوات "رباه، الخطيئة بالفعل لا تحتاج إلا وجود امرأة... فتاة غبية متهورة، فتاة يجب أن تُعاقب على جرمها تذعُر وهي ترى منه وجهه الآخر!"

عندها فقط كانت ذراعيه أشبه بكماشات حديدية نارية مرعبة تلتفان حول خصرها... وفمه القاسي يشرع في تحويل قبلة خطيئتها لشيءٍ أشبه بالعقاب، بالوبال الذي سبب لها الذعر وهي تفتح عينيها محاولة التحرر... ولكن هيهات وقد كان سبق بخطواته ليحصل على قبلته الأولى والأخيرة... شاهراً في وجهها وحشه الحقيقي أخيراً...

انتفض جسدها عدت مرات وكأنها تفارق الحياة، لم يشفع عنده ويتمعن في تقبيلها كما لم يتخيل في أعتى أحلامه التي كانت بطلتها لأيامٍطويلة... يديه ارتفعت وأصابعه تقبض علىشعرها تجذبها منه مرغماً إياها على الثبات، لتذوقها، لمعرفتها، ليتبين بيأس ذلك الجنون الذي تدفعه إليه... هل هو صادق أم أنه مجرد مشاع لا معنى له وجهه لأول فتاة انجذب إليها وعصفت بروحه كما تفكيره؟!

فتاة صغيرة، ومراهقة كانت تحت إشرافه وحمايته منذ أن كان هو نفسه طفلاً يجهل العالم من حوله، إلى أن ضمها إليه ومنحها كل ألعابه المفضلة، ليسكت بكائها ويتابع خطواتها المهتزة حتى لا تسقط مسببة لنفسها الأذى...دموعها الحارة التي اختلطت مع قبلته مبللةوجهه وشفتيه ذكرته بدموعها المتوسلة وهي ترجوه العون والحماية... كما لم يفعل أحد من حولها قط...

وفي لحظة صادمة أخرى... كان يحررها منه دافعها بعيداً، لترتطم على طرف مكتبه، متشبثةفيه، حامية نفسها من سقطة أخرى عنيفة، ولكن ألم يسقط كلاهما بالفعل الآن في بئرِ مظلم مليء بالأفاعي السامة ووحوش الليل المظلمة...

كان يلهث بعنف صدره يهبط ويصعد بتسارع، وقبل أن يقول أي شيء كان يُفتح الباب أخيراً...

وكالعادة يأتي النمر حامي الحمى في اللحظات القاتلة...

الموقف لم يحتج لشرح أمامه، بينما يشعر راشد بخط أحمر يهبط على عينيه ويخشى الرؤية أمامه، متوجهاً إليه ماسكه من تلابيب قميصهكالعادة أيضاً، في هذه اللحظة بالذات لم يشعر لا بالخطر أو الخوف، بل السأم من كل ما يحدث!

"ما الذي فعلته بها؟!"

همهمت سَبنتي بشهقة بكاء مرتعبة من عنف الموقف الذي بدد أية براءة كانت تتشبث بها، رغم كل ما تعانيه "أتركه راشد أرجوك، تلك غلطتي وحدي!"

لم يعر رجاءها اهتمام وهو يقول بجحيم "انطق!"

دخوله بهذا الشكل صب الزيت على النار بداخلجوفه المحترق بالأصل، لم يفكر فيها، لم يفكر برد فعل من أمامه ولا بانهيار صورتها أمام أخيها وحارسها وهو يقول دون تجمل "تقبلت منحتها، أتت إلى هنا تخبرني بحبها وعدم صبرها علىالزواج مني، ثم دون مقدمات تربيتك المحترمة كانت تُقبلني، تُقبل شاب أتت لخلوته المنعزلة!"

"خالد" صرخ راشد ناهره مجبره على التوقف، مفلته من يده، وهو ينظر لسبنتي بذهول وصدمةشبت بجميع أطرافه...

خالد أبداً لا يكذب أو يزور الحقائق، خالد الذيكاد يتوسله ليسمح له بودها، بوعدها له، يتحدث عنها وكأنها؟!! لا ليست ابنته! طعنة مؤلمة سكنت عينيه وهو ينظر إليها بانكسار حقيقي لا يقبل الشك، خيبة أب في ابنة كسرت ثقته وخانته في عرضه...

ولكن أهذا الوجع الذي تراه فيه كان كافياً ولو بمقدار ضئيل في صدمتها هي فيه، في أبٍ أنجبها في الحرام وتنكّّر لها!

"كذّبيه الآن، أخبريني أنه يتجنى عليكِ، ابنتيلن تفعل هذا!"

ابنته التي يرددها في وجهها بوقاحة دون رادع ، وهو الذي أنكرها كما قالت جوان وكأنها جلبت إليها كل الغل ، منحتها الطاقة القوية دافعةإياها أن تكمل فيما أرادته بالضبط ...

أحنت رأسها وهي تبتعد عن المكتب ، تتراجع بخطواتها نحو الجدار تنكمش فيه وكأنها تريد الاندماج معه الاختفاء فيه ، ناشدة الجماد الحماية ... ثم قالت أخيراً بخزي وألم مبرح " يكذب في سبب مجيئ ، أنا أتيت لأني ، لأني أريد إجباره لمواجهتك بعد أن اصبح يتهرب مني !"

تلاحقت أنفاس راشد ، وهو يعجز عن إيجاد كلمة يحثها فيها على الإكمال ، أن يستوعب ما تحاول شرحه برعبٍ وذعر

" لا لا ...لا أنتِ لن تكرري هذه اللعبة الوضيعة !" صرخ خالد فيها بجنون محاولاً الوصول إليها ، فمنعه ذراع راشد الذى امتد كحال منيع بينهما ...

وجهها كان يحمر بشكلٍ موجع بينما كل خلية فيها ترتعد ، وهذه المرة لم تكن تمثل أبداً بل كانت تشعر بأن كل ما هي على وشك قوله رعب صافي لها قبله ... أغلقت جفنيها غير قادرة على النظر لوجه راشد المذهول ثم أشارت نحو فراش خالد وهي تقول " يوم أخبرني بانه سيجعلني حلاله ، الأمر بدأ هنا ، في هذه الغرفة ، على هذا السرير ، لقد أرغمني ، لقد كان يبدو كوحش مرعب لا أعرفه ، وعندما أخبرته وزوجةعمي بنتيجة فعلته أعتدى عليّ بالضرب ناكراً علاقته بي وما أحمله !"



" لا ...لا لاااااااااااااا ،" هذا الهاتف النافي بآهات سامة قاتلة كانت هذه المرة من نصيب راشد ...غشت الرؤي من أمامه وشعر بكل جسده يطيح من ثباته ، قلبه ينغزه بعنف وكأنه على وشك الإصابة بجلطة ... وكل ما يدور في عقله صورة باهته لأمها تحملها بين ذراعيها تضمها باكية وهي تخبره عن فعلة المجرم أخيه الذي أرغمها على تقبل قذارته ثم تنكر لها ، عندها استنجدت به وهي ضائعة خائفة لا تعرف الحل مع مصيبتهم المشتركة ... بينما جمد خالد مكانه ، يشعر بهول الصدمة ، حتى لم يستطع نفي تلك الجريمة عن نفسه !"

وأيا ما كان يدور في خلده ونضال الذي دخل الغرفة مغلقاً الباب خلفه ، حتى لا يستمع أحد لما يدور ... لم يكن أبداً أن يقفز راشد في خطوة واحدة ، لافا كلا كفيه على عنقها وهو يقول بهوس شراني " أقتلكِ قبل أن تدمري نفسكِ ، أدفنكِ بيدي دون أن يرف لي جفن أو يحن لكِقلبي يا سَبنتي "

اندفع نضال يحاول أن يفلتها منه دون نجاحٍيذكر ، يهتف باسمه عله يفيقه من جنونه ... بينما تلك المتهورة لم تتوقف على الإطلاق حتى وعينيها تجحظ بخطر الموت الذي تقف على بعد خطوة منه إن ضغطت عليها يده للحظات أخرى" كما دُفِنت أمي من أبيها بعد أن حملت بي ، بعد أن ضحك عليها أبي وتنكر لي ، أنا فقط اتبعت خطى أمي جوان الأمير ، ماذا توقعت من ابنة الحرام التي أنكرت نسبها ؟!"

مزيد من الصدمة التي عقدت لسانه ، كما شل تفكيره المشوش وهو يحدق في وجهها الذيتحول للون الأزرق إثر خنقه إياها ، ولكن صدمةكلماتها تركت جسده يتطوح ويفقد قوته قليلاً كانت كافية أن يستطيع خالد المذهول أيضاً أن يفلتها منه ويضمها إليه دون تفكير طويل ...

" جوان ؟!" نطق بنبرة مظلمة لم يخلو التخبط منها وفقد التركيز أو الحنكة المعتادة ...

ورغم فقدها كل قواها وكل اللون من وجهها المستنفذ الذي تعلق بخالد كطوق نجاة ناشدة الحماية كانت تهتف بانهيار " يصدمك معرفتي بجريمة أمي ، بحقيقة أبي النذل ... ماذا توقعت من ابنة حرام ، كانت نتيجة طبيعة لهذا الثنائي القذر ؟!"

خبط بعنف بكلا كفيها عدة مرات علي الحائط بغضب بصدمة بكل معاني المرارة والخسارة ... قبل أن يلتفت لها وهو يقول بقسوة " أنتِ محقة ماذا توقعت ودماء أبيكِ القذرة تجري في عروقكِ، هل غبائي خيل لي أنكِ ستنتمين لي أنا بالنهاية ، متخلية عن جينات عزام أبوكِ النذل ؟!"

وهبطت الصاعقة أخيراً فوق رأسها ... تاركةإياها فاغرة الفاه مشلولة الجسد كما خاسرة الروح ... تنظر إليه بتشوش ، ثم لوجه نضال وكأنها ترجو منه تكذيب هذه الحقيقة التي كانت أشد قسوة وبشاعة من ألم أبوته هو! فلا تجد هناك الا تاكيد

همست بنفسٍ مبهور رافض التصديق

" عزام أبي أنا ؟!"

جاعلة راشد يفيق للحظة واحدة ينظر إليها بعجز وصدمة وكل كلماتها وانهيارها على مدار الأسابيع الماضية يترابط سريعاً داخل عقله بعملية حسابية لا تقبل الجدل ... هل سَبنتي اعتقدت أنه هو أباها ؟!"

وانهار الجبل الصلب أخيراً ... يهبط على ركبتيه مواجهاً لجسد صغيرته الذي انهار منسلاً من بين يدى خالد، تنكمش حول نفسها في وضع الجنين منتفضة بصدمة ورعب كمن ظهرت له أبشع وحوشه كمن رُمي في قبرٍ مظلم بالفعل وهو حي ..

لقد خسر.. خسر كل شيء بالفعل أخيراً "ماذا جنيت؟!"

انتهى

قراءة سعيدة :7R_001::7R_001::7R_001::7R_001::7R_001::7R_001::7 R_001::7R_001: :winking_sm ile: في انتظار ارئكم


‏‫



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 03-12-19 الساعة 08:59 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 12:21 AM   #1324

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,977
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 12:23 AM   #1325

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,977
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

😘😘


😘😘


😘😘


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 12:58 AM   #1326

Um-ali

? العضوٌ??? » 456412
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 172
?  نُقآطِيْ » Um-ali is on a distinguished road
1111

فصل ملحمي يا نور بداية من لقاء مرح و لورين و تجدد الآلام و غربة الروح إلى لورين و ممدوح و كل واحد يظن نفسه على حق و هناء التي تحملت ظلم جوشوا السابق و ظلم نزار الحالي و المشهد الأخير و كشف المستور ،صورتي بحرفية كل مشهد بالفصل و ابدعتي

Um-ali غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 01:01 AM   #1327

راما الفارس

? العضوٌ??? » 386178
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,037
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » راما الفارس is on a distinguished road
افتراضي

يا ويلي على هالقفلة شو اللي راح يصبرنا للاسبوع الجاي

راما الفارس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 01:01 AM   #1328

besomahd
 
الصورة الرمزية besomahd

? العضوٌ??? » 127637
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 391
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » besomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nice
افتراضي

وده مش هزار ده ضرب نار !



حصر قنابل وضحايا الفصل أمر عسير نظرا لأن العدد في الليمون ما شاء الله !
شكرا على فصل مميز كالعادة ولي عودة لتعليق أكثر تفصيلا على نقاط فيه صباح الغد إن شاء الله .


besomahd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 01:04 AM   #1329

theredrose

? العضوٌ??? » 286136
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 805
?  نُقآطِيْ » theredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond repute
افتراضي

يا ختي علي ده فصل راحه بينا علي فين يا نور حقيقي مش عارفه اعبر عت مشاعر ي راشد ولاول مره يصعب عليا والبقه خسرت كل خاجه في انتقامها الغبي احم كل الي اقدر اقوله دمتي مبدعه 😘😘

theredrose غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-19, 01:05 AM   #1330

wafaabawady

? العضوٌ??? » 341541
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 50
?  نُقآطِيْ » wafaabawady is on a distinguished road
افتراضي

فصل المفرقعات الناريه .
يا الله فصل مشحوووون .
نبدا بمين و نسيب مين
خالد نزار سبنتي ممدوح الرباعي الحزين
الا ما في امل تشوفهم مرتاحين يا جدعااان
حتي المسكينه هناء تعاسه وراء تعاسه و همس سنين سجن طيب حتي كانوا يبقوا ايقاف تنفيذ يا نور ها ارؤفي بحالتها .

مبدعه يا نور اكتر من رائع الفصل غزير بالاحداث


wafaabawady غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.