آخر 10 مشاركات
لا تعشقــــي أسمراً :: سلسلة روايات قصيرة (نوفيلا) بأقلام نخبة من كاتبات قلوب أحلام** (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          1097 - ذاك الرجل - فاليري بارف - د.ن (الكاتـب : سنو وايت - )           »          متى تحضني عيونك اذا هذي العيون اوطان ؟ , متميزة"مكتملة" (الكاتـب : توآقهَ ♥ لِــ ♥ لُقّياكـْ - )           »          قــصـــة قــــســـم وهـــــرة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          [تحميل] جنون المطر ( الجزء الأول) للكاتبة الراااائعة/برد المشاعر(مميزة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جمرة العشق * مكتملة * (الكاتـب : نورهان الشاعر - )           »          ذكرى التوليب (1) .. سلسلة قصاصات الورد * مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان الشاعر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-12-19, 09:41 PM   #1531

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي


بانتظار الفصل 👏👏👏

اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-12-19, 10:59 PM   #1532

فاطمة توتى

? العضوٌ??? » 417864
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 85
?  نُقآطِيْ » فاطمة توتى is on a distinguished road
افتراضي

فى انتظار الفصل ٢٤

فاطمة توتى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-12-19, 11:02 PM   #1533

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

[
size="7"][color="red"]الفصل الرابع والعشرين
على لسان " بدور الراوي " الطاووس الذهبي



في مرحلة ما من هشاشة نسَميها نضجاً

لا نكون متفائلين ولا متشائمين

أَقلعنا عن الشغف والحنين

وعن تسمية الأشياء بأضدادها

من فرط ما التبس علينا الأمر بين الشكل والجوهر

ودرَّبنا الشعورَ على التفكير الهادئ قبل البوح

وإذ ننظر إلى الوراء لنعرف أَين نحن منَّا

ومن الحقيقة نسأل :كم ارتكبنا من الأخطاء ؟

وهل وصلنا إلى الحكمة متأخرين

لسنا متأكدين من صواب الريح

فماذا ينفعنا أن نصل إلى أي شيء متأخرين

حتى لو كان هنالك من ينتظرنا على سفح الجبل ويدعونا إلى صلاة الشكر لأننا وصلنا سالمين

لا متفائلين ولا متشائمين ... لكن متأخرين " محمود درويش "
[/SIZE]

.....................................

[/COLOR]

البيوت تحيا بعبق أنفاس ساكنيها !

هكذا هناء كانت دائماً تهمس في أذنيه صغيراً ، عندما كان يستعجب متسائلاً بفضول المعرفة عن سر تهدم بعض المنازل المهجورة في سرعة عجيبة فور أن ينفرها ساكنيها ...

مما يجعل السؤال الموجع يشتعل في ذهنه المتوتر ... هل أسطورتها حقيقة ! هل منزله وسكنه خلا منه الروح ليغادره الضوء الساطع وكأنه كانت تنيره ألف نجمة قبل أن يتخلى عنه هو ... ليبقى فقط الظلام الدامس كعتمة روحه ؟!

ما لا يعرفه نزار ، هو أن عينيه دائماً كانت مرآه لروحه ! تعكس عبرهم كل أفكاره ، أصبح مكشوفاً أمامها عارفة كل ما يدور في خلده عندما قالت بنبرة هزيلة " تفضل يا نزار ، بيت هناء الكردي لا يرفض أحداً حتى وإن كان جاحد السريرة !"

دخل محني الكتفين لا بجرؤ على النظر إليها بينما يهمس " كان بيتي أيضاً أمي !"

افترت ملامحها عن السخرية وهي تقول " كان ... فعل ماضي استهللت به مطلع حديثك ... والماضي لا يعود صغيري ، ولا نملك تلك العصاة السحرية لتغييره !"

تجمدت خطواته لوهلة وكأنه ينوي الاستدارة على عقبيه والفرار من منصة جلدها إذ أنه اكتشف عدم قدرته على مواجهتها بعد ... مما جعل والده يدفعه بنوع من القوة دون مراعاته ثم وقف خلف ظهره ومد يده يغلق الباب خلفه وكأنه يحثه في مواجهة باتت ملحة ولا فرار منها ...

ران الصمت بينهم لدقائق طويلة ، يكاد يقسم أنه يسمع " لحن الموت " يتخلل أنفاسهم كما عجز كل منهم على بدأ الحديث !"

" لماذا أتيت ؟!" بهدوء كانت هناء تتحرك من مكانها تسأله في هامة هزيلة وهي تستند على ظهر مقعدها المفضل الذي كانت كثيراً ما تحتضنه بداخله في لياليهم الطويلة والوحيدة فيشعر داخل حدوده أن العالم أجمع مكتمل بين يديه وينسى حتى جروحه المتسبب به جوعه الشديد لحنان ذلك المدعو والده سمير الكردي !"

تخبط وتوتر هاربة كل الحروف من عقله فلا يجد بد من استخدام الفكرة الوحيدة التي تعصف بكيانه " أتيت معتذراً !"

لم تلتف إليه حتى وهو يرى كتفيها يتشنجان ، رأسها ينخفض أكثر في ألم ... ثم أجابته أخيراً " بعد ماذا جئت يا نزار ... لم يعد لديّ ما امنحك إياه بني ، أو تملك في قلبي ما يجعلني أشفع لك !"

ازداد وجهه امتقاعاً وهو يقول ببهوت " لا تستطيعين لومي ، عليّ إثبات حقي ورد كرامتي أمي !"

قالت سريعاً بتصلب " لا تقل أمي ... لم تعد تستحقها يا هابر الصغير !"

صرخ بصوت جهوري منتفضاً وهو يتحرك نحوها " هل تلوميني على ما فعلت ... ألم يفكر أحدكم فيّ وأنتم تُحملوني ذنب خطأ ارتكبتِه أنتِ وهو ؟!"

اعتدلت هناء مستديرة إليه أخيراً آخذة من ظهر المقعد حماية لجسدها المنهك ثم قالت " أعتقد أننا تخطينا هذا الأمر ، أنت الآن رجل ناضج تعرف كيف تنتقم من أمك وتسترد حقوقك ، إذاً لا داعي للتشبث في حجة أصبحت هزلية إذ أنك تعلم بالفعل كل تفاصيلها ، منه ومني !"

قال في جمود " أنا لست نادماً يا أمي ... كان يجب أن يعرف العالم أجمع أني لست ابن خطيئة ، بأنكِ لم تسلمي شرفكِ وعقيدتكِ لمعدومها كما ادعوا !"

تأفف جوشوا بضجر وهو يبتعد عنه يجلس على أقرب مقعد وهو يفتح يده بمسرحية وكأنه يخبره أنه مازال حماره الأبيض الذي يزيد الأمر سوء بدل إصلاحه ...

قالت هناء من بين أسنانها " ثلاث سنوات زوجة لهذا الرجل ... وعشرين عاماً احتضنك بين رموشي لا ذراعي ، وتأتي ببجاحة تدعي أمامي عكس الحقيقة ، هذا كذب واستخفاف لن أقبله ، أنت لم ترد حتى اسمك يا نزار بل كل ما كنت ترنو إليه هو انتقام جارح مني ، وهذا ما نلته !"

اقترب منها خطوة ثم هتف في خشونة بينما كل ذرة في جسده ترتعش قهراً " هذا ما كنت معمي وأنا أسعى إليه ، لحظة نطق الحكم عليكِ ، تلك المرارة التي تجرعتها وأنا ازيح ذلك الستار الحاجب عن عيني الحقيقة ، أدركت بأن كل شيء تحت قدميكِ لا يساوي ، بأن طعم انتقامي الجارح لم يطعن أحداً غيري ... بأني خسرت عالمي ، روحي وقلبي ورجولتي يوم خسرتكِ !"

عم الصمت مرة أخرى وهي ترفع عينيها المطعونتين بالخيبة أخيراً لتقع في عيني ولدها المنحورتين بالندم ... ثم يعلو في أذنيه ذلك اللحن اللعين ملوحاً في وجهه بأن الفراق المحتوم قد وقع وبأن الفراق والطرد من قلبها قد نفذ لا محالة !"



قالت هناء أخيراً بغصة " أتيتك متضرعة ، منكسرة أرجوك عفواً ، عدم ذبحي بيديك ، بألا تجعل المجتمع والناس تظلمني بالأقاويل ، بألا تفضحني بعد هذا العمر إذ لا أحد قادر على فهم الحقيقة المرة ، بألا أحد راغب في سماع أني دافعت ، ودفعت ثمن اختياري الخطأ ... بأن الناس تعشق الأحكام المسبقة تلك التي تشعرها بالرضا عن أنفسهم عند وقوع إحدى الضحايا وتحميلها نتائج ذنوب لم ترتكبها بالأساس ... ولكنك كنت مثلهم مجرد جلاد أمسك كرباجه ولم يتوانى للحظة في جلدي حتى وأنا أئن بالوجع بعدم الاحتمال بالانهيار كل لحظة !"

تمتم " أمي ، أنا !"

هزت هناء رأسها بالنفي والدموع تترقرق في عينيها وهي تقول " أنت ماذا بني ؟! لم ترحم ضعفي ، لم تتذكر جلدك لأمومتي أو ترحمني ، أتعلم ماذا قال ذلك القاضي لي عقب انتهاء الجلسة وإجبار جاسر لك على المغادرة ؟!"

تشنج وهو يبتلع ريقه الصعب متحاملاً على نفسه ألا ينهار الآن في بكاءٍ عنيف كطفلٍ كل ما يهفو إليه عناق ...عناق أخير من أمه ... سمعها تقول بحزنٍ لا يُحتمل طغى على كيانه هو " لقد قال أنه منحني الحكم مع إيقاف التنفيذ فقط لرحمته بي ، كما لم تفعل أنت ، لقد أخبرني بأنك جاحد عاق لم تستحق أن أحتضنك وأحميك وبأن لو الزمن عاد وتلك القضية أتت لقاعته قبل أن تكبر أنت مانحي خيباتك ، لكان حكم بمنحك لأبيك رحمة بقلبي الذي احترق بعد أن أهدرت عمري من أجل لا شيء !"

نكس رأسه وهو يهمس " أنا أتيت يا أمي ولا أملك ما أدافع به عن نفسي ، إذ أني غير نادم على ما فعلت وإن كنت آسف ! الجحيم الذي كان يتنازع بداخلي يصرخ في أوجه عدة داخل رأسي كان لا يُحتمل ، يوجع كياني بمرارته ، دافعي لكل فعل شيطاني ارتكبته !"

تحركت جالسة على المقعد أخيراً تشبك أصابعها المرتعشة بشدة في بعضها عيناها تحدق في جوشوا في لحظة شرود مخفقة ثم قالت " اتفهمك يا صغيري ! إذ أني وقعت من قبل بين فكي الرحى ، اتهمت بنفس الأفعال الشيطانية ... والتي لم تكن هناك أية خيارات أخرى في ارتكابها ...عندما هربت منه هو !"

تبعها مسلوب الإرادة ، ثم ببطء كان يسجد عند قدميها بتردد مهيب كان يحرك يديه لتمسك في أناملها يحاوطها بكفه عله يحجب ولو للحظة بعض الألم عنها ثم همس بنبرة من على وشك الانفجار في البكاء " إذاً كالعادة أنتِ تفهمينني ، تشعرين بعمق جرحي بمعنى الكذبة الكبيرة التي اكتشفت أني كنت أعيش فيها دهراً ؟!"

مازالت عيناها لم تفارق عيني جوشوا الصامت ، يحتضنها من بعيد بحنان ، يؤازرها دون تدخل ، يسندها حتى وهو يصر ألا يضغط على قراراتها ثم قالت بنبرة مشحونة " ما يبقي خلف أبواب البيوت المستورة لا يصنف كذباً ، بل هروب من جحيم أحكام بشر لا ترحم ، أناس تناسوا شعور الرحمة ، أنت لم تعش في كذبة ، إذ أني لم أمنحك شعور واحد كاذب ... تلك الحكايا التي تغنيت بها عن أبٍ يريدك ويحبك كانت حقيقة وها أنت جربتها بنفسك واخترته بدلاً عني ، أما عن منحي إياك اسماً ونسباً غير اسمك ونسبك ، كان من باب نجدة روحك من لقب حرام لم تدخر أنت جهداً في رميه باطلاً في وجهي ... ما تبحث عنه ندماً بداخلي لن تجده يا صغيري ... إذ لو عاد الزمن بكل أوجاعه ما كنت اخترت بديلاً غير ما فعلت حتى وأنا أعرف الآن النتيجة التي حطمتني !"

همس بنبرة شوبت بإجهاشه في البكاء وكأنه ما سمع كل ما بررته " إن كنتِ أنتِ غير نادمة ، كيف تلومينني إذاً على ما فعلته ، كنت أحتاج ل...!"

قاطعته وهي تميل نحوه رأسها على بعد إنشِ واحد من وجهه ثم هست من بين شفتيها رغم اختناق نبرتها " كنت تحتاج إثبات لياسر الراوي و لعمار الكردي ولكل من لوح بأنك مجرد ثمرة خطيئة زرعها ذاك الأجنبي في رحمي ، حتى وأنت تعلم يقيناً بأن أمك ما كانت لتسمح بهذا أبداً ، لقد انشغلت جداً في إبهار من حولك في إقناعهم بحقيقة لن يروها وقد سبق حكمهم المريح لضمائرهم السوداوية ... ففقدت نفسك كما فقدت كل صلة بي ، أنت دهست عليّ تحت حذائك يا نزار ... وأنا لست بتلك الملائكية لمنحك تفهمي ومغفرتي فور أن تأتي معتذراً !"

انتفض قلبه في محجره وهو يشد يدها نحو صدره وأخرى يضعها على رأسه يهتف فيها بنبرة انهيار مصحوبة بخشونة دموعه التي هبطت دون إنذار " أنا اتحطم متهشم الروح تائه في عالم لا يرحم ، لا تتركيني الآن ... أرجوكِ لا تنفريني لا تقابلي جحودي بعدم رحمتكِ !"

اهتزت ... اهتزت بعمق بقهر بوجع بخذلان أمومتها التي كادت أن تغلبها وتضمه بقوة بعنف ولا تخرجه للعالم القاسي أبداً مرة أخرى حتى وقد بات رجلاً يفوقها طولًا

ويعاكسها في جرعات خذلانه ...

تغلبت على كل مشاعرها وهي تفلت يديها منه بقوة إذ بات متشبث فيها كأنها أنفاسه الأخيرة ... استطاعت لفظه وهي تقف تتوجه لجوشوا بثقل جسد ينازع بين الأمرين كما كل نبضة تتحرك فيها ...

ثم همست أخيراً بنبرة محترقة " قلت أنك ستأخذه من هنا ، ستمنحه البيت والأسرة والسكن الذي سيعيد إليه ولو بضع من روحه التي احترقت ؟!"

وقف جوش ينظر إليها بعطفه يمد يده لتلمس دمعها المنحور يزيحه كرفرفة ريشة تمنحها الدعم والسكينة وهي لم تمنعه ثم قال " سأفعل ، سأزرعه داخل وطن وأسرة كان يرنو إليها بكل كيانه !"

قالت بقهر المعرفة " هل تعدني بأنك لن تخيب أمله أو تغدر به كما فعلت معي ؟!"

هز رأسه بتأكيد بينما عيناه الخضراوين ترسل إليها رجاء الغفران من خطيئته هو " أعدكِ ، سأحميه بروحي ليس لأنه ابني ، ولكن لأنه بعضاً منكِ !"

تمسكت في ساعديه بقوة ، محمية فيه من انهيار آخر لا يحتمل ... ثم قالت " إذاً غادرا ولا تعودا أبداً ... خذ ابني كما أخذت عمري المهدور ، اصنع منه شيئاً غير هذا الشبح الغاضب الدموي الذي لا أعرفه ، افلح في أمرٍ واحد أطلبه منك بكل كياني ، وقتها فقط أنت ستنال عفوي وغفراني !"

قال بخشونة من بين أسنانه " لا أستطيع ترككِ ورائي ، لن أتحمل يا هناء هجركِ بعد أن أعدتِ الحياة لقلبي المدفون في خنادق الموت !"

همست في توسل " ستفعل نحن لا نملك خياراً آخر ، إن كنت تؤمن بالقدر ستعرف أن هذه نهاية قصتنا جوش ... نهاية عادلة لك كما لي ... وما نستطيع فعله هو إنقاذ ثمرة رابطنا ... هذا الذي يقبع خلفي !"

سمعت صوت نزار المتهور يصرخ فيها " لن أغادر ... أنا لن أتخلى عنكِ !"

استدارت تنظر إليه بسخرية حزينة ومميتة " أنت تخليت عنيّ يا صغير الفعل والمنطق يوم أن تركتني أتمرغ في التراب أرجوك العفو التمهل والاستماع ... اخرج من هنا يا نزار ، لم يعد لي طاقة لرؤيتك ، أو التباري معك !"

كأن جوشوا لم يسمعها عندما أدار رأسها بأنامله يبثها كل مشاعره ، أحاسيسه وقرارته وهو يكرر بعناد " أنتِ تحتاجيني كما أنا أفعل ، لا تلفظيني حبيبتي ، ودعيني حولكِ ، تعلمين أني لا أستسلم !"

ابتسمت من بين ملامحها المنهكة ، من بين شحوب تقاطيعها فكانت أجمل ابتسامة رأها منذ زمن طويل موجع ، منذ أن هجرته ... ثم همست " أعلم أنك يتلبسك جنون التملك ، وتخرج عن كل مبادئك عندما يتعلق الأمر بي ، ولكن هذه المرة لا تخيب أملي لا تعيد الماضي جوش وتعلم من عثراتنا استمع لصوت العقل ، وغادر هذه البلاد بابنك !"

قال جوش" الحل لا يقبع هناك حبيبتي ، بل هنا داخل هذه الأرض بين جدران منزل يضم ثلاثتنا كأسرة أخيراً !"

قالت بهدوءِ خافت " كل واحد من ثلاثتنا خَلف داخل الآخر جُرحاً أبداً لن يندمل بل سيزيد سوء وقيح يصعب علاجه ، الحل الوحيد في بتر تلك الضغينة التي تقبع داخل الصدور ، علَ بعد يوم ، شهر أو سنين يصح سائر الجسد !"

همس بصوتٍ أجش في تضرع " هناء ... أرجوكِ ؟!"

هزت كتفها مع طفو كل احاسيسها على وجهها ثم قالت " إن كنت أحببتني بالفعل ومازلت كما أنا أفعل بكل كياني و لأخر يومٍ بعمري ، ستنفذ رجائي ، خذه من هنا ولا تعيده !"

تقبض قلبه بعنف متقافز بالألم المسموع ، ملامحه المهيبة تشحب بذهول ، وبدا للحظة أنه غير مصدق اعترافها البسيط في وقته ، العظيم جداً في مقامه وعلى روحه ...

وقبل أن يتخذ أية ردة فعل أو يستغل الفرصة كانت تبعده عنها وتبتعد ... تأمره في رجاء ما عاد يحمل خجلاً أو مدارة " لا تقل شيئاً ، دعها ذكرى حلوة رغم المرارة فيها لكل منا ... دع الستار يهبط أخيراً على مسرحيتنا الدرامية ، خذ ابني وارحل لبلدك بروفيسور !"

لقد قرأ ، قرأ كل شيء بوضوح فهم امرأته وما تعانيه ، ما تريده وتهدف إليه ، عذرها ....... أخيراً استمع لصوت العقل الذي كان يجب أن يتحلى به منذ أكثر من عشرين عاماً ...

إذ أنه تحرك بديناميكية وكأنه آلة ينفذ القرار دون نقاش يجذب ابنه الذي يصرخ برجاء العفو يخبرها أنه أبداً لن ييأس أو يتركها ... سيظل يطاردها كلعنة !!

بينما هي تراقبه بحرقة وكأنه يخلع مكمن سر الحياة فيها ، دون رحمة دون شفقة ، يجرعها علاج الوجع المميت وينفذ طلبها هي ... تمسك نزار ببابها عنوة يقاومه ، رافضاً تركها ينظر إليها بعينين مجنونتين مكسورتين ثم صرخ باستسلام

" احتضنيني يا هناء ، امنحيني عناق الوداع الأخير حتى وإن كنت لا أستحقه !"

لم تعرف تحديداً من كان أسرع أهي روحها ، أم ضعف فؤادها ، أم ساقيها اللتان هرعتا إليه وذراعيها اللتان نتشته من يدي أبيه ، لتحتضنه بقوة وبضعف كيان منهار...

تخبط على ظهره بعنف بينما هو يتشبث فيها كرضيع حُكِم عليه من قاضي جلاد بفراق من منحته الحياة " تعلم من أخطائك ، لا تتشبه به ، ولا تشبهني ، لا يضللك سحر عالمهم ولا يغرك معسول لسانهم ... وتذكر دائماً من أجلي ما زرعته فيك يا نزار الهوى !"

.................................................. .



وقف راشد أمام أحد أبواب الغرف المتطرفة بعيداً عن الممر الذي يضم غرفته وسبنتي ، يسأل الخادمة بنبرة لا تُفسر " كيف حال السيدة ؟!"

قالت الخادمة الخمسينية بينما تتفحصه بنوع من التردد " أفضل من اليومين اللذان مضيا ، ولكن ...!"

صمتت تاركة ما ترغب في قوله معلق ... فحثها بنوع من الطمأنينة أن تفضي ما في جعبتها دون قلق من عقاب تدخلها فيما لا يعنيها " ولكن ماذا ، أوكلتها بين يديك بالذات من أجل لكن تلك ، ماذا سمعتي منها ؟!"

فركت المرأة كفيها في جانبيها ودمعت عيناها بتأثر وهي تهمس باضطراب " هل هذا صحيح ، تلك الأعيرة النارية التي اُطلِقت لم تكن على لصٍ كما أخبرتنا ، وإنما قتلت ... أعني هل نضال مات ؟!"

عبست ملامحه قليلاً ثم قال بنبرة بها الكثير من التهديد " تعلمين مؤخراً عرفت أن الكثير من الحرية وإبداء الرأي والاعتراض لشيءٍ خارج عملكِ وتخصصكِ يجركِ للتهلكة لا محالة !"

هزت رأسها بوجل مبتلعة ريقها بذعر ثم تمتمت " العفو منك ، أنا فقط أعني تلك المرأة تحتاج مصحٍ ما لهذيانها بالكثير من الخيالات المجنونة !"

سأل بنعومة ملتوية " بماذا جنت في إخباركِ أيضاً ؟!"

تلعثمت وهي تقول " عندما يزول أثر المخدر الذي يمنحه لها الطبيب ، تطلب رؤية ابنتها ثم تدفع باسم !"

هس وهو يسألها بتحذير مبطن " باسم من ؟!"

نفت بقوة وكأنها في لحظة دفنت كل الأسرار التي عرفت " لم أتبين الاسم يا بيك كان نطقها معتم ، ألم اخبرك أنها مجنونة ؟!"

ادعى اللطف وهو يبتسم ثم قال " سيزعجني أيضاً ترديدكِ هذا عنها السيدة جوان أكثر من ضيفة في منزلي ، إذ أنها تعني لي الكثير!"

" مفهوم يا بيك ، هل من خدمة أخرى تريدها مني ؟!"

" لا ... تستطيعين المغادرة !"

ثم تحرك يمسك مقبض الباب بتردد ، أن يواجهها بما كان يرغب أخيراً ، ولكنه بعد لحظات من التفكير تركه بهدوء يتدحدر للوراء وهو يقول " بعض الألم يمنح الشفاء باتراً موضع العلة يا صغيرة ، علكِ تتعلمين في المستقبل سوء قرارتكِ المندفع ، عل تنير بصيرتكِ لتفكري بضحاياكِ قبل أن تندفعي بأفعالكِ !"

كان متوجهاً لغرفة سَبَنتي في فعلة أصبحت روتينية ، يجلس بجانبها طوال الليل يمنحها أدويتها يصارع معها أشباح عتمتها التي تصرخ بأنها تحاوطها ثم تهمد أخيراً على صدره تغط في غيبوبة عميقة ، كما كانت تنام في حضنه صغيرة ... ولكن يبدو بأنه لن يحتاج لهذا الليلة إذ أنها كانت تقف هناك تنظر إليه بوجهها الشاحب بجسدها الهزيل الذي خف كل وزنه ، بعينيها التي غارت داخل محجريها واحاطها السواد !

" عودة حميدة صغيرتي !"

تسارعت خطواته محاولاً أن يسندها وكل ملامحه تلين في لحظة ، وأيا ما كان يتوقعه لم يكن الذعر الخالص مع ابتعادها عن مرماه للوراء بجزع بخطوات هلعة حتى التصقت في أقصى حائط داخل حجرتها ،

للحظات راقبها بتمزق لا يحتمل وهي تحرك رأسها يميناً ويساراً برعب وكأنها تلاحق أشخاص حولها ، تمتمت من بين شفتيها بتعثر بشيءٍ لم يصل مسامعه ...

اقترب بنوع من الحذر ثم حاول بكل جهده أن يضع في صوته الثبات و الطمأنينة وهو يسألها " من تحدثين حبيبتي ؟!"

توسعت عيناها وهي تثبت نفسها لتحدق فيه ، مازلت شفتيها تهمس بنفس الوتيرة دون توقف ، كتفيها ينتفضان بين ثانية وأخرى كمن يهرب من شيء يحاول لمسه ، تاركة لعينيه المراقبة الألم ومرارة العجز " سَبنتي ، من هنا معنا ، أنتِ ترينني صغيرتي صحيح ، لذا أرجوكِ أريد أن أعرف من تهمسين إليه ؟"

أغلقت جفنيها لدقيقة كاملة ، قبل أن تتوقف أخيراً شفتيها عن كلماتها ، ثم فتحتهم تنظر إليه بنوع من التيه وهي تقول " أنا لست مجنونة ، أعلم ألا أحد هنا غيرك وأشباحي ، لذا كنت اطردهم كما فعل خالد من قبل !"

ضغط عينيه بقوة بينما يفتح فمه يخرج عبره أنفاس شديدة الحرقة ، ثم فتحهما وهو يقول بصوتٍ أجش " هل اختفوا الآن واستمعوا إليكِ ؟!"

انكمشت على نفسها تعود لتفحص ارجاء الغرفة برهبة ثم همست وهي تضغط على شفتها السفلى بعدم ارتياح " أعلم أنهم غير حقيقين ، مجرد خيالات وأوهام يرسمهم عقلي منذ تلك الليلة ، ولكن أنا لا أستطيع تجنبهم إذ أنهم هناك في مقبرة جدي كانوا حقيقة راشد !"

ابتسم لم يملك إلا أن يفعل ، وهو يلمس بعد عذاب الأيام والليالي الطويلة متخيل فقدها أنها عادت إليه بذكائها ، بفطنتها ، ببراءتها ونقائها ... بات الآن أن مهما حدث لن تلوث أبداً ... بمهادنة كان يقول وهو يحاول الاقتراب منها بحذر " ماذا أخبرتهم الآن ليتركوك لحال سبيلكِ ؟!"

قالت ببهوت " القرآن دائماً كان حل كل شعور مؤلم يجتاحني ، ماعدا معرفة أني بالأصل نبتة شيطانية !"

تصلبت ملامحه وهو يقول بخشونة " أنتِ لستِ كذلك ، لن أسمح أبداً بوصمكِ بذنبِ جريمته ارتكبوها هم !"

سالت دموع عزيزة من عينيها بدا أنها لا تدركها لا تنتبه إليها وهي تهمس بانكسار " قرأت مرة تحت صورة رضيع كتبوا فوق جبهته " لقيط بعد أن وجدوه في إحدى مقالب القمامة " أن أبناء الحرام دائماً يكون للشيطان نصيب فيهم ، وأنا ابنة حرام ، إذاً ما الذي يميزني عنهم راشد !"

قال دون تفكير أو جدال لن تحمله روحها المعتمة الآن " أنكِ ابنتي أنا ، ألا يكفي هذا ليرفع عنكِ لقب منحه مجتمع خاطئ بالفعل وأفراد لا يرون تشوه أنفسهم ولا أخطائهم ، بل يبحثون عن النقص بداخل أفراد آخرين ؟!"



همست بتخاذل " ما عادت جملك المنمقة تنفع ، أنا ابنة خسيس النفس عز..." صمتت وارتعشت القرف يتصاعد بداخلها بحدٍ غير طبيعي ، عاجزة تماماً عن ربط نفسها بذلك الوغد !"

اقترب راشد منها أخيراً واستطاع أن يمسك كتفيها يمسد عليهما بحنان وكأنه يجهزها أن تقبل بضمها إليه بألا تصارعه وتنفره كما كانت تفعل في الأيام المنصرمة ...

" أنتِ لستِ ابنته ، أنا من ربيتكِ ، وأنا من اهتممت بكِ ، منحتكِ من قلبي وروحي ، علمتكِ أول خطواتكِ ، شاركت أول ألعابكِ ، أنا من وهبتكِ أول حنان الأبوة ، فلا تأتي الآن لمعرفتكِ مجرد عملية حيوانية ليس لها معنى ، تلوحين بانتمائكِ إليه !"

تلوى وجهها بوجع ، برفض وهي تحدق فيه بتوسل الرحمة لشيءٍ لا تعرفه ثم انفجرت تشهق في البكاء وهي تقول بنبرة انهيار " أنا دمرت حياتك ، أبعدتها عنك ، حرمتك من ذلك الطفل الذي أعلم يقيناً أنه كل ما رغبته في الحياة ، إن كنت ابنتك كما تدعي ، إن كنت لا انتمي لهذا القذر ما كنت قدرت على فعلتي التي استحق الحرق من اجلها !"

" سَبنتي ، انظري لي ، لعيني ، واجهينني وأنتِ تستمعين لما أقوله !"

همست برفضٍ شديد " لا أستطيع ... لقد قابلت عطفك بالجحود !"

رفع ذقنها بأنامله يجبرها على الاصغاء إليه وهو يقول بوجوم " أولاً أنا لا أعطف عليكِ ، أنتِ دمي تنحدرين من صلب بلال الراوي وهذا وحده كافياً ليجعلني اتناسى من منا كان مسؤولاً عن وجودكِ ، وأجعلكِ لي ... أي أن كل ما أمنحه لكِ هو حق مكتسب صغيرتي ، كما ابني الذي تهفو إليه روحي !"

فتحت جفنيها أخيراً تنظر إليه ببنفسج عيناها المطفأ ... فأكمل راشد بنفس الوتيرة " ما فعلتيه خطأ صغيرتي ، لن أجاملكِ لقد اهنتِ نفسكِ ، لقد ذبحتني يا سبنتي بإلصاق تلك الجريمة الشنيعة في عرضكِ ، وهذا ما نحتاج أنا وأنتِ الكثير لنسيانه وتخطيه !"

انفجرت شفتيها في شهقة متألمة تحدق فيه باعتذار لم يقابل بالغفران في عينيه !

هز رأسه مرة أخرى ثم أمسك كفيها بين كفيه يربت عليهما وبدا لوهلة مشوش الذهن شارد التفكير وهو يقول بصوتٍ أجش " أما عنها ، أنا خسرتها منذ زمنٍ طويل ، ولكني أبيت الاعتراف ! أنتِ لم تتسبي في أي شيءٍ صغيرتي بدور كانت تريد أن تراني في صورة بشعة ، وأنتِ كل ما فعلتيه أنكِ منحتها غايتها التي تسعي إليها ، فإياكِ أن تحملي نفسكِ ذنب جرم لم ترتكبيه بالأساس !"

بهدوءٍ شديد وتوتر أشد كانت هي هذه المرة تقطع المسافة المعدمة تضع رأسها على صدره ببطءٍ شديد ، يدها تتمسك بقميصه بعنف و برقة ، بجمال وبراءة ... ثم همست بتقطع " لا أريد أن يعلم أحد بحقيقتي ، أنا لست مثلهم راشد ، أنا لا أريد ذلك المدعو خلف اسمي !"

أغلق جفنيه في راحة ويده تحيط كتفيها ثم تنهد وهو يقول " ومن قال أنه يستحق أن تنسبي إليه ، أو بأني سأسمح بهذا ؟!"

سكنت طفلته الغالية لدقائق على صدره ، بهشاشة اذابت عظامه حتى النخاع مجددة فيه تلك الطاقة العنيفة بالكره ، بالغضب لكل من أذاها ويحاول اذية جنينه الذي لم يعرف نور الحياة بعد !

" لماذا أبعدتني عنكِ ترفضين اقترابي ، هل تخافين مني ؟! " قال بخفوت بحاجة ماسة أن يسمع منها بالذات ما يهدئ لوعة قلبه بعد خسارة القشة الأخيرة من حبيبته !"

همست بلوعة " خجلة ، مكسورة ، غير قادرة علي مواجهتك ، وو ...! "

ترددت وتعثرت فشجعها يحسها أن تُفضي ما بجعبتها

رفعت عينيها التائهتين وكأنها في عالمٍ آخر يطفو خارج اللامكان والزمان ... ثم عقدت حاجبيها وهي تتحرر منه ، تنظر إليه في تضارب فعل عنيف ، وكأنها تخرج شيئاً فشيئاً من فقاعتها التي تقبلته فيها منذ دقيقة واحدة وهي تقول بغضبٍ بقهر " أنت شاركتهم الكذبة ، تسترت عليه ، أضعتني وأمي ووصمتني باليتم لأجله !"

لم يسخط عليها ، ولم تتحرك ملامحه عن لينها عن تقبله جل غضبها وهو يقول بهدوء " شاركتهم من أجلكِ وحدكِ ، كنت ومازلت سأحرص العالم لأجل خاطركِ أنتِ ، تعلمين يقيناً أنه لا يعنيني ، لا يهمني وإن عاد الزمن وامتلكت السلطة لكنت زججته في السجن بيدي ، ليتلقى عقاب ما فعله بكِ وبها !"

قالت بحرقة " ولكنك لم تفعل ، هي من تحملت كل تبعات ذلتهما المشتركة ، وأنا .أنا ضعت يا راشد !"

حاوط وجهها بكفيه بحنانه وهو يهمس " هشششش ، أهدئي ، أنتِ مازلتِ سبنتي الراوي ، قوية مثابرة ورغم معرفتكِ الدامية أثق أنكِ ستتخطينها ... ذلك السر سيدفن هناك داخل جداران غرفة خالد ، وسوياً صغيرتي سنجد بر الأمان لاندمال جرحكِ !"

راقبها وهي تعود لاضطرابها الشديد لتخبطها تتفحص الغرفة من حولهما بتلك العينين المرتعبتين المذعورتين ،

عاد يثبت وجهها إليه يهمس بصوتِ خشن حازم " انظري لي سبنتي ، تغذي على طمأنينتكِ من ملامحي ، لا تجعلي اشباحكِ الخرافية تسرقكِ مني "

فغرت فمها تأن دون صوت وبدا أنها تصارع ذلك الخوف الذي يتفجر مسيطر على أعماقها ... صدرها يعلو ويهبط بتصارع تجاهد أن تتنفس كمن يتسلق جبلاً شاهقاً دون أدوات تسانده ... ثم همست بأخر شيء كان يتوقع سماعه " ابعد خالد الراوي عن طريقي ، لا أريد أن أراه ، أن أعرفه ، ولا أية صلة تجمعه بي ، إن كنت تخطط لمستقبلي فأنا أريده خالياً منه !"

ابتلع صدمته داخل صدره وهو يقول بوجهٍ منغلق خالي من المشاعر " هل تدركين ما تطالبين به ، أنتِ في حالة .... !"

قاطعته وهي تهتف في وجهه وقالت من بين أسنانها بتصميم " لا أريد خالد في حياتي ، أنت مجبر للتكفير عن ذنبك في حقي ، إن أردت كسبي لجانبك ، أنت ستجبره على نسياني !"

" لماذا ، أريد سببا قوياً لإقناعه ؟!"

أدارت وجهها بعيداً وهي تغلق عينيها بوجع ، ثم هزت كتفيها في استسلام مؤلم وكأنها تخبره أنه لا يحتاج تفسير لأسباب يعرفها يقيناً !"

همدت بين يديه أخيراً وكأنها تعلن انتهاء صحوتها ولجوئها لغفوتها التي تهرب فيها من ظلم الدنيا ...

سحبها برفق حتى وصلت فراشها ، مددها هناك ثم سحب الشرشف عليها يدثرها جيداً وهو يهمس برفق " ارتاحي الآن ، وبعدها سنتحدث ، ما رأيكِ أن أصنع لكِ بعض الشطائر ، ألم تشتاقي لطعامي ؟!"

هزت رأسها رفضاً معلنة بشكلٍ واضح أنها لن تستخدم معه أية كلمات حوارية

قال متحايلاً " من أجلي ، سبنتي "

أيضاً هزت رأسها رفضاً وهي تضع كفيها المزرقتين نتيجة الحقن الوردية التي كان يبثها عبرها الطعام تحت وجنتها ، ثم اغمضت عينيها في استسلام !"

تنهد بضيق قبل أن يقول ببساطة " سأبقى هنا بجانبكِ إذا !"

تنازلت أخيراً وهي تهمس " أين شوشو ، أريدها ؟!"

ربتت علي شعرها المشعث وهو يقول " غادرت ليلة أمس ، مع وعد بالقدوم غداً صباحاً لديها اختبارات يجب أن تحضرها !"

" غادر أنت الآخر ، لا احتاجك !"

قال مداعباً " أنتِ لن تفرضي عليّ عنادكِ المشابه لي ، أنا سأبقى !"

قالت مدعية النعاس الشديد" غادر من فضلك ، إن احتجتك أعتقد أن صراخي سيعيدك إليّ !"



قال بمهادنة " سأبقى حتى اطمئن لنومكِ ، وبعدها أعدكِ بالمغادرة !"

.................................

في وقتٍ متأخرٍ جدا من الليل ، نهض من فراشه بعد اختطافه ساعتين نوم مشحون بالكثير من كوابيسه ، مملوء بالقلق من تركها بعد أن افاقت ، من توقع الطبيب النفسي ... إذ أنه أخبره رغم المعلومات الشحيحة جدا التي منحه إياها ، أنه سيرى منها أفعال كثيرة متضاربة ، ما بين انهزام ، وتماسك ، وتظاهر بأنها بخير ، حتى يأتي في مرحلة ما الانفجار الأخير ، وانهيار كامل وبعدها أمل أن يستطيع نجدتها وانتشالها من ضياع محقق ... أو أنه سيفقدها !

همس بإصرار " لن يحدث ، سأجد لكِ الدعم المناسب بعيداً عن تلك الأرض فور قطع رؤوس كل الأفاعي !"

بهدوء كان يفتح باب غرفتها لتقع عينيه على سريرها الخاوي ، انقبض قلبه على الفور ، وهو يفتش أرجاء الغرفة بنوع من الهستيريا ... ليتأكد من خلوها التام منها !"

هرول إلى الخارج وهو يحاول التماسك بمعجزة ، محاولاً أن يطمئن نفسه دون جدوى سَبنتي تجيد التهرب وقت ما تريد هذا ما قاله فارس الراوي الشاب ... ولكنه زود الحراسة حول المنزل بعد حادثتها !"

عواء كلبها المنخفض وكأنه يأن بألم الفراق ولوعة الاقتراب جعله يتجمد مكانه ، ينظر لتلك الغرفة المنسية بتصلب !

ثم شيئاً فشيئاً كان يتحرر ليقترب ...

باب الغرفة كان مفتوح بجانبيه ، وقف هناك دون أن يصدر صوت ... يراقب بمشاعر مختلطة ، يطغى عليه شيئاً من التعاطف والندم !!

كانت سَبنتي تتمدد على الفراش ، يقبع تحت قدميها شلبي ، الذي يريح رأسه على إحدى ساقيها ، مؤكد هبطت في غفوته وحررته من الغرفة التي احتجزه فيها مرغماً حتى لا يقربها بعد أن كاد بصاب بالهوس وهو ينبح يحاول إفاقتها لقد كان الكلب يتألم موجوع على انهيار صاحبته بينما النذل أخيه لم ينتبه لاختفائها من محيطهم بالأساس !"

اطل برأسه قليلاً محاولاً أن يعيد تركيزه معها ، كما يعلم يقيناً كانت جوان تتمدد قابلتها ولكنها على عكس توقعه كانت متيقظة تحدق في وجه سَبنتي بعدم تصديق تتلمس بأناملها ملامحها ، تمسك بخصل من شعرها تتفحصها وكأنها ترسم لوحة خيالية صعب أن تتجسد أمامها ...

لم تجد جوان ما تقوله سوى أن تهمس " أنتِ هنا فعلاً تحاولين التواصل معي ، أم أنها أحد أحلام اليقظة ؟!"

رفعت سَبنتي كتفيها ثم اخفضتهما وهي تقول " إذا أخبرتكِ ، أني أكرهكِ بشدة ، رغم إلحاح شيءٍ بداخلي ليراكِ ، ستصدقين أني حقيقية ؟!"

ترقرقت عيني جوان بالدموع وهي تقول ببحة " ولكن أنا اُحبكِ ، بروحي ؛ بكياني وحتى بإنسانيتي التي اعدموني إياها ! "

قالت سَبنتي بخفوت " لا بأس إذاً ، ربما يوماً ما ستشاركينني عواطفكِ تلك لاُحبكِ بنفس القوة !"

لم تشعر سَبنتي بتلك الرجفة التي اجتاحت جوان وهي تقول بوجع يجزها لملايين الشظايا كشفرات ألف سيفٍ حاد " يجب أن تفعلي ، أنتِ لا تعلمين ما كلفني لأصل لتلك اللحظة معكِ ، أنا لا أصدق ، لا أصدق أنه سمح لك برؤيتي ؟!"

نظرت سَبنتي إلى القسوة في إطباق فم جوان عند تعليقها الأخير ... فتمتمت " من قال أني أنتظر إذن أحد هو لا يعرف ، أنا من عرفت بوجودكِ ورغبت في منحكِ قربي !"

لم تستطع جوان تحديد مشاعرها في تلك اللحظة ... أهي الرغبة في الصراخ حتى يبح صوتها وتُقطع أحبالها الصوتية ثم تنهار في غيوبة إرادية نعياً وندماً على ما فعلت ... أم تتجنب مشاعر قهرها حزنها وندمها الشديد وتضم ابنتها إليها عنوة عل الخافق هناك تسكن بعضاً من جروحه ...

شهقت جوان أخيراً وهي تقول " أعرف أني أخطأت ، بأني دمرت سلامكِ ، بأني رغبت في إرضاء أمومتي بكِ حد الهوس والجنون ، ولم التفت إلى عالمكِ أنتِ وما أفعله بكِ !"

قالت سَبنتي بصوتٍ مرتجف خللته المرارة " كنت أفكر فيكِ منذ ما حدث ، صورتكِ تتعذبين وتدفنين من أجلي لا تفارق خيالي ، أكان حقاً تمسكاً بي ، أم أني فعلة القدر الذي جلدكِ بها ورفض إجهاضي ؟!"

قالت جوان بنفسٍ ملهوف " كنت أعرف أنكِ صغيرتي التي يجب أن احميها ، بأنكِ قطع كونت من دمي ولحمي وروحي ، فكيف لي ألا أقاوم لأخر نفس بأن تحيّ من أنا لأسلبكِ حقكِ في الحياة !"

" أية حياة لطفل حرام ، أما كان من الرحمة زهق روحي ؟!"

شهقت جوان وهي تقول " لا .لا ... لا كيف لي أن أفعل كنت لأفديكِ بأكثر من روحي التي زهقها أبي بالفعل مقابل ولادتك أنتِ !"

حركت سَبنتي أناملها تمسح على وجنتها بتوتر ، في حاجة ماسة بداخلها لا تدرك حتى أهدافها للتواصل مع تلك المرأة ثم همست في براءة شديدة " أنتِ تعذبتِ جداً يا مسكينة ، الحياة لم تكن عادلة معكِ ، بقدر يفوق بكثير عدم إنصافها لي !"

ضمت جوان فمها بقهر بقوة بثبات وإصرار غريب ألا تنفجر في انهيار آخر ، ألا تصرخ بتمرد تخبرها آخر طحن الحياة لها دون عدل ، دون إنصاف بحرمانها من الشخص الوحيد الذي دعمها ، احترمها ، أشعرها أنها ترقى لمرتبة البشر !"

ثم انفجرت مرة واحدة مكتفية بشهقات حادة ، ببكاء جنائزي يقطع نياط القلب يحنن حجر أصم ليشاركها نواحها ، لم تنطق بكلمة فقط تركت لملامحها التي شوهت بالحزن حرية التعبير عما تعانيه ...

اقتربت منها سَبنتي بوجل ، بحذر ، بعجز أن توقفها عما تفعل بنفسها ... فلم تجد بداً أن تقرب نفسها إليها ثم بروتينية وكأنها تعرفها منذ زمن ، وكأنها اعتادت منحها دعمها كانت تحيطها بذراعيها تطبطب على ظهرها بهوادة ثم همست في مواساة " لا بأس ، لا ألم يستمر إلى الآبد ، يوماً ما أنتِ ستشفي كل جروحكِ المزمنة بيدكِ !"

...

تراجع راشد عن الباب يغلقه بهدوء مبالغ فيه ... ثم وضع رأسه هناك يهمس بأسى " لما تصعبينها عليّ يا سَبنتي ، هي لا تحتاج منحها أملاً آخر ثم سرقته منها يا غالية !"

.................................................. ...



كانت فرح ترتاح على ذراع لورين الشاردة عينيها في نقطة ما مخفية ، بدت أنها تفكر بعمقٍ في شيءٍ ما يشغلها عنهم ، كما كانت في الأيام الماضية التي سكنت معهم أخيراً دون وداع هارب كما فعلت أخر مرة أتت فيها إليهم ...

" إلى أين وصلت ؟!" سألتها مرح في رغبة عارمة لجذبها مشاركتهم الحديث ، لأن تنتمى إليهم ، متخلية عن حياتها السابقة التي مازلت روحها كما فؤادها يتصلا بها ...

داعبت لورين رأس فرح ، بأناملها وهي تُطلق تنهيدة طويلة ثم قالت " لا شيء أفكر فقط بأني ابتعدت جداً في الفترة الماضية عما أنا عليه !"

سألت مرح مباشرة " هل يمكنني أن أعرف ما الذي يعنيه كلامكِ هذا ؟!"

ابتسمت بتحفظ وهي تقول " يوماً ما عزيزتي سأخبركِ بكل شيء مررت به ، ولكن الآن وأنا وسط كل تلك الفوضى صعب عليّ الشرح !"

" لا بأس لدينا كل المستقبل لتخبريني"!

تدخلت فرح وهي تهمس بنبرة مضطربة كعادتها " هل هذا يعنى أنه كما وعد هذا الرجل سنبقي كعائلة واحدة أخيراً ، وهو سيحمينا ؟!"

أطرقت لورين بوجهها تنظر لفرح بتمعن ثم قالت " رغم حاجتي الماسة أنا الأخرى لحماية أبينا المنتظرة وإصلاح كل العطب الذي افتعله فينا ... ولكن تعلمي أول قاعدة صغيرتي ، لا أحد قادر على حمايتكِ وجبر جراحكِ إلا إرادتكِ !"

همست فرح بخفوت " تتحدثين بحال القوة يا لورين ، بحال من لم يتعرض لطفولة مشوهة ومراهقة لقت أبشع استغلال الوحوش فيها واعتاب شباب مُدمر !"

همت مرح أن تقول شيئاً ولكن منعتها لورين بعينيها ثم قالت بهدوءٍ حازم " كونكِ تعترفين بكل هذا ، فأنتِ تعلمين يقيناً أين موضع اخفاقكِ وألمكِ ... إذاً أنتِ تستطيعين يا فرح محو كل تلك الذكريات المميتة وإصلاحها !"

قالت فرح بلهفه يغلبها التوسل " بوجودكِ جانبي ، أنا كنت أشعر بالغربة ، بعدم الانتماء ، برفض هذا الرجل وكل ما حولي ولكن بظهوركِ أنتِ ، بعودتكِ بجانبي كل شيء تغير !"

همست لورين " لن أتخلى عن إنسان يحتاجني ، يحارب ليحصل على فرصته الثانية ، فما بالكِ عزيزتي إن كنتِ أنتِ بذاتكِ من تطالبيني ؟!"

ابتسمت فرح في وجهها برضا قبل أن تعود تنكمش بين ذراعيها مغلقة العينين وهي تقول ببساطة " منذ أن قدمت إلي هنا لم أعد اشتهي أي نوع مخدر كنت اتعاطاه أنا ... أنا بدأت أشعر بالنظافة !"

حدقت لورين في عيني مرح التي من الواضح أنها تلقت تلك الطعنة نجلاء في منتصف صدرها مباشرة مثلها تماماً من جملة أختهما البسيطة الفظة مريرة المعنى !"

مرهقة جسدياً ومستنزفة عاطفياً ، كان عقل لورين يسبح داخل دوامة عاتية من الأفكار المتنازعة وهي تقول بنبرة غريبة " أيوب خليل أخبرني أن ذلك الطبيب النفسي نصحه بأن يغادر بكن أمريكا ويعود لبلاده هذا سيكون أفضل لحالة فرح بالذات ، لا أعرف كيف يفكر هذا الرجل إذ أن ....."

قاطعتها مرح وهي تقول بوجوم " الطبيب عربي يا لورين هذا سيوضح بالتأكيد سبب اقتراحه ، إذ أنه لا يهدف لعلاج فرح بل بناء على قصة أبي ورغبته في زرع اوطاننا المفقودة فينا ... هذا لا يفلح إلا بعودتنا هناك !"

أخذت لورين نفساً عميقاً قبل أن تقول بصوتٍ أجش " وهل هذا الطبيب جهبذ زمانه لا يعلم أننا عاجزين عن العودة ؟!"

توجست ملامح فرح وهي تقول " وما الذي قد يمنع هذا أبي قال أنه سيصفي جميع أعماله ونغادر ، هذا ما كان يرتب له علي كل حال من قبل عثوره علينا !"

صمتت قبل أن تكمل بهجوم " أم أن سيادتكِ تعترضين من أجل أبواكِ المزوران وذلك المدعو زوجكِ ؟!"

رغم الحزن الطاغي والألم الصافي اللذان غزا فؤادها كما ملامحها كانت لورين تتجنبهما وهي تقول ببرود " ليو وخوانا أبواي بالفعل يا مرح ، أناس منحوني أكبر بكثير من مجرد منزل انتشلوني فيه من الضياع !"

قالت مرح بعصبية " العذر منكِ ، نحن لم نتلقى تلك العاطفة المذهلة ، بل أنا وفرح تلقينا أبشع أنواع الاستغلال والعنصرية !"

رفعت لورين حاجبها بملامح متصلبة تدحرها بنظرة متجمدة حازمة ، وكأنها تحمل ألف سلطة عليها دون التفوه بكلمة لتقيد جموحها وسلاطة لسانها ثم أكملت كأنها لم تسمعها " أما عن زوجي هو أمرٌ خاص جداً ، لا تملكين بعد حق مناقشتي فيه أو سؤالي !"

أظلمت عينا مرح وهي تهتف " لا نحتاجكِ إذاً ، أنا وفرح سنذهب معه لأخر الدنيا !"

حررت لورين ذراعها من فرح بلطفٍ شديد ومسكت كفيها تشد عليها وكأنها تطمئن جسدها الذي انتفض من حوارها مع مرح الذي يجرى لنحوٍ حاد عن أن كل شيء سيكون بخير ... ثم قالت " سأتغاضى عن أنكِ تجهلين تماماً معنى أن تزرعي نفسكِ في أرضٍ غريبة لا تفقهين عن طبيعتها شيئاً حتى وإن كانت جذورنا التي لن أبداً ننقطع منها ... ولكن ما لا تعرفينه يا فرح بأننا لا نملك حق العودة ، نحن حُرمنا بهروب أبينا من الموت حق الانتماء لبلادنا بمجرد تصريح وورقة !"

انطفأ كل تحفز مرح في لحظة ، وشحبت ملامحها بشكلٍ ملحوظ ثم قالت بتوتر " ماذا تعنين ، أبي قال أنها بلادنا ، بأن أمريكا مجرد بلد غريب احتلتنا سرقتنا ، نزعتنا من أنفسنا يوم أن منحنها بقلة عقل كياناً ... وبأن فلسطين هي هويتنا الحقيقية هي من ستمنحنا ما افتقدناه !"

حاربت لورين لتبتسم في وجه شقيقتها ، من أجل تلك النبرة التي تتحدث بها ، بأن تسعد بأن قلب اختها زُرع داخل بلد لم تعرفه أو تجرب دفئه " الأوطان هي من تُزرع فينا " صححت لنفسها وابتسامتها تفشل تماماً ليحل مكانها قهر التصحر قهر الحرمان من انذال مغتصبين محتلين حقراء تحكموا فيهم ومن مثلهم فحرموهم أبسط حقوقهم ... ثم قالت أخيراً " حلم العودة ! هكذا يردد أبينا يا مرح ، كما أردد أنا وملايين مثلنا شُرِدوا في بقاع الأرض " مجرد حلم " يضطهد كل يوم وساعة من اليهود ، محولينه لمجرد كابوس سنفشل في تحقيقه !"

اهتزت شفتيها الممتلئتين وهي تسأل بجهلٍ تام " كيف ، لا أفهمكِ ألا يحق لكل مهاجر العودة لأوطانه ، أنا رأيت العديد من العرب هنا يعودون لبلادهم مستخدمين هويتهم الأصلية !"

اطلقت لورين تنهيدة طويلة محملة بالكثر من الحمم ثم قالت " نحن لا نملك واحدة ... ولأزيد من صدمة جهلكِ الواضح ، فلسطين لم تملك عبر التاريخ بالأساس يوماً هوية حرة مستقلة !"

استنكرت مرح وهي تقول " ما هذا الجنون ، أترددين مثل هؤلاء معدومي النخوة الآن ؟!"

قالت لورين " رغم صدمتي قليلاً بمعلوماتكِ التي من الواضح أن أيوب خليل لم يدخر جهداً في بثكِ إياها ، ولكن هذه الحقيقة المرة فنحن في الماضي قبل وعد بلفور المشؤم كنا تحت الولاية العثمانية حتى بيت جدكِ مسجل " بطابو عثماني "! وبعد بالطبع تحقيق وعد البريطانيين ، كنا تحت حكمهم مع الإسرائيليين ، ثم كانت أخيراً اليد العليا لليهود في التحكم فينا !"

سألت مرح ببطء متخبط " وهذا يعني ؟!"

مدت يدها تفرك جبهتها بعصبية ثم قالت " أيا فيما قلته غير واضح يا مرح ، نحن هُجرنا هائمين على وجوهنا دون أن نملك مستند يعيدنا لأراضينا ... لهذا اُطلِق علينا لاجئين وكل بلد دخلنا فيها منحتنا هويتها الخاصة ، أي أننا في نظرهم مجرد أمريكيين إن أردنا العودة سندخل بلدنا وبلد أجدادنا مجرد زائرين و يا ليت حتى سيسمحون لنا بزيارة بيوتنا ، أو التنقل بحرية داخل مدن فلسطين ولكن فقط سندخل أراضي اليهود المنزوعة منا بالأصل لمدة أسبوع ، اثنان ثم نطرد كأي أغراب!"

هزت مرح رأسها بفرض لما تقوله بعدم تصديق وهي تقول معاندة " ولكن أبي قال أن هناك جبهة تحرير وطنية ، أعادت لنا بعض حقوقنا المسلوبة ، بلا هناك هوية ، ومعاهدات كثر معهم بعودة النازحين !"

تكورت المرارة بغصة جريحة داخل حلق لورين وقالت مكررة " مجرد حلم يرفضون هم منحنا إياه ، أعلم عن ماذا تتحدثين مؤكد أبي يقصد معاهدة ١٩٩٤ التي فرضها

" منظمة التحرير الوطني الفلسطيني" على العرب والاسرائيليين ودخولهم للأراضي الفلسطينية وإقامة السلطة الفلسطينية وإعلان نفسها مسؤولة عن الفلسطينين ، قامت بإصدار الهوية الفلسطينية الخضراء"

للفلسطينين من داخل البلاد ولم يهجرهوها ... وبالطبع لم تشملنا نحن !؟"

شحبت ملامح مرح وهي تقول أخيراً بحرقة " إذاً نحن محاصرين هنا إلى الآبد ، الوعد بالعودة كان مجرد أمر لن يتحقق أبداً ، مفتاح جدكِ المُعلق على صدركِ هو تمسك بماضي عاصف ليذكرنا فقط بحقيقتنا ؟!"

وقفت لورين من مكانها أخيراً غير قادرة على التعاطي مع كل تلك المشاعر والحقائق المغتصبة والتي كانت مثل أيوب تلاحقها لأعوام بالشوق بالحنين ، حتى اكتشفت مثل أختها الآن المستحيل الصادم ... منحتها ظهرها وهي تقول " مرحباً بكِ في حداد المعرفة يا حمامة عيسى !"

راقبتها تنوي المغادرة كما تفعل عادة في هذه الساعة ...

وقبل أن تفتح الباب وجدت على يمينها أعلى الدرج أبيها يتكوم هناك بخذلان بكسر روح وبنظرة موجوعة تحمل الكثير من الحنين والعجز " أسفة كانت يجب أن تعرف !"

هز أيوب رأسه بتوالي مستسلم دون تعليق ...

ليأتيها صوت مرح العاصف من ورائهما وهي تقول " وأسفة لكِ أيضاً لعدم اخباركِ بوجوب عودتنا ، بطل حكايتنا ،ظريف الطول الأسطورة الجديد يقبع هناك منتظرنا ، وأنا لن أستسلم مثلكِ ، حتى ألقاه !"

التفت إليها لورين بحدة بينما أنفاسها المكتومة تتصاعد في الحال بالصدمة ، فقالت مرح " عيسى حلمكِ الناقص هناك ، ألا يستحق تحقيق هذا الكابوس المستحيل ؟!"

.....................................
يتببببببببببببببببببببببب ببببببببببببببببببببببببب ببببببببببببببببببببببببب بببببع الان في المشاركة التالية


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-12-19, 11:15 PM   #1534

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile21

تاااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااابع الفصل الرابع والعشرين رجاء الانتباه بداية الفصل في المشاركة السابقة


كانت شيماء تهم بالخروج من المنزل آخذة بعض أغراضها الشخصية معها في حقيبة ظهر صغيرة ...

عندما أوقفتها منى وهي تقول بحنان " انتظري حتى يأتي خالد ليوصلكِ لهناك ، لقد هاتفني وطالب بهذا سأكون أكثر اطمئناناً عليكِ !"

تملصت شيماء من يدها في محاولة تهرب عارفة ما تريده منها حقيقة في محاولة ايقافها بعد أن كانت تتهرب منها في الأيام الماضية متحججة بدراستها الصعبة ثم قالت " راشد طلب منى القدوم الآن ، وأرسل بالفعل سائق ينتظرني ، فلا حاجة بي لخالد !"

قالت منى " كلنا يعلم أنه يحاول الاطمئنان عليها ، ألا يحق له صغيرتي ، بعد أن حرمتني أنتِ وابن عمكِ من مجرد كلمة تهدئ قلبي الملتاع على سَبنتي !"

" أميييييييي أرجوكِ لقد اطلقت وعداً ، لن أستطيع كسره !"

قالت منى بمهادنة " بقة إن علمت بما تفعلانه لن تقبل ، أنا أكيدة بأنها سوف تغضب لعدم إخباري شيئا يخصها !"

العناد لم يكن شيئاً غريباً على أي فرد منهم ولكن أن تكون القسوة أيضا تحتل جانب من عصفورتها فهذا أمرٌ محزن وجديد كليا عليها عندما قالت بنبرة خشنة " خاب رجائكِ فيها إذاً ، إذ أنها بنفسها من أجبرتني على وعد منع سيرتها وأحوالها عنكِ ، للآسف أمي سَبنتي ترفضكِ أيضاً كما الجميع !"

أصفر وجه منى والشعور المعتاد بالفشل الموجع يعود ينازع فيها دون رحمة وهي تقول بخفوت " لن أكسر عهد صداقتكما بحفظ الأسرار إذاً ، فقط اوصليها سلامي وندمي ، وكوي قلبي لفقدانها !"

تحركت شيماء خطوة وهي تقول بجمود " أسفة ماما لن أفعل "

كانت بدور تهبط من على الدرج وهي تسمع الحديث الدائر عندما هتفت بحنق لم تفهم شيماء أسبابه " تأدبي وأنتِ تتحدثين معنا ، وجودكِ مع تلك الغبية أثر على أخلاقكِ !"

اشتعلت عينا شيماء المطفأة بشيءٍ أشبه بمعجزة وهي تستدير إليها بحدة فيتحرك شعرها الحريري معها منتشراً على أطراف ظهرها في صورة أشبه بهالة ساحرة غاضبة وهي تقول بهجوم " أنتِ أخر شخص يحدثني عن الأخلاق ، فإياكِ يوماً بإهانة أختي وصديقتي ، لن يعجبكِ ما قد أسمعكِ إياه !"

كانت تستطيع أن تشعر بالدماء تهرب من وجهها دفعة واحدة ، حتى باتت عاجزة عن الشعور بالذهول من مهاجمة شيماء بالذات إياها بهذا الشكل الموجع " هل توجهين لي أنا هذا الكلام شوشو ؟!"

تصلبت ملامح شيماء وهي تعود تغلق جفنيها مصرة أن تسحب منها امتياز التحديق في عالمها الذي كانت تمنحه لبعض أفراد محدودين جداً ... ثم التفت مرة أخرى رافضة الحديث معها أو التعاطي وهي تقول لأمها

أسفة ماما ، ولكن هذا وعدي لراشد بألا أنقل أيا من أحاديثكم إليها ، طبيبها النفسي يحاول أن يعزلها في الوقت الحالي عن أية صراعات تسببت في حالتها ، حتى أني رفضت إخبارها عن الطلقات النارية التي اخترقت المنزل منذ أيام ، أو عن تلك المرأة المدعوة جوان والتي تحتل منزله الآن !"

بهتت ملامح منى بينما عينيها تتوسع بذهول وهي تردد " ماذا قلتِ ؟!"

ادعت شيماء التلعثم الشديد الاضطراب الأشد وهي تسب فلتان لسانها الغير مقصود ثم حركت عصاها سريعاً تتفحص الطريق أمامها مصرة على الهرب " لا شيء ، أنا لم أنطق بشي ، وداعاً "

بينما بقت بدور هناك تتمسك في حاجز الدرج بعنف وكأنها توازن حملها لتبقي شامخة ولا تسقط منهارة على ركبتيها ، بينما لم تستطع منع نفسها من التحديق في وجه أمها المأخوذ بجمود ، عيناها العسليتان تبرقان بشيء أشبه بالألم الصافي ، وكأنها تلقت ألف صفعة لا مرئية على وجهها !"

" شيماء تعرف جيداً ما قالته تلك رسالة مقصودة ، سَبنتي محقة هو يخطط لعودة حبه القديم وأم ابنته ، لقد تخطاها ، فمتى يحل ظله عن وتينها ؟!"

..............................................



خرج راشد بسيارته متأكداً من غلق الحراس البوابة الحديدية ورائه بعد أن أطمئن لوجودها في غرفتها بصحبة شيماء ، هو يعلم يقيناً أنها ستتسلل لجوان مرة أخرى ، معتقدة أنه لم يكتشف ما جرى بالأمس القريب ، وهو رغم ندمه الشديد لمنح جوان مثل هذا الأمل ، لا يملك خيار إخراجها من منزله بعد ان فقدت كل شيء تقريبا ولم يبقى أمامها إلا اللجوء للأمير ، وهذا رغم كل شيء ما لن يسمح به مطلقاً ... يكفيها ما نالته في الماضي ، وما لقته في الحاضر على يديه .

تأفف بضجر عندما اعترضت سيارة خالد طريقة ، وهبط منها علي الفور ، متوجه إليه يدق زجاجه بعنف ، اخفضه وخالد ينفجر بغضب في وجهه مباشرة " لقد عاهدتني أنها لي ، ولكن ما ألمسه الآن هو حربٌ ضارية معي لإبعادها عني !"

هز راشد رأسه وهو يقول " وعدي كان إن أصرت هي عليك ، أنا لن أقف في وجهك ، كما بالطبع أنه وعدٌ معلق مرهون بالمستقبل وليس الآن !"



سادت لحظات من الصمت كان خالد يستعيد فيها اضطراب مشاعره ثم قال " اسمح لي برؤيتها فقط ، منذ تلك الليلة وشبحها الهامد يهدمني ... أنا يا راشد مبعثر تفكيري ، أحتاج فقط لأبصرها !"

قال راشد بصوتٍ أجش وبشكلِ مباشر دون التفاف " أنت لديك مكانة كبيرة لديّ ، تُحتم عليّ إخبارك بأني لم أتدخل في ابعادها عنك ، بل هي من طالبت بإلحاح إخراجك من حاضرها ومستقبلها !"

بهتت ملامحه ، وهو يتراجع عنه بنوع من الصدمة ثم قال " هذا المستحيل بعينه سَبنتي لن تستطيع فعل هذا أبداً ، دائماً ما كانت تُبدي زهدها في قربي ثم تعود تناجيني الوصال !"

نفخ راشد وعيناه السوداويين يحدقان في وجه ابن عمه بمرارة وتعاطف ... مما جعل إرهاقه يزداد بروزا وهو يقول " حان وقت معرفتك أن سَبنتي الجديدة مختلفة كلياً عن من كنا نعرفها ... لا يصدمنك طلبها كما ما ستراه منها قريباً ، ما حدث في غرفتك لن يُمحى من ذاكرة أحد منا مهما طال الزمن ، كشفها حقيقتها أمامك ، تلاعبها بك بهذا الشكل ال...ال ." صمت غير قادر على ربط فعل وضيع بها ...

ثم أكمل " دعنا فقط نتخطى الأمر إن كانت تهمك بحق ، هذا ما أتوسمه من اخلاق الفرسان فيك !"

رفع خالد يده يمررها في شعره بعصبية ثم قال بضحكة حانقة " هذا الجنون بعينه ، تريد مني الاستسلام لمجرد رد فعل كنت اتوقعه من مراهقة مضطربة ؟!"

أخرج راشد علبة سجائره مشعلاً واحدة وتنفس بعض دخانها لثواني وهو يحدق فيه وكأنه يضعه تحت وطأة قراءة أفكار ما ثم قال أخيراً " أنت في مقتبل حياتك ، ربما ما تشعره نحوها هو فقط شهامة منك مغذيها وهم حبك الغريزي لها !"

قال خالد من بين أسنانه " أنا رجل ناضج ، أعلم جيداً ما أريده ، وما أرغبه في حياتي ، وهي كل ما أردته يوماً وطلبتها من ربي مراراً ، فلا تتبجح أمامي وتعاملني بكبر كأنك العارف كل شيء مثل عمك !"

أخذ راشد نفساً آخر وهو ينظر إليه بطرف عينه تلك النظرة الثاقبة الغويطة بظلاله ... ثم قال " لم تفهم رسالتي بعد إذاً يا فارسي الصغير ، من مثلي ومثلك حياته مقدرة مهمتنا هي لعب الأدوار المحددة في حياة أشخاص ولدنا من أجلهم فأحسن اختيار دورك حين يأتي موعده !"

ساد صمت ثقيل آخر بينهما قبل أن يقول خالد بجمود " الغاز أخرى تتلاعب بي بها !"

" بل نصائح أخرى ، توصلت إليها بعد صدمات قوتني ولم تخدش حتى الحجر الذي صنعت منه ... أتمنى أن تفهم تلك الرسائل المجانية يا ابن ياسر !"

عندما لم يأتيه رد شغل راشد سيارته مرة أخرى وهو يقول " بابي مفتوح من أجلك وحدك دائماً ... جرب حظك معها إن أرادت رؤيتك لن أمانع ، أما إن أصرت على طردك ، لن أجد بداً من ابعادك بالقوة ... خالد تذكر تلك فرصتك الوحيدة والأخيرة فأحسن وقت استغلالها "

ثم تركه وغادر دون كلمة إضافية متيقناً من انسحاب فارسهم المتخبط الآن على الأقل !"

...........................



على الطريق الصحراوي خارج حدود إحدى المدن الجديدة توقف راشد بعد بعض الوقت بشكلٍ جانبي ، ثم خرج يتكئ على سيارته بشكلٍ جانبي ، وأشعل سيجار آخر مداري النار بين يديه ... منتظراً جحيم من نوع آخر "

" من الصعب أن تواجه خطيئتك بعد كل هذه الأعوام من التوبة ! خطيئة مقرفة تثير الاشمئزاز في نفسه ، بعد كل هذه الأعوام ... حتى وإن كانت بشكلٍ أو بآخر سبب مباشر أن يعيد حسابته وماضيه ليعرف أي مستنقع مقرف كان يغرس نفسه فيه قبل زواجه من أم ابنه ... جريمة زنا بحتة كانت سبب مباشر بعد أن لاحق بغباء بدور متضرع منها وعائلته الغفران ، غافلاً عن حقيقة واحدة أن ذنبه الوحيد كان عدم الخجل من خالقه ، أن الغفران والتزهد في كل ملذات الحياة الفارغة يجب أن يوجه لرب العباد وحده ... ربما مجتمعه ونشأته الشبابية أوهمته ان كل تلك العلاقات مجرد شيء مبهر للتفاخر يجعل كل الإناث تلتف حوله ! ليدرك بعدها حقيقة الوهم الذي كان يعيشه وبأن لا أمر يدعو للفخر في ثوب رقيع مقرف ، لا يصلح معه إلا لفظٍ واحد مهما ألبسوه من أثواب زاهية " زنا !" كل ما ارتكبه في حياته من علاقات كانت زنا ... وما فعله تلك الليلة مع تلك الساقطة هي خيانة زنا ! فلِما الغضب والباس الأمر ثوباً غير ثوبه ؟!"

هو لا يدعي أنه أصبح ملاكاً أو بأنه شيخاً يطبق كل الأمور الشرعية ولكنه على الأقل عندما أبدى ندمه لله ، مُقلع للآبد عن تلك الفعلة ، كان صادق في طلب التوبة بكل كيانه ! ومازال ينتظر رحمته بأن يمن عليه بغفرانه يوماً... كما أنه ليكن صادقاً بدور لم يكن لها دخل إطلاقا في تلك التوبة إذ أنها لو كانت ما كان وقع في تلك الخطيئة وهي على بعد جدار واحد منه ... ضحك بتهكم وهو يرى سيارة تلك الحقيرة تصطف خلفه ثم همس " لم يكن لي دخل في أوهامكِ الحالمة أن الحب يُغير ويحمي عزيزتي ، ربما أحببتكِ ألف مرة ، ولكن توبتي لم تكن خالصة ، فكان درساً تأديبياً لكلينا !"

....

تحركت نادين نحوه تمشي بخيلاء وثقة تنفض شعرها الأحمر المصبوغ بعناية كما يبدو ! إذ أنه يتذكر بشكل مشوش أنه كان بلونِ آخر ولكن ذاكرته لا تساعده ما هو وكأن هذا يهم ؟!

وجهها مطلي بعناية شديدة ترتدي فستان شديد الضيق بالكاد يغطي ركبتيها وبالطبع منطقة الصدر لا تترك الكثير للمخيلة ، لقد بدت وكأنها أتت لموعد غرامي ، لا مقابلة ملحة لحقته بها متوسلة قبل أن تخبره أن أمراً مصيري وسراً حان وقت إخباره إياه عن حقيقة كيف وصلت بدور ليلة زفافهم ورأتها معه داخل مسكن الزوجية !! سؤال لن ينكر أنه كان يحرقه لأعوام والعنيدة رفضت بإصرار إخباره عن سبب قدومها فرجح أن تلك الساقطة هي المسؤولة عن الأمر

" لن أدعي أنك زدت رجولة ووسامة بشكل لا يتحمله قلب أي أنثى إذ أني دائماً كنت الاحق أخبارك !"

وضع أحد ساعديه تحت ذراعه الآخر الذي يحمل سيجاره ، ونفخ منه بعض الدخان وهو يقول بتكاسل مستهتر " حقاً ... كم هذا يسعد غروري بالطبع ، إذ أن كل هؤلاء الرجال الذين التفتت حولهم لم يملؤوا عينكِ وظللت في ذاكرتكِ!"

الوغد ؟! همست بحنق وعيناها تشتعل بالغضب ثم تُطفأ سريعاً وهي تقول باسمة " ويبدو أنت الآخر كنت تلاحق أخباري هذا شرف عظيم لي من نمر الراوي !"

نفض رماد سيجاره في وجهها وهو يقول ببرود " لا تأخذي مقلب في نفسكِ يا نادين ، فقط خطواتكِ العاهرة لا تحتاج إلا توقع طبيعي من أي فاقد للعقل !"

توتر جسدها بشكلٍ ملحوظ وهي تنظر لعينيه مباشرة ثم قالت "لا رجل يشبهك ... ما كان معك ...!"

قاطعها بتحذير بارد " إياكِ أن تلفظي هذا العهر حتى ، لقد حذرتكِ آخر مرة ، ولكن يبدو أني تهاونت في أمركِ !"

ابتلعت ريقها بعنف متذكرة كيف انتقم منها بدمٍ بارد ، مدعي أنه كان رحيماً بالاكتفاء بتجريدها من عملها ، من تقديم تقرير سيء في ملفها فظلت سنوات تلجأ لمكاتب الديكور الوضيعة ، تعمل لدى رجال عينوها لأجل شيءٍ واحد فقط " لذة الجسد !"

عندما لم تتحفه بردٍ حقير سأل بحزم " هاتي ما عندكِ وادخلي في صلب الأمر مباشرة !"

اجفلها دخوله المفاجئ في الأمر وللحظة ندمت على قرارها الغبي المندفع ، إذ أنها جربت من قبل معنى التلاعب به والذي فشل تماما بعد أن وهمت أنها قد تحرك فيه شعرة ، فوضح أنه هو من كان يتلاعب بها ... قالت أخيراً بوجه ممتقع " اعطني وعداً بالأمان قبل أن اخبرك أي شيء !"

قال بغضب " لا وعود أمنحها لمن مثلكِ ، إن كان لديكِ شيء أخبريني به الآن أو اغربي عن وجهي وحاولي أن تجدي أخر جحر في الأرض لتختبئ مني !"

تصاعد الحنق بداخلها ، وهي تهذي بكلمات غير مدروسة " تتحدث وكأني اجبرتك أو جررتك عنوة يا مسكين لمعاشرتي !"

هتف بنبرة هادئة رغم الظلام الدامس فيها وهو يرمي أخيراً ذلك السيجار من يده ويدهسه تحت قدمه ببطء مقصود " اخرسي ، ولأخر مرة أحذركِ أية رياح عفنة رمتكِ في طريقي ؟!"

قضمت شفتها السفلى المطلية بعناية بعنف تنظر إليه برهبة الخوف ، لا الأمر لم يكن سيان معه كما مع أخيه ، مازال كما هو به شيء يخيفها بالفطرة ... تنفست أخيراً بتوتر ثم قالت " تلك الليلة في تبليسي ، لم تكن صدفة قادتني إليك ، بل خطوة خُطط لها بعناية لأشهر ، مترقبين كل فعل منك ، وو تلك !"

رغم أنها لمحت الاهتمام داخل حدقتيه مخالط لإجفال بما تقول كان ينطق بلهجة عملية باردة " تعنين سيدتكِ بدور الراوي ... ؟!"

قالت بجفاء " أنا ليس لي أسياد ، ليس بعد كل تلك الشائعات عنها !"

صمتت قبل ان تقول بتلكؤ شامت " أعتقد أن الرؤوس تساوت فطاووسك لم تكن بكل هذا الطهر !"

واستطاعت أن تستفزه بسهولة مخرج في وجهها ذلك النمر الأرقط عديم الرحمة ، في خطوة واحدة وجدت نفسها ملتصقة في سيارته كفه تطبق على حنجرتها ، جسدها معلق في الهواء ، بينما يهس من بين أسنانه " تجرأي وضعي اسمها حتى في جملة تجمعكِ معها ، وسأدفنكِ هنا كأي حيوان ضال !"

توسعت عيناها برعب وهي تأرجح ساقيها محاولة الإفلات منه ترمش بعينها في توسل مخزي ... حررها بقرف ملقيها بعيداً لتنهار واقعة علي الأسفلت الحاد مسبباً لركبتيها العارية خدوش ... ثم قال بلهجة آمرة " إن لم تقولي كل شيء دفعة واحدة دون تطرق لأحاديث جانبية ، سأكون مجبر لدهسكِ مكانكِ !"

دمعت عيناها على الفور وهي تسعل بشدة ، نادمة للمرة الألف على تلك الخطوة التي لم تدرسها جيداً على ما يبدو ، ولكن العناد والحقد اللذان يتصاعدان بداخلها كانا أكثر من كافيان لجعل عزام يدفع الثمن مثلها ... ثم نطقت أخيراً بنبرة مختنقة رغم فقدها أعصابها " لقد رتب هو لكل شيء ، أخبرني عن كل تفصيله تخصك ، العطر الذي يغويك ، المرأة التي تجذبك ، عن أفضل وقت تكون كل دروعك فيه هاوية ، عن نقطة ضعفك الوحيدة وأنت بجوارها !"

هبط على ساقيه موازن جسده الضخم يتفحصها بمشاعر عاصفة يبحث عن خيط يدله عن ادعاء ما تقول ، عن كذب قصتها ، ولكنه لم يجد إلا الغضب الغاشم والصدق البحت ،

قال أخيراً " ومن هو مساعدكِ هذا ، وما الهدف لكل ما فعلتِ نادين ؟!"

استوت بظهرها تنفض يدها من الحصى المسنن ثم قالت ببطء أفعوان سام " لا أعتقد أنك من الغباء كي لا تعلم من هو ، وإن ومض اسمه بالفعل داخل رأسك ستعرف أن سببه الوحيد لهاثه ككلب أجرب وراء زوجتك !"

ابتلع ريقه الذي جف بينما لم يستطع إخفاء المرارة الخالصة بطعم الحنظل التي جرحته للصميم ، لن ينكر مطلقاً أنه صُدِم بما تقول ، بأنه لم يتخيل أن يصل حقد أخيه لهذا الحد الذي تعجز كل الكلمات البذيئة عن وصفه " إذاً ليلة قدومكِ إليّ ، كنت تعلمين جيداً أنها لحظتكِ المناسبة !"

اعتدلت أخيراً مستندة على السيارة بوهن ، متتبعة قامته الضخمة التي شمخت برشاقة قابلتها على الفور ثم قالت بتهكم " كنت أراقب غرفتها عالمة أنك معها ، وبالطبع لم أحتج أكثر من خيال يرسمه عقلي معنى أن تتواجدا منفردان ، ولكن النقطة الهامة التي منحتني الأمل أن عزام أكد لي أن تخيل وجود كان العنقاء الخيالي أسهل من أن تُسلم هي نفسها لك قبل الزفاف الكبير ، وأنت للحقيقة سهلت الأمر جداً بخروجك متوتر مشتعل الجسد لعيني امرأة خبيرة مثلي ، وبالطبع وقوعك بكل سهولة وإتمام العلاقة دون أن تغفل عن ركن واحد فيها !"

اشمأزت ملامحه رغماً عنه ، وكاد أن يتقيأ في وجهها قرفاً ... قبل أن يشيح بكله عنها يسند بكلا كفيه على إطار سيارته ، لدقيقة ظلت تحدق به عاجزة عن تحديد أي شعور يطغى على ملامحه أكثر ... إذ كانت مشاعر عدة مختلطة ، ذهول ، عدم تصديق ، اضطراب وغضب خالص كاد أن يُفجر دواخله ... ثم تمتم أخيراً بصلابة " كيف ظهرت بدور فجأة داخل منزلنا وأنتِ معي ؟!"

أفلتت منها ضحكة عصبية وهي تقول " تريد تفاصيل بدل أن تذهب إليه ، وتنقم منه شر انتقام لما فعل أو ترسلني بنفسي إليها لأخبرها !"

قال بجمود مكرراً " كيف وصلت ؟!"

التوى فمها وهي تبخ سمها في أذنيه " كل شيء كان مرتباً بدقة ، حتى محاولة فرض نفسي عليك ، كنا نعلم يقيناً أنك لن تخاطر بمعرفتها مهما كلف الثمن ، لذا عندما ضاق به ذرعاً وأصبح زفافكما واقعاً لا محالة قرر عزام الضرب بخطة مكررة كثيراً ولكن فعالة ، عرفت بوجودك هناك منه في تلك الساعة ، بعد مغادرتها هي بدقائق ، فذهبت إليك كما تذكر باكية منهارة أبثك لوعة الغيرة الحارقة والفراق أهددك بانتحاري إن ابتعدت عني !"

قال بنفاذ صبر " نعم ، نعم أذكر تلك اللحظات وأنتِ تقتحمين غرفة النوم بالذات ، مجبرة إياي على تحمل أطنان من القذرة وأن اُجبر لتحمل لمساتكِ !"

قالت ببجاحة " الخطة كانت تقضي تجريدك من ملابسك ، ولكن بأحقية أنت أبهرتني بتماسكك وبمهادنتي بكل طهارة وبراءة !"

" انجزي ، كيف عادت ؟!"

في غفلة منك عندما طلبت منك كوب ماء يهدأ من روعي أرسلت إليها سريعاً من هاتفك أخبرها بإلحاح بوجب عودتها ثم محوت الرسالة بشكل نهائي !"

" وماذا كان دوره هو في الأمر ؟!"

قالت بحنق " كان ينتظرني بالأسفل ، للتدخل وإجبارها على العودة إن لزم الأمر !"

نطق وكأنه يستجوبها " ما حاجة أن ترسلي لها ما حدث بيننا ، بل كيف اُلتقِط ، هل هو من زرع كاميرا في غرفتي ؟!"

هزت رأسها بتأكيد " من صور الأمر بنفسه كان هو بعد أن اشترى ضمير أحد خادمي نظافة الغرف ، أما عن إرسالها فكان انتقام خاص جداً مني أنا ، هدية للعروس لتعرف أي خبير هو زوجها ... إذ أن أخيك معدوم الأخلاق رفض أن أرسلها وقال أنه كان إجراء احترازي ما عدنا نحتاجه بعد ما رأته بعينها !"

أومأ برأسه عدة مرات في علامة على تقبل ما تقوله ، تصديقه دون جدال ... وساد صمت آخر يتخلله ريح الصحراء الحارقة بجانبهما مخالط لسرعة السيارات الشحيحة التي تمر بالمكان ، ثم قال أخيراً ساخراً " وهل أتيتِ لي متوقعة أن أكسر الدنيا بغضب ، أو أنتقم من أجلكِ لعدم منح الوغد لكِ المال الذي وعدكِ به ؟!"

شحوب ملامحها أكد له ما توقعه ، الصفقة اُجريت بالأساس أمام مبلغ مالي تهرب عزام كالعادة من الإيفاء به ، وبقليل من ربط الخيوط ببعضها يستطيع أن يتخيل أنها ذهبت إليه مطالبة قبل أن تسعى إليه هو لتحقيق انتقامها !"

تلعثمت وهي تقول " لم أتي من أجل مال ، بل لإيضاح الحقائق أنا على استعداد للذهاب إليها وأخبارها بالأدلة التي أملكها بكل ما قولته الآن !"

اعتدل راشد يتكئ على سيارته بجانبه ينظر لإليها بحاجبين مرفوعين ثم قال ساخراً " هو كان يسجل لي ولكِ ، وأنت تسجلين له ... أي مستنقع تشاركتما فيه بروحانية متطابقة ، أتعلمين إن كان أخي يملك ذرة عقل لتزوج بكِ على الفور ، ستكونان ثنائي مذهل في تطابقه !"

قالت بخشونة " لا داعي للقصف الكلامي ، لقد أتيت راغبة في مساعدتك وتبرير موقفك !"

مد يده نحو جيب معطفه يخرج علبة سجائره ، يشعل واحدة وهو يقول من بين شفتيه الممسك بها " أنتِ مضحكة يا نادين ، لا أسخر على فكرة إذ يذهلني غباء ما تتفوهين به ... أي مبرر هذا عزيزتي ، لقد عاشرتكِ بالفعل وبمحض إرادتي ، لم يجبرني هو ، وأنتِ للتو اعترفت بأني كنت جاهز بالفعل لإغوائكِ !"

بهتت ملامحها حتى استحالت للوح من رخام وهي تحدق فيه بذهول ، ألا يجب أن يقتنص أي رجل في موقفه الفرصة ليطلق تبريرات واهية تبيض جانبه وتوضح الظلم الذي طاله بما خُطِط له ... أكمل راشد بهدوء وهو يفتعل سحابة كبيرة من الدخان أمام وجهه " أعرف أن الاعتراف صادم قليلاً ، أنا رجل صريح مع نفسي بشكل يستعجبه البعض في الحقيقة !! ولكن كل تلك المسرحية العقيمة التي سرديتها لن تغير واقع مقرف وموجع لي ولها ، أنا زنيت مع غانية لا تساوي في عالم النساء ، فلا تعطي لنفسكِ أهمية كبيرة إذ أنكِ مثل أية واحدة كانت لتطرق بابي في ذاك الوقت !"

لم تدرك ما كانت تفعله حتى دوى صوتها الصاخب بصراخها وهي تضرب زجاج السيارة بكلا قبضتيها بعنف ... ثم هتفت بفقدان سيطرة " انتما لن تتلاعبا بي ، أنا أريد حقي ، تعويض خسارتي التي كنت أنت سبب مباشر فيها ، إما تشترى مني ما أملكه ضده ، أو سأرسل نسخة إليها قبل أن تمر على كل الصحف والجرائد في البلد ، وبالطبع سيكون علي رأسهم الفيديو الفاضح لك معي !"

قال ببرود " هل تقولين أنكِ لا تهتمين بجلب الفضيحة لنفسكِ بالمقام الأول بتناقل إباحيتكِ في فراشي ؟!"

اشتعلت وهي تقترب منه تخبره بنفاذ صبر " أنا خسرت كل شيء بالفعل يا راشد بك ، أسرتي تبرأت مني ونفرتني ، سمعتي وفقدتها ، محاولتي حتى لعمل جيد باءت بالفشل ، مرة تلو الأخرى ، فهل تراني أهتم بعرض جسدي بين ذراعي نمر الراوي العظيم ، تلك ميزة على فكرة وخسارة غير محتملة لسمعتك أنت وأعمالك !"

" تهددين بغباء مندفع مرة أخرى دون أن تعلمي مع من تلعبين يا نادين ... ولكن علي كل حال إن كان ما سيسكتكِ إلى الآبد هذه المرة بعض المال ، فأنا على استعداد كامل للشراء بأي مبلغ تضعيه الآن !"

تراجعت وهي تقول دون ذرة تفكير " لا ...لا أنا لن أقع في فخك مرتين ، إن كنت ستفعل أريد ضامن !"

قال متحامل على نفسه بصبرٍ " ما هو ؟!"

قالت بحقد بحت " هي تعرف ، يجب أن تشارك في صفقة الشراء تلك !" صمتت مكملة داخلها " يجب أن تُذبح مرتين برؤية راشد بين ذراعيها ثم بحقارة زوجها المستقبلي الآخر ، يجب أن تُمرغ أنف تلك المتغطرسة في التراب ، أن تكسر كبريائها أمامها ، أن تراها بعينيها ضعيفة منهارة ، وفاشلة !!"

ربما هي لم تصطدم معها يوماً ولكنها لطالما كرهتها ، حقدت على ذلك الزهو والتبجيل لكل من حولها ، حنقت على مكانتها و رقيها الفطري ، ثقتها وعجرفتها ، كل ما في ابنة ياسر الراوي كان يحرقها مأجج فيها غضب وانتقام بكسرها لا يقارن بشي البته !"

" حسناً لكِ ما أردتِ !"

للمرة التي تعجز عن عدها ، يصدمها مسبب لها ارتباك غير طبيعي " هل ستأتي بها ؟!"

حرك منكبيه بكسل وهو يقول بهدوء شديد حازم " إن التزمتِ أنتِ بكل ما سأطلبه منكِ ستكون بدور طرف في صفقتنا ، تستمع لكل ما تريدين قوله في وجهها ... ثم تحصلين على مالكِ وأنا على تلك الأدلة ، ونفترق هذه المرة دون أن تصطدم دروبنا !"

غافلة تماماً أمام سطوة المال ، وحقد بحت في الانتقام من عزام والأخرى التي سيضعها أخيراً تحت حذائها لا يديها ، غارقه بنشوة التخيل للمشهد المرتقب ، كانت تخطو نحو فخه بكل سهولة ...

..................................................

بعد شهرين :

............



" طبيب العلاج الطبيعي يريد رؤيتك بعد ساعتين ، فهل تريد مني إيصالك أم ستستقل سيارة أجرة كعادتك ؟"

رفع وجهه ينظر إليها ، بتلك النظرة الحاقدة السوداوية ، قبل أن يقول " لقد تواصلت مع محاميكِ في الفترة الأخيرة ، وأخبرته عن إيقاف إجراءات الزواج المدني في المحكمة !"

شحب وجهها تماماً وهي تلتف في مكانها ببطء تحدق فيه مصدومة عاجزة للحظات عن استيعاب ما قاله ...

فأكمل ببرود قاتم " لا تدعي الخيبة يا لوسيرو ، أخبرتكِ أني أريد نزعكِ من حياتي ، هكذا لن يبقى بيننا إلا ورقة الزواج الشرعي ، نقطعها ببساطة وتغربين إلى الآبد من حياتي !"

راقبها ترتعد ، والحداد في عينيها يراوغ الاحاسيس قبل أن تقول " لقد كررت في الفترة الماضية أنك لن تترك بسهولة قبل أن تأخذ حقك مني ، إذاً ما الذي حدث وجعلك تُعجل بالأمر ؟!"

ارتفع من مكانه يسحب جهاز " الوكر" الذي يستخدمه مؤخراً لمساعدته على التحرك ، وببطء ثعلب كان يتحرك نحوها بتمهل حتى حاصرها بينه وبين الرخامة الخارجية للمطبخ ثم قال " من قال أي شيء عن ترك حقي حبيبتي ... تستطيعين القول أني علمت تماماً الطريقة المثالية لكسركِ !"

على عكس ما توقع كانت تشمخ برأسها تنظر إليه بجمود قوي ذكرته بلورين القديمة تلك الطبيبة الصلبة التي عرفت كيف تتلاعب به وتجعله مجرد غر أحمق معدوم الحيلة والإرادة بين يديها !

ثم قالت بقسوة " جيد إذاً ، هذا ما كنت انتويت إذ أني لا أطيق صبراً انا الأخرى حتى أتخلص من كل ذيول حياتي القديمة وأعود لأسرتي الحقيقة أخيراً !"

صمت للحظات وهو ينظر إليها قبل أن يقول بصوتٍ مكتوم " ااااه عائلتكِ ، ذلك المسكين أيوب الذي طعنته في ظهره هو وأمكِ الفقيدة ، متحججة بعلة نفسكِ ، غير مدرك أنكِ فقط طفرة خسيسة حقيرة لا تستحقين أي مما بذله من أجلكِ !"

الآن رأى اهتزاز طفيف في حدقتيها رغم إصرارها المستميت لرفع وجهها بإباء في وجهه ثم قالت من بين أسنانها " حقيرة ؟! لإنقاذك من مشفى المجانين ، لحمايتك من السجن ، وعلاجك من عجزك ، لانتشالك من حضيض كنت تلقي نفسك به وأنت تنوح كطفلِ فاقد الأهلية ؟!"

اصدر صوتاً ساخر من حنجرته وهو يقول بتشدق " أووه ، هذا على أساس أنكِ اعتبرتني رجلاً كاملاً في عينيكِ ؟!"

كلماته اصابتها في الصميم جعلت في لحظة كل أفكارها المضطربة تخبو على الفور ليحل مكانها شيءٌ واضح وامض داخل عقلها المظلم كنور ساطع مهتدية لحقيقتها أخيراً ، بناء على كل تجربتها معه ، ما فعله بها ، الذل والوضاعة التي عاملها بهما الفترة الماضية كان متقصداً " هي لم تخطئ ، لقد فعلت الثواب ولم تستحق أيا من هذا ، وإن كان يسمي ما فعلته جبروته ، فلتدعه يرى من هي بكل مصداقية ، تنفست في وجهه أخيراً وهي تقول بنبرة أجشه " بالضبط كنت إنسان منقوص ، ونجحت أخيراً محققة معجزتي بإكمالك ، عندما أفكر في هزالك في الماضي ، بكائك وانهيارك يا مسكين ، استسلامك لعجزة على مقعد متحرك مكتفي بعمل مخالف وبضعة دولارات تحول لحسابي ، وما أنت عليه الآن !"

اشتعلت عينيه الخضراوين بنيرانه ، اشتعل كقنبلة سُحب صمام أمانها وسينفجر في وجهها بأية لحظة ، ولكنها لم تهابه وهي تكمل ببطء " الطبيبة لورين أيوب نجحت في منح رجل منهار فاقد أهليته الحياة ، فرصته الثانية ، وهذا وحده كافي أن أشعر بالرضا التام ، بالانتصار وأنا أغلق صفحتك أخيراً بغير عودة !"

قال بحدة " عاهرة أخرى ابتليت بها ، وكأن مسلسل الساقطات ليس له نهاية بحياتي !"

قالت بوقاحة متعمدة " أعتقد أنك تعلم جيداً بالدليل الحي أني أكثر منك طهراً وشرفًا ، رغم كل الماضي البشع الذي تعايشت معه ، أما أنت حظيت ببيت وأسرة وثراء ، ولكن ماذا فعلت كنت مجرد داعر ، غبي لم يتردد حتى في فرض ضعفه على فتاة صغيرة يفترض أنها أختك !"

وانفجر كما توقعت ، عندما أزاح الجهاز الذي يساعده على المشي بجل غضبة لتسمع بوضوح رنين مزعج لاصطدامه ، في إحدى الطاولات الزجاجية ، بينما يندفع إليها بكل جسده يهرس قامتها تحت ثقله ينشب كلا كفيه في رأسها جاذبا شعرها بشراسة وهو يقول " سافلة مريضة ، كل ما أردته أن تصلحي شخص أبيكِ بي ، استغللت كل ما سلمتكِ إياه !"

قاطعته وهي تقول بغضب دون أن تحاول الإفلات من اعتداءه الغاشم أو حتى تُبدي أي لحظة تألم ، تمنح إياه رضى عن نفسه فيها " نعم فعلت ، هل هذا ما يزعج ممدوح الصغير ، فاقد أمه والمعذب من زوجة والده ، أم لأنك اكتشفت عجزك عن جعل امرأة مثلي تحبك بنفس الدرجة التي عشقتني فيها ؟!"

كل ما كان يحدث بينهم من كلمات سامة كان ضرب من الجنون البحت ، التباري بجمل جارحة للصميم لذا لم تستعجب عندما ضحك بعصبية ثم قال " بل لإيهام نفسي بحبكِ بالأساس ، إذ ما أراه بوضوح أشعة شمس منتصف النهار بأني لم اُحبكِ قط ، ليقيني في هذه اللحظة أنكِ كنتِ نوع من واقع بديل مزيف خلقه عقلي ليحمي نفسه من صدمة ورعب أني وحيد شريد ، لا أحد يريدني ، أنتِ فقط كنت قشة لإنقاذ من السقوط المدوي !"

شحبت ملامحها حتى استحالت للون الجدران وهي تحدق فيه بعينين ترقرقت فيهما الدموع حتى أصبحا كبركتين من الوحل ؟! ثم قالت رافضة أن تُبدي ذرة تأثر أمامه " هل تظن أن اعترافك سيحزنني ؟! بالعكس أنت قدمت لي منحة حتى لا أشعر بتأنيب الضمير !"

ضغط جسده على جسدها بخشونة مرة أخرى ، حتى شعرت بأنين عظامها ، بينما فمه القاسي يميل في ابتسامة أبشع ما رأت يوماً بالاستخفاف والسخرية السوداوية ...

" دعنا ننهي تلك المسرحية الآن وهنا ، وأرمى عليّ يمين الطلاق !"

جذبها مرة أخرى بعنفِ جاعل رأسها الشامخ ينحني عنوة أمامه ، ثم عاد ليمسك ذقنها بين أنامله بشراسة جاعل عينيها تواجه عينيه وهو يقول " أنا من أقرر أن أنهي تلك اللعبة ، لا أنتِ !"

تمسكت بمعجزة تحسد عليها وهي تهتف فيه " ضع شروطك الغبية وأنتهي ، إن كنت تريد حريتك ، فأنا بالفعل رفعت قضية ، ورسالة لأختك لنقل الوصاية إليها !"

وكانت الصدمة والذهول من نصيبه عندما تجمد مكانه يحدق فيها برعب من صادم الموت لتوه ثم نطق بنبرة تصاعد التخبط فيها " هل كشفتِ عجزي وتحكمكِ بي أمام إسراء وزوجها ؟!"

ضغطت على شفتيها حتى ادمتهما ، بينما ملامحه التي بدت كأنها ذبحته من الوريد للوريد طعنتها ألف مرة ، ثم قالت أخيراً بعجز " كنت تنفرني ، تبعدني عنك ، أتيت إلى منزلي مرة أخرى مجبراً ، فتيقنت أنك لن تغفر لي ، لن تمنحني فرصة أخرى ، فلم أملك خياراً آخر , غير نقل مسؤوليتك لشخص يحبك أكثر من نفسه ويخاف عليك !"

" بكسري ، بإماتة رجولتي يا لورين ، ألم يكفيكِ صورتي المقيدة أمام والدكِ وكل زملائكِ ؟!"

صرخت بفقدان سيطرة أخيراً " أنت عنيد كالثور ، وأنا لم أكن لأسمح لأية اعتبارات شخصية لتهدم ما حققته في طريق علاجك !"

ساد الصمت المشحون لدقائق طويلة ... طويلة بينما كلا منهما يحدق في الآخر ما بين رجاء للتفهم من جانبها ، وما بين نظرة سوداوية بروح قميئة خطرة لم تفهم فحواها ... حاولت التملص منه المهادنة فقط حتى تخرج من خطر تهديده وهي تقول " أنت ترى الصورة من زاوية واحدة ، ازح ذلك الغشاء عن بصرك أرجوك ، أنا رغم كل الجنون الذي تفوهت به ، مازال لدي أمل في روحك النظيفة التي ظهرت على يدي !"

هز رأسه وحاجبيه يرتفعان بسخرية بينما ابتسامة تعلو ملامحه وهو يكرر بتهكم " ظهرت على يدكِ ؟!"

استفزته بتوترها وهي تقول بثقة لا يعرف من أين اكتسبتها " نعم ، وإن كنت ترى أن حبي لك غير كافي ، فيظل حبك لي يمنعك من إيذائي !"

ضحك بتهكم " لا تراهنى علي شيء ومشاعر وهم خسرتيها بالفعل ؟!"

:-" اذا كرهتنى ، فلما الإصرار علي عدم تركى ؟!"

قال بغضب " لماذا حتى تبحثى عن ضحية أخرى ، تقفزى لفراشة فور انتهائك منىّ !"

استطاعت ان ترفع كفيها تحاول دفعه عنوة عنها وهي تقول باندفاع " اخرس ، انا انتهيت منك ، ومن غبائك ان كنت ترى نفسك رجل كامل بحق طلقنى والان ، يا وغد ؟!"

بدون تردد كانت تجد نفسها تطير لتحتضنها رحاب الأرض الصلبة الباردة ، اطلقت صرخة ذعر وهي تشعر نفسها ألقيت داخل سابع درجة من الجحيم ، دون رأفة دون أن تفهم ما الذي يحدث أو ينويه ، في وهلة غير محسوبة من الزمن وجدته يجثو عليها بجل عنفه شراسته وغوغائيته ، ركبتيه تدهس ساقيها صدره يضغط على صدرها بوحشية ، يديه ترفع بلوزتها البيتية فوق رأسها رافعاً ذراعيها معها " ومقيدها بها ... في البداية صرخت والأدرنالين ينبض في كل إنشٍ منها دافعها لمقاومته باستماته لاعنة إياه تحذره بشراسة لبوة تدافع عن أكثر من شرف يريده مغتصب !

إذ أن في تلك اللحظات من نزع الاختيار تموه الخطوط وتعمى البصيرة عن أي رابط مقدس يجمعها به ، عن عقد شرعي ينتهكه هو الآن بما يحاول أن يفعل " ابتعد ، ستندم لما تفعل ، هذا لن يحل أي شيء لن يأخذ حقاً مني !"

لم يهتم مطلقاً وجهه المحمر بالغضب النابض في كل تقطيعه منه كان لوحة سريالية تعكس ليس الألم أو حتى الخذلان ، ولكن كان رغبة عميقة محملة بالكره ، بالكسر بنزع الخيارات ، هس في وجهها وكأنه يبثق كلماته " هل تذكرين إن أخبرتكِ مرة أن نقطة ضعفي العينين تلك التي منعتني في الماضي عن نيل " الطفلة البريئة " ذلك السلاح الذي تعودتِ أنتِ استخدامه ضدي ؟!"

" تعقل ، أنا زوجتك ، إن أكملت هذا ستندم يا ممدوح ، سأطالبك بثمن لن تستطيع تسديده يوماً !"

ضحك بقماءة ، وهو يضع أحد ساعديه على عنقها شالاً حركتها تماماً بينما يده الأخرى المعتدية تجردها من كل أسمال تسترها ثم قال بتلك النبرة الشيطانية " لم أعد أرى عيناها فيكِ ، بل في الأفعى أمها ، تلك النظرة التي منحتها لي من ذعرٍ خالص ، جلب لي انتشاء لم أجربه قط حتى بين ذراعيك النهمة ، هي كانت انتقامي ، يجب أن تجربيها معي يا لورين ، تنكسري كما فعلتِ بي نازعاً منكِ حق قول " لا !"

واندفع في عملية حيوانية بحتة ، أصابعه توصمها بعارٍ قرمزي ، بكدمات باللون الأزرق لم تترك إنش منها ، عينيه معمية ، عن بكائها الذي صاحب صرخات موجعة منطلقة بتلك ال " لا !"

يحدق فيها بشماتة بانتصار يقمع كل مقاومة منها بصفعات تتوالى على وجنتيها ، جيدها ، صدرها ، وما تلاه ، في نية واحدة وهدف واحد نهشها بأسنانه قولاً وفعلاً ، غير ناوي هذه المرة عن التوقف أبداً ... لدقائق لساعات ، لزمن هو لم يدرك ، ولم يهتم في حسابه حتى تركها خالية الوفاض هامدة الروح

وانتهى وصل لرغبته التي لم تترك بداخله إلا الخسارة والخواء !!"

ونزل الستار أخيراً على سوء القرار والخيار ، معلناً انتهاء قصة ما كان يجب أن تبدأ من الأساس

....................................

منذ آخر التطورات التي حدثت بينهم وبقي الوضع على حاله مشحون حارق كنار تختفي تحت رماد أروحهم التي لم تخفت بعد ، منتظرة أي شرارة لإشعالها ... سَبنتي لم تخرج من بيت راشد قط ! كما أن وجود امرأة غريبة في بيته لم يصبح خبراً حصرياً لأحد ، بل الجميع بات يعلم أن هناك أشياء عدة تحدث خلف أبواب منزل راشد الراوي وإن علموا العناوين العريضة ، فلم يستطع أحد حتى هو معرفة تفاصيلها ، مكتفي ببعض الفتات الذي يلتقطه بتوقٍ شديد من أخته الصغرى عن حالاً دعسوقته فقط ، والتي بدا أنها لم تتغير كثيراً مازلت تعانى من كوابيس تصحو ليلاً لتزلزل المنزل بصراخها ، وأحيان أخرى تبدي ردود فعل طبيعية تشاركها وراشد الحديث ، والفعل الطاغي عليها هو الاستسلام للصمت ودخولها في حالة من اللاوعي لعالمهم !"

أما عن الغبية أخته فقد جلست داخل جدران المنزل إجبارياً منذ شهر ، للاعتناء بحملها المتقدم من ناحية ، ولانعزالها عن كل الشائعات التي تلاحقها من ناحية أخرى ، غير بالطبع حصار الحقير عزام لها ، والتي أبدت أكثر من مرة رفض قاطع لمقابلته " متى تفيقين من غيكِ ؟!"

أراح ظهره على إحدى الأشجار في الحديقة أمام غرفته ، يفرك وجهه ورأسه بتعب ، متذكر أخر كلمات دفعها إلى علقه راشد ، مستغرق كيف يستعد لزوبعته الآتية ، إذ أنه متأكد بشكلٍ جازم أن راشد يرتب لأمرٍ ! بأن تلك الهدنة من الصمت من جميع الأطراف ما هي إلا استراحة حرب خادعة !"

" خالد ، أريدك أن تأخذني لبيت المزرعة الآن !" رفع وجهه مجفلاً من نبرة بدور المتشنجة ، من مظهرها المضطرب ، ويديها تضغط على بروز بطنها الضخم وكأنها تحاصر ألماً يحطمها !"

وقف سريعاً مساوي نفسه على ساقيه وهو يقول بعدم فهم " هل تعلمين كم الوقت الآن ، ناهيكِ أني لن أفعل بالأساس مهما كانت اسبابكِ !"

اصطكت أسنانها بعنف وهى تقول " إما تأخذني إلى هناك ، أو سأذهب وحدي !"

" لماذا ، تريدين ملاحقته ، أليس لتطرفكِ حد ، أعدمتِ الكرامة لهذا الحد يا بدور ؟!"

توسعت عيناه مأخوذاً لبرهة بكفيها المرتعشتين اللذان رفعتهما تفرك وجهها بعنفٍ ، بتخبط تداري عنه دموعها منتبه لعينيها الحمراوين ، لقد كانت تبكي بحرقة !

ثم همست بضعف أهلكه " راشد سيقتل حرة ، يجب أن أمنعه ، لا يستطيع فعل هذا بي !"

" عن ماذا تتحدثين ، لقد ذهب ليراها بعد أن وضعت مهرها من يومين فقط ؟!"

انتفضت وهي تتمسك بساعده تتوسل به مذعورة متألمة بشدة حد جعل كل صلابته تنهار أمامها ، أن يطيعها في أي شيء تريده عله يدفع عنها أي شعور يوجعها ثم انفجرت في البكاء وهي تقول بتقطع مهوس " السائس هو من أخبرني يعلم أن حرة لي ، هي لي ! ، ولكن هو لا يملك خيار آخر حرة مريضة ، ولكن هي أنا كيف يستطيع فعل هذا بي حتى وإن كان يائس منها !"

لف ذراعه على عنقها بذهول ، غير مستوعب ما تتفوه به منطقها الفاقد للعقل ، تشبيهها الغريب بتلك الفرسة " أهدئي ، سأصحبكِ إليها !"

تحرك معها على الفور ، هو يخرج هاتفه مجبراً تارك رسالة قصيرة لوالدته ، معلمها بمكانهما ، ولكن ما لم يعمل حسابه أن تصل رسالته بعد دقائق طويلة لوالده ، الذي لحقهم على الفور !"

.....................



بين النخيل العالي للمزرعة كان يحفر بنفسه داخل بقعة حددها بعناية ، نازف الفؤاد كما محطم الهامة !!

مكان قديم جرته إليه ابنة الثالثة عشر مطلقة وعيدها في وجهه ، مخبرة إياه عن عشقها الذي لم تتخلى عنه ، وعداً كان حرياً بإدخاله حلقتها النارية ، بمدار لن يستطيع أن ينكر رغم كل قرفه منها أنه غادره أبداً !!

" هنا ، هنا بدأ كل شيء يا بدور ، وهنا كان يجب أن يُدفن !"

ضرب فأساً أخرى بحرقة ، يكبر حفرته لتليق بمقام " حرة "

متعرق الجبين نافر العروق مقاوم نفسه ألا ينهار هنا ، كان يذكر يوم أن ولدت تلك المهرة على يديها ، همسه العاشق في اذنيها ، شرودها منه ، ليلاحقها هنا في نفس المكان واعدها بتحقيق حلم " طفلتهما " ووهب الاسم لسميتها " حرة" شبهتكِ قبل أن أدمركِ بيدي ، وتجردي نفسكِ بعناد من كل تشبه بها ، أنتِ من تخليت عنا يا بدور ، أنتِ من هجرتيها قبل أن تميتيني ألف مرة !"

" هذا يكفيك يا بيك ، دعنا نحن ننهي ما تبقى "

بعينين لا تريان ، كان يهمس من بين أنفاسه " لا ، أنا من سأريحها من عذاب شوهها !"

قفز من الحفرة بهامة منهكة تارك ذلك الفأس يفلت من يده ببطء ، ثم توجه يركع أمام الفرسة ، المرمية بلا حول ولا قوة أمام قبرها ...

يمرر أصابعه علي شعرها المرن بلونه الذهبي ، كما لونها هي لون مميز كان يجعلها ملكة داخل مزرعته ، ملكة لا ينافسها فرسٌ قط في تفردها ، قبل أن ينال منها المرض العضال الذي لا شفاء منه ، حتى وإن وجدوا العلاج يوماً كما قال ذلك الطبيب ، لا دواء قادر على إصلاح تشوهاتها شديدة الالتواء " فأصبح موتها رحمة لها !"

مال نحوها بتأثر شديد بمشاعر عدة تجتاح كيانه مزلزله إلى الأعماق ثم همس داخل أذنيها بذلك الخشوع الغريب التواصل العجيب بين خيال ماهر وجياده " آسف على عدم نجدتي إياكِ في الوقت المناسب ، آسف على جعل الكلاب تركب ظهركِ فتفقدكِ شيمكِ وكرامتكِ ، آسف وآسف ألف مرة على جعلكِ تقابلين عقوبة وتنكيل !"

ابتلع ريقه وهو يغلق جفنيه بمرارة ثم همس " شيم الجياد شموخها وعزتها يا حرة ، فكيف لي بجعلكِ تعيشين بعد سقوط وسلبكِ إياهم ، أليس موتكِ حلاً مناسباً ، كما ستُنحر روحي أمامكِ ؟!"

وصلت بدور بصحبة خالد أخيراً تقطع الخطوات مهرولة كالمجذوبة ، تتعثر تارة بحملها ، وتسند على خالد الذي يحاول أن يحميها تارات ، حتى وصلت لبقعته أخيراً ، لتجده هناك جاثي فوقها ، يوسيها على اغتياله روحها المرتقب ،

هبطت بعجز مفترشة الأرض على بعد خطوات منه ، تصرخ فيه بتحايل بنبرة وضعت كل توسلها وانهيارها فيها " لا تفعل ، لا تقتل حرة يا راشد ، أرجوك . أرجوك !"

حدق خالد الواقف على بعد خطوات منهما مجاور بعض العمال ، في وجه ابن عمه الذي فوجئ لوهلة واحدة ، ثم لانت ملامحه بشكلٍ غريب وهو يحدق في عيني بدور ثم قال بصوتٍ أجش " لم تترك لي خياراً آخر ، لقد نال الكلب منها على غفلة مني !"

حركت رأسها بارتعاش وهي تهتف بمزيد من اللوعة ، مكررة بنبرة واحدة التوسل البحت " لا تستحق هذا ، لا تقتلها دعها لي ، أنا سأجبرها سأقبلها بعثرتها ، لا تفعل لا تفعل ، أرجوك أرجوووووووك !"

ولكنه كان أخذ قراره وانتهى لا وعود لا مهادنات ولا فرصة متاحة أبداً للندم أو التراجع ... لم يرد على توسلها ، لم يلتفت إليها حتى وهو يلمح بطرف عينه ، يسمع بنبض قلبه المذبوح ، صراخها الملتاع ، ذعرها المتعاظم ، نعيها الجنائزي وكأنها تعني نفسها العزيزة !! تخبط بكلا كفيها في التراب ، تنحني بعجز بينما وجهها مرفوع تراقبه غير قادرة على إغلاق عينيها ، انتصب يخرج سلاحه من جيبه ، ودون انتظار وبيد ثابتة رغم انهيار كل إنشٍ فيه ، كان يطلق أعيرته النارية على رأسها مباشرة لتطلق صهيل أخير مصاحب لصرخة بدور التي سكنت بعدها تماماً لدقيقة كاملة ، ثم احنت رأسها تسندها على كفيها القابعين في تراب قبر فرستها ، تطلق أنين متواصل ، أشبه بمفارقة الروح للجسد !"

تهمس من بين أنفاسها المبهورة " لم يكن من حقك ، إنها لي ملكي كيف استطعت ، كييييييف أتاك الجبروت لإسالة دمائها ؟!"

أسبل جفنيه مرة أخرى عاجز عن النظر للفرسة المغدورة تحت قدميه ، ولا شبيهتها المنتفضة مكومة تعانق الأرض على بعد إنشات منه ، اجلى حنجرته أخيراً وهو يحاول دون جدوى السيطرة على نبرة صوته التي خرجت أجشه " خذ أختك من هنا يا خالد ما كان يجب أن تأتي في المقام الأول !"

حرك خالد ذراعيه بقلة حيلة وهو يتحرك نحوها ، يهبط ليساوي جسدها ، أزاح شعرها عن وجهها ، ثم همس " ما تفعليه سيضر بصغيركِ يا بدور ، دعينا نغادر !"

لم تمنحه رد ، فقط هذا الأنين الذي بدأ يعلو بألم متقطع ، يكاد يلمسه في قدها المتوتر ، كما نبرتها !"

قال خالد بخفوت حريص ألا يسمعها غيره " هل تريدين مني حملكِ ، لا تخجلي فقط اسمحي لي !"

لم ترد أيضاً وبدا أنها في عالم آخر غارقة في دنيا الوجع " لقد منحها لي ، كانت رمزه الخاص بي ، وقتلها يا خالد دون أن يرف له جفنٌ واحد !"

" بدور ، من فضلك !" قال وهو يمد يده ليحاوط تحت كتفيها يرفعها جبراً لتستقيم من انحنائها الضعيف ...

همست بخفوت وهي تحدق في وجهه بعينين زائغتين " لا أستطيع الوقوف ، أنا أذيت ابني !"

لم يبدو أنه انتبه بالكامل عندما قال بصوتٍ أجش " سأصحبكِ لأقرب مشفي لنطمئن أنه بخير !"

تغضنت ملامحها بوجع شديد بينما بدأت حبات عرق تتساقط من جبينها كما دموعها الغزيرة " أنا أنزف يا خالد !"

بهتت ملامح خالد وبدا مضطربا بشدة غير متماسك التصرف أو تحديد ما يفعله ، مكتفي بسندها بشدة وهو يحدق فيها وكأنه يريد منها دله على ما يفترض به أن يفعل .

وليزيد الموقف حدة وعنف كان يسمع صوت أبيه ، يحط على اجتماعهم ، مقترب منها على الفور محيطها من الجانب الآخر وهو يصرخ فيه بغضب " هل جننت ، ألم تستمع لطبيبها ، تأتي بها هنا وسط كل هذا الجنون وهي بتلك الحالة ؟؟"

نظر إليه خالد عاجز عن الدفاع لموقفه إذ أن لديه حق في قلقه ، ولكن أي ما كان يتوقع لم يكن أن تدفع بدور بكلا كفيها أبيها بعيداً وهي تقول " لا تدعي خوفاً لا تملكه ، كل مشاعرك أصبحت باهتة مريعة يا أبي !"

رغم سكينها الحاد الذي أصابه في الصميم ، جاعل حزن معتاد يتمكن منه كان لأبوته لها النصيب الأكبر وهو يحاول إحاطتها لمسها ومساندتها " ارفعها معي ، لن أنتظر طلب الإسعاف وأراقبها وابنها يتعرضان للخطر !"

كانت أشد عناداً برأس متيبس وهي تزيح كلاهما عنها تبعدهما وهي تصرخ " لا تلمساااني !"

وقف خالد على عقبيه يكور يديه بالغضب الجلل يصارع رغبة عارمة في ضربها على رأسها ، ولكن كل شيء تمجد تماماً عندما اعتدل راشد يتحرك نحوها ، ينقل بصره بينها وبين بركة الدماء التي أخذت تتسع شيئاً فشيئاً مخالطة لذرات التراب الذي تفترشه ، لثواني لدقائق ، أو حتى بضع زمن كانت هي ترفع عسليتها المحترقتين بدموعها لتسكن داخل حدقتيه التي لانت بتعاطف لرؤيتها بهذا الوضع ...


كبحت بصعوبة صرخة تألم أخرى ، وهي تحس بنفسها تكاد تتهشم لمليون قطعة داخل تلك الحدقتين المتفهمتين ، الخائفتين ، رغم كل ما كان منها ومنه " لا أريد ولادته ، دعه بداخلي أرجوك ، هو آمن في سكنه إليّ !"

جلس على عقبيه أمامها ، يحرك شعرها الذي يحجب ملامحها الحبيبة بعيداً عنه ثم قال " هناك أشياء نُسلب حق الاختيار فيها ، ألا تذكرين ما قلتيه لي آخر مرة في مكتبي ؟!"

دوار شديد كان يلف بعقلها ، هذيان كان يجعلها تترنح في جلستها أمامه وهي تهمس ببحة شديدة الانخفاض " أنا خائفة ، كل ما أعرفه أني لا يجب أن أسمح له بمغادرة أحشائي !"

يده كانت تمتد أمام يدها في دعوة وهو يقول " طاووس راشد لا تهاب أمراً أبداً هذا ما أذكركِ عليه ، وهذا ما يجب أن تتسلحي به الآن ، ليمر ابننا بسلام من تلك المحنة !"

مدت يدها متقبلة منحته دون تفكير ، دون تردد ، قبل أن تشعر بكلها يترنح أخيراً ساقطة في تلك الدوامة السوداء المريحة ، وكل ما كان يحدث بعد هذا كان مجرد ومضات متقطعة ، تشعرها أنه مجرد حلم يخلقه رأسها المثقل ، المدفون داخل رائحة رجولية تميزها ولو ابتعدا ألف عام ، تغرق داخل ذراعين رئفتين تحملانها بحنو ، ثم بها تتحرك ، وسط صرخات رجولية مزعجة ، وبها تنقل داخل سيارة ما تتحرك ، بينما ذلك الصدر لم يتخلى عنها ، ولا تلك الذراعين الحلوتين بحنانهما تركتاها !"

هي تشعر ، تدرك ما يحيطها ولكن كان أشبه بعالم مختلط بين حلمٍ ناعم يحملها للجنة ، وبين واقع شديدة التعاسة ، ملئ بالألم الذي يفتك بها ، فتعبر عنه بأنين منزوع من داخل فؤادها " لا تحرماني منه ، اتركه متصل بي ، لن يستطيع أن يعيش داخل دنيانا !"

وضعها راشد على الحامل الذي أتى به طاقم التمريض وعدة أطباء ، ثم أمسك بيدها يهتف بحزم عل صوته يتغلل غيبوبتها " لا تستسلمي الآن ، اللعنة بدور أين صلابتكِ طفلنا في امس الاحتياج إليكِ !"

سخرت بتهكم وهي تقول بفظاظة " سلبتني إياها ، كما كل شيء ، أنت معمي حقاً عن جرائمك في حقي !"

" لا فائدة منكِ ، فقط اخرجي حية أنتِ وهو !"

فتحت عيناها بوهنٍ شديد ، تقاوم ثقلهما ألا يعودا ينغلقان ثم همست " أليس موتي سيريحك من رابطي ، لجعلك تنتزع ابني دون مقاومة ؟!"

كان يسمع استعجال الطبيب الذي أخبره بهبوط حاد في الدورة الدموية ، و بألا حل أمامه إلا إدخالها غرفة العمليات ، بيد خالد التي تجذبه من كتفيه عنوة ليحررها ، ولكنه آبى تركها قبل أن يميل يهمس بنبرة وضع كل مررته واستسلامه فيها "

سأقاومكِ لأخر أنفاسي ، سأحاربكِ بداخلي حتى انتزعكِ ، لن أغفر لكِ أبداً أفعالكِ سأرد طعناتكِ يا بدور هذا أكيد ، ولكن لأفعل يجب أن تبقي على قيد الحياة لأستطيع التنفس ، إن خسرتكِ سأموت أنا قبل أن يتحرك نعشكِ !"

هل تسمع حقاً ما يقوله ، أم أن تلك الخيالات هي من ترسم لها " همسه الحالم ؟!" كادت أن تضحك رغم كل شيء هل ما يتفوه من حماقة يقرب للعشق بصلة ؟!"

وحررها أخيراً مستسلم ليدي خالد ، عاجزاً أن يجرؤ على وداعها .

" راشد "

التفت إلى وجه عمه أولاً وهو يفرك جانب عنقه بابتسامة صغيرة مرتجفة إذ أنه فشل فشلاً ذريعاً في اعادة قناعه العازل ، ثم التفت لخالد وهو يقول " اذهب وجد مكان صلي من أجلهما ، أنت الوحيد بيننا الذي سيتقبل خشوعك وتوسل نجدتهما "

عاد بعينيه يحدق في غرفة العمليات متذكراً كلمات الطبيب المبهمة ، والتي جعلت أباها ينهار على أقرب مقعد غير قادر على تحمل " ما يقوله !" فيشعر بدوامتها تجذبه هو ليغرق فيها محاوطة إياه بلحن بطي الوتيرة ، مشؤم الإحساس ، لحن " عناق الموت بق !"



" إياكِ أن تشبهي مصير حرة الأخير ، أنتِ اقوى من أية مِحن ، لا تغادرينا يا طاووس ، قلبي لن يتحمل الخسارة المحتملة !"



انتهى قراءة سعيدة :7R_001::7R_001::7R_ 001::7R_001::7R_001:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 12:41 AM   #1535

Doaa yousry

? العضوٌ??? » 456101
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 22
?  نُقآطِيْ » Doaa yousry is on a distinguished road
افتراضي

😒😒😒😭😭😭😭😭ضرب نااار

Doaa yousry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 12:53 AM   #1536

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

بجد من اكتر الفصول اللى عينى دمعت فيها سواء مشهد سيبنتى وجوان أو ممدوح ولورين أو هناء ونزار أو راشد وبدور ابدعتى بجد نور شابوه ليكى

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 01:01 AM   #1537

Um-ali

? العضوٌ??? » 456412
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 172
?  نُقآطِيْ » Um-ali is on a distinguished road
افتراضي

بكل جملة تكتبها و كل فكرة ترسميها لكل بطل من أبطال الرواية بانفعالاته و عواطفه السلبية و الإيجابية و التعبير عن قهر أنفسهم و صراعها تثبتي نور انك من أكثر الكاتبات تميزا و تستحقي القمة بجدارة

Um-ali غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 01:25 AM   #1538

Dalia Huzaien

? العضوٌ??? » 456096
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 113
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Dalia Huzaien is on a distinguished road
افتراضي

أحسنت عزيزتي 👍👍👏👏👏 سلمت يداك وقلمك.
فصل العناق الأخير ، الألم والوداع على أمل بإصلاح الحال و إنقاذ ما يمكن للبدايه الجديدة و المؤسسة على وضوح رؤية .
جميع المشاعر حاليا مختلطة داخلي كالعادة ، حزن خوف ترقب والكثير من السعادة بهذا القدر من الجمال اللفظي و التعبيري خلال جميع المواقف ❤❤
بارك الله فيك غاليتي وأدام عليك نعمه 😘😘


Dalia Huzaien غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 01:50 AM   #1539

theredrose

? العضوٌ??? » 286136
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 805
?  نُقآطِيْ » theredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond reputetheredrose has a reputation beyond repute
افتراضي

روعه يا نور حقيقي مش عارف اكتب حاجه توصف الكلام الي جوايا دمتي مبدعه

theredrose غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 02:07 AM   #1540

Mummum

? العضوٌ??? » 441364
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 462
?  نُقآطِيْ » Mummum is on a distinguished road
افتراضي Mummum123456789123456789

الله الله الله ايه الجمال دا يا نور تسلم ايدك حبيبتي فصل روعة كالعادة ابدعتي

Mummum غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.